بسم الله الرحمن الرحيم
ذم الدُّنيا
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
كأنَّ حال المُسلمين أو لِسَان حال كثيرٍ منهم يقُول: الهدف والغاية هي الدُّنيا، فإذا أُصِيبَ في دُنْيَاهُ في مَالِهِ في بَدَنِهِ في وَلَدِهِ وُجِدَتْ هذهِ الأُمُور؛ لكِنْ إذا أُصِيبَ بِقَلْبِه،ِ وأهلُ العِلْم يُقَرِّرُونْ أنَّ مَسْخ القُلُوب أعْظَمْ من مَسْخِ الأبْدَانْ، وكَمْ مِنْ مَمْسُوخٍ يَعِيشُ بينَ النَّاس مَمْسُوخٌ القَلْب؟ كم من واحدٍ منْ طُلاب العلم إذا عاصتْ عليهِ مسألة وأشْكَلَتْ عليْهِ اتَّصَفَ بهذهِ الصِّفَاتْ وتَنْكشِفْ؟ لا يَتَّصِف جُلُّ المُسلمين بِهذهِ الصِّفَاتْ إلاّ إذا أُصِيبَ في دُنْيَاه، ولا شك أنَّ هذا منْ إيثَار الدُّنْيَا على الدِّينْ، و إلا فكَمْ منْ إشْكَالْ يَحْصل وكَمْ من مُصِيبة وكارِثَة تَحصُلُ للإسلام والمُسلمين، تَجِدُ الإنسان إذا دعا لا يُحضر القلب لأنَّ المسألة لا تَعْنِيهم على وَجْهِ الخُصُوص؛ لكنْ لو نَزَلَ بِهِ نَازِلَة تَخُصُّهُ اجْتَمَعَتْ هذهِ الصِّفَاتْ وتَوَافَرَتْ هذهِ الشُّرُوط شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إذا أشْكَلَتْ عليهِ مَسْألة اسْتَغْفَرَ مِراراً يُكَرِّر الاسْتِغْفَار، ومَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَار جَعَل الله لهُ منْ كُلِّ همٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، لكِنْ أيْنَ نَحْنُ من الاسْتِغْفَار؟.(1/1)
الفاتحة فيها أسرار عجِيبَة لِمَنْ فهمها وتَدَبَّرَها، كَمْ حَلَّتْ منْ إشْكَالْ في أُمُور الدِّينْ والدُّنْيَا، وابنُ القَيِّم -رحمه الله تعالى- يُجلِّي ذلك ويُصَوِّرُهُ بِدِقَّة في مَدَارِج السَّالِكينْ، ويَذْكُرْ أنَّهُ اسْتَعْمَلَها واسْتَشْفَى بها منْ أَدْوَاء القُلُوب والأبْدَانْ الشَّيْء الكَثِير أبُو سعيد لمَّا قَرَأها على اللَّدِيغْ بَرِئَ فَوْراً، فَنَحْنُ فِي غَفْلَةٍ منْ هذهِ الأُمُور، وهَمُّنَا المَأْكَلْ والمَشْرَبْ والمَلْبَسْ والمَسْكَنْ، ووينْ رَاحْ، ووينْ جَاء، والاسْتراحَاتْ واللِّقَاءَاتْ التِّي غَالِبُها لا فَائِدَةَ فيها و الله المُسْتَعَانْ. أهـ.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأدب مع المشايخ والعلماء
العلامة الشيخ/ عبد الكريم الخضير
نريد كلمه قصيرة في الأدب مع المشايخ والعلماء.
على كل حال المشايخ -يعني أهل العلم- لهم فضلهم على الناس، و ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً يبين فيه قدر العلماء وفضلهم على الناس، فذكر أن الناس كأنهم في أرض فلاة، في واد مشتمل على حصى وشوك وسباع وهوام في ليلة مظلمة، كأنهم يسيرون في هذه الليلة المظلمة في هذا الوادي الذي يكثر فيه الشوك والأشجار المؤذية والدواب والسباع والهوام ثم بعد ذلك جاءهم من بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى خرجوا من هذا الوادي، ففضله عليهم يُمثل هذا بفضل أهل العلم على سائر الناس، يعني لو تصور الإنسان أنه في بلد ما فيه من أهل العلم أحد فأشكل عليه أي مسألة من مسائل الدين كيف يعمل؟ كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يحقق الهدف الذي من أجله وُجد دون أهل العلم؟ لا يستطيع تحقيق الهدف، وإذا أضاع الهدف خسر دنياه و أُخراه، بخلاف ما لو صار في بلد لا يجدُ من يعينه على التجارة، ولا يجد من يفتح له آفاق وأبواب للتجارة؛ فإنه حينئذ يخسر شيئاً من الدنيا و ولا يضيره هذا، فلا شك أنَّ أهل العلم لهم فضل على الناس فاحترامهم مطلوب، لكن لا يوصل بهم إلى حد الغلو، كما يوجد عند بعض الفئات وبعض المجتمعات وبعض المذاهب، يغلون في علمائهم وشيوخهم، ويصرفون لهم مما هو حق لله -جل وعلا-.
المقطع من تفسير الشيخ لسورة العصر.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
السُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل
العلامة/ عبد الكريم الخضير
{فَحَقَّ وَعِيدِ}[(14) سورة ق] أي وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك، يعني السُّنَّة الإلهيَّة بالنِّسبة للمُخالفين لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، فمتى وُجدت المُخالفة، وأُيِسَ من الاستجابة حقَّ الوعيد، وحقَّت كلمةُ العذاب، والسُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، وما نعيشُهُ في زماننا من مُخالفات مع أنَّ الله -جل وعلا- يُوالي علينا من النِّعم ما لا نقُومُ بِشُكرِهِ يُخشى منهُ من سُوء العاقبة، فلو قرأنا في المُجلَّد السَّادس من نفح الطِّيب وجدنا الصُّورة مُطابقة؛ لكن نسأل الله -جل وعلا- أنْ يتداركنا، وأنْ يردَّنا إليه ردًّا جميلاً، فالسُّنن الإلهية لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، يعني ما استُثني من الوعيد الذِّي حقَّ على هؤُلاء المُكذِّبين إلاَّ قوم يُونس، استُثنوا لما رأوا العذاب آمنوا و إلاَّ حقَّ الوعيد ورأوا العذاب ما فيه سُنن لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، ما فيه إذا رأيت المُقدِّمات مُقدِّمات الفتن ومُقدِّمات الشُّرُور والعذاب تقول: آمنت، ما يكفي، أُعطيت فُرصة ومُهلة وعندك ما يدلُّك على الصِّراط المُستقيم ومع ذلك خالفت بطوعك واختيارك تحمَّل، يقول: {فَحَقَّ وَعِيدِ} وجب نزول العذاب على الجميع فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك، وفي هذا تسلية للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان -عليه الصلاة والسلام -يعني الأرجح عندهُ والمُفضَّل عندهُ أنْ يستجيبُوا لهُ، وينجُونَ بسببِهِ؛ لكن الذي يُخالف مع الإصرار والعناد يتحمَّل، الذِّمة برئت من تبلِيغِهِ، وهكذا ينبغي أن يكُون الدُّعاة إلى الله -جل وعلا-، أوَّلاً: يجب أنْ يكُونُوا على بصيرة من أمرهم، وأنْ يقتدُوا بنبيِّهم -عليه الصلاة والسلام-، وما عليهم بعد ذلك إلاَّ البلاغ، كونك تدعو وتدعو وتدعو ولا ترى مُستجيب لا يعني إنَّ هذا خلل فيك أو في دعوتك؛(1/1)
وإنَّما النتائجُ بيد الله -جل وعلا- والقُلُوب بيدِهِ -سبحانه وتعالى-، أنت عليك أنْ تبذل السَّبب تأمُرُ وتنهى وتدعُو إنْ استجاب المدعُو و إلاَّ فالأمرُ ليس إليك {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}[(128) سورة آل عمران] هذه قيلت في أشرف الخلق، فلا يضيق صدرك بمثل هذا، نعم ((لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيراً لك من حُمر النعم)) لكن لا يعني أنَّك تحترق أو تبخع نفسك أو تقتل نفسك إذا لم يستجب لك أحد، أنت أجرُك ثابت والعُقُوبة على المُخالف، والنَّتائج بيد الله -جل وعلا-، ومن نِعم الله -جل وعلا- أنْ رتَّب الأجر على بذلِ السَّبب لا على النَّتيجة.(1/2)
وبعضُ الكُتَّاب المُعاصرين مع الأسف أنَّ كُتُبُهم تتداول في المكتبات، يقول: إنَّ نُوحاً فَشِل في دعوتِهِ، يعني ألف سنة إلاَّ خمسين عام ما استجاب إلا نفرٌ يسير؟! ما استطاع أنْ يُؤثِّر على ولدهِ ولا على زوجتهِ دعوتُهُ فاشلة، مثل هذا يُقال: في حقِّ نبي؟! في حقِّ رسُول؟! ويتطاول أيضاً على أشرف الخلق ويقول: إنَّ مُحمداً فَشِل في دعوتِهِ في مكَّة والطَّائف ونجح في المدينة {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[(35) سورة النحل] الدُّعاة أتباع الرُّسُل الذِّين يدعُون إلى الله على بصيرة قد لا يستجيبُ لهم أقربُ النَّاسِ إليهم، ولو فتَّشنا في بيُوت العُلماء الكِبار وجدنا في أبنائهم مُخالفات، وجدنا في نسائهم مُخالفات؛ لكن هل يعني هذا أنَّهم ما بذلُوا، بذلُوا يا أخي؛ لكن الهِداية بيد الله -جل وعلا-، لا يملك القلوب إلاَّ الله -جل وعلا-، أنت عليك بذل السَّبب، كثيرٌ حتَّى من طُلاَّب العلم يتندَّر يقول: شوف فُلان انشغل بدعوةِ النَّاس وتعليم النَّاس والمصالح العامَّة والخاصَّة وشوف أولادهم شو هم، نحن نعرف من شيوخنا من تقطَّع أسى على أولادِهِ، وبذل لهُم من جُهدِه ووقتِه ومالِهِ ما يَسعى بِهِ إلى إصلاحِهم لكنْ ما بيده حِيلة؛ لكن لا يعني هذا إنَّ الإنسان يُفرِّط في تربية أولادِهِ ونِسَائِهِ وأَطرِهِم على الحق ثُمَّ يقول: النَّتائج بيد الله، ابذل والنَّتائج بيد الله، أنت عليك بذل السَّبب. أهـ.
المقطع من تفسير سورة (ق) الدرس الثاني.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
القُلُوب تحتاج إلى مُراجعة
العلامة د/ العلامة عبد الكريم الخضير
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}[(191) سورة آل عمران] وهُو أفضل الأذكار، وهذهِ صِفةُ قراءتِهِ -عليه الصلاة والسلام- مُرتَّلة، مع التَّدبُّر، مع التَّأثُّر بالقُرآن؛ لأنَّهُ يقرأ كلامُ الله، كأنَّهُ يُخاطب الرَّحمن.
هُو الكِتابُ الذِّي من قام يقرؤُهُ ... كأنَّما خاطب الرَّحمن بالكلِم
وعلى طالب العلم أنْ يُعنى بهذا أشدَّ العِناية، يكُون لهُ وِرْد يومي لا يُخلُّ بِهِ سفراً ولا حضراً، وأنْ يكُون على هذهِ الطَّريقة؛ لأنَّهُ إذا تعوَّد على غيرها صَعُبَ عليهِ أنْ يرجِع، يصعُب عليهِ أنْ يرجِع، في الأمُور المحسُوسة إذا تعوَّد السُّرعة في السَّيَّارة يصعُب عليهِ يَهدِّي، ويتضايق من أيِّ شخص يمشي أمامُهُ وهُو غير مُسرع، والذِّي تعوَّد الهذ في القراءة ما يستطيع أنْ يقف، وكم حصل مِمَّن تعوَّد هذهِ السُّرعة إنَّهُ يسجد في غير موضع السُّجُود، ويتجاوز السُّجُود، ولا ينتبه إلا بعد ورقتين أو ثلاث، والقلوب كما تعلمُون في هذه الأزمان انتابها ما انتابها، وغطَّى عليها من الرَّان مع اللهُ بِهِ عليم.(1/1)
وهذا يحصل على كافَّة المُستويات حتَّى من بعض طُلاَّب العلم، والله المُستعان، يعني يُتصوَّر إنَّ شخص يبدأ بيُونس ولا يشعُر إلا وهُو بيُوسف؟! مرَّت عليه هُود ما دري، يعني من منَّا من تُحرِّك فيه شعرة الآية: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}[(8) سورة المدثر] نحس؟ والله ما نشعر بشيء يا الإخوان، نسأل الله -جل وعلا- أنْ يُحيِيَ القُلُوب، وأنْ يمنع الوسائل التِّي صارت سبَباً على تغطِيَة هذه القُلُوب، التَّخليط في المَطْعَم أمرُهُ مُشْكِل جدًّا، وعُمُوم النَّاس الآن لا يبحثُون إلاَّ عن المال بأيِّ وسيلةٍ كانت، لا ينظُرُون في السَّبب أو الوسيلة التي حصل بها هذا المال، والأكل، والمُوظَّف والتَّاجر على حدٍّ سواء، النَّاس كُلُّهم أو جُلُّهُم لا يحتاطُون في أمر المَطْعَم والمَشْرَب، وهذا السَّبب جَعَلَهُم يَصِلُون إلى هذا الحد، يدعُون فلا يُستجاب لهُم، ويَقْرَؤُون ولا يَنْتَفِعُون، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "قراءة القُرآن على الوجه المأمُور بِهِ تُورثُ قلب المُسلم من العِلم واليقين والإيمان ما لا يُدْرِكُهُ أحد إلا من يفعلُهُ"، لذلك نقرأ القرآن أو نقرأ جرائد والله أمرٌ واحد، وإذا أردْتَ أنْ تعتبِر فاعتبر بمن يقرأ ويبكي، فهل هذا خُشُوع؟ لا ندخل في قُلُوب ولا في النِيَّات، لكنْ هل هذا خُشُوع؟ يبكي في أوَّل الآية وفي آخر الآية يُتعتع وفي الآية الثَّانية ما كأنَّ شيئاً حصل هذا خُشُوع؟ خُشُوع السَّلف إذا بَكَى اللَّيلة من بُكرة يُعاد مريض، هذا التَّأثُّر الحقيقي، أمَّا تتأثَّر عينك تدْمع هذا تخاشُع لا بأس وزين وأفضل من عدمِهِ؛ لكنْ يبقى إنَّ الخُشُوع الحقيقي ما هُو موجُود، يعني الآية الثَّانية كأنَّهُ ما كأنَّ شيئاً حصل، وحصل قِصَّة أظن ذكرتها لكم، قدامي بالعشر وفي الوتر في القُنُوت بعد، يبكي بُكاءً شديداً، ولمَّا سلَّم يُناقِش صاحِبُهُ عن الثَّلاجة التي تُحفظ بها الشاهي، وش تسمِّيها(1/2)
أنا ما أسمِّيها وتهاوشوا، كادا أنْ يتضارباَ، وقد أزعج النَّاس ببُكائِهِ الشَّديد، يا الإخوان القُلُوب تحتاج إلى مُراجعة، تحتاج إلى مُعاودة، هذا المرض الحقيقي، الإنسان إذا أُصيب بزُكام وإلا بأدنى مرضٍ حِسِّي فَزِع إلى الأطِبَّاء، والقُلوب ما نسعَى أدنى سَعِي لإصلاحِها، هذه مُشكلة، يعني الإنسان قد يُمسَخ وهُو ما يدري؛ بل المسخ المعنوي أعظم من المسخ الحِسِّي كما قرَّر أهلُ العلم، إذا مُسِخ القلب خلاص انتهى، والله المُستعان.
المقطع من تعليق الشيخ على (زاد المعاد)(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الموت وأحوال المحتضرين
العلامة/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أنْ يعمل في حال حياتِهِ من الأعمال الصَّالحة ما يجعلُهُ يُحسن الظَّن بالله -جل وعلا-، وما يكُونُ سبباً في حُسْنِ العاقبة وحُسْن الخاتِمة، والشَّواهد من المُحتضرين كثيرةٌ جدًّا على هذا وعلى ضِدِّهِ؛ فمن عاش على شيء مات عليه، وأهلُ العلم يقُولُون: الفواتِح عنوان الخواتم، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعِثَ عليهِ، من لزم الأعمال الصَّالحة ذكرها عند موتِهِ وكرَّرها وقت اختلاطِهِ وهَرَمِهِ وشَغِفَ بها وأحبَّها، وشواهد الأحوال كثيرة على هذا، كم من شخص يحصلُ لهُ ما يحصل من إغماء وهو من أهل القرآن يُردِّد القرآن وهو لا يعرفُ أحد، ولا يستطيع أنْ يتكلَّم بكلمة ومع ذلك يُسْمع منهُ القرآن واضح، وكم من مُؤذِّن إذا جاء وقتُ الصَّلاة سُمع منهُ الأذان وهو في حالة إغماء.
وبالمُقابل من كان يُزاول الأعمال السَّيِّئة والجرائم و المنكرات تجدُهُ يُكررُها، وذكر ابن القيم -رحمه الله- تعالى في الجواب الكافي بعض القصص المُخيفة، فينتبه الإنسان لهذا، وإذا قيل لبعض النَّاس ممَّن شُغِف بالخمر قُل: لا إله إلا الله أجاب بما عاش فيه، إذا كان مشغُوفاًً بالغناء قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ردَّد أُغنية، و إذا كان مشغُوفاً بالنِّساء إذا قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ذكر بعض النِّساء المُومِسَات -نسأل الله السَّلامة والعافية-.(1/1)
فعلى الإنسان أنْ يعمر حياتهُ بطاعة الله -جل وعلا- ليستصحِبَها إلى وفاتِهِ، قد يكون في نفس الإنسان هواجيس وخواطر يُردِّدُها، وأماني تغلبُ على تفكيرِهِ، ذكر ابن القيم في عِدة الصَّابرين أنَّ كثير من النَّاس ممَّن غلبت عليهم هذه الهُمُوم و الهواجس إذا صار بحالةٍ من إغماء أو خرف أو تخليط صار يُردِّدُها عند النَّاس، وكلٌّ لهُ همُّه، فمن النَّاس من كان همُّهُ في الدين ونصر الدِّين يُردِّد هذا، ومن كان همُّهُ في الدُّنيا ردَّدَها، من كان همُّهُ بالأكل ردَّد الأكل إذا خَرِف، أدركت شخص من كبار السِّن من المُسلمين كُفَّ بصرُه وصار يجلس بالشَّارع وكُل من مر قال –بلهجتِهِ-: من يراهن على دجاجة ما فيه أحد يجيب دجاجة يأكلها كاملة، هذا أيام كان الدَّجاج قليل جدًّا لا يُوجد، فاستصحب هذا الأمر إلى أنْ خَرِف صار يُردِّد هذا الكلام، بعد أنْ وسَّع الله على المُسلمين و صار الدَّجاج يعني أكثر من التَّراب، لأنَّهُ عاش على هذا الأمر، ومن عاش على ذكر الله ردَّد الذّكر، ومن عاش على التِّلاوة ردَّد التِّلاوة وهكذا، والجزاءُ من جنس العمل، وتجد بعضُ من خرف يُحْجب عن الزَّائِرين حتَّى أقرب النَّاس إليه؛ لأنَّهُ يتكلَّم بكلام حقيقةً يُخجل السَّامِع فضلاً عن القريب، لماذا؟ لأنَّهُ كان يُردِّدهُ في حياتِهِ، وفرق بين من تدخل بالعناية المُركَّزة بالمُستشفى وتجد شخص يقرأ القرآن، وآخر يُؤذِّن، وثالث يلعن ويشتم ويسب من لا شعُور ما يدري عن شيء، شيء مُشاهد، ومن أراد أنْ يعتبر ويدَّكر كما قال القرطبي في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}[(1) سورة التكاثر] يقول: من أراد الاعتبار و الادكار يزُور المقابر، يقول: إنْ كان مع كثرة زيارتِهِ إلى المقابر قد قلَّ أثرُها في نفسِهِ وتأثيرُها عليهِ، فليحضُر المُحتضرين، حالة سُبحان الله العظيم من شاهدها لاشكَّ أنَّها تُؤثِّر من في قلبِهِ أدنى حياة؛ لكن الميِّت ما لجرحٍ بميِّتٍ(1/2)
إيلامُ، قلب الميِّت مالهُ حياة، ويُشارك في التَّغسيل ويحضر الجنائز، ومع ذلكم بعضُ النَّاس يشهد هذه المشاهد ولا تُؤثِّر فيه شيء، لاشكَّ أنَّ كثرة الإمساس و كثرة مُعاينة هذه الأُمُور قد تُخفِّفُها على النَّفس؛ ولكنْ يبقى أنَّها لابُدَّ من استحضار حال الإنسان في هذا الظَّرف، فمن استحضر حالهُ في هذا الظَّرف لابُدَّ أنْ يتأثَّر، وعُثمان -رضي الله عنه- إذا رأى القبر بكى بُكاءً شديداً يقول: هذا أوَّل منازل الآخرة، إذا نجينا من هذا المنزل خلاص عتقنا، ويُوجد الآن رأيَ العين من يُدخِّن على شفير القبر، موجُود وليس بشاب لا كهل نصف لحيته أبيض ويدخن على شفير القبر، فضلاً عمن يبيع ويشتري ومواعيد ونُكت في المقبرة، كل حالة لها لبوس، والله المُستعان.
المقطع من كتاب الجنائز من بلوغ المرام(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر
العلامة/ عبد الكريم الخضير
الأُمَّة إنَّما فُضِّلت على غيرها بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر، الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر شأنُهُ عظيم، لماذا لُعن لأيِّ شيءٍ لُعن بنو إسرائيل: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}[(79) سورة المائدة] هذا السَّبب، فإذا وجدنا المُنكر ولا نُنكِرُهُ، ولا يعني هذا إنَّ الواحد يأخذ عصا ويطلع يضرب هذا وهذا، لا لا أبداً، الشَّرع -ولله الحمد- جعل لك فُسحة، لا تستطيع أنْ تُغيِّر بيدك، وكُلُّ إنسان في بيتِهِ يستطيع التَّغيير بيدِهِ، ومن لهُ ولاية على شيء يستطيع التَّغيير بيدِهِ؛ لكنْ إذا لم يستطع فالخِيَار الثَّاني التَّغيير باللِّسان، وهذا مقدُورٌ عليه في بلادنا -ولله الحمد- ولا يُوجد من يمنع من التَّغيير باللِّسان إذا لم يُوجد هُناك مُشكلة أو مَفسدة أعظم من هذا التَّغيير.(1/1)
المقصُود أنَّ علينا أنْ نتكاتف على هذا المرفق العظيم، وننُوء بالحمل مع إخواننا الرَّسميين، ولعلَّ الله -جل وعلا- أنْ يدفع عنَّا، فالمُنكرات لاشكَّ أنَّها سبب لمَقْتِ الله وغَضَبِهِ، ففي الحديث الصَّحيح: "أنهلكُ وفينا الصَّالحُون؟ قال: ((نعم، إذا كَثُر الخبث)) يعني عندنا صالحُون كُثُر -ولله الحمد- عندنا عُلماء عاملُون، عندنا دُعاة و قُضاة، وعندنا أخيار، عندنا زُهَّاد عندنا عُبَّاد؛ لكنْ الخَبُث كَثُر فيُخْشَى علينا، ولا نستطيع أنْ نَرُد هذا الخبث إلاَّ بالأمرِ بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر، ولذلك قُدِّم على الإيمان {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}[(110) سورة آل عمران] فقُدِّم الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر على الإيمان، و الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر لا يصِحُّ بُدون إيمان إلاّ أنَّهُ من أجل أنَّنا فُضِّلنا بِهِ على سائر الأُمَم قُدِّم؛ و إلاَّ فالأُمَم السَّابقة كُلُّهُم يُؤمنُون بأنبيائِهِم، يعني من كُتِبَ لهُ إتِّباع الأنبياء يُؤمنُون.
المقطع من مُحاضرة بعنوان وصايا للشَّباب(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات ينبغي للمُسلم تأملها
العلامة/ عبد الكريم الخضير
فَعَلى المُسْلِم أنْ يَتَأَمَّلْ مِثْل هذهِ الآيَاتْ، وهذهِ السُّوَرْ القَصِيرَة فِيها العَجَائِبْ، فِيها العَجَائِبْ لاسِيَّما السُّوَرْ المَكِّيَّة التِّي فِيها هذهِ الأهْوال، السُّوَرْ المَدَنِيَّة فِيها شَيء مِمَّا ذُكِرْ مِمَّا يُوعظُ بِهِ ويُذَكَّرُ بِهِ؛ لَكِنْ الغالِب فيها بَيَانْ الأحكام والشَّرَائِع، أمَّا السُّور المَكِّيَّة فَعَلَى قِصَرِها فَفِيها ما يَسُوطُ القُلُوبْ، ويَزْجُرُ القُلُوبْ، ويَدْفَعُ القُلُوب إلى العَمَلْ؛ لَكِنْ قَلْبُ من؟ اللهُ -جلَّ وعَلا- يقُول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[(45) سورة ق]، فالذِّي يَخَافُ الوَعِيدْ هُو الذِّي يُذَكَّرْ بالقُرْآنْ، أمَّا الذِّي لا يَخَافْ مِمَّنْ مَاتَ قَلْبُهُ، نَسْأل الله السَّلامة والعَافِيَة، مِثل هذا يَقْرَأ قُرآنْ، أوْ يَسْمَع قُرآنْ، أوْ يَسْمَعْ جَرِيدَة، ويَسْمَع تَحْلِيلْ صَحَفِي أوْ غَيْرُهُ لا فَرْق عِنْدَهُ، والله -جلَّ وعَلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[(17) سورة القمر]، لَكِنْ لِمَنْ؟ يعنِي هَلْ هُو للغَافِلْ واللاَّهِي والسَّاهِي؟ أو كما قَال الله -جلَّ وعَلا-: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر]؟ يَعْنِي هل مِنْ مُتَذَكِّرْ؟ هل مِنْ مُتَّعِظْ؟ هل مِنْ مُنْزَجِرْ؟ نعم إذا وُجِدَ هذا فالقُرآنْ مُيَسَّرٌ عليهِ، يُسِّرَتْ قِرَاءَتُهُ، يُسِّرَ حِفْظُهُ، يُسِّرَ فَهْمُهُ، يُسِّرَ العَمَلُ بِهِ؛ لَكِنْ لِمَنْ أَرَادَ أنْ يَذَّكَّرْ، لِمَنْ أرادَ أنْ يَتَذَكَّر بالقُرآنْ، يَتَّعِظْ بالقُرآنْ يَسْتَفِيدْ، أمَّا الذِّي يَقْرَأ القُرآنْ لا بهذهِ النِّيَّة فَإنَّ فَائِدَتُهُ وإنْ اسْتَفَادَ أجْرَ قِرَاءةِ الحُرُوفْ فإنَّهُ لا يَسْتَفِيدْ قَلْبُهُ شيء من هذهِ القِرَاءة إلاَّ بِقَدْرِ مَا(1/1)
يَعْقِلُ منها.
المقطع من تفسير الشيخ لسورة القارعة(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
تساهل يقع فيه كثير من الأطباء
العلامة/ عبد الكريم الخضير
يعني تجد بعض الأطباء وبعض الطَّبيبات عندهم من التَّساهل بعورات المرضى الذِّين غُطِّيت عُقُولُهم، وارتفع عنهم التَّكليف، أما في حالة إغماء أو حالة تَّخدير تجد الطَّبيب لا يقتصر على موضع الحاجة من البدن أو الطبيبة لا تقتصر على موضع الحاجة من البدن، وقد لا يقتصرون على من لهُ حاجة بهذه المسألة فيُطلعُون غيرهم، ويكشفُون ما لا يحتاج إليه، كل هذا لا يجُوز بحال؛ لأنَّ الواجب ستر العورة والمرأة معروف عورتها أنَّها كلُّها عورة والرجل ما بين سُرَّتِه و رُكبتِه عورة، فلا يجُوز الإطلاع على العورات إلا بقدر الحاجة، فيُقتصرُ عليها عند من يحتاجُ إليها فقط، يعني إذا كان الطَّبيب هو المُعالج الممرض لا داعي أنْ يرى هذه العورة، لا يجوز أنْ يرى، إذا كان طبيب واحد ينُوء بهذه المُهمَّة لا يجُوز أنْ يُستدعى ثاني؛ لأنَّ الأصل حفظ العورات، فعلينا أنْ نُلاحظ هذا الأمر، وأنَّ الأصل المنع.
المقطع من كتاب الطب والمرض من مختصر صحيح مُسلم للحافظ المنذري -رحمه الله-(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
خطر الذُّنُوب والمعاصي
العلامة/ عبد الكريم الخضير
وإنَّ الرَّجُل ليُحْرَم الرِّزْقَ بالذَّنْب، الذُّنُوبْ هي أسْبَابُ كُلِّ مصيبة وكُلُّ كَارِثَة، سَبَبٌ للحِرْمَانْ مِنْ الأرْزَاقْ الفَرْدِيَّة والجَمَاعِيَّة، ولَوْلا عَفْوُ الله -جل وعلا- ولُطْفُهُ بِعِبَادِهِ ما أَمْهَلَهُمْ مَعَ أنَّهُم يَعْصُونَهُ لَيلَ نَهار، ولِذَا قال: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}[(30) سورة الشورى] وقال: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ}[(45) سورة فاطر]، والله -سبحانه وتعالى- يَغَار أنْ تُنْتَهَكْ مَحَارِمُهُ، والمَسْألَة كما تَرَوْنْ وتُشَاهِدُونْ الخَبَثْ كَثُرْ، الخَبَثْ كَثُر وظهر في المُجْتَمَعَاتْ الإسْلامِيَّة ولوْ وُجِدَ فيها منْ وُجِدْ منْ أهلِ الخَير والفَضْلْ والصَّلاح والعِبَادَة والزُّهْد؛ لَكِنْ الخَبث كَثُرْ، وفي الحديث الصَّحيح: "أنَهْلَكُ وفِينَا الصَّالِحُونْ؟ قال: ((نعم إذا كَثُرَ الخَبَثْ)) فَنَحْنُ على خَطَرٍ عَظِيمْ، وعَلَيْنَا مُرَاجَعَةِ أنْفُسِنَا، ومنْ تَحْتِ أيْدِينَا، ومَنْ نَسْتَطِيعُ نَفْعَهُ من المُسْلِمينْ، واللهُ المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
خطر الوقوع في أهل العلم
العلامة/ عبد الكريم الخضير
يقُول: مَا حُكمُ الوُقُوعْ فِي أَهْلِ العِلْم وإِنْ صَدَرَ مِنْهُم بَعْضِ الفَتَاوَى التِّي تُخَالِفُ إِجْمَاعُ أَهْلِ العِلْمْ؟
الوُقُوعْ فِي أَعْرَاضِ المُسْلِمِينْ كَمَا يَقُول ابْنُ دَقِيق العِيدْ يقُول: "أَعْرَاضُ المُسْلِمِينْ حُفْرَة مِنْ حُفَر النَّارْ، وَقَفَ عَلَى شَفِيرِهَا العُلَمَاءُ والحُكَّامْ" فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْفَظَ لِسَانَك وتَصُون مَا اكْتَسَبْتَهُ مِنْ حَسَنَاتْ، لا تُوَزِّعْ حَسَنَاتِكْ عَلَى فُلانْ وفُلانْ و فُلانْ، فَاحْرِصْ عَلَى مَا جَمَعْتْ يَعْنِي لَوْ أَنَّكَ اجْتَهَدْتَ فِي يَوْمِكَ وكَسِبْتَ دَرَاهِمَ مَعْدُودَة مِئَاتْ أَوْ أُلُوفْ أَو عَشَرَاتْ ثُمَّ وَضَعْتَهَا فِي صُنْدُوقٍ عِنْدَ البَابْ وَلَمْ تَنْوِ بِذَلِكَ التَّقَرُّبْ إِلَى اللهِ -جل وعلا- إِنَّمَا مِنْ بَابِ السَّفَه فَجَاءَ الصِّبْيَان وجَاءَ الأَطْفَالْ وأَخَذُوهَا و رَمَوْهَا أَوْ مَزَّقُوهَا مَاذَا يُقَالُ عَنْك؟ يُقُال: مَجْنُونْ مَا فِيه أَحَد بيترَدَّدْ أَنَّ مَنْ يَصْنَعْ هَذَا العَمَلْ مَجْنُونْ، لَكِنْ هَذِهِ الحَسَنَاتْ التِّي تَعِبْتَ عَلَيْهَا وهِيَ زَادُكَ إِلَى الآخِرَة عَلَيْكَ أَنْ تُحَافِظَ عَلَيْهَا والنَّبِي -عليه الصلاة والسلام- يَقُول لِصَحَابَتِهِ الكِرَام: ((أَتَدْرُونَ مَنِ المُفْلِسْ؟)) قَالُوا: المُفْلِسُ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ ولا مَتَاعْ، قَال: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ،(1/1)
فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)) فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْفَظ لِسَانَك لا بِالنِّسْبَةِ لِلْعُلَمَاءْ ولا لِغَيْرِهِمْ، والعُلَمَاء أَوْلَى مِنْ أَنْ تَحْفَظَ أَعْرَاضِهِمْ؛ لِأَنَّ الكَلامَ فِيهِمْ يُهَوِّنُ مِنْ شَأْنِهِمْ، والتَّهْوِينُ مِنْ شَأْنِهِمْ لا لِأَنَّهُم فُلانْ أوعِلاَّنْ هَذَا لا يَضُرُّ كَثِيراُ مِثْلْ مَا يَضِر مِنْ التَّهْوينْ مِنْ أَهْلِ العِلْمْ الذِّينَ هُمْ فِي الحَقِيقَة قُدُوَاتْ لِلنَّاسْ.
يقُول: وإِنْ صَدَرَ مِنْهُم بَعْضِ الفَتَاوَى التِّي تُخَالِفُ إِجْمَاع أَهْلِ العِلْمْ؟
إِذَا لاحَظْتَ مِثْلَ هَذِهِ الفَتْوَى فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَثَبَّتْ بِالفِعْل هَلْ قَالَ هَذَا العَالِمْ؛ لِأَنَّ بَعْض النَّاسْ يَتَسَرَّعْ فِي النَّقْل وقَدْ يَنْقُلْ خَطَأْ، فَأَنْتَ تَتَثَبَّتْ مِنْ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا ومِنْ صِحَّةِ مَفَادِهَا ومِنْ صِحَّةِ حَقِيقَتِهَا، ومِنْ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إِلَى القَائِلْ ومِنْ صِحَّةِ القَوْل فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِك عَلَيْكَ أَنْ تُنَاقِشْ هَذَا القَائِلْ وبِأُسْلُوبٍ مُؤَدَّبٍ ومُحْتَرَم وتقُول لَهُ: سَمِعْنَا كَذَا فَهَل هُو صَحِيح، وإِنْ كَانَ صَحِيح فَمَا وَجْهُهُ، وأَهْلُ العِلْمِ سَلَفاً وخَلَفاً يقُولُونْ كَذَا وتَصِلْ إِلَى مُرَادِكْ مِنْ غَيْرِ أنْ تَضُرَّ نَفْسَك.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
احرص على أن تستفيد من غيرك
العلامة الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إنْ استطعْتَ أنْ تكُون أنْتَ المُحدَّثْ فافعل، وهذا من باب التَّدافُع والتَّدارُؤ المعرُوف عند السَّلف، النَّاس يتسَابقُون على الكلام، وابن مسعُود يقول: "إنْ استطعْتَ أنْ تكُون أنْتَ المُحدَّثْ فافعل" أنت المُستفيد من غيرك فافعل، لكنْ هل هذا يطرد؟ يستمر الإنسان طُول عُمره يستمع للنَّاس ولا يفعل شيء؟ لا، يعني إذا وُجد الأقران الذِّين ينفعُ بعضُهم بعضاً، احرص على أنْ تكُون مُستفيد، أمَّا إذا وُجد عالم وجاهل، فيحرص أنْ يكُون هُو المُفيد العالم والمُستفيد الجاهل، ما نقول للعالم: انتظر خلِّ هذا يتكلَّم، أو نقول للكبير: انتظر خلِّ هذا يتكلَّم، لا، لكنْ إذا وُجد أقران، وكأنَّهُ يُوصي أصحابهُ وهم من طبقةٍ واحدة، وعلى درجةٍ واحدة، وكلُّ واحد عندهُ من العلم ما ينفع بهِ غيرهُ، فليحرص الإنسان على أنْ يستفيد؛ لأنْ أهم ما على الإنسان نفسُهُ، وفي هذا أيضاً كبْح لجماح كثير من النَّاس الذِّين يُريدُون أنْ يتصدَّرُوا، يُريدُون أنْ يستلمُوا المجالس دُونَ غيرهِم ، وبعض النَّاس يستلم المجلس بفائدة وبغير فائدة، نقول: لا يا أخي، احرص على أنْ تستفيد من غيرك بِقدر الإمكان، لاسيَّما إذا وُجدْتَ مع من هُو أولى منك، أولى منك بالكلام، دعهُ يتكلم تستفيد أنت ويستفيد غيرك، أو أكبر منك سِنًّا، اترك المجال للكبير، كبير القدْر وكبير السِّن، ثُمَّ بعد ذلك إنْ وُجِد لك مجال تكلَّم، إذا وُجد عندك علم تظن اندراسهُ أو لا يحملهُ إلاَّ أنت عليك أنْ تُؤَدِّيَهُ.
المقطع من تعليق الشيخ على كتاب (العلم لأبي زهير بن أبي خيثمة)(1/1)
كيف تجاهد نفسك؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كيف تتم مُجاهدةُ النَّفس والتَّغلُّب على الأهواء مع المُحافظة على الصَّلاة والأذكار وقراءة القرآن؟
مُجاهدة النَّفس، والمُصابرة والمُغالبة لا شكّ أنَّها تَتِم بِمُخالفة هوى النَّفس، النَّفس تَمِيل إلى ما حُفَّتْ بِهِ النَّار؛ لأنَّها شهوات، تشتهِيها النَّفس، وتَمِيل إليها، والنَّار حُفَّتْ بالشَّهواتْ، فعليكَ أنْ تُجاهِد نَفْسَك في مُقاومة هذهِ الشَّهوات، الشَّهوة منها المُحرَّم الذِّي لا يجُوزُ فِعْلُهُ بحال ((إذا نَهيتُكُم عنْ شيءٍ فاجْتَنِبُوهُ))، منها المكرُوهات التِّي فِعْلُها لا إثْمَ فيهِ إلاَّ أنَّ الإكْثَارَ منها يَجُرُّ إلى ارتِكَاب المُحرَّمات، من الشَّهوات المُباحات لا إشكالَ في ذلك في مُزاوَلَة هذهِ الشَّهوات المُباحات؛ إلاَّ أنَّ الاسترسال في هذهِ الشَّهوات قَدْ تَطْلُبُهُ النَّفس في وقتٍ لا يكُونُ مَقْدُوراً عليهِ أو وُجُوداً فَتَجُرُّهُ النَّفس إلى بعض المكرُوهات وهكذا..،(1/1)
ولذا كان سلفُ هذهِ الأُمَّة يَتْرُكُونَ بعض الحلال أو حتّى قال: تسعة أعشار الحلال خَشْيَةَ أنْ يَقَعُوا في الحرام، فإذا تَقَلَّلَ الإنْسَانْ من هذهِ المُباحات، وجَمَع ذِهْنَهُ وحَصَرْ نَفْسَهُ على فِعْلِ الطَّاعات وجاهد؛ يُوَفَّق، وإذا صَدَق اللَّجَأ إلى الله -سُبحانَهُ وتعالى-، وانْكَسَر وانْطَرَح بين يَديْهِ، وسَأَلَهُ الرَّغْبَة والإقْبَال، والتَّلَذُّذ بِمُناجاتِهِ، الإشكال عند كثيرٍ من النَّاس أنَّهُ تبعاً لِما جُبِلَ عليهِ الإنْسَان من كونِهِ مدنيّ الطَّبع، يَكْرَه العُزْلَة، يُحِبُّ الخُلْطَة، جُبِلَ الإنْسَانُ على ذلك؛ لكنْ من جَاهَد نَفْسَهُ، وتَلَذَّذْ بِمُناجَاة الله -عَزَّ وجل-، وذِكْرِهِ، وتِلاوةِ كِتَابِهِ، تَجِدْهُ أحْرَصْ ما يكُون على العُزْلَة، ولمَّا لما قِيل لابن مَعِينْ: ماذا تَتَمَنَّى في المرض الذِّي مات فيهِ؟! فما أُمْنِيَتُهُ رحمهُ الله؟! بيتٌ خَالِ، وسندٌ عالِ، الآن لو يَجْلِسْ إنْسَان في بيتِهِ، أهلهُ في زيارة مثلاً وهو جالس، يضيق بنفسِهِ، تَضِيق بِهِ الدُّنيا ذَرْعاً؛ لأنَّهُ ما تَعَوَّدْ على الخَلْوَة، وكيف يَسْتَغِلّ هذهِ الخَلْوَة! وكيف يَسْتَفِيد من هذا الفَرَاغ! الفَرَاغ يا الأخوان نِعْمَة، كما أنَّ الصِّحَّة نِعْمَة ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفَرَاغ)) اليوم فارغ ما عندك شيء، لماذا لا تَسْتَغِلّ هذا الفَرَاغ بِما يَنْفَعُك؟! يَسُرُّك يوم القِيَامةِ أنْ تَراهُ، وما يُدْرِيكْ لَعَلَّك تَنْشَغِلْ بَقِيَّة عُمُرِك؟! سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة تُقال في دقيقة ونِصف سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة، في الصَّحيحين وغيرِهِما لا أحد يقول لنا أجرٌ عظيم رُتِّب على عملٍ يسير وهذا دليل، لا أبداً هذا حديث في الصَّحيحين وغيرهما ليس لأحدٍ كلام، سُبحان الله وبِحَمْدِهِ مائة مرَّة ((...(1/2)
من قالها في يوم مائة مرَّة حُطَّتْ عنهُ خطاياهُ وإنْ كانتْ مِثل زَبَدِ البَحْر)) يا الأخوان متى يَتَضَايق الإنسان من الانتظار؟، الآنْ منْ اشَقِّ الأُمُور على النّفس دقيقةُ الانتظار، لا نقُول ساعة الانتظار! من أشَقِّ الأُمُور على النَّفس، لماذا؟! لأنَّنا ما رَبَّيْنَا أنْفُسَنا على اسْتِغلالْ الأوْقَاتْ، ولو أنَّ الإنْسَان بدل ما هو مُنتظر، الحمد لله، تأخَّر صاحبي خمس دقائق، لِيتُهُ تأخَّر ساعة، اسْتَغِلّ وقْتِكْ بالذِّكِر والفِكِرْ، تَفَكَّر يا أخي ممَّا يَزِيدُ إيمانَك، ويَقِينك، وارْتِبَاطَك بِرَبِّك.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
عمل يسير ترجح به كِفَّة الحسنات
العلامة/ عبد الكريم الخضير
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}[(6) سورة القارعة]، يعني كَثُرَتْ أعمالُهُ الصَّالحة فرَجَحَت كِفَّتُها بِكِفَّةِ الأعمال السَّيِّئَة يعني زادت حسناتُهُ على سَيِّئَاتِهِ، وقد خَابَ منْ رَجَحَتْ آحادُهُ على عَشَرَاتِهِ، يقولُ أهل العلم: "خابَ وخَسِر منْ رَجَحَتْ آحادُهُ على عَشَرَاتِهِ" يعني الحَسَنة بعشْرِ أمثالُها والسَّيِّئَة واحِدَة، ومع ذلك تَرجِحْ السَّيِّئَاتْ على الحَسَنات؟ هذا دليلُ الخَيبة والحِرمانْ والخُسْرَانْ، خَابَ وخَسِرْ منْ رَجَحَتْ آحَادُهُ وَزَادَتْ على عشراتِهِ، ففضلُ الله -جل وعلا- وكَرَمُهُ وجُودُهُ يجعل الحَسَنَة بعَشْرِ أمثالها هذا أقل تقدير و إلاّ فالله -جل وعلا- يُضاعف إلى سبعمائة ضِعف وفَتَحَ لنا أبْوَاب وآفاق تُوصِلُنا إلى جَنَّاتِهِ ومرضَاتِهِ، وضَاعَفَ لنا الأُجُور على أعمالٍ يسِيرَة إذْ لو أنَّ الإنسان يُكْثِرُ منْ الاسْتِغْفَار بِحُضُور قلب لا مَعَ الغَفْلَة واللَّهُو لكانَ لهُ شأنْ غير شأنه الذِّي يَعِيشُهُ، ولو كان يُكْثِر من التَّسْبيح والتَّحميد والتَّهليل، وكُلُّ تسْبيحةٍ صدقة وكُلُّ تسبيحَةٍ أو تحميدَةٍ أو تَهْليلةٍ شَجَرة في الجنَّة، والجَنَّة قِيعَان وغِرَاسُها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل يعني ما يُكلِّفُ شيء.(1/1)
الإنسان إذا أرادَ أنْ يَغْرِس نَخْلَة يحتاج إلى أنْ يَشْتَرِي الفَسِيلَة ثُمَّ يغرِسُها ويَتْعبُ على نخلِها وغَرْسِها وسَقْيِها وانْتِظارُ ثَمَرَتِها السِنِين، فَضْلاً عنْ كَونِهِ يغْرِسُ نواة انتظارٌ طويل، لكِنْ إذا قال: سُبحان الله غُرسَتْ لهُ هذهِ النَّخلة، الحمد لله غُرسَتْ لهُ نخلة يُكلف شيء يا الإخوان هذا؟ هذا ما يُكلِّف شيء سُبحان الله وبحمده مئة مرَّة في دقيقة ونِصف تُقال حُطَّتْ عنهُ خطاياه وإنْ كانت مِثْل زَبَدِ البحر، من قال" لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ الملك، ولهُ الحمد، وهُو على كلِّ شيءٍ قدير" عشر مرَّات بدقيقة تُقال -يا الإخوان- العشْر، كان كمنْ أعْتَقَ أربعةً من ولدِ إسماعيل" عِتْقْ رَقَبَة وهذهِ عشرُ رِقَابْ بدقيقةٍ تُقال حُطَّتْ عنهُ خَطاياهُ وإنْ كانت مِثل زبَدِ البحر بِدقيقة ونصف، وبِهذا تَرجِح كِفَّةُ الحَسَنات، بشيءٍ لا يُكلِّفُك شيء، ما أُمِرْتْ بِأخْذ مِسْحَات على كتفك وتذْهب إلى البَراري والقِفَار منْ أجل أنْ تغرِسْ شَجَرَة لِيُغْرَسْ لَكَ بدلَها شجَرَة في الجنَّة، وأنتْ في فِراشِك وأنْتَ في طريقِك، وأنْت جالِسْ في مجْلسٍ يكثُرُ فيهِ اللَّغَط والكَلام في أُمُور الدُّنْيا بإمْكانِك أنْ تقُول: سُبحان الله وبحمدِه سُبحان الله العظيم، ((كلِمَتانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسَانْ، ثَقِيلَتانِ في المِيزَانْ، حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحمن، سُبحان الله وبحمده، سُبحان الله العظيم)) ((سبَقَ المُفَرِّدُون الذَّاكِرُونَ الله كثيراً والذَّاكِرَاتْ)) فالذِّكْر الذِّكْر يا إخوان، هذا لا يُكلِّف شيء، وبِهِ تَرجِحُ كِفَّةُ الحَسَناتْ.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}[(17) سورة الذاريات]
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
صلاة الليل من أفضل الأعمال، وهي دأبُ الصَّالحين، يقولُ الله -جل وعلا-: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}[(79) سورة الإسراء] ويقول الله -جل وعلا-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}[(16) سورة السجدة]، ويقول الله -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[(9) سورة الزمر] المُقابلة تقتضي أنْ يكُون أهلُ القيام هم الذِّين يعلمون، وأهلُ الغفلة والنَّوم هم الذِّين لا يعلمون، فدلَّ على أنَّ العلم هذا الوصف الشَّريف إنَّما يستحقُّهُ من يعمل بِهِ، والذِّي لا يعملُ بِهِ يستحقُّ ضِدَّهُ وهو عدم العلم، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} هذا الباعث للمسلم على قيام الليل ثُمَّ ذيَّل الآية بقولِهِ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}[(9) سورة الزمر] وهم أهل القيام والعمل، {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وهم أهلُ الغفلة والنَّوم، وإنْ حصَّلُوا ما حصَّلُوا من العُلُوم؛ لأنَّ العلم الحقيقي هو ما نفع، أما العلم الذِّي لا ينفع ليس بعلم في الحقيقة، وإنْ حصَّل منهُ صاحبهُ ما حصَّل، وإنْ أدرك بهِ من أُمُور الدُّنيا ما أدرك ((يحملُ هذا العلم من كل خلفٍ عُدُوله)).(1/1)
فالذِّين يحملُون العلم ويستحقُّون هذا الوصف الشَّريف هم العُدُول، هم الذِّين يعملُون بالعلم، أما الذِّي لا يعملُ بعِلْمِهِ، ما الفائدةُ من عِلمِهِ؟ لا فائدة فيه، وُجُودِهِ مثل عدمِهِ؛ بل هو وبالٌ على صاحِبِهِ، قد يقول قائل: إنَّ هذه نافلة، فكيف يُسلب الوصف من ترك النَّافلة؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} هذه نافلة كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فالمدح إنَّما عُلِّق على القيام، فكان عبد الله -رضي الله عنه- لا ينامُ من الليل إلا قليلاً، فهذا وصفُ أهل العلم، وهذا شأنُ أهل العلم، شأنُهُم العمل بما علمُوا وما تعلَّمُوا، أمَّا الذِّي لا يعمل فليس من أهل العلم بهذه الآية، والله المُستعان.
{كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} و(ما) هذه وش تصير؟ الهجُوع وش هو؟ الهُجُوع النَّوم {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} هل المُراد أنَّهم كانوا يقُومُون قليلاً؟ لا ينامُون قليلاً؟ أو أنَّ هُجُوعهم قليل؟ قليل من الليل الذِّي يهجعُونهُ؟ {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أي الذِّي يهجعُونهُ؟ يعني الذِّي ينامُونهُ؟ احتمال، الامتثال من قِبل عبد الله بن عمر الصحابي المُؤتسي ممتثل ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينامُ من الليل إلا قليلاً، قد عُرف بهذا بسُرعة الامتثال، ((يا عبد الله كُن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)) ماذا قال عبد الله؟ فكان عبد الله يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصَّباح".(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يُمكن أنْ أتدبَّر القُرآن؟
العلامة/ عبد الكريم الخضير
كيف يُمكنْ أنْ أتدبَّر القرآن؟
لا شكَّ أنَّ القراءة على الوجه المأمور به هي القراءة التي تُورث القلب من العلم والإيمان والطمأنينة؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والهدى كما قال ابن القيم:
فتدبَّر القرآن إنْ رُمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ
وجاء الأمرُ بالتَّدبر في آيات، في النِّساء ، وفي المؤمنين، وفي ص، وفي محمد، في أربع آيات جاء الأمر بالتدبر، وجاء الأمرُ بالتَّرتيل، فقراءة القرآن مع التدبر و الترتيل هذا هو الوجه المأمُور به، المُشار إليه في كلام شيخ الإسلام.(1/1)
كيف يتدبَّر القرآن؟ وليت مثل هذا السؤال يُلقى على أهل القُرآن، الذين هم أهلُ الله وخاصَّتُهُ، الذين يتعاملون مع القُرآن، وهو بالنِّسبة لهم ديدنهم وهجيراهم، أما غيرهم مثلي أصحاب تخليط، مرة تفسير، ومرة تاريخ، ومرة حديث، ومرة أدب، ومرة ثقافة عامَّة؛ لكن يُحسن مثل هذا الجواب مع مثل هذا السُّؤال أهل القرآن، وإنْ كان ابن القيم -رحمه الله تعالى- لهُ نظر و رأي في أهل القرآن، وأنَّ أهل القرآن هُم المُعتنون به قراءةً وإقراءً وفهماً وعملاً، وإنْ لم يحفظُوه، يقول: لكنْ من عُرف بأنَّهُ من أهل القرآن و شاع وعُرف بين النَّاس أنَّهُ من أهلهِ هو الطَّبيب المُداوي في مثل هذا الدَّاء، كثير من النَّاس يشكُو أنَّهُ قد يقرأ القُرآن ولا يستحضر شيء، ويحصل معنا ومع غيرنا وإلى المُشتكى أنَّ الإنسان يستفتح سورة يونس فما يُفيق إلا وهو في يوسف مُتجاوزاً سُورة هًود ما كأنَّهُ قرأ منها حرف، وجاء في الحديث أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال لهُ أبو بكر: أراكَ شِبْتَ يا رسُول الله، قال: ((شيَّبتني هُود وأخواتها)) والكلام ليس من فراغ، هذا الكلام له واقع، يدخل الإنسان في الصَّلاة ويخرج وما كأنَّهُ صلَّى، ويفتح المُصحف ولا يدري هُو في الصَّفحة اليُمنى أو في اليُسرى، هذا لا شكَّ أنَّهُ خلل يحتاج إلى علاج، يحتاج إلى عناية، هذا كلام الله، نقرأ بقلُوبٍ مُنصرفة، ونحنُ لو جاءنا تعميم من المسؤول الأرفع إلى المُدير؛ لابدَّ أنْ يُجمع لهُ الوُكلاء، ويُجمع لهُ رُؤساء الأقسام وينظرُون في منطُوقِهِ، ومفهُومِهِ، ووش يُستنبط منه؟ وماذا يُستفاد منه؟ يجتمعُون عليه اللَّيالي والأيَّام، لو صدر نظام جديد يفعلون به هكذا، وإذا أشكل عليهم شيء استفسرُوا، وجاءت المُذكَّرات التَّفسيريَّة، وهذا كلامُ ربِّنا يقرأ الإنسان وكأنَّهُ يقرأ جريدة، ولا شكَّ أنَّ القُلُوب مُنصرِفَة، تجد الإنسان في صلاتِهِ لا يُدْرِك منها شيء، في تلاوتِهِ(1/2)
لا يُدرك شيء، في ذِكرِهِ باللِّسان فقط.
والحسن البصري -رحمه الله- يقول: تفقَّد قلبك في ثلاثة مواطنْ؛ فإنْ وجدته و إلاَّ فاعلم أنَّ الباب مُغلق: في الصَّلاة، في قراءة القرآن، في الذِكر، كثير من طُلاَّب العلم لو قُلتَ لهُ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}[(8) سورة المدثر] في أي سُورة؟ هو حافِظ للقُرآن، أخذ يستذكِر ويسترجع وكم آية بعدها وقبلها، فضلاً عنها هل تُؤثِّر فيه أو لا تُؤثِّر؟ أحياناً لا تُحرِّك شعرة، في كثير من طُلاب العلم مع الأسف، وزُرارة بن أوفى سمعها من الإمام في صلاة الصُّبح ومات، وبعض النَّاس يُشكِّك في مثل هذهِ القصص؛ لأنَّهُ ما أدْرك حقيقة الأمر، و لا يعرف معناها، وهذا كُلُّهُ سبَبُهُ البُعد والإعراض عنْ النَّظر فيما يُعينُ على فهم كلام الله -جل وعلا-، والطَّريقة التي ذكرناها في منهجيَّة القراءة في كُتب التَّفسير تُعينهُ -بإذن الله تعالى- على التَّدبُّر.أهـ.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
كيفية التعامل مع الخلاف بين العلماء
العلامة/ عبد الكريم الخضير
يقُول: نَرْجُو التَّنْبِيه عَلَى كَيْفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ الخِلافِ بَينَ العُلَمَاء بِالنِّسْبَةِ لِلْعَوامْ، وبِالنِّسْبَةِ لِطَلَبَةِ العِلْمْ، وخَاصَّةً أنَّ طَلَبَة العِلْم -ولله الحَمْد- قَدْ كَثِرُوا وأَصْبَحُوا يَتَعَصَّبُونَ لِبَعْضِ المَشَايِخْ؟
الخِلافْ بَيْنَ أَهْلِ العِلْم لاشَكَّ أنَّهُ مَوْجُود ولاسِيَّمَا فِي الفُرُوعْ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَة -رِضْوَان الله عَلَيْهِم- فَالخِلافْ مَوْجُودْ، ولَنْ يَنْتَهِي، وسَبَبُهُ اخْتِلافْ الفُهُومْ، فَهَذا العَالِمْ يَفْهَمْ مِنْ هَذَا النَّصْ كَذَا، والعَالِم الثَّانِي يَفْهَمْ مِنْهُ غَير ذَلِك، والاحْتِمَالاتْ قَائِمَة، وكُل مِنْهُم مَأْجُور إذا كانَ أَهْل للاجْتِهَادْ، فَالمُصِيبْ مِنْهُم لَهُ أَجْرَانْ والمُخْطِئ مِنْهُم لَهُ أَجْر وَاحِد، وطَالِبُ العِلْم الذِّي لَيْسَتْ لَدَيْهِ أَهْلِيَّة النَّظَر، وكَذَلِك العَامِّي عَلَيهِ أنْ يُقَلِّدْ أوثَقُهُمَا عِنْدَهُ الذِّي يَرَاهُ أَرْجَح فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ يُقَلِّدُهُ لأنَّ فَرْضُهُ سُؤَالْ أَهْلِ العِلْم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[(43) سورة النحل]
ولَيْسَ فِي فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَعْ ... مَا لَمْ يُضِفْ لِلْعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ
فَإِذا عَرَفْتَ أنَّ هَذَا الشَّخْصَ أَعْلَم مِنْ هَذا، وعِنْدَهُ مِن الدِّين و الوَرَعْ مَا يَحْجِبُهُ مِنْ أنْ يقُول على الله بِجَهِلْ بِغَيْرِ عِلْم، أو يَتَقَوَّل عَلَى الله، أو مَا أَشْبَهَ ذلك، أو يُفْتِي بِهَوَى فَمِثْلِ هذا يُتَّبَع ويُقَلَّدْ، وأمَّا التَّعَصُّب للمشايخ فإنَّهُ أَمْرٌ لاسِيَّمَا إِذا تَرَتَّبَ عَلَيهِ هَضْمْ لِحَقِّ المَفْضُولِ عِنْدَهُ فإنَّهُ لا يَجُوز حِينَئِذٍ.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بُد أن تسد منافذ الشيطان في قلبك
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
جاء الحثُّ على الذِّكر و التِّلاوة في الكِتاب والسُّنَّة، قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[(35) سورة الأحزاب] وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((سبق المُفرِّدُون الذَّاكرُون الله كثيراً والذَّاكِرات)) وجاء التَّرغيب بتلاوة القُرآن، ففي كل حرفٍ من القُرآن عشر حسنات، عِبادات أُجُورها لا يُمكن أنْ يُحاطُ بها مِمَّن لا تنفد خزائِنهُ، ومع ذلك لا تُكلِّفُ شيئاً، والمحرُوم لا تنفعُهُ مثل هذه النُّصُوص من كَتَب الله عليه هذا الحرمان؛ لأنَّ الله -جل وعلا- قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[(45) سورة ق] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ}[(17) سورة القمر] {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}ٍ مو كل النَّاس، ولذلك تجِد بعضُ النَّاس يصعُبُ عليهِ أنْ يَفتح المُصحف، وتَجِدُهُ حافِظ ومع ذلك لا يقرأ، ولاشكَّ أنَّ هذا حِرمان، وبكلِّ حرف عشر حسنات، والختمة الواحدة بأكثر من ثلاثة ملايين حسنة، يعني الجُزء الواحد الذِّي يُقرأ بربع ساعة مائة ألف حسنة، وهذا أمرٌ في غاية اليُسر مِصداقاً لقول الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر] يعني الإنسان إذا جَلَس بعد صلاة الصُّبح ينتظر الشَّمس إلى أنْ ترتفع بإمكانِهِ أنْ يقرأ القرآن في سبع وهو مرتاح، وهذا لا يعُوقُهُ عن شيءٍ من أعمالِهِ؛ لكنْ هذا الأمر يحتاج إلى شيءٍ من المُجاهدة، ثُمَّ بعد ذلك التَّلذُّذ كغيرِهِ من العِبادات، و إلا فالأصل أنَّ هذه العبادات تكاليف ، ومِمَّا حُفَّت بِهِ الجنَّة، والجنَّةُ حُفَّت بالمكاره، يعني خلاف ما تشتهيهِ النُّفُوس، فإذا جاهد نفسهُ، وعَلِم اللهُ -جل وعلا- صِدْقَ الرَّغبة والنِّيَّة، أعانهُ حتَّى(1/1)
تلذَّذ بذلك، وأُثِر عن السَّلف أنَّهُم كابدُوا قيام اللَّيل، وما أشق قيام الليل على من لم يعتاد، تَجِدُهُ مُستعد يجلس في القيل والقال إلى قُرب الفجر، ثُمَّ بعد ذلك صِرَاع مع نفسِهِ، هل يُوتر بركعة أو يقول: الوِتر سُنَّة، ولِئَلاَّ يُشبَّه بالفرائض نترُكُهُ أحياناً، هذا شيءٌ مُجرَّب، وما كُرِه السَّهر والحديث بعد صلاة العِشَاء إلاَّ لهذا الأمر؛ لأنَّهُ يعُوق عن ذكر الله وعن الصَّلاة؛ لأنَّهُ على حِسَاب الذِّكر، فإذا صلَّى العِشَاء ونام، نامَ على خير، الصَّلاة كفَّرت ذُنُوبُه، الصَّلوات الخمس كفَّارات لما بينهُما ما لم تُغشَ كبيرة، تنام على ذنُوبٍ مُكفَّرة، ولذا كان ابنُ عُمر إذا تحدَّث بعد صلاة العِشَاء صلَّى قبل أنْ ينام، لينام على صلاة.(1/2)
هذا الحديث في القيل والقال لاشكَّ أنَّهُ يعُوق صاحبهُ عن الذِّكر والتَّلاوة، ولذا نرى مع قولِهِ -عليه الصلاة والسلام-: ((من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق رجع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه)) بعض النَّاس يقول: الحج أربعة أيَّام بالإمكان أنْ تُضبط النَّفس، ولا يتكلَّم بكلمة؛ لكنْ إذا كان قد عوَّد نفسه على القِيل والقال، يستطيع أنْ يَملك نفسهُ الثلاثة الأيام؟ وبعض النَّاس يُجاور في العشر الأواخر، ويجلس من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام، فالمُتوقِّع أنَّهُ ترك أهلهُ وترك أموالهُ، و جاور في هذه البُقعة طلباً للثَّواب والإكثار من العِبادات، تجِدُهُ يفتح المُصحف إذا صلَّى العصر، ثُمَّ إذا قرأ صفحة أخذَ يلتفتُ يميناً وشمالاً لأنَّهُ ما تعوَّد على الله في الرَّخاء ليعرِفْهُ في الشِّدَّة، ثُمَّ بعد ذلك إنْ رأى أحداً مِمَّنْ يعرِفُهُ و إلاّ أطبق المُصحف، ثُمَّ يُؤنِّبُهُ ضميرهُ، لماذا أنا جئت، ويفتح المُصحف مرَّة ثانية، ثُمَّ يقوم من مكانِهِ يبحث عمَّن يُبادِلُهُ الحديث، وتجد بعض النَّاس نظرُهُ في السَّاعة خشية أنْ يُؤَذِّنْ المغرب قبل أنْ يُتِمَّ حِزْبُهُ، هذا تعوَّد في حال الرَّخاء، واللهُ -جل وعلا- يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[(4) سورة الليل].
الذِّكر من أفضل العِبادات، وذكر ابن القيم فوائد عظيمة جدًّا في مُقدِّمة الوابل الصَّيِّب، وهو لا يُكلِّفُ شيئاً، سُبحان الله وبحمده مئة مرَّة حُطَّت عنهُ خطاياهُ وإنْ كانت مثل زبد البحر، يعني هذه تُقال بدقيقة ونصف، ومن قال: لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ المُلك ولهُ الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير كمن عتق أربعةً من ولد إسماعيل، والمائة عشرة من ولد إسماعيل، مع ما فيها من حِرز، ورفع درجات، وحط سيئات، و لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ... إلى آخِرِه، مئة مرة بعشر دقائق.(1/3)
والاستغفار شأنُهُ عظيم وجاءَ التَّنصيصُ عليه بالكتاب وصحيح السُّنَّة، والإنسان تجدُهُ إمّا بالقيل والقال أو بالسُّكُوت رغم أنَّ هذا شيء لا يُكلِّفُ شيئاً؛ لكنْ على الإنسان أنْ يُريَ الله -جل وعلا- من نفسِهِ خيراً، ويعزم، ويترك أو يسد منافذ الشيطان إلى قلبِهِ، ليُوفَّق لمثل هذه الأعمال.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله
العلامة/ عبد الكريم الخضير
وما تواضع أحدٌ لله إلاَّ رفعهُ الله، ما تواضع أحدٌ لله يرجُو بهذا التَّواضُع ثواب الله -جل وعلا-، ما تواضع من أجلِ ثناءِ النَّاس عليه، ولا تواضَع للأغنياء كي يَصِلُوهُ بشيءٍ من أموالِهِم؛ إنَّما يتواضع لله -جل وعلا-، إذا تواضَع لله -جل وعلا-، والمُتواضِع والتَّواضُع خُضُوع وقُرب حسِّي، وإنْ كان من حيث النَّاحية المَعنويَّة رِفعة عند الله -جل وعلا- وعند خلقِهِ، وهذا شيءٌ مُجرَّب، بعضُ النََّاس لا يُطيق رُؤية المُتكبِّر؛ بل وُجد من يعتدي عليهِ، مُتكبِّر في مِشيتِهِ، في كلامِهِ، في تعامُلِهِ مع النَّاس، هذا لا يُطاق، مثل هذا وإنْ رفع نفسهُ أذَلَّهُ الله -جل وعلا-، يقول الشَّاعر:
تواضع تكُن كالنَّجم لاحَ لناظرٍ ... على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ
ولا تكُ كالدُّخانِ يعلُو بنفسِهِ ... إلى طبقاتِ الجوِّ وهُو وضيعُ
لاشكَّ أنَّ المُتكبِّر مثل الدُّخان رافعٍ نفسُهُ؛ لكنْ لاشيء، رُؤيتُهُ تُزكم الأُنُوف مثل الدخان، وتقضي العيُون، وأمَّا بالنِّسبة للمُتواضع المُتحبِّب الأليف لاشكَّ أنَّ النَّاس يألفُونهُ ويُحبُّونهُ، وشواهِد الأحوال على ذلك كثيرة، والتَّواضُع لاشكَّ أنَّهُ قرينٌ للدِّينِ والعِلم، كُلَّما زادت عِبادةُ الشَّخص، وقُربِهِ من الله -جل وعلا- تواضَعَ لله، وخَضَعَ لهُ، وكُلَّما زاد عِلْمُ الإنسانِ بِرَبِّهِ، وبِأحكامِهِ، زادت معرفتهُ بِنفسِهِ، ثُمَّ دعاهُ ذلك إلى التَّواضع، والله المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
محبة أهل العلم
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
عليك أنْ تُحِبَّ العُلماء والمُتعلِّمين؛ لأنَّ المرء مع من أحب، فإنْ لم تُحِبَّهُم، الإنسان قد يحصُل لهُ ما يَعُوقُهُ عن تحصيل هذهِ المحبَّة؛ لأنَّ المحبَّة عِبَادة وطاعة لله -جل وعلا-؛ لكنْ قد لا يُوفَّق الإنسان لأنَّ هذه أمُور قلبيَّة، قد يكُون عندهُ من الأعمال ما يحُولُ دُونهُ ودُون هذه المحبَّة، لأنَّهُ قد يقول قائل: الإنسان وش اللي يمنعهُ من أنْ يُحب أهل الخير؟ وهل كلُّ شخص يُوفَّق لحُبِّ أهل الخير؟ قد يكون عندهُ من الأعمال ما يحُولُ دُونهُ ودُونَ هذا العمل الفاضل الخَيِّر {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}[(54) سورة سبأ] فإنَّ الله -جل وعلا- يحُولُ بين المرءِ وقلبه لماذا؟ ظُلماً، لا والله {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}[(46) سورة فصلت] وإنَّما لوُجُود بعض الأعمال التِّي تجعل هذا الشَّخص يُحال بينهُ وبين قلبِهِ، وبينهُ وبين مُرادِهِ، قد يُحب الإنسان، يَوَد الإنسان أنْ يكُون ذاكراً شاكراً لِمَا يسمع من فضل الذِّكر؛ لكنْ تجِد من أيْسَر الأُمُور عليهِ الكلام الكثير القيل والقال؛ لكنْ سُبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أثقل من الجبال عندهُ لماذا؟ هل هي بالفِعل ثقيلة؟ ليست ثقيلة؛ لكنْ عندهُ من الأعمال ما يحُولُ بينهُ وبين تسهيل هذه الأُمُور وتيسيرها، فإنْ لم تكُن مُتعلِّماً فَأَحِبَّهُم لماذا؟ لأنَّ المرء مع من أحب، فإنْ لم تُحِبَّهُم فلا تُبغِضُهم أقل الأحوال عالج قلبك لا تُبغِضهُم؛ لأنَّ بعض النَّاس ما يكفيه ما يُحب أهل العلم؛ بل إذا رآهُم يكاد يتميَّز من الغيظ -نسأل الله السَّلامة والعافية- لِما جُبِل عليهِ من خُبْث الطَّوِيَّة، وسُوء النِّيَّة، وكُلُّ هذا سَبَبُهُ التَّساهُل بالأُمُور اليسيرة من فُضُول الكلام، و فُضُول الأكل، و فُضُول النَّظر، وفُضُول النُّوم،(1/1)
هذهِ الفُضُول تتراكم على القلب وهي الرَّانْ، ثُمَّ بعد ذلك تسهُل عليه مُزاولة المكروهات، ثُمَّ بعد ذلك يَجْرُؤ على المُحرَّمات، ثُمَّ بعد يُطْبَع على قلبِهِ -نسأل الله السَّلامة والعافية- فمثل هذهِ الأُمُور ينبغي أنْ يَتَنبَّه لها الإنسان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عرف الله في الرخاء عرفهُ في الشدة
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
"فما رأيتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استنَّ استناناً أحسن منه" -عليه الصلاة والسلام- حرصاً على هذه السَّنَّة، والمُوفَّق لا يُفرِّطُ بشيءٍ من السُّنن حتى في أحلك الظُّرُوف والأحوال، وكثيرٌ من النَّاس تُشاهِدُونهُ في الأوقات التِّي تضييق بالنِّسبة لهُ يُهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السُّنن، يتخفَّف من الواجبات لأدْنَى سبب، ويعْذُر نفسهُ بأدْنَى عُذْر عن الواجبات يتخفَّف ويقول: الله غفورٌ رحيم لأدْنى عُذر، يُصاب بزُكام ويترك الصَّلاة مع الجماعة، وعكة خفيفة يترك الصَّلاة، يُؤخِّر الصَّلاة حتى يخرج وقتُها و يقول: الله غفورٌ رحيم، نعم الله غفورٌ رحيم، رحمتُهُ وسعت كُلَّ شيء كَتَبَها لمن؟ و{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا}[(156) سورة الأعراف] لمن؟ للمُفرِّطين؟ للذِّين يُزاولُون المُنكرات ويعتمدُون على سعة رحمة الله؟ لا، هو غفورُ رحيم كما أخبر عن نفسِهِ -جل وعلا- ، ومع ذلكم شديدُ العقاب، والله -سبحانه وتعالى- يغار، ولذا حُدَّت الحُدُود، يزني الزَّاني ويقول: الله غفورٌ رحيم، ويسرق السَّارق ويقول: الله غفورٌ رحيم، ورحمة الله -جل وعلا- لا تُحد وسِعت كل شيء؛ ولكنْ مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد، وعلى المُسلم أنْ ينظر إلى النُّصُوص مُجتمعة، لا ينظر إلى الوعد فقط فيُصاب باليأس والقُنُوط، ويسلك مسالك الخوارج، لا، ولا ينظر إلى نُصُوص الوعد مُعرضاً عن نُصُوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء، وينسلخ من الدِّين وهو لا يشعر، على الإنسان أنْ يتوسَّط في أُمُورِهِ كما هو مذهب أهل الحق مذهب أهل السُّنة والجماعة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فرَّط في هذه السنة رغم ما يُكابِدُهُ من آلام وأوجاع.(1/1)
ومن عرف الله وتعرَّف على الله في الرَّخاء عرفهُ في الشِّدَّة، من أراد أنْ ينظر الشَّاهد على ذلك الشَّواهد الحيَّة على ذلك يزُور المرضى في المُستشفيات لاسيَّما من كانت أمراضُهُم شديدة مُقلِقة؛ بل ينظر إلى أماكن العِناية، وينظر الفُرُوق، دخلنا المُستشفى مرَّة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عُمرهُ في آخر لحظاتِ حياتِهِ على لسانِهِ اللَّعن والسَّب والشَّتم، لا يفترُ عن ذلك كبير في السِّن في آخر لحظاته أين أنت والله يفعل ويترك، يلعن باللعن الصَّريح، وخرجنا من عندهُ وهو على هذه الحال؛ لأنَّهُ عاش أيَّام الرَّخاء على هذه الحال، وشخص؛ بل أشخاص بالعناية لا يعرفُ الزَّائِرين ويُسْمع القرآن منهُ ظاهر، يُرتِّل القرآن ترتيل، وهو لا يعرف من حوله، وهو مُغمىً عليه، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقتُ الأذان أذَّن أذان واضح وظاهر يُسْمَع منهُ، وكم من شخص يُلازم الذِّكر وهو بالعناية وتُرى علامات الذِّكر على وجهِهِ، وقدِّم تجِد.(1/2)
تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفك في الشِّدَّة، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المُستحبَّات، هذا في النِّهاية ما تجد شيء، ما تُعان، كثير من طُلاَّب العلم مع الأسف الشَّديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل- ، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة، في الأوقات المُفضَّلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرَّغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرَّض لِنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المُصحف؛ لكن ليس لهُ رصيد سابق طُول عُمره يُريد أنْ يستغل هذه الأيام، هل يُعان على قراءة القرآن؟ ما يُعان أبداً، هذا الشَّاهد حاصل، يعني موجُودة الشَّواهد، تجد شخص من خيار النَّاس يفتح المُصحف بعد صلاة العصر خمس دقائق ثُم يغلق المُصحف يمل يتلفَّت يمين وشمال لعلُّه يشُوف أحد يقضي معه بعض الوقت يُنفِّس عنهُ، هل أنت في كُربة يُنفِّس عنك؟ لكن رأينا من ينظر السَّاعة كيف تمشي بسُرعة قبل أنْ يُكمل ما حدَّدَهُ من التِّلاوة حِزبهُ الذِّي اعتادهُ، بعض النَّاس يقول: ((من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق خرج من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه)) الحج أربعة أيَّام، يقول: لو الإنسان يخيط الشفتين خياط ما عليه لو سكت أربعة أيام؟! لكن هل يُعان على السُّكُوت؟ وهو طُول أيَّامِهِ أيَّام الرَّخاء قيل وقال؟ والله ما يُعان على السُّكُوت.
فعلى الإنْسان أنْ يتعرَّف على الله في الرَّخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات، كما قال الله -جل وعلا- : {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[(4) سورة الليل] " في العناية شخص يلعن و يسبُّ و يشتم وشخصٍ يقرأ القُرآن، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا؟ أبداً، هذا ما قدَّم وهذا ما قدَّم، والنَّتيجة أمامه، النَّبي -عليه الصلاة والسلام- يُكابد من المرض ما يُكابد ويحرص على تطبيق السُّنَّة -عليه الصلاة والسلام-.(1/3)
"فما رأيتُ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- استنَّ استناناً أحسن منه" بعد أنْ فرغ، مُجرَّد ما فرغ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- رفع يدهُ أو إصبعهُ، ثُمَّ قال: ((في الرَّفيق الأعلى)) ثلاثاً ثُمَّ قضى -عليه الصلاة والسلام-، خرجت رُوحُهُ الشَّريفة إلى بارئِها، وكانت تقول: "مات بين حاقنتي وذاقنتي" الوهدة المُنخفضة ما بين الترقوتين، والذِّقن معروف مكان اللحية، "مات بين سحري ونحري" هذا من مناقبها -رضي الله عنها-، وفي لفظٍ: "فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يُحب السواك" فقلت: "آخذه لك؟" فأشار برأسه: أن نعم -عليه الصلاة والسلام- وهذا لفظُ البُخاري، ولمسلم نحوه.
فعلينا أنْ نحرص أشدَّ الحرص على الواجبات ((وما تقرَّب احدٌ إلى الله بأفضل مما افترض عليه)) ويحرص أيضاً على تطبيق السُّنن في الرَّخاء ليُمكَّن منها في الشِّدَّة، ولِيَأْلَفها ولِيَتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التَّلذُّذ بالطّاعة العبادة، يكُون لهُ نصيب من الذِّكر، من التِّلاوة من الانكسار بين يدي الله -عز وجل-، ليُعرف إذا احتاج فيما بعد، ليُكْتب لهُ هذا العمل إذا مرض وعجز عنهُ، يستمر لهُ هذا العمل.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
وُجُوب التَّمسُّك بالسَّنة
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أنْ يحرص أنْ يكُون عملُهُ مُطابِقاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصلاة والسلام-، مُوافقاً لهُ، مُتَّبِعاً لا مُبتدِعاً، ومن شرط قبُول العمل: أنْ يكُون مع إخلاص عامِلِهِ صواباً على سُنَّةِ رسُولِهِ -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حَرِصَ على أنْ يكون عملُهُ خالِصاً لله -عز وجل-؛ لأنَّ العمل وإنْ كانت صُورتُهُ مُطابقة لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- إنْ لمْ يكُن خالِصاً فإنَّهُ ليس بِمُطابق لِفعلِهِ -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنَّ فِعلهُ مع الإخلاص.
فيحرص المُسلم لاسِيَّما طالب العلم أنْ يعتني بِسُنَّتِهِ -عليه الصلاة والسلام- ومن سيرتِهِ ما يُمكِّنهُ من الإقتداء بِهِ، ولذا يقول بعضُ السَّلف: "إنْ استطعتَ أنْ لا تحُكَّ رأسَك إلاَّ بسُنَّةٍ فافعل" هُنا تكُون المُتابعة، أمَّا أنْ يُعرض عن سُنَّتِهِ وسيرتِهِ -عليه الصلاة والسلام- ويزعُم أنَّهُ من أهل العلم أو من طُلاَّبِهِ فضلاً عن كونِهِ يعرف السُّنَّة ويُخالف السُّنَّة، فالأُسْوةُ والقُدوة هو الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام-، ولا يَتمُّ الإقتداء والاتِّساء إلا بالعلمِ، والله المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من أعظم البر
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
الذِّي يقرأ القُرآن حِفْظاً مثل صاحب التَّمر، من زادُهُ التَّمر، والذِّي يقرؤُهُ نظراً مثل من زادهُ البُر الحب، الذِّي زادُهُ التَّمر يمد يدهُ ويأخذ من التَّمر ويأكل ما يحتاج يطبخ ولا يجلس ولا يطحن ولا شيء؛ لكن الذِّي زادهُ البر يحتاج إلى أنْ ينزل من وسيلتِهِ و ينصب النَّار ويطْحن هذا الحب ويطبخُهُ، عناء، أيضاً الذِّي يسُوق سيَّارتُهُ مثلاً وهو حافظ يقرأ ما دام مُسافر؛ لكن الذِّي لا يحفظ يحتاج إلى مُصحف، هل يستطيع أنْ يقرأ في المُصحف وهو يقُود السَّيَّارة؟ لا ما يستطيع، فالتَّنظير في مثل هذا مُطابق، وحفظ القُرآن فضل من الله ومنَّة ونِعمة على من يسَّرهُ الله عليه.
والله -جل وعلا- ذكر أنَّهُ يسَّر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}[(17) سورة القمر] لكنْ {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} المسألة تحتاج إلى بذل، لابُدَّ أنْ تُريَ الله من نفسك خيراً من أجل أنْ يُيسِّرَ لك، ولذا قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ما قال: فهل من قارئ فقط، الإنسان مُستعد يقرأ، والقراءة نظراً سهلة يعني على النَّاس؛ لكن الإشكال فيمن يجلس ويُكرِّر هذا خلاف ما تهواهُ النُّفُوس، لاسِيَّما بعد أنْ تتقدَّم بِهِ السِّن، على طالب العلم أنْ يحرص حرصاً شديداً على حفظ القُرآن؛ لأنَّهُ ما يدري ماذا يطرأُ لهُ، يُمكن يُكف بصرُهُ ثُمَّ يندم ولات ساعة مندم، مع أنَّهُ -ولله الحمد- تيسَّرت الأُمُور، ووُجدت الآلات، ونحنُ نرى من عوامِّ المُسلمين من يأتي ويتقدَّم إلى المسجد في الأماكن الفاضلة، وفي المواسم الفاضلة؛ لكنَّهُ لا يقرأ ولا يكتب، فتتقطَّع نفسُهُ حسرات وأسَى على أنْ يكسب النَّاس الحسنات كل حرف بعشر حسنات وهو ما عندهُ شيء.(1/1)
ومثل هذا التَّبِعةُ عليه حينما فرَّط في وقت الصِّغر ثُمَّ بعد ذلك على أولادِهِ وبناتِهِ، وهذا من أعظم البر أنْ يُقال: يا أبتي تعال نُحفِّظك سُورة الفاتحة التِّي تُصحِّح بها صلاتك، ثُمَّ بعد ذلك يبدأ بِهِ من قِصار المُفصَّل، ورأيتُ بنفسي من يُلقِّن شيخاً كبيراً سُورة الكهف كلمة كلمة من صلاة الصُّبح من يوم الجُمعة لمُدَّة ساعة ونصف يُلقِّنُهُ تلقين، هذا شريكٌ لهُ في الأجر، وهذا دالٌّ على الخير، ومُعينٌ عليه، فكيف إذا كان هذا المُحتاج أب أو أُم ولديك القُدرة على تعليمهم؟ وهذا من أعظم البر أنْ يُختم لهُ بشيء من القُرآن يحفظُهُ ويُردِّدُهُ، والله المُستعان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصية للعلماء
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
إذا رأى العالم من الطُّلاب شيء من الإدْبَار والانصراف والفُتُور لابُدَّ أنْ يَتَأَلَّفهُم إشْفاقاً عليهم، وإرادةً لهُم، ونُصْحاً لهُم، لا لِتكثُر الجُمُوع عليه، هذا لا يختلف مع ما قُلنا سابقاً إنَّ الإنسان يبحث عمَّا يكفيه المؤُونة، نعم يبحث عمن يكفيه المؤونة يفرح إذا قيل: إنَّ الشيخ الفُلاني العالم الفُلاني عندهُ مِئات، عندهُ أُلُوف يفرح؛ لكنْ إذا وُجِد هو في بلدٍ ما وعندهُ عشرين طالب، ثلاثين طالب ثُمّ أخذُوا ينقُصُون مِنْ باب الشَّفقةِ عليهم أنْ يَتَأَلَّفهُم، ويَحثُّهُم على الحُضُور، وأحياناً يُيسِّر لهُم الأمر بأنْ يُهديهم الكُتُب التِّي يحتاجُونها، ويُلين لهُم الكلام، المقصُود أنَّهُ يَتَأَلَّفهُم لا ليكثُر الجمع عندهُ، ليس معنى هذا ليصْرِف وُجُوه النَّاس إليه، لا، إنَّما لينتفعُوا، لِيَنْفَعُهُم بما عندهُ، ليثبُت لهُ أجر التَّعليم، ويثبُت لهُم أجر التَّعلُّم، ويتعاونوا على البر والتَّقوى.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
أخلاق وآداب ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
يُشرع لكلِّ مُسلم أخلاق و آداب وصِفات ينبغي لهُ أنْ يتحلَّى بها، منها الصِّدق، الصِّدْق كما جاء في الحديث ((يهدي إلى البر، والبرُّ يهدي إلى الجنَّة، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُور، والفُجُور يهدِي إلى النَّار)) فالصِّدْق خصْلَةٌ حميدة على الإنسان أنْ يلتزم بها ولا يقُول: إنَّ الظُّرُوف اقْتَضَتْ عليّ أوْ ألزَمَتْنِي أنْ أُجانِب الصِّدْق؛ لأنَّ الصِّدْق مَنْجاة، منْ صَدَق ولو في أَحْلَك الظُّرُوف نجا، وهذا شيءٌ مُجرَّب قصة كعب بن مالك، الثَّلاثة الذِّين خُلِّفُوا صريحة في هذا، فالكذب حرام اتِّفَاقاً، يُباح منهُ بعضُ الصُّور من إصلاحٍ بين النَّاس والكذب على الزَّوجة في حدُود ما يُؤلِّف القُلُوب، وما أشبه ذلك، وأما ما عدا ذلك فالكذب حرام، والكذب درجات، الكذب على النَّاس مُحرَّم بلا شك، وأعظمُ منهُ الكذب على الله وعلى رسُولِهِ، ومن الكذب على الله الفُتْيَا بغير علم -نسأل الله العافِية- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}[(60) سورة الزمر] كذبُوا على الله من أولى من يدخل في هذا الباب من يُفتي ويقول على الله بغير علم، الأمانة خُلُقٌ واجِب والخِيَانة حرام، والخديعة مُخادعة المُسلمين وغِشُّهُم وجَحْد الأمانات والعَواري كُلُّ هذا مُحرَّمٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع أهل العلم {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[(58) سورة النساء] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا(1/1)
الْإِنسَانُ}[(72) سورة الأحزاب] لابُدَّ من أداءِ هذهِ الأمانة، ومن الأمانات ما كُلِّفَ بِهِ المُسْلِم من الشَّرائِع الصَّلاة أمانة، الصِّيام أمانة، الغُسل من الجنابة أمانة، فلا يجُوزُ لهُ أنْ يخُون هذه الأمانة بِحال، العفاف لابُدَّ أنْ يكُون الإنسانْ عَفِيفاً بِجميعِ ما تحتمِلُهُ هذهِ الكلمة من صُور ومعانٍ، يكُون عَفِيف القلب فلا يحقد ولا يحسد، عفيف اللِّسان لا يتكلَّم في أحدٍ إلاَّ بِحَق، ولا يستطيل في أعراض المُسلمين، ولا يكُونُ صخَّاباً في الأسواق، ولا غضُوباً لجلاجاً، و يكُونُ عفيفاً عن المحارِمِ كُلِّها، ومنْ أظهر صُور العِفَّة عِفَّةُ الإزار بأنْ لا يُحلَّ إزارهُ إلاّ على ما أحلَّهُ الله لهُ وأباحهُ لهُ، والحياءُ لا يأتي إلاَّ بِخير، وجاء في الحديث الصَّحيح ((إذا لمْ تَسْتَحِ فاصْنَع ما شئت)) ((إنَّ مما أدرك النَّاس من كلام النُّبُوَّة الأولى إذا لم تَسْتَحِ فاصْنَع ما شئت)) فالحياء لا يأتي إلا بخير، وهُو خلقٌ ينبغي أنْ يتجمَّلَ بِهِ المُسلم ويُكمِّل بِهِ نفسهُ، والمُرادُ بالحياء الحياء الذِّي يمنع من ارتكاب ما مُنِع منهُ شرعاً أو عُرفاً؛ لكنْ الحياء الذِّي يمنع من إقامة الواجِبات أو يمنع من ترك المحظُورات، يمنع من الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر، يمنع من إرشاد الجاهل هذا يُسمّى حياء؟ هذا خجل مذمُوم هذا -نسأل الله العافية- الشَّجاعة، الجبُن خُلقٌ ذميم تعوَّذ منهُ النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى كُلّ مُسلم أنْ يتعوَّذ منهُ، فالشَّجاعة خلقٌ ينبغي أنْ يَتَحَلَّى بِهِ المُسلم، فيُشرع لكلِّ مُسلم أنْ يكُون شُجاعاً، قَوَّالاً للحق، عامِلاً بِهِ، شُجاعاً في مواطِن الشَّجاعة في الحُرُوب، في الكلمة، الصَّدْع بالحق عند الحاجةِ إليهِ وهكذا، الكرم، البُخل أيضاً خُلُقٌ ذميم فعلى المُسلم أنْ يكون كريماً باذِلاً لما يُطْلَبُ منهُ فيما لا يَضُرُّ بِهِ ويَشُقُّ عليهِ، الوفاء(1/2)
بالعُهُود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[(1) سورة المائدة] فلا بُدَّ منْ أنْ يكُونَ المُسْلِمُ وفِيًّا لمنْ لهُ عليهِ حق، ولِمَنْ عَاهَدَهُ وعَاقَدَهُ على شيءٍ لابُدَّ أنْ يَفِيَ لهُ بِما التزم، النَّزاهةُ عنْ كُلِّ ما حرَّم الله، فَكُل ما حُرِّم عليهِ ينبغي أنْ يبتعِدَ عنهُ ويتَنَزَّهَ منهُ، ولا يُزَاوِلُ شيئاً مِمَّا حَرَّمهُ اللهُ عليهِ سواءً كان خالِياً بمُفردِهِ، أو كان بِمَجْمَعٍ من النَّاس، ولاشكَّ أنَّ العلانِيَة أشد ((كُلُّ أُمَّتِي مُعافى إلا المُجاهِرين)) لكنْ أيضاً ارتكاب المُحرَّمات ولو كان الإنسانُ خالِياً هذا أمرٌ رُتِّب عليهِ عِقاب وهو تحت المَشِيئة؛ لكنْ أشدُّ من ذلك المُجاهرة، حُسن الجِوار، فالجار لهُ حُقُوق، لهُ حق الأُخُوَّة في الدِّين، لهُ حقُّ الجِوار، وإذا كان قريب زاد حقٌّ ثالث وهو حقُّ القرابة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما زال جبريل يُوصِيني بالجار حتَّى ظننتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) ((وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ)) قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ)) فلا بُدَّ من حُسْنِ الجِوار، وعدم التَّعرِّض للجار بأيِّ أذى، مُساعدة ذوي الحاجات حسب الطَّاقة، تُعين صانع، أو تصْنَع لآخر هذا من أفْضَل الأعمال، ذوي الحاجات، الأعمى الذِّي يحتاج إلى من يقُودُهُ هو بحاجة إلى من يقُودُهُ، تُمْسِك بيدِهِ فتقُودُهُ، وتُوصِلُهُ إلى المسجد، إلى بِقالة، إلى عمل إلى ما يُريد؛ لكنْ بما لا يشُقُّ عليك ولا يُعَطِّل مصالِحك، أنت عندك دوام ووجدتْ أعمى، دوامُهُ في جِهةٍ غير جِهَتِك تترِك دوامك وترُوح تودِّيه؟ لا، بما لا يَشُقُّ عليك، ولا يُعطِّلُ مصالِحك، مُساعدة ذوي الحاجة حسْب الطَّاقة، حسْب الجُهد، حسْب المُسْتَطَاع، وغير ذلك من الأخلاق التِّي دلَّ(1/3)
الكِتاب والسُّنَّة على مَشْرُوعِيَّتِها.
والله أعلم، وصلى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا مُحمد وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
العُمر هو الأنفاس
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
هُناك أعمال خاصَّة على طالب العلم أنْ يلتزمها ليُعان على طريقِهِ ومشوارِهِ في طلب العلم، يستعين بقراءة القرآن على الوجه المأمُور به بالتَّدبُّر والتَّرتيل، وأيضاً يُكثر من قراءة القرآن ليحصل على الأُجُور العظيمة، بكل حرف عشر حسنات، الإنسان في ربع ساعة يقرأ جُزء يحصل لهُ مئة ألف حسنة، وليُكثر من هذا ويجعل لهُ وقت للتَّدبُّر والنَّظر في كتاب الله والاعتبار {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[(17) سورة القمر] لابُد أنْ نعتبر، لابُد أنْ نتذَكًّر، لابُد أنْ نُذكِّر أنفُسنا ونُذكِّر غيرنا بالقُرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}[(45) سورة ق] لكن من الذِّي يتذكَّر؟ هو الذِّي يخافُ الوعيد، أما الإنسان الغافل السَّاهي اللَّاهي، هذا نصيبُهُ من هذا قليل، ومع الأسف أنَّ بعض من ينتسب إلى طلب العلم عندهُ شيء من الجفاء بالنِّسبة للقرآن، فتجِدُهُ إذا تيسَّر لهُ أنْ يحضر إلى المسجد قبل الإقامة وصلَّى الرَّكعتين إنْ بقي وقت أخذ مُصحف وقرأ ما تيسَّر ورقة أو ورقتين، ويكون القرآن عندهُ على ما يقُولُهُ النَّاس على الفرغة، إنْ وُجد وقت و إلاّ لا، فهذه مُشكلة يعيشُها كثير من طُلاب العلم، حتَّى من الحُفَّاظ، بعض الطُّلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى، وانتهى دورُهُ، نقول: لا يا أخي الآن جاء دورك، الآن جاء دور التِّلاوة التِّي رُتِّب عليها أجر الحُرُوف، و جاء دور التَّرتيل والتَّدبُّر والاستنباط والتَّذكُّر والتَّذكير بالقرآن، الآن جاء دوره، فأهلُ القرآن لهم هذه الخاصَّة، هم أهلُ الله وهُم خاصَّتُهُ، وينبغي أنْ يُعرفُوا بما لم يُعرفُوا بِهِ غيرهم، كما قال ابن مسعُود يُعرف بصيامِهِ، يُعرف بصلاتِهِ، يُعرف بِقِيامِهِ، يُعرف بتلاوتِهِ، يُعرف بنفعِهِ الخاص والعام، يُعرف بإقبالِهِ على الله -جل(1/1)
وعلا- إذا غفل النَّاس، فصاحب القرآن لهُ شأنٌ عظيم.
أيضاً مما يُوصى بِهِ المُسلم عُمُوماً لا يزال لِسَانُهُ رطب بذكر الله -جل وعلا-، و الذِّكر لا يُكلِّف شيء، الذِّكر لا يُكلِّف يعني سُبحان الله وبحمدِهِ مئة مرَّة حُطَّت عنهُ خطاياهُ وإنْ كانت مثل زبد البحر، سُبحان الله وبحمدِهِ بالتَّجربة تحتاج إلى دقيقة ونصف، ما يحتاج مثل الآصار والأغلال التِّي كانت على من قبلنا أنْ يأخذ الإنسان سيف ويقتل نفسه لِيتُوب اللهُ عليه، ما يلزم هذا، دقيقة ونصف سُبحان الله وبحمدِهِ حُطَّت عنهُ خطاياه وإنْ كانت مثل زبد البحر، من لزم الاستغفار، وللاستغفار فوائِدُهُ شيء لا يخطُر على البال، يعني لهُ دور في شرح النَّفس، وطيب العيش، وكثرة المال والولد، والبركة في الرِّزق، لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ الملك ولهُ الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير، عشر مرَّات، كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، عشر مرَّات تُقال بدقيقة، مائة مرَّة عاد هذا أمر لا يكون أحد مثله إلا إذا أتى بِمثلِهِ أو زاد، حرز من الشيطان، و مائة درجة، ويُمحى عنهُ مائة سيِّئة، و كمن أعتق عشرة من ولد إسماعيل، أُجُور؛ لكن يا الإخوان الحرمان ليست لهُ نهاية، تجِد كثير من النَّاس إذا ذهب إلى أمرٍ من الأُمُور ووجد صاحب الأمر غير موجُود ولا خرج مشوار يأتي بعد رُبع ساعة، الرُّبع ساعة الخمسة عشر دقيقة هذه أثقل عليه في الانتظار من خمسة عشر سنة، تجدُهُ يتوهَّج ويتأسَّف ويتألَّم وشوي يخرج وشوي يدخل ينتظر هذا لماذا؟ ما عوَّد نفسهُ على الذِّكر، يعني لو شرع في قراءة جُزء من القرآن بربع هالسَّاعة، ألا يود أنْ يتأخَّر صاحبهُ حتَّى يُكمل هذا الجُزء؟ إذا كان لهُ وِرْد ونصيب يومي من القُرآن ألا يتمنَّى أنْ تتأخَّر الإقامة قليلاً حتَّى يُكمل قراءَتهُ؟ والله هذا الحاصل يا الإخوان؛ لكنْ الذِّي يتَّخِذ القرآن لمُجرَّد إمضاء وقت، أو يتَّخِذ الذِّكر لذلك ما يُفلح، بس(1/2)
ينتظر الإقامة وينتظر الباب متى يأتي الإمام لماذا؟ لأنَّهُ ما عوَّد نفسهُ، ولا تعرَّف على الله في الرَّخاء ليُعْرف في مثل هذه الشَّدائد؛ لكنْ لو تأخَّر المُوظَّف الذِّي ينتظرُهُ عشر دقائق أو رُبع ساعة وتعوَّد إنْ كان لا يحفظ القرآن في جيبِهِ جُزء من القرآن قرأهُ يكفيه مائة ألف حسنة أفضل من العمل الذِّي جاء من أجلِهِ أفضل بكثير من العمل الذِّي جاء من أجلِهِ؛ لكنْ باعتبار أنَّنا ما عوَّدنا أنفُسنا على هذا نتضايق كثيراً، الإنسان في طريقه في مِشوارِهِ رايح وجاي، ويضيع أكثر أوقات النَّاس في السَّيَّارات الآن، وكثير من النَّاس لا يُحْسِن استغلال مثل هذه الأوقات، اقرأ قُرآن، اذكُر من الأذكار ما جاء الشَّرع بالحثِّ عليهِ، اسمع أشرطة علميَّة تستفيد.
المقصُود أنَّ على الإنسان أنْ يحفظ الوقت؛ لأنَّ العُمر هو عبارة عن هذه الأنفاس وهذه الدَّقائق وقبلها الثَّواني وبعدها السَّاعات هذا هُو عُمر الإنسان؛ بل هذا هو حقيقة الإنسان، فإذا ضيَّع الإنسان نفسهُ فعلام يُحافظ؟ إذا ضيَّع الإنسان نفسهُ يعني انتهت بالكُلِّيَّة ما سوى شيء، وكم من شخص يُمَد لهُ في العُمر إلى مائة سنة فإذا طُلب من أهلهِ وذويه ماذا أنجز خلال هذه المائة سنة؟ والله ما نشوف شيء.
وبعض النَّاس يُبارك لهُ في عُمرِهِ، عُمر بن عبد العزيز مات ما كمَّل الأربعين، شوف الذِّكر إلى الآن، الذِّكر الحَسَن، وكثير سعيد بن جُبير ما كمَّل الخمسين، النووي ستة وأربعين وملأ الدُّنيا مساجد الدُّنيا كُلُّها يُقال: قال -رحمه الله تعالى-، فعلينا أنْ نحرص على هذا، ثُمَّ قد يقول قائل: ما السَّبب في هذه البركة أنَّنا نرى أُناس طالت أعمارُهُم لكنْ ما كُتب لهم مثل هذا الذِّكر الحسن بحيث يُقال: على كلِّ لسان: قال: رحمه الله؟(1/3)
جاء شخص إلى هشام بن عبد الملك وقال لهُ: إنَّ أباك منحني قطعة أرض، ثم جاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها مني، قال: سُبحان الله الذِّي أعطاك الأرض ما قُلت: رحمه الله، والذِّي أخذها منك تقول لهُ: رحمه الله؟ قال: كل النَّاس تقُول هذا، ما يُذكر اسمُهُ إلاّ قالوا: رحمه الله .
فعلى الإنسان أنْ يحرص لتحقيق مثل هذه الأمُور، وكم من شخص تجري أعمالُهُ بعد وفاتِهِ مئات السِّنين لماذا؟ لأنَّهُ دلَّ النَّاس على هُدى، علَّم النَّاس الخير، ألَّف مُصنَّفات يستفيدُ منها النَّاس، وأُجُورُهم ماضية ((أو علمٍ صالح يُنتفعُ بِهِ)) وبعض النَّاس على العكس مئات السِّنين تجري عليهم الأوزار؛ لأنَّهُم علَّمُوا النَّاس بدع وصنَّفُوا كُتب بِدع، وصار النَّاس يتأثَّرُون بها فعليهم أوزارُهُم ((ومن سَنَّ في الإسلام سُنَّة حسنة فلهُ أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة... ومن سنَّ في الإسلام سُنَّة سيِّئة فعليه وزرها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة)) فعلينا أنْ نهتم لأنفُسنا ونحتاط لها.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقييد العلم
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
هُناك فوائد يُخشى من فواتها، والعلم صيد، والكِتابة قيدُهُ، والكتابة نائبة مناب الحِفظ، الأصل الحِفظ، وكثير ما يمُر بالطَّالب وهو يَقرأ في كُتب أهلِ العلم احْفظ هذا، احْرص على هذا، كثير ما يقول: احْفَظ هذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- علَّك أنْ لا تَجِدَهُ في مُصنَّفٍ آخر البَتَّة، وهُو يَحُث طالب العلم على هذه الفائدة التِّي تَعِبَ عليها ابن القيم، ولا يعني هذا أنَّهُ مُعجَبٌ بكتابِتِه، وأنَّهُ يزدَرِي غيرهُ، أو أنَّهُ أتى بما لمْ يأتِ بِهِ غيرهُ، لا، هو يحث طالب العلم أنْ ينتبه لهذا الموضوع، هذا من باب النَّصيحة.
وهنا يقول: إذا ذكر إبراهيم النخعي حديثاً قال: احفظ هذا، وجاء في حديث وفد عبد القيس المُخرَّج في الصَّحيح أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((احفظُوهُنَّ، وأخْبِرُوا بهِنَّ من وراءكم)) فهذا حَثٌّ على الحِفظ، وأيضاً الذِّي لا يحفظ يُقال لهُ: اكتُب، اكتُب يا أخي، اكتب هذه الفائدة، نعم؛ لأنَّها فائدة متعُوب عليها ما هي تجدها في أيِّ كلام، والذِّي لا يحفظ لا يُسْعِفُهُ الحفظ يستعمل القلم، استعمل يمينك بالكتابة.
فالعِلم صيد والكتابةُ قَيْدُهُ ... قيِّد صُيُودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أنْ تصيد غزالةً ... وتتركها بين الخلائق طالقة
وكم نَدِمنا على فوائد مرَّت بِنا، ونُريدُ أنْ نتذَكَّرها فلا نذكر، ونُريد أنْ نُراجع أي كتاب ما تقدر، إلاَّ إذا استعملت الكتابة، ولو كتبت العناوين ورُؤوس المسائل، يعني معك هذا الكتاب تقرأ فيه تمُر عليك الفوائد، تُدَوِّن صفحة كذا فيها كذا، كفِهرس خُلاصة للفوائد ورُؤوس المسائل، وهذه طريقة معرُوفة في كُتب العلماء والأئمَّة من المُتقدِّمين والمُتأخِّرين يستعملون هذه الكتابة.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصيحة للآباء
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
من أُمِر بالصَّلاة وهو ابنُ سبعٍ مثلاً، أو أُكِّد في حقِّهِ الضَّرب ابن عشر فأكثر، هل يلزم إخراجُهُ إلى المسجد ليُصلِّي مع الجماعة أو يُؤدِّي الصلاة ولو في البيت؟ لاشكَّ أنَّ شأن غير المُكلَّف أقل من شأن المُكلَّف؛ لكن هل على الأب المأمُور بأمر ابنِهِ بالصَّلاة أو بضربِهِ على الصَّلاة أنْ يُخرِجَهُ إلى المسجد، عليه أنْ يُخرِجَهُ إلى المسجد، أو نقول: أنَّهُ مأمُور بأنْ يُصلِّي وأدُّوا الصَّلاة ولو في البيت؟(1/1)
البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: "بابُ وُجوب صلاة الجماعة، وقال الحَسَن: إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عن العِشاء في الجماعة شَفَقَةً عليه لمْ يُطِعها" هذا في إيش؟ لو مَنَعَتْهُ، ويحصُل من الأُمَّهات؛ بل من الآباء الشَّفقة على أولادهم في البرد الشَّديد، في الظَّلام مع السَّهر والتَّعب، يعني الآن إذا نُبِّه الطِّفل الصَّغير ابن سبع ابن ثمان ابن عشر لِصلاة الفجر وهو سَهران كُل الليل مع النَّاس نام قبل الفجر بنص ساعة، أو ساعة، يعني إلزامُهُ بصلاة الجماعة فيه مشقَّة كبيرة؛ لكنَّهُ من تمام الأمر، الأب مأمُورٌ بأنْ يأمر ابنهُ بالصَّلاة؛ لكنْ شأنُهُ أخف من شأنْ الكبير؛ لكنْ من تمام امتثال الأمر أنْ يُؤدِّي هذه الصَّلاة على أكمل وجه، ومن مُتطلَّبات هذه الصَّلاة أدَاؤُها بالجماعة، ولذا قال الحسن: "إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عن العِشاء في الجماعة شَفَقَةً عليه لمْ يُطِعها" طيِّب لو خَشِيَت على الولد مثلاً؟ لو نفترض أنَّ المسألة مسألة كهرب واللِّيل أفضل من النَّهار، وأجسر من النهار، لا نفترض المسألة دين؛ لأنَّ الدِّين لأوَّل الزَّمان وآخِرِه، ما فيه كهرب ظلام، دفعت الولد وراء الباب وصكت دُونهُ الباب، رح صلِّ مع الجماعة، طيِّب يخاف الولد تأثم ولا ما تأثم؟ نعم، إذا كان الطَّريق مخوف تأثم؛ لكنْ لا يبعثُها الشَّفقة عليهِ بأنْ تَمْنَعُهُ مع أمْن الطَّريق وسلامتِهِ والقُدرة على الذَّهاب إلى المسجد والرُّجُوع من دُون ضرر، الآن بعض الآباء يقول: الولد يُصلِّي في البيت إلا إذا كُنت موجُود لماذا؟ يقول: لو طلع مع الباب حتَّى في النَّهار تَلقَّفُوه هالشباب ولا هم مأمونين؛ بل يُوجد من منعَ أولاده من الحُضُور إلى حلقات التَّحفيظ لهذا السَّبب، يقول: وهو رايح إلى الحلقة يُمسكونه الشباب، أولاد الجيران وعندهُم قنوات ودشوش وما أدري إيش؟ ماني ملزمه، نُحصِّل مُستحب ونُفرِّط بواجب ونرتكب مُحرَّم، وإذا خرج يبي يروحون(1/2)
به للبقالة ويمين ويسار أو يدخل عند فُلان وعلاَّن خله في البيت إنْ حفظ بالبيت و إلا بكيفه، هذه حُجَّة يقول بها كثير من النَّاس؛ لكنْ أيضاً لا تُفرِّط بأمرٍ أنت مُطالب بهِ شرعاً، تربيتُهُ التَّربية الحسنة، الصَّلاة مع الجماعة، حفظ قرآن، تعلُّم علم، يا أخي ابذل الأسباب لِئَنْ يَصِل إليه الخير مع عدم ارتكابِ أدْنَى محظُور.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
يهتف العلم بالعمل
الشيخ العلامة/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم والعالم والذِّين أُوتُوا العلم قد رفعهُم الله درجات {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[(11) سورة المجادلة] ودرجات عشرين صانتي مثل درج الدُّنيا؟ عشرين صانتي الدَّرجة الواحدة؟ لا، الدرجة مثل ما بين السَّماء والأرض، ودرجات ما هي درجة و لا درجتين ولا كذا، فننتبه لمثل هذا الأمر، هذا بالنِّسبة للعلم.(1/1)
وهذه كلمة مُختصرة بالنِّسبة للعمل، يُوجد في صفُوف طُلاّب العلم مع الأسف أنَّهُ يأخُذ العلم مُجرَّداً، ويشكُو من عدم ثَباتِهِ في نفسِهِ، يَنسى العلم، نقول لك: اعمل بهذا العلم ثُمَّ بعد ذلك يَثْبُت، والعلمُ كما يقول علي -رضي الله عنه-: "يَهْتِفُ بالعمل فإنْ أجابَهُ ولا ارْتَحل" وكم من شخصٍ تعلَّم من العُلُوم الشَّيء الكثير ثُمَّ بعد ذلك في النِّهاية نَسي لماذا؟ لأنَّهُ لا يعمل، العلم النَّظري المُجَرَّد لا يَثْبُت، لو أنَّ إنساناً أخذ مُصنَّف ثلاث مائة صفحة مثلاً في تعلُّم قيادة السَّيَّارة وفي تفكيك المكينة، وتفكيك كذا يعني كُل ما يتعلَّق بالسِّيَّارة وقرأ الكاتلوجات القديمة والحديثة وكذا؛ لكنَّهُ ما باشر ما معه مفك ولا عنده بيتعلَّم هذا؟ لابُدَّ من العمل، فالعمل يَثْبُتُ بهِ العلم، والأعمال المُتاحة في شرعنا -ولله الحمد- كثيرةٌ جِدًّا، يعني بعض النَّاس قد يَصْعُب عليهِ ويَشُق عليهِ أنْ يُساعد النَّاس ببدَنِهِ، نقول: يا أخي ساعد النَّاس وابذل في ما تستطيع برأيك مثلاً إذا جاء أحد يستشيرك امحض لهُ النَّصيحة، العمل الخاص الذِّي لا يتعدَّى، صيام النَّوافل، قيام الليل، الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر الذِّي النَّاسُ بأمَسِّ الحاجة إليهِ الآن، المُنكرات الآن في محافل النَّاس تزيد، فلابد من التَّعاون على إزالتها وإنكارها؛ لكنْ بِطُرق تترتَّبُ عليها المصلحة ولا يترتَّب عليها أدنى مفسدة، والإنسان -ولله الحمد- في هذا البلد ما فيه أحد يمنعُهُ من أنْ يقول لشخصٍ رآهُ في طريقِهِ إلى المسجد صلِّ يا أخي، صَلِّ جزاك الله خير، والآن الإقامة قرُبت والمسجد قريب، وقد سمِعْتَ الأذان ولا عُذْرَ لك، ورأْس مالك الصَّلاة، أعظم أركان الإسلام، فيه أحد يمنعُهُ من هذا؟ يرى شباب يلعبُون كُرة أو غيرها يقول لهم: صلُّوا، يرى صاحب محل مفتُوح بعد الأذان يقول لهُ: سكِّر، ولو أنَّ النَّاس تَتَابعُوا على هذا(1/2)
وتعاونُوا عليهِ ما وجدْنَا هذا التَّساهُل الموجُود في أسواق المُسلمين ومحافِلِهِم.
فالاهتمام بهذا الشَّأنْ الذِّي هُو الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر من أهم المُهمَّات و أولى الأولوِيَّات بالنِّسبة لجميع المُسلمين؛ لأنَّ الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم مُنكراً فليُغيِّرهُ بيدِه؛ فإنْ لم يستطِع فبلِسَانِهِ؛ فإنْ لم يستطع فبقلبِهِ)) والإنسان بحمد لله مُستطاع بالأُسلُوب المُناسب الذِّي لا يترتَّب عليهِ مفاسِد.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
واستعينوا بالغدوة والروحة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((واستعينُوا بالغُدْوة والرَّوحة)) الغَدْوَة: السَّير أوَّل النَّهار، والرَّوحة: السَّير آخر النَّهار ((وشيء من الدُّلْجَة)) من اللَّيل بهذا تُقْطَع المسافات الحِسِّيَّة، فَلْنَقْطَع هذهِ المسافة المعنوِيَّة في سَيرنا إلى الله -جل وعلا- مُستعِينين بهذهِ التَّوجيهات النَّبويَّة فَنَسْتَغِلْ أوَّل الوقت الذِّي هُو محلُّ البركة، بعد صلاة الصُّبح إلى انتشار الشَّمس يعني يَسْتَغِلُّهُ طالب العلم بما يُقرِّبُهُ إلى الله -جل وعلا-؛ ولْيَكُن نصيب القرآن في هذا الوقت هُو الأوْفَر، وآخر النَّهار يترُكُهُ لما يُقرِّبُهُ أيضاً إلى الله -جل وعلا- من عُلُومٍ أُخرى، ومن عباداتٍ مُتنوِّعة، ويأخُذ من اللَّيل نصيبَهُ والباقي لِشُؤُونِهِ وحَياتِهِ.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الضرورات
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مع الأسف أنَّ بعض النَّاس لا يُقيم للنَّفس وزناً، وهذا لا شكَّ أنَّهُ أخلَّ بضرُورةٍ من الضَّرُورات التِّي جاءت الشَّرائعُ بِحفظها، وبالمُقابل من النَّاس من يجعل حِفظ النَّفس كل الضَّرُورات، ويغفُل عن ضرُورة حِفظ الدِّين، ويغفل عن ضرورة حِفظ العقل، ويتساهل في أمرٍ يُذهب العُقُول سواءً كان إذهاباً مُؤقَّتاً أو دائماً مُستمِرًّا، ويغفل عن ضرُورة من الضَّرُورات وهي حِفظ النَّسل والأعْرَاض، تَجدُهُ يتساهل، يعني إذا شخص أضاع شيئاً من دينهِ لا يتحرَّك منهُ ساكن، وإذا انتُهك عِرض من أعراض المُسلمين ما تحرَّك منهُ ساكن، كُل هذه ضرُورات، شُرب الخمر والمُسكرات والمُخدرات لا يُؤثِّر فيه، وعند ذلك إذا انتُهِك ضرُورة من الضَّرُورات تجدهُ غير الأُمُور التِّي يتساهل فيها تقومُ قيامتُهُ ولا تقعد ومعهُ حق؛ لأنَّ هذه ضرُورة من الضَّرُورات التِّي جاءت الشَّرائع بحِفظها، ولذلك تجدُون من يكتُب بعض الكِتَابات السَّيِّئة، ويَرمِي المُتديِّنين بما يرميهم به من تطرُّف، ومن تَكفِير، وتَفْجِير، وهذا تَعْمِيم باطل، يعني كم نسبة من يرتكب هذه الأُمُور بين المتدينين وبين والمسلمين عموماً؟ نسبة لا تكاد تُذكر، تجدهُ يقول مثلاً: الليبرالي ما يفجِّر، العِلماني ما يفجِّر، والمُتديِّن يفعل ذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، يعني يُوجد ما نِسبتُهُ واحد من عشرة آلاف أو أكثر وتُعَمِّم هذهِ على المُسلمين؟ الأمر الثَّاني: أين أنت من الضَّرُورات الأُخرى؟ تجد العِلماني والليبرالي أخلَّ بضرُوراتٍ أُخرى، أين أنت من هذه الضرورات؟ فالعدل لا بُدَّ منهُ، ولا يعني هذا التَّقليل من شأن الجنايات، والاعتداء على النَّاس، وإزْهاق الأنفُس والأرواح، هذه أُمور يأتِينا أنَّهُ أوَّل ما يُقضى بين الناس في الدِّماء ((ولا يزالُ المُسلمُ في فُسحةٍ من دِينِهِ حتّى يُصيب دماً حراماً)) {(1/1)
وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[(93) سورة النساء] يعني الشَّرع ما أهمل على هذه الأُمُور {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}[(68) سورة الفرقان] أيضاً، فالشَّرع مُتكامل، والإنسان إذا تحدَّث في أمر لا يعني أنَّهُ يُهمل الجانب الآخر أبداً ؛ لكنْ يحُز في النَّفس أنْ يكُون الدِّين مُنصب كُلُّهُ على هذه الجِهة، نعم ينبغي العناية في بأمرٍ من الأُمُور إذا وجد في ظرفٍ من الظُّرُوف أو في مكانٍ من الأماكن، يعني تجد النَّاس أُمُورُهم في الدِّين أو في الدِّيانة و في التَّديُّن ماشية، أيضاً عندهم من الحِرص على أعراضِهِم وعلى عُقُولهم ما يَرْدَعُهُم، أخلُّوا بهذا الجانب، يُرَكَّز على هذا الجانب؛ لأنَّ النُّصُوص الشَّرعيَّة عِلاج لأدواء المُجتمعات والأفراد؛ فإذا وُجد الخلل في جانب من الجوانب يُرَكَّز عليه؛ لكنْ لا على حساب غيرِهِ، ونَجِد الخلل في جميع الجوانب، يعني نجِد في مُجتمعات المُسلمين من لا يُصلِّي، وإذا تُكلِّم في الموضوع قال: النَّاس أحرار يا أخي، التدخُّل في شُؤُون النَّاس الخاصَّة مُشكلة، نعم التَّدخُّل ((من حُسن إسلام المرء تركُهُ ما لا يعنيهِ)) لكنْ هذا يعنِيك يا أخي، الأمر بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكر يعنيك أنت مُكلَّف بِهِ إذاً يعنِيك، فحِفظ الضَّرُورات لابُدَّ أنْ يكُون مُتكافِئاً، نعم إذا وُجد من يُخلّ، أو انتشر، أو صار ظاهرة في بلدٍ من البُلدان ضرورة من هذه الضَّرُورات دُون غيرها تُعالج و يُرَكَّز عليها، ويُؤكَّد عليها، ووظيفة وليّ الأمر في الدَّرجة الأُولى حِفظ الأدْيان، حفْظ الأنفُس، أيضاً حِفظ العُقُول، حفظ الأعراض هذه وظيفتُهُ، على كُلِّ حال هذا الباب الذي هو كتابُ الجنايات من أعظم أبواب الدِّين، وحِفظ النُّفُوس ضرُورة(1/2)
من الضَّرُورات التِّي لا يجُوزُ الإخلالُ بها بحال، ولذا لو أُكره شخص على قتل إنسان و إلاَّ يُقتل، إنْ لمْ يقْتُلهُ قُتِل؟ لا يجُوزُ لهُ أنْ يقتل إنسان ولو اقتضى الأمر إلى أنْ يُقتل، ما يقول: والله أنا مُكْره، لا، لا هذا ما يدخلُهُ الإكراه؛ لأنَّهُ ليس حِفْظ نفسِك أولى من حِفظ نفْس غيرك، فالمسألة في غاية الخُطُورة، والتَّساهل بها والتَّهاوُنُ بها لاشكَّ أنَّها زلَّةٌ عظيمة، وهَفْوَةٌ عظيمة، جاءَ في قتْلِ النُّفُوس ما جاء في نُصُوص الكتاب وصحيح السُّنَّة {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، وأيُّ وعيدٍ أعظمُ من هذا؟ فعلى كلِّ حال الضَّرُورات معرُوفة، وحِفْظُها من أوجب الواجبات على الأُمَّة بكامِلِها، ولا يجُوز التَّفريط بشيءٍ منها بحالٍ من الأحوال، ومع ذلك يحُزُّ في النَّفس أنْ يُكتب ما يدُلُّ على التَّساهُل في بعض الضَّرُورات دُون بعض.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
القصد القصد تبلغوا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((القصد القصد تبلُغُوا)) المُنْبَتْ يأتي حديث عهد باستقامة والتزام وعندهُ ردَّة فعل مِمَّا بَدَر منهُ من ارتكاب لبعض المُحرَّمات، أو ترك بعض الواجبات، وتساهل في بعض الأُمُور تجِدُهُ يأتي مُتحمِّس؛ لكنْ يُقال لهُ: القصد القصد يا أخي؛ لأنْ مثل هذا إذا جاء مُندفِع لا يُؤْمَنْ أنْ يَمَل ويترك، يُقال لهُ: ((القصد القصد)).(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الدنيا حلوة خضرة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ الدُّنيا حلوةٌ خَضِرة، وإنَّ الله مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملُون؟ فاتقوا الدُّنيا، واتَّقُوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّل فِتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء)) [رواهُ مُسلم].(1/1)
نعم هذا الحديث الصحيح حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الدنيا حلوة خضرة)) حُلوةٌ في مذاقِها، خَضِرةٌ في مرآها، فأطيب ما يُذاق، وأفضل ما يُذاق الحُلو، وأفضل الألوان الخُضرة، فهذه الدُّنيا تتشكَّل للنَّاس وتستهويهم وتغُرُّهُم بِزُخرفها، فتبدو كأنها حُلوةٌ خَضِرة، وإلاّ مثل هذا لا ينطلي على من عرف حقيقة الدُّنيا، وأنَّها ملعُونة؛ لكنَّها تبدُو للنَّاس بهذا الشَّكل حُلوةٌ خَضِرة، فعلى الإنسان أنْ يحذَر منها، وأنْ لا يَنْجَرِف إلى ما أُودِعَ فيها؛ لكنَّ الله -جل وعلا- مُستخلفكم فيها، جعلكُم خلائف يخلُفُ بعضكُم بعضاً، و طَلَب منكم عِمَارتَها، لِتَتَمَكَّنُوا من عبادة ربِّكم ((مُستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملُون؟)) يختَبِركم ماذا أنتُم عامِلُون على ظهرِ هذهِ الدُّنيا؟ هل أنتُم عامِلُون ما يُرضِي الله -جل وعلا- أو ما يُغضِبُهُ؟ ((فاتقوا الدُّنيا)) احْذَرُوها؛ لأنَّها تظهر لكُم بمظاهر تستهويكم؛ لكنْ اعرفُوا حَقِيقتها، وأنَّها دار مَمَر وعُبُور وليست دار مَقَر، كرجُلٍ اسْتَظَلَّ بِظِلِّ دوحَة، مثل هذا يُطِيل الأمل؟ لا ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)) من تَصَوَّر نفسَهُ غريب أو عابر سبيل هذا لن يَرْكَنْ إلى الدُّنيا، مثل هذا يتَّقِ الدُّنيا، ويُقبلُ على ما هُو بِصَدَدِهِ، وما خُلِقَ من أجْلِهِ وهو العُبُودِيَّة لله -جل وعلا- ((واتَّقُوا النِّساء)) لاشكَّ أنَّ النِّساء فِتْنَة، وإذا خَرَجَت المرأة اسْتَشْرَفها الشَّيطان، وتَبِعَتْها الأنظار، فَعلى المرأة أنْ لا تكُون سبباً في إضلالِ النَّاس وإغْوَائِهِم، عليها إذا خَرَجَتْ أنْ يكُون خُرُوجُها لِحَاجة، و إلاّ فالأصل هُو القرار في البيت، كما قال الله -جل وعلا-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[(33) سورة الأحزاب]؛ لكنْ إذا خَرَجت المرأة لا تكُونُ سَبباً في إضلالِ النَّاس وإغْوَائِهِم،(1/2)
وفِتْنَتِهِم، تَخرُج تَفِلَة، غير مُتَطَيِّبَة لِئَلاَّ تَفْتِن النَّاس، وبالمُقابل على الرَّجُل أنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ ويَصْرِفَهُ عن النِّساء ((واتَّقُوا النِّساء؛ فإنَّ أوَّل فِتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء)) أوَّل فِتْنَتَهُم كانت في النِّساء، ثُمَّ بعد ذلك اسْتًدْرِجُوا في المعاصي بعد هذهِ الفِتْنَة، وزَاولُوا غيرها من الفِتَن إلى أنْ خَرَجُوا من دِينِهِم. والله المُستعان.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
خطر الأجير
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ومعروفٌ أنَّ الأجير الذي يُخالط المُستأجر مُخالطة تختلف عن غيرهِ، ولذا أكثر ما يُوجد من المصائب والمشاكل في المُخالطة الأجير والمُستأجر، فتجد السائق لهٌ دالة على البيت وأهل البيت أكثر من غيرهِ، سائق الأُسرة، وكذلك الخادمة في الأسرة بينهم صلة ودالة يمونون عليها أكثر من غيرها، والتساهل جرَّ المصائب والنَّكبات إلى البُيُوت، فلابُدَّ من الاحتياط، و إذا وُجِد هذا في عصر النُّبُوَّة فكيف يأمن الإنسان على نفسِهِ وعلى وولدِهِ وبنتِهِ وزوجتِهِ؟ فلابد من أخذ الاحتياط الشديد في هذا الباب؛ لأنَّهُ إذا وقعت المُصيبة ما يُمكن أنْ تُستدرك، العار لن يرتفع، نعم الإثم يجبُّهُ التَّوبة، ويجبُّهُ إقامة الحد؛ لكن العار، الألم يعتصر القلب مدى الحياة ومصائب وكوارث لا يُمكن تصحيحها، كثيراً ما يُسأل بسبب التَّساهل مع الخدم والسائقين، الأسئلة تكثر عن مسألة السِّتر على النَّفس، والإخبار بما حصل أو لا يُخبر عند الخِطبة، يعني إذا حصل من البنت هفوة و إلا زلَّة مع سائق أو نحوِهِ تقول: هل أُخبر الخاطب أو لا أُخبرُهُ؟ هذه مسألة كارثة حقيقة إنْ أخبرت تعطَّلت، وإنْ لم تُخْبِر غشَّت، وإذا علم الخاطب فيما بعد ماذا يكون مصيرُهُ؟ ماذا يكون وضع أولادِهِ فيما بعد؟ كل هذه جرائم يصعُب تصحيحها، فالاحتياط هو الواجب والمُتعيِّن؛ لئلاّ يقع مثل هذا -نسأل الله السَّلامة والعافية- وأُدْخل على بعض النَّاس مِمَّن هم محسُوبين على الأخيار بسبب تساهلِهم، أُدْخِل عليهم ما ليس منهم، وحصل من الخدم في البيُوت من عبث بالصِّبيان الأولاد وما أشبه ذلك كل هذا بسبب التَّساهل، فعلى المُسلم أنْ يكون حازماً لاسِيَّما ما يتعلَّق بالأعراض الأموال أمرُها سهل، الإشكال في الأعراض، والله المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
لزوم الصمت
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيراً أو لِيصمُت)) الأصل أنَّ الإنسان مُحاسب بجميع ما يلفظُ به؛ فإنْ قال: خيراً كُتب في ميزان حسناتِه في صحيفة الحسنات، وإنْ قال: شرًّا كُتب في الصحيفة سَّيِّئة، وإنْ قال: لا هذا ولا هذا، فالخلاف بين أهل العلم معرُوف هل يُكتب أو لا يُكتب؟ مع أنَّ قولهُ -جل وعلا-: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[(18) سورة ق] يدل على أنَّ كل شيء يُكتب، وعلى هذا على الإنسان أنْ يحتاط لنفسِهِ؛ لأنَّ كثرة الكلام لابُدَّ أنْ تُوقِع في المحظُور والممنُوع؛ فمن كَثُر كلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، لِيَقُل خير أو لِيَصْمُت، وفاز من جُبِل على الصَّمت؛ لأنَّ أكثر الكلام في القيل والقال الذِّي لا فائدة فيه فضلاً عن الكلام المُحرَّم، فعلى الإنسان أنْ يهتم لمثل هذا، ولذا قال مُعاذ بن جبل: وهل يُؤاخذُ النَّاس على حصائد ألسنتهم؟ على الكلام يعني، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((وهل يُكبُّ النَّاس على وُجُوههم -أو قال:- على مناخرهم إلاّ حصائد ألسِنتِهِم؟!)) لاشكَّ أنَّ من يحتاط لِنفسِهِ ويتحرَّى في هذا الباب، والنَّاصِح لِنفسِهِ أنْ يلزم الصَّمت إلاّ فيما ينفع.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من يستغنِ يُغنِهِ الله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول الرَّسُول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يُعفَّهُ الله، ومن يستغنِ يُغنِهِ الله)) الاستِعفاف عمَّا في أيدي النَّاس لاشكَّ أنَّ منْ فَعَلَهُ جَاهِداً وقَهَر نفسهُ على ذلك مَا لمْ يَصِل إلى حدِّ ضرُورة، لاشكَّ أنَّ الله -جل وعلا- يُعينهُ على العفاف، هذا جواب الشَّرط، وجاء الأمرُ به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}[(33) سورة النور] المقصُود أنَّ على المُسلم أنْ يكُون عزيزاً لا يُهينُ نفسهُ، ولا يبتذل نفسهُ باستكفاف النَّاس، وطلب إعاناتهم، وبعض النَّاس يسْهُل عليه هذا الأمر، ولأدْنى شيء يسأل النَّاس، مثل هذا يُبْتَلى لا يُعان على العفاف؛ وإنَّما يُبتَلى بالحاجة الدَّائِمة ((ومن يستغنِ يُغنِهِ الله)) من يستغنِ بما في يدِهِ عما في أيدي النَّاس يُغنِهِ الله -جل وعلا-، فمنْ تعلَّقَ بالله -جل وعلا-، وأنزلَ حاجتهُ بربِّهِ، وتوكَّلَ عليهِ، وقطع العلائق عن الخلائق، لاشكَّ أنَّهُ سوف يعيشُ حياةً مُطمئِنَّة، ويتحقَّق لهُ الموعُود في هذا الخبر، من يستغنِ بالله -جل وعلا- عن خلقِهِ يُغنِهِ الله.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسْتِعْجَال في الدُّعَاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فالذِّي يَدْعُو الله -عز وجل- ويُلِحُّ في الدُّعَاء ثُمَّ بعد ذلك يَسْتَحْسِرْ ادْعُ الله أنْ يَصْرِف عَنْكَ ما بِكْ، يقول: و الله يا أخي دَعَوْتُ ودَعَوْت ومَا أجَابَنِا، مثل هذا مَانِع منْ تَرتُّبِ أثَر الدُّعَاء عليه؛ لكِنْ أسْوَأُ مِنْهُ الذِّي يُصَابُ بِنَكْسَة نَسْأل الله العَافِيَة، الله -سبحانه وتعالى– يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[(60) سورة غافر] ما اسْتَجَاب لِي، هذا قَدْ يُوجَدْ نَسْأل الله العَافِيَة، كَمَنْ يُتْلِفُ مَا بَذَر، فالاسْتِعْجَالْ والاسْتِحْسَارْ سَبَبُهُ الجَهلْ، جَاهِلْ، ومَا يُدْرِيكْ لَعَلَّ الله -سبحانه وتعالى- أنْ يَرْفَعَكْ بِهَذا الدُّعَاء فِي الدُّنْيَا والآخِرَة، ومَا يُدْرِيكْ لَعَلَّ -سبحانه وتعالى- مُدَّخِرٌ لَكَ مَنْزِلَةً فِي الآخِرَة لا تَنَال هذهِ المَنْزِلَة إلاَّ بالإلْحَاحِ وكَثْرَةُ الدُّعَاءْ والاسْتِمرَار عليه؛ لأنَّ الدُّعَاء لاسِيَّمَا مَعَ حُضُور القَلْب والانْكِسَار بينَ يدي الله -عز وجل- مِنْ أعْلَى مَنَازِلْ العُبُودِيَّة، فأنْتَ تَتَعَبَّد الله -عز وجل- بِأَحَبِّ العِبَادَاتْ إِلَيْهِ، فَلِمَ العَجَلَة؟ أنْتَ تَطْلُبُ شيء قَدْ يَكُون يَسِير، والله -سبحانه وتعالى- يَدَّخِرُ لَكَ أمْراً عَظِيماً في الدُّنْيَا أو فِي الآخِرَة؛ لَكِنْ زِدْ فِي الدُّعَاء، وأَقْبِلْ إِلَى رَبِّكْ، ومَا يُدْرِيكْ لَعَلَّ الله -سبحانه وتعالى- فِي تأخِيرِ الإجَابَة يَصْرِفُ عَنْكَ مِنَ البَلاء أضْعَافْ أَضْعَافْ مَا أَرَدْتَهُ وأَمَّلْتَهُ، والله المُسْتَعَانْ.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الخشوع والانكِسَار عند الدعاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تجد الإنسان ما دَام صحيح البدن وإنْ دَعَا، دَعا بِقَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ ومِثْلُ هَؤُلاء منْ أنفع الأُمُور لَهُمْ الأمراض، الأمراض البدنِيَّة منْ أنْفع الأُمُور لَهُم في دينهم ودُنْيَاهُم صَادَفَ خُشُوعاً في القلب وانْكِسَاراً بينَ يدي الرَّب، نشُوف كثيراً من النَّاس تَجِدْهُ في حال الصِّحَّة إنْ دَعَا على قِلَّة تَجِد ما يََحْضر من قلبُهُ شيء، لكِنْ إذا أُصِيب الإنسان في مالِهِ أو فِي بدَنِهِ أو في ولدِهِ يَأْتِي الانْكِسَار والخُشُوع والتَّضَرُّعْ والتَّذَلُّل والإلحَاح فَيقْرُبُ الإنسانُ من ربِّهِ، ويَتعرَّف على الله -عزّ َوجل- فَتَجِدُهُ يُخْبِتْ ويَنْكَسِر ويَذِل، ويَنْطَرِحْ بينَ يَديْ ربِّهِ -عز وجل- فيحصُلُ لهُ أضْعَافْ مَا أمَّلَهُ، فالأمراض والمَصَائِب إضافةً إلى كونها مُكَفِّرات للذُّنُوب، هي أيضاً منْ أنفعْ ما يَصِلُ الإنسانُ بربِّهِ -عز وجل-.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
المرء مع من أحب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المَرْءُ مع منْ أَحَب)) متفق عليه.
الشيخ: هذا الحديث حديثٌ عظيم ، ينبغي للمُسلم أنْ يفرح به أشدّ الفرح، كما فَرِحَ به الصَّحابة؛ لكن ليست المسألة دعوى ولا أماني ((المرء مع من أحب)) كلنا نَدَّعِي أنَّنا نُحِب الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، ونُحبُّ أبا بكر، ونُحب عُمر، ونُحب الأنبياء، ونُحب العُلماء العاملين المُخلصين المُحَقِّقِين، كلنا ندّعي ذلك؛ لكن الكلام ما الذي يُصدِّق هذه الدعوى؟ الذي يُخالف أمر الرسول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يُحب الرسول؟ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}[(31) سورة آل عمران] هذه الدعوة المصدّقة في العمل، فالذي يعصي الله -جلَّ وعلا-، ويعصي أوامر الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- كاذبٌ في دعواه.
تَعْصِي الإله وأنت تزعُمُ حُبَّهُ ... هذا لَعَمْرِي فِي القِيَاسِ شَنِيعُ
لو كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَهُ ... إنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحبُّ مُطِيعُ(1/1)
الرَّسُول يَأْمُرُكَ بالأمر، ويَنْهَاك عن النَّهي، ولا يُحَرِّك فيك سَاكِن، وتقول: أحُب الرَّسُول -عليه الصَّلاة والسَّلام-، كثير من المُسلمين في أقطار الأرض مُخَالِفُون مُضَادُّون للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولِأَقوالِهِ ولِأَفْعَالِهِ، وإذا جَاء يوم المَوْلِد زَعَمُوا أنَّهُم يُحِبُّون الرَّسُول -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ويَرمُون من لا يُزاول هذه الأمور البِدْعِيَّة بعدم محبَّة النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ويزعُمُون أنَّهم هُم الذِّين يُحبُّونه، هذا الكلام ليس بصحيح؛ إنما من يُحِب أحد لابُد أنْ يَتَّبِعَهُ، على مُستوى الأفراد الآن لو شخص يُحِب آخر، أو يُحب امرأة أُعجب بها و أحبّها تأمرهُ بأدنى شيء فلا يُطيعُها هذا حب؟ هذا ليس بِحُب، كاذب في حُبِّهِ؛ لكن مع ذلك ((المرء مع من أحب)) فلتكُن مَحَبَّتُهُ لله ورسُولِهِ والصَّحابة والأتباع بإِحسان والأنبياء، مُخْلِصاً صَادِقاً في مَحَبَّتِهِ؛ لِيَتَحَقَّق لهُ هذا الوَعْد.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أين النية الصالحة عند كثير من الناس؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تجِد الإنسان يُمضِي السَّنة في العمل الذِّي كان يُنْتَهى منهُ في شهر، ويُمْضِي الشَّهر في العمل الذِّي كان يُنْتَهى منهُ في أُسبُوع وهكذا، وهذا ظاهر، كثيرٌ من النَّاس تَطلعُ عليه الشَّمس وتغرب ما استفاد فائدة، هذا من نَزْعِ البركات، كثيرٌ من النَّاس يُسَوِّف اليوم غداً بعد غدٍ وهكذا، إلى أنْ تنتهي السَّنة ما صنع شيء، لماذا يا فُلان لا تُجِدّ في طلب العلم؟ والله -إن شاء الله- في بداية السَّنة، جاءت بداية السَّنة، والله تصرّمت الأيَّام لعلَّنا بعد رمضان -إن شاء الله- نتفرَّغ، بعد رمضان نبي نحج إذا رجعنا وهكذا، تذهب الليالي والأيام دُونَ فائِدة، و إلاَّ فالبركةُ موجُودة عند من يستفيدُ من وقتِهِ، يعني من جَلَسْ بعد صلاة الصُّبح إلى العاشِرة أو إلى الحادية عشرة، ماذا يُنْجِز من الأعمال؟ نعم، الشيء الكثير؛ لكنْ من نام بعد صلاة الصُّبح إلى الظُّهُر ماذا يستفيد من بَقِيَّة وقتِهِ؟ لا شيء، وهذا حال كثيرٍ من النَّاس، وكثيرٌ من النَّاس تنتهي أوقاتُهُم من بعد صلاة الصُّبح للاستعداد للدَّوام؛ ثُمَّ الطَّريق إلى الدَّوام يحتاج إلى وقت؛ ثُمَّ الدَّوام يستغرق جل الوقت، ولاشكَّ أنَّ العمل في مصالح المُسلمين العامَّة أمرٌ لابُدَّ منهُ، وهو عملُ خير مع النِّيَّةِ الصَّالحة؛ لكنْ أين النِّيَّة الصَّالحة عند كثيرٍ من النَّاس؟ إذا لم تُوجد النِّيَّة الصَّالحة فهو ضياع وقت، بغضِّ النَّظر عن كونِهِ يجلب الرَّاتب، أو يُوفِّر شيء من حُطام الدُّنيا، واللهُ المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
خطر الطعن في كبار العلماء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: لُوحِظ في كثير من مجالس الشَّباب، وبعد الأحداث الأخيرة التَّكلُّم والطَّعن في كِبار العُلماء والتَّنقيص منهم، فهل من نصيحة بأهمِّيَّة العُلماء في هذا؟
العلماء هم ورثة الأنبياء، والطَّعنُ فيهم، الطَّعن في عامَّةِ النَّاس أمرٌ خطير، أعراض المُسلمين حٌفرةٌ من حُفر النَّار، كما قرَّر أهلُ العلم، والغِيبة مُحرَّمة، فإذا كانت الغِيبة لعالم ازْدَاد الأمرُ سُوءاً، وتضاعفت السَّيِّئات لما يترتَّبُ على الطَّعن لهذا العالم من تقليل قيمة هذا العالم في المُجتمع، ومن ثمَّ إمامة هذا العالم، وتوجيه هذا العالم، وضعف قبُول النّاس لقولِهِ؛ فإذا لم يُقبل قولُهُ فمن يُقبل قولُهُ؟ إذا لم يُقبل قولُ العُلماء، إذا لم يكُن للعُلماء أثر في عامَّةِ النَّاس، فمن الذِّي يُترك يُؤَثِّر فيهم؟ يُتْرك التَّأثير بدلاً منْ أنْ نقتدي بأئِمَّة هُدى عُرِفُوا بالعلم والعمل، يُتْرك التَّأثير للصُّحُف والمجلاَّت والقنوات وغير ذلك، ونعرف من عُلمائنا -ولله الحمد- العلم والعمل والنُّصح والإخلاص، وليسُوا بالمعصُومين، وكون الإنسان لا بُد أنْ يفرض رأيُهُ وفهمُهُ على الآخرين هذا ما هو صحيح، هذا فهمك أنت لا تُريد الحق، وفي الغالب هو أعرف منك بتحقيق المصلحة من جِهة، ومعرفة ما يدُلُّ عليهِ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة.(1/1)
على كُلِّ حال التَّقليل من شأنِ أهلِ العلم خطرٌ عظيم؛ لأنَّ بعض المُجتمعات التِّي لا يقُودُها العلماء، ولا ينصاعُ أهلُها إلى أقوال أهلِ العلم ضاعت، إذا لم يكُن هُناك أئِمَّة يُقتدى بِهم فبمن يُقتدى؟ يُقتدى بالسُّفهاء؟ يُقتدى بالجُهَّال؟ تسيِّرنا الصَّحافة، يُسيِّرنا قنوات وغيرها، لا أبداً، العلماء هم ورثة الأنبياء، ونجزم يقيناً أنَّهُم على خيرٍ عظيم، وعلى اجتماع واقتران بين علمٍ وعمل، وليسُوا بالمعصُومين قد يجتهد فيُخطأ، ومن نِعم الله -سبحانه وتعالى- على أهل العلم، أهل الاجتهاد، أهل الورع، أنَّ الواحد منهم إذا اجتهد فهو مأجُور على كلِّ حال أصابَ أو أخطأ؛ لكنْ بعض الشَّباب يأخُذُهم شيء من الغَيْرَة، وهُم إنْ -شاء الله- مأجُورون على هذهِ الغَيْرَة، وبعض الحماس؛ لكن ما يترتَّب على هذه الغَيْرَة منْ قدْح في الآخرين، وفَرْض الرَّأي على الكبير والصَّغير، لا بد أنْ يكُون رأيُهُ هو الصَّواب، والعالم الفُلاني قَصَّر، ليش قصَّر؟ هو أعرف منك بالمصلحة، هُناك أُمُور ظاهرة يعني التَّقصير فيها قد يكُون ظاهر؛ لكن هم يُقدِّرُون المصالح والمفاسد المُترتِّبة على النُّصْح في هذا الظَّرف أو التَّغيير، أو مُطالبة بتغيير أو شيء من هذا.
على كلِّ حال التَّقليل من شأن العُلماء أمرٌ خطير يجعل البلد يضيع كغيرِهِ من البُلدان حينما ضاعت قيمة العُلماء، والله المُستعان، ولا ندَّعِي أنَّ شُيُوخنا معصُومون، لا، هم كفاهُم أنَّهُم مُجتهِدُون، إنْ أصابُوا فلهُم أجران، وإنْ أخطأوا فلهُم أجرٌ واحد.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسباب المعينة للثبات في الفتن؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: السلام عليكم ما هي الأسباب المُعينة للثبات في الفتن؟
الأسباب المُعينة للثبات هي الاعتصام بالكتاب والسُّنة، ما فيه أكثر من هذا، فمن اعتصم بكتاب الله وسُنَّة نبيِّهِ -عليه الصلاة والسلام-، ولَزِمَ أهل الفضل والاستقامة، ولم يُقْحِم نفسهُ في أُمُور، ويُعرِّض نفسهُ للفتن مثل هذا يُعصم -بإذن الله تعالى-.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
التحزبات والاختلافات بين الشباب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: كَثُر في هذهِ الأوقات اختلاف النَّاس وتَحَزُّبُهم حتّى لا نكاد نجلس في مجلس إلاّ ونرى الاختلاف بين الشّباب.
هذا الاختلاف وهذا التَّحريش بين أهل المُعتقد الواحد سبّبَ في القطيعة والهجر، وأوجد الضَّغائن والأحقاد بين الأخيار مع الأسف الشديد، وهذا مما يرضى به الشيطان وهو التَّحريش؛ لأنه أَيِسَ أنْ يُعْبَدَ في جزيرة العرب، والتَّجربة والواقع يشهد أنَّ من كان هذا دَيْدَنُهُ الانشغال بالنَّاس بفلان وعلاَّن والغفلة عن عُيُوبِهِ، وعن تكميل ما ينقُصُهُ من علمٍ وعمل، التَّجربة أثبتت أنَّهُ سببٌ مُباشر لحرمان العلم والعمل معاً، بعض النَّاس يَرضَى بهذا، يُقابلُ أخاهُ الذِّي لا يختلف معهُ في شيء إلاّ في أُمورٍ لا تكاد تُذكر، وبعضُها مبني على ظُنُون وعلى أوهام، وبعضُها على وشايات ونقل كلام يُقابل وجههُ بوجهٍ مُكْفَهِرٍّ مُعربد، لا يُقابل بِهِ أعْدَى النَّاس لهُ -نسأل الله السَّلامة والعافية-.
على الإنسان أنْ يكون سليم الصَّدر، أمَّا إذا وُجِد مُبتدع ويُخشى من تَعدِّي بِدعتِهِ إلى غيرِهِ مثل هذا يُحذَّر منهُ بقدْر الحاجة، ولا يكون الغرض من التَّحذير منهُ التَّشفِّي بعرضِهِ، جاء النَّصُّ بأنَّ ((مطل الغنيِّ ظُلم يُبيحُ عِرضهُ وعُقُوبتُه)) أهلُ العلم يقولون: أنَّ المُباح من عِرْض المُماطل أنْ تقول: مَطَلَني فقط، ما تقول: الخبيث، لا، بقدْر الحاجة {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}[(148) سورة النساء] يعني بقدْر المَظلمة؛ لأنَّهُ إذا زادَ عن المظلمة صار ظالم.(1/1)
فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بنفسِهِ، وأنْ يحرص على حِفظ ما يكتسِبُهُ من أُجُور؛ لئَلاّ يأتي يوم القيامة مُفلِساً، ويكُونُ ممَّن تَعِبَ ونَصب وعَمِل في الدُّنيا، ثُمَّ يكونُ عملُهُ وبالاً عليه {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[(47) سورة الزمر] يظن أنَّ هذا في ميزان حسناتِهِ، وهو في الحقيقة العكس، فعلى الإنسان أنْ يحرص أشدَّ الحِرص على المُحافظة على ما يكتسِبُهُ من أُجُور، وأنْ يسعَ جاهِداً في تحصيل الأُجُور، واللهُ المُستعان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
رد على من يقول: إلى متى تقرؤون هذه الكتب القديمة وإخوانكم يقتلون في كل مكان؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كثيرٌ من الشَّباب الذِّين يَشْتَغِلُونَ بِطَلَبِ العِلم ضَعُفَتْ هِمَّتُهُم، وخّفَّت عَزِيمتَهُم بِسَبب الظُّرُوف الرَّاهِنَة، والمَصَائِب الحَالَّة على المُسْلِمين، وصِرْنا نَسْمَع عِبَارات منها: قولُ بعضُهم: إلى متى تقرؤُون هذه الكُتُب القديمة، وإخوانُكُم يُقَتَّلُون في كُلِّ مكان، إلى آخر مثل هذه الأقوال؟ فما توجيهُكُم -حفظكم الله-؟
هذا الأسلُوب أُسلُوب تَخْذِيل؛ لأنَّ الإنسان الذِّي يقُول مثل هذا الكلام لمْ يَسَعَ إلى حلٍّ ينفع الأُمَّة ويُخْرِجُها مِنْ مَأْزِقِهَا أبداً، هو يُرَدِّد هذا الكلام لِيُخَذِّل من شَمَّر في طلب العلم، وليس بيده حلٌّ آخر، ولا أَنْفَع للأُمَّة بِكَامِلِها من الرُّجُوع إلى دين الله -جل وعلا-، وإلى كتابِهِ إلى دستُورِها العظيم.
هو الكتابُ الذِّي من قام يَقرؤُه ... كأنَّما خاطبَ الرَّحمنَ بالكَلِمِ
فيه المَخْرَج من جميع الفِتَن، فإذا تَرَكْنَا كِتَاب الله -جل وعلا-، وتَعَلَّقْنَا بِتَحليلات صُحُفْ وأَخْبَار إِذَاعات وقَنَوات ماذا نَجْنِي؟ ماذا نجني من ضياعِ الوَقت في هذه الأُمُور التِّي نَظُن أنَّنَا على ثَغْر ونُتَابِع الأخبار؟ لا نُقَدِّم ولا نُؤَخِّر؛ لكنْ على طالب العلم أنْ يُعْنَى بما هو بِصَدَدِهِ من طلب العلم وتَحْصِيلهِ، وإصْلاح نفسِهِ، وإصْلاح من تحتِ يَدِهِ، ومن يستطيع إصْلاحه، هذا هو الوَاجِب في مثل هذهِ الظُّرُوف، والالْتِفَات إلى أهل العلم والالْتِفَافِ حَولِهِم، والإقْتِدَاء بالنَّبي -عليه الصلاة والسلام- وبِسَلَفِ هذهِ الأُمَّة.(1/1)
اشفعوا تُؤجرُوا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- كان إذا أتاهُ سائل أو طالب حاجة، قال: ((اشفعُوا تُؤْجروا)). النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ على أنْ يَكْسِبَ المُسْلِمُون الأجر والثَّواب يقُول مثل هذا الكلام، وإلاّ قد يقول قائل: كيف تقول يعني لو دخل واحد على رئيس مصلحة أو مُدير دائرة وأنت جالس عنده ثم جاء واحدٍ يُقدِّم طلب يعني تستسهل أنْ يقول لك يا فُلان انْفع نفسك اشفع لصاحبك، قد يقول صاحب الطَّلب والجالس اقبل حاجة من دون شفاعة، يعني ما يقول بلسان مقالِهِ أو حالِهِ، إذا كُنت تُريد أنْ نَشفع اقْضِها بدون شفاعة؛ لكنْ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- من حِرْصِهِ ونُصْحِهِ لِأُمَّتِهِ يقول مثل هذا الكلام؛ لأنَّ الشَّفاعة ما تكلّف شيء ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النتيجة ليست بيدك، كثير من النَّاس أُوتِي جاه فَيَأْتِيهِ المُحتاج لِيَشفع لهُ عنْد فُلان وعَلاَّن، ويقول والله يا أخي عَجِزْنَا عنهُ هذا كِتَبْنا لهُ مِرَاراً ما اسْتَفَدْنا، يا أخي اكتب! ألا تريد الأجر؟ يَقْضِي الله على لسان مَخْلُوقِهِ ما شاء، طَلَبْ ولاّ ما أَجَاب قُبِل ولاّ مَا قُبل هذا ليس لك، النَّتَائِج ليس بيدك، أنْتَ مَأْمُور بالشَّفَاعة، {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النِّساء / 85]؛ فالشَّفاعة لا تُكَلِّفُ شيئاً هي مُجَرَّد كلمة، والآنْ بعد ما يحتاج إلى أنْ تَلْبَس حِذَائِك وبِشْتِك وتُرُوح تِشْفَع، لا إمَّا تِلِفُون أو وَرَقَة اكْتُب وأنْت جالس وتُرُوح يَثْبُت لك هذا الأجر، ونَعْرِف من سَادَ الأُمَّة لا بِقُوَّتِهِ ولا بِمَالِهِ ولا بشيء بمثل هذه الشَّفَاعَات؛ لأنّ بعض النَّاس يتصور أنَّهُ كُل ما كتب تهبط قيمتُهُ، ينزل مُسْتَواه وما أشبه ذلك، لا لا أبداً العكس، الذِّي يَتَولَّى الشَّفاعة للنَّاس لا شكَّ(1/1)
أنَّ الله -جلَّ وعلا- يَرْفَعُهُ في الدُّنيا والآخرة، النَّووي -رحمهُ الله- كان صاحب شَفَاعَات من جاءَهُ كَلَّم عنهُ الوُلاة وكَتَب، ويَسْمَع أَحياناً ما يَسُرُّهُ وأحياناً ما يَسُوءُهُ، يَضِيرُهُ شيء؟! يحصل له الأجر والباقي على الله، بعث له الوالي مرَّة من المرَّات، قال: لا تَشْفَع لِأَحَد، فَجَاءَهُ شخص شفع لهُ، ثاني شفع لهُ، لمَّا نَظَر الوالي وين المَسْأَلة؟ اعْتَرَفْ بِأَنَّ أَمْرَهُ لله، ولاّ بعض النَّاس إذا جَاءَهُ مثل هذا الكلام الخَشِن تَأْخُذُهُ العِزَّةُ بِالإِثْم ويَيْأَس وخلاص انتهى كُل شيء بالنِّسْبَةِ لهُ؛ لكنّ النَّووي أَعَادَ الشَّفَاعة، أعاد الشَّفاعة، ثُمّ قال الوالي: أَشْهَدُ أنَّهُ يَشْفَعُ لله، فَأَجَاب طلبهُ، وصار لا يَرُدُّ لهُ طَلَب، وَأَدْرَكْنَا من الشُّيُوخ مَن يَشْفَع للصَّغِير والكَبِير عِنْدَ الكَبِير والصَّغِير، ورَفَعَ الله -جَلَّ وعلا- مَنْزِلَتَهُ فِي الدُّنيا والآخرة، والآخرة اللهُ أعلمُ بِها؛ لكنْ هذا الذِّي يَغْلِبْ على الظَّن، امْتِثَالاً لهذا الحديث: ((اشفعوا تُؤجروا))، يعني ما الذِّي يَضِيرُك أنْ تُكَلِّم فُلان أو عَلان مِنْ أَجل فُلان؟ وإذا كانت هذه الشَّفاعة أيضاً فيما يُقَرِّبُ إلى الله -جَلَّ وعلا- كُنتَ مِمَّن دلَّ عليه، ولك نصيبٌ من هذا الأَجر، شَرِكْتْ صَاحب هذا الأجر ((اشفعوا تُؤجروا ويقضِ الله على لسان رسوله ما شاء)) النَّتَائِج ليست بيد الشَّافع ولا المَشْفُوع لهُ ولا المَشْفُوع عنده، الله -جلَّ وعلا- هو المُعْطِي وهو المَانِع: ((إنما أنا قاسمٌ واللهُ المُعطِي)) اشْفَع لفُلان يُعْطَ من بيت المَال كَذا أو يُعْطَ من مَال فُلان التَّاجِر كذا، الله المُعطِي -جَلَّ وعلا-، المَسْأَلَة لَيْسَت مُلْزِمَة؛ لكنْ أَنْتْ احْصَلْ عَلَى الأَجْر المُرَتَّبْ على الشَّفَاعة في هذا الحَدِيث الصَّحِيح، وعَادْ كُوْنُهُ يُجَابْ أو لا يُجَابْ(1/2)
تَمَنَّ أنْ يُجَابْ طَلَبْك تَمَنَّ وتَرْجُو ذلك، إِذَا لمْ يُجَبْ حَصَلَ لكَ الأَجْر وتَحْقِيقُهُ والمُسَبِّب هو الله -جَلَّ وعَلا- هو الذِّي يُرَتِّبْ المُسَبِّبَات على أَسْبَابِها، والله المُسْتعان.(1/3)
القابض على الجمر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حديث أنس بن مالك -رَضِيَ الله عنهُ- قال: قال رسُولُ الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-: ((يَأْتِي على النَّاسِ زَمَان القَابِض على دينِهِ كالقَابِض على الجَمر)) نعم الشَّخص المُسْتَقِيم على دينِ الله -جلَّ وعلا- فِي بعضِ الأوْقَات، وفِي بعضِ الأَمَاكِنْ لا سِيَّمَا في آخِر الزَّمَان حِينَمَا تَكْثُرُ الفِتَنْ لا شَكَّ أنَّ المُلْتَزِم المُتَمَسِّك بِدِينِهِ وضْعُهُ شَدِيد، وحَيَاتُهُ مُقْلِقَة تَجِدُهُ فِي نِزَاع وفِي صِرَاع مَعَ أَهْلِهِ، مَع جِيرَانِهِ، مَع نَفْسِهِ الأَمَّارَة كالقَابِضْ عَلى الجَمْر، فهُو مع قَبْضِهِ على الجَمْر يُصَارع ويُعاني بس متى يُفْلِت من هذا الجَمْر على مَشَقَّة وعلى شِدَّةٍ شَدِيدَة؛ فَعَلَى الإنْسَان أنْ يَسْعَ جَاهِداً أنْ يُحَافِظْ على دِينِهِ، وأنْ لا يَتَنَازَلْ بِشَيْءٍ مِن دينِهِ مَهْمَا كَلَّفَهُ الأمْر حتَّى يَلْقَى الله -جلَّ وعلا-، وأمَّا مَنْ يَتَنَازَلُون عَن - نَسْأَل الله السَّلامة والعَافِيَة- عن دين، عن عِرْض في مُقَابِل عَرَض الدُّنْيا، وأَخْبَر النَّبِي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عن فِتَنْ تَكُون فِي آخِر الزَّمَانْ يُصْبِح الرَّجُلُ مُؤمِنْ ويُمْسِي كَافِر، يُمْسِي مٌؤْمِنْ ويُصْبِحْ كَافِر، كُل هذا مِن المُغْرِيَات والمُلْهِيَات والضُّغُوط الشَّدِيدَة، الضُّغُوط النَّفْسِيَّة، الضُّغُوط الأُسَرِيَّة، الضُّغُوط الاجْتِمَاعِيَّة، لا يَجِد مَن يُعِينُهُ على الثَّبَات، فَلْيَحْرِص الإنسان على أنْ يَعْتَصِم بِكِتَابِ الله -جلَّ وعَلا-، وأنْ يَكُون دَيْدَنُهُ النَّظَر فِي كِتَاب الله، وأَنْ يَقْرَأ القُرْآن على الوَجْه المَأْمُور بِهِ، وهذا هو المُعِينْ، وهُو المُثَبِّتْ بإذنِ الله -جلَّ وعَلا- والمَخْرَجْ فِيهِ مِنْ جَمِيع الفِتَنْ.(1/1)
تربية الشباب والعناية بهم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا سُؤال حول تربية الشَّباب والعِنَاية بهم ويقوم بها ثُلَّة من خِيَار طُلاب العلم؛ لكن يقول: يُلاحظ على بعضهم أنَّهُ يُعْنَى بالتَّربية من خلال الأنْشِطَة المَعْرُوفَة -المَراكز والمُخَيَّمات وغيرها-... وهذا جانب مُهِم نَحْتَاجُ إليه لِاحْتِضَان هؤُلاء الشَّباب بَدَلاً من أنْ تَضِيعْ أوقَاتُهُم سُدَى بدُون فائدة أو في أُمُور غير مَحْمُودة؛ لكنَّهُ يُشير إلى قَضِيَّة أنَّ بعض هؤُلاء قد لا يُعْنَى بالعِلم الشَّرعي يُعْنَى بالتَّربية، وهذا هَم بلا شك! التَّربية مُهمة جدًّا، ومع ذلكُم لا بُدّ من العِناية بالعِلم الشَّرعي، فتَّربية بِدُونِ تَعْلِيم لا تَنْفَع، كما أنَّ التَّعليم النَّظَري بِدُون قُدْوَة مَحْسُوس يُنْظَر ويُرَى تَطْبِيقُهُ الفِعْلِي لِمَا يقول أيضاً قد لا يُجْدِي؛ فالعِلْم بِلا عَمَل لا يَنْفَع، والعَمَل على جَهْل أيضاً يَضُر ولا يَنْفَع ، فلا بُدّ من تَوَافر التَّربية التِّي الإخوان بصدد العناية بها، ومع ذلكم لا بُدّ من العِناية بالعِلم الشَّرعي وأَخْذِهِ عَنْ أَهْلِهِ على الجَادَّة المَعْرُوفَة عند أهل العِلم.(1/1)
تعويد الناشئة على العبادة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هَلّا وَجَّهْتُمُونا... كيف نُعَوِّد النَّاشِئَة على العِبَادة؟
أوَّلاً: تَعْوِيد النَّاشِئَة على العِبادة يكون بالقُدْوة الصَّالِحَة، ولِذَا شُرِع أو شُرِعَت النَّوافِل فِي البيت، وأَفْضَل صَلاة الرَّجُل في بيتِهِ إلَّا المَكْتُوبة، ليُقْتَدَى بِهِ، يَقْتَدِي بِهِ هَؤُلَاء النَّاشِئَة مَعَ أَمْرِهِم بِهَا، واقْتِدَائِهِم بِهِ فِي فِعْلِهَا، فَإذا أرادَ أنْ يُصَلِّي قال: انْتَبِه إلى هذِهِ الصَّلاة وصَلِّ مَعِي كَمَا صَلَّى ابن عباس مع النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- قَبْلَ أنْ يُكَلَّفْ، فَأَدَارَهُ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- من شِمَالِهِ إِلَى يَمِينِهِ، فَوَجَّهَهُ بِالقَوْلِ والفِعِل، فبالقُدْوة الصَّالِحَة، وبِالأَمْر بِلُطْف، ورِفْق، وتَوْجِيهٍ مَقْبُول لا شَكَّ أنَّهُم يُحِبُّونَ بِوَاسِطة ذلك العِبَادَة ويَنْشَأون عليها.
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا ... على ما كانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
فَإِنْ كَان أَبُوهُ عَوَّدَهُ على العِبَادَة، عَوَّدَهُ على الصَّلاة، عَوَّدَهُ على الصِّيَام، أَعْطَاهُ أحياناً بعض الأمَوْال اليَسِيرة مِنْ فِئَة الرِّيَال مثلاً، وقال: إِذَا رَأَيْت فَقِيرْ تَصَدَّق عليه، أو قال: أَهْدِ أو أَعْطِ إِخْوانك من هذِهِ الرِّيَالات أو العَكْس، كُل هذا مَطْلُوب، وهذا فيهِ تَمْرِينْ للنَّاشِئَة، بِخِلاف مَا إِذَا عَوَّدَهُم على خِلَافِ ذلك؛ فَإِنَّمَا يَنْشَأُونَ عَلى ما عُوِّدُوا.(1/1)
خطر اللسان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عَظَّم الإسلام شأن اللِّسان وأنَّهُ يُورد الإنسان مَوَارد الهلاك..
احفظ لسانك أيُّها الإنسـ ... ــــانُ لا يلدغنَّك إنه ثعبان
كُفَّ عليك لسانك وإنا لمُآخَذُون بما نتكلَّمُ به؟ قال النَّبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أُمُّك يا معاذ!، وهل يُكَبُّ النَّاس على وُجُوهِهِم -أو قال على مناخِرِهم- إلاّ حَصَائد ألْسنتهم))؛ فاللِّسان شأنُهُ عظيم إنْ تَكَلَّمَ بخير انتفع صاحبُهُ ونَفَعَ غيرهُ، وإنْ تكلَّم بِشَر تَضَرَّر صاحبُهُ، وإنْ سَكَتْ وكان لهُ في السُّكُوت مندوحة الحمدُ لله السُّكُوتُ هو الأصل، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أنْ يقُول كلمة الحَق، فأقلُّ الأحْوَال أنْ يَسْكت عن قول البَاطل، فاللِّسان شأنُهُ عظيم، وآفَاتُهُ كثيرة، ومنهُ تَجْتَمع السَّيِّئات الكثيرة؛ لِأَنَّ حَرَكَتَهُ أَخَفّ من حركة غيرِهِ؛ فالإِنْسَان قد يَعْصِي بِلِسَانِهِ؛ لِخِفَّة حركتهِ حيثُ لا يَحْتَاج إلى عناء ولا تعب يَفْتَح هذا الفم ويتكلَّم قال فُلان وقال علاَّن وفُلان فيه وعلان فيه، وأَعْراض المُسْلِمين حُفْرَة من حُفَر النَّار، يقول ابن دقيق العيد: "أعْرَاض المُسْلِمين حُفْرَة من حُفَر النَّار وَقَف على شَفِيرِهَا العُلَماء والحُكَّام"؛ فالعُلَماء مُضْطَرُّونَ للكلام في النَّاس جَرْحاً وتَعْدِيلاً وقَبُول للشَّهادات لا شكَّ أنَّها مَزِلِّة قَدَم، وهُم مع ذلك مُضْطَرُّون... فكيف بِشخصٍ لا تَدْعُ الضَّرُورة إلى أنْ يتكلَّم في فُلان أو عَلاّن، بِحيث يعمل الأعمال الصَّالحة أمثال الجِبَال؛ ثُمّ يَأْتِي مُفْلِساً يوم القيامة شَتَمَ هذا قَذَفْ هذا أَخَذَ مَالَ هذا تَكَلَّم في عِرْض هذا، هذا فُلان يأكل من حَسَناتِهِ وفُلان من حَسَناتِهِ، والله المُستعان.(1/1)
حديث المُفْلِس لا يَخْفى عليكم فَلْنَنْتَبِه لِهَذا أشدّ الانتباه، ولِنَسْتَعْمِل هذِهِ النِّعْمة، نِعْمَة النُّطْق فِيمَا يُرْضِي الله -جلَّ وعَلا-، وهذا هو شُكْرها، ولو نَظَرْنَا إلى فِئَامٍ من النَّاس سُلِبُوا هذه النِّعْمَة لا يَتَكَلَّمُون، وفِي الغَالِب أنْ الذِّي لا يَتَكَلَّم أَصَم؛ فَإِذا سُلِبَ نِعْمَة السَّمع والكلام، في السَّابق وُجُودِهِ قريب من عَدَمِهِ، ورَأَيْنا الصُّم البُكْم رَأَيْنَاهُم في مَوَاضِع الخَير لا وُجُودَ لهُم يعني إلاّ نَادِراً؛ لكن الآنْ وقَد تَيَسَّرت الأُمُور يُشَاركون مُشاركةً تامَّة الْتَقَيْنَا بهم في مُناسبات مِراراً لا يَنْقُصُهُم شيء يَفْهَمُون ويُعَبِّرُون بِطُرِقِهِم المُناسبة بالإِشَارات لا يَنْقُصُهُم شيء في كثيرٍ من تَصَرُّفَاتِهِم أسْرع من الذِّين يَتَكَلَّمُون؛ فإذا كان هذا الشَّخص لا يتكلَّم ولا يسمع، ومن العجائب أنَّهُ يُوجد شخص لا يتكلّم ولا يسمع وهو أعمى في الوقت نفسهِ... هذا كيف يصل إليه العلم والخير وقد حضر في مجلس كنت أنا موجُود فيه، فتكلَّم بكلمة أثَّرت في جميع الحاضرين لمُدَّة ساعة أمر عَجَب وهذا شخص يعني تكليفُهُ ما هو مثل تكليف الذِّي يَسَّر اللهُ لهُ النُّطْق... فلِمَاذا لا نَشْكُر هذِهِ النِّعْمَة ونَصْرفها فيما يَنْفَعنا في الدُّنْيا والآخِرَة، وبدلاً من القِيل والقال، قال الله وقال رَسُولُهُ، علَّم النَّاس الخَيْر تَعَلَّم أوَّلاً؛ ثُمّ عَلِّم غيرك وأسْدِ النَّصيحة لِغَيْرِك، واللهُ المُسْتَعان.(1/2)
دور العُلماء في أوقات الفِتن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الأنترنت هذه الشَّبكة التِّي وُجِدت أخيراً، لا شكَّ أنَّ الذِّي صنعها غير المُسلمين، ويُريدُون أنْ يُفيدُوا منها في أُمُورِ دُنياهُم، وأيضاً في أُمُور دينهم، للدَّعوةِ إلى دينهم، ولِصَرْف المُسلمين عن دينهم، وحصل منها -ولله الحمد- نفعٌ عظيم، بُثَّت من خِلالها الدُّرُوس والمُحاضرات، فَحَصل بسببها نفعٌ عظيمٌ جدًّا، ووصل العلم، ووصل الخير، ووصلت الدَّعوة إلى زوايا وأماكن لا يخطُرُ على البال أنَّها تَصِل، وتأتي الأسئلة من شرق الأرض وغربها أثناء الدَّرس ويُجاب عليها أثناء الدَّرس، وتُقدَّم أسئلتهم على أسئلة الحاضرين مُراعاةً لِظُرُوفهم؛ لكن هذه الآلات فيها من السُّمُوم الشَّيء الكثير، فَكُلُّ داعيةٍ يَبُثُ ما في جُعبتِهِ، داعية الهُدى يبثُّ ما عندهُ من عِلْمٍ وفَضْل، وداعية الضَّلال يبُثُّ ما عندهُ، كما قال الله -جلَّ وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل / 4]؛ لكنْ على أهل العلم، وعلى الغيُورين من هذه خيار الأُمَّة أنْ يَتَصَدَّوا لمثل هؤُلاء، والإشكال فيما تَبُثُّهُ القنوات وتُوصِلُهُ إلى قَعْرِ البُيُوت من شُبُهات وشَهَوات هذه لا شكَّ أنَّها تحتاج إلى وَقْفَةٍ صادقة، وتظافر جُهُود لِصَدِّ هذا الغزُو، يُتصَوَّر أنَّ بعض عوامِّ المُسلمين عَلِق بِأَذْهَانِهم من الشُّبُهات ما لا يُسْتَطاعُ اجْتِثَاثُهُ، فهؤُلاء لا شكَّ أنَّهُم أمانة في أعناقِ أهل العلم، فعليهم أنْ يُبيِّنُوا لهم الحق، ويَرُدُّوا الباطل بقوَّة نشر هذا الباطل، نعم يُوجد من يَتَصَدَّى لكثيرٍ من هذه الأُمُور؛ لكنْ المأمُول أقوى وأوسع، والجُهُود لا بُدَّ أنْ تتظافر خِدْمةً لهذا الدِّين، ودَفْعاً لهذا الغزُو الذِّي وصل إلى قَعْرِ البُيُوت، كان النَّاس في السَّابق في غفلةٍ عن كثير من هذه الأُمُور، الآن تَفَتَّحَت أذْهَانُهُم، وعَرِفُوا شيء لا يَعْرِفُهُ(1/1)
سَلَفُهُم، ونحنُ بِحَاجَة مَاسَّة إلى بثِّ العقيدة الصَّحيحة السَّليمة بين المُسلمين، وتبلِيغِها لغيرهم، وأيضاً بِحاجةٍ مَاسَّة لِصَدِّ هذا العُدوان الفِكْري الذِّي هُو أشد من العُدوان العَسْكَري؛ لأنَّ النَّاس إذا شَكُّوا في دِينِهم، ثُمَّ انْسَلخُوا منهُ لا يحتاجُون إلى عُدوان عسكري صارُوا لُقمةً سائِغة للعدو، ولا يقف في وجه العدو إلاَّ منْ تمسَّك بدِينِهِ الصَّحيح، ولذلك العدو الآن يُركِّز على الدَّعوة الصَّحيحة السَّلفِيَّة الصَّافية؛ لأنَّ المذاهب الأُخرى أمرُها يسير؛ لكنْ علينا جميعاً أنْ نَتَظَافر، ونَتَعاونْ، والذِّي يستطيع بِنفسِهِ وإلاَّ يشحذ همَّة غيرِهِ، وعلينا أنْ نكُون على صِلَةٍ وثيقة بأهل العلم، ونُبَلِّغُهم، ونُبَصِّرُهم بما يحصُل؛ لِكي يتِم التَّعاون على صدِّ هذا العُدوان.(1/2)
صوارف طلب العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المُلْهِيات والمُشْغِلات والصَّوارِف تَكْثُر، العَوائِق تزيد مع أنَّ وسائل التَّحصيل أيضاً تَيَسَّرت ولله الحمد، في السَّابق كان البلد كُلُّهُ يكُون فيه نُسْخَة واحِدة من هذا الكتاب... ماذا عن بقيَّة طُلاَّب العلم؟ كيف يَصْنَعُون؟ إما أنْ يجتمعُوا في بيت واحدٍ منهم فيقرَؤُون في هذا الكِتاب ويُراجِعُونهُ ويُطالعُونهُ أو يَسْتَعِيرُهُ كل واحد من الثَّاني، فيقرَأُهُ في وقت من الأوقات، وقد يُسْتَعار، وقد يُسْتأجَر الكتاب لِيُنْسَخ ومع ذلك تجد الحِرْص والإنتاج أكثر، وما كانت الوسائل وسائل الإنارة ووسائل التَّكييف وسائل الرَّاحة موجُودة، كان النَّاس يكتُبُون العِلْم على ضَوْء القمر، ومع ذلك هنا الحِرص والجِد والاجتهاد، ومع ذلك تَيَسَّرت الأُمُور وكَثَرَت الصَّوارف، يعني وُجِدَت الأسباب تَهَيَّأت ولله الحمد؛ لكنْ وُجِدَت الموانع والصَّوارِف، ولا شكَّ أنَّ مثل هذا يُقْلِقْ طالب العلم، فعليهِ أنْ يَلْتَفِتْ إلى طَلَبِ العِلم، ويُنَكِّب جانِباً عن هذهِ الصَّوارِف، ولا يَلْتَفِتْ إليها؛ وإلاّ إذا أراد أنْ يُرضي رَغَبَاتِهِ وشَهَواتِهِ لَنْ يَطْلُبَ العِلم، إذا كان لهُ ارتباط باستراحة مثلاً مع الزُّملاء والأقران وما أدْرَاكَ ما يَدُور في هذهِ الاستراحات من الكلام والقِيل والقال الذِّي هو على حِسَاب حِفْظ القلب، فالقلب إذا لم يُحفظ من الفُضُول فُضُول الكلام، فُضُول السَّماع، فُضُول النَّظر، فُضُول الأكل، فُضُول النُّوم يُشَوَّشْ، وحِينئِذٍ يَتأثَّر في تحصيل العِلم، فعلى الإنسان أنْ يَجْمَع نفسَهُ، ويَلْتَفِتْ إلى ما هُو بِصَدَدِهِ منْ طَلَبِ العِلْم، ولا يَلْتَفِتْ إلى ما سِوَاها، لا يُقال أنَّهُ يَنْعَزِلْ ويَنْقَطِعْ عنْ أهلِهِ، ويَنْقَطِعْ عنْ مُجْتَمَعِهِ، لا يَنْتَفِعْ ولا يَنْفَعْ – لا – عليهِ أنْ يُسدِّد ويُقارب والوقتُ يَسْتَوعِب، يعني(1/1)
نعرف من طُلاَّب العِلْم منْ عِنْدَهُ وِرْد يومي من القرآن، يقرأُ القُرآن في سَبِعْ، وعِنْدَهُ دوام إمَّا طالب أو مُوظَّف، عِنْدَهُ دوام يأخُذُ بالنِّسبةِ لهُ سَنَام الوقت، وعِنْدَهُ أيضاً بعد ذلك حُضُور دُرُوس في آخر النَّهار، وعِنْدَهُ حاجات الأهل، وعِنْدَهُ زوجة وأُسْرَة، ويَزُور المُسْتَشْفَيات، ويَزُور القُبُور، ويُصلِّي على الجَنائِز في المساجد التِّي تُصلَّى عليها فيها، ويَصِل الأرحام، والوقت يَسْتَوْعِب ولله الحمد، الوقت ما زَالَت البركة مَوْجُودة ؛ لكنْ على الإنْسَانِ أنْ يَحْفَظ وَقْتَهُ من الضَّيَاع.(1/2)
شُكر النِّعم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لو حُوسب الإنسان على النِّعَم التِّي أولاهُ اللهُ إيَّاها في مُقابل أعمالِهِ الصَّالحة ما بَقِيَ لهُ شيئاً؛ لأنَّهُ مأمُورٌ بالشُّكْر على كُلِّ هذهِ النِّعَم، ثُمَّ إذا حُوسِب ووُضع السَّمع، البصر، العقل، جميع النِّعم التِّي لا تُعد ولا تُحصى، لو وُضِعت نِعمة من هذهِ النِّعم في مُقابِلِ أعمالِهِ لَرَجَحَتْ بِها، وذكرنا في درسٍ مضى أنَّ الإنسان لو أنَّ الإصبع الصَّغير الخِنصر ظلَّ واقفاً لا ينثني تَعِبَ منهُ تعباً شديداً ما فيه ألم؛ لكنَّهُ لا ينثني، تَعِبَ منهُ تعباً شديداً؛ ترى ليس بالأمر السَّهل أنْ يستمر الإصبع واقف هكذا فضلاً عن اليد كُلها أو الرِّجل يتأذَّى بها، فكُلّ مفْصَل من المفاصل نِعمة من نِعم الله تعالى تحتاجُ إلى شُكرٍ في كُلِّ يوم، في كُلِّ صباح، وتحتاج إلى صدقة عن كُلِّ مَفْصِل، وعِدَّةُ هذا المَفَاصِل ثلاثمائة وسِتُّون مفصل، {وإنْ تَعُدُّوا نِعْمة الله لا تُحصُوها} [النحل/ 18] ثُمَّ خُفِّفَ عنكُم عنْ هذه الصَّدقات ثلاثمائة وسِتِّينْ ويكفي من ذلك ركعتان تركَعُهُما من الضُّحى، إذا رَكَعت ركعتين خلاص إضافةً إلى أنَّك لو قُلت لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريك له مائة مرَّة، وسَبَّحت مائة مرَّة، وهلَّلْت مائة مرَّة انتهى، واللهُ المُستعان .(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تضييع نهار رمضان بالنوم والسهر في القيل والقال
الشيخ د/ عبد الكريم الخضير
هذا الموسم العظيم يُفرِّط فيه كثير من النَّاس، تَجِدْهُ في النَّهار نائم وفِي اللَّيل في القِيل والقَال، ولا يَسَْتفيد من هذا الموسم العظيم، مواسم الدُّنيا يَسْتَغِلُّها النَّاس استغلال قَدْ يُخِلُّ بالعقل أحياناً، تَجِد الإنسان يَتَصَرَّف تَصَرُّفات من أجل استغلال مواسِم الدُّنيا بحيث يَقْرُب من أعمال المجانين، تَجِدْهُ يحرص على كُل شيء، ويستفيد من كُل شيء في أُمُور دُنياه؛ لكنْ إذا جاءت مثل هذهِ المواسم انظُر ترى، نوم في النَّهار، وقد ينامُ عن الفرائض عن الصَّلوات، وهذهِ كارِثَة بالنِّسبة للصَّائِم أنْ يَنَام عن الصَّلوات المَفْرُوضَة، وقد يُؤخِّر صلاة الظُّهر وصلاة العصر إلى أنْ يَنْتَبِه مع غُرُوب الشَّمس، وهذا يُوجد في بيُوت المُسلمين من يَفْعَل هذا من الذُّكُور والإناث؛ لكنْ هل تَتَحَقَّق آثار الصِّيام على مثل هذا الصِّيام؟ لا والله ما يَتَحَقَّق؛ بل لا تَتَحَقَّق بمن فَعل دُون ذلك، يعني من فُوِّت صلاة الجماعة لاشك أنَّ في صَوْمِهِ خَللاً، وإنْ كان صَوْمُهُ إذا فَاتَتْهُ الجماعة صَوْمُهُ صحيح ولا يُؤْمَر بإعادَتِهِ؛ لكنْ مع ذلك صَوْمُهُ فيهِ خَلل فَضْلاً عن كونِهِ يُزَاوِلُ أعمالْ تُخِلُّ بِعَقِيدتِهِ كتركِ الصَّلاة مثلاً، أو تَعَمُّد تأخير الصَّلاة عنْ وَقْتِها، أو يُزَاوِل أعْمال فيها شِرْك ولو أَصْغَر، فلا شكَّ أنَّ أثَر هذه الأُمُور على القبُول واضِح، وإذا كان الفُسَّاق جَاء فيهم يعني في مَفْهُوم قولِهِ -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[(27) سورة المائدة] مَفْهُومُهُ أنَّ الفُسَّاق لا يُتَقَبَّل منهم، وأَيُّ فِسْقٍ أعْظَم منْ تَأخِير الصَّلوات عن وقتِها؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[(27) سورة المائدة] ومَعْرُوفٌ أنَّ(1/1)
المُراد بالقَبُول هنا نفيٌ للثَّواب المُرتَّب على العِبادة، لا أنَّ العِبادة باطلة ويُؤْمَر بإعادتِها، ما قَال بإعادَتِها أحد من أهل العلم؛ ولكنْ الثَّواب المُرتَّب عليها لا يَتَحَقَّق؛ لأنَّ نفي القبُول في النُّصُوص يأتِي ويُرادُ بِهِ نفيُ الصِّحة ((لا يَقْبَلُ الله صلاة من أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأ))، و((لا يَقْبَلُ اللهُ صلاة حَائِضٍ إلاّ بِخِمَار)) ويأتِي ويُرادُ بِهِ نفيُ الثَّواب المُرتَّب على العِبادة كما هُنا.(1/2)
كلمات تكتب بماء الذهب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الكلام في النَّاس، وأعراض المُسلمين كما يقول ابن دقيق العيد حُفرة من حُفر النَّار، يقول: وقف على شفيرها العُلماء والحُكَّام، ما دامُوا على شفيرها، وهُم مُضطرُّون للكلام في النَّاس فكيف بمن عافاهُ الله من هذه المسألة وهذه المُشكلة؟! لأنَّ الذِّي يتكلَّم في النَّاس ولو لحاجة لا يكاد أنْ يَسْلم؛ فإمَّا أنْ يزيد أو ينقص، فمن ابتُلي ونُصِبَ لهذا الأمر فليستعن بالله وليتحرَّ الإنصاف، ومن عافاهُ الله، فالسَّلامة لا يَعدلها شيء، وأَهَمُّ ما على الإنسان أنْ يُحافظ على مُكتسباتِهِ، فإذا كان يُنفق الأموال بالغَلَقِ والأبواب وخشية اللُّصُوص... فكيف بما يُنجيهِ يوم القيامة من الحسنات التِّي تعب على كسبها وتحصيلها ثُمَّ بعد ذلك فرَّقها على فُلان وعلاَّن ممّن لا يرتضيه؟! لأنَّ الذِّي يرتضيهم لا يأتيه من حسناته شيء...لماذا؟ لأنَّهُ لا يغتابهم؛ إنَّما يغتاب أُناس لا يرتضيهم، وحسناتُهُ تذهب إلى هؤُلاء الأشخاص الذِّين لا يرتضيهم، فعلى الإنسان أنْ يُحافظ، لا يأتي مُفلساً يوم القيامة، فتُوزِّع حسناته على خُصُومُهُ، فإذا لم يبقَ لهُ شيء انتهى من الحسنات، وإنْ بقي لهُم شيء أُخِذَ من سيِّئاتهِم وأُلقِيَت عليهِ فَطُرِح في النَّار نسأل الله السَّلامة والعافية؛ فعلى الإنسان أنْ يُحافظ على مُكتسباتِهِ، فإذا كان التَّفريط بالدَّراهم والدَّنانير جُنُون... فكيف بمن يُفرِّط بما هو بأمسِّ الحاجة إليه في يوم يجعل الولدانِ شيباً.(1/1)
أحاديث لا بد من التنبيه عليها في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هناك بعض الأحاديث ينبغي التَّنبيه عليها مُتعلِّقة بالموضوع ((صُومُوا تَصِحُّوا)) هذا الحديث يُرْوَى عن عائشة وهو ضعيف ومعناهُ صحيح، حديث: ((المعدة بيتُ الدَّاء، والحِمية رأسُ الدَّواء)) هذا حديث باطل لا أصل لهُ، لا يَثْبُت عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لا بإسنادٍ صحيح ولا حسن ولا ضعيف هو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب، هذهِ تُذْكَر كثيراً في مثلِ هذه الأيَّام.(1/1)
لا يُستطاع العلم براحة الجسم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا يُستطاع العلم براحة الجسم... هل يستطيع أحد أنْ يَبْرَع في أيِّ عملٍ يتوَجَّهُ إليهِ وهو مُرتاح؟ يستطيع؟؟ ما يستطيع، أي عمل من الأعمال سواءً كان في الدُّنيا أو في الآخرة، لا بُدَّ من التَّعب، لا يُستطاع العلم براحة الجسم، وطُلاَّبُ العلم وهم على فُرشهِم، وعلى اصطلاح بعض المشايخ يقول كلمة يعني في الملاحق هذي حقت البيوت جالسين يسُولفُون بيحصلُون العلم بهالآلات وهالأنترنت والأشرطة، ومع ذلكم من لا يعتني بالعلم لا يُعان ولا على سماع الأشرطة، ما يُعان، والشَّاهد حاصل، الذِّي يُريد أنْ يرتاح ويسمع وهو بفراشِهِ، أو في الملحق جالسٍ يسُولف مع زُملائِهِ؛ فإنَّهُ في الغالب لا يُعان ولا على السَّماع، هذا كما قال يحيى بن أبي كثير: "لا يُستطاع العلم براحة الجسم" لا بُد من التَّعب.(1/1)
البشارة والتهنئة بدخول رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
البِشارة والتَّهنِئة بدخول شهر رمضان مُخرَّجة في صحيح ابن خُزيمة من حديث سلمان وهو حديثٌ ضعيف ((أتاكم شهر رمضان شهر عظيمٌ مُبارك ... إلى آخِرِهِ)) خَرَّجَهُ ابن خُزيْمة؛ لكنَّهُ حديثٌ ضعيف، والتَّهنِئَة عُمُوماً تهنِئَةُ المُسلم بما يَسُرُّهُ في الجُملة لها أصلٌ في الشَّرع؛ لكنْ لا يُتَعَبَّد بلفْظٍ مُعيَّن، ويَسُرُّهُ دُخُول مثل هذا الشَّهر المُبارك العظيم، فإذا هنَّأَ المُسلمُون بعضُهُم بعضاً بألفاظٍ وأساليب لا يتعبَّدُونَ بها فرأيُ الإمام أحمد -رحمهُ الله تعالى- أنَّ الأمر فيهِ سَعة.(1/1)
من أصبح والدنيا همه شتت الله شمله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإنسان إذا عَرف الهدف من وُجُودِهِ، الهدف... لماذا خُلِق؟ وحَدَّدَ الهدف، وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف، وما يَخْدم هذا الهدف، سَلِمَ مِن شَرٍّ كبير، وارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة، ونَعِمَ بَالُهُ، وسَلِمَ من كثير من الأُمُور التِّي يَتَعَرَّض لها كثير من النَّاس من أَسْبَاب الشَّقَاء في هذه الحَيَاة، إذا عَرَف الإنسان أنَّهُ مَخْلُوق للعِبَادة، مَخْلُوق لِعِبَادة الله -جلَّ وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات/ 56] وسَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدَف، وجاء من باب التَّبَع لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ما يُعِينُهُ على البَقَاء في هذِهِ الدُّنيا لِتَحْقِيق هذا الهَدف، فالهَدف من الوُجُود ومن الخَلْق العِبَادة؛ لكنْ هل تستطيع أنْ تَعْبد الله -جلَّ وعلا- منْ غير أنْ تَأكل أو تَشْرب أو تَنَام أو تَلْبَس؟ لا تستطيع، إذن هذِهِ الأُمُور وسائل لِتَحْقِيق الهَدَف الأعْظَم، هذه الوَسَائِل بعض النَّاس يَجْعَلُها هي الأهداف، لمَّا كانت هذِهِ الوسائل جاء التَّنْبِيه عليها بقوله -جلَّ وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77] الذِّي يُقال لهُ هذا الكلام من تَصَوَّر الهَدَف وسَعَى لِتَحْقِيقِهِ، لو تَصَوَّر الهَدف مِنْ وُجُودِهِ، وسَعَى بِالفِعِل جَادًّا لِتَحْقِيقِهِ، يُقَال لهُ: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77]؛ لكنْ الذِّي هَدَفُهُ الدُّنيا، يَنْبَغِي أنْ يُقَال لهُ: يا أخي: لا تَنْسَ الآخِرَة، كما هُو حال كثيرٍ من النَّاس اليوم، وما أُصِيب النَّاس بالشَّقاء والأمْرَاض سواءً كانت العُضْوِيَّة أو النَّفْسِيَّة إلاّ لمَّا كان هَدَفُهُم وغَايَتُهُم الدنيا، أقول: من سَعَى لِتَحْقِيق الهدف من وُجُودُهُ ارْتَاح الرَّاحَة التَّامَّة من كثير مِمَّا يُعَانِيهِ النَّاس اليوم(1/1)
من أمراض عُضْوِيَّة ونَفْسِيَّة...لماذا؟ لأنَّ هَدَفَهُ مُحَدَّد غير مُشَتَّت، هَدَفُهُ أنْ يُرْضِي الله -جلَّ وعلا- بِعِبَادَتِهِ التِّي خُلِقَ منْ أَجْلِهَا، فهو يَسْعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، وما يُعِينْ على تَحْقِيق هذا الهَدَف من باب التَّبَع، لا على سبيل الاسْتِقْلال، لا على جِهَة الاسْتِقْلال ؛ لكنْ إِذَا كان هَدَفُهُ الدُّنْيَا تَشَتَّت، الدُّنْيَا كما يقول النَّاس لا يَلْحَق لها طرف، أُمُورُهَا لا تنتهي، مطالِبُها لا يُمْكن الإِحَاطَةُ بها، وجاءت الإشارةُ إلى هذا المَعْنَى في قولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((مَنْ أَصْبَحَ والدُّنْيَا هّمُّه شَتَّتَ اللهُ شَمْلهُ...)) بلا شك يُريد أنْ يَحُوش الدُّنْيا بِحَذَافِيرِها، لا يستطيع، الدُّنيا لا يُمْكِن الإِحَاطَةُ بها، ونَهَم الإنسان إِذَا انْفَتَح على هذِهِ الدُّنْيَا لا يُمْكِنْ أنْ يَرْتَاح لهُ بَال؛ لأنَّهُ أيّ شيءٍ يَرَاهُ بحيث يُعْجِبُهُ عِنَد فُلان أو عَلَّان يُرِيدُهُ، ذُكِر عند فلان بيت قَصر مُنِيف، سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند عَلَّان سَيَّارة فَارِهَة سَعَى لِتَحِقِيق هذا الهَدف، ذُكِر عند فُلان امْرَأة جَمِيلَة أو بِنْت سَعَى لِتَحْقِيق هذا الهدف...(1/2)
كيف يُحِيط بهذهِ الأُمُور؟ لا يُمْكِن أنْ يُحِيط بهذِهِ الأُمُور، ولو بَذَل جميع ما أُوتِي وما مُدَّ لَهُ من عُمر، واسْتَغل جميع اللَّحظات من عُمُره لنْ يستطيع أنْ يُحَقِّق مثل هذه الأُمُور، ولَنْ يحصل لهُ منْ دُنْيَاهُ إلاَّ ما كُتِبَ لَهُ؛ لكنْ من جَعَل الهَدف الشَّرعي الحَقيقي وهُو عِبَادةُ الله -جلَّ وعلا- على مُرَادِهِ -جلَّ وعَلا- وعلى ضَوْءِ ما جَاءَ عن نَبِيِّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- القُدْوَة والأُسْوَة، يَجْتَمع هَمُّهُ، ولا يَتَفَرَّق شَمْلُهُ، ويُحَدَّد مَسَارُهُ وحِينئذٍ يَرْتَاح يَمْشِي على نُور وعلى بَيِّنَة، وعلى بُرْهَان، وعلى بَصِيرَة.(1/3)
اختلاف المطالع
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: إذا أُكْمِل عِدَّة شعبان ثلاثين مع أنَّ هُناك رجل في دولةٍ أُخرى رَأَى الهِلال وصَامَتْ تِلك الدَّولة... فهل يصُوم من هُو في دَوْلَةٍ أُخْرَى؟
إِذَا رَأَى الهِلال ثُمَّ رُدَّت شَهَادَتُهُ مثلاً فَيَصْدُقُ عليهِ أنَّهُ رَأَى الهِلال، ويَدْخُل فِي قولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ)) وبهذا قال جَمْعٌ منْ أَهْلِ العِلم أَنَّهُ يَصُوم، وكَذَا لَوْ رَأَى هِلال شَوَّال يُفْطِر ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ))؛ وَلَكِنْ المُرَجَّح أنَّهُ لا يَصُوم ولا يُفْطِر إِلَّا مع النَّاس ((الصَّوم يوم تَصُومُونْ، والفِطْرُ يوم تُفْطِرُونْ، والأَضْحَى يوم تُضَحُّونْ)) فَيَصُوم مع النَّاس، ويُفْطِر مع النَّاس، هذا الذِّي رَأَى الهِلال فِي دَوْلَةٍ أُخْرَى، وصَامَتْ تِلْكَ الدَّوْلَة ومَنْ فِي البَلَد الآخَر، هَذِهِ المَسْأَلَة يُسَمِّيها أو يَتَكَلَّم عنها أَهلُ العِلْم على اخْتِلاف المَطَالِعْ، وأنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ مَطْلَع، ويَكُون الهِلال قَدْ طَلَع فِي الشَّام، ولا يكُون طَلَع فِي المَدِينة، ويَطْلُع فِي بَلَد ولا يَطْلع فِي بَلَد، فَإِذا رُؤِيَ الهِلال فِي بَلَد يَعْتَمِد الرُّؤْيَة الشَّرْعِيَّة...(1/1)
فَهَل يَلْزَم جَمِيع المُسْلِمِينْ الصَّوم أو يَلْزَم مَنْ فِي بَلَدِهِ وتَبْقَى البُلْدانْ الأُخْرَى على مَطْلَعِهَا ورُؤْيَتِها؟! قولُهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ)) هذا لَيْسَ بِخَاص بأَهْلِ المَدِينة كما في قولِهِ: ((ولَكِنْ شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا)) لَيْسَ بِخَاص بأَهْلِ المَدِينة؛ وإِنَّما يَتَّجِه لِكُلِّ من يَتَصَوَّر مِنْهُ الإِجَابة ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ)) الأَصْل أنَّ الخِطَاب للأُمَّةِ كُلِّها، وعَلَى هذا إِذَا رُؤِيَ الهِلال فِي أَيِّ بَلَدٍ من بُلْدَانِ المُسْلِمين فَإِنَّهُ يَلْزَمُ جميع المُسْلِمين فِي شَرْقِ الأَرْضِ وغَرْبِهَا الصَّوْم؛ لأنَّ الخِطَاب مُوَجَّهٌ إِلَيْهِم، ولا يُوجَد ما يُخْرِجُ بَعْضَهم عن عُمُوم هذا الخِطَاب، وبِهَذا يقول جَمْعٌ من أهل العِلم، وهو المَعْرُوف عند الحَنَابِلة، وكثير من أهل العِلم، ومِنْ أهْلِ العِلم مَنْ يَرَى اخْتِلاف المَطَالِع وأنَّهُ إِذَا رُؤِيَ الهِلال في بَلَدٍ أو إِقْلِيم لا يَلْزَمُ غيرهُم الصِّيام؛ إلاَّ من كان على سَمْتِها واتَّحَدَ مَطْلَعَهُ مَعَهَا، و يَسْتَدِلُّون على ذلك بِحَديث ابن عبَّاس المُخَرَّج فِي مُسْلِم، وهُو أنَّ كُرَيْباً قَدِمَ المَدِينة من الشَّام، فَرَأَى أَهْلُ الشَّام الهِلال في الجُمعة، وأهْلُ المَدِينة مَا رَأَوْهُ إِلَّا يومُ السَّبت، فقال كُرَيْب: إنَّ مُعَاوية والنَّاس صَامُوا يوم الجُمُعة، وعَلَى هذا أَكْمَلْنَا عِدَة رَمَضَان ثَلاثِينْ، ولا يُمْكِنْ أنْ يَزِيد الشَّهر على ثَلاثِينْ، فابن عبَّاس قال: لكنَّا لا نُفْطِرُ حتَّى نَرَاهُ هكذا أَمَرَنَا رسُولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، فَدَلَّ الخَبَر على أنَّ الشَّام لهُم رُؤْيَتُهُم ، وأنَّ أَهْل المَدِينة لهُم رُؤْيَتُهُم، ولم يُفْطِر أهلُ المَدينة بِفِطْر أهل الشَّام المَبْنِيّ على رُؤْيَتِهِم؛ وإنَّمَا(1/2)
أَكْمَلُوا رمضان ثَلاثِينَ يوماً هكذا أَمَرَنَا رسُولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، يَعْنِي الحَدِيث الخَبَر صَحِيح، ومَرْفُوع إلى النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وتَجِد من أَهْلِ العِلم أَهْل الأَثَر أَهل الإِتِّبَاع أَهْل الإِقْتِدَاء يُفْتِي بَعضُهُم بِأَنَّ المَطَالِع مُتَّحِدَة، وأنَّ هَذَا أَضْبَط للنَّاس، وأَصْوَنْ لِصِيَامِهِم، فَلا يُتْرَك الأَمْر لِاجْتِهَادَاتْ البُلْدان، بِمَعْنى أنَّ هَؤُلاء يَصُومُون يوم الخَمِيس، وهَؤُلاء يَصُومُون يوم الجُمعة، وهؤُلاء يَصُومُون يوم السَّبت، ويُفْطِرُون قَبْلَهُم بِيَومٍ أو يَوْمَيْن... هل يُمْكِن لِمُجْتَهِدٍ أنْ يَجْتَهِد مع نَصِّ ابن عبَّاس فَيَقُول: بِاتِّحَادِ المَطَالِع... يُمْكِنْ أو مَا يُمْكِنْ؟، يعني لَوْ نَظَرْنَا فِي كَلام الشيخ ابن باز ويَعْرِف هذا الحَدِيث أو حتَّى المَذْهَب عند الحَنَابِلَة، على كُلِّ حَال الهَيْئَة أَفْتَتْ بِاخْتِلاف المَطَالِع؛ لَكِنْ الكَلام مَعَ مَنْ يَقُول بِاتِّحَادِ المَطَالِع مَعَ صِحَّة خَبَر ابن عبَّاس، وقَوْلِهِ: هكذا أَمَرَنَا رسُولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فِي صَحِيح مُسْلِم...(1/3)
هل المَسْأَلة اجْتِهَادِيَّة أَو نَصِيَّة؛ لِيَسُوغَ فِيهَا الخِلاف؟ قولُهُ: هكذا أَمَرَنَا رسُولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مَرْفُوعْ قَطْعاً؛ لَكِنْ مَا حَقِيقَةُ هذا الأمْر؟ هل أَمْر الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- الذِّي نَقَلَهُ ابن عبَّاس أَمْر فِي هذِهِ المَسْأَلَة بِخُصُوصِها واتِّحَاد المَطَالِع، أَو أَمْرُهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- بِقَوْلِهِ: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ))؛ لأنَّ بعض النَّاس حِينَمَا يَسْمَع كَلام بعض العُلَماء أَهْل الأَثَر أَهْل الإِقْتِدَاء يَقُولُون بِوُجُوب الصَّوم لِجَميع الأُمَّة إِذَا رُؤِيَ الهِلال ولو اخْتَلَفَتْ المَطَالع يقول: كيف يَسُوغ لِمِثْلِ هذا وقَد عُرِفَ بِعِلْمِهِ، وفَضْلِهِ، وإقتِدَائِهِ، وإتِّبَاعِهِ مع صِحَّة حديث ابن عبَّاس، نقُول: ابن عبَّاس هَكَذا قَال: أَمَرَنَا رسُولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-؛ لكن ما حَقِيقَة هذا الأَمْر؟ هَلْ أَمَره في هذِهِ المَسْأَلَة بِخُصُوصِها؟ هَلْ أَمَرَهُم بِهَذِهِ المَسْأَلة التِّي تَدُلُّ على اخْتِلافِ المَطَالِع أو أَمَرَهُم بِقَوْلِهِ: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)) والنَّصْ كمَا يَفْهَمُهُ ابن عبَّاس فِي دَلَالَتِهِ على اخْتِلاف المَطَالِع يَفْهَمُهُ غَيْرُهُ فِي الدَّلَالَةِ على اتِّحَادِ المَطَالِع، وعلى كُلِّ حَال لِلاجْتِهَادِ فِي مثلِ هَذَا مَجَال، ومن اجتهد وقال باتِّحَادِ المَطَالِع فَلَهُ سَلَف، ودَلَالَةُ الحديث عليهِ وَاضِحَة، ومَنْ اجْتَهَد وقَال بِاخْتِلاف المَطَالِع فَلَهُ سَلَف، ودَلَالَةُ خَبر ابن عبَّاس عليهِ أَوْضَح؛ لِأَنَّ ابن عبَّاس فَهِمَ من حديث: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)) أنَّهُ خاص بِكُلِّ إِقْلِيمٍ يَخْتَلِف مَطْلَعُهُ عن غَيْرِهِ أو أنَّ لَدَيْهِ أَمْرٌ خَاص بهذِهِ(1/4)
المَسْأَلَة، قد يقول قائل: أنَّ فَهْم الصَّحَابِي مُقَدَّمٌ على فَهْمِ غَيْرِهِ، نقول هذا هُو الأَصل؛ لكنْ لا يَعْنِي أنَّ فَهْمَ الصَّحَابِي أو فَهْم الرَّاوِي مُلْزِم لِغَيْرِهِ، وحديث: ((رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعْ)) يَدُلُّ على ذلك، فهذه المَسْألة لا شكَّ أنَّها مِن الدَّقَائِق في قصة ابن عبَّاس يعني لو كرَّرنا الكلام؛
لأنَّ مِثل هذا يُشْكِل على بعض طُلَّاب العِلْم، يقول: كيف الشيخ ابن باز يُعارض حديث ابن عبَّاس وهو في صحيح مُسلم؟
ابن عبَّاس اسْتَدَلّ بالحديث على اخْتِلَاف المَطَالِع وعَمَلَ بِهِ على هذَا الأَسَاسَ؛ لَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَمْرِ النَّبِي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-... فهل عند ابن عبَّاس أَمْر خاص فِي هذِهِ المَسْألَة أَو لَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي قَوْلِهِ هذا على حديث: ((صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ))؟ وحينئذٍ يَبْقَى المَجَال فِي فَهْمِ النَّصْ وَاسِعْ.(1/5)
من أعظم ما يزيد الإيمان في القلب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول رحمهُ الله تعالى(1): [{وَفِي الْأَرْضِ} [(20) سورة الذاريات] من الجبال والبحار والأشجار والثِّمار والنَّبات وغيرها، {آيَاتٌ} دلالات على قُدْرة الله -سُبحانه وتعالى- ووحدانيَّتِهِ].
وفي الأرضِ من جميع ما على وجهها من الجبال والرِّمال والسُّهُول والوُعُور والنَّباتات بأنواعها آيات: جمع آية وهي ما يدُلُّ على عظمة الله -جلَّ وعلا-، وأنَّهُ –جل وعلا- هو المُتفرِّد بالخَلْق والرَّزْق والإحياءِ والإماتة، وأنَّهُ هُو المُستحقُّ للعبادة؛ لكن آياتٌ لمن؟ آيات لجميع الخلق؟ هذا هو الأصل؛ لكنْ هل من مُدَّكر؟ هل من مُتَّعِظ؟ هل من مُعتبر؟ هل من مُستدل؟ ولذا جاء تعظيم التَّفكُّر والاعتبار والنَّظر في مخلوقات الله وآياتِهِ للدَّلالة بذلك على وحدانيَّتِهِ، فَهَدَى اللهُ أقواماً امْتَثَلُوا ما أُمِرُوا بِهِ، ونظرُوا في ملكوت السَّماوات والأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران/190]، لكن من؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران/ 191]، أهلُ الغفلة ليس لهم نصيب من ذلك، ولذا تجد كثير من النَّاس هذا الأمر لا يرفعُ بِهِ رأساً، وهو من أعظم ما يُثبِّت الإيمان في القلب، ومن أعظم ما يزيدُهُ في النَّفس، فمن أعظم ما يزيد الإيمان التِّي جاءت الأدلَّة أنَّهُ يزيدُ وينقُص، من أعظم ما يزيدُهُ التَّذكُّر في آيات الله، في مخلُوقاته، في آياتِهِ فيما أَنْزَلَهُ على خَلْقِهِ لِيَعْتَبِرُوا ويَدَّكِرُوا، ويَتَّعِظُوا، وكما قال الله -جلَّ وعلا- عن القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر/ 17]، يعني لا يَتَسَنَّى لجميع النَّاس أنْ يَتَّعِظُوا ويَعْتَبِرُوا
__________
(1) * صاحب تفسير الجلالين.(1/1)
وينظُرُوا؛ لكنْ المُوفَّق من وَفَّقَهُ الله -جلَّ وعلا- باستعمال ما رُكِّبَ فيهِ منْ هذهِ الحواس التِّي تُعينُهُ على ما أرادهُ اللهُ -جلَّ وعلا-... فكم من بصير أعمى، وكم من أعمى بصير، الأعمى بإمكانِهِ أنْ ينظر، بإمكانِهِ يتفكَّر بعين البَصِيرة... وكم من أعمى يَتَقلَّبُ في فِراشِهِ خوفاً من ربِّهِ وتعظيماً له، وكم من بصيرٍ ينظُرُ يميناً وشِمالاً؛ لكنَّهُ لا يستفيدُ شيئاً! والله المُستعان.(1/2)
ألا تريد استغلال هذه المواسم في الطاعات؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا الذِّي ضيَّع أوقاتهُ في القيل والقال... هل يُعان على حِفْظِ لسانِهِ في أوقات المواسم؟ هل يُعان على استغلال المواسم؟ يسمع بقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((من حجَّ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدته أُمُّهُ)) أربعة أيَّام يحرص على حِفْظِ لِسانِهِ فلا يستطيع؛ لأنَّهُ لم يتعرَّف على الله في حال الرَّخاء، لِسَانُهُ في القيل والقال في أوقات الرَّخاء؛ فإذا جاء وقتُ الشِّدَّة لا يُعان على ذلك، وقُل مثل هذا في تلاوة القرآن، نجد من طلبة العِلم من يَتَفرَّغ في رمضان أو في العشر الأواخر من رمضان بأنْ يهجُر أهلهُ ووطنَهُ وجميع وسائل الرَّاحة إلى أماكن المُضاعفات، في أشْرَف الأوقات، ويَسْمع عن سَلَفِ هذهِ الأُمَّة من يقرأ القُرآن في يوم، ومن يقرأ القُرآن في اليوم مرَّتين، ومنهم من يقرأ في يومين، ومنهم من يقرأ في ثلاث، فَيَحرص على أنْ يختم القرآن فلا يَسْتطيع، يَجْلِس ويتعرَّض لهذا، يجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب فَاتِحاً المُصحف يُريد أنْ يقرأ في ساعتين يعني أقل تقدير يقرأ سِتَّة أجزاء هذا إذا كان مِمَّن لم يَتَعوَّد ويَتَمَرَّنْ على قِراءة القُرآن، يعني الجُزء بثُلث ساعة كُل إنسان يستطيع هذا؛ لكن ما الحَصِيلة؟ وما النَّتيجة؟؟؟ لأنَّهُ لم يتعوَّد في وقت الرَّخاء... كم يقرأ؟ لا يزيد على الجُزء، يقرأ آية آيتين؛ ثُمَّ يلتفِت يَمِيناً وشِمالاً عَلَّ أحداً أنْ يَعْرِفَهُ فيَجْلِسْ معهُ؛ لِيُزاول المِهنة التِّي كان يُزاولُها عَامَهُ كُلَّهُ؛ إنْ وجد أنْ جاءهُ أحد؛ وإلا ذهب هو ليبحث عن النَّاس... طيب لماذا أنت سافرت وتركت أهلك...(1/1)
ألا تُريد أنْ تستغل هذهِ الأوقات؟ هذا واقع كثير من الشَّباب، وأقول: يُوجد -ولله الحمد- منْ يفعل فِعل السَّلف، يعني يُوجد من يقرأ القرآن في يوم، ليست المسألة مسألة يأس وقنوط – لا – لكن هذا فيه الحثّ حث الأخوان على استغلال الأوقات، وقولُهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((تعرَّف على الله في الرَّخاء يعرفكَ في الشِّدَّة)) مُضطرِد في كُلِّ شيء؛ فإذا تعوَّدْت قراءة القرآن في أوقات الرَّخاء، وخَصَّصْت لهُ وقتاً من سَنَام وقتك، لا على الفَرغة! بحيث إذا جئت قبل الإقامة بخمس دقائق أو عشر دقائق فتحت المُصحف وقرأت وإلا فلا! – لا – يعني لو جَلَس طالب العلم من صلاة الصُّبح في مكانِهِ، وأتى بالأذكار المُرغَّب فيها؛ ثُمَّ قرأ القرآن إلى أنْ تَنْتَشِر الشَّمس هذا يقرأ القرآن في سبع من غير مَشَقَّة، ومن غير تفويت أي مصلحة لا دينيَّة ولا دُنيويَّة؛ بل سوف يجدُ أثرها على بقيَّة يومِهِ، كما قال شيخ الإسلام، هي الزَّاد التِّي تُعينُهُ على بقيَّة أعمالِهِ الصَّالحة في يومِهِ ، ابن القيم رحمهُ الله تعالى لمَّا شَرَح حال الأبرار، وحال المُقرَّبين في (طريق الهِجرتين) وَضع برنامج من استِيقاظهم من النَّوم لصلاة الصُّبح، وكيفيَّة استعدادِهِم للصَّلاة، وذهابِهِم إليها، وقُربهِم من الإمام، واستِماعُهم للقراءة المشهُودة؛ ثُمَّ الجُلُوس إلى انتِشَار الشَّمس مع الانكِسَار بين يدي الله -جلَّ وعلا-، والتَّعرُّض لنَفَحَاتِهِ؛ مثل هذا يُعان بَقِيَّة يومِهِ، وإذا كان هذا ديْدَنُهُ يُعانْ بَقِيَّة عُمرِهِ، والإنسان يمُوت على ما عاش عليهِ، المُغنِّي يمُوت على خشبة المسرح، والتَّالي لِكِتاب الله يمُوت ورأسُهُ في المُصحف، هذهِ حقائق، والمُصلِّي يمُوت وهو ساجد، يعني هذه حقائق أمثلة عملِيَّة، نعرف من شيُوخنا من صار عليهِ حادث سيَّارة، وأُدْخِل المُستشفى في العِناية المُركَّزة لا يَعْرِفُ أحداً، ولا ينْطِق بكلمة،(1/2)
والقُرآنُ يُسمعُ من لِسَانِهِ واضِحاً جَلِيًّا، ويُوجد من المُؤذِّنِين من أفْنَى عُمرَهُ في هذا العمل الجليل والمُؤذِّنُون أطول النَّاس أعناقاً يوم القيامة يُوجد من يُسمع منهُ الأذان وهو في العناية في وقت الأذان، المقصُود أنَّ على طالب العلم أنْ يبذل الأسباب، ويدفع الموانع قَدْر استطاعتِهِ، مثل هذا الجِهاد، والمُجاهدة تأتي بالتَّدريج، ما تأتِي دُفْعة واحِدة؛ ولِذا جاء عنْ بعض السَّلف أنَّهُم كابَدُوا قِيام الليل سِنين؛ ثُمَّ تَلَذَّذُوا بِهِ بَقِيَّة العُمر، كُل شخص يَتَلَذَّذ بِمُناجاة محبُوبِهِ؛ بل وُجِد هذا في الحيوان يَتَلَذَّذ بِمُجالسة ومُناجاة محبُوبِهِ؛ فإذا كان المحبُوب هو الله -جلَّ وعلا- فحدِّث ولا حرج، وإذا كان ابن القيم يشرح حال المُقرَّبين يُقسِمُ بالله أنَّهُ ما شمَّ لهُم رائِحة... فكيف بغيرِهِ؟! وقد وَصَف حالهُم وبرنامجهم اليومي وصفاً دقيقاً كأنَّهُ منهم ومن بينهم؛ بل الذِّي يغلبُ على الظَّن أنَّهُ منهم، ويقول مع ذلك إنَّهُ يستفيد فائِدة ولو لم يكن ممَّن يفعل هذا علَّ أحداً أنْ يفعلهُ فيُكتب لهُ من أجرِهِ، وإذا تَحَدَّثنا عن القِيام، وعن الصِّيام، وعن تِلاوة القرآن فلا يعني هذا أنَّ الإنسان مُتَّصِف بهذا الوصف! والله المُستعان.(1/3)
وفي أنفسكم أفلا تُبصرون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من الغفلة أنْ يَطلُب الإنسان الشَّيء البعيد ويترك القريب، يَطْلُب وينظر إلى الشَّيء البعيد والذِّي بين يديهِ يترُكُهُ، لا ينظُر في خَلْقِهِ لا يَتَفكَّر في خلْقِهِ لِيَرَى العَجَب العُجاب، ابن القيم -رحمهُ الله- أفَاض في هذه المسألة في مُفتاح دار السَّعادة، وذكر وظائف الجِسم، وأعضاء الجسم، ومفاصل الجِسم، يقول: جَفْن العين هذا ما فائِدَتُهُ؟ يعني لو كانت العين مكشُوفة تصوَّر وش يصير الوضع؟ والحر والبرد والرِّياح تهبُّها! لا يَقْدِر قَدْر هذا الجَفْنْ إلاّ من فَقَدَهُ، النّاس يعني أشبه ما يكون بالمسَّاحة، مساحة الزُجاج تجدها باستمرار تَمْسَح، وإلاّ تراكمت عليها الميكرُوبات والجراثيم وغيرها، وتعرَّض للحر والبرد والرِّياح فتأثَّرت؛ لكنَّها محفُوظة ومحْمِيَّة بهذا الجَفْن، وذَكر شيء لا يخطُر على البال؛ فعلى طالب العلم أنْ يُعنى بمثل هذه الأُمُور؛ لأنَّها مِمَّا يُثبِّتُهُ ويَزِيدُ في يَقِينِهِ، يعني في كُل عُضو كل سُلامى من جَسَدِ الإنسان، كُل مَفْصِل من المَفَاصل ثلاثمائة وسُتُّون مفصل كل واحد يحتاج إلى صدقة؛ لأنَّها نِعَم تحتاج إلى شُكر، تَصوَّر لو أنَّ إصبعك الصَّغير لا تستطيع أنْ تَثْنِيهُ! كم تتأذَّى بهذا الإصبع؟ فكيف بالرِّجل؟ كيف باليد لو كانت ممدُودة هكذا لا تستطيعُ ثَنْيَها؟ كيف بالرَّقبة لا تستطيع أنْ تَلْتَفت يمين ولا شمال ولا ترفع رأسك ولا تخفِضُهُ؟ أُمُور على الإنسان أنْ يتفكَّر بها وينظُر فيها بِعَيْن الاعتبار، وأنْ يشكُر هذا الخالق المُنعم الرَّازق الذِّي تَفَضَّل عليهِ بهذه النِّعم الكثيرة، يعني لو أنَّ إنساناً أُصيب بعرقٍ نابض ما يَهَنَأُ لهُ عيش، ولا يطيبُ لهُ نوم، فهذه أُمُور كُلُّها تحتاج إلى شُكر، كُل نعمة من هذه النِّعم تحتاج إلى شُكر، ولو أنَّ إنساناً عَبَدَ الله -جلَّ وعلا- منذُ التَّكليف إلى أنْ مات بعد(1/1)
أنْ عُمِّر مئة سنة كل هذه العِبادة لا تُساوي نِعمة من النِّعم، فلو وُضعت في ميزان ووُضِع في مُقابِلِها نِعمة البصر أو السَّمع ما قامت لها، ولذا قال النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((لن يدخل أحدكم عملُهُ الجنَّة، قالوا: ولا أنت يا رسُول الله؟ قال: ولا أنا إلاّ أنْ يتغمَّدني اللهُ برحمتِهِ)) فَدُخُول الجنَّة برحمة الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ كما قال أهلُ العلم المنازل بالأعمال، أمَّا الدُّخُول فهو برحمة الله -جلَّ وعلا-، و إلاّ لو حُوسب الإنسان كما ذكرنا في الدرس السَّابق ((من نُوقش الحِساب عُذِّب أيًّا كان)) كما جاء في الحديث الصَّحيح.(1/2)
الصوم جُنَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((الصَّومُ جُنَّة)) جُنَّة وقاية يجتنُّ بها الصَّائم ويَتَّقِي بها و ((الصَّومُ جُنَّة)) والتَّقوى من أعظم فوائِد الصِّيام، كما في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183]، هذه العِلَّة والحِكْمَة من مشرُوعِيَّة الصِّيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183] فهو جُنَّة يقي العبد مِمَّا يَكْره في الدُّنيا والآخرة.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة التعصب والتحزب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: ظهر في الآونة الأخيرة ظاهرة التَّحَزُّب حتّى أصبح البعض من طُلاب العِلم لا يُسلِّم ولا يرد السَّلام على من يُخالفهُ في الوجهة فما حكم ذلك؟
إذا كان الخلاف في أصل الدِّين، فمُعاملة المُخالف في أصل الدِّين سواءً كان كافراً أو مُبتدِعاً بدعة مُكَفِّرة، معروف عند أهل العِلم وواضح، المُخالف في أصل الدِّين ببدعة غير مُكَفِّرة، فمثل هذا يُسْلَكُ في حَقِّه الأَصْلح، والتَّأليف أمرٌ مَعرُوف في الشَّرع، ويُصْرَف للمُؤَلَّفة قُلُوبهم من الزَّكاة، وهي رُكن من أركان الإسلام، مِنْ أَجْلِ تَأْلِيفِهِ وتَقْريب دَعْوَتِهِ، فمثل هذا يُسْلَكُ معهُ الأَصْلح، والصِّلَةُ والهَجْر كِلاهُما عِلاج، ويُفْعَل معهُ الأنْجَع بِعِلاجِهِ، و أمّا ما ظَهَر بين طُلاب العِلم، مع الأسَف الشَّديد من الجَفَاء فمثل هذا لا شكَّ أنَّهُ من التَّحريش الذِّي رَضِيَ به الشَّيطان؛ لِأَنَّهُ قد يكونُ بين اثنين لا اختلاف بينهما حقيقةً، قد يختلفان في أمرٍ لا أَثَرَ لهُ، أمر يسير للمُخالف فيهِ مَنْدُوحة والشَّرعُ يَسْتَوعِبُهُ.(1/1)
أيهما أفضل التدبر أم كثرة الختمات؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هل أفضل كثرة قراءة القرآن في رمضان بسرعة هو الحل... أو الأفضل القراءة بالتَّدبُّر وإنْ قلَّ الختم؟
عامَّةُ أهل العلم؛ بل جُمهُورهم على أنَّ القراءة على الوجه المأمُور بها أفضل وإنْ قَلَّتْ، والشَّافعي -رحمهُ الله- وبعضُ العُلماء يَرَوْن أنَّ استغلال مثل هذا الوقت بالقراءة السّرَيعة مع تكثير الحُرُوف أفضل؛ لأنَّ لهُ بكل حرف عشر حسنات، وصُورة الخِلاف إنَّما تَرِد فيمن أراد أنْ يجلِس ساعة بعد صلاة الصُّبح مثلاً أو بعد صلاة الظُّهُر أو بعد العصر، ويقول: هل أقرأ في هذهِ السَّاعة جُزْئِين أو خمسة أجزاء؟ جُزئين بالتَّدبُّر والتَّرتيل أو خمسة أجزاء بالسُّرعة؟! نقول الجُمهور على أنك تقرأ جُزئين أفضل، والشَّافعيَّة يرون أنَّ كُلَّما كثُرت الحُرُوف كان أفضل وأكثر الحسنات، وعلى كُلِّ حال القراءة على الوجه المأمُور بها أفضل ولو تَرَتَّب على ذلك إنَّهُ لا يقرأ القُرآن إلا أربع مرَّات، خمس مرَّات، ثلاث مرَّات، أو مع السُّرعة يقرأ عشر مرَّات، خمسة عشر مرَّة؛ لا شكَّ أنَّ التَّدبُّر والتَّرتيل أفضل.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من حمل علينا السلاح فليس منا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من حمل السِّلاح يُريدُ قتل المُسلم مع عِلْمِهِ بِتحريمهِ واعتقادِهِ بذلك فالأمر خَطير جِدًّا، ((لزَوَالُ الدُّنيا أَهْوَنُ عِنْد الله من إِرَاقَة دمِ مُسْلِم)) ((ولا يَزَالُ المُسلم في فُسْحَة من دينِهِ حتَّى يُصيب دماً حراماً)) وفي ذلكم الوعيد الشَّديد {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] حتى قال ابن عباس: إنَّهُ لا توبة لهُ, فالأمر خطير جدُّ خطير ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) وكلامُ أهل العلم في مثل هذا بِحَمْلِهِ على الخُرُوج عن الإِسلام والحُكم عليهِ بالكُفر المُخْرِج عن المِلَّة إنْ اسِتَحَلّ ذلك، إنْ اسْتَحَلّ قَتل المُسلم المَعْصُوم مَعْصُوم الدَّم؛ لأنَّ من اسْتَحَلّ الُمحَرَّم المعلُوم تَحْريمُهُ بالضَّرُورة من دين الإِسلام كَفَر, كما أنَّ من حَرّم ما أَحَلَّهُ الله المَعْلُوم حِلُّهُ بالضَّرُورة من دين الإسلام كَفَر -نسأل الله العافية-.
وحينئذٍ يكون قولُهُ: ((فليس منا)) على حقيقتِهِ ليس من أهل دينِنَا، أمّا إِذا لمْ يَسْتَحِل قَتْل المُسلم؛ بَلْ أَقْدَم على قَتْلِهِ مُعتقداً تحريم القَتْل؛ فإنَّه لا يَكْفُرُ بذلك، وإنْ تَعَمَّد قَتْلَهُ في قَول جُمهُور العُلماء؛ لكنَّهُ على خطرٍ عَظيم فابنُ عباس يَرَى أنَّهُ لا تَوْبَة لهُ {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} نسألُ الله العافية، والحديثُ من نُصُوص الوَعِيد التِّي تُمَرُّ كما جاءت؛ لأنَّهُ أبْلَغ في الزَّجْر عند جمع من أهل العلم.(1/1)
هديُهُ عليهِ الصَّلاة والسَّلام في قيام الليل
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
القِيام شأنُهُ عظيم، والقِيام يُرادُ بِهِ الصَّلاة، من بعْدِ صلاة العِشاء إلى طُلُوع الفجر هذا قِيامُ الليل، وعِمَارة هذا الوقت بالصَّلاة والتِّلاوة والذِّكر، وأفْضَلُهُ كما جاء عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((وأفْضَلُ القِيام قِيَام دَاوُود وصلاة دَاوُود -عليه السَّلام- يَنامُ نِصْفَ الليل، ثُمَّ يَقُومُ ثُلث الليل ثُمَّ يَنامُ سُدْسَهُ))، يَنامُ نِصْفَ الليل، ويَحْسِب الليل من صلاة العِشاء من الوقت الذِّي يَتَسَنَّى فيهِ القِيام، وإذا تمَّ الحِسابُ على هذا الأساس من صلاة العِشاء ونام نِصف الليل يكُونُ قِيامُهُ في الثُّلث الأخير، بينما لو حَسَبْنا الليل من غُرُوب الشَّمس صار قِيَامُهُ بدأ من نِصف الليل قبل وقت النُّزُول الإلهي كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، فالمقصُود أنَّ هذا الوقت يُعمر بالصَّلاة والتِّلاوة والذِّكْر، فالنَّوم الذِّي ينامُهُ بعد صلاة العِشاء، وينوي بِهِ الاستعانة على القِيام هو في صلاة، هو في قِيام وفي عبادة يُكتب لهُ أجرُها، فإذا قام الثُّلث واستغل هذا الوقت بما يَكْتُبُهُ اللهُ لهُ على خِلافٍ بين أهل العلم في القَدْر المُحدَّد من الرَّكعات، فلقد جاء عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنَّها قالت ((ما كان رسُول الله صلى الله عليه وسلَّم يزيدُ في رمضان ولا في غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعة ، يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُوتِر بثلاث)) هذهِ إحدى عشرة، وجاء أيضاً عن النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- في الصَّحيحين ثلاث عشرة، وصحَّ عنهُ الخمس عشرة في حديث ابن عبَّاس، كُلُّ هذا يَدُلُّنا على أنَّ العدد غير مُرَاد، ويُؤيِّدُ هذا الإطْلاق في حديث: ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) فتُصلِّي في الليل(1/1)
ركعتين ركعتين كما قال ابن عبَّاس: ((صلَّى ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ ركعتين، ثُمَّ أَوْتَر)) خمس عشرة ركعة، المقصُود أنَّ العدد غير مُرَاد بدليل أنَّهُ ثبت عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- الزِّيادة على الإحدى عشرة، وما جاء في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- على حدِّ عِلمِها، والمُثْبِتْ مُقدَّم على النَّافِي، فَعَلَى هذا القول المُرجَّح في القيام أنَّهُ لا حدَّ لهُ؛ بل يُصلِّي الأرْفَق بِهِ والأنْفَع لِقَلْبِهِ؛ فإذا كان الأرْفَق بِهِ كَثْرَة الرُّكُوع والسُّجُود وفي هذا يقُول النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- لمَنْ طلب مُرافقَتُهُ في الجنَّة، قال: ((أعِنِّي على نفسِكَ بكثرة السُّجُود)) والسُّجُود أَشْرَف أرْكان الصَّلاة ((وأَقْرَبُ ما يكُون العبدُ من ربِّهِ وهو ساجد)) والكَثْرَة مطلُوبة ، كما قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أعِنِّي على نفسِكَ بكثرة السُّجُود)) وإذا كان الأنْسَب لهُ تطويل القِيام، وكثرة قراءة القرآن ؛ لأنَّهُ يتلذَّذ بِهِ، فالقُرآنُ أفضلُ الأذكار، والخِلافُ بين أهلِ العلم في المُفاضلة بين طُول القِيام الذِّي هو القُنُوت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة/238]، وهو أشْرَفُ من غيرِهِ بِذِكْرِهِ لا بِذَاتِهِ، والسُّجُود أشْرَف بِذَاتِهِ، وعلى كُلِّ حال المسألة مُفْتَرَضَة في من يُريدُ أنْ يقُوم من الليل ساعة أو ساعتين أو ثلاث ويسأل يقول هل أُصلِّي في ثلاث السَّاعات إحْدَى عشرة ركعة أو أُصلِّي ثلاثين ركعة...(1/2)
أيُّهُما أفضل؟ نقول: إذا أردْتَ أنْ تَقْتَدِيَ بما ثَبَت عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- كمًّا وكيفاً فهذا هو الأكمل، ما تقول أنا أقتدِي بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حديث عائشة وأنَّهُ ما زاد ثُمَّ تنقُرُ إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق وتقول: أصبت السُّنَّة! لا يا أخي، إذا أرَدْت أنْ تنظُر إلى هذا العدد فانظُر إلى أنَّهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- افتتح البقرة ثُمَّ النِّساء ثُمَّ آل عمران في ركعة، ورُكُوعُهُ قريبٌ من قِيامِهِ، رُكُوعُهُ وسُجُودُهُ قريب من السواء، فإذا استغلَّ الوقت، ولِذا جاء في سُورة المُزمِّل التَّحديد بالوقت بالزَّمن لا بالعَدد {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل/ 2] ، ثُمَّ في آخر السُّورة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل/20]، المقصُود أنَّ التَّحديد بالزَّمن لهُ نَظَر؛ بل لهُ الحظُّ الأكبر من النَّظر؛ فالذِّي يُصلِّي ثلاث ساعات أفضل من الذِّي يُصلِّي ساعتين اتِّفَاقاً؛ فالمسألة مسألة وقت، فإذا عمر هذا الوقت بطاعة الله -جلَّ وعلا- وعندنا ما يُؤيِّدُ الإطلاق ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) فلتُصلِّ ما شِئْت على أنْ تَجْتَنِب السُّرعة والعجلة التِّي تذهبُ بِلُبِّ الصَّلاة، تأتي بصلاةٍ صحيحة تُفيدُكَ، وتُقرِّبُك من الله -جلَّ وعلا-، ويرى بعضُهُم أنَّ ما زاد على الإحدى عشرة بدعة؛ لكن كيف نقُولُ بدعة وقد ثَبَت عن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- غير هذا العَدَد، وصحَّ عنهُ الإطلاق ((صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى)) في حديث عائشة: ((يُصلِّي أربعاً)) وإذا ضَممنا إليه صلاةُ الليلِ مثْنَى مثْنَى قُلنا يُصلِّي أربعاً بسلامين، وأهلُ العلم يُؤكِّدُون على أنَّ من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنَّما قام إلى ثالثة في فجر، لا بدَّ أنْ يَرجع، فيُصلِّي أربع...(1/3)
فلماذا قالت أربع ما قالت ركعتين ركعتين؛ لأنَّ الفواصل بين هذهِ الرَّكعات بين كُل أربع ركعات، ولِذا سُمِّيت الصَّلاة في رمضان تراويح؛ لأنَّهم يستريحُون بين كُل أربع ركعات، وهو ما يدل عليه حديث عائشة ((يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُصلِّي أربعاً)) يدلُّ على أنَّ هُناك فاصل بين الأربع.(1/4)
بسم الله الرحمن الرحيم
نعمة الأمن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: تعلمون ما نعيشُهُ في هذا البلد من النِّعم، والتِّي من أهمِّها نعمةُ الأمْن وسلامةُ المُعتقد، ووُجُود العُلماء، والعِناية بالعِلم منه هذه الدورات العلمية؛ ولكنَّ الأعداء قد غَاظَهُم ذلك، وسَعواْ جاهدين لإفْسَادِهِ بما استطاعوا، وقد نَفَذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء، وسَعَى بعضُهُم في زعزعةِ الأمْن؟
لاشكَّ أنَّ مثل هذا خلل في التَّصَوُّر، فلا شكَّ أنَّ الأمْن من أعظم النِّعم، وهُو أهمُّ من نعمة الأكل والشُّرب، ولذا جاء تقديمُهُ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}[(البقرة) 155] قُدِّم الخوف على الجُوع في الابتلاء، فالأمْن لا يَعْدِلُهُ شيء، كيف يتعبَّد النَّاس؟ كيف يُحقِّق النَّاس الهدف من وُجُودِهِم بغير أمْن؟! وبعضُ المُفسِّرين ضَربَ لذلك مثلاً: بأنْ جاء بشاةٍ مكسُورة كَسِيرة أَقْلَقَها الألم، اشتدَّ عليها الألم، ووَضَع عندها الطَّعام المُناسب لها، وجاءَ بأُخرى سليمة ووضع عندها الطَّعام ورَبَطَ أمامها ذئب، لمَّا جاءَ من الغد وجد الكسيرة قد أكلت الطَّعام كُلَّهُ، ووجَدَ الخائفة من الذِّئب لم تأكُل شيئاً.(1/1)
فلاشكَّ أنَّ الأمْن نِعمة من الله -جل وعلا-، فمن يَسْعَى في تهدِيدِهِ أو الإخلال بهِ لاشكَّ أنَّهُ جانِي على الأُمَّة، والله المُستعان، فعلى كُلِّ أحد أنْ يُحافظ على هذا الأمْن بِقَدْرِ استِطاعتِهِ، ومع الأسَف أنَّ بعض النَّاس يُساهِم في الإخلالِ بالأمن وهو لا يشعُر، بعض النَّاس العاصِي مثلاً: العاصي مُساهم في الخلل بالأمن؛ لأنَّ الأمْن نِعمة تحتاج إلى شُكْر؛ فإذا لم نَشْكُر هذه النِّعمة فَرَّتْ؛ فإذا عَصَيْنا الله -جل وعلا- ونحنُ نَتَقَلَّب في نِعَمِهِ التِّي من أعْظَمِها نِعمة الأمْن -يعني بعد نِعمة الدِّين- المسألة مُفترضة في مُسلمين، يعني بعد نِعمة الدِّين ما فيه مثل الأمْن؛ فإذا عَصَى الإنسان رَبَّهُ، وحَلَّ بالمُسلمين بسبب مَعْصِيَتِهِ ومَعْصِية غيرِهِ والثاني والثالث هُم المُتَسَبِّبُون في اخْتِلال الأمن؛ لأنَّ الأمْر يكُونُ لهُ مُباشر، ويكُون لهُ مُتسبِّب، يكُون لهُ مباشر، مُباشرةً يعني يُحاول تهديد الأمْن؛ لكنْ هُناك من يَتَسَبَّب في زعزعة هذا الأمْن وهُم العُصاة الذِّين لم يَشْكُرُوا هذهِ النِّعمة، وعلى كُلِّ واحِدٍ من المُسلمين كِفْل من هذا، بِقَدْرِ ما يَقْتَرِفُهُ من معاصي {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[(الشورى)30]
يقول: نفذَ بعضُ أفكارِهِم وللأسف إلى بعضِ شبابنا فَزَهدُوا في العلم، وطَعَنُوا في العُلماء؟(1/2)
لاشكَّ أنَّ الحاجة إلى أهلِ العلم في الظُّرُوف الحَالِكة أشد، ولابُدَّ من الابتلاء، لا يَظُن العالم أو الدَّاعية أو غيره الطَّريق سهل مُمَهَّد مو بصحيح في مثل هذه الظُّرُوف نَرَى أنَّ بعض العُلماء يُواجِهُون ما يُواجِهُون، فبعضُ طُلاب العلم يقول: أنا ليش أعرِّض نفسي لِمثلِ ما وصِلُوا إليه من الإحراجات وغيرها، لماذا أصل؟ يا أخي لابُدَّ أنْ تَصِل، الطَّريق ليس بالسَّهل، وكُلَّما يزداد الأمر شِدَّة يَزْدَاد الأجْر، و تَعْظُم الأُجُور بمثلِ هذا، واللهُ المُستعان.
فعلى طالبِ العلم أنْ يستمر في طَرِيقِهِ، وأنْ يَحْرَص ويَجِد ويَجْتَهِد؛ لأنَّ طَلَبَهُ للعلم وعِبَادَتَهُ لله -جل وعلا- على بَصِيرة، وسَعْيَهُ في هِدَاية النَّاس هذه لا شكَّ أنَّها نَصْرٌ للإسلام، على طالبِ العلم أنْ يَطْلُب العلم ويُجِد ويجتهد لاسِيَّما منْ أدْرَك شيئاً منهُ، لا ينبغي لهُ أنْ يُضيِّع نفسَه، على الجادَّة والطُّرُق المعرُوفة الجَواد المَسْلُوكة عند أهل العلم، ويأخُذ العلم عن أهلهِ المعرُوفين بالعلم والعمل والثَّبات والرَّوِيَّة والأناة بالرِّفق واللِّين، لابُدَّ من هذا لِيَتِمَّ لهُ ما يُريد -إنْ شاء الله تعالى-.(1/3)
أمرٌ مُهم يغفل عنهُ كثيرٌ من النَّاس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) وهذا من فَضْلِ الله -جلَّ وعلا- ورحمتِهِ للأُمَّة أنْ جَعَل النَّفقة الواجِبَة فيها أجر؛ بلْ جعل اللَّذة فيها أجر ((أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قال: نعم، وكذلك الحلال فيه أجر)) لكن مثل هذا يحتاج إلى نِيَّة، ((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) تشتري حليب لِطِفْلِك فيهِ أجر، تشتري أدْنَى شيء نفقة لأولادِك فيهِ أجر؛ لكنْ اسْتَحْضِر النِّيَّة وأنَّك تُؤدِّي بذلك واجب أوجَبَهُ اللهُ عليك، ولا أقل من أنْ يَسْتَحْضِر الإنسان النِّيَّة العامَّة، يعني إذا عَزَبَت النِّيَّة في كونِهِ يدخل بقالة يأخذ خُبز يحتاج إلى نِيَّة؛ لكنْ أقل الأحوال النِّيَّة العامَّة في ميزانِيَّة المَصْرُوف الشَّهريّ وأنت داخل المَحل الكبير تأخُذ أغراض لمُدَّة شهر تنوِي بذلك التَّقرُّب إلى الله -جلَّ وعلا- وأنَّك تُؤدِّي هذا الواجب أما بالنِّسبة لكل فردٍ فرد هذا ما فيه شك أنَّهُ فيه مشقَّة على النَّاس، بعض النَّاس يجعل يوم وليكُن اليوم الذِّي يستلم فيه المُرتَّب الشَّهريّ لِقضاء الحوائج مِيزانِيَّة الحوائِج لهذا الشَّهر، نقول خمسة آلاف مثلاً يدخل المحل الكبير ويختار بهذهِ النِّيَّة، وتجري لكَ الأُجُور إلى مثله من الأجر الثَّاني، ((وإنَّك لن تُنْفِق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ أُجِرْتَ بها حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك))، النِّيَّة العامَّة تنفع، ولذلك المُزارع إذا زَرَع ينوي بذلك الخير، وإنْ استحضر بذلك وقت الزِّراعة أنْ يُؤكل منهُ من النَّاس، من الدَّواب، من الطُّيُور، كُل هذا فيهِ أجر؛ لكنْ ما يلزم أنْ ينوِ يعني كُل ما أُكِل منهُ يُكتب لهُ(1/1)
أجر، النِّيَّة العَامَّة تكفيهِ؛ بل مثل هذا يقول بعض أهل العلم أنَّ مثل هذا لا يحتاج إلى نِيَّة، الأجر رُتِّب عليهِ وإنْ ما نوى، قُل مثل هذا في الفرس التِّي يربطُها للجهاد في سبيل الله ثُمَّ تشربُ من الماء يُكتب لهُ الأجر ولو لم يقصد شُربها كما جاء في الحديث الصَّحيح؛ ولو لم ينوِ شُربها من الماء؛ لأنَّهُ إنَّما رَبَطها في سبيل الله، وفضل الله واسع، فعلينا أنْ نُرِيَ الله -جلَّ وعلا- منَّا الإخلاص، وقصد التَّقرُّب إليهِ -جلَّ وعلا- ((حتَّى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك)) هذا من حُسن العِشْرَة والتَّعامُل يعني تأخُذ اللُّقمة وتضعها في فِيها، بعض النَّاس يأنَفْ من هذا ويتكبَّر؛ لكنْ لا شكَّ أنَّ هذا من العِشْرَة بالمعرُوف، وبعض النَّاس إذا دخل بيتُهُ مثل الإمبراطُور ما يُريد أحد يَتنفَّس، والنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- في خِدْمَةِ أهلهِ {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة : 228].(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
ما سلك رجل طريقاً يلتمس فيه علماً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ما سلك رجلٌ طريقاً يلتمسُ فيه علماً إلاَّ سهَّل الله لهُ بهِ طريقاً إلى الجنَّة)) وهذا من نِعَمِ الله -جل وعلا- أنْ رَتَّب الأُجُور على بَذْل الأسباب، وتَرَك النَّتائج بيدِهِ، فالنَّتائج بيد الله -جل وعلا-، الإنسان يجتهد، يبذل السَّبب، هو مأمُور ببذل السَّبب على ألاَّ يعتمد على هذا السَّبب، فالمُسبِّب هو الله -جل وعلا-، والمُسَهِّل والمُيَسِّر هو الله -جل وعلا-، عليهِ أنْ يبذل السَّبب، ويَسْلك الطَّريق ولو طالَ الطَّريق، وشو عَاجْلين عليه عاد؟ بعض النَّاس يطلب العلم خمسين، ستِّين سنة الأمر سهل، أنت يكفيك مثل هذا الوعد ((ما سلك رجلٌ طريقاً يلتمسُ فيه علماً إلاَّ سهَّل الله لهُ بهِ طريقاً إلى الجنَّة)) وش قصدك؟ قصدك تنجُو من النَّار، وتدخل الجنَّة؟ هذا طريقُهُ، أما كونك تكُون عالم أو لا تكون هذا بيدِهِ، اسأل الله -جل وعلا-، فالسَّبب سُلُوك الطَّريق، والمُسبَّب هو العلم، والمُسبِّب هو الله -جل وعلا-، والنَّتائج بيدِهِ، وهذا في جميع أبواب الدِّين، أنت تبذل السَّبب وتترك النَّتائج لله -جل وعلا-، تأمُر وهدَفُك أنْ ينتشر الخير بسببك، تنهى وقصدُك أنْ ينكَفَّ الشَّر بسببك، وتمتثل أمر الله وأمر نبيِّه -عليه الصلاة والسلام-، كوْن المأمُور يأتمر، أو المنْهي ينتهي أو لا يَنتهي هذا ليسَ بيدك، أجْرُكَ ثبت ووزْرُهُ عليه، فهذا الطَّريق طريقٌ إلى الجنَّة، وهذا الوعد من الصَّادق المصدُوق كما في الخبر المرفُوع الآتي هذا مُرتَّب على مُجرَّدِ بذل السَّبب، والإنسان ليسَ بيدِهِ إلاّ هذا.(1/1)
استحباب السحور
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال رسُول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((تَسَحَّرُوا فإنَّ في السحور بركة)) وهذا أمر بالسحُور، وأقَلُّ أحوالِهِ الاستحباب، والأصل في الأمر الوُجُوب؛ لكنْ ثَبَت أنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- واصل؛ فالأمر بالسَّحُور مُستحب، ومن أقوى ما يُصرف بِهِ من الوُجُوب إلى الاستحباب العِلَّة، العلَّة إيش؟ ((فإنَّ في السَّحُور بركة)) طلب البركة واجب ولا َّ مُستحب؟ مُستحب، إذاً الأمر بالسَّحُور مُستحب، وفيهِ مُخالفة لأهل الكتاب، اتِّباعاً للسُّنَّة، وامتِثالاً للأمر، ومُخالفة لأهل الكتاب، والتَّقَوِّي بِهِ، وقد جاء مَدْحُهُ ((نِعم السَّحُور)) ولا سِيَّما إذا كان من التَّمر، أيضاً وقت السَّحُور، وهو وقت الاستغفار، {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] ينبغي أن يكون الإنسان مُستيقظ في هذا الوقت يدعو الله -جلَّ وعلا- ويستغفر، وأُمُور كثيرة مُترتِّبة على تناول هذا الطَّعام، وفيه أيضاً إعانة على مُزاولة هذه العِبادة والتَّقوِّي على العِبادات الأُخرى، ومُخالفة أهل الكتاب، وامتثال هذا الأمر ((تَسَحَّرُوا فإنَّ في السحور بركة)).(1/1)
الصيام يُنمِّي ملكة المُراقبة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وليس الصِّيامُ في الإسلام من أجلِ تعذيب النَّفس؛ بل لِتربيتها وتزكِيَتها، والصِّيامُ أيضاً يُنمِّي لدى الصَّائم مَلَكَة المُراقبة، فهو ينتهي عن مَلاذِّ الدُّنيا وشهواتِها، وما يمنعُهُ من ذلك سوى إطلاعُ الله تعالى عليه ومُراقبتُهُ لهُ، لا جَرَمَ أنَّهُ يحصُلُ لهُ من تَكرارِ هذه المُلاحظة المُصاحِبَةِ للعمل مَلَكَة المُراقبة لله تعالى والحياءُ منهُ سُبحانهُ أنْ يراهُ حيثُ نهاهُ، و إلاّ فما الذِّي يمنع الَّصائِم أنْ يدخُل في مكانٍ ويستخفي عن النَّاس ويأكُل ويشرب؟؛ لكن هذهِ المَلَكة هو يعرف أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلع عليه، فمن تكرار هذه العبادة مع الالتزام بعدم المفطرات مع الخلوة لا شكَّ أنَّهُ تنمي عندهُ هذهِ المَلَكة، وفي هذهِ المُراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمِهِ وتقدِيسِهِ أكبر مُعدٍّ للنُّفُوس ومُؤهِّلٍ لها لِضبطِ النَّفس ونزَاهَتِها في الدُّنيا وسعادتها في الآخرة، والمُراقبة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين: "دوامِ علمُ العبدِ وتَيَقُّنِهِ بإطلاع الحقِّ سُبحانهُ وتعالى على ظاهِرِهِ وباطِنِهِ"، وهي ثمرةُ علم الإنسان بأنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- رقيبٌ عليهِ، نَاظِرٌ إليهِ، سامِعٌ لقولِهِ، وهو مُطَّلِعٌ على عَمَلِهِ في كُلَّ وقتٍ وكُلَّ لحظة، وكُلَّ نَفَس وكُلَّ طرفة عين والغافلُ عن هذا بمعزل، ومن أدِلَّتِهِ قولهُ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، وقال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} [الأحزاب: 52]، وقال -جلَّ وعلا-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:(1/1)
19] إلى غير ذلك من الآيات، في حديث جبريل -الذِّي تقدَّم شرحُهُ- في سُؤالِهِ عن الدِّين سأل النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- عن الإحسان، فقال لهُ: ((أنْ تعبُد الله كأنَّكَ تراهُ؛ فإنْ لمْ تكُن تراهُ فإنَّهُ يراك))، والمٌراقبة كما قال ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- هي: "التَّعبُّد بأسماءِ الله الحُسنى" الرَّقِيبْ، والحفيظ، والعليم، والسَّميع، والبصير، فمن عقَل هذهِ الأسماء وتعبَّد بمُقتضاها حصلتُ لهُ المُراقبة ، يعني التَّعبُّد لله -جلّ وعلا- بِمعاني هذهِ الأسماء هو معنى الإحصاء الذِّي ورد في حديث الأسماء: ((من أحصاها دخل الجنة)) وش معنى أحصاها؟ عَدَّها وكتبها في ورقة وردَّدها؟ هذا الإحصاء؟! لا بُدَّ من العمل بمُقتضاها؛ فإذا عَمِل بمُقتضى الرَّقيب والحفيظ السَّميع العليم البصير حَصَلت لهُ هذهِ المُراقبة.(1/2)
الصيام يُنمِّي ملكة المُراقبة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وليس الصِّيامُ في الإسلام من أجلِ تعذيب النَّفس؛ بل لِتربيتها وتزكِيَتها، والصِّيامُ أيضاً يُنمِّي لدى الصَّائم مَلَكَة المُراقبة، فهو ينتهي عن مَلاذِّ الدُّنيا وشهواتِها، وما يمنعُهُ من ذلك سوى إطلاعُ الله تعالى عليه ومُراقبتُهُ لهُ، لا جَرَمَ أنَّهُ يحصُلُ لهُ من تَكرارِ هذه المُلاحظة المُصاحِبَةِ للعمل مَلَكَة المُراقبة لله تعالى والحياءُ منهُ سُبحانهُ أنْ يراهُ حيثُ نهاهُ، و إلاّ فما الذِّي يمنع الَّصائِم أنْ يدخُل في مكانٍ ويستخفي عن النَّاس ويأكُل ويشرب؟؛ لكن هذهِ المَلَكة هو يعرف أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلع عليه، فمن تكرار هذه العبادة مع الالتزام بعدم المفطرات مع الخلوة لا شكَّ أنَّهُ تنمي عندهُ هذهِ المَلَكة، وفي هذهِ المُراقبة من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمِهِ وتقدِيسِهِ أكبر مُعدٍّ للنُّفُوس ومُؤهِّلٍ لها لِضبطِ النَّفس ونزَاهَتِها في الدُّنيا وسعادتها في الآخرة، والمُراقبة كما قال ابن القيم في مدارج السالكين: "دوامِ علمُ العبدِ وتَيَقُّنِهِ بإطلاع الحقِّ سُبحانهُ وتعالى على ظاهِرِهِ وباطِنِهِ"، وهي ثمرةُ علم الإنسان بأنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- رقيبٌ عليهِ، نَاظِرٌ إليهِ، سامِعٌ لقولِهِ، وهو مُطَّلِعٌ على عَمَلِهِ في كُلَّ وقتٍ وكُلَّ لحظة، وكُلَّ نَفَس وكُلَّ طرفة عين والغافلُ عن هذا بمعزل، ومن أدِلَّتِهِ قولهُ تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، وقال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً} [الأحزاب: 52]، وقال -جلَّ وعلا-: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]، وقال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:(1/1)
19] إلى غير ذلك من الآيات، في حديث جبريل -الذِّي تقدَّم شرحُهُ- في سُؤالِهِ عن الدِّين سأل النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- عن الإحسان، فقال لهُ: ((أنْ تعبُد الله كأنَّكَ تراهُ؛ فإنْ لمْ تكُن تراهُ فإنَّهُ يراك))، والمٌراقبة كما قال ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- هي: "التَّعبُّد بأسماءِ الله الحُسنى" الرَّقِيبْ، والحفيظ، والعليم، والسَّميع، والبصير، فمن عقَل هذهِ الأسماء وتعبَّد بمُقتضاها حصلتُ لهُ المُراقبة ، يعني التَّعبُّد لله -جلّ وعلا- بِمعاني هذهِ الأسماء هو معنى الإحصاء الذِّي ورد في حديث الأسماء: ((من أحصاها دخل الجنة)) وش معنى أحصاها؟ عَدَّها وكتبها في ورقة وردَّدها؟ هذا الإحصاء؟! لا بُدَّ من العمل بمُقتضاها؛ فإذا عَمِل بمُقتضى الرَّقيب والحفيظ السَّميع العليم البصير حَصَلت لهُ هذهِ المُراقبة.(1/2)
آثار الصوم الشرعية التي تترتب عليه
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التذكير بعدل الله -سُبحانهُ وتعالى-، ومُساواتِهِ بين خلقهِ، حيثُ جعل هذا الركن فرضاً على جميع المُسلمين غنِيِّهم وفقيرهم مُلُوكِهِم وسوقتِهم، وبذلك يتذكَّر المُلُوك العدل الذِّي فُرض عليهم إقامتُهُ بين رعاياهم، ومن ذلك أنَّهُ وجاءٌ للصَّائم ووسيلةٌ لطهارتِهِ وعفافِهِ، وما ذاك إلا لأنَّ الشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدَّم، والصَّوم يُضيِّقُ تلك المجاري، ويُذكِّرُ بالله وعظمتِهِ فيضعفُ سُلطان الشَّهوة، ويقوى سُلطان الإيمان، ولذلك وجَّه النبي -عليه الصَّلاة والسّلام- من لا يجدُ القُدرة على النكاح إلى الصِّيام، فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوم فإنَّهُ لهُ وجاء)) لكن تجد كثير من الشباب تكثر شكواهم من شدة الشهوة أثناء الصِّيام، تقوى عند بعضهم الشهوة... لماذا؟ هل لأنَّ هُناك خُلف في الخبر؟ - لا – إنَّما المُراد بالصَّوم، الصَّوم الذِّي تترتَّب عليه آثارُهُ الشَّرعيَّة، أمَّا شخص في سحورِهِ يتناول جميع أنواع الأطعمة التي تُؤجِّج هذه الشهوة، وتزيد من هذه الغريزة، وتُعينُ عليها، ثُم بعد ذلك لا يُزاول أي عمل، يقضي على ما أَكلهُ تَجِدُهُ مرتاح، نائم أكثر الوقت، وقد تكدَّست عندهُ هذه الأغذية المُؤجِّجة للشهوة والمُنمِّية لها، أو يتعرِّض كذلك لمواضع الفِتن.
المقدم: والآن يكثر -مع كل أسف- في رمضان ظهور بعض النِّساء في الأسواق وكثرتها!، وما يُعرض في القنوات الفضائيَّة في رمضان مع كلِّ أسف.(1/1)
هذا لا إشكال فيه من الأصل يعني مثل هذا – نسأل الله السَّلامة والعافية – معرِّضٌ صومهُ للبُطلان؛ لأنَّ مُزاولة المُنكر أثناء الصِّيام ((من لم يدع قول الزُّور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه)) لكن المسألة مُفترضة في شاب من أوساط النَّاس، تسحَّر السّحور من أنواع الأغذية التي في بعضها ما يزيد في الباءة مثلا، ويُؤجِّج الشهوة ثُم ينام إلى صلاة الظُّهر الآن ما تهضّم شيء من طعامِهِ فما يبقى وقت لئن يحترق هذا الطَّعام الذِّي أكلهُ ويهضم، المقصُود أنَّ مثل هذه الطَّريقة لا تترتَّب آثار الصِّيام عليها، الصِّيام صحيح ومُجزئ ومُسْقِط للطَّلب؛ لكنْ يبقى أنَّهُ لا بُد من مُلاحظة ما لحَظَهُ الشَّرع من الأُمُور التِّي رُتِّبت على هذه العِبادة؛ فعلى الإنسان أنْ يحرص على أن يكُون صومُهُ شرعيًّا تترتَّب آثارُهُ عليهِ؛ لأنَّ في الحديث الذِّي يرد ذكرُهُ – إنْ شاء الله تعالى – فيما بعد والتَّعليق عليهِ، حديث: ((...ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتُنِبت الكبائر)) يعني المقصُود العِبادات المُكفرَّة التِّي تترتَّبُ آثارُها هي التِّي تُؤدِّى على الوجه المشرُوع، وفي كلام شيخ الإسلام ما يُلْمِح إلى هذا؛ فالصَّلاة التِّي لا ينصرف صاحِبُها منها بشيء، أو لا ينصرف منها إلاَّ بالعُشْر، هي عند الفُقهاء صحيحة ومُجزِيَة ومُسْقِطة للطَّلب...(1/2)
لكن هل تترتَّبُ عليها آثارُها؟! هل تنهى صاحِبُها عن الفحشاء والمُنكر؟ يعني نجد كثير من المُصلِّين يُزاول بعض المُنكرات، في الوحي المُنزَّل الذِّي لا يتطرَّق إليه أدْنى احتمال النَّقيض {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت : 45]، يعني قد يقول قائل: الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمُنكر بكلام الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ بعض النَّاس ما نهتْهُ صلاتُهُ عن الفحشاء والمُنكر، نقول: الصَّلاة التِّي تنهى عن الفحشاء والمُنكر هي التِّي تُؤدِّى على الوجه المطلُوب بِشَرائِطها وأركانِها وسُننِها، ويُؤتى بها امتِثالاً لقولِهِ –عليه الصَّلاة والسَّلام–: ((صلُّوا كما رأيتُمُوني أُصلِّي)) لكن الذِّي يُصلِّي وقلبُهُ خارج المسجد؟ قلبُهُ في أعمالِهِ في دُنياهُ، مثل هذا لا تترتَّب عليهِ آثارُها، وقُل مثل هذا في سائر العِبادات رمضان إلى رمضان، العُمرة إلى العُمرة، تجد مثلاً من يَعْصِي أثناء العِبادة، مثل هذا لا تترتَّب آثارُهُ عليها، ولذا الصَّوم الحقيقي المُورِث للتَّقوى هو الذِّي يُؤدَّى على ما أمر الله – جلَّ وعلا – وما أُثِرَ عن نَبيِّهِ – عليهِ الصَّلاة والسَّلام – على الوجه الشَّرعي والمرضي.(1/3)
أيهما أفضل في صلاة التراويح.. القراءة من المُصحف أم عن ظهر قلب؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أيهما أفضل للإمام في صلاة التراويح... أن يقرأ من المُصحف أم عن ظهر قلب؟ إذا كان حِفْظُهُ ضعيفاً؟
على كُلِّ حال الأصل أنْ يقرأ من حِفْظِهِ؛ لأنَّ الحنفِيَّة يُخالفُون في حكم القراءة من المُصحف، وعائشة – رضي الله تعالى عنها – اتخذت إماماً يقرأ من المُصحف، والجُمهُور يقيسُون القراءة على المُصحف بحمل النَّبي –عليه الصَّلاة والسَّلام– أُمامة بنت زينب وهو في الصَّلاة، فإذا قام حملها، وإذا رَكَع وضعها، إذا سَجد وضعها، المقصُود إنَّ القراءة من المُصحف لا شيءَ فيها؛ لكنْ الأكمل للإمام أنْ يقرأ من حِفْظِهِ، إذا كان حِفْظُهُ ضعيفاً وكثير الأخطاء يقرأ من المُصحف.(1/1)
من أعظم فوائد الصيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والتَّقوى من أعظم فوائد الصِّيام ، كما في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّتقُون} [البقرة:183] هذه العِلَّة والحِكمة من مشرُوعيَّة الصِّيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّتقُون} [البقرة:183] فهو جُنَّة يقِي العبد مما يكره في الدُّنيا والآخرة.(1/1)
تعمد الفطر في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أما من تعمَّد الفِطر في رمضان؛ فإنَّهُ جاء فيهِ الحديث: ((...لمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهر وإنْ صَامَهُ)) لكنَّ هذا لا شكَّ أنَّهُ زَجر، وتشديد في هذا الباب؛ لِئلاَّ يتساهل النَّاس في الفِطْر؛ وإلاّ فالقَضَاء عند الجُمهُور لازم؛ بل من باب أولى، وقُل مثل هذا في الصَّلاة إذا تعمَّد تأخيرها عن وقتها فقد نقل ابن حزمٍ الاتفاق على أنَّهُ لا يقضيها؛ لأنَّ المسألة أعظم منْ أنْ تُقضَ؛ بل بتعمُّدهِ إخراجها عن وقتها يكْفُرُ بذلك عند جمع من أهل العِلم وقد أُفْتِيَ بِهِ، وهو قول ابن حزم وجمع من أهل العِلم؛ ولكنْ الجُمهُور على خِلافِهِ؛ بل نُقِلَ الاتفاق على أنَّهُ يلزمُهُ القضاء إذا تعمَّد تأخير الصَّلاة عن وقتها؛ فإذا كان من نام عنها أو نَسِيَها فلْيُصلِّها إذا ذكرها وهو معذُور؛ فإنَّ غير المعذُور من باب أولى وهذا قولُ الأكثر، الحامل والمُرضع إذا خافتا على نفسيْهِما قَضَتَا فقط، وإذا خافتا على وَلَدَيْهما فعليهِما مع القضاء كَفَّارة.(1/1)
دواء وعلاج لأمراض القلوب والأبدان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وقد تركتُ فيكم ما لم تَضلُّوا بعدهُ إنْ اعْتَصَمْتُم به كتاب الله)) ترك النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- كتاب الله، وهو مصُون، محفُوظ من التَّحريف والتَّغيير والزِّيادة والنُّقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجر:9]، فهو كما تركهُ إلى أنْ يُرفع في آخر الزَّمان، والاعتصامُ بِهِ هو المخرج من الفِتَن، وهو حلٌّ للمُشكلات والمُعْضِلات، وهو دواءٌ وعِلاج لأمراض القلوب والأبدان، فمن تمسَّك بكتاب الله واعتصم بِهِ لنْ يضِل في الدُّنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى في الآخرة، والكلام عن القُرآن والعِناية بِهِ أمرٌ جاءت بِهِ النُّصُوص، فجاء الحثُّ على قراءة القرآن، وعلى فَهم القُرآن، وعلى إقراءِ القرآن، وعلى تدبُّر القرآن.
قراءة القرآن بالنِّسبة للمُسلم أمرٌ مطلُوب جاء التَّرغيبُ فيه بكلِّ حرف عشر حسنات، وعلى طالب العلم على وجه الخُصُوص من يُعْنَى بالعلم الشَّرعي آكد، ومن المُؤسف أنَّ بعض من ينتسب إلى العلم مُهمل للقُرآن، يهُمُّهُ ما يشتملُ بزعمِهِ على الأحكام العمليَّة، تَجِدُهُ من حلقة إلى حلقة يتَتَبَّع دُرُوس الحديث والفِقه، وهو هاجرٌ لكتاب الله! والعِلم والنُّور كُلُّهُ في كتاب الله، وزيادةُ الإيمان واليقين إنَّما تنشأُ عن تدبُّرُ القرآن.
فتدبَّر القرآن إنْ رُمتَ الهُدى ... والعلم تحت تدبُّرِ القرآنِ
{(1/1)
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، والأمر بالتَّدبُّر في أربع آيات، وجاءَ الأمرُ بالتَّرتيل، وعلى كُلِّ حال وضعُ طُلاَّب العلم بالنِّسبة للقُرآن غير مَرضي، كثيرٌ منهم لا أقول كُلُّهم، يُوجد – ولله الحمد – من لهُ وِرْد يومي من القرآن لا يُخلُّ بِهِ سفراً ولا حضراً هذا موجُود؛ لكنْ علينا أنْ نُعنى بالقرآن، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى– يقول: "من قرأ القرآن على الوجه المأمُور بِهِ -يعني بالتَّرتيل والتَّدبُّر والتَّفهُّم والتَّغنِّي وتحسين الصَّوت-، يُورثُ القلب من الإيمان واليقين والطَّمأنينة ما لا يُدْرِكُهُ إلاّ من فَعلهُ"، هذا شيء ذَكَرهُ شيخ الإسلام وأكَّد عليهِ هو وابنُ القيِّم وكُتُبهم مملُوءة من هذا، وغيرُهُم مِمَّن يُعنى بِأدْوِيَة القُلُوب، ولِذا تجِد من يَتَتَبَّع الأحكام في الظَّاهر ويَغْفُل عن هذا الجانب المُهم، والعِلاج النَّاجع لأدْوِيَة القُلُوب تَجِدُهُ في غَفْلة، كثيرٌ من النَّاس يشكُو قَسْوة القلب، عامَّةُ النَّاس يَشْكُو الغفلة وعدم الخُشُوع في الصَّلاة، سَببُ هذا ومرَدُّهُ هجرُ القرآن، هجراً حقيقيًّا أو حُكْمِيًّا؟ على كُلِّ حال القُرآن والعِنايةُ بِهِ أمرٌ مُستفيضٌ في النُّصُوص الشَّرعيَّة، وأهلُ العلم أفَاضُوا في هذا وبيَّنُوا ولم يبقَ إلاَّ العمل.(1/2)
التَّساهُل بأمر الصِّيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تَجِد الوَلَد يَبْلُغ مَبْلَغ الرِّجال؛ بل في بعض الفَتَاوى لِأَهْلِ العِلْم، امرأة تقول: بَلَغْتْ السَّادِسَة والعِشْرِين، وأُمِّي تقول...أَنْتِ صغيرة! لا تَحْتَمِلِين الصَّوم! يعني كُلِّفَت ضِعْف السِّن الذِّي يُكَلَّف بِهِ فِي العَادَة الثَّالثة عشرة، فإذا تَسَاهَل النَّاس بِالأَرْكَان...(1/1)
فَمَا الذِّي يُحَافِظُونَ عَلَيْه؟!، في الحديث الصَّحيح أنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- بَعَثَ يَوْم عَاشُورَاء أنَّ مَنْ أَكَل فَلْيَصُم بَقِيَّة يَوْمِهِ، ومَنْ صَامَ فَلْيُمْسِك، وكُنَّا نُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، ونُلْهِيهم باللعَب من العِهِنْ، يعني مِن الصُّوفْ، إِذَا بَكَى الوَاحِد مِنْهُم أُعْطِيَ هَذِهِ اللُّعْبَة، صِبْيَانْ!، المَقْصُود أَنَّنَا نَرَى التَّسَاهُل فِي صُفُوف المُسْلِمين يَزْدَاد، مَعَ أنَّ العِلْم يَنْتَشِر ويَكْثر، وَوَسَائِل التَّبْلِيغ بِحَيث يَصِل هَذَا العِلْم إِلى كُلِّ شِبر من أَقْطَار المَعْمُورَة، ومَعَ ذَلك يَتَسَاهَلُونْ! الجَهِل غير مَوْجُود إلاَّ فِي بَعْضِ الجِهَات التِّي لا عِنَايَة لَهُم بِالعِلم أَصْلاً، أَو مِمَّن لَمْ يَرْفَع بِه رَأْساً، وإلاَّ الحمدُ لله الآنْ وُجِد من فِي السَّبْعِينات من الأُميِّين الذِّين لا يَقْرَؤُون ولا يَكْتُبُون ومع ذلك حَفِظُوا القُرآن بَعْد السَّبْعِين، وَوُجِدَ مَنْ يَحْفَظ الأَحْكَام بِأَدِلَّتِها مِن خِلال إِذَاعَة القُرآن، مِنْ بَرْنَامَج نُورٌ على الدَّرب، البَرْنَامَج المُبَارك الذِّي انْتَفَعَ بِهِ القَاصِي والدَّانِي، ومَعَ ذلك نَجِد التَّسَاهُل!، نعم قد يقُول قَائِل: إنَّ سَبَب هذا التَّسَاهُل انْتِشَار الأَقْوَال واطِّلاع النَّاس عَلَيْها؛ لَكِن العِبْرَة بِمَا يَسْنُدُهُ الدَّلِيل، الذِّي يَدُلُّ عَلَيْهِ الدَّلِيل هُو القَوْلُ الصَّحِيح، ومَا عَدَاهُ لا عِبْرَةَ بِهِ، ولا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَع قولُ اللهِ -جَلَّ وعَلا-، وقَوْلُ نَبِيِّهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام.(1/2)
تأخير السُّحُور
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السَّحُور مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ، كما أنَّ الطَّهُور ما يُتَطَهَّرُ بِهِ، والوَضُوء المَاء الذِّي يُتَوَضَّأُ بِهِ، والسُّحُور هُو الفِعِل التَّسَحُّرْ، (تَسَحَّرْنَا مع رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ثُمَّ قام إلى الصَّلاة) فيهِ مَشْرُوعِيَّة الاجْتِمَاع على مِثْلِ هَذِهِ الأُمُور مِنْ سُحُور وفُطُور وغيرها، ومن أَفْضَل الأَعْمَال كَوْن الإِنْسَان يُؤْكَل على مَائِدَتِهِ، ويُحْسِنْ على النَّاس، ويَتَصَدَّق عليهم، وفِي الاجْتِمَاع بَرَكَة، وأُلْفَة ومَوَدَّة، (تَسَحَّرْنَا مع رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- ثُمَّ قام إلى الصَّلاة، قالَ أَنَس: قلتُ لِزَيد...(1/1)
كم كان بين الأَذَان والسُّحُور؟ قال: قدْر خَمْسِينْ آية) هذا يَدُلُّ على أَنَّهُ يُؤَخِّرُ السُّحُور، وما عِنْدَهُم سَاعَات فَلَكِيَّة دَقِيقَة، يُقَال: بين السُّحُور والأَذان رُبع ساعة، بين السُّحُور والصَّلاة رُبع ساعة - لا-، يُقَدِّرُونْ بِالأَعْمَال والأَعْمَالْ مُنْضَبِطَة؛ ولِذَا يَذْكُر الفُقَهَاء فِي دُخُول أَوْقَات الصَّلَوات بعض الأَعْمَال، يقُولُون مَنْ اعْتَادَ أنَّهُ يَصْنَع من طُلُوع الشَّمْس إلى زَوَالِهَا ماصة مثل هذه واضْطَرَدَ عِنْدَهُ هذا خَلاص مَا يَحْتَاج إِلى أنْ يَنْظُر إِلَى الزَّوَال مُجَرَّد ما تَنْتَهِي المَاصَة يُؤَذِّنْ، صاحِبُ القِرَاءَة بِقِرَاءَتِهِ، مَنْ اعْتَادَ أنْ يَقْرَأ فِي السَّاعة خَمْسَة أَجْزَاء يُقَدِّرْ عَلَى هَذَا الأَسَاسْ، يكون بين صلاتَي المَغْرب فِي الغَالِب وأذانْ العِشَاء سَاعة إذا انْتَهى من الخَمْسَة الأَجْزَاء يُؤَذِّنْ للعِشَاء، وهنا قَدَّرَ الوَقْتْ بِعَمَلِ البَدَنْ، والعَرَبْ تُقَدِّر بِذَلِك قَدْرْ حَلْبْ نَاقَة، والله جَلَسَ فُلانْ قَدْرْ حَلْبْ نَاقَة، قَدْرْ نَحِر جَزُورْ، وجَاءَت بِهَا النُّصُوص، وهُنا قَدْر خَمْسِين آيَة، فَمَنْ كان عِنْدَهُ عَمَل مُضْطَرِد مُنْضَبِطْ، يَعْتَمِد عليهِ، وقِرَاءةُ القُرآن مُنْضَبِطَة عِنْدَ من اعْتَادَها، خلاص تَعَوَّد أنَّهُ يَقْرَأ الجُزْء في نِصْفْ سَاعة، ثُلث سَاعة، رُبع سَاعة، اثَنا عَشَر دَقِيقة، تَعَوَّد خَلاص، يَنْضَبِطْ، وهَذَا شَيْءٌ مُجَرَّبْ، وهَذِهِ طَرِيقَة العَرَب في حِسَاب الأَوْقَات، تَقْدِير الأَوْقَات، قَدْر خَمْسِينْ آية، قد يقُول قائل: خَمْسِينْ آيَة مِنْ المَائِدَة أو مِنْ الشُّعَرَاء؟ أيهما أَطْوَل...(1/2)
آية المَائِدَة أو آية الشُّعَرَاء؟ المَائِدَة أَطْوَل آيَاتْ من الشُّعَرَاء، لا أَقْصِد طُولْ السُّورَة مع طُولْ السُّورَة!؛ لكنْ انْظُر أَنْت أنَّ الشُّعَرَاء نِصْفْ المَائِدَة وآيَاتُهَا الضِّعْفْ، يعني الآيَة مِن الشُّعَرَاء بِقَدْر رُبع آيَة من المَائِدَة ... فهل المُرَاد هذا أو هذا؟ ما بُيِّنْ؛ لكنْ إذا أُطْلِقْ مِثل هذا يَنْصَرِفْ إلى المُتَوَسِّطْ، لا آيَة المَائِدَة ولا آيَة الشُّعَرَاء من آيَات البَقَرَة مَثَلاً، فَالحَدِيثْ فِيهِ دَلِيل على تَأْخِير السُّحُور، ((لا تَزَالُ الأُمَّةُ بِخَيْر مَا قَدَّمُوا الفِطْر وأَخَّرُوا السُّحُور)).(1/3)
للصائم فرحتان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((للصَّائم فرحتان)) وكُل صَائم يُدرك هذا من نفسِهِ، ((للصَّائم فرحتان: فرحة عند فِطْرِهِ)) ولولا هذا النَّص، فرحة عند فِطْرِهِ يعني في الإنسان جِبِلَّة خِلْقَة إذا قُدِّم الفُطُور ينتظر أذان المغرب، ويبدأ، يفرح هذا موجُود عند النَّاس كُلِّهم، ولولا مثل هذا النَّص لقُلنا إنَّ هذا الفرح فرح بالفراغ من العِبادة وهذا ليس بطيِّب بالشُّعُور بهذا؛ لكنَّهُ ما دام ثبتَ في الشَّرع أنَّ الصَّائم لهُ أنْ يفرح، فليُوجِّه هذا الفرح بأنَّهُ فرحٌ باستكمال هذهِ العِبادة، الحمدُ لله أنَّهُ أكمل هذا اليوم من غير أنْ يَعْرِضَ لهُ شيءٌ يضطرُّهُ إلى الفِطر، ومُباشرة ما امتنَّ الله بِهِ -جلَّ وعلا- عليهِ وأبَاحهُ لهُ ((للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فِطْرِهِ)) إذا افترضنا أنَّ هُناك اثنين كِلاهُما صائم، واحد ينتظر كل شوي ينتظر متى يؤذِّن، والثَّاني غافِل عن هذا الأمر يذكر الله ويتلو القرآن والحمدُ لله هُو في عِبادة...(1/1)
هل نقُول إنَّ الذِّي يفرح بقُرب الفُطُور أفضل من هذا الذِّي ينشغل من هذا الأمر بعبادةٍ أُخرى؟! أو على الأقل ما يخطر على بالِهِ إنَّهُ يعني يستوي عنده يُؤذِّن أو ما يُؤذِّن، يستوي عندهُ الأذان وعدمُهُ كُلُّه واحد، لو استمر النَّهار ساعتين ثلاث ما يضُر، في الحديث يقول: ((للصائم فرحتان)) لهُ ذلك؛ لكن هل معنى ذلك أنَّهُ يُؤجر على هذه الفرحة أو لا يُؤجر؟! بحسب ما يَقر في قلبِهِ من هذا الفرح إنْ كان متضايق من الصِّيام لا شكَّ أنَّ هذا لا يُؤجر عليهِ البَتَّه، هذا خلل؛ لأنَّ هذهِ عِبَادة، نعم قد يحتاج إلى الأكل في شِدَّة أيَّام الحر ومثل هذا لا يُؤاخَذ، أمَّا من لم يخطُر الفُطُور والفِطْر على بالِهِ هذا لا شكَّ أنَّهُ مُنْسَجِم مع هذهِ العِبَادة، وإنْ شَغَل وقتُهُ فيما يُرضي الله -جلَّ وعلا- لا شكَّ أنَّهُ أكمل، وأمَّا الفرحةُ هذهِ فرحةٌ جِبِلِّيَّة، الفرحة الثَّانية، ((عند لقاء ربِّه)) إذا رأَى ما وَعَد الله بِهِ عِبَادَهُ الصَّائِمِينْ، وفي الجَنَّة باب يُقال لهُ الرَّيَّان لا يَدْخُل معهُ إلا الصَّائِمُونْ لا شكَّ أنَّ مثل هذا يَبْعَثْ على الفَرَح ويَحُثُّ على العَمَل.(1/2)
دُعاء ختْمِ القُرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل وَرَدَ حديثٌ صحيح أو أثَر ونحوِهِ يدُلُّ على مشرُوعيَّة دُعاء خَتْم القُرآن؟
أما خَارِج الصَّلاة فَعِنْدَ خَتْم القُرآن دَعْوَةٌ مُسْتَجَابة، وهذا ثابت عن ابن عبَّاس وغيرِهِ، وكان أنَسْ يَجْمَعُ أَهْلَهُ عند خَتْم القُرآن ويدْعُو فيُؤَمِّنُون هذا خارج الصَّلاة ما فيهِ إشكال؛ لكنْ داخِل الصَّلاة يحتاجُ إلى نَص، ولا أعْرِفُ نَصًّا يَخُصُّهُ، وعُمْدَةُ الإمام أحمد في مَشْرُوعيَّتِهِ في صلاة التَّراويح قال: كان أهلُ مكَّة يَفْعَلُونهُ، وعلى كُلِّ حال لو جُعِلَ خَتْمُ القُرآن في الوِتِر، وصَارَ دُعاء القُنُوت مع دُعاء الخَتِم هو مَظِنَّة ومكانٍ للدُّعاء، الوِتِر مكان للدُّعاء فيجتمع في هذا ما أرادَهُ الإمام أحمد مع تشريعِهِ بكونِهِ في القُنُوت.(1/1)
مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قِيَامُ رَمَضَان الذِّي جَاءَ الحَثُّ عليهِ ((مَنْ قَامَ رَمَضَانْ إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) قِيَامُ رَمَضَان يَتِمُّ بِصَلاةِ التَّرَاويح عَلَى أنْ تَكُون مع الإِمَام من بِدَايَتِهِ إِلَى نِهَايَتِهِ، بِحَيْث لا يَنْصَرِفْ قَبْل الإِمَام ((مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة)) يُكْتَبْ لَهُ قِيَامُ هَذِهِ اللَّيْلَة، إِذَا افْتَرَضْنَا أنَّ المَسْجِد فِيهِ أَكْثَر مِنْ إِمَام، وقَالَ قَائِل مَثَلاً فِي الحَرَم، فِي الحَرَمِينْ الشَّرِيفَيْن أَكْثَر مِنْ إِمَام، صَلَّى مَعَ الإِمَامْ الأَوَّلْ وانْصَرَفْ، قال: صَلَّيت مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْتَهِي، نَقُول - لا - يا أَخِي حتَّى تَنْتَهِي صَلاة التَّرَاويح ويُفْرَغَ مِنْهَا بِوتْرِهَا، ونَقُول الإِمَامَانْ أَوْ الأَكْثَر مِنْ إِمَامَيْن حُكْمُهُم حُكْمُ الإِمَام الوَاحِد؛ لأنَّ الصَّلاة واحدة، والمُفْتَرَض أنْ يَتَوَلَّاهَا إِمَامٌ وَاحِد، فَلَوْ حَصَلَتْ المُعَاقَبَة فالصَّلاة واحِدَة؛ لأنَّ بَعْض النَّاس صَاحِب مِزَاج يَرْتَاح لِفُلانْ ولا يَرْتَاح لِفُلان، يُصَلِّي وَرَاء فُلان ولا يُصَلِّي وَرَاء فُلان، ويقُول صَلَّيْت مَعَ الإِمَام حتَّى انْصَرَفْ، فَنَقُول – لا - يا أَخِي الصَّلاة واحِدَة لا يَتِمُّ مَا رُتِّبَ عَلَيها إِلَّا بِتَمَامِهَا، فَلا تَنْصَرِفْ إِلَّا بَعْد انْقِضَاءِ الصَّلاة، لا يَنْصَرِفْ حتَّى يَنْصَرِف الإِمَام، طيِّب الإِمَام يُوتِر في أوَّل اللَّيْل وجَاءَ قَوْلُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: ((اجْعَلُوا آخِر صَلاتِكُم بِاللَّيْلِ وِتْراً))، يَقُول أَنَا أَريد أنْ أُوتِر آخِر اللَّيْل، وأنْصَرِف قَبْل الإِمَام، نَقُول لا يُكْتَبْ لك(1/1)
قِيَام لَيْل حتَّى يَنْصَرِف الإِمَام...مَاذَا يَصْنَع؟ يُوتِر مَعَ الإِمَام وَيَشْفَع الوِتْر؟ أوْ يُصَلِّي مَعَ الإِمَام ويُوتِر مَعَهُ ويُسَلِّم مَعَهُ؛ لِأنَّ الأَقْوَال ثَلاثَة فِي المَسْأَلَة، ثُمَّ إِذَا تَيَسَّر لَهُ أنْ يَقُوم مِنْ آخِر اللَّيْل يُصَلِّي رَكعة تَشْفَعْ لَهُ ما أَوْتَر، ثُمَّ يَجْعَل آخِر صَلاتِهِ باللَّيل وتر، أو يُصَلِّي شَفِعْ مَثْنَى مَثْنى إِلَى أنْ يَطْلُعَ الفَجْر وَوِتْرُهُ انْتَهَى الذِّي أَوْتَرَهُ مَعَ الإِمَام، أمَّا كَوْنُهُ يُصَلِّي رَكْعَة إِذَا قَامَ من اللَّيل تَشْفَع لهُ مَا أَوْتَر، وقَد جَاء قَوْلُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَة)) نقُول هَذَا أَوْتَر ثَلاث مَرَّاتْ، وهذا لَيْسَ بِشَرْعِي، كَوْنُهُ يُصَلِّي بَعْدَ الإِمَام، يَعْنِي إِذَا سَلَّم الإِمَام قَام وجَاءَ بِرَكْعَة، هَذا مَا فِيه إِشْكَال، تَشْفَعْ لَهُ وِتْرُهُ ، ويَكُون وِتْرُهُ فِي آخِر اللَّيل، وبِهَذا قَالَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ العِلْم، ومِنْهُم مَنْ قَال يَنْصَرِفْ مَعَ الإِمَام وإِذَا تَيَسَّرَ لَهُ القِيَام يُصَلِّي؛ لَكِنْ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنى، ولا يُعِيدْ الوِتِر؛ لِأَنَّهُ أَوْتَر، والصَّلاة بَعْد الوِتْر لَا شَيْءَ فِيهَا، بِدَلِيل أنَّ النَّبِي -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- إِذَا سَلَّمَ مِنْ وِتْرِهِ صَلَّى رَكْعَتينْ، فَدَلَّ عَلَى أنَّ قَوْلُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((اجْعَلُوا آخِر صَلاتِكُم بِاللَّيْلِ وِتْراً)) أَمْر إِرْشَاد، وأنَّ هَذَا أَوْلَى، وأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلْزَام بِدَلِيل أَنَّهُ كان يُصَلِّي بَعْد الوِتِر، يُصَلِّي رَكْعَتينْ خَفِيفَتِينْ، فَإِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَام التَّرَاويح ، وسَلَّمَ مَعَهُ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ أنْ يَقُوم ويُصَلِّي فِي آخِر اللَّيْل الذِّي هُو أَفْضَل يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنى،(1/2)
قَدْ يقُولْ قَائِلْ: لِمَاذا لَا أَتْرُك الصَّلاة مَعَ الإِمَام؛ لِأَنَّ عُمَر يقُول: ((نِعْمَت البِدْعَة هذِهِ، والتِّي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَل))، فَأَنَا أَرِيد أنْ أَفْعَل الأَفْضَل، وبَدَلْ مَا يُصَلِّي الإِمَام أوَّل اللِّيل، ويَقْرأ فِي صَلاتِهِ كُلِّها نِصْفْ جُزْء، أنا أُصَلِّي آخِر اللِّيل بَدَلْ مَا يَنْتَهِي الإِمَام مِنْ صَلاتِهِ فِي أَقَلْ مِن سَاعَة، أنا أُصَلِّي آخِر اللِّيل ثَلاث سَاعَات، وأَقرأ أَرْبَعة أَجْزَاء، لَهُ ذلك، وإِنَّمَا صَلاةُ التَّرَاويح مِنْ أَجْلِ بَعْثِ الهِمَّة والنَّشَاطْ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاس إِذَا لَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّاس، يَرَى النَّاس عَنْ يَمِينِهِ و شِمِالِهِ يَتَشَجَّعْ ويَنْشَطْ.
إِنَّ التَّرَاوحَ رَاحَةٌ ونَشَـ ... ـاطُ كُلِّ عُوَيْجِزٍ كَسْلانِ(1/3)
يَتَشَجَّعْ الإِنْسَان إِذَا صَلَّى مَعَ النَّاس، كما أنَّهُ يَتَشَجَّع إِذَا صَامَ مَعَ النَّاس، لِذَا تَجِد قَضَاء رَمَضَان مِنْ أَثْقَل الأُمُور عَلَى النَّفْس لاسِيَّمَا الذِّي مَا تَعَوَّد الصِّيَام؛ لَكِنْ مَعَ النَّاسْ فِي رَمَضَانْ يَصُوم وخَفِيفٌ عَلَيهِ الصِّيَام؛ لِأَنَّهُ يَرَى النَّاس صَائِمين فَيَصُومُ مَعَهُم، إِذَا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَلاةٍ أَتَمُّ مِنْ صَلاتِهِ مَعَ الإِمَام، وارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتَهُ عَنْ أَنْ يُتَّهَمْ بِأَنَّهُ لا يُصَلِّي، ويَقَع النَّاس فِي عِرْضِهِ فَلَهُ ذَلِك، وكانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَف يُصَلِّي قِيَام رَمَضَانْ فِي آخِر اللَّيل وَحْدَهُ، وعَلَى كُلِّ حَال لا يَكُون هَذَا ذَرِيعَة لِتَرْكِ التَّرَاويح؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاس يَنْشَط مَعَ النَّاس؛ لَكِنْ إِذَا جَاء فِي آخِر اللَّيل، قال نُوتِر بِأَيِّ شَيْء، والقِيَام يَصْدُقْ عَلَى أَقَل شَيْء، نَقُول مثل هذا يُصَلِّي مَعَ النَّاس، ولا يُفَرِّط فِي مِثْل هذا الوَعْد الذِّي جَاء، والفَضْل مِنَ الله -جلَّ وعَلا-: ((أنَّ مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَة)) لا يُفَرِّط بِمِثْلِ هذا إِلَّا إِذَا كانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلاة أَكْمَل مِنْهَا، ولا يَضُرُّهُ أنْ يُصَلِّي مَعَ الإِمَام مُدَّة يَسِيرَة مَا تُكَلِّفْ شَيْء ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْل يَزِيد مَا شَاءْ.(1/4)
إنِّي امْرُؤٌ صائِم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((..وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب)) الرَّفث الكلام البذيء سواءً كان منهُ ما يتعلَّق بالنِّساء وهو الأقرب أو غيرُهُ ((ولا يصخب)) كلام فيه صخب ولغط ويُؤدِّي إلى شجارٍ ونِزاع، كل هذا ممنُوعٌ منهُ المُسلم مُطلقاً، ويُتأكَّدْ المنع منهُ في حال الصِّيام فلا رفث ولا فُسوق ولا عصيان ولا صخب في حياة المُسلم كُلِّها، ومن باب أولى إذا كان مُتلبِّساً بِعبادة كما هُنا ((فلا يرفث ولا يصخب)) وفي الحج: ((ومن حجَّ فلم يرفُث ولم يَفسُق رجع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّهُ)) ((..فإنْ سَابَّهُ أحدٌ أو قاتلهُ..)) اعتدى عليهِ بلِسَانِهِ أو بيدِهِ ضاربهُ، أو بِسِلاحِهِ ((..فليقُل إني امرُؤٌ صائم)) يُخبرُهُ بذلك؛ لِيَكُف؛ وليُخْبِرَهُ أنَّهُ ليس بعاجز عن الرَّد عليهِ؛ وإنَّما يحْجُزُهُ هذهِ العِبادة التِّي تلبَّسَ بها، ((فليقُل إني امرُؤٌ صائم)) من أهلِ العلم من يرى أنَّ مثل هذا الكلام يُقال في صوم الفرض؛ لأنَّ النَّاس كُلُّهُم صائمُون والفرض لا يدْخُلُهُ رياء، وهو مطلُوب من النَّاس كُلِّهم، وأما في النَّفل لا ينبغي أنْ يقول إنِّي امرُؤٌ صائم؛ لئَلاَّ يُخبر بسَرِيرَتِهِ، ويكشِف حقيقة أمرِهِ؛ وإنْ كان النَّص عام، يعني إذا سابَّهُ أحد أو قاتَلَهُ يُخبرُهُ بأنَّهُ ما حَجَزَهُ وما منعهُ عن الاقتضاء منهُ والاقتصاص إلاّ الصِّيام؛ وإلاَّ ليسَ بعاجِز.(1/1)
فوائد الصِّيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الصِّيام فيه فوائد خُلقيَّة واجتماعيَّة وصحيَّة، الصِّيام يُربِّي الإنسان على قَهر النَّفس وإرغامِها لمُراد الله -جلَّ وعلا-، الصِّيام يُربِّي الإنسان على البَذل والإحسان إلى إخوانِهِ المُحتاجين، إذا صَامَ الإنسان وأحسَّ بالحاجة إلى الأكل والشُّرب أدْرَكَ حاجة الفُقراء، الصِّيام يُوقِظ في المُسلم خُلُق العَدْل بين النَّاس والإنصاف، فالذِّي شَرَع الصِّيام شرعهُ على كل من يُطيق من كبيرٍ وصغير، من أميرٍ ومأمُور إذا كان مُكلَّفاً، فلا يُقال هذا أمير، أو ملك أو وزير مشغُول بأعمال النَّاس لا يصُوم – لا – يصُوم، ولا يُقال هذا فقير لم يَنشغل بأمُور الدُّنيا يصُوم شهرين بدلاً - لا - النَّاس في التَّشريع العام سواسية كأسنان المِشط وهذا من عدْل الله -جلَّ وعلا-، الصِّيام فيه فوائد صِحيَّة، وفائدتُهُ الصِّحيَّة ملحُوظة وملمُوسة، كثير من المرضى يُوصى بالحِمية، لاستخراج أو لإزالة الزَّوائد التي لا يحتاجُها البدن من الفضلات، أشياء لا يحتاجُها البدن، فيُوصي الأطبَّاء بعض المرضى بالحِمْيَة، والصِّيام حِمْية شرعيَّة، ولا شكَّ أنَّ تراكُم الأطعمة على المعدة مُضرَّة بالإنسان لا سيَّما الدُّهُون والأكلات الثَّقيلة مُضرَّة، وأثرُها على القلب ظاهر، المقصُود أنَّ مثل هذهِ العِبادة العظيمة تُفيد الإنسان من النَّاحية الصِّحيَّة أيضاً، قد يقول قائل: إذا نُصِحَ الإنسان بالحِمية فقال: بدلاً منْ أنْ أمتنع عن الأكل والشُّرب، لماذا لا أصُوم؟! إذا كان لا يأكل ممنُوع من الأكل أو من بعض الشُّرب يقول: لماذا لا أصُوم فأحصُل على الأجر، لا شكَّ أنَّ هذا تشريك في العِبادة، ليس الباعث لهُ على الصِّيام الصِّيَام نفسُه؛ لكنَّهُ عَدَلَ عن ترك الأكل والشُّرْب إلى الصِّيام والصِّيَام عِبادة، فَعُدُولُهُ هذا إلى الصِّيام يُؤْجَرُ عليهِ، وحينئِذٍ يكون من باب التَّشريك المُباح؛(1/1)
لأنَّهُ تشريك عِبَادة بمُباح، ونظِيرُهُ لو أوْصَاهُ الأطبَّاء بالمشي، فقال: بدلاً أنْ أمشي وأجُوب الشَّوارع طُولاً وعرضاً أطُوف بالبيت أيضاً يُؤجر على هذا الطَّواف؛ ولكن ليس صيامُ من صام بعد أنْ أوصاهُ الأطبَّاء بالحِمية أو طواف من طاف بعد أنْ أُوصِيَ بالمشي ليسَ ثوابُهُ مثل ثواب من يَنْهزُهُ إلى هذهِ العِبادة رِضا الله -جلَّ وعلا-، وابتغاء ما عندهُ، هذا شَرَّك؛ لكنَّهُ تشريكٌ مُباح يُؤجرُ عليهِ؛ ولكنْ لا يستوي الأجر عند هذا وهذا، ومسألة التَّشريك في العِبادات مسألةٌ يطُولُ ذكرُها وتفصِيلُها وأمثلتُها يطُولُ بسْطُها، الإمام إمام المسجد إذا سمِعَ الدَّاخل وهو راكع وكان في نِيَّتِهِ أن يُسبِّح سبع تسبيحات، ثُمَّ قال لعلّ هذا الدَّاخِل يُدْرك الرَّكعة فزاد في التَّسبيح وأطال الرُّكُوع من أجلِهِ هذا تشريك؛ لكنَّهُ تشريكٌ يُتقرَّبُ فيهِ إلى الله -جلَّ وعلا-، يتقرَّبُ فيه بأنْ يُدْرِكَ أخُوهُ المُسلم الرَّكعة ما لم يشُق على منْ معهُ من المَأمُومين، فمثل هذا التَّشريك لا بأسَ به عند الجُمهُور، وإنْ كان فيهِ تطويلٌ للصَّلاة من أجل الدَّاخِل، يرى بعضُ المالكيَّة أنَّ هذا من التَّشريك الممنُوع؛ لأنَّ إطالة الرُّكُوع من أجل هذا الدَّاخل، نقول: ليس بممنُوع والجُمهُور على جَوازِهِ؛ بل إذا كان البَاعثُ لهُ وهو والظَّاهر إدْراك الدَّاخل والإحسان إلى هذا الدَّاخل على أنْ لا يشقَّ على من حضر وتقدَّم؛ لأنَّ من معهُ في الصَّلاة أولى بالمُراعاة من الدَّاخل، فإذا لم يشُق عليهم فإنَّهُ يُؤجر -إنْ شاء الله تعالى- على نِيَّتِهِ وقصدِهِ، والنبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يدخل في الصَّلاة ويُريدُ إطالتها ثُمَّ يُخفِّفها لما يسمعُ من بُكاء الصَّبي فخفَّف الصَّلاة من أجل البُكاء، ونظير هذا إطالة الصَّلاة من أجل الدَّاخل لا بأس بِهِ -إنْ شاء الله تعالى-.(1/2)
الحِرْمَانْ والتَّفْرِيط ظَاهِرْ على كَثيرٍ مِن النَّاس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحِرْمان ظاهر على كثير من النَّاس، والتَّفرِيط كبير، وسَوف يَنْدَمُ المُفرِّط ولاتَ ساعة مَنْدَم؛ لأنَّ هذا وقت الزَّرْع، فإذا فَرَّط الإنْسَان في هذهِ العِبادة، وفَرَّط في غيرِها، ولَمْ يَبْقَ لهُ إلاَّ الفَرَائض...(1/1)
منْ أينَ يُكمِّل الخلل الواقِع في هذهِ الفرائض؟! وإذا لمْ يَكُنْ لهُ نَصِيب من وِرْدٍ باللَّيل من قيام، وذِكِر، وتِلاوة، وفِي الغالب لا يُعانْ على تَكْمِيل الفَرائِض، نعم جاء في حديث الأعرابي الذِّي سأل عن شرائِع الإسلام وأقْسَم أنه لا يَزِيد على هذا ولا يَنْقُص وقال النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أفلح إنْ صَدقْ)) لا يُمْكِن أنْ يُوجب أحد غير ما أَوْجَبَهُ الله -جلَّ وعلا-، ولا يَأْثَم الإنْسَان بِترك السُّنَنْ؛ لكنْ هذهِ السُّنن تُكمِّلُ لهُ النَّقص في الفَرَائِض، وتُعِينُهُ على الإتْيَانِ بها؛ لأنَّهُ إذا فَرَّط بالمُسْتَحَبَّاتْ دَبَّ إليهِ العَجْز عن الوَاجِباتْ، وقُل في مِثل هذا فيمن اسْتَرْسَل في المُباحات؛ فإنَّهُ لا يَأْمَنْ أنْ يَرْتَكِب المَكْرُوهات، ثُمَّ بعد ذلك قَدْ تَطْلُبُ نفسُه المُباحات فلا تَجِدُها وقد مَرَنت عليها، ثُمَّ تطلُب المَكْرُوهات فلا تَجِدُها، يَضطر بعد ذلك إلى ارتِكَاب بعض المُحرَّمات، ولِذا عُرِف عن كثير من السَّلف أنَّهُم تركُوا -كما قال بعضُهُم- تسع أعْشَار الحلال خَشْيَة أنْ يَقَعُوا في الحَرَامْ، فَعلى الإنْسَانْ أنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ إيجَاداً وتَرْكاً، فَيَحْرِص على إيجَاد العِبَادات المُتَنَوِّعة، ومن فَضْلِ الله -جلَّ وعلا- على هذهِ الأُمَّة تَنَوُّع العِبادات؛ لأَنْ كُل إنْسَان يَجِد من هذهِ العِبَادات المُتَنَوِّعة ما يَرْتَاح لهُ مِمَّا يُوصِلُهُ إلى الله -جلَّ وعلا-، فَبعض النَّاس يَرتاح إلى الصَّلاة فَلا مانع عندهُ منْ أنْ يُصلِّي في اليوم واللَّيلة مِئة رَكْعة هذا باب فَتَحَهُ اللهُ لهُ، وهو مُوصل إلى مَرْضَاة الله -جَلَّ وعلا-، بعض النَّاس يَرتاح بالبّذِل في وُجُوه الخِير ويَسْتَصْعِب عليهِ الصَّلاة هذا فُتِحْ لهُ باب، بعض النَّاس يَرتاح لِصِيَام الهَواجِر وقِيَام اللَّيالي الشَّاتِيَة، هذا فُتِحَتْ لهُ أبْوَاب وإنْ(1/2)
وُصِدَتْ دُونَهُ أبْوَاب، مِنْ نِعَم الله -جلَّ وعلا- أنَّهُ فَتَح لنا هذهِ الأبْوَاب المُتَنَوِّعَة، يعني لو كانت العِبَادات باب واحِد؛ النَّاس لا شكَّ أنَّهُ يُحْرَم مِنْها كثير من النَّاس، يعني بعض النَّاس مُسْتَعِد يَجْلِس جَلْسَة واحِدَة يقرأ عَشْرَة أجْزَاء؛ لَكِنْ إذا قام يَأتِي بِركعتين أثْقَل من جَبَل، وبعضِ النَّاس عندهُ استِعْدَاد يُصلِّي لِيل نهار؛ لكنْ ما يَبْذِل دِرهم! أو يَصُوم يُوم، على كُلِّ حال على المُسْلِم الذِّي فُتِح لهُ باب من أبْوَاب الخِير أنْ يَلْزَمُهُ؛ على أنْ يَأْتِ بِجمِيع ما افْتَرَضَ اللهُ عليهِ، ويَتْرُك جمِيع ما حرَّمَ اللهُ عليهِ ((إذا أَمَرْتُكُم بِأَمْرٍ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم)) ولا يُكلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعها؛ لَكِنْ ((إذا نَهَيْتُكُم عنْ شيءٍ؛ فاجْتَنِبُوهُ)) ما فِيه خِيَار ولا مَثْنَوِيَّة؛ لأنَّ المَنْهِيّ عنهُ مُتَصَوَّر تَرْكُهُ، بَيْنَما المَأمُور قد يُتَصَوَّر العَجْز عنهُ.(1/3)
على المُسلم أنْ يُعيد النَّظر في عِبَادَاتِهِ لِيتحقَّق لهُ المَطْلُوب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الإنسانْ أنْ يُعِيد النَّظَر في عِبَادَاتِهِ، بعضُهُم يَحُج، ويَرْجِعُ بآثَامِهِ وذُنُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ لمْ يُؤَدِّ الحَج على الوَجْه الشَّرعيّ، فَعَلَيْنَا أنْ نَتَفَقَّه فِي الدِّين، ونَنْظُر فِي هَدْي سَيِّدِ المُرْسَلِينْ، مُخْلِصِينَ فِي ذَلك لله -جَلَّ وعَلا-، مِنْ أَجْلِ أنْ تَتَرَتَّبْ الآثَار على هَذِهِ العِبَادَاتْ، فَتَجِد الإِنْسَان مِثل مَا ذَكَرْنَا يَصُوم ويُصَلِّي ويَحُج، ويَبْلُغ مِنَ العُمر مَا يَبْلُغ، وهُو عَلَى عَادَتِهِ، وكَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ! تَجِدْ حَالَهُ قَبْل رَمَضَانْ وبَعْد رَمَضَانْ لَا فَرْق! مَا تَغَيَّر مِنْ حَالِهِ شَيْء، يَحج ويَرْجِع، ثُمّ يَعُود إِلَى مَا كَانَ يُزَاوِلُهُ قَبْلَ الحَج، يَدْخُل المَسْجِد ويُصَلِّي الصَّلاة ، ثُمَّ بَعد ذَلِك إِذَا خَرَج كَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ! تَجِدْهُ يَعْتَكِفْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِر، وقَبْلَ الاعْتِكَافْ يَفُوتُهُ شَيْء مِنَ الصَّلَوات تَجِدْهُ إِذَا خَرَج بَعْد إِعْلان خُرُوج رَمَضَان فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ صَلاةِ العِشَاء، خَرَجَ المَغْرِب وفَاتَهُ شَيْء مِن صَلاةِ العِشَاء، والعَهْد قَرِيب ...(1/1)
لِمَاذا؟! لأنَّ هذهِ العِبَادات مَا أُدِّيَت على الوَجْهِ الشَّرعيّ، فيها نَقْص، فيها خَلل، ولا يُقال بإعَادَة هذهِ العِبَادات أو بِبُطْلانِها – لا – إذا اكْتَمَلَتْ شُرُوطُها، وأَرْكَانُها، وَوَاجِبَاتُها صَحَّتْ وسَقَطَ بِها الطَّلَبْ، ولا يُطَالبْ بإعَادَتها؛ لكنْ الآثَار المُتَرَتِّبة عليها إنَّما تكُونُ إذا أُدِّيَت على الوَجْه الشَّرعيّ، كثير من المُسْلِمين يَسْمَع الحَدِيث الصَّحيح: ((الصَّلَوات الخَمْسْ والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورَمَضَان إلى رَمَضَانْ، والعُمْرَة إلى العُمرة كَفَّارَاتْ لما بَيْنَهُنّ مَا لَمْ تُغْشَ كبيرة)) - أو - ((ما ارْتُكِبَت الكَبَائِر)) كما فِي بعضِ الألْفَاظ، ثُمَّ بعد ذلك يُصلِّي صلاةً ليسَ لهُ إلاَّ عُشْرُ أجْرها، هذهِ الصَّلاة يقُول شيخُ الإسلام -رحِمَهُ اللهُ- إنْ كَفَّرَتْ نَفْسَها كَفَتْ!؛ فعلى الإنْسَان – كما قُلْنا – أنْ يُعِيد النَّظَر في هذهِ العِبَادات، ويُؤَدِّيها على الوَجْه الشَّرعيّ، ويَحْرِصْ أنْ يَتَعَرَّف على سُنَّةِ النَّبيّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-؛ لِيُؤدِّي العِبَادات على الوَجْهِ المَطْلُوب مُخْلِصاً فِي ذَلِك للهِ -جَلَّ وعَلا-.(1/2)
تبادل رسائل الجوال أن ليلة القدر في ليلة كذا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ولا شك أن فضلها عظيم من حرمها حرم الخير كله، فعلى الإنسان أن يحرص ويجتهد أن يصيب ليلة القدر، ولا يلزم أن ينظر في الأقوال ويرجح بينها حيث تكون عنده ليلة معينة فيتعمد قيام هذه الليلة ويترك ما عداها؛ لأن هذا يبعثه على الزهد في طاعة الله -جل وعلا-، وإذا قلنا: مثل هذا فهذا الكلام يسري على من أشاع في الناس أنها ليلة كذا اعتماداً على رُؤى، والله أعلم بالرائي وكيف رأى؟ وكيف نام؟ علماً بأنها لو ثبتت عنده لا ينبغي أن يشيعها؛ لأن إخفائها له حكم عظيمة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي أراد أن يحدد هذه الليلة، أراد أن يخبرهم بعينها فتلاحى فلان وفلان فرفعت، ورفعها من مصلحة العباد، ليجتهدوا في جميع رمضان لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه لو قيل: أنها في الليلة المعينة، وقل مثل هذا في ساعة الجمعة وما جاء فيها من النصوص، لو عينت تلك الليلة ما قام الناس، غالب الناس ما يقوم الليل، فيتعمدون قيام هذه الليلة ويتركون ما عداها، من قام ليالي العشر أصاب ليلة القدر بيقين لكن يحتاج أن يقومها إيماناً واحتساباً، وأن يحضر قلبه، لا يمثل بين يدي ربه بجسده دون قلبه، مثل هذا القيام لا تترتب آثاره عليه.(1/1)
عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر" يعني أوروا ما يدل عليها وإلا فليلة القدر لو كانت ليلة عادية لا يستطيع أن يقول شفت ليلة الجمعة؟ نعم ما يمكن، هل ليوم العيد ما يميزه بين الأيام لذاته، نعم، لا، ولذلك يتساءل بعض الأطفال وأين العيد الذي تقولون؟ صحيح، ما لها إلا العلامات التي تدل عليها، وقد تكون رؤياهم أن رأوا شخصاًَ يقول لهم: ليلة القدر الليلة الفلانية، أو ليلة القدر ما بين ليلة كذا أو كذا في السبع الأواخر، كما يدل عليها الحديث، فكأنه قيل لهم في المنام: هي في السبع الأواخر، أو رآها شخص ليلة أربعة وعشرين، وشخص ليلة خمس وعشرين، وشخص ليلة ست وعشرين، يعني في السبع الأواخر كلها، والتواطؤ هو التوافق، فتواطئوا وتوافقوا على القدر المشترك الذي يشمل الجميع وهو السبع الأواخر، ولا يبعد أن يكون تواطؤهم وتوافقهم على ليلة بعينها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يعمم في السبع حرصاً على أن تضرب أمته بسهام من سهام الخير، لا يكفي سهم واحد، وإلا التحديد ليس بمستحيل من المؤيد بالوحي، فإخفاؤها لحكمة عظيمة، ولذا الذين يتعمدون تبادل رسائل الجوال أن ليلة القدر في هذه السنة ليلة كذا، يعارضون هذه الحكمة، ويعينون بعض النفوس الضعيفة على الكسل، تجدون الباعث على القيام في ليالي الأوتار أكثر من الباعث على القيام في ليالي الأشفاع، يظهر الخلل في المساجد ليلة أربعة وعشرين، ليلة ستة وعشرين، ليلة ثمانية وعشرين، ليلة الثلاثين عاد الناس عيدوا وانتهوا، يعني كثير من الناس يمل، هذه عبادة عظيمة، يعني إذا كان المفترض من المسلم والمتصور من طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون دأبه وشأنه دأب الصالحين، قيام الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] فمع الأسف أن هذه أمور من أثقل الأشياء على النفوس.(1/2)
الجُود في شهر رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الجُود صِفة من الصِّفات المَحمُودة الذِّي هُو الكَرم، الكرم من الصِّفات المَحمُودة في الشَّرع وفي العقل وفي العُرف، وكان العرب يَتَمَدَّحُون بالجُود والكَرم؛ لكنْ شَرِيطة أنْ لا يَخْرُج عن حَدِّهِ إلى حَدِّ الإسْرَاف والتَّبذير، يقول: ومنها الزِّيادة في الجُودِ في رمضان؛ لأنَّهُ شهرٌ تُضاعفُ فيهِ الحَسَنات والأعمال، فَيَنْبَغِي أنْ يكُون هذا الخُلُق الحَسَنْ مُضَاعفاً لِيُضاعَفَ ثَوابُهُ.(1/1)
الحِرْص على اغْتِنَام العَشر كلِّها
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لِيَحْرِص المُسْلِم على اغْتِنَام العَشر كلِّها، وأنْ يُري الله -جلَّ وعلا-، وأنْ يتعرَّف عليه في حال الرَّخاء طُول العام؛ كي يَعْرِفَهُ فِي حال الشِّدة يعني شخص طُول العَام بَطَّال، لا يَعْرِف شَيء من نَوَافِل العِبَادات، وليست لهُ صِلَة بِرَبِّه، ثُمَّ إِذا جاء وقت الحَاجَة يَبِي يَتَمَثَّل مَا يَسْمع من أخْبَار العُلَماء والعُبَّاد! - ما يُمكن - وهذا شيءٌ مُجرَّب، الشَّخص الذِّي لا يَقْرَأ القُرآن إلاَّ من رمضان إليه... هل يُعَان على قِرَاءة القُرآن فِي المَواسِم وفِي الأَمَاكِن الفَاضِلَة؟! - ما يُعَان - من أشَقّ الأُمُور على النَّفْس أنْ يَفْتَح المُصْحَف؛ إلَّا إذا كَان قَد تَعَرَّف على الله فِي الرَّخاء، وفِي أَيَّام السَّعَة، فإذا جَاء وقت الضِّيق سَهُلَ عليهِ القُرآن، وقُلْ مِثَل هذا فِي كُلِّ العِبَادات.(1/1)
استغلال ليالي العشر الأواخر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذه الليالي العشر الذي هي أفضل ليالي العام يحرص الإنسان أن يحفظ نفسه فيها، ويضبط أموره، ولا يفرط في هذه الليالي، فشرع الاعتكاف لحفظ هذه الأيام وحفظ هذه الليالي، والاعتكاف أصله طول المكث والبقاء ولزوم المكان، وهو في الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله - عز وجل-، وهذه الطاعة إنما تكون في الأعمال الخاصة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخذ حجيرة ويعتزل الناس، وعلى هذا جرى أزواجه وأصحابه من بعده، ولذا أهل العلم قاطبة يعطلون الدروس في هذه الليالي وفي هذه الأيام فلا تجد منهم من يدرس في هذه الليالي وإن كان معتكفاً في المسجد ليخلو بربه ويتعبد بالعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وذكر وتلاوة وتفكر وتأمل وتدبر لكلام الله -جل وعلا-، فيعمر هذه الأوقات بطاعة الله -جل وعلا-، خلاف ما يفعله بعض من يعتكف في هذه الأيام التي كثرت فيها وسائل الراحة وصعب على النفوس تركها، بعض الناس يكون معتكف؛ لكن ما نصيبه من الصلاة؟ التراويح والرواتب والفرائض ولا أكثر ولا أقل، الاعتكاف، معتكف لأي شيء؟ ما نصيبه من تلاوة القرآن؟ يقرأ جزء جزئين ثم يمل وينام، وإلا يكلم الجوال، وبعض الناس عنده تلفون، وبعض الناس يزاول حياته العادية يؤتى له بالصحف والجرائد والرادو للأخبار، هذا اعتكاف هذا؟! إذا كان أهل العلم يعطلون تعليم القرآن والسنة؛ لأن النفس تحتاج لتربية، القلب يحتاج إلى صلة بالله -جل وعلا-، كيف تقوى هذه الصلة؟ تقوى بمثل هذا، بالانجماع والانكفاف عن الناس والاعتزال وقطع العلائق، بهذا يؤتي الاعتكاف ثماره..(1/1)
أمور لابد يهتم بها المسلم في هذه الليالي المُباركة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الذكر جاء من النصوص الكثيرة ما يدل عليه ((سبق المفردون... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] المقصود أن الذكر شأنه عظيم، وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مقدمة الوابل الصيب أكثر من مائة فائدة للأذكار، والأذكار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير غراس الجنة، غراس الجنة، عن إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- أنه قال: ((يا محمد أقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير))..
أو ما سمعت بأنها القيعان فاغرس ... ما تشاء بذا الزمان الفاني
وغراسها التسبيح والتكبير ... والتحميد والتوحيد للرحمنِ(1/1)
المقصود أن الذكر شأنه عظيم وفضله جزيل ولا يكلف شيء، ولا يكلف المسلم شيء، يعني من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، مائة مرة ، شوفوا الأجور وما يترتب على مثل هذا الذكر من حرز للإنسان، حرز لكن الحرمان، هذه تقال في عشرة دقائق، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) سبحان الله وبحمده مائة مرة، ((من قال في يومه: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) هذه كم تحتاج إلى يوم؟ أو تجلس العصر بدقيقة ونصف تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، تستغفر مائة مرة بدقيقة، تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، وجاء الوعد الثابت تقرأ قل هو الله أحد عشر مرات، كلها ما تحتاج إلى شيء، كل هذه الأمور ما تحتاج من يومك ولا ربع ساعةِ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحفظ عنه في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة أنه يستغفر، ويقول -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو أعلم الناس وأخشاهم لله، وأتقاهم يقول: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)) فكيف بنا الذي لا ننفك من مزاولة ما لا يرضي الله -جل وعلا-؟! فعلى الإنسان أن يحرص على الأذكار، وأن يجعل لكتاب الله نصيباً وافراً من يومه، ولا يجعله على الفرغة؛ لأنه إذا تركه وقال: أنا الآن أنا مشغول نتركه في الليل، إذا جاء الليل قال: لعلنا نجمع الوردين في يوم واحد، ما يمشي هذا، إذا ما فرغت للقرآن من سنام الوقت، ما تترك له الفضلة، ما تقرأ القرآن، عرفنا ناس اهتموا في هذا الأمر حتى أن منهم(1/2)
وهو مسافر إذا جاء وقت القراءة لبق السيارة وقرأ، وأنهى حزبه من القرآن وكمل واصل، الدنيا ملحوق عليها، أي شيء نفوته، فتشتغل بأنواع العبادات من الصلاة والذكر والتلاوة وغيرها، وصلة الأرحام أيضاً، ينبغي أن يهتم لها طالب العلم في هذه الليالي المباركة.(1/3)
السنة في الاعتكاف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والاعتكاف أصله طول المكث والبقاء ولزوم المكان، وهو في الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله -عز وجل-. وهذه الطاعة إنما تكون في الأعمال الخاصة كما كان -عليه الصلاة والسلام- يتخذ حجيرة ويعتزل الناس، وعلى هذا جرى أزواجه وأصحابه من بعده، ولذا أهل العلم قاطبة يعطلون الدروس في هذه الليالي وفي هذه الأيام فلا تجد منهم من يدرس في هذه الليالي، وإن كان معتكفاً في المسجد ليخلو بربه ويتعبد بالعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وذكر وتلاوة وتفكر وتأمل وتدبر لكلام الله -جل وعلا-، فيعمر هذه الأوقات بطاعة الله -جل وعلا-، خلاف ما يفعله بعض من يعتكف في هذه الأيام التي كثرت فيها وسائل الراحة وصعب على النفوس تركها، بعض الناس يكون معتكف؛ لكن ما نصيبه من الصلاة؟ التراويح والرواتب والفرائض ولا أكثر ولا أقل، الاعتكاف، معتكف لأي شيء؟ ما نصيبه من تلاوة القرآن؟ يقرأ جزء جزئين ثم يمل وينام، وإلا يكلم الجوال، بعض الناس عنده تلفون، وبعض الناس يزاول حياته العادية يؤتى له بالصحف والجرائد والرادو للأخبار، هذا اعتكاف هذا؟! إذا كان أهل العلم يعطلون تعليم القرآن والسنة؛ لأن النفس تحتاج لتربية، القلب يحتاج إلى صلة بالله -جل وعلا-، كيف تقوى هذه الصلة؟ تقوى بمثل هذا، بالانجماع والانكفاف عن الناس والاعتزال وقطع العلائق، بهذا يؤتي الاعتكاف ثماره، والاعتكاف أقل ما يطلق عليه الاعتكاف ما ينصرف إليه المعنى اللغوي وهو: طول المكث في المكان، أما من يقول: إذا دخلت المسجد أنوي الاعتكاف ولو لحظة هذا ليس باعتكاف لا لغوي ولا شرعي، هذا ليس باعتكاف، ومع الأسف أن يوجد في بعض الأسطوانات في بعض المساجد التي تلي الباب مباشرة نويت سنة الاعتكاف، ليذكر الداخل، نويت سنة الاعتكاف، هذا اعتكاف هذا؟ أولاً كلمة: نويت هذه بدعة، إذا جئت من بيتك قاصداً بيتاً من بيوت الله -جل وعلا- لتمكث فيه من أجل أن تعبد الله -جل(1/1)
وعلا- هذا اعتكاف؟ ما يحتاج أن تقول: نويت سنة الاعتكاف، هذه من البدع، كما يقولون: نويت الصلاة، نويت الصيام، فالاعتكاف في العشر الأواخر أفضل من غيرها، ولا يصح إلا في مسجد تصلى فيه صلاة الجماعة؛ لئلا يضطر إلى كثرة الخروج لأداء الصلاة مع الجماعة في المساجد الأخرى، وهذا ينافي مقتضى الاعتكاف... وهل يشترط أن يكون المسجد جامع لئلا يخرج إلى صلاة الجمعة؟ اشترطه بعضهم، والأكثر على أنه لا مانع من خروجه إلى صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، وأن هذا لا يؤثر، فمن اعتكف يلزم المسجد ويشتغل بالعبادات الخاصة، ولا يخرج إلا لما لا بد منه، لحاجة الإنسان، إذا أراد أن ينقض الوضوء أو يتوضأ أو يأكل إذا كان دخول الطعام والشراب ممنوع في المسجد، يخرج لأنه لا بد منه.
وخروج بعض الجسد لا يخل بالاعتكاف؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يخرج رأسه لعائشة وهو في بيتها لترجله، خروج بعض البدن لا يخل بالاعتكاف، وليس معنى هذا أن الإنسان يجلس قرب باب المسجد ويطالع الذاهب والرايح، ويقضي أكثر وقته في هذا ويقول: خروج بعض البدن لا يخل بالاعتكاف، لا أنا أقول: للحاجة، والاعتكاف يصح في جميع المساجد التي تؤدى فيها صلاة الجماعة ولا يختص بالمساجد الثلاثة كما جاء عن حذيفة؛ لأن ابن مسعود -رضي الله عنه- رد عليه {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] و(أل) هذه جنسية تشمل جميع المساجد، كونه -عليه الصلاة والسلام- ما اعتكف إلا في مسجده، هذا لا، الأصل أن يعتكف في مسجده، ولا يتصور أن ينتقل إلى بلد آخر ليعتكف به ليبين الجواز، إنما الأصل أن يكون الاعتكاف في المساجد.(1/2)
من ينشغل في ليالي العشر في الأسواق لتجهيز ملابس العيد !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: نريد نصيحة للذين يجتهدون في أول رمضان ثم تخف عبادتهم في نصف رمضان، وينشغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام؟
على الإنسان أن تكون أموره متوسطة يتوسط في أموره كلها؛ لأن بعض الناس يجتهد اجتهاد لا يستطيع الاستمرار عليه، ثم يمل والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عليكم من العمل ما تطيقون -اكلفوا من العمل ما تطيقون- فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فالإنسان عليه أن يأتي بما يستطيع الاستمرار عليه، فإذا كانت قراءته للقرآن مثلاً، إذا قرأ في اليوم خمسة أجزاء، ختم كل ستة أيام أو أربعة ونصف وختم في سبع، يستطيع أكثر من ذلك، لكنه لا يضمن الاستمرار عليه، فإنه يلزم ما يغلب على ظنه أنه يستمر عليه؛ لأن الانقطاع عن العمل الصالح نكوص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، ولا شك أن ترك العمل باعثه الملل، وفي الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) يعني لا يقطع الأجر حتى تنقطع الأعمال الصالحة، والملل المنسوب إلى الله -جل وعلا- هنا هو من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير، فهؤلاء الذين اجتهدوا في أول الشهر مسألة مفترضة في شهر واحد، على الإنسان أن يأطر نفسه على الازدياد من الأعمال الصالحة وأن يستمر عليها ويثبت عليها، نعم قضاء الحوائج التي لا بد له منها بحيث لا يقوم مقامه غيره، مثل هذا حينئذ يقوم بأعماله وحاجاته وما يحتاج هو وأهله، لا يمنع من ذلك يشتري حاجاته ويشتري حاجات أهله، لكن لا يكون ذلك على حساب العبادة، فيه أوقات أخرى، في غير وقت القيام، يقول: يشتغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام. (((1/1)
من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إذا ضم إلى ذلك: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهي أيضاً خير من ألف شهر، وأضيف إلى ذلك: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) هذه أجور لا يفرط فيها إلا محروم، كيف تمر مثل هذه النصوص على الإنسان ولا تؤثر فيه؟ كيف يهنأ بنوم أو بذهاب أو بإياب، أو تنزه أو خروج إلى أسواق والناس يحصلون على هذه الأجور العظيمة وهو محروم منها؟!، فلا شك أن الران قد غطى على قبله، الران قد غطى على قلبه، وإلا في مثل هذه الأيام المفترض أن تستغل فيها الأنفاس، لاسيما الليالي العشر، التي ترجى فيها ليلة القدر، يعني ليلة واحدة تعادل أكثر من ثمانين سنة، يعني عبادة أكثر من ثمانين سنة، وهل لأحد أن يقول: الخبر صحيح أو غير صحيح؟ الخبر في القرآن، في القرآن المحفوظ المصون من الزيادة والنقصان، على كل حال على الإنسان أن يجتهد وأن يستمر وإذا خرج رمضان أيضاً عليه أن يلزم العبادة؛ لأن لزومه للعبادة دليل على قبول عبادته في الشهر، وأما إذا عاد إلى ما كان يزاوله من المحرمات أو ترك للواجبات قبل رمضان وعاد إليها بعد رمضان، رمضان لم يحقق الأثر، فتجد بعض الناس يجتهد ويعتكف في العشر الأواخر، يعتكف في العشر الأواخر ويطبق السنة ويحفظ وقته، ثم بعد ذلك إذا أعلن الشهر المغرب ليلة العيد خرج من المسجد وانشغل بما كان يعمله قبل الاعتكاف، وقد تفوته صلاة العشاء، هل مثل هذا الاعتكاف وقع موقعه؟ هل أثر في نفس المعتكف الأثر الذي ينبغي لمثله؟ الاعتكاف تربية للنفس، ترويض للنفس على العبادة، فإذا كان هذا واقع من اعتكف تفوته صلاة العشاء أو ينام عن صلاة الفجر، هذا اعتكافه ما حقق الأثر المرتب عليه.(1/2)
علامات ليلة القدر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هناك علامات يستدل بها على ليلة القدر، منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، منها أنها ليلة قارة، ومنها أنها ليلة مضيئة، ليلة بلجة، وذُكِر فيها أشياء يستدل بها عليها، البحر لا يهيج، والكلاب لا تنبح، وأمور كثيرة ذكرها أهل العلم منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، ((والشمس في صبيحتها تطلع ليس لها شعاع))، على كل حال هي ليلة بلجة طلقة، يحس الإنسان فيها بارتياح، ليس فيها حر شديد، ولا برد شديد، ولا حر ولا قر مريحة جداً، هذه من علاماتها ولا يدرك مثل هذه الأمور كل أحد، الذي لا يوفق للاجتهاد فيها قد لا يدرك هذه الأمور، الذي يقضي أيامه ليله ونهاره في الغفلات قد لا يدرك، ولا يتحقق هذه الأمور، وقد يقول قائل: أنا أدركت ليلة القدر أو ما أدركت أنا بصلي، أنا بأقوم مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة من ليالي العشر، نقول: أنت على خيرٍ عظيم، وتدرك ليلة القدر -إن شاء الله تعالى- لكن ليس معنى أنك تدركها مع حضور القلب مثلما تدركها وأنت غافل لاهي؛ فالإنسان يحرص على حضور قلبه، يعني هناك أمور هذا يفتح أبواب ويجرنا إلى الكلام في أحاديث يعني على اختلاف المطالع ليلة القدر عند من؟ وهذا يؤكد أن ليلة القدر كما تكون في أوتاره تكون في أشفاعه، يعني عند هؤلاء ليلة ثلاث وعشرين، وعند أولئك سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين وش المانع؟ تجتمع هنا وهناك، مع اختلاف المطالع، وهؤلاء عندهم ليل وهؤلاء عندهم نهار، الثلث الأخير من الليل عند هؤلاء وهؤلاء عندهم نهار، وش تبي تسوي؟ حديث النزول مع كونه -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، يعني أمور حقيقةً الإيغال فيها مع طلاب علم يستوعبون ما يخالف لا بأس؛ لكن بحث مثل هذه المسائل عند عوام لا يدركونها لا شك أنه يوقف في الحرج، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن الله ينزل آخر كل ليلة، وآخر كل ليلة متفاوت، هؤلاء عندهم أول الليل، وهؤلاء عندهم آخره،(1/1)
وهؤلاء عندهم.. ويجتمعون، كيف يجتمعون في آخر الليل؟ النزول الإلهي بالنسبة لأهل المشرق يختلف عنه عند أهل المغرب، إذاً كل وقته نازل، هذا إيش؟ إلزام من يريد إنكار هذا الحديث من بعض المبتدعة، وشيخ الإسلام يقول: أبداً، الله -جل وعلا- ينزل كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق على ما يليق بجلاله وعظمته، وكل إنسان يتعرض لهذا النزول ولا عليه أكثر من ذلك، ليس عليه أكثر من ذلك، حتى لو تصور أنه كيف ينزل وهو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه؟ شيخ الإسلام يقرر أنه ينزل آخر كل ليلة مع أنه مستوٍ على عرشه، هذه أمور قد لا يدركها العقل؛ لكن مثل هذا لا بد فيه من التسليم، قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ما لك إلا تقول: سمعنا وأطعنا، أحاديث صحيحة استوعبتها أو ما تستوعب هذا ليس إليك، يقول: ينزل آخر كل ليلة ولا يخلو منه العرش، العامي ما يستوعب؛ لكن طالب العلم يرضى ويسلم وخلاص انتهى الإشكال، بل على العامي أن يؤمن بهذا، ويعتقد هذا؛ لكن مثل هذه الأمور لا تلقى على العامة، ولذا من أعظم المشكلات أن تذكر مثل هذه الأمور وتبحث في القنوات التي دخلت كل بيت، ولم يسلم منها إلا من عافاه الله -جل وعلا-، يشككون الناس في أديانهم، يعني شبه المبتدعة الآن كلها تلقى في البيوت، في بيوت عوام المسلمين، وهذه من أعظم المعضلات، طيب في الحديث الصحيح: ((أن الشمس تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، وتستأذن)) هل تطلع أو ما تطلع؟ أحد ينكر هذا، هذا في الصحيح، والشمس لا يفقدها الناس، في فلكها أربع وعشرين ساعة، نقول: سمعنا وأطعنا ورضينا وسلمنا، ولا لأحدٍ كلام، ويبقى أن في النصوص من المتشابه ما لا يدركه أحد {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [(7) سورة آل عمران] ويبقى أن المؤمن الراسخ في العلم يقول، ماذا يقول؟ آمنا، صدقنا، وسلمنا، ولا لنا كلام، وأما الذين في قلوبهم زيغ يريدون أن يضربوا النصوص بعضها(1/2)
ببعض، فيتتبعون المتشابه، وهؤلاء الذين أُمِرنا بالحذر منهم، ((أولئك الذين سمّ الله فاحذروهم))، أنت ما عليك أنت في بلد في قرية بعيد قريب في المشرق في المغرب انظر إلى الثلث الأخير، وافعل ما وجهت به، وقم وامثُل بين يديك، وناجي ربك، ولا عليك أكثر من هذا، أنت عليك أن تفعل ما عليك، وأبشر وأمل خير -إن شاء الله-.(1/3)
من أعظم الحرمان أنْ يُحرم من هذه الليلة العظيمة!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وليلة القدر شأنها عظيم {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر / 3 ]، أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، هذه الليلة شأنها عظيم، على المسلم أن يحرص على قيامها، النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلت العشر أحيا ليلهُ، وشد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، ومفهوم قولهم: (أحيا ليله) أنَّهُ لا ينام في هذه اللَّيَالي، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يخلط العِشْرين بقيام ونوم؛ لكنْ إذا دخلت العشر شَدَّ المِئْزَر وطُوِيَ الفراش وأحيا اللَّيل، مع أنَّهُ ما حُفِظْ عنهُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - قيام ليلة كاملة اللهُمّ إلا هذه العشر، وهذه العشر هي أفضل ليالي العام؛ لأنَّ فيها ليلة القدر التي شأنُها وقدرها عظيم عند الله - جلَّ وعلا - فهي ذات قدْرٍ عظيم، أو من يقُومُها يكُون لهُ شَأْن وقَدْر عظيم، أو لِأَنها يُقَدَّر فيها ما يكون في أيَّام العام، المقصُود أنَّها ذات قَدْرٍ عَظِيم وشَأْن، مَنْ وُفِّقَ لِقِيَامِهَا إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّم من ذَنْبِهِ، ومن حُرِمَ القِيَام فَقَدْ حُرِمْ - يعني لا أَشَدّ من هذا الحِرْمَان- يعني ما يُعَادِل ثلاثة وثمانين سنة ونصف في ليلةٍ وَاحِدة، فَضْلُ الله عَظِيم، ولا يُحَدّ فضلهُ؛ لكنْ الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ، بعض النَّاس يَجْلِس فِي المَسْجد ويُصلِّى على الجنازة وهو جَالس، أقول: يا أخي لك قيراط قُم صلِّ مع الناس، قم صلِ على الجنازة، أمثلة واقِعِيَّة يا الإخوان ما هي من فَرَاغ، الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ؛ لكنْ من أَعْظَم الحِرمان أنْ يُحْرَم هذِهِ اللَّيلة العَظِيمة؛ ولِذا فإن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يُحيي هذه اللَّيالي رجَاء أنْ يُصِيب، وأنها تنتقل في ليالي العشر كل سنة في ليلة، ولذا جاءت النُّصُوص الصَّحيحة مُخْتلفة في هذا الباب.(1/1)
جاء في الحديث الصَّحِيح المُتَّفَق عليه: ((رأيت كأنِّي أسْجُد في صَبِيحَتِهَا على ماء وطِين فَوكف المَسْجِد ليلة إحدى وعشرين ورُؤِيَ الطِّين في وجهِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام- صَبِيحَة إحدى وعشرين)) ومع ذلكم يقول في الحديث الصَّحِيح: ((أَرَى رُؤياكم قد تَوَاطَأَت في السَّبع الأواخِر، فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحرَّها فِي السَّبع الأواخِر)) فصحّ الحديث في إحدى وعشرين إذاً هي تنتقل قد تكون ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة ثلاث، والأوتار آكد وأرْجَى؛ لكن في السَّبع الأواخر، سابعة تبقى، خامسة تبقى، سابعة تبقى إذا كان الشَّهر كامل، ليلة أربعة وعشرين وهي المُرَجَّحَة عند أهل البصرة عند أنس بن مالك والحسن البصري، وكُل هذا من أجل إيش؟ أنْ يَجْتَهِد المُسْلِم ويتعرَّض لنَفَحَات الله -جلَّ وعلا- ويُرِيَ الله - جلَّ وعَلا- مِنْ نَفْسِهِ خَيْراً خِلال هذه العشر كُلِّها، وإلاَّ المُؤَيَّدْ بِالوَحي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بإمْكَانِهِ أنْ يُحَدِّدها بليلة مُحَدَّدة، وإنْ كان أرَادَ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنْ يُحَدِّدها ويُبَيِّنَها فَتَلاحى رجُلان فَرُفِعَت- يعني رُفِعَ تحْدِيدها؛
ولذا يُخْطِئ بعض من يُشِيع مِنْ خِلال الرَّسَائِل أو المُكالمات أنَّ ليلة القَدْر فِي هذهِ السَّنة هي ليلة كذا، الحِكْمَة مِنْ إِخْفَائِها تَزُول بِمِثْلِ هذهِ التَّصَرُّفات، ولو كانت الحِكْمة فِي تَحْدِيدها لَحُدِّدَت، حُدِّدَت من قِبَل الشَّارع المُؤَيَّد بالوَحِي؛ لكنْ الحِكمة من إخْفَائِهَا كالحِكْمَة منْ إخْفَاء سَاعة الجُمُعَة مِن أجل أنْ يَكْثُر العَمَل فِي حياة المُسْلِم،(1/2)
هذه اللَّيَالي العَشر الذِّي هِيَ أفضل ليالي العَام يَحْرِصْ الإنْسَان أنْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ فِيها، ويَضْبِط أُمُورَهُ، ولا يُفَرِّط فِي هذِهِ اللَّيَالِي، فَشُرِعَ الاعْتِكَاف لِحِفْظِ هذِهِ الأيَّام وحِفْظ هذِهِ اللَّيَالِي.(1/3)
الكَنْزْ الذِّي لا يَجُوزُ أنْ يُفَرَّطَ بِهِ!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العِلمُ يا صاحِ يَسْتَغْفِر لِصَاحِبِهِ ... أَهْلُ السَّمَاواتِ والأَرَضِينَ مِنْ لَمَمِ
مِنْ لَمَمِ يعني من ذُنُوبِهِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، يَسْتَغْفِرُونَ لِلعَالِم العَامِل البَاذِل المُعَلِّم الذِّي تَعَدَّى نَفْعُهُ يَسْتَغْفِرُونَ له.
كَذَاكَ تَسْتَغْفِر الحِيتَانُ فِي لُجَجٍ ... مِن البِحَار لَهُ فِي الضَّوءِ و الظُّلَمِ(1/1)
يَسْتَغْفِرُون لِلعَالِم، ويُصَلُّون على مُعَلِّم النَّاس الخَيْر، وهذِهِ نِعْمَة ومِنَّة مِن الله -جَلَّ وعلا-، كَوْن هذِهِ الخَلائِق بِأَسْرِهَا تَسْتَغْفِر لَك، وتَدْعُو الله -جَلَّ وعَلا- أنْ يَسْتَغْفِر لَكَ لَمَمَكَ وزَلَّاتِك هذا شيءٌ عَظِيم، هذا لا يُقَاوِمُهُ عَمَلُ الإِنْسَان بِمُفْرَدِهِ، وإذا تَذَكَّرَ الإِنْسَان أنَّ عَمَلَهُ يُخَلَّد إِلى قِيَامِ السَّاعَة، وأُجُورُهُ تَمْضِي... وكم مِن عَالمٍ مات مُنذُ مِئات السِّنِين وأُجُورُهُ تَتَضَاعَفْ؟!، يعني إذا كان بَعْضُ الصَّفَقَاتْ المُسْتَعْمَلَة الآن اللي يُسَمُّونَها إيش؟ يعني هذا الزَّبُون جَاء بِزَبُون فيُعْطَى مِن الهَرَمِيَّة، المُعَامَلات الهَرَمِيَّة التِّي فُتِنَ النَّاسُ بِها هَرَمِيَّة كم يُعْطُونك نِسْبَة؟ يُعْطُونك عَشْرَة بِالمِئَة إذا اشْتَرِيت، وإِذَا جِبت زَبُون يُعْطُونك عَشْرَة ثانية، وإذا جِبت زَبُون ثالث، إلى آخرهِ هذِهِ هَرَمِيَّة؛ لكنْ عَشْرَة بِالمِئَة...(1/2)
فكيف إذا عَلَّمت شَخْص؟! ثُمّ هذا الشَّخْص عَمِل بِهَذا العِلْم لِكْ مِثل أجْرِهِ، وعَلَّمْ آخَر لَك مِثل أَجْر الإثْنِين، عَلَّم ثَالِث لك أَجْر الثَّلاثَة، وهَؤُلاء الثَّلاثة عَلَّمُوا ثَلاثِين فَلَكَ مِثل أُجُورهم، الثَّلاثِين هؤُلاء كُلّ وَاحِد عَلَّم عَشَرَة لَكَ أُجُور الثَّلاثمائة، والثَّلاثمائة علَّم، إلى آخرهِ، هذَا الأَجْر الهَرَمِي الصَّحِيح، هَذَا الكَنْزْ الذِّي لا يَجُوزُ أنْ يُفَرَّطَ بِهِ؛ بَلْ يُحْرَصْ عليهِ أَشَدَّ الحِرْص، يعني كم من شَخْصٍ مَات مِنْ مِئَاتِ السِّنِينْ وأُجُورُهُ مُسْتَمِرَّة إِلى قِيَامِ السَّاعَة، مِمَّا اسْتَفَادَهُ النَّاس مِنْ عِلْمِهِ، ومِنْ مُؤَلَّفَاتِهِ، مِنْ تَعْلِيمِهِ، مِنْ تَوْجِيهِهِ، مِنْ الإِقْتِدَاءِ بِهِ، مِنَ الاسْتِنَانِ بِهِ، حَيَاتُهُ كُلُّها عِلْم، وتَعْلِيم، ودَعْوَة، فِي سَمْتِهِ وهَدْيِهِ دَعْوَة، فِي عَمَلِهِ يَقْتَدِي بِهِ عَامَّةِ النَّاس، فَيَكُونُ لَهُ مِثل أُجُورِهم، فِي مُؤَلَّفَاتِهِ التِّي تَسْتَمِر مِئَاتِ السِّنِين، كُلٌّ يَدْعُوا لَهُ قَالَ رَحِمَهُ الله، وكُل فَائِدَة تُسْتَفَادْ مِنْ هَذا المُؤَلَّف لَكَ أَجْرُها، يَعني أُجُور لا تَخْطُر عَلَى البَال، وفَضْلُ اللهِ وَاسِع..
كَذَاكَ تَسْتَغْفِر الحِيتَانُ فِي لُجَجٍ ... مِن البِحَار لَهُ فِي الضَّوءِ و الظُّلَمِ(1/3)
أَوْثَقْ عُرَى الإيمان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) أوثق عُرى الإيمان الحُبُّ في الله والبُغضُ في الله، ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) لا يُحبُّهُ إلا لله، هذا يجِدُ بِهِ حلاوة الإيمان، لهُ أخ في الله ليسَ لهُ عليهِ نِعمة؛ إنَّما يُحبُّهُ لاستقامتِهِ هذا يجِدُ بِهِ حلاوة الإيمان؛ لكن ينظر في هذه المحبة في أوقات الامتحان، في الابتلاء، في أوقات الصفاء والجفاء... هل تزيد هذه المحبَّة أو تنقُص؟! إنْ زَادَت مع الصَّفَاء أو نَقَصَتْ معَ الجَفَاء، فهذه ليست لله! وهذا الأمر قال ابن عباس في الصَّدر الأوَّل: "ولقد صارت عامَّةُ مُؤاخاة النّاس على أمر الدُّنيا" هذا في عصر الصَّحابة، ولو دقَّقْنا في السِّر والسبب الحقيقي لِحُبنا بعض النَّاس مِمَّن ظاهرهُ الصَّلاح أو من الصَّالحين لوَجَدْنا الأمر على خِلاف ما جاء في الحديث، لو تختلف المُعاملة أدنى اختلاف، لو يَحْتَفِي بغيرك، ولا يَلْتَفِت إليك، تغيَّر الوضع، من استمرأَ المَدْح والثَّناء وعاش عليهِ وسَمِعهُ كثيراً، وصار يَسْتَنْكِر إذا ما وُجِد! لأنَّ النُّفُوس مَدْخُولَة، يعني إلى وقتٍ قريب كان النَّاس يَنْفُرُونْ نُفْرَة تَامَّة عن المَدْح، ويُشَدِّدُونْ على منْ يَمْدَح ثُمَّ تَسَاهَلُوا صارُوا يَسْمَعُون المَدْح ولا يَتَأثَّرُون، والسُّنَّة الإلَهيَّة الثَّابِتَة بالتَّجرُبَة أنَّ من سَمِع مَدْحَهُ بما ليسَ فيهِ لا بُدَّ أنْ يُذَم بما لَيسَ فيهِ إذا لم يُنْكِر، وإذا مُدِحَ بما فيهِ ولم يُنْكِر ذُمَّ بما فيهِ، هذهِ سُنَّة إلَهِيَّة، لو حضرت إلى شخص بينك وبينهُ مودَّة وصَِلة وكذا، ثُم جاء واحد من أقرانك والتف إلى هذا القرين وصار وجهُهُ إليهِ وتركك...(1/1)
وش يصير وضعك؟! ما تتأثَّر؟! ما تنقُص المحبَّة والمودَّة؟! بعض النَّاس المودَّة مبنيَّة على هذا من الأساس!!! لماذا تزُور فُلان؟! لأنه والله يستقبل استقبال طيِّب! ، وفلان والله ما يلقينا وجه! أنت تحبه ليش؟! لماذا تُحبُّه؟! فعلى الإنسان أنْ يختبر نفسُهُ في هذا الباب! ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) قد تجتمِع المحبَّة الجِبِلِّيَّة مع المحبَّة الشَّرعيَّة، وقد تَنْفَرِد المحبَّة الجِبِلِّيَّة دُونَ الشَّرعيَّة والعكس، فالرَّجُل يُحِبُّ وَلَدَهُ المُسْتَقِيم؛ لأنَّهُ اجتمعَ فيهِ الأمران، يُحبُّهُ جِبِلَّةً؛ لأنَّهُ وَلَدَهُ، ويُحبُّهُ؛ لأنَّهُ مُسْتَقِيم، قد يكُون الولد غير مُسْتَقِيم، يُحبُّهُ جِبِلَّةً؛ لكنْ يُبْغِضُهُ شَرْعاً، جار ليسَ بولد مُسْتَقِيم يُحبُّهُ شَرْعاً، وإنْ لَمْ يَكُن هُناك جِبِلَّة؛ لأنَّهُ ليس بقريب، الزوجة المودَّة والرَّحمة التِّي جُعِلَت بين الزَّوجين تَبْعَثُ على المَحبَّة... فماذا على محبَّة المرأة الكافِرَة الكِتَابِيَّة؟! ((وأنْ يُحب المرء لا يُحبُّهُ إلا لله)) هل يَقْدَح في مثلِ هذا الحديث أنْ يُحبَّ المرأة التِّي من خَصِيصة الزَّواج المودَّة والرَّحمة؛ بل من نَتِيجتِهِ المودَّة والرَّحمة {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم/ 21]، امرأة كافرة! تقول: المسيحُ ابنُ الله، ويُحِبُّها للمودَّة والمَحَبَّة التِّي جُعِلَت، ومع ذلك يُبْغِضُها لِدِينِها، فقد تَجْتَمِع المودَّة والمَحَبَّة من وجهٍ دُون وجه.(1/2)
حِرَاسَة القلب من المُؤَثِّرَات
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يَقُولُ النَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله لو كان يقومُ من اللَّيل)) ((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله)) مَنْ عَبْدُ الله هَذَا؟ هَذَا ابْنُ عُمَر الصَّحَابِيّ المُقْتَدِي المُؤْتَسِي الحَرِيصْ عَلَى التَّطْبِيقْ ((نِعْمَ الرَّجُل عَبدُ الله لو كان يقومُ من اللَّيل)) نَعْرِفْ حِرْصْ ابْن عُمَر على التَّطْبِيق تَطْبِيق السُّنَنْ حَتَّى أَدَّاهُ حِرْصُهُ هَذَا إِلَى الخُرُوج شَيْئًا يَسِيرًا عَمَّا يَفْعَلُهُ أَكَابِر الصَّحَابَة؛ لَكِنْ هَذَا مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الخَيْر، ومَعَ ذَلِك يُسْتَثْنَى فِي أَمْرِهِ ((لو كان يقومُ من اللَّيل)) مَاذا فَعَل ابْنُ عُمَر؟ ابْنُ عُمَر بَعْدَ ذَلِك كَانَ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلاً، الصَّحابِيُّ المُبَادِر بالتَّطْبِيق، لمَّا سَمِعَ النَّبِي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقُول: ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبْ أَوْ عَابِرُ سَبِيل)) ...(1/1)
مَاذَا قَال -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرْضَاهُ-؟ كان يقول: "إذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المَسَاءْ، وإذا أَمْسَيْت فَلا تَنْتَظِر الصَّبَاح" نُصُوصْ فِي الكِتَابِ والسُّنَّة الصَّحِيحَة فِي البُخَارِي وغَيْرِهِ، ومع الأسف الشديد يأتي من يَكْتُب في الصُّحُف، يقول إنَّ الزُّهْد نَقْص وتَعْطِيل لِحيَوِيَّة هذهِ الحياة التِّي أُمِرْنا بِعِمَارَتِها! ويَسْخَر ويَسْتَهْتِر من الذِّين دَوَّنُوا في تَرَاجِمِ أهلِ العِلْم أنَّهُم وُصِفُوا بالزُّهْد، والنُّصُوص القَطْعِيَّة بينَ أيْدِينا، "إذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِر المَسَاءْ، وإذا أَمْسَيْت فَلا تَنْتَظِر الصَّبَاح" هذهِ النُّصُوص تُؤَكِّد قِيَام اللِّيل، وهو دَأْبُ الصَّالِحين، ومع الأسَف الشَّديد أنَّ كثيراً مِمَّن يَنْتَسِب إلى طلبِ العِلم نَصِيبُهُ في هذا الباب ضَعِيف إنْ وُجِدْ! فكثيرٌ ممَّن يَنْتَسِب إلى العِلم، وإلى طَلَبِهِ ابْتُلُوا بالمَوانِع وعدم بَذْلِ الأسْبَاب، فَتَرَى الوَاحِد مِنَّا يَسْهَر ويَسْهَر على ماذا؟ عَلَى القِيلِ والقَال مِنَ الكَلام المُبَاح -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالى-، دَعُونَا مِمَّنْ يَسْهَر عَلَى المُحَرَّمْ؛ لَكِنْ المَسْأَلَة مُفْتَرَضَة فِي طُلَّابْ عِلْم، يَسْهَر عَلَى المُبَاح ثُمَّ بَعْد ذَلك إِذَا جَاءَ وَقْتُ القِيَام، رَجُل مُسْتَيْقِظ وبِكَامِل قِوَاهُ ولا يَحْتَاجْ إِلَى النَّوم، ويَحْضر الثُّلْث الأَخِير فَإِذا أَرَادَ أنْ يُوتِر بِثَلاث رَكَعَات أو خَمْسْ رَكَعَات، أَو سَبْع، أَوْ تِسِعْ تَجِدْهَا أَثْقَلْ مِنْ جَبَلْ؛ لِأَنَّ مَنْ يُمْضِي وَقْتَهُ فِي القِيلِ والقَالْ ولَوْ كَانَ مُبَاحًا لا يُعَان عَلَى مِثل هَذِهِ الأُمُور؛ فإنَّهُ فِي الغَالِبْ لا يُعَانْ عَلَى مِثْلِ هذِهِ الأُمُور، فَالمَسْأَلَة تَحْتَاج إِلَى احْتِيَاط، والقَلْب يَحْتَاج إِلَى حِرَاسَةٍ شَدِيدَة مِنَ المُؤَثِّرَات،(1/2)
ومِنْ أَعْظَمِ المُؤَثِّرَاتْ عَلَى القَلْب فُضُولُ الكَلام، دَعُونَا مِمَّن سَلَّطَ لِسَانَهُ عَلَى الأَخْيَارْ، ولَمْ يَحْتَطْ لِنَفْسِهِ وفَرَّقَ حَسَنَاتِهِ عَلَى فُلان وعَلَّانْ؛ لكنْ المَسْأَلَة فِيمَنْ لا يَقُول إلَّا مُبَاحاً، فِي الغَالِب لا يُعَان على القِيَام؛ فَإِنْ قَامْ لا يُعَانْ عَلَى حُضُور القَلْب، فَالمَسْأَلَة تَحْتَاج إِلَى اسْتِجْمَاع، والقَلْبُ يَحْتَاج إِلَى جَمعِيَّة، كَمَا قَالَ أَهْلُ العِلْم كابْنِ القَيِّم وغَيْرِهِ.(1/3)
صِيَامُ السِّتْ مِنْ شَوَّالْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أمَّا بالنِّسبة للنَّوافل فَجَاء الحَثُّ على الصِّيام ((مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ الله بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عن النَّار سَبْعِينَ خَرِيفاً)) كثيرٌ من أهْلِ العِلم يَحْمِل الحَدِيث على أنَّ المُراد في سَبِيل الله ابْتِغَاء وَجْهِ الله -جلَّ وعلا-، ولا يَخُصُّهُ بالجِهَاد، وإنْ كان الإمام البُخَاري أَوْرَد الحديث فِي أَبْوَاب الجِهَاد، المُراد فِي سَبِيل الله الجِهَاد، كَمَا أنَّهُ هُو المُراد في مَصْرِفِ الزَّكاة، يُرَادُ بِهِ الجِهاد، وبعضهم يُعَمِّم في البَابَيْن، وعلى كُلِّ حَال هذا يَدُلُّ على عَظِيم فَضْلِ الصِّيَام، وجَاءَ الحَثّ على صَوْم يَوم عَرَفَة، وأنَّهُ يُكَفِّر سَنَتَيْن، ويوم عاشُوراء يُكَفِّر سَنة، والاثنين والخميس وأَفْضَلَهُما الاثنين، وثلاثة أيَّام من كُلِّ شهر، حيثُ أَوْصَى النَّبي -صلَّى الله عليه وسلم- أبا هُريرة وأبا الدَّرداء وأبا ذر، وكذلك جاء في بيان الثَّلاثة الأيَّام وأنَّها البِيض فِي السُّنَن: ((فمن كان صائماً من كُلِّ شَهر؛ فَلْيَصُم ثَلاثة عَشَر وأرْبَعة عَشَر وخَمْسَة عَشَر)) ومن يَصُوم الاثنين تدخل فيه الثَّلاثة؛ لأنَّ الأقَل يدخل فِي الأَكْثر؛ لأنَّهُ حِينئذٍ يَصُوم أربعة؛ لأنَّ صوم الاثنين والخميس يدخل فيها الثَّلاثة، ويدخل فيها السِّت بالنِّسبة لشوَّال، وجاء الحثّ على السِّت شوَّال، ((مَنْ صَامَ رَمَضَان وأَتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوّال كان كَمَنْ صَامَ الدَّهْر)) يعني كَمَنْ عُمُرُهُ كُلُّهُ صَائِم، ولا يُقَال إنَّ صِيَام الدَّهر غير مَشْرُوع، إِذَن صِيَامُ السِّت غير مَشْرُوعَة؛ لأنَّ المُشَبَّه يُلْحَق بالمُشَبَّه بِهِ، والعَمَلِيَّة الحِسَابِيَّة وَاضِحة؛ لأنَّ الشَّهر بِعَشرة أَشْهر، والسِّت عن سِتِّينَ يَوْماً، فَكَأَنَّهُ صَام، والتَّشْبِيه لا يَقْتَضِي المُطَابَقة مِن(1/1)
كُلِّ وَجْه؛ إنَّما التَّشبيه فِي العَدَد، لا فِي المَنْع والحثّ، فَصِيَامُ الدَّهر مَمْنُوع، وصِيَامُ السِّتْ مَعَ رَمَضَان جَاءَ الحَثُّ عليهِ، جَاءَتْ نُصُوص كَثِيرة صَحِيحة تَدُلُّ على عَدَم المُطَابقة من كُلِّ وَجه، بَين المُشَبَّه والمُشَبَّهِ بِهِ، فَشُبِّه الوَحِي بِصَلْصَلَةِ الجَرس، والجَرَس مَمْنُوع كما فِي صَحِيح مُسْلِم، والوَحِي مَحْمُود، الجَرَسْ مَذْمُوم؛ لكنْ فِي تَدَارُكِهِ وتَتَابُعِهِ يُشْبِه صَلْصَلَة الجَرَس، قُلْ مِثل هذا فِي رُؤْيَة القَمَر مع رُؤْيَة الرَّب -جلَّ وعلا- كما جَاء التَّشْبِيه فِي الحَدِيث الصَّحِيح، المُشَبَّه لَيْسَ كالمُشَبَّه بِهِ؛ وإنَّما تَشْبِيه لِلرُّؤْيَة بالرُّؤْية، ونَظَائِرُ ذلك كثيرة، الإِمَام مالك -رَحِمهُ الله تَعَالى- يَرَى أنَّ صِيَام السِّت لَيْسَ بِمَشْرُوع؛ لأنَّهُ على حَدِّ قَولِهِ فِي المُوَطَّأ ما رَأَى أَحَدًا مِن أَهْلِ العِلمِ والفَضْل والفِقه يَصُومُه؛ ولكن إِذَا ثَبَتَ الخَبَر عَن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- فَلا قَوْلَ لِأَحَدٍ مَعَهُ، وإِذَا جَاءَ نَهْرُ الله بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِل، كَمَا قَالَ مَالِك -رَحِمَهُ الله- فَصِيَامُ السِّت مَشْرُوع، وإِذَا صَامَهَا بَعْدَ إِتْمَام صِيَام رَمَضَان أَدْرَكَ السُّنَّة ولَوْ فَرَّقَها، ولا يَلْزَم التَّتَابُع، وكَوْنُها فِي أَوَّل شَوَّال أَوْلَى لِقَولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا)) وكَوْنُهُ يَكُون عليهِ القَضَاء مِن رَمَضَان ثُمَّ يُقَدِّم السِّت؛ لِأَنَّ وَقْتُها مُضَيّق فِي الشَّهر، ووقتُ القَضَاء يَمْتَدّ إلى شَعْبَان، لا يَتَرَتَّب عليهِ الثَّواب المُرَتَّب على صِيَام السِّت بعد رَمَضَان؛ لأنَّهُ لا يَكُون مُتْبِعًا لِرَمَضَان بالسِّت؛ لأنَّ المَفْهُوم مِن رَمَضان الشَّهر كامل ((من صام رمضان)) يعني كاملاً ((وأَتْبَعَهُ سِتًّا(1/2)
من شوَّال)) وعلى هذا فَالقَضَاء لا بُدَّ أنْ يَكُون قَبْلَ التَّنَفُّل، قد يقول قائل: هَلْ يُتَصَوَّر أنَّ عَائِشَة -رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا- لا تَتَنَفَّل بِشَيْءٍ من الصِّيَام؛ لأنَّها تُؤَخِّر القَضَاء إلى شَعْبَان، إذاً فَمَتَى تَصُوم السِّت؟ ومَتَى تَصُوم عَرَفَة وعَاشُورَاء؟ يُتَصَوَّر أنَّ عائشة تُفَرِّط بهذِهِ الأيَّام التِّي ثَبَتَتْ عن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- الحثّ عليها، وبَعْضُها من طَرِيقِهَا؟ هل نقُول: أنَّ عَائِشَة تُفَرِّط فِي الصِّيَام المَنْدُوب، أو نقُول أنَّها تَصُوم النَّفْل قَبْلَ قَضَاء رَمَضَان؟ هُوَ لا شَكّ أنَّ قَضَاءَها رَمَضَان فِي شَعْبَان فِي عَهْدِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وبِحَضْرَتِهِ؛ لأنَّهُ هُو سَبب التَّأخِير؛ لأنَّ حَقَّهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عَلَيْهَا هُو سَبَبْ التَّأخِير، فلا يُتَصَوَّر أنَّ هذا مِن اجْتِهَادِها؛ بَلْ بِعِلْمِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-؛ لأنَّها فِي بَيْتِهِ، يَعْرِفْ مَتَى تَصُوم، ويَعْرِفْ مَتَى تُفْطِر، يعني يُصَوَّمْ الصِّبْيان فِي عَاشُورَاء وعَائِشَة -رَضِيَ اللهُ تعالى عَنْهَا- لا تَصُوم يَوْم عَاشُورَاء؟! هذا يَسْتَدِلُّ بِهِ من يقُول أنَّهُ يَجُوز التَّنَفُّل قَبل قَضَاء الفَرْض، ونَظِيرُ ذلك الرَّاتِبَة القَبْلِيَّة فِي الوَقْتِ المُتَّسِع تُقَدَّم، مَنْ جَاءَ بَعْد أَذَان الظُّهُر يُصَلِّي أَرْبَع رَكَعَات قَبْلَ الفَرِيضَة؛ لأنَّ الوَقْت مُتَّسِع، جَاء وقد قُدِّمَت جَنَازَة يُصَلِّي عَلَى الجَنَازَة ثُمَّ بعد ذلك يُصَلِّي الفَرِيضَة إِذَا تُصُوِّر أنَّها فَاتَتْهُ، وهُما قَوْلان لِأَهْلِ العِلْم؛ لكنَّ الأَكْثَر عَلَى أنَّهُ لا يُتَنَفَّل قَبْلَ أَدَاء الفَرْض، وجَاءَ مَا يَدُلُّ على ذلك أنَّهُ لا تُقْبَل نَافِلَة مَا لَمْ تُؤَدَّ فَرِيضَة، وجَاءَ أنَّ ذلك أَحَبّ إلى الله -جلَّ(1/3)
وعلا- ((ومَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَليهِ)) فَدَلَّ عَلَى أنَّهُ أَحَبّ، وعَلَى كُلِّ حَال هُمَا قَوْلَان لِكُلِّ قَوْلٍ أَدِلَّتُهُ، وعَلَى الإِنْسَانْ أنْ يُعْنَى بِالفَرْضْ؛ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ قَبْلَ أنْ يَفْجَأَهُ ما يَفْجَأَهُ مِنَ الأَجَلْ.(1/4)
أَثَر الثَّنَاء على أَهْلِ البِدَع
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
سائل يقول: ما أثر الثَّناء على أهل البدع والطَّعن في أهل السُّنة في زمن الفِتَنْ؟
لا شكَّ أنَّ الثَّناء يُغرِّر بالنَّاس، الثناء يغرر بالناس، والقَدْح يُنَفِّر النَّاس، فَكونُك تُغرِّر بالنَّاس في مَدْح منْ لا يستحقّ المَدْح هذا لا شكّ أنَّهُ غِش، وكونُكَ تُنفِّر النَّاس عَمَّنْ يَنْفع النَّاس لا شكّ أنَّ هذا قَطْع طريق، يعني عالم نَفَعَ اللهُ بِهِ، وعلى الجَادَّة، ثُمّ تقول فُلان لا يُؤْخَذ العلم عنهُ هذا قَطْع طريق، على طُلاَّب العلم أنْ يَسْتَفِيدُوا من هذا العالم، وتغريرك بالثَّناء الكاذب لمن لا يستحقُّ الثَّناء هذا لا شكّ أنَّهُ غِش، وأهلُ العلم يُقرِّرُون في شرح حديث: ((الدِّين النَّصِيحَة)) ومن الغِش لوليِّ الأمر غَرُّهُ بالثَّناء الكاذب، فلا يجُوز أنْ يُغَرّ أحد بالثَّناء الكاذب، نعم بعضُ النَّاس قد يجتهد في الثَّناء عليهِ لِيَصِل إلى مصلحةٍ أعْظَم، وهذا يَسْلُكُها بعض العُلماء الذِّينَ عَاصَرْناهُم من أهل العِلْم العمل وأهل الجِهَاد والدَّعوة، يَمْدَحُون وليَّ الأمر؛ لأنَّهُ بهذا المَدْح يَنْفَتِح قَلْبُهُ ويَنْشَرِح لِأُمورٍ هي من أعمال الخير، يَنْشَرِحُ لها أكثر ممَّا لو يحصل هذا المدح، وعلى كُلِّ حال الأُمُور بِمَقَاصِدِها، فَغَرُّ المُبتدع وغَرِّ النَّاس بِهِ لا شكّ أنَّهُ غِش؛ بل منْ أعظم أنواع الغِش؛ فإذا حُرِّمَ الغِش في الدِّرهم والدِّينار، فلَأَنْ يُحرَّم في أدْيَان النَّاس من باب أولى، فَكَونُهُ يمدح فُلانْ من المُبتدعة لا سيَّما في الجانب الذِّي فيهِ البِدْعَة؛ لكنْ لو مُدِح يُجيد علم النَّحُو مثلاً وهو من الأشاعِرة يُمْدَح في هذا الباب ويُنَبَّه على ما فيهِ منْ بِدْعة هذا ما يَمْنَع إنْ شاء الله تعالى، وفي شُيُوخ أئِمَّة الإسلام في العُلُوم الأُخرى لا أعني في علم قال الله وقال رسُولُهُ في(1/1)
شُيُوخهم من فيه شوبُ بِدعة، وقد رَوى الأئِمّةُ وعلى رأسِهم البُخاري ومُسلم عمَّن فيهِ شَوبُ بدْعة؛ لكنْ فيما لا يُؤيِّدُ بِدْعتهُ، مع بيانْ بِدْعتِهِ، والتَّحذير منهُ في هذا الباب، فَنُفرِّق بين إذا كان العِلْم لا يُوجد إلاّ عندهُ يُؤْخَذُ منهُ هذا العِلم؛ لكنْ مع بيان الواقِع، أمَّا أنْ يُمْدَح بإطْلاَق فيُقال يُمْدَح بما فيهِ من خير ولا يُذْكر ما فيهِ من بِدْعة، لا شكَّ أنَّ هذا تَغْرِير؛ لأنَّهُ قد يُؤْخذ عنهُ ما عندهُ من بِدْعة، يَغْتَرّ من يسمع هذا المَدْح، ثُمَّ يَأْخُذ عنهُ كُلّ شيء بما في ذلك بعض ما يَعْتَقِدُهُ ويَدْعُو إليهِ منْ بِدْعة، واللهُ المُستعان.(1/2)
أين اليقين في أوقات الابتلاء والضيق؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الاعتبار بما في النَّفس وما تحويه منْ بَدَنْ وجسد مُركَّب من لحم ودم وعظم وعَصَب وشَعَر وظُفر، كُل هذا إنَّما يَعْرِفُهُ منْ وَفَّقَهُ اللهُ -جلَّ وعلا- منْ يُزَاوِل مِهْنَة الطِّب، ولِذا نَجِد عند الأطِبَّاء من خَصَائِص الأعضاء، ومعرفة فوائد هذهِ الأعضاء ما لا نَجِدْهُ عند غيرهم، وأَدْرَجَ بعضُ المُفسِّرين من المُعاصرين بعض هذه الأُمُور مُتلقَّاةً من علم الطِّب، فعلى الإنسان أنْ يهتم بهذا الموضُوع؛ لأنَّهُ يزيدُ في إيمانِهِ، ويُرسِّخُ يَقِينَهُ، قد يقول قائل: اليقين والإيمان الحمدُ لله موجُود؛ لكنْ تَجِدُهُ موجُود في وقت السَّعة؛ لكنْ ابحث عنهُ في وقت الضِّيق، خله يحصل لك حادث ولا مُصيبة ولا لولدك أقرب النَّاس إليك وأحبّ النَّاس إليك أدنى شيء، شوف اليقين وين يروح! كثيرٌ من المُسلمين كلامُهُ دعوى! فإذا جاءت المضايق، وجاءت أوقات الامتحان وجدتهُ صِفْراً، وحصل لنا ولغيرنا مثل هذا، فما وجدنا شيء في وقت الضِّيق...(1/1)
لماذا؟! لأنَّ الكلام في الغالب لا يتجاوز اللِّسان إلى القلب هذه مُشكلتنا، واللهُ المُستعان، تجد ما شاء الله بعض النَّاس نحن وجدنا، يعني واحد من المشايخ عندهُ مُحاضرة بعد صلاة العشاء وتنتهي في الحادية عشرة، وكُنت على موعدٍ معهُ الساعة الحادية عشرة بعد نهاية المُحاضرة، وجلسنا عندهُ إلى وقتٍ مُتأخِّر، ونرجو أنْ يكُون هذا السَّمر، وإنْ كُنا نتذرَّع بذلك، وهذا السَّهر فيما ينفع -إنْ شاء الله تعالى-، نعم هو بالنِّسبة لذلك الشَّخص السَّمر معهُ ينفع بلا شك، فلما خرجنا من عنده السَّاعة الواحِدَة، والرَّجل لم يتغيَّر من وضعِهِ شيء على عادَتِهِ، في جِدِّهِ، وفي أسئِلَتِهِ، وفي تَبَسُّطِهِ على عادَتِهِ، فبعد أنْ خرجنا معهُ بعد رُبع ساعة قال لنا واحد من الإخوان أتدرُون ما الذِّي حصل للشيخ؟! قلنا والله ما ندري عن شيء، قال: ابنُهُ الأكبر وقعَ بين يديهِ مُغماً عليهِ فذهب بِهِ للمُستشفى وأُدْخِل العِناية المُركَّزة ولا يشعُر بشيء، والأطباء يقولون ما ندري وش اللي فيه! يعني أمر لا يُطاق يعني في تقديرنا، وما تعوَّدْناه، وما تربَّينا عليه، يعني لو أنَّ الولد يُصاب بأدْنَى شيء قَلِقَ الإنسان، وأَلْغَى كثير من ارتِبَاطَاتِهِ، والله العظيم إنْ هذا الواقِع، وآخر ولدهُ بكره يُصْدَم ويمُوت بحادث ونَزُورُهُ ونُعزِّيهِ ونُواسِيه، والله إنَّهُ أثْبَتْ مِنَّا وأَصْبَر!، وثالث وهو من الأطبَّاء قبل أقل من شهر، ولَدُهُ حافظ للقرآن وإمام للمسجد يخرج من بيتِهِ فيحصل عليه حادث ويمُوت ونأتِي لِتعْزِيَتِهِ حقيقةً إنْ كانت أيَّامُهُ كُلُّها على هذا الوضْع فهو سعيد، يعني في اليوم الذِّي مات فيه ولدهُ أو من الغد إنْ كان هذا وَضْعُهُ في أيَّامِهِ العَاديَّة في أيَّام سُرُورِهِ فالرَّجُل سعيد، هذا اليقين؛ لكن أين هو إذا وُجِد مثل هذه المَضايق، كثير من النَّاس ينسَى اليقين، ويَنسَى الدِّين كُلُّهُ؛ ثُم تجدهُ من(1/2)
أبْلَغ النَّاس إذا وَعَظ وتَجِدُهُ في هذا المجال صِفر، يعني هذا جرَّبناهُ في أنْفُسنا قبل النَّاس، يعني طلبة علم تقول له وين يا فُلان أين ما تعلَّمت؟! لا يُحير جواب، واللهُ المُستعان.(1/3)
كتمان العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
اللهُ -جلَّ وعلا- أخَذَ العهد والمِيثاق على منْ أُوتِيَ العِلم من هذه الأُمَّة ومن الأُمَم السَّابقة، مِمَّن أُوتِيَ العِلم من أهل الكتاب وهذه الأُمَّة، وجاء في ذلك آيات {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة/159]، وهي التِّي تجعل الإنْسان يُقْدِم على التَّحديث، وإلاّ فالتَّحديثُ مَزِلَّةُ قَدَم، قَدْ يُخطِئُ الإنسان فَيَقَع في حديث: ((من كَذَب)) ولو لمْ يَقْصِد، وأبُو هُريرة وهُو رَاوٍ في الإسلام، وأَحْفَظ الأُمَّة على الإطْلاق تَرَدَّد ولولا هاتان الآيتان الَّلتان أشار إليهما ما حَدَّث، وعلى كُلِّ حال على الإنْسان أنْ يَتَحرَّى، ولا يُحدِّث إلاَّ بما يعرف، ولا يجُوزُ لهُ أنْ يكتُم بحال ما يعرِفُهُ إذا سُئِلَ عنهُ وتَعَيَّنَ عليهِ، أمَّا إذا كان في البلد من يقُومُ بالواجب وأحَالَ إليهِ، فالسَّلفُ كثيراً ما يَتَدَافعُون الفَتْوى، فقد يدفع المُسْتَفْتِي إلى عشرة كُلٌّ يقُول اذهب إلى فُلان طَلَباً للسَّلامة وإيثاراً للعَافِيَة؛ لأنَّ الفَتْوى لها تَبِعات؛ لكنْ إذا تَعيَّن عليهِ وسُئِل عنْ علمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ اسْتَحَقَّ الوَعِيد.(1/1)
مَسْخُ القُلُوب أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((أما يَخْشَى الذِّي يَرْفعُ رأسَهُ قبل الإمام أنْ يُحوِّلَ اللهُ رأسَهُ رأسَ حِمَار - أو - يجعل صُورتهُ صُورة حِمَار)) هذا وعيدٌ شديد، والعُلماء يختلفُون في حُكم صلاة المُسابق الذِّي يُسابق الإمام، فمنهم من قال ببُطلانِها للوعيد الشَّديد؛ ولأنَّهُ لا وحدَهُ صلَّى ولا بإمامِهِ اقْتَدى، ومنهُم من يقول صلاتُهُ صحيحة؛ لأنَّهُ مع هذا الوعيد الشَّديد لمْ يُؤْمَر بالإعادة، الجُمهُور على أنَّ صلاتَهُ صحيحة؛ لأنَّهُ لم يُؤْمَر بالإعادة، وأهلُ الظَّاهر ورواية عن أحمد أنَّ صلاتَهُ باطِلَة عليهِ أنْ يُعيدها ((أما يَخْشَى الذِّي يَرْفعُ رأسَهُ قبل الإمام أنْ يُحوِّلَ اللهُ صُورتهُ صُورة حِمَار)) هذا مَسْخ بلا شك ووعيد على ارتِكاب هذا المُحرَّم.. وأيُّهُما أسهل عُقُوبة الدُّنيا أو عُقُوبة الآخرة؟! إذاً أسهل على الإنسان أنْ تُحوَّل صُورتُهُ صُورة حِمار ولا تُدَّخَر لهُ العُقُوبة في الآخِرة؟ يعني المنصُوص عليهِ في حديث المُتلاعنين إنَّ عذاب الدُّنيا أسْهل من عذاب الآخرة بلا شك، إذا مُسِخ عُوقِب في الدُّنيا ولم يَجْمَع اللهُ لهُ بين عُقُوبتين؛ لكنْ إذا لمْ يُمْسَخ؟! ما فيه شكّ أنَّ الإنْسان يَسْتَعْظِم وُجُود مثل هذا الأمر، شيءٍ فُوق ما يَتَصَوَّرَهُ الإنْسَانْ أو يَتَخَيَّل أنَّهُ يُصلِّي مع النَّاس ويطلع رأسُهُ رأس حمار!؛ لكنْ مع ذلك لا يَرْتَدِعْ بعض النَّاس، والأمر ليسَ بالسَّهل، وعُقُوبة الآخرة أعْظَم من عُقُوبة الدُّنيا، ومَسْخُ القُلُوب أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ، مَسْخُ القُلُوب يُقرِّرُ أهلُ العِلْم أنَّهُ أعْظَمُ منْ مَسْخ الأبْدَانْ، ولذلك تَجِد الإنْسَان تَمُر عليهِ الأوامر والنَّواهِي ولا كَأَنْها شيء، واللهُ المُستعان.(1/1)
كلمة توجيهية لطلاب العلم للاهتمام بالوقت
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول كلمة توجيهية لطلبة العلم للاهتمام بالوقت.
لا شكَّ أنَّ العُمُر هُو الوَقْت، فُلانْ مِن النَّاس زيد يُسَاوي هذِهِ الدَّقَائِقْ التِّي يَعِيشُها؛ فَإِنَّ أَحْسَنَ اغْتِنَام هذا الوَقْت صَار مُحْسِنًا إلى نَفْسِهِ، حَرِيصًا على نَفْعِهَا ، حَرِيصًا على خَلَاصِهَا، وإنْ ضَيَّعَها عَادْ هُو الخَسْرَانْ، فَعَلَى طالب العِلم أنْ يُعْنَى بِالوَقْت ويَسْتَثْمِرُهُ.(1/1)
من أوصافِهِ عليهِ الصَّلاة والسَّلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أَجْمَل الخَلْقْ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وأَكْمَلْ الخَلْق، وهُو أَحْسَنْ النَّاس خَلْقًا وخُلُقًا، لهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ إِلَى مَنْكِبَيْه، يَعْنِي إلى كَتِفَيْهِ، بَعِيدُ ما بَيْنَ المَنْكِبَيْنْ، يَعْنِي أَعْلَى الظَّهَر عَرِيضْ، وصَدْرُهُ مُتَّسَع -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وجَاءَتْ الأَوْصَاف الدَّقِيقَة فِي كُتُبْ الشَّمَائِل التِّي مَعَ الأَسَفْ كَثِير مِنْ طُلَّابِ العِلْم لا يُرَاجِعها، ولا يَتِمُّ الإِقْتِدَاء بِالنَّبِي القُدْوَة الأُسْوَة حَتَّى يَعْرِف أَوْصَافَه -عليه الصَّلاة والسَّلام- الخَلْقِيَّة والخُلُقِيَّة بَعِيدُ ما بين المَنْكِبَيْنْ لَيْسَ بِالقَصِير ولا بِالطَّويل، يعني رَبْعَه -عليه الصَّلاة والسَّلام-، لَيْسَ بِالقَصِير ولا بِالطَّويل؛ وإِنَّما رِبْعَه مِن الرِّجَال.(1/1)
منزلة المُراقبة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، يعني لو تَصَوَّرْنَا أنَّ الزَّانِي وهو يُزَاوِلُ هَذِهِ الفَاحِشَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله -جلَّ وعلا- مُطَّلِعٌ عَليهِ، ما أَقْدَم على هذِهِ المَعْصِيَة، لو اسْتَحْضَرْنَا أنَّ المُرَابِي وهو يَعْقِد الصَّفْقَة يَسْتَحْضِر أنَّ الله مُطَّلِعٌ عَليهِ وأنَّهُ يُزَاوِلُ حَرْبَ الله -جلَّ وعلا- ما أَقْدَم على هذا العَمَل؛ لَكِنْ الذِّي يَقُودُ إلى هذِهِ الأُمُور الغَفْلَة، والغَفْلَة عُقُوبة من الله -جلَّ وعلا-، سَبَبُها ما يُغَطِّي القُلُوب منْ غَشَاوَة الذُّنُوب، هذا هُو الرَّان، إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بَلْ ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاتِهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، يعني نَسْمَع في سِيَر المُتَقَدِّمِينْ التَّلَذُّذ بِمُنَاجَاةِ الله، الوَحْشَة مِنْ مُجَالَسَة المَخْلُوقِينْ، أَظُن هذا ضَرْب من الخَيَال...(1/1)
لماذا؟ لِأَنَّ الإِنْسَان يُؤَدِّي هذِهِ العِبَادَة عَلَى وَجْهٍ قَدْ لا يُكْتَبْ لَهُ مِنْ أَجْرِهَا شَيْئًا، يَأْتِي بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا؛ لَكِنْ لا يَحْضُر قَلْبُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا، مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَرْتَاحُ بِهَا المُتَعَبِّد؟ هذِهِ الصَّلاة التِّي يُكَبِّر تَكْبِيرَة الإِحْرَام ويُسَلِّم ولا اسْتَحْضَر مِنْها شَيْء مِثْل هذِهِ العِبَادَة يَتَلَذَّذْ بِهَا صَاحِبُهُا؟ يَتَلَذَّذ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ إِذَا سَجَد وانْطَرَحَ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ أَبَداً! تَجِدْهُ مَتَى يَنْتَهِي مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ العِبَادَة، الآنْ وُجِدَتْ السَّاعَاتْ فِي جُدْرَانِ المَسَاجِدْ تَجِدْ الإِنْسَانْ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مِنْ دُخُولِهِ! مِنْ تَكْبِيرة الإِحْرَام إلى السَّلام وعَيْنُهُ فِي السَّاعة مَتَى ينتهي؟ لماذا؟ لِيُرُوح يَسْتَانَسْ مع فُلانْ وعَلَّانْ، عَكْسْ مَا عليهِ سَلَفْ هذِهِ الأُمَّة، مِنْ أُنْسِهِمْ بِالله، وتَلَذُّذِهِمْ بِمُنَاجَاتِهِ، واسْتِيحَاشِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، واللهُ المُسْتَعَانْ.
أقول: إذا حقَّقَ المُسْلِم مَنْزِلَة المُرَاقَبَة، واسْتَحْضَر قُرْبَ الله مِنْهُ اسْتَحْيَا مِنْهُ، وَتَرَكَ ما يُسْخِطُهُ؛ بل ما لا يُقَرِّبُ إِليِهِ، واهْتَمّ بما يُقَرِّبُ منهُ حتى تَقَرّ عَيْنُهُ بِعِبَادَتِهِ، ويَأْنَسْ بِمُنَاجَاةِ ربِّهِ، ويَسْتَوْحِشْ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِسَلَفِ هذِهِ الأُمَّة، بِخِلافِ مَنْ غَفَلَ عَنْ مُرَاقَبَةِ الله -جَلَّ وعَلا-؛ فَإِنَّهُ لا يَتَلَذَّذ بِعِبَادَة؛ بَلْ تَثْقلُ عليهِ، ويَأْنَسْ بِغَيْرِهِ، وهَذَا أَمْرٌ مُشَاهِدٌ مُجَرَّب.(1/2)
وصايا للزَّوج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((حتَّى ما تجعلُ في فيّ امرأتك)) هذا من حُسْن العشرة والتَّعامُل، يعني تأخُذ اللُّقمة وتَضَعُها في فيّها، بعضُ النَّاس يَأْنَف من هذا ويَتَكَبَّر؛ لكنْ هذا لا شكَّ أنَّهُ من العِشرة بالمعرُوف، وبعض النَّاس إذا دَخَل بيته مثل الإمبراطُور ما يُريد أحد يتنفَّس، والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في خِدْمَةِ أهلِهِ {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة/228]، تُريد منك احترام وتقدير مثل ما تُريد منها، هي امرأة، إنسانة كاملة الحُقُوق، ويَبْقَى أنَّ الرَّجُل هُو الرَّاعِي، وهُو القَوَّام على من تحت يَدِهِ، لا نقول إنَّ المرأة مثل الرَّجُل، لا، من المعلُوم بالضَّرُورة من دين الإسلام أنَّ الله -جلَّ وعلا- فَضَّلَ الجِنْس على الجِنْس {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة/228]؛ لكن لا يعني هذا أنَّك تستغِل هذهِ القِوامة، وهذهِ الدَّرجة لِتجْعَلَها مُسَخَّرة مُذَلَّلة، لا يا أخي؛ لأنَّ الله -جلَّ وعلا- يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة/228]، فلك حُقُوق ولها حُقُوق، وتُريدُها تتعامل معك باحترام وتقدير احْتَرِمْها وقَدِّرْها، هي إنسانة لها حُقُوق ولها مشاعر ولها نَفْس مِثلك، ابن عبَّاس يقول: (نِّي لأتَجَمَّلُ لها كما أُحِب أنْ تَتَجَمَّل لي) ((حتَّى ما تجعلُ في فيّ امرأتك)) يعني في فمها.(1/1)
أمور مهمة لا بد أن يحذرها طالب العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العلم الشَّرعيّ من أُمُور الآخرة المحضة التِّي لا يجُوزُ التَّشريك فيها، في طلبها فضلا عنْ أنْ تُطلب بغير نِيَّة أو رياء أو سُمعة أو لِيُقال، وقد جاء التَّحذير من ذلك أشدّ التَّحذير، وأبْلَغ التَّنفير، ففي حديث الثَّلاثة الذِّين هم أول من تُسَعَّر بهم النَّار منهم منْ تعلَّم العلم وعلَّمَهُ، قد يُمضِي عُمرَهُ كُلُّهُ مئة سنة نِصْفُها في التَّعلُّم والنِّصف الثَّاني في التَّعليم؛ ثُمَّ يكون بعد ذلك أحد الثَّلاثة الذِّين هم أول من تُسَعَّر بهم النَّار، ماذا صنعت يا فُلان؟! تعلَّمت العلم وعلَّمتَهُ النَّاس – لا – إنَّما تعلَّمت ليُقال وقد قِيل! ومِثْلُهُ المُجاهد الذِّي يَبْذُلُ نَفْسَهُ ومُهْجَتُهُ فيما يبدُو للنَّاس ويَظْهَر للنَّاس أنَّهُ يُقدِّمُها لإعلاءِ كلمة الله -جلَّ وعلا- والأمْرُ خِلاف ذلك، إنَّما لِيُقال شُجاع، وثَالِثُهُم الذِّي يَتَصَدَّق بالأموال الطَّائِلَة ليُقال جَوَاد، واللهُ المُستعان. يقول الشيخ حافظ الحكمي -رحمهُ الله تعالى- في مِيميَّتِهِ في الوَصِيَّةِ بالعِلم وطَلَبِهِ، وهي منْظُومَة جَدِيرٌ بطالب العلم أنْ يَحْفَظَها ويُعْنَى بها، يقول -رحمهُ الله تعالى-:
ومَن يَكُنْ لِيَقُولَ الناسُ يَطْلُبُهُ ... أخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ
فالإنْسَانْ عليهِ أنْ يَتَفَقَّد هذهِ النِّيَّة، فالنِّيَّةُ شَرُود، يَأْتِي لِيَطْلُبَ العلم، ثُمَّ يَغْفُل عنْ هذهِ النِّيَّة فَتَشْرُد
ومَن يَكُنْ لِيَقُولَ الناسُ يَطْلُبُهُ ... أخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ
فَلْيَطْلُب العِلْم طَالِبُهُ مُخلِصاً لله -عزَّ وجل-، مُبْتَغِياً بِهِ وجه الله -جلَّ وعلا- والدَّار الآخرة، ولْيَحْذَر من المُراءاة، والمُمَاراة، يقول الشيخ حافظ أيضاً -رحمهُ الله-:(1/1)
إيَّاكَ واحْذَرْ مُمارَاةَ السَّفِيهِ بِهِ ... كَذا مُباهاةَ أهْلِ العِلْمِ لا تَرُمِ
لِيَحْذَر طالب العِلم أيضاً الكِبر، يعني إذا كان مِمَّنْ أُوتِي مَزِيد منْ حِفْظ أو فَهم لا يَتَرَفَّع على الآخَرِين، لا يَتَكَبَّر على غَيْرِهِ؛ لأنَّ المُتَكَبِّر يُصْرَفْ عن الإفَادة من العِلْم الشَّرعيّ لا سِيَّما ما يتعلَّق بالقرآن الكريم الذِّي هو أصلُ العلُوم كُلَّها {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف/ 146] المُتَكَبِّر يُصْرَف عن الاسْتِفَادة، وبهذا ردَّ مُفتي حضرموت الشيخ عبد الرحمن بن عُبيد الله السَّقَّاف ردَّ على من اتَّهَم شيخ الإسلام ابن تيميَّة بالكِبْر؛ لأنْ بعض من تَرْجَم لهُ نَبَزَهُ بالكِبْر، شيخ الإسلام إمام من أئِمَّة المُسْلِمين، إمام عِلْم وعَمَل وتَواضُع وتَقْوَى ونَشر للعلم وجِهاد في سبيل الله، ويَأتِيك من يَنْبُزُهُ بمثل هذا! ماذا قال مُفتي حضرموت عبد الرحمن بن عُبيد الله السَّقَّاف؟! لهُ مُحاضرة ألْقَاها في تحقيق الفرق بين العَامِلِ بِعِلْمِهِ وغَيْرِهِ نَفَى الكِبْر عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة، قد يكُون مِمَّن يختلف مع شيخ الإسلام في بعضِ الأُمُور؛ لكنَّها كلمة حق، نَفَى الكِبْر عن شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واسْتَنَد في نَقْضِ كلامِهِ الكلام الذِّي ادَّعَى هذهِ الدَّعْوَى إلى أنَّهُ رَأَى القُرآن على طَرَفِ لِسَانِهِ، وأَسَلَةِ قَلَمِهِ...(1/2)
كيف يُيَسَّر لهُ القُرآن لمِثلِ هذا وفيهِ شيء من الكِبْر؟! وعَلَّق الإمام البُخاري عن مُجاهد: "لا يَتَعَلَّمُ العِلْم مُسْتَحيٍ ولا مُسْتَكْبِر" ومُسْتَحي بالياء بياءينْ مُستحيي ولا مُسْتَكْبِر، لا شكَّ أنَّ الذِّي يَسْتَحِي، والمُرادُ بالحَيَاء الحَيَاء العُرْفِي لا الحَيَاء الشَّرعيّ؛ لأنَّ الحَيَاء في الشَّرع خيرٌ كُلُّهُ، والحَيَاء لا يَأتِي إلا بِخَيْر؛ لكنْ الحَيَاء في عُرْف النَّاس الذِّي يَمْنَع من تَحْصِيل العِلْم، ويَمْنَع من إنْكَار المُنْكَر، ويَمْنَع من تَوجِيه النَّاس ونُصْحِهِم، وإِرْشَادِهِم، مِثل هذا مَذْمُوم، وحِينَئِذٍ لا يُدْرِك من العِلْم من اتَّصَفَ بهذا الوَصْف، وهو الحَيَاء الذِّي يَمْنَعُهُ، قد يَجْلِس الطَّالِب وفي نَفْسِهِ أشْيَاء مُشْكِلَة فَيَسْتَحِي يَسْأل الشيخ، أو من لفظٍ آخر يَخْجَل أنْ يَسْأل الشيخ، فَتَسْتَمِر هذهِ الإشكالات عندَهُ... فكيفَ تَنْجَلِي هذهِ المُشْكِلات إلاَّ بالسُّؤَال، ولا مُسْتَكْبِر، قَدْ يَسْتَكْبِر ويَسْتَنْكِفْ ويَتَرَفَّع عنْ أنْ يسأل هذا السُّؤال بين النَّاس، ويُظْهِر للنَّاس أنَّهُ فوق مثل هذا السُّؤال، وبهذا يُحْرَم العلم.(1/3)
ومِمَّا يَتَعَيَّن على طالب العلم الحَذَر منهُ: العُجْبْ والإعجاب ورُؤية النَّفس، ولا شكَّ أنَّ هذا من الأمراض المَقِيتة؛ فإذا كان الإنْسَانْ إذا أُعْجِبْ بما أُوتِي من أُمُور الدُّنيا قد يُعْطَى الإنسان من هذهِ الدُّنيا الشَّيء الكثير ويَسْتَفيد منهُ في أُمُور دينِهِ ودُنْيَاهُ؛ لكنْ متى يُذَمْ؟! إذا طَغَى، ومتى يَطْغَى؟! أنْ رآهُ اسْتَغْنَى، يعني إذا رَأَى أنَّهُ اسْتَغْنَى، وهُنا طالبُ العلم إذا رأَى أنَّهُ حَصَّلَ ما يُغْنِيهِ عنْ غيرِهِ، وأُعْجِبَ بنفسِهِ، حِينئذٍ يَهْلِك، إذا وَصِل إلى هذهِ المرحلة لا شكَّ أنَّهُ وَصِلَ إلى مَرَضٍ مُزْمِنْ يحتاجُ إلى عِلاجٍ قويّ، مَاحقٍ لِبَرَكةِ العِلْمِ والعمل، يقول الشيخ حافظ -رحمهُ الله- في مِيمِيَّتِهِ التِّي أَشَرْتُ إليها:
والعُجْبَ فاحْذَرْهُ إنَّ العُجْبَ مُجْتَرِف ... أعْمالَ صاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ(1/4)
طالب العلم يَنْبَغِي أنْ يَتَفَقَّد القلب، والقلب لا يَخْفَى عليكم أنَّهُ جميع الخِطابات الشَّرعيَّة جاءت مُوجَّهة إلى إيش؟! إلى القلب، ((ألا وأنَّ في الجسدِ مُضْغَة إذا صَلُحَتْ صَلُح الجَسَدُ كُلَّهُ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدَ كُلَّهُ ألا وهي القلب)) {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء/ 88 -89]، فالقلب على طالب العلم أنْ يُعْنَى بِهِ، ويَتَرَفَّعْ عنْ هذهِ الأمْرَاضْ والأَدْوَاءْ، أيْضاً على طالبِ العِلْم أنْ يَطْرَح الكَسَلْ، ويُشَمِّر عن سَاعِدِ الجِدّ في الطَّلب؛ فإنَّ العِلْم لا يُنالُ بِراحةِ الجِسْم نَقَلَهُ الإمامُ مُسْلم عن يحيى بن أبي كثير: "العِلْم لا يُسْتَطَاع بِراحة الجِسْم" ما هو بتمنِّي المسألة وإلا كان كلّ النَّاس عُلماء، كلٍّ يعرف منزلة العُلماء؛ لكنْ دُونهُ خرطُ القَتَاد! لا بُدَّ من الجِدِّ والاجتهاد، لا بُدَّ من ثَنْيِ النَّفْس وغسلها عن شَهَواتِها، وما حصَّل أهلُ العلم ما حَصَّلُوا إلا بالسَّهَر، إذا أرَادَ الطَّالب سُلُوك هذا الطَّريق بعد أنْ يَبْذُل الأسباب، ويَسْعَى في البَراءَةِ من هذهِ الموانع التِّي أشرنا إلى بعضِها، يَسْلُك أسباب التَّحصيل، ويَبْرَأ من الموانع، فَلْيَسْلُك الجَواد المَعْرُوفة عند أهل التَّحقيق من العُلماء الرَّاسِخِينْ الذِّين يُرَبُّونَ طُلاَّبَهُم على العِلْم النَّافع والعَمَل الصَّالح على الكِتابِ والسُّنَّة، وعقِيدَة أهلِ السُّنَّة والجماعة.(1/5)
حُدُود الوَسَطِيَّة ومفهُومها
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أثابكم الله.. هذا سؤال من أحد الأخوة الحضور يسأل عن حُدُود الوَسَطِيَّة ومفهُومها، يقول: لأنَّ من النَّاس منْ يَذُمّ التَّمييع والتَّساهُل ويهرب طالباً الوسطيَّة وإذا هو يسقط مع الجانب الآخر وهو جانب التَّنطُّع والغلو والتَّشدُّد، ومنهم بالعكس من يَذُمّ التَّنطُّع والغلو ويهرب طالباً الوسطيَّة ثُم يسقط مع جانب التَّسهيل والتَّيسير على ما يذكُر... فما حُدُود الوسطيَّة ومَفْهُومُها؟(1/1)
الوَسَطِيَّة هي سِمَةُ هذا الدِّينْ، وهي سِمَةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، فالدِّين وسط بين الأدْيَان، وأهلُ السُّنَّة والجماعة وسط بين المَذَاهب، وشيخ الإسلام -رحمهُ الله تعالى- أَبْدَعَ في تقرير مذهب أهلِ السُّنَّة والجماعة في الواسِطِيَّة حينما شرح طرفي النَّقيض في كل مسألةٍ من مسائل الاعتقاد ثُمَّ قال وأهل السُّنَّة وسطٌ في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا إلى آخرهِ، فالوسط هو أنْ تَتَّقِيَ الله -جلَّ وعلا- وتَسْأَلَهُ الإعانة والتَّوفِيق والتَّسديد، وأنْ تعمل الواجِبَات وتترُك المُحرَّمات، إذا أُمِرْتَ بشيء فَبَادِر إلى العملِ بِهِ، وإذا نُهيتَ عن شيء فبَادِر إلى الامْتِناع عنهُ ((إذا أمرتُكُم بشيءٍ فأتُوا منهُ ما استطعتُم، وإذا نهيتُكُم عن شيءٍ فاجْتَنِبُوه))، ((إنَّ الدِّين يُسْر ولنْ يُشادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبهُ))، ((يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، بَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا))، المَقْصُود أنَّ دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شكَّ أنَّ التَّكاليف تكاليف وهي إِلْزَامٌ فيهِ كُلْفَة على النَّفْسْ، الواجِبَات فيها كُلْفَة على النَّفْسْ ، تارك المُحرَّمات ورَغَبَات النُّفُوس فيها كُلْفَة على النَّفْسْ، لا يعني أنَّ الدِّين وسَط، وأنَّهُ يُسر، بأنَّنا نَتَفَلَّتْ من الواجِبَاتْ، ونَرتكبُ المُحرَّمات والدِّين يُسْر – لا يا أخي – اللهُ -جلَّ وعلا- الذِّي قال: إنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، هُو شَدِيدُ العِقَابِ أَيْضاً؛ فَأَنْتَ مَأْمُورٌ ومَنْهِي، فَعَلَيْكَ أَنْ تَأْتَمِر بقَدْر طاقتك واستِطاعَتِك {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة/286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطَّلاق/7]؛ لكنْ أيضاً عليك أنْ تنتهي، فالجنَّةُ حُفَّت بالمكاره؛ لأنَّ بعض النَّاس يستغلّ مثل هذهِ النُّصُوص على التَّنَصُّلْ من الدِّين بالكُلِّيَّة، وهذا(1/2)
مَسْلَكٌ سَلَكَهُ بعض المُبْتَدِعة إلى أنْ وَصِلُوا إلى حدٍّ تَوََلَّغَوا فيهِ، خَرَجُوا من الدِّين بالكُلِّيَّة، فالدِّين مجموعة وعبارة عن أوامِر ونَواهي، والجنَّةُ حُفَّت بالمكاره، فأنت اسْتَفْتِ قلبك إذا عُرِضَ عليك أمر؛ فإنْ كُنتَ من أهلِ النَّظر والاسْتِدْلال وعندَكَ من الدَّليل ما يَدْعُوكَ إلى الإقْدَام عليهِ فَأَقْدِمْ، وما يدْعُوك إلى الإحْجَامِ عنهُ فَأَحْجِمْ، إذا لمْ تَكُنْ من أهلِ النَّظر فَفَرْضُكَ التَّقليد وسُؤال أهل العلم، فاسأل من تَبْرَأ الذِّمَّة بِتَقْلِيدِهِ، اسأل أهل العلم، اسأل الدِّين، اسأل الوَرَع..
ولَيْسَ في فَتْواهُ مُفْتٍ مُتَّبَع ... مَا لمْ يُضِفْ للعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ(1/3)
فالمَسْألة دَائِرةٌ بين أمرين، والنَّاس اثنان، أحدُهما صاحبُ علمٍ ونَظَر مثل هذا فَرْضُهُ النَّظر ينظُر في النُّصُوص على أنَّها دِينْ، لا على أنَّها إتِّباع شَهَواتْ؛ بل بعض النَّاس ينظُر في المذاهب لا يَنْظُر في النُّصُوص، يقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ما خُيِّرَ بينَ أَمْرَيْنْ إلاَّ اختَار أيْسَرَهُما)) أبُو حنيفة يقول كذا ومالك يقول كذا، إذاً أبو حنيفة أَسْهَل أو مالك أسهل؟! مالك إمامٌ مُعْتَبَر، مالك نجمُ السُّنَنْ، أبُو حنيفة الإمام الأعظم، كُلُّهُم أَئِمَّة، وكُلُّهُم على العَيْن والرَّأْس؛ لكنْ وش معنى هذا؟! هذا أنَّك تَتْبَع هواك ما تَتْبَع الدِّينْ، انْظُر في أَدِلَّةِ هؤُلاء وهَؤُلاء، ثُمَّ إذا تَرَجَّحَ عِندك فَاعْمَل بِما تَدِينُ الله بِهِ، واتْرُك عنكَ بُنَيَّاتِ الطَّريق ولو كَثُرَ الكلام، ولو كَثُرتْ الدندنة، ولو كَثُر من يَخْرُج في القنوات ويُقلِّلْ من شَأْنِ الدِّينْ والمُتَدَيِّنِينْ، ويُريد أنْ يُخرِج النَّاس مِنْ أَدْيَانِهِمْ بِالفَتَاوى المَائِعَة التِّي لا تَعْتَمِد لا على عَقِل ولا على نَقِلْ؛ فعلى الإنسان إنْ كانَ من أهلِ النَّظر أنْ يَعْمَل بما يَدِينُ الله بِهِ منْ خِلال الدليل الصَّحيح، وإنْ لَمْ يَكُنْ منْ أهلِ النَّظر، فَعَلَيْهِ أنْ يُقلِّد مَنْ تَبْرَأُ الذِّمَّة بِتَقْلِيدِهِ، واللهُ المُستعان.(1/4)
حياةُ العلم مُذاكرتُهُ، فكيف تكُونُ مُدَارَسَتُهُ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: حياة العلم مُذاكرتُه، فكيف تكون مُدارسة العلم ومُذاكرته، وكيف يُراجع طالب العلم جميع العلُوم؟ فالعلم مع الأيام يُنسى والأشغال تَكثُر فكيف نُراجع؟ تَعِبنَا نُراجع وننسى!
مُذاكرة العلم مع الأقران قبل وبعد؛ قبل الدَّرس وبعده، ينتقي طالب العلم خمسة من أقرانِهِ يُقارِبُونَهُ في الفهم وفي الحفظ ويتعاون معهم على هذا الأمر، وهذا لا شك أنَّهُ من أعظمِ أنواع التَّعاون على البِر والتقوى، فهؤلاء الخمسة أو الستة أو العشرة مثلاً؛ يجتمعون قبل الدَّرس ثُمَّ يقرؤُون القَدْر المُقرَّر شرحُهُ في الدَّرس، ثُمَّ يقرؤُون القَدْر المُقرر شرحُه في الدرس، ويَحفَظُونَه كل واحد يُراجِع على الثَّاني، ثُمَّ بعد ذلك ينصرف كُل واحد في زاوية ومَعَهُ ورقة وقَلَم ويُعَلِّق على هذا الكلام؛ يَشرَح هذا الكلام من تِلقَاء نَفْسِه، يَشرَح هذا الكلام من تِلقَاء نَفْسِه، ثُمَّ بعد ذلك يَقرؤون كُل واحد يُصَحِح للثَّاني، إذا انتهوا من هذا قرؤوا الشَّرح على هذا الكلام مِنْ قِبَل أهل العِلم، نفترض أَنَّهُ مقطع خمسة أسطر من زاد المُستقنع؛ يحفظونه إذا كان الشيخ يُطالِب بالحِفْظ وكُل واحد يضع عليه شرح أو حاشية حَسَب اِستِطَاعَتِه؛ حسب فهمه وتصوره لهذه المسألة، ثُمَّ بعد ذلك يُصَحِح كل واحد للثَّاني ويُراجِعُون الشَّرح الرَّوض المُربع أو المُمْتِع أو غَيرَهُما من الشُّروح يُراجِعُونها؛ يُصَحِحُون الأخطاء التي وَقَعُوا فيها، ثُمَّ يُرَاجِعُون إذا كان هُنَاك حَوَاشِي، وبَعدَ ذَلِك يَذهَبُون إلى الدَّرس، الآن عِنْدَهُم تَصَور شبه كامل عن الدَّرس، يَسْمَعُون ما يَزِيدُه الشيخ على مَا تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُم، يَسْمَعُون ما يَزِيدُه الشيخ على مَا تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُم، ثُمَّ إذا رَجَعُوا تَنَاقَشُوا؛ كُل واحد يَسْأَل الثَّانِي عَنْ مَا حَصَل فِي(1/1)
الدَّرس وقَبْل الدَّرس، بعد هذا لا يحتَاجُون إلى مُرَاجَعَة، أَبَدًا لا يحتَاجُون إلى مُرَاجَعَة، وهذه طريقة شرحها الشيخ عبد القادر بن بَدْرَان الدُّومِيُّ فِي كِتَابٍ لَهُ مِنْ أَمْتَعِ الكُتُبْ اسْمُهُ: المَدْخَل إلى فِقْهِ الإِمام أحمد بن حَنْبَل.(1/2)
موعظة بليغة وجِلت منها القلوب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب)) خافت؛ لكنْ قُلُوب من؟! قُلُوب الصَّحابة، ومن يُضَاهِيهم ويُحاكِيهم مِمَّن نوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال/2] ومن النَّاس مع قَسَاوة القلوب التِّي نعيشُها وإلى المُشتكى لا فرق بين أنْ يُوعَظ ويُذكَّر بالقرآن أو بصحيح السُّنَّة، وبين أنْ يُقرأ عليه قُصاصة من جريدة، أو يسمع خبر من الأخبار من وسيلة – لا فرق –،والنبي -ليه الصلاة والسلام-كما في الحديث المُختلف فيهِ، يقول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((شيَّبتني هُود وأخواتُها)) وأتحدَّثُ عن نفسي أنَّني بدأتُ بسُورة يُونس فلم أشعُر إلاّ وأنا في يُوسف، فما الأثر الذِّي تركَتْهُ هُود في نفسي؟! وأَجْزِم أنَّ مثلي موجُود في طُلاَّب العلم...(1/1)
هل هذهِ هي القراءة التِّي تترتَّب عليها آثارُها، على الإنسان أنْ يُعيد حساباتِهِ، حَاسِب نفسك، زُرَارَةُ بن أوفى سَمِعَ الإمام وهو يقول: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المُدَّثِّر/8] قالوا خرَّ مغْشِيًّا عليهِ فمات! وبعض النَّاس يُنْكِر مثل هذا القول، ومِمَّن يُنْكِرُهُ من المُتقدِّمين ابن سيرين، يقول لا يُمكن أنْ يُغمى على الإنسان أو يُغشى عليهِ ويُصاب بالغشِي؛ لأنَّهُ يسمع القرآن،والرسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وصحابتُهُ الكِرام سَمِعُوا وما حصل لهم شيء من هذا، واختبرُوا من يَدَّعِي ذلك فاجْعَلُوهُ على جِدار واقرؤُوا القُرآن إنْ سَقَط من الجِدَار فهو صادق، وجمْعٌ من أهل التَّحقيق ومنهم شيخ الإسلام يرى أنَّهُ لا مانع من وُقُوعِ هذا من بعض النَّاس، لا شكَّ أنَّ القرآن ثقيل، وأَثَرُهُ في القُلُوبِ بالغ؛ لكنَّ القُلُوب تَتَفَاوتْ، منها القلب القويّ كَقَلْبِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وقُلُوب صَحابَتِهِ الكِرام هؤُلاءِ يَتَقَبَّلُونَ هذا الكلام القويّ، هذا الكلام الثَّقيل بِقُلُوبٍ قَويَّة فَيَتَحَمَّلُون، يَتَأثَّرُون تأثُّراً بالِغاً؛ لكنَّهُم يَتَحَمَّلُون، منْ جَاءَ بعدهُم اسْتَشْعَرُوا هذهِ العَظَمَة، وهذا الثِّقَلْ لِكَلامِ الله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ قُلُوب بعض الصَّحابة ضَعُفَتْ فَصَارُوا لا يَتَحَمَّلُون مثل هذا الكلام الثَّقِيل، وهُم يَسْتَشْعِرُون عَظَمَة ما يَسْمَعُون فَيَحْصُل لهُم ما يَحْصُل؛ ثُمَّ طالَ بالنَّاس الزَّمان معَ ضَعْفِ القُلُوب – ما نقُول قَوِيَت القُلُوب – القلوب ضعيفة؛ لكنْ اسْتِشْعَار عَظَمة القُرآن خَفَّتْ في قُلُوب المُسلمين، اسْتِشْعَار العَظَمَة خَفَّتْ؛ لذا لا يَتَأثَّرُون؛ لكن ما الدَّليل على أنَّ قُلُوبَهُم ضعيفة، لو حَصَل للإنْسَانْ منهم أدْنَى مُشكِلة تَغَيَّرَتْ حِسَابَاتُهُ، وكادَ أنْ يُجَنّ بِسَبَبِها، وقد يُصَاب بالإغْمَاء(1/2)
بالغُشِيّ كما حصل في بعض الكَوَارِثْ التِّجاريَّة أو المصائب التِّي تحصُل لبعض النَّاس... هل هذا هو القلب القوي الذِّي تأثَّر بِأُمُور دُنْيَاهُ؟! هذا ليسَ بِقلْبٍ قويّ؛ لكنْ كونُهُ لا يَتَأثَّر بالقُرآن مع عَظَمَتِهِ وقُوَّتِهِ وثِقَلِهِ؛ لأنَّهُ لا يستشعرها، لا يَسْتَشْعِر هذهِ العَظَمَة؛ فالصَّحابة يَتَأَثَّرُونْ، ومنْ يَسْتَشْعِر عَظَمة هذا القُرآن يَتَأَثَّرُونْ.
((فوعظنا موعظةً بليغة وجِلت منها القلوب وذّرَفَتْ منها العُيُونْ)) والحديث كما قَرَّرْنا ضعيف للانقِطاع؛ لكنْ ألفَاظُهُ صحيحة جاءَتْ منْ طُرق صحيحة لِئَلا يقول قائل كما قال واحد بالأمس أنَّك تُقرِّر الحديث أنه ضعيف وتشرَحُهُ! والضَّعيف ما دام ما يُحتجّ بِهِ... لماذا يُشْرَحْ؟! أقول: يُشرح إذا كان لهُ ما يُشْهَدُ لهُ، ولَهُ أصل يَدُلُّ على أنَّهُ ثابت عن النبي -عليه الصَّلاة والسلام-.
((وذّرَفَتْ منها العُيُونْ)) ذَرَفت الدُّمُوع من العُيُونْ، ((فقيل يا رسُول الله: وَعَظْتَنا موعِظة مُوَدِّع))، يعني كَأنَّنا لنْ نَرَاكَ بعد اليوم ((فَاعْهَد إلينا بِعَهْدٍ)) – وفي بعض الألفاظ: ((فَأَوْصِنا)) – ((فاعهد إلينا بعهد نَأْثُرُهُ بعدك ونَعْمَل بِهِ من بعدك، فقال: عليكم بتقوى الله))، وهي وصِيَّةُ الله للأوَّلِينَ والآخِرين وما منْ نبيٍّ إلاَّ أنْ يأمُرُ قَوْمَهُ بتقوى الله -جلَّ وعلا-، وقد أُمِرَ النَّاسُ قَاطِبَةً بها وحُثُّوا عليها، وجاءَ قولُ الله -جلَّ وعلا-: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التَّحريم/6].(1/3)
التَّوفِيق بين طَلَب العِلْم وبِرِّ الوَالِدَيْن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تَجِد طالب العلم يَسْهُل عليهِ جدًّا أنْ يَأتِي الزَّميل، فيقول: هيَّا بنا إلى نُزهة أو إلى استراحة، فيجدُ الأمر في غاية الخِفَّة على نَفْسِهِ، ويَسْتَجِيبُ لهُ مُباشرةً، وإذا قالت لهُ أُمُّهُ، أو أبُوهُ، أو خالتُهُ، أو عمَّتُهُ أُريد المشوار وإنْ كان قريباً في الحيّ ثَقُل ذلك عليهِ، ويُتَدَاول في كُتب أهلِ العلم عن الإمام الشافعي -رَحِمهُ الله- أنَّ أهْلَهُ لو كَلَّفُوهُ بِشِرَاءِ بَصَلَة ما أَدْرَك من العِلْمِ ما أَدْرَك؛ فالتَّوفيق بين هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّها تُثْقِل كاهل طالب العلم، وتَعُوقُهُ عن التَّحْصِيلْ في بَادِئ الأمر؛ لكنَّهُ إنْ وُفِّقَ للتَّوفيق بين بِرِّ الوالدين وصِلَةِ الأرحام، والوقتُ يَسْتَوعِب، إنْ وُفِّق إلى الجَمْعِ بين هذا كُلِّهِ مع طلب العلم؛ فإنَّهُ لا شكَّ أنَّهُ يُعان، إذا عَلِمَ اللهُ -جلَّ وعلا- صِدْقَ النِّيَّة، والحِرْص على التَّوفيق بين الأمرين يُعان، وكم منْ شَكْوَى جَاءَتْ منْ قِبَل الوالد أو الوَالِدَة لِبَعضِ الطُّلاَّب النَّابِهِينْ الذِّين لديهِم اهتمام وحرص على تَحصِيل العِلم، يقولون: نَأْمُرُهم فلا يَمْتَثِلُون، نُرْسِلُهُم فَيَسْتَثْقِلُونْ، لا شكَّ أنَّ طالب العلم عليهِ أنْ يُرتِّبْ أُمُورَهُ والأولَوِيَّات عندَهُ بر الوالدين ما عليهِ مُسَاومَة، وهو بعد حقِّ الله -جلَّ وعلا-، وهو أفضل؛ بل أَوْجَبْ وَأَوْلَى من جميع النَّوافِل؛ ولِذا أم جُرَيْج لَمَّا نَادَتْهُ وهو يُصلِّي يا جُرَيْج، يا جُريْج، يقول أُمِّي وصلاتي، لا يَدْري هل يُقدِّم إجابة نِداء أُمِّهِ أو يُكمل صلاتَهُ التِّي دَخَلَ فيها، فما كان من الأُم إلاَّ أنْ دَعَتْ عليهِ فاسْتُجِيبَتْ الدَّعوة، ويُخْشَى من إجابَة دَعوةِ أُمٍّ مَكْلُومَة، وإنْ كان طريق الطَّالب، طريق الطَّلب، يعني الطَّالب(1/1)
يُريد أنْ يخرُج لطلب علم، وجَاءَ في فَضْلِهِ ما جاء منْ نُصُوص الكِتاب والسُّنَّة؛ لكنْ يَبْقَى أنَّ الوَاجِبات أهمّ من المَنْدُوبات، فَعليهِ أنْ يُلبِّي حَاجَة الوالِد، وحاجة الأُم، وعليهما أيضاً لأنَّ كُل مُكَلَّفْ لهُ ما يَخُصُّهُ من خِطَابات الشَّرع، فَالولد عليهِ أنْ يَسْتَجِيب لمطالب الوالدين، وعليهِ أنْ يَبَرَّ بوالديه، وعليهِ أيضاً أنْ يُتابع ما هُو بِصَدَدِهِ من طلب العلم، وبالمُقابل أيضاً على الوالد أنْ يَنْظُر في أمرِ ولَدِهِ، وأَنْ يُسَهِّل لهُ الطَّريق، وهو في ذلك شَريك لَهُ في الأجر إذا أَعَانَهُ على الطَّلَبْ؛ فإذا أعَانَهُ على الطَّلَب، وحَصَّلْ ما حَصَّل من العلم، ونَفَعَ اللهُ بِهِ الوالد شريك، لهُ نَصِيب من الأجر، وكذلك الوالدة التِّي يَسَّرَتْ لهُ هذا الطَّلَب، فعلى الولد أنْ يَبَرّ بوالديهِ، ويَصِلْ أَرْحَامَهُ، وعلى الأُسْرَةِ أيضاً أنْ يُيَسِّرُوا على وَلَدِهِم، ويُخَفِّفُوا عنهُ بِقَدْرِ الإمْكَانْ، ويَتْرُكُوا الأُمُور التِّي لا دَاعِيَ لها، وإذا كان عندَهُم من الأولاد غير هذا الولد يُفَرِّغُوهُ لِطلب العِلْم؛ لأنَّ فضل العلم وما جَاءَ فيهِ من النُّصُوص أَمْرٌ مُسْتَفِيض {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المُجادلة/11] لا نَظُنّ الدَّرجات عَشرة صانتي أو عشرين صانتي كما هو الدَّرج عندنا في المَصَاعِد والسَّلالِم – لا – دَرَجات يعني في درج الجنَّة بين كل دَرَجة والأُخْرَى مسافات بعيدة جدًّا؛ فإذا رُفِعَ في دَرَجات الجَنَّة كان للوالد نَصِيبٌ من ذلك الذِّي أعان، فعلى الوالدين أنْ يُيَسِّرُوا طريق الطَّلب لِوَلَدِهِم، وعلى الولد أيضاً أن يَبَرّ بوالِديه ويَصِل أرحَامَهُ، هذهِ كثير ما يُسْأَل عنها، ويَتَّصِل كثير من النِّساء يَسْأَلْنَ مَقْرُوناً سُؤَالهُم بالبُكاء! نُريد أنْ نذهب إلى إخواننا وأخواتنا(1/2)
ونَصِل أرحامنا لكنّ الولد ما يَسْتَجِيب، والولد بِصَدد طَلَب علم، أقول: هذا خَلل في التَّصَوُّر، يعني يُقدَّم الطَّلب على بِرِّ الوالدين هذا لا شكَّ أنَّهُ لديهِ خلل في النَّظرة إلى الأُمُور الشَّرعيَّة والمُوَازَنة والمُفَاضَلَة بينها.(1/3)
وصايا وتوجيهات للاستفادة من الدروس العلمية
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا اختار الشيخ واختار الكِتاب، عليهِ أنْ يحفظَ المَقْطَع الذِّي يُراد شَرْحَهُ في هذا اليوم، ذَكَرُوا في كتب طُرُق التَّعَلُّم أنَّكَ تُرَدِّدْ هذا المَقْطَع حَتَّى تَحْفَظَهُ، من الغَدْ تَقْرَأ ما حَفِظْتَهُ بالأمس خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَحْفَظْ نَصِيب اليَوْم الثَّانِي، في اليوم الثَّالث تُكَرِّر ما حَفِظْتَهُ في اليوم الأوَّل أَرْبَع مَرَّاتْ، وما حَفِظْتَهُ في اليوم الثَّاني خَمْسْ مَرَّاتْ، ثُمَّ تَزِيد نَصِيب اليوم الثَّالث، ثُمَّ في اليوم الرَّابع نَصِيب اليوم الأوَّل ثَلاث مَرَّات، والثَّانِي أربع مَرَّاتْ، والثَّالث خَمْسْ مَرَّاتْ وهكذا، تبدأ في اليوم السَّادس تترُك نَصِيب اليوم الأوَّل، في اليوم السَّابع تترُك نصيب الثَّاني ضَمِنْتَهُ، كم كرَّرْتَهُ من مَرَّة؟! وهذهِ طريقةٌ مُجرَّبَة، ونَافِعَة؛ فإذا حَفِظَ الطَّالِب هذا النَّصِيب، والشيخ عبد القادر بدران ذَكَر طريقة لِتَحضِير الدُّرُوس نَافِعَة؛ لكنْ مع الأسَف الشَّديد أنَّ كثير من الطُّلاَّب لا يَعْرِف الكِتاب إلاَّ عند الشيخ في حَلْقَةِ الدَّرْس، ومِثْل هذا قلَّ أنْ يُفْلِح، الشيخ عبد القادر يقول -رَحِمَهُ الله-: تَحْفَظ المِقْدَار المُحدَّد مع مجمُوعة خمسَة سِتَّة يكُون من الطُّلاَّب الجَادِّينْ الذِّين يُناسبُونكَ في فَهْمِك، وفي مُسْتَواكَ العِلْمِي، ثُم كُلّ واحد يَنْفَرِد بمُفْرَدِهِ، ويَشْرَح ما حَفِظَهُ منْ غَيرِ رُجُوع إلى الشُّرُوح، يَشرح المقطع يشرحه؛ فإذا شَرحهُ قُرِئَ الشَّرح على هذا الكِتَاب، وكُلّ واحد مَعَهُ شَرْحُهُ، ثُمَّ إذا تَبَيَّنْ لهُ خطأ في فَهْمِهِ ، وفي شَرْحِهِ صَحَّحْ، بِهَذِهِ الطَّريقة لَنْ يَتَكَرَّر الخطأ مرَّة ثانية خلاص، اجْتُثَّ الخَطأ من أساسِهِ، ثُمَّ بعد ذلك رَاجَعُوا الحَواشِي، وتَنَاقَشُوا في الشَّرح(1/1)
والحَواشِي، بعد ذلك يَذْهُبُون إلى الشيخ يَمْثُلُونَ بينَ يديْهِ بِكُلِّ أدَبْ، وتَواضُع، واحْتِرَام، لا يجي طالب نافشٍ نفسُهُ يقول أنا خلاص أنا ماني بحاجة شيخ، أنا حَفِظْت وقرأتْ الشَّرح والحاشية وأشُوف وش عندُهُ! ؛ لأنَّ بعض طَّالب يأتي بهذهِ النَّفْسِيَّة وحِينئِذٍ لَنْ يَسْتَفِيد من الشيخ، بعضُ الطُّلاب قد يحضر عند بعض الشُّيُوخ يوم يومين ثلاثة عشرة ثُم يَتْرُكُهُ! وش السَّبب؟ والله ما اسْتَفَدْت! تَرَدَّدْت على هذا الشيخ ما شوفت لهُ فايدةٍ تُذْكَر! وقد يكُون هذا الشيخ من الأكابِر، من العُلماء الكِبَار؛ لكنْ هذا الطَّالب يبي يطلع ما عند الشيخ في يوم، أو في يومين أو في عشرة؟! يصبر، ولا شكَّ أنَّ كُلاًّ من الشيخ والطالب لا بُدَّ أن يتعرضا لمرحلة امتحان، حتى إذا تجاوزا هذه المرحلة وُفِّقَا وَسُدِّدَا، الشيخ أيضاً قد يَجْلِسْ لإقْرَاء الطُّلاَّب وتَعْلِيمُهُم، يجلس أوَّل يوم يجلس عندهُ عشرة مثلا،اليوم الثاني ينقصُون يصيرُون خمسة، اليوم الثَّالث يصيرُون اثنين، الشيخ يُراجع حساباتُهُ ويترُك! أقول: يا أخي لا تترُك، هذِهِ مَرْحَلَة امْتِحَان أنْت اسْتَمِرّ، أنْت لو اسْتَأْجَرْت من يَقْرَأْ عليك بالدَّراهِم ما هُو بِكثير، خلّيه يقرأ عندك اثنين ثلاثة ما يخالف؛ ((لَئِنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رجُلاً واحِداً خيرٌ لكَ من حُمُر النَّعَم))؛ لكنْ أنت إذا تَجَاوَزْتْ هذهِ المَرْحَلة أبْشِر، وقد أدْرَكنا بعض شيُوخِنا ما عندهُم إلاَّ طالب واحِد ليس من أهلِ هذهِ البِلاد! والآنْ بالمِئَات؛ بل بالأُلُوف الحُضُور عندَهُم، وآحَادُ النَّاس يأتي إلى هذا الشيخ الذِّي يَحْضُرُهُ الأكابِر من العُلماء، ومن القُضَاة، ومن الدُّعاة، يأتِي من صِغَارِهِم يقول: والله ما مسكت شي ما فيه فائدة! إذا كُنت جاي لِتَطْلُب العلم بهذهِ النَّفْسِيَّة من الآنْ يا أخي لَنْ تُحصِّل شيء! على كُلِّ حال العُلُوم لا بُدَّ(1/2)
أنْ يأخُذ طالب العلم من كُلِّ علمٍ منها بِطَرف، فيُعْنَى بِكِتاب الله وما يَخْدِمُ الكِتاب؛ وليَكُن لِسُنَّة نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- النَّصِيب الأَوْفَر، على الجَادَّة المَعْرُوفة، يَبْدَأ بِكُتُب المُتُون الصَّغِيرة المُخْتَصَرَة إلى أنْ يَتَرَقَّى إلى الكُتُب المُسْنَدَة الأصْلِيَّة، يَقْرَأ أيضاً يَتَفَقَّه على مَذْهبٍ مُعيَّنْ، وليَست هذهِ دَعوى إلى التَّقليد – لا – إنَّما هي دَعْوَى إلى المَنْهَجِيَّة وسُلُوك الجَادَّة في طَلَبِ العلم؛ لأنَّ بعض النَّاس يسمعنا نقول، أو يَسْمَع غيرنا يقول: اقْرَأ في زاد المُستقنع أو في دليل الطَّالب، يَظُنّ أنَّ هذهِ الكُتُب دَسَاتِير لا يُحاد عنها، - لا - هي كُتب البَشَر؛ لكنْ كيف تَتَحَدَّدْ معَالم العِلم وأنْتَ لستَ على جَادَّة، يقول بعضُهُم أنَّهُ يَتَفَقَّه من الكِتاب والسُّنَّة، يا أخي أنتْ مُبتدِئ، كيف تَتَعامل مع الكتاب والسُّنَّة؟! عندك من العِلْم ما يُعِينك على فَهم الكِتاب والسُّنَّة؟! عَرَفْتْ العَام والخاصّ والمُطْلَق والمُقيَّد، عَرَفْتْ كيف تَتَعَامل مع النُّصُوص؟! عَرَفْتْ النَّاسِخ والمَنْسُوخ؟! ما عَرَفْتْ! تَفَقَّهْ على كِتَاب مُخْتَصَرْ، احْفَظْ مَسَائِلَهُ، وتَصَوَّرْ هذهِ المَسَائِلْ بِدِقَّة، اقْرَأ الشُّرُوح، واحْضَر الدُّرُوس، وفَرِّغْ الأَشْرِطَة، واسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائِلْ، يعني ما هو مُفترض منْ طالب العِلم أنْ يَحْفَظ أقوال جَافَّة بِدُونْ أدِلَّة – لا – العِلْمُ قال الله، وقال رسُولُهُ، اسْتَدِلّ لهذِهِ المَسَائل، وانْظُر منْ وَافَقَ المُؤَلِّفْ على هذهِ الأحْكَامْ معَ النَّظَر في أَدِلَّتِهِمْ وتَعْلِيلاتِهِمْ، وانْظُر من خَالَفْ، وانْظُر دَلِيل المُخَالِفْ، وَوَازِنْ بَيْنَ الأَدِلَّة، بهذا تُخَرّج عالم، ما تقول أتَفَقَّه من الكتاب والسُّنًَّة وأنْت ما عندك شيء! طيب ما الذِّي في الكتاب(1/3)
منْ تفصيلات أحكام الصَّلاة فضلاً عن غيرها؟! وأنت تقول أتَفَقَّه من الكتاب، إذا قرأت في السُّنَّة وأنت لا تعرف مُطلق ولا مُقيَّد ولا ناسِخ ولا منسُوخ كيف تعرف؟! مثال ردَّدْناهُ مِرَاراً، يَقْرَأ الطَّالب المُبتدئ بابُ الأمرِ بقتلِ الكِلاب ثُمَّ يخرج بالمُسَدَّس؛ فإذا رأى كلب قَتَلَهُ! طيِّب الدَّرس من الغد بابُ نسخِ الأمر بقتل الكِلاب، كيف يَتَفَقَّه مثل هذا؟! لا بُدّ من الجَوَادِّ المَعْرُوفَة عند أهل العِلْم، قد يقول قائِل: إنَّ هذهِ الكُتُب لا تُوجد في عَصْرِ السَّلَفْ؛ إنَّما أَخَذُوا من النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مُباشرة وتَفَقَّهُوا، يا أخي إذا كُنت في مُسْتَواهُم، في فَهْمِهِم، هُم يَفْهَمُون، يَفْهَمُونْ اللَّفْظ كيف يُرَاد، اللَّفْظ العَام، واللَّفظ الخَاصْ، العَام المَخْصُوص، والعَام الذِّي أُريدَ بِهِ الخُصُوص، أنت ما تَفْهَم شيء؟! ما زِلْتْ مُبتدئ، في حُكمِ العَامِّيّ! بِهذِهِ الطَّريقة إذا سَلَكَها الطَّالب -بإذنِ الله- ما يُنْهِي كتاب مُخْتَصَر من المُختصرات من المُتُون المَتِينَة المَعْرُوفة عند أهل العِلم، لا يأتِي إلى كِتابٍ سَهْل، والمَشَقَّة كما هو مَعْرُوف لَيْسَت مَقْصُودَة لِذَاتِها في الشَّرع؛ لكنْ الكِتاب المَتِينْ يُربِّي طالب عِلْم، هُو الذِّي يَجْعلك تُبْحَثْ عَنْ مَعَاني هذا الكِتَاب ومَنْطُوقُهُ ومَفْهُومُهُ وإلاَّ فالمَشَقَّة لَيْسَتْ مَقْصُودَة لِذَاتِها، كِتاب سَهل تَقْرَؤُهُ، طيب ما الذِّي يَثْبُت في الذِّهن منْ قِراءة كِتابٍ مُيَسَّر؟! ما يَثْبُت شيء؛ لكنْ إذا كان الكِتاب فيهِ مُعَاناة، فيهِ صُعُوبة، هذا يَثْبُت بإذن الله، وإلاَّ ما الذِّي يجعل طُلاَّب العلم يُعانُون زاد المُستقنع منْ أُلِّف إلى يومنا هذا وهو من أَعْقَد الكُتُب؟! مُختصر خليل عند المالكيَّة ألْغَاز! ومع ذلك هو عُمْدَتُهُم يعني هذا الاعتماد جاء من فَرَاغ؟! اعتماد(1/4)
المَالِكِيَّة على خليل خطأ؟! مو بصحيح؛ لأنَّهُ كتاب يُربِّي طالب عِلم، وكثير من الإخوان يعتمد على مُؤَلَّفات مُعاصِرين، وكِتاباتٍ سَيَّالة، هذهِ لا تحتاج إلى مُعاناة، مُجرَّد ما تَتْرُك الكتاب وش يَعْلَقْ بِذِهنك منهُ؟! لكنْ الكِتاب الصَّعب الذِّي السَّطْر منهُ يحتاج إلى مُعاناة، ومُراجعة شُرُوح وحواشي، وسُؤال مشايخ، وتَفْرِيغ أشْرِطَة هُنا يَثْبُت العِلْم.(1/5)
وصايا نَبَوِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن جابر بن عبد الله أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- قال: ((أَغْلِقُوا البَاب، وأَوكُوا السِّقَاء)) ((أَغْلِقُوا البَاب)) إذا أراد الإنسانْ أنْ يَنام يُغْلِق عليهِ الباب؛ لأنَّ الشَّيطان لا يَفْتَح الباب المُغلق، ((وأَوكُوا السِّقَاء)) لئَلاَّ يَنْسَابَ فيهِ شيءٌ يُؤْذِيهِ ويُقَذِّرُهُ عليهِ، أو يَضُرُّهُ، وأيضاً ((الشَّيطانْ لا يَحِلُّ وِكاءً)) كما في الحديث: ((وأَكْفِؤُوا الإنَاء)) يعني اقْلِبُوهُ لئَلا يُعرَّض لِلَحْس الشَّيطان أو الدَّواب المُؤْذِيَة السَّامة ((أَوكُوا السِّقَاء، وأَكْفِؤُوا الإنَاء، أو خَمِّرُوا الإناء)) (أو) هذهِ شكّ يعني هل قال أكفؤُوا الإناء أو خَمِّرُوهُ يعني غَطُّوهُ ((وأطْفِؤُوا المِصباح)) ولا شكَّ أنَّ المِصْبَاح فيهِ نار، قَد يَتَعَدَّى ضَرَرُها إلى من بِجِوَارِها، كثيراً ما تحدُث الحَرَائِق بسبب هذا المِصباح وهذهِ الدَّفايات الموجُودة المُحرِقَة؛ ((فإنَّ الشَّيطان)) - العِلَّة – ((لا يَفْتَحُ غَلَقاً)) المُغْلَق لا يَفْتَحُهُ الشَّيطان، ((ولا يَحِلُّ وِكَاءً))، المَربُوط لا يَحُلُّهُ، ((ولا يَكْشِفُ إناءً مُغَطَّى))، ((وإنَّ الفُوَيْسِقَة)) يعني الفَأْرَة ((تُضْرِمُ على النَّاسِ بَيْتَهُم)) يعني تأتي إلى هذهِ الفَتِيلة، أو تَأتِي بشيءٍ إليها فَتُوقِدُهُ لِتُحْرِقَهُ، فَيَحْتَرِق البيت ومن فيهِ.(1/1)
الغفلة عن أعمال القُلُوب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يُوجد – وهذا مع الأسَف الشَّديد – يُحُسِّهُ الإنسانُ من نفسِهِ، العِناية ببعضِ الأُمُور الظَّاهِرَة، أمَّا أُمُور الباطن وأعمال القُلُوب فنحنُ في غَفْلَةٍ تَامَّةٍ عنها، إذا نَظَرنا إلى الخوف من الله -جلَّ وعلا-، إلى الخَشْيَة منهُ، إلى التَّوكُّل عليهِ، إلى الصَّبر على المَصَائِب، إذا اخْتَبَرْت بعض الأخيار صفر في هذهِ الأُمُور! فعلينا أنْ نُعْنَى بالبَاطن كَعِنايَتِنا بالظَّاهِر إنْ لمْ تَكُن أشدّ، فالمُعَوَّلْ على القُلُوب، وأعمال القُلُوب {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء/ 88 -89] نحتاج إلى عِلاج هذهِ القُلُوب، نحتاج إلى أنْ نُزِيل هذهِ الشَّحناء، وهذهِ البَغْضَاء، وهذا التَّنَافُس، والتَّدَابُر والتَّقَاطُع نحتاج إلى ذلك، نحتاج إلى تَصْفِيَة القُلُوب على مُرَادِ الله -جلَّ وعلا-، ومُرَادِ رَسُولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، واللهُ المُستعان.(1/1)
أماني طالب العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول القائل:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ
تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب أللآلي
بقدر الكد تكتسب المعالي، قد يقول قائل: هذا الكلام ما هو بصحيح، بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليلي، كيف ما هو بصحيح؟ يقول: أنا عندي الحافظة ضعيفة، فاحتاج إلى ليلة كاملة لأحفظ ورقة وزميلي ما يكد ولا يتعب في خمس دقائق يحفظ ورقة، وأنتم تقولون: بقدر الكد تكتسب المعالي، نقول: يا أخي هل المعالي جمعت في هذه الورقة التي حفظتها؟ أليس تعبك ونصبك في ما يرضي الله -جل وعلا- تحصيلاً للمعالي؛ فالذي يتعب في تحصيل العلم لا يضيق بذلك ذرعاً؛ لأنه في عبادة، نعم يبذل السبب، ويمشي على الجادة، ويصل بإذن الله -جل وعلا- إذا علم الله منه صدق النية والإخلاص؛ لكن أنت افترض أن شخصاً سبعين سنة يطلب العلم وفي النهاية لا شيء، وزاملنا أناس من هذا النوع، أكثر من سبعين سنة يتردد على الحلق، وفي النهاية لا شيء، يعني هل هذا ضاع جهده؟ ألا يكفيه حديث: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)) ما يكفيه هذا يا إخوان؟! يكفيه، فأنت ابذل السبب والنتيجة بيد الله -جل وعلا-.
ومن رام العلا في غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ(1/1)
الأماني التي هي رأس مال المفاليس, إذا أوى إلى فراشه تمنى أن يكون مثل فلان ومثل فلان ومثل علان بدون عمل، ثم إذا أصبح تبخرت هذه الأماني، ورجع إلى عمله بالأمس، هذا لا يدرك شيئاً، أضاع العمر في طلب المحال, تروم العز ثم تنام ليلاً, وإذا نظرنا إلى حال كثير من طلاب العلم قلنا: قد ينال العز من ينام ليلاً إن قارناه في واقع كثير من طلاب العلم الذين يمضون الليالي في القيل والقال، فضلاً عن العامة، يغوص البحر من طلب اللآليء, ليجلس في البيت فإذا أصبح فإذا في بيته أعداد كبيرة من اللآليء هذه أماني، مثل صاحب العسل عنده منحلة صغيرة فجمع منها في إناء من زجاج شيء من العسل، وربطه لئلا يأتيه ما يريقه, ربطه في حبل وعلقه بالسقف، فلما أوى إلى فراشه وبجانبه العصا، قال: نبيع هذا العسل بمبلغ كذا، ثم نشتري كذا، ثم نبيعه بمكسب كذا، ثم نفعل كذا، إلى أن حصّل، وهو في فراشه، المهر، ثم نتزوج، ثم نفعل ونترك، إلى أن يأتي الولد ونربيه على الكسب، الآن ما عنده إلا هذه العلبة من العسل، فإذا خالف يمين شمال فأخذنا العصا وضربناه، ضرب الزجاجة وانكسرت تبخر كل شيء، كل الأحلام تبخرت، انتهت.
تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب اللآلئ(1/2)
كثير من طلاب العلم يقول: الوقت ما فيه بركة، السلف نعم هم في وقت مبارك، وحصلوا ما حصلوا لبركة الوقت، نحن ما عندنا بركة، كيف تتصور البركة في وقتك وأنت إذا جيت من عملك أو من دراستك، وقد ذهب سنام الوقت وصليت العصر الآن الوقت يا الله يستوعب طعام الغداء، ثم صليت العصر، ماذا تترقب بعد الصلاة؟ تترقب شخص من زملائك يقف بسيارته عند الباب، يقول: والله عندنا مشوار نبي نروح عند فلان أو علان، ولا تصل إلى المشوار إلا مع أذان المغرب، ثم بعد ذلك قيل وقال، وتنصرف بعد ذلك بعد هزيع من الليل، مثل هذا يدرك علم؟ فيه بركة وقته؟ إذا صلى الفجر ذهب إلى فراشه لينام؛ لأنه سهران بالليل، حتى يأتي وقت الدوام أو وقت الدراسة؛ لكن في مثل هذه الأيام والأيام القادمة صلِ الفجر، واجلس في مصلاك، اذكر الله حتى تنتشر الشمس، وخذ معك كتاب واقرأ إلى الساعة سبع أو أكثر، تشوف البركة في الوقت، وفي يوم الخميس والجمعة اقرأ إلى التاسعة والعاشرة تشوف البركة في الوقت، وأما في الشتاء جرب في الليل لو صليت العشاء اجلس خمس ساعات يكفيك عن شهر مما يصنعه ويفعله كثير من طلاب العلم في هذه الأوقات، قد يقول قائل: نحتاج إلى ما يبعثنا على الزيادة من الهمة العالية، يلاحظ على كثير من طلاب العلم الاسترخاء، نقول: من عرف الهدف هان عليه كل شيء، وبذل كل ما يملك من جهد ومال ووقت؛ لأنك عرفت الهدف إيش تطلب أنت؟ تسهر ليلة من أجل أن تحصل على عشرة ريالات مثلاً في هذه الأوقات، تقول: والله ما لازم نسهر عشر ريالات ندركها في أي مكان؛ لكن لما يقال لك: تسهر ليلة وتحصل على ألف تسهر ليلة، لو قال: ألفين كان الأمر أعظم وأشوق، والنفس أريح، ثلاثة آلاف أكثر، طيب اقرأ القران، كم جزء تقرأ في الساعة؟ يعني على أقل تقدير ثلاثة أجزاء، ساعتين ستة أجزاء في الليلة، ستة أجزاء كم فيها من حسنة؟ الجزء الواحد فيه مائة ألف حسنة، لو قال لك: مائة ألف هللة في شرق الأرض وغربها ذهبت؛(1/3)
لكن احرص على ما ينفعك، فإذا عرفت نَفَاسَة ما تطلب هان عليك في تحقيقه وسبيله كل ما تبذل.(1/4)
تكريم المرأة في الإسلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المرأة لها شأنُها في الإسلام، ولا يُعْرَفْ نِظام على مَرّ التَّاريخ أعْطَى المَرأة حُقُوقًا مثل الإسلام، ونَسْمَع من يُنَادي، ومن ينعق يهرف بِعِبَارات، وهؤُلاء هُم ذِئاب البَشَر، الذِّين لا يهمُّهُم مَصْلَحَة المرأة ولا مَصْلَحة المُجْتَمَع ولا مصلحة الأُمَّة، هُم ذِئَاب يُريدون أنْ يُخْرِجُوا النِّساء من بُيُوتِهن، ويقولون: أنَّ الإِسْلام والمُسْلِمين ظَلَمُوا المَرأة، ولا بُد من حُقُوق الإنْسَان أنْ تَنْظُر في مثل هذا الأمر، والمُطَالَبَة على أَعْلَى المُسْتَوَيَات، ويُهمهم إِفْسَاد الأُمَّة، يعني من العَجَب أنْ يُسَمُّوا المَرأة التِّي تُرَبِّي عشرة أولاد من أولادها على مُخْتَلف أسنانِهِم ومُستوياتِهِم يُسَمُّونها عاطلة! والتِّي تَخْرُج من بَيْتِهَا لِتُرَبِّي أولاد النَّاس في حَضَانَة هذي يُسَمُّونَها عامِلَة! ولا بُدّ أنْ تَأْتِي هذِهِ العَامِلَة بِعَامِلَة أُخْرَى لِتُرَبِّي أَوْلَادَها، التِّي تُربِّي أولادها هي عاملة، التي تربي هذه صارت عاطلة، وُصِفَت بأنَّها عاملة؛ لأنَّها خرجت من بيتها لِتُرَبِّي أولاد النَّاس! المرأة المُسْتَخدمة لِتُرَبِّي أولاد هذه المرأة تُسَمَّى عامِلَة؛ بهذا نعرف أنَّه ليس المقصود انْتِفَاع الأُمَّة أو زيادة العَامِلِين من أجل تعزيز الاقتصاد، يعني في رُوسيا أوَّل ما دَخَلَتْها الشُّيُوعِيَّة قالوا: كيف تَتَقَدَّم بلد ونِصْفُ شَعْبِهِ في المطبخ؟! كيف يتصوَّر التَّقدُّم؟! والآن من عُقُود ورُوسيا عِنْدَها حَملات على أعلى المُسْتَوَيَات، وآلِيَّات على كافَّة الشَّرَائِح لِإِرْجَاع المرأة إلى بيتها للضَّيَاع الذِّي عَاشُوه، عاشُوا ضَيَاع على مَدَى سَبْعِين أو ثَمَانِين سنة، واللهُ المُستعان ((ليسَ بِكِ هَوَانٌ على أهلكِ)), المرأة لَيْسَتْ بِهَيِّنَة لا على أَهْلِهَا، ولا على زَوْجِهَا، ولا على(1/1)
مُجْتَمَعِها، ولا على أُمَّتِهَا؛ إنَّما يقول مثل هذا الكلام من يُريد أنْ يُشْبِع رَغْبَتَهُ ونهْبتهُ منها، ولا يَهُمُّهُ أُمَّة، ولا أُم، ولا أُخت ولا أحد، لا يَهُمُّهُ أحد.(1/2)
كيف نُؤْثِر الأَدْنَى على الأَعْلَى؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هؤُلاءِ الذِّين آثَرُوا الدُّنيا على الآخِرَة، ولا شَكَّ أنَّ الدُّنْيَا ضَرَّة، ضَرَّة بِالنِّسْبَةِ لِلآخِرَة، والإِيغَالُ فيها مُؤَثِّر فيما يُقَرِّب إلى الله - جلَّ وعلا- فإنْ آثَر دُنْيَاهُ أضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وإنْ آثَر آخرتهُ لا شك أنَّهُ يَتَضَرَّر في دُنْيَاهُ؛ لكن قد يُوَفَّق لعملٍ لا يحتاج منهُ إلى جُهد، إذا الْتَفَتَ إلى آخرتِهِ، والمُتَاجرَة مع رَبِّهِ، ومن يُؤْثِر هذه الدُّنيا ويكسب فيها من الحُطَام ما يَكسب، واليوم يكسب وغدًا يَخْسَر، وإِذَا كَسَب كسب عشرة بالمائة عشرين بالمائة ، وهُو في أُمُور الآخِرَة الحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالِها، ألف بالمائة، من يَتَخَيَّل هذا؟! يعني في أُسبوع وهو مُرتاح بعد صلاة الصُّبح إلى أن تَنْتَشِر الشَّمس يقرأ القُرآن، ويحصل على ثَلاثة مَلايين حَسَنَة، على أَقَلِّ تَقْدِير، إلى أَضْعَافٍ كَثِيرة، وذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشَاء، ومثلُ هذا العمل لا يَعُوقُه عنْ شيء من أُمُور دِينِهِ ولا دُنْيَاهُ، فإذا انْتَشَرَت الشَّمس صَلَّى ما كُتِبَ لَهُ رَكعتين أو أربع أو سِت أو ثمان، يَرْجِع بِوَافِر الأَجْر والثَّواب من الله -جلَّ وعلا- أمَّا من انْصَرَفُوا إلى أُمُور الدُّنْيا، وهذا لُوحظ وظَهَر أَثَرُهُ على أَبْدَان النَّاس وعُقُولُهم، فَضْلاً على أَدْيَانِهِم، أمَّا تَأْثِيرُهُ على الأَدْيان مرّ بِنَا وبِغَيْرِنا أيضًا من طُلَّاب العِلْم مِمَّن كان يُلازم الدُّرُوس وأُمُورُهُ بالنِّسْبَة للدُّنْيا مَاشِيَة ما عِنْدهُ مُشْكِلَة، ثم بعد ذلك انْقَطَعَ بِالكُلِّيَّة عن التَّعَلُّم, ولازَمَ العُلَمَاء عَشَرَات السِّنِين، ثُمّ بعد ذلك في سنة أو سنتين رَجَعَ شِبْه العَامِّي، يا أخي أَنْتَ حَفِظْتَ القُرْآن، وتَعِبْتَ عليهِ، وفِي سَنَتَيْن أو ثلاث تَنْسَى القُرآن؟! أيُّ(1/1)
كَارِثَةٍ مثلُ هذِهِ الكَارِثَة؟! ولو سِيقَتْ لَكَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، والدُّنْيَا إذا عَلِمْنا حَقِيقَة هذِهِ الدُّنْيا، وأنَّها مَلْعُونة، ملعونٌ ما فيها إلاَّ ذِكْرُ الله وما وَالاهُ، وعَرَفْنا أنَّ الدُّنْيا لا تَزِنْ عند الله جَنَاحَ بَعُوضَة، فكيف نُؤْثِر الأَدْنَى على الأَعْلَى؟! يعرف حَقِيقَة الدُّنْيا مثل سعيد بن المُسَيِّب، لَمَّا ابن الخليفة يَخْطِب ابنتَهُ، والوَسِيط يقُول لَهُ: جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، هذا ولد الخَلِيفَة يَخْطُب بِنْتَك، جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، سعيد بن المُسَيِّب من العُلَمَاء الرَّاسِخِين، هو أَفْضَل التَّابِعِين عند الإمام أَحْمَد، وإنْ كَانَ القَوْلُ المُرَجَّح أنَّ أَفْضَل التَّابِعِين أُوَيْس بالنَّص الصَّحِيح، أمَّا مِنْ جِهَة العِلْم فَلا شكّ أنَّ سَعِيد أَعْلَم مِنْ أُوَيْس؛ لَكنْ يَبْقَى أنَّهُ أَفْضَل التَّابِعِين عند الإمام أَحْمَد ، ولَهُ وَجْه تَفْضِيلُهُ، وإنْ كان الحَدِيث الصَّحِيح يُرَجِّح أُوَيْسًا القَرَنِي، لمَّا قِيلَ لَهُ: جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، ماذا كان الرَّد؟ الرَّد قال: إِذَا كانَت الدُّنْيَا لا تَزِنُ عِنْدَ الله جَنَاح بَعُوضَة، فماذا ترى يُقَصُّ لي من هذا الجَنَاح؟! الخليفة برأسه كيف يبي يقص لي من هذا الجَنَاح؟! ومَعَ ذلك يُزَوِّج هذِهِ البِنْت المَرْأَة الصَّالِحَة، العَابِدَة العَالِمَة، يُزَوِّجها أَفْقَر وَاحِد مِنْ طُلَّابِهِ، من لا يَجِد المَهر، ويُجَهِّزها لهُ، ويَزُفَّها إليهِ، وهُو فِي بَيْتِهِ، هذا الذِّي يَعْرِف حَقِيقَة الدُّنْيَا، أمَّا إِذَا لَاحَتْ لنَا الدُّنْيا لَوَّحَت لنَا بِجَنَاحٍ مُظْلِم نَتْبَعُها ونَتْرُك الآخِرَة؟! بعض طُلَّاب العِلْم نَسُوا القُرآنْ، مِنْهُم من صَلَّى صَلاة الظُّهر وجَهَر بِالقِرَاءة وَأَمَّنُوا خَلْفَهُ هذِهِ حَياة ذي؟!! نسأل(1/2)
الله السَّلامة والعَافِيَة؛ فَالأَمْر خَطِير، يعني هذا بالنِّسْبَة لِلَأثَر على الدِّين.
الأَثَر على الدُّنْيَا قُطِعَتْ الأَرْحَام، تُرِكَ الآبَاء والأُمَّهَات مَا يُزَارُون مِنْ أَجْلِ هذِهِ الأَسْهُم، حَصَل الخَلَل فِي العُقُول، مَاتْ بعض النَّاس، جَلْطَات، مِنْهُم مَنْ جُنّ، هذِهِ أُمُور حَقِيقَةً تُعْطِي دُرُوس؛ ولَكنْ مَعَ الأَسَفْ أَنَّهُم لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، لَوْ ارْتَفَعَتْ هذِهِ الأَسْهُم رَجَعُوا ثَانِيَة، ولَيْسَ بِأَعْجَبَ مِمَّن لَو أُدْخِلُوا النَّار وخَرَجُوا مِنْها وَرُدُّوا لَعَادُوا كَمَا أَخْبَرَ اللهُ - جلَّ وعلا - وإِلَّا قَبْل سَنَتَيْن تَعْرِفُون الكَارِثَة التِّي حَصَلت، كَارثة يعني أُدْخِلَ المُسْتَشْفَيَات بِسَبَبِها عَدَدٌ كبير، صَار كَثِير من المُسْتَشْفَيَات لا تَقْبَل لِكَثْرَةِ مَنْ أُصِيبُوا قبلَ سَنَتَيْن، ثُمَّ بعد ذلك عادُوا، وهَذِهِ الكَارِثَة أَعْظَم مِنْها ولَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، واللهُ المُسْتَعان، فَعَلَى الإِنْسَان أنْ يَقْتَصِدْ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، ويَكْفِيه مِنْهَا البُلْغَة، ولا يَعْنِي أَنَّهُ يَعِيشْ يَتَكَفَّفْ النَّاس يَسْأَل النَّاس مِنْ أَمْوَالِهِم- لا- ، الله - جلَّ وعلا- يقُول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77]؛ لَكِنْ لا تَعْكِسْ المَسْأَلَة، تَسْتَغْرِق فِي أُمُورِ دُنْيَاك، ثُمَّ يُقَالُ لَكَ: لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الآخِرَة! فَالتَّوَازن لا بُدَّ مِنْهُ فِي حَيَاةِ المُسْلِم، واللهُ المُسْتَعَانْ.(1/3)
مُعاناة العلم - الحث على لزوم ركب العلماء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أنا أضرب مثال لمن يستعمل هذه الآلات ومن يعاني العلم من أبوابه، شخص مر بطريق شارع تجاري فيه تنبيهات ولوحات ومحلات أشياء مكتوبة كثيرة ألوف مُؤلفة، تصوّر لو مَرّ هذا من هذا الشارع على سيارة تمشي مئة كيلو في السَّاعة ماذا سيحفظ من هذه اللوحات؟! والمثال تقريبي؟ الظَّاهر ما يحفظ ولا واحد بالمائه؛ لكن لو كان يمشي على رجليه ويتلفت ويناظر يحفظ الكثير، وهذا مثل من يقرأ ومثل من يطَّلِع على هذه الآلات! هذا مثال مَحْسُوس، ولا أستبعد أنْ يقول قائل الناس وصلوا ما وصلوا وأنتم تقولون انسخوا واقرؤوا إلى متى؟!؛ لكن ثِقُوا ثِقَة تامَّة أنَّ العِلم في الكُتُب، العِلم مَتِين ويَحْتَاج إلى مُعاناة، ويَحتاج أيضًا إلى تَرَدُّد على الشُّيُوخ أهل الخِبرة أهل الدِّرَاية أهل العِلم والعَمَل، مع المُراجعة بالانْفِراد، والمُذاكرة مع الغير أمّا شخص يحضر الدُّرُوس، وإذا رَجَع من الدَّرس هذا آخر عَهْدِهِ بالكتاب، فمثل هذا لا يُفلح غالبًا كما قَرَّر ذلك أهل العِلم، فعلينا أنْ نَعْتَني بالعِلم، وأَجْرُهُ عظيم، لا تَظُنّ أنَّ تَعَبك على العِلم سُدى أو هَدْر- لا - ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة)) الأمر ليس باليسير، قد يقول قائل: أنا الحافظة لا تسعف، الفهم ضعيف، أنا مُجرد تردد على أهل العلم ولا أفهم ولا أحفظ، نقول: تَرَدَّد يا أخي الأجر والثَّواب مُرَتَّب على مُجَرد سُلُوك الطَّريق ((من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله لهُ بهِ طريقًا إلى الجنَّة))، فعليك أنْ تَسْلُك الطَّريق، وتُحَضِّر الدرس قبل الحضور، قبل حضورك إلى الدرس تقرأ قبل أن تحضر، وتحفظ ما يحتاج إلى حفظهِ، وتُرَاجع الشُّرُوح شرح ما تُريد، شرح الدرس الذي تريده أن تحضره عند ذلك الشيخ، ثم بعد ذلك تحضر، وتَتَأَدَّب، وتحتسب أجرك عند الله -عزَّ وجل-(1/1)
مُخْلِصًا لله -عزَّ وجل- في جميع ذلك، فَالمَدَار على الإخلاص، فَتَنْصُت للشيخ، وتُناقش الشيخ بِأَدَب، ثُمّ بعد ذلك إذا رَجعت تُراجع ما سَمِعت، وتُدَوِّن الفَوائد، وبعض أهل العِلم يَمْنَع من تَدْوين الفَوائِد أثْنَاء الدَّرس، يقول: انْتَبِه في الدَّرس، عليك أنْ تُصْغِي للشيخ، ثُم بعد ذلك إذا انْصَرَفْت بعد هذا الإصْغَاء والانْتِبَاه دَوِّنْ ما تشاء، ومَنْ جَرَّبْ عَرَفَ صِدْق هذِهِ المَقَالَة؛ لأنَّ بعض النَّاس يَنْشَغِل بالتَّدوين، ويفوت عليه أمور كثيرة، وبعض النَّاس ينصت ويهتم ويُلِح على الله -سُبحانه وتعالى- بأن يُثَبِّتْ هذا العِلم فِي ذِهْنِهِ، وأنْ يَنْفَعُهُ بِهِ، ثم بعد ذلك إذا انصرف دون ما فهمه وما علق بذهنِهِ، وذَاكر إخوانه، لا بد من مُذَاكرة الإخوان في الدُّرُوس، وهذا الكلام ليس خاصًّا بالسُّنَّة، هذا لِجَميع العُلوم، إِذَا أَرَدْتَ أنْ تحضر درسًا في التَّفسير، وتعرف طريقة الشيخ أنَّهُ في اليوم يشرح آيتين ثلاث، عليكَ أنْ تَحْفَظ هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم تقرأ في كلام أهل العلم المَوْثُوقِين ما يُعِينك على فهم هاتين الآيتين أو الثلاث، ثم بعد ذلك تذهب إلى الشيخ، وتستفيد ما يزيده الشيخ على ما قرأت، ثم بعد ذلك تُذاكر مع إخوانك وزُملائك في الدَّرس، وكُل واحد يزيد ممَّا أَعْطَاهُ الله من العِلم على صاحبه، وبهذا يَتَمَكَّن الطَّالب من التَّحصيل، والشيخ عبد القادر بن بدران في كتاب المَدْخَل قال: إنهم يحضرون عند شيخ درساً في الفقه، ويقول: إننا نجتمع خمسة ستة من الأقران قبل الدرس، فنقرأ الدرس جميعاً، ثم نحفظ القدر الذي قرأناه، والذي نتوقع أن الشيخ لا يزيد عليه، ثم بعد ذلك قبل الإطلاع على الشروح كل واحد منَّا يأخذ ورقة وقلم ويَشْرَح هذا المقرُوء المحفُوظ بفهمِهِ، يَشْرَح من تِلْقَاء نفسه، قبل الإطلاع على الشُّرُوح علشان إيش؟! علشان إذا أخطأ في شرحِهِ، ثم قرأ الشرح وتداوله(1/2)
الزُّملاء؛ فإنه حينئذ يثبت العلم بهذه الطريقة، يقول: نشرح القدر المُراد، ثم بعد ذلك نراجع الشروح، فما كان من خطأ نصوبه ونسدده، ثم بعد الشروح نُطالع ما كُتب عليها من حواشي، ثم بعد ذلكم نذهب إلى الشيخ؛ لنستفيد من علمه ما لا يوجد في الكتب، وعند الشيوخ ما لا يوجد في الكتب مما أعطاه الله من العلوم قدحها بزنده أو استفادها من كتب ليست مظنة لها بإطلاعه؛ ولذا لا يُتَصَوَّر أنْ يَسْتَغْنِي الطَّالِب عن المُعلِّم أبداً، في البُلدَان التي لا يُوجد فيها أحد من أهل العلم، يقال: استفد بقدر الإمكان، اسْتَفِد من الأشرطة، اسْتَفِد من الإنترنت، اسْتَفِد من الإذاعات التي تَبُثُّ العُلوم لا بأس؛ لأنها لحالة ضرورة؛ لكن البُلدَان التي فيها عُلماء! مثل هذه البلاد المُبَاركة وفيها من أهل العلم والعمل من فيها، نقول: هذه الآلات وهذه الأشرطة مهما بلغت من الصِّحَّة والضَّبْط والإتقان لا تُغْنِي عن مُزَاحَمَة الشيوخ، وهذا الكلام يصلح لجميع العلوم.(1/3)
أَهَميَّة وُجُود العُلَمَاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جعل الله -جلَّ وعلا- للإنسانِ مخرجاً، ما كُل إنسان يستطيع أنْ يكُون عالم، وما كُل إنسان تُتيح لهُ الظُّرُوف ظُرُوف مَعِشَتِهِ، ومن يمون أن يكُون مُتعلِّماً، ولا كُل إنسان يستطيع أنْ يَقْهَر نفسَهُ على حُب العُلماء والمُتعلِّمين، قد يَتَظاهر بذلك؛ لكن المسألة مسألة المَحَبَّة القَلْبِيَّة، ما كُل إنسان يستطيع ذلك؛ لكنْ أقلّ الأحوال جاهِدْ قَلْبَك ونَفْسِك على عَدَمِ بُغْضِهِم، لَو أدْرَك النَّاس قِيمة العِلْم وأهَمِيَّة العُلماء، وأنَّهُ لا صلاح للعِبَاد في دينهم ولا دُنْيَاهُم إلاَّ بِواسِطَةِ أهل العِلم لَأَحَبَّهُم من سُوَيْدَاء قَلْبِهِ، منْ عُمْقِ فُؤَادِهِ، حتَّى أَفْتَى جَمْعٌ من أهلِ العلم بأنَّهُ يَحْرُمُ البَقاء في بلدٍ ليسَ فيهِ عالم يُفتِي النَّاس ويُبَصِّرَهُم، يعني تَصَوَّر نَفْسَك أنَّك في وادٍ مُظْلِم، مُوحِشْ، كثير السِّبَاع، وطريق طويل بين أشْجَارٍ مُظلِمة مُوحِشَة وسِبَاع وحَيَّاتْ وصُخُور وجِبال ووهاد مُظلم ، ثُم جاء أحد معهُ نُور، كشَّاف ولو صغير يدُلُّك الطَّريق، لهُ مَعرُوفٍ عليك و إلاَّ ما لهُ مَعْرُوفٍ عليك؟! نعم هذا أنْقَذَك من المَهْلَكة، يعني أقلّ الأحوال تَفْقِدَ العقل، هذا إذا سَلِمَ الجِسْم، فَجاء صاحبُ هذا النُّور وأَنَار لَكَ الطَّريق ولو كان يسير، والعُلماء بهذهِ المَثَابة، يعني طالب العلم عِنْدَهُ نُورٌ يسير يمشِّي نفسهُ، ويُمشِّي بعض النَّاس معهُ؛ لكنْ العالم مثل الشَّمس يُغطِّي أَرْجَاء الدُّنيا، هذا فَضْلُهُ على الأُمَّة قدْ لا يُدْرِكُهُ كثيرٌ من النَّاس، تَصَوَّر نفسك وَقَعت في مأزق، وَقَعْت في بَلِيَّة، وَقَعْت في هَفْوَة، في زَلَّة، وبَحَثْتْ عن أحد يُنْقِذَك منها ما وَجَدْتْ! كيف تتصوَّر نفسك؟! لكنْ أهل العلم هُم أهل هذهِ المُشكلات وحلِّ للأزَماتْ، وهذا المِثال ذَكَرَهُ أبُو بكر(1/1)
الآجُرِّي في كِتَابِهِ أخْلاقُ العُلماء؛ فالعُلماء النَّاس بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إليهِم ، يعني إذا كانُوا بِحاجة إلى الأطِبَّاء الذِّينَ يُعَالِجُونْ أمْرَاض الأَبْدَانْ، فَهُمْ أَحْوَج إلى العُلَماء الذِّين يُعَالِجُونْ أَمْرَاضُ القُلُوب.(1/2)
طريقة الصَّحابة -رضوان الله عليهم- في حفظ القرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل تطبيق طريقة الصَّحابة -رضوان الله عليهم- في حفظ القرآن بأن نحفظ عشر آيات ولا نتجاوزها إلا بعد فهمها ومعرفة تفسيرها جائزٌ لنا؟ وما رأيُكُم فيمن يقول إنَّ هذا بدعة؟
إذا كان هذا بدعة فما السُّنَّة؟! إذا كان صنيع الصَّحابة بدعة فمن يقوم بالسُّنَّة بعدهم؟ على كلِّ حال هذه وسائل للتَّحصيل كلٌّ يفعل ما يُناسبُهُ وكل ما كان العمل أقرب إلى عمل الصَّحابة وفهم الصَّحابة كان إلى الصَّواب أقرب وهذه طريقة، طريقة الصَّحابة لو أنَّ شخصاً ممَّن لديه الحافظة القويَّة وقال عشر آيات أحفظُها في خمس دقائق فماذا أفعل في بقيَّة الوقت؟ نقول: أمامك عمل في بقيَّة الوقت هي ليست مُجرَّد حفظ إنَّما هو فهم ومُراجعة لأقوال أهل العلم وتعلُّم هذه الآيات العشر من جميع الوُجُوه والعمل بهذه الآيات العشر، لا شك أنَّ من يعمل هذا في كل يوم يحفظ عشر آيات ويراجع عليها التَّفاسير ويعمل بمُقتضاها فيها مشغلة وفيها ما يقطعُ الوقت، والقرآن بهذه الطَّريقة يحتاج إلى سنتين، وإذا انتهى طالبُ العلم من دراسة القُرآن بهذهِ الكيفيَّة فإنَّهُ ينتهي من القرآن وقد علِمهُ وعَمِل بهِ؛ لكنَّ دُون مُراجعةِ عشر آيات بالنِّسبة لظُروفنا التِّي نعِيشُ فيها ومُراجعة ما يُحتاجُ إليه من التَّفاسير دُونهُ خرط القتاد، يحتاج إلى وقتٍ طويل عشر آيات تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى مُعاناة حتَّى لو قِيل إنَّ الآية الواحِدة تحتاج إلى يوم في مُراجعتِها لا سِيَّما من أراد أنْ يُحيط بما كُتب حول هذه الآية من التَّفاسير لاحتاجت إلى وقت الآية الواحِدة، وحينئذِ يحتاج طالبُ العلم في إتمام القُرآن إلى عشرين سنة، وقد تعلَّم ابن عُمر البقرة في ثمان سنين، ويُقال عن عُمر اثنتي عشرة سنة، المقصُود أنَّ ليست طريقة تعلُّمهم مثل طريقة تعلمنا نحن طريقة تعلمنا نظري ونكتفي ونجتزئ بأدنى شيء،(1/1)
يعني لو نظرنا وقارنَّا أكبر مُفسِّر في الدُّنيا، مثلاً لو قُلنا الطَّبري مثلاً ووازنَّاهُ بتفسير ابن عباس لا شيء بالنِّسبة لهُ، لا شيء بالنِّسبة لمن دعا لهُ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنْ يُفقِّههُ في الدِّين وأنْ يُعلِّمهُ التَّأويل، جاءهُ نافع بن الأزرق وهو في المسجد الحرام جالس وسألهُ عن غريب القرآن فأجابهُ بما في لُغة العرب من ذلك من منثُورٍ ومنظُوم، فنحتاج في مثل هذا إلى مُعاناة، مسألة كوني راجعت تفسير ابن سعدي أو تفسير الجلالين أو كذا وأقول حفظت ما هو صحيح، يعني إذا نظرنا إلى القرآن فإنَّ عناية الأُمَّة به لا يُدانيها أيُّ عناية بأيِّ كتابٍ كان، يعني البخاري عليه مما يقرب من مئة شرح، هل القرآن عليه مئة تفسير؟ تفسير البيضاوي فقط عليه مئة وعشرين حاشية؛ فكيف نُحيط بما كُتب في هذه التَّفاسير؟! علينا أنْ ننتقي منها ما هو أقرب إلى فهم الصَّحابة وسلف هذه الأُمَّة ثُمَّ بعد ذلك نستفيد من التَّفاسير الأُخرى بقدر الحاجة؛ لأنَّ العُمر لا يستوعب، فإذا قرأ الإنسان المقطع أربع آيات ثلاث آيات خمس آيات وراجع عليها التَّفاسير ودوَّن ما احتاج إليه ممَّا يُدوَّن الحمد لله استفاد فائدة عظيمة، وإذا مرَّ به أمر امتثل، وإذا مرَّ به نهي انتهى، وإذا مرَّ به أدب من الآداب طبَّق هذا خير كثير، لكن بعض المشايخ يُوصي طُلاب العلم أنْ يحفظُوا القرآن مع التَّفسير، فلا يحفظُوا شيئاً لا يفهمُونهُ لا بُد من مُراجعة التَّفاسير، ويكون طالب العلم هذا مشغُول بعُلُومٍ أُخرى وبدوامٍ آخر إمَّا مُعلِّم أو مُتعلِّم أو مُوظَّف ثُمَّ بعد ذلك لا يستطيع مُراجعة التَّفاسير في كثير من الأوقات فيُرجئ الحفظ فيفُوتُهُ الوقت ما حفظ، فإذا خَشِيَ من فوات الوقت فإنَّهُ يُقدِّم الحِفظ على الفِهم ويُرجئ الفهم إلى الوقت المُناسب لهُ.(1/2)
عَلِّقْ قَلْبَكَ باللهِ -جَلَّ وعَلا-
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((تَعِسَ عبدُ الدِّينار والدِّرهم))، وفي بعضِ الرِّوايات: ((تَعِسَ وانْتَكَسْ)) يعني انْقَلَبَ على وَجْهِهِ وخَرَّ على رَأْسِهِ ((وإذا شِيكَ فلا انْتَقَشْ)) لا يَسْتَطِيع أنْ يُخْرِج الشَّوْكَة من يَدِهِ أو منْ رِجْلِهِ، معَ أنَّ الآلة التِّي تُخْرَج بها موجُودة، والبَصَر موجُودْ، وهذا دُعاءٌ عليهِ، وقَدْ رَأَيْتُ شاهِداً لهُ بِنَفْسِي، شخص مُكْتَمِل القُوَى، بَصَرُهُ حاد، والآلة بِيَدِهِ، وفي إصبعه شوكة، حَاول ما اسْتَطَاع! وهذا أعرِفُهُ مَعْرِفة تَامَّة، يعني عَمَلُهُ كُلُّهُ مُسْتَغْرَق في دُنْيَاهُ، حتَّى إذا تَرَكَ تِجَارَتَهُ تَفْكِيرُهُ حتَّى يَعُود إليها فيه، فهذا الحاصل، ولم يَسْتَطِع أنْ يُخْرِج الشَّوكة من يَدِهِ معَ أنَّ لها رأس بارِز يُمْكِن إخْرَاجُها، مُجَرَّد ما أَمْسَكْتُها بظفري خَرَجَتْ، قَد حاولَ فيها مِراراً وعَجِز! عِبَر، المسألة ما هي بأُمُور نَظَرِيَّة، أُمُور مَحْسُوسة، مُعْجِزَاتْ نَبَوِيَّة ((تَعِسَ وانْتَكَسْ وإذا شِيكَ فلا انْتَقَشْ)) ((تَعِسَ عبدُ الدِّينار والدِّرهم)) إيش معنى العُبُودِيَّة هنا؟! إذا صَرَفَ هَمَّهُ وجُهْدَهُ وتَفْكِيرَهُ هذه هي العِبادة، وعلى هذا يُخْشَى على بعضِ النَّاس الذِّينَ يكُون هَمَّهُم وتَفْكِيرَهُم وقُلُوبُهُم مُعَلَّقة ببعضِ الآلات، وبعض القنوات، وبعضِ المواد التِّي تكونُ في هذهِ الوسائل من صُور وأغَانِي ويَعْكُفُونَ عليها ليل نهار! وإذا خَرَج إلى دِرَاسَتِهِ أو تَدْرِيسِهِ أو دَوَامِهِ، القَلْب مُعلَّق هُناك! وإذا صَفّ ومَثُلَ بين يديّ ربِّه القَلْب مُعلَّق هُناك، هذهِ هي العِبادة - نَسْأل الله السَّلامةَ والعَافِيَة- ((تَعِسَ عبدُ الدِّينار والدِّرهم)) الدِّينار والدِّرهم في الأصل من الأُمُور المُبَاحَة فكيفَ بِمن عَبَدَ الأُمُور المُحَرَّمة، وصَرَفَ(1/1)
هَمَّهُ وجُهْدَهُ وَوَالَى وَعَادَى على ذلك؟! يعني تَشْجِيع بعضِ الألْعَاب فيها وَلاء، وفيها بَرَاء، وفيها مُعَادَة، وفيها كَيْد، وفيها إيصَال الضَّرر لِبَعضِ النَّاس هذهِ هي العِبادة، يعني إذا كانَ المُتَعَبِّد للهِ -جلَّ وعلا- الذِّي ارْتَبَطَ قَلْبُهُ بِهِ لا يَصْرِف منْ يَوْمِهِ ولَيْلَتِهِ إلاَّ مُعَدَّل سَاعة للصَّلاة والباقي ارْتِباط قَلْبِي، ولُجُوء إلى الله عند الشَّدائد، وطَلَب من الله -جلَّ وعلا- في قَضاء الحَاجَات هذهِ عِبادتُهُ، فكيفَ بِمَنْ يَصْرِف السَّاعَاتْ لِهذا المَعْبُود منْ دُون الله -جلَّ وعلا-؟! فَيُنْتَبَه لِمِثْلِ هذا، النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: ((تَعِسَ)) هذا دُعاءٌ عليهِ، والتَّعَاسَة والشَّقَاوَة ضِد السَّعَادة؛ ولِذا تَجِدُونْ أَثَر هذهِ الدَّعْوَة فِي حَيَاتِهِم التَّعِيسَة الشَّقِيَّة؛ لأنَّهُم عَبَدُوا هذهِ الأشْيَاء منْ دُونِ الله -جلَّ وعلا- ((تَعِسَ عبدُ الدِّينار)) وهو من الذَّهب ((والدِّرهم)) من الفِضَّة، وفي حُكْمِها الأَوْرَاق، وَوُجِد في الأيَّام التِّي مَضَتْ أيَّام نَشْوَة الأسْهُم، وُجِدْ منْ هذا النَّوْع، وُجِدْ، تَرَكُوا العِلْم! تَرَكُوا الدُّرُوس! تُرِكَتْ الوَظَائِف وإنْ حَضَرَ بِجِسْمِهِ تَجِدْ آلَتهُ مَعَهُ يبيع ويَشتَرِي! الصَّلَواتْ يَدْخُلُونها على غَفْلَة! وذُكِرَتْ قِصَّة حَقِيقَةً مُحْزِنَة، مَجمُوعة صَفُّوا في صلاةِ الظُّهُر في صَالَة من الصَّالاتْ، وصَلَّى بِهِم الإمام وجَهَر بالقِرَاءَة وأَمَّنُوا! وسُمِع منْ يَقُول آمِينْ وهُو سَاجِد! هذهِ هي العِبَادة يا الأُخُوان - نَسْأل الله السَّلامةَ والعَافِيَة – هذهِ هي العِبادة، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُون القَلْب مُعَلَّق بالله -جلَّ وعلا-؛ ولِذا من السَّبعة الذِّين يُضِلُّهُم اللهُ في ظِلِّه ((رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسَاجِد)).(1/2)
التَّساهُل بأمر الحج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وُجد التَّسامُح في الثَّوابِت، فِي الأَرْكَان الخَمْسَة، تَجِد طالب مُنْتَسِب إلى العِلم الشَّرعي في كُلِيَّة الشَّريعة مثلاً بَلغ وكُلِّف وهو ذُو جِدَة مُسْتَطِيع لِلحج، ولا يَحُج! بِعُذر والله عِنْدنا تَسْلِيم البَحْث بعد الحج مُباشرة، ولا فيه وقت لِأَنْ أَبْحَث، - يا أخي هذا رُكْن من أركان الإسلام، اللهُ -جلَّ وعلا- يقول: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ} [سورة آل عمران/97] هذهِ يَسْتَدِلُّ بها من يقُول بِكُفْرِ تَارِكِ الحَج {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران/97]، يقول البَحْث يُسَلَّم بعد الحج مباشرة، ولا فيه وقت لِأَبْحَث، يعني يَتْرُك رُكْن مِنْ أَرْكان الإِسْلام مِنْ أَجْلِ البَحْث! وهذا يَجْعَل الإِنْسَان يُعِيد النَّظَر فِي نِيَّتِهِ في طَلَبِهِ للعِلْم؛ بَلْ سَمِعْنَا من يقول أنَّ الحج في موسم ربيع وأمطار، ونحنُ أصحاب رَحَلات ونُزهات! هذه أعذار وعِلَل يَتَعَلَّلُ بها بعض شباب المُسلمين في التَّسَاهُل فِي الأَركان.(1/1)
جِهاد المرأة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلتُ يا رسول الله! على النِّساء جِهاد؟! تسأل لِتُشارك في الجهاد؛ لِما وردَ في الجِهاد وفي فَضْلِهِ؛ وأنَّهُ ذِرْوة سَنَام الإسلام، ومَصْدَرُ عِزِّ المُسلمين، فَتُريد أنْ تُشارك، على النِّساء جِهاد؟! قال: ((نعم، عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ، الحج والعُمرة)) والجِهاد هُو بذْل الجُهد واستفراغ الوسع في طاعة الله -عزَّ وجل- لا سِيَّما ما فيهِ مَشَقَّة، كالجِهاد الشَّرعي الاصطلاحي، والحج والعُمرة فيهما بَذْل جُهد ومَشَقَّة فهو جهاد، وكُلّ ما يحتاج إلى مُعالجة مع النَّفْس ومُجاهدة فهو جِهاد؛ لكنْ هنا يقول: ((عليهنَّ جهاد)) عليهنَّ هذه الصِّيغة تدُلُّ على الوُجُوب؟! {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} [سورة آل عمران/97] صِيغة وُجُوب عند أهلِ العلم ((عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ)) والمقصُود أنَّهُ لا قتال ولا مُقاتَلَة، مَقْصُودة لِذاتِها، كما هو شأْن الجِهاد؛ وإنْ حَصَل قَتْل وموت في الحج بِسَبب زِحامٍ وشِبهه، هذا ليس بقتال ولا مُقاتلة، في السَّنوات الأخيرة بعض ما يتطلبُهُ الحج من أعمال قريبة من القتال، يعني من ذهب ليرمي الجمرة ضحى يوم العيد مثلاً، أو بعد الزوال في الثَّانية عشر هذا جِهاد؛ لكِنَّهُ لا قِتال فيهِ مَقْصُود لِذَاتِهِ بِسَلِّ السُّيُوف وشِبْهِها لا، وإنْ حَصَل فيهِ ما يَحْصُل في القِتال من مَوْت، واللهُ المُستعان.
(((1/1)
عليهنَّ جهاد)) {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النَّحل/7] وشخص من المُتْرَفين من أبناء المُلُوك قال: لا أحج بدُون شق الأنفُس ما يَلْزَم، أنا ابن ملك تيسر لهُ جميع أسباب ووسائل الرَّاحة فَحُمِل في هَودج، والنَّاس يَحْتَفُّونَ بِهِ من يمين وشِمال، بينما هو سائر إذْ مَرَّ بشجرةٍ فأخذت إحدى عينيه! والآنْ يُعلن عن بعض الحملات أنَّها بالرَّاحة التَّامة، ويُيَسِّرُون ويوفرون بعض وسائل الرَّاحة؛ لكنْ الخبر لن يَتَخَلَّف، لا بُدَّ من شَقِّ الأنْفُس مهما بَذَلْت من الأموال، لا بُدَّ من المَشَقَّة في الحج، ((عليهنَّ جهاد لا قتال فيهِ، الحج والعُمرة)) أمَّا وُجُوب الحج فإجماع والعُمرة محلُّ خِلافٍ بينَ أهل العلم.(1/2)
عِظَمْ شَأْنِ الحج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحج جاء في شأنِهِ والتَّشديد والتَّأكِيد في أَمْرِهِ ما جَاء مِنْ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة، ولو لَمْ يَرِد فيهِ إلاّ ما جاء من قولِهِ تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97]، والجُملة التِّي تَلِيها: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران/97]، هذا ممَّا يُشدِّد ويُؤَكِّد ويُبيِّنْ أَهَمِّيَّة هذا الرُّكْن لأنَّ ارتباط جُمل القرآن وعطف بعضها على بعض ليس عَبثاً أنْ يُعْطف قولهُ -جلَّ وعلا-: {ومَنْ كَفَر} [سورة آل عمران/97] على بَيَانِ فَرْضِ الحج؛ ولِذا يَرَى بعضُ أهلِ العلم أنَّ الذِّي لَدَيْهِ مَقْدِرَة واسْتِطَاعة على الحج ولم يَحُجّ أنَّهُ يَكْفُر، هي رِواية عند الحنابلة عن الإمام أحمد يَنْصُرُها بعضُ المَالِكِيَّة كَبَقِيَّة الأركان؛ لكنْ الجُمهُور على أنَّهُ لا يَكْفُر تَارِكُ الأرْكَانِ الثَّلاثة والخِلافُ في الصَّلاة؛ لكنْ جاءَ فيها من النُّصُوص الخاصَّة ما جاء: ((العَهْد الذِّي بيننا وبينهم الصَّلاة فمن تَرَكَها فقد كَفَر))، ((بينَ العَبْدِ – أو المرء والكُفر تَرْكُ الصَّلاة)) المَقْصُود أنَّ تارك الأركان الثَّلاثة على خَطَرٍ عظيم؛ وإنْ كان الجُمهُورُ على أنَّهُ لا يَكْفُر، ليسَ معنى هذا أنَّ الإنْسَانْ كَوْنُهُ لا يَكْفُر ولا يَخْرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة بأنَّ الأمْر سهل! لا، جاءَ عن عُمر -رضي اللهُ تعالى عنهُ- أنَّهُ كَتَبَ إلى الأمْصَار أنْ يَنْظُروا من كان ذا جِدَة ولم يَحُج أنْ تُضْرَب عليهِ الجِزْيَة، ويُرْوَى أيضاً مرفُوع: ((من اسْتَطاعَ الحج ولم يحج فليَمُتْ إنْ شاءَ يَهُودِيًّا وإنْ شَاء نَصْرَانِيًّا))؛ لكنْ رَفْعُهُ ضَعِيف جدًّا؛ بل أدْخَلَهُ ابن الجَوزي في المَوضُوعات لا يَصِل إلى حَدِّ الوَضْع، المَقْصُود أنَّهُ(1/1)
ضَعِيف مرفُوع، فشَأْنُ الحج كَغَيْرِهِ من الأركان عَظِيمٌ جدًّا، وكثير من الذِّين لديهم الاستطاعة؛ بل الذِّين لا يُكَلِّفُهُم الحجُّ شيئاً يَتَبَرَّع أبُوهُ بأنْ يَحُجَّ بِهِ، ومع ذلك يقول والله السَّنة هذي ربيع نبي نستغلّ الوقت عطلة ولا دراسة وربيع ويروح لرحلة ولا نُزهة! أو يَتعلَّل بِدراسة، وبعض الشَّباب -مع الأسف- أنه من طُلاَّب الكُلِّيَّات الشَّرعيَّة يقول والله تسليم البحث في أوَّل الدِّراسة بعد الحج، ولا أستطيع أنْ أَحُج، وكُلُّ هذا من إيثارِ الفَانِيَة، يا أخي: لماذا تَدْرُس أنت؟! تَتْرُك فريضة من فرائِض الإسلام، رُكْن من أرْكَان الإسلام تقول: تسليم البَحْث في أول الدِّراسة؟! هذا سَمِعْنَاهُ مِراراً! فَضلاً عمّن يقول: والله الأيَّام ربيع ولا أستطيع، يجي الحج في سنةٍ ما فيها ربيع نحج!!! معَ أنّ الحج لا يُكلِّفُهُ شيء البَتَّة، كثير من الشَّباب يَتَبَرَّع آبَاؤُهُم أنْ يَحُجُّوا بِهِم، ومع ذلك يَتَعلَّلُون بهذهِ الأعذار الوَاهِية، فالحَذر الحذر، والمُبادرة المُبادرة، الآن تَسْتَطِيع أنْ تَحج، ما يُدْرِيك عن المُسْتَقبل! يمكن يجي وقت من الأوقات لا سَمَحَ الله ما تَسْتَطِيع، أمْنُ الطَّريق الذِّي نَعيشُهُ ونَتَفَيَّؤُهُ نِعمة لا يَقْدِرُها إلاَّ من عَرَفْ ما كان عليهِ النَّاس في الزَّمن الماضي، تُصلِّي المغرب في هذهِ البلاد، وتُصلِّي الفجر بالبيت الحرام، وأنت مُرتاح جدًّا، تَتَّصِل بِمن تُريد، تَأْكُل ما تَشَاء، وتَشْرَب ما شِئْتْ، وتَقْرَأ إنْ شِئْتْ، وتَسْمَع إنْ شِئْتْ، وتَنَام أيضاً وأنْت في الطَّريق، على منْ كُلِّف أنْ يُبَادِر، ويَتَعَيَّن هذا في حقّ طُلاَّب العلم مَهْمَا كانت أعْذَارُهُم، إذا كان يَسْتَطِيع فَعَلَيْهِ أنْ يُبَادِر على خِلافٍ بينَ أهلِ العلم في الحج، هل هو على الفور أو على التَّراخي؟ وهل كان فرضُهُ سنة سِتّ أو تِسِع أو عَشر؟ خِلاف؛ لكن الذِّي(1/2)
رَجَّحَهُ ابن القيِّم أنَّهُ فُرِض سنة تِسِع، وكثيرٌ منْ أهلِ العلم يَرَوْنَ أنَّهُ على التَّراخي؛ لكنْ مع ذلك على الإنْسَانْ أنْ يَتَعَجَّل الحج؛ لأنَّهُ ما يدري ما يَعْرِضُ لهُ.(1/3)
وُجُوب الحج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحج أحدُ أركان الإسلام، وأحدُ مَبانِيهِ العِظام، جاءت النُّصُوص التِّي تَدُلُّ على أنَّهُ رُكْن من أركانِ الإسلام، ومن أشْهَرِها حديث ابن عُمر المُتَّفق عليهِ: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمس: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله، وإقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، والحج، وصومُ رمضان)) هذا في المُتَّفق عليه – أعني تقديم الحج على الصِّيام، وهو المُرَجَّح عند الإمام البُخاري؛ ولِذا بَنَى كِتَابَهُ على ذلك، فَقَدَّم المناسك على الصِّيام. جاء في صحيح مُسلم من حديث ابن عُمر أيضاً الحديث نفسِهِ أنَّهُ قال: (( بُنِيَ الإسلامُ على خمس شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ مُحمَّداً رسُولُ الله و إقام الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، وصومُ رمضان، والحج ، قال لهُ رجل: الحج وصومُ رمضان؟ قال: لا، صومُ رمضان والحج)) والرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام في الصَّحيحين، وهذا الاسْتِدْرَاك من ابن عُمر على هذا القائل في مُسلم، كَأنَّ ابنُ عُمر -رضي الله عنهما- أرَادَ أنْ يُؤَدِّب هذا القائل، وأنَّ الحديث مَحْفُوظٌ عِنْدَهُ عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على الوَجْهَيْن، فَلَمَّا اسْتَدْرَكَ عليهِ وقال: ((الحج وصوم رمضان، قال: لا، وصومُ رمضان والحج)) وهو مُتأكد من رِوايَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- على هذا الوَجْه؛ وإنْ كان لا يَنْفِي الرِّوايات الأُخْرَى، ومنهُم من يقول أنَّ ابنُ عُمر نَسِي الرِّواية التِّي فيها تقديم الحج على الصِّيام، وعلى كُلِّ حال جُمهُورُ أهل العلم على تقديمِ الصِّيام على الحج، وبَنَوْا على ذلك مُؤَلَّفاتِهِم؛ لكنَّ الإمام البُخاري كأنَّهُ رَجَّح رواية تقديم الحج على الصِّيام، وبنى على ذلك تَرْتِيبَ الكِتاب.(1/1)
الأركان الخَمْسَة، بالنِّسبة للرُّكْنِ الأوَّل من لَمْ يَأْتِ بِهِ لمْ يَدخُل في الإسْلامِ أصْلاً ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاس حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلاَّ الله – أو حتَّى يقُولُوا لا إلهَ إلاَّ الله)). الصَّلاة المنقُول عن الصَّحابة تَكْفِير تارِك الصَّلاة، كان هذا اتِّفَاق منهم على كُفْرِ تارِكِ الصَّلاة، بَقِيَّة الأرْكَان من الزَّكاة والصِّيام والحج، القولُ بِكُفْرِ تارك كل واحدٍ منها قولٌ معرُوف عند أهل العلم، قالَ بِهِ جَمْعٌ من أهلِ العِلْم ولو اعْتَرَفَ بالوُجُوب، أمَّا إذا أَنْكَرَ الوُجُوب فهو كافرٌ إجماعاً، فَتَاركُ الزَّكاة المُمْتَنِع من دَفْعِ الزَّكاة كافِر عند بعض أهلِ العلم ولو أقَرَّ بالوُجُوب، الذِّي لا يَصُوم كافر عند جَمْع من أهلِ العِلْم وإنْ كانَ مُقِرًّا بالوُجُوب، الذِّي لمْ يَحُجّ أو لا يَحُجّ أو لا يَنْوِي الحج كافرٌ عندَ بعض أهلِ العلم وإنْ اعْتَرَفَ بالوُجُوب، والقولُ بِكُفْرِهِ رِواية عن الإمام أحمد نقلها شيخ الإسلام ابن تيميَّة وغيرُهُ في كتاب الإيمان، وعلى كُلِّ حال جُمْهُورُ أهل العلم على أنَّهُ لا يَكْفُر إذا اعْتَرَفَ بالوُجُوب؛ لكنَّ الأمر جِدُّ خطير؛ ولِذا جاء في آية الوُجُوب: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97]، بعدَ ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ} [سورة آل عمران/97] وفي هذا إشارة إلى القول الثَّاني وإنْ لَمْ تَكُنْ نَصّ؛ لَكِنَّها مُؤْذِنة بِأنَّ لهُ أصْل.(1/2)
عُمر بن الخطَّاب -رضي اللهُ عنهُ- كَتَبَ إلى الأمْصَار أنْ يَنْظُر من كانت لهُ جِدَة يَسْتَطِيعُ بها أنْ يَحُجّ، ولم يَحُجّ أن تُضْرَب عليهِ الجِزْيَة "اضربُوا عليهم الجِزْيَة ما هُم بمُسْلِمين، ما هُم بمُسْلِمين"، فالأمر خطير، والتَّساهُل من كثيرٍ من النَّاس يَسْتَطِيع أنْ يَحُجّ، قَادِر على الحجّ بِنَفْسِهِ ومالِهِ ومع ذلكم يَتَأخَّر! الشَّاب يقُول إذا تَخَرَّجْت، والشَّابَّة تقُول إذا تَزَوَّجْت، ويَتَعَلَّلُون ويَتَعَذَّرُونْ بِأَعْذَار لا قِيمَة لها، وأسْمَاء بنت عُمَيْس في الطَّلْق تُطْلَق، جَاءَها المخَاض وتَخْرُج إلى الحج، وتَلِد في المَحْرَم، عَشْرَة كِيلُو عن المدينة، اهتِمام الصَّحابة وعينات تختلف عن تَسَاهُلنا وتَراخِينا، فالله يعفُو ويسامح، هذا رُكْن من أركان الإسلام، ما تدري ما تَحْمِلُهُ الأيَّام بالنِّسبة لك، ما تَدْرِي ماذا يُقدّر لك، هل تَتَمَكَّنْ في غير هذا العام منْ أنْ تَحُج أو لا تَتَمَكَّنْ؟! ولِذا المُرَجَّح عند أهلِ العلم أنَّ الحج واجبٌ على الفَور لا على التَّرَاخِي.(1/3)
الاستطاعة في سبيل الله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن أنس -رضي الله تعالى عنهُ- قال: قيل يا رسُولُ الله: ما السَّبيل! المُشار إليهِ في قولِهِ -جلَّ وعلا-: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [سورة آل عمران/97] ما السَّبيل! قال: ((الزَّادُ والرَّاحِلة)). يعني كُل من وَجَد زاد وراحلة يَلْزَمُهُ الحج! أو مِمَّا تَتَطَلَّبُهُ الاستطاعة الزَّاد والرَّاحِلة! يعني هل تفسير السَّبيل بالزَّاد والرَّاحلة يعني على فرضِ ثُبُوتِهِ وإلاَّ فهُو ضعيف؛ لأنَّهُ من طريقٍ مُرسل، وطريقٍ آخر من حديث ابن عُمر في سَنَدِهِ مَتْرُوك، تفسير السَّبيل بالزَّاد والرَّاحلة هو تفسير بالمِثال أو تفسير بالمُطابقة، يعني من وَجَد زاد وراحلة يَلْزَمُهُ الحج، لو افترضنا رجل وجد زاد وراحِلة؛ لكنَهُ لا يَثْبُت على هذهِ الرَّاحلة يلزمُهُ الحج أو لا يَلْزَمُهُ؟! لا يَلْزَمُهُ، شخص بِمَكَّة، ويستطيع أنْ يصل إلى المشاعر بنفسه من غير راحلة هل نقول لا يلزمُهُ إلا أن يجد راحلة؟! يلزمُهُ وإنْ لم يجد راحلة، فعلى كُلِّ حال الخبر ضعيف؛ لكنْ جُلّ النَّاس لا يَتَمَكَّن من أداء الحج إلاَّ بالزَّاد والرَّاحلة، وهي مما يتطلبُهُ الوُجوب، وعلى كل حال الوُجُوب إمَّا بالنَّفسِ أو بالغير؛ لأنَّهُ قد يجد زاد وراحلة يجد نفقة، يجد قُدْرة واستطاعة على الحج لا بنفسِهِ، عندهُ زاد وراحلة؛ لكنْ لا يثبُت على الرَّاحلة كما سيأتي في حديث من سألت عن أبيها الذِّي لا يثبت على الرَّاحلة، فلا يلزم من وُجُود الزَّاد والرَّاحلة القُدْرة والاستطاعة بالنَّفس، كما أنَّه لا يلزم من عدمهما عدم القُدْرة على الحج، كما نظَّرنا فيمن لا يحتاج إلى راحلة منْ أهل مكَّة مثلاً؛ بل من المسلمين من حج على الأقدام من أقاصي الدُّنيا، والخلاف في المُفاضلة بين الرُّكوب والمشي إلى الحج معروف بين أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- حجّ على رحل، كما في الصَّحيح: ((حجَّ(1/1)
النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- على رحل، وحجَّ أنس على رحل ولم يَكُنْ شَحِيحاً)) لا شكَّ أنَّ الرَّحل مركُوب مُتواضع، وهكذا ينبغي أنْ تكُون حال المُسلم لا سِيَّما في مواطن العِبادة أنْ يَسْلُك هذا المَسْلَك، مَسْلَك التَّواضُع. تجد كثير من النَّاس الآن العكس، يُبَالِغُون في التَّرَفُّه، وإذا اعْتَمَر بحث عن الفنادق الرَّاقِيَة، وإذا أراد أنْ يَحُجّ بَحث عن الحملات الغالية، يُبَالِغُون مبالغ خَيَالِيَّة، ويُوَفَّر لهُم -على حَدِّ زَعمِهِم- ما يَفْتَخِرُونَ بِهِ إذا رَجَعُوا إلى أَهْلِيهِم، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يُنافِي المَقْصود من العِبادة التِّي فيها العُبُودِيَّة، واستِشْعَار الذِّلّ والخُضُوع لله -جلَّ وعلا-.
لا شكَّ أنَّهُ ينبغي على وليِّ الأمر أن يَحُد من هذهِ المُبالغات التِّي تُوجد في بعض الحملات، تَجِد في إعلاناتِهِم، توفير كُلّ ما يَطْلُبُهُ الحج! وشَاركُوا بعض النَّاس؛ بل حتَّى في أقسام النِّساء ما يُوجد عندهُنّ في بُيُوتِهنّ وفي دوائرهنّ فيما بينهنّ يُوفِّرُون أكلات الضحى، وأكلات العصر، وأكلات ما أدري إيش!!! عندهم شيء فيهِ مُبالغة حقيقةً؛ لكن الله المُستعان، فالإشارة من الحديث أنَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- حجّ على رحل، وحجّ أنس على رحل ولم يَكُن شَحِيحاً، دليلٌ على أنَّ التَّواضُع مَطْلُوب في كُلِّ حال لا سِيَّما في مواطِن العِبادات، ومنهُم من يُفضِّل المَشي إلى العِبادة، والرجال قُدِّمُوا على الرُّكْبَان {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج/27] قُدِّمُوا على الرُّكْبَان، فَيَرَى بَعْضُهُم أنَّ المشي أفضل؛ لكنْ لا أفْضَل من عَمَلِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وما اخْتَارَهُ من الرُّكُوب.(1/2)
ولا شكَّ أنَّ الزَّاد أمرٌ لا بُدَّ منهُ، إنْ لَم يتيسر لهُ الزَّاد عاشَ عالةً على النَّاس، وكثير من المُتَصَوِّفَة الذِّين يُظْهِرُون التَّوكُّل على الله -جلَّ وعلا-، ويَقْطَعُونَ الفَيَافي والمَفَاوز بِدُونِ زاد يَزْعُمُونَ أنَّهُم يتوكَّلُون على الله -جلَّ وعلا-، ومع ذلك إذا حضر وقتُهُ تَكَفَّفُوا النَّاس وسَأَلُوهُم!!! هؤُلاء يتوكَّلُون على النَّاس، واللهُ المُستعان.(1/3)
الأَعْذَار الوَاهِيَة لِتَرْكِ الحَج!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن جابر -رضي الله تعالى عنهما-، جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري -رضي الله تعالى عنهما-: ((أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- حجَّ))، يعني أَذَّنَ بالحج، وأمَر بتبليغ النَّاس أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- عازمٌ على الحج، ((فاجتمعَ في المدينةٍ خَلْقٍ كثير))، كُلُّهُم يُريد أنْ يَأْتَم ويقتدي بالنَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-؛ لِيُؤَدِّي هذهِ الفريضة العظيمة، والرُّكن من أركان الإسلام على مُرَادِ الله -جلَّ وعلا- على وَجْهٍ مُرْضِي لله تعالى، ((فَخَرجنا معهُ))، يعني من كان من أهلِ المدينة، ومنْ وَفِدَ إليها من الأطراف ((حتَّى أتينا ذا الحُليفة)) المِيقات، ((فَولَدَت أسماءُ بنتُ عُميس)) زوجة أبي بكر الصِّدِّيق، وكانت قَبْلَهُ تحت جعفر بن أبي طالب، وبعد أبي بكر تزوَّجها علي بن أبي طالب، ((فَولَدَت أسماءُ بنتُ عُميس)) خَرَجُوا من المدينة مسافة يسيرة وقصيرة، فَوَلَدَت هذهِ المرأة، والذِّي يَغْلِبُ على الظَّن أنَّ مُقدِّمات الولادة بَدَأت قبل خُرُوجِها من بيتها، ومع ذلك من حِرْصِها، وهي تُمَثِّل النِّساء في زمنِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في حِرْصِها على دِينِها، وعلى الإقْتِدَاء والائتِّسَاء بالنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، خرجت وهي في الطَّلْق، والنَّاس اليوم يُسَوِّفُون، ويَتَعَلَّلُون، ويَعْتَذِرُون، تقول للواحد، أو للواحِدَة، حِجّ هذا العام ما تَدْرِي ماذا يَعْرِضُ لك، ومع ذلك يقول: مِثل ما ذكرنا سابقاً، تسليم البحث في أوَّل يوم من الدِّراسة! هذهِ امرأة في الطَّلْق تَخْرُج عَشْرَة كيلُو ثُمَّ تَلِد، كثير من النَّاس مُجَرَّد ما يعرف إنَّ المرأة حامل، مُجَرَّد ما يخرج التَّحليل يقول: خلاص ما فيه،امكثي في المكان، لا رُوحة ولا جيَّة، لا حجّ ولا غيرُهُ! وكُل هذا يُعبِّر عن الاهتمام(1/1)
والتَّساهُل، فالذِّي يهتمّ بالأُمُور الدُّنيَويَّة تَجِدُهُ يحتاط لها أشدَّ الاحتياط، وأُمُور العِبادات على التَّراخي، وذكرنا إنَّ بعض النَّاس يتعذَّر بالبحث، وبعضُهُم يقول: السَّنة ربيع، أعْذَار واهِيَة! وأسماء بنت عُمَيْس بعدَ أنْ أخَذَها الطَّلْق تَمْشِي للحج، ولا شكَّ أنَّ الاعتماد على الله -جلَّ وعلا- والارْتِباط بِهِ لَهُ أثَر كبير في حياةِ النَّاس. يَذْكُر الجِيل الذِّي قَبْلَنا أنَّ المراة في الشَّهر التَّاسع وقُبَيْل الوِلادَة تُزَاوِل من الأعمال ما لا يَسْتَطِيعُهُ كثير من الرِّجال في هذا الوقت!!! تَجِذُّ النَّخل الطِّوال وهي في التَّاسع من الحمل، وتَجْلِب الماء من الأماكن البعيدة، وتحملُ الثِّياب لِغَسْلِها في مَوارِدِ المِيَاه، وتَخْدِمُ زوجها وضيوفه، ومع ذلك هي على هذهِ الحال، ومع ذلك لما فُتِحَت الدُّنيا واسترخى النَّاس صار أدْنَى شيء يُؤثِّر، فاللهُ المُستعان.(1/2)
الحج بدون تصريح
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ما حكم من يَحُجُّونَ بدُونِ تصريح، وبعضُهُم يلبسُ المخيط بعد المِيقات حتَّى لا يُمنع؟
أوَّلاً التَّصريح هذا التَّحديد بِخمس سنوات مَبْنِيّ على فتوى من أهلِ العِلم، ومُخالَفَتُهُ لا شكَّ أنَّها مُخالفة لولِيِّ الأمر الذِّي لُوحِظَ فيهِ المَصْلَحَة، ولُوحِظَ فيهِ أيضاً البِناء على قولِ أهلِ العلم، فلا ينبغي مُخالفة هذا الأمر؛ لكنْ إنْ رَأى الشَّخص أنْ يَحُجّ امتِثالاً لِما وَرَدَ من الأحاديث الكثيرة في التَّرغيبِ في الحج، ولمْ يَتَرَتَّب على ذلك لا كَذِب، ولا رِشْوَة ولا احتِيَال ولا ارْتِكابِ محظُور، فَيُرْجَى؛ أمَّا إذا أدَّى ذلك إلى الكذب أو رِشْوَة، أو تَحَايُل، أو ارْتِكاب مَحْظُور كما يُفْعَل الآن، بَعْضُهُم يَرْتَكِب مَحْظُور ويدخُل ويَتَجَاوز المِيقات بِثَِيَابِهِ، هذا كُلُّهُ لا يَجُوز، ولا يُسَوِّغ لهُ ذلك.(1/1)
من ترك الحج وهو قادر عليه!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
شأن الحج عظيم، وجاء في التَّرغيب بِهِ أحاديث كثيرةٌ جدًّا، ثبتَ عنهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنَّهُ قال: ((من حجَّ ولم يَرْفُث ولم يَفْسُق رَجَعَ من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّهُ))، وجاءَ أيضاً: ((الحجُّ المبرُور ليسَ لهُ جزاءٌ إلاَّ الجَنَّة))، وهو واجبٌ على الفَوْر على القول المُحَقَّق عندَ أهل العلم، وإنْ قال كثيرٌ من أهل العلم إنَّهُ على التَّراخي؛ لكنْ جاءت النُّصُوص التِّي تَدُلُّ على أنَّهُ على الفور، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لمَّا فُرِضَ عليهِ الحج في السَّنة التَّاسعة على القول المُحَقَّق عند الإمام البُخاري، وابن القيِّم وغيرهِما أنَّهُ فُرِض في السَّنة التَّاسِعة، وحجَّ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في السَّنة العاشِرة – نعم – قد يقول قائل: لو كان على الفور لَحَجَّ في السَّنة التَّاسِعة! بعثَ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في السَّنة التَّاسعة أبا بكر، ثُمَّ أَرْدَفُهُ بعلي -رضي الله عنهما- منْ أجلِ أنْ يُبَلِّغا عن النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ألاَّ يَحج بعد العام مُشرك، وألاَّ يطُوفَ بالبيتِ عُريان، فالنبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لا يُطِيق هذهِ المناظِر؛ ولِذا أَخَّر الحج وهو واجبٌ على الفور منْ أجلِ ذلك، وكثيرٌ من المُسلمين الآن مع الأسَف الشَّديد أنَّهُ بِطَوْعِهِ واخْتِيَارِهِ منْ غيرِ أيِّ داعٍ يَنْظُر إلى العَوْرَاتْ من خلالِ وسائل الإعلام! لا يلزم أن تكون العورات المُغلَّظة؛ لكنْ هي عورة على كُلِّ حال، المرأة بالنِّسبة للرَّجُل عورة، والأمرُ أعظم من ذلك، ويُذْكَر أُمُور يُسْتَحى من تَخيُّلِها فضلاً عن ذِكْرِها!!! يَسْتَحِي الرَّجُل السَّويّ الذِّي على الفِطْرَة مِنْ مُجَرَّد التَّصَوُّر فضلاً من سَمَاعِ أخبارِها أو تَصَوُّرِها أو الكلامِ فيها!!! واللهُ المُستعان، إذا عَرَفْنَا هذا،(1/1)
وقُلنا إنَّ الحج واجب على الفور؛ فإنَّ من استطاع أنْ يَحُج ولم يَحُجّ آثم ، يَأْثَم إذا أخَّر الحج منْ غَيْرِ عُذْر، ومع الأسف أنَّهُ تُوجد أَعْذَار وَاهِيَة تُؤخَّر من أجْلِها هذهِ الشَّعيرة والفريضة، العام الماضي إذا قيل لبعضهم لم لا تحج؟، قال: والله السنة ربيع، ومع الأسف الشَّديد أنْ يُسْمَع مثل هذا الكلام بين المُسلمين!!! والله ربيع، وقبل ذلك، وقيل لهُ لم لا تحج؟! قال: والله تسليم البحث بعد الحج مُباشرة!!! لا أستطيع أنْ أحُجّ، ومثل هذهِ الأعذار، حِرص الصَّحابة على أداءِ هذهِ الشَّعيرة مع النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- شيء لا يَخْطُر على البال! امرأة يبدأُ الطَّلْقُ بها، الطَّلْق للولادة يبدأُ بها من بيتِها، وتخرُج لتَحُج مع النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إجابةً لِنِدائِهِ ونِدَاء الله -جلَّ وعلا-! ومع ذلكم تلد في المحرم، في الميقات، بعد مسافة عشر كيلو ، بُيُوت المدينة يراها حديدُ البصر، هذا من حِرْصِهِم -رِضْوَان الله عليهم- على إبراءِ الذِّمَّة من الواجب وامتثالاً للمُسارعة والمُسابقة التِّي أَمَر اللهُ بها -جلَّ وعلا-، والإنسان لا يدري ماذا يَعْرِضُ لهُ، وإذا كانَ المُستطيع الذِّي أنْعَمَ اللهُ عليهِ بالصِّحَّة والعافية والمال ولم يَحُج، ولَمْ يَفِدْ إلى الله -جلَّ وعلا- كُلَّ خَمْسٍ مَحْرُوم! فكيف بمن تَرَك الفرض المُكَمِّل المُتَمِّم لدِينِهِ؟!(1/2)
اسْتِشْعَار مناسك الحج حينَ تَأْدِيَتِها
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول السائل: كيف يَسْتَشْعِر المُسلمُ مناسك الحج حينَ تَأْدِيَتِها، خَاصَّةً في هذا الزَّمان الذِّي انْشَغَل أَهْلُهُ بالمال والبنين؟
استِشْعَار العِبادات عُمُوماً هُو لُبُّها وهو رُوحُها ، شخص يُصلِّي ولا يدري ما الصَّلاة ! شخص يَصُوم ويومُ صَومِهِ ويومُ لَهْوِهِ سَواء! لا فَرْقَ بينهُما ، يَعْتَكِفْ وكَأَنَّهُ في اسْتِرَاحة! يَحُجّ وكأنَّهُ في نُزْهَة! مثل هذا لا يُمْكِنْ أنْ يَسْتَشْعِر إذا لمْ يَكُن اتِّصَالُهُ بالله -جلَّ وعلا- وَثِيقاً في سَائِرِ عُمُرِهِ؛ فإنَّهُ لا يُعَان على هذا؛ بلْ على الإنْسَانْ أنْ يَتَعَرَّفْ على الله -جلَّ وعلا- في الرَّخاء؛ لِيَعْرِفُهُ في الشِّدَّة ، وكثيرٌ من النَّاس في السَّنة هذهِ في رمضان في العشر الأواخر وُجِدْ منْ يُصلِّي منْ بَعْدِ صلاة التَّراويح إلى صلاة التَّهَجُّد!!! بدُونِ فاصِل، يُصلِّي ركعتين ركعتين؛ لكنْ بدُونِ فاصِل هذا توفيق من الله -جلَّ وعلا-...(1/1)
هل يُوَفَّق لمِثْلِ هذا مَنْ شَغَلَ أوْقَاتَهُ باللَّهُو؟! ولا يَعْرِف الوتر إلاَّ ركعة أحياناً، وأحياناً لا يُعَانْ عليها! مِثْلِ هذا لا يُعان على مِثْلِ هذا في الأوقات الفَاضِلَة، وقد رَأيْنا من الصَّالِحين منْ يَسْتَغِلّ الوقت بعد صلاة التَّراويح إلى أنْ عُدْنَا لصلاة التَّهَجُّد وهو رافعٌ يديهِ يدعُو الله -جلَّ وعلا-! كيفَ يُعان على مثل هذا في سَائِرِ وقتِهِ لا يَعْرِفُ الله -جلَّ وعلا- إلاَّ بِجَسَدِهِ دُونَ قَلْبِهِ ورُوحِهِ؟! ندخُل المسجد وكأنَّنا داخلين مَلْهَى!!! نسأل الله العافية، ويَسْهُو الإمام، ويَتَجَاوز أحياناً آيات ونحنُ كأنَّنا لا نَشْعُر! والإمام نَفْسُهُ أيضاً قد يقرأ الآيات المُؤَثِّرة ولا يَتَأثَّر! ولا أحد من المأمُومين يَتَأَثَّر، وإذا تأثَّر الإمام وبَكَى في بعض آية تَجِد تَكْمِلَتَهُ للآية كلا شيء! كأنَّ شيئاً لمْ يَحْصُل! هل هذا تأثُّر؟! يعني قد يَبْكِي في جُزْءٍ من الآية، ثُمَّ بعد الآية يُنْهِيها على شيءٍ من التَّعتعة؛ لكنْ الآية الثَّانية التِّي تَلِيها كأنَّ شيئاً لمْ يَحْصُل! هل هذا تأثُّر؟! عُرِف من حال السَّلف أنَّ الإنسان إذا خَشَع في صَلاتِهِ أو في تِلاوتِهِ في اللَّيل يُعَاد في النَّهار!!! فنحتاج إلى مُراجعة، الصَّلاة التِّي لا تَنْهَى عن الفحشاء والمُنكر هذهِ بدُون لُبّ، الصِّيام الذِّي لا يَدُلُّ على التَّقوى بدُون لُبّ، في قولِهِ -جلَّ وعلا-: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة/203]، {لِمَنِ اتَّقَى} فَرَفعُ الإثْمِ لمن؟! لِمَنْ اتَّقَى، هذا خاصّ بالمُتأخِّر؟ أو يشمل المُتأخِّر والمُتَعَجِّل؟ لِمَنْ اتَّقَى يعني لمن تأخَّر ولاَّ الجميع؟ الجميع ، لا يُرْفَع الإثم عن الجميع سواءً تَعَجَّل أو تَأَخَّر إلاَّ إذا اقْتَرَنَ حَجُّهُ بالتَّقوى، ورفعُ الإثمِ هُنا(1/2)
كقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((رَجَعَ من ذُنُوبِهِ كيوم وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)) والذِّي لا يَسْتَشْعِر مثل هذهِ الأفْعَال، ومِثل هذهِ المناسك، ولا يُعَظِّمها حقَّ تعظِيمها، ما عَظَّم الله -جلَّ وعلا-، ولا وُجِدَتْ تَقْوَاهُ في قلبِهِ، تَعْظِيمُ الشَّعائِر من تَقْوَى القُلُوب، فالإنسان يدخُل على أيِّ هَيْئَة، وشخص يدخل المسجد ويَنتظِر شخصاً ظَاهِرُهُ الصَّلاح ومُلتحي يَنتظِر شخصاً خَشْيَة أنْ يخرج قبلَهُ لأنّ فاتته بعض الرَّكعات إلى أنْ سَلَّم الإمام فَكَلَّمَهُ ثُمَّ عاد يُصلِّي!!! هذا حَصَل! ومع ذلك يأتي شخص مثلاً، وجاء من المواضئ توضَّأ حاسرٌ رأسه، شماغُهُ على كتفِهِ، والعِقال على يدِهِ، ويصفّ ويُصلِّي ركعة ما بعد كمَّل، ما بعد لبس الشماغ، ولا بعد عدَّل عقاله ولا يديه، مثل هذا يستشعر عظمة هذهِ العِبادة؟! فلا بُدَّ من الاسْتِشْعَار، ولا بُدَّ من اسْتِحْضَار القلب؛ لِتُؤْتِي هذهِ العِبادات ثِمارها، لا يقُول قائل إنَّ هذهِ العِبادات ليست صحيحة باطلة! لا بُدَّ من إعادتها، العِبادة عُمُوماً إذا اشْتَمَلتْ على أرْكَانِها وشُرُوطِها وواجِباتها صَحَّت وسَقَطَ بها الطَّلب؛ لكنْ هل تُؤْتِي الثَّمَرة التِّي منْ أَجْلِها شُرِعَتْ؟! هل حَقَّقَ العُبُودِيَّة التِّي منْ أَجْلِها خُلِق على مُرادِ الله -جلَّ وعلا-؟! هذا خلل كبير، مثل هذا عُرْضَة لأنْ يَنْحَرِفْ، فلا بُدَّ أنْ يَتَّصِل المُسلم باللهِ -جلَّ وعلا- وتكُون صِلَتُهُ بِهِ وَثِيقَة في حَالِ شِدَّتِهِ ورَخَائِهِ.(1/3)
الحَجُّ المَبْرُور
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((والحج المَبْرُور ليسَ لهُ جَزاء إلاَّ الجَنَّة)) الحج المَبْرُور يقولُ أهل العلم هو الذِّي لا يُخَالِطُهُ إِثْم، ومنهم من يَرى الحج المَبْرُور هو المَقْبُول.. طيب وما يُدْريك عن القبول؟! قال هناك علامات وأمَارات للقبُول، أنْ تكون حال الإنسان بعد العِبادة أفْضَل منْ حَالِهِ قَبْلَها، هذا مُؤَشِّر إلى أنَّ عِبَادَتَهُ مَقْبُولَة؛ لكنْ ماذا عن الذِّين يَسْتَغِلُّون أيَّام العِيد التِّي تَعْقُب هذهِ العِبادات العظيمة بارتِكاب المُحرَّمات، هذهِ أَمَارة على عَدَم القبُول! والدِّين -ولله الحمد- فيه فُسْحَة، والتَّوسُّع في المُباحات في الأعياد لا بَأْسَ بِهِ؛ لكنْ ارتِكاب المُحرَّمات دليلٌ والعلمُ عند الله -جلَّ وعلا- على عَدَم القبُول، فالحج المَبْرُور الذِّي لا يُخَالِطُهُ إِثْم، أو هُو المَقْبُول، وأَمَارة القبُول أنْ تكون حالُ الحاجِّ بعد الحج أفضل من حَالِهِ قَبْلَهُ ((من حجَّ ولم يرفُث ولم يَفْسُق رَجَع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّهُ)) كثير من النَّاس يقول الحج أربعة أيَّام، لو الإنسان يَخِيط الفم خِياطة ما يتكلَّم أبداً أربعة أيَّام ما يَضُرُّهُ! لكن مثل من اسْتَغَلَّ طُول العام بالقِيلِ والقال يُعان على حِفْظِ النَّفْسِ واللِّسَانْ هذهِ الأربعة الأيَّام؟! ما يُمكن! كُل إنسان يجِد هذا منْ نَفْسِهِ، يعني الشَّخص الذِّي يَسْتَثْقِل بعض النَّاس؛ لأنَّهُم لا يَقَعُون في بعضِ الأُمُور التِّي يُزَاوِلُها كثير من النَّاس في مجَالِسِهِم! إمَّا دلالة على خير أو توجيه ونُصح وإرْشَاد أو ذِكر أو سُكُوت، عاد مثل هذا يَسْتَثْقِلُهُ كثير من النَّاس!!! ويزعُمُون أنَّهُ ثَقِيل هذا! وقد لا تَتَّسِع لهُ مَجَالِسِهُم! ويَعْتَذِرُون إذا أرادَ أنْ يَزُورَهُم! ويَتَعَلَّلُون إذا طَلَبَ زِيارتَهُم!!! بينما الشَّخص الذِّي ما شاء الله يقول خفيف هو(1/1)
صاحب القيل والقال والنُّكت والتَّفَكُّه بأعراضِ النَّاس!!! يعني مثل هذا إذا كان عاش على هذهِ العِيشة هل يستطيع أنْ يُمْسِك عن الكلام الأربعة الأيَّام؟! لا يُمْكِن، التَّجرُبَة أكبر بُرهان ((الحج المَبْرُور ليسَ لهُ جَزاء إلاَّ الجَنَّة)) جاء في حديث جابر عند أحمد، ((أنَّهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام سُئِل عن بر الحج فقال: إطعامُ الطَّعام، وإفْشَاءُ السَّلام)) ولكن الحديث فيهِ ضَعْف، ولا شكَّ أنَّ إطعام الطَّعام مطلُوب، وإفْشَاءُ السَّلام جاءت النُّصُوص بالحثِّ عليهِ، فهو ممّا يُعين على بِرِّ الحج، والخبر ضعيف.(1/2)
الرَّفَاهِيَة الزَّائِدَة في بعضِ حَمَلات الحج!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
صحَّ عن النبي -عليهِ الصّلاة والسَّلام- في البُخاري وغيره أنَّهُ حجَّ على رَحْل، ما مَعْنَى حجَّ على رَحْل؟ يُوضِّحُهُ بقيَّةُ الحديث: ((..وحَجّ أنسُ بن مالك على رَحْل ولمْ يَكُن شَحِيحاً))، ((حجّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- على رَحْل، وحَجّ أنسُ بن مالك على رَحْل ولمْ يَكُن شَحِيحاً)) هذا فيهِ دليلٌ على عدم التَّرَفُّه، ولم يفعلُهُ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولا خِيَارُ هذهِ الأُمَّة، فعلى الإنسان أنْ يَتَوسَّط في أُمُورِهِ كُلِّها، في حَجِّهِ وفي غير حَجِّهِ؛ لكن في أوقاتِ العِبادات والأزمان الفاضِلَة ينبغي أنْ يَنْكَسِر الرَّجُل، ويَخْرُج عنْ مَأْلُوفِهِ بالقُرب من الله -جلَّ وعلا-، وكُل ما تَواضَعَ الإنْسَان، وانْكَسَرَ قَلْبُهُ كانَ أقْرَب إلى رَبِّهِ؛ ولِذا أقْرَب ما يكُون العَبْدُ إلى رَبِّهِ وهو ساجِد، بعضُ النَّاس يبحث عن أفضل الحملات، أفضل من ناحية إيش؟ من ناحِية الخدمات، وبعضُهُم يبحث عن أَفْخَر الفنادق، ما أدري كيف يَسْتَحْضِر ويَسْتَشْعِر لَذَّة العُبُودِيَّة، رايح لِيَتَعَبَّد في العشر الأواخر من رمضان ويبحث عنْ أفْخَر الفنادق التِّي لا يسكُنُها إلاّ طبقة من النَّاس قد لا يُناسِبُونَهُ! ويمر بأُمُور لا تُناسب لا الوقت ولا الزَّمان ولا المكان، ويَنْظُر عن يمينِهِ وعن شِمالِهِ أُناس لا يُناسِبُونهُ، فمثل هذا عليهِ أنْ يَتَواضع لله -جلَّ وعلا- لا سِيَّما في هذهِ الأماكن المُقدَّسة والأوقات الفاضِلَة، فإذا كان النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- كَادَت الخَمِيصَة أنْ تَفْتِنَهُ، الخَمِيصَة ثُوب مُخَطَّط فماذا عنْ غَيْرِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؟! وماذا عن ما هُو أعظم من الخَمِيصَة؟! لا بُدَّ أنْ يَبْذُل الإنْسَان كل ما يستطيعُهُ لِحِماية جناب العِبادة، الخَمِيصَة كَادَت أنْ(1/1)
تَفْتِن النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وصِلَتُهُ بِرَبِّهِ –عليه الصلاة والسلام- أَقْوَى الصِّلات فكيفَ بِغَيْرِهِ؟! لو تَحَرَّكَ الباب نَسِيَ كُلّ شيء كما هي حَالُنا!!! وبعض المساجد الذِّي لهُ أدْنَى ذَوْق بالخط والرَّسم لنْ يُدْرِك من صَلاتِهِ شيء!!! هذا إذا كان لهُ أدْنَى ذَوْق!!! فكيفَ بمن يَتَذَوَّق أمثال هذهِ الخُطُوط والرُّسُوم والنُّقُوش، وصَارت مساجِد المُسلمين تُشْبِه الكَنائِس!!! فما بالُك بالفنادق الخمس نجوم وأحياناً يقولون بعد الآنْ ظَهَر سَبع نُجُوم أو ما أدري كم!!! {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل/8 ]، ما تدري!!! هل يَسْتَشْعِر الإنْسَان الصِّلَة بالله -جلَّ وعلا- وبينَ هذهِ الزَّخَارف؟! والمساجد حالُها كما تَرَوْن، والمساجد النَّهي عن زَخْرَفَتِها وأنَّها مِنْ عَلامات السَّاعة معرُوف، كُل هذا من أجل حِمَاية العِبادة، جَاءَ في الأثَر: ((لا تُحَمِّرُوا ولا تُصَفِّرُوا)) وإذا نَظَرْت إلى أكثر المساجد، الألوان فيها الأحمر والأصفر، اللهُ المُستعان.(1/2)
المواقيت المَكانِيَّة والزَّمانِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المواقيت جمعُ مِيقات، والمواقيت عند أهلِ العلم تنقسمُ إلى زمانيَّةٍ ومكانيَّة، والمُراد هُنا المكانيَّة، والمواقيت الزَّمانيَّة للحج: شوال، والقعدة، وعشر من ذي الحجة، على خِلاف بينهم هل الشَّهر الثَّالث كامل أو العشر الأُوَل منهُ، المواقيت المكانيَّة جاءَت في حديث ابن عبَّاس وابن عُمر -رضي الله عنهم- وغيرها من الأحاديث؛ لكنْ عندنا أوَّل حديث ابن عبَّاس -رضي اللهُ عنهما- ((أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسَلَّم- وَقَّتَ)) وَقَّتَ: يعني حَدَّدَ ((لِأهلِ المدينة ذا الحُلَيْفَة)) وعلى هذا إذا حَدَّدَ الشَّارعُ شَيئاً هل يجُوزُ تَجَاوُزُهُ؟! لا يجُوزُ تَجَاوُزُهُ، وَقَّتَ: يعني حَدَّدَ، فلا يجُوزُ تَجَاوُزُها خلافاً لمن يقول أنَّ هذهِ الصِّيغة لا تدُلُّ على الوُجُوب، ((وَقَّتَ لِأهلِ المدينة ذا الحُلَيْفَة)) وهو المعرُوف بالأبيار، مكان معرُوف قُرب المدينة، وهو أبْعَد المواقِيت من مكَّة ((ولِأهلِ الشَّام الجُحْفَة، ولِأهْلِ نَجْد قَرْن)) بإسْكَانِ الرَّاء قَرْنِ المَنازِلْ، وهي أماكِنْ مَعْرُوفة، مَطْرُوقة، وَهِمَ صاحِبُ الصِّحاح حيثُ زَعَم إنَّ قَرْن بفَتْحِ الرَّاءْ قَرَنْ، ونَسَبَ إليها أُوَيْسْ القَرَنِي، وأَخْطَأَ في مكانِهِ أيضاً، المقصُود أنَّ صاحب الصِّحاح وَهِمَ في الضَّبْطِ والتَّحديد ونسبة أُوَيْس ((ولِأهلِ اليَمَنْ يَلَمْلَم)) ويُقالُ لهُ أَلَمْلَم، ويقُولُون الآن لَمْلَم بدُونِ ياء ولا هَمْز.(1/1)
حج الصَّبيّ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: وعنهُ يعني ابن عباس قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-: ((أيُّما صبيٍّ حجَّ ثُمَّ بَلَغَ الحِنْث)) الحِنْث الإثم، والمقصُود أنَّهُ بَلَغَ مَبْلغاً يُكْتَبُ عليهِ الإثم إذا عَصَى، ويُكتب لهُ الأجر إذا أطَاع، إذا بلغ الحِنْث ((فعليهِ أنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخرى))؛ لأنَّ تلك الحَجَّة التِّي حَجَّها قبل أنْ يُكلَّف هي نافلة، إتْيَانُهُ بِها على سبيل التَّمرين، فلا تُجزئ عن حَجَّة الإسلام ((وأيُّما عبدٍ حجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فعليهِ أنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخرى)) كذلك؛ لأنَّهُ ليس مُطالب بالحج أثناء الرِّقّ، فإذا حجَّ كان كالصَّبي الذِّي يَحُجّ قبل أنْ يُطالب بالفريضة.(1/1)
مسألة فيمن جاوز الميقات
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) هُنَّ: أي هذهِ المواقيت، ((لهُنَّ)) أي لتلك الجِهات، أو لتلكَ الجهات والمُراد أهلها ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) شخص من أهلِ العِراق مَرَّ بالمدينة يُحرم من ذي الحُليفة، شخص من أهلِ نجد مرَّ بالمدينة يُحرم من ذي الحُليفة، شخص من أهل اليمن مَرَّ بالطَّائف يُحرم من قرن المنازل وهكذا.. (((1/1)
هُنَّ لهُنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ مِمَّن أراد الحج أو العُمرة))، ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) شامي مَرَّ بالمدينة، وتَجَاوز ذا الحُليفة، فلم يُحرم منهُ إلى أنْ وَصِلَ إلى مِيقاتِهِ، شامِي أجَّلَ الإحرام، وقد مرَّ بذي الحُليفة أجَّلَهُ إلى الجُحْفَة، أو نجدي مرّ بذي الحُليفة وتَجَاوزَهُ، وقال أنا أُحرم من السَّيل بدل من لُبس الإحرام أربع ساعات أذْهب إلى السَّيل وألبس الإحرام أقل من ساعة ((هُنَّ لهُنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) هل يلْزَمُهُ شيء أو لا يَلْزَمُهُ؟! ((هُنَّ لهُنّ)) الأصل أنَّ هذهِ المواقيت لأهل تلك الجِهات، فإذا أحرم النَّجدي من قرن المنازل ولو مرَّ بغيرِهِ يكون عَمِل بقولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) عمله ظاهر، وإذا احرم من ذي الحُليفة يكون عَمِل بقولِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) مُقتضى تأجيل الإحرام إلى مِيقاتِهِ الأصلي عمل بالطَّرف الأوَّل ((هُنَّ لهُنّ))، وإحرامُهُ من الميقات الذي مرَّ به يقتضيه قولهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) لكن إذا فَعَل هذا الفِعل، شامي مَرَّ بالمدينة، وقال لن أُحرم من الآن، الجُحفة قدامي، وأجَّل الإحرام إلى أنْ وَصِل الجُحْفَة لا شكَّ أنَّهُ مُخالف لقولِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) لكن لهُ أنْ يقول: أنا عَمِلْتُ بقوله -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((هُنَّ لهُنّ)) فهل عليهِ من شيء؟ هل عليهِ من بأس؟ أوَّلاً من تَجَاوز المِيقات بغضِّ النَّظر عن هذه المسألة، تَجاوزَ المِيقات بالكُلِّيَّة يُلْزِمُهُ جُمهُور أهل العلم إنْ لمْ يَرجع قبل إحْرامِهِ بدم لِخبر ابن عبَّاس عُمدتُهُم في ذلك كُلِّه خبر ابن عبَّاس، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة، وإنْ كان سعيد بن جُبير يقول لا شيءَ عليهِ، ومن السَّلف من يقول(1/2)
فلا حجَّ لهُ منْ تَجَاوز المِيقات! قولان في طرفين؛ لكن القول المُعتمد عند جُمهور أهل العلم أنَّهُ حجَّهُ صحيح؛ لكن يَجْبُرُهُ بدم؛ لأنَّهُ ترك نُسك وهو الإحرام من المِيقات، نأتي إلى مسألتنا في الشَّامي الذِّي أجَّل الإحرام إلى الجُحفة، وقد مرَّ بذي الحُليفة، هو عَمِل بقولِهِ: ((هُنَّ لهُنّ))، وخالف قولُهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) هل يَلْزَمُهُ شيء أو لا يَلْزَمُهُ؟! عند مالك لا يَلْزَمُهُ شيء؛ لأنَّهُ احْرَمَ من مِيقاتِهِ المُحَدَّد لهُ شرعاً، وهو الأصل فيهِ، وجُمهُورُ أهل العلم يُلْزِمُونهُ بالدَّم؛ لمُخالفتِهِ لقول النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ)) ما دام مرّ بهذا المِيقات فهو مِيقاتُهُ سواء كان من أهل المدينة أو من غيرها، ورأي الإمام مالك وَجِيه، لِهذا أنْ يقول: النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- وَقَّتَ لنا معاشر أهل الشَّام هذا المِيقات وقال: ((هُنَّ لهُنّ))، على كُلِّ حال الأحوط في هذه المسألة أنْ لا يَتَجاوز المِيقات الذِّي يَمُرُّ بِهِ أوَّلاً.(1/3)
ميقات المكِّي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((حتَّى أهلُ مكَّة من مكَّة)) أهلُ مكَّة يُحْرِمُونَ بالحجِّ من مكَّة، والعِبارة أو الجُملة تَدُلُّ على أنَّ المكِّي يُحرم من مكَّة مُطلقاً سواءً كان لِحجٍّ أو عُمرة؛ لأنَّهُ يقول: ((حتَّى أهلُ مكَّة من مكَّة)) عُمُوم اللَّفظ يتناول الحاج والمُعتمر، فيُحرم المكِّي من مكَّة سواءً كان نُسُكُهُ حَجًّا أو عُمرة؛ لكنْ جُمهور أهلِ العلم على أنَّ المُعتمر لا بُدَّ أنْ يخرج إلى الحِلّ؛ لِيَجْمَعَ في نُسُكِهِ بين الحِلِّ والحَرَم، أمَّا الحاج لا يَلْزَمُهُ أنْ يخرُجَ إلى الحِلّ؛ لأنَّهُ سوف يخرُج للوُقُوف، وعَرَفة من الحِلّ، وعلى هذا حَمَلَ أهلُ العلم هذا الحديث على الحاج دون المُعتمر ما الذِّي يُخرج المُعتمر من هذا النَّص؟! حديث عائشة وأنّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أمر عبد الرحمن أنْ يذهب بها إلى التَّنعيم فتُحرم من هناك، والرَّسُول -عليه الصَّلاة والسَّلام- وصحابتُهُ معهُ في الانتظار، ولو كان الإحرام من مكَّة يُجْزِئ أو يكفي لَمَا تكَلَّف وكَلَّفَ غيرَهُ بأنْ تخرج إلى الحلّ فَتُحرم منهُ، فهذا من العام المخصُوص.(1/1)
النِّقاب والقُفَّازين للمُحْرِمة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ولا تَنْتَقِب المرأة)) يعني لا تَلْبَس النِّقاب، ((ولا تَلْبَسْ القُفَّازين)) وهو ما يُغَطِّي اليَد، ((لا تَنْتَقِب المرأة)) والمُراد بالمرأة هنا المرأة المُحْرِمة، مَفْهُومُهُ أنَّ غير المُحْرِمَة لها أنْ تَنْتَقِب، نعم أبو داود يَقْدَح في هذهِ اللَّفْظَة؛ لكنْ ليسَ لأحَدٍ أنْ يَقْدَح والخبرُ في البُخاري، ولا إشْكَال في كَوْن غير المُحْرِمَة تَنْتَقِب تَلْبَس النِّقَاب؛ لكن ما النِّقاب الذِّي تَلْبَسُهُ المرأة المُسْلِمَة؟! نَقْب في حِجَاب الوَجْه، نَقْبٌ بِقَدْرِ حَدَقَةِ العَيْن لِتَرى منهُ الطَّريق بِقَدْرِ الحاجة، ولو زَادَ على هذا القَدْر، ولو مِلِّيم واحِد من البَشَرَة صَار سُفُور وليسَ بِنِقَاب، لا بُدَّ أنْ نَفْهَم معنى النِّقاب، ما يجينا واحد يقول خلاص النِّقاب حلال ويكشفُون نِصْف الوجه! لا هذا ولا أنْ نُضَعِّف ما في البُخاري، ما في البُخاري صحيح، ومَفْهُومُهُ صحيح، تَنْتَقِب غير المُحْرِمَة؛ لكنْ إذا أَخْرَجَتْ قَدْر شَعْرَة من البشرة فهو سُفُور؛ بل لو قيل بوُجُوب تغطِيَة بعض العين؛ لأنَّهُ لا يتمّ الواجب وهو تَغْطِيَة البَشَرة إلاَّ بِهِ لكانَ لهُ وَجْه، لا يَتَوسَّع في مَعْنَى النِّقاب كما هو موجُود الآنْ، ولا نُضَعِّف ما ثَبَتْ، وهذا كلامٌ واضح وظاهر، ما يجي واحد يقول سمعنا واحد يقول: إنِّ النِّقاب حلال! ما النِّقاب المقصُود بِهِ؟! الكلام على النِّقاب الشَّرعيّ الذِّي جاء في مِثلِ هذهِ الرِّواية نَقْب يكونُ في غِطَاء الوجه بِقَدْرِ الحاجة، إنْ زَاد ولو كانَ شَيْئاً يَسِيراً تَتَعَدَّى العين إلى البَشَرة صار سُفُور ما يُسَمَّى نِقاب، ولو قِيل بِوُجُوب تَغْطِيَة بعض العين؛ لأنَّهُ لا يَتِمُّ سَتْر البَشَرة بالكامل إلاَّ بِسَتْرِ بعضِ العيْن، وما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بِهِ فهو واجب مُقَرَّر عند أهلِ(1/1)
العلم، فَنَفْهَم الموضُوع بِدِقَّة، لا نُضَعِّف ما في الصَّحيح؛ لأنَّ النَّاس تَوَسَّعُوا في النِّقاب – لا -؛ لكنْ نَفْهَم إذا أَرَدْنا أنْ نَعْمَل بالنُّصُوص لا بُدَّ أنْ نَفْهَم النُّصُوص، الواقع ما يُغيِّر من النُّصُوص شيء أبداً، نعم الاحتياط مَطْلُوب، وسدِّ الذَّرَائِع مَطْلُوب مُقَرَّر في الشَّرْع؛ لَكِنْ يَبْقَى أنَّ كُل شيء يُقدَّر بِقَدْرِهِ، ولا نَنَزِّل النُّصُوص على أَفْهَام العَامَّة {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج/24- 25]، العامَّة يقُولُون المَحْرُوم الذِّي عِنْدَهُ الملايين؛ لكنْ ما يَسْتَفِيد منه هذا مَحْرُوم! مسكين يُعْطَى من الزَّكاة! ما يُعْطَى من الزَّكاة ولو فَهِمَ العَامَّة أنَّهُ مَحْرُوم، فالنُّصُوص لا تُنَزَّل على أَفْهَام العَامَّة ولا على أفْهَام أهل الأهْوَاء؛ إنَّما الذِّي يَفْهَم النُّصُوص على حَقِيقَتِها وعلى وَجْهِها هُم سَلف الأُمَّة وأَئِمَّتُها من الصَّحابة والتَّابِعين.
((ولا تَلْبَسْ القُفَّازِين)) ما خِيطَ على قَدْرِ اليد؛ لكنْ هل لها أنْ تَلْبَس ما يُغَطِّي القَدَمَيْن أو نقُول القَدمان مثل اليدين؟! تَلْبَس المرأة المُحْرِمَة شُرَّاب الرِّجْلِين؟! نعم تَلْبس؛ لأنَّها لَيْسَت مَمْنُوعة من المَخِيط إلاَّ ما نُصَّ عليهِ.(1/2)
تَلْبِيَة المَرْأَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"والمَرْأَةُ تَرْفَعُ صَوْتَها بِحيثُ تُسْمِعُ رَفِيقَتها"، صَوْتُ المرأة والكلامُ فيهِ كثير لا سِيَّما عندَ المُتأخِّرين هل هُو عَوْرَة أو ليس بِعَوْرَة؟! خِلافِيَّة؛ لكنْ الذِّي يقول صَوْتُ المرأة عَوْرَة يَسْتَدِلُّ بمثل هذا، لماذا لا تَرْفَعُ صَوْتَها بالتَّلْبِيَة؟! لماذا لا تَجْهَر بالقِرَاءة؟! لماذا لا تفعل؟! لماذا تُصَفِّق ولا تُسَبِّح في الصَّلاة؟! كل هذهِ النُّصُوص تَدُلُّ على أنَّ صَوْتَها عَوْرَة، ويُسْتَثْنَى من ذلك ما يُحتاج إليهِ كما كان في مسائل البيع والشِّراء وغيرِها عند الحاجة، إذا دَعَتْ الحاجة إلى ذلك، ومنهُم من يقُول ليْسَ بِعَوْرَة، ما دَام يَسْمَعُها الرِّجال تَبِيع وتَشْتَري وتَرْوِي الحديث وتَتَلَقَّى الأحاديث ليْسَ بِعَوْرَة، ومَعْرُوفة آرَاء المَشايخ في هذه المسألة كرأي العُلماء والخِلاف مَبْسُوط؛ ولا شكَّ أنَّ الاحْتِيَاط للمرأةِ ألاَّ تَرَى الرِّجال ولا يَرَوْنَها ولا تَسْمَعُ كَلامَهُم ولا يَسْمَعُونَ كلامها ! مع ما يتيسَّر، ومع الأسَف الشَّديد أنْ تَسْمَع الآنْ المَرْأة لا تَخْتَلِف بشيء عن الرَّجُل، تَجِد المرأة نَصَبَتْ نَفْسَها للدَّعْوَة، وعُرِفَتْ بذلك، وشُهِرَتْ بذلك، ونَفَعَ اللهُ بها نَفْعاً عَظِيماً، ومع ذلك إذا دَاخَلَتْ في إذاعة أو في قناة أو ما أشبه ذلك رَفَعَتْ صَوْتَها أكثر من الرِّجال! هل هذا هو اللَّائِق بالنِّساء؟! لا والله ليسَ هذا هو اللَّائِق بالنِّساء، فالنِّساء ليسَ لَهُنَّ هذا الأمر؛ وإنَّما هُو للرِّجال، الرِّجال يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم، والنِّساء يَخْفِضْنَ أصْوَاتَهُنّ، واللهُ المُستعان، ولا شكَّ أنَّ هذا تَشَبُّه، وهذهِ يُخْشَى أنْ تَكُون مُتَرَجِّلَة أوْ رَجِلَة من النِّسَاء.(1/1)
تَلْبِيَتُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام وصَحابَتُهُ الكِرام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التَّلْبِيَة المُرادُ بها إجابةُ النِّداء والدَّعوة من الله -عزَّ وجل- على لسانِ خليلِهِ إبراهيم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج/27]؛ ولذا شُرَع لكلِّ حاج ومِثْلُهُ المُعتمر أنْ يقُول لَبَّيْك إجابَةً لهذهِ الدَّعوة، ولِهذا النِّداء ولهذا التَّأذِينْ، عن ابن عُمر -رضي الله عنهما- ((أنَّ تَلْبِيَة رسُول الله -صلى الله عليهِ وسلَّم- لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك))؛ ولِذا يقول جابر -رضي اللهُ عنهُ-: ((وأَهَلَّ النبيُّ -صلى الله عليهِ وسلَّم- بالتَّوحيد))، مُخَالِفاً لما كانَ يُهِلُّ بِهِ المُشْرِكُونْ ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك)) يقولون: إلاّ شريكاً هو لك تَمْلِكُهُ وما مَلَكْ! يُشرِكُون نَسْأل الله العافِية الشِّرْك الأكبر؛ فالنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- خَالَفَهُم فَأَهَلَّ بالتَّوحيد ((لا شَرِيكَ لك))، ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك)) هو مُثَنَّى يعني إجابة واسْتِجابة بعد اسْتِجابة، ((إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك)) كَرَّرَ التَّوحيد، قال وكان ابنُ عمر يزيدُ فيها ((لَبَّيْكَ لَبَّيْك وسَعْدَيْك والخيرُ بِيَدَيْك والرَّغْبَاءُ إليكَ والعمل))، التَّلْبِيَة النَّبَوِيَّة التِّي يَقْتَصِرُ عليها النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ولا يَزِيدُ عليها، لا يَزِيدُ على ما جاءَ في صَدْرِ هذا الحديث: ((لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْك، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْك، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْك لا شَرِيكَ لك)) قال جابر: وكان النَّاس يَزِيدُون على تَلْبِيَة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ(1/1)
والسَّلام- يَسْمَعُهُم ولا يُنْكِرُ عليهم، تَلْبِيَة ابن عُمر، زِيادة ابن عُمر: (( لَبَّيْكَ لَبَّيْك وسَعْدَيْك والخيرُ بِيَدَيْك والرَّغْبَاءُ إليكَ والعمل)) اكْتَسَبَتْ الشَّرْعِيَّة من أين؟! من إقْرَارِ النَّبيِّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، والإقْرَار أحد وُجُوه السُّنَنْ؛ لكنْ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لَزِمَ تَلْبِيَتُهُ هل الأفْضَلْ للمُسْلِم أنْ يَلْزَم ما لزمه النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أو يَتَجَاوزُهُ إلى ما يَقُولُهُ الصَّحَابة مِمَّا لَفْظُهُ صَحِيح وأَقَرَّهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؟! يَلْزَم ما لَزِمَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أَوْلَى؛ لكنَّهُ إذا سَمِعَ أَحَداً يُلَبِّي بغَيْرِ هذهِ التَّلْبِيَة يُنْكِر عليهِ ولاّ ما يُنْكِر عليهِ؟! لا يُنْكِر عليهِ، يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ ما اخْتَارَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لِنَفْسِهِ فلا يَزِيد على تَلْبِيَة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-؛ لكنْ لوْ سَمِعَ أحَدًا يُلَبِّي بالصِّيَغْ التِّي جَاءَتْ عنْ الصَّحابة مِمَّا سَمِعَهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ولَمْ يُنْكِرْهُ؛ لأنَّهُ ليسَ لهُ أنْ يُنْكِر ما أَقَرَّهُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فالأمرُ ولو كان خِلافُ الأوْلَى لا يُنْكَر، وقدْ اكْتَسَبَ الشَّرْعِيَّة منْ إقْرَارِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، التَّلْبِيَة سُنَّة عند جُمهُور أهلِ العِلْم، وقِيلَ بِوُجُوبِها، ويَرْفَعُ بِها المُلَبِّي صَوْتَهُ، وكان الصَّحابة -رِضْوَان الله عليهم- يَصْرُخُونَ بها، يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم بالتَّلْبِيَة ويُكَرِّرُونَ التَّلْبِيَة، والمَرأةُ تُخْفِضُ صَوْتَها؛ لِئَلاَّ يُفْتَتِنَ بها من فِي قَلْبِهِ مَرَضْ، فَتُخْفِضْ صَوْتَها بالتَّلْبِيَة بِحيث تُسْمِع نَفْسَها ورَفِيقَتَها ولا تَرْفَعُ صَوْتَها(1/2)
بالتَّلْبِيَة، أمَّا الرَّجُل فالمشْرُوع لهُ أنْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ بالتَّلْبِيَة، التَّلْبِيَة الجَمَاعِيَّة، بعض النَّاسْ إذا اجْتَمَعُوا يُلَبِّي واحد ثُمّ يُلَبِّي الجميع بِصَوتٍ واحِد مُرْتَفِع، تَلْبِيَة جَمَاعِيَّة مِثْلُها تكبير جَمَاعِي، تَهْلِيل جَمَاعِي، كُلّ هذا مِمَّا أُحْدِثْ، كُلّ هذا من المُحْدَثَاتْ، يَنْبَغِي أنْ يكُون كُلّ واحِد يُلَبِّي بِمُفْرَدِهِ.(1/3)
ما لا يَلْبَس المُحْرِم من الثِّيَاب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ما يَلْبَس المُحْرِم من الثِّياب؟ قال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: لا يَلْبَس القُمُص)) وهو مَا خِيطَ على قَدْرِ البَدَنْ أو نُسِج على قَدْرِ البَدَنْ، ويُلْحَقُ بِهِ مَا نُسِجَ على بَعْضِهِ من يد أو رجل أو عُنق أو ما أشبه ذلك، المَقْصُود كل ما يُخَاط على جُزْء من البَدَنْ بالتَّحديد لا يَلْبَسُهُ المُحْرِم، فلا يَلْبَس القُمص، وعلى هذا لو خِيطَ الرِّدَاء وصار يَشْمَل النِّصْف الأعلى من البَدَنْ خِياط، فُصِّل على قَدْر النِّصْف الأعْلَى من البَدَن يَلْبَسُهُ المُحْرِم أو ما يَلْبَسُهُ؟! لا يَلْبَسُهُ المُحْرِم، وكذا لو خِيطَ النِّصْفُ الأسْفَل لا يَلْبَسُهُ المُحْرِم ((لا يَلْبَس القُمُص، ولا العمائِم)) ويَشْمَل كُل ما يُغَطِّي الرَّأس من عِمَامة وفي حُكْمِها الطَّاقِيَّة والشماغ وما أشْبَه ذلك، ((ولا السَّراويلات)) لا يَلْبس السَّراويل سَواءً كانت سراويل طَويلة أو قَصِيرة؛ لأنَّهُ يَشْمَلُها اسم السَّراويل، وهي أيضاً مَخِيطَة على قَدْرِ جُزْءٍ من البَدَنْ، وفي الصَّحيح عن عائشة أنَها رأت أنْ لا بَأْس من لبس السروال القصير يسمونه التبان؛ لكنَّهُ قولٌ مَرْجُوح، العَمَلُ على خِلافِهِ عند عامَّةُ أهلِ العلم؛ لكنْ هذا اجْتِهاد، ((ولا البَرانِس)) البُرْنُس يُغَطِّي الرَّأْس، وهو في الغَالِب مُتَّصِل بالقَمِيص.(1/1)
ركعتا الطَّواف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وركعتا الطواف عند جمهور العلماء سنة لا شيء في تركهما؛ لكنها من السنن المؤكدة، ومنهم من يقول: بوجوبهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا فعل وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ومنهم من يفصل، فيقول: هما تبع للطواف، إن كان الطواف واجباً فهما واجبتان، وإن كان الطواف مسنوناً فهما سنة، وعلى كل حال قول جماهير أهل العلم أنهما من السنن المؤكدة، ويكون فعلهما في هذا المكان خلف المقام هذا الأفضل، وفي أي مكانٍ من الحرم فعلهما جاز، وفي خارج الحرم أيضاً يجوز؛ لأن عمر صلاهما بذي طُوى.(1/1)
ركعتي الإحرام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد صلاة، وهي صلاة الصبح على قول النووي أو الظهر على قول ابن القيم، فدل على أنه ينبغي أن يكون الإحرام بعد صلاة، وجاء الأمر بالصلاة قبل الإحرام، في صحيح البخاري: ((صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة)) ولا نعلم ما لو لم تكن أو لم يكن إحرامه - عليه الصلاة والسلام - بعد الفريضة ماذا سيصنع؟!؛ ولذا يرى جمهور أهل العلم أن الإحرام له صلاة؛ فإن وقع بعد فريضةٍ فهو أولى، وإن لم يقع بعد فريضة صلى ركعتين للإحرام، وهذا مذهب العلماء كافة، كما قال النووي وابن عبد البر وغيرهما، نقل الخلاف عن الحسن البصري وبعض التابعين، من أهل العلم من يقول أنه ليس هناك صلاة للإحرام، وإنما وقع اتفاقاً أنه صلى الفريضة ثم أحرم؛ لكن الأمر: ((صل في هذا الوادي المبارك)) يعني غاية ما في الأمر أنها تداخلت صلاة الإحرام مع صلاة الظهر، ومعلوم أنه إذا اجتمع هناك عبادتان، صغرى وكبرى، لم تكن إحداهما متعلقة بالأخرى، ولا يكون فعلها على جهة القضاء، فإنها تدخل إحداهما في الأخرى، تدخل الصغرى في الكبرى، وهذه قاعدة عند أهل العلم، على أن من الشافعية من يرى أنها صلاة خاصة فلا تدخل في الفرض، ولا تجزئ عنها الفريضة؛ بل لا بد من هاتين الركعتين للإحرام.
على كل حال جماهير أهل العلم؛ بل هو مذهب العلماء كافة فيما نقله النووي وغيره ولم يخالف في ذلك إلا نفر يسير أن الإحرام له صلاة، وعلى كل حال إن وافق فريضة فبها ونعمت وهو الأولى والأكمل خروجاً من الخلاف، وإن لم يوافق ويصادف فريضة وكان الوقت وقت مطلق غير وقت نهي، فالأولى أن يصلي الإنسان ركعتين ليقع إحرامه بعد صلاة، إن كان الوقت وقت نهي ثبت في الصحيح عن عقبة بن عامر من حديث عمر وغيره النهي عن الصلاة في أوقات النهي، فلا تعارض هذه النواهي بمثل هذه السنة.(1/1)
صفة دخول مكة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كداء، -بالفتح والمد- من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى، بالضم كُداء كقُرى، هناك موضع آخر يقال له كُديّ، كسمي، يدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها: ولذا يقول الفقهاء: يسن دخول مكة من أعلاها -من كَداء- بالفتح- والخروج من أسفلها -من كُداء- بالضم- ويقولون أيضاً: افتح وادخل، واضمم واخرج، تسهيلاً للضبط؛ لأن الضبطين مشتبهان في الرسم، وأهل العلم يضبطون الكلمات بالشكل والحرف والضد والنظير، وغير ذلك، حرام بن عثمان ضد الحلال، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا لهم طرق في الضبط، وهنا يقولون: افتح وادخل افتح الدخول مناسب للفتح، والمراد بذلك فتح الكاف ما هو بفتح باب، واضمم الكاف من كُداء كقُرى واخرج، يعني عند الخروج، نأتي إلى هذه المسألة وهي: مشروعية الدخول من أعلى مكة والخروج من أسفلها هل نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قصد الدخول من هذا الموضع، والخروج من ذلك الموضع، أو نقول: أن هذا طريقه؟ أو هذا الأيسر بالنسبة له؟ فمن كان الأيسر له أن يدخل من الأعلى ويخرج من الأسفل فعل، وإن كان الأيسر العكس فعل، هل هذا العمل متعبد به؟ مما يقتدى به، أو من الأفعال التي حصلت اتفاقاً فلا يتعبد به؟ هل هذا مثل خروج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى العيد يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر فيتعبد به؛ لأنه تكرر؟ أو نقول هذا كونه دخل من أعلاها هذا المناسب لأهل المدينة، وكونه خرج من أسفلها؛ لأن النزول أيسر من الصعود، لا يقول قائل إذا كان الدخول من أعلاها هو المناسب لأهل المدينة لماذا لا يكون الخروج كذلك؟ النزول أيسر من الصعود، وقيل بهذا وهذا، إذا تيسر الدخول من أعلاها والخروج من أسفلها فهو الأولى، لكنه قد لا يتيسر لكل الناس لا سيما في المواسم؛ لأنه قد يقصد الإنسان هذا(1/1)
الموضع ثم يصرف عنه، أو يشق عليه مشقة بالغة إذا جاء من الجهات الجنوبية، كيف يلتوي على مكة إلى أن يصل إلى شمالها ثم يدخل! على كل حال من فعل ذلك مع اليسر متعبداً بذلك فلن يخيب ظنه ولن يعدم الأجر -إن شاء الله تعالى- ومن شق على ذلك فلا مانع ولا حرج -إن شاء الله- في المخالفة في مثل هذا.(1/2)
مشروعية الرمَّل في الحج والعُمرة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"فرمل ثلاثاً" رمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً ومشى أربعاً، والرمل الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ومشى أربعاً، والسبب في هذا الرمل، المشركون في عمرة القضاء قالوا: إنه يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فجلسوا مما يلي الحجر، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يرمل من الركن إلى اليماني ويمشي بينهما، رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة إبقاءً عليهم، ثم رمل بعد ذلك من الركن إلى الركن في حجة الوداع، فأصل الرمل شرع لسبب، وهو قول المشركين: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، لكن في حجة الوداع هل هناك من يقول: يقدم محمد... الخ، ليس هناك من يقول، فالحكم شرع لسبب وارتفع السبب، وأهل العلم يقولون: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، العلة ارتفعت والسبب انتهى، ليس هناك من يقول: يقدم محمد وأصحابه... الخ.
لكنه -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع من الركن إلى الركن فيكون هذا من الأحكام التي شرعت لسبب فارتفع السبب وبقي الحكم، كالقصر في الصلاة، القصر في الصلاة سببه الخوف، وقد نص عليه في الآية {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] إن خفتم بهذا القيد، شرع القصر بسبب الخوف في السفر ثم ارتفع، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فيقصر الإنسان وهو آمن ما يكون، ومثله ما معنا، شرع الرمل لعلة فارتفعت العلة، ارتفع السبب وبقي الحكم.(1/1)
التَّوحيد في الحج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} [(158) سورة البقرة] ، {إِنَّ الصَّفَا} فبدأ بالصفا ذكراً وبدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- به فعلاً، فرقي على الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، واتجه اتجاه الكعبة، ونظر إليها، وهذا سنة إن تيسر، وإلا فالجهة كافية؛ لأنه في هذه الأزمان مع كثرة العمد، وكثرة البنايات قد لا يتيسر، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وفسر ذلك بقوله: قال: ((لا إله إلا الله وحده -هذا التوحيد- لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)).
وهذا التوحيد من أفضل ما يقوله المسلم، بل أفضل ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- والنبيون من قبله، ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)) ومن قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرة -حصل له أمور، واحد منها يكفي- كتب له مائة حسنة، وحطّ عنه مائة خطيئة، وحذر من الشيطان حتى يمسي...)) الخ.
فالمحروم من حرم مثل هذه الأذكار، والناس في غفلةٍ عن مثل هذا، إذا قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، كان كمن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل))، شيء لا يكلف، يعني عشر مرات تقال بدون مبالغة في دقيقة؛ لكن الحرمان لا نهاية له، من قال: ((سبحان الله وبحمده مائة مرة حطّت عنه خطاياه، -خطايا جمع مضاف فيفيد العموم-، وإن كانت مثل زبد البحر)).(1/1)
على كل حال هذه مناسبة لذكر هذا الذكر فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الذكر، والذكر في موطنه أفضل من غيره، فقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في هذا الموضع أفضل من قراءة القرآن، كما أن التسبيح بالركوع والسجود أفضل من التلاوة، بل التلاوة حرام في حال الركوع والسجود كما هو معروف، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، أنجز وعده، بنصر الدين وتحقيق ما وعده الله نبيه من إعلاء كلمته، ونصر عبده، يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وهزم الأحزاب وحده، في غزوة الأحزاب لما تحزبوا واجتمعوا لحربه -عليه الصلاة والسلام- هزمهم الله -سبحانه وتعالى-.
"ثم دعا بين ذلك" صيغة التكبير: الله أكبر، كما هو معروف ، ثم دعا بين ذلك، دعا بين التوحيد والتكبير، قال مثل هذا ثلاث مرات، فأعاد التوحيد والتكبير والدعاء ثلاثاً، ومنهم من يقول: يوحد ويكبر ثلاثاً ويدعو مرتين؛ لكن الحديث صريح في كون الدعاء يكرر ثلاثاً كالتوحيد والتكبير.(1/2)
سفر المرأة للحج بدون محرم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قوله: ((لا يحل)) يعني يحرم، ((لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر)) يعني مسلمة؛ لأنها هي الممتثلة لمثل هذه التوجيهات الشرعية، وهذا لا يعني أنَّ غير المسلمة يجوز أن تسافر، أو يُسافَر بها من قبل المسلمين- لا - ؛ لأنها مخاطبة بفروع الشريعة، وهذا منها، وحينئذ يتجه الخطاب إلى من مكَّنَها، قد يقول قائل: هو يسافر بالشغالة يمين ويسار من غير محرم، وهي المكلفة هي المخاطبة بهذا النفي وإثبات الحُرْمَة؟ نقول هذا تعاون، إعانة لها على ارتكاب المحرم، والإعانة على ارتكاب المحرم مُحَرَّمَة، {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة المائدة]. ((أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حُرْمة)) قد يقول قائل: الآن ما هي مسيرة يوم وليلة؛ تسافر للحج ساعة، ساعة ونصف وهو واصلةٍ جدة، ما تحتاج إلى محرم؟ نقول تحتاج إلى محرم؛ لأن قوله: ((مسيرة يوم وليلة)) لا مفهوم له، لا مفهوم له بدليل أنَّهُ اختلف التحديد، في بعض الروايات ثلاثة أيام، وفي بعضها مسيرة يوم، وفي بعضها مسيرة ليلة، المقصود أنَّها لا تسافر بدون مَحْرَم، ومع الأسف الشديد توسَّعَ النَّاس في ذلك، يجعل بنته، زوجته، أخته تسافر، ويومياً تُسافر بدون محرم، تعمل في بلدٍ آخر وتذهب وتأتي على اعتبار أنها مع جمع من النسوة! نقول ما يكفي ((إلا مع ذي محرم منها))، يعني من محارمها، ومحرمها زوجها أو من تحرم عليه على التَّأبيد، هذا المحْرم، أما الجمع من النسوة، هذا وإن قال به بعض أهل العلم؛ لكن ما يكفي ((إلا مع ذي محرم))، يعني محرم منها.(1/1)
بعض الشراح قال: محرم منه، يعني محرم منه يعني امرأة من نسائه تكفي، التَّوسُّع في هذا الباب أورث مشاكل كثيرة، والتَّسَاهُل والتَّسَامح في مثل هذا يُعَرِّض الأعراض للانْتِهَاك، والآنْ يُبْنَى على مثل هذه المسائل مسائل أخرى، يُسْأَل عنها لتكون شرعية ومبنية على أمور ممنوعة، شخص يسأل يقول: هل يجوز تأخير صلاة الفجر إلى الساعة السَّابعة؟!! لماذا؟ يقول هو يسافر بمدرسات من بلد إلى بلد ولا يتمكَّن من الصلاة إلا إذا وصل البلد الثاني؟! يريد أن يبني مسائل شرعية على أمور غير مشروعة أصلاً، ما يُمكن أن تنضبط الفتوى بهذه الطريقة، ابْنِ نتائج شرعية على مُقَدِّمات شرعية، امرأة تسافر بدون محرم، يقول: لا أستطيع أن أقف في منتصف الطريق وأصلي، نقول له اترك هذه المهنة! طيب من يُوَصِّل هؤلاء المدرسات؟ يوصلونهن أولياء الأمور، أولياء أمورهن يوصلونهن، المسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، إذا كان يستطيع أن يوصلها امتثالاً لهذا الخبر ((إلا مع ذي محرم)) وإلا تُتْرَك، ما هناك ضرورة ولله الحمد، أما أنْ تُرْتَكَب المُحَرَّمات لأمور لا ضرورة داعية إليها، ما وصل الأمر إلى حدِّ الضرورة، ومع ذلك يبنون عليه تأخير صلاة الصبح، طيب تصلي قبل ما تمشي، يقول: نطلع قبل صلاة الفجر بساعة! ولا نصل إلا بعد طلوع الشمس بساعة!!! يريد أن يؤخر صلاة الفجر لماذا؟ لأنه يوصل مدرسات بدون محرم، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النور]، بعض الناس يتسامح يقول: سلِّم المرأة إلى المطار، سلمها حتى تركب الطائرة، وتُستَلم من المطار الثاني!!! كم حصل من عطل ومن خلل؟، كم حصل من مضايقة في الطائرات للنساء؟ كم حصل من مضايقة في القطار للنساء؟ يقول سلِّمها للقطار في محطة القطار، واستقبلها هناك، أو يستقبلها محرم آخر هناك! نقول: يا أخي اتق الله في محارمك، التَّسامح والتَّساهل إلى هذا الحد يورث مشاكل، طيب تعطل القطار، تعطل القطار في آخر(1/2)
السفر، قبل سنتين أو ثلاث في منتصف الطريق في الظلام وبين أشجار والقطار فيه أكثر من خمسمائة امرأة ولا فيه إلا يمكن خمسين رجل، هؤلاء النسوة بذمة من؟ يتحمل أولياء الأمور، فمثل هذا التساهل يجرُّ إلى كوارث، أيش المانع، يا أخي لا تسافر البتة هو الحاجة أو الضرورة إلى هذا السفر، الحج ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام إذا لم تجد المرأة محرم تُلزَم بالحج؟ ما تلزم بالحج؛ بل من شروط وجوب الحج على المرأة وجود محرم، والله المستعان.(1/3)
سُنَّة مَهْجُورة يَنْبَغِي أنْ تُحْيَا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((من أَهْدَى هَدْياً حَرُمَ عليهِ ما يَحْرُمُ على الحَاج حتَّى يُنْحَر الهدي)) وهذا هَدْي تَطَوُّع، يُبْعَثُ من الآفَاق إلى البَيْت، يَبْعَثُهُ النَّاس وهُم في بُلْدَانِهِم، فَيُقَلَّد، وتُفْتَل لهُ القَلائِد، يعني تُظَفَّر حبال، وتُرْبَط في عُنُقِهِ، ويُعلَّق عليهِ نَعْل إنْ كان من الغَنَم، ويُشْعَر إنْ كانَ من الإبل، والخلافُ في البقر هل تُلْحَق بالإبل أو الغَنَم، والأكْثَر على إلْحَاقِها بالإبِل فَتُشْعَر مثلها، والتَّفريق سَبَبُهُ أنَّ الغَنَم ضعيفة لا تتحمل الإشعار وهي ضربُها بالسِّكِّين يعني كَشْطُها بالسِّكِّين في جانب ظهرها الأيْمَن، هي ضعيفة لا تتحمَّل مثل هذا، وأيضاً هذا الإشْعَار يُغَطَّى بالشَّعَر، شعر الغَنَم كثيف بينما هو في الإبل أو البقر لا يَتَقَطَّع، وسَبَبُهُ لكي يُعْرَف أنَّ هذا هَدْي فلا يُتَعَرَّض لهُ، وأَنْكَر الحَنَفِيَّة الإشْعَار وقالوا إنَّهُ تعذيب للحيوان، وما دام ثَبَت فِعْلُهُ عن النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- كالوسم، النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وسم إبل الصَّدقة بيدِهِ، والوسِم حَرْق بالنَّار، وما دام ثَبَتَ هذا عنْ اَرْحَم الخَلْق فكيف يُقال إنَّهُ تعذيب؟؟! المقصُود أنَّهُ ثابت عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أنَا فَتَلْت قلائد هَدْي رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-)) يعني ظَفَرَتها ثُمَّ بعد ذلك رَبَطَتْها في عُنقها ثُمَّ رَبَطَتْ فيها نَعْل لِتُعْرَفْ أنَّها هَدْي ((بِيَدَيَّ، ثُمَّ قلَّدها رسُول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بها رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- مع أبي)) تَعْنِي أبا بَكْر ((فلَم يَحْرُمْ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- شيءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ حتَّى نُحِرَ الهَدْيُ))، وهذهِ السُّنَّة مَهْجُورة، يَنْبَغِي أنْ تُحْيَا،(1/1)
فَيُبْعَث الهَدْي، والآنْ الأُمُور ما تُكَلِّفْ شيء إذا اشْتَرَى شخص خرُوف بخمسمائة ريال، وقَلَّدَهُ وبَعَثَ بِهِ مع ثِقَة بِحيث يَذبَحُهُ ويُوكِّل من يَذبَحُهُ يُوزِّعها على مساكين الحَرم تَكُون هذهِ السُّنَّة أُحْيِيَتْ، وهذهِ لا تُكَلِّفُ شيئاً، وذكرنا في مُناسبات أنَّ سبب موت هذهِ السُّنَّة هي كون كُتب المناسك وما يتعلَّق بالحج لا تُقْرَأ إلاَّ في موسِم الحج، يعني تُقرأ قُبيل الحج وبعد الحج خلاص تُهْجَر، فَتُنْسَى هذهِ السُّنَن! وإلاَّ لو قُرِئت في صَفر في ربيع في رجب، وتَذَكَّر النَّاس هذهِ السُّنَّة وبَعَثُوها ما نُسِيَت! يعني هل يعرف أحدٌ منَّا أحَدًا بَعَثْ بالهَدْي إلاَّ القليل النَّادر يعني الأُمَّة ما تزال فيها خير، يعني على مُستوى الجميع أو المجمُوع لا تَكَاد تُذْكَر هذهِ السُّنَّة!!!(1/2)
ما تَفْعَلُهُ الحَائِض فِي الحَج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال حدثني يحيى عن مالك عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: "المرأة الحائض التي تُهلُّ بالحج أو العُمرة إنَّها تُهلُّ بحجِّها أو عُمرتها إذا أرادت" يعني وهي مُتلبِّسة بالحيض، لا مانع من ذلك، وأنَّ الحيض لا يمنع من الدُّخُول في النُّسك، ولا يمنَع عَقْدَ الإحرام، ولا يمنَع عَقْدَ النِّكاح، الحيض لا أثر لهُ في مثل هذا؛ ولذا جاء في الحديث، حديث عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطُوفي بالبيت)) وقال في حديث صفية، قصَّة صفية: ((أحابستُنا هي؟!)) فدلَّ على أنَّ الحائض لا تَطُوف مهما كانت الظُّرُوف وأنَّها تحبسُ الرفقة، كان يقول: "المرأة الحائض التي تُهلُّ بالحج أو العُمرة إنَّها تُهلُّ بحجِّها أو عُمرتها إذا أرادت" يعني حائض أو طَرَأ عليها الحيض بعد أنْ دخلت في النُّسك كعائشة، ولكن لا تطُوفُ بالبيت ((غير ألا تطوفي البيت))، ولا بين الصَّفا والمروة، يعني تفعل ما يفعلهُ الحاج مِمَّا يقتضيهِ النُّسُك، ولا نذهب في مثل هذا النَّص إلى أبْعَد من هذا! فنقول أن الحائض تقرأ القرآن بدليل هذا الحديث! تفعل جميع ما يفعل الحاج والحاج يقرأ القرآن! بعد الحاج يُصلِّي، فالاستدلال بمثل هذا العُمُوم على مثل هذه المسألة لا شكَّ أنَّ فيهِ إيغال في العُمُوم، "ولكن لا تطُوفُ بالبيت، ولا بين الصَّفا والمروة"، نعم لا تَطُوف بالبيت؛ لأنَّها ممنُوعة من دُخُول المسجد، الطَّهارة شرط لصِحَّة الطَّواف، "ولا بين الصَّفا والمروة"، وما بينهُما خارج عن المسجد، لماذا تُمنع من الطَّواف بين الصَّفا والمروة؟ لأنَّهُم يشترطُون لِصِحَّة السَّعي أنْ يَقَع بعدَ طواف، فإنْ اشترطناهُ للطَّواف لَزِم من ذلك اشتراطَهُ للسَّعي؛ لكن لو قالت أنَّهُ جاء في حديث النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لم يَسْتَثْنِ إلا الطَّواف، والحائض لا تدخل المسجد ((وليعتزل الحُيَّض(1/1)
المُصلَّى)) والمَسْعَى خارج المسجد، وجاءَ أيضاً السُّؤال عن تقديم السَّعي على الطَّواف في حديث أسامة بن شديد قال: ((افعل ولا حرج))، هي في يوم العيد قالت أُريدُ أنْ أَسعى، ويبقَ الطَّواف إلى أنْ تَطْهُر، مُقتضى قول مالك، قال لا تطُوفي بالبيت كلام ابن عُمر "ولكن لا تطُوفي بالبيت، ولا بين الصَّفا والمروة" كأنَّهُ يرى أنَّ السَّعي لا بُدَّ أنْ يقع بعدَ طواف، وهو شرط عند جمع من أهل العلم صِحَّة السَّعي إلاَّ أنْ يكُون بعد طواف ولو مَسْنُوناً.
طالب:........
لها ذلك، لكن لا تطوف حتى تطهر.
طالب:.......(1/2)
وين إذا أهلَّت بالعُمرة في أيَّام الحج، واستمرَّ معها الحيض حتَّى خَشِيَت فوات الحج تُدْخِل العُمرة على الحج فتصير قارنة يعني مثل عائشة أهلَّت بعُمرة، إنْ كان هناك مُتَّسع من الوقت تنتظر حتَّى تَطهُر فتأتي بالعُمرة وتبقى على تَمَتُّعِها إنْ خَشِيَت فوات الحج بفوات الوُقُوف أدْخَلَت العُمرة على الحج وصارت قارنة، أمَّا كونُها تُحرم وهي في الحيض لا مانع، "وهي تشهدُ المناسك كلها مع النَّاس" ولذلك جاء في حديث: ((افعلي ما يفعلُ الحاج غير أن لا تطُوفُ بالبيت))، "غير أنَّها لا تطُوفُ بالبيت، ولا بين الصَّفا والمروة، ولا تقرب المسجد حتَّى تطهُر"، فالحائض لا يجُوزُ لها أنْ تدخُل المسجد كالجُنب، وجاء في صلاة العيد ((أُمر العواتق والحُيَّض وذوات الخُدُور أنْ يَخْرُجْنَ إلى المُصلَّى يشهدْنَ الخير ودعوة المُسلمين وليعتزل الحُيَّض المُصلَّى)) ومُصلَّى العِيد مسجد وإنْ كانت أحكامُهُ أقل من أحكام المسجد المعرُوف، يتَّفق مع المسجد في أشياء، ويختلف عنهُ في أشياء؛ لكنْ إذا كان هذا في مُصلَّى العيد فالمسجد من باب أولى، بعضُهُم يقول أنَّ المُراد بالمُصلَّى مكان الصَّلاة؛ لأنَّ ما دامت لم تُصلِّ وهي حائض فلماذا تجلس في المُصلَّى الذِّي هو المكان الذِّي يُصلَّى فيهِ فَتُضَيِّق على النَّاس وهي لمْ تُصلِّ؟! تبعد عن النَّاس ولو كانت في المُصلَّى؛ لكن موضع الصَّلاة المُصلَّى المُرادُ بِهِ المحدُود معرُوف الحُدُود، فتلتزم في جهةٍ منهُ ولو كانت دَاخِلَهُ؛ لكنْ البُقعة التِّي يُصلُّون فيها لا تُضيِّق على النَّاس؛ لكنْ مُقتضى قوله: ((يعتزلن المُصلَّى)) يعني بِحُدُودِهِ يعني جميع حُدُودِهِ، والمسجد من باب أولى.(1/3)
أَرْبَعْ خُطَبْ مَشْرُوعَة فِي الحَج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ اَلتَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنَى)) وهُو اليوم الثَّامِنْ مِنْ ذِي الحِجَّة، يُسمُّونَهُ يوم التَّرْوِيَة؛ لأنَّهُم يَتَرَوَّوْنَ فيهِ ويَتَزَوَّدُونَ من المَاء؛ لأنَّ المَشَاعِر ليسَ فيها مَاء، ((تَوَجَّهُوا إِلَى مِنَى، فَأهَلُّوا بالحَج)) أَحْرَمُوا بالحَج مُقْتَضَى ذلك أنَّهُم بعد أنْ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنَى أَهَلُّوا؛ لأنَّ العَطْفْ بالفَاءْ يَقْتَضِي التَّعْقِيبْ وأنَّهُم أَحْرَمُوا منْ مِنَى، وعلى كُلِّ حال الإحْرَامُ بالحج يكُونُ من الحَرَم سَواءً كانَ من مِنًى أو من غيرِها، فَيُهِلُّون بالحج, ((وَرَكِبَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى الله عليهِ وسَلَّم-)) يعني إلى مِنَى ((فَصَلَّى بِهَا اَلظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ، والْفَجْرَ)) الخَمْسَة الأوْقَاتْ في اليوم الثَّامِنْ وفَجْر التَّاسِع، ((ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً)) بعد صلاة الفَجْر، كَعَادَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَذْكُرُ الله فِي مُصَلَّاهُ ((حَتَّى طَلَعَتْ اَلشَّمْسُ، فَأَجَازَ)) وهو من الجَواز والعُبُور ((حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ اَلْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا)) بهذِهِ القُبَّة ((حَتَّى إِذَا زَاغَتْ)) يعني زَالَتْ ((الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ)) بِفَتْح القَافْ والمَد، وقال بعضُهُم بالقَصْر، وهُو لقب دَابَّتِهِ نَاقَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-, ((فَرُحِلَتْ لَهُ)) وُضِعَ لها الرَّحْلْ, ((فَأَتَى بَطْنَ اَلْوَادِي، فَخَطَبَ اَلنَّاسَ)) وهذهِ خُطْبَة من الخُطَبْ المَشْرُوعَة في اليومِ الثَّامِنْ، وقَبْلَها بعد صلاةِ الظُّهُر من اليوم السَّابِع، وبعدها خُطْبَة يوم النَّحر، وبعدها في يوم النَّفْر الأوَّلْ، أرْبَع خُطَبْ مَشْرُوعَة في الحج ((فَأَتَى بَطْنَ(1/1)
اَلْوَادِي، فَخَطَبَ اَلنَّاسَ، ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ، فَصَلَّى اَلظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى اَلْعَصْرَ)) بِأذانٍ واحِد وإقَامَتَيْن ((وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا))؛ لأنَّ هذا مُقْتَضَى الجَمْع أَلاَّ يُصلَّى بين الصَّلاتَيْن المَجْمُوعَتَيْنْ.(1/2)
الوُقٌوفْ بِعَرَفَة ومُزْدَلِفَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الوُقُوف بعرفة رُكن من أركان الحج، والحجُّ عَرفة، والوُقُوفُ بمُزْدَلِفة من واجِبات الحجّ في قولِ الأكثر، وليسَ برُكْن خِلافاً مِمَّنْ زَعَم ذلك، وليسَ بِسُنَّة كما قالَهُ بعضُ أهل العِلْم، فالتَّرخيصُ فيهِ لأهلِ الأعذار يدلُّ على عدم رُكْنِيَّتِهِ، إذ الرُّكْن لا يُرَخَّص فيه، وأيضا ًالحاجة إلى التَّرخيص يَدُلُّ على الوُجُوب إذْ المَنْدُوب لا يحتاج إلى استئذان وطلب رُخصة، فَأَعْدَل الأقوال إنَّ المَبِيت بمُزدلفة واجِب، منْ تركَهُ يَجْبُرُهُ بدم عند جُمهُور العُلماء، قال حدثني يحيى عن مالك أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قال: ((عَرَفة كُلُّها مَوْقِف)) يعني يُجْزِئ الوُقُوف في أيِّ جُزْءٍ منها، على أنْ يَتَأكَّد الإنْسَان أنَّهُ في مُحيط عرفة، داخِل عرفة ولا يتساهل في هذا؛ لأنَّه لو وَقَفْ وانْصَرَف، وهو قريبٌ جدًّا من حُدُودِ عَرَفة ولمَّا يدْخُلها حجُّهُ ليس بصحيح! فعرفَة كُلُّها مَوْقِف فيُجْزِئ الوُقُوف فيها ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرَنة)) وهو موضع بين مِنى وعرفات، يقولون ما بين العَلَمَيْن الكبيريْن جِهة عَرفة والعَلَمَيْن الكبيريْن منْ جِهة مِنى يعني بين الحُدُود، وبطن عُرنة ليسَ من عَرفة؛ ولِذا أُمِرَ بالارْتِفَاعِ عنها، نُسِبَ لِلإمام مالك -رحمهُ الله تعالى- أنَّهُ يقول بطن عُرنة من عَرَفة؛ يُجْزِئ؛ لكنْ لا يجُوز الوُقُوفُ فيهِ، يَحْرُم الوُقُوف ببطن عُرنة، وإنْ كان من عَرَفة، طيِّب الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقول: ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرنة)) كيف يقول ارتفعُوا وهي من عرفة؟! قالوا: لأنَّهُ لو لم يكُن من عرفة لما احتاجَ أنْ يُذْكَر، عَرَفَة كُلُّها مَوْقِف؛ لكنْ مَفْهُومُهُ أنَّ ما عدا عَرَفَة ليسَ بِموقِف، فلو كان بطن عُرنة ليسَ من عَرَفة لما احْتِيجَ إلى التَّنبيهِ(1/1)
عليهِ؛ ولِذا لمْ يَقُل -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- عَرَفة كُلُّها مَوْقِف وارتَفِعُوا عن مِنى، ارتَفِعُوا عنْ مُزدلِفَة؛ لأنَّها لَيْسَت من عَرَفة؛ لكنْ لما كان بطن عُرنة من عَرَفة احْتَاجَ إلى أنْ يُنَبَّه عليهِ؛ لأنَّ الوُقُوف لا يجُوزُ فيه، يَأْثَم الوَاقِفُ فيهِ وإنْ كانَ مُجْزِئً، والصَّواب قولُ عامَّةِ أهل العِلْم أنَّ بطْن عُرنة ليس منْ عَرَفَة؛ فلِذا منْ وَقَفَ فيهِ فَحَجُّهُ باطِل! ((وارتَفِعُوا عنْ بطن عُرنة، والمُزْدَلِفةُ كُلُّها موقِف)) المُزْدَلِفة يُقال لها جَمْع؛ لأنَّهُ يجتمع فيها النَّاس بعد الوُقُوف، وهي أيضاً يَزْدَلِفُ فيها النَّاس يَتَقَرَّبُون فيها، ((والمُزْدَلِفةُ كُلُّها موقِف، وارْتَفِعُوا عن بطنِ مُحَسِّرْ)) وهو وادٍ بين مِنى ومُزْدَلِفة، يُقال أنَّ فيل أبرهة حَسَرَ فيهِ وأَعْيَا وكَلَّ وتَعِبْ ((وارْتَفِعُوا عن بطنِ مُحَسِّرْ)).(1/2)
مسألة مُؤصَّلة حول صيام عشر ذي الحجة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله تعالى عنهُ- أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يُكفِّر السَّنة الماضية والباقية)) يُكفِّر سنتين الماضية والباقية ((وسُئل عن صوم يوم عاشُوراء فقال: يُكفِّر السَّنة الماضية)) فصومُ يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشُوراء؛ لأنَّهُ يُكفِّر سنتين، كونُهُ يُكفِّر الذُّنُوب الماضية مُتصوَّر؛ لكن يُكفِّر الذُّنُوب المُستقبلة اسْتشكلهُ بعضُ أهل العلم، ولا إشكال؛ لأنَّ الذُّنُوب المُكَفَّرة بهذِهِ الأعمال إنَّما هي الصَّغَائِر، الصَّغائر هي التِّي تُكفِّرُها هذهِ الأعمال؛ لأنَّهُ جاءَ القيد: ((مَا لم تُغْشَ كبيرة))، ((ما اجتُنِبَت الكبائر))، {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النِّساء/31]، فدلَّ على أنَّ الذُّنُوب المُكَفَّرة هي الصَّغائر، يوم عرفة هو اليوم التَّاسِع من ذِي الحِجَّة، وقبلَهُ ثمانِيَة أيَّام، هي أفْضَلُ أيَّامِ العام ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ فيها خيرٌ وأحبُّ إلى الله من هذهِ الأيَّامِ العَشْر، قالوا: يا رسُول الله ولا الجهادُ في سبيل الله؟ قال: ولا الجِهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بِنفسِهِ ومالِهِ ولم يرجِع من ذلك بشيء)) فهي أفضل الأيَّام على الإطلاق، وأمَّا بالنِّسبة للَّيالي فليالي عشر رمضان أفضل عند أهل العلم من ليالي عشر ذي الحِجَّة، صِيام العشر باسْتِثناء العِيد الذِّي يحرُمُ صَوْمُهُ، يوم عرفة مَنْصُوصٌ عليهِ بالتَّحديد والتَّعيين، وأنَّهُ يُكفِّر السَّنة الماضية والباقِيَة، وبَقِيَّة الأيَّام صِيامُها يشملُهُ قولُهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ فيها خيرٌ وأحبُّ إلى الله من هذهِ الأيَّامِ العَشْر))، وثبتت النُّصُوص الشَّرعيَّة القَطْعِيَّة الصَّحيحة أنَّ الصِّيام(1/1)
من أفْضَل الأعمال؛ بل هو على رأس ما يُعَدُّ من الأعمال الصَّالِحَة ((منْ صَامَ يوماً في سبيل الله بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عن النَّار سبعين خَرِيفاً)) وهو عملٌ صالح، فيدخُلُ في قولِهِ: ((ما منْ أيَّامٍ العملُ الصَّالِحُ)) يدخُلُ فيها هذا الصِّيام، فَيُشْرَع ويُسَنّ صِيام التِّسعة أيَّام منْ شَهْرِ ذي الحِجَّة، وثَبَت عن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- فيما نَقَلَهُ الإمام أحمد أنَّهُ كان يصُوم العَشْر، وفي صحيح مُسلم من حديث عائشة أنَّهُ ما صامَ العشر، والنَّفيَ عندها على حَدِّ عِلْمِها، والمُثبت مُقدَّم على النَّافي، ولْنَفْتَرِض أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ما صامَ العشر، فالذِّي يَخُصُّنا بالنِّسبةِ للإقتداء بِهِ قولُهُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، إذا ثَبَتَتْ المُقدِّمة ثَبَتَتْ النَّتِيجة، ثبَتَ أنَّ الصِّيام عمل صَالِح، فهو من أفْضَل الأعمال في هذهِ الأيَّام، وأيضاً حثَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- على كثيرٍ من الأعمال ولم يَفْعَلْها، ثَبَتَ عنهُ أنَّهُ قال: ((عُمرَةٌ في رمضان تَعْدِلُ حجَّة)) في رواية: ((تعدلُ حجَّةً معي)) وما ثَبَت أنَّهُ اعتمر في رمضان، نقول نترك العُمرة في رمضان؛ لأنَّهُ ما اعْتَمَر؟! ما نترُك! فالذِّي يَهُمُّنا من سُنَّتِهِ قَوْلُهُ، كونُهُ ما فَعل لأمْرٍ من الأُمُور، نعم من كانَ بِمَنْزِلَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بِحيثُ يَعُوقُهُ الصِّيام عمَّا هو أهمّ من تقرير شؤُون العَامَّة يكون الصِّيام بالنِّسبةِ لهُ مفضول افترض شخص يحتاجُهُ النَّاس، الأُمَّة بأمسِّ الحاجة إليهِ، وهو مِمَّنْ لا يستطيع الجَمْع بين الصِّيام وغيره من الأعمال، نقول لهُ: صُم واجلس في بيتك أو في مسجدك واتْرُك أُمُور العامَّة؟! - لا - ، هذا بالنِّسبة لهُ الاشتغال بأمر العامَّة أفضل من الصِّيام، لو مثلاً وليّ الأمر أو كبير عُلماء الأُمَّة من النَّاس(1/2)
كُلُّهُم بِحاجةٍ إليهِ إذا صَام جَلَسْ في بيتِهِ وفي مسجِدِهِ ما استطاع يستقبل النَّاس وشقّ عليهم، نقول: - لا – يا أخي لا تصُوم أفضل لك؛ فالنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يُنْظَرُ إليهِ وما ثَبَتَ عنه من قَوْلِهِ وفِعْلِهِ بِعِدَّةِ اعتبارات، يُنْظَر إليهِ باعتبار أنَّهُ الإمام الأعْظَم ويجب أنْ يَقْتَدِي بِهِ، ويَأتَسِي بِهِ منْ هذهِ الحَيْثِيَّة الإمام الأعْظَم الأُمراء وغيرهم وُلاة الأمر، وباعتِبارِهِ المُفتي يَقْتَدِي بِهِ من يتولَّى الإفتاء، وباعْتِبارِهِ قاضي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يَقْتَدِي بِهِ من يتولَّى القَضاء، وباعْتِبارِهِ إمام يَقْتَدِي بِهِ الأَئِمَّة، وباعْتِبَارِهِ الأُسْوَة والقُدْوَة وهذا هُو الأصْل، لو جاء شخص قال أنا بجلس في بيتي حتَّى تكون السَّاعة إحدى عشر ونصف مع زوال الشَّمس بدخل المسجد يوم الجُمعة! هذا أفضل ولا يجي في السَّاعة الأُولى؟! يقول: ما ثبت أنَّ الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- دخل قبل الزَّوال، أنا ما أدخل قبل الزَّوال! نقول: - لا - هذا في حقِّ الأَئِمَّة، وأنت باعْتِبارِك مأمُوم مُطالبٌ بالمُبادرة بالتَّهجير، طيِّب يقول النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- ثبت أنَّهُ يقول سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، أنا بقول سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه! ربَّنا ولك الحَمْد، وأنا مَأمُوم! نقول: - لا - هذا باعْتِبارِهِ إمام؛ لأنَّهُ يقول: ((فإذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فقُولُوا: ربَّنا ولك الحمد)) فالذِّي يَخُصُّك، قولُ ربَّنا ولك الحَمْد، المَقْصُود أنَّ هذهِ المَسْألَة تحتاج إلى شيء من البَسْط والأمْثِلَة والتَّوضِيح؛ لأنَّها تَلْتَبِسْ على كثير من النَّاس، ويُشَاع في مثلِ هذهِ الأيَّام أنَّ صِيَام العَشْر بِدْعَة! وهذا ليس بِصَحيح، نعم، إذا احتاجَهُ النَّاس، وصار بِمثابة النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- والأُمُور مَنُوطَة بِهِ لا(1/3)
شكَّ أنَّ مِثل هذا نَفْعُهُ العام المُتَعَدِّي ويُكْتَب لهُ أجر الصِّيَام، إِضَافةً إلى أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قد يَتْرُك العَمَل الفاضل رَحْمَةً بالأُمَّة، يعني تَصَوَّر لو أنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ما حَصَل منهُ هذهِ النُّصُوص المُتعارِضَة! تقول عائِشَة: ما صَام مع حَثِّهِ على الأعْمَال الصَّالِحَة في هذه الأيَّام العَشْر! يمكن كل النَّاس يَصُومُون ويَلْزَمُون في بُيُوتِهِم! تصَوَّر لو أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اعْتَمَر في رمضان مع قَوْلِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((عُمرةٌ في رمضان تَعْدِلُ حَجَّة)) وش يصير وضع النَّاس لو تَظَافر القول مع الفِعل؟! كان يَقْتَتِل النَّاس على العُمرة في رمضان! وتَبْقَى أنَّ العُمرة في رمضان سُنَّة وتَعْدِل حَجَّة، وإنْ قال بعضُ أهلِ العلم إنَّهُ خاصّ بتلك المرأة كما أشارت إليه رِواية أبي ذر؛ لكنْ القول الذِّي لا وجهَ لهُ، ومع الأسَف أنَّهُ كُتِب في بعض الصُّحُف القول الذِّي لا وَجْهَ لهُ قول من يقُول نعم العُمرة في رمضان تَعْدِل حَجَّة؛ لكنْ ما هو كل سنة!!! شلون ما هو كل سنة؟! يعني القول بأنَّ هذا النَّص خاص بالمرأة هذا لهُ وَجه، وقال بِهِ من أهلِ العلم المُعتبرين؛ لكنْ ما هو كل سنة!!! وش الحل! يعني يصير نظام نحدد العُمرة في رمضان يصير هو الشّهر ما هو كل سنة، علشان إيش؟! المسألة مسألة شَرْعِيَّة النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- قال هذا الحديث، وأهل العلم إمَّا أنْ يقُولُوا للجميع وهذا قول عامَّةُ أهل العِلم، ومنهم من قال خاصٌّ بالمرأة، وقُلنا مثل هذا القول وكفاية، أمَّا أنْ يُقال تعدل حجَّة لكن ما هو كل سنة!!! ما أدري كيف من أيِّ قاعِدَةٍ ينطلق مثل هذا الكلام!! صوم يوم عرفة يُكفِّر السَّنة المَاضِيَة والباقِيَة منهم من يقول الشَّخص ما حَصَل منهُ في السنة الماضِيَة من الصَّغائر يُكَفَّر، ويُحال(1/4)
بينهُ وبين الذُّنُوب في السَّنَةِ اللَّاحِقَة، أو يُوفَّق للتَّوبة إنْ حَصَلَتْ منهُ، ولَسْنَا بِحاجَة إلى مثل هذا ما دام التَّكفير للصَّغائِر، فهذهِ أعمالٌ عَظِيمة تأتي على الصَّغائِر، وش المانع بالوعدِ الصَّادِق؟!(1/5)
وُجُوب المَبِيت بِمِنَى
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المَبِيت بِمِنَى منْ وَاجِبَات الحَج، ومِنْ أدلَّة الوُجُوب كَوْن النَّبيّ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- بَاتَ بِمِنَى، وقال ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم))، وكَوْنُهُ أَيْضاً رَخَّصَ للسُّقَاة والرُّعَاة أيضاً فِي تَرْكِ المَبِيت، فَدَلَّ على أنَّ غيرهم يَلْزَمُهُم المَبِيتْ، والمَبِيت بِمِنَى هذا القَوْل الوَسَط فيهِ أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَات الحَجّ، مِنْ أَهْلِ العِلْم مَنْ يَرَى أَنَّهُ سُنَّة، ومِنْهُم مَنْ يَرَى أَنَّهُ رُكْن لا يَصِحُّ الحَجُّ إِلَّا بِهِ؛ لَكِنْ القَوْلُ الوَسَط فِي هَذِهِ المَسْأَلَة أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَات الحَج، والمَقْصُود بِالمَبِيت بِاللَّيْل، يَعْنِي لَوْ تَرَكَ مِنَى بِالنَّهَار لا يَلْزَمُهُ شَيء، ولَوْ تَرَكَ المَبيتْ كُلُّه يُلْزِمُهُ أهل العِلْم بِما يَلْزَمُ مَنْ تَرَكَ نُسُكاً؛ لِأَنَّ المَبِيت من النُّسُك.(1/1)
الجَمْع في عَرَفة ومُزدلفة للسَّفر أو للنُّسُك؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وهل الجَمْع في عَرَفة ومُزدلفة للسَّفر أو للنُّسُك؟ قولان لِأهل العِلم، والرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اجْتَمَعَ فِيهِ الوَصْفَان، فهو مُسَافر يَسُوغُ لَهُ الجَمْع والقَصْر، وهو أيضاً مُتَلَبِّس بإحْرَام وبِنُسُك يَسُوغُ لَهُ الجَمْع والقَصْر عندَ من يقُول بِأَنَّ هذا الجَمْع لِلنُّسُك، الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- في مكَّة لمَّا سَلَّم من رَكْعَتين قال: ((أَتِمُّوا؛ فَإِنَّا قَوم سَفْرٌ)) وهنا في عَرَفَة ومُزْدَلِفة لَم يُحْفَظ عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ قال: ((أَتِمُّوا))... فَهَل جَمِيع من حَضَر هذه الصَّلاة سواء كانت في عَرَفَة أو في مُزْدَلِفَة قَصَرُوا مَعَهُ وجَمَعُوا؟! أو اخْتَصَّ هذا الأمر بِمَن كان على مَسَافة قَصْر من المَوْقِع؟ على كُلِّ حَال هُما قولان لِأَهْلِ العِلم ولم يُحْفَظ عنهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ أَمَرَ أَحَدًا بِالإِتْمَام، فَالمُتَّجَه أنَّ الكُّل يَجْمَع ويَقْصِر، كما فَعَل النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- ولو أَمَرَ أَحَدًا بذلك لِاسْتَفَاضْ ونُقِلْ، والفَائِدَة مِنْ الجَمْع؛ وإنْ كانت العَادَةُ المُطَّرِدَة منهُ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنَّهُ لا يَجْمَع إِلَّا إِذَا جِدَّ بِهِ السَّيْر، وهنا لَمْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْر؛ لِيُتَوَفَّر لَهُ الوَقْت الكَافِي لِلْوُقُوفْ بِعَرَفَة والدُّعَاء والذِّكْر.(1/1)
الحِرْص على اسْتِغْلال عَشِيَّة عَرَفَة بالذِّكر والدُّعاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وخيرُ الدُّعاء دُعاءُ يومِ عَرَفة، وأفضلُ ما قلت أنا والنَّبيُّونَ من قبلي لا إله إلاَّ الله وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ)) فَيَحْرِص الإنسان على اسْتِغلال هذا اليوم، لا سِيَّما عَشِيَّة عَرَفة، ويَتَعَرَّض لِنَفَحات الله في هذا المكان، وفي هذا الزَّمان، ويُوجد بين المُسلِمين، وقد يُوجد من بين طُلاَّب العلم مَنْ يُضَيِّع مثل هذهِ الأوقات بالقِيل والقال، وبَعْضُهُم يَصْطَحِب معهُ آلاتُهُ ويُشاهِد ما يُشاهد، وبَعْضُهُم يَرْتَكِب بعضُ المُحَرَّمات من الأقوال والأفْعَال وهو في هذا مُتَعَرِّض لِسَخَطِ الله -جلَّ وعلا-، والنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- اسْتَغَل هذا الوقت، ولَمْ يَزَل وَاقِفاً حتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس ويَدْعُو ويُلِح في الدُّعاء، والإشكال في كثيرٍ من الحملات إنَّ هذا الوقت المُسْتَغل في الذِّكْرِ والدُّعاء نظراً لكثرة الحَجيج يَسْتَغِلُّونهُ في تَرْتِيبِ النَّاس، يعني قبل الغُرُوب بِسَاعة أو أكثر يُنَفِّرُونَ النَّاس إلى السَّيَّارات ويُرَتِّبُونَهُم ويُنَظِّمُونهم حتَّى تغرُب الشَّمس، نعم الرُّكُوب على السَّيَّارات مثل الرُّكُوب على الدَّابَّة؛ لكنْ ينبغي أنْ يُستَغل الوقت، وحضرنا بعض الحملات يعني الوقت المَطْلُوب وقت الحَاجة كُلُّهُم بِمُكبِّرات الصُّوت أنت رقم باص كذا، أنت رقم مقعد كذا، وينتهي الوقت على هذهِ الطَّريقة، يعني يُعْطَى النَّاس تَعْلِيمات قبل هذا الوقت وأنَّهُ بِمُجَرَّد ما تَكُون السَّاعة كذا كُل واحِد يَلْزم مكانُهُ منْ دُون فَوْضَى، ومنْ دُون تَشْوِيشْ، يعني رأيْنَا مثل هذهِ الأوقات التِّي لا تُعَوَّضْ، ما تَدْرِي أنت يمكن ما تَقِفْ غير هذهِ الوَقْفَة، كثير منها يَضِيع، عند كثير من النَّاس يُوجد ولله الحَمْد أهل خِير وفَضْل وحِرْص مَوْجُود وبِكَثْرَة ولله الحَمْد؛(1/1)
لكنْ يُراد من الأُمَّة كُلَّها أنْ تكُون بهذا المُسْتَوى، ((فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفاً حتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس، وذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً، حتَّى غَابَ القُرْصْ)) بعضُهُم يقول حتَّى هُنا مُصَحَّفَة وأَصْلُها حِينَ، يعني حِينَ غَابَ قُرْص الشَّمْس.(1/2)
فَضْل يَوم عَرَفَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قالت عائشة -رضي الله عنها-: إنَّ الرَّسُول -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- قال: ((ما من يومٍ)) ما: نافية هذهِ، ومن زائدة لتأكيد النَّفي، ويوم نكرة في سياق النَّفي فَتَعُمّ جميع الأيَّام، ((ما من يومٍ أكثر منْ أنْ يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبداً من النَّار من يومِ عَرَفة)) ((يومٍ)) نكرة في سياق النَّفي فَتَشْمَل جميع الأيَّام عامَّة، وعلى هذا يكُونُ يوم عرفة أفضل الأيَّام على الإطْلاق؛ لِما فيهِ من هذا الثَّواب العظيم وهو العِتْق من النَّار، فهو أفضل الأيَّام على الإطْلاق، وقالَ بهذا جمعٌ غفير من أهلِ العِلم، وَرَجَّحَ بعضُهُم يوم الجُمعة عليهِ لِحديث: ((ما طلعت الشَّمسُ على أفضلِ من يوم الجُمعة)) وحُملَ هذا الحديث عند أكثر العُلماء على أنَّهُ أفضل يومٍ في الأُسبُوع، وأمَّا يومُ عرفة فهو أفضلُ يومٍ في العام، وجاء في الحديث الصَّحيح أنَّهُ يُكفِّرُ سنتين السنةً الماضية والباقية، فيومُ عرفة شأنُهُ عظيم كثيرٌ من النَّاس يَمُرُّ عليهِ كغيرِهِ من الأيَّام لا يَسْتَشْعِر أنَّهُ في هذا اليوم العَظِيم، إذا وُجِدْ في صَعِيدِ عَرَفة في يوم عَرَفة وبينَ الحُجَّاج من ينام من صلاةِ الجَمْع إلى غُرُوب الشَّمس! يُوجد! يعني ليسَ المسألة كلام افْتِراضي ولاّ تَوَقُّع – لا – واقِع!!! وعلى كُلِّ حال هذا أفضل بكثير مِمَّنْ اسْتَغَلَّ هذا الوقت فيما حرَّم الله عليهِ، يعني كُونُهُ ينام أفضل من كَونِه يَتَتَبَّع عورات المُسلمين، ويَدُور بين مُخيَّمات النَّاس وبَصَرُهُ يمين وشِمال، وكَلامُهُ في القِيلِ والقال، وقد يخرُجُ منهُ إلى الكلام المُحَرَّم من الغِيبَة والنَّمِيمة والسُّخْرِيَة والاسْتِهْزَاء وغيرِهِ، إضافَةً إلى فِعْلِهِ المُحَرَّم، وكما قال الله -جلَّ وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [اللَّيل/4]، وكُلٌّ على ما اعْتَاد! تَعَرَّف على الله في الرَّخاء(1/1)
يَعْرِفْكَ في الشِّدَّة، ورَأَيْنا من هذا النَّوْع، وذَاكَ النَّوع، ورَأَيْنا مَنْ اسْتَغَلَّ وَقْتَهُ كُلَّهُ بالذِّكْرِ وتِلاوَةِ القُرآن والدُّعاء، لا يَفْتُرُ عنْ ذلك! ورَأَيْنا في هذا الصَّعِيد المُبارك مَنْ لمْ يَثْنِ رُكْبَتَهُ أمْر ونهي في كُلِّ الوقت! على ما تَعوَّد طُول العام! فَاحْتَطْ لِنَفْسِك؛ واعْمَلْ وقَدِّم فِي أيَّامِ السَّعة؛ لِتُحْفَظْ في أيَّامِ الشِّدَّة، أمَّا تقول والله هذهِ ساعات أحْفَظُها، لو أنَّ الإنْسَان خَاطَ فَمَهُ ليسَ بكثير! ويَجْزِم أنَّهُ خلاص ثلاثة أيَّام الحج لا يَرْفُث ولا يَفْسُق، ثُمَّ بعد ذلك لا يَصْبِر ولا لَحْظَة إنْ جَاءَهُ أحد ولاَّ ذهب يَبْحَث عن أحد!!! على ما تَعوَّد طُول العام! تَعَرَّف على الله في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشِّدَّة، ولاَّ هذهِ الأُجُور وهذا الفَضْل العَظِيم المُرَتَّب على هذِهِ الأيَّام الأربعة، الحج الآن لا يزيد على أربعة أيَّام، يعني إنْ زَاد خامِسْ فهو مُتأخِّر ما هُو مُتَعَجِّل، ولا يستطيع الإنسان أنْ يحفظ نفسهُ في هذهِ الأيَّام اليَسِيرة! في هذهِ السَّاعات القليلة! لا شكَّ أنَّ مثل هذا ليسَ بعلامة قَبُول! ولا علامة تَوفِيق! والحِرْمَانْ ظاهِر بالنِّسبَةِ لكثيرٍ من النَّاس! حتَّى مع الأسَف مِمَّنْ يَنْتَسِب إلى طَلَبِ العلم، على ما تَعَوَّد! تَجِدُهُ طُول العَام رُوحَات وجَيَّات ومع الإخوان، ومع الزُّمَلاء، واسْتِراحات، وسَهْرَات، ولا يَعرِف القُرآن إلاَّ إنْ تَقَدَّم قبل الإقامة بخمس دقائق أو عشر دقائق ولاَّ رَاح وِرْدُهُ من القُرآن، وغير القُرآن من الأذكار التِّي جاءَ الحَثُّ عليها ، يقول: ((ما من يومٍ أكثر من أنْ يُعتق الله فيهِ عبْداً من النَّار من يوم عَرَفة، وما رُئِيَ الشَّيطان أَحْقَر، ولا أَغْيَظ مِنهُ في هذا اليوم))، مِمَّا يرى من تَنَزُّل الرَّحمات على عِبَادِ الله، ((وإنَّهُ لَيَدْنُو))(1/2)
والضَّمير يَعُودُ إلى الله -جلَّ وعلا-، ((لَيَدْنُو)) دُنُوًّا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وعَظَمَتِهِ كما أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ، ((ثُمَّ يُباهِي بهم ملائِكَتَهُ، فيقول: ماذا أرَادَ هؤُلاء؟)) هَؤُلاء الذِّين أتوا شُعْثاً غُبْراً ضَاحِينْ، مَكْشُوفِي الرُّؤُوس للشَّمس، وللبرد والحرّ، جَاؤُوا من أصْقَاعِ الدُّنيا، لَبَّوا النِّداء، ثُمَّ جاؤُوا يَبْحَثُون عنْ أيِّ شيء؟! يَبْحَثُون عن هذا العِتْق؛ لكنْ لا شكَّ أنَّ هذا نصّ من نُصُوص الوعد إذا لم يحصُل مانع، فالوُقُوف في هذا الصَّعيد، والحجّ، والتَّعرُّض للنَّفحات، وأيضاً صِيام رمضان وقِيامُهُ، وقِيام ليلة القَدْر، كُلُّها أسباب، إذا لَمْ تُعَارَضْ بِمانع، قد يكُون السَّبب موجُود؛ لكنَّهُ مُعارضٌ بِمانع، فلا يَتَرَتَّب عليهِ أثَرُهُ؛ لأنَّ الذِّي يرجِع من ذُنُوبِهِ كيوم ولَدَتْهُ أُمُّهُ من هُو؟! من حجَّ فلمْ يَفْسُق ولم يَرْفُث، الذِّي يَفْسُقْ ويَرْفُث أنَّى لهُ ذلك؟! وإنْ كانت رَحْمَة أَرْحَم الرَّاحِمين وَاسِعَة؛ لكنْ يبقَى أنَّ هذهِ أُمُور رُتِّبت على مُقدِّمات لا بُدّ من تَوَافُرِها.(1/3)
ما رُئِيَ الشيطان يوماً أَحْقَر مِنْهُ ولا أَغْيَظْ مِنْهُ من يوم عَرَفَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيهِ أصغرُ، ولا أَدْحَر، ولا أَحْقَر، ولا أَغْيَظْ)) أَذَلّ، وأَبْعَد عن الخَيْر، وأشدّ غَيْظاً، وحَنَقاً ((منه في يومُ عرفة، وما ذلك إلاَّ لِما رَأَى من تَنَزُّل الرَّحمة))، هو لا يُريد الرَّحمة لبني آدم! هُو يُريد أنْ يُشاركُوهُ ويَدخُلُون معهُ النَّار، ولهذا كانت وَظِيفَتُهُ، وأقْسَم عليه {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص/82] فَيَغِيظُهُ أنْ يَكْسِب الحسنات، ويَغِيظُهُ أنْ تُمحى عنهم ذُنُوبُهم، وتُكَفَّر عنهم سَيِّئاتُهُم ((إلاَّ لِما رَأَى من تَنَزُّل الرَّحمة وتجاوُز الله عن الذُّنُوب العِظَام)) جاء في خبرٍ رواهٍ ابن ماجه وفيه ضَعف: ((أنَّ النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- فِي عَشِيَّةِ عَرفة سَأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يَغْفِرَ للحُجَّاج جميع ذُنُوبِهِم، فقال الله -جلَّ وعلا- قد َفَعَلْتُ إلاَّ المَظَالِم، فقال -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- والمَظالِم؟ فلم يُجَب، فلمَّا كان من مُزدلفة سَأل هذه المسألة فَأُجِيب)) المقصُود أنَّ هذا الحديث مُضَعَّف عند أهلِ العلم، والبُخاري لا يُثْبِتُهُ، ((إلاَّ ما أُرِيَ يوم بَدْرٍ)) لأنَّهُ رَأى النَّصر المُبين، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يَغِيظُهُ لما رَأَى من نَصْر ((قيل: وما رَأَى يوم بدرٍ يا رسُول الله؟ قال: أَمَا إنَّهُ قد رَأَى جِبريل يَزَعُ الملائكة))، تَصُفُّهُم، وتُرَتِّبُهُم، يُقدِّم ويُؤخِّر، وإذا حَضَر الملائكة، حضر النَّصْرُ معهُم، المقصُود أنَّ مثل هذا يَغِيظُهُ، والذِّي يَغِيظُهُ مثل هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّهُ من جُنْدِهِ، الذِّي يَغِيظُهُ انتصار المُسلمين، وارتِفاع سَهْمُ الأخيار، أو انتصار لشعائِر الدِّين الأمر بالمَعْرُوف والنَّهي عن المُنكر، والجِهاد وغيرها من أُمور الدَّعوة، الذِّي(1/1)
يَغِيظُهُ مثل هذهِ الأُمُور لا شكَّ أنَّ فيهِ من صِفاتِهِ؛ بلْ هو من جُنْدِهِ، بعض النَّاس يَسْعَى جاهِد ألاَّ تقُوم قائِمة لهذهِ الأعمال، لِسَانُهُ مُسْلَط على أهل الخير منْ خِيَار هذهِ الأُمَّة من عُلَمائِها، وأهل الحِسْبَة، وأهل الدَّعوة، لا يُريد أنْ يَنْتَشِر الخير، واللهُ المُستعان.(1/2)
التكبير عند الرمي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"...حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصياتٍ يكبر مع كل حصاة" هذا يدل على أن الحصى إنما ترمى متوالية، ولا يجوز رميها دفعةًَ واحدة؛ لأنه لو رماها دفعةً واحدة كان التكبير مرة واحدة فرضاً، "مثل حصى الخذف" مثل حبة الحمص أو الباقلا من غير زيادةٍ ولا نقصان؛ لأن الزيادة غلو ((بمثل هذا فارموا)) ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) وتجد بعض الجهال يرمي بالحجارة الكبيرة وبالنعال وغيرها "ورمى من بطن الوادي ثم انصرف" رمى من بطن الوادي، هذه الجمرة التي هي جمرة العقبة معروف أنها ملاصقة للجبل ولا يمكن رميها إلا من جهةٍ واحدة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما رماها جعل منىً عن يمينه، والبيت عن يساره واستقبلها فرمى، وإن كان بعضهم يختار أن يستقبل القبلة وهو يرمي، ويجعلها عن يمنيه.
وعلى كل حال إذا وقع الحصى في المرمى أجزأ من أي جهةٍ كان الرمي، لكن السنة هكذا، أن يجعلها أمامه ويجعل منى عن يمنيه والبيت عن يساره.(1/1)
الدَّفع من مُزْدَلِفة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة" الأصل في الثبط: البطيء الحركة، وفي الصحيح: "وكانت ثبطة ثقيلة" وهنا يقول "وكانت ثبطة" تعني ثقيلة، ولا شك أن الثقل سبب لبطء الحركة، فكونها ثبطة سببه أنها كانت ثقيلة، ومعروف أن الثقل في البدن سواء كان بسبب الزيادة في الوزن أو بسبب الإرهاق، أو بسبب المرض، أو كبر السن كل هذا يجعل الإنسان ثبطاً، يعني بطيء الحركة، وعلى كل حال هي كبيرة السن، وهي ثقيلة، فنشأ عن ذلك بطء الحركة، فصارت من الضعفاء، فاستأذنت، فأذن لها، وعائشة في ذلك الوقت كانت شابة نشيطة قوية ما استأذنت؛ لكنها تمنت فيما بعد أنها استأذنت كما استأذنت سودة، فاستدل بعضهم من كلامها أن المرأة عموماً لها أن تنصرف، ولا شك أن جل النساء ضعيفات، والضعف ملازم لهن، فمن قال بأن النساء عموماً ينصرفن، لهن الانصراف، فله وجه؛ لأن عائشة ما لاحظت كونها ثقيلة كون سودة ثقيلة، وإنما تمنت لو استأذنت كما استأذنت سودة، ومع ذلك هي شابة خفيفة نشيطة، ليست بثبطة، ولا ثقيلة، ففهمت أن سبب الانصراف هو كونها من جنس النساء، وعلى كل حال من احتاج إلى أن ينصرف قبل الناس هذا عذره، أو كان معه من الضعفة ما يستحق أن ينصرف من أجله له ذلك؛ لكن لا يُتحايل بهذا على إسقاط السنن، لا يُتحايل بهذا على التنصل من السنن والاتباع، قد رأينا باص فيه ما يقرب من خمسين شخص، وليس معهم إلا امرأة واحدة، مكثوا قليلاً، قالوا: ننصرف، كيف تنصرفون وأنتم أقوياء أشداء؟ قالوا: معنا امرأة، وليس في الباص إلا هذه المرأة، وكأنهم جعلوها معهم للاحتيال على تطبيق السنة، ديننا -ولله الحمد- ليس بدين آصار، ولا أغلال، الدين يسر -ولله الحمد والمنة- لكن التحايل على التنصل من الأحكام الشرعية لا شك أنه مذموم، وما حرف اليهود -بنو إسرائيل- ما(1/1)
حرفوا النصوص إلا بالحيل، بالتحايل عليها، لارتكاب المحرمات، والتنصل عن الواجبات، فكون الإنسان يحتال من أجل أن ينصرف الأمور بمقاصدها، وأنت تتعامل مع من لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى؛ لكن إذا وجد معك من له الانصراف بالدليل الشرعي، وليس له من يقوم به سواك حينئذ لا بأس أن تنصرف معه.(1/2)
المبيت بالمزدلفة محل خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى أنه ركن من أركان الحج، وهذا معروف عن علقمة والنخعي وبعض السلف لحديث عروة بن المضرس، وسيأتي، ومنهم من يرى أنه سنة كالمبيت في منى، والأكثر على أنه واجب من واجبات الحج، وكونه واجب هو القول الوسط، ويدل له الإذن؛ لأن السنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، المندوب إذا احتيج إليه لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، والركن لا يؤذن فيه، مهما بلغ العذر، لو أن شخصاً في طريقه إلى عرفة حصل له ما حصل حادث أدخل إلى المستشفى إلى أن انتهى الوقوف، نقول: هذه حاجة؟ هذه ضرورة؛ لكن أدرك الحج وإلا فاته الحج؟ فاته الحج، الركن لا يؤذن فيه، والسنة المندوب لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، إذاً المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وهذا هو القول المعتمد، ومن فاته الوقوف بتفريط منه يلزمه عند أهل العلم دم يجبره به، وأما مقداره فمن إمكان الوصول؛ لأن من الناس من لا يصل إلى المزدلفة إلا قرب الفجر، يُلزم بشيء؟ ما يلزم بشيء، ومنهم من يصل إلى المزدلفة بعد غروب الشمس بقليل، على كل حال من إمكان الوصول إلى أن يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن دفع بعد منتصف الليل، بحيث يمضي غالب الليل فالأمر فيه سعة عند جمع من أهل العلم، ولكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، ومبيته بها من وصوله إلى الإسفار مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) هذا يجعل الأمر مما ينبغي أن يهتم به، ويعتنى به، ومن الناس لا سيما من يرتبط بحملة أو غيرها، تجد صاحب الحملة مجرد ما ينزلون قليلاً يركبهم في السيارات، ويتأهبون للانصراف، مع أنه في الطريق يوجد أناس كثير منهم نائم، ولن يتهيأ، ولن يتيسر له أن ينطلق إلى منى لوجود من في الطريق من النُوَّام وغيرهم؛ لكن بعض الناس يحرص على أن يتخلص من هذه العبادة بأي وسيلة، ليس البر بالإيضاع، الكلام في تطبيق السنة، وأن يأتي بهذه العبادة على وجه(1/3)
كامل بقدر الإمكان، أهل الحملات أحياناً يلزمون من يحج معهم بمثل هذا، تجدهم من صلاة العصر أو من وقت صلاة العصر يبدؤون بركوب الناس وإشغالهم عن أذكارهم بعرفة على ما أشرنا أمس، ثم بعد ذلك يدفعونهم إلى مزدلفة، ثم يشغلونهم قبل منتصف الليل بالركوب، وهذا حصل، يركبون من الساعة الحادي عشرة، طيب لا يمكن المسير بحال من الأحوال ولا خلال ثلاث ساعات؛ لأن الناس نوام قدامك في الطرق؛ لكن مع ذلك تجد صاحب الحملة يحرص أن تنتهي هذه الحجة بأقرب فرصة، مع أنه لن ينته، يعني هذا نظير الذي يسابق الإمام، هل يمكن أن يسلم قبل الإمام؟ ما يمكن يسلم قبل الإمام، وهذا الذي أركب الناس، والناس نوام قدامه في الطرقات لا يمكن أن ينصرف قبل الناس؛ لكن بعض الناس تجد عنده طبع، طبع في نفسه قبل الموعد المحدد بأوقات لا بد يصير جاهز، وهذا يتعب نفسه، ويتعب غيره، وخير الأمور أوساطها، أيضاً التريث الزائد على المطلوب يفوت كثير من المصالح، فخير الأمور أوساطها.(1/4)
الدَّفع من مُزْدَلِفة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة" الأصل في الثبط: البطيء الحركة، وفي الصحيح: "وكانت ثبطة ثقيلة" وهنا يقول "وكانت ثبطة" تعني ثقيلة، ولا شك أن الثقل سبب لبطء الحركة، فكونها ثبطة سببه أنها كانت ثقيلة، ومعروف أن الثقل في البدن سواء كان بسبب الزيادة في الوزن أو بسبب الإرهاق، أو بسبب المرض، أو كبر السن كل هذا يجعل الإنسان ثبطاً، يعني بطيء الحركة، وعلى كل حال هي كبيرة السن، وهي ثقيلة، فنشأ عن ذلك بطء الحركة، فصارت من الضعفاء، فاستأذنت، فأذن لها، وعائشة في ذلك الوقت كانت شابة نشيطة قوية ما استأذنت؛ لكنها تمنت فيما بعد أنها استأذنت كما استأذنت سودة، فاستدل بعضهم من كلامها أن المرأة عموماً لها أن تنصرف، ولا شك أن جل النساء ضعيفات، والضعف ملازم لهن، فمن قال بأن النساء عموماً ينصرفن، لهن الانصراف، فله وجه؛ لأن عائشة ما لاحظت كونها ثقيلة كون سودة ثقيلة، وإنما تمنت لو استأذنت كما استأذنت سودة، ومع ذلك هي شابة خفيفة نشيطة، ليست بثبطة، ولا ثقيلة، ففهمت أن سبب الانصراف هو كونها من جنس النساء، وعلى كل حال من احتاج إلى أن ينصرف قبل الناس هذا عذره، أو كان معه من الضعفة ما يستحق أن ينصرف من أجله له ذلك؛ لكن لا يُتحايل بهذا على إسقاط السنن، لا يُتحايل بهذا على التنصل من السنن والاتباع، قد رأينا باص فيه ما يقرب من خمسين شخص، وليس معهم إلا امرأة واحدة، مكثوا قليلاً، قالوا: ننصرف، كيف تنصرفون وأنتم أقوياء أشداء؟ قالوا: معنا امرأة، وليس في الباص إلا هذه المرأة، وكأنهم جعلوها معهم للاحتيال على تطبيق السنة، ديننا -ولله الحمد- ليس بدين آصار، ولا أغلال، الدين يسر -ولله الحمد والمنة- لكن التحايل على التنصل من الأحكام الشرعية لا شك أنه مذموم، وما حرف اليهود -بنو إسرائيل- ما(1/1)
حرفوا النصوص إلا بالحيل، بالتحايل عليها، لارتكاب المحرمات، والتنصل عن الواجبات، فكون الإنسان يحتال من أجل أن ينصرف الأمور بمقاصدها، وأنت تتعامل مع من لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى؛ لكن إذا وجد معك من له الانصراف بالدليل الشرعي، وليس له من يقوم به سواك حينئذ لا بأس أن تنصرف معه.(1/2)
المبيت بالمزدلفة محل خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى أنه ركن من أركان الحج، وهذا معروف عن علقمة والنخعي وبعض السلف لحديث عروة بن المضرس، وسيأتي، ومنهم من يرى أنه سنة كالمبيت في منى، والأكثر على أنه واجب من واجبات الحج، وكونه واجب هو القول الوسط، ويدل له الإذن؛ لأن السنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، المندوب إذا احتيج إليه لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، والركن لا يؤذن فيه، مهما بلغ العذر، لو أن شخصاً في طريقه إلى عرفة حصل له ما حصل حادث أدخل إلى المستشفى إلى أن انتهى الوقوف، نقول: هذه حاجة؟ هذه ضرورة؛ لكن أدرك الحج وإلا فاته الحج؟ فاته الحج، الركن لا يؤذن فيه، والسنة المندوب لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، إذاً المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وهذا هو القول المعتمد، ومن فاته الوقوف بتفريط منه يلزمه عند أهل العلم دم يجبره به، وأما مقداره فمن إمكان الوصول؛ لأن من الناس من لا يصل إلى المزدلفة إلا قرب الفجر، يُلزم بشيء؟ ما يلزم بشيء، ومنهم من يصل إلى المزدلفة بعد غروب الشمس بقليل، على كل حال من إمكان الوصول إلى أن يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن دفع بعد منتصف الليل، بحيث يمضي غالب الليل فالأمر فيه سعة عند جمع من أهل العلم، ولكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، ومبيته بها من وصوله إلى الإسفار مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) هذا يجعل الأمر مما ينبغي أن يهتم به، ويعتنى به، ومن الناس لا سيما من يرتبط بحملة أو غيرها، تجد صاحب الحملة مجرد ما ينزلون قليلاً يركبهم في السيارات، ويتأهبون للانصراف، مع أنه في الطريق يوجد أناس كثير منهم نائم، ولن يتهيأ، ولن يتيسر له أن ينطلق إلى منى لوجود من في الطريق من النُوَّام وغيرهم؛ لكن بعض الناس يحرص على أن يتخلص من هذه العبادة بأي وسيلة، ليس البر بالإيضاع، الكلام في تطبيق السنة، وأن يأتي بهذه العبادة على وجه(1/3)
كامل بقدر الإمكان، أهل الحملات أحياناً يلزمون من يحج معهم بمثل هذا، تجدهم من صلاة العصر أو من وقت صلاة العصر يبدؤون بركوب الناس وإشغالهم عن أذكارهم بعرفة على ما أشرنا أمس، ثم بعد ذلك يدفعونهم إلى مزدلفة، ثم يشغلونهم قبل منتصف الليل بالركوب، وهذا حصل، يركبون من الساعة الحادي عشرة، طيب لا يمكن المسير بحال من الأحوال ولا خلال ثلاث ساعات؛ لأن الناس نوام قدامك في الطرق؛ لكن مع ذلك تجد صاحب الحملة يحرص أن تنتهي هذه الحجة بأقرب فرصة، مع أنه لن ينته، يعني هذا نظير الذي يسابق الإمام، هل يمكن أن يسلم قبل الإمام؟ ما يمكن يسلم قبل الإمام، وهذا الذي أركب الناس، والناس نوام قدامه في الطرقات لا يمكن أن ينصرف قبل الناس؛ لكن بعض الناس تجد عنده طبع، طبع في نفسه قبل الموعد المحدد بأوقات لا بد يصير جاهز، وهذا يتعب نفسه، ويتعب غيره، وخير الأمور أوساطها، أيضاً التريث الزائد على المطلوب يفوت كثير من المصالح، فخير الأمور أوساطها.(1/4)
على المُحرم وغيره أن يحفظ لسانه وجوارحهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وغير المحرم كذلك ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) والمحرم من باب أولى، وجاء الحث على حفظ الجوارح في الحج تأكد ذلك، وأيضاً في سائر الأحوال والأوقات والأزمان؛ لكنه بالنسبة للحاج أولى، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما قيل أيضاً مثل هذا بالنسبة للصائم، وكثير من الناس تسول له نفسه أو تمنيه أنه يسلك هذا المسلك إذا حج، لا سيما وأن الحج يمكن أن يؤدى بأربعة أيام، فيقول الإنسان بإمكانه أن يملك نفسه ويملك جوارحه خلال الأربعة أيام لكن الواقع يشهد بهذا أو لا يشهد به؟ يشهد بضده، الواقع يشهد بضده ولو حرص الإنسان ما دامت أيامه معمورة بالقيل والقال فإنه لن يستطيع أن يملك نفسه في هذه الأيام، ولو اعتزل ولم يأته أحد لذهب يبحث عن من يتكلم معه فيما كان يتكلم به في طول حياته وأيام رخائه، وقد وجد من يغتاب الناس عشية عرفة، ووجد من يسب الناس ويشتمهم عشية عرفة؛ لأنه مشى على هذا في طول حياته، ما تعرف على الله في الرخاء ليعرف في مثل هذه الشدة، ووجد من يتابع النساء في عرفة؛ لأنه في سائر أيامه مشى على هذا، ويوجد من ينام عشية عرفة إلى أن تغرب الشمس؛ لأنه مفرط في بقية الأيام، والجزاء من جنس العمل، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] هذا ما قدمت يداك، وهذا ما جنيت على نفسك، فعلى الإنسان أن يحرص على حفظ جوارحه طول حياته ليحفظ في مثل هذه الأيام، إذا كان الإنسان لا يستطيع عشية عرفة، أو في الاعتكاف، وجد من يغتاب في الاعتكاف، ووجد من ينام عن ليلة ترجى أن تكون ليلة القدر وهو معتكف؛ لأنه طول أيامه على هذه الحالة، وإذا كان ديدنه التأخر عن الصلوات، وهذا أمر مشاهد ومجرب، نسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عن الجميع، إذا كانت عادته أن يتأخر عن الصلوات وهذا ديدنه في شعبان وفي رجب وقبلها من(1/1)
الأشهر ثم خرج بعد أن أعلن عن الشهر، مغرب آخر يوم من رمضان، أعلن عن يوم العيد في الغالب أنه إذا كانت تفوته شيء من الصلوات في شعبان تفوته العشاء أو يفوته شيء منها ليلة العيد، وهو الآن خرج من المعتكف لماذا؟ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء.
ونعرف أناس يعني موجود -ولله الحمد- الأمة ما زال فيها خير، نعرف أناس لا فرق بين عشية عرفة وغيره، ولا بين الاعتكاف وغيره، هذا على طول العام هذه حاله، ولو قيل له: إن الروح تخرج الآن ما يمكن أن يزيد تسبيحه، وهذا موجود الآن -ولله الحمد- والخير في أمة محمد، لكن الإشكال في عموم الناس، لا سيما كثير من طلاب العلم، والله المستعان.(1/2)
شُريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء، لماذا؟ لأنه طول أيامه هذه صفته، كيف يعان على مثل هذا وهو في طول أيامه مفرط؟ لا يمكن أن يعان الجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] وهل يقال: إن شريح في هذه الصفة يمدح أكثر من غيره ممن يتصدى كعطاء مثلاً يتصدى لإفتاء الناس؟ الآن السياق هذا سياق مدح، "وينبغي للمحرم ألا يتكلم إلا بما يعنيه، وكان شريح إذا أحرم كأنه الحية الصماء" هذا سياق مدح و إلا ذم؟ مدح بلا شك؛ لكن أي شريح وإلا عطاء الذي يتصدى للناس ويبرز إليهم، ويفتيهم، ويصدرون عن رأيه في هذا الباب أو غيره من سادات الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة إلى يومنا هذا، هل نقول: على الإنسان أن يحفظ نفسه، وينزوي في زاوية ويكون كالحية الصماء مجرد تسبيح وذكر وتهليل وتلاوة وقيام وما أشبه ذلك أو نقول: يبرز للناس وينفعهم إما ببدنه، وهذا موجود ولله الحمد موجود بكثرة في الشباب أو بعلمه وهذا موجود في الشيوخ، والأمة ما زال فيها خير، ويوجد من هذا النوع الشيء الكثير، يعني لو قيل أن بعض الناس -هذا نادر- أنه يأتي إلى مكة وهذا ليس بمبالغة، يعني يأتي إلى مكة ويصلي في صحن الحرم، ولا ينظر إلى الكعبة مطأطئ الرأس في جلوسه في مشيه، في صلاته، في سائر أحواله، هذا موجود ما هذه بمبالغة، نعم موجود لكنها ندرة، هل نقول: أن مثل شريح كأنه الحية الصماء لا يتكلم إلا بذكر أو تلاوة أفضل من عطاء الذي يصدر الناس عن رأيه في هذه المسائل؟ نعم النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، لكن مثل شريح في هذه الصفة لا شك أنه أفضل ممن يصرف وقته ويبذل جهده في المباح، في الكلام المباح فضلاً عن الكلام المكروه أو المحرم، والله المستعان.(1/3)
وقت الرمي في يوم النحر وأيام التشريق
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة يوم النحر ضحىً؛ لأنه مكث عند المشعر حتى أسفر جداً، وطلعت عليه الشمس وهو في الطريق إلى منى، ووصل إلى الجمرة في وقت الضحى فرماها، وأما بعد ذلك في أيام التشريق فالرمي يكون بعد الزوال؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وكانوا يتحينون الزوال فدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، كانوا يتحينون الزوال، ولو جاز ذلك لفعلوه كما فعلوا في جمرة العقبة، ففعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتحينوه وتحروه، مع ما يترتب على ذلك من مشقة شديدة، ومع ذلك قال: ((خذوا عني مناسككم)) فلا يجوز الرمي قبل الزوال، والرمي يستمر إلى غروب الشمس عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يجعله يستمر حتى ولو دخل الليل لحديث: "رميت بعد ما أمسيت" قال: ((افعل ولا حرج)) (أمسيت) يعني دخل في المساء، كقوله: أظلمت دخلت في الظلام، والمساء يبدأ من زوال الشمس إلى اشتداد الظلام.(1/1)
أيام العيد أيام فرح وسرور
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "قَدِمَ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المَدِينة ولهُم يَوْمَان يَلْعَبُون فيهما, فَقَال: ((قَدْ أَبْدَلَكُم الله بِهِمَا خَيْراً مِنْهُما, يَوم الأضْحَى ويوم الفِطْر)) أخرجهُ أبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح.(1/1)
النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- لمَّا قدم المدينة وجدهم يلعبُون في يومين فَسَأَلَهُم ((مَا هَذَانِ اليَوْمَان)) فذكَرُوا أنَّهُم كانُوا فِي الجَاهِلِيَّة يَتَّخِذُونَ هَذَيْنِ اليَوْمَيْن أيَّام سَعَة وفَرَح ومَرَحْ فَوَجَّهَهُم النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى يومين وأنَّ الله -جلَّ وعلا- قدْ أبْدَل هذهِ الأُمَّة بالعِيديْن المعرُوفيْنْ الفطر والأضْحَى، وهُما من أيَّام الفَرَح والسُّرُور أيَّامُ العيد أيَّام فرح وسُرُور، وقد نَظَر النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى من يَلْهُو فِي هذا اليوم ويَلْعَب، وقال: ((لِتَعلم يَهُود أنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَة)), ودِينُنا -ولله الحمد- فيهِ فُسْحَة، هُو دينْ تَكالِيفْ ودين عُبُودِيَّة؛ لكنْ أيضاً فيهِ ما يُعين على الاسْتِجْمَامْ والتَّرْوِيح؛ لكنْ في حُدُود المُباح، ولا يَجُوز الاسْتِرْسَال في مثل هذهِ الأُمُور إلى أنْ يدخُل الإنْسَانْ فيها بِحَيِّزْ التَّحْرِيم؛ لأنَّها أيضاً هُما يومان للمَرح واللَّعِب وفيهما فُسْحَة إلاَّ أنَّهُما يَوْمَا شُكُر؛ لأنَّهُما وقَعَا بعد عِبَادَتَيْن، بعد رُكْنَيْن من أركان الإسْلام، فالفِطْر وقَعَ بعد الصِّيام، والأضْحَى وقَعَ بعد الحج، كِلاهُما ركنٌ من أركان الإسلام، فالشُّكْر أمرٌ لا بُدَّ منهُ، وليسَ معناهُ أنَّ الإنْسَان يَتَحرَّرْ من القُيُود الشَّرْعِيَّة، ومن التَّكالِيف ويَتَنَصَّلْ عنها بِتَرْك الوَاجِبات ويَتَجَاوَزْ بِفِعْلِ المُحرَّمات، هذا لا يجُوز البَتَّة؛ لكنْ باعتِبَارِهِ أنَّ هذهِ عِبادة بعد أنْ عَانَاها مُدَّة لَهُ أنْ يَسْتَرْخِي قليلاً، ويَسْتَجِمّ أيضاً، ويُوسِّعْ على أولادِهِ؛ لكنْ بِحُدُود المُباح، والدِّينُ فيهِ فُسْحَة، والنَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- مع ما عُرِفَ عنهُ من شِدَّةٍ في العِبَادة وتَحرِّيّ وتحقيق لمعنى العُبُودِيَّة كان -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَمْزَح؛(1/2)
لكنَّهُ لا يقُولُ إلاّ حقًّا، فليُقْتَدَى بِهِ في هذا من غيرِ اسْتِرْسَال ومن غيرِ تَعَدِّي، ومن غيرِ قُرْبَانٍ لما حَرَّمَهُ الله -جلَّ وعلا-، على الإنْسَانْ أنْ يَتَوَسَّط فِي أُمُورِهِ كُلِّها، وإذا كان من أهلِ العَزائِم ومِمَّنْ يَلْزَم العِبَادات، ويُريد أنْ يَقْصُر نَفْسَهُ أيضاً في وقتِ الغَفْلَة في مثل هذا اليوم يَتَعَبَّد لله -جلَّ وعلا-؛ لكنْ ليسَ لهُ أنْ يُلْزِمَ أهْلَهُ وذَوِيه مِمَّنْ لَيْسُوا في مَرْتَبَتِهِ، ويَحْمِلُهُم على ما يَحمِلُ نَفْسَهُم عليهِ؛ لِيُوسِّع على أولادِهِ مِثل النَّاس؛ لأنَّهُم بَشر يُريدُون ما يُريدُهُ النَّاس، وكما تَرَوْنْ الأُمَّة في كثيرٍ من تَصَرُّفَاتِها تَعِيش حالة انْفِلاتْ، مُجَرَّد ما تَنْتَهِي العِبَادة يَتَوَسَّعُون في استعمال المُباحات التِّي تَجُرُّهُم إلى بعضِ المُحرَّمات، فعلى الإنْسَانْ أنْ يَتَوَسَّط في أُمُورِهِ كُلِّها.(1/3)
"قَدِمَ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المَدِينة ولهُم يَوْمَان يَلْعَبُون فيهما , فَقَال: ((قَدْ أَبْدَلَكُم الله بِهِمَا خَيْراً مِنْهُما , يَوم الأضْحَى ويوم الفِطْر)) أخرجهُ أبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح، فعلى هذا فالحديث فيهِ دليلٌ على أنَّ إِظْهَار السُّرُور والفَرَح بِالعِيد وَإدْخَال السُّرُور على الآخَرين أَمْرٌ مَطْلُوب، وفِي مَفْهُومِهِ أنَّهُ لا يَجُوزُ بِحال الفَرَحْ بِأعيَادِ الكُفَّار ولا المُشَاركَة فيها في فَرَحِهِم، هذا أمرٌ خَطِيرٌ جدًّا، بَعْضُهُم قال كلاماً شَدِيداً، أبُو حَفْصْ البُسْتِي منْ شُيُوخ الحَنَفِيَّة قال: مَنْ أَهْدَى فِي أعْيَادِ المُشْرِكِينَ بَيْضَة إلى مُشْرِك تَعْظِيماً لِيَوْمِ عِيدِهِ كَفَر؛ لكنْ هذهِ الكلمة شَدِيدة، ويَبْقَى أنَّ المَسْألَة خَطَر، نَفْرَح بِعِيدِنا أنَّ الله -جلًَّ وعلا- أبْدَلَنا وأَغْنَاناَ عنْ أعْيَادِهِم، وجَعَل لنا فيهما غُنْيَة، ودَلَّنا الطَّرِيق، ووضَّح لنا المحَجَّة البَيْضَاء، وأكملَ لنا الدِّين، فَلَسْنَا بِحاجة إلى أنْ نَتَلَقى شيْئاً منهم ولا منْ عَادَاتِنا نَتَلَقَّاها من أعْدَائِنا فضلاً عن عِبَادَاتِنا.(1/4)
الإكثار من الإجازات والرِّوايات!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الرِّحلة سُنَّة من سُنن أهل هذا العِلم (الحديث)، رَحَل منهم من رَحل، مُدَّة شهر يَقْطَع الفَيَافِي والقِفار منْ أجْلِ حديثٍ واحِد ، جابر بن عبد الله رَحَل إلى عبد الله بن أُنَيْس من أجل حديث! وغيرُهُ وغيرُهُ، وفي ذلك مُصَنَّف للخطيب البغدادي اسمُهُ الرِّحلة في طلب الحديث، من سُنن أهل هذا الفن يَرْحَلُون إلى العُصُور المُتَأخِّرة، إذا جَاء أخَذ ما عِنْدَ عُلماء بَلَدِهِ انتقل إلى غيرِهِ، ويَحْرص على العُلماء الذِّينَ هُم أهْل تَحْقِيق وتدقيق؛ لأنَّ منهم من يرحل منْ أجل قِدَم السَّماع أو عُلُوّ الإسناد، وإنْ كانَ هذا المَرْحُول إليهِ عَامِّي! لا يَفْقَهُ شَيْئاً؛ إنَّما عندهُ إجازات اختصرت لهُ بعضُ الرُّواة، فصَارت لديْهِ أسانيد عالية، نعم أهلُ العلم يَقْصِدُون مثل هذا؛ لكنْ أهم من هذا معرفة مُحتوى الأحاديث ومَضْمُونها وما تَدُلُّ عليهِ، وفرق بين شيخ عندهُ أسانيد، يعني يُوجد في القرن الثَّامن والتَّاسع والسَّابع أيضاً شيُوخ عوام! لا يقرؤُون ولا يَكتِبُون ولا يُعلِّقُون بكلمة؛ إنَّما تَيَسَّرت لهم، حضرُوا دروس ومجالس حَدِيثيَّة في أوائل أعمارهم في الخامسة أو السَّادسة من العُمر، وأُجِيزُوا بهذا الكِتاب؛ ثُمَّ لمَّا تقدَّم بهم السِّن، ومات أقرانهم احتاج النَّاس إلى ما عندهُم تكون أسانيدهم عالية؛ لكن ما الفائدة أنْ تقرأ الكتاب أو يُقرَأ الكِتاب وأنت تَسْمَع أو تُجَاز بهذا الكتاب عن شخصٍ لا يُعلِّق بكلمة!!! يعني الآن موجُود منْ أهل العلم، وعندَهُ القُدْرَة والأهْلِيَّة للشَّرح والتَّعليق ومع ذلك يَقْتَصِر على سَماع الكُتُب! مُسْنَد أحمد يُقرأ في عِشْرِينْ يوم مثلا! سُنن أبي داود في عَشَرة أيَّام! سُنن كذا في...(1/1)
إلى أنْ وُجِد منْ يُقْرِئ الكُتُب السِّتَّة في شهر! كل هذا إحياء لِسُنَّة سابقة، هذا موجُود في السَّابق؛ لكنْ أهمّ من ذلك العِلم لمَِ يُطْلَب؟! إنَّما يُطْلب العِلم للعمل، ومُجرَّد الإكثار من الإجازات والرِّواية صار هَدَف ومَقْصَد، يعني وهذا موجُود في السَّابق، يعني موجُود في القرن السَّابع والثَّامن والتَّاسع إلى يومِنا هذا؛ لكنْ هِمَّة أهل العلم الرَّاسِخِينْ في العِلم غير هذا؛ لأنَّ العِلْم إنَّما يُطْلَبُ للعمل، ولا يَتِمُّ العمل بِمِثلِ هذهِ القراءات، عندي بَدَلاً منْ أنْ يُقرَأ المُسْنَد في شهر نَفْقَه مئة حديث بَدَل ثلاثين ألف حديث، ونعرِف ما فيها منْ أحكام، وكيفَ نتعامَل معها إذا عَارَضَت أو عُورِضَتْ أفْضَل من قِراءة المُسند كامل؛ لأنَّ هذهِ الثَّمَرَة من قِرَاءة الحديث.(1/2)
طريقة مُجَرَّبَة ونَافِعَة فِي دِرَاسَة الكُتُب السِّتَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم عليهِ أنْ يُعنى بصحيح البُخاري، ويَجْعلُهُ مِحور عملِهِ، بحيث ينظر في أحاديثهِ أوَّلاً فأوَّل، فيبدَأ في الحديث الأوَّل ويَنْظُر فيهِ، ويَنْظُر في مواضِع تَخْرِيجِهِ في ثنايا الكتاب، فَنَجِد الحديث الأوَّل خرَّجهُ الإمام البُخاري في سَبْعةِ مَواضِع يَنْظُر في هذهِ المَواضِع، في هذهِ المَوَاضِع كُلِّها السَّبعة، ويُقارن بينها في الأسَانِيد، والطُّرُق، وصِيَغ الأدَاء، وفي المُتون، وما يَزِيد وما يَنْقُص، يأخُذ تصَوُّر كامل لهذا الحَدِيثْ في مَواضِعِهِ السَّبْعَة من صَحيح البُخاري، ولماذا زاد هنا، ولماذا نَقَصْ هناك، وينظُر في تراجم الإمام البُخاري على هذهِ المَواضِع السَّبْعَة، فهي فِقْهُهُ، وهي اسْتِنْبَاطُهُ من هذا الحَدِيثْ، وهذا فقه السُّنَّة لمن أرادَ العَمَل بالسُّنَّة، ويَنْظُر أيضاً ما يَذْكُرُهُ البُخاري في ثَنايا أو بعد هذه التَّراجم من المُعلَّقات، والمَوْقُوفات، والآثَار، يَكُونْ لَدَيْهِ تَصَوُّر كامل بالكِتاب على هذهِ الطَّرِيقة، ثُمَّ يَنْظُر من وافَقَ المُؤلِّف على تخريج هذا الحديث، فينظُر في الكتب السَّنة دُفعةً واحِدَة، وهذهِ طريقَة مُجَرَّبَة ونافِعة، يعني يأخُذ الحديث الأوَّل ويَنْظُر في مَواضِع تَخْريجِهِ من البُخاري في المَواضِع السَّبعة، وينظر في مُسلم بعد ذلك بطُرُقِهِ وأسانيدِهِ، ثُمَّ يَنظُر في من وَافَق البُخاري ومُسْلِم على تَخْرِيجِ هذا الحديث، وهو في كل ذلك إذا رَجَع إلى المَوضِع الثَّاني، والآن يَجْعل الأصل المَوْضِع الأوَّل، ثُمَّ الموضِع الثَّاني إذا نظر فيه وقارن بينهُ وبين المَوضِع الأوَّل في الأُمُور الثَّلاثة التِّي ذكرناها أو الأربعة في التَّرجمة، في الإسناد، في صِيَغ الأداء، وهذهِ في غَايَةِ الأهَمِّيَة في مَتْن الحديث منْ حيثُ الزِّيَادة(1/1)
والنُّقْصَانْ، يُشير على الموضِع الثَّاني أنَّهُ دُرِسْ في الحديث الأوَّلْ، ثُمَّ بعد ذلك الموضِع الثَّالث، ثُمَّ الرَّابع، ثُمَّ الخامِس ثُمَّ السَّابع إلى آخرهِ... وإذا نظر في الحديث في صحيح مُسلم، أشَّر عليهِ ووضع عليهِ إشارة، أنَّ هذا الحديث دُرِس مع الحديث الأوَّل قي صحيح البُخاري، ثُمَّ يأتي إلى هذا الحديث في سُنن أبي دَاود، وينظُر فيه كالنَّظر السَّابق بين مواضِع البُخاري وصحيح مُسلم، ويَضَع عليهِ علامة أنَّ هذا الحديث من سُنن أبي داود سَبَقَت دِراسَتُهُ مع الحديث الأوَّل في صحيح البُخاري، ثُمَّ يَنْظُر في سُنن التِّرمذي، ويَصْنَع فيهِ كما صَنَع في سُنن أبي داود، وينظُر في الزِّيادات، ويَنْظُر كيف تَرْجَم عليه أبي داود، بِمَ ترجمَ عليهِ التِّرمذي، ثُمَّ النَّسائي، ثُمَّ ابن ماجه وهكذا... إذا انتهى من حديث البُخاري بهذهِ الطَّريقة يبقى عندهُ زَوائِد مُسلم التِّي ليسَت عليها إشارة أنَّها دُرِسَت مع أحاديث البُخاري هذهِ أحاديث تَبْقَى يسيرة، فإذا انتهى من مُسلم، ونَظَرَ فيهِ مِثل نَظَرِهِ في البُخاري، انْتَهى الآن من صحيح البُخاري، يَنْظُر في زَوائِد مُسْلِم، ويُجرِّدُها، ويُقارِنُها فيمن وَافَقَ مُسلِماً على تَخْرِيجِهَا على الطَّريقة السَّابقة، فيُقارن بين مُسلم وأبي داود من الأوْجُه التِّي ذَكَرْناها سَابِقاً، ثُمَّ بعد ذلك يضع إشارة في سُنَن أبي داود أنَّ هذا الحديث دُرِسْ مع الحديث رقم (...(1/2)
) في صحيح مُسلم، ثُمَّ التِّرمذي، ثُمَّ النَّسَائي، ثُمَّ ابن ماجه، فإذا انتهى من زوائد مُسلم نَظر في زَوائِد أبي داود التِّي لَيْسَت عليها إشارات، هذهِ زَوائد أبي دَاود على الصَّحيحين، فإذا انتهى من زوائد أبي داود على الطَّريقة السَّابقة نَظَر في زوائد التِّرمذي التِّي لَيْسَت عليها إشارات، دُرِسَت مع صحيح البُخاري، ولا دُرِسَت مع مُسْلِم، ولا دُرِسَت مع أبي داود، هذه زوائد التِّرمذي، ثُمَّ بعد ذلك يَنْظُر في زَوائِد النَّسائي، وابن ماجه، وهذه طريقة حقيقةً تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى جُهْد، يعني طالب العلم ما يَصْلُح أنْ يُخَصِّص لها سَاعة في اليوم! ما يكفي! ولا ساعتين، تحتاج إلى خمس ساعات!!! لِيَنْتَهِي من الكُتُب السِّتَّة في غُضُون سَنة أو سَنَتَيْن على الكثير، وليسَ بكثير أنْ يُنْفِق هذِهِ المُدَّة على الكُتُب السِّتَّة؛ لأنَّها دَواوين الإسلام، إذا انْتَهى منها يَنظُر في الكُتُب الأُخرى.(1/3)
نِعمة التَّوحِيد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وتجدُون في أقطار الأرض من يَتَعبَّد بأُمُور يعرف الصِّبيان والجُهَّال أنَّها بَاطِلَة فكيفَ خَفِيَت عليهم؟! لأنَّهُم عَمِلُوا بِأُمُور أخَف منها؛ لكنَّها لا أَصْلَ لها، ثُمَّ عُوقِبُوا بما هو أشد منها، ثُمَّ عُوقِبُوا بما هو أشد منها، إلى أنْ وَقَعُوا في المُضْحِكات! يعني يُذكَر في طبقات الشَّعراني وغيرُهُ وكرامات الأولياء المزعُومة التِّي ألَّفها النَّبهاني والنَّابُلْسِي وغيرُهما يَذْكُرُونْ أشْيَاء لا يَفْعَلُها ولا المَجَانِين مِمَّنْ تُعْتَقَدْ فيهِ الولايَة، وأمَّا بالنِّسبة لما تَفَوَّهُوا بِهِ من أقوال فشيءٌ لا يَخْطُرُ على البال!!! يعني يُذْكَر عن بِشْر المِرِّيسي أنَّهُ يقول في سُجُودِهِ سُبحان ربيِّ الأسفل!!! – نسأل الله العافِيَة – هذهِ البِدَع يَجُرُّ بَعْضُها إلى بعض، يعني مُجرَّد ما تُفارق الأدِلَّة الصَّحيحة الثَّابِتة عن النَّبي – عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام – شيء يَسِير؛ لا شكَّ أنَّكَ تُسْتَدْرَجْ إلى ما هُو أعْظَم منْ ذَلِك، ابن العَربي يقول: ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب، الله -جلَّ وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد]، وهذا يقول: ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب * وتَنْطَمِسُ البَصَائِرُ والقُلُوب! هذا كُلُّهُ سَبَبُهُ التَّساهُل في أوَّل الأمر؛ فَلْيَكُنْ الإنسانُ حَازِماً في أمْرِهِ، مُقْتَدِياً بِنَبِيِّهِ – عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام -لا يَفْعل أي عَمَل يَتَدَيَّنْ بِهِ إلاَّ بِنَصّ، ثُمَّ يَبْحَثْ عن هذا النَّصّ هل يَثْبُت أو لا يَثْبُت؛ لأنَّ المُبْتَدِعة عِندهُم نُصُوص؛ لكنَّها ضَعِيفة أو باطِلة، فَتَجِدَهُم يَنْشَغِلُونَ بها، ويُحْرَمُون بَرَكة العِلم النَّافِع والعَمَل الصَّالِح، فَتَجِدَهُم من أجهل النَّاس في العِلم ومنْ أَضَلِّهِم في العَمَل،(1/1)
والمُؤلَّفات في طَبَقَاتِ مَنْ يُدَّعى لَهُم الوِلاية كثيرة، تَجِدُونْ أشْيَاء يعني في بعض كُتُب الطَّبَقات وَقَفْت على كلام! يقول وكان -رضي الله عنهُ- مُرْتَكِباً لجميع المُحرَّمات! لَمْ يَصُم لله يوماً قط! ولمْ يَسْجُد لله سَجْدَة! يعني هل هذا الكلام يَقُولُهُ عاقل؟!! هل هذا الكلام يَصْدُر من عاقل؟! مالِك النُّسْخَة الأوَّل صَاحِبها الأوَّل – جزاهُ اللهُ خيراً– قال: إذا كانَ هذا رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَلَعْنَةُ اللهِ على من؟! ضلال ضلال، يعني شيء ما يخطُر على البال، يمكن الذِّينَ وَفِدُوا الآن من الإخوان الذِّينَ جاؤُوا من الآفاق، يمكن اطَّلَعُوا على أكثر مِمَّا نَقُولُهُ أكثر مِمَّا نَعْرِف مِنْ وَاقِعِهِم العَمَلِيّ، يعني دَيْدَنُهُم الرَّقْص والغِناء! بعضُهُم عُراة! – نسأل الله العافِيَة– كُل هذا سَبَبُهُ شُؤم المُخالفة، وقد تَبْدَأ هذهِ المُخالفَة بِشَيءٍ يَسِير، ثُمَّ يُعاقب بما هُو أعظم من ذلك إلى أنْ يَصِل إلى ما وَصل إليْهِ من يقول: سُبحان ربِّيَ الأسْفَل! – نسأل الله العافِيَة – أو ابن العربي فيما يقُول من الشِّعْر الذِّي لا يَقْبَلُهُ ولا المَجَانِينْ – واللهُ المُستعان – ومع ذلكم لا يَسْتَطِيع بعض النَّاس في بعضِ الأقْطَار أنْ يَتَكَلَّم فيهم بكلمة!؛ لأنَّهم مُقدَّسُون! ويُصْرَفْ لهُم من العِبادات ما لا يَجُوز صَرْفُهُ إلاَّ لله -جلَّ وعلا-، يعني من نَظَر في كُتُب الرَّحلات مثلاً، رحلة ابن بطوطة التِّي هي أَشْهَر الرَّحلات على الإطلاق، يعني الأمثلة لما ينقُض توحيد العِبادة بجميع أبوابِهِ التِّي أَلَّف عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهُ الله- كتاب التَّوحيد يقرأ في رحلة ابن بطوطة، يعني ما يَرِد على بَلَد إلاَّ ويَذْهَب إلى قَبْر، ويطلُب المَدد، وإذا وَصِل إلى جَبل صعدهُ إلى أنْ يَصل إلى مكان مَسَّهُ قَدَم فُلان أو عَلاَّن، فالإنسان عليهِ أنْ يَحْمَد الله -جلَّ(1/2)
وعلا- على نِعْمَة التَّوحيد، نِعمة التَّوحيد التِّي رُبِطَ بها الأمْنْ التَّام في الدُّنْيَا والآخِرَة، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور]، يعني من يَطْلُب الأمْنْ، ويُخِلّ بالتَّوحِيد أو يَتَسَاهَلْ في أُمُور الشِّرْك هذا مُتَطَلِّبٌ في الماءِ جَذْوَةَ نَارِ!!! هذا غَلَط، مُنَاقِض للسُّنَّة الإلَهِيَّة، مُخالِف للنُّصُوص الشَّرعِيَّة، فعلى المُسْلِم أنْ يُحقِّق التَّوحيد، وأنْ يُخَلِّصَهُ منْ جَمِيع شَوائِب الشِّرك صَغِيرِهِ وكبيرِهِ، والبِدَع كَبِيرها وصَغِيرِها.(1/3)
وقفة مُحاسبة مع نهاية العام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قبل عشرة أيام ودَّعنا آخر مواسم العام، ودَّعنا العشر من ذي الحجة التِّي هي أفضل أيَّام العام على الإطلاق، وجاء فيها الحديث الصحيح: ((ما من أيام العمل الصَّالحُ فيهنّ أحبُّ إلى الله من هذه الأيَّام العَشْر، قيل: يا رسُول الله: ولا الجِهادُ في سبيل الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله)) إلاَّ ما اسْتُثْنِي ((إلاَّ رجلٌ خَرج بنفسِهِ ومالِهِ ولم يَرْجِع من ذلك بشيء))، وقبلها ودَّعنا رمضان ومَواسم العام، وقريبا نستقبل عاماً جديداً، ونُودِّعُ هذا العام الذِّي عِشْنَاهُ، وتُطوى صَحائِفُهُ بما فيها من خيرٍ وشَر، والعُمر كُلُّهُ موسم للمُسْلِم، مَوسِمٌ للحَرْثِ والزَّرْع، والثَّمرةُ تُجنى فيما بعد في الدَّار الآخرة، فعلى المُسلم عُمُوماً وعلى طالب العلم على وجهِ الخُصُوص أن يعتني بوقتِهِ وأنْ لا يُضيِّع شَيْئاً منهُ، نعم لِنَفْسِهِ عليهِ حق، ولأهلِهِ حق ولِزورِهِ حق، وعليهِ أنْ يُؤدِّي كُلَّ حقٍّ إلى صَاحِبِهِ ؛ لكن ليسَ معنى هذا أنْ يُضيِّع السَّاعات في القيل والقال، ويقول لنفسك عليك حق!!! لَكَ أنْ تَسْتَجِمّ ولكَ أنْ تَسْتَرِيح،؛ لكن عليكَ أنْ تعملْ بِما كُلِّفْتَ بِهِ، بعض النَّاس يقول: الدِّين يُسْر، ((الدِّين يُسْر)) الحديث صحيح ثَبَتَ بذلك ((ولن يُشادَّ الدين أحداً إلاَّ غَلَبَهُ))؛ لكن هو يُريد أنْ يستعمل هذهِ الجُملة من هذا الحديث الصَّحيح بالتَّنَصُّلِ والتَّخَلُّفِ عن التَّكاليف، صلاة الفجر في أيَّام الشِّتاء شديدة؛ لكن هل يتناول هذا الأمر حديث الدِّين يُسْر؟! هل للإنسان مندُوحة أنْ يُصلِّي في بيتِهِ، ويترُك الصَّلاة مع المُسلمين؛ لأنَّ الدِّين يُسر؟! –لا- الدِّينْ تَكالِيفْ، وحُفَّت الجنة بالمكاره، فيُخْطِئ من يَفْهَم حديث ((الدِّينْ يُسْر)) على غير وجهِهِ ((اكلفُوا من العمل ما تُطِيقُون)) {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا(1/1)
إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]؛ لكنْ ليسَ معنى هذا أنْ تُفَرِّط بالواجبات؛ بل عليكَ أنْ تفعل ما أوجبَ الله عليك، وعليكَ أنْ تَتْرُك ما حَرَّمَ اللهُ عليك ، ((إذا أمرتُكُم بأمرٍ؛ فأتُوا منهُ ما اسْتَطَعْتُم)) ((صلِّ قائما؛ فإنْ لَمْ تَسْتَطِع فقاعِداً)) لا يُقال للمُقعد عليك أنْ تَقِف في الصَّلاة – لا – ((وإذا نَهَيْتُكُم عنْ شيء فاجْتَنِبُوهُ)) ما فيه مَثْنَوِيَّة ما فيهِ اسْتِثْنَاء، المنهيَّات لا بُد من تَرْكِها مهما كانت، مَشَقَّتُها على النَّفْس؛ لأنَّك مُعبَّد ومُذَلَّل لِرَبِّك الذِّي خَلَقَك، الذِّي خََلَقَك من أجلِ عبادَتِهِ، فعلينا جميعاً أنْ تستغل هذهِ الأيَّام وهذه اللَّيَالي فيما يُرضي الله -عزَّ وجل-، وإذا كانت النِّعم التِّي تَواترت وتَوارَدَتْ علينا من كُلِّ فج مع الأمن الذِّي عِشْنَاهُ ونَعِيشُهُ -إنْ شاء الله تعالى- صارت سبباً في انصراف كثير من النَّاس؛ فإنَّ المُستقبل غيب، لا يُدْرَى ماذا يَحْمِل في طَيَّاتِهِ؛ لكنْ غَلَبةُ الظَّن تدل على أنَّ المُستقبل ليس مثل الماضي، فعلينا جميعاً أنْ نَعْتَصِمَ بالكِتاب والسُّنَّة، فالفتن بدأت أماراتُها وعلاماتُها تَظْهر، فلتترُك حياة الرَّاحة والدَّعة إلى حياة الجِد والاجتهاد في العِلم والعمل، وخير ما تُصْرَف فيهِ الأوقات العلم الشَّرعي الذِّي أُمِر النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالاسْتِزَادَةِ منهُ {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] العلم الشَّرعي علم الكتاب وعلم السُّنَّة، وما يخدِمُ هذين العِلْمَين، علم الكتاب القرآن كلامُ الله أفضل الكلام وفَضْلُهُ على سائِر الكلام كَفَضْلِ الله على خَلْقِهِ، وقد لُوحِظ من بعض من ينْتَسِب إلى طَلَبِ العلم التَّفريط في هذا الباب ولا شكَّ أنَّهُ حِرمان، فالقُرآن أبُو العُلُوم وأُسُّها، ومنهُ تَنْبَثِق {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة(1/2)
الأنعام]، فمن قَرَأ القرآن على الوجهِ المأمُور تَدَبُّر وترتيل، لا شكَّ أنَّهُ سوف يَحُوز ويُحَصِّل على خيريْ الدُّنيا والآخرة، وإذا كانت مُجرَّد القراءة، مُجَرَّد التِّلاوة رُتِّبَ عليها على كُلِّ حرف عشر حسنات، من أيْسَر الأُمُور أنْ يَجْلِسْ الإنسان وفي رُبع ساعة ثلث ساعة يقرأ جُزْء من القرآن، وفي الجُزء الواحد أكثر من مئة ألف حسنة، ومن أيْسَر الأُمُور أنْ يَقرأ القُرآن في سَبْع، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) منْ أيْسَر الأُمُور إذا جَلَسْ بعد صلاة الصُّبح حتَّى تنتشر الشمس قرأ سُبع القرآن على طَرِيقة السَّلف في تقسِيم ساعة واحدة بعد صلاة الصبح من كُلِّ يوم كفيلة بأن يقرأ القرآن في سبع، الختمة الواحدة التي يُقرأ فيها القُرآن على مدى أسبُوع مع الرَّاحَة التَّامَّة من غير انشغال ومن غير قطع للأعمال كَفِيلَة بما يَزِيد على ثلاثة ملايين حسنة، وهذا على أقلِّ تقدير، واللهُ يُضاعف لمن يشاء! يعني إذا احْتَفَّ بهذهِ القِراءة شيءٌ من التَّدَبُّر، شيءٌ من التَّأَمُّل والتَّأَثُّر يزيد الأجر يُضاعف الله لمنْ يَشاء إلى سبعمائة ضِعف وجاء في المُسْنَد حديث وإنْ كانَ فيهِ ضعف؛ لكن الجُمهُور يَقْبَلُونهُ في مثل هذا الباب، الضَّعيف في الفضائل ((إنَّ الله يُضَاعِفُ لبعض خَلْقِهِ إلى ألفَيْ ألف ضِعْف)) فَضْلُ الله لا يُحَدّ، فإذا احْتَفَّ بهذهِ القِراءة شيءٌ من التَّأَثُّر والتَّدَبُّر والتَّرتيل؛ لأنَّ القراءة على الوجه المَأْمُور بِهِ أَوْرَثَت من العلم واليَقِين والطَّمأنينة ما لا يُدْرِكُهُ إلاَّ منْ قَرَأَ على هذهِ الصُّورة، كما قال شيخُ الإسلام -رحمهُ الله تعالى-، والهُدى في تَدَبُّرِ القُرآن:
فَتَدَبَّر القرآن إنْ رُمْتَ الهُدَى ... فالعِلْمُ تحتَ تَدَبُّرِ القرآنِ(1/3)
كما يقُول ابن القيِّم -رحمهُ الله-، فَعَلَيْنَا أنْ نَعْتَنِيَ بكِتَابِ الله -عزَّ وجل- قِراءةً، وعَرَفْنَا أنَّ الأجْر مُرَتَّب على القِراءة كُل حَرْف عَشْر حسَنَات، هذا أقلّ تقدير، مَا لم يُصاحب ذلك ما يُخلّ بهذهِ القراءة من رياء مثلاً أو استِخْفاف بالمَقْرُوء أو ازْدِراء للآخرين؛ لأنَّ بعض النَّاس يُفتح لهُ هذا الباب ويَقرأ القرآنْ، ويُكْثِر من قِراءةِ القُرآن؛ لكن إذا جلس في المسجد وخَرَج فُلان من المسجد أَتْبَعَهُ نَظَرُهُ إلى أنْ يخرُج يزْدَرِيهِ ويَحْتَقِرُهُ!!! – لا يا أخي وما يُدْرِيك لعلّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يرفَعُهُ فُوقك درجات.
والعُجب فاحذره، إنَّ العُجبَ مُجْتَرِفٌ ... أعمالَ صَاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ(1/4)
علينا أنْ نعمل، وعليْنا أن نعمل بإخلاص ولا نَزْدَرِي الآخَرِينْ، ولا نَتَرَفَّع على الآخَرِينْ، العِلْم الحقيقي الشَّرعي المبني على الكتاب والسُّنة كُلما ازداد منهُ الإنْسَانْ؛ ازْدَادَ في التَّواضُع، ومعرفة قَدْر النَّفس؛ لأنَّهُ مهما بَلَغْ، ولو أحَاطَ بِعُلُومِ الدُّنْيَا كُلِّها، لو حَفِظ جميع ما أُلِّف! وفَهِمْ جميع ما كُتِبْ!، يعني تميَّز بالحَافِظَة التِّي تُسْعِفُهُ لِحِفْظ جميع... وهذا مُستحيل... والفَهم الذِّي يُسَهِّل عليهِ جميع ما كُتِبْ؛ فإنَّهُ بأِّي حالٍ من الأحوال لنْ يَخْرُج عن قولِهِ تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فإذا افْتَرَضْنا على سبيل الافتراض، وهذا غير واقِعْ، إنَّ شخْصاً حَفِظ جميع ما كُتِبْ، وفَهِم واسْتَوعَبْ؛ فإنَّهُ لنْ يَخْرُج عن قولِهِ -جلَّ وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}، فعلى كُلِّ إنْسَانْ أنْ يَعْرِفَ قَدْرَهُ، وعلى طَالِبِ العلم أنْ يَتَحَلَّى بالحِلْم، والصَّبر، والأنَاة واحْترام الآخرينْ، وتَقْدِير وُجهات النَّظر التِّي يُعْرَفُ من صَاحِبِها حُسْن القَصْد، أمَّا أنْ يُصَادِر الأفْهَامْ، ويحكُم على الآخرين بالخَطَأ، وتصير وَظِيفتُهُ جرح وتعديل للكبار والصِّغار!!! للمُتَقَدِّمين والمُتأخِّرِينْ!!! هذا نفس الطَّريقة؛ هذهِ إنَّما تُورِث حرمان بركة العلم والعمل، تَجِدْ من اشْتَغَلْ بالقِيل والقال هذا نَصِيبُهُ مِمّا حَصَّل!! لا يُوفَق لمزيد علم ولا عمل، واللهُ المُسْتعان، المَقْصُود أنَّ علينا أنْ نَعْتَنِي بالوقت، فالوَقْتُ هُو العُمُر، عُمرُك أيُّها الإنْسَانْ هُو وقتُك الذِّي تَعِيشُهُ، هُو أنْفَاسُكْ، وإذا كُنَّا سَوفَ نُودِّع عام كامل بعد ثمانية أيَّام أو تِسعة أيَّام، فعلينا أنْ نُوَدِّعُهُ بما يَسُرُّنا أنْ نَرَاهُ يوم القِيامة وأنْ يُخْتَمَ لنا بِخَيْر.(1/5)
الأعمال ما تُقاس بالأعمار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا كان هِمَّة الإنسان الجنة وعمل لها حصَّلها، عمر بن عبد العزيز لما كان والياً على المدينة, كانت هِمَّتُهُ الولاية على المدينة ثم حصَّلها، ثم الخلافة ثم حصَّلها، وش بقي؟ في أول يوم تولي الخلافة سمت هِمَّتُهُ إلى أعظم من الدنيا كلها إلى الجنة، فعمل لها، وسمعتم وقرأتم في سيرته في هاتين السنتين مدة خلافته ما لا يحقق في عشرات السنين، سنتين وعمره أربعون سنة، توفي -رحمه الله-، فالأعمال ما تُقاس بالأعمار؛ إنما تقاس بالإنجازات, تجد الشخص يعيش تسعين سنة، مائة سنة مثلاً وإذا وجدته إن كان من أهل العلم وجدت تراثه إذا جمعته وجدته أوراق، وقد لا تجد، تبحث عن طلاب يذكرونه ما تجد، وهو يشار إليه أنه من أهل العلم، وجلس على المشايخ، وحصل علم، وتولى منصب، ومنهم من بلغت علومه شرق الأرض وغربها، في نصف هذه المدة، عمر بن عبد العزيز أربعين سنة، النووي ست وأربعين سنة لو اجتمعت جامعات الدنيا من أجل تأليف مثل المجموع ما استطاعوا، لماذا؟؛ لأن النووي ما عنده استراحة، ولا عنده مائدة تجلب من ست قارات، مائدة الطعام تجلب من ست قارات؟ هذا مو بخيال يا إخوان هذا واقع يعيشه بعض الناس الآن، النووي عنده كسرة خبز، وماء مالح؛ لأن همته سمت عن الدنيا كلها، بهذا العمر القصير شوف النفع الكثير والكبير خلف من الكتب من الطلاب من له أجره وأجر ما علمه هؤلاء الطلاب إلى يوم القيامة.
لو أن الله -جل وعلا- ولو تفتح عمل الشيطان-؛ لكن في مثل هذا لو أن الله -جل وعلا- نزهه عن التخليط في بعض مسائل الاعتقاد, نسأل الله -جلا وعلا- أن يعفو عنا وعنه.(1/1)
تَرْتِيل الأَحَادِيثْ أَو المُتُونْ الشِّعْرِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول -رحمهُ الله-: "وللحديثِ رَتِّل" يعني لا تُسْرِع في قِراءة الحديث؛ بلْ تأنَّ في قِراءتِهِ، بكلامٍ مسمُوع مفهُوم بحيث لا يكُونُ هذرَمة ولا هيمنة بحيث تخفى بعض الحُرُوف أو بعض الكلمات، ولا يُسْرَد، ولا يُهَذّ كهذِّ الشِّعر؛ بلْ يُبيَّن ويُوَضَّحْ؛ لأنَّ المَقْصُود من التَّحْدِيثْ التَّبْلِيغْ، اسْتِجابَةً لقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((بَلِّغُوا عنِّي)) ((وليُبَلِّغ الشَّاهد منكُم الغَائِبْ)) فلا يحصل ولا يتم التَّبْلِيغ إلاَّ بالتَّأني والإيضاح بحيث يَبِينْ كُلّ حَرْف من مخرجِهِ، وليس معنى هذا التَّرتِيل أنْ تُطَبَّقْ عليهِ أحكام التَّجويد مثلاً – لا -، ليس معنى هذا أنْ تُطَبَّقْ عليهِ الأحكام؛ إنَّما يُقرأ بصوتٍ واضِح بَيِّنْ لا يَخْفَى منهُ شيء، وأَهْلُ كُل بَلَد لَهُم طَرِيقَة فِي تأدِيَة ما يُريدُون قراءتَهُ، القُرآن يَشْتَرِك فيهِ جميع المُسْلِمين؛ لأنَّ لِقِراءَتِهِ قَوانِينْ مُحَدَّدَة، مَضْبُوطَة لا تَتَفَاوَتْ، يقرؤُهُ العربي، ويَقْرَؤُهُ الأَعْجَمِي، ويَقْرَؤُهُ كُل أحد؛ لكنْ قِرَاءة نَجْد للحديث مثلاً تَخْتَلِفْ عن قِراءة الحِجَاز، والحِجَاز تختلف قِرَاءتُهُم يعني نَبْرَة الصُّوت، أذكُر لمَّا شَرَحْنَا كِتَاب الفِتَنْ مِن صَحِيحْ البُخاري في دورة عِلْمِيَّة وكان الشيخ عبد الله هُو الذِّي يَقْرَأ بِصَوتِهِ المعرُوف الجَمِيلْ، ومن خِلال الإنترنت جَاءَتْ الأَسْئِلَة هل تجُوز مثل هذه القِراءة؟! وما الدَّلِيلْ على جَوازِها! نقول ما الدَّليل على مَنْعِهَا؟! لأنَّ الكلام وتَأْدِيَتُهُ مِمَّا لم يَرِدْ فيهِ نَصّ مَتْرُوك لِعَادَاتْ النَّاس وأَعْرَافِهِمْ، القَبَائِلْ تَخْتَلِفْ في نُطْقِها، هل أحدٌ يقول إنَّ المَغْرِبِي يَنْطِق الكَلام مِثْل مَا يَنْطِقُهُ المَشْرِقِي؟! أبداً ، أو(1/1)
اليَمَنِي يَنْطِق مِثْل مَا يَنْطِق الشَّامِيّ؟! ما يقول أَحَد هذا لا فِي القَدِيم ولا فِي الحَدِيثْ، فالمَقْصُود تَأْدِيَتُهُ بطريقةٍ غِير مُتَكَلَّفَة، وتَصِلْ إِلَى السَّامِع بسُهُولَةٍ ويُسُر، ولا يجُوز مُعامَلة كلام البَشَر بِما يُعَامل بِهِ كلامُ الله -جلَّ وعلا-، يَسْأَل النَّاس كثيراً عنْ تَرْتِيل الدُّعاء، في القُنُوت مثلاً؛ لأنَّ بعض النَّاس يسرُدُهُ، وبعض النَّاس يُلقِيهِ إلقَاء كالخُطْبَة، وبَعْضُهُم يُرَتِّلُهُ ويَتَغَنَّى فيهِ، نقول الأَمْر مَتْرُوك لِعَادَات النَّاس وطَبَائِعِهِم؛ لَكِنْ كُلْمَا كان أَثرهُ في السَّامع أكثر كان أوْلَى، قُل مثل هذا في الحديث، يعني تَجِدْ النَّاس أحْيَاناً يَتَلَذَّذُون بِقِرَاءة فُلانْ، وإذا قَرَأ فُلان ليتهُ سَكَتْ!!! والفَائِدَة حاصِلَة بِقِراءة هذا أو هذا.
وللحديثِ رَتِّلِ، واحْمَد وصَلِّ مع سَلامٍ ودُعا ... في بدءِ مَجْلِسٍ، وخَتْمِهِ معاً(1/2)
دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ – نَسْأَلْ الله السَّلامة والعَافِيَة – دعاة على أبواب جهنم، وُجِدُوا فِي المِئة الثَّالثَة دَعَوا النَّاس إِلَى البِدَع، وأَشْرَبُوها قُلُوب بَعض الوُلَاة، فَامْتَحَنُوا النَّاس فِيها، وآذَوْهُم، آذَوْا الأَئِمَّة بِسَبَبِها، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ – نَسْأَلْ الله السَّلامة والعَافِيَة – يَدْعُونَ إِلَى هَذِهِ البِدَع، ويُلْزِمُونَ النَّاسَ بِهَا، ومَا زَالَ الأَمْرُ كَذَلِك، البِدَع تَزِيدُ كُلَّ عَصْرٍ، بِدَع جَدِيدَة فِي كُلِّ عَصْر وفِي كُلِّ مِصْر، إِلَى أَنْ وُجِدَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى هَذَا الدِّين مَنْ لا يَعْرِفُ مِنَ الدِّينِ شيئاً، ما يَعْرِفُ مِنَ الدِّينِ إِلَّا الاسمْ، ولَو قَرَأْت فِي تَرَاجِم المُتَصَوِّفَة أو غيرهم من طَوَائِفْ البِدَع المُغَلَّظَة؛ لَعَرَفْت حَقِيقة هذا الكَلام، يُوجَدْ في بعض كُتُب التَّرَاجِم، يُتَرْجَمْ لِوَلِيّ مَزْعُومْ وَلِيّ مِنْ أَوْلِيَاء الله، وكانَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- لمْ يَسْجُد لله سَجْدَة! ولَمْ يَصُم في سَبِيلِ الله يوماً! ولا فَعَل ولا فَعَل جَمِيع الواجِبَات تَارِكْها! ولَمْ يَتْرُك مَحْظُور إِلَّا ارْتَكَبَهُ -رضي الله عنهُ وأرْضَاهُ! – عاد وَاحِد جاء مُعَلِّق على الكِتَاب، يَقُول: إذا كانَ هذا -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، فَلَعْنَةُ اللهِ على من؟!، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ، وإِذَا مَاتْ مِثِل هذا شُيِّدْ عَلَى قَبْرِهِ ما يُشَيَّدْ وعُبِدْ مِنْ دُونِ الله! الضَّلال يا الإخْوَانْ مَا لُهُ حَدّ, يعني إذا كانْ قَبْر شَخْص يُعْبَدْ منْ دُون الله على نِطَاقٍ وَاسِعْ فِي الأُمَّة, وهُو الذِّي يَقُول: ألا بِذِكْرِ الله تَزْداد الذُّنُوب * وتَنْطَمِسُ البَصَائِرُ والقُلُوب!!!، واللهُ -سُبْحَانَهُ وتَعَالَى- يَقُول: {(1/1)
أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [سورة الرَّعد / آية 28 ]، ويُعْبَدْ مِنْ دُونِ الله! دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ، وكُتُبُهُم الآنْ وقَبْلَ الآنْ مِنْ سِنِينْ، تُكْتَبْ بِمَاء الذَّهَب! وتُطْبَع عَلَى أَفْخَر الوَرَقْ، وأَجْوَدْ أَنْوَاع الطِّبَاعَة، ويَتَدَاوَلُها المُسْلِمُون وكَأَنَّهَا وِرْدْ يَقْرَؤُونَ فِيهَا لِيل نَهَار! ويَتَبَرَّكُونَ بِهَا! وإِذَا حَصَلَتْ لَهُم المُلِمَّاتْ اكْتَفَوْا بِإِخْرَاجِهَا! دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ، وَصِلْ الأَمْر بِالأُمَّة إِلَى هَذَا الحَدّ! وافْتَرَقَتْ الأُمَّة عَلَى الفِرَقْ التِّي ذَكَرَهَا النَّبي –عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام–: ((كُلَّها فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة))، ((قال: نعم، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ مَنْ أَجَابَهُم إليها قَذَفُوهُ فيها)) وكَانَتْ الوَسِيلَة لِتَرْويجِ هَذِهِ البِدَعْ الدُّرُوس والمُؤَلَّفَات وتَنَاقُل الطُّلاَّبْ، الآنْ عَلَى أَوْسَعِ نِطَاقْ، دُعَاة الشَّهَوات ودُعَاة الشُّبُهَات، وكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُم على بَاب مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّم يَدْعُو النَّاس إِلَى شَهْوَة أَوْ إِلَى شُبْهَة، عَلَى أَوْسَعِ نِطَاقْ، وهِيَ تَدْخُل هَذِهِ الدَّعَوَاتْ إِلَى البُيُوتْ! ويَطَّلِعُ عليها الصِّغَار والكِبَار، الرِّجَال والنِّسَاء، والأَطْفَال، واللهُ المُسْتَعَانْ، نَسْأَلُ الله – جلَّ وعلا - أَنْ يَقِ المُسْلِمين شَرَّ هَذِهِ الفِتَنْ، ((نعم، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابْ جَهَنَّمْ مَنْ أَجَابَهُم إليها قَذَفُوهُ فيها، قلتُ: يا رسُول الله صِفْهُم لنا، قال: هُم مِنْ جِلْدَتِنَا!)) مِنْ أَنْفُسِنَا، مِنْ عَشِيرَتِنَا، مِنْ بِيئَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، بِلُغَتِنَا، يعني ما جَاؤُوا من بعيد، لَيْسُوا بِوَافِدِينْ ((قُلتُ: فما تَأمُرُني إنْ أَدْرَكَنِي ذلك؟! قال: تَلْزَمُ جَمَاعة(1/2)
المُسْلِمينْ وإمَامَهُمْ، قُلتُ: فإنْ لم يَكُنْ لَهُم جَمَاعَةٌ ولا إمَامْ؟!، قال: فاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقْ كُلَّها)) اعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقْ كُلَّها إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاك إِمَامْ، تُعْتَزَلْ هذهِ الفِرَقْ، ((ولو أنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَة)) هذا كِنَاية على أنَّكَ تَخْرُج إلى مَوَاطِنْ الشَّجَرْ منْ البَرَارِي والقِفَارْ، أوْ المَزَارِع المُنْزَوِيَة البَعِيدَة عنْ الأَنْظَارْ، وتَعَضْ على أَصْلِ شَجَرَة، يعني لا تَتَكَلَّمْ! الْزَمْ نَفْسَكْ، عليكَ بِخُوَيصت نَفْسِكْ ((حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتْ وأَنْتَ عَلَى ذلِكْ)) لأنَّكَ إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ النَّفْعْ فِي مِثْلِ هذهِ الظُّرُوف فلا أقَلَّ مِنْ أنْ تَسْلَم بِنَفْسِكْ، وتَنْجُو بِجِلْدِكْ، لا يُؤَثِّروا عَلَيْك، لا تَتَأَثَّرْ بِأَفْعَالِهِمْ، ولا بِأَقْوَالِهِمْ، ولا تُشَارِكُ فِي رُؤْيَة ومُشَاهَدَة هذهِ المُنْكَرَاتْ، وتَكْثِير السَّوَادْ لِأَرْبَابْ المُنْكَرَاتْ؛ انْجُ بِنَفْسِكْ، ((ولو أنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَة حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتْ وأَنْتَ عَلَى ذلِكْ)).(1/3)
ذُلُّ المَعْصِيَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((إنَّهُ لا يَذِلُّ من وَالَيْت)) مَنْ كَانَ وَلِيًّا لله -جلَّ وعلا-؛ رَفَعَهُ الله -جلَّ وعلا-؛ بِحيثُ لا يَسْتَطِيعُ أحدٌ إذْلالَهُ، أوْلِيَاءُ الله -جلَّ وعلا-، العِزَّةُ لهُم، فلا يَسْتَطِيعُ أحد أنْ يُذِلَّهُم، وجَاءَ بعد هذهِ الجُملة عند البيهقي: ((ولا يَعُزُّ منْ عَادَيْت)) عَدُو الله -جلَّ وعلا- ذَلِيل، عَدُو الله ذليل سواءً كان عدو مُعاداة تامَّة بالكُفر والجُحُود أو فيهِ شيءٌ مِمَّا يُغضِب الله -جلَّ وعلا- من الفِسْق والمَعَاصِي والفُجُور فهي ذِلٌّ على صاحِبِها، يقول الحسن البصري -رحمهُ الله-: "فإنَّهم وإنْ طَقْطَقَتْ بهم البَرَاذِين وهَمْلَجَت بهم البِغال"؛ فإنَّ ذُلَّ المَعْصِيَة لا يُفَارِقُهُم، يعني مهما ظَهَر بهم المَظْهَر من أُبَّهَ وتعالي وارتفاعٍ على النَّاس؛ فإنَّ هذا هُم في حقيقة أُمُورِهِم في شَقاء وذُلّ، وتَجِد الإنسان وإنْ كانَ مُطاعاً مُهاباً بِجُيُوشِهِ وبعُدَّتِهِ وعَتَادِهِ؛ إلاَّ أنَّهُ ذليل لأحْقَر حُرَّاسِهِ؛ لأنَّ هذا الحَارِسْ الذِّي عند الباب يَسْتَطِيع أنْ يُمَكِّنْ العَدُو الذِّي يَقْتُلُهُ، ولِذلك يقول بعضُ أهلِ العِلم: "إنَّ المُلُوك عبيدٌ لِعَبِيدِهِم"...(1/1)
فهل هذا ملك ُتَشَبَّثْ بِهِ؟! واللهُ المُستعان، وإذا عَرَفْنا الجَزَاء الأَوْفَى عِنْدَ الله – جلَّ وعلا – لِآخِر من يَدْخُل الجَنَّة ويَخْرُج من النَّار أنْ يَتَمَنَّى مُلك أَعْظَم مَلِك فِي الدُّنيا، فَيُقال: لَكَ مِثْلُهُ، ومِثْلُهُ، ومِثْلُهُ، وعشرةُ أمْثَالِهِ، هذا وأَدْنَاهُم ومَا فِيهِمْ دَنِي، هذا يمكن أَدْنَى أهل الجَنَّة مَنْزِلَة، عَشْرَة أَمْثَال مُلْك ذُو القَرْنَيْن، أو هَارُون الرَّشِيد، أوْ أَعْظَم مَلِك في الدُّنْيا، ويَأتِي من يَمْلِكْ حِفْنَة من النَّاس أو شِبْر من الأرْض، ويَسُومُ النَّاس سُوء العَذَابْ –نسألُ الله العَافِيَة– ويَتَرَفَّعْ عليهم ويَتَعَالى، وإذا وَقَعَ الذُّباب على أَنْفِهِ ما اسْتَطَاعْ أنْ يَصْنَعَ شَيْئاً، واللهُ المُستعان.(1/2)
أَثَرْ الآبَاءْ فِي حَيَاةِ الأَبْنَاءْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
للأبوينْ من التَّأثير على الولد الأثر البالغ فهو ينشأ عن تربيتهما، ويعيشُ في أحضانِهما، ويتأثَّر بأقوالهما وأفْعَالِهِما، ولهُما عليهِ من اليد والمِنَّة ما يَفْرِضْ هذا الأثَر أحياناً، وللأب من القُوَّة والسُّلْطَة على ابنهِ ما يجعلُهُ يُؤثِّر عليه؛ فَليَحْرِص الآباء على أنْ يكُون لهُم أثر حَسَنْ في تربية أولادِهم؛ فالذِّي يتولَّى تربيتُهُ أبُوهُ، ويُنَشِّؤُهُ على الدِّين وعلى الخير والفضل، وكذلك الأُم لا شكَّ أنَّه أولاً هذا جِهاد في سبيل الله تنشئة جيل صالح ينفعُ نفسَهُ ويَنْفَعْ أُمَّتَهُ ودِينَهُ هذا جِهاد؛ لكنْ المُلاحظ مع الأسَف الشَّديد أنَّ أكثر الآباء مَشْغُول عن تربية أولادِهِ؛ فإذا لم يَتَوَلَّ الأبُ التَّرْبِيَة تَوَلاَّهُ النَّاس، فإنْ وُفِّق لمُعلِّمٍ مُشْفِقٍ ناصِح يَأْخُذُ بِيَدِهِ؛ صار ذلِكَ سبباً في هِدَايَتِهِ؛ وإلاَّ تَلَقَّفَهُ الأشْرَار وَحَرَفُوهُ عن سَواءِ السَّبِيلْ، ومَعَ الأسَفْ أنَّ الأُمَّهات وعَمَلَهُنَّ الأَصْلِي التَّربِيَة؛ انْشَغَلْنَ عن أوْلادِهِنَّ بأعْمَالِهِنّ أو بلا شيءْ أحياناً! سهر وقِيل وقال! مع الأقَارِبْ والجِيرَانْ بالليل! ونوم في النَّهار! ويُترك الأولاد تُتْرَك تَرْبِيَتُهُم لِلْعَامِلاتْ، وقد جاءَ هؤُلاء العامِلات من بُلدان شَتَّى، ومع الأَسَفْ أنَّهُ يُوجد في العَامِلات منْ غَير المُسْلِمين، وَوُجِدْ منْ أبْنَاءِ المُسْلِمينْ من يُقْسِم بالمسيح في بُيُوت المُسْلِمينْ! وَوُجِدْ منْ يُشْرِكْ والأَصْلُ فيهِ أنَّهُ على الفِطْرَة ومنْ أبَوَيْن مُسْلِمَيْنْ! وقد يكُونْ من أولاد بعض منْ يَنْتَسِب إلى العِلْم! والأُمْ قد تكُون صَالِحَة ودَاعِيَة أحْيَاناً تَنْتَقِل منْ مكانْ إلى مكان!!! والأب يُعلِّم النَّاس الخير ولا يَطْرَأ لأولادِهِ يُوَجِّهُهُم ويُسْدِي لهُم(1/1)
النَّصِيحة!!! لا شكَّ أنَّ هذا خلل في التَّصَوُّر، يعني يُعنى بأولاد النَّاس، ويَقْضِي وَقْتَهُ كُلَّهُ مع النَّاس في وظيفتِهِ في عملِهِ، أحياناً في دعوتِهِ، وأوْلادُهُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إليهِ، فلا بُدَّ من التَّوازن، يصرِفْ لأوْلادِهِ ما يَكْفِيهِمِ؛ لِيَنْشَؤُا على الدِّين والخير والفضل، ويَصْرِف للنَّاس ما يَسْتَطِيعُهُ؛ فالتَّربية شأنُها عظيم؛ ولِذا يقولُ اللهُ -جلَّ وعلا- في الدُّعاء المَعْرُوفْ: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} [الإسراء/24] إيش؟ {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء/ 24] والآية تَدُلُّ على أنَّ الذِّي لا يُربِّي وَلَدَهُ التَّرْبِيَة الصَّحيحة لا يَنَالْ مِثْل هَذِهِ الدَّعْوَة، ولا يَسْتَحِق مثل هذهِ الدَّعوة، فيكُون الحِرصُ على النَّفس وعلى الوَلَد وعلى الأقربين أشد من الحِرص على غيرهم، نعم قد يكون القبُول بين الأولاد والأُسْرَة من هذا العالم أو مِنْ طالب العلم أقل من النَّاس، فَيَرى الأثر والنَّتِيجة في أولادِ النَّاس ولا يرَاهُ في وَلَدِهِ؛ فَيَمَلّ ويترُكُهُم، فَعَلى الأبِ أنْ يُعْنَى بِأوَلَادِهِ، ولو وُجِدْ مثل هذا، يَحْرِصْ ويُجَاهِدْ، ولو بِأَنْ يَبْذُل السَّبب في أنْ يُصْحِبَهُم الصُّحْبَة الطَّيِّبة؛ لأنَّ أَثَر الوَالِدْ أَحْيَاناً قد يكُون أقلّ، وكما يُقال: أزهَدُ النَّاسِ في العالم أَهْلُهُ وجِيرَانُهُ؛ لأنَّهُم يَرَوْنَهُ على أوْضَاعٍ كثيرة، وفي حالاتٍ مُختلفة، فَتَخِفّ قِيمَتُهُ عندهُم، ويَخِفّ وزنُهُ، يعني وُجِد من النِّسَاء زَوْجُها عالم كبير مَعْدُود في عُلماء الأُمَّة، ثُمَّ إذا قال شيء، قالت: لا، الشيخ فُلان يقُول كذا!!! وإنْ كان منْ أَصْغَر طُلاَّبِهِ!!! وُجِدْ هذا، لأنَّها تَرَاهُ على أوْضَاعٍ مُخْتَلِفَة، وأحياناً في ابْتِذَالْ، وأحياناً في وضْعٍ غير مُناسِب، كما هي عادَة النَّاس إذا خَلَوْ، والعَالِم ابنْ مُجْتَمَعِهِ ما هو(1/2)
مُنزَّل من السَّماء لهُ مُواصَفات خَاصَّة – لا -! يُزَاوِلْ ما يُزَاوِلُهُ النَّاس، ويَحْتَاج ما يَحْتَاجُهُ النَّاس؛ لكنْ على كُلِّ حال على الأبْ أنْ يَبْذُل النَّصِيحة، وأنْ لا يَمُوتْ غاشاً لِرَعِيَّتِهِ؛ مُعَلِّلاً ذلك أنَّهُ يُزَاوِلْ أعمال صَالِحة وفيها خير ونَفْع للنَّاس – نعم – النَّفْع مَطْلُوب، والدَّعْوَة مَطْلُوبة، والتَّعلِيمْ مَطْلُوب، والقَضَاء مطْلُوب، والإفْتَاء مَطْلوب؛ ولكنْ كما جَاءْ في الأمر الإلَهِي: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشُّعراء/214].
النَّبي - عليه الصَّلاة والسلام- أوَّل ما بَدَأْ بِأَقَارِبِهِ ((يا فاطمةُ بنت مُحمَّد))، ((يا صَفِيَّة عَمَّة رسُول الله))، ((يا عبَّاسُ عمَّ رسُول الله)) المُهم أنَّهُ يبدأ بالأقْرَبِينْ، هُم أولى النَّاس بِعِنَايَتِكَ ورِعَايَتِكْ؛ لكنْ إذا وَجَدْتَ وأَعْيَتْكَ المَسَالِك وهذا حَاصِلْ في بعضِ البُيُوتْ، أنَّ الأب لا أَثَرَ لهُ، ولا يُنْظَر إليهِ ولا يُلْتَفَتُ إليه، عليهِ أنْ يَسْتَمِرّ بالرِّفْق واللِّينْ، ويَبْذُل أسْبَابْ أُخْرَى تكُونُ سَبَباً في هِدَايَتِهِ، ويُزَاوِلْ ما يُزَاوِلُهُ من النَّفْعِ العام.(1/3)
أَسْبَابْ مَنْعِ القَطْر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الاسْتِسْقَاء طَلَبْ السُّقْيَا، عندَ تَأَخُّر المَطَرْ، وحُصُول القَحْطْ والجَدْبْ، يُشْرَع للمُسْلِمينْ أنْ يَخْرُجُوا؛ لِيَطْلُبُوا من الله -جلَّ وعلا- أنْ يَسْقِيَهُمْ، يُشْرَعْ لهُم ذلك؛ لكنْ الاسْتِسْقَاء طَلَب ودُعاءْ؛ فليَحْرِصْ كُلّ مُسلِم؛ أنْ يكُون مُجَاب الدَّعْوَة؛ لِيَنْكَشِفَ ما بِهِ، أمَّا أنْ يُزَاوِلْ المَعاصِي والمُنْكَرَاتْ، وتَكْثُرُ عندَهُ موانِعْ قبُول الدُّعاء، ولا يَبْذُلُ من أسْبَابِ القَبُولِ شيْئاً، هذا الأمَلُ فيهِ ضَعِيفْ، وإنْ كانَ الرَّبُّ -جلَّ وعلا- أكْرَمُ الأكرمِينْ، وأَجْوَدُ الأجْوَدِينْ؛ لكنْ يَبْقَى أنَّهُ أمَرَنا بِبَذْلِ الأسْبَابْ، وكَلَّفَنا باجْتِنَابْ المَوانِعْ التِّي تمنَعْ من قَبُول الدُّعاء، جاء في سُنَنْ ابن ماجه بِسَنَدٍ لا بأسَ بِهِ حَسَنْ منْ حَدِيثْ ابن عُمر أنَّ رسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمْ-: ((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ؛ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة وجَوْر السُّلْطَانِ عَلَيْهِم, ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء)) فهل اسْتَشْعَر التُّجَّار مثل هذا الخَبَر؟! ((ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء)) ومعَ الأسَفْ إنَّ كثيراً من النَّاس يَتَصَوَّر أنَّهُ ليسَ بِحَاجة إلى مطر! الذِّينَ يَحْتاجُون المَطَرْ يَسْتَسْقُونْ! منْ أهلِ البَوادِي والمَزَارِع وغيرِهِم! هذا خطأ، هذا خَلَلْ، وما يُشَاعْ ويُذَاعْ ويُعْلَنْ منْ نَقْصٍ في المِيَاه الجَوْفِيَّة أَمْرٌ مُخِيفْ، فَلا بُدَّ من بَذْلِ الأسْبَابْ الحِسِيَّة والمَعْنَوِيَّة؛ لِتَدَارِكِ الوَضْع، وإلاَّ هُم يَذْكُرُون في تَقَارِيرِهِم أَشْيَاءْ مُذْهِلَة، ومع ذلك ومع كَثْرَة ما يَسْمَع(1/1)
النَّاس تَجِد الإسراف الشَّديد في الماء، وقد نُهِينا عن الإسراف، إسْرَافْ شَديد في المَاء، وعلى النَّاس جميعاً أنْ يَقْتَصِدُوا في جَمِيع أُمُورِهِم؛ بحيث لا يُضَيِّقُون على أَنْفُسِهِم ولا على منْ تَحْتِ أَيْدِيهِمِ، ويَحْفَظُوا هذهِ الثَّرَواتْ، يعني المَاء كَوْنُهُ بِأَرْخَصِ الأثْمَانْ، هل يعني هذا أنَّهُ غير مَتْعُوبٍ عليه؟!! مَتْعُوب عليه؛ لكن منْ نِعَم الله -جلَّ وعلا- أنَّهُ كُلَّمَا كانتْ الحَاجَة إلى الشَّيْءِ أشَدّ؛ كانَ ثَمَنُهُ أقلّ؛ رِفْقاً بالنَّاس؛ ولِذا تجدُون يعني أرْخَصْ ما يُباع من الكُتُب الضَّرُوريَّات لأهلِ العلم وطُلاَّبِ العِلْم، فَتَجِدْ على سَبِيل المِثَال، ولَيْسَت المَسْألَة مُقَايَسَة بالأقيام أو مُقَدَّرَة بالأَثْمَانْ المُصحف، أَرْخَصْ ما يُبَاع المُصْحَفْ، ثُمَّ شُف حاجَة عَامَّة النَّاس مَثلاً إلى رِياض الصَّالِحينْ، أو إلى تفسِيرْ ابن كثير، أو إلى صحيح البُخاري مِنْ أَرْخَصْ ما يُبَاعْ، وكُلّ ما يَحْتَاجُهُ عُمُومُ النَّاسْ تَجِدُهُ أَرْخَصْ شَيْءْ، منْ أَرْخَصْ الأُمُور المَاء، والمِلْح والتَّمر، أُمُور ضَرُورِيَّة؛ لكنْ تعال إلى الأُمُور التِّي لا يَحْتَاجُها عَامَّة النَّاسْ الكماليَّاتْ أغلى الكُتُب كُتب الرَّحلات والذِّكْرَيات، هذهِ أغْلَى الكُتُب، ثُمَّ انْظُر إلى مَا فِي أسْواق النَّاس منْ السِّلَع التِّي تُبَاع تَجِدْ الكَمَالِيَّات بِأَغْلَى الأثْمَانْ والضَّرُورِيَّاتْ رَخِيصَة -وللهِ الحمد-، وهذا من لُطْفِ الله -جلَّ وعلا-؛ لأنَّ الضَّرُورِيَّاتْ يَحْتَاجُها النَّاس كُلُّهُمْ، بِخِلاف الكماليَّات، فلا بُدَّ من اسْتِشْعار هذا، لا بُدَّ أنْ نَعْرِفْ أنَّنَا بِحَاجَةٍ مَاسَّة إلى المَاءْ، وأنَّهُ لا يُمكن أنْ يَعِيش أَحَد بِدُونِ مَاء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنْبِيَاء/30]، وعلى كُلِّ إنْسَانْ أنْ(1/2)
يُؤَدِّيَ ما عليهِ، يَسْعَى بِصَلاحِهِ وصَلاح نَفْسِهِ، وصَلاح من تحت يَدِهِ، يَحْرِصْ على الاقْتِصَادْ في المَاء، ولا بُدَّ من هذا، التُّجَّار أيضاً عليهم أنْ يُساهِمُوا فِي رَفْعِ الشِّدَّة بأدَاءِ الزَّكَاة ((ولَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلَّا مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاء)) والبَلد فيهِ خَيْرَات وللهِ الحَمْد، وفيهِ أموال ولو أُدِّيت الزَّكَاةُ بِدِقَّة احْتِمَال أنْ لا يُوجَدْ فَقِير في البَلَدْ، يمكن ما يُوجَد فقير في البَلَد لو أُدِّيَتْ الزَّكَاة على الوَجْه المَطْلُوب، واللهُ المُسْتَعَانْ.(1/3)
أيْضاً على النَّاسْ أنْ يَنْصَحُوا، ((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ؛ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة)) هذا منْ النُّصْحْ للمُسْلِمينْ؟! هذا من الغِشِّ لَهُم، ((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ)) يعني تَصَوَّر قبل سِنِينْ يمكن قبل عِشْرِينْ سَنَة وُجِد جَزَّار فيهِ حَبْل يَرْبِط بِهِ كِفَّة المِيزَانْ بإصْبَع رِجْلِهِ؛ فإذا وَضعْ قِطْعَة من اللَّحم جَرَّ الحَبْل! فرَجَحَتْ!!! هذا على خَطَرٍ عظيم نَسْأَلْ الله العَافِيَة ((لَمْ يَنْقُصْ قَوْمٌ المِكْيَال والمِيزَانَ)) {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المُطَفِّفِينْ/1] وَيْلْ: وَادٍ في جَهَنَّم نَسْأَلْ الله العَافِيَة، جَاء في وَصْفِهِ انَّهُ لو سُيِّرَتْ فيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَذَابَتْ! {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المُطَفِّفِينْ/1]، وهذا يَرْبط كِفَّة المِيزَانْ بحبل، فإذا وَضَع قِطْعة جَرَّ الحَبْل! فَرَجَحَتْ الكِفَّة نَسْأَلُ الله السَّلامة العَافِيَة، ((إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ)) ويُلاحظ على مِثْل هذا أنَّهُ يَعِيشُ فَقِيراً! يعيش فَقِير مثل هذا! وهذا وَاقِع هذا الرَّجُلْ إلى أنْ ماتْ! نَسْأَلُ الله السَّلامة العَافِيَة، مَسْأَلَة الغِشّ مُشْكِلة أيْضاً ((مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا))، وفي رِواية: ((مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا))، ((مَنْ غَشَّنا)) يعني غَشَّ المُسْلِمِينْ، و ((مَنْ غَشَّ)) يَشْمَل المُسْلِمينْ وغير المُسْلِمينْ، ((إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينْ، وشِدَّة المَؤُونَة)) كثِير من النَّاسْ يَعِيشْ في ضِيقْ، وعِنْدَهُ الدُّخُول العَظِيمَة! عِنْدَهُ رَاتِبْ كثيرْ؛ لكنْ نَقَصْ، يقول أنَا ما نَقَصْتْ لا مِكْيَال ولا مِيزَان! أنت طَفَّفْتْ في وَظِيفَتِكْ، ما أَدَّيْت العَمَل على الوَجْه المَطْلُوب، مَا أعْطَيْتْ العَمَلْ حَقَّهُ؛ فَتُبْتَلَى بالدُّيُونْ وهذا نُوع من شِدَّة(1/4)
المَؤُونة، كَوْن الرَّاتب إذا جَاءْ لا يَسْتَمِر لا يُوم ولا يُومين هذهِ شِدَّة المَؤُونة، على كُلِّ حَال، على كُلِّ إنْسَانْ أنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ، وأنْ يُقدِّم ما يَكُونُ فيهِ فَرَجْ لَهُ ولِغَيْرِهِ.(1/5)
الفَقِيهْ حَقَّ الفَقِيهْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"ألا أُخْبِرُكُم بالفَقِيهِ حَقَّ الفَقِيهْ" الذي هو بمنزلة الطبيب الماهر "الذي لا يُقَنِّط النَّاس من رحمة الله"؛ لأن القنوط واليأس من رحمة الله مُوبِقَة من المُوبِقَات، هذا يبعث على التَّرك ترك العمل، كما أنَّهُ أيضاً بالمقابل لا يُأَمِّنُهُم من مكر الله، فينبغي أن يكون طبيباً حكيماً نَبيهاً يضعُ العِلاج في مَوْضِعِهِ، يُشَخِّص الدَّاء ويضعُ العِلاج، وذكرنا أنَّهُ إذا وجد هذا الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب هذا العالم في مجتمع لحظ فيه التفريط يعالج مثل هؤلاء بنصوص الوعيد؛ لِيَرُدَّهم إلى حظيرة التَّوَسُّط؛ لأنهم في الأصل مُفَرِّطُون؛ لكن بالعكس إذا لحظ في مجتمعه الإفراط والتَّطرف والغلو يُعالج داءَهم بنصُوص الوعد، فلا يُقنط من رحمة الله، ولا أيضاً يجعلهم يَأْمَنُون من مكر الله، هذا هو "الفقيه حق الفقيه" ولا يُرَخِّص المرء في معاصي الله، لا يرتكب الرُّخَصْ باستمرار ويَتَتَبَّع الأقوال التِّي تسهل على الناس على حدِّ زَعْمِهِ، الآن يُنَادى بفقه التَّيسير الذي هو في الحقيقة فقه التضييع والتمييع! ويستدل لذلك بـ ((إن الدِّين يُسْر)) - نعم - الدِّين يُسْر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج]؛ لكنه أيضا دين عُبُودِيَّة، ودين تَكَاليف، والجَنَّة حُفَّت بالمكارة، والتَّكْلِيف إِلْزَامُ ما فيه كُلْفَة ومَشَقَّة، هذا يقول صاحب فقه التَّيسير عن صيام الهواجر ماذا يقول عن قيام الليل قام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام – نعم - التَّيسير في مُقابل العُسْر في مُقابل الآصار والأغلال التِّي كانت على من قبلنا! تكليف ما لا يُطَاق ما عندنا تكليف ما لا يطاق - يعني - ما كُلِّفْنا في اليوم والليلة ألف ركعة! - لا – ((خمس صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليوم والليلة)) و من زاد زَادَ أَجْرُه ((أعِنِّي على نفسك بكثرة(1/1)
السُّجُود)) فمثل هذه الأمور التي هي في مقدور العبد هي داخلةٌ في التَّيْسِير، ويشملها ((إنَّ الدِّين يُسْر)) أما ما لا يُطِيقُهُ الإنسان ((مَهْ، عليكم من الدين ما تطيقون؛ فإنَّ الله لا يَمَلَّ حتَّى تَمَلُّوا)) على الإنسان أنْ يَرْفُقَ بنفْسِهِ حُدود، ولا يُعْطِيها من الآمال، ويَفْتَح لها الآفاق؛ بحيث يترك العمل – لا - فالمسألة مسألة تَوَسُّط! فلا يُرخص للمرء في معاصي الله يعني يأتيك من شرب النبيذ مثلاً يقول الحمد الله عند أبي حنيفة جائز! جاء من أكل ذبيحة من حيوان لا يُجيزهُ عامَّةُ أهل العلم الحمد الله، هذا عند مالك فيه سعة!، ويأتيه ويقول عند أحمد كذا! – لا، لا- هذا تضييع هذا الذي يُسَمِّيه أهل العلم تَتَبُّعْ الرُّخَص هذه زندقة عند أهل العلم؛ لأنه ما من مسألة إلاَّ وفيها قولٌ سَلِسْ، حتى يخرج الإنسان من دينه!!! يَسْتَدِلُّونَ بأنَّ النَّبي -عليه الصلاة والسلام-: "ما خُيِّرَ بَينَ أَمْرَيْن إلاَّ اخْتَار أَيْسَرْهُما"، وهذا في وقت قبل استقرار الحكم اختار أيسرهما؛ ليكون شرعاً، أما بعد أن استقر الحكم بدليله، فعلى المرء أنْ يعمل ما يدل عليه الدَّليل سواءٌ كان أيسر أو أشد؛ ولذا إذا جانب ما يدلُّ عليه الدَّليل، صار في الإثم! والمسألة مُقَيَّدة بما لم يكن إِثْم، فالذِّي يَخْتار غير ما يدلُّ عليهِ الدَّليل ارْتَكب الإثم واللهُ المُسْتعان.(1/2)
كيفية دراسة كتب الفقه
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كتب الفقه يحتاج فيها إلى التدرج، ولا نحتاج أن نطيل فيها؛ لأن الشيخ عبد القادر بن بدران ذكر طريقة للتفقه مفيدة:
أولاً: التدرج لا بد منه؛ فيقرأ الطالب في أول الأمر مثل آداب المشي إلى الصلاة مع شروطها للشيخ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم يقرأ في عمدة الفقه للإمام الموفق، ثم بعد ذلك يقرأ في الدليل والزاد وما بعد ذلك على طريقة تكون هذه الكتب في المرحلة الثالثة عناصر بحث، خطة بحث، يعني في المرحلة الأولى طريقة الشيخ عبد القادر ابن بدران نافعة والمرحلة الثانية، يحفظ المتن، ويجتمع مع مجموعة متقاربين في السن والفهم، ثم بعد ذلك كل واحد من هؤلاء الطلاب يشرح القدر المحدد بنفسه من غير رجوع إلى الشروح، ثم بعد ذلك إذا اجتمعوا يقرأ كل واحد شرحه، ويتناقشون، يقول: أنا فهمت كذا، والثاني يقول: لا أنا فهمت في هذه الجملة كذا، فإذا انتهوا من قراءة ما عندهم يقرؤون الشرح - شرح الكتاب- ، ويصححون أخطاءهم، فإذا صححت هذه الأخطاء لن تعود إلى القلب مرة ثانية، ثم يرجعون إلى الحواشي، ثم بعد ذلك يحضرون الدرس عند الشيخ، يصير عندهم الآن استعداد تام لما يزيده الشيخ على ما في الكتب، يتفقه الطالب بهذه الطريقة، في المرحلة الثالثة وهو حينئذ يقرأ الزاد، -زاد المستنقع- ووضع له أساس كتاب أو اثنين، يقرأ الزاد على أساس أنه عناصر بحث خطة بحث، لا على أنه دستور لا يحاد عنه، لا، هذا كلام البشر؛ فتمسك المسألة الأولى ثم تبحث لها عن دليل وتعليل لهذه المسألة، من وافق المؤلف على هذا من أتباع المذهب؟ من خالفه؟ من وافقه من المذاهب الأخرى؟ ومن خالفه؟ وننظر في أدلة الجميع، ونأخذ بالقول الراجح، يعني طالب العلم إذا انتهى من "زاد المستقنع" على هذه الطريقة فقيه، ينتهي فقيه بدون تردد، هذا إذا كان لديه فقه نفْس؛ لأن ما كل واحد يعاني العلم يكون عالم، فقد يطلب العلم سنين ولا يحصل(1/1)
علم، ولكن إذا مسك الجادة من أولها، ومعه من الإخلاص ما يعتمد عليه مما يكون سبباً إلى توفيقه، ومعه حرص واجتهاد، وعنده من يستشيره من أهل العلم ممن يثق بعلمه، -بإذن الله- يحصل، وإلا فلا يلزم كل من طلب العلم يكون عالم، ويكفي من لم يقدر الله له شيئاً من العلم، يكفيه أن يكون قد سلك الطريق ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) يكفيه هذا، المتفقه على هذه الطريقة، قد يقول قائل: هل نحفظ كتب الفقه؟
إذا كانت الحافظة قوية وتسعف، لا شك أن كلام أهل العلم مفيد، نحن نسمع من يفتي ويتصدر للإفتاء تجد بعض الناس عنده محفوظ من كلام أهل العلم، كلامه متين ورزين، وبعض الناس ما عنده حفظ تجده أقرب ما يكون إلى الإنشاء، وهذا عند تفريغ الكلام وطبعه، لا تقبله الأسماع -الذي ليس لديه رصيد من كلام أهل العلم-.(1/2)
الحذر من تتبع خطوات الشيطان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
خطوات الشيطان، الشيطان يعرف أنه لو بدأ بالغاية ما وُفق، ما وافقه من ينتسب إلى الإسلام؛ لأن لو قال للإنسان: اكفر قال: ما أكفر، لكن يبدأ به خطوات، يبدأ به بالمكروهات والشبهات، ثم لا يلبث أن يتجاوز به إلى المحرمات، ثم المحرمات تهون عليه وتسهل فلا يكون هناك سد يحول بينه وبين الكفر؛ لأنه إذا تساهل بالمحرمات تساهل بما فوقها من الكبائر والموبقات، ثم إذا هانت عليه هذه ما صار بينه وبين الشرك والكفر حاجز معين سياج يمنعه من اقتحامه يسهل عليه ارتكابه، وهذا أمر مشاهد أن من يتساهل في أول الأمر لا ينتهي إلى حد، فخطوات الشيطان يبدأ بأدنى الوسائل، يقول مثلاً: النساء الآن قَلَّت الأعمال عندهن في بيوتهن، وكل امرأة عندها خادمة ولا تستطيع أن تصنع شاي، فهي دائماً جالسة، ولذلك ركبتها الشحوم، وتوالت عليها الأمراض، وهُددت بالأخطار، لا بد لها من رياضة، تقول: افعلي رياضة في البيت، ما تفعل، يعني المسألة مسألة كسل متراكم ما تعان على أن تزاول الحركة في البيت، لو كانت تبي تتحرك لاشتغلت في أعمالها الأصلية، لكن لا تتحرك، لا بد أن تلزم، وفي البيوت ما يستطيع أحد أن يُلزم، ما لها إلا في المجامع العامة وفي المدارس بحيث يوضع لها درجات تلتزم بها، هذه خطوة من خطوات الشيطان، الخطوة الأولى يقول تحتشم، احتمال في أول الأمر أن يقول: تلعب، تزاول الرياضة بعباءتها، ويش المانع؟ وفي محيط نساء، وقد يقال في أول الأمر في الفصل نفسه لا في الفِناء، ثم بعد ذلك يقال الفصل غير مناسب، كراسي وطاولات ومدري إيش؟ اخرجن في الأسياب أوسع شوي، ثم الخطوة التي تليها في الفِناء، ثم بعد ذلك هذا اللباس، هي في محيط نساء، وهذه الألبسة تعيقها أن تزاول ما تريد بحرية، ثم بعد ذلك يقضي عليها من حيث لا تشعر، ثم تقع في الغايات، مثل ما وقع من وقع في البلدان المجاورة، يعني أعظم درس نستفيده ما وقع فيه(1/1)
جيراننا من المسلمين وغيرهم، يعني المسألة خطوات لو تتبعنا تاريخ هذه الفواحش التي انتشرت في البلدان الإسلامية، لوجدناها إتباعاً لخطوات الشيطان، هي تخطيط خبيث مغرض من شياطين الإنس يوحي إليه شياطين الجن بهذه الخطوات ويطبق وينفذ وينظِّر والناس يتبعونه كالأغنام، يأتي بمبرر مقبول ثم الخطوة الأولى تسهل على الناس ثم الثانية ثم الثالثة ثم...، كنا نتساءل عن هؤلاء اللواتي يزاولن بعض الأعمال التي لا تخطر على عقل، يعني بنت من بيت مسلم محافظ تخرج شبه عارية تغني بين الناس في الملأ، كنا نسأل الوافدين من تلك البلدان، هل لهؤلاء البنات آباء؟ يعني هل هن من أسر، يعني من أبٍ وأمٍ مسلمين؟ وإلا من لا أنساب لهم؟ ولا أحد يغار عليهم؟ قال: لا هؤلاء من الأسر الكبيرة؛ لأنهم يعدون وين هذا تطور وتقدم، هذه خطوات الشيطان، يملي عليهم شيئاً فشيئاً...الخ إلى أن يكون هذا هو القدوة، يكون هذا قدوة في المجتمع، ولذلك تجدون أرذال الناس تجدونهم هم القدوات الآن، والدعايات بأسمائهم، وصورهم يكتسب من وراءها الملايين وهكذا، وهم أرذال الناس وأسافلهم، لكنها خطوات الشيطان، يعني تساهلنا في الخطوة الأولى، الخطوة الثانية أختي أختي تليها بلا محالة، ثم الثالثة إلى أن نجد أنفسنا في وَحَل، لا نستطيع الخروج منه، وعلى هذا على من ولاه الله الأمر وبيده حل وعقد لا يجوز له أن يجيز الخطوة الأولى مهما كانت الظروف يعني تموت المرأة في بيتها من الأمراض ولا ترتكب ما حرم الله عليها، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه؟ ترجون العافية؟ من الله -جل وعلا-، فكيف تطلب بما يسخط الله -جل وعلا-؟! ولم يجعل الله -جل وعلا- شفاء أمتي كما في الحديث فيما حرم عليها.(1/2)
فهذه صورة لخطوات الشيطان، من اتبع خطوات الشيطان، اتبع الخطوة الأولى لا بد أن يقع في الثانية؛ لأن المبررات موجودة، مرصودة من الأصل، ومضبوطة ومتقنة إلى أن تخرج إلى الشارع عريانة، لكنها تدرج في المجتمع؛ لأن المجتمع ما يقبل مثل هذا أول الأمر، فخطوات الشيطان التي يمليها على أوليائه ينتظرون بها الفرص المناسبة، نسأل الله السلامة والعافية.(1/3)
الطَّريقة المُثلى لِحفظ المتُون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الطَّريقة المُثلى لِحفظ المتُون، فقد شرحناها في مُناسباتٍ كثيرة؛ لكن باختصار: يُحدِّد الطَّالب ما يُريد حِفْظَهُ، وكُلُّ إنسانٍ اعْرَفْ بِمَقْدِرَتِهِ، وما يَسْتَطيع حِفْظَهُ، فإذا كانت الحافظة تُسْعِفُهُ لِحِفْظِ قَدرٍ أكبر هذا طيِّبْ، فيُحاول أنْ يحفظ هذا القَدر الذِّي حَدَّدَهُ، ويُردِّدَهُ حتَّى يرسخ في ذهنه، إنْ كانت حافِظَتُهُ مُتوسِّطة يأخذ قَدْر مُتوسِّط، وإذا كانت حَافِظَتُهُ ضَعِيفة يأخذ قَدْر قليل؛ لأنَّ الكثير الذِّي لا يُستطاع لا يَثْبُت في الذِّهْن، فمثل هذا إذا كَرَّر هذا القَدْر، وهذا النَّصيب الذِّي قَرَّر حِفْظَهُ هذا اليوم حتَّى ضَبَطَهُ وأتْقَنَهُ؛ وليَحْرصْ أنْ يحفظ بعد أنْ يقرأ النَّصَّ على شيخ؛ ليُصَحِّحَ لهُ ويُقوِّم له، ويَقرأ من نُسَخٍ صحيحة مُوَثَّقة؛ لأنَّهُ إذا حَفِظ على خطأ استمرَّ الخطأ، فإذا حَفظ نصيب هذا اليوم، وليَكُن من القرآن خمس آيات لضعيف الحافِظة، أو عشر للمُتوسِّط، أو ورقة للذِّي تُسْعِفُهُ حافِظَتُهُ لِحِفْظِ ورقة إذا كَرَّرَهُ وأتْقَنَهُ وضَبَطَهُ، من الغَد يُكَرِّر هذا النَّصِيب خمس مرَّات، ثُمَّ يبدأ بِنصيب اليوم الثَّاني فيُكَرِّرَهُ حتَّى يَحْفَظَهُ مثل ما فعل بالأمس، ثُمَّ في اليوم الثَّالث يُكرِّر نصيب اليوم الأول أربع مرَّات، ونصيب اليوم الثَّاني خمس مرَّات، ثُمَّ يبدأ بنصيب اليوم الثَّالث فيفعلُ بِهِ ما فعل وهكذا... إذا كُرِّرَ الحِفظ بهذهِ الطَّريقة رَسَخ في ذِهْنِ حَافِظِهِ.(1/1)
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمْ} [الحج/1] غاية في العظمة شيء لا يُتَصَوَّر يعني إذا كان بعض ما يحدث في الدنيا يُذْهِل وتَطِيشُ العُقُول بسببه، وهو من أمور الدنيا التي الدنيا كلها لا شيء بالنسبة للآخرة في الدنيا! والناس يتفاوتون في الفزع، بعض الناس إذا حركت الريح الباب اختلط! موجود، وبعض الناس إذا سقط شيء من السَّقف اختلط! وبعض الناس يصبر ويتحمل فلا يزيغه أدنى شيء؛ لكنهم يتفقون من الفزع في الأمور الكبيرة، داهمهم عدو يفزعون ولا بد، مع أنَّ المسلم ينبغي أنْ يَتَّصِف بالحلم والأناة حتى في أمور الحرب وحتى في أوقات الفتن؛ لأنَّ هذه الأمور لا تُحل إلا بالعقول المبنية على النصوص ((امضي على رسلك)) حرب ((امضي على رسلك)) تجي في حرب؟ ((امضي على رسلك)) هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فإذا كان كثير من الناس لا يحتمل ما يحدث من أمور الدنيا اليسيرة، تجد الإنسان يقرأ في المصحف مجرد ما يتحرك يدخل داخل إلى المسجد يفزع! وينسى هو في الصفحة اليمنى أو في الصفحة اليسرى! هذا في أمر يسير {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمْ} [الحج/1]، ثم ضرب مثال من الأمثلة محسوس، {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج/2] في قضية الكويت التي حصلت قبل بضعة عشر عاماً؛ لما سمعوا فزعوا، فكان منهم امرأة بجانبها ولدها طفل رضيع حملت الوسادة وهربت ذهلت عن طفلها!!! يعني هذه في أمور دنيا محتملة ومقبولة يعني...(1/1)
كيف بالساعة التي لا تترك أحد؟ {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمْ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج/1،2]، إذا كان بعض الحوامل يضع حمله لهزة يسيرة أو لرؤية شيء مُخيف، وجاء من بعض أنواع الحيات أنها تسقط الحمل بمجرد رؤيتها!!! فكيف بالساعة؟ أمثلة حية {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج/2] مثل السكارى، عُقُول طَائِشَة، تعرفون أنه إذا حصل أدنى خلل في مجتمع في مدرسة، في قصر أفراح، في شيء التمس الكهرب خلاص ما عاد الناس يفكرون!!! يطأ بعضهم بعض يموت جملة منهم بهذا السبب!!! فكيف بالساعة؟! شَيْءٌ عَظِيمْ، شيءٌ مَهُول واللهُ المُسْتَعانْ.(1/2)
نعمة الآلات والأجهزة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الآلات والأجهزة يسرت الآن بإمكانك أن تحضر الدروس وأنت في بيتك، وأنت جالس في بيتك من خلال الأشرطة والإنترنت وغيره، تأتي إلى المتن الذي يشرحه هذا العالم، وليكن مثلاً كتاب التوحيد، فتحضر المتن وتسمع الشرح من الشريط، أو من خلال الشبكة، وتنظر في المتن تقرأ المتن أكثر من مرة قبل أن تسمع الدرس وتفهم المتن معناه كلمة كلمة من خلال ما تسمع من شرح، والأمر ميسور -ولله الحمد- وهذا في جميع العلوم، وكثير من الناس أدرك من العلم أكثر مما يدركه من يزاحم العلماء وهم في بيوتهم، بل تأتينا الأسئلة التي تدل على الفهم الدقيق من كندا وأستراليا في آن واحد، من خلال الشبكة، ونحن في الدرس، فالأمر متيسر، وليس لأحد عذر، فعلينا أن نعنى بهذا الجانب وهذا لا يكلفنا شيء، وإذا عرفنا لا بد أن نعرف أولاً شرف المطلوب، يعني لو قيل لك مثلاً: اذهب كل عصر إلى الحراج، ترزَّق، أنت راتبك قد لا يكفيك ويكفي أولادك، تروح إلى الحراج، تقول: يا أخي ايش أتردد إلى الحراج عشرين ثلاثين كيلو وأنا رايح جاي، أيش باحصل في الحراج ؟ أثاث متكسر أو شيء ما يسوى التعب؛ لكن إذا أنت عرفت شرف المقصود، وهو العلم الشرعي، الذي أشهد الله -جل وعلا- أربابه وأصحابه على الشهادة له بكلمة التوحيد، عرفت أن جميع ما تبذله من أجل تحصيل هذا العلم فهو رخيص، يعني ما يستحق الذكر بالنسبة لما تحصله، هناك كتب ألفها أهل العلم بلهجة العصر، صارت سهلة وميسرة، بإمكان المتعلم أن يقرأ فيها ويستفيد، نعم كانت المتون صعبة، كانت المتون صعبة، لا يُدركها كثير ممن يقرأ فيها من غير أهل الاختصاص، الآن صارت العلوم ميسورة، سهلة ميسرة، يعني من كان يتطاول على زاد المستقنع من غير العلماء وطلاب العلم؟! حتى يسر الله له الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فشرحه بالشرح الممتع، الشرح الممتع يفهمه الناس كلهم؛ لأن الشيخ - رحمه الله تعالى- ذَلَّلَ(1/1)
الله له كيفية التعليم وإيصال المعلومات، فنستفيد فائدة من هذا الكتاب، الملخص الفقهي أيضاً كتاب يستفيد منه كل من يقرأ ويكتب، فلا عُذر لنا ولا حجة لنا في أن نترك، يعني لو المسألة متن الزاد، نقول: هذا صعب على المتعلمين؛ لكن شرحه للشيخ ابن عثيمين مفهوم، شروح الشيخ ابن جبرين، وشروح المشايخ كلها سهلة ميسرة، نفهمها ونحن في البيوت؛ لكن نحتاج مع ذلك إلى أن نطلع درجة درجتين ثلاث، في علوم الآلة حتى نستطيع أن نتعامل مع النُّصُوص على الطريقة العلمية المعروفة عند أهل العلم، وهذا أيضاً أمرٌ يسير، ولله الحمد؛ لأنّ هذه العلوم شرحها هؤلاء العلماء، ويَسَّرُوها لطُلاب العلم، فكيفيَّة التَّحصيل تتم بحضور الدروس وبالمطالعة الخاصة بهذه الكتب التي ألفت بلغة العصر، ولهجة العصر بحيث يفهمها كل أحد، بحضور الدروس بالبدن ومزاحمة الشيوخ، والإفادة منهم مباشرة أو من طريق الآلات لمن لا يستطيع ذلك، فالأمر متيسر -ولله الحمد- وبإمكان الشخص أن يكون عالماً من خلال هذه الآلات، نعم قد يحتاج إلى أن يستفهم، بإمكانه أن يرفع سماعة التلفون، ويسأل أي عالم يحل له هذا الإشكال، وقد يقول قائل: أن العلماء مشغولين نتصل ولا يردون، نعم التقصير موجود، وأيضاً العدد غير كافي لحاجات الناس؛ لأنه كان في السابق العالم الواحد يغطي البلد؛ لأن السواد الأعظم عوام، لا يحتاجون إلى أسئلة إلاَّ فيما يقع لهم، الآن – لا -، السواد الأعظم مُتَعَلِّم، ويسأل عن كل ما يُشكل عليه، فصار فيه كثرة في الطلب على أهل العلم، مع كثرتهم، صار الطلب أكثر من طاقتهم، فعلينا أن نُعنى بهذا الباب.(1/2)
الجِدّ فِي طَلَبِ عِلْمِ الحَدِيثْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العلم متِين ولا يَكمُلُ لهُ إلا الفُحُول من الرِّجال الذُّكُور، والإناث قد يُوجد فيهنّ من تكمُل لهذا؛ بل وُجِد على مرِّ التَّاريخ مُحدِّثات؛ لكن الغالب أنَّهُ لا يكمُلُ لهُ إلاَّ الفُحُول من الرِّجال الذِّين هُم أهل الجِدّ والعَزم وعَدَم التَّراخي والتَّفريط، ومع الأسف أنَّنا نجد من ينتسب لهذا العلم وتَجِدُهُ يأخُذُهُ على التَّراخي! على التَّيْسِير، يعني لا يَجِد فيه، الحديث بحرٌ مُحيط لا سَاحلَ لهُ، يعني من اليسير جدًّا أنْ يَتَخَصَّص الإنْسَانْ في أيِّ علم من العُلُوم ويُحِيط بأطْرَافِهِ، ويُدْرِك جُملةً صالحةً منهُ تُعينُهُ على تحصيل بقيَّته، أما هذا العلم فدُون تَحْصِيلِهِ خرطُ القتاد! لأنَّهُ يحتاج إلى عُمُر مديد، ويحتاج إلى جدّ واجتهاد وإخلاص، صدق لجأ إلى الله -جلَّ وعلا- مع المُتابعة، مع ما رُكِّبَ في الإنسان منْ حِفْظٍ وفَهْم، الآن لو الإنسان يُفْنِي عُمُرهُ في صحيح البُخاري فقط؛ انتهى عُمُرهُ ما انتهى من صحيح البُخاري! يعني إذا أراد أنْ يَدْرُس صحيح البُخاري على الوجه الذِّي يُرْجَى أنْ يتقنهُ اتْقَاناً تامًّا ويكُون مرْجِع فيهِ، ما يُمكِنْ، على صحيح البُخاري ما يقرُبُ من مائة شرح! كيف يُحيط الإنسان بهذهِ الشُّرُوح؟! يعني شرح واحد قِراءة سَرْد يحتاج إلى سَنَتينْ! سَرْد، دُون الوُقُوف عند مسائِلِهِ يحتاج إلى سَنتين! يعني إذا كان فتح الباري بهذهِ المَثَابة، والكرماني يحتاج إلى نِصف سنة مثلاً، وعُمدة القاري تحتاج مثل فتح الباري إلى سنتين، وإرشاد السَّاري يحتاج إلى سنة وهكذا، العُمر لا شكّ أنَّهُ قصير بالنِّسبة لهذا العلم، هذا كتاب واحد، ثُمَّ إذا انتقل إلى مُسْلِم وعليهِ من الشُّرُوح ما عليهِ، وفيها إعْوَازٌ كبير يحتاج إلى مُراجعات إلى كُتُب تُعينُهُ على فهم صحيح مُسْلِم، فماذا عن بقيَّة السُّنن؟! وماذا عن(1/1)
المُسْنَد البحر المُحيط الذِّي فيهِ أكثر من ثلاثين ألف حديث؟! ماذا عن سُنن البيهقي؟! لو أنَّ الإنسان تَفَرَّغ لسُنن البيهقي ما أنْجَزَها، تحتاج إلى وقتٍ طويل وهكذا، ولِذا يُرَكِّز أهلُ العِلْم على الجِدّ، العُلُوم الأُخْرَى يُمْكِنْ أنْ تُؤْخَذْ ببعضِ الوقت؛ لكن هذا العِلْم لا يُمْكِنْ أنْ يؤْخَذْ إلاَّ بِجميعِ الوقت! كُلّ الوقت لا بُد أن يستغرق فيهِ، وما يُعينه على فَهْمِهِ وحِفْظِهِ، كانَ النَّاس يَحْفَظُونْ مئات الأُلُوف من الأحاديث، أحمد بن حنبل سبعمائة ألف حديث، أبُو داود اسْتَخْرَجَ السُّنن من خمسمائة ألف حديث! وفُلان وفُلان، جمعٌ غفير من أهلِ العلم بهذهِ المَثَابة، لماذا؟! لأنَّهُم أَخَذُوهُ بالتَّراخي؟! أَخَذُوهُ بالتَّسَاهُل؟! أبداً، جَدُّوا في طَلَبِهِ، وأَخْبَارُهُم شاهِدَة على ذلك، والبُخاري يحفظ من الصَّحيح مائة ألف حديث ومن غيرِهِ مائتي ألف حديث! يعني الآن الآلات الحاسِبة التِّي اُدْخِل فيها جميع ما وُجِد من الأحاديث أكبر برنامج فيهِ خمسمائة ألف بالتكرار، يعني الإمام أحمد أكثر منها يحفظ! فهذا العِلْم يحتاج إلى جِدّ، يعني إذا كان القُرآن يُمْكِن حِفْظُهُ في سنة لِطالب علم مُتوسِّط الحافظة يُمْكِن حِفْظُهُ في سنة؛ وإلاَّ وُجِد منْ يَحْفَظُهُ في ثلاثة أشهُر! بل وُجد من حفِظ، الزُّهري في شهر حَفِظَ القُرآن، فالسُّنَّة متى تُحْفَظْ؟! وكان الحِفْظُ للسُّنَّة مَيْؤُساً منهُ حتَّى كان العُلماء من قُرُون وهُم يَتَوارثُون كُتب مُختصرة مُجرَّدة يَتَدرَّجُون فيها، يَقِفُون فيها إلى حدّ، ولا يَتَطَاوَلُونَ إلى الكُتب الأصليَّة المُسْنَدَة إلى حِفْظها، والآن بَدَأَتْ بَوَارِقُ الأَمَلْ في عودة الحِفْظ للسُّنَّة، وَوُجِدْ منْ يَحْفَظ، يقولُون حِفْظ الصَّحيحين، المقصُود بذلك منْ غير تكرار ولا أسانيد، يَبْدَؤُون بأحدهما ويُضيفُون إليهِ زوائِد الآخر، ثُمَّ السُّنن اتِّباعاً،(1/2)
ثُمَّ المُسْنَد، نسمع من يَحْفَظ الآن زوائِد البيهقي! وهذهِ بِشَارة عُظْمَى، ومنْ سَنَّها لا يُحْرَم أجرُها وأجْر من عَمِلَ بها، نرْجُو لهُ ذلك ـ إنْ شاء الله تعالى ـ، ومع ذلك يُوصى طالبُ العلم بالجِدّ والاجتهاد، يعني لو الإنْسَان أمْسَك بجامع الأُصُول وحَفِظَهُ؛ لاحتاج إلى عُمر مديد، مع أنَّ جامع الأُصُول فيهِ شيء من الخلل، فلا بُد من حِفْظ الأُصُول من الأُصُول، كثير من طُلاَّب العلم يَتَخَبَّط في الحِفْظ؛ لأنَّ الآن -ولله الحمد- فُتِح الباب، وسُلِكَت الجَادَّة، وكان طُلاَّب العلم يَحْفَظُون الأربعين، ثُمَّ العُمدة، ثُمَّ البُلُوغ، وكثيرٌ منهم يقف إلى هذا الحَدّ! يعني يَنْدُر منْ يَتَطَاوَلْ على المُنْتَقَى! وأمَّا بقيَّة كُتب الأحكام فلا تُعْرَفْ! إلاَّ في عُصُورٍ مُتأخِّرة! الإلْمَام، والمُحرَّر، وتقريب الأسانيد وغيرهم هذا ما يُعرف عند كثير من طُلاَّب العلم إلى وقتٍ قريب، الآن ـ ولله الحمد ـ البَوَادِر ظَهَرَتْ، والنَّتائج مَلْمُوسة الآن وليسَ على مُسْتَوى بَلَدٍ مُعيَّن؛ إنَّما هذا عَمّ في جميع بُلْدَانِ المُسْلِمين، وهذهِ بَادِرة خير ـ ولله الحمد ـ كون طالب العلم يكُون لديْهِ رصيد من النُّصُوص بلا شكَّ أنَّها يُفْزَع إليها عند الاختِلافْ، الاخْتِلاف إنَّما يُرد إلى الله ورسُولِهِ، فإذا كان طالب العلم ليس عندَهُ شيء مِمَّا يُفْزَع إليه من النُّصُوص؛ كيف يَصِل إلى الأقوال الرَّاجِحة، ويَعْرِفْ المَرْجُوحْ من الرَّاجِح ما يستطيع!؛ لكنَّ هذا يحتاج إلى جِدّ.(1/3)
المُجاهدة في طاعة الله -عزَّ وجل-
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا شك أنَّ النفس تحتاج إلى جهاد، النفس مجبولة على حب الراحة والإخلاد إليها، فهي بحاجة ماسة إلى الجهاد، ثم بعد مرحلة الجهاد تأتي اللذة في العبادة، كثير من الناس يأتي إلى الصلاة وهي ثقيلة عليه، قيام الليل ثقيل، صيام الهواجر ثقيل؛ لكن المسألة تحتاج إلى تجاوز مرحلة امتحان، تحتاج إلى جهاد، ثم بعد هذا الجهاد تتلذذ بهذه العبادة، كثير من الشيوخ يجلس للطلاب شهر شهرين ثم ينقطع، بعض المناطق مررنا بها فإذا القضاة ما لهم أي دور! ولا يوجد دروس، يحرصون على الدورات في أوقات الإجازات وما عندهم دروس ثابتة، تكلم رئيس المحكمة يقول: والله يا أخي جلسنا جلس عشرة أول الأمر ثم أخذوا ينقصون جاء رمضان وجاءت الإجازة ما رجع إلا ثلاثة ثم جاء الحج ما رجع إلا واحد! قلت: يا أخي يكفيك واحد، هذا الواحد لو استأجرته يقرأ عليك يبي فلوس، ((لئن يهدي الله بك))، ((النبي يأتي وليس معه أحد، النبي يأتي ومعه الواحد)) وقلت له ولغيره ممن على هذه الشاكلة عليك أن تثبت وتصبر، حتى تتجاوز مرحلة الامتحان، ثم أبشر، وأول من يستفيد وأول من ينتفع بالتعليم أنت، رأينا بعض الكبار قُضاة تمييز كبار تقاعدوا وما اختلفوا كثيراً عن العوام؛ لأنهم ما قدموا، نسوا العلم! وبعض الصغار -ما شاء الله- صار عندهم شيء من العطاء ونفع الله بهم، هنا مرحلة اختبار أنا أدركت بعض الكبار أول ما جلسنا على الشيخ ابن باز -رحمه الله- أول ما نُقل إلى الرياض سنة خمسة وتسعين، كنا خمسة، خمسة أشخاص، يعني خمس سنوات ست سنوات ما يالله وصلُوا العشرة، ثم بعد ذلك بعد الصبر والمصابرة خلاص، جاء القبول، بعض الشيوخ الآن يحضره الألوف بدون مبالغة، ما كان عندهُ إلا طالب واحد وليس سعودياً هذا الطالب، اصبر واحتسب وتأهل هذه فرصة من الله -جل وعلا- لك حتى تتأهل، فإذا تأهلت أبشر بالقبول، الناس لا يمكن أن يساقوا بالعصي إلى(1/1)
الدروس، ما يُمكن، هذه أمور مستحبة ما هي بواجبات، والقبول من الله -عز وجل-، إذا علم الله -جل وعلا- منك صدق النية وثبت؛ أبشر بالخير -إن شاء الله-، وافترض أنه ما جاك أحد لآخر عمرك وبعدين؟! أنت بذلت ما عليك بذلت السبب والنتائج بيدي الله -عز وجل-؛ لا تترقب النتيجة في الدنيا، أنت مأمور بهذا شرعاً، الطالب مأمور بأن يلتمس الطريق، وأنت مأمور بأن تعطي؛ لكن إذا ما حصلت النتائج، الداعية قد يمضي عمر طويل عشرات السنين ما استجاب له أحد وقُدوتُهُ في ذلك الأنبياء، الآمر الناهي قد يُصاب كثير من الأخوان بالإحباط يقول: نأمر وننهى وعجزنا وتركت وفعلت! نقول: اثبت يا أخي النتائج ليست بيدك، عليك أن تؤدي ما أُمرت به، والشرع ولله الحمد فيه فسحة، ما قال فليغيره بيده وسكت، مراحل ((فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه...(1/2)
))، وهذا الأمر مع باللين والرفق لا يعجز عنه أحد، ((فإن لم يستطع فبقلبه))، فأنت عليك أن تبذل ما أمرت به في حدود ما عندك من إمكانيات، تتعالى وتتعاظم، طالب مبتدئ تفتح درس بعلل الدَّارقطني!! أو درء تعارض العقل والنَّقل!! يا أخي ابدأ بصغار العلم قبل كِباره، ويأتيك الصِّغار، ثم يكبرون، ثم يجيء غيرهم وهكذا، بعض الطُّلاب يقول ما يحضرون، فتحنا درس ما حضره أحد، قال لبعضهم: يا أخي أنت لو يجيك واحد ويقرأ عليك بدلاً من أن تأتي بقارئ براتب، هذه نعمة من الله -عز وجل-، أنت بحاجة إلى أن توطن نفسك؛ فالمسألة تحتاج إلى جهاد ومن ينظر إلى هذه الأمور؛ لن ينتج شيئاً، يعني ينظر حضر طلاب ما حضر، فلان أكثر منك وفلان أقل منك! مالك دعوة بفلان، قلوب العباد بيد الله -عز وجل-، الآن تجدون في الجنائز الناس ما يُساقون بالعصيان، بعض الجنائز ما يحظرها أحد، وبعض الجنائز -ما شاء الله- مشهودة، قد يكون هذا في حال الحياة اللي ما يحظر له أحد أشهر من ذاك، فالقلوب بيد الله -عز وجل-، قد يكون عند الإنسان صدق تعامل مع الله -عز وجل-، فيسوق له الناس يدعون له ويثنون عليه، يعني بُهِر الناس في بعض الجنائز، خلائق لا يحصون، وشخص لا يكاد يذكر؛ لكن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي سيَّر هؤلاء الناس ليصلوا عليه ويترحموا عليه والله المستعان، فهذهِ نتيجة المجاهدة،على الإنسان أن يجاهد نفسه في طاعة الله -عز وجل-.(1/3)
بادر بالتَّوبة قبل أنْ تُغَادِر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طُلُوع الشَّمس من مغربها، هذه من علامات الساعة وأشراطها الكِبار التِّي إذا ظهرت لا تُقبل التَّوبة، العلامات الثَّلاث التِّي جاء بيانُها في الصَّحيح: (الدَّجال، والدَّابة وطُلُوع الشَّمس من مغربها)، هذهِ إذا طلعت خلاص، لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا، ولا تُقبل التَّوبة، عن أبي هُريرة -رضي الله عنهُ- أنَّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلَّم- قال: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)) هي تستأذن في آخر كلِّ ليلة، هل ترجعُ من حيثُ أتَتْ؟ من مغربِها، ثُمَّ تُؤمر بأنْ تعود وتخرج إلى النَّاس من المشرق، ثُمَّ إذا قَرُبَ الزَّمن أُمِرت بأن تطلع من مغربها، فعلى الإنسان أنْ يغتنم هذه الأوقات وهذه الأنفاس قبل أنْ يحين الوقت وما يُدريك في يوم من الأيَّام تطلع من مَغْرِبها، ثم ولات ساعة مندم، ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ)) فَزِعُوا وخافُوا ووجِلُوا، لكن ينفع؟! ما ينفع، ((آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا)) عند المُعاينة عند الغرغرة ما ينفع؛ فالتَّوبة لها حدّ خاصّ بالشَّخص، ولها حدٌ عام في الكون، فحدُّها الخاص إذا بلغت الرُّوح الغَرْغرة خلاص، إذا بَلغت الرُّوح الحُلقُوم ما ينفع خلاص؛ لأنَّهُ عند المُعاينة وانكِشَاف الأُمُور الشَّيء، الشيء العام في العلامات الثَّلاث، الدَّجال، والدَّابة، وطُلُوع الشَّمس من مغربها، ((فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ)) السِّلعة بين البائع والمُشتري بكم؟! بمائة لا بتسعين لا بتسعة(1/1)
وتسعين لا بكذا، تقوم السَّاعة ((وَلاَ يَطْوِيَانِهِ)) الأمرُ أعظمُ من ذلك، ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ)) النَّاقة الحَلُوب ((فَلاَ يَطْعَمُهُ)) يَرْفَعُهُ إلى فِيه فلا يستطيع! خلاص، قف، ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ)) يُصْلِحُهُ ويُصْلِحُ ما فيهِ من خلل وما فيهِ من خُرُوق وثُقُوب يرجُو ويأمل أنْ يجتمع فيهِ الماء، فيَشْرَب ويسقي؛ لكنَّهُ لا يتمكَّن من ذلك، وكم من شخص في نفسِهِ الحاجات وقد خَرَج من بيتِهِ ليقضي معهُ ورقة فيها عِشرين ثلاثين حاجة، وما في نفسِهِ أكثرُ من ذلك! ثُمَّ لا يعُودُ إلى بيتِهِ! وهذا كثير، كم من شخص شَرَع في العَمَار ومات قبل أنْ ينتهي؟! كم من شخص أَثَّثْ فلم يَسْكُنْ؟! وكم من شخصٍ خَطَب ولم يتزوَّج؟! واللهُ المُستعان، ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ)) المُضْغَةُ التِّي بقدر ما يستطيع أنْ يأكُلَهُ رَفَعَها ((إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا)) ؛ لأنَّ الأمر بَغْتَة، الأمر بَغْتَة، تتصوَّر المسألة طِفا الكهرب وخلاص؟! تقدر تتصرَّف تجيب شمع ولا تجيب شيء ولا ماطُور خلاص انتهت، الحركة كُلّها خْمدَتْ، فعلى الإنسان أنْ يَغْتَنِمْ الصِّحَّة قبل المَرَض، الإنسان قَويّ وقَادر ومُسْتَطِيع أنْ يَعْمَلْ؛ لكنْ يأتِيهِ وقتْ لا يَسْتَطِيع أنْ يَعْمَلْ، لا يستطيع أن يعمل على الفراش، طَرِيحْ الفِرَاش، والشَّباب قبلَ الهَرم، الآنْ في الشَّباب، البصر حادّ، السَّمع حاد، اليد فيها قُوَّة، الرِّجل فيها قُوَّة، يَسْتَطِيع أنْ يُنْتِجْ، كم منْ شَخْص حتَّى من أهلِ العلم من قال: بعد التَّقاعُد إنْ شاء الله نَتْفَرَّغ للتَّصْنِيفْ والتَّأْلِيفْ ـ واللهُ المُستعان ـ آمال، وفِي ذِهنهِ مشاريع ومُخَطَّطَاتْ تَعْجَز عنها الهَيْئَاتْ العِلْمِيَّة، ثُمَّ بعد ذلك إذا أراد أنْ يُمسك(1/2)
القلم عجز يمسِكُهُ تراه يِرْتعد!!! فعلى الإنْسَانْ أنْ يُبَادِرْ يَغْتَنِمْ ((اغْتَنِمْ خَمْساً قبل خَمْسْ)) كما جاء في الحديث، فالشَّاب عليهِ أنْ يَغْتَنِم وقتَ الشَّباب ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ)) أنت الآن صحيح شَحِيح تستطيع أنْ تَعْمَل، تَعْمَل بِبَدَنِكْ، غَنِي تستَطِيع أنْ تُنْفِقْ بِمَالك، يأتِيك يوم من الأيام تَتمنّى أنك تنفق ولا تستطيع ((الصِّحَّة والفراغ))، الفراغ الآن فارغ، تدرُون يا الإخوان مرّ على هذهِ البِلاد قبل عُقُودْ يمكن أربعين أو خمسين سنة، النَّاس ما يستطيعُون يُوَفُّون بلُقمة العَيش! يضرُبُون الأرض شرقاً وغرْباً منْ أجل لُقمة العيش! عَمِلَ النَّاس في الآفاق في الهِنْد والعِراق وفي مَصر وفِي الشَّام بالأكل فقط، ما تدري ويش يواجهك! أنت اليوم عندك خادم، وعندك خادمة ومُسْتَرْخِي ومُسْتَلْقِي، وبعض النَّاس يَتَسَلَّط على مِثْلِ هؤُلاء، وما يُدْرِيه أنَّهُ في يوم من الأيَّام يُرُوح يشتغل عندهم! وما يُدْرِيكْ؟! الأيَّام دُوَلْ، فَعَلى الإنْسَانْ أنْ يَسْتَغل، هذهِ نِعْمَة، الفَرَاغ نِعْمَة، الصِّحَّة نِعْمَة، لا بُدَّ أنْ تُسْتَغل فيما يُرْضِي الله -عزَّ وجل-، وجميع النِّعَم إذا لم تُسْتَغل فيما يُرْضِي الله -عزَّ وجل- لا قِيمةَ لها؛ هي وبالٌ على صَاحِبِها، كم منْ نِعمةٍ نَتَمَتَّع بها ونَتَقَلَّب فيها؟! {وإنْ تَعُدُّوا نِعْمة الله لا تُحصُوها} [النحل/ 18] ، ومع ذلكم هذهِ النِّعَم في حقِّ كثيرٍ من النَّاس نِقَمْ؛ لأنَّ النِّعمة التِّي لا يُسْتَفَادُ منها فيما يُرْضِي الله -عزَّ وجل-، لَيْسَتْ بِنِعْمَة؛ تَنْقَلِبْ نِقْمَة {وَنَبْلُوكُمْ} بإيش؟ {بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء/35] قد يقول قائل الخير وهو فِتْنَة؟! هل بَلوى الخير؟ نعم بلوى، إذا لم يُسْتَغل فيما يُرْضِي الله -عزَّ وجل- صَار نِقْمَة، واللهُ(1/3)
المُسْتَعانْ.(1/4)
مقياس ونبراس للتعامل بين الزوجين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) [رواه مسلم].
هذا الحديث فيه مقياس ونبراس للتعامل بين الزوجين، فالمؤمن لا يستعجل في أموره؛ لأنه قد يرى من أخلاق زوجته ما يسوءه فيقلاها ويبغضها بسبب هذا ثم يتركها، تكون النهاية الترك، وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من الزواجات في العصور المتأخرة، ونسب الطلاق مرتفعة جداً في الأيام الأولى من الزواج، والسبب أن هذا الزوج متوقع شيء في هذه الزوجة ولديه أحلام، يتوقع أن هذه الزوجة تفي بجميع ما يريد، ثم يفاجئ من أول يوم أن لديها خلق لا يرضاه! التوجيه النبوي لا يترك، لا يتعجَّل، وإذا وقف منها على خلق ذميم؛ فلينظر إلى الأخلاق الأخرى، ((إن كره منها خلقاً رضي آخر))، وهل يتصور أن المرأة مبرئة من كل عين ونقص؟ مشتملة على كل فضل؟ ما هو بصحيح، لو كان في نساء الدنيا من هذه صفته ما صار للجنة مزية، ونساء الجنة مزيَّة؛ بل لا بد من العيب والنقص، وليس هذا خاص بالنساء، أيضاً الرجال كذلك، امرأة أقدمت على قبول زوج لما تسمع عنه، تسمع عنه أنه صاحب علم، صاحب فضل، صاحب خلق، صاحب كرم صاحب كذا ثم تقدم وتفاجئ من أول يوم أنَّ المسألة أقل مما توقعت! فتنشز، أيضاً هي مُطالبة بأن لا تستعجل، إن كرهت منه خلق ترضى منه الآخر؛ لكن يخاطب الأزواج بمثل هذا؛ لأن الأمر بأيديهم، هم أهل القرار في مثل هذا الأمر، وإلا فالمرأة أيضاً مطالبة ومخاطبة بهذا، لا تستعجل، نعم هناك أخلاق لا يمكن الصبر عليها، هناك أمور ومعايب يرتكبها بعض الرجال ليس للمرأة أن تصبر عليه، وهناك أيضاً معايب في بعض النساء لا يمكن للرجال الصبر عليها؛ لكن هناك أمور مُحتملة، تمشي بالتدريج مثل هذه هي التي جاء التوجيه بالصبر عليها، وغض البصر عنها، غض الطرف عنها، والنظر إلى الصفات(1/1)
الحميدة في هذه المرأة وفي هذا الرجل، كم من امرأة أقدمت على شخص بسبب انتشار سمعته، لكن هي ما تعرف إلا الظاهر تسمع السمعة ولا تدري عن شيء من معاملته في بيته قد يكون من أسوأ الناس خلقاً؛ لكن الناس يتعاملون معه على الظاهر، فالإقدام لا بد أن يكون على بيِّنة، ولذا لا بد من التحقق والتأكد من الطرفين في شأن الآخر، ولذا أُمر الرجل في أن ينظر إلى المرأة، أُذن له أن ينظر ((اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) لئلا يُفاجئ بما لا يتوقعه ثم يحصل النتيجة الفراق، فإذا حصل النظر وركن إليها وركنت إليه، فإنه في الغالب لا يحصل بينهم شيء، إلا عاد في الأخلاق الخفية، والإذن برؤية المخطوبة دليل على أنَّ الأصل هو المنع، يعني في حديث جابر لما أذن له أن ينظر إليها ((فكان يتخبأُ لينظر إليها)) هل معنى هذا أنها كانت تخرج إلى الأسواق سافرة كاشفة عن وجهها؟! أو كانت تتغطى وتتحجب؟ يعني لو كانت تخرج إلى الأسواق كاشفة عن وجهها ما احتاج إلى أن يتخبأ إليها ولا احتاج إلى أن يقال له انظر إليها، هو ينظر إليها باستمرار، هذا من أدلة الحجاب عند أهل العلم، والأدلة كثيرة متضافرة متظاهرة متظاهرة وفي حديث قصة الإفك تقول: ((كان يعرفني قبل الحجاب)) لو رآها ما احتاجت إلى مثل هذا الكلام، وفي حديث عائشة أيضاً في الحج: ((فإذا دنى الرجال سَدَلت إحدانا جلبابها)) المقصود أن الأدلة كثيرة جداً متضافرة ولا يطالب بنزع الحجاب إلا من أُتْبِعَ بآية الأمر بالحجاب في آخر سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] الذي أُتْبِعَ بها، شف العلاقة وثيقة بين الآيتين {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب]؛ فليحذر الذين يُطالبون(1/2)
بنزع الحجاب، نعم قد يوجد أهل علم وأهل فضل بحثوا المسائل وترجح عندهم شيء، هذا شيء آخر؛ لكن يبقى أن كثيراً ممن يُنبِّش في مثل هذه المسائل في قلبه شيء فليحذر المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون في المدينة، مثل هؤلاء يحذرون، إذا كان الناس على خير على فضل وستر، فكيف يأتي من يطالب بنزع حجاب الوجه مثلا؟ في بلدٍ الفتوى على هذا، والأمة توارثت هذا وتواطأت عليه وفيه نصوص شرعية صحيحة وصريحة، ثم يأتي من ينادي بنزع هذا الحجاب؟! هذا على خطر عظيم، ومن أوائل المعاصي التي زاولها إبليس سَوَّل لآدم وأملى له أن يأكل من الشجرة، لماذا؟ {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [(20) سورة الأعراف]، فهذه وظيفة إبليس وأتباعه -نسأل الله السلامة والعافية-.
على كل حال المؤمن هل يدخل في هذا الوصف ((لا يفرك مؤمن مؤمنة)) الخطاب لمن؟ للمؤمنين، وجد منها خلق لا يحتمله، تساهل في عِرْض مثلاً، نقول: هذه من الأصل ما دخل؛ لأن الوصف بالإيمان له شأنه، وكذلك لو وقفت منه على أمر رديء، دياثة ونحوها مثل هذا لا قرار معه، ولا صبر معه ((إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) لا بد أن تشتمل على آداب ومحاسن وأمور وأخلاق قد يظهر بعضها في الأيام الأولى وقد لا تتكشف كثيرٌ منها إلا بعد حين.(1/3)
الحِرْص على كِتاب الله -عزَّ وجل-
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وليحرص طالب العلم على كتاب الله -جلَّ وعلا-، وما يُعينه على فهم كتاب الله من النَّظر في التَّفاسير الموثُوقة التِّي كَتَبها أهلُ التَّحقيق، والنَّظر أيضاً في العُلُوم التِّي يُسمُّونها عُلُوم الآلة التِّي تُعين على فهم الكتاب والسُّنَّة؛ وليكُن حِفْظُهُ للقرآن وغيرِهِ من العُلُوم على الجَادَّة، فالقُرآن –مثلاً- يُخَصِّص ما يُريد حِفْظَهُ، والنَّاس يتفاوتُون، من النَّاس منْ رُزِقْ حافِظَة تُسْعِفُهُ لو أراد حِفْظ جُزء كامل من القُرآن، ومن النَّاس منْ لا يستطيع حِفْظ أكْثَر من آية، وبَقِيَّة النَّاس بينَ هذين، فيُحدِّد ما يغلب على ظنِّه أنَّهُ يستطيع حِفْظَهُ، أربع آيات، خمس آيات، عشر آيات، ثم يحفظ هذه الآيات، ويتعلَّم ما فيها من علمٍ وعمل، يُرَاجِع عليها ما يُناسبُ سِنَّهُ وتَحْصِيلَهُ من التَّفاسير التِّي تُعينُهُ على فهم هذه الآيات، فإذا انتهى من القرآن فإذا بِهِ قد انتهى من العلم والعمل، يَتَعلَّم، يَحْفَظ، يَفْهَم، يَسْتَنْبِط، يَعْمَل، كما قال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: "حدَّثنا الذِّين يُقرِؤُوننا القرآن أنَّهُم كانوا لا يتجاوزُون عشر آيات حتَّى يَعْلَمُوا ويَعْرِفُوا ما فيها من عِلْمٍ وعَمَل"، وتَعَلَّمُوا العِلْم والعمل جميعاً بهذهِ الطَّريقة.(1/1)
المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الأُمَّةُ الآنْ تُفْتَتَنْ وتُمْتَحَنْ وتُخْتَبَر؛ لِيُنْظَر مَدَى تَمَسُّكِها بِدِينِهَا، اللهُ -سُبْحَانَهُ وتَعَالى- يَفْتِنْ؛ لِيَخْتَبِرْ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء/35]، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه/40] ويَفْتِنْ ويَخْتَبِرْ ويَبْتَلِي الخَلْقْ بَعْضَهُم بِبَعْضْ، فَالفَاتِنْ مِنَ الخَلْقْ بِإِذْنِ اللهِ -عزَّ وجل- وَإِرَادَتِهِ، ولا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ إِرَادَتِهِ، آثِمْ إِنْ لَمْ يَتُبْ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البُرُوج/10] والمَفْتُونْ: الطَّرَفْ الآخَرْ، وهُو الأُمَّةُ الإِسْلامِيَّة فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفْ، الفِتْنَة لهَا سَبَبْ، وهُو إِدْبَارُهَا عَنْ دِينِهَا، إدبارها عن دينها، هَذَا هُوَ السَّبَبْ, فُتِنَّا وابْتُلِينَا بِأَعْدَائِنَا؛ والنَّتِيجَة إنْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذِهِ الفِتَنْ، وَرَجَعْنَا إِلَى دِينِنَا؛ صَارَتْ الفِتْنَةُ خَيْراً لَنَا، وإنْ اسْتَمَرَّ بِنَا الغَيُّ والضَّلالْ؛ صَارَتْ سُوءاً عَلَى سُوءْ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [الأنبياء/35]، ابْتُلِينَا سِنِينْ؛ بَلْ عُقُودْ فِي هَذِهِ البِلادْ وغَيْرِهَا بِالجُوعْ، والخَوْف، والقَتْل، والنَّهْب؛ وثَبَتَ أَكْثَرُ المُسْلِمِينْ عَلَى دِينِهِم، فَلَمْ يَتَنَازَلُوا لا عَنْ دِينْ ولا عِرْضْ، ثُمَّ ابْتُلُوا بَعْدَ ذَلِكَ بِالسَّرَّاءْ فَفُتِحَتْ عَلَيْهِم الدُّنْيَا التِّي خَشِيَهَا النَّبِي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- عَلَى أُمَّتِهِ ((والله لا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُم؛ ولَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُفْتَحَ عَلَيْكُم الدُّنْيَا كَمَا فُتِحَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ؛ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا؛ فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا(1/1)
أَهْلَكَتْهُمْ)) وهَذَا هُو الحَاصِلْ، فُتِحَتْ عَلَيْنَا الدُّنْيَا؛ فَحَصَلَ الخَلَلْ الكَبِيرْ الابْتِلاء بِالشَّرْ, الابْتِلاء بِضِيقِ ذَاتِ اليَدْ بِالفَقْرْ يَتَجَاوَزُهُ كَثِيرٌ مِن النَّاسْ؛ لَكِنْ الابْتِلَاءْ بِالسَّعَة وانْفِتَاحْ الدُّنْيَا والغِنَى هَذَا قَلَّ مَنْ يَتَجَاوَزُهُ؛ وَلِذَا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ الخَلَلْ الكَبِيرْ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ عَلَيْنَا الدُّنْيَا وهَذَا أَمْرٌ تُشَاهِدُونَهُ، النِّعَمْ كُفِرَتْ عَلَى كَافَّة المُسْتَوَيَاتْ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ الله-، لَوْ نَظَرْنَا إِلَى وَاقِعْ عُمُومْ المُسْلِمِينْ عَامَّةُ النَّاسْ، وَجَدْنَاهُمْ لَمَّا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ الدُّنْيَا؛ فَرَّطُوا فِي أَمْرِ الله -عَزَّ وَجَل-، وتَنَكَّبُوا عَنْ الجَادَّة، وقُلْ مِثْلَ هَذَا فِي بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى العِلْم، وبَعْض مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى طَلَبِ العِلْمْ فِضْلًا عَنْ عِلْيَةِ القَوْمْ!!! ابْتُلِينَا فَمَا شَكَرْنَا, ابْتُلِينَا بِالضَّرَّاءْ فَصَبَرْنَا والحَمْدُ لِله، وتَجَاوَزَ أَهْلُ هَذِهِ البِلَادْ وغَيْرهم مِنْ بِلَادِ الإِسْلامْ تَجَاوَزُوا فِتْنَة الضَّرَّاءْ فِي عُقُودٍ مَضَتْ، ثُمَّ تَوَالَتْ عَلَيْهِمْ النِّعَمْ فَلَمْ يَتَجَاوَزُوهَا، وتَنَكَّبُوا عَنْ الجَادَّة، وبَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، هَذَا الوَاقِعْ فِي كَثِيرٍ مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم/28] فحَلَّ البَوَارْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَصْقَاعِ الأَرْضْ؛ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ المُسْلِمِينْ، فَنَحْنُ بِحَاجَة إِلَى أنْ نَرْجِعَ إلى دِينِنَا، وأَنْ نَعْتَصِمَ بِكِتَابِ رَبِّنَا، فَفِيهِ المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنْ، فنَلْزَمْ كِتَابَ اللهِ -عَزَّ وَجَلْ- قِرَاءَةً ،(1/2)
وحِفْظًا، وتَدَبُّرًا، وفَهْمًا، وعِلْمًا، وعَمَلًا، فَفِيهِ كُلّ مَا يَحْتَاجُهُ المُسْلِمْ، ونَقْرَأَ مَعَهُ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ وتَدَبُّرِهِ، ومِنْ خَيْرِ مَا يُعِينْ عَلَى فَهْمِ هَذَا الكِتَابْ الذِّي فِيهِ المَخْرَجْ مِنَ الفِتَنِ كُلِّهَا مَا صَحَّ عَنْ النَّبِي -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ-، فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الظُّرُوفْ, تُطْلُبْ النَّجَاة، والنَّجَاةُ بِالاعْتِصَام بِالكِتَابِ والسُّنَّة، والإِقْبَال عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَل- بِالعِبَادَاتِ الخَاصَّة والعَامَّة، اللَّازِمَة والمُتَعَدِّيَة، عَلَى الإِنْسَانْ لَا سِيَّمَا مَنْ يَنْتَسِبْ إِلَى العِلْمِ وطَلَبِهِ أَنْ يَصْدُقْ اللَّجَأْ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَل-، فَيُكْثِرْ مِنَ النَّوَافِلْ, يُكْثِرْ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنْ، مِنْ تَدَبُّرِهِ، مِنْ تَفَهُّم مَعَانِيه، مِنْ قِرَاءَة الكُتُبْ المَوْثُوقَة في التَّفْسِيرْ؛ لِيَسْتَفِيدْ مِنْ قِرَاءَتِهِ، ويُقْبِلْ أَيْضاً عَلَى العِبَادَاتْ اللَّازِمَة مِثْل الإِكْثَار مِنْ التَّطَوُّعَاتْ مِنَ الصَّلَوَاتْ والصِّيَامْ، بِرِّ الوَالِدَيْنْ، وصِلَةِ الأَرْحَامْ، والنَّفْعِ الخَاصْ والعَامْ، يَحْرِصْ عَلَى صَلاحِ نَفْسِهِ، وصَلاحْ مَنْ تَحْتِ يَدِهِ فِي بَيْتِهِ، فِي مَسْجِدِهِ، فِي حَيِّهِ، فِي مَدْرَسَتِهِ؛ وبِهَذَا تَنْجُو هَذِهِ الأُمَّة مِنْ هَذَا المَأْزِقْ والمُنْحَنَى والمُنْعَطَفْ الخَطِيرْ الذِّي تَمُرُّ بِهِ، فَكَمَا أَخْبَر النَّبِي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ-: ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُم الأُمَمْ...(1/3)
)) تَدَاعَتْ الأُمَمْ الآنْ؛ لَكِنْ مَا المَخْرَجْ؟ المَخْرَجْ فِيمَا أُثِرَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامْ- مِنْ مُلَازَمَةِ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَل-، وفِيمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ قِرَاءَةِ مَا يُعِينْ عَلَى فَهْمِ كِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَل- واللهُ المُسْتَعَانْ.(1/4)
لا يُفرِّط فِي صِيَام يَوْم عَاشُورَاء إِلاَّ مَحْرُومْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ" صامَهُ وأمرَ بِصِيامِهِ قبل فرض رمضان، وكان صيامهُ واجِباً، ثُمَّ نُسِخْ ذلك برمضان ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)) أمَرَ بِصِيامِهِ على سبيل الإيجاب قبل فرض رمضان، كم سنة؟ سنة واحدة؛ لأنَّ قُدُومُهُ في السَّنة الأُولى كان في ربيع ذهب عاشُوراء، السَّنة الثَّانية صَام عاشُوراء، ثُمَّ فُرِض رمضان في السَّنة الثَّانية، فما بقي من مفروض إلا سنة واحدة، ((وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ)) يعني رمضان صار هو الفريضة ((وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ)) تُرِكَ يعني تُرِكَ فَرْضُهُ، وبَقِيَ الاسْتِحْبَاب ((فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ)) ونَقَلَ ابن عبد البر الإجماع على أنَّهُ الآن ليسَ بفرض، وعلى أنَّهُ مُستحب؛ لأنَّ ظاهر الخبر ((فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ)) يدلُّ على التَّخيير والإباحة، ومثل هذا لا يَدُلُّ على الاسْتِحْبَاب؛ لكن استحبابُ صِيامِهِ إجماع، بدليل أنَّهُ يُكَفِّر السَّنة الماضية، صيام يوم عاشُوراء سُنَّة مُؤَكَّدة، كانُوا يأمُرُونَ الصِّبيان، ومن يستطيع الصِّيام أنْ يصُوم هذا اليوم، ولا يُفرِّط في صِيام مثل هذا اليوم الذِّي يُكفِّر سنة إلاَّ مَحْرُومْ، على أنَّهُ منْ أرادَ أنْ يَصُومهُ؛ فَلْيَصُم يوماً قَبْلَهُ ولْيَكُن التَّاسع أو يوماً بَعْدَهُ ولْيَكُنْ الحادي عشر؛ مُخالفةً لأهلِ الكِتاب.(1/1)
يَوْم عَاشُورَاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عاشُوراء بالمد على المشهور، وحُكِيَ فيهِ القَصْر، وزَعَم دُريد أنَّهُ اسمٌ إسلامي، يعني ما يُعرفْ في الجاهليَّة، اسمٌ إسلامي، وردَّ عليهِ ابن دحية؛ لأنَّ ابن الأعرابي حكى أنَّهُ سُمِعَ في كلامهم خابُوراء، يعني الصِّيغة موجُودة في كلامهم، وما دامَت الصِّيغة موجُودة والوزن موجُود ما فيه ما يمنع أن يكون من ألفاظهم عاشُوراء، كما أنَّهُ رُدَّ أيضاً بقول عائشة: "إنَّ يوم عاشُوراء يوم تصومُهُ قريش في الجاهليَّة"؛ لكن هل يلزم منْ صِيَامِهِم لهذا اليوم أنْ يكون اللَّفظ معرُوفاً عندهم؟ ما يلزم، وعاشُوراء معدُولٌ عن عاشرة أي اللَّيلة العاشِرة، والعَدْلْ للمُبالغة والتَّعظيم، والأكثر على أنَّ عاشُوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المُحرَّم، وهو مُقتضى الاشتقاق، يعني كيف تقول: عاشوراء مأخُوذ من التَّاسِع أو من العاشر؟ أيهم أقرب؟ من العاشر، تأخذ من التَّاسع تاسُوعاء؛ لكنْ ما تأخُذ عاشُوراء من التَّاسع! هذا هو مُقتضى الاشتقاق، وقيل هو اليوم التَّاسع، عاشُوراء هو اليوم التَّاسع، فعلى هذا على القول الأوَّل اليوم مُضاف للليلة الماضِية السَّابقة على القول الأوَّل؛ لأنَّ عندنا ليلة العاشر قبلها التَّاسع وبعدها العاشر؛ فإذا قلنا عاشوراء، وعاشوراء معدول عن العاشرة؛ قلنا إنَّ هذا اليوم مُضاف للليلة التي قبله، وإذا قلنا بالقول الثَّاني وأنَّهُ التَّاسِع قُلنا أنَّ اليوم مُضاف للليلة التِّي بعدهُ.(1/1)
رُوي عن ابن عباس هذا القول وأنَّ عاشُوراء هو اليوم التَّاسع، هذا مرويّ عن ابن عباس، له وجه ولاَّ ما لهُ وجه؟ دعنا من اللَّيلة لكن التَّاسع نقول له عاشُوراء ولاَّ ما نقول لهُ؟ هو يستدل بحديث: ((لئن بقيتُ إلى قابل لأصُومنَّ التَّاسع)) مع حَثِّهِ على صوم يوم عاشُوراء، إذاً يوم عاشُوراء هو التَّاسع الذِّي أرادَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أنْ يَصُومَهُ، وما بقي إلى قابل لِيُنْظَر، هل يَصُوم التَّاسع فقط ليكُون هو يوم عاشُوراء أو يُضيف إليهِ العاشر ليكُون عاشُوراء هو العاشر وصِيام التَّاسع من باب المُخالفة، وعلى كل حال الحديث الذي يقول: ((لئن بقيتُ إلى قابل لأصُومنَّ التَّاسع)) يعني مع العاشر، فعاشُوراء هو العاشر ويَصُوم معهُ التَّاسع، ويَدُلُّ عليهِ الأمر بالمُخالفة مُخالفة اليهُود: ((صُومُوا يوماً قبلهُ أو يوماً بعدهُ))، وصيام التَّاسع لا يكفي وحدَهُ ولا تحصُلُ بِهِ السُّنَّة، وليسَ هو بعاشُوراء؛ وإنَّما عاشُوراء هو اليوم العاشر.(1/2)
آدَابُ السَّلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((إذا لقيتَهُ فَسَلِّم عليه)) هذا هُو الذِّي يَنْشُر المَوَدَّة والمَحَبَّة بين المُسْلِمينْ، ((إذا لقيتَهُ فَسَلِّم عليه)) في بلاد المُسلمين الأصْل في النَّاس الإسلام، في البُلْدَان المُخْتَلِطَة على حَسَبْ ما يَغْلِب على الظَّنّ، إنْ غَلَبْ على ظَنِّكْ إنَّ هذا مُسْلِم ابدأْهُ بالسَّلام، أمَّا إذا بَدَأكَ بالسَّلام فلا مَنْدُوحة لَكَ عن الإجابة {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النِّساء/94] لا، إذا أَلْقَى عليكَ السَّلام تُجِيبُهُ، فإنْ غَلَبَ على ظَنِّك أنَّهُ مُسْلِم تقول: وعليكُم السَّلام ورحمة الله وبركاتُهُ، وإِنْ غَلَبَ على ظَنِّكْ أنَّهُ ليسَ بِمُسْلِم تقول: وعليكُم، الجواب لا بُدَّ منهُ.
(((1/1)
إذا لقيتَهُ فَسَلِّم عليه)) السَّلام لهُ آداب، والتَّوجيه الشَّرعيّ جاءَ بالأوْلَى بالبَدَاءة أنَّ الصَّغير يُسلِّم على الكبير، والرَّاكِبْ على المَاشِي، والمَاشِي على الجَالِسْ، والعَدَدْ القَلِيلْ على الكثير، وهكذا، لكنْ إذا حُرِمْ الأَوْلَى، مَرّ شخص كبير بشخص صغير ما سَلَّم الصَّغير، نقول: ((خَيْرُهُما الذِّي يَبْدَأُ بالسَّلام)) لأنَّ بعض النَّاس تَأْخُذُهُ العِزَّةُ بالإثْم ويقول: لا – الحقّ لي! وهذا تسْتَعمل في الأقارب بكثرة، تَجِدْ هذا أكبر من هذا، يقول: لا أنا ما أَزُورُهُ الحق لي! تَجِد هذا عم وهذا ابن أخ، العمّ ما يَزُور ابن أخيه، يقول: لا – الحقّ لي! والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: ((خَيْرُهُما الذِّي يَبْدَأُ بالسَّلام))، ((إذا لقيتَهُ فَسَلِّم عليه))، السَّلام سُنَّة مُؤَكَّدَة عِنْدَ أهلِ العِلْم، وَرَدُّهُ وَاجِبْ، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النِّساء/86] فإذا قال المُسَلِّم: السَّلامُ عليكم ، يقولُ المُجيب: وعليكم السَّلام ورَحْمَةُ الله، إنْ زَادْ وبَرَكاتُهُ فِي كُلِّ جُملَةٍ عَشْرُ حَسَناتْ، يُخَيَّر المُسَلِّم بين التَّعْرِيفِ والتَّنْكِير، فيَقُول: السَّلامُ عليكم، أو يقول: سَلامٌ عليكم، هذا بالنِّسْبَةِ للسَّلامِ على الحيّ يُخَيَّر بين التَّعْرِيفِ والتَّنْكِير، السَّلام على غير المُسْلِم بَدَاءَتُهُ بالسَّلام، السَّلام هو السَّلام المَشْرُوع في حَقِّ المُسْلِمين، لا تَجُوز بَدَاءَتُهُم بالسَّلام؛ لكنْ إذا سُلِّمَ عليهِ بمثل ما جاء في القُرآنِ والسُّنَّة {السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه/47]، هذا هُو الأصْل، ورَدُّ السَّلام يَنْبَغِي أنْ يَكُونْ بالأحْسَنْ أو أقلّ الأحوال بالمِثِلْ، قال: السَّلامُ عليكم، يقول: وعليكُم السَّلام، والأحْسَنْ أنْ تقُول: وَرَحْمَةُ اللهِ(1/2)
وبَرَكَاتُهُ، ولا يُجْزِئ عن هذا غير هذهِ الجُمْلَة، فإذا سَلَّم وقال: السَّلامُ عليكم، بعض النَّاس يقول: صباح الخير! بعض النَّاس يقول: أهلاً وسَهْلاً! كثير من النَّاس يقول أهلاً وسَهْلاً!!! أو يقُول: مرحبا! وثَبَتْ عن النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أُم هانئ جاءت وسَلَّمت عليه، وأيْضاً فاطمة ابنَتُهُ، "أُمْ هَانِئ تقول: السَّلامُ عليك يا رسُول الله، فقالَ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أُمُّ هانئ ، فقالَ: مَرْحباً بأُمِّ هَانئ" وما نُقِلْ أنَّهُ رَدّ السَّلام بِلَفْظِهِ، فمنْ أهلِ العلم من يَرى أنَّ الرَّد يُجْزِئ في مِثْلِ هذا مَرْحباً؛ لأنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- رَدَّ بها، ويَسْقُطُ بِهِ الوَاجِبْ، والجُمْهُور على أنَّهُ لا يُسْقِطُ الواجِبْ بِمَرْحباً فقط، ولو لَمْ تُنْقَل للعِلْمِ بها، مَا نَقَلَها الرُّوَاة للعِلْمِ بها؛ ولأنَّها وَرَدَتْ في أحاديث كثيرة.(1/3)
أَسْبَابْ ضعفْ التَّحْصِيلْ عِنْد طُلاَّب العِلْم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
آحاد الطُّلاَّب الآن يَمْلك مكتبة كبيرة، يعني عُمُوم طُلاَّب العلم عندَهُم مكتبات، لمَّا تَيَسَّرت الطِّباعة وَبُذِلَتْ الكُتُب، تجد طالب العلم عندَهُ عِشرين دالوب، مائة دالوب فيه أُلُوف المُجلَّدات؛ لكنْ لو تقول لهُ عَدِّد أسْمَاء هذهِ الكُتب ما اسْتَطَاع! فضلاً عن كونِهِ يَعْرِف مُحتَوى هذهِ الكُتُبْ ولو على سبيل الإجْمَال! يعني بعض النَّاس عندهُ حِرْص؛ إذا اشْتَرى الكتاب تَصَفَّح الكِتاب، وأخذ تَصَوُّر تَامّ عن الكِتاب، هذا طيِّب؛ لكنْ بعض النَّاس يشتري تَرِكَاتْ! ويَرُصْ بها الدَّوالِيبْ وهذا آخِرْ عَهْدُهُ بالكِتاب! تتصَوَّرُون طالب علم اشْتَرى فتح الباري وجَلَسْ عِنْدُهُ ثلاثين سنة، أربعين سنة ما فَتَحْ الكِتاب! لكن لو ما وُجِدَت الطِّباعة واحْتَاج إلى كلام الحافظ على هذا الحديث ماذا يصنع؟ أمَّا أنْ يَسْتَعِير الكِتاب ويَنْظُر ويَقْرَأ؛ وإذا قَرَأ في شيءٍ لا يَمْكُث عِنْدَهُ؛ لأنَّ بقاء الكِتاب لا شكَّ أنَّهُ يُطيل الأمل في قِراءَتِهِ؛ لأنَّ الكتاب موجُود؛ لأنّ إذا ما حَرَص عليهِ الآن بكرة إنْ شاء الله، غداً، إذا جاء الغد قال: اليوم أنا مشغُول اللي بعده! لكن إذا كان الكِتاب ما هو لك؟ مستعيرُهُ لمُدَّة خمسة أيَّام لا بُدّ أنْ تَنْظُر فيهِ هذهِ المُدَّة، صَاحِب الكِتاب لن يَصْبِر أكثر من ذلك، فهذا هُو السَّبب في ضعف التَّحصِيل عند طُلاَّب العلم، تَيْسِير الحُصُول على الكُتُب لا شكَّ أنَّهُ صار على حِساب التَّحصِيل، اسْتَمَرّ النَّاس في مُعاناة الكُتُب المطبُوعة وهُم يَتَفاوتُون، مِنْهُم الحَرِيصْ، ومنهم المُفرِّط إلى أنْ جَاءَتْ هذهِ الآلات، الكُتُب إذا احْتَجْتْ مسألة رَجَعْتْ إلى الكِتاب، وتَجِدْ قبل الوُقُوف على هذهِ المَسْألة مَسائل تَسْتَفِيد منها؛ لكنْ ماذا عن هذهِ الآلات التِّي لا(1/1)
يَعْتَرِضك أيّ مسألة غير المسألة التِّي تُريدُها بِضَغْطَةِ زِرْ تَطَّلِع على ما تُريد! ثُمّ خلاص؛ تُغْلِق الآلة! اسْتَفَدْتْ هذهِ المسألة؛ لكنْ الذِّي يَحْصُل في مِثْلِ هذا اليُسْر وهذهِ السُّهُولة لا شكَّ أنَّهُ عُرْضَة للنِّسْيَانْ؛ لأنَّ الشَّيءَ الذِّي يُؤْخَذْ بسرعة وبسُهُولة يُفْقَد بسرعة! هذهِ سُنَّة إلَهِيَّة؛ لكنْ الشَّيء الذِّي يُؤخَذ بمُعاناة وتَعب، لا شكَّ أنَّهُ يَثْبُتْ، مثال ذلك: احْتَجْت كتاب فذهبتْ على المكتبة وَوَجَدْتُهُ في أوَّل دالُوب وأَخَذْتُهُ ومَشِيتْ، بعد كم سنة يُقال لك كيف حَصَلْت على هذا الكتاب؟ ما تَدْرِي! لكنْ لو أنَّ هذا الكِتاب ذَهَبْتْ إلى المَكْتَبَاتْ ودرت مكتبات البَلَد كُلّها وما وَجَدْتُهُ، ثُمَّ رَاسَلْتْ، ثُمَّ كذا، ثُمَّ... ثُمَّ وَقَفْتَ عليهِ في غير مَظِنَّتِهِ، تَجِد أنَّ هذهِ المُعاناة ثابِتَة في ذِهْنِك، يعني قد لا يَحْتاج إليها في مثل هذهِ الأمُور؛ لكنَّها مِثال للمسائل العِلْمِيَّة، المسائل العِلْمِيَّة إذا لمْ تَتْعَبْ عليها؛ فإنَّكَ تَفْقِدُها بسُرعة، والذِّي يُعَوِّل ويَعْتَمِد على هذهِ الآلات؛ لا سِيَّما إذا لَمْ يَكُنْ في تَحْصِيلِهِ مَتَانة؛ فلا شكَّ أنَّهُ عُرْضَة للزَّوال، عِلْمُهُ عُرْضَة للزَّوَالْ.(1/2)
التَّلَذُّذْ بالطَّاعَاتْ والعِبَادَاتْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولا شكَّ أنَّ الشَّرع فيهِ تكاليف، وفيهِ ما يَشُقّ على النُّفُوس؛ لأنَّ الجَنَّة حُفَّت بالمكاره، هذا هُو السَّبب في تسمية الأحكام بالتَّكليف؛ لأنَّ الجَنَّة حُفَّت بالمكاره، ولا يَمْنَعْ أنْ يكُون هذا التَّكْلِيف يكُونُ في بداية الأمر، ثُمَّ بعد ذلك يكُونُ تَلَذُّذ بالطَّاعة، يُعالج الإنْسَانْ نَفْسَهُ على هذهِ التَّكاليف؛ حتَّى تصير دَيْدَناً لها وتتلذذ بها، وهذا مَعْرُوف عند المُسْلِمين قَدِيماً وحَدِيثاً، كثيرٌ من النَّاس يَتَلَذَّذ بالطَّاعة والرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقُول: ((أَرِحْنا يا بلال بالصَّلاة))، ولِسَانُ حال كثير من المُسْلِمين يقُول: أَرِحْنَا من إيش؟ من الصَّلاة؛ لا شكَّ أنَّ الصَّلاة تَكْلِيفْ على خِلاف ما تَهْوَاهُ النُّفْس؛ لكنْ إذا اعْتَادَها الإنْسَانْ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بها حَدِّثْ ولا حَرَجْ من اللَّذَّة وانْشِرَاح الصَّدر في الصَّلاة، وجَاهَدَ السَّلَف وكثيرٌ من النَّاس في القديم والحديث جَاهَدُوا أَنْفُسَهُم منْ أجل قيام اللَّيل جَاهَدُوا مُدَّة، ثُمَّ صار مِنْ شَأْنِهِم ودَيْدنهم؛ فَتَلَذَّذُوا بِهِ، وهكذا غير الصَّلاة من العِبَادات، الصِّيام في الهَوَاجِر مِنْ أَشَقّ الأُمُور على النَّفْسْ الصِّيام في الهَوَاجِر؛ لَكِنَّهُ مِنْ أَلَذِّ الأَشْيَاء عند منْ عَوَّدَ نَفْسَهُ عليهِ وصَار شأْنَهُ ودَيْدَناً لهُ، واللهُ المُسْتَعان، وقُل مثْل ذلك في سَائِر العِبادات كَتِلاوَةِ القرآن التَّلَذُّذ بمُناجاة الله -عزَّ وجل- والخَلْوَة بِهِ، واللهُ المُسْتَعان، وهذا مَحْرُومٌ منهُ كثيرٌ من النَّاس، والسَّبب انْشِغَالِهِمْ بهذهِ الدُّنْيَا، واللهُ المُسْتَعَانْ.(1/1)
كيف تُعْجَب بِنَفْسِك... وأَنْتَ بهذِهِ المَثَابة؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وإذا أَعْجَبَتْكَ نَفْسُكَ؛ فَانْظُر إلى الخَلَلْ والتَّقْصِير والضَّعْف في نَفْسِك، تَذَكَّرْ أنَّكَ خُلِقْتَ مِمَّا يُشْبِه البُصَاق، وَأَنَّكَ حُمِلْتَ مُجَاوِراً للنَّجَاسات، وَأَنَّكَ وُجِدْتَ على هذهِ الأرْضْ حَقِيراً ذَلِيلاً صَغِيراً لا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِك فَضْلاً عَنْ غَيْرِك، ثُمَّ بعد ذلك أَتَتْكَ الهُمُوم والأَكْدَارْ التِّي طُبِعَت عليها هذِهِ الحَيَاة ... فَكَيْفَ تُعْجَبْ بِنَفْسِك... وأَنْتَ بهذِهِ المَثَابة؟!
والعُجْبَ فَاحْذَرْهُ إنَّ العُجْبَ مُجْتَرِفٌ ... أعْمَالَ صَاحِبِهِ فِي سَيْلِهِ العَرِمِ
فَعَلَيْكَ أنْ تُرَاجِع نَفْسَك.(1/1)
الدُّنْيَا كُلُّها سَفَر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مُسْتَرِيحٌ، وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ...)) الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ؛ لأنَّ هذهِ الدُّنيا سَفَرْ، مَثَلُها كَمَثَلِ شَخْص اسْتَظَلّ بِظِلّ شجرة، ثُمَّ يُفارقها، فالدُّنيا لا شك أنَّها سَفَر، والأيَّام هي مَراحِل هذا السَّفَر، فإذا وَصَل إلى المَقْصَد والهَدَفْ والسَّفَر كما جاء في الحديث: ((السَّفَرْ قِطْعَةٌ من العَذَابْ)) إذا انْتَهَى السَّفَر ورَجَع إلى أهْلِهِ وبَلَدِهِ ارْتَاح، وهذهِ رَاحَة نِسْبِيَّة بالنِّسْبَةِ للسَّفَر، وعُمُوم النَّاسْ على هذا أو غَالبهم؛ وإلاَّ بعض النَّاس يَتعلَّلْ بالأسْفَار هُرُوباً مِمَّا عِنْدَهُ منْ مَشاكل في بَيْتِهِ وأهلهِ وذَويهِ! على كُلِّ حال الدُّنْيَا كُلُّها سَفَرْ، وأَيَّامُها مَراحل يَقْطَعُها الإنْسَانْ مَرْحَلَة مَرْحَلة، فهذا المُسافر السَّفَر الطَّوِيل سَفري بعيد وزَادي لن يُبَلِّغني، المَقْصُود إنَّ هذا السَّفر إذا قُطِعَ على الوَجْه المَأْمُور بِهِ، وهذهِ المَراحل، وهذهِ الخَزَائِنْ يَسْتَفيد منها على مُرَادِ الله -عزَّ وجل-، مِثل هذا يَرْتَاحْ خلاص وَصل القَصْد وصل الهَدَفْ، ولا رَاحَة قَبْلَ دَار القَرَارْ، الرَّاحَة التَّامَّة؛ وإلاَّ المُؤْمِنْ يَرْتَاح في قَبْرِهِ، وفي البَرْزَخْ، المَقْصُود أنَّ مثل هذا يَسْتَرِيحْ والعَكْسْ فيمن يُؤْذِي النَّاس ولا يَنْفَعُهُم بِوَجْهٍ من الوُجُوه، مثل هذا يُسْتَرَاحْ منهُ.(1/1)
إذا كَانَ هذا في المَخْلُوقَاتْ... فَمَا شَأْنُ الخَالِقْ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ)) الأرْض هل المُرادُ بها ما يَعْهَدُهُ النَّاس مِمَّا بَاشَرُوهُ من هذهِ الأرض التِّي هُم عليها أو جِنْس الأرْض، فَيَشْمَل الأرَضِينْ كُلَّها؟ اللَّفْظ مُحتمل، ((تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ)) كيف ما يَتَكَفَّؤُها في الحضر؟ لكن حَاجَتُهُ إليها في السَّفر أعْظَم، يُقَلِّبُها بِيَدِهِ، ويَنْظُرُ إليها إشْفَاقاً عليها أنْ تَنْتَهِي، في السَّفر ما عِندهُ غيرها؛ لكنْ في الحَضَر يمكن إذا انتهت؛ لكنْ هُو يُقَلِّبُها شَفَقَةً عليها في السَّفر، ويُحتمل أنْ تكُون يُقَلِّبُهَا أَثْنَاء صُنْعِهَا على النَّار ((نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ )) الأرض هذه كُلَّها تُعدّ نُزُلاً طَعَام لأهل الجنَّة، ((نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً)) هذا من أخبارِ بني إسرائيل، وجاءَ التَّحديثُ عنهم ((حَدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وجاء أيضاً: ((فإنَّ فيهم الأعَاجِيب)) هذا مِمَّا لم يُحَرَّف مِنْ شَرْعِهِمْ؛ ولِذا وَافقَ ما عند هذا اليهودي ما عِنْدَ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وهُم أهلُ عِلْم وأهلُ كتاب، عِلْمُهُم لولا ما دَخَلَهُ من التَّحريف؛ لكانَ حق مُنَزَّلٌ من عند الله -جَلَّ(1/1)
وعلا-، التَّوراة كَتَبها اللهُ بِيَدِهِ؛ لكنْ حَرَّفُوا وبَدَّلُوا بَقِيَتْ عِنْدَهُم بقايا، منها مثل هذا فقال اليَهُودِيُّ: ((بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ)) هل سَمِع هذا الكلام بعدما سَمِع النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقول؟ أو قالَهُ منْ غَيْرِ سَمَاعٍ لكلام النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-؛ فاتَّفَق ما عند النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- معَ ما عِنْدَ اليَهُودِيّ؛ ولِذا ضَحِكَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ : بَلَى ، قَالَ تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً)) كما قال النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يعني كلام هذا الصَّحابي يقول: إنَّ اليهُودي قال كما قال النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْنَا، ثُمَّ ضَحِكَ)) هذا دليلٌ على أنَّ اليَهُودِي ما سَمِعْ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- وهو يقُول ما قال، ما سَمِعَهُ، يعني مِمَّا بَقِيَ عند اليَهُود من الحق مِثل هذا، ومثل ما جاء في حديث قُتَيْلَة: ((نِعْمَ القَوْمُ أَنْتُم لولا أنَّكُم تُشْرِكُونْ، تقول: ما شاء الله وما شاء مُحمَّد والكَعْبَة)) هذا بَقِيَ عندَ اليَهُود مِمَّا لم يُحرَّف، وقَد يَبْقَى عندَ غيرهم ما لا ليس عند الآخر؛ لأنَّ كُل واحِد يَتَوَلَّى تحريف نُسْخَتِهِ بِيَدِهِ، فَهُم يُحَرِّفُونَ الكَلِمْ – نَسْأَلْ الله العَافِيَة – ضحكه -عليه الصلاة و السلام- حتى تبدو نواجذه، هذا دَلَّ على أنَّهُ سُمِعَ اليَهُودي، واليَهُودي لم يَسْمَع من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ و إِلاَّ لو كان سَمِع من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ما صَار فيه عَجَبْ! ما هناك عجب! ((ثُمَّ قَالَ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ قَالَ: إِدَامُهُمْ بَالاَمٌ وَنُونٌ ))(1/2)
البَالام هو الثَّوْرْ كَمَا فَسَّر ((قَالُوا وَمَا هَذَا، قَالَ: ثوْرٌ وَنُونٌ)) حُوتْ، ثَوْر وحُوتْ ((يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا )) سَبْعُونَ أَلْفاً من زَائِدَة! ومن الكَبِد ! مما الكبد؟! من الزَّائِدَة المُتَعَلِّقَة بالكَبِدْ سَبْعُونَ أَلْفًا ! هذا إذا كانت هذهِ الزَّائِدَة... طَيِّب الكَبِدْ ما حَجْمُها؟ النُّونْ والثَّوْر ما حَجْمُهُما؟ أُمُور لا تَخْطُر على البَال، هذهِ الأُمُور التِّي ذُكِرَتْ في الجَنَّة، ولها نَظَائِر في التَّسْمِيَة في الدُّنْيَا، جاءَ الخبر بأنَّهُ: "ليسَ في الجَنَّة مِمَّا في الدُّنيا إلاَّ الأسْمَاء" يعني لا تَتَشَابه إلا في الأسْمَاء، وأمَّا الحَقَائِق كبير فالتَّفَاوُت كبير شيء لا يَخْطُر على بال ((ولا خَطَر على قَلْبِ بَشَرْ)) شَيْء فُوق تَصَوُّر البَشَرْ، هذهِ زَائِدَة الكَبِد ما هي الكَبِد كُلَّها! زَائِدَة الكَبِدْ، يَأْكُلُ مِنْ الزَائِدَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا! يعني كيف يَتَصَوَّر الإنْسَانْ العَظَمَة؟ يَتَدَرَّج، إذا كانت هذهِ الزَّائِدَة...فما الكبد؟! طيِّب إذا كانتْ هذهِ الكَبدْ التِّي زَائِدَتُها ويَأْكُلُ منها سَبْعُونَ أَلْفًا! يعني الكبد تتصوَّر يأكُل منها سَبْعُونْ مَليُون! أكثر، شيء أعداد لا يَخْطُر على البال! الثَّوْر والحُوتْ هذا يَأْكُلُ منهما كم؟! أشياء..!(1/3)
يعني كم تَتَصَوَّر خَلَقَ اللهُ -جَلَّ وعلا- من بَدء الخَلْق إلى يَوْمِكْ هذا؟! يعني إذا كان هذا السَّبْعُون الألْفْ على ما سيأتي الذِّينَ يدخُلُون الجنة بغير حِسَاب، جاء في بعضِ الأخبار مع كُل واحد سَبْعُونْ أَلْف! كم؟ اضرب، يعني إذا كان مع كُلِّ أَلْفْ سَبْعُونَ أَلْفًا أربعة ملايين وتسعمائة ألف، سهل؛ لكن لو كان مع كل واحد مع كُلِّ أَلْفْ سَبْعُونَ أَلْفًا كما جاء في بعضِ الرِّوايات جَمْعٌ غَفِيرْ، البَيْت المَعْمُور يَدْخُلُهُ في كُلِّ يَوْم من الملائِكَة كم؟ سَبْعُونَ أَلْفاً، ثُمَّ لا يَعُودُون آخِر ما عليهم، إذا كان من بدء الخَلْق إلى يَوْمِك هذا يَدْخُل هذا البيت سَبْعُونْ أَلْفْ! كمْ مِنْ يوم! أَحْقَاب، إذا كَانَ هذا في المَخْلُوقَاتْ فَمَا شَأْنُ الخَالِقْ؟! شَأْنُهُ أَعْظَمْ وأَجَلّ مِنْ أَنْ يُدْرَك بالأَوْهَامْ والأفْهَامْ.(1/4)
أَلا تَظُنّ أنَّكَ تُبْعَثْ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المُطَفِّفِين/4-5] يعني أُولَئِكَ العُصَاة الذِّين يُطَفِّفُونَ المَكَاييل والمَوازِينْ، ويَغُشُّونَ النَّاسْ، ويُدَلِّسُونْ ويُلَبِّسُونْ عليهم، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوَهُمْ أَو وَزَنُوَهُمْ يُخْسِرُونَ أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ} [المُطَفِّفِينْ/ 1 - 4] ويُمْكِنْ أنْ يُخَاطَبْ بهذا كُلّ عَاصِي، كُلّ عَاصِي يُخاطَبْ... أَلا تَظُنّ أنَّكَ تُبْعَثْ؟! يعني وإنْ صَدَّقْتَ بِلِسَانِكَ، فَفِعْلُكَ فِعْلُ مُكَذِّبْ، وإذا كان بعضُ السَّلَفْ يَقُول: "ما عَرَضْتُ عَمَلي على قَوْلِي؛ إلاَّ أَجْزَمْتُ أنِّي مُكَذِّبْ" القَوْل طَيِّبْ، وجَمِيلْ ومَقْبُول؛ لَكِنْ إذا عُرِضْ على العَمَلْ وُجِدْ البَوْنْ الشَّاسِعْ! {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المُطَفِّفِين/4-6] هذا اليَوْم المَهُولْ الذِّي يَقِفُ فيهِ النَّاسْ، والشَّمْسْ تَبْعُدُ عنهم قَدْر مِيلْ! الآن كم بُعْدْ الشَّمْسْ عن النَّاسْ؟ المَسْأَلَة خِلاف أَصْفَارْ ما هو بواحِدْ واثنين! يعني ما عِنْدَهُم مَوازِينْ دَقِيقَة يمكن...،(1/1)
مَسْأَلَة صَوْتْ، سُرْعَة الصَّوتْ يَقِيسُونْ، المَقْصُودْ أنَّها ملايينْ كثيرة كثيرة جدًّا بِيننا وبين الشَّمسْ، ومع ذلك لو خَرَجْت في هذهِ الأيَّام وقت الزَّوال حَاسِر الرَّأْسْ لا تُطِيقْ؛ بَلْ قَدْ تُصَابْ بضَرْبَة شمس اللي يُسَمُونهُ! وبَيْنَكَ وبينَها هذهِ المَلايِينْ من المَسَافاتْ! إذا كَانْ مِيلْ، الفَرْق بينَكَ وبينها مِيلْ واحِدْ! أَحْيَاناً العَرَقْ يَغْسِل الجَسَدْ كُلُّه، يَغْسِل الثَّوبْ! والعَرَبْ تَقُول: غَسَلَهُ العَرَقْ! ويَسْتَدِلُّونَ بذلك أنَّ الدَّلْك ليسَ من مُسَمَّى الغَسْلْ! غَسَلَهُ العَرَقْ فكيف يَصِلْ العَرَقْ يَصِلْ سَبْعِينْ ذِرَاعْ! ((يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ)) يَطْلَعْ على الأرْضْ؛ لكنْ بِقَدْرِ الأعْمَالْ، مِنْهُم من يَصِلْ العَرَقْ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُم مَنْ يَصِلْ إلى حِقْوَيْهِ، و مِنْهُم مَنْ يُلْجِمُهُ، على قَدْرِ أعْمَالِهِم، أَعْمَالُكَ رَاحِلَتُكَ التِّي تَحْمِلُكْ، أَعْمَالُكَ غِطَاؤُكَ الذِّي يُغَطِّيكْ مِمَّا يُؤْذِيكْ، حِجَابُكَ الذِّي يَحْجِبُكْ ويَسْتُرك، هذا عَمَلْكْ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المُطَفِّفِين/6].(1/2)
تَوْجِيه مُهم للدَّاعِيَة والمُعلِّم والمُربِّي وغيْرُهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((قال: الثُّلث والثُّلُث كثير)) وفي روايةٍ: ((قال: العُشر، وما زال يَزِيدُهُ حتَّى بَلَغَ الثُّلُث والثُّلُث كثير))، فمثل هذا أحياناً يأتي الإنسان عِنْدَهُ الرَّغْبَة الشَّديدة في الخير، فمثل هذا يُبدأ بهِ من الأدْنَى؛ لكنْ بعض النَّاس مُنْصَرِف، عِنْدَهُ الملايين والمِلْيَارات... هل يُقال لهُ لمثل هذا الثُّلُث كثير؟ أو يُقال لهُ أبُو بكر تَصَدَّق بجميع مالِهِ؟ النُّصُوص الشَّرعِيَّة تأتي بهذا، وهذا عِلاج لأحوالِ النَّاس وأوضَاعِهِم، شخص شحيح مُمْسِك، يقول: يا أخي أبو بكر تَصَدَّق بجميع ماله عسى هذا يَتَصَدَّق بالعُشُر، إذا قُلت لهُ مثل هذا الكلام! لكن شخص مُنْدَفِع جايب لك أموالُهُ كُلُّها تقول: يا أخي يكفي العُشُر، اترك مالك لِنفسِك وورثتك، فالنُّصُوص الشَّرعِيَّة عِلاج.(1/1)
لمَّا جاء عبد الله بن عمرو وهو مُنْدَفِع يُريد أنْ يَقْرَأ القرآن كُل يُوم، قال لهُ النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- اقرأ القرآن في شهر؛ لكنْ هل يَحْسُن أنْ يُقال لِطُلاَّب العلم يكفي منكم أنْ تقرؤُوا القرآن في شهر مع الانْصِراف الذِّي نُلاحِظُهُ؟! – لا – يُقال لهم: إنَّ عُثمان يختم في ركعة! وفُلان يختم في كُل يوم! أقلِّ الأحوال أنَّ طالب العلم يَقْرَأ القُرآن في ثلاث، يُقال مثل هذا لمن؟ للمُنْصَرِف عَلَّهُ أنْ يَرْعَوي؛ لكن المُنْدَفِع، تقول: لا يا أخي جُزْء في يوم تَتَدَبَّر هذا الجُزء أَفْضَلْ لك من خَتْمَة، فالنُّصُوص تأتي عِلاج لأمراض النَّاس، فالدَّاعِيَة والمُعلِّم والعالِم إذا رَأَى في النَّاس انْصِراف وتفريط أوْرَد عليهم من نُصُوص الوعيد، والعكس فيما إذا كان في مُجتمعٍ فيهِ إفراط وغُلُو أوْرَد عليهم نُصُوص الوَعْد، والأصْل التَّوَسُّطْ، يعني الأصل أنْ يُنْظَر إلى هذا مِثل ما يُنْظَر إلى هذا؛ لكنْ في المُجتمع المُتوسِّط؛ أمَّا إذا وُجِد غُلو وإفراط وتشديد تُقرأ نُصُوص الوَعْد، وأنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وإذا وُجِد مُجتمع ثاني مُفَرِّط مُتساهل مُضَيِّعْ للواجبات مُرْتَكِب للمُحرَّمات، هات نُصُوص الوعيد، ومثل هذا فيما إذا جَاءكَ شخص مُنْدَفع يخرج جميع أموالِهِ تقول لهُ: لا يا أخي العُشُر، الثُّمن، الخُمس، إلى أنْ تصل الثُّلث كثير حد، كما فعل النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((قلت: فالشَّطر يا رسُول الله؟ -النِّصف-، قال: لا. قلتُ: فالثُّلث؟ قال: الثُّلث، والثُّلث كثير)).(1/2)
أَعِدَّ العُدَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن أبي هُريرة -رضي الله عنهُ- أنَّ رَسُول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم- قال: ((يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ)) يعني تحت عُمْقْ في الأرْض سَبْعِينْ ذِرَاعْ، وفُوق سَطْح الأرْض حَتَّى يُلْجِمُهُم ((حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ)) على العَاقِلْ اللَّبِيبْ النَّاصِح لِنَفْسِهِ أنْ يَتَّقِ مثل هذهِ الأهْوَال، يعني فَرْق بينَ منْ يُبْعَثْ آمِنْ مُطْمَئِنْ يُحْشَر على نُجُِبِ العِقْيَانْ وبينَ منْ يُبْعَثْ مَجْنُون! {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة/275] الآن المُحَرَّمات المُوبِقَاتْ تُقْتَرَفْ فَضْلاً عن الشُّبُهات! والمكْرُوهات، وإذا كان منْ يُقَارف الشُّبُهات يُذَمّ، فكيف بمن يُقارف الحرام البَيِّنْ؟! وحَال السَّلَفْ يَتْرُكُون تِسْعَة أعْشَار الحلال خَشْيَة أنْ يَجُرُّهُم ذلك إلى الحَرام! والآن يَسْأَلُون إذا كانت المَسْألَة خِلافِيَّة الأمْر سهل!، مهما كان ضَعف الخِلاف، قد قِيلَ بِهِ – الحمدُ لله - لنا سَلَفْ! ويَنْتَهِي الدِّينْ بهذهِ الطَّرِيقة! هذهِ خَالَف فيها مالك، وهذا خالف أبُو حَنِيفة، وهذا خَالف الشَّافعي وهذا خالف فُلان وعَلاَّن ويَخْرُج الإنْسَانْ من الدِّينْ وهو لا يَشْعُر! ثُمّ جاءنا الطَّامَّة الكُبرى هالقَنَوات وصار النَّاس يَتَلَقَّفُونْ دِينَهُم عنْ أُنَاسٍ مَفْتُونين وأناس مَشْبُوهِينْ، واللهُ المُسْتَعَانْ، وخَرَجَتْ نِسَاء تُفْتِي الآن بها القَنَواتْ نِسَاء!! اللهُ المُسْتَعَانْ، فَعَلى الإنْسَانْ أنْ يُعْنَى بهذا الأمْر، ويَعُدَّ العُدَّة، مُخْلِصاً في ذلك لله -عزَّ وجَل-.(1/1)
الجَمْعْ بَينَ مَشَاغِلْ الدُّنْيَا وطَلَبِ العِلْمْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كيف يجمع طالب العلم غير المُتفرِّغ بين مشاغل الدُّنيا وبين طلب العلم؟
يكثُر مثل هذا السُّؤال من المُنْشَغِلين والمُشْتَغِلِينْ بغير العلم الشَّرْعِي أما في وظائف وفي أعمال وفي مرافق تَحْتَاجُها الأُمَّة من أعمال إدَارِيَّة لا بُدَّ من القيام بها، ومِنْ عُلُوم غير شَرْعِيَّة كالطِّب والهندسة، كثيرٌ من الأطِبَّاء والمُهَنْدِسِينْ عِنْدَهُم من الحُرْقَة ما يَجْعَلُهُم يسألُون مثل هذا السُّؤال، كيف يَجْمَعُون بين مشاغل أعْمَالِهِم الخَاصَّة فيما هُم بِصَدَدِهِ وبين طَلَبِ العلم؟ أقول: الأمُور -ولله الحمد- مُتَيَسِّرة جِدًّا، الأُمُور مُتَيَسِّرَة، فمثل هؤُلاء لو تَابَعُوا الدُّرُوس من خِلال الإنترنت؛ بحيث تكون الكُتُب التِّي تُشْرَح عِنْدَهُ في البيت، يَسْمَعْ الشيخ فُلان والشيخ فُلان يَسْمَع، معهُ المَتِنْ ويُعلِّق أو يَسْمَع التَّسْجِيل أشرطة، ويُفَرِّغ ما سَمِعَهُ من هذهِ الشُّرُوح على المُتُونْ، ويسأل عمَّا يُشْكِل عليهِ إذا كان عِنْدَهُ إنترنت يُسجِّل سُؤالُهُ ويُجاب عليهِ قبل النَّاس! يُجاب سُؤالُهُ قبل الحَاضِرِينْ، وتأتِي الأسئلة من المَشْرِق ومنَ المَغْرِبْ بأُمُور لا تَخْطُر على البال، يعني من يَتَصَوَّر أنَّ الأسْئِلَة تَأْتِي في الحال من كندا ومن اسْتُراليا ومِنَ المغرب والمشرق ومن كلِّ بَلَد، ولَمِسْنَا ثَمَرَة المُتَابَعَة عِنْدَهُمْ، صار عندَهُم شيء من التَّحصِيل، نَفَعَ اللهُ -جَلَّ وعَلا- بهذهِ الآلات نَفْعاً عَظِيماً، فالتَّحصِيل مِنْ خِلال هذِهِ الآلات لمن لا يَسْتَطِيع الحُضُور بين يَدَيّ الشُّيُوخْ وسِيلَة منْ وَسَائِل التَّحْصِيلْ.(1/1)
السَّمَرْ فِي العِلْم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وكان يكرهُ النَّوم قَبْلَها والحديثَ بعدها)) يعني بعد صلاة العشاء، ومع الأسَف أنَّهُ لا يَطِيبْ الوقت عند غالِب النَّاس إلاَّ بعد صلاة العشاء، وتَجِدْ الإنْسَانْ في وَقْتِهِ كله يتثاءب العَصر والظُّهُر المغرب يَتَثَاءبْ، إنْ صَلَّى العِشَاء طَار النُّوم! وتَفَرَّغَ النَّاسْ لأعْمَالِهِمْ وأَشْغَالِهِم، وكثيرٌ منهم في القِيلِ والقال! وإلاَّ لو كان سَهَرُهُ فيما يَنْفَعُهُ ويَنْفَعُ غَيْرَهُ لا إشْكَالَ في ذلك، وكانَ النَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَسْمُرُ مع أبي بكر في أمْرِ المُسْلِمينْ، وتَرْجَمَ الإمامُ البُخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- في كتاب العِلْمِ من صَحِيحِهِ بابُ السَّمَر في العِلْم، فَدَلَّ على أنَّ إقَامة مثل هذا الدَّرْسْ بعد صلاة العِشَاء لا يَدْخُل في كراهِيَة الحديث بعدها؛ إنَّما المَكْرُوهْ السَّهَر الذِّي لا فَائِدَة فيهِ؛ وإلاَّ السَّهر الذِّي يَتَرَتَّبُ عليهِ فَائِدَة سواءً كانت خاصَّة أو عامَّة لا يُكْرَهْ؛ بلْ قد يكُون لبعضِ النَّاس أَنْفَعْ من النَّهار، وعُرِفْ عنْ جَمْع من أهلِ العلم أنَّهُم يُقَسِّمُون اللَّيْل بينَ نوم، وصَلاة، وقِراءة، وتَصْنِيفْ، فالسَّمَر للمَصْلَحَة جَائِزْ؛ بَلْ مَشْرُوعْ فَضْلاً عَنْ أنْ يَدْخُل في حَيِّز الكراهة المذكُورة في حديث الباب: ((وكانَ يَنْفَتِلُ)) يَنْصَرِفْ منْ صَلاتِهِ ((من صلاة الغَدَاة)) صلاة الصُّبح ((حِينَ يَعْرِفُ الرجل جَلِيسَهُ، وكان يقرأُ بالسِّتين إلى المائة)) النَّبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- يُصلِّي الصُّبح بِغَلَسْ، يعني يَشْرَعُ فيها في وقتِ الغَلَسْ، فإذا انْتَهى منها يَعْرِفُ الرَّجل جَلِيسَهُ لِطُولِها، فكانَ يَقْرَأ بالسِّتِّينْ آية إلى المائة إذا خَفَّفْ القِراءة قَرَأ سِتِّينْ، وإذا أَطَال قَرَأَ بالمِائة، ومِثْلُ هذا لا يُعارِضْ ما(1/1)
جَاء بالأمْرِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاة، والآيات المُشار إليها من السِّتِّين إلى المائة المُرادُ بها الآيات المُتَوَسِّطَة، لَيْسَت الآيات الطَّويلة ولا القَصِيرة، وهذا في كُلِّ شيءٍ أُطْلِقْ في النُّصُوص يُنْظَر فيهِ إلى المُتَوَسِّط، يعني لا يَقْرَأ مائة آية مِنْ أَمْثَال سُورة المَائِدَة، ولا تَكُون السِّتِّينْ من مِثِل سُورة الشُّعراء مثلاً، من الآيات المُتَوَسِّطة، واللهُ المُسْتَعَانْ، مِنَ الأئِمَّة الذِّينَ يَؤمُّونَ النَّاس في هذهِ الأوقات منْ يُصلِّي الصُّبْحَ بِآية مع الأسف! ومِنْ سِمَةِ صَلاةِ الصُّبْح الطُّولْ، وقد جَاءَ في المُسْنَد وغَيْرِهِ مِنْ حديث عائِشَة: ((إنَّ الصَّلاة أَوَّل ما فُرِضَتْ رَكْعَتَيْن رَكْعَتَيْنْ فَزِيدَ في الحَضَر، وأُقِرَّت صلاةُ السَّفَرْ إلا المَغْرِبْ؛ فإنَّها وِتْرُ النَّهار؛ وإِلاَّ الفجر؛ فإنَّها تُطَوَّلُ فيها القِرَاءة)) يَقْرَأ في صلاة الصُّبح بآية، الصَّلاة صَحِيحة ومُجْزِئَة؛ لكنْ أين السُّنَّة؟ واللهُ المُسْتَعَانْ.(1/2)
كيف تُعَالِج قَلْبَك؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
نودُّ كلمة في اهتمام طالب العلم بالأعمال القَلْبِيَّة؟
القَلْب لهُ شأنٌ عظيم، جاء في حديث النُّعمان: ((أَلَا و إِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَة إذا صَلحت صَلَح الجَسَدُ كُلُّهُ وإذا فَسَدت فَسَد الجَسَدُ كُلُّهُ)) ويُلاحظ في الخطابات الشَرعيَّة منْ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة أنَّ كُلَّها مُوجَّه إلى القَلْب {يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم} فالعِناية بالقَلْب من أهمِّ المُهمَّات، {لا ينفعُ مالٌ ولا بنون} ... وش اللي ينفع؟ {إلا من أتى الله بقلبٍ سليم} لا بُدَّ مِنْ سَلامَة القَلْب، كيف يُعالج قَلْبَهُ؟ يُعالج القَلْب بِقِراءة القُرآنْ على الوجه المأمُور بِهِ بالتَّدَبُّر والتَّرتيل، هذا عِلاج القَلْبْ بالفِعِلْ، وجاء من نُصُوص الكتاب والسُّنة ما يُخاطب القلب، ويُعَالِج أمْرَاض القُلُوب، وأيضاً كَتَبَ أَهْلُ العِلْم في هذا الباب كِتَابَات في غاية الأهمِيَّة، شيخ الإسلام لهُ التُّحْفَةُ العِرَاقِيَّة في الأعْمَال القَلْبِيَّة، كُتُبْ الإِمَام المُحَقِّقْ ابن القيِّم مَمْلُوءَة بِما يُعالجُ أمراض القُلُوب وأدْوَائِها، فَعَلَيْنَا أَنْ نُعْنَى بِهَذَا عِنايةً فَائِقَة، وقُلْت: إنَّ منْ أَعْظَم ما يُعَالَجْ بِهِ أَدْوَاء القُلُوب قِراءة القُرآن على الوجه المأمُور بِهِ.(1/1)
أَثَرْ رُؤية ومُجَالَسَة الصَّالِحِينْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا شكَّ أنَّ المُجالسة لها أثر على النَّفْس، وكم منْ شَخْص أَثَّر في النَّاسْ بمرآهْ فقط قبل أنْ يَتَكَلَّم، وكثيرٌ من أهل العلم إذا تَرجمُوا لِشيُوخهم يذكرُون شيئاً من ذلك، وأنَّهُم يستفيدُون من رُؤْيَة الشيخ أكثر من عِلْمِهِ، وذَكَر ابن الجوزي في ترجمة أحد شُيُوخِهِ في فَهْرَسَتِهِ أنَّهُ استفاد من بُكائِهِ أكثر من فَائِدَتِهِ مِنْ عِلْمِهِ؛ ولا شكَّ أنَّ مثل هذا مُؤثِّر جدًّا، رُؤية الشيخ العامل بِعِلْمِهِ، الدَّاعِي إلى عِلْمِهِ المُعلِّم، مُعلِّم النَّاس الخير؛ لا شكَّ أنَّهُ مُؤثِّر، قد لا يَتَيَسَّر لكثيرٍ من النَّاس زِيارة مثل هؤُلاء، إنْ تيسَّر فَلْيَحْرِص على ذلك، إنْ لم يَتَيَسَّر؛ فَلْيَقْرَأْ في أخْبَارِهِمْ، أخْبَار هؤُلاء الأخيار، وهؤُلاء الصُّلَحَاء، وعلى رَأْسِهِم مُقدَّمُهُم -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ فلْيُدِمْ النظر طالب العلم في سيرتِهِ -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، ويُسْمِعها غيره مِنْ عامَّة النَّاس؛ لكي يَقْتَدُوا بِهِ ، ويَأْتَسُوا بِهِ، من ذلكم سِيَر الصَّالحين من الصَّحابة والتَّابعين؛ لا شكَّ أنَّ لها أثَراً كبيراً في نُفُوسْ النَّاس، وفيها أيضاً شَحْذ الهِمَم من حيث الإقتِدَاء والائتساء بهم.(1/1)
احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكْ))، لما ينفعُك في دينك، وفي تخطيط الهدف الذِّي خُلِقْتَ من أجلِهِ وهو العُبُوديَّة لله -جلَّ وعلا-، ومع ذلك لا تنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكْ))، كَثِير مِن النَّاس بِحَاجَة إِلَى هَذَا الأَمْر، تَجِدُهُ يَضيع وَقْتَهُ مِنْ غَيْر فَائِدَة لا فِي دِينِهِ ولا دُنْيَاهُ، لا يُشْغل نَفْسَهُ بِمَا يَرْجع إِليه بِخَير لا في الدُّنْيَا ولا فِي الآخِرَة! وكَثيرٌ مِنَ النَّاس بِحَاجة إِلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ: لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الآخِرَة لِمَا يُرَى مِنْ حَالِ كَثِيرٍ من النَّاس مِنَ اللَّهَثْ وَرَاء الدُّنْيَا، أَعْطُوا الدُّنْيَا أكْبَر مِنْ حَقِّها، وأَخَذُوهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوهِهَا، و صَرَفُوهَا في غَير مُسْتَحَقِّها، المَقْصُودْ أَنَّ النَّاس بِحَاجَةٍ مَاسَّة إلى الحِرْصْ على ما يَنْفَع، والهَدَفْ الأَصْلِي الذِّي مِنْ أَجْلِهِ خُلِقَ الإِنْسَان، وأُنْزِلَتْ الكُتُبْ وأُرْسِلَتْ الرُّسُلْ؛ تحقيق العُبُودِيَّة لله -جلَّ وعلا-، فَلْنَحْرَصْ عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا الهَدَفْ، وعَلَى مَا يُعِينْ عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا الهَدَفْ؛ ولِذَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وعَلا-: {ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك فِي هَذَا وهَذَا، والتَّوَازُنْ لَا بُدَّ مِنْهُ أَمْرٌ مَطْلُوبْ؛ لِأَنَّهُ لا يُمْكِنْ أنْ يَقُوم الدِّينْ إِلَّا بِشَيْءٍ مِمَّا يُعِينُ عَليهِ مِنْ أُمُورْ الدُّنْيَا، ((واسْتَعِنْ بِالله))، واحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكْ، ابْذِل؛ لَكِنْ لا تَعْتَمِدْ عَلَى نَفْسِكْ، وتقول: إِنِّي فَعَلْتْ، وعَرَفْتْ، ودَرَسْتْ، وخَطَّطْتْ، والنَّتَائِجْ مَضْمُونَة! - لا ، لا - ما فيه! اسْتَعِنْ بِالله؛ فَالمَرْءْ مِنْ غَيْرِ إِعَانَة وعَوْن مِنَ اللهِ(1/1)
-جَلَّ وعَلا-؛ عَمَلُهُ وَبَالٌ عَلَيْهِ .
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى ... فَأَوَّلُ مَا يجني عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
لا بُدَّ مِنَ الاسْتِعَانَة بِالله فِي كُلِّ شَيْء؛ ولِذَا أُمِرْنَا بِطَلَبِ الإِعَانَة مِنَ اللهِ -جَلَّ وعَلا- عَلى تَحْقِيقِ العُبُودِيَّة فِي كُلِّ رَكْعَة مِنْ رَكَعَات الصَّلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينْ} عَلى تَحْقِيقِ العُبُودِيَّة الجُمْلَة التِّي سَبَقَتْهَا وعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى تَحْقِيقِهَا؛ اسْتَعِنْ بِالله ارْتَبِطْ بِرَبِّكْ، ثِقْ بِرَبِّكْ، ((ولا تَعْجَزْ))، لا تَيْأَسْ، لا تَمَلّ، لا تَكَلّ، ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكْ))، تَعَلَّمْ؛ اعْمَلْ، ابْذل، أأْمُر بِالمَعْرُوفْ، انْهَ عَن المُنْكَر، ولا تَعْجَزْ، تقُول: والله النَّاس خَلاص انْتَهُوا مَا فِيهِم خِيرْ، وتَيْأَسْ وتَكْسَلْ وتَتْرُك الأمْر والنَّهِي! - لا - يا أَخِي، أَنْتَ مَأْمُورْ بِبَذْلِ السَّبَبْ؛ والنَّتَائِجْ بِيَدِ الله –جلا وعلا-.(1/2)
الحَي لا تُؤْمَنْ عليهِ الفِتْنَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الضرة ما سُمِّيت ضرَّة إلاَّ لإلحَاقِها الضَّرَرْ بِضَرَّتِها؛ لكنْ هذهِ مَفْسَدَة مَغْمُورة في جانب المَصَالح الكبيرة الكثيرة من مشرُوعيَّة التعدد تعدُّد الزَّوجات، مصالح لو يُدْرِكها النَّاس ما تأخَّر أحد لا من نساء ولا من رِجال؛ لكنْ كُل إنسان تَهُمُّهُ مصلحتُهُ الخاصَّة؛ وإلاَّ فالأرقام مُخِيفة التِّي تَدُلُّ على كثرة العوانس في البُيُوت بهذا السَّبب، الحرب الشَّعواء على التَّعدد وتشويه صُورة المُعدِّدين جَعَلت النَّاس لا تقبل، يعني لُقِّنُوا من وسائل الإعلام عُقُود أنَّ التَّعدُّد وَحْشِيَّة، ورُمِيَ بِسَبَبِهِ الدِّين وأهل الدِّينْ وعلى مَرْأَى ومَسْمَع من الجميع والإنْكار ضعيف، وأَثَّر أَثَرُهُ البالغ في نُفُوس النَّاس، ولا نُنْكِرْ أنَّ هُناك نماذج أساءتْ إلى هذا الحُكْم العظيم، أساءت تطبيقهُ، نماذج قد تكُون في بُيُوت بعض من يَنْتَسِب إلى الخير والدِّينْ، هُناك نماذج؛ لكنْ يَبْقَى أنَّ الحُكم الشَّرْعِي باقي، لا يَطْرَأ عليهِ تغيير بسبب تَصَرُّفات فرديَّة، الحُكم العام باقي؛ لكنْ هذا الشَّخص عُرِفْ مِنْ حالِهِ أنَّهُ يظلم وإلا يَحْرُم عليهِ أنْ يُقْدِمْ، ويَبْقَى أنَّ الحُكم العام مشرُوعيَّة التَّعدد وهو الأصل؛ لأنَّ الله قَدَّمَهُ على الواحِدَة وهو اسْتِجابة للنبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- في كثرة النِّساء وكثرة الأولاد هذا مَطْلَبْ شرعيّ، ولا يقُول قائل والله يا أخي أنا لا أستطيع أنْ أُرَبِّي والآن الظُّرُوف صَعْبَة والمُستقبل مُخيف فنكتفي بعدد قليل من الأولاد ونشُوف الآباء في الجُملة ليس لهُم سيطرة على أولادِهِم، ومع ذلك أنت مُطالب بالتَّكَاثُر، وعليكَ أنْ تبذُل وتستجيب لما طُلِبَ منك، وتَبْذُل السَّبب في إصلاح الأولاد، تَبْذُل السَّبب في إصلاحِهِم، ولا عليكَ إلاَّ بَذْلِ السَّبب أما النَّتائج بيد الله(1/1)
-جلَّ وعلا-، لو كانت النَّتائج بيد البَشَر ما صَار ابن نُوح كافر، ولا صارت امرأة فرعون مُؤمنة، ولا صارت امرأة نُوح وامرأة لُوط أَمْثِلة عَمَلِيَّة للكُفَّار في بُيُوت خير الخلق، أنت ما عليك إلا أنْ تَبْذل السَّبب لا تُقصِّر وتُفَرِّط أو تكُون سبباً في ضَيَاعِهِم – لا -، مثل بعض الآباء يكون سبباً في ضياع أولاده، كثيرٌ من الآباء يَتَمَنَّى أنْ يكُون ابنُهُ صالح؛ لكنْ ما يَبْذُل سبب؛ بل قد يَبْذُل ما يُعينُهُ على الفساد، ويُيَسِّر لَهُ أسباب الفساد، وبعض النَّاس يَتَمَنَّى أنْ يكُون وَلَدُهُ من المُسابِقِينْ إلى الخيرات، وأوَّل من يدخُل إلى المسجد؛ لكنْ أنت اخْتَبِرْ نَفْسِك في بَذْلِكَ للسَّبب، هل بَذَلْتْ من السَّبب في إيقَاظِهِ لِصلاة الصُّبح مثل ما بَذلْت لإيقاظِهِ للمدرسَة؟! أو تَبْحَثْ عن العِلل والأعذار إنْ كان في الشِّتاء والله الجو بارد مسكين ما يتحمَّل! المدرسة إذا طلعت الشَّمس يَدْفُون النَّاس؛ لكن صلاة الفجر برد، وفي الصِّيف مسكين سهران كل اللِّيل والجو! ونُريد صلاح الأبناء ونحن نحرص على أُمُور دُنياهم ونُهمل أُمُور دِينهُم! أنت إذا ما حَرِصْت على أمر الدِّين ما أُعِنْتْ ولا حتَّى على أَمْر الدُّنْيَا! فَعَلى الآباء أنْ يَنْتَبِهُوا لهذا! يَأْتَمِر بأوامِر الشَّرع في التَّكاثُر سواءً كان في الزَّوجات وفي الأولاد ويبذُل الأسباب ويحرِصوا ويتحرَّوا امتِثال جميع ما أُمِرُوا بِهِ، والانتهاء عن جميع ما نُهُوا عنهُ؛ وليَكُن حِرْصُهُم على دَرْءْ المَفَاسِد أعْظَم من حِرْصِهِم على جَلْب المَصَالح كما هي القاعِدَة المُقَرَّرة، يقول: أنا أُحْضِر لهم أشرطة، وأُحْضِر لهُم وسائل تُعِينُهُم على صَلاحِهم، ومع ذلك إذا حَصَّنَّاهُم نترُكُهُم، هات لهم من الوسائل التِّي تُفْسِدُهُم، يعني بعد أنْ يَتَحَصَّن، كيف يَتَحَصَّنْ؟ وش معنى يَتَحَصَّنْ؟ هو أرْضٌ قابلة من أنْ وُضِع قدمهُ على(1/2)
الأرض إلى أنْ يَمُوتْ وهو تحتها، يعني تتقَاذَفُهُ الأمواج، يقول: أنت حَصْنُهُ بس بالدِّينْ ورَبُّهْ على هذا ثُمَّ احضُر لهُ كُلْ ما يُريد! بيترُكها ديانةً! ما هو بصحيح! ولذلك بيُوت المُسلمين التِّي ابْتُلِيَت بالوسائل المُفْسِدَة كالقَنَوات والدُّشُوش والمشاكل هذهِ، يقول: أبداً عيالنا مُتديِّنين ويعرِفُون اللي ينفعهم ويضرهم، ما هو بصحيح أبداً! أنت ما تَعْرِفْ، يا الإخوان: إذا تَصَوَّرْنا أنَّ شِيَّاب كِبار سَبْعِينْ ثَمَانِينْ سَنَة كانُوا عُمَّار مَسَاجِدْ عَنْ يَمِينْ المُؤَذِّنْ وعن شِمَالِهِ دُهُور الآن ما يُصلُّون مع الجماعة! كيف نَأْمَنْ على شَّباب هالغَرَائِزْ ونَزَوات ...(1/3)
كيف نَْمَنْ عليهم؟ ويقول حَصَّنَّاهُم الآنْ ما شاء الله بِيئة مُحَافِظَة، يعني الذِّي لهُ أَدْنَى صِلَة بالقُضَاة أو بِرِجال الحِسْبَة يَشِيبْ رَأْسُهُ من قَضَايا تَحْصُل في بُيُوت بعض الأخْيَار فضلاً عن الأشْرَار، فما يُقال مثل هذا تَحَصْنُهُ بس وارْمُهُ، عَلْمُهُ السِّباحة وخَلُّهُ يتعلَّم وارْمُهُ بالبَحَر! هذا غير هذا، هذا يختلف عن هذا؛ لأنَّ الحَيّ لا تُؤْمَنْ عليهِ الفِتْنَة، والحَيّ في هذهِ الظُّرُوف التِّي نَعِيشُها مِثْل الغَرِيقْ، اللهُمَّ سَلِّم سَلِّمْ، أُمْنِيَة الإنْسَانْ الوَحِيدَة أنْ تفيض هذهِ الرُّوحْ تَخْرُج هذهِ الرُّوح بِسَلام، غير مُغيِّر ولا مُبَدِّلْ، أنْتُم الآنْ عندكم نَمَاذج حتَّى من بعض من يَنْتَسِبْ إلى طَلَب العلم والدَّعْوَة أحياناً تَجِدْهُ أوَّل الأمر في أقْصَى اليمين والآن صَار في أقْصَى الشِّمال! يا أخي أليْسَ هذا مِثالٍ حيٍّ للتَّغيير؟! كونُهُ تغيَّر إلى الأفْضَل أو إلى الأسْوَء أو كذا موجُود يعني، فالحَيّ لا تُؤْمَنْ عليهِ الفِتْنَة؛ فَلْيَكُنْ اللِّسانْ دائِمَ التَّضرُّعْ والتَّذَلُّل لله -جلَّ وعلا- في أنْ يَحْفَظُهُ من مُضِلَّات الفِتَنْ يَنْبَغِي أنْ يَكُون دَيْدَنْ المُسْلِم، قَبْل خَمْسِينْ سَنة – لا - يمكن قبل أَرْبِعين أكثر البُلْدَان ما دَخَلْها الكَهْرَب إلاَّ من ثلاثين وجاي، قبل وُجُود الكهرباء مثلاً التَّربية لَيْسَتْ صَعْبَة، قد يقول قائل: وش ذنب الكهرباء؟! النَّاس يُؤْطَرُونْ على الحق؛ لكنْ الابن الصَّغير ذا أبو عشر، خمسة عشر سنة أو قُل عشرين سنة، إذا غَابت الشَّمْس وين يبي يُرُوح؟! قال أنا .........،(1/4)
ليسَ لهُم مَفَر ولا مَحِيد منْ أنْ يَأْتِي إلى وَالِدَيْهِ، ويُرْضِيهِما بِشَتَّى الوَسَائِلْ؛ لكنْ الآنْ إذا غَابَتْ الشَّمْسْ، صَار اللَّيلْ أفْضَلْ من النَّهار عند النَّاس! طلعات واستراحات وروحات ولا تَنْتَشِر الشَّياطين إلاَّ إذا غَابت الشَّمس! ويَتَلَقَّفُهُ أَلْفْ شِيطان إذا غَضِبْ عليهِ أَبُوه!!! الآنْ أنت كَبرت، إلى متى وأنت بزر! أنت إلى متى وأنت طفل! تُتْوَجَّه، يعني شَيَاطِينْ الإنْسْ الآنْ أَثَرْهُم وَاضِحْ، ومع ذلك يقول: أبَداً أنتْ رَبُّه التَّربية السَّلِيمة والصَّحيحة وانتهى الإشْكَال! هذا فَسَاد في التَّصَوُّر! هو ما يَرَى في بيتِهِ في غَيْرِهِ في نَفْسِهِ ما يَرَى التَّغَيُّر؟! وكم مِنْ واحِد تَغَيَّرْ، وكَم مِنْ شَخْصٍ تَغَيَّر بعد اسْتِقَامَةٍ طويلة؟! إذا كان شَيَاطِينْ الإنْسْ لَهُم ضُغُوط، ولَهُم وَسَائل، وشَيَاطِينْ الجِنّ أيْضاً تَدْفَعْ من الدَّاخِلْ والإنْسَانْ ضَعِيف! لا يَسْتَطِيعْ أنْ يُقاوم، تتصَوَّرُونْ فَسَادْ الشَّباب والشَّابَّاتْ بسبب وسائل الاتِّصَال شيء ما يَخْطُر على البال! يَسَّر يسَّر الشَّر بشكْلٍ لا يُتَصَوَّرْ ولا يُتَوَقَّعْ، وبعضُهُم يقول: أبداً أنتْ صَاحِبْ مَنْ شِئْتْ وعَايِشْ منْ شِئْتْ وأنت ما دَام مُتحصِّنْ مُتَحَفِّظ ما عليك! أنا رأيْت مَنْظَر حَقِيقةً فِي غايَة السُّوء، يعني مُؤثِّر جدًّا، طالب عِلْم مُتَخَرِّج من كُلِّيَّة شَرْعِيَّة ومُتَمَيِّزْ، وشكلُهُ ما شاء الله تبارك الله اللِّحية إلى نِصْف الصَّدر، ومُلازِم للدُّرُوس مِنْ حَلْقَة إلى حَلْقَة عِنْدَ المشايخ هذا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي، فَجْأةً رَأَيْتُهُ حَلِيق!!! أمس جاي بالدَّرْس لحيتُهُ إلى نِصْف الصَّدر واليوم حَلِيق بالمُوسى!!! ما هو بالتَّدْرِيجْ مثل ما يسوون اليوم بالمقص!!! - لا -؛ لأنَّ يا الإخوان المقص إذا دخل خلاص قُل على اللحية السَّلام! والله يوم خطر زاد(1/5)
هذا ويوم نقص هذا وشوي شوي إلى أنْ تَنْتَهِي؛ لكنْ هذا بالمُوسَى مَرَّة واحِدَة !!! ويُسْأَلْ فإذا بِهِ قَدْ تَزَوَّجْ امْرَأَة وقالت لهُ أنا ولاَّ اللِّحية!!! ما لهُ استِثْنَاء ـ هذا تَرَبَّى في حَلْقَاتْ العلم!!! ونحنُ نقول أبَداً ربِّ الطِّفِل هذا وارْمُهُ بالبحر ما عليهِ إنْ شَاء الله! ما دَام هالنَّفَسْ هذا يَخْرُجْ ويَرْجِعْ، فالحَي لا تُؤْمَنْ عليهِ الفِتْنَة؛ فَلْنَنْتَبِهِ لهذا.(1/6)
سُؤال الله الثَّبَاتْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الكُفُر شأنُهُ عظيم، والكافر مُخلَّد في النَّار {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّساء/48] الكفر ترى يا الإخوان ما هو بأمرٍ صعب؛ لا سِيَّما في أيَّام الفِتَنْ التِّي تكُون في آخر الزَّمان ((يُصبح الرَّجل مُؤمناً ويُمسِي كافراً ويُمسي مُؤمناً ويُصبح كافراً)) فَعَلى الإنسانْ أنْ يَسْأل رَبَّهُ الثَّبات على الدِّينْ، وابن القيم رحمهُ الله تعالى يقول:
والله ما خوف الذُّنُوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغُفْرَانِ
الذُّنُوب تحت المشيئة؛ لكن الإشكال في الأمر الآخر
لكنَّ خوفي أنْ يَزِيغَ القلبُ عن ... تَحْكِيم هذا الوحي والقُرآنِ
على الإنْسَان أنْ يكون خائِفاً منْ سُوء العاقبة، وهذا دَيْدَن السَّلف، ما قالوا والله نحمل المُطلق على المُقيَّد، ونَأْمَن مثل ما نسمع كثير من النَّاس؛ لأنَّهُ جاء في حديث ابن مسعُود: ((وإنَّ أحدكم ليعمل بعملِ أهل الجنَّة حتَّى ما يكون بينهُ وبينها إلا ذراع فيسبقُ عليهِ الكتاب، فيعملُ بعمل أهل النار فيدخُلها))، وجاء في الرِّوايات الأُخرى: ((فيما يبدُو للنَّاس)) بعض النَّاس على الجادَّة، يقول: احمل المُطلق على المُقيَّد وأنا أعمل بإخلاص ويضمن العاقبة، هذا الكلام ليس بصحيح، السَّلف الذِّين هم أحسن منك عمل، وأكثر منك إخلاص، وأتْقَن للعمل؛ يخافون؛ فينبغي للإنسان أنْ يخاف من سُوء العاقبة، وأنْ يُكثر من سُؤال الله -جلَّ وعلا- أنْ يُحْسِنْ خَاتِمَتَهُ، واللهُ المُستعان.(1/1)
الحياة مَمَر ولَيْسَتْ مَقَرّ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أنّ اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثيرٍ من النَّاس، والحُكم للغالب، تجد السَّاعة لمحة بصر، تجد اليوم ينتهي بمشوار، تجد الليلة تنتهي بجلسة! قيل وقال ثُمّ خلاص!!! تناظر السَّاعة تعجب كيف مشت الليلة، وهكذا!! لكن هذا بالنِّسبة للغالب، أمَّا من منَّ اللهُ عليه وهم الأقلُّون الزمان هو الزَّمان، الذي يُقرأ من القرآن في عهد الصَّحابة في الوقت يقرؤُهُ بعض النَّاس اليوم بنفس الوقت، الذِّي يُقرَأْ وما يُذْكَر عن بعض أهل العلم من قراءة في كتب العلم في الصَّدر الأوَّل يُقرَأْ الآن عند بعض النَّاس مِمَّنْ بُورِكَ لهُ في الوقت! لكنْ غالب النَّاس تضيع أيَّامُهُ سُدىً، اليوم نبدأ لا غدا ما يمدينا اليوم! غداً يمر رأس الشَّهر، ثم من رأس الأُسبُوع وتنتهي الأيَّام وهو ما بادي بشيء!!! هذا حال كثير من النَّاس لاسيما من ابتلي بالسهر مثلاً، ثم في وقت البكور ينام!! لا يستفيد من أوَّل النهار، ثم يداوم إلى قُرْب العصر، ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر، والمغرب يالله يمديه هذي سالفة وهذا تلفون وينتهي، والعشاء مواعدٍ الشلة والربع بيطلع يمين ويسار ويسهر وهكذا تنقضي الأعمار دُونَ جدْوَى عند كثيرٍ من المُسلمين، هذا صُورة؛ بل من أوضح الصُّور لِمَحْقْ الأعْمَارْ، وهذا في المُسلم الذِّي يُمْضِي أوقاته في المُباح، فكيف بمن يُمضي أوقاتَهُ بالمُحرَّمات، -نسأل الله السَّلامة والعافية-؛ لكن لو أراد المُسلم أن يُطبِّق العمل الذِّي شرحهُ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في طريق الهجرتين للمُقرَّبين جدول يمشون عليه منذ استيقاظهم من النَّوم إلى أنْ يأتي اليوم الثَّاني جدول يمشون عليه، وهو في مقدُور كل أحد ما فيه صُعُوبة؛ لكن يحتاج إلى توفيق، أمرٌ في غاية اليُسْر والسُّهُولة؛ لكن من يُوفَّق لمثلِ هذا العمل؟! وابن القيم(1/1)
-رحمهُ الله- يشرح هذا العمل والمظْنُون بِهِ أنَّهُ يُطبِّق، ومع ذلكم يقول: والله ما شممنا لهم رائحة!! هذا من تواضِعِه -رحمهُ الله- ولا يُريد أنْ يُبدِي من عَمَلِهِ شيء، وإلاَّ هو معروف بالعمل المُتَعَدِّي واللاَّزِم، شباب الأُمَّة تجدهم أكثر أوقاتُهُم في السَّيارات، وفي الاستراحات، والقيل والقال، ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشَّخص وينفع أُمَّته، إلا القليل النَّادر، الخير موجُود في أُمَّة محمد؛ لكن أكثر الأُمَّة على هذا -مع الأسف الشَّديد- فَضْلاً عن عوام النَّاس وفَضْلاً عن الفُسَّاق الذِّين يقضُونَ أوقاتهم فيما يَضُرُّهُم ويَضُرُّ غيرهم، واللهُ المستعان.(1/2)
البركة في العُمُر نزعُها من تقارُب الزَّمان، ووجُودها من زيادة العُمُر، يعني كما قيل في قولِهِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لهُ في أجَلِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمه)) ويُنْسَأَ لهُ في أجَلِهِ تَجِد زيد من النَّاس بَارّ واصِلْ، ويمُوت عن ثلاثين، خمس وثلاثين بحادث، قد يقول قائل أين مصداق هذا الحديث؟! ما بُسِطْ، ما نُسِئ لهُ في أجلِهِ، عُجِّلْ عليهِ وهو بارّ، نقول: نعم، عامِل في هذه الثَّلاثين سنة ما يعملُهُ غيرُهُ في ستين سبعين سنة! وِفِّق لأعمال تُضاعِفْ لهُ الحسنات بحيث يُساوي مَنْ عُمِّرْ مائة سنة على الخِلاف بين أهل العلم، هل هذهِ الزِّيادة حقيقيَّة يعني زاد في سِنِيِّهِ أو هي معنويَّة؛ بأنْ يُبَارك لهُ فيما يعِيشُهُ من عُمر، فَيُنْتِج من الأعمال الصَّالحة، ويَدَّخِرْ من الحسنات ما يجنيه بعض النَّاس في أضعاف ما عاشَهُ، النووي -رحمهُ الله- مات عن خمسةٍ وأربعين عاماً، يعني خمسة وأربعين سنة عُمِّر، يعني في مساجد الدُّنيا كلها يُقال: قال -رحمهُ الله- ألَّف كتب البركة ظاهرة من عُمُرِهِ، البركة ظاهرة، ألَّف رياض الصَّالحين، ألَّف الأذكار كُل مُسلم بحاجة إلى هذين الكتابين، ألَّف شرح مُسلم، ألَّف شرح المُهَذَّب الذِّي لا نظير في كُتب الفِقه لاسِيَّما القِسم الذِّي تَوَلَّى شَرْحَهُ والكتاب ما هو كامل! يعني لو كَمُل لكان أُعْجُوبة! قد يقول قائل: هذهِ أُمُور ليست بأيدينا البركة من الله -عز وجل-؛ لكنْ يا أخي ابذُل السَّبب وتَجِدْ البركة اجْلِسْ واقرأ وشُوف! تتصورُون أنَّهُ يعيش بيننا الآنْ من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة!! تتصورُون أنَّهُ يُوجد من يختم كل ثلاث؟!! ويُداوم الدَّوام الرَّسمي، ويَصِلْ رَحِمَهُ، ويَزُور المقابر، ويزُور المَرْضَى، يُزاول الأعمال طبيعي جدًّا، ويختم كل ثلاث!! والإنسان إذا قِيل لهُ يا أخي ما تقرأ قُرآن ما تفعل(1/3)
كذا! يقول: والله مشغولين، من يبي يشتغل؟ من يبي يقرى؟ من يبي يرتاح؟ مشاغل الآن الحياة!! يا أخي مشاغل الحياة، إيش مشاغل الحياة؟ هذي حياة تسوى؟! الحياة مَمَر ولَيْسَتْ مَقَرّ، الحياة مزرعة؛ ازْرَعْ يا أخي، واللهُ المُستعان.(1/4)
مُشكلات في طريق العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كثرة العلوم وتزاحمها، كثرة المؤلفات والمصنفات في الفن الواحد فضلاً عن العلوم المُتعدِّدة، طالب العلم عليهِ أنْ يبدأ بالمُهمّ فالمُهم.
وبالمُهِمّ المُهِم ابْدَأْ؛ لِتُدْرِكَهُ ... وقدِّم النَّصَّ والآراء فاتَّهِمِ
طالب العلم عليهِ أنْ يُرَتِّبْ وَقْتَهُ، ويُنَظِّم جدول يمشي عليه، يعني مثل ما يمشي على جدول في المدرسة السَّاعة الأُولى للتَّفسير، الثَّانية للحديث،، وهكذا...،(1/1)
يجعل عندهُ جدول وبرنامج يومي يسير عليه لا يُخِلُّ بِهِ، إذا رتَّب جدوله ومشى على الجادَّة التي رسمها أهل العلم، فإنَّ الطَّريق يكُونُ سهلاً مُيَسَّراً بإذنِ اللهِ -جَلَّ وعلا-، فبإمكانِهِ إذا صلَّى الصّبح، وجَلَسَ في مُصَلَّاهُ يحفظ القرآن، ويُراجع عليهِ بعض المراجع المُختصرة فيما يُشْكِلُ عليهِ إلى أنْ تطلع الشَّمس هذا وقت القرآن، ثُمَّ بعد ذلك إذا طَلَعَتْ الشَّمس إنْ كان طالباً في الدِّراسة النِّظاميَّة، وإنْ كان بعضُهُم ينتقد كلمة نِظامِيَّة؛ لأنَّهُ يفهم من أنَّنا إذا قُلنا دراسة نِظاميَّة يعني الدِّراسة المُرتَّبة مِنْ قِبَل الدَّولة، يفهمُ من ذلك أنَّ الدِّراسة في المساجد دراسة فَوْضَوِيَّة!! إذا قُلنا هذهِ نظامِيَّة فالدِّراسات كُلُّها غير الدِّراسة هذهِ تكون فَوْضَوِيَّة!! هذا الكلام ليس بصحيح، المُراد بالدِّراسة النِّظاميَّة التِّي تُنَظِّمُها الجِهات المَسْؤُولة؛ لعُمُوم النَّاس، إذا طلعت الشَّمس ذهب إلى عمله إن كان مُوَظَّفاً، أو إلى دِراسَتِهِ إنْ كانَ طالباً أو مُعَلِّماً، وإذا انتهى مما أُنيطَ بِهِ وكُلِّفَ بِهِ، فإنَّهُ يعُودُ بعد ذلك؛ لِيَرْتَاحْ، يتناول الغداء ويرتاح إلى العصر، فإذا صلَّى العصر قَسَمَهُ قِسْمَيْن، قِسم الذِّي هو بعد الصَّلاة مُباشرةً للحديث، والقسْم الثَّاني لكتب العقيدة الصَّحيحة، وبعد المغرب ينظُر في كُتب الأحكام الفقه من الحلال والحرام، وبعد العِشَاء يُكْمِلْ تحصِيلَهُ العلميّ في الكُتب المُعينة على فهم النُّصُوص التِّي يُسمِّيها أهلُ العلم كُتب الآلة، هذا منْ أرادَ أنْ يُكمل ما تَعَلَّمَهُ على الشُّيُوخ، أمَّا في وقت الطَّلب عند الشُّيُوخ فإنَّهُ يَتَتَبَّع الإعلانات وجدَاول المشايخ، ويَلْتَحِقْ بالدُّرُوس التِّي تُناسِبُ مُسْتَواهُ، وقَدْ يَعْتَرِضُهُ مُشكلة، وهي في عصرِنا ظَاهِرة؛ بل هي مُعْضِلة! طالب علم حَرِيصْ جَاءَ إلى الرِّياض(1/2)
مثلاً؛ ليطلُب العلم في كُلِّيَّة الشَّريعة، وعندَهُ آمال وتخطيط ليكُون عالم أُمَّة، ثُمَّ يُفاجَأْ أنَّهُ لا يجد درس يُناسِبُهُ في مُسْتَواه!! فيه مُتُونْ تُشْرَح من عددٍ كافِ من أهل العلم؛ ولكنْ مع ذلك إذا جاء إلى كتاب التَّوحيد إذا بالكتاب يُقَارِب النِّهاية، ثُمّ جاء إلى عُمْدَة الأحكام إذا هُم في مُنْتَصَفِهِ! إذا جاء عند شيخ عندهُ زاد المُستقنع إذا هو قطع منهُ مرحلة كبيرة، مثل هذا لا شكَّ أنَّهُ يُحبط وينصدم ويُريد أنْ يبدأ بالكتب التِّي تُناسبهُ من البداية، ثُمَّ يبحث فلا يجد!! الشُّيُوخ ما عندهم استعداد إنُّهُ كل ما جاء طالب يبدؤُون معهُ من البداية، وهذهِ مُشكلة لا بُدَّ لها من حلَّ! فمثل هذهِ يُكْمِلُها ويبدأ بالكتاب المُناسب لهُ عند هذا الشيخ، ويأخُذ النِّصف الأوَّل الذِّي فُرِغَ منهُ بواسطة الأشرطة، يكُون معهُ المتن، ويَسْمَع الشَّريط، ويُكَرِّرْ ويُرَدِّدْ، ويُفَرِّغ من هذا الشَّرِيط ما يَحْتَاجُهُ من شرح وبيان لِجُمل الكِتاب، ويُدَوِّنْ ما يُشْكِلْ عليهِ على طَرِيقة السُّؤال، ثُمَّ يُلْقِيهِ على الشيخ فيسْأَلُهُ، وبهذا يُكْمِلْ ما فَاتَهُ، وإلاَّ فكثير من طُلَّاب العلم يُصَاب بصدمة حينما يأتي يُريد أنْ يَلْتَحِق بدُرُوس الشُّيُوخ، ثُمَّ يُفَاجَأْ أنَّهُ ما فيه ولا كتاب من البداية! ومن المشاكل التِّي يُعاني منها الشَّباب في حُضُور الدُّرُوس هذه مُشكلة كبيرة ومُدَّةُ إقامتِهِ في بلد الدِّراسة أربع سنوات، تجد بعض الكتب تحتاج إلى اثنا عشر سنة! ماذا يصنع طالب العلم؟! إذا حضر أربع سنوات ماذا عن البقيَّة؟! نقول: يُكْمِلْ أيضاً بواسطة الأشرطة على ما تقدَّم؛ لأنَّ ما لا يُدْرَكْ كُلُّهُ لا يُتْرَك جُلُّهُ؛ لأنَّ التَّرك ليسَ بِحَل؛ إنَّما عليهِ أنْ يَصْبِرْ، ويُصَابر، ويُثَابِرْ، ويَسْتَكْمِلْ ما فَاتَهُ بالطُّرُق المُناسبة.(1/3)
هل يقدر المُسلمون قَدْر الدُّنيا وقدر الآخرة؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيءٍ من النَّوافل أشدُّ تعاهُداً منهُ على ركعتي الفجر)) وفي لفظٍ لمُسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدُّنيا وما فيها)) قد يقول قائل: هاتان الرَّكعتان تُؤَدَّيان في دقيقتين، والإنْسَان يكدح طُول عُمره ما حَصَّل مليون! والدُّنيا فيها المِلْيَارات، نعم هي خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، يعني عند الله -جلَّ وعلا-، والدُّنيا لا تَزنُ عند الله جناح بعُوضة، ولو كانت تَزِن عند الله جناح بعُوضة ما سقى كافر شربة ماء؛ لكن هل يقدر المُسلمون قدر الدُّنيا وقدْر الآخرة؟! الذِّي يَلْهَثْ وراء الدُّنيا ليل نهار، وينشغل عن الواجبات ويقطعُ الأرحام ويرتكب المُحرَّمات من أجل الكَسْب! كسب الحُطَام، هل هذا عرف حقيقة الدُّنيا؟! ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)) ومع ذلك يبني القُصُور الشَّاهقة، ويمتلك الأموال، ويقطعُ الأرحام ويرتكب مُحرَّمات، مُوبِقات من أجل الحُطام! ويبخل بالأركان! يبخل بالزكاة التِّي هي رُكن من أركان الإسلام، هل هذا عَرف حقيقة الدُّنيا؟ الذِّي عَرف حقيقة الدُّنيا بالفِعل سعيد بن المُسيِّب عَرف حقيقة الدُّنيا جَاءَهُ مندُوب الخليفة يخطُبُ ابنتَهُ لابنِهِ، هذا السَّفير مندُوب الخليفة يقول: جاءتكَ الدُّنيا يا سعيد بحذافيرها، ابنُ الخليفة يُريد بنتك، ماذا كان جواب سعيد؟ قال سعيد: إذا كانت الدُّنيا لا تزنُ عند الله جناح بعُوضة، فماذا عسى أنْ يُقصّ لي الخليفة من هذا الجناح؟! صحيح وش بيعطيه من هالجناح؟ لكن، اللهُ المُستعان، حالُ المُسلمين، وواقع المُسلمين، ولِسَانُ الحال، يقول بأعلى الصُّوت: أن الدنيا أدنى شيء من الدُّنيا في عُرف النَّاس أفضل من الآخرة! يعني هو إنْ لم يَقُلْها بلسانهِ! هذا فِعل كثيرٍ من النَّاس، يعني لَغَط النَّاس،(1/1)
وصَخَبهُم النَّاس ولَهَثَهُم وراء هذهِ الدُّنيا يُؤَكِّد هذا؛ لكنْ على الإنسان وإنْ اعْتَنَى بِدُنْيَاهُ، وكان على خِلاف الأصل، خِلاف الهَدَفْ الشَّرعي من وُجُودِهِ وهو تحقيق العُبُودِيَّة، إذا نَسِيَ دِينَهُ فلا يَنْسَ ما أوْجَبَ اللهُ عليهِ، ولا يَجُوزُ بحال أنْ يَرْتَكِبَ ما حَرَّمَ اللهُ عليهِ، وما عدا ذلك الأمر فيه سهلٌ إن شاء الله تعالى، واللهُ أعلم، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسُولِهِ نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/2)
المُدَاوَمَة على العمل الصَّالح
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال لي رسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله!)) يعني يا عبد الله بن عمرو يُخاطِبُهُ ((لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام الليل)) [مُتَّفقٌ عليه]، وهذا يدُلُّ على أهميَّة قيام الليل، وفضل قيام الليل، ويدل أيضاً على فضل المُداومة على العمل الصَّالح، وأنَّ من عَمِلَ عملاً صالحاً عندهُ فيه حُجَّة شرعيَّة لا ينبغي لهُ أنْ يَتْرُكَهُ؛ لأنَّ التَّرك نُكُوص عن الحق، والنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- إذا عَمِلَ عملاً أثْبَتَهُ؛ لكنْ ما يمنع أنْ يكُون الشَّخص يَعْمل العمل في وقت نشاط ثُمَّ يفتُر عنهُ ثُمَّ يَعُود إليهِ، ولا يَمنع أنْ يترُكَهُ إلى أهمّ منهُ، قد يلزم الإنسان عمل يُداوم عليهِ من النَّوافل ثُمَّ يرى أنَّ غير هذا العمل أفضل منه، مثال ذلك: لو أنَّ أحداً من أهل العلم لَزِمَ عِبادة من العبادات صيام نوافل مثلاً، قيام الليل، صلاة أعداد من الرَّكعات أثناء النَّهار، ثُمَّ رأى أنَّ هذا العمل يَعُوقُهُ عن تعليم النَّاس الخير، أو رأى أنَّ مثل هذا العمل يُضْعِفُهُ عن عمله المَنُوط بِهِ، ثُمَّ ترك بعضهُ وخَفَّفْ، يعني هل الأفضل للعالم مثلاً أنْ يقرأ القرآن يختم كل يوم أو يُخَفِّف من القراءة ويُعلِّم النَّاس الخير؟ لو كان ديدنُهُ يقرأ القرآن في ثلاث؛ لكنْ قِراءتُهُ القرآن في ثلاث تَعُوقُهُ عن بعض الدُّرُوس أو عن التَّصدِّي لقضاء حوائج النَّاس لا سِيَّما إنْ كان مِمَّنْ يُحتاج إليه أو إفتاء النَّاس أو توجيههم، ألا يُقال لهُ اقرأ القرآن في سبع وعلِّم النَّاس الخير؟ يقول يا أخي أنا مُعتاد أنْي أقرأ في ثلاث! وترك العمل مذمُوم، نقول: نعم، إذا تركتهُ لما هو أفضل منهُ لا تُذم، أمَّا هنا يقول: ((يا عبد الله، لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام(1/1)
الليل)) نعم قيام الليل دأبُ الصَّالحين، وقد قال النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((نعم الرجل عبد الله)) ابن عُمر ((لو كان يقُومُ من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلاَّ قليلاً، قيام الليل دأبُ الصَّالحين، واللهُ المُستعان، ((لا تَكُن مثل فُلان)) فُلان ما سُمِّي في الغالب أنَّ ما يأتي بمثل هذا السِّياق لا يُسمَّى، ولا يُحرص على تسمِيتِهِ سَتْراً عليهِ، يعني كُتب المُبْهَمات تُعنى ببيان مثل هذا، إذا مرّ فُلان شخص مُبهم يُسَمُّونهُ، ويبحثُون عنهُ، ويحرصون على جمع الطُّرق من أجل أنْ يظهر هذا الاسم، ومعرفة المُبهمات لا شكَّ أنَّ لها فوائد؛ لكنْ مثل هذا الذِّي ورد بمثل هذا السِّياق يُسْتَرْ عليهِ؛ لأنَّ السِّياق سِياق ذمّ ، ((لا تَكُن مثل فُلان كان يقُومُ من الليل، فترك قيام الليل)) ففي هذا استحباب المُداومة على العمل الصَّالح، وعدم ترك ما اعتادَهُ الإنسان إلاَّ إذا كان تركُهُ إلى ما هو أهمّ منهُ وأفضل منهُ مفضُول ((وأحبُّ العمل إلى الله أَدْوَمُهُ – في رواية – ما دَاوم عليه صاحبه)) فالمُداومة على العمل والمُتابعة أفضل، وفعل العمل ثُمَّ الانقطاع لا شكَّ أنَّهُ يُشعر بشيء من الرَّغبة عن العمل الصَّالح، فبدلاً من أنْ يزداد الإنسان ينقُص! لا شكَّ أنَّ هذا مذمُوم شرعاً.(1/2)
صلاة الليل
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ)) ما يحتاج أنْ تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ مَشْهُور! لا يُسْأَلْ عنهم، أو لا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ؛ لأنَّني لا أستطيع أنْ أَصِفْ هذا الحُسْن وهذا الطُّول، لا أستطيع حقيقةً أو لأنَّك ومثلك لا يحتمل مثل هذا الوصف؛ لأنَّ بعض النَّاس ينظر إلى النَّاس ويقيس فِعلهم على فعله، يعني لو قيل لواحد من النَّاس من أوساطنا أنَّهُ يُمكن قِراءة القرآن بيوم، قال: مُستحيل! يُمكن أنْ يُصلِّي الإنسان في اليوم واللَّيلة ثلاثمائة ركعة يقول: مُستحيل! لماذا؟ لأنَّهُ ما يحتمل مثل هذا العمل يقيس النَّاس على نفسه! بالمُقابل من سُهِّلت لهُ العِبادة يَسْتَغرب أنْ يُوجد شخص يستثقل بعض العبادات أو بعض الأعمال؛ لأنَّها مُيَسَّرة هذا بالنِّسبةِ لهُ؛ ولذا نقل البُخاري في كتاب البُيُوع من صحيحه عن حسان بن أبي سنان يقول: ما رأيتُ شيئاً أهونُ من الوَرَعْ!!! دع ما يريبك إلى ما يريبك، هذا الذِّي عَجِزَ عنهُ الخَواص فضلاً عن العوام، يقول: ما رأيتُ شيئاً أهونُ؛ لأنَّهُ يتحدَّث عن نفسه، ونحنُ إذا قِيلَ لنا إنَّ فُلاناً من النَّاس يقرأ القرآن في ثلاث أو في يُوم، قلنا: مُستحيل؛ لأنَّنا نقيس النَّاس على أنفُسنا، وهنا تقول: ((لا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ)) لأنَّك ما تستوعب؛ لأنَّهُ ثبت في الصَّحيح أنَّهُ قرأ بالبقرة ثُمَّ النِّساء ثُمَّ آل عمران، وقِراءة النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- مد، يقرأ خمسة أجزاء في ركعة واحدة وقراءتُهُ كانت مَدًّا -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-، يعني الهذّ القراءة مع الهذّ والسُّرعة الشَّديدة تحتاج إلى ساعة، ومع التَّرتيل لا يكفيها ساعتين إذا أضفنا أنَّهُ رَكع رُكُوعاً طويلاً نحو قِيامِهِ! سجد سُجُوداً نحو رُكُوعه قريباً من رُكُوعِهِ كم تكون التَّسليمة بهذهِ الصِّفة؟ كم تحتاج إلى ساعات؟ ولذا(1/1)
قالت: ((فلا تسأل عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنّ)) مثل ما ذكرنا عن قياس النَّاس عن النَّفس طرداً وعكساً، نُقِل عن بعض عُلماء المغرب وهذا يُسْتَغرب في الوقت الحالي في القرن السَّابع نُقل عنهُ أنَّ الخلاف في كُفر تارك الصَّلاة خِلافٌ نظري لا حقيقة لهُ في الواقع لماذا؟ لأنَّهُ لم يَتَصَوَّر أنَّ من ينتسب إلى الإسلام يترك الصَّلاة! العُلماء افترضُوا هذه المسألة وإلاَّ لا وُجُود لها، ---، يندُر أنْ يُوجد في بيت من بُيُوت المسلمين لا يُوجد فيه إما واحد يؤخر الصَّلاة عن وقتها من ذكر أو أنثى أو ما يُصلِّي بالكُلِّيَّة! ابتُلي النَّاس بمثل هذا، ويقول: هذه مسألة افتراضِيَّة ما يُمكن، احتمال أنْ يكون في وقت شرار النَّاس بعد الدَّجَّال بعد كذا يُمكن! لكن في أوقات استقامة الأحوال ما يُمكن افتراضيَّة هذه، هذا شخص يتحدَّث بقدر ما عندهُ، واللهُ المُستعان ((يُصلِّي أربعاً -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ ثُمَّ يُصلِّي أربعاً فلا تسأل عن حُسْنِهِنّ وطُولِهِنّ، ثُمَّ يُصلِّي ثلاثاً)) هذهِ إحدى عشرة ركعة من أرادَ أنْ يقتدي بِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام- بالكَيْفِيَّة والكَمِّيَّة فهذا هو المُتَّبِع؛ لكن من قال أنا أقتدي بِهِ في الكَمِّيَّة وأُصلِّي إحدى عشرة كل ركعة بدقيقة مُجزأة تُسمَّى ركعة صحيحة بدقيقة إحدى عشر دقيقة أو اثنا عشر دقيقة وهو منتهي من الوتر! ومع ذلك يقول: مثل هذا إنَّ الزِّيادة على الإحدى عشر بدعة؛ لأن النبي ما كان يزيد -عليه الصَّلاة والسَّلام- على الإحدى عشرة، نقول: الذِّي لم يزد وعرفنا صفة صلاته -عليه الصَّلاة والسَّلام- هو الذِّي قال: صلاةُ الليل مثنى مَثنى، يعني استمر تُصلّيِ مثنى مَثنى هل حدَّد؟ ما حدَّد؛ إنَّما قال: ((فإذا خشيت الصُّبح فصلِّ واحدة تُوتر لك ما قد صلَّيت)) فإطلاق هذا الحديث يدلُّ على أنَّهُ لا عدد محدد، لا تحديد للعدد، ولذا من يقول:(1/2)
أنَّ الزِّيادة بدعة، نقول: قولُهُ مردُود؛ فالنبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- أطْلَق، ولم يُحدِّد صلاةُ الليل مَثْنَى مثنى، لو تُصلِّي عشرين ثلاثين تسليمة داخل في حديث: ((صلاةُ الليل مَثْنَى مثنى)) لكنْ إذا خَشِيَ الصُّبح صَلَّى واحدة.(1/3)
ظُهُور المَعَاصِي وفُشُوّ المُنْكَراتْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل اللهُ بقومٍ عذاباً)) يعني إذا عمَّهُم الله بعذابٍ؛ لظُهُور المعاصي وفُشُو المُنكرات؛ استحقَّ النَّاس العذاب العام – نسأل الله العافية – كما قال النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- في الحديث، لما قيل لهُ: ((أنهلكُ وفينا الصَّالحُون؟ قال: ((نعم، إذا كَثُر الخبث))، وهؤُلاء الصَّالحُون يُبْعَثُون على نِيَّاتِهم، يَعُمُّهُم العِقاب، فَيَمُوتُون مع النَّاس؛ لكنَّهُم يُبْعَثُون على نِيَّاتِهِم، فإذا جَهَر النَّاس بالمعاصي من غير نكير أصاب الجميع العذاب، ثُمَّ بُعِثُوا على نِيَّاتِهم، إنْ كانت صَالحة هذهِ النِّيَّاتْ؛ فالعُقْبَى صالحة؛ وإلاَّ فَسَيِّئَة، كذلك العذاب طُهرة للصَّالح، تكفير لما حَصَل منهُ منْ تَفْرِيط بالأمْر والنَّهي، ونِقمة على الفاسق، أخرج ابن حبان والبيهقي عن عائشة -رضي الله عنها- مرفُوعاً: ((إنَّ الله تعالى إذا أنزلَ سطوتهُ بأهلِ نِقْمَتِهِ، وفيهم الصَّالحُون قُبِضُوا معهم، ثُمَّ بُعِثُوا على نِيَّاتِهم وأعمالهم)) وفي السُّنن الأربع من حديث أبي بكر -رضي الله عنهُ-، سَمِع رسُول الله -صلى الله عليه وسلَّم- يقول: ((إنَّ النَّاس إذا رأوا المُنكر، فلم يُغيِّرُوهُ أوشكَ أنْ يَعُمَّهُم الله بعذاب))، هذا يُبيِّن أهمِّيَّة الأمر والنَّهي، وأنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يَرْفَعُ به العذاب، وأنَّهُ سبب تفضيل هذهِ الأُمَّة وخَيْرِيَّتِها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لماذا؟ لأنكم عرب؟! بسببٍ واحد {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران / 110 ]، ولماذا لُعِنُوا بنو إسرائيل؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة/79] هذا أمر في غاية الأهَمِّيَّة حتَّى عدَّهُ جَمْعٌ من أهل العِلْم سادس الأركان الأمر(1/1)
والنَّهي، وهذه الفئة المُكلَّفة بهذا الأمْر الذِّين هم أهل الحِسْبَة منْ قِبَلِ وليِّ الأمر لا شكَّ أنَّ الله -سُبحانهُ وتعالى- يَرْفَعُ بسَبَبِهِم العذاب؛ لكنْ قد لا يصدر بهم الواجب لكثرة المُنكرات! فَيَتَعَيَّن على جميع منْ رَأَى مُنكر أنْ يُغيِّرُهُ، ولا يعتمد على أهل الحِسبة، كل شخص كل مُسلم يتَّجِه إليهِ الخِطَابْ من المُكَلَّفِينْ مُكَلَّف بقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من رأى منكم مُنكراً فليُغيِّره)) التَّغيير لا بُدَّ منهُ؛ لكنْ على حسب القُدْرَة والطَّاقة ((بِيَدِهِ)) مرتبة أُولى، بِيَدِهِ وهذا يستطيعه -بالنِّسبة لِعُمُوم النَّاس- وُلاة الأمور وبالنِّسبة لمن تحت اليد من النِّساء والذَّرَاري والأتباع يستطيع أن يُغيِّره ولي الأمر الخاص، وما عدا ذلك يُنتقل فيهِ إلى المرتبة الثَّانية وهي اللِّسان، على الإنسانْ أنْ يُغيِّر ((فإنْ لَمْ يَسْتَطِع فَبِلِسَانِهِ)) واللِّسان بالأُسْلُوب المُناسب، بالطَّريقة التِّي لا تهيب ولا يَتَرتَّب عليه أمر مُنكرٌ أعظم، يستطيع الإنسانْ أنْ يُغيِّر الكثير من المُنكرات، ولو تَتَابَعَ النَّاسُ على الإنكار؛ لما تَتَابَعَ أهلُ المَعَاصِي على عِصْيَانِهِم! لَخَفَّت هذهِ المُنكراتْ؛ بل انْقَطَعَ دَابِرُها؛ لكنْ تواطأ النَّاس على السُّكُوت، وهذهِ ضَرائِبْ السُّكُوت! ينتشر المُنكر بحيث يكون مِمَّا عَمَّتْ بِهِ البَلْوَى؛ لكنْ لو كان الأمر أوَّل ما بدأ أُنْكِر، ثُمَّ ظَهر ثانية أُنْكِر، وثالثة، وهكذا، بحيث لا يَرَاهُ مُسلِم إلاَّ أنكرهُ؛ ما انتشرت المُنكرات بهذا المُستوى! ما ظهرت الفواحش إلى هذا الحد! ماذا نَجْنِي من المواطئة على السُّكُوت؟! نَجْنِي العُقُوبة العَامَّة – نسأل الله جلَّ وعلا أنْ يلطف بنا – ((إذا أنزل اللهُ بقومٍ عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم)) يعني من الصَّالحين وغيرهم، ثُمَّ بُعِثوا على أعمالهم، كُلٌّ يُبْعَثْ على ما(1/2)
مات عليهِ منْ نِيَّة وعمل، والنَّاس إزاء المُنكرات على ثلاثة أقسام -كما بيَّن الله -جلَّ وعلا- مِنْهُم من يقع في المُنْكَرْ، ومنهم من يُنْكِر، ومنهم من يسكُت، {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف]، ولا شك أنَّ المُنْكِر سالم، القِسْمُ الثَّالث الذِّي سَكَتْ، يقول: بعضُ السَّلف أنَّهُمْ سَكَتُوا فَسُكِتَ عنهم، {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [(165) سورة الأعراف] هؤُلاء الذِّين ينهَوْنْ {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} بقي القسم الثَّالث فهم سَكَتُوا يقول بعضُ السَّلف فَسُكِتَ عنهم، والصَّحيح أنَّهُم هؤُلاء الذِّينَ سَكَتُوا مع القُدْرَة على الإنْكَار مع الذِّينَ ظَلَمُوا؛ لأنَّ عَدَمْ إنْكَار المُنْكَر ظُلْم، فَهُم داخِلون في الظَّالِمِينْ، الحديث فيه التَّحذير الشَّديد والوَعِيد الأكيد بالنِّسبة لمن سَكَتَ عن النَّهي، فكيفَ بِمَنْ دَاهَنْ؟! فكيفَ بِمنْ رَضِيْ؟! فكيفَ بِمَنْ أَعَانْ؟! يعني يَسَّرْ أَسْبَابْ انْتِشَار المُنْكَرْ، هذا أمْرُهُ أَعْظَمْ، هذا شَرِيكْ، فكيفَ بِمَنْ بَرَّرْ وُجُود المُنْكَراتْ؟! نسأل الله السَّلامة والعافية.(1/3)
ما الفَائِدَة أَنْ تَزْرَعْ زَرْعاً لا يُنْتِجْ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الثَّمرة من العلم العمل؛ وإلاَّ ما الفائدة من علمٍ بلا عمل؟ ما الفَائِدَة أَنْ تَزْرَعْ زَرْعاً لا يُنْتِجْ؟! قد يُستعمل الزَّرع من أجل الظِّل، ومن أجل الاستمتاع بمرآه؛ لكنْ علم بلا عمل هذا وبال على صاحبه، لا يخرج منه الإنسان كفافاً...
واعمل بما تسمعُ في الفضائلِ ... ...................................
واحد من أهل العلم يقول: أَدُّوا زكاة العلم بالعمل، حتَّى قال بعضهم بالنِّسبة للفضائل: أنْ تعمل من كُلِّ مائتي حديث بخمسة أحاديث، هذا بالنِّسبة للفضائل والمُسْتَحَبَّات لا بأس، لكَ ذلك؛ أما الفرائض التِّي أوجبَ اللهُ عليكَ العملُ بها هذهِ لا يجُوز لك أنْ تُفرِّط بحديثٍ واحد، كل ما سمعت مما فيه إيجاب أو تحريم عليكَ أنْ تفعل الواجب وتترك المُحرَّم، ولا تنتقد تقول: والله هذا الحديث يقولون الزكاة – لا – الزَّكاة من القدر الزَّائد على الواجب والمُحرَّم، واعمل بما تسمعُ في الفضائلِ، ولا شكَّ أنَّ العمل من أقْوَى وسائل تثبيت العلم، الذِّي يسمع العلم ولا يعمل بِهِ ينساهُ؛ لكن إذا عَمِلَ بِهِ خلاص يَثْبت عندَهُ، يثبت عنده هذا العلم؛ لأنَّهُ مُلازِمٌ لهُ.(1/1)
الاسْتِخْفَاف بالسُّنَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
بعض النَّاس من قصد أو من غير قصد حتَّى بعض الشَّباب الأخيار وبعض العوام، قد يقول كلام مُحتواهُ الاستخفاف بالسُّنَّة؛ لكنْ علينا أنْ نَنْتَبِه لهذا، فالاسْتِخْفَاف بالسُّنَّة شَأْنُهُ عظيم؛ لأنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بالدِّينْ، اسْتِخْفَافٌ بالدِّينْ واسْتِهْزَاءٌ بالدِّينْ، والاسْتِخْفَاف والاسْتِهْزَاء كما يكونُ بالقول يكون بالعمل أيضاً؛ فَلْنَكُن على غاية الحَذَرْ منْ هذا الباب؛ وليكُن هَمُّنا ودَيْدَنُنا تعظِيم الدِّينْ، وما جاء بِهِ الدِّينْ.(1/1)
الفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((إنَّ الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً ينتزِعُهُ من صُدُور الرِّجال؛ وإنَّما يقبضُ العلم بقبضِ العُلماء، فإذا قُبِضَ العُلماء اتَّخَذ النَّاس رُؤُوس جُهَّالْ سُئِلُوا فأفْتَوْا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)) لا بُد من وُجُود من مثل هؤُلاء قَضَاءً، ولا يعني أنَّهُم شرعاً يُمَكَّنُونْ؛ لأنَّ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- أخبر عنهم! - لا – هُم قَدَراً قَضَاءً موجُودينْ مِصْدَاقاً لحديثهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ لكنْ لا يعني أنَّهُم لا بُدَّ أنْ يُوجَدُوا شرعاً، فَيَمْتَثِل من وَلاَّهُ الله أمر المُسلمين أنْ يُعيِّنْ من أمثال هؤُلاء لِتَطْبِيق هذا الخبر ما يُمكن؛ لأن ما جاء الخبر عنهُ مما سيقع في آخر الزَّمن ليس مطلُوباً إيجادُهُ ولا تَحْقِيقُهُ؛ إنَّما هو موجُود كعلامة لقُرب السَّاعة، وُجُود مثل هؤُلاء لا شكَّ أنَّهُ موجُود ومُنْذُ أزمان؛ لكنْ على طالب العلم الذِّي يُريد الفائدة، وعلى العَامِّي أيضاً أنْ يَنْظُر من يقتدي بِهِ، يَنْظُر من يُقلِّد، يَنْظُر من يعتمد فَتْوَاهُ.
وليسَ في فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَع ... ما لم يُضِفْ للعلم والدِّينِ الوَرَعْ(1/1)
إذا وُجِدَ الوَرَعْ والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتْ إلْزَمْ، هذا الذّي أرادَ اللهُ بِهِ خيراً، أمَّا الشَّخص الذِّي يُفتي في كل مسألة، يَقْتَحِم كُلّ غُمْرَة، ولا يَتَرَدَّد في شيء، ولا يَتَوَرَّعْ عن شيء، مثل هذا تَصَرُّفاتُهُ تُوجد منهُ رِيبة ولو كان عندهُ شيئاً من العلم، ما لم يَتَّصِفْ بهذا الوَصْف الذِّي لابُدَّ من تحقيقه لمنْ يُوقِّع عن الله -عزَّ وجل- في الفتوى، المُفتي في الحقيقة يُوقِّع عن الله -عزَّ وجل-، فإذا لم يَتَّصِف بهذا الوَصْف الذِّي هُو الوَرَعْ الذِّي يَجْعَلُهُ يَحْتَاطْ ويَتَحَرَّى ولا يُفْتِي فيما لا يَعْلَم، والمُلاحظ أنَّ كثيراً ممّن يَتَصَدَّى لهذهِ الأُمُور لا يُعْرَفْ عنهُ أنَّهُ قال الله وأعلم! أو لا أدْرِي! مثل هذا تُصاب مَقَاتِلُهُ، مثل هذا يَقَعْ في الخطأ؛ بل يكثُر منهُ الخطأ، ولا يُعان، ولا يُسَدَّدْ، ولا يُوفَّقْ، النَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لمَّا تكلَّم عن الخيل وأنَّها لثلاثة لرجُلٍ وِزْر، ولرجُلٍ أجر، ولآخر وزر، ولثالث سِتْر بعدها فَصَّلْ، ثُمَّ سُئِلْ عن الحُمْر، فقال ما أُنْزِل عليَّ فيها شيء! الرسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- المَعْصُوم، إلاَّ هذهِ الآية الجامعة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [(8) سورة الزلزلة]، هذه تربية لمنْ يَتَوَلَّى إفْتَاء النَّاس، فإذا كان الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يقف ما أُنْزِل عليَّ فيها شيء، يعني بالتَّفصيل ما أُنزل شيء؛ لكنْ دُخُولها في عُمُوم هذهِ الآية تدخل، وتجد كثير من أنصاف المُتعلِّمين يتولَّى يُصدِّر النَّاس في العُضل في المسائل الكُبرى في الأُمُور التِّي يَتَرَتَّب عليها تغيير مسارات في مصائر الأُمَّة قد تجد بعض النَّاس يَتَصَدَّى بكلامٍ أشْبَه بالتَّحليلات الصَّحَفِيَّة! يَتَوَقَّعْ أن يكُون كذا، واجتمع عندهُ(1/2)
قرائن وكذا، ويالله خُذ! فمثل هؤُلاء عليهم دائماً أنْ يَتَّقُوا الله -عزَّ وجل-، ((وأَجْرَأُ النَّاس على الفُتْيَا أَجْرَؤُهُم على النَّار)) ويُخْشَى أنْ يَدْخلُوا في عِدَادِ من يَكْذِبْ على الله -عزَّ وجل- {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]، كذب؛ بل من أَظْهر وُجُوه الكذب على الله -عزَّ وجل- الفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمْ إذْ أنَّكَ تقول حُكمُ الله في هذهِ المسألة كذا، وأنت تكذب عليه {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر]، فعلينا أنْ نَحْذَر مثل هؤُلاء ونَتَّقِيهِمْ، ونُقل عنهم أُمُور تسامحُوا فيها وتَسَاهلُوا وقَلَّدَهُم النَّاس ووقَعُوا فيما وَقَعُوا فيهِ بسبب أمثالِ هؤُلاء، واللهُ المُستعان، ولا يُعنى شخص بعينِهِ؛ لكنْ الكلام عام يعني، وأنا لا أقصد شخص بعينِهِ لكن يُوجد من أمثال هؤُلاء، واللهُ المُستعان.(1/3)
خُذْ مِنَ العِلْمِ مَا يَنْفَعُكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العلم مهما أُخِذَ منهُ، ومهما تَزَوَّد الإنسانُ منهُ، أوَّلاً: أنَّكَ لا تَنْقُصُ منْ أَخَذْتَ منهُ العلم؛ لأنَّ العلم يَزِيد بالإنْفَاق، ما يَنْقُصْ.
الأمر الثَّاني: أنَّكَ قد أَخَذْتْ، فأنتَ ومن أَخَذْتَ منهُ ومِمَّنْ أَخَذَ منهُ، كُلُّ هذا شيءٌ يسير لا يُذْكَرْ في جانب عِلْمِ الله -جلَّ وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء]، وما عِلْم مُوسى والخَضِرْ إلاَّ كما نَقَرَ العُصْفُور من البَحْر بالنِّسبة لعلم الله -جلَّ وعلا-، فَعَليكَ من العِلْم بما يَنْفَعُكْ، وإلاَّ العُمر لا يَسْتَوْعِبْ كُلَّ العِلْم، فَأَنْتَ تبدأ بالمُهِم؛ لِتُدْرِك هذا المُهِمّ، واتْرُكْ غيرَهُ وإنْ كان فيهِ شيء من النَّفْع والفَائِدَة.
وبالمُهِمِّ المُهِمّ ابدأ؛ لِتُدْرِكَهُ ... وقَدِّمِ النَّصَّ والآرَاءَ؛ فاتَّهِمِ
لا بُدَّ أنْ يَبْدَأَ الإنْسَانَ بالمُهِم؛ لأنَّهُ إذا كان يَخْلِطْ مُهِمّ، وغير مُهِمّ، ويُلَقِّط من ذا، ويمين ويسار يخلط ، مَا يَصْلَح، يَضِيع العُمر بدُون فائِدَة، فَعَلى طالب العلم أنْ يُرَتِّبْ نَفْسَهُ، ويَأْخُذْ من العلم ما يَنْفَعُهُ؛ لأنَّهُ لَنْ يُحِيطْ بالعِلْم، يقول: نبي نأخذ من العلم ما ينفع وما لا يَنْفَع العُمر ما يَسْتَوْعِبْ، عُمرك لا يَسْتَوْعِبْ كُلّ مَا يَنْفَع؛ فضلاً عَمَّا لا يَنْفَعْ!(1/1)
مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وحَدَّثَنِيه عمرو النَّاقد ((فمَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ)) ويُنْتَبَه لهذا يا الأخوان مَنْ مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، قبل بضع سنوات شخصٌ كبير السِّن عاش دهراً طويلاً يُقرئ النَّاس القُرآن، ثُمَّ تَعِبَ عن إقراء النَّاس القرآن فَلَزِمَ المُصْحَفْ يَقْرَأ، فمات -رحمة الله عليه- ورأسُهُ في المُصحف يَنْتَظِر شُرُوق الشَّمس؛ لأنَّهُ اعتاد هذا، من عَاشْ على شيء مات عليه، ومن مَات على شيء بُعِثَ عليهِ؛ فلنحرص على مثل هذا؛ لتكُون الخاتمة مُشَرِّفَة.(1/1)
اخْتَبِر نفسك!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الذِّي لا تَعِظُهُ نُصُوص الكتاب والسُّنَّة لا فَائِدَة فيه هذا، نعم زيارة القُبُور، والإطلاع عليها، وتَصَوُّر حال المَقْبُورين، وشُهُود المُحتضَرين، هذا مُؤثِّر بلا شك؛ لأنَّ الموت واعظ وزاجِر؛ لأنَّهُ مُقدِّمة للأهوال العَظِيمة التِّي تَلِيه، فَمَنْ اعْتَبَر واتَّعَظْ بِزِيارة القُبُور، وحُضُور المُحتضَرين، وما يَحْصُلُ لهم عند الانتقال من هذهِ الدَّار إلى الدَّار الآخرة مع ما وَرَد في آيات الكتاب ونُصُوص السُّنَّة من الزَّواجر والمواعظ التِّي تُحرِّك القلوب، والقرآن شأنُهُ عظيم {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا} [الحشر/21]، وقُلُوب عُمُوم المُسلمين لا أقول الكل؛ لكنْ الغالب أشد صلابةً من الجبال الرَّواسي، بدليل أنَّهُم تمُرُّ عليهم الزَّواجر؛ ولا يَزْدَجِرُونْ! تمُرُّ عليهم الأوامر؛ ولا يَأْتَمِرُونْ! تمُرُّ عليهم النَّواهي؛ ولا يَنْتَهُون! لو أيّ شخص يسأل نفسهُ حينما يسمع الإمام يقرأ {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المُدثر/8] هل تُحَرِّك فيهِ شَعْرَة؟! يختبر نفسه؟ يقرأ سُورة هُود هل يتأثَّر؟ والله إنُّهُ لا يُوجد فرق بينَ أنْ يَقْرَأ سُورة هُود أو يَقْرَأ خبر رياضي في جَرِيدة، ما هُناك فرق عند كثير من النَّاس ومُحَدِّثُكُم واحدٍ منهم! نحنُ نتحدَّث من واقِع نَعِيشُهُ، ثُمَّ نضطر نتجاوز هذه النُّصُوص ونأتي بأمُور مُحدثة تَشْمَلُها نُصُوصٌ صَحِيحةٌ صَريحة، ونقول: نُتَوِّب العُصاة بها!.(1/1)
المَحَجَّةُ البَيْضَاءْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وأَيْمُ اللهِ، لقد تَرَكْتُكُم على مِثْلِ البيضاء لَيْلُها ونهارُها سَواء)) في بعض الرِّوايات وفيها كلام ((لقد تركتم على المَحَجَّة البَيْضَاء لَيْلُها ونهارُها سَواء)) لَيْلُها كَنَهَارِها، يعني في الوُضُوح، فالإنسان يسيرُ على الصِّراط المُستقيم الواضح البَيِّن الذِّي لا يَعْتَرِيهِ خَفاءٌ ولا غُمُوضْ في اللَّيْلِ والنَّهارِ على حَدٍّ سَواء، وهذا بالنِّسبة لمن اتَّبَع، واقْتَفَى، ونَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ بالإيمان، أمَّا منْ غَشَتْ على قَلْبِهِ الشَّهَواتْ والشُّبُهات؛ فقد يَمِيل عن هذا الصِّراط يَمْنَةً أوْ يَسْرَة ((لَيْلُها ونهارُها سَواء))، قال أبُو الدَّرْدَاء: صَدقَ والله رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- تَرَكَنَا والله على مِثْلِ ((البيضاء لَيْلُها ونهارُها سَواء)) هل كلامُ الرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يحتاج إلى تَصْدِيق؟! لا يحتاج إلى تَصْدِيق، فهو الصَّادق المَصْدُوقْ؛ لكنْ كلامُ أبُو الدَّرْدَاء قَالَهُ بعد وفاة النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بأزْمَانْ، والإنسان أحياناً يَجِدُ مِصْدَاق خبرٍ سَمِعهُ عن النَّبي -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- كالشَّمْسْ، يَمُرُّ بنا وَقَائِعْ وأحْدَاثْ لها دلالاتُها من الكِتاب والسُّنَّة تَدُلُّ على أنَّها صَدَرَتْ بالفِعِل من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-.(1/1)
النَّجَاة من الفِتَنِ والمِحَنْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على طالب العلم في مثل هذهِ الظُّرُوف أنْ يعتصم بالكتاب والسُّنَّة، وإذا أشكل عليهِ شيء منهما أنْ يَسْأَلْ مَنْ يُوثَقْ بِعِلْمِهِ وعَمَلِهِ أهَلَ العِلْمِ والعَمَلْ، ولْيَحْذَرْ كُلّ الحَذَرْ مِمَّنْ عُمْدَتُهُ على َسَائِل الإعْلام فقط!؛ لأنَّ بعض النَّاس في مِثْلِ هذهِ الظُّرُوفْ تَفَرَّغْ ليل نَهار أمَام هالقَنَوات وتحليلات وأخبار أكثرُها فراء؛ لكنْ في ديننا -ولله الحمد- ما يَكْفُلُ لنا الخَلَاصْ والنَّجاة والفِكَاكْ منْ هذهِ الفِتَنْ وهذهِ المِحَنْ، فعلينا أنْ نَعْتَصِم بِكتاب الله -جلَّ وعلا- وسُنَّة نبيِّنا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وعلى طالب العلم أنْ يُعْنَى بالعِبادات الخَاصَّة، من الإكْثَار من النَّوافِلْ كالصَّلاة والصِّيام وغيرها من أنواع العِبادات، وتنَوُّع العِبادات في الشَّرع لهُ مقاصد كبيرة جدًّا، شيخ الإسلام لهُ رسالة في تنوُّع العبادات؛ لأنَّ بعض النَّاس يُناسِبُهُ هذا وبعضُ النَّاس لا يُناسِبُهُ هذا، فَتَنَوُّع العِبَادات رَحْمَة في دِيننا -ولله الحَمْد-، فإذا أَكْثَرْ مِن العِبَادَات الخَاصَّة، وصَدَق في لَجَئِهِ إلى الله -جلَّ وعلا-؛ خَلَّصَهُ من هذهِ الفِتَنْ وهذهِ المِحَنْ، وكِتابُ الله -جلَّ وعلا- فيهِ المَخْرَج منْ كُلِّ فِتْنَةٍ، وبلاءٍ، ومِحْنَةٍ، فَعَلى طالب العلم أنْ يُعْنَى بِهِ.(1/1)
قِيمَةُ الإنْسَانْ عَمَلُهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-: ((يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ...)) ثلاثة أُمُور، ثلاثة أشياء، كُلُّها تَتْبَعُهُ ((فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ)) هُو المُوحِشْ أو المُؤنِّسْ هذا الواحد، إمَّا أنْ يكُون أَنِيساً لهُ في هذهِ الحال، في حال الوِحْدَة والغُرْبَة أو يكُون زِيادة وَبَالْ وعَنَاء، مُوحِشْ، وشَكْلُهُ وخِلْقَتُهُ إمَّا كذا أو كذا، إمَّا أَحْسَن النَّاس وَجْهاً أو أقبح النَّاس وَجْهاً، ((يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ)) أولادُهُ، أَعْمَامُهُ، أَخْوَالُهُ يَتْبَعُونهُ إلى المَقْبَرَة، ثُمَّ يدفِنُونهُ ويَرجِعُون، بيتصَوَّر أحدٍ بيبقى؟! بيرجِعُون، مَالُهُ يبي يشال على الصالون اللي شروه بحُر ماله، وبيتْبَعُهُ إلى المقبرة ثُمَّ بعد ذلك يرجع يَقْتَسِمُهُ الوَرَثَة لكنْ ما الذِّي يَبْقَى؟! يَبْقَى العَمَلْ، وقِيمَةُ الإنْسَانْ عَمَلُهُ، هي جُمْلَة قِيمَتُهُ ((ويَبْقَى عَمَلُهُ)).(1/1)
أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حديث مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، عن أبيه، مُطرِّف بن عبد الله سَيِّدٌ جليل من ساداتْ التَّابعين، وأبُوهُ صحابي، يقولُ: ((رأيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُصلِّي وفي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزِيزِ المِرْجَلْ)) القِدْر إذا كان على النَّار وهو يَفُور، مع الأسف إنَّ هذا يكاد أنْ يكون ممَّا انْدَرَسْ، حتَّى مع الأسف الشَّديد منْ بعض طُلاَّب العلم، ولا أُبالغ إذا قلت إنَّ بعض العامَّة قد يُوجد منهُ مثل هذا الأمر، وكثير من طُلاَّب العلم بسبب الغفلة والانشغال فيما لا فائدة فيه؛ لمَّا فُتِح على طُلاَّب العلم أبواب الجرح والتَّعديل التِّي لا يستفيد منها الكثير، هذا صار لهُ عُقُوبات، صار لهُ حرمان من بركة العلم والعمل، أنا لا أقول كُلّ طُلاَّب العلم بهذه المكانة؛ لكنَّهُ موجُود على كُلِّ حال, بعض طُلاَّب العلم مع الأسف هَمُّهُ قال فُلان، قال عَلاَّن، القَدْح في العُلماء، عليكَ بخويصة نفسك، أَلْزَمْ ما عليك نَفْسِك، أَصْلِحْ نَفْسِكْ أوَّلاً، تَفَقَّد الخلل الذِّي لديك، يعني يَنْدُر أنْ نَسْمَع منْ يُصلِّي وفي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلْ من البُكاء، مَنْ قَلْبُهُ حاضِر في صَلاتِهِ، يَتَدَبَّر ما يقرأ ويَتَأَمَّلْ، واللهُ المُستعان، والأزِيزْ: هو الصَّوت النَّاتِج من الغَلَيَانْ، غَلَيَانْ القِدْر إذا وُضِع على النَّار يَفُورْ، وخَرَّج البُخاري عن عُمر -رضي الله عنهُ- أنَّهُ قَرَأَ سُورة يُوسف حتًّى إذا بَلَغَ قَوْلَهُ -جلَّ وعلا-: {إنَّما أشكُو بثِّي وحُزْنِي إلى الله} سُمِعَ نَشِيجُهُ -رضي الله عنهُ وأرضاهُ-، وإلى وقتٍ قريب ونحنُ نسمع من الأئِمَّة ومن خلفهم مثل هذا الأمر، وإلى وقتٍ قريب أيضاً في ليلة الثالث عشر أو الثاني عشر عند قراءة سُورة هُود الثاني عشر أو الثَّالث عشر النَّاس يبكُون، يُسْمَع لهم شيء من(1/1)
هذا كثير، وبعضُ الأئِمَّة يُقْصَدُ وإنْ لم يَكُنْ صَوتُهُ من الجمال بحيث يُؤثِّر في النَّاس؛ لكنَّهُ يَتَأَثَّر ويُؤَثِّرْ، وإنْ كانَ الحديثُ الوارد في هُود وأنَّ النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- سُئِلَ عنْ شَيْبِهِ، سَأَلَهُ أبُو بكر أراكَ شِبْتَ يا رسُول الله!، قال: ((شَيَّبَتْنِي هُود وأخَوَاتُها))؛ لكنْ هُود لا شكَّ أنَّها مُؤَثِّرَة، الخَبَر مُضْطَرِبْ، وبَعْضُهُم يُرَجِّح بعض الرِّوايات على بعض ويَنْتَفِي الاضْطِراب؛ ولكن على كُلِّ حال هي مُؤَثِّرة سَواءً ثَبَتَ الخبر أو لم يَثْبُتْ، وعندنا بعض النَّاس يَقْرَأْ سُورة هُود وكأنَّهُ يَقْرَأ جريدة! يعني لا أَثَرْ ولا تأثِيرْ – نَسْأَلْ الله العافِيَة -، وهذا يُخْشَى أنْ يكُون منْ مَسْخْ القُلُوب، ومَعْلُومٌ أنَّ مَسْخ القُلُوب أشَدّ من مَسْخ الأبْدَان، فَعَلَيْنَا جمِيعاً أنْ نَعْتَنِي بهذا الباب.(1/2)
اسْتَفْتِ قَلْبَكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
روى الإمامُ مُسلم -رحمهُ الله تعالى- من حديث النَّواسُ بن سمعان -رضي الله عنهُ-، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال: ((البر حُسنُ الخلق، والإثمُ ما حَاكَ في النَّفس، وكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عليهِ النَّاس))، ((البر حُسنُ الخلق، والإثمُ ما حَاكَ في النَّفس)) وجَدْت نفسك تَتَرَدَّد في هذا العمل، اتْرُكُهُ، لا سِيَّما قبل الانهماك في المُباحات والمكرُوهات؛ لأنَّ من يَنْهَمِكْ في المُباحات، ثُمَّ يتجاوزها إلى المكرُوهات قد لا يجد مثل هذا التَّرَدُّد، ولا يَحِيك في نفسِهِ مثل هذا الأمر، إنْ تَرَكَ المُحرَّمات فَبِها ونعمت، وإلاَّ سَوفَ يَجُرُّهُ انهماكُهُ في المباحات والمكروهات إلى ارتكاب المُحرَّمات، كما في حديث النُّعمان: ((كالراعي يرعى حول الحمى)) ((الحلالُ بَيِّن والحرامُ بيِّن وبينهما أُمُورٌ مُشتبهات، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وعِرْضِهِ، كالرَّاعِي يرعى حول الحِمَى)) نعم، وذِكْر القلب في حديث النُّعمان يَدُلُّنا على أَثَرْ المأْكَل والمَشْرَبْ على صلاح القلب وفسادِهِ، واللهُ المستعان، وعن وابصة بن معبد -رضي الله عنه- قال: أتيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، فقال له النبي -عليه الصَّلاة والسلام-: ((جئت تسأل عن البر والإثم)؟) مُعْجِزَة من أعلام النُّبُوَّة ((جئت تسأل عن البر والإثم؟! قُلتُ: نعم، قال: اسْتَفْتِ قَلْبَكْ))... لكنْ أيُّ قلبٍ يُمكن أنْ يُسْتَفْتَى؟! القلب السَّليم من الشَّهوات والشُّبُهات، مثل هذا القلب السَّليم من الشَّهوات والشُّبُهات يُسْتَفْتَى، ((اسْتَفْتِ قَلْبَكْ، البرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفس، واطمأنَّ إليهِ القلب، والإثمُ ما حاكَ في النَّفس، وتردَّدَ في الصَّدر، وإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ وأَفْتَوْكْ)) [رواهُ أحمد والدَّارمي بإسْنَادٍ لا بأسَ بِهِ].(1/1)
مسؤولية الآباء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أنْ يحرص على نفسه، ثم على ولده ومن ولاَّهُ أمرُهُ، من أبناء وبنات وزوجات وأقارب وجيران، ثُمَّ بعد ذلك ينتشر نَفْعُهُ، وإذا بَذَل الإنسان النَّفْعَ لِنَفْسِهِ أوَّلاً؛ أُعِينَ على نَفْعِ وَلَدِهِ، وإذا أُعِينَ على نَفْعِ وَلَدِهِ وأَثْمَرَتْ جُهُودُهُ؛ أُعِينَ على نَفْعِ الآخرين، وهذا بالتَّجربة ثابت؛ لكن قد يقول قائل: إنَّ الإنسان وهو مُؤيَّد بالوحي يبذل الأسباب لنفع أقرب النَّاس إليهِ ولا يستطيع! نقول: صحيح، نوح ما استطاع أن يُدخل ولده في دينِهِ، وامرأة نوح وامرأة لُوط مَثَلْ للكُفَّار، وبالمُقابل امرأة فرعون مَثَلْ للمُؤمنين، فالإنسان لا يَسْتَطِيع أنْ يَصِلْ إلى النَّتائج؛ وإنَّما عليهِ أنْ يَبْذُلْ الأسْبَاب، والنَّتائج بيدِ الله -جلَّ وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص]. ولا يُظَنُّ سُوءً بمن بَذَل ما يستطيعُهُ في نُصْحِ ولده وأهلِ بيتِهِ، ثُمَّ لم ينجح؛ لأنَّنا نُشاهد بعض أولاد العُلماء عندهم مُخالفات كبيرة، وبعض أولاد العامَّة فيهم اسْتِقامة، هل نقول: إنَّ هذا بَذَلْ وهذا ما بَذَلْ؟! النَّتائج بيدِ الله -جلَّ وعلا-، ويُحَدِّثُني شخص أنَّهُ يقول: واللهِ ما علمتُ، عندهُ ولدين، أنَّ أولادي حَفِظُوا القرآن إلا بعد أنْ دُعِيتُ إلى حفل التَّكريم ما عَرِف أنَّهم حفظُوا القرآن ولا يَحفظوا القرآن - ما يدري – مشغول، هذا من توفيق الله -جلَّ وعلا- للأولاد، أمَّا الذِّي ما بَذَلْ كيف يُؤْجَر؟! إنَّما الذِّي يُلْبَسْ حُلَّة الكرامة لمن سعى في ذلك، وحمل أولادَهُ على هذا، ويُوجد من أولاد العُلماء من عندهم المُخالفات وعندهم...،(1/1)
والقُلُوب بيد الله -جلَّ وعلا-، ولو حَرِصَ الإنسان أشَدَّ الحِرْص كما حَرِصَ النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على هِدَايَةِ عَمِّهِ، وفي النِّهاية قال عَمُّهُ هو على مِلَّة عبد المطلب، وفيه نزل قولُ الله -جلَّ وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}.(1/2)
مَسَاوِئ الغَضَبْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الغَضَبْ خُلُقٌ ذَمِيم، يَحْمِلُ صَاحِبُهُ على التَّصَرُّفات التِّي إذا عَادَ إلى رُشْدِهِ نَدِمَ عليها، وكم من شخص مَلَكَهُ الغَضبْ؛ فَتَصَرَّفْ تَصَرُّفاً أوْقَعَهُ في حَرَجٍ طِيلَ حَياتِهِ، تكلَّم على شخص بكلمة، اعْتَدَى على آخر بِضَرْب، طَلَّقَ زوجَتَهُ، أفْسَدَ مَالَهُ؛ بِسَبَبْ الغَضَبْ، هذه النَّصِيحة الغَالِيَة من النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-: ((لا تَغْضَبْ)) ثُمَّ رَدَّدها مِراراً ((أَوْصِنِي، فقال لهُ: لا تَغْضَبْ، أَوْصِنِي يا رسُول الله؟)) كأنَّهُ ما اقْتَنَع بهذِهِ الوَصِيَّة، يعني لا تَغْضَبْ، وش غيرها؟ ((فقال: لا تَغْضَبْ)) [رواهُ البخاري]. لأنَّ الإنْسَانْ إذا غَضِبْ لا شَكَّ أنَّهُ يَفْقِدْ التَّوازُن، ويَتَصَرَّف تَصَرُّفْ يُلامُ عليهِ، وقد يَتَصَرَّفْ تَصَرُّفاً يُودِي بِحَياتِهِ، فما وُجِدْ القَتْل المقتضي للقِصَاصْ إلاَّ بِسَبَبْ الغَضَبْ! ما تَجِدْ أحد يَقْتُل آخَر وهو يضحك! ما يُمْكِنْ؛ لكنْ في حال الغَضَبْ، وحُضُور الشَّيطان يَحْصُل القَتلْ، وقُل مثل هذا في الاعْتِداء، والضَّرْب وغيره، فالغَضَبْ خُلُقٌ ذَمِيمْ، وصِفَةٌ قَبِيحَة تَجُرُّ صَاحِبِها إلى ما لا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ؛ لكنْ قد يقول قائل: أنا جُبِلْتْ على هذا، ونُلاحظ من النَّاس من هو سَرِيع الغَضَبْ؛ لكنْ عليهِ أنْ يَكْظم، والخُلُقْ بالتَّخَلُّقْ، والصَّبر بالتَّصَبُّرْ، فإذا جَاهَدَ نَفْسَهُ على هذا أعانَهُ اللهُ -جلَّ وعلا-، والغَرَائِز كُلّها منها ما هُو جِبِلِّيّ، مَفْطورٌ عليهِ الشَّخص لا يستطيع أنْ يَتَنَصَّلَ منهُ، وقِسْمٌ منها كبيرٌ مُكْتَسَبْ بالتَّخَلُّقْ وبالتَّطَبُّعْ، واللهُ -جلَّ وعلا- يُعينُ الشَّخص إذا لَجَأَ إليهِ بِصِدْق.(1/1)
الاستهزاء بالنبي عليه الصَّلاة والسَّلام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أحب أن أطمئن الأخوة في عموم أقطار الإسلام أن هذه المحنة، وهذه النازلة وهذه الكارثة، التي تمثلت في سب النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنيل منه، أريد أن أطمئنهم أن هذا خير، وليس بشر، فإذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- جاء قول الله -جل وعلا- فيه في قصة الإفك: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(11) سورة النور]. إذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام-، والكلام في العرض أشد من الكلام في الشخص، في خلقه وفي خُلقه وفي جميع ما يتعلق به، الكلام في العرض أشد، ومع ذلك يقول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ومظاهر الخيرية في هذه القضية التي عايشناها ظاهرة جداً، فبيوت المسلمين في غفلةٍ تامة عن معرفة سيرته -عليه الصلاة والسلام-، بل كثير من المسلمين لا أبالغ إذا قلت: أنه لا يعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مجرد الاسم، فلا يعرفون عن سيرته أكثر مما درسوه في المراحل الأولى من التعليم، شيء لا يفي بحقه، ولا بجزء يسير من حقه -عليه الصلاة والسلام- فلا اهتمام بالسيرة، ولا اهتمام بالشمائل، ولا بالخصائص، ولا بالمعجزات، ولا بدلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام- الذي هو أكرم خلق الله على الله.(1/1)
فمثل هذا الحدث هو شر بلا شك ولا نتمناه ولا نفرح به، لكن إذا وقع تلقيناه بالرضا والتسليم بما قدر الله -جل وعلا-، ونجزم بأن النتائج حميدة والعاقبة للمتقين، المسلمون في جميع أقطار الأرض هبوا لنصرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذه القضية لامسة أحاسيسهم ومشاعرهم، وباشرت قلوبهم، فهبوا لنصرته -عليه الصلاة والسلام-، وبدؤوا يقرؤون في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، والقراءة وحدها لا تكفي، بل لا بد من تحقيق اتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وأن لا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرعه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
فمن هذا المنطلق نطمئن المسلمين في جميع أقطار الأرض أن هذا خير، والعاقبة للمتقين، رأينا وسمعنا ما يثلج الصدور في الداخل وفي الخارج، من المشاريع الجبارة التي اتخذها كثير من المسلمين لنصرته -عليه الصلاة والسلام- والدفاع عنه، والذب عن شخصه -عليه الصلاة والسلام-، بقي علينا أن نفهم ونقرأ ونعنى بسيرته وسنته -عليه الصلاة والسلام- لنتمكن من اتباعه حق الاتباع، فمجرد الدعاوى لا تكفي، مجرد العواطف دون عمل لا تكفي، بل لا بد من العمل {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [(31) سورة آل عمران] والذي يعصي النبي -عليه الصلاة والسلام- من الذكور أو من الإناث هذا في دعواه لحب النبي -عليه الصلاة والسلام- نظر.
تعصي الإلهُ وأنت تزعم حُبَّهُ *** هذا لعمري في القياسِ شَنِيعُ
لو كان حُبُّكَ صَادِقاً لأطَعْتَهُ *** إنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ(1/2)
السَّعِي في المَسْعَى الجديد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: ما حكم السَّعي بالمَسْعَى الجَدِيدْ، وإذا كان لا يجُوز، فهل نُحجم عن الاعتمار، ريثما يُعاد فتح القديم؟
المَسْعَى الجديد الآن ليسَ سِرًّا أنَّ كلام أهل العلم مُؤدَّاهُ إلى اختلاف، يعني يختلفون، منهم من يقول السَّعي صحيح، ومنهم من يقول السَّعي باطل؛ لأنَّ المسعى الجديد ليس في حدود المسعى الذي سَعى فيهِ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، لا سِيَّما وأنَّ تواريخ مكة تقول إنَّ عرض المسعى قالوا: سبع وثلاثين ذراع تقريباً، خمس وثلاثين ذراع، يعني بقدر القديم، وعلى كل حال ما دام هذا الخلاف موجُود فأُسُّ المسألة لا يُدْرَك من خلال النُّصُوص، فالاجتهاد ليس للصِّغار والمُتوسِّطين من طُلاَّب العلم الذين لم يُدْرِكُوا مكان السَّعي قبل العِمَارة، أما الذِّين أدركُوا مكان السَّعي قبل أنْ يُعمر، ورأوا المسعى على حقيقته، وأنَّهُ أوسَع من القديم، فهؤُلاء لهم أنْ يُفتُوا، ومعروف كلام الشيخ ابن جبرين -حفظهُ الله- قال بمثل هذا، أنَّهُ حجّ سنة تسعة وستِّين قبل عمارة المسعى وكان أوسع من هذا، فلا مانع حينئذ من السَّعي في الجديد، على كُلِّ حال هذه المسألة من المسائل الكبار التِّي لا يُفتي فيها إلا الكبار، فيُنتظر ما يقُولُهُ المُفتي وما تقُولُهُ اللجنة الدَّائِمَة وما يقوله أعضاءُ الهيئة – نسألُ الله -جلَّ وعلا- أنْ يُعينهم ويُسدِّدهم؛ وإلاَّ فالمسألة من عُضل المسائل رُكْن من أركان النُّسُك هذا، يحتاج إلى تحرِّي، ويحتاج إلى تأكُّد وتحقُّق، بعضُهم يقول أنت مُحْصَر، تَحلَّل بِدَمْ! لا تسْعَ تحلَّل بدم! وبعضُهُم يقول حُكم الحاكم يرفع الخِلاف، والمشايخ اختلفُوا وولي الأمر رأى أنَّ الرُّجحان مع من يُجيز، وأُحْضِر شُهُود يَشْهَدُون أنَّ المَسْعَى أعْرَضْ من المَسْعَى القائم، ورأى وليُّ الأمر، ولا يُشك يعني في إرادة المصلحة في مثل هذا؛ لكنَّ(1/1)
الإرادة والنِّيَّة وحدها لا تكفي؛ بل لا بُدَّ من الصدور عن أقوال أهل العلم؛ لأنَّ العبادات محضة ما تخضع للاجتهاد، يعني لو رأى راءٍ مثلاً إنَّ عرفة ضاقت بالنَّاس وقال نبي نوسعه، نُوسِّع عرفة، يُمْكِنْ؟! ما يُمكن؛ لأنَّ هذا رُكن من أركان الحج، والسَّعي رُكن منْ أركان الحج، على كلِّ حال نسأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يَدُلُّهُم على الحق -أعنِي وُلاة الأمر- سواءً كانُوا من أهل الحلِّ والعَقْد والأمر والنَّهي أو أهل العلم، ومثل ما قلت الذِّي يصغر سِنُّهُ عنْ إدراك المسعى القديم ليسَ لهُ أنْ يُفتي في هذه المسألة؛ لأنَّ المسألة مبنِيَّة على نَظَر في نُصُوصٍ شرعِيَّة، والنُّصُوص مبنِيَّة على واقع، فهل المَسْعَى بالفعل الذِّي سعى فيه النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- وتتابعت عليهِ الأُمَّة، وتواتر تواتُراً عَمَلِيًّا بالعمل والتَّوارُثْ، هل هو أوْسَع من القائم أو بِمقدارِهِ؟ يحتاج إلى نظر؛ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ قبل العِمَارة.(1/2)
العلاج النافع لضعف اليقين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول السائل: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)) فما هو العلاج الناجع لضعف اليقين والقطع بالإجابة حال الدعاء؟!
المسلم مأمور بالدعاء، والدعاء سبب قد يقترن به ما يحقق الإجابة، وقد يقترن به المانع من قبول الدعوة والإجابة؛ فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب لقبول الدعوة، وعليه أنْ يسعى في انتفاء الموانع من قبولها، فإذا حصل له ذلك؛ يلح على الله -جلا وعلا- بالدعاء، ويعظم الرغبة، ولا يتردد في دعائه، ولا يستثني، ويستحضر فضل الله -جل وعلا-: ((لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسأل كل واحد منكم مسألته؛ فأعطى الله -جل وعلا- كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من مُلكه شيئاً، ويمين الله ملئ لا تغيظها النفقة))، فعلى الإنسان أن يستحضر مثل هذه النصوص، ويجزم، ويعظم الرغبة، ويقطع بالإجابة؛ لكن لا يغفل عن واقعه هو، يعني يعظم الرغبة في الله -جلا وعلا-؛ لكن قد يُسِيء الظن بنفسه، وأنَّ عنده موانع تمنع من قبول هذه الدعوة؛ قلنا إنَّ الدعاء سبب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لكم} [(60) سورة غافر] سبب؛ لكن ((ادعوا الله يجعلني مستجاب الدعوة قال: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) وذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا ربِّ، يا ربِّ، يا ربِّ، أسباب، السَّفَر مَظِنَّة لِلانْكِسَار، كذلك الشَّعْث كذلك مظن انكسار القلب وهي ممَّا يُعِينْ على الإِجَابة يُعِين الإنسان، وكذلك السَّفَر كونُهُ أَشْعَثْ، كونه يُكَرِّر يا ربِّ، يا ربِّ، حتَّى قال جَمْعٌ من أهل العلم أنه إذا دعا الدَّاعي بيا ربِّ، يا ربِّ وكرَّرَها خَمْسْ مَرَّاتْ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ لَهُ، اسْتِدْلَالاً بِمَا جَاءَ فِي آخِر سُورة آل عِمْرَان، يُطِيلُ السَّفَر أَشْعَثَ أَغْبَر يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاء يا ربِّ، يا ربِّ؛ لكنَّ المَانع موجُود، (((1/1)
مَأْكَلُهُ حَرَام، ومَشْرَبُهُ حَرَام، ومَلْبَسُهُ حرام، وغُذِيَ بِالحَرَام؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ)) اسْتِبْعَاد! ومع ذلك لو قال قائل: أنا والله عندي مُعاملات فيها مُحَرَّم، أَدْعُوا ولَّا ما أدعُوا؟ نقول: ادْعُ الله -جلَّ وعَلا-؛ لأنه قد يقترن بهذه الدَّعوة في وقتٍ من الأوقات ذُلّ وانْكِسَار بين يديّ الله -جَلَّ وعلا-، فَتُسْتَجَاب دَعْوَتُك، ولو وُجِدَ المانع! وبعضُهُم بالنِّسبة لصلاة الاستسقاء، يقول: استسقينا، استسقينا مرتين ثلاث خمس ما حصل شيء! ووضْعُنَا وحالُنا مع ارتكاب المُحرمات، ووجود الموانع كأنَّنا نَسْتَهْزِئ! يعني هذا يتكرَّر على ألسنة كثير من الناس هذا هو اليأس - نسأل الله العافية -، أنت عليك أنْ تَسْعَ في إصلاح نفسك، وعليك أنْ تَبْذُلْ الأسْبَابْ.(1/2)
لا إِنْكَارْ فِي مَسَائِلْ الخِلَافْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: نسمعُ من كثير من العلماء هذه المقُولة: (لا إِنْكَارْ فِي مَسَائِلْ الخِلَافْ) هل لهذهِ العبارة أصل عند الفُقهاء؟ وما هو مصدرُها؟ وإذا صَحَّتْ ما القولُ في مسألة التَّصوير مع ما فيها من الخلاف، وكذلك مسألة الحجاب وما فيها من الخلاف، وكثير من الأحكام التِّي ورد فيها الخلاف هل نُنْكِرْ على مُرْتَكِبِيها أم ماذا نفعل؟ أفتُونا مأجُورين.(1/1)
نعم، وَرَدَتْ كثيراً على أَلْسِنة أهل العلم أنَّهُ (لا إنكار في مسائل الخِلاف)، والمُراد بذلك المسائل الاجتهاديَّة التِّي مَرَدُّها الاختلاف في فَهْم النَّصّ، أو في كيفيَّة تنزيل المسألة على النَّصّ، أو اسْتِنْبَاطها من القاعدة، على كُلِّ حال المسائل المَنْصُوص عليها من الشَّارع، ولو خالفَ فيها من خَالف من أهلِ العلم يُنْكَرْ عليه، ينكر على من خالفَ فيها، إذا كانت المسألة مَحْسُومة بِنَصٍّ شرعيّ، الأمر الثَّاني إذا كان القول المَعْمُول بِهِ في بلدٍ من البُلدان، والمُعتمد في البلد والقولُ الثَّاني لهُ آثار، فالأصل الإنكار، فمثلاً مسألة الحجاب، مسألة التَّصوير مع ما فيها من خلاف كَثُر لا لأنَّ التَّصوير فيهِ خلاف! التَّصوير حرام، الخلاف في هذا النَّوع من التَّصوير، هل يدخُل في النُّصُوص أو لا يَدْخُل؟! ولا شكَّ أنَّهُ تصوير، وهو داخل في النُّصُوص فهو مُحرَّم؛ لكنْ يبقَى أن من اقْتَدَى بعالمٍ تبرأُ الذِّمَّة بِتَقْلِيدِهِ، وفَرْضُهُ التقليدُ هو من العوام أو من أشْبَاه العَوام، واقْتَدَى بمنْ تَبْرَأُ الذِّمَّة بتقلِيدِهِ ورأَى لا لِهَوىً في نفسِهِ، فرق بين أنْ تقتدي بالعالم الفُلاني؛ لأنَّهُ إمام تبرأُ الذِّمَّة بتقْلِيدِهِ حتَّى لو قال لك حرام اعْتَمَدْت أنَّهُ حرام، وبينَ أنْ تعتمد هذا القول؛ لأنَّهُ يُوافق هوى نَفْسِك! أنتْ ما قَلَّدْت العالم؛ اتَّبَعْتْ هواك! فإذا قَلَّدَ الإنْسَانْ من تَبْرَأْ الذِّمَّة بتقْلِيدِهِ؛ بَرِأَتْ عُهْدَتُهُ من الإثْم، مسألة الحجاب عَرَفْنَا أنَّها وإنْ كان فيها خِلاف؛ إلاَّ أنَّ الرَّاجِحْ بِأَدِلَّتِهِ المُتظاهِرة، المُتكاثرة أنَّهُ يشمل الوجه والكَّفَّيْنْ، ((وكان يَعْرِفُني قبل الحجاب))، ((إذا مرَّ بنا الرِّجال أسْدَلَتْ إحدانا جلبابها))، المقصُود أنَّ النُّصُوص كثيرة في الصَّحيحين وغيرهما، القولُ الآخر لهُ أدِلَّتُهُ، والإجابةُ عنها(1/2)
مُمْكِنة ما فيها أدنى إشكال، هناك أدِلَّة مُلْتَبِسَة على بعضِ أهل العلم، فَجَوَّزُوا منْ خِلالها كَشْفْ الوجه؛ لكنْ يبقى أنَّهُ إذا خُشِيَتْ الفِتْنَة؛ فَتَغْطِيَةُ الوجه إجماع، إذا كان القول المُعتمد في بلدٍ من البُلدان، حَمْلُ النَّاس على القول الأحْوَطْ الذِّي إذا افْتَرَضْنا أنَّهُما على حدٍّ سواء، مع أنَّ المسألة في الحجاب – لا - لَيْسَت الأقوال مُسْتَوِيَة، النُّصُوص صريحةٌ في وُجُوب تَغْطِية الوجه والكَفِّينْ، إذا فَرَضْنَا أنَّ المسألة على حدٍّ سواء، الأدِلَّة مُتعادِلَة، واعْتُمِدَ قول وأُفْتِيَ فيه في بلدٍ من البُلْدَانْ، لا شكَّ أنَّ هذا القول هو المُعْتَمَدْ، والذِّي يُثير غيره لا سِيَّما إذا كان القولُ الآخر تَتَرَتَّب عليهِ آثار عَمَلِيَّة مُؤَثِّرة سَلْبِيَّة، فإنَّهُ لا حَظَّ لهُ من النَّظر؛ بل يُنْكَر على منْ أَفْتَى بِهِ.(1/3)
أخطاء شائعة يُخْطِئ فيها الكثير
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والأخْذُ من أفْوَاهِهِم لا الكُتُب ... أَدْفَعُ للتَّصْحِيفِ؛ فاسْمَعْ وادْأَبِ
يعني أن تَتَلَقَّى العِلم من أفواهِ الشُّيُوخ، والشُّيُوخ تَلَقَّوْهُ عنْ شُيُوخِهِم، هذا يقِيكَ شَرّ التَّصْحِيف والتَّحريف؛ لأنَّكَ إذا أَخَذْت من أَفْوَاهْ الشُّيُوخ أَمِنْتْ، يعني الشخص أنا سَمِعْت، واحد يقرأ على الشيخ ابن باز، واحد من الكِبار، ما يحتاج أَسَمِّي، يقول: سَلَمَةُ بن كَهْبَل!!! هل هذا أَخَذْ من أَفْواه الشُّيُوخ؟! يعني هل هذا يَلِيق بطُويلب فضلاً عن طالب لهُ عِناية بالحديث؟ سَلَمَةُ بن كَهْبَل! يعني تَسْمَعُون في أيُّوب كثير من طُلَّاب العلم ومن المشايخ وحتَّى من بعضِ الكِبار يقول: السِّخْتِيَاني! وهو بِفَتْحِ السِّينْ ؛ لكنْ متى نأخُذ مثل هذا الضَّبْط إذا تَلَقَّيْناهُ من الشُّيُوخ، الكثير يقول ذو القِعْدَة مثلاً! شهر ذُو القِعْدَة! وهو القَعْدَة! لماذا؟ لأنَّهُ ما تَلَقَّى من الشُّيُوخ، فالأخْطَاء كثيرة بالنِّسبة لِمَنْ يأخُذُ من الصُّحُف؛ لأنَّ الصُّحُف لا تَضْبط كُلّ شيء.(1/1)
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الله -جل وعلا- كفى رسوله المستهزئين، وعصمه من الناس ، يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [( 95 – 96 ) سورة الحجر]، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: يقول الله -تعالى ذكره- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [(95) سورة الحجر]، يا محمد، الذين يستهزئون بك، ويسخرون منك فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئاً سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك، كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساء المستهزئين قوماً من قريش معروفين وقد ذكر ابن جرير في تفسيره بأسانيده نفراً منهم، وأن الله -جل وعلا- كفاه شرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأهلكهم الله تعالى، وهم من قومه من قريش، وهكذا على مر العصور تجد من لا يتدين بهذا الدين يحصل منه الاستهزاء بالدين وبشعائره وبرمزه الأعظم الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- تجد ووجد من المستشرقين وغيرهم نبز وأحياناً تصريح, ووجد من بعض الفساق -مع الأسف ممن ينتسب إلى هذا الرسول العظيم- بعض الاستخفاف به -عليه الصلاة والسلام- أو بشيء من سنته، وقد وجد هذا في عصره، الذين كانوا يخوضون ويلعبون، {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم} [(65-66) سورة التوبة]، وهذا موجود في القديم والحديث، من يستهزئ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويستهزئ بشيء من سننه وشعائر دينه وهؤلاء سلفهم الذين حكم عليهم الله -جل وعلا- بالكفر؛ لأنهم منافقون، وأما بالنسبة للكفار فوصفوه -عليه الصلاة والسلام- في عصره بأنه ساحر، وأنه كاهن، وأنه صابئ، وأنه إلى أوصاف كثيرة، جاءت بها النصوص، وفي أيامنا الأخيرة(1/1)
قام ثلة من عباد الصليب من النصارى بإعادة ما كفاه الله -جل وعلا- إياهم، فنشروا صوراً مسيئة لشخصه -عليه الصلاة والسلام- فهذه الصور أثارت حفيظة المسلمين وأغضبتهم وأعلنوا نكيرهم وشجبهم لهذا المنكر، والداعي لهذه التصرفات -في تقديري- هذه التصرفات المشينة الداعي لها ما غاضهم وأثارهم من انتشار الإسلام في ديارهم، صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وليس بأيديهم إلا أن يشوهوا هذا الدين، وأن يشوهوا هذا النبي الكريم الذي جاء بهذا الدين، فالداعي لهذه التصرفات المشينة من تلك الطغمة المقيتة سببها في تقديري انتشار الإسلام الواسع في بلادهم فأرادوا بذلك الصد عن دين الله، بحيث صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فضاقت ديارهم عليهم بما رحبت لما رأوا من انتشاره الواسع في ديارهم، وهذا الحدث وإن كان منكراً يجب إنكاره, ولا يجوز إقراره ولا يجوز لمسلم أن يرضى به، أو يسكت عن إنكاره وهو يقدر على ذلك، إلا أن فيه مصالح عظيمة للمسلمين أنفسهم، ولدين الإسلام، فازداد السؤال عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل الكفار أنفسهم، واطلعوا على شيء من سيرته، وعرف المسلمون ما يكنه الكفار لهم من العداوة والبغضاء والحنق على الدين وأهله {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [(118) سورة آل عمران]، هذا بالنسبة للكفار.
بالنسبة للمسلمين عرفوا عدوهم، وأنهم مهما طنطنوا بالمساواة والعدالة والإخاء فهذا كله هباء لا قيمة له، وتبقى عداوة الدين مغروسة في النفوس.(1/2)
أيضاً في هذا إيقاظ للمسلمين أنفسهم، إيقاظ للمسلمين أنفسهم؛ فكثير من بيوت المسلمين وهم يقولون في كل لحظة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ويزعمون إتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من بيوت المسلمين الجهل المطبق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعرفون إلا اسمه، ومع الأسف أنه حتى في دروس العلم تقلصت الدروس المتعلقة بسيرته -عليه الصلاة والسلام- وشمائله وخصائصه, تقلصت الدروس، فإننا لا نسمع من يدرس السيرة إلا القليل النادر، وحتى في الدراسات النظامية ما أعطيت السيرة حقها من الدراسة، وبعضهم يجعل السيرة جزء من أجزاء التاريخ، ويقول: عنايتنا بأمور الشرع، كيف؟! السيرة جزء من السنة، فالسنة والحديث عبارة عن أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله وتقريره وأوصافه الخلقية والخلقية، فهذا جزء من السنة لا بد من معرفته, وكيف يتسنى لنا أن نتبع، وأن نعمل، وأن نحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ونحن لا نعرف عنه شيئاً، لا بد من الاهتمام في هذا الجانب، وفي هذا الحدث حصل ضد ما قصده أولئك الأعداء؛ سمع المسلمون وقرؤوا من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية, ومن خلال الخطب والدروس والمحاضرات وغيرها سمعوا عنه -عليه الصلاة والسلام- الشيء الكثير والتفت كثير من طلاب العلم إلى دراسة هذه الجوانب من جوانب الشريعة الهامة المتعلقة بشخصه -عليه الصلاة والسلام-.
أقول: ففي هذا إيقاظ للمسلمين الذين لا يعرفون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا اسمه أن يراجعوا أنفسهم، ويقرؤوا في سيرته وشمائله وخصائصه ليتسنى لهم الإقتداء به وتتوفر محبته في قلوبهم ولو لم يكن من ذلك إلا ما سمعوه عبر وسائل الإعلام المتنوعة والخطب والدروس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.(1/3)
غراس الجنة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الذِّكر جاء من النُّصُوص الكثيرة ما يدُلُّ عليه ((سبق المفرِّدُون الذّاكرُون الله كثيراً والذَّاكرات)) {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف/28] المقصُود أنَّ الذِّكر شأنُهُ عظيم.
وذكر ابنُ القيم -رحمهُ الله تعالى- في مُقدِّمة الوابل الصَّيِّب أكثر من مائة فائدة للأذكار، والأذكار من التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير غِراسُ الجَنَّة، عن إبراهيم عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصَّلاةُ والتَّسليم أنَّهُ قال: يا مُحمَّد أقرِئ أُمَّتك مِنِّي السَّلام وأخبرهم أنَّ الجنَّة قِيعان وأنَّ غِراسها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير...
أوَ ما سَمِعْتَ بأنَّها القِيعان فاغْرِسْ ... ما تشاءُ في ذا الزَّمان الفانِي
وغِراسُها التَّسبيحُ والتَّكبير ... والتَّحميد ... إلى آخره(1/1)
المقصود أن الذكر شأنه عظيم وفضله جزيل ولا يكلف شيء، ولا يكلف المسلم شيء، يعني من قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)). من قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة...)) شوف الأجور وما يترتب على مثل هذا الذكر من حصن للإنسان، حرز، لكن الحرمان عادته، تقال بعشر دقائق، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، ((كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)).(1/2)
سبحان الله وبحمده مائة مرة، ((من قال في اليوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) هذا كم تحتاج إلى يوم وإلا تجلس العصر بدقيقة ونصف تقال، بدقيقة ونصف تقول سبحان الله وبحمده مائة، تستغفر مائة مرة بدقيقة، تصلي على النبي عليه الصلاة والسلام عشر مرات، وجاء الوعد الثابت، تقرأ: قل هو الله أحد عشر مرات، كلها ما تحتاج إلى شيء، كل هذه الأمور ما تحتاج من يومك ولا ربع ساعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحفظ عنه في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، أنه يستغفر، ويقول -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو أعلم الناس وأخشاهم لله وأتقاهم يقول: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)) فكيف بنا، الذي لا ننفك من مزاولة ما لا يرضي الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يحرص على الأذكار ويجعل لكتاب الله نصيباً وافراً من يومه ولا يجعله على الفرغة؛ لأنه إذا تركه، إذا قال من الآن أنا مشغول نتركه في الليل، إذا جاء الليل قال: علنا نجمع الوردين في يوم واحد، ما يمشي هذا، إذا ما فرضت للقرآن من سنام الوقت، ما تجعله فضلة، ما تقرأ القرآن، عرفنا ناس اهتموا في هذا الأمر، حتى أن منهم وهو مسافر إذا جاء وقت القراءة لبق السيارة وأنهى حزبه من القرآن وكمل واصل، الدنيا ملحوق عليها، ما نريد شيء يفوت يا إخوان، فلنشتغل بأنواع العبادات من الصلاة والذكر والتلاوة وغيرها.(1/3)
مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وإنْ أفتاك النَّاسُ وأفْتَوْك)) عملت عملاً توقَّعت أنَّ فيه جزاء أو كفَّارة، ثُمَّ ذَهَبْتَ تَسْأَلْ، فَبَانَ لَكَ بِقَرَائِنْ أَنَّ هذا الشَّخص الذِّي اسْتَفْتَيْتَهُ من المتساهلين في الفتوى، فقال لا شيء عليك، ما زالت النَّفس يتردد فيها هذا الأمر؛ لكن لو سألت شخص من أهل التَّحري وأنت من العوام فرضُك التَّقليد وتبرأ ذمَّتُك بتقليد أهل العلم، إذا اسْتَفتيت من تبرأ الذِّمَّة بتقليده يكفي؛ لكن كونك تذهب إلى هذا المُتساهل ثم يُفتيك بأنَّهُ لا شيء عليك، لا بد أنْ يبقى في نفسك ما يبقى، فضلاً عن كونك تسأل أهل التَّحري والتَّثبُّت؛ فيُلْزِمُونك بالكَفَّارة، ثُمَّ تذهب إلى المُتساهلين؛ لكي يُعفُوكَ منها! واللهُ المُستعان، وكثير من النَّاس يسأل أكثر من عالم، نعم، بعض النَّاس؛ لِيَطمئنَّ قلبُهُ استفتَى فقيل لهُ ما عليك شيء، فما ارتاح ذهب ليطمئنّ، يسأل ثاني ثالث ليطمئن لكنْ إذا قيل لهُ عليكَ كفَّارة، ثُم ذهب ليسأل عَلُّهُ أنْ يجد من أهل التَّسامُح والتَّساهل من يُعْفِيهِ من هذهِ الكَفَّارة هذا هو الإثم! حتَّى لو قيل لهُ فعلتَ كذا وسألت الشيخ الفُلاني فقال عليك كفَّارة فقيل لك إن في مذهب أبي حنيفة أو الشَّافعي ما عليك كفَّارة، فتقول أبو حنيفة إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بِتقلِيدِهِ، ثُمَّ في مسألةٍ أخرى تُلزم بشيء، تُلزم بقضاء، ثم يُقال لك مالك ما يُلزمك بالقضاء، تقول: مالك إمام في أئمَّة المُسلمين، ثُمَّ في مسألة ثالثة تسأل، فيُقال: عليك كذا، ثُمَّ يُقال لك: مذهب الشَّافعي ما عليك شيء، تقول: الشَّافعي إمام من أئِمَّة المُسلمين تبرأ الذِّمَّة بتقليده!، هذا تَتَبُّع الرُّخَصْ، الذِّي قال أهلُ العلم فيهِ مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ، كيف يتزندق؟! مُسلم يقتدي بإمام من أئِمَّة المُسلمين! نقول:(1/1)
نعم، يخرُج من الدِّين بالكُلِّيَّة وهو لا يَشْعُر! لأنَّ هذه المذاهب فيها المُلزم وفيها المُعفي؛ لكنْ في مسألةٍ أخرى العكس، هذا الذِّي أعفاك يُلزمُك والذِّي ألْزَمَك هنا يُعْفِيكْ هُناك؛ لكن كونك تبحث عن الذِّي يُعفِيك في جميع المسائل!!! معناه أنَّك تخرج من الدِّين بالكُلِّيَّة، تبحث عمَّا يُعْفِيك في جميع مسائل الدِّينْ؛ إذنْ ما تَدَيَّنْتْ بدين!!! ولم تَتَّبِعْ ما جاء عن الله وعن رسُولِهِ، ولم يَكُنْ هواك تَبَعاً لما جاء بِهِ النبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-؛ إنَّما الذِّي يَسُوقُك ويُشَرِّعُ لك هواك! هذا وجهُ قولهم: (مَنْ تَتَبَّعَ الرُّخَصْ فَقَدْ تَزَنْدَقْ)، وأنتم تسمعُون مِمَّا يُطْرَح الآن وبِقُوَّة على السَّاحة من التَّساهُل في الفتوى، وفقه التَّيسير على النَّاس من هذا الباب، تجده يقول لماذا نقول بقول الجُمهُور مثلاً: يُلزمُون النَّاس بالبقاء والمُكْثْ في منى إلى أنْ تَزُول الشَّمس، الحمد لله قال أبو حنيفة يجُوز الرَّمي يوم النَّفر الأول، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما))، نقول: نعم، ((الرسُول ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيْسَرَهُما))، ((والدِّين يُسْر، ولن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبَهُ))، ((اكْلَفُوا من العمل ما تُطِيقُونْ))، لا شكَّ أنَّ الدِّينَ يُسْر؛ لكنْ أيضاً هو دِينْ تَكالِيفْ، فيهِ الحلال وفيه الحرام، فيهِ الإلْزَام أيضاً، والجنَّة حُفَّتْ بالمَكَارِهْ، ((ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) هذا قبل اسْتِقْرَار الحُكم، أمَّا إذا اسْتَقَرَّ الحُكم، فَلَيْسَ للمُسْلِمِ أنْ يَخْتَار؛ إنَّما يجبُ عليهِ أنْ يعمل بالقولِ الرَّاجِح، فإنْ كان مِمَّنْ يَسْتَطِيع الوُصُول إلى القولِ الرَّاجِحْ بِدَلِيلِهِ بِنَفْسِهِ؛ تَعَيَّنَ عليهِ، وإلاَّ فعليهِ أنْ يَسْأَلْ ويختار أهل العلم مع الدِّينِ والوَرَعْ ، لا(1/2)
بُدَّ من توافُرِ ثلاثة أُمُور:
وليْسَ في فَتْوَاهُ مُفْتٍ مُتَّبَعْ ... مَا لَمْ يُضِفْ للعِلْمِ والدِّينِ الوَرَعْ
إذا أفْتَاك من تبرأ ذمَّتُك بتقلِيدِهِ الحمدُ لله، لا أحد سيقول لك الْزِمْ نفسك بأشَدِّ الأقوال في كُلِّ مسألة – لا - ، المسألة راجِح ومَرْجُوحْ، فَعَليكَ أنْ تَعْمَل بالرَّاجِحْ سَواءً ألْزَمَكَ أوْ أَعْفَاكْ، وعلى كُلِّ مُسْلِم أنْ يَعْمَلْ بالقولِ الرَّاجِحْ، سَواءً كان مِنْ أهلِ النَّظر في المسائل العِلْمِيَّة بحيث يَصِلْ إلى القولِ الرَّاجحْ بِنفْسِهِ، هذا يَتَعَيَّنْ عليهِ، أوْ كان من فَرْضُهُ التَّقليد، عليهِ أنْ يَسْأل أهل العلم المَوْثُوقِينْ، أهل العلم والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتْ والوَرَعْ، لا يَبْحَثْ عن الرُّخَصْ وعن المُتَساهِلِين – لا – كونُ الدِّينْ يُسْر – نعم يسر – الحمدُ لله الدِّينْ يُسْر، ما أَلْزمنا بخمسين صلاة في اليوم واللَّيلة! يُسْر، ألْزَمنا خمس صلوات؛ لكن هل تستطيع أنْ تقول الدِّين يُسر وأنا لن أُصلِّي إلاَّ أربع صلوات؟! هل يُمكن أنْ يُقال مثل هذا الدِّين يُسْر؟ أبي أصلي فرض وأترُك فرض والدِّين يُسْر والله الحمد، نقول: لا يا أخي هل يُمكن أنْ يُقال الدِّين يُسْر بدل ما تُصلِّي أربع ركعات الظُّهُر تُصلِّي ثلاث؟! نقول: لا يا أخي، فبعضُ النَّاس يسمع بوصفِ الشَّريعة باليُسْر، هي يُسْر بلا شك؛ لكنْ إذا قَارَنَّا هذه الشَّريعة بغيرها من الشَّرائع؛ تَبَيَّن لنا يُسْر هذهِ الشَّرِيعة ((بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّة السَّمْحَة))، ((خمسُ صلوات كَتَبَهُنَّ الله في اليوم واللَّيلة، هُنَّ خمس، وهُنَّ خمسُون)) {لا يُبدَّلُ القولُ لَدَيَّ}، في العمل خمس، وفي الأجر خمسين، خمسُون صلاة؛ لكنْ هل يجُوز أنْ يَتَرَخَّص الإنسان في تَرْكِ شيءٍ من الخَمْسْ؟! بِنَاءً على أنَّ الدِّين يُسْر! أبداً، هل للإنسان مندُوحة على أنْ لا يَصُوم شهر رمضان لأنَّ الصِّيام فيهِ(1/3)
مَشَقَّة؟! نعم فيهِ مَشَقَّة، التَّكاليف كُلَّها فيها مَشَقَّة؛ لأنَّها على خِلافِ ما تَهْوَاهُ النُّفُوسْ ((والجَنَّةُ حُفَّتْ بالمَكَارِهْ)).(1/4)
أَسْبَابُ إجابَة الدُّعَاء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ما هي أَسْبَابُ إجابَة الدُّعَاء؟
أوَّلاً: لا بُدَّ من بذلِ الأسباب وانتفَاءُ المَوانع، والنَّظرُ إلى الموانع أشدّ؛ لأنَّ لو بُذِلَتْ الأسْبَابُ كُلُّها، ومع ذلك وُجِدَ مانع من الموانِعْ، لم تُقبل، يُسْتَبْعَد أنْ يستجِيبَ اللهُ -جلَّ وعلا-، والنَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- ذكر الرَّجُل ((يُطِيلُ السَّفر، أَشْعَثْ، أغْبَرْ، يَمُدُّ يديهِ إلى السَّماء..)) هذهِ كُلَّها من أسْبَاب الإجابة، يقولُ: ((يا ربِّ، يا ربِّ))، يدعُوا بهذا الاسم من الأسماء الحُسْنَى، ومع ذلك يقولُ فيه أهل العلم إنَّهُ أوْلَى ما يُدْعَى بِهِ، وإذا كَرَّرَهُ الإنسان خمْسْ مَرَّاتْ حَرِيٌّ بالإجابة؛ لكنَّهُ وُجِدَ المانع، ((ومَطْعَمُهُ حرام، ومَشْرَبُهُ حرام، وغُذِيَ بالحرام؛ فأنَّى يُسْتَجابُ لهَُ!)) اسْتِبْعَادْ، وكثيرٌ من المُسْلِمين مُتَوَرِّطْ في هذا الأمر إمَّا في مسائل البيع والشِّراء، أو الوظيفة التِّي لا يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ منها، أو الدُّخُول في أُمُور ومُساهمات وأشياء فيها شُبُهات كُل هذهِ من الموانع، فعلى الإنسان أنْ يحرص على انْتِفَاء الموانع، ثُمَّ إذا انْتَفَتْ هذهِ الموانع يأتِي بالأسباب، من تَحَيَّنْ أوقات الإجابة، وبالدُّعاء المأثُور، ولا يدعُو بإثْمٍ ولا قطيعة رحم، ويَجْتَنِبْ السَّجْع، ويَجْتَنِبْ الاعتِدَاء في الدُّعاء، ويَرْفَعُ يديْهِ، ويَبْتَهِلُ إلى الله -جلَّ وعلا- مُقدِّماً التَّعْظِيمَ لله -جلَّ وعلا- والصَّلاة على النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ حِينئِذٍ تُرْجَى الإجَابة.(1/1)
أهلُ الله وخَاصَّتُهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن سمرة بن جندب -رضي الله عنهُ-، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال: ((كُلُّ مُؤْدِبْ يُحبُّ أنْ تُؤْتَى مُأدبَتُهُ)) المأدبة: الوليمة، كُلُّ صاحب وليمة يُحب أنْ تُؤتى مأدُبَتُهُ وأنْ يُؤْكَل منها، ((ومأدُبَةُ الله القرآن))، ومَأْدُبَتُهُ يعني وَلِيمَتُهُ ونُزُلُهُ وإكْرَامُهُ لِخَلْقِهِ هذا الكِتاب، فهو يُحِبّ أنْ تُؤْتَى هذهِ المَأْدُبة وهذا القُرآن، ((فلا تَهْجُرُوهُ))، نعم؛ لأنَّ من هَجَرْ بِمنزلة من لم يأكُل من هذهِ المَأْدُبة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنهُ- قال، قال رسُولُ الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-: ((إنَّ لله أهْلِينْ، قِيلَ من هُم يا رسُول الله؟ قال: هم أهلُ القرآنِ أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ)) هذا معرُوف مُخَرَّجٌ عند الدَّارمي و في المُسند وابن ماجه، بإسنادٍ حسن عند الدَّارمي إسنادُهُ جيِّد لا بأسَ بِهِ، هم أهلُ اللهِ وخَاصَّتُهُ، فأهلُ العناية بكتاب الله -جلَّ وعلا- هم أهلُ الله وخاصَّتُهُ، ويُقرِّر ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- أنَّ أهل القرآن الذِّين هم أهلُ الله وخاصَّتُهُ هُم أهلُ العناية بِهِ، والاهتمام بقراءته وتَدَبُّرِهِ، وترتيلِهِ، والعملُ بِهِ، يقول: هم أهلُ القرآن وإنْ لَمْ يَحْفَظُوهُ، على أنَّهُ جاءَ في الحِفْظ على وجهِ الخُصُوص ما جاء من نُصُوص تَحُثُّ عليهِ؛ لكنْ لا ييأس من لم يحفظ القرآن، تكون لهُ عِناية بِحفظ القرآن، وورد يومي من القرآن، ويُعنى بكتاب الله -جلَّ وعلا-، ينظر في عهد ربِّهِ بحيث لا تغيب شمسُ يوم إلاَّ وقد قرأ حزبهُ من القرآن، والمسألة تحتاج إلى هِمَّة، وتحتاج إلى عزيمة، والتَّسْوِيفْ لا يأتي بخير! يقول: إذا فات ورد النَّهار قرأناهُ في الليل! وفات ورد الليل نُضاعف حزب الغد، ما ينفع هذا! ناس نعرفهم إذا جاء وقت الورد ووقت الحزب وهو في سفر، في طريق في البراري والقِفار يلبق السَّيارة ويقرأ(1/1)
حزبه ويُواصل إذا لم يحفظ، هنا لا يضيع الحفظ بهذه الطَّريقة، من حَدَّد لِنفسِهِ ورداً وحِزْباً يوميًّا بحيث لا يُفرِّط فيه، مثل هذا يُفلِحْ، ولا يُفرِّط في نَصِيبِهِ من القرآن، وتِلاوة القرآن لا تُكَلِّفُ شيئاً، يعني بالتَّجربة من جَلَسْ بعد صلاة الصبح إلى أنْ تَنْتَشِر الشَّمس قَرَأَ القرآن في سَبِع، يعني في كُل جُمعة يختم القرآن، ما تُكلِّف شيء، المسألة تحتاج إلى ساعة؛ لكن مع ذلك تحتاج إلى هِمَّة، أمَّا من يقول إذا جاء الصِّيف والله الآن الليل قصير، فإذا طال الليل أجلس بعد صلاة الصُّبح إن شاء الله! وإذا جاء الشِّتاء قال والله براد إذا دفينا شوي جلسنا! الفجر برد بالشِّتاء معروف؛ لكنْ إذا قال مثل هذا لن يَصْنَعَ شيئاً!! ومعروف أنَّ النَّاس ما ينامون بالليل، ويجلسُون بعد صلاة الصُّبح؛ لأنَّهُم اعتادُوا هذا، وطَّنُوا أنفُسهم على هذا، وجعل هذا جُزءاً من حياتِهِ، كغداهُ وعشاهُ، كَأَكْلِهِ وشُرْبِهِ، ما يُفرِّط في هذا، وإذا جَلَسْ إلى أنْ تَنْتَشِرَ الشَّمس يَقْرَأْ السُّبُع بدُونِ أيِّ مَشَقَّة، سُبْع القرآن، وتكُون هذه القراءة لتعاهُد القرآن، والنَّظر في عهد الله -جلَّ وعلا- في هذا الكتاب، وأيضاً من أجل اغتنام الأجر المُرَتَّب على الحُرُوفْ أقلّ الأحوال، ويكُون لهُ ساعة أيضاً من يومِهِ قِراءة تَدَبُّر يقرأ فيها ولو يسير ويُراجع عليهِ ما يُشْكِل من التَّفاسير الموثُوقة، وبهذا يكُون من أهلِ القرآن الذِّينَ هم أهلُ الله وخَاصَّتُهُ؛ لكنْ المُشْكِل التَّسويف! هذا الإشكال، والله إذا دفينا إذا بردنا، ما ينفع يا أخي! ينتهي العُمر وأنت ما دفيت! أبد، أو الآن والله انشغلنا جاءنا ما يشغلنا نجعل نصيب النَّهار إلى الليل، ثم جاء اللَّيل والله جاءنا ضيف جاءنا كذا والله الأخوان مجتمعين في استراحة، ما يُجْدِي هذا! هذا ما يمشي! فإذا اقْتَطَعَ الإنْسَان مِنْ وَقْتِهِ جُزْءاً لا يُفَرِّطْ فيهِ(1/2)
مهما بَلَغَتْ المُسَاوَمَة، مهما بَلَغَتْ المُغريات؛ حِينئذٍ يستطيع أنْ يَقْرَأ القرآن بالرَّاحة في كل سبع، وقد جاء الأمر بذلك في حديث عبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تَزِدْ)) نعم، لا يزيد على سبع؛ لأنَّهُ مُطالب بواجِباتٍ أُخرى؛ لكن الذِّي عِنْدَهُ من الفراغ أكثر، وارتِبَاطَاتُهُ العَامَّة أقلّ، مثل هذا لو قَرَأَ القرآن في ثلاث ما كَلَّفَهُ شيء! يزيد ساعةٍ بعد صلاة العصر، ويقرأ القُرآن في ثلاث! أبد، والدِّنيا ملحُوقٍ عليها ترى ما فاته شيء! والرِّزق المقسُوم بيجي، وليت النَّاس ما ينشغلُون إلا بما ينفعُهُم! يعني من اليسير أنْ يجلس الإنسان بعد صلاة العشاء يسُولف إلى أذان الفجر! سهل مع الإخوان ومع الأقران ومع الأحباب يمشي سهل؛ لكنْ تقول له اجلس وهو ما تعوَّد يقرأ، ما يصبر! والمسألة تحتاج إلى أنَّ الإنسانْ يُرِيَ الله -جلَّ وعلا- منهُ شيئاً في حال الرَّخاء ويَتَعرَّف عليهِ في حال الرَّخاء؛ بحيث إذا أصابَهُ شِدَّة أو مَأْزَق أو جَاءَهُ ضَائقة أو شيء؛ يَعْرِفُهُ الله -جلَّ وعلا- ((تعرَّف على الله في الرَّخاء؛ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّة)) ثُم جرَّبت كثير من الأخوان ومن الخِيار ومن طُلاَّب العلم يَهْجُرُون بُلْدَانَهُم وأهليهم إلى الأماكن المُقدَّسَة في الأوقات الفاضِلَة منْ أجلِ أنْ يَتَفَرَّغ للعِبادة؛ ثُمَّ إذا فَتَحَ المُصحف عجز يقرأ، يعني مع الجِهاد يقرأ جُزء بين صلاة العصر وهو وجالس ما طلع من المسجد الحرام إلى أذان المغرب يالله يقرأ جُزء، يقرى ويتلفَّت! ويناظر عسى الله يجيب أحد! إن جاب أحد و لاَّ هو قام يدوِّر! لأنَّهُ ما تَعَوَّدْ، صَعب، وبالرَّاحة بعض النَّاس ما يُغيِّر جلستُهُ، يقرأ عشرة وهو مرتاح! لأنَّهُ تَعَوَّدْ، والمَسْأَلَة مَسْأَلَة تَعَوُّدْ.(1/3)
حُرْمَةُ البَقَاء في بلادِ الكُفَّار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((اللهُّمّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ)) يعني ما تركُوهُ لله -جلَّ وعلا- أمْضِيهِ لهم، ((ولا تَرُدُّهُم على أعْقَابِهِم))؛ بِأَنْ يَسْكُنُوا ويَسْتَوْطِنُوا البُلْدَان التّي تركُوها من أجل الله، والهِجرة شأنُها عظيم في الإسلام، وهي باقية إلى قيام السَّاعة، وهي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، ومن بلاد البِدع -بلاد المعاصي- إلى بلاد السُّنَّة بلاد الاستقامة والالتزام، عند من يُعينك على تحقيق الهدف، هذهِ هي الهِجرة، وهي باقية إلى قيام السَّاعة، وهي واجِبَة، ولا يجُوزُ البقاء بِحَال بين ظهراني الكُفَّار، والخطر على المُسلم وعلى ذُرِيَّته معرُوف، يُدْرِكُهُ كُلّ أحد، وكم من طفل من أبناء المُسلمين تنصَّرُوا ولا تَهَوَّدُوا و لاَّ ترك دينه؛ لأنَّهُ بيضطر يُدَرَّسْ في مدارسهم، تُدَرَّسْ دِيَانَاتُهم، ويقولون حنا عندنا حُرِّيَّة ونُزاول عملنا، ما هو بصحيح، عندك حُرِّيَّة وأنت طالع ونازل ذاهب آيب تشُوف الكُفَّار وأعمالهم وكُفرُهُم وفُجُورُهم، تشُوف معاصِيهُم الظَّاهرة والباطِنَة ما هو بصحيح، إذا كان أهل العلم يُوجِبُون؛ بل يُحَرِّمُونَ البقاء في بلدٍ ولو كان إسلاميّ ليسَ فيهِ عالم يُفْتِي النَّاس ويدُلُّهُم على الحق، ويدُلُّهم على الخير ويُرْشِدُهُم إليهِ، منهُم من أفْتَى بتحريم البقاء في مثل هذا البلد، فكيفَ الإقامة في بلاد الكُفَّار؟! ونحنُ ولله الحمد في هذه البلاد نعيش نِعَمْ، نِعَمْ لا تَخْطُر على البال، يعني أنواع ممَّا يُرضي الله -جلَّ وعلا- موجُودة عندنا، نعم عندنا شيء من الخلل، عندنا نقص، عندنا معاصي، والخَبَثْ كَثُرْ، نسأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يُعيد الأُمَّة إلى دِينها.(1/1)
واجب طالب العلم في أوقات الفتن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
واجب طالب العلم في أوقات الفتن عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعصمة من هذه الفتن بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويقلل بقدر الإمكان إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر ما يُحتاج إليه من الأمور التي يخوض فيها الناس، يقلل منها، ويقتصر منها على قدر الحاجة، بعض الناس في أوقات الفتن، والفتن مذهلة، والإنسان متشوف إلى أن يعرف ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ وماذا قالوا؟ تجده يقضي من وقته أكثر من نصف الوقت في الجرائد والمجلات والمواقع والقنوات، ماذا قال فلان؟ وماذا قيل عن فلان؟ على أمور هي لا شيء إن لم تضر لم تنفع، نعم ينبغي أن يعرف الإنسان ما يدور حوله بقدر الحاجة، وأن يكون ديدنه كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وأن يُعنى بالعبادات الخاصة، يُعنى بالعبادات الخاصة مثل الذكر، سواءً كان المطلق أو المقيد في أوقات خاصة أو على العموم في جميع الأوقات، ومثل تلاوة القرآن على الوجه المأمور به، وأيضاً الصلاة، يكون له نصيب من الصلاة، وأيضاً الصيام، وغير ذلك من العبادات المتنوعة التي جاءت النصوص بفضلها، ((والعبادة في الهرج كهجرة إلي)) كما في الحديث الصحيح، فعلينا أن نهتم بهذا الأمر ونعنى به، ونلتف على أنفسنا، ونصلح ما فيها من خلل، ونعنى بأمراض القلوب كي نعالجها مما جاءنا في شرعنا، ولا نحتاج إلى غيره، لا نحتاج إلى أن فلان العالم النفساني الأمريكي قال كذا، أو البريطاني قال كذا، لسنا بحاجة، عندنا العلاج لكل داء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] شفاء لإيش؟ لأدواء القلوب وأمراضها، ولأدواء الأبدان أيضاً، وأمراضها، فعندنا الشفاء، وفي كلام أهل العلم ما يعين على ذلك، وللإمام المحقق شمس الدين ابن القيم من ذلك القدح المعلى، وكتبه مملوءة من هذا الشأن، فيعنى(1/1)
بها أيضاً؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، فعلى الإنسان أن يهتم بأمر العمل، وإذا صدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- أعانه على كل ما يريد من علم وعمل.(1/2)
النَّدَمُ تَوْبَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وعن جابر -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خَيْرُ أُمَّتِي)) المقصُود أُمَّة الإجابة ولَّا أُمَّة الدَّعوة؟ أُمَّة الإجابة، ((خَيْرُ أُمَّتِي الذِّينَ إِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا)) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران/135]، والاسْتِغْفَار شَأْنُهُ عَظِيم، الاسْتِغْفَارْ جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصْ القَطْعِيَّة من نُصُوص الكِتاب والسُّنَّة، والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يُحفظ عنهُ في المَجْلِسْ الوَاحِدْ أنَّهُ يَسْتَغْفِر سَبْعِينْ وفي بعضِ المَجَالِسْ مائة مرَّة -عليه الصَّلاة والسَّلام- وقد غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ وما تأَخَّرْ ((خَيْرُ أُمَّتِي الذِّينَ إِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا)) وجاء في الخبر ((مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَار؛ جَعَلَ اللهُ لهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً)) فالاسْتِغْفَار: وهو طلبُ المَغْفِرَة شَأْنُهُ عَظِيم، وعلى المُسلم لا سيَّما على طالب العلم المُقْتَدِي المُؤْتَسِي أنْ يَكُونَ لَهِجاً بِهِ مع سَائِر الأذْكَار، ((الذِّينَ إِذَا أَسَاؤُوا اسْتَغْفَرُوا)) أسَاؤُوا: ظَلَمُوا أنْفُسَهُم، أو ظَلَمُوا غيرَهُم؛ يُبَادِرُونْ بِمَحْوِ أَثَر هذا الظُّلْم وهذهِ الإسَاءَة بالاسْتِغْفَار ((وإذا أَحْسَنُوا، اسْتَبْشَرُوا)) فَعَلُوا عملاً صالِحاً، سَرَّهُم هذا العَمَلْ الصَّالِح؛ يَسْتَبْشِرُونْ، ((ومَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ)) جَاءَ الخَبَرُ بِمَدْحِهِ، ((وإذا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا)) لا شكَّ أنَّ المُسْلِمْ يَسْتَبْشِرْ بالعَمَل الصَّالح، ويَسُوؤُهُ العَمَل السَّيِّئ ولو فَعَلَهُ بِطَوْعِهِ واخْتِيَارِهِ؛ لَكِنَّهُ يَنْدَمُ عليهِ، والنَّدَمُ(1/1)
تَوْبَة.(1/2)
احرص على الإقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام في جميع أمورك
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أن يَحرِص، يحرص أشدَّ الحرص أن يَقتَدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، وفي وضوئه، وفي عباداته كلها، مع الأسف أنَّ بعض طلاب العلم يعرف الأحكام المتعلقة بالوضوء، والأحكام المتعلقة بالصلاة، والأحكام المتعلقة بالحج، ويُفَرِّط في كثيرٍ منها، مع أنه جاء الأمر بذلك: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا} [(286) سورة البقرة] الذي يعجز عن تطبيق الصلاة النبوية بحذافيرها يأتي بما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) الذي لا يستطيع أن يحج كما حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مطابقة يفعل ما يستطيع، بعد الحفاظ على الأركان في العبادات كلها، ثم بعد ذلك يأتي بما يستطيعه من السنن؛ لأن بعض الناس يأتي بالعبادات بالقدر المجزئ فقط، ولا يحرص على تطبيق السنن، وهذا حرمان، نعم هي صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن قد لا تترتب عليها الآثار الكاملة مما أعده الله -جل وعلا- لمن يقيم الصلاة، وإلا فقد تكرر في النصوص إقامة الصلاة، وإقامتها الإتيان بها على الوجه المستقيم القائم التام، فنحرص على تطبيق كل ما يبلغنا عنه -عليه الصلاة والسلام- من أفعال، بأن نحاكي فعله -عليه الصلاة والسلام- ونأتي بالعبادات على ضوء ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من فعله، ونأتمر بأمره، ونمتثل التوجيه النبوي -عليه الصلاة والسلام- في جميع العبادات؛ لأنه يخشى ممن يفرط بالمستحبات أن يتساهل في الواجبات، أو لا يعان على الإتيان بالواجبات، ثم بعد ذلك يصل الخلل إلى أن يفرط بالأركان، وحينئذٍ ترد عليه صلاته، فيكون كمن قيل له: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) والله المستعان.(1/1)
تَطْويلْ الشَّعر بين الإقْتِدَاء والتَّشَبُّهْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
اتِّخَاذُ الشَّعر إقْتِدَاءً بِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- تَكْمِيلاً للسُّنَنْ إذا دلَّ على صِدْقِ صَاحِبِهِ؛ لا شكَّ أنَّهُ يُؤْجَرُ على ذلك، أمَّا منْ يُزَاوِلُ المُنْكَرَات، ويَقْتَرِفُ الفَواحِشْ والجَرَائِمْ ويُربِّي الشَّعر ويَحْلِقَ لِحْيَتِهِ ويقول مُقْتَدِي! نقول: لا ما هو بصحيح، تقتدي بِهِ في غير واجب، وتترك الواجِبَات، قد يقول قائل: الجِهة مُنْفَكَّة! هذا عليهِ إثْمُهُ، وهذا لهُ أَجْرُهُ! وش المانع؟! نقول: لا يا أخي البابُ واحد، نعم، لو كانت من بابين مُخْتَلِفين، قُلنا الجِهَة مُنْفَكَّة، الآنْ الجِهَة غير مُنْفَكَّة، الآنْ هذا كُلُّهُ شَعر! تترُك المُسْتَحب وتَحْلِقُ الواجب، نقول: لا يا أخي، الباب واحِد والجِهة غير مُنْفَكَّة! ولِذا عِيبَ على منْ يقول من الأشعريَّة إنَّهُ يجب على الزَّاني أنْ يغض بَصَرَهُ عن المزنيِّ بها! لأنَّهُ مأمُور بغضِّ البَصَر! نقول: يا أخي الباب واحد وين رحت! ما حُرِّمَ البصر إلاَّ من أجلِ الزِّنا! وهذا مِثْلُهُ، وهذا بيربِّي شعر؛ لأنَّ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ لكنْ الأوامر الصَّرِيحة التِّي عَدَّها أهلُ العلم منْ كبائِر الذُّنُوب حلق اللِّحية ؛ يَحْلِقْ لِحيتهُ! نقول يا أخي الجِهة ما هي مُنْفَكَّة كُلُّهُ شعر، وهذا يَفْعَلُهُ كثير من النَّاس يُربِّي شعر ويقول: الرسول يربي شعر، وش المانع؟! نقول: نعم إذا صَار مظهرك مثل مظهر الرَّسُول لماذا؟ لأنَّهُ يُوجد من ينازع يُوجد من يقتدي به من الكُفَّار والفُجَّار! يُرَبُّونْ شُعُورَهُم وإقتداءهم الله أعلم به، بدليل إقتداءك بهم في حلق اللِّحية، فأنتَ مُقْتَدٍ بِهِم لا بالرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وتربية الشَّعر لا شكَّ أنَّ لهُ كَلَفَة ومَشَقَّة ولذلك اعْتَذَر الإمام أحمد عنهُ، قال: لولا المَشَقَّة(1/1)
لاتَّخَذْنَاهُ، يحتاج إلى تسريح، يحتاج إلى تَرْجِيل، ويحتاج إلى دَهْن، كثيرٌ من النَّاس ما هو بفاضي لهذهِ الأُمُور، وفي المُقَابِل فيهِ أُناس يُبالِغُون ناس يجلِسْ ساعتين ثلاث! يتنظَّف ويتجمَّل عندهُ صالون يتحلَّق فيه على ما يقولون الأشوام! ساعتين ثلاث! ودينُ الله -جلَّ وعلا- وسط بين الغالي والجافي، دِينُنا دين الطَّهارة، دينُ النَّظافة؛ لكنْ المُبالغة والغُلُوّ، وإضاعة الوقت في مثل هذه الأُمُور – لا -؛ ولِذا جاء لِكَسْرِ هذهِ الحِدَّة، جاء حديث وهو صحيح ((البذاذةُ من الإيمان)) وهذا يُعالج بِهِ من يُبالغ بالنَّظافة؛ من يُبالغ بحيث يُخرج عن الحد الشَّرعيّ، ويُعالجُ الطَّرف الآخر بـ ((الطَّهُور شَطْرُ الإيمان)) والنُّصُوص كما تعرفُون جاءت لِعِلاج الأطراف المُتنازِعة المُتباعِدَة؛ لِيَكُون المُسلم في الوَسَطْ، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة/143] وأهلُ السُّنَّة وسطٌ بين الفِرَقْ كُلِّها، يعني إذا كان الخوارج والحرُوريَّة في كِفَّة، والمُرجئة في كِفَّة؛ فَأَهْلُ السُّنَّة وسَطٌ بينهم، في نُصُوص الوَعْدْ والوَعِيد، وقُلْ مثل هذا في جميع أبوابِ الدِّينْ.(1/2)
الدنيا مزرعة للآخرة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على المسلم أن يحرص على تحصيل الأجر والثواب، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يفرط في مثل هذه الأمور بناءً على أنها سنن لا عقاب عليها، ونرى بعض الناس يصلي الفريضة ثم تقام الصلاة على الجنازة ولا يصلي، لماذا؟ يقول: فرض كفاية قام به من يكفي، فرض كفاية قام بها؛ هكذا الحرمان، كم فرط مثل هذا، وصلاة الجنازة على كل جنازة قيراط، فعلينا أن نحرص على اكتساب الحسنات، ولا نفرط في مثل هذه الأمور.
فالدنيا مزرعة، مزرعة للآخرة، ألا يسرك أن يوجد في ميزانك زيادة حسنات، وكثرة ثواب من جراء فعلك لهذه المستحبات، هذه الموازين التي يستعملها بعض الناس في أمور الدين، يقول: الفرائض وكفى، بركة {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [(17) سورة الحجرات] هذه منة، المنة لله -جل وعلا- أنه وفقك على أنْ أسلمت، فالمنة لله -جل وعلا-، وأن وفقك لفعل الطاعات واكتساب الحسنات.
في أمور الدنيا تجد الإنسان يلهث وراء الحطام ليل نهار، هل هو يسعى لاكتساب القدر الواجب مما يلزمه ويلزم من يمونه؟ أو تجده يسعى جاداً ليل نهار في اكتساب ما يشغله عن دينه، ولو لم يكن بحاجته، بعض الناس يسعى لكسب الدنيا وعنده من الأموال ما يكفي لعشرة أجيال من ولده، ما يقول: خلاص يكفي الواجد، الموازين انتكست، يعني في أمور الدنيا ينظر إلى من هو دونه، يقول: الحمد لله نحن نصلي الفرائض ويكفي، في ناس ما يصلون أبد بعد!! يمن بعمله، لكن في أمور الدنيا – لا- ، ينظر إلى من أعلى منه، الناس ملكوا وفعلوا وتركوا، قصور واستراحات ومزراع ونحن مساكين ما عندنا إلا.. مع أنه مأمور بأن ينظر إلى من هو دونه؛ لئلا يزدري نعمة الله عليه، والدنيا مهما طالت ليست بشيء بالنسبة للآخرة ((ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها)) خير من الدنيا وما فيها.(1/1)
فعلى الإنسان في أمور دنياه أن ينظر إلى من هو دونه، أحرى أن يشكر ربه، وأن لا يزدري نعمة الله عليه، وأما في أمور الدين العكس، ما يقول: والله إحنا -الحمد لله- نصلي ونصوم والناس كلها ضالة، كلها ما تصلي، الكفار خمسة مليارات، يقول: كثير من المسلمين ما يصلوا إحنا -الحمد لله- نصلي، ما يكفي يا أخي، وما يدريك لعلك بتفريطك بهذه السنن واستخفافك بها يمكن تفتن في آخر عمرك، وتكون ممن عمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فلتكن لطالب العلم على وجه الخصوص معاملة مع ربه وصدق ليُثَبَّتْ، وليتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في الشدة، وما يدريك أنك في يوم من الأيام تتمنى أن تتفتح المصحف ولا يتيسر لك، في يوم من الأيام وأن تتقلب الآن بنعم الله تتمنى أن تجد رصيف تنام عليه ما تجد، يعني هذا موجود في أقطار الدنيا كلها، لننعم بنعم الله لا نظير لها لا عند السابقين ولا عند المعاصرين، فعلينا أن نعنى بهذا الباب.(1/2)
خُطُورة القَنَواتْ الفَضَائِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
القنوات عُمُوماً وما تَبُثُّهُ من سُمُومْ من شَهَواتْ وشُبُهاتْ؛ لا شكَّ أنَّها كَارِثَة ومُصِيبة وفِتْنَةٍ عُظْمَى دَخَلَتْ البُيُوتْ بغَيْرِ اسْتِئذانْ، ولا شكَّ أنَّ مَنْ يُمَكِّنْ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ لِمُشَاهَدَتِها أنَّهُ جَانٍ، خَائِنْ للأَمَانة، فلا يَجُوزُ بِحَال النَّظَر إلى هذهِ القنوات، لا للشَّخص نفسِهِ ولا لِمَنْ تحتَ يَدِهِ، ولو قال عن نَفْسِهِ إنَّهُ يَمْلِكْ، وأنَّهُ يكتفي بالأخبار، ويَنْظُر الدُّرُوسْ – لا ، لا – أبداً، هذهِ ضَرَرُها أكْثَر من نَفْعِها، وشَرُّها أعْظَم مِنْ خَيْرِها إنْ كانَ فيها خَيْر، فلا يَجُوزُ بِحال الإطِّلاعُ عليها، ويَحْرُمُ اقْتِنَاؤُها، وكم مِنْ مُصِيبَة وكارِثَة وَقَعَتْ بينَ المَحارِمْ بِسَبَب هذهِ القَنَواتْ، إذا كان هذا في الشَّهواتْ، في المَعَاصِي وتوليد الفُجُور، فما بالُك إذا تَعَدَّى الأمر ذلك إلى التَّشكيك في الدِّين وفي حَمَلَة الدِّينْ ورِجَالِهِ! إذا شَكَّكْنا في خِيَارِ الأُمَّة فَعَمَّنْ نأخُذ؟! بِمَنْ نَقْتَدِي؟! فَلْيَحْذَرْ الإنْسَانْ أشدَّ الحَذَرْ منْ اقْتِنَاء هذهِ الآلاتْ المُدَمِّرَة، وكم مِنْ قَضِيَّة ما كَانَتْ تُعْرَفْ، ولا كانت تَخْطُرْ على البال؛ وُجِدَتْ بسبب هذهِ القَنَواتْ، قُبِض على شخص يفعل الفاحِشَة بدجاجة، كيف؟ يعني هل يَتَصَوَّر هذا عاقل؟ فلمَّا بُحِثْ عن السَّبب إذا هو برنامج في أحد القَنَواتْ بهذهِ الطَّريقة، وكم مِنْ قَضِيَّة وَرَدَتْ إلى المَحَاكِمْ بينَ أَخٍ وأُخْتِهِ، وبينَ ولَدٍ وأُمِّهِ، وبينَ رَجُلٍ وابِنْتِهِ، يعني هل هذهِ الأُمُور يُدْرِكُها، يستطيع تَخَيُّلها مُسْلِم؟! لولا وُجُود مثل هذهِ الآلات المُدَمِّرَة، فعلى الإنسان أنْ يَتَّقِيَ الله -جل وعلا-، ويُحَارِبْ هذهِ الآلات بِكُلّ ما يَسْتَطِيعُهُ منْ قُدْرَة، ولا يَجُوزُ(1/1)
بِحال النَّظَرُ إليها، والسَّلامة من جميع هذهِ الآلات لا يَعْدِلُها شيء؛ لأنَّهُ يكثُر السُّؤال عن بعضِ القنوات التِّي فيها خير كثير مثل -على سبيل المِثال- قناة المجد، نقول يا الإخوان: السَّلامةُ لا يَعْدِلُها شيء؛ لكنْ المُبْتَلَى، وعِنْدَهُ بعض الآلات، نقول: المجد خير الموجُود، وإذا كان لا يَسْتَطِيع أنْ يَضْبُط نَفْسَهُ أو يَضْبُط أولادَهُ عن الخُرُوج يمين ولا شِمَال، نقول: ارْتِكَاب أَخَفّ الضَّرَرَينْ لا بَأْسَ بِهِ، وإن قُلْنَا أنَّها إسْلامِيَّة، وقُلْنا إنَّ خيرُها كثير؛ لكنْ ما تَسْلَم، لو لمْ يَكُنْ فيها إلاَّ مُشَاهَدَةِ النِّساء للرِّجال، تَخْلُو المرأة بهذهِ الآلَة وتُشَاهِدْ هؤُلاءِ الرِّجال، الأصل يجبُ عليها أنْ تَغُضَّ بَصرها؛ لكنْ نقول إذا كان هُناك ضَرَرْ عَظِيم لا يَسْتَطِيع الإنْسَانْ أنْ يَمْلِك أولادَهُ يَخْرُجُونْ إلى أعْمَامِهِم وأخوالِهِم وجِيرانِهِم ويُشَاهِدُون ما لا يَرْضَاهُ، نقول: ارْتِكَاب أَخَفّ الضَّرَرين أمرٌ مُقَرَّر في الشَّرِيعة، واللهُ المُسْتَعانْ.(1/2)
عِلم السَّلَف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
علم السَّلف الكلمة الواحدة تعادل مجلدات؛ لأنه علم مبارك مأخوذ من معدنه مباشرة بخلاف علم الخلف الذي شيب بغيره، علم السَّلف مختصر وقليل؛ لكنهُ مُبَارَك، فعمر بن الخطاب من هذا النوع إذا تكلم بكلمة خلاص يصدر عنها الناس، تُعَادِل كتاب بالنسبة لغيره هذه الكلمة، ومن أراد أن يعرف قدر علم السَّلف وقلة كلام السَّلف مع متين علمهم؛ فَليَقرَأ في (فَضل عِلم السَّلف على الخَلَف) لابن رجب -رحمه الله تعالى-، عِلمُهُم وإن كان كلامهم قليل؛ إلَّا أنَّهُ مُبَارك؛ بخلاف علم الخلف، يكتب لك رسالة في مجلد كبير وهي مسألة واحدة، في مسألة واحدة؛ لكن مثل هذا لا يُوجد عند السَّلف.(1/1)
ويقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "ومن فَضَّلَ عالماً على آخَر بِكَثرَةِ كلامه فقد أَزرَى بالسَّلف"؛ لأنهم ليسو أهل كلام، ليسو أهل كلام، وليسو أهل تشقيق للكلام وتفريع وتنظير لا، أبداً يعطيك الجواب، يعجبني، أكره، لا يعجبني، وقد اقتفى أثرهم من جاء بعدهم من سادات هذه الأمة من علماء هذه الأمة كمالك وأحمد وغيرهما، جوابهم قصير مختصر، وتجد الآن إذا سئل الإنسان عن مسألة فأجاب بسطر قال: ما ينقد عليَّ؟ سطر ما يسوى الكتابة، فتجده يأتي بكلام له حاجة، وكلام لا حاجة إليه من أجل أن يقال: ما شاء الله عنده بحور العلم، ما هو بصحيح؛ ليس مرد هذا كثرة الكلام، وإلا يُوجد من الكتب الغثاء التي يملأ المكتبات الآن، بسبب مسألة واحدة يُطبَع له كتاب كبير، نعم قد يُحتاج إلى شيء من التوضيح، يُحتاج إلى شيء من البيان، يُحتاج إلى شيء من التفصيل، هذا مطلوب، لكن إذا كانت المسألة ليست بحاجة، المسألة لا تحتاج إلى هذا، شيخ الإسلام يسأل عن المسألة الواحدة يفتي بمائتي صفحة، لكن عصره وجيله ووقته وقت شُبَه تحتاج إلى تَجلِيَة، وتحتاج إلى توضيح وبيان، كتب عن فتوى مائتين وثلاثين صفحة يقول: وصاحبها مستوفز يريدها، يعني ما تورث يبي هذه الفتوى؛ لكن العصر والشُّبَه التي نشرت فيه تحتاج إلى توضيح، تحتاج إلى تَجلِيَة، تحتاج إلى بيان؛ لكن أحياناً كتب مسائل واضحة وما فيها شيء، أو ليست مسائل ما هناك شيء؛ لكن لا بد يكتب، يقول: ها أنا موجود، لا بد أن يقول هذا، فتجده يفتح الأمور ويكرر ويزيد وينقص ويُشَرِّق ويُغَرِّب ويطلع للناس كتاباً ما يدرى وايش رأسه من صاصه، هذا موجود، غثاء كثير في المكتبات؛ لكن علم السَّلف غير، فنصيحتي لكل طالب علم أن يقرأ كتاب (فضل علم السَّلف على الخلف) للحافظ ابن رجب؛ ليعرف مقدار السَّلف، لا يأتينا من يقول: أنه لو جمع علم الصحابة كلهم ما عادل فتاوى ابن تيمية، ما هو بصحيح.(1/2)
لَعْنِ المُعَيَّنْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: ما رأيُكَ في لَعْنِ المُعَيَّنْ أو الكافر؟
المُعَيَّنْ من المُسْلِمين، لا يَجُوزُ لَعْنُهُ، ولو لُعِنَ جِنْسُهُ، ولو جَاءَ النَّصُّ بِلَعْنِ جِنْسِهِ، ((لَعَنَ اللهُ السَّارِقْ))، ((إنَّ الله لَعَنَ في الخَمْرَة)) ثُمَّ عَدَّهُمْ: ((شَارِبَها، وحَامِلَها، وعَاصِرَها، ومُعْتَصِرَها، والمَحْمُولَة إليهِ)) إلى آخِرِهِ؛ لكنْ لَمَّا جيء بِهِ –الشَّارب-، قال بعضُهُم: ((لَعَنَهُ اللهُ ما أَكْثَرُ ما يُؤْتَى بِهِ! قال: لا تَكُنْ عَوْناً للشَّيْطَانِ على أخِيكْ))، فالجِنْسْ غير المُعَيَّنْ، والمُعَيَّنْ لا يَجُوزُ لَعْنُهُ من المُسْلِمِينْ بِخِلاف الجِنْسْ، وقد يرد لعن الجِنْس، وجاء في المُتبرِّجَاتْ ((فالعَنُوهُنَّ)) يعني جِنْسْ المُتبرِّجات، ويُلْحَقُ بالجِنْسْ، وإنْ كانت المسألة تحتاج إلى نَظَرْ، إذا كانت فِئَة مُعَيَّنة أكثر من واحِدَة اتَّصَفَتْ بهذا الوَصْفْ، لو قِيل انتَشَر التَّبَرُّجْ في العُرس الفُلاني، جنس هذا يَنْتَابُهُ أمْرَانْ الجِنْسْ والتَّعْيِين، هو دائِرٌ بين الجِنْسْ والتَّعْيِين، المرأة الواحِدَة مُتَبَرِّجَة مُعَيَّنة، وجميع وعُمُوم المُتبرِّجات ((العَنُوهُنَّ فإنَّهُنَّ مَلْعُوناتْ)) لكنْ يَبْقَى لو تَبَرَّج أكثر من واحِدَة، مجمُوعة في حَفل مثلاً، عرس أو شبهه هُنَّ من حيث التَّعيين والانحِصَار في هذا الجَمْع مُعَيَّنات؛ لكنَّهُ لا يُقْصَد مِنْ ذلك واحِدَة بِعَيْنِها؛ إنَّما يُقْصَدُ الجِنْسْ فهذهِ يُنْتَابُها الأمرانْ، وعُمُوماً ((ليسَ المُؤمن باللَّعَّان ولا بالطَّعَّان ولا بالفَاحِشُ البَذِئ)) وقال عبد الله بن أحمد لأبِيه -كما في الأحكام السُّلْطَانِيَّة وغيرِها-، ما تقُولُ في يزيد الذِّي اسْتَبَاح المَدِينة، وأَهَانَ الصَّحابة، وقَتَلَ بَعْضَهُم، تَكَلَّمَ فيهِ بكلامِ شديدٍ جِدًّا، قال لهُ عبدُ الله لماذا(1/1)
لا تَلْعَنُهُ؟ قال: وهل رَأَيْتَ أبَاكَ لَعَّاناً؟ هذا بالنِّسبةِ لمن هو في دائِرَة الإسلام، يَبْقَى مسألة الكافر المُعيَّن، جَاءَ في قُنُوتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((اللهم العَنْ فُلاناً وفُلاناً وفُلانًا)) ثُمَّ نَزَلَ قَوْلُهُ -جلَّ وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران/ (128)]، ولَعْن الكافر المُعَيَّن مَسْألَة خِلافِيَّة بين أهلِ العلم لا سِيَّما مَنْ اعْتَدَى وظَلَمْ المُسْلِمِين؛ عند جَمْعٍ من أهلِ العِلْم مِنْ أهْلِ التَّحْقِيقْ المُتَّجِهْ جَوَازُهْ.(1/2)
مَن يَتَصَوَّر هَذَا الكَنز؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وَدُم على الباقيات الصَّالِحات، الباقيات الصَّالحات الذِّكر، التَّسبيح والتَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير، وحَوقِل، أكثر من قول لا حول ولا قوُة إلاَّ بالله، والجنَّة قِيعان، وغِراسُها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير، وجاء في الحديث أنَّ إبراهيم قال للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- أقرِئ أُمَّتِك مِنِّي السَّلام، وأخبرهم أنَّ الجَنَّة قِيعان، وأنَّ غِرَاسَها التَّسبيح، والتَّحميد سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلاَّ الله، واللهُ أكبر، وهي الباقيات الصَّالحات، ولا يزال لسانك رَطباً بذكر الله -جلَّ وعلا-، وحَوقِل لا حول ولا قُوَّة إلا بالله، كنز من كُنُوز الجنَّة، مَن يَتَصَوَّر هَذَا الكَنز؟! لا يَخطُر على بال! يعني الجنة التِّي تُرابُها المِسك الإذفَر... فما الذِّي يُخفى تَحتَ هذا التُّرَاب؟! يعني إذا كان النَّاس يَكنِزُون الذَّهب تَحتَ التُّراب العادي... فكيف بالكنز الذِّي يُكنَز تحت المِسك؟! يعني شيء لا يَتَصَوَّرَهُ عقل، ولا يَخطُر على قلبِ بشر!.
واسأَل الله رزقاً حُسنِ مُختَتَمِ، يعني اسأَل الله حُسن الخاتمة، واجعَل لِسَانك رَطباً دَائِماً مُلازِماً للدَّعوة بِحُسنِ الخاتمة؛ لأنَّهُ جاء في الحديث الصَّحيح ((إنَّ الإنسان لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّة حتَّى ما يَكُون بَينَه وبينها إلاَّ ذراع؛ فَيَسبِقُ عليهِ الكتاب؛ فَيَعمَلُ بعمل أهلِ النَّار؛ فيدخُلها)) وسَلَفُ هذهِ الأُمَّة على وَجَلٍ دائِم، ومُراقَبَةٍ تَامَّة لِحُسنِ الخاتمة، فهم يَلهَجُونَ بهذا في كُلِّ وقت؛ خَوفاً من سُوءِ الخاتمة؛ لأنَّ العِبرَة بالخواتم.(1/1)
التدبير والتخطيط
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التدبير التخطيط الآن ما هو على مستوى الدول يقولون: التخطيط أساس التنمية، الإنسان إذا كان موظفاً ومرتبه مناسب متوسط قل أسرة متوسطة راتبهم خمسة آلاف، إذا رتبت ودبرت هذا الراتب، وقسمت على أيام الشهر في يوم كذا، ميزانية، مثل ميزانية الدولة تجده يستمر إلى آخر الشهر بدون حرج؛ لكن بعض الناس يطلع راتبه اليوم ما تغاب شمس اليوم ما عنده من شيء، ويستمر طول الشهر في حكم الفقراء المعدمين، هل هذا من العقل هذا؟ لا عقل كالتدبير هذه حكمة، فعلى الإنسان أن يوازن أموره، يوضب أموره، يقسم أموره، ويحتاط لنفسه، ويجعل لنوائبه ولضيوفه شيئاً يدخره، ولا يقصر على نفسه ولا يبخل ولا يشح، {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [(9) سورة الحشر] فالناس إما إفراط وإما تفريط، بعض الناس وهذه حاصلة واقعة توفي شخص مدرس، درس أربعين سنة من يوم كذا تاريخ كذا إلى وفاته فوجدت رواتبه من أول شهر، راتب كل شهر مربوط بحبل، كل شهر إلى وفاته، بدون نقص ولا هللة في علب كبيرة مكتوب على كل شهر شهره ويدفن في البيت، يوم توفي والله ما نقص شيء أبد، هل هذا تدبير؟ يعيش يتكفف الناس ويسألهم ولا أسرة، ولا تزوج ولا شيء وعايش في بيت حالته حالة، لا كهرب ولا ماء، ما في عنده شيء، والرواتب كل راتب بحبل مكتوب شهر كذا وفي العلبة، ولما توفي وجدوه، يرثه إخوانه وجدوا الرواتب كلها موجودة، ووجدوا عنده هناك عادات إذا تزوج في الأسرة بنت مثلاً يهدى إلى عمها مشلح، بشت، عباءة، ووجدوا هذه البشوت بشناط مركومة أكلتها الأرضة، بعدد بنات الأخوة، هل هذا يقبله عقل؟ بل هل هذا يتصوره عقل؟ وبالمقابل الثاني: الذي ما تغاب الشمس وعنده من راتبه ريال، ولذلك لا بد من التدبير، لا بد من التنظيم، ولا أفضل من التوجيه الإلهي {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [((1/1)
29) سورة الإسراء] ملوم كل يلومك، زملاء اثنين على طرفي نقيض، واحد مبذر وواحد شحيح، المبذر صحيح أنه يستأنس إذا طلع الراتب الأيام اللي حوله، والثاني: صاكٍ على نفسه هذا الشحيح يقول لزميله: والله أنا غابطك مستأنس ومبسوط لكن لا جيت تتسلف تقترض والله أني أرحمك، صحيح هذا واقع كثير من الناس، إما كذا وإما كذا، لكن قلة من الناس الذين لديهم العقل المدبر، تجد أمورهم ماشية، يعني إلى آخر الشهر ما عليه نقص، قد لا يوفر شيء ما يخالف؛ لكن ما يروح يسأل الناس.(1/2)
اعتَنِ بِصَلَاحِ قَلبِك
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((أَلَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَة)) يعني بِقَدرِ قِطعة من اللَّحم بِقَدرِ مَا يَمضَغُهُ الإنسَان، بِقَدرِ اللُّقمَة، يعني ما هو بكبيرة؛ ((إذا صَلَحَت)) هذهِ المُضغَة؛ ((صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب)) القلب شأنُهُ عَظِيم، وفَسَادُهُ خَطِير، ومَرَضُهُ شَرٌّ مُستَطِير، وكَثِيرٌ من النَّاس يَعِيش بينَ النَّاس وقَلبُهُ مَمسُوخ وهُوَ لَا يَشعُر!- نَسأَل الله السَّلامة والعَافِيَة – وقَد يَكُون مِمَّن يَنتَسِبُ إلى العِلم، أو إلى طلب العلم، يعني لا نُكَابِر! يَعِيش بينَ النَّاس بقَلبٍ مَمسُوخ – نعم – وش المانع! لِكَثرَةِ مَا يُزَاوِلُهُ ويَنتَهِكُهُ مِن مُحَرَّمَات، فَالقَلب تَنبَغِي العِنَايَةُ بِهِ، العنَايَةُ بالقَلب في غَايَةِ الأَهَمِّيَّة، وجَمِيع خِطَابِ الشَّرع مُوَجَّه إِلَى القَلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88-89) سورة الشعراء] فَالقَلب شأنُهُ عَظِيم، فَعَلى المُسلِم لَا سِيَّما طَالِبُ العِلم أن يُعنَى بِصَلَاحِ قَلبِهِ، هُناك أَمرَاض للقُلُوب، وهُنَاكَ أَدوِيَة لِلقُلُوب، وخَيرُ ما يُدَاوَى بِهِ القَلب المَرِيض بالقُرآنِ الكَرِيم، بِقِرَاءَتِهِ على الوَجه المَأمُور بِهِ بالتَّرتِيل والتَّدَبُّر، أيضاً الارتِبَاط بِالله -جَلَّ وعَلَا- بِالأَذكَار، بِنَوَافِل العِبَادَات مِنَ الصِّيَامِ والقِيَام، وأَن يُعِينَ على نَفسِهِ بِكثرَةِ السُّجُود، المَقصُود أنَّ هُناك أُمُور تُعِينُ على صَلَاحِ القَلب ((وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب) القَلب بِمَنزِلة المَلِك، والجَوارِح أَعوَان لِهَذَا المَلِك؛ فَإِذَا كانَ المَلِك صَالِح؛ وَجَّه هؤُلَاء الأعوَان إِلَى مَا يُصلِح، وإذا كانَ المَلِك فَاسِد؛(1/1)
وَجَّه الأَعوَان إلى ما يُفسِدُ ويَضُر ((إذا صَلَحَت؛ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَت، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ القلب)).(1/2)
الجليس الصالح والجليس السوء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((مثل الجليس الصالح والجليس السوء)) الناس صنفان إما صالح وإما سيء، الجليس الصالح له مثل، والجليس السيء والسوء له مثل، فمثل الجليس الصالح كحامل المسك، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، وهذا من اللف والنشر المرتب، ولك الخيار، هل تريد أن تجلس عند حامل المسك أو عند نافخ كير؟ لا شك أن كل ذي عقلٍ سوي يفضل حامل المسك، ويبتعد عن نافخ الكير؛ لأنه الجو حار، والشرر المتطاير يحرق الثياب، والرائحة كريهة، والدخان يزكم الأنوف، ومن كل وجه، وأما حامل المسك فخير على خير، أقل الأحوال أن تبتاع منه شيئاً يسرك؛ لأن مما يسر في هذه الدنيا الطيب، وقد حبب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من الدنيا النساء والطيب، فحامل المسك إما أن يحذيك، إما أن يعطيك هدية، وإما أن تبتاع منه بالمقابل دراهم، وأقل الأحوال أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق الثياب من هذا الشرر المتطاير، وقد يخلص هذا الشرر إلى الجلد فيحرقه، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة، لن تسلم، وهكذا الجلساء، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [(28) سورة الكهف] هؤلاء هم الجلساء الصالحون، مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أهل الذكر أهل الفضل أهل الخير أهل الاستقامة الذين أقل أحوالك أن لا تزاول ما يغضب الله في مدة مكثك معهم، هذا أقل الأحوال، وإذا ذكروا الله وذكرت الله معهم، إذا نسيت عن شيءٍ وغفلت عنه ذكروك هؤلاء خير على خير، بخلاف الجليس السيء الذي إن أردت عملاً صالحاً ثبطك، وإذا ذكرت الله -جل وعلا- صرفك، فمثل هذا يبتعد عنه، والإنسان يحرص على ما ينفعه في أمور دينه ودنياه، فالجليس السيء لن يقدم إلا ما يضر في الدين والدينا، والجليس الصالح يقدم لك ما ينفعك، لكن الجليس الصالح والأمر بمجالسته من(1/1)
متطلبات الجنة، والجليس السيء الذي تغفل بسببه عن ذكر الله، وعن طاعة الله، وقد تقع في بعض المحرمات من متطلبات أو من دواعي وأسباب النار، والجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، ولذا تجد بعض الأخيار وهو محسوب على طلاب العلم، تجده يأنس بفلان، يقول: فلان ما شاء الله خفيف، طيب المعشر، لماذا صار طيب المعشر؟ لأنه يقدم لك ما تشتهيه وتحبه، ويؤيدك في كل ما تقول وما تفعل، وإن كان خطأ، هذا خفيف ما شاء الله؛ لكن العاقبة؟ الجنة حفت بالمكاره، تجد بعض الناس نعم صالح وطيب وذكر، وحث على الخير؛ لكن ثقيل على كثيرٍ من النفوس، وهذا يحسه الإنسان من نفسه، نسأل الله العفو والمسامحة، إذا جاك واحد وهو من خيار الناس صارت الجلسة رسمية على الكلام، رسمية يا أخي الواحد ما يقدر يستأنس ولا ينبسط، لا شك أن هذه الأمور تحتاج إلى علاج، هذا خلل، خلل بلا شك، يعني أنت تأنس بمن يضحكك والذي يدلك على الخير تقول: جلسة رسمية، هذا واقع كثير من الناس الله يعفو ويسامح، فلنحرص على من يدلنا على الخير، ويكفنا عن الشر، ويقدم لنا ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، أما أهل الهزل وأهل المجون وأهل الفكاهة لا ينفعون بشيء، ويبقى أن الدين -ولله الحمد- ترك لنا فرصة، يعني ديننا فيه فسحة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يمزح لكنه لا يقول إلا حقاً، فإذا تخلل الجلسات الطيبة النافعة المفيدة شيء من المرح والمزح الخفيف هذا لا بأس به، لا يضيق به ديننا -ولله الحمد- والمنة، على ألا نكذب، ولا نقول إلا حق، ولا نتعدى على غيرنا، ولا يدخل في كلامنا شيء مما يستلذ ويطاب من الاستطالة في أعراض الناس، والله المستعان.(1/2)
أَفضَل طَرِيقَةٍ لِحِفظِ الصَّحِيحَينِ بِالإِسنَاد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مَا هِيَ أَفضَل طَرِيقَةٍ لِحِفظِ الصَّحِيحَينِ بِالإِسنَاد؟!
قُلنا إنَّ أفضل طريقة لِحفظ الأسانيد؛ الاعتماد على تُحفة الأشراف، يعني تأتي إلى أسانيد المُكثرين، والسَّلاسل التِّي تُروَى بها عَشَرات الأحاديث سَتَحفَظ سند واحد، ثُمَّ تَحفَظ تحتَهُ عِشرِين ثلاثين مائة حديث؛ هذا يُيَسِّر لك حِفظ الأسانيد، ولو سَلَكت الطَّريقة التِّي شَرَحناها في كَيفِيَّة فَهم السُّنَّة مَعَ حِفظِها في آنٍ واحد؛ فهي نافِعة ومُجدِية وتحتاج إلى وقت، تحتاج إلى جد، تحتاج إلى صبر؛ لكن ليسَ بكثير أن تُصرِف وتُنفق خمس سنوات على الكُتب السِّتة، وتعرف جميع ما في هذه الكتب، وهذه شرحناها في مُناسبات كثيرة وإن أردتم كان نُشير إليها إشارة، وهي أن تَجعَل البُخاري مثلا عُمدة في البحث، تدورُ حول فَلَكِهِ، تَجعَلُهُ مِحوَر بَحثِك، فتأتي إلى الحديث الأول في البُخاري، فتنظر إلى التَّرجمة وما دعم به التَّرجمة من أقوال الصَّحابة والتَّابِعين،ثم تنظر في الإسناد، ثُمَّ تَنظُر في المَتن، ثُمَّ بعد ذلك تَنظُر إلى الموضع الثاني في صحيح البُخاري إذا خرَّج فيهِ هذا الحديث، تَنظُر مثل النَّظر السَّابق في التَّرجمة، والآثار، والإسناد، هل يَتَّفِق مع السَّابِق أو لا يَتَّفِق؟! المَتِن هل يَزِيد أو يَنقُص؟! ثُمَّ الموضِع الثَّاني والثَّالث والرَّابع والخامس والسَّادس والسَّابع، تنتهي من الحديث الأوَّل في البُخاري، وأنت في كل موضع تُثبِت الزَّائد, وتُشير إلى أنَّ هذهِ الجُملة نَقَصَت من باب كذا، وزَادَت في باب كذا، فإذا انتهيت رجعت إلى صحيح مُسلم، فَتَنظُر أيضاً في تخريج مُسلم لهذا الحديث، وتَجعَلُهُ تحت عملك وصَنِيعك في صحيح البُخاري ، تًنظُر فِي إِسنَادِهِ هل يَتَّفِق مع البُخاري في أحدٍ من الرُّواة؟ هل يختلف؟! هل صِيَغ الأداء تَغَيَّرَت أو هي(1/1)
مُتَّفِقة؟! هل زَاد ألفاظ أو نَقَص ألفاظ؟! ومُسلم يُخرِّج الحديث من طُرُق كثيرة في مَوضِعٍ واحد، ومع ذلك تُشَطِّب على الحديث إذا انتَهِيت منهُ، تقول: دُرِس مع صحيح البُخاري في المواضع السِّتَّة، الأوَّل تُثبِت فيهِ جميع ما ذَكَرنا، ثم تُشير في الموضع الثَّاني إلى أنَّهُ دُرِس في الموضع الثَّاني في البُخاري، في الموضع الأوَّل، والثَّالث كذلك، والرَّابع، ثم بعد ذلك تَنظُر فيمن وافق الشيخين، فَتَجِد أهل السُّنن خَرَّجُوا، فَتَرجِع إلى أبي داود وتَنظُر فيه مثل ما نَظَرت في مُسلم، تُثبِت الزَّائد من الرُّواة، والألفاظ، تَنظُر فِي صِيَغ الأَدَاء هل تَغَيَّرَت أو ما تَغَيَّرت، بِمَ تَرجَم الإمام أبو داود على الحديث، هذا فِقه أَهلِ العِلم، التَّرَاجِم هذا فِقهُهُم، هذا فِقه أهلِ الحَدِيث، ثم تَنظُر في التِّرمِذِي وغَيرِهِ من الكُتُب، إذا انتهيت من الحديث الأول تكون نَظَرت الآن مَجمُوع أحادِيث الكُتُب السِّتَّة، يعني لو نَظَرنا إلى جامع الأصول وَجَدنا فيه عشرة آلاف حديث، أنت في هذا الحديث في البُخاري انتهيت من سَبعَة، وهو واحد، وفي مُسلم انتهيت مِن خَمسَة طُرُق أو سِتَّة، من سُنَن أبي داؤد ثلاثة طُرُق كَرَّرَهُ في ثلاثةِ مَواضِع أو أَورَدَهُ مِن ثلاثَةِ طُرُق، هي يُرقِّمُونها، وقُل مثل هذا في بَقِيَّةِ الكُتُب، فَأَنت انتَهِيت من ثلاثين حديث من أحاديث الجامع الأُصُول مُرَقَّمة حديث واحِد! ثم تنتقل إلى الحديث الثاني والثَّالث والرَّابع...(1/2)
إلى أن ينتهي صحيح البُخاري؛ فيكون عندك مُختصر لصحيح البُخاري فيه ألفين حديث! بَدَل سَبعَة آلاف وخمسمائة حديث! أنتَ الذِّي اختَصَرتَ الصَّحيح؛ فَصَارَ عِلمُكَ بما حُذف مِن صحيح البُخاري كَعِلمِكَ بِمَا أَثبَتّ، تَصَوَّرت صحيح البُخاري تَصَوَّر كامل! تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ مُسلم البُخاري من المُتَّفقِ عليهِ، تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ أبو داود البُخاري ومُسلم، تِصَوَّرت مَا يُوَافِقُ فيهِ التِّرمذي الثَّلاثة وهكذا... إذا انتهيت من ما يَتَّفِق عليهِ الشَّيخان، وما يَتَّفِق عليهِ هؤُلاء، تَأتِي إلى زَوَائِد مُسلِم، أحاديث في صحيح مُسلم لا تُوجد في البُخاري، وأنت انتَهِيت من المُتَّفق عليه؛ لأنَّك كَتَبت عليه علامة، ما عندك أقلام مُلوَّنة أَشَّرت في صحيح مُسلم أنَّ هذا الحديث دُرِس مع البُخاري الذِّي يَلِيه ما دُرِس! تُثبِتُهُ زَائِد وهكذا... إلى أن تنتهي مِن مُسلم، وتَنظُر فِيمَن يُوافِقُهُ من أصحاب السُّنن، إلى أن تَنتَهِي مِن مُسلم؛ يكون انتَهِيت مِن أَكثَر من خمسين بالمائة من أحَادِيث السُّنن! في المُتَّفق عليه وزوائد مُسلم، ثُمَّ بعد ذلك تأتي إلى زوائد أبي داود، ثُمَّ التِّرمذي؛ يَطُولُ بِكَ الوَقت، تَحتَاج إِلَى خَمس سَنَوَات بِهَذِهِ الطَّرِيقَة! لو جِئتَ إلى الأعمَال الجَاهِزَة فَوَجَدت البُخاري بدون تَكرَار، أَخَذت الزَّبِيدي مثلًا وزوائد المُنذِرِي عليه صحيح مُسلم، ثُمَّ زوائد أبي داود..(1/3)
كُلَّها جاهزة موجودة في الأسواق؛ يَكفِيك لِدِرَاسَتِهَا سَنَة واحِدَة! لكن مع ذلك، ومَا يُدرِيك أنَّ هَؤُلاء الذِّينَ اختَصَرُوا هذهِ الكُتُب حَذَفُوا أَشيَاء أَنتَ بِأَمَسِّ الحاجة إليها حينما اقتَصَرُوا على المَرفُوعَات المَوصُولَة، يعني في بعض التَّكرار ما يَفتَح لك آفَاق! في بعضِ الأسَانِيد التِّي استَغنَوا عنها ما يُنوِّر ذِهنَك؛ تَخرُج من هذهِ الكُتُب وأنتَ لَدَيكَ ثَروَة فِي المُتُون والأَسَانِيد وفِقه الأَئِمَّة! هذا فِقه أهل الحَدِيث الذِّي هُو أَقرَب الفِقه إِلى الدَّلِيل، فقرَاءة الشُّرُوح يحتاج إلى وقتٍ طويل، يُقرَأ مَا يُشكِل، إذا أَشكَل عليك مَعنَى من المَعَاني، أو مَثَلاً مَا فَهِمت كيف تَربط بين الحديث وتَرجَمَة البُخَاري عليه؛ تَقرَأ الشُّرُوح لِتَستَفِيد.(1/4)
داء الكِبر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الكِبْر نسأل الله العافية، حذر منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد التحذير، ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) وهذا من نصوص الوعيد، لا شك أن هذا وعيد شديد بالنسبة لمن داخل قلبه شيء من الكبر، ولا شك أن الكبر قد يصل بالشخص إلى أن يرد الحق، ويبطر الحق عناداً ومحادةً، وحينئذٍ يكون الحديث على بابه، لا يدخل الجنة مثل هذا، ومن الكبر ما هو دون ذلك يخالط قلب الإنسان ويحتقر الناس؛ لكنه لا يصل إلى حدٍ يبطر الحق فيرده بالكلية، هذا أمره أقل مما سبق، وشأنه عظيم أيضاً؛ لأن احتقار الناس يتضمن العجب والغرور، الإعجاب بالنفس، وهذه خصلة ذميمة، وأثره على دين العبد بالغ وكبير.
والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ(1/1)
العجب شأنه كبير، ومن لازم العجب بالنفس احتقار الناس، ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) نسأل الله السلامة والعافية، وعموماً الناس كلهم قاطبة يمقتون المتكبر، ولا يطيقون رؤيته، ولا مجالسته، فقال رجل: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة" لا شك أن مثل هذا قد يحمل بعض النفوس الدنيئة على الكبر، لبس ثوب حسن وإلا لبس بشت جديد وإلا ركب سيارة فارهة يحتقر الناس، هذا نوع من الكبر؛ لكن قد يلبس ثوباً حسناً ونعلاً حسنة، وبشتاً جميلاً، وسيارة فارهة، وقصراً منيفاً، ومع ذلك لا يتكبر على الناس، ولا يغمط الناس حقوقهم، هذا نعمة المال الصالح للرجل الصالح، ((إن الله جميل يحب الجمال)) فالإخبار عن الله -جل وعلا- بأنه جميل، وبأنه طيب، وبأنه وتر، هل من مقتضى ذلك أن تثبت هذه أسماء لله -جل وعلا-؟ يقال: الطيب؟ الوتر؟ الجميل؟ يعني من الأسماء الحسنى أو نقول: هذه إخبار، ودائرة الإخبار أوسع من أن يثبت فيها وصفاً فضلاً عن كونه يثبت فيها اسم، المسألة من أهل العلم من أثبت هذه أسماء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافها إلى الله -جل وعلا-، وأثبت من أسمائه الطيب، ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) فأثبتوه من أسمائه؛ لكن الذي يظهر أنها إخبار عن الله -جل وعلا-، ودائرة الإخبار أوسع، ((الكبر بطر الحق، وغمط الناس)) احتقار الناس، ويلزم من احتقارهم التعدي عليهم بأخذ أموالهم، والاستطالة في أعراضهم وغير ذلك.(1/2)
العِلم مَتِين ويَحتَاج إِلَى حَفرٍ فِي القُلُوب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا عجزت عن الحفظ، بعض الناس الحافظة عنده قريبة من الصِّفر، وبعض الناس الحافظة عنده قريبة من المائة في المائة، كما أنَّ القريب من الصفر في الحافظة، عنده فهم قريب من المائة بالمائة، والثاني بالعكس، وبين هذين ما يقرب من هذا وما يبعد من هذا.
نضرب مثال بالجلالين، وش معنى الجلالين؟ صاحبي التفسير، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، جلال الدين المحلي إمام من أئمة الشافعية، ومع ذلك في الحافظة يقرب من الصفر، وقال: إنه حاول أن يحفظ فصل من كتاب أخذ عليه وقت طويل جداً مدة أكثر من أسبوع، وارتفعت حرارته، وظهر في جسده بثور، وفي النهاية عجز!!
والسيوطي يقول إنه يحفظ أكثر من مئتي ألف حديث، كيف صار المحلي إمام من أئمة الشافعية؟ كيف صار؟ هناك طريقة لمن هذه صفته، إذا عجزت استعمل القلم، اكتب ما تريد حفظه، راجع عليه الشروح وعلق عليه، ومن كثرة المُداولة يثبت في ذهنك، مقومات التحصيل الحفظ والفهم، قد يجتمعان في شخص، وقد يُفقَدان من شخص الكُلِّيَّة يصير فدم، ما يفهم ولا يحفظ، هذا يسلك العلم يثبت له أجر السلوك والطريق، ويَقرَأ نظر ويُرَدِّد القرآن ويَذكر الله -جل وعلا- ولا يُحرَم من الأجر.(1/1)
لكن بعض الناس عنده حافظة قوية، وبعضهم ضعيفة؛ لكن الفهم عنده قوي، نقول لمثل هذا: امسك القلم، وكَثِّر الأوراق اقرأ الفاتحة واكتب الفاتحة، وراجع عليها التفاسير، وانتقِ من تفسير ابن كثير على الفاتحة، ومن تفسير الشيخ ابن سعدي، ومن تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، ومن فلان ومن فلان تجتمع عندك تصور للتفسير إجمالي، يعني تستطيع تكون لديك أهلية لأن تفهم هذا الكلام ، ولو احتجت إلى تفسيره تستطيع، يعني عندك -على ما يقول الناس- خلفية، ولو لم يكن من ذلك إلاَّ من كثرة هذه المعاناة رسخ في ذهنك ما كتبت وما قرأت؛ لأنَّ العِلم مَتِين يَحتَاج إِلَى مُعَانَاة، يَحتَاج إِلَى حَفرٍ فِي القُلُوب.
أقول مثل هذا الذي لا يستطيع أن يَحفَظ يَعمَد إِلَى كِتَابٍ صَعب، ما أقول روح إلى منار السبيل، وإلَّا منهج السالكين، وإلَّا كتاب سهل –لا-نقول: اذهب إلى أصعب الكتب من المتون الفقهية، خذ زاد المستقنع -مثلاً- أو مختصر خليل -إن كنت مالكي-، الذي كلامه أشبه ما يكون بالألغاز، شوف ما قال الشراح حول هذا الكلام، وتصور الكلام واكتب ما تصورت، واكتب ما راجعت، وراجع عليه كُتب اللغة إن عجزت عن معنى كلمة، راجع عليه كتب لغة الفقهاء؛ لأنَّ الفقهاء لهم لغة صنفت فيها الكتب، راجع عليه الكتب التي هي أسهل منه، بحيث إذا فهمت هذا الكلام الصعب انتَقَشَ في قلبك، والذي لا يثبت في القلب إلاَّ بصعوبة فإنه حينئذ لا يخرج منه إلاَّ بصعوبة.
فأنت إذا عانيت هذا الكتاب الصعب، وأتقنته وفهمته من خلال مراجعاتك عليه الكثيرة الشديدة، وحاولت جاهداً أن تفهم هذا الكتاب، أنت في النهاية استقر في ذهنك شيء قدر كبير من هذا الكتاب، فالذي حافظته ضعيفة لا يذهب إلى الكتب السهلة، التي تُعِينُهُ على الغفلة، لا، يذهب إلى الكتب الصعبة، التي لا تعينه على الغفلة، كل كلمة تحتاج إلى نظرات ليس بنظر الواحد.(1/2)
فأقول يذهب إلى أصعب الكتب، ويراجع عليها الشروح، ويسأل الشيوخ المختصين فيما يعجز عنه إذا انتهى يكون فهم ولا ما فهم؟ فهم، يكون ثبت في ذهنه شيء أو لا ما ثبت؟ يكون ثبت في ذهنه؛ لأنَّ هذه المُعَانَاة بهذِهِ الطَّريقة لا بُدَّ أن يَثبُت الشَّيء في الذِّهِن.(1/3)
ولا حَسَبَ كحُسْن الخلق
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ولا حسب كحسن الخلق)) هذا الحسب، هذا الذي يمكن أن يمدح به الشخص، لا يمدح بأنه ابن فلان أو من القبيلة الفلانية أو العلانية وهو ناقص، إنما يمدح بحسن خلقه بلا شك، وحسن تعامله مع الناس، احترامه للكبار، رحمته للصغار، إنزال الناس منازلهم، تعاملهم مع الناس على قدر عقولهم ومستوياتهم، هذا لا شك أنه هو الذي يمدح به الشخص. والله المستعان.(1/1)
عَامِل نَفسَكَ بِالأَشَدّ وعَسَاك تَنجُو
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ومن وَقَع في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) السَّلَف -رَحِمَهُمُ الله- يَترُكُونَ كَمَا نُقِل عنهم واستَفَاض تِسعَة أَعشَار الحلال؛ خَشيَةََ أن يُوقِعَهم في الحرام! كيف الحلال يُوقِع في الحرام؟! نعم – الاسترسال في المُباحات، وتَعوِيد النَّفس عليها؛ قَد تَكُون فِي مَكَان يَصعُب عَلَيكَ الحُصُول عَلَيهَا، وتَجِد مَسلَك فيه كلام - يعني مَكرُوه - مَا تَملِك نَفسَك، تبي تَجرُؤ على هذا المَكرُوه، تقول مكروه، لا عِقَابَ فيه وإن كان تركُهُ أفضل! ثُمَّ بعد ذلك إذا جَرُؤتَ على المَكرُوه؛ تَدَرَّجَت النَّفس، واستَشرَهَت؛ بِحَيث تَكُون فِي مَكَانٍ لَا تَصِل إلى هذا الذِّي عَوَّدتَ نَفسكَ عَلَيهِ؛ إِلاَّ مِن طَرِيقٍ حَرَام! ثُمَّ تأتي تُعلِّل للنَّفس، تقول: اللهُ غفورٌ رَحِيم! الحمد لله، ما أشركنا ولا كفرنا ونُصلِّي ونصوم ونسمي ولا علينا شيء! ما عندنا مشكلة، يعني المسألة قد يظن بعض النَّاس أنَّ هذا تَعَنُّت، وهذا تشديد! ما هو بصحيح، يعني الإنسان يجد هذا من نَفسِهِ! لما استَرسَلنا وتَوَسَّعنا في المُباحات؛ جَرَّنا هذا إلى ارتِكَاب المَكرُوهات هذا أمرٌ مَفرُوغٌ منهُ، ما أحد بيترَدَّد فيهِ إلاَّ القليل النَّادر! لكن المُحرَّمات! وهذا تَجِدُهُ في كافَّة القِطاعات! اللي يشتغل في المُعاملة مع النَّاس أوَّل الأمر، أوَّل ما يفتح المحل تَجِدُهُ تَحَرَّز، ثُمَّ بعد ذلك مع الوقت يتوَسَّع في الأمر، ثُمَّ يأتي التَّأويل المكرُوه، يقول: لا عِقَابَ فيهِ! سهل! ثُمَّ بعد ذلك يَتَجَاوَزُهُ إلى ما بعدَهُ! يعني على سبيل المثال المُقاول يأخُذ من فُلان، ومن فُلان أعمال يُنَفِّذُها أو يُشرِف عليها وما أشبَهَ ذلك، تَجِدُهُ في أوَّلِ الأمر من الإخوان اللي ما عندهم حلّ وسَط! في أوَّل الأمر، كل شخص حِسَابُهُ بدفتر! ما هو بصفحة! لِئِلَّا(1/1)
يَلتَبِس! نعم – أخذ من زيد من النَّاس عَمارة يُشرِف عليها، وأخذ من فُلان عمارة يُنَفِّذُها، وأخذ من فُلان استراحة، كل واحد بدفتر! تمضي الأُمُور شهر، شهرين؛ يَجِد مَشَقَّة ، الدَّراهم تدخل الحِسَاب، وحساب هذا يجتمع مع حساب هذا، ثُم ينقص على هذا شيء، يقترض له من فُلان، هذا فلان توه ، الآن ما بعد صبينا! ما حنا محتاجين دراهم الآن نبي نأخذ من هالفلان اللي الآن ال البمم واقف على الصبة تَجِدُهُ يقترض من هذا لهذا! يعني إلى هذا الحد شيءٍ ما هو بكبير ترى!! ويقترض من هذا ويُعطيه هذا! ثُمّ بعد ذلك يبدأ هو! هو احتاج! اليوم والله أهله عندهم مُناسبة والله يناظر الجيب ما فيه شيء!! حِسَابُهُ ما فيه شيء! هات من حساب الأخوان والمسألة ما حنا نبي ناكل بهم شيء! ما حنا ماكلين شيء! نبي نرجعه عليهم، وحسابهم مضبُوط وكل شيء وشيكات واللوائح وكل شيء موجود! ثُم يسترسل بعد ذلك إلى أن يصل به الحد إلى أن يأكُل أموال النَّاس! وهذا شيء مُجرَّب ومُشاهد! لماذا ؟! لأنَّ التَّساهُل بهذهِ الأُمُور يَجُرُّ إلى ما وَرَاءَهُ! قد يقول قائل: نترُك التَّعامل مع الناس؟! – لا - لا تترُك؛ لكن لا تَفتَح على نَفسِك باب التَّأوِيل، كُن على حَذَر شديد، وعَامِل نَفسَك بالأَشَدّ؛ وعَسَاك تَنجُوا! لأنَّ هذهِ حُقُوق العِباد ((ومَن وَقَعَ في الشُّبُهات، وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ))، ((كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى)) يعني الذِّي يَمتهن الصَّيد مثلاً على حُدُود الحرم مثلاً، يقول أنا لا أصيد في الحرم، الصِّيد في الحرم حرام – نعم – وش يبي تسوي؟! على الحدود وهو يصيد في أوَّل الأمر يبي يصير ظهره للحرم؛ علشان ما يصيد إلى الجهة الثَّانية! ثمَّ بعد يعتدل يصير الحرم عن يمينه وعن يسارِهِ، ويجرب على شوي شوي، ثم طارت هذهِ ووقعت، قال: هذا احتمال ما هو بالحرم! شيءٍ يسير! ثم المرَّة الثَّانية يدخل الصِّيد في(1/2)
الحرم، يقول: أنا برى ما أنا بداخل الحرم! والصِّيد ما هو مكلف، والمُكلَّف أنا، وأنا خارج الحرم! ترى الشِّيطان يأتي بهذه الطَّريقة يُسهِّل الأُمُور بهذهِ الطَّريقة؛ المَقصُود أنَّ ((مَن وَقَعَ في الشُّبُهات وَقَعَ في الحرام)) ولا بُدّ! لأنَّ النَّفس لا بُدَّ لها من حَاجِز قويّ؛ دُونها ودُون الحرام! فليكُن بينَكَ وبينَ الحرام بَرزَخ؛ بِحيث لو اضطررت تَكُون في حُدُود هذا البَرزَخ، ثُمَّ تَعُود إذا انتَهَت الضرورة .. ((وَقَعَ في الحرام، كالرَّاعي يرعى حول الحِمَى، يُوشِكُ أن يَقَعَ فيهِ)) يعني إذا وَقَعت في الحرام يمكن تقول: الله يَغفُل! {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم]، {لَا تَخْفَى عليه خَافِيَةٌ}، يعني إذا كنت تبي تلبِّس على الملك أو تبي تجيه بوقت غَفلَتِهِ، طيب رجاله عندهُ حرس وعنده... لكن هُناك مَن لا يَغفُل، ولا يَنَام، ولا تَخفَى عليهِ خَافِيَة، تَجِد مُجرَّد ما تَقَع يُسَجَّل عليك! ولَيسَت مثل عُقُوبة الدُّنيا، عُقُوبة الدُّنيا قد يَضرِبك الملك ويمكن بعد تمُوت من الضَّرب أو تُشَلّ أو يجيك أمر عظيم؛ لكن أين هذا من عُقُوبةِ الآخرة؟! عُقُوبة الدُّنيا لا شيء بالنِّسبة لِعُقُوبة الآخرة! فعلى الإنسَان أن يَحتَاط ويَستَبرِأ لِدِينِهِ وعِرضِهِ.(1/3)
اتبعوا ولا تبتدعوا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق، وأكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأخشى الخلق، وأكرمهم على الله، وأعلمهم و أتقاهم وأكرمهم وأشجعهم، هذا لا يُنَازِع فيه أحد؛ لكن لا يجوز أنْ يُصْرَفْ لَهُ شيء من حُقُوق الرَّب -جلَّ وعلا-، فهو يقول فيما صحَّ عنه: ((إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو))، وقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) والقائل ممن ينتسب إليه، ويزعم أنَّهُ يَتَقَرَّبُ بِمَدْحِهِ إلى الله -جَلَّ وعلا- يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذُ به ... سواك عند حلول حادث العمم!!!
إذا كان لا يوجد من يلوذ به إذن أين الله؟! فهذا غلو يرفع النبي -عليه الصلاة والسلام- من مرتبته التي وضعه الله فيها بين العبودية والرسالة إلى مقام الربوبية يقول:
من جودك الدنيا و ضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم(1/1)
ماذا أبقى لله -جل وعلا-؟! إذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي -عليه الصلاة والسلام- فماذا أبقى لله -جل وعلا-؟! ومرتبة النبي -عليه الصلاة والسلام- معروفة ومحفوظة في النفوس وهو أحب إلى المسلم يجب أن يكون أحب إلى المسلم من نفسه وجاء في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))، وهذا في الصحيحين: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))، وفي البخاري من حديث عمر: ((لأنت أحب الناس إلي إلا من نفسي، فقال: بل ومن نفسك يا عمر!، قال: بل أنت أحب الناس إلي من نفسي، قال: الآن يا عمر)) هذا شيء المحبة والمودة والتعظيم والاحترام والإجلال وإنزاله منزلته التي أنزله الله بها، وجاء في أوصافه أنه الأعلم الأخشع الأتقى لله -جل وعلا- هذا لا يعني أننا نصرف له شيئاً من حقوق الرب -جل وعلا-؛ فالرب له حقوقه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- له حقوقه، ولا شك أن من المسلمين بل كثير من المسلمين بل ممن يقيم هذه الموالد ويدعي حب النبي -عليه الصلاة والسلام- في محبته للنبي -عليه الصلاة والسلام- خلل وتقصير شديد؛ لأن مجرد الدعوة الكلام دعوى تحتاج إلى برهان ما البرهان على صدق هذه الدعوة؟ الإتباع فإذا ابتدعنا في الدين ما صدقنا في دعوانا فلا بد أن نتبع ولا نبتدع.(1/2)
تعلم صغار العلم قبل كباره
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المتون ألفها أهل العلم معتصرة لتحفظ، والشروح ألفوها وبسطوها وكتبوا عليها الحواشي لتفهم، فهناك طريقة لحفظ المتون، وهناك طريقة لقراءة الشروح وسرد المطولات ، الآن -ولله الحمد- المتون التي يحتاجها طلاب الطبقة الأولى موجودة مطبوعة ومشروحة بشروح مطبوعة وشروح مسجلة، ودروس مسموعة عن طريق الأجهزة ووسائل الاتصال، فكل شيء متيسر، بإمكان الإنسان وهو جالس في بيته بين أولاده وإن كان تفريغ النفس هو الذي يحقق الهدف، جالس في بيته مرتاح بيده هذا المتن، الآجرومية أو الورقات أو الأربعين المتون الصغيرة للمبتدئين، أو الأصول الثلاثة والله هذا شرح الشيخ فلان، نسمع شرح الشيخ والمتن بيده يقيد أيش المانع؟ وعنده أرضية للقبول، مثل هذا، أرضية للقبول، يعني مدة سنة واحدة يطلع شيء، عرف هذه المتون كلها، وتصورها وسهل عليه تخصصه؛ لأن هذه العلوم تخدمه في تخصصه، المقصود أنه لا يأس ولو كبرت السن، ولو ضعفت الحافظة، ولو ضعف الفهم.(1/1)
فعلى الإنسان أن يجد ويجتهد، ويحرص على التعلم بصغار العلم قبل كباره؛ لأن هذه الطبقات وهذه التدرجات والدرجات التي جعلها أهل العلم للمتعلمين مثل السلم الذي تصعد بواسطته إلى السطح، الدرجة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، لكن لا تستطيع أن تطلع درجتين أو ثلاث جميعاً، لكن قد يقال في ظروفنا التي نعيشها إذا انتبه طالب العلم، وقرر أن يسلك هذا الطريق، ثم جاء إلى حلق العلم عند المشايخ وجد الشيخ فلان في كتاب متوسط، للمتوسطين، لكنه في أثنائه، هو في كتاب البيوع، والأصل أن يبدأ من الطهارة، وجاء إلى شخص آخر يقرأ في كتاب البخاري وفي آخره مثلاً، وجاء لثالث، ما يجد شيوخ يلبون رغبته ويستقبلونه ويبدؤون به العلم من أوله، عليه أن يبحث وعليه أن يلح على من يتوسم فيه أنه ينفعه ليبدأ به من الأول، لكن إذا ما وجد يتابع دروس المشايخ ويعكف بين أيديهم، ويثني ركبته أمامهم، ومع ذلك يأخذ هذه المتون، ويفيد من الشروح المطبوعة والشروح المسجلة على هذه المتون، وبإمكانه أن يلحق الركب، على كل حال إذا استشعرت أنك تطلب أمراً عظيماً جاء فضله بنصوص الكتاب والسنة، والإشادة به مستفيضة في نصوص الكتاب والسنة، فإذا استشعرت مثل هذا ضحيت في كل غالٍ ونفيس، من أجل تحصيله، وأدركت أن الوقت والعمر كله عبارة عن أنفاس ودقائق، فأي نفس وأي دقيقة تضيع سدى، لا شك أنها خسارة وهي عمرك الحقيقي، فلا تفرط في عمرك، فعلينا أن نهتم بالعلم والعمل، وفي أول الأمر يكون الاهتمام بالعلم أكثر ليكون العمل بعد ذلك على بصيرة، ثم بعد ذلك يعنى طالب العلم بالعمل، إذ هو الثمرة المرجوة من العلم، فعلم لا عمل معه، لا خير فيه، بل هو وبال على صاحبه، بل لا بد من العمل، الإنسان يتعلم ليش؟ لأي شيء؟ ليحقق الهدف الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ليعبد الله على بصيرة، ليستنير الطريق وينيره لغيره، وإلا ما الفائدة من العلم بلا عمل، وينظرونه(1/2)
بالشجر بلا ثمر.(1/3)
أنزلوا الناس منازلهم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((أنزلوا الناس منازلهم)) وهذا الحديث لا شك أنه عظيم، على ضوئه يتعامل المسلمون مع بعض، فالكبير له معاملة، والصغير له معاملة، العالم له معاملة، الجاهل له معاملة تليق به، الرجل له معاملة، المرأة لها معاملة، من الظلم للإنسان أن يعامل الكبير معاملة صبي صغير، من الظلم أيضاً أن يعامل الصغير بمنزلة شيخ كبير، أو جاهل تنزله منزلة عالم، وتشرح عليه وتحمله مسؤولية مثل العالم، أو عالم تعامله معاملة جاهل فلا تحترمه ولا تقدره قدره، أيضاً من الظلم العظيم أن تعامل المرأة معاملة الرجل، تقحمهما فيما لا يصلح لها وتركيبها لا يناسبه، من الظلم أيضاً أن تجعل الرجل مثل المرأة، ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، لما ركبت عليه المرأة من أمور لا تناسب الرجال، وما ركب عليه الرجل من أمور لا تناسب النساء، لا شك أننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، سواء كان في مستواهم العلمي أو عدمه، كبار صغار رجال نساء، نعم الناس تتفاوت عقولهم، تتفاوت مداركهم، كل إنسان له معاملة تليق به، وتفضيل الجنس على الجنس لا يعني أن فلاناً من الناس أفضل من جميع النساء؟ لا، أو أن فلانة من النساء دون جميع الرجال؟ لا، إنما هو تفضيل جنس على جنس، كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا فلانة وفلانة، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.(1/1)
تصور رجل يتخصص في تربية الأطفال هذا بيعيش هذا؟ يبي يحسن هذا؟ ما يمكن، إلا بعد أن انقلبت الموازين وفسدت التصورات وصار تخصص كثير من الرجال قوابل يولدون النساء، ويعلن في الصحف بشرى سارة قدم البروفسور فلان لتوليد مواليد مدري إيش؟ فساد فساد في التصور، والله المستعان؛ لكن هذا الحديث حديث عظيم، ميزان يجعل المسلم يتعامل مع الناس على ضوئه، من الظلم أن يأتي شيخ كبير عالم جليل ثم يعامل معاملة آحاد الناس، ولا يلقى له بال، هذا ظلم له، من الظلم أن يأتي طالب علم ولو كان عنده ما عنده من علمٍ يناسب سنه ومستواه ثم يشاد به، يقال الإمام العلامة العارف العابد الزاهد إيش الكلام هذا؟ هذا ظلم له وإيقاع له في مفاسد عظيمة لا يحتملها هو وتغرير له، وتغرير به، ونجد أيضاً على الساحة مسألة الإعجاب، إعجاب بعض الناس، ترفع بعض الناس إلى السها وتنزل بعض الناس إلى.. هذا ظلم أيضاً، مخالفة للنص الصحيح هذا الذي معنا، بل أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
ونسمع ونقرأ قال العلامة فلان، وما يزال في طور الطلب، فضلاً عن أن يكون عالماً، وهذه الكلمة نرى لها امتهان اليوم بين أظهر الناس، ويحتقر بعض الكبار بعد، بالمقابل يحتقر بعض الكبار؛ لأنه وقع في خطأ من وجهة نظرك، أنت ترى أنه خطأ أو عنده تقصير فيما تحسب؛ لكن أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كل إنسان وما يليق به، والله المستعان.(1/2)
فقه تطبيق السنة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا بد من تطبيق العلم، وأن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، عندنا مسألة نحتاج إليها، كثير من الإخوان يحرص على التعلم، والحرص دليل على إرادة الله -جل وعلا- للإنسان الخير، ومع ذلك يحرص على التطبيق، تطبيق العلم، وهو الثمرة المرجوة من العلم؛ لكن قد يخفى على بعض طلاب العلم فقه التطبيق. إيش معنى فقه التطبيق؟ حمل حديثاً يتضمن سنة، فعلم هذا الحديث، وحرص على تطبيقه وطبقه بالفعل؛ لكنه لم يفقه ما يحتج بهذا الحديث من معارض مثلاً، فعلى سبيل المثال: طالب علم عرف ما جاء في التراص في الصفوف في الصلاة، وأن الصحابة كانوا يلصقون أقدامهم بأقدام من جاورهم في الصلاة، والتراص في الصف أمر جاء الحث عليه، ((لا تدعوا فرجات للشيطان)) لكن مع ذلك هل نفقه أن نطبق هذا، بعض الناس يظن أن التطبيق لا يحصل إلا بالجفاء، حتى أنه وجد من -من حرصه على تطبيق السنة- لكن مع عدم الفقه لتطبيقها من يكون بعض أصابع جاره تحت قدمه، موجود هذا، ووجدت ردود أفعال ممن حصل معهم بعض هذه القضايا؛ لأن ربى بعض الأظافر لمثل هذا، هذه كارثة، هل هذا تطبيق لسنة؟ هذا حريص على تطبيق السنة، ويلصق القدم بالقدم؛ لكن ليس معنى هذا أنك تؤذي جارك، وترقى على رجله، وإلا.....،(1/1)
هذا شيء، بعض الناس ما يتحمل، تصير قدمه فيها شيء من الحساسية، يعني إذا وجد طالب علم مشهود له قطع صلاته من أجل إيش؟ خيط رفيع جداً ينزل من ثوبه على قدمه، وهو حساس شديد الحساسية، خرج قطع الصلاة، ظنه حشرة أو شيء، فكيف من يجعل بعض الأصابع تحت قدمه؟ وإذا سجد جافى بين عضديه حتى يضر بالآخرين، يا أخي وين فقه تطبيق السنة؟ أنت مطالب بألا تدع فرجة للشيطان؛ لكن بقدرها، والمحاذاة ليست بالأقدام فقط، ولذا بعض الناس يظن الحل في عدم ترك الفرج بأن يفحج بين رجليه، يجعل بدل ما حجمه ثلث متر هو في الأصل، يجعل بين رجليه أكثر من متر، هل هذا تطبيق للسنة؟ أين المحاذاة بالمناكب؟ هذا ليس هو تطبيق السنة، إنما يحرص الإنسان أن يحاذي بالمناكب والأقدام، ودين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي ، بعض الناس يحرص على تطبيق السنة، أولاً: لا يفقه السنة، فتجده يتورك في كل جلسة، وفي بدنه ثقل، وفي جيبه مفاتيح، ومحافظ وجوال، وما أدري إيش؟ ثم يرمي بنفسه على جاره، هل هذا يفقه تطبيق السنة؟ لا بد من فقه التطبيق، يعني إذا كانت هذه السنة معارضة، مثل المجافاة، المجافاة سنة؛ لكن بجوارك آخر تؤذيه، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) وأي أذىً في أن تجعل مرفقيك في أضلاع أخيك؟ فننتبه في هذا، ولا شك أن الذي يحرص على السنة يؤجر على قدر حرصه؛ لكن لتمام أجره لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وليس معنى هذا التقليل من شأن التراص في الصفوف، وإلصاق الأقدام؛ لكن أيضاً إذا رأيت جاري من النوع الحساس أترك له فرصة، بعض الناس من يكبس في صلاته إلى أن يسلم وقلبه كالمرجل من خشية الله؟ ومن تأمل ما يقرأ؟ لا، على صاحبه، يغلو كالمرجل على صاحبه وجاره، على أخيه المسلم، لماذا؟ لأنه ضايقه، وهذا حساس ما يتحمل، والناس في طباعهم في بعضهم شدة، ما يتحمل مثل هذه الأمور، ووجدت تصرفات أثناء(1/2)
الصلاة، تجعل طالب العلم يكون متسماً في جميع أفعاله بالرفق واللين، وليكن داعية خير بفعله قبل قوله ليقبل، فعلينا أن نهتم بهذه الأمور..(1/3)
بيتٌ خَالي وسَندٌ عَالِي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وقيل للإمام يحيى أو علي بن المديني في مرضه: ماذا تشتهي؟ قال: "بيت خالي، وسند عالي" خلو البيت مهم للعالم ولطالب العلم ليخلو بربه، والخلوة مطلوبة، إذا تعبد الإنسان، ويبعد عن الأنظار، ويستريح من الأكدار والأغيار، فكون الإنسان يخلو بربه، يخلو بنفسه، يذكر الله ما شاء، يصلي ما شاء، يقرأ ما شاء، يتدبر، يتيسر له أن يناجي الله -جل وعلا-، وأن يحضر قلبه بخلاف ما إذا كان البيت مأهول ومشغول، هذه أمنية، لكن من يطيق منا الجلوس في بيت خال؛ لأننا اعتدنا كثرة القيل والقال، والاجتماع والروحات والجيات، فيصعب علينا الخلوة في البيوت، هذه صعبة جداً، حتى النساء يصعب عليها البقاء في البيت وحدها في عصرنا هذا من الصالحات فضلاً عن غيرهن، يستبعد أن تجلس ليلة خميس أو ليلة جمعة في البيت، لا بد أن يروحون يمين يسار، ويتوسعون يشوفون ويشافون من العوام ، فالجلوس في البيوت صار الناس لا يطيقونه، ومن أشق الأمور إذا كنت في البيت وحدك، وواعدت واحد يشيلك يمين أو يسار وإلا تروحون مشوار وإلا شيء، يتأخر عليك خمس دقائق كأنها خمسة أيام، لكن لو عودنا أنفسنا على الخلوة، واستثمرنا الوقت فيما ينفعنا في الآخرة، ما ضاقت صدورنا، وإذا شغل المرء نفسه فيما ينفعه في الآخرة ما عليه أن يحضر أحد أو لا يحضر، هذه الخمس الدقائق التي تأخر فيها بإمكانك أن تقول: استغفر الله خمسمائة مرة، وهي خمس دقائق، أو تقول: سبحان الله وبحمده ثلاثمائة مرة، لكن ما عودنا أنفسنا على هذا، بإمكانك أن تقرأ في الخمس الدقائق ربع جزء أو على أقل الأحوال ورقة بالتدبر، هذه كم فيها، الورقة كم فيها من حسنة، فيها على أقل تقدير عشرة آلاف حسنة، هذه مجرد الحروف، لكن إذا أضيف إلى ذلك التدبر والتفكر والاعتبار والإفادة من كلام الله -جل وعلا-، ومناجاة الله.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ(1/1)
لكن لا نطيق البقاء في مكان خال، وبعض الناس يستوحش من بقائه في المسجد وحده، المسجد بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
فالإنسان إذا صار بمفرده تيسر له أن يذكر الله -جل وعلا- بحضور قلب، تيسر له أن يبكي من خشية الله، من غير مراءاة ولا ملاحظة، نعم، لكن إذا كان عنده أحد، الله المستعان إما يشوش عليه فلا يستطيع أن يتذكر، أو يخشى من رياء أو غيره، فيؤدي العبادة حقها.(1/2)
الجَمع بين قِرَاءَةِ القُرآن والتَّفسِير
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هل بِالإِمكَان الجَمع بين قِرَاءَةِ القُرآن والتَّفسِير، وذلك حِينما أُريدُ أن أَقرَأ القُرآن كُلَّ شهر؟ وما هِيَ أَقصَر الطُّرق لِفَهمِ الآيَات؟
يعني قراءة جُزء من القرآن في كل يوم هذا أمر سهل يسير، الجُزء مع التَّدبُّر والتَّرتيل يحتاج إلى نصف ساعة، ولا يشق، ومُراجعة كتب التَّفسير المُختصرة؛ لا سيَّما المتعلِّقة بغريب القرآن، يعني لا تُكلِّف شيئاً أمرُها سهل، ومن كُتب الغريب ما طُبع في حاشية المُصحف، وهذا يُيسِّر أكثر؛ لكن قراءة جزء في كل يوم بالنِّسبة لطالب العلم كأنها قليلة بالنِّسبة لكتاب الله -جل وعلا-! فلا يشق على طالب العلم أن يجلس بعد صلاة الصُّبح حتى ترتفع الشمس، وحينئذٍ يتيسَّر لهُ أن يقرأ القرآن في سبع، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمر بذلك، حيث قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وهو مع قراءتِهِ يُدوِّن الكلمات الغريبة ليُراجع عليها بعد الفَراغ من القراءة، يُراجع عليها كتب التَّفسير، ويُراجع عليها كتب الغريب، فكتاب الله ينبغي أن يكون عناية طالب العلم بهِ أكثر، نعم يُعنَى بالحِفظ أوَّلاً، ثُمَّ بعد ذلك بالمُراجعة، ثُمَّ القِراءة من أجل تحصيل أجر الحُرُوف، التَّدَبُّر والتَّرتيل والعمل؛ كُلّ هذا مطلوب بالنِّسبة لطالب العلم، يعني بالنِّسبة للعامِّي الذي يعرف يقرأ القرآن هذا إذا حَصَّل أجر الحُرُوف بالنِّسبة لَهُ؛ يكفِيه! أمَّا بالنِّسبةِ لطالب العلم لا بُدَّ أن يَتَفَقَّه من كِتَابِ الله، وأن يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الله، وأن يُعلِّمَ كتابَ الله بعد ذلك، أمَّا إذا قرأ القُرآن في شهر، كل يُوم جُزء، بإمكانه أن يَقرَأ مَعَهُ تفسير مُختَصَر، يعني سهل أن يقرأ تفسير مُختَصَر في شهر إذا كان يقول أنا لا أزيد على جُزء من القُرآن مع مُرَاجَعَة التَّفسير هذا لا بَأس؛ حينئذٍ يَتَعَلَّم(1/1)
القُرآن عِلمًا وعَمَلًا على طريقة الصَّحابة -رضوان الله عليهم-؛ لكن على الإنسان أن يَستَكثِر من هذا الباب الذِّي فُتِحَ لهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ -جَلَّ وعَلَا-.(1/2)
هل يُدْعَى على الكفار بالهداية أم بالهلاك والعذاب؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شغلونا عن الصَّلاة الوسطى صلاة العصر؛ ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) – أو – ((حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) مِمَّن ينتسب إلى العلم في هذه الأوقات يقول: لا تدعُ على الكُفَّار! ادعُ لهم بالهداية! ولا تقل: يُذَلُّ فيهِ أهلُ المعصية! هم حال كونهم أهل معصية ندعُو عليهم بأنْ يُذَلُّوا، ونرجُو لهم الهداية؛ لكن هنا ((ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) – أو – ((حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) فيهِ دلالة صريحة على الدُّعاء عليهم بالهلاك، وبالعذاب، وجاء في الموطأ عن سعيد وغيره يقول: "أدركنا القوم – يعني الصَّحابة - وهم يدعون على عُمُوم الكُفَّار"، قد يقول قائل: هذا مُخالف للسُّنن الإلهية، السُّنن الكونية أنَّ من الكُفَّار – نعم – من يُسْلِم، فلماذا ندعُو عليهم؟! لماذا لا ندعُ لهم بالهداية؟ أو لا ندعُ على عُمُومِهِم، نقول: كما ندْعُو لعُمُوم المُسلمين، ومنهم من يُعَذَّب، ندعُ لهم بالرَّحمة والمغفرة، وأنَّ الله يتجاوز عنهم ويُدخلهم الجنة؛ لكن منهم من يُعَذَّب، فإرادةُ الله -جلَّ وعلا- ومشيئتُهُ نافذة، لا يَرُدُّها شيء؛ لكن إذا دَعَوْنا نحنُ مأمُورون بأنْ ندعُو لأنْفُسنا، ولأولادنا، وللمُؤمنين على جِهة العُمُوم، كما أنَّنا ندعُو على الكُفَّار على جِهة العُمُوم، ومشيئةُ الله نافذة؛ ولذا لمَّا دعا النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- على فُلان و فُلان؛ نزل قولهُ الله -جلَّ وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران/128]، فمن أرادَ الله هدايتهُ؛ يُسْتَثْنَى من هذهِ الدَّعوة كَوْناً، نحنُ مأمُورُون بأنْ ندُور مع الإرادة الشَّرعِيَّة، لا معَ الإرادة القدريَّة.(1/1)
العُزلَة أم الخُلطَة؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العُزلَة والخُلطَة جَاءَت النُّصُوص بهذا وهذا، النُّصُوص الصَّحِيحَة جَاءَت بِالخُلطَة مُخَالَطَة النَّاس، ونَفعِ النَّاس، والصَّبر على آذَاهُم، وشُرِعَت الجُمع والجَمَاعَات والأعيَاد والحَجّ، كُل هذا من أجل الخُلطَة وهي الأصل؛ لكن إذا خُشِيَ الإنسَان على دِينِهِ؛ فالسَّلامةُ لا يَعدِلُها شيء، ((يُوشِكُ أَن يَكون خَير مال المُسلِم غَنَمٌ يَتبَعُ بِها شَعَفَ الجِبَال، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَن)) فَبَعضُ النَّاس المُتَّجِه في حَقِّهِ المُخَالَطَة، وبَعضُ النَّاس المُتَّجِه في حَقِّهِ العُزلَة، والشُّرَّاح مِنَ القَرنِ الثَّامِن، وهم يقولون: والمُتَعَيِّن في هذه الأزمَان العُزلَة! لِاستِحَالة خُلُوّ المَحَافِل من الجَرَائِم والمَعَاصِي، يعني مُجتَمَعَات النَّاس مَا تَسلَم فَكَيفَ بِهِم لَو رَأَوا زَمَنَنَا هَذَا؟!(1/1)
العُزلَة لَا شَكَّ أَنَّها فِي حَقِّ بَعضِ النَّاس مُتَعَيِّنَة، وفِي حَقِّ آخَرِين مَمنُوعَة، وفِي حَقِّ أَقوَام فَاضِلَة، وفِي حَقِّ آخَرِين مَفضُولَة، ومَرَدُّ ذلك إِلَى التَّأثِير والتَّأَثُّر، فِإن كَانَ الشَّخص يَستَطِيع أَن يُؤَثِّر فِي النَّاس الخَير، ولَا يَتَأَثَّر بِشُُرورِهِم؛ هَذَا تَعَيَّنَت عَلَيهِ الخُلطَة ، يُخَالِطِ النَّاس، أمَّا إِذَا كَانَ بِالعَكس يَتَأَثَّر بِشُرُورِهِم، ولَا يَستَطِيع التَّأثِير بِهِم؛ هذا يَتَعَيَّن فِي حَقِّهِ العُزلَة، وبَقِيَّة النَّاس سِجَال، يُؤَثِّر ويَتَأَثَّر، والحُكم لِلغَالِب، وهُنا يقول: إن لَم يَكُن فِي مُجَالَسَةِ النَّاسِ ومُخَالَطَتُهُم خَير، إِذَا لَم تَستَفِد مِنَ النَّاس؛ فَالعُزلَةُ أَسلَم، إِذَا لَم تَكسِب مِنهُم خَير، وتَجنِي مِنهُم ثَمَرَات تَنفَعُك فِي دِينِك ودُنيَاك؛ وإِلَّا دِينُك دِينُك؛ الزَم، كُن حِلسَ بَيتِكَ إن استَطَعت، وإِن غَشَمَكَ النَّاس ذَهَبتَ إلى بَيتِكَ ومَا استَطَعتَ أن تَعتَزِل؛ وإِلَّا انتَقِل، واللهُ المُستَعَان.(1/2)
الأسلوب النبوي والمنهج الأمثل في الإنكار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ما بال أقوام)) هذا الأسلوب النبوي، إذا أراد أن ينكر منكر ما يقول -عليه الصلاة والسلام-، ليس من منهجه -عليه الصلاة والسلام- ما بال فلان، ما بال علان، يشهر هؤلاء الذين يرتكبون المنكرات، فيتعين مثل هذا الأسلوب؛ لأنه أسلوب نبوي، وهذا من التلميح، ولسنا بحاجة إلى التصريح إلا إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، افترضنا أن الشخص هذا ما يفهم، قال الخطيب هذه الجمعة: ما بال أقوام، ما بال أقوام، مراراً ما في فائدة، نعم، ولذا يقرر أهل العلم أن الإنكار يكون خفية، وتتعين الخفية إذا ترتب على الإعلان مفسدة، وقد يتعين الإعلان إذا لم يجدِ الإخفاء، بعض الناس ما يفهم، تقول: ما بال أقوام، ما بال أقوام، يظنهم ناس بالصين أو بالأندلس، ما يدري أنه هو المقصود، ويصر على خطأه ويرتكب مثل هذه الأمور، مثل هذا لا بد أن يبين له بعينيه، أنت يا فلان، خفية، يبين له بعينه خفية؛ لأن هذا يحقق الهدف؛ لكن مع ذلك ما أفاد خفية، يا فلان اتق الله، خاف الله، يرتكب كبائر ومصائب وجرائم ومع ذلك مُصِرّ، يُشْهر بين الناس؛ لكي يرتدع، والله المستعان.
يقول: ذكرت طريقة للإنكار، وأنه يكون بالتعريض ثم ينتقل منه إلى التعيين بالإنكار على صاحبه، فيما إذا لم يجدِ التعريض، ثم إذا لم يجدِ ولم يرتدع يشهر علانية، يقول: هل هذا عام مع كل أحد أم يخص في ذلك الإنكار على ولاة الأمر إذا ظهرت منكراتهم، وكذلك بعض طلبة العلم ينكر بعضهم على بعض علانية بحجة عدم الانتفاع بالمناصحة، فيشهرون ليحذر الناس خطأهم؟(1/1)
تسمية الأشخاص إنما يلجأ إليها في آخر المطاف إذا لم تجدِ ولم تنفع السبل، وإذا كان في ذكرها مصلحة، ولم يترتب على ذكرها مفسدة أعظم، فالشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا كان ذِكْر الشخص يترتب عليه التحذير منه؛ لأنه متلبس ببدعة، ويخشى على الناس من أن يقتدوا به يُحذر الناس منه، لا مانع من ذكر اسمه، والسلف ذكروا المبتدعة بأسمائهم وأعيانهم، وحذَّروا الناس من بدعهم؛ لكن إذا كان الناس إذا حذروا من البدع ارتدعوا، لا يلزم من ذكر الأسماء، بعض العصاة العتاة إذا بينت منكراتهم ومعاصيهم وعرف الناس أنَّ هذه منكرات تضر بهم وأن هؤلاء مُتلبِّسين بها، لا يلزم ذكر أسمائهم؛ لكن إذا كان الناس بحيث لا يفهمون أن هذا الشخص متلبس بهذا المنكر، وهو يلبس على الناس ويروغ في طريقته وأساليبه، ويغتر به كثير من الناس لا بد من شهره، ما المانع؟ بالشرط المتقدم على ألا يترتب على ذلك مفسدة.
وأبو سعيد الخدري أنكر على مروان، وهو على المنبر، بين الصحابة في خطبة جمعة، لكن المفسدة مأمونة، أما إذا توقع مفسدة خاصة أو عامة، إذا كانت خاصة تختص بالشخص، وأراد أن يتحمل ويرتكب العزيمة هذا أمر، لكن إذا كان هناك ضرر متعدي، يتعدى إلى غيره فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله المستعان.(1/2)
مسألة: ما يتعلق ببعض أهل العلم، وأن من يفتي بمسائل قد يكون فيها سبب لتساهل بعض الناس وفهمهم على غير مقصودها، أو هو نفسه ترخص في بعض الأمور، أو ترجح عنده بعض الأشياء إذا كان أهل للاجتهاد فالأمر فيه سعة على أن يبين القول الصواب، أما إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فينبغي أن يبين ويذكر اسمه لئلا يغتر به الناس على ألا ينال شخصه بشيء، يعني الشخص لا ينبغي أن ينال بشيء، فكونك تحذر من القول، وإن لزم منه ذكر القائل لا يعني أنك تنتقص هذا الرجل، نعم، تساهل في كثير من الأمور التي تجر إلى أمور لا تحمد عقباها، هو ما ينظر إلى درء المفاسد وإلى مسائل سد الذرائع وغيرها ينظر إلى المسألة بعينها بغير نظر إلى ما تجر إليه هذه المسألة، لا بد أن تبين، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ما زال أهل العلم قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض، ويبين بعضهم خطأ بعض، لكن لا يمنع، أو بل الأصل أن تذكر المحاسن، لئلا يجرد الإنسان من كل خير ومن كل فضل؛ لأنه وقع في خطأ واحد، هو ليس بمعصوم يبين ما عنده من فضل وخير وعلم وعمل، ثم بعد ذلك يقال: أخطأ، وقد رد على عمر -رضي الله عنه- قال: أخطأ عمر، إيش المانع؟ لأنه ليس بمعصوم، فما دونه من باب أولى، لكن ينبغي، الأمور بمقاصدها قد يرد بعض الناس ويشهر بعض الناس؛ لأنه يرى في نفسه وهذه أمور لا يحكم بها على كل أحد، يرى في نفسه أنه لا يمكن أن يرتفع هو إلا إذا هضم غيره، مو بصحيح هذا، بل عكس، فإذا سئل عن فلان وفلان، قيل: إيش فلان ما فلان، وقصده بذلك أن يرتفع، هذا خطأ، ليس في هذا طريق، ليس هذا بطريق للشهرة ولا للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ بل العكس الناس يزدرون مثل هذا النوع إذا كان الحامل له هذا المقصد، والله المستعان، والله -سبحانه وتعالى- هو المطلع على السرائر، فيحذر الإنسان من مَغِبَّة صنيعه متى؟ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [(9) سورة الطارق] يعني قد يروج على بعض الناس الآن؛(1/3)
لكن غداً، يروج؟ ما يروج شيء، والله المستعان، يعني إذا كان الشخص التبس عليه أمر فلان أو علان من الناس، وأراد أن يسأل من يثق به من أهل العلم إيش رأيك بمنهج فلان طريقة فلان؟ علم فلان؟ عمل فلان؟ نعم، بينه وبينه من باب النصح، إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وصارت وظيفته الجرح والتعديل لذات الجرح والتعديل، فإنه غالباً وهذا يشهد به الواقع أنه يحرم العلم والعمل، فيكون نصيبه من العلم والعمل القيل والقال، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، يقول: وقف على شفيرها العلماء والحكام، والله المستعان.
بيان المنهج العام للشخص نعم منهج فلان أنه متساهل مثلاً، عموماً يعني، فلان متشدد، يعني المذاهب بجملتها، مشتهر في العالم الإسلامي كله أن الحنابلة كلهم متشددون، الحنفية متساهلون، مع أنهم في بعض الأبواب الحنفية أشد من الحنابلة، نعم، في باب الأطعمة الحنفية أشد من المالكية، في باب الأشربة المالكية أشد من الحنفية، وهكذا، ما تجد عالم، عالم يعني يستحق هذه الكلمة تجده متساهل في كل شيء أو متشدد في كل شيء، يُسَيِّرُهُ الدليل، إذا ترجح عنده في هذه المسألة أو في هذا الباب من أبواب العلم والدين أن نصوص التيسير والتسهيل أو التشديد فهذه المسألة مفترضة في شخص من أهل الاجتهاد، من أهل العلم، وفي الجملة يعني لا يقبل قول المفتي ما لم يضم للدين والعلم الورع..
وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للدين والعلم الورع
أما إذا كان ما عنده ورع، ما يتورع في أن يقول ما شاء متى شاء؟ وكيف شاء؟، ومتى طلب منه، هذا ما هو عالم، هذا ليس بقدوة.(1/4)
سُلطَانُ العِلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العِلمُ مِيزانُ شَرعِ اللهِ حيثُ بِهِ ... قِوامُهُ وبِدُونِ العِلمِ لَم يَقُمِ
كيف تَزِن صَلاتِك؟ هل هي صحيحة ولا ليست صحيحة؟ بالجهل تَزِن؟! – لا - بالعلم، كيف تعرف أنَّ صيامك صحيح؟ كيف تعرف أنَّ حَجَّكَ صحيح؟ إنَّما هو بالعلم، عُروة بن مُظرس لما جاء من جبال طي، وما ترك جبل إلَّا وقف عنده، هل عرف أنَّ حَجَّهُ صحيح ولَّا باطل؛ حَتَّى عَرَض على النَّبِي -عليه الصلاة والسلام-؟! ما عَرَف، مَا يَدرِي، هل حَجَّهُ صحيح ولاَّ باطل حتَّى عَرَض مَا فَعَلَهُ على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم بَيَّنَ لَهُ.
العِلمُ مِيزانُ شَرعِ اللهِ حيثُ بِهِ ... قِوامُهُ وبِدُونِ العِلمِ لَم يَقُمِ
وكُلَّما ذُكِرَ السُّلطانُ في حُجَجٍ، فالعِلمُ يعني المُراد بهِ العلم، السُّلطَان في النُّصُوص فِي الحُجَج، والخُصُومَات، والمُجَادَلَات المُراد بهِ العلم، لا سُلطَةُ الأيدِي لِمُحتَكِمِ، لا أيدِي ولا سِلاح ولا غيرُهُ... لماذا؟! لأنَّ سُلطَان العلم، العلم الصَّحيح المَبنِي على الكِتاب والسُّنَّة هو الذِّي يُحَقِّقُ العَدل؛ بينما سُلطَانُ اليد، سُلطانُ السِّلاح قَد يَتَوَلَّاهُ الصَّالِح؛ فيَكُون بالعَدل، وقَد يَتَوَلَّاهُ الظَّالم الغَاشِم؛ فَيَكُونُ بالظُّلم.
فسُلطَة اليَدِ بالأبدانِ قاصِرَةٌ ... تكون بالعَدلِ أو بالظُّلمِ و الغَشَمِ(1/1)
- نعم - إِذَا كَان مَا هُنَاك إِلَّا قُوَّة، فَالقُوَّة قَد تُستَعمَل فِي العَدل، وقَد تُستَعمَل فِي الظُّلم؛ لَكِن سُلطَان العِلم، المُجَادَلَة بِالعِلم، المُحَاقَقَة بِالعِلم، فَإِنَّهَا لَا يَنشَأُ عَنهَا إِلَّا العَدل؛ ولِذَا في كثيرٍ من الأحوَال، لا يُجدِي فِي تَوجِيه النَّاس، ونُصحِ النَّاس، وإِرشَادِ النَّاس؛ إِلَّا سُلطَان العِلم، فَالمُجَادَلَة لَا سِيَّمَا لِمَن كَانَ عِندَهُ عِلم، أَمَّا العَامِّي فَإِنَّهُ لَا يُجَادِل؛ إِنَّمَا يُبَيِّن لَهُ الحَقّ، وإِلَّا فَيُؤطَر عَلَيهِ، أمَّا المُجَادَلَة تَكُون لِمَن عِندَهُ عِلم؛ ولِذَا لَمَّا وَجَّهَ النَّبِي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- مُعَاذًا إِلَى اليَمَن، قال: ((إِنَّكَ تَقدُمُ عَلَى قَومٍ أَهلِ كِتَاب)) يعني اهتَمّ لَهُم، وجَادِلهُم، ونَاظِرهُم، وحَاوِرهُم، أمَّا بِالنِّسبَةِ لِلعَامَّة مَا يُقَال لَهُم مِثل هذا؛ إِنَّما يُبَيَّن لهمُ الحَقّ، إِن انصَاعُوا لَهُ؛ وإِلَّا فَيُؤطَرُونَ عَلَى الحَقّ.
فسُلطَةُ العِلمِ تَنقادُ القُلوبُ لَها، يعني إذا بُيِّن الحُكمُ بِدَلِيلِهِ لَاشَكَّ أنَّ القَلبَ السَّوِيّ المُستَمِرّ عَلَى فِطرَتِهِ تَنقَادُ لِهَذا السُّلطَان تَنقادُ القُلوبُ لَها إلَى الهُدَى، وإلَى مَرضاةِ رَبِّهِ.(1/2)
الموقف ممن يُفتي بغير علم أو ديدنه التساهل
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الموقف ممن يفتي بغير علم أو بهوى أو ديدنه التساهل، أو ديدنه التشدد، المقصود أنه ليس على الجادة، الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه، لكن لا يعني هذا أننا نتنصل من الدين ونتتبع الرخص، لا، علينا بالدليل، فكل قول يسنده الدليل هو الذي يجب أن يعمل به، وهو الذي يفتى به، مع الأسف أن القنوات وغيرها من وسائل الإعلام مكنت بعض الناس من القول على الله بغير علم وهذه كارثة، فليحذر أولئك الذين يفتون الناس بغير علم من المفتونين مما جاء بالفتوى والتقول على الله بغير علم، ولو لم يكن في ذلك إلا ما جاء في سورة الزمر، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هل يمكن أن يقول الذي يفتي بغير علم أنا ما كذبت على الله؟ {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] بل يدخل في هذه المسألة دخولاً أولياً.(1/1)
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً -ينتزعه من صدور الرجال- ولكن يقبضه بقبض العلماء)) نحن نرى تطاول بعض من لا علم عنده، أو من يتمكن ولم يرسخ قدمه في العلم، أو يفتي بهوى، نرى تطاوله بعد قبض بعض العلماء، فكيف لو قبض أهل العلم، ولم يبق إلا أمثال هؤلاء الذين يفتون بالهوى؟ نسأل الله السلامة والعافية، منهم من يسلك مسلك التساهل، محتجاً بأن الدين يسر، ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وما خير النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، نعم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، لكن متى هذا؟ هذا في وقت التنزيل، الذي ينزل الآن الوحي بالتأييد واختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- شرع، لكن هل يختار أيسر القولين من ليس بمشرع؟ هذا مثلما ذكرنا، هذا تتبع للرخص، ومثل هذا يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، فمثل هؤلاء يجب أن يمنعوا من الفتوى، والتقول على الله بغير علم، والله المستعان.(1/2)
مُحَاسَبَةُ النَّفس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ وإن ... زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ
((...فإذا نَهَيتُكُم عن شيءٍ فاجتَنِبُوهُ))، وحيثُ كان من النَّهيِ اجتَنِبهُ يعني من غير مَثنَوِيَّة، أمَّا الأمر ((فإذا أمرتكم بأمر فاءتُوا منه ما استطعتم)) وإن زَلَلتَ وَقَعتَ في محظُور وتَرَكتَ مَأمُور؛ تُب منهُ، بَادِر بالتَّوبة، التَّوبة واجِبَة بشرُوطها {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [(31) سورة النور] تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ، أَلزِم لِسَانَكَ الاستِغفَار، مع النَّدَم مِن فِعلِ هذهِ المُخالفة سَواءً كانت في تَركِ مأمُور أو فِعلِ مَحظُور، وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت، يعني مُحاسبة، مُراقبة، إذا أَوَيتَ إلى فِراشك، انظُر ماذا فَعَلت، وماذا تَرَكت، مَا فَعَلتَ من طَاعة؛ فاحمَد الله -جلَّ وعلا- على أن وَفَّقَكَ عليها، ومَا فَعَلتَ من مُخالفة سواءً كانت في كلامٍ أو قول، أو تقصير في فعل تُب إلى الله بادر حاسب نفسك قبل أن تُحاسب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] ما قدَّمت ليوم العرض على الله -جلَّ وعلا-، وإن زَلَلتَ؛ تُب مِنهُ، واستَغفِر مع النَّدَمِ.
وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت ... والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ!(1/1)
يعني حاسِب النَّفس هل فعلت المأمُور وتَرَكَت المحظور؛ لكن واقِعُنا! يُثقِلُ علينا المُحاسبة... لماذا؟! لأنَّ تَصَرُّفاتنا في يومنا وفي ليلتنا كثيرة! والمُخالفات كثيرة، والله يعفو ويسامح، فإذا أرادَ أن يُحاسب... كيف يُحاسب؟! لا يُحِيط بما قال! فضلًا عَمَّا فعل! أقوالُهُ لا يستطيع أن يُحيط بها، كلامُهُ كثير، تَجِد الإنسان ثرثار! في أي مجلس يَتَصَدَّر ويتكلم بِحقّ وباطل ومُباح ومحظُور وفي غيبة ونميمة وقد يقول كلمة حق، ثُمَّ بعد ذلك يُردِفُهُ... كلام كثير! يعني ما يُمكن إلاَّ إنك تجِيب لك مُسجِّل يصحبك ليلك ونهارك! فإذا أويت إلى فِراشِك تسمع هذا المسجِّل! فتكون مُدَّة التَّسجيل أكثر من وقت النُّوم! هذا واقع كثير من المُسلمين، هذا الذِّي يُثقِل المُراقبة! لكن عند سلف هذه الأُمَّة الذِّينَ يُراقِبُون ((أن تعبُدَ الله كأنَّكَ تراهُ)) هذهِ منزلَة المُراقبة؛ لأنَّ أقوالَهُم قليلة، وخُلطَتُهُم يسيرة، وأَضَرُّ شيءٍ على الإنسان الخُلطَة، هي التِّي تَجُرُّ لها الأقوال والكلام؛ لأنَّهُ لا يُمكن أن يُخالط النَّاس ويسكت! لكن لو انزَوى في بيتِهِ أو في مَسجِدِهِ أو في مَكتَبَتِهِ، وجَلَس يقرأ القرآن، ويذكر الله -جلَّ وعلا-، ويَنظُر في كتب العلم، وإذا نَشِط صَلَّى لهُ ركعتين وما أشبه ذلك؛ هذا مُرَاقَبَتُهُ ومُحاسَبَتُهُ سَهلَة؛ لأنَّ الكلمات التِّي تَكَلَّم بها مع النَّاس يسيرة ومَعدُودَة، ووقت الفراغ عندَهُ بعد شَغلِ عُمُرِهِ وأَنفَاسِهِ في طاعةِ الله، وقت فَرَاغُهُ يسير؛ لكن ماذا عَمَّن وَقتُهُ كُلُّهُ يَجُوبُ الأسواق يَمِيناً وشِمَالاً، واجتماعات، ومحافل، وما أدري ويش..(1/2)
يعني هذا لا شَكَّ أنَّ المُراقبة عِندَهُ صعبة، يعني كمن يأتِي إلى مُؤَسَّسَةٍ كُبرَى مُتَعَدِّدَةِ المَنَاشِط والفُرُوع، ثُمَّ يقول: والله أنا مُحاسب لهذهِ الشَّركة، كيف تحاسب من هذه الشركة؟! لكن شخص عندَهُ مَحَلّ، ويَبِيع مِنهُ أشياء يسيرة يعرف وش باع وش اشترى وكذا... يستطيع أن يستخرج خُلاصة يومِيَّة بنفِسِهِ ما يحتاج إلى مُحاسِبِين، واللهُ المُستَعَان.
وَأَوقِف النَّفس عند الأمرِ هل فَعَلَت ... والنَّهيِ هَل نَزَعَت عَن مُوجب النَّقَمِ!
فإن زَكَت؛ فاحمَد المَولَى مُطَهِّرَها ... .........................
الذِّي طَهَّرَها وزَكَّاها هو الله -جَلَّ وعَلَا-، وهُو المُنعِم المُتَفَضِّل أوَّلًا وآخِرًا، وهو أهلُ الحَمد، وأهلُ الشُّكر.
................................ ... ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ فاستَدِمِ
{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] ونِعمَةُ اللهِ بالشُّكرَانِ؛ فاستَدِمِ.
وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها ... ..................................
يعني النَّفس إن عَصَت أو حَاولَت ورَاوَدَت الوُقُوع في مَعصِيَة؛ فاعصِها، واعلَم عَدَاوَتَها – نعم – النَّفس عَدُوّ للإنسان، نفسُهُ التِّي بينَ جَنبَيه عَدُوَّةٌ لهُ ، تَدعُوهُ إلى ما لا يُرضِي الله -جَلَّ وعلا-.
وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما ... وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ
يعني هذا البيت حقّ، وإن كانَ في القصيدة فيها باطل كثير – نعم –...
وخَالِف النَّفسَ والشَّيطان؛ واعصِهِما ... وإن هُما مَحَضَاكَ النُّصحَ؛ فاتَّهِمِ
هذا كلام صحيح ومقبُول، والقَصِيدة فيها كما هو معلُوم فيها الشِّرك – نسأل الله العافية – أعنِي البُردة.
وإن عَصَت فاعصِها واعلَم عَدَاوَتَها ... وحَذِّرَنها........................
حَذِّر النَّفس، وكُن باستمرار مُجاهِداً لهذِهِ النَّفس.
...................................(1/3)
... وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [(71) سورة مريم] الوُرُود مَضمُون؛ لكن الصُّدُور من هذا الموعود هُو المَشكُوك فيهِ، وحَذِّرَنها وُرُودَ المَورِدَ الوَخِمِ..
وانظر مَخازِي المُسِيئينَ التي أُخَذُوا ... بِها وحَاذِر ذُنوبًا مِن عِقابِهِمِ
يعني هُم عُذِّبُوا، واستَحَقُّوا العذاب مِنَ الأُمَم السَّابقة واللَّاحِقة والمُعَاصِرَة؛ إنَّما عُذِّبُوا بِذُنُوبِهِم، بِما كَسَبَت أيدِيهِم، ولا تَفعَل مِثل ما فَعَلُوا؛ لِئَلَّا تَكُون نَتِيجَتِك مثل نَتِيجَتِهِم، والسُّنَن الإلَهِيَّة لا تَتَغَيَّر، ولا تَتَبَدَّل.(1/4)
هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) هذا الحديث الصحيح يدل على أن الرزق والنصر الذي يتصوره الأغنياء الأقوياء أنهم هم السبب المؤثر فيه، الحديث على عكس ما يتصورون، وكم من شخص ابتلي بالفقر مدة طويلة فرزق مولوداً معوقاً فانصب الرزق بسببه، تجده طيلة عمره قوي البنية، شديد البأس، يضرب في الأسواق، يحضر الأسواق مع أول الناس ولا ينصرف إلا آخرهم، ومع ذلك يعيش فقيراً، ثم بعد ذلك يرزق بمعتوه أو أبله أو مقعد أو مشلول ثم يرزق، ((هل ترزقون إلا بضعفائكم؟)) فكثير من الناس الآن يعاني من كونه يعول أسرة ضعفاء فيهم كثرة، ويضيق بهم ذرعاً، عنده أسر، وعنده كذا وكذا، ويحتاجون إلى أموال، يا أخي ما تدري وش وضعك لولا هذه الأسرة، يمكن أن الله -جل وعلا- ما ساق لك هذه الأرزاق إلا بسببهم، وكثير من الناس يضيق ذرعاً إذا ولد له ولد مشوه، وكثير من الناس والنساء على وجه الخصوص في حال الحمل تسأل عن الإجهاض إذا تبين لدى الأطباء أن الولد مشوه أو معوق أو ناقص الخلقة، لا يجوز بحال الاعتداء عليه، هو مصيبة من المصائب عليك الصبر والاحتساب، وأن تبذل كل ما تستطيع في إنقاذ حياته كغيره من الأسوياء، وأجرك عند الله -جل وعلا- عظيم، وقد ترزق بسببه، وأيضاً هؤلاء الضعفاء الذين ينظر إليهم الناس نظرة ازدراء، وأن وجودهم في المجتمع وبال، يمكن النصر يكون بسببهم؛ لأن التاجر والقوي، قوي البنية كثيراً ما يصابون بالإعجاب، وينسبون بعض النتائج إلى قوتهم، إلى حولهم وطولهم، - لا- ما تدري، لو يصدقون هذا الحديث ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟)) نعم الضعيف قريب من الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يعتد بقوة، ولا يأوي إلى مال ولا شيء، إنما علاقته وارتباطه بربه، ومثل هذا في الغالب يكون قلبه سليماً بخلاف من دخله غرور القوة والغنى، والغنى في الغالب أنه يُطغي صاحبه، وكذلك القوة؛ ولذا يسأل الإنسان ربه(1/1)
صحة؛ لكن لا تُلْهِيه عن شكر الله -جل وعلا-، وعن عبادته، ويسأله غنى؛ لكن لا يطغيه عن معرفة قدر نفسه، والله المستعان.(1/2)
اعتَنِ بِكِتَابَتِك
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والصنع في كتابة الحديث ... ................................
يعني: يكتب الحديث، يكتب يحرص على كتابة الحديث؛ لأن الفوائد عموما تحتاج إلى تقييد، وتحتاج إلى كتابة؛ لأن العلم صيد والكِتابة قيدُهُ، فالذي لا يكتب يخونه الحفظ أحوج ما يكون إليه؛ لكن ينبغي ألَّا يعتمد على الكتابة، يكتب ثم يحفظ، وبعض المتقدمين يكتب لئلا تفوته الفائدة، ثم بعد ذلك يحفظه، ثم يتلف ما كتب! لئلا يعتمد على ما كتب، ثم بعد ذلك ينسى إذا خبرنا الحديث موجود في الكتاب – نعم- سهل، وأنتم مر عليكم إلى عهد قريب أرقام التليفونات كلكم تسجلونها– نعم- لكن الآن جاء الجوال يخزنه، رقم أمه ورقم أبيه ما يحفظه؛ لأنه خلاص اعتمد على هذا، فالكتابة أمرها مهم جداً، وأهم منها الحفظ– نعم-
والصنع في كتابة الحديث ... والعرض..........................(1/1)
اعرض ما كتبت على الأصل، وقابِل وقَارِن، واعرض ما كتبت على الشيوخ، لا سيما إذا كان هذا من تأليفك، دعهم يُسَدِّدُوك، إذا سَدَّدُوك وصَحَّحُوا، وتمرنت؛ ألِّف، والعرض والسَّماع، يعني: اسمع من الشيوخ، و التحديث حَدِّث أيضا إذا تأهلت له، واعتنِ بالضبط، اضبط كتابتك، جوِّد ما كتبته، اعتنِ به، بعض الناس، وهذا يوجد حتى عند المتقدمين- يفرقون بين الكتابة التي لذات الكتابة، وبين خط التعليق. يعني عندهم خطوط يعتنون يضبطون الكتابة بخط النسخ الجميل نعم، هذا للثابت، أما خط التعليق والمَشق وغيره من الخطوط المستعجلة، يحتاجون إلى هذا إذا كان الوقت لا يُسعِف، ومِن أهل العلم من دَيدَنُهُ ذلك ما يرفع القلم؛ لأن وقته- عمره كله- ما يُسعِفُ، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ما يرفع القلم! يأتي شخص وهو جالس: هذه فتوى يا شيخ تحرر عليها جوابا، وهو مُستَوفِزٌ يريدها، ما جلس على الأرض، يكتب له مائتين وثلاثين صفحة ما يرفع القلم! "الحموية" وين؟ بين الظهر والعصر! شيء ما يخطر على البال! تدرس "الحموية" وقتا طويلا يعني ما يكفيها الدارسة سنة يعني على وجهها.. كيف؟ "العقل والنقل"، "منهاج السنة" كيف" نقض التأسيس" أعاجيب!! فتوح من الله -جل وعلا-، فَعَلَى طالب العلم أن يعتني بكتابته، ويعتني بالضبط أيضاً؛ لأنه الآن يكتب وهو مستعجل، إذا راجع يصعب عليه أحياناً، يصعب عليه.(1/2)
هَلْ نَصَبَكَ اللهُ حَكَمًا بين عِبَادِهِ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كثر في الآونة الأخيرة الخلاف بين طلبة العلم بعضهم مع بعض، وكثر تصنيف الناس تبعاً لذلك، فهذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا وكذا، فهل من كلمة توجيهية لما في الفرقة والخلاف؟
نعم الفرقة شر، والخلاف كذلك، إلا ما لا بد منه مما يترتب على اختلاف في الفهم، وإلا فالأصل أن الخلاف شر، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [(118- 119) سورة هود]، فدل على أن المختلفين غير مرحومين في الجملة، أما الاختلاف بين أهل العلم الذي سببه اختلاف في فهوم أو بلوغ نصوص بلغت بعضهم ولم تبلغ الآخرين، أو اختلفوا في ثبوتها وعدم ثبوتها هذا هو الذي يؤجر عليه الإنسان إذا تحرى الصواب، إن أصابه فله أجران، وإن أخطأ الصواب فله أجر واحد، ومثل هذا الخلاف موجود بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
على كل حال تضييع الأوقات بمثل هذه الأمور من تصنيف الناس وهذا كذا وهذا كذا، لا شك أن هذا مما يورث حرمان العلم والعمل، فعلى الإنسان أن يعتني بعمله، ويخلص لله -عز وجل-، وأن يحافظ على هذا العمل، ألا يضيع عمره وعمله في فلان كذا، فلان كذا، فلان من جماعة كذا - لا - ، ألزم ما عليك نفسك، فاحرص على عملك، لا تفرق ما جمعت.(1/1)
وعلى طالب العلم أن يلتزم ويعتصم بالكتاب والسنة، ويترك الجماعات كلها، يعتصم بالكتاب والسنة، نعم كلٌّ يَدَّعي أنه على الكتاب والسنة، لكن إذا عرضت هذه الأعمال تبين الخلل فيها، أولاً: عليك بجماعة المسلمين، وعليك أن تعتصم كما ذكرنا بالكتاب والسنة، وأن تلتف حول أهل العلم الموثوقين في علمهم وعملهم وإخلاصهم، والله المستعان، هذا وجد كثير، صار نصيب بعض طلاب العلم من العلم القيل والقال، فلان كذا، وفلان أخطأ وفلان أصاب، فلان أفضل من فلان، فلان أعلم، ما عليك منهم، هَلْ نَصَبَكَ اللهُ حَكَمًا بين عِبَادِهِ؟! ألا تعلم أنَّ أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد؟ وهؤلاء مسلمون، نعم إذا وُجد في صفوف المسلمين من يُخشى منه الخطر على المسلمين ينبغي أنْ يحذَّر منه.(1/2)
تَلقِين المَيِّت
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العرض والتَّلقين أوَّلًا ينبغي أن يكون التَّلقين بِرِفق، ولا يُكرَّر عليه إلاَّ بِقَدرِ الحاجة، بالأُسلُوب المُناسب؛ لأنَّ الإنسان في هذا الظَّرف يضيق خُلُقُه ويَسُوء، فَيُخشَى أن يَنطِقَ بِكلمةٍ تُضَادُّ هذِهِ الكَلِمَة! الأمر الثَّاني مِمَّا ذكرهُ أهل العلم في هذا الباب أن يُذكَر من أعمَالِهِ الصَّالِحَة التِّي عُرِفَ بها؛ لِيُحسِنَ الظَّنَّ بالله -جلَّ وعلا-؛ لأنَّهُ جاء في الحديث الصَّحيح: ((لا يَمُوتُنَّ أحدكم إلاَّ وهو يُحسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ))، وقال الله -جلَّ وعلا- في الحديث القُدُسي: ((أنا عند حُسن ظَنّ عبدي بي)) فإذا ذُكِرَت لهُ أعمَالِهِ الصَّالِحَة؛ أَحسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وانشَرَحَ صَدرُهُ، وتَمَنَّى لِقَاءَ الله، بِخِلَاف ما لو ذُكِرَت أعمَالُهُ السَّيِّئة اللهُمَّ إلاَّ لو كانت هُناك فيه فُسحَة من الأمر؛ لِيُذَكَّر بها فَيَتُوب عنها، أمَّا إذا ضاق الوقت بحيث لا يَتَمَكَّن من هذا؛ بل تُخشَ العواقب والآثار السَّيِّئة تُترَك وإنَّما يُذَكَّر بِسَعة رحمةِ الله -جلَّ وعلا-، وأنَّهُ كانَ يعمل، وكان يعمل، وكانَ يفعل، على الإنسان أن يعمل في حياته من الأعمال الصَّالحة ما يَجعَلُهُ يُحسِنُ الظَّنَّ بِالله -جلَّ وعلا-، وما يَكُونُ سَبَباً في حُسنِ العاقِبة وحُسنِ الخاتمة، والشَّواهِد من المُحتضرين كثيرةٌ جِدًّا على هذا وعلى ضِدِّهِ، فَمَن عاشَ على شيء مات عليهِ، وأهلُ العلم يقُولُون الفَوَاتِح عنوانُ الخَواتِم، فَمَن عاشَ على شيء مات عليهِ، من مَاتَ على شيء بُعِثَ عليهِ، من لَزِمَ الأعمال الصَّالحة، ذَكَرَها عند مَوتِهِ، وكَرَّرَها وقت اختِلَاطِهِ وهَرَمِهِ، وشَغِفَ بها وأحبَّها، وشواهد الأحوال كثيرة على هذا، كم من شخص يحصلُ لهُ ما يحصل من إغماء، وهو من أهل القرآن يُردِّد القرآن! وهو لا يعرفُ أحد، ولا يستطيع أن(1/1)
يَتَكَلَّم بكلمة ومع ذلك يُسمع منهُ القرآن واضح! وكم من مُؤذِّن إذا جاء وقتُ الصَّلاة سُمع منهُ الأذان وهو في حالة إغماء! وبالمُقابل من كان يُزاول الأعمال السَّيِّئة والجرائم والمنكرات تجدُهُ يُكررُها، وذَكَرَ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في الجواب الكافي بعض القَصَص المُخِيفَة، فينتبه الإنسان لهذا، وإذا قيل لبعض النَّاس ممَّن شُغِف بالخمر قُل: لا إله إلا الله أجاب بما عاش فيه، إذا كان مشغُوفاًً بالغناء قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ردَّد أُغنية! وإذا كان مشغُوفاً بالنِّساء إذا قيل لهُ: قُل: لا إله إلا الله ذكر بعض النِّساء المُومِسَات! نسأل الله السَّلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يَعمُرَ حَيَاتَهُ بِطَاعَةِ الله -جَلَّ وعَلَا-؛ لِيَستَصحِبَها إلى وَفَاتِهِ.(1/2)
ضوابط التَّشبُّه
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) وذلكم أن الله -جل وعلا- خلق الخلق من بني آدم وجعلهم صنفين، صنف ذكور وصنف إناث، وجعل لكل صنفٍ ما يناسبه، ما يناسب تركيبه من الأعمال والحركات واللبس وغير ذلك مما يتميز به كل صنفٍ عن الآخر، فمن تشبه بالصنف الآخر فيما هو من خصائصه دخل في هذا الوعيد الشديد، وهو اللعن، ويراد به الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، فإذا تشبه الرجل بالمرأة فيما هو من خصائصها، أو تشبهت المرأة بالرجل فيما هو من خصائصه وما يوافق طبعه وتركيبه دخل في هذا الوعيد الشديد؛ لكن هناك أمور مشتركة بين الرجال والنساء، في المآكل والمشارب والمساكن الأمر المشترك لا يدخل في هذا؛ لكن ما يختص بالنساء لا يجوز بحال للرجل أن يتشبه بالمرأة، وما يختص به الرجال لا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال وهكذا.(1/1)
من ذلكم ما يتعلق بالمنطق والمشية والهيئة واللباس وما أشبه ذلك، وذلكم أن المرأة خلقت من ضلع، والرجل أكمل منها في كثيرٍ من الأوصاف هي بحاجة إلى أن تكمل هذا النقص في الزينة {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [(18) سورة الزخرف] هذا الأصل في المرأة؛ لكن الرجل لأن الله كمله بالخصال وبالمزايا والسجايا التي فاق بها المرأة من غير ظلمٍ للمرأة؛ لأن الله -جل وعلا- جعل فيها من الخصائص ما يناسب فطرتها، وما يناسب ما وكل لها من أعمال، لم يجعل لها من القوة قوة البدن بحيث تزاول من الأعمال ما يزاوله الرجال، ولم يجعل في الرجل من الضعف في الخلق والخُلق ما يجعله يزاول أعمال النساء، فإذا زاولت المرأة أعمال الرجال خرجت عن الفطرة التي فطرت عليها، وإذا هبط الرجل إلى المستوى الذي جبل عليه النساء فزاول أعمال النساء أيضاً تشبه بالنساء، قد يقول قائل: إن تشبه النساء بالرجال من باب تحصيل الكمال، فماذا يقال عن تشبه بعض الرجال بالنساء؟
وليس عجيباً أن النساء ترجلت ... ولكن تأنيث الرجال عجيب
يعني يوجد مع الأسف الشديد بل في أوساط المسلمين من إذا رأيته لا تجد أدنى فرق بينه وبين المرأة، حتى أنه وجد في بعض المجتمعات الإسلامية من يستعمل بعض الهرمونات التي تبرز الثدي، وهو ذكر خلقه الله ذكراً، كمله وشرفه، وقد كمل من الرجال كثير لكن وجد مثل هؤلاء مع الأسف الشديد.(1/2)
وعلى كل حال إذا تشبهت المرأة بما يختص به الرجال دخلت في اللعن، وإذا تشبه الرجل بما تختص به النساء دخل في هذا الوعيد الشديد، فلنكن على حذر، وإذا كان التشبه تشبه الرجل بالمرأة من المسلمين والمرأة المسلمة بالرجل من الرجال يدخل في هذا اللعن وهو حرام بل كبيرة من كبائر الذنوب فكيف بالتشبه بأعداء المسلمين؟! بأعداء الله وأعداء دينه من الكفار، ومع الأسف أننا نجد بعض المسلمين من يحاكي الكفار في جميع تصرفاته، بل يوجد في بعض المجتمعات الإسلامية بعض البلدان إذا دخلتها لا تفرق بينها وبين بلاد الكفار، وهذا من استحكام الغربة التي نعيشها، والله المستعان، ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه)) فلنحذر من هذا أشد الحذر، يوجد في نساء المسلمين من يتشبه بالكافرات والفاجرات، وقصور الأفراح تعجّ بمثل هذه الصنوف المؤذية القذرة من التشبه، نسأل الله السلامة والعافية، وكل هذا شعور بالنقص، وإلا فلو اعتزّ المسلم بدينه ذكراً كان أو أنثى لكان في غنية عن مثل هذه التصرفات التي تحطّ من قيمته في الدنيا قبل الآخرة، وأما في الآخرة فله هذا الوعيد، والله المستعان.(1/3)
خالق الناس بخلقٍ حسن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((وخالق الناس بخلقٍ حسن)) لا شك أنك لن تسع الناس لا بجسدك ولا بمالك ولا بجاهك، إنما تسعهم بإيش؟ بخلقك، خالقهم بخلقٍ حسن، ومع الأسف الشديد تجد بعض الناس إذا استقبل أخاه لا يختلف معه في شيء البتة، يستقبله استقبال كأنه وحش! هل هذا من الخلق الحسن؟ ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)) أقل الأحوال البشاشة يا أخي، هذا مسلم، زد على ذلك إذا كان من طلبة العلم، أضف على ذلك إذا كان من أهل العلم، ولو أخطأ ليس بمعصوم، ولو أنت اللي تقرر الخطأ والصواب، المسألة أمور اجتهادية تنتابها وجهات نظر ومع ذلك يوالى ويعادى عليها، هل هذا من الإنصاف؟ هل هذا من تطبيق مثل هذه السنن؟ ((خالق الناس بخلقٍ حسن)) خالق الناس عامة الناس، فضلاً عن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، تجد أهل العلم الكبار الآن في المجالس المناشير رايحة جاية، تلوكها الناس بألسنتهم من عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، وما جرأ العوام على العلماء إلا بعض طلاب العلم، فلان أخطأ، وفلان فعل، وفلان ترك، و إلا العوام غافلين ما عندهم شيء من هذا؛ لكن لما تكلم عليهم الناس وتطاولوا عليهم زالت مهابتهم من القلوب، وزوال هيبة أهل العلم من القلوب مؤذن بخطر عظيم؛ لأنه يزيل الثقة بهم، فإذا زالت الثقة بأهل العلم بمن يتقدي عامة الناس؟ فهذا أمر لا بد من الانتباه له، وعليك أن تعامل كل إنسان بما يناسبه، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم.(1/1)
شخص له قدم في الإسلام، وله يد في هداية الناس ودعوتهم إلى الله أخطأ أو زل يا أخي اترك له مسافة، الله -جل وعلا- يعني تقبل الخطأ من عامة الناس، وهذا خطأ غير مقصود أو متأول أو رأى أن فيه المصلحة، نعم الخطأ لا بد من رده، لا بد من التنبيه على الخطأ، لا بد من الرد المناسب على من يخطئ، لا بد من بيان الحق؛ لكن بالأسلوب المجدي النافع، ما هو معنى أنه خطأ أنه خلاص انتهى، دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، فعلينا أن ننظر إلى إخواننا بعين الإنصاف، نعم من كان عنده بدعة ويخشى من تعديها إلى غيره، وهو يدعو إلى بدعته، وتجد الناس يستجيبون لدعوته الآن حذر منه، حذر منه وحذر من بدعته، ولا عليك من شخصه؛ لأن بعض الناس يقع في الذوات، بل بعض الناس يصل إلى حد قذف، نسأل الله العافية، على شان إيش؟ احرص على نفسك قبل غيرك، أنت تعرض نفسك الآن لعقوبات ما تقدر تدري قدرها، تجني على نفسك بمعاصي وذنوب يمكن ما تحسب لها حساب، فالإنسان عليه أن يحفظ ويحرص على حفظ مكتسباته ومقتنياته لما يرضي الله -جل وعلا-، لا يوزع أعماله، ويبقى أن العاصي مذموم والمبتدع مذموم، وكذا، وكل له معاملته في الشرع، ويبقى أن الأصل ((خالق الناس بخلق حسن))، لا بد من إحسان الخلق مع الناس كلهم، وكل على ما يليق به؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.(1/2)
فاجعة موت العلماء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي علمه لا يزيده من خشية الله -جل وعلا- فهذا في الحقيقة ليس بعلم؛ لأنه على سبيل الحصر، هل يستطيع أن يقول قائل: إن هذا حصر إضافي ليس بحصر حقيقي، الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم، فهل يوجد عالم لا يخشى الله -جل وعلا- بعد هذا الأسلوب الذي يقتضي الحصر فيهم، من شرف العلماء وفضلهم أن الله -جل وعلا- جعل أهل الجهل بمنزلة العميان، جعل الله -جل وعلا- أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون، فقال تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [(19) سورة الرعد] فقابل الذي يعلم بالأعمى، العلم نقيض العمى وإلا نقيض الجهل؟ نقيض الجهل، فلما جعل العمى في مقابلة العلم صار الجهل عمى، إذا كان الذي يقابل العلم هو الجهل، وجُعل العمى مقابلاً للعلم إذاً الجهل عمى، قال ابن القيم: "فما ثم إلا عالم أو أعمى" وقد وصف الله أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع.(1/1)
في أخلاق العلماء للآجري قال -رحمه الله-: "فما ظنكم -رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء" فما ظنكم -رحمكم الله- في طريق فيه آفات كثيرة، وادٍ مهلكة فيه سباع وهوام، ويحتاج الناس إلى سلوكه، يعني لا مندوحة لهم من سلوكه في ليلة ظلماء "فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية" تصور وادٍ مهلكة فيها هوام، وفيه سباع، وفيه وحوش، في ليلة شديدة الظلام، وأنت مضطر إلى سلوكه، ثم يأتيك من بيده مصباح يمشي به بين يديك، هل له فضل عليك أو لا؟ أي فضل لهذا؟! يقول: "فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية، "ثم جاءت طبقات من الناس لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، بينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟! هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبد إلا ببقاء العلماء"، كلام في غاية الوضوح، تصور جمع غفير من الناس، أو بلد كبير ليس فيه عالم، كيف يتعبد الناس، كيف يعبد الناس ربهم على مراده -جل وعلا-؟ يقول: "فإذا مات العلماء تحير الناس، ودرس العلم بموتهم، وظهر الجهل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مصيبة ما أعظمها على المسلمين..." إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-.(1/2)
من أعظم المصائب على هذه الأمة موت نبيها -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يمكن أن يصل أحد إلى شيء من العلم إلا من طريقه -عليه الصلاة والسلام- لكنه تركنا على المحجة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها، ترك فينا الكتاب والسنة، ولا شك أن موت العلماء وكل بحسب نفعه للأمة، بحسب نفعه وما يقدمه من نفع متعدي، فجيعة موت العلماء فاجعة، وثلمة في الدين لا تسد، وأدركتم شيء من هذا بموت بعض العلماء الراسخين في هذه البلاد وفي غيرها، تركوا ثلمة لا تُسد، ولا شك أنَّ الخير موجود في أمة محمد، وهذه البلاد -ولله الحمد- محط أنظار العالم كله، وفيها من العلماء العاملين، فيها العباد والزهاد، وفيها الدُّعاة والقُضاة، والخير موجود، وطلاب العلم لا يحصرهم عدد -ولله الحمد-، وجلهم -ولله الحمد والمنة- على الجادة، والله المستعان.(1/3)
لا يتعلَّمُ العلم مُستَحيٍ ولا مُستَكبِر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا يَمنَعُكَ التَّكبُّر ولا الحياء عن طلب العلم، بعض طُلَّاب العلم يُريد أن يسأل، عِندَهُ إشكال، يُريد أن يسأل عنه؛ بس يخشى أنَّهُ إذا سأل، إمَّا أن يَرَاهُ الشيخ أو أحدٌ من الحُضُور، إنّ هذا السُّؤال يعني قد يُظَنُّ بِهِ أنَّ مُستَواهُ أَرفَع من هذا السُّؤال؛ فَيَترُك! يتكبَّر ويترُك هذا السُّؤال! أو يستحي من الشيخ أو من الحاضرين، ((لا يتعلَّمُ العلم مُستحي ولا مُستَكبِر)) كما في البُخاري عن مُجاهد، لا يتعلَّمُ العلم مُستَحٍ ولا مُستَكبِر؛ يُحرَم؛ لأنَّهُ لن يسأل ما دام مُتَكَبِّر أو مُستحِ، لَن يسأل، ومُفتاح العلم السُّؤال.(1/1)
لا يأسَ مع المرض
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
علينا أن تستشفي بالقرآن، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت] فإذا حقق الإنسان الوصف واستشفى بالقرآن معتقداً أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وأنه لا شافي إلا هو {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [(80) سورة الشعراء] وإن باشر بعض الأسباب العادية التي اضطرد نفعها فلا بأس، ((تداووا عباد الله، ولا تتداووا بحرام)) فلا ييأس المريض بأي مرضٍ كان حتى المرض الخبيث السرطان هذا الحديث يتناوله، ((ما أنزل الله داءً)) نكرة في سياق النفي تعمّ جميع الأدواء وجميع الأمراض، حتى السرطان؛ لكن كونه يخفى على كثيرٍ من الناس هذا شأنه شأن جميع ما من شأنه أن يعلم، جميع ما من شأنه أن يُعلم يكون علمه عند بعض الناس دون بعض، وقد يخفى على كثيرٍ من الناس، وقد يحجب عنه أكثر الناس، ويفتح الله على يد بعض خلقه فتحاً ينفع به الله -جل وعلا- خلقه، ومنه هذا المرض، فعلينا أن نستشفي بالقرآن، وأن نلجأ إلى الله -جل وعلا-، ونصدق اللجأ فهو كاشف الكروب، وهو مزيل الهموم، وإذا باشرنا بعض الأسباب من غير اعتمادٍ عليها، نعلم أن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، وهو المسبب، وأن هذه الأدوية والعقاقير هي مجرد أسباب قد تنفع، يترتب عليها آثارها، وقد تتخلف كغيرها من الأسباب، وقد يوفق الطبيب لفحص المرض بدقة، ووصف العلاج النافع، وقد لا يوفق، يهمّ كغيره، حتى صاحب العلم الشرعي قد يهم في بعض المسائل، ويفتي بخلاف الحق، وقد يقضي بخلاف الحق؛ لأن الكل بشر، والله المستعان، ونعنى بالعلاج النبوي والطب النبوي الذي صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كالحبة السوداء، والعسل والعود الهندي وغيرها، هذه ثبتت آثارها، ثبتت الأخبار بها عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وكتاب الطب النبوي لابن القيم حافل بمثل هذه الأدوية، وكثير من الأدوية تجريبية ثبت نفعها بالتجربة، والعلاج من المرض يختلف فيه أهل(1/1)
العلم، منهم من يقول: هو أفضل من تركه، ومنهم من يرى أن التسليم لله -جل وعلا- والاعتماد عليه أدخل في التوكل وأقوى فهو أفضل.
وعلى كل حال يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا أعلم سالفاً أوجب العلاج" لا أعلم سالفاً يعني أحداً من السلف أوجب العلاج، وعلى هذا لا يلام من رفض أن يذهب إلى الأطباء، ولو غلب على الظن أنه يشفى على أيديهم، على كل حال إذا صبر واحتسب، وحديث السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب معروف ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) له شفاء بلا شك، لكن قد يعلمه بعض الناس وقد يجهله أكثر الناس، علمه من علمه وجهله من جهله، ولذا لا ييأس من أصيب بأي مرض كان من الشفاء، فإذا توكل على الله -جل وعلا- وسأله بصدق أن يشفيه من هذا المرض، ورقى نفسه بالرقية الشرعية المعروفة بشروطها شفاه الله وعافاه، والله -جل وعلا- يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء].(1/2)
السَّفَر للبُلدَان التِّي تَكثُر فيها المَعَاصِي والفِتَن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل السَّفَر إلى بعض البُلدَان العَرَبِيَّة والِإسلَامِيَّة التِّي تَكثُرُ فيها المَعَاصِي والفِتَن يكون مُحرَّماً مثل السَّفَر إلى بِلَادِ الكُفَّار؟
يعني إذا صُنِّفَ البَلَدُ بأنَّهُ دَار حَرب أَو دَار إِسلَام، فَدَارُ الإِسلَام لَا يَحرُمُ السَّفَرُ إِلَيها؛ لَكِن لَا يَنبَغِي أَن يَنتَقِل الإِنسَان مِن بَلَدٍ مُحَافِظ؛ المَعَاصِي والمُنكَرَات فِيهَا قَلِيلَة، ومُختَفِيَة، إِلَى بَلَدٍ تَظهَرُ فِيهَا المَعَاصِي والمُنكَرَات؛ بَل المَطلُوبُ مِنهُ العَكس.(1/1)
مَنْ أَرَادَ سُلُوك العِلْم... بأيِّ الفُنُون يَبْدَأ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: حينما يسلُكُ الإنسانُ طريق العلم، فهل يبدأُ بِفَنِّ الحديث أم الفِقه أم العقيدة؟!
طريقة المشارقة في التَّعلم تختلف عن طريقة المغاربة، المغاربة يُقدِّمون حفظ القرآن، ولا يقرؤُونَ معهُ شيءٌ آخر، فإذا ضمنُوا حفظ القرآن -كما ذكر ذلك ابن خلدون في مُقدِّمَتِهِ- اتَّجَهُوا إلى العُلُومِ الأُخْرى، والمشارقة يمزجُونَ العُلوم؛ بمعنى أنَّهُم في وقت واحد يُنوِّعُون ويَتَفَنَّنُون، فيتعلمُون من القرآن نصيباً، ومن الحديثِ شيئاً، ومن الفقهِ قَدْراً، ومن العقيدة وجميع العلوم يدرُسُونها في آنٍ واحد على ترتيبهم لطبقات المُتعلِّمين، فالمبتدؤُون لهم كتب، والمُتوسِّطُون لهم كُتب، والمُنتهون لهم كُتب، فبهذه الطريقة يدرسُ من القرآن مثلاً في حال كونِهِ مُبْتدئاً المُفصَّل يحفظُ هذا القَدْر من القرآن، ويحفظُ متْناً صغيراً في الحديث، ومتْناً في العقيدة، ومتْناً صغيراً في الفقه، ومتناً في علوم الآلة من اللُّغة بفرُوعها، وأُصُول الفقه وعلوم الحديث وغيرها، ثُمَّ بعد ذلك ينتقل إلى كُتب الطَّبقة الثَّانية أو الثَّالثة وهكذا، قد يقول قائل: إذا قرأت في أكثر من علم في وقتٍ واحد يَتَشَتَّت ذهني، ولا بُدَّ أنْ أحْصر جُهْدِي في كِتابٍ واحد، في فنٍّ واحد، نقول: لكَ ذلك، ابدأ بالقرآن فاحْفظْهُ، اضْمن حفظ القرآن، ثم احفظ من السُّنَّة بعض المُتُون المُرتَّبة عند أهل العلم احفظ الأربعين، ثُمَّ العُمدة، ثُمَّ البُلُوغ، ثمَّ بعد ذلك اتَّجِهْ إلى علم الفقه والاستنباط، فتحفظ مَتْناً صغيراً، ثُمَّ الذِّي يليه، ثُمَّ الذِّي يليه على طريقةٍ شرحناها مراراً في كيفيَّة التَّفقُه من كُتب العلم، ثُم بعد ذلك اتَّجِه إلى العقيدة، أو قدِّم بعضها على بعض على حسب ما يَتَيَسَّر لكَ من عُلماء تُلازِمُهُم يُحْسِنُون التَّعامل معك في سنِّك،(1/1)
فإذا كُنتَ مِمَّن يَتشتَّتْ فاقْتَصِر على علمٍ واحد، وإنْ كنتَ مِمَّنْ يستوعب، ويَمَلّ لو اقتصر على علمٍ واحد؛ فَنَوِّع، والنَّاس يَخْتَلِفُون في هذا.(1/2)
عَوَائِق الزَّواج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((فقال رجل: يا رسول الله زوِّجنيها إن لم يكن لكَ بها حاجة، فقال: هل عندكَ من شيء تُصدِقُها)) الصَّداق لا بُدَّ منهُ، عندك شيء؛ ولِذا صار قَيد، القُدرَة على مُؤَن النِّكاح قَيد ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم))، {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [(33) سورة النور]، هنا هل عندك من شيءٍ تُصدِقُها؟!، ((قال: ما عندي إِلَّا إِزَارِي هذا)) أمور ميسُورة جدًّا، والتَّكاليف التِّي صارت عائق عن النِّكاح، وصارت حواجز للشَّباب والشَّابَّات على حدٍّ سواء، للذُّكُور والإناث على حدٍّ سواء، يعني ما هو المُتَضَرِّر الشَّباب فقط! بل لو يُقال المُتضرِّر الشَّابَّات أكثر؛ لما بَعُد من وُجُود هذهِ العَوائِق! والمُشكلة أنَّ الأعرَاف هي الحَكَم! والعَادَات هِيَ المَرجِع! وبعضِ النَّاقِصِين من الرِّجال والنِّساء هم الذِّينَ يَتَصَرَّفُون ويَتَحَكَّمُون! طَيِّب مَالُهُ داعي قصر عشرين ثلاثين ألف، وش يكون الرَّد! يقول: بنتي مطلقة تتزوج بالبيت أو باستراحة؟! يعني هل مثل هذا يَعقِل ما يقول! بعض القَاعَات مائة ألف، مائتين ألف لليلة الواحِدة؛ يعني بل هُناك أرقام يعني خشية أن يُكذَّب الإنسان ما يَنطِق بها! مثل هذهِ في الغالب المآل الطَّلاق! وهذا هو الحَاصِل! يُبالغ، ويَخسَر، ويَكِدّ، ويَكدَح، الأُسرة كُلّها تُبالغ؛ وفي النِّهاية أَقَلّ من المُتوَقَّع تصير المرأة! فيكُون المآل إلى هذا! هُناك قَصَص يعني يندَى لها الجَبِين! إضافةً إلى استِعمال المُنكَرات التِّي تُدفع الأموال الطَّائِلة بِسَبَبِها! وهي في الأصل مُحرَّمات! فِرَق تُستَقدَم مِنَ الخَارِج مِن أَجلِ الغِناء بالأموال الطَّائلة! ونَشكُو من كَثرَةِ الشَّباب بِدُونِ زَوجَات! ونَشكُو من كَثرَةِ العَوَانِس! ونُرِيد حَلّ ونضعُ الحَوَاجِز! الحل لا بُدَّ أن يكون جادّ(1/1)
وعَاجِل أيضاً؛ وإلاَّ فالوضع مِن خِلَال الأرقَام التِّي نَسمَعُها مُخِيفٌ جدًّا! يعني تَضَع حَوَاجِز وعَرَاقِيل! وهي جامِعِيَّة والخاطب ما عنده إلاَّ ثانوي كيف تتمّ الحياة بين هذين! يعني كأنه... هذا تَصَوُّر النِّساء! كيف يتم التَّفاهم مع امرأة جامِعيَّة مع شَابٍّ! وفي النِّهاية تجلس عند أهلها، ثُمَّ تُرمَى في أحضان سبعين ثمانين سنة! شخص لا يُحسِن شيء! ما عنده ولا ابتدائي! ومُتعطِّلة منه أكثر المنافِع! هَذِهِ العَوَاقِب ((إذا جَاءَكُم مَن تَرضَونَ دِينَهُ وخُلُقُهُ؛ فَزَوِّجُوهُ)) وإلاَّ النَّتيجة إيش؟!! ((وإن لن تفعلوا تَكُن فِتنَةٌ في الأرضِ وفَسَادٌ عَرِيض)) وهذا هُو الحَاصِل! ((التَمِس شَيئاً)) ابحث ((قال: ما أجد)) ما عندي! يعني مثل هذا يُفكِّر بالزَّواج؟! يعني لو المسألة مُعاوضة بالنِّسبة للشَّابّ الخرِّيج أو اللي ما تَخَرَّج مُعاوضة يعني يمكن عُمره كله ما يستطيع أن يجمع مهر! وإذا جَمَعَ المهر، هل هذا الذِّي جَمَعَه مهما بَلَغ في الكَثرَة، هل هُو عِوَض لِفَلذة كبد هذا الرَّجُل؟! الذِّي كَدَّ عليها، خمسة عشر، عشرين، خمس وعشرين سنة! وفي النِّهاية يأخُذُها بهذا المهر الذِّي تعب عليه عُمرهُ كُلُّهُ! ودُيُون، ويَستمرّ فِي أَزَمَاتٍ نَفسِيَّة بِسَبَب المُطَالَبَات؛ وفي النِّهاية يُصرَف على المرأة وعلى بيتِها!! الأب لَن يَستَفِيد شيء من المهر؛ لَكِن أَينَ العُقُول؟! يعني خلّ هذهِ الدُّيُون تأتِي بالتَّدرِيج للنَّفقة عليهم وتَنحَلّ المُشكِلَة! أمَّا أن يُلزَم الشَّابّ دُفعة واحِدَة ويَستَدِين مائة ألف...(1/2)
طيِّب متى يُسدِّد؟! أو يَبقَى بِدُونِ زَوَاج!! وتَبقَى البِنت بِدُونِ زَوَاج!! فالمَسأَلَة لا بُدَّ فيها من النَّظَر الجَادّ! ((قَالَ: ما أَجِد، قال: فالتَمِس ولو خاتماً من حديد)) يعني ما فيهِ أقلّ من هذا! خاتم من حديد، ولا من فِضَّة بعد! حديد! ((فَالتَمَس فَلَم يَجِد شَيئًا)).(1/3)
اسْلُكْ الطريق تُضْمَنْ لكَ النتيجة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا بد أن نتعلم العلم، وأنتم لا شك أنكم من طلاب العلم، وأخذتم منه بقسط كاف -إن شاء الله تعالى- لكن المزيد هو المطلوب، والله -جل وعلا- ما أمر نبيه من الاستزادة من شيء إلا من العلم، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه].
فنحن بحاجة ماسة إلى الازدياد من العلم، بعض الناس يقول: أنا والله تخرجت، درست عشرين سنة، خمسة وعشرين سنة، والآن أحمل أعظم الشهادات، يعني إلى متى؟ نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قيل له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه].
وبعض الناس يقول: أنا والله درست عشر سنين، عشرين سنة، ثلاثين سنة، وإذا سئلت عن شيء ما قدرت، ما استفدت، فأترك.
نقول: يا أخي النتيجة ليست بيدك، النتيجة عند الله -جل وعلا-، عليك أن تبذل السبب، فبذل السبب منك مطلوب، ((من سلك طريقاً))، السبب سلوك الطريق، ابذل سلوك الطريق، فاسلك الطريق تضمن لك النتيجة، ((من سلك لك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).(1/1)
حضر معنا بعض عن المشايخ بعض الناس أدركناه في الخامسة والسبعين من العمر، درس على شيوخنا وعلى شيوخهم، وكان زميلاً لشيوخهم، فدرس مع الشيوخ ومع شيوخهم، ودرس مع الطلاب وتأخر عنا في الطلب حتى مات، ما يقرب عن تسعين سنة؛ لكنه بالفعل ما أدرك شيء؛ إلاَّ أنه إذا سمع شيئاً يحثه على العمل عمل به، فهذا مع صدق النية سهل الله -جل وعلا- به طريقاً إلى الجنة، فالنتيجة مضمونة، النتيجة في الآخرة مضمونة، لكن في الدنيا هل ضمن لك أن تكون عالم؟ لا ما ضمن لك أن تكون عالم؛ ولذا اليأس ما هو بوارد، ليس بوارد، لا في العلم ولا في العمل؛ لأن بعض الناس –أيضاً- بالنسبة للعمل، يقول: حاولت وعجزت، كيف حاولت؟ حاولت الإخلاص وما قدرت، يأتي كثير من طلاب العلوم الشرعية، والكليات، يقولون: والله نحن حاولنا الإخلاص، ومن شرط العلم الإخلاص؛ لأنه من أمور الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشريك، فأخشى أن أكون من أول ما تسعر بهم النار، أترك طلب العلم، يقال له: لا تترك ولا تيأس، الترك ليس بحل، الترك ليس بحل؛ لكن عليك أن تجاهد، تجاهد نفسك، وحينئذ إذا علم الله منك صدق النية أعانك.
بعض الناس يقول: حاولت قيام الليل، وجاهدت نفسي وعجزت، نقول: السلف كابدوا قيام الليل سنين، ولا بد من تجاوز المرحلة، مرحلة الاختبار، فإذا تجاوزت مرحلة الاختبار ونجحت في الأخير تتلذذ، فالطلب في بداية الطلب، -طلب العلم شاق-، أقرانك وأقاربك في استراحات مبسوطين على ما قالوا، يتمشون وينبسطون ويتجاذبون أطراف الحديث وينظرون إلى أخبار العالم، وأنت جالس بزاوية في بيتك تقرأ كتاب أو في مسجد بين يدي الشيخ.(1/2)
فالنفس فيها صراع، في أول الأمر، لكن هذه مرحلة امتحان، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله -جل وعلا-، وأخلصت وصدقت اللجأ إليه لا شك أنك تكون في نعيم، في جنة، لا يدركها أمثال هؤلاء، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وكما قال من قبله، يعني هم في جنان لو يعلم بها الملوك لجالدوهم بالسيوف.
عطاء بن أبي رباح، مبتلى بعلل كثيرة، بتشويه خَلقي وعلل في جميع أطرافه، وفي لونه وفي شكله وفي وجهه، وإذا جلس في المسجد الحرام، الملوك كأنهم أطفال بين يديه ما الذي رفع هذا؟ بما رفع مثل هذا؟ رفع بالعلم، فإذا أدركت مثل هذه الأمور، وقرأت ما أعد الله -جل وعلا- للعلماء العاملين، في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنك سوف تنسى كل ما يتلذذ به الناس من أمور دنياهم.(1/3)
فَذَكِّرْ بِالقُرآنِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{فَذَكِّر بِالقُرآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ ق/45]، فالتَّذكِير التِّي هِيَ الوَعظ هي وظيفةُ الأنبياء، ووظيفةُ وُرَّاثِهِم وأَتبَاعِهِم، التَّذكير والوَعظ؛ لاسِيَّما بالقُرآن، من أعظم ما يُوعَظُ بِهِ ويُذَكَّر بِهِ القُرآن، وللقُرَّاء ولِأئِمَّة المَساجِد؛ لا سِيَّما الذِّينَ يَحرِصُون على تَحسِين وتَزيِين الصُّوت بالقُرآن، لهُم نصيب من هذا إذا استَحضَرُوا مثل هذا، وتَجِد بعضهُم عندهُ الصُّوت الجميل والقِراءة الجَيِّدة، ثُمَّ بعد ذلك يَبخَل على النَّاس! يَقرَأ الآيَة والآيَتِين ثُمَّ يَركَع، والنَّاس بِحَاجة إلى التَّذكِير بِكلَامِ رَبِّ العَالَمِين، فَذَكِّر هو يُذَكِّر، هذهِ وَظِيفَتُهُ؛ لَكِن يُؤمَر بذلك للدَّوام عليهِ، كما أنَّ المُؤمن يُؤمَر بالإيمان {يا أيُّها الذِّين آمنُوا آمِنُوا} يعني دُومُوا على إيمانِكُم، فَالمُتَلَبِّس بالشَّيء المُتَّصِف بِهِ؛ يُؤمَرُ بِهِ مِن أَجلِ الاستِمرَارِ عليهِ.(1/1)
أعمال خاصة على طالب العلم أن يلزمها
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هناك أعمال خاصة على طالب العلم أن يلتزمها؛ ليعان على طريقه ومشواره في طلب العلم، يستعين بقراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، وأيضاً يكثر من تلاوة القرآن ليحصل على الأجور العظيمة، بكل حرف عشر حسنات، كل حرف عشر حسنات، الإنسان في ربع ساعة يقرأ جزء يحصل له مائة ألف حسنة، وليكثر من هذا، ويجعل له وقت للتدبر، والنظر في كتاب الله والاعتبار، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] لا بد أن نعتبر، لا بد أن نتذكر، لا بد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا بالقرآن، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] لكن من الذي يتذكر؟ هو الذي يخاف الوعيد، أما الإنسان الغافل الساهي اللاهي، هذا نصيبه من هذا قليل، ومع الأسف أن بعض من ينتسب إلى طلب العلم عنده شيء من الجفاء بالنسبة للقرآن، فتجده إذا تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة، وصلى الركعتين إن بقي وقت أخذ مصحف، وقرأ ما تيسر ورقة أو ورقتين، ويكون القرآن عنده -على ما يقول الناس- على الفرغة، إن وجد وقت و إلا فلا!
فهذه مشكلة يعايشها كثير من طلاب العلم حتى من الحفاظ، بعض الطلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى، انتهى دوره، نقول له: لا يا أخي الآن جاء دورك، الآن جاء دور التلاوة التي رتب عليها أجر الحروف، وجاء دور الترتيل والتدبر والاستنباط والتذكر والتذكير بالقرآن، الآن جاء دوره، فأهل القرآن لهم هذه الخاصة، هم أهل الله، وهم خاصته، وينبغي أن يعرفوا بما لا يعرف به غيرهم، كما قال ابن مسعود: يعرف بصيامه يعرف بصلاته يعرف بقيامه، يعرف بتلاوته يعرف بنفعه الخاص والعام، يعرف بإقباله على الله -جل وعلا- إذا غفل الناس، فصاحب القرآن له شأن عظيم.(1/1)
مِن أَعظَمِ المِنَن على المُسلِم
الشيخ عبد الكريم الخضير
{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَدَاكُم لِلإِيمَانِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} [الحُجرات/ 17] في قولكم آمَنًّا، يعني مَن رُزِقَ هذهِ النِّعمة التِّي هي الإيمان، المِنَّة لمَن؟! المِنَّة لله -جلَّ وعلا-، فَمِن أَعظَمِ المِنَن على المُسلِم أن يَكُونَ من المُؤمِنين، المُصَدِّقِين، المُعتَقِدِين، الجَازِمِينَ باعتِقَادِهِم، العَامِلِينَ بِمُقتَضَى هذا الاعتِقَاد؛ هذا مِن أعظَم المِنَن؛ وإلاَّ فِليَتَصَوَّر الإنسَان نفسَهُ بين أُولئك الكُفَّار، مَلَايين البَشَر، مَأوَاهُمُ النَّار – نسأل الله السَّلَامة والعَافِيَة – {إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ} [المَائِدة/72] يعني بعض النَّاس يُسافِر إلى البُلدَان التي تكثُر فيها مظاهر الشِّرك، تَظهَر فيها مَظَاهِر الشِّرك! إن كانَ لهُ قلب ويَعتَبِر، ويَعضّ على إيمانِهِ بِنَوَاجِذِهِ؛ لأنَّهُ يَرَى أُنَاس يُشرِكُون! يَطُوفُون بِقُبُور مَثَلًا! هذا إن استَطَاعَ أن يُنكِر عليهم؛ وإلاَّ فلا يَجُوزُ لهُ أن يُسَافِر إلى هذهِ الأَمَاكِن! فعلى الإنسَان أن يَحمد الله -جَلَّ وعلا-، وأن يَلهَجَ بِشُكرِهِ في كُلِّ لحظة وفي كُلِّ نَفَس مِن أَنفَاسِهِ أَن هَدَاهُ للإيمَان، يعني إن كنتم صادِقين في قولكم آمَنًّا.(1/1)
الطريقة المناسبة لقراءة فتح الباري
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ما هي الطريقة المناسبة في قراءة فتح الباري شرح صحيح البخاري؟
الطريقة المناسبة أن يختار له وقت مناسب، وأن يعتنى بالمتن أولاً ويكرر، ويحاول الطالب فهم المتن، ويشرحه من تلقاء نفسه، ثم يراجع عليه الشرح؛ لِيَنْظُر هل فَهْمَه للحديث ولعلاقة الحديث بالترجمة صحيح مطابق لفهم الحافظ؟ أو أنه أبعد النجعة في الربط بينهما وفي فهم الحديث، وهكذا في سائر المتون، ينبغي أن يعتني الطالب أولاً بالمتون، فيحفظها إن كانت مما يستحق الحفظ، ثم يحاول أن يفهم هذا المتن، ويشرح المتن ويُعلِّق عليه من تلقاء نفسه، ثم يراجع عليه الشروح؛ لينظر مدى مطابقة فهمه لفهم أهل العلم.(1/1)
اجْمَع من الكُتب ما تحتاج إليه ولا تزد على ذلك
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جمع الكتب أمرٌ طيبِّ ومَطْلُوب لطالب العلم، ولا يُمكن أنْ يطلب العلم بدون كتب، كما أنَّهُ لا يُمكن أن يَسْعَ إلى الهيجاء بغيرِ سِلاحِ، فالكتب سلاح طالب العلم فلا بُدَّ من جمعها، الإشكال إذا كان هذا الجَمْع فتنة، يعني يُفْتتن بجمع الكتب، ويجمع الطَّبعات، ويجمع النُّسخ المُتعدِّدة، وهذي أحسن ورق، وهذي أحسن تجليد، وهذي كذا، إلى آخره، هذا الذِّي يحتاج إلى علاج، وابْتُليَ بهذا معروف في القديم والحديث، ابْتُلي من يجمع الكتاب الواحد عشر نُسخ، عشرين نُسخة، ويُضيِّق على نفسِه، وعلى أهله، وولدِهِ، والخطيب البغدادي -رحمهُ الله- في مُقدِّمة اقتضاء العلم العمل يقول : وهل جامعُ الكتب أو كانز الكتب؛ إلا ككانز الفضَّة والذهب! يعني مُجرَّد بلوى؛ ولكن كثرة التّصانيف كما يقول ابن خلدون مشغلة عن التَّحصيل! فعلى الإنسان أنْ يجمَع من الكتب ما يحتاج إليه ولا يزيد على ذلك.(1/1)
ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدِّينْ !!!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الإنسان أن يُقبل إلى ما خلق من أجله، حصل هذا الهدف ثم بعد ذلك، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] التي تستعين بها على تحقيق هذا الهدف، أما أن تجعل الدنيا هي الهدف، وقد رأينا من عوام المسلمين، والآن بعض علماء المسلمين -مع الأسف- وبعض طلاب العلم من ينطبق عليه: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار تعس وانتكس)) – نسأل الله العافية – ((وإذا شيك فلا انتقش)).
نعرف من دهاتهم، من عوام المسلمين تأتيهم بضائع من الشرق والغرب، ويخبرك بأسعارها وفوائدها في لحظة، ما يحتاج آلات، أفضل من الآلات، وأسرع من الآلات، لكن لا يعرف يقص أظافره، وإذا أصابته شوكة يطلب من يسعفه، وهذا حاصل بالفعل ما هو بخيال، إنما هذا حاصل بالفعل، ولبس الساعة سنين ثم خلعها ما يعرفها، ومع ذلك يخبرك عن أمور الدنيا بدقة.
فالمسلم مخلوق لتحقيق هدف، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] تحقيق العبودية، ومع ذلك هذه العبودية تحتاج إلى شيء من الدنيا، فينتبه لشيء من دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
والحال الآن في وضع المسلمين العكس تماماً، كأنما خلقوا للدنيا ويحتاجون إلى من يقول لهم ويتعاهدهم "ولا تنس نصيبك من الدين" على العكس تماماً.
فعلى الإنسان أن ينتبه لنفسه قبل فوات الأوان.(1/1)
التَّسديد والمُقَاربة بين طلب العلم وأُمُور الدُّنيا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
المطلوب من الأخوة والأخوات على حد سواء التَّسديد والمُقاربة، ولا يكون شيء على حساب شيء آخر، لا شك أنَّ الناس عندهم فراغ، يعني: أن العمل يحتاج إلى ثلث الوقت، والنوم ووقت العبادة وما أوجب الله على الإنسان من عبادة يحتاج إلى الثلث الثاني، الثلث الثالث يحتاج الإنسان إلى أن يستجمّ فيه، يرتاح يجلس مع أولاده، يجلس مع أقاربه، له ارتباطات عائلية، له سفرات، له أيضاً النزهات، المرأة لها أعمال أخرى غير العمل في بيتها مع أولادها، في حاجة زوجها؛ لكن يبقى لو أن الإنسان خصص ساعة من يومه للعلم الشرعي، ومثلما ذكرنا الآن بإمكان الإنسان وهو يتناول الشاي الذي يأخذ عند بعض الناس ساعة أو أكثر يضغط الزر بالنسبة للمسجل ويسمع الكلام الطيب، يأخذ المصحف بعد صلاة الصبح ويقرأ بالتدبر والترتيل، ويستفيد فائدة عظمى، والعلم كله تحت تدبر القرآن.
فتدبَّر القرآن إنْ رُمتَ الهُدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ(1/1)
وإذا قرئ القرآن على الوجه المأمور به كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أورث القلب من العلم واليقين والإيمان والطمأنينة شيء لا يُدْرِكُهُ إِلَّا من عاناه، نعم نحن نقرأ القرآن على غير الوجه المأمور به... متى تنتهي السورة؟! متى ينتهي الحزب؟ متى نختم القرآن؟ هذا همنا! ولذلك لا نتلذذ بقراءة القرآن! لا نستفيد الفائدة المرجوة من قراءة القرآن، نعم يثبت لنا أجر الحروف، كل حرف عشر حسنات، والختمة ثلاثة ملايين حسنة، والإنسان جالس بإمكانه أن يقرأ القرآن في سبع، يختم كل أسبوع، إذا جلس من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس يقرأ القرآن في سبع، ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة في كل أسبوع، في أمر في غاية اليسر والسهولة، وهذا لا يكلف شيء، نحصل على أجر الحروف التي هي هذه الحسنات العظيمة، وهذا أقل تقدير، و إلا فالله -جلَّ وعلا- يُضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لبعض الناس، وجاء في بعض الآثار أن الله -جلَّ وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، يعني تصور العدد والكم الهائل هذا، يعني إذا قارناه بقدرات الناس قلنا خيال، ما يمكن هذا؟! لكن إذا نظرنا إلى فضل الله -جلَّ وعلا- وسعة رحمته، وأن الله -جلَّ وعلا- يعطي ما يتمناه آخر من يدخل الجنة يعطيه ما يتمناه، وايش يتمنى؟! تمنى أرض مساحتها ألف متر عليها قصر مشيد، يقال له: تمنَّ، تنقطع به الأماني ما يدري ايش يتمنى! لأنه آخر شخص يدخل الجنة، فيقال له أترضى أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟! فيقول نعم، فيقال له لك هذا الملك وعشرة أمثاله! يعني فضل الله لا يُحَدّ، فإذا قرأنا في سبع واعتمدنا، وجَلَسْنا، وتوكَّلنا، وحزمنا أنفُسنا؛ لأنَّ المسألة في أوَّل الأمر تحتاج إلى جِهاد! فالنوم بعد صلاة الصبح تركه شاق على كثير من الناس، يحتاج إلى جهاد في أول الأمر، ثم بعد ذلك يتلذذ به، بحيث لو مرض في يوم من الأيام، وصلى الصبح وخرج لينام ما نام، ما جاءه النوم إلا في وقته،(1/2)
هذا شيء مجرب! فإذا جلس في مُصَلَّاه لمدة ساعة استطاع أنْ يقرأ القرآن في سبع، الأمر الثاني أنَّ هناك ساعة من آخر النهار لو اقتطعها الإنسان ما ضَرّه، ولا ضيع من أعماله ومصالحه لا الدِّينيَّة ولا الدُّنيويَّة شيء؛ بل هذا ممّا يُعينه على تيسير أُمُور دينه ودُنْيَاه.(1/3)
اطْلُبْ العِلْم حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنَّما أنا قاسم، والله المُعْطِي)) فعلى هذا على الإنسان أنْ يبذل السبب، ولا يقول: أنا طلبت العلم سنين ما استفدت، عليك أنْ تستمر إلى أنْ يأتيك اليقين؛ لأن العلم من أعظم أبواب العبادة؛ بل يُفَضِّلُهُ أهل العلم على جميع ما يُتَعَبَّدُ به بعد الفرائض، أفضل نوافل العبادات تعلم العلم الشرعي، فعليك أنْ تستمر، ولو كان حفظك ضعيف، ولو كان فهمك أقل، مثل هذا لا يثنيك عن تعلم العلم الشرعي، ومع الوقت والإخلاص والحرص تُدْرك -إن شاء الله تعالى-، ولو لم تدرك من ذلك إلا الانْدِرَاج في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) فأنت أَلَا تُريد أنْ يُسَهِّل الله لك طريقاً إلى الجنة؟ ولو لم تُدْرِك العلم؛ لأنَّ الوعد في هذا الحديث ما رُتِّب على العلم؛ إنَّما على سُلُوك الطريق فقط، فأنت مجرد ما تسلك الطريق، يُيَسَّر لك الطريق إلى الجنة، ولو لم تُدْرِك من العلم ما يكفيك أو لم تدرك شيئاً؛ لأنَّ هذا الوعد ثابت لمُجَرَّد من سَلَكَ الطريق.(1/1)
التشدد في الدين
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التشدد في الدين أن يعمل بأكثر مما طلب منه شرعاً، أو يزيد على القدر المحدد شرعاً، يزيد على القدر المحدد شرعاً فيلتزم به ويلزم به غيره، يتشدد يتنطع في الأمور التي فيها فسحة، نعم، كون الإنسان يحزم نفسه ويرتكب العزائم، ويقلل من الرخص، ويترك كثير من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات والشبه ثم إلى المحرمات، هذا ورع وليس بتشدد؛ لكن لا يلزم به غيره؛ إنما يلزم الناس بما دل عليه الكتاب والسنة.
فالإنسان قد لا يتوسع في أمور الدنيا، من الناس من لا يركب السيارة، وموجود؛ لكن مع ذلك هل له أن يحرم على الناس ركوب السيارة؟ ليس له ذلك، من الناس من لا يستعمل الكهرباء، يجوز له أن يحرم على الناس استعمال ما أحل الله لهم؟ أبداً؛ لكن هل يلزم بأن يستعمل الكهرباء أو يركب السيارة، وهو يرى الإباحة ما يرى التحريم، ولكنه يقول: أنا لا أتوسع في هذه المباحات، وأحمل نفسي على العزيمة، وأربيها على هذا، لئلا تجرني إلى ما هو ... هذا لا يلام؛ إلا إذا حصل بسبب ذلك ترك واجب، يقول: أنا لا أركب السيارة؛ لكن مكة لا أستطيع أن أحج إلا بسيارة؛ وأنا لا أركب السيارة، نقول: يجب عليك أن تركب السيارة؛ لكن في أمورك العادية وحاجاتك التي تقضيها بدون سيارة ما نلزمك تركب سيارة؛ لكن لا تحرم على الناس ما أحل الله لهم؛ فكون الإنسان يحزم نفسه، ويعامل نفسه بالعزائم لا يلام، وقد كان جمع من السلف يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، فكوني لا أتوسع في المباحات لا ألام؛ لكن كوني أحرم على الناس ما أحله الله، هذا محل اللوم، وهذا محل التشدد.(1/1)
اعْرَفْ قَدْرَ نَفْسِكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
وابن آدم مسكين، ضعيف، لا يتحمَّل هذا ولا هذا، ليس لديه حولٌ ولا قوة؛ لكن إذا كانت الأُمُور ماشية على ما يُريد؛ ظلومٌ جَهُول! جبَّار، عنيد، ثُمَّ بعد ذلك إذا اعْتَراه أدْنَى ما يَعْتَرِيه؛ ضَعُفْ وانْكَسَرْ، خَنَعْ وخَضَع، فعلى الإنسان أنْ يعرف قَدْرَ نفسِهِ، ولا يَرْفَعُها أكثر من قَدْرِها، ولا يُعْطِيها أكثر من حَجْمِها، فالإنسان إذا عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ؛ ارْتَاحْ، وأراحَ النَّاسَ من شَرِّهِ، واللهُ المُستعان.(1/1)
من اعتنى بشيء واهتم به ؛ يدركه إدراكاً بيناً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو هذرى على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع.
شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على..، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ.(1/1)
أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف نلقنه هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله)) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله -رحمه الله-.(1/2)
خَطَرُ العُقُوقْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((قلتُ ثُمَّ أيٌّ؟ قال: برُّ الوالدين)) الوالدان هما سبب وجود الولد، هما السَّبب في وجوده، وهما من أعظمِ الخلْق مِنَّة على المولود، وحَقُّهما من أعظم الحُُقوق بعد حقِّ اللهِ تعالى، والعُقُوق كبيرة من كبائر الذُّنُوب، وجاءَ فيه من نُصُوص الوعيدِ ما جاء، حتَّى جاء ((فليعمل العاقُّ ما شاء، فلن يدخل الجنة!)) والرَّحمةُ لا تنزلُ على قاطع رحم، فضلاً عن عاقّ! وإذا تقاطع المُسلمان وتهاجرا لا تُرفع لهما الأعمال حتَّى يصطلحا، فكيف بمن عقَّ والديه؟! وإذا كان التَّأفِيف كلمة من حرفين هما أخفُّ الحُرُوف حرام، ومنصُوص عليهِ بالقرآن، فكيف بما دُونه؟! فلينتبه الولد عُمُوماً، وطالبُ العلم على وجْهِ الخُصُوص من هذهِ المُوبقة نسأل الله السَّلامة والعافية، يُلاحظ على بعض طُلاَّب العلم إنَّهُ من أيسر الأُمُور أنْ يحضر صاحِبُهُ يضرب البوري أو الجرس يجده جاهز مُتأهِّب قبل الحُضُور، ينتظر صاحبه، ويخرج معهُ، ويذهب إلى أيِّ مكانٍ يُريدُهُ؛ لكن إذا قالت الأم أُريد أنْ أذهب إلى المكان الفُلاني، أو إلى أختك الفلانية أو خالتك أو كذا، تبَرَّم، وقال: هو مشغول، وهو بصدد تحصيل علم أو لعمل صالح، كل هذا لا يُجْدِي، هذا أهمّ، إذا كان الجِهاد لإعلاءِ كلمة الله -جلَّ وعلا- لا يجُوزُ إلَّا باستئذان الوالدين فكيف بغيرهِ؟! فلينتبه طالب العلم لهذا.(1/1)
أَضرَار وعَوَاقِب السَّفَر إلى الخَارِج
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ} [سورة إبراهيم/(35)] فَلَيسَ الإنسَانُ مَا دَامَت رُوحُهُ في جَسَدِهِ في مَأمَنٍ عَن الزَّيغ والافتِتَان – نَسأَلُ الله الثَّبَات – {وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ} [سورة إبراهيم/(35)] وإذا كَانَ إبرَاهِيم الذِّي حَطَّمَ الأَصنَام هو الذِّي يَقُول: {وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ} [ سورة إبراهيم / (35)] وما ذلِكُم إلَّا لِعِلمِهِ التَّام بِخَطَرِ الشِّرك، وتَجِد المُسلِم مع الأسَف يُقِيم بينَ ظَهرَانِي المُشرِكِين، وقَد يُقلِّد المُشرِكِين، وقَد يَتَأَثَّر بِبَعضِ أَفعَالِهِم، ولَا يَخشَى على أَولَادِهِ مِن أن يَنحَرِفُوا، وأَن يَرتَدُّوا كما حَصَل لِأَولَاد كثير مِمَّن يَعِيش في بِلَادِ الكُّفَّار، ولَا شَكَّ أنَّ هذا تَفرِيط، وخِيَانةٌ للنَّفسِ والوَلَد؛ ولِذا الهِجرَةُ مِن أَوجَبِ الوَاجِبَات، ولَم تُبَح الحِيلَة إلَّا فِي سَبِيلِها، ولَم يُعذَر إلَّا الضَّعِيف المُستَضعَف الذِّي لَا يَستَطِيع، لا يستطيع ولَا عَن طَرِيق الحِيلَة؛ والذي إذا استَطَاع عن طَرِيق الحِيلة؛ تَعَيَّنَت عليهِ الهِجرَة، فالإقَامَةُ بينَ ظَهرَانِي المُشرِكِين؛ لَا شَكَّ أنَّها خَطَرٌ على النَّفس، فَبِكَثرَةِ الإمسَاس يَقِلّ الإحسَاس، وكَم حَصَل مِن عَظَائِم الأُمُور لِبَعضِ مَن يَتَكَرَّرُ منهُ السَّفَر؛ فَضلًا عن الإقَامَة بَينَ ظَهرَانِي المُشرِكِين!! تَجِدُهُ يَتَسَاهَلُ شَيئًا فَشَيئاً؛ حَتَّى لَا يَكُون الشَّخص الذِّي تَعرِفُهُ مِن قَبل، فالأَسفَار أَضرَارُها عَظِيمة، وَعَوَاقِبُها وَخِيمَة؛ فَضلًا عن الإقَامَة بَينَ ظَهرَانِيهِم التِّي لَا بُدَّ أن يَتَأَثَّر بِها مَهمَا قَال! لَا بُدَّ أن يَتَأَثَّر.(1/1)
ضابط التعامل مع الكافر في العمل
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
بالنسبة للتعامل مع الكافر الشريك في العمل هذا لا يخلو إما أن يكون ممن يرجى إسلامه، هذا يرجى إسلامه، فمثل هذا يلان له في الخطاب، لكن لا يبدأ بالسلام يتعامل معه معاملة حسنة، بحيث تكون هذه المعاملة باب من أبواب الدعوة، وذكرنا في المثال الذي أوردناه ابن الديان هذا الطبيب اليهودي لما حضر الدرس ما قال: أخرجوه، الشيخ ما قال: اطردوه من الدرس لأنه يهودي خبيث، نعم هو اليهودي خبيث، لكن يبقى إذا رجي إسلامه لا مانع من تمكينه من طلب العلم، والتعامل معه بالحدود والضوابط الشرعية، بحيث لا يبدأ بالسلام، وإذا ألين له الكلام وجومل في الكلام وحصل المداراة، وحصلت المداراة في هذا الباب هي مطلوبة، لكن لا تحصل المداهنة، فرق بين المداراة والمداهنة، أنت تتعامل مع شخص مخالف تداريه رجاء أن يسلم، لكن لا تداهنه، بمعنى أنك تتنازل عن شيء مما يجب عليك، أو ترتكب شيئاً مما حرمه الله عليك من أجل أن تستقطبه، نفسك أهم عليك منه، فعليك أن تأتي بما أوجب الله عليك بغض النظر عنه، أسلم أو لم يسلم ما هو بشأنك، فلا تتنازل عما أوجب الله عليك ولا ترتكب ما حرمه الله عليك من أجله، وأما المداراة ولين الكلام هذا أمره سهل، بحيث لا ترتكب محرم.(1/1)
والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر الشخص الذي في خلقه شيء وقال في حقه: ((بئس أخو العشيرة)) لأن في خلقه وفي طبعه شدة، ثم بعد ذلك لما استأذن وأذن له ودخل ألان له الكلام؛ فروجع النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول: ((بئس أخو العشيرة)) وتحدثه بهذا الكلام السهل اللين، قال: نعم، ((إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)) فمثل هذا يتقى شره من جهة، وأيضاً يكسب بالخلق، وإذا نظرنا إلى تأثير تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الشخص الذي بال في المسجد، بال في المسجد، ثار عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من باب الغيرة لله -جل وعلا-، واحترام بيوته، ثاروا عليه وكادوا أن يوقعوا به، النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي بُعث رحمة للعالمين قال: ((دعوه، لا تزرموه)) وهذا عين الحكمة، بمثل هذا تكتسب القلوب وتجتذب، أضف إلى ذلك ما يترتب على طرده من المسجد أثناء قضاء حاجته من الإضرار به وتكثير مواضع النجاسة وغير ذلك.
المقصود أن اللين ما دخل في شيء إلا زانه، ولا سلب من شيء إلا شانه، فعلينا أن نتعامل بالناس على مختلف مستوياتهم بالرفق واللين ولا نتنازل عن شيء مما أوجب الله علينا، بعض الناس يضيق ذهنه عن احتواء واستيعاب مثل هذه الأمور فتجده إما أن يصرم بالكلية، ويقول: أنا لا أستطيع أن أتعامل مع هذا إلا بشيء من التنازل، وبعض الناس يسترسل معه ويرتكب الصعب والذلول في سبيل دعوته وهدايته، فيتنازل عن الواجبات، وقد يرتكب بعض المحرمات فلا هذا، ولا هذا.
علينا أن نلين الكلام ونتعامل مع الناس بالرفق واللين والحكمة، ومع ذلك لا نتنازل عن شيء من أمور ديننا..(1/2)
الحِكمَة ضَالَّةُ المُؤمِن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذه طَريقة ومَنهَج عند أهل العِلم في الإِبهَام، إِذَا وَجَدتَ الفَائِدَة عِند شَخصٍ يُلَاحَظ عليهِ مَا يُلَاحَظ إِمَّا فِي اعتِقَاد أَو فِي عَمَل، فَلَا تُضَيِّع الفَائِدة، ولَا تُهدِر الفَائِدة، ولَا يُصَرَّح بِاسمِهِ؛ لِئَلَّا تُظَنّ المُوَافَقَة، الإمامُ البُخَاري -رحِمَهُ اللهُ تَعَالى- رَوَى عَن عَمرُو بن عُبيد وأَبهَمَهُ، ورَوَى عَن الذُّهلِي وأَهمَلَهُ، أَهمَل اسمه، ما صَرَّحَ بِاسمِهِ لِمَا بَينَهُم من الاختِلَاف فِي مَسأَلَةِ اللَّفظ، وهكذا يَنبَغِي أَن يَكُون طَالِبَ العِلم، يَحرِص عَلَى الفَوَائِد مِمَّن جَاءَ بِهَا، ثُمَّ إِذَا كَانَت مِمَّن يُتَشَرَّفُ بِالتَّصرِيحِ بِاسمِهِ، مِمَّن لَا مُلَاحَظَة عَلَيهِ يُصَرَّح بِاسمِهِ، وَجَدت فَائِدَة فِي كِتَاب تقول: وَجَدت فِي كِتَاب كَذا؛ لَكِن إِذَا كان هذا الكِتَاب يُخشَى مِن إِشهَارِهِ بين طُلَّابِ العِلم أن يَتَأثَّر الطُّلَّاب بِمَا فِيهِ مِن مُخَالَفَات، يَكفِي أَن تَقُول: قَال بَعضُهُم، قَالَ بَعضُهُم، إِذَا كَانَ القَائِل أَيضاً عليهِ مَا يُلَاحَظ يُبهَم، كَم مِن الفَوَائِد التِّي تُوجَد فِي كُتُبِ بعض مَن تَلَبَّسَ بِبِدعَة، مِثل هذِهِ الفَوَائِد تُستَفَاد، والحِكمَة ضَالَّةُ المُؤمِن؛ لكن لا يُصَرَّح بِاسمِهِ؛ لِئَلَّا يفتَتَنُ بِهِ مَن لَا يُمَيِّزُ بين الغَثِّ والسَّمِين، هذا مَسلَك، والإِبهَام مُفِيد في مثل هذه الصُّورة، قد يُبهَم القائل للتَّرويج، تَرويج الكلام، ابن أبي العز لما نَقَل النُّقُول الكثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم ولم يُصَرِّح بهما لا يُقال: إنَّ هذا خَلَل في التَّصنيف، وهذه سَرِقَة -لا أبداً-؛ لأنَّهُ ما نَسَبَ الكَلَام لِنَفسِهِ، أحياناً يُبهِِم، وأحياناً يأتي به بما يُمَيِّزُهُ؛ لكن السَّبب في ذلك لِيَرُوجَ الكتاب،(1/1)
والمَسأَلَة مَسأَلَة مُوَازَنَة بين المَصَالح والمَفَاسِد، فإذا أُرِيد تَروِيج هذا الكلام، وهذا العِلم النَّافع؛ ولو تَرَتَّبَ عليه مثل هذه الأُمُور التِّي الأَصلُ فيها العَدَم.(1/2)
تزكية النَّفس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التزكية المنهي عنها هي مدح النفس، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] النفس تتشوف وتشرأب إلى المدح، فإن وجد من غيرها فرحت به، وإن لم يوجد بعض الناس لا يصبر، إذا لم يمدح مدح نفسه، وهذا من الضعة بمكان عظيم؛ لأن الناس ينفرون من تزكية النفس، الواحد إذا مدح نفسه نفر الناس عنه، ومع ذلك يقدم بعض الناس بكل صفاقة يمدح نفسه، ويثني عليها، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] قد يحتاج الإنسان إلى ذكر بعض محاسنه، لا سيما إذا ظُلم، ابن عمر -رضي الله عنهما- لما وصف بالعي قال: "كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟!" ويحتاجون إلى المدح أحياناً في مقابلة الذم بغير حق، دفاعاً عن النفس، لا لذات النفس، ولا لحظ النفس؛ إنما ليقبل ما يصدر عن هذه النفس، لو أن عالماً ذُم على الجميع أن يدافع عنه، يدافع عن عرضه؛ لكن عليه أيضاً أن يبين ما يبطل هذا الذم، ولو كان في فحواه ما يقتضي المدح، {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فمثل هذا لا يدخل في النهي، بعض الناس يحب أن يمدح ويزكى ويثنى عليه، فإن كانت محبته للثناء عليه بما ليس فيه، وما لم يفعله فهو مذموم قولاً واحداً، {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} [(188) سورة آل عمران] أما إذا مدح إذا كان يحب أنْ يُمدح ويثنى عليه بفعله فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يطرد، ويقول: حب الثناء مذموم على كل حال، ومنهم من يفهم من آية آل عمران أنه لا يدخل في الذم، وعلى كل حال مدح النفس، ومحبة الثناء والمدح خدش في الإخلاص، وقد تقضي عليه، ولذا يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء فاذبحه(1/1)
بسكين يقينك وعلمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الأعرابي: "أعطني يا محمد، فإن مدحي زين، وذمي شين" قال: ((ذاك الله)) ما في هناك أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنه في حال المسلمين الآن على كافة المستويات الفرح بالمدح من الكبير أو الصغير، من الشريف أو الوضيع، فضلاً عن أن يقال لفلان من الناس: إن الملك ذكرك البارحة وأثنى عليك، أو الوزير الفلاني أو الأمير، يمكن ما ينام بعد هذه المدحة فرحاً، مع أنه جاء في الحديث الصحيح: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) من الذي يذكر؟ الله -جل وعلا-، الذي ينفع مدحه ويضر ذمه، ((ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) فعليكم بالذكر، اذكروا الله يذكركم، هذا بالنسبة لمدح النفس وتزكيتها المنهي عنه.(1/2)
لَا تَظَن أَنَّ تَعَبَكَ عَلَى العِلم سُدَى أَو هَدَر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كان أهل العلم وطلاب العلم يعانون أشد المعاناة من نسخ الكتب، يسهرون الليالي المقمرة على الأنوار الخافتة ينسخون الكتب، وبهذا حصَّلوا؛ لكن الآن من اليسير جداً أن تخرج إلى المكتبات وتشتري جميع ما تريد في ساعة، لكن إذا رجعت ماذا تصنع؟ ترص هذه الكتب في الدواليب، ويبقى بقية يومك للاستجمام، الآن أنت ضمنت الكتب عندك، ولا عليها فوات، بدل اليوم غداً -وهذا شيء مجرب يا إخوان، ما هو من فراغ- ولذا منع بعض العلماء طباعة كتب العلم الشرعي، ثم بعد ذلكم استسلم أهل العلم للأمر الواقع، فأجمعوا على جواز طباعة الكتب، استمر الأمر على ذلك عقود -بل قرون- ثم جاءت هذه الحواسيب، وهذه الآلات التي تيسر لك ما تريد وأنت جالس، بضغطة زر تحصل على جميع ما تريد، تبحث عن حديث تضغط زراً ويظهر لك جميع طرق الحديث، مائة طريق، خمسين طريق، سبعين طريق إلى آخره، لكن النتيجة؟ النتيجة هل يحفظ العلم بهذه الطريقة؟ لا يتخرج طالب علم بهذه الطريقة أبداً، العلم لا بد له من معاناة، تضغط زراً يخرج لك رواة هذا الخبر بجميع ما قيل فيه من جرح وتعديل، ثم ماذا؟ خلاص، يطفأ الكهرب ثم بعد ذلك ترجع عامي لا تحسن شيئاً.(1/1)
وعمد كثير من أهل العلم إلى تعسير العلم، سواءً كان في وسيلة الحصول إلى المعلومة، فغير الترتيب عن الترتيب المألوف، ابن حبان في الأنواع والتقاسيم في صحيحه رتبه على طريقة غريبة مبتكرة لم يصنعها غيره، خشية أن يأتي الطالب الذي يبحث عن الحديث فيجده بسهولة، الحديث في الطهارة في أول الكتاب، في الصلاة، افتح لك زيادة خمسين ستين صفحة وتجده، في الزكاة، وهكذا، وهذا مقصود، ومنهم من عمد إلى تعسير العلم بطريقة أخرى، وهي صعوبة الأسلوب، بعضهم يعقد الأسلوب من أجل أن يعاني الطالب فهم هذا الكتاب، فإذا فهمه بعد معاناة ثبت عنده ورسخ، وهذه طريقة مألوفة عند أهل العلم سواءً كانت في الفقه أوفي أصول الفقه أو في العربية أو في غيرها من العلوم، وجاء في عصرنا من ذلل العلم لطلابه وسهله ويسره بنية صالحة، وهو مأجور على ذلك، لكن من يستفيد من مثل هذه الكتب؟ المبتدئون من الطلبة، وغير المتخصصين في العلم الشرعي، أما من يريد أن يتخرج على طريقة أهل العلم وعلى جادتهم لا بد أن يسلك المسالك التي سلكوها، ثقوا ثقة تامة أن العلم في الكتب، العلم متين ويحتاج إلى معاناة، ويحتاج أيضاً إلى تردد على الشيوخ، أهل الخبرة، أهل الدراية، أهل العلم والعمل، مع المراجعة بالانفراد والمذاكرة مع الغير، أما شخص يحضر الدروس، وإذا خرج من الدرس هذا آخر عهده بالكتاب، فمثل هذا لا يفلح غالباً، كما قرر ذلك أهل العلم، فعلينا أن نعتني بالعلم وأجره عظيم، لا تظن أن تعبك على العلم سدى أو هدر، لا، ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، الأمر ليس باليسير.(1/2)
قد يقول قائل: أنا الحافظة لا تسعف، الفهم ضعيف، أنا مجرد أتردد على أهل العلم ولا أحفظ ولا أفهم، نقول له: تردد يا أخي، الأجر والثواب مرتب على مجرد سلوك الطريق ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))، فعليك أن تسلك الطريق، وتحضِّر الدرس قبل الحضور، قبل حضورك إلى الدرس، تقرأ قبل أن تحضر، وتحفظ ما يحتاج إلى حفظه، وتراجع الشروح، شرح ما تريد، شرح الدرس الذي تريد أن تحضره عند ذلك الشيخ، ثم بعد ذلك تحضر وتتأدب وتحتسب أجرك عند الله -عز وجل- مخلصاً لله -عز وجل- في جميع ذلك، فالمدار على الإخلاص، فتنصت للشيخ، وتناقش الشيخ بأدب، ثم بعد ذلك إذا رجعت تراجع ما سمعت وتدون الفوائد، وبعض أهل العلم يمنع من تدوين الفوائد أثناء الدرس، يقول: انتبه الدرس عليك أن تصغي للشيخ، ثم بعد ذلك إذا انصرفت بعد هذا الإصغاء والانتباه دوِّن ما تشاء، ومن جرب عرف صدق هذه المقالة؛ لأن بعض الناس ينشغل بالتدوين ويفوت عليه أمور كثيرة، وبعض الناس ينصت ويهتم، ويلح على الله -سبحانه وتعالى- بأن يثبت هذا العلم في ذهنه، وأن ينفعه به، ثم بعد ذلك إذا انصرف دون ما فهمه وما علق بذهنه، وذاكر إخوانه، لا بد من مذاكرة الإخوان للدروس.(1/3)
سؤال الله الثبات والهداية
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا تصورنا أن الإنسان لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بمعونة الله -سبحانه وتعالى- سواء كان من أمور دينه أو دنياه، لا يستطيع أن يزاول أي عمل إلا بعون الله -سبحانه وتعالى- وتوفيقه وتسديده، فيستعين الله -سبحانه وتعالى- على جميع أعماله التي منها العبادة، فالعبد بحاجة إلى أن يدعو الله -سبحانه وتعالى- ليل نهار في أن يثبته ليستمر على هذه الهداية، وأن لا يزيغ قلبه، ويصرفه عن هذه الهداية، وجاء في دعاءه -عليه الصلاة والسلام-: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) وهو أشرف الخلق، وأيضاً العبد وإن كان ممن اهتدى إلا أنه بحاجة إلى مزيدٍ من هذه الهداية؛ لأن الإيمان قابل للزيادة والنقصان على مذهب أهل الحق من أهل السنة والجماعة، فنحن بحاجة إلى أن نسأل الله -سبحانه وتعالى- طلب المزيد من الهداية ومن الإيمان، وأن نبذل السبب يعني نسأل الهداية، ونسأل المزيد منها، ونسأل الثبات ونترك الأسباب؟! لا، لا بد من بذل الأسباب.(1/1)
من حَفِظَ المُتُون حَازَ الفُنُون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فلا يخفى ما ورد في فضل العلم الشَّرعيّ من نُصُوص الكتاب والسُّنَّة، ومنزلةُ العُلماء في الدُّنيا والآخرة، فإذا عُرِفَ هذا فقد سَلَك أهلُ العلم تَسهِيلًا لِسُلُوكِ هذا السَّبيل المُوصِل إلى الجنة، كما جاء في الحديث الشَّهير: ((من سلك طريقًا يَلتَمِسُ فيهِ عِلماً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة)) سَلَكَ أهلُ العلم سُبلًا مُيسَّرةً لِتحصِيلِهِ، وقَسَّمُوا من أجلِ ذلك المُتَعَلِّمِينَ إلى طَبَقَات، وأَلَّفُوا لكلِّ طبقة ما يُناسِبُها من المُتُون، مِثل طبقة المُبتَدِئِين لهُم مُتُون تُناسِبُ أفهَامَهُم، وللمُتَوَسِّطِين مُتُون تُناسِبُ مَدَارِكَهم أيضاً، وللمُنتَهِين المُتَقَدِّمِين ما يُلَائِمُهُم من الكتب التِّي هي أوسع وأكثرُ بَسطاً من كُتُب الطَّبَقَتَين السَّابقَتَين، وهذِهِ الكُتب المَعرُوفة عند أهل العلم بالمُتُون مُقَابَلَةً لها بالشُّرُوح والحَوَاشِي؛ إنَّما أُلِّفت على هذا النَّمَط المُختَصَر؛ لِيَسهُلَ حِفظُها من قِبَلِ المُتَعَلِّمِين، وتَسهُل أيضاً قِراءَتُها على الشُّيُوخ، ومن ثَمَّ شَرحُها وبَيَانُها وتوضِيحها مِن قِبَلِهِم، وقديماً قيل: "من حَفِظَ المُتُون؛ حَازَ الفُنُون"، ومِنَ الطُّرُق التِّي تُعِين على حِفظِ هذهِ المُتُون مِمَّا وُجِدَ في هذا العَصر تَسجِيلُها على أشرِطَةٍ؛ لِيَتَسَنَّى استِمَاعُها في كُلِّ وَقتٍ، وعلى أيِّ حَال! فالاستِمَاعُ أوَّلُ العلم، كما قَرَّرَ ذلك العُلماء، قال سُفيانُ بن عُيينة: "أوَّلُ العلم الاستِمَاعُ، ثُمَّ الفَهم، ثُمَّ الحِفظ، ثُمَّ العمل، ثُمَّ النَّشر" فإذا استَمَعَ العَبدُ إلى كِتَابِ الله تعالى، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بِنِيَّةٍ صَادقة على ما يُحِبُّ الله؛ أفهَمَهُ كما يُحبّ، وجَعَل لهُ في قَلبِهِ نُوراً، فَأَولَى ما يَهتَمُّ بِهِ(1/1)
طالبُ العلم كِتَابُ الله -عزَّ وجل- الذِّي هو أصلُ العلوم الشَّرعيَّة، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- المُبَيِّنَةُ لكتاب الله -عزَّ وجل-، فَيَبدَأ الطَّالب المُبتدئ بِحِفظ المُفصَّل مِن كِتَابِ الله -عزَّ وجل-؛ إن لم يتيسَّر لهُ حِفظُهُ كَامِلًا، وما يُنَاسِبُهُ مِن سُنَّةِ النَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كالأَربَعِين النَّوويَّة التِّي هي في الحَقِيقة قواعِد كُلِّيَّة من قواعد الشَّريعة، وعليهِ أن يُعنَى بِعَقِيدَةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعة، وما يُناسِبُهُ منها ككتاب الأُصُول الثَّلاثة، والقواعِد الأربع للإمام المُجَدِّد شيخ الإسلام مُحمد بن عبد الوهَّاب -رحمهُ الله -، وما يُعينُ على فَهم الكِتَاب والسُّنَّة كتُحفة الأطفال في التَّجويد، والبَيقُونِيَّة في المُصطَلَح، والوَرَقَات في أُصُول الفِقه، والآجِرُومِيَّة قواعد العَرَبيَّة، والقَواعِد الفِقهِيَّة للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السِّعدي، وهذه في نظري كافِيَة لِمَن حَفِظَها بالنِّسبة لهَذِهِ الطَّبقة مِن طَبَقَاتِ المُتَعَلِّمِين، يَنتَقِلُ الطَّالب بعد حِفظِها، وفَهمِها، وقِراءَتِها على الشُّيُوخ، إلى كُتُب الطَّبَقة التِّي تَلِيها، فَأُهِيبُ بِأَولِيَاء أُمُور النَّاشِئَة أن يُوَجِّهُوا أولَادَهُم إلى العِلمِ الشَّرعِيّ على الجَادَّةِ المَعرُوفة المَطرُوقة عِندَ أهلِ العِلم، فِحِفظُ هذهِ الكُتُب؛ يُيَسِّرُ لطالب العلم تَحصِيل ما بعدها إن شَاءَ اللهُ تعالى، واللهُ أعلم، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على عبدِهِ ورَسُولِهِ نَبِيِّنا مُحمَّد وعلى آلِهِ وصَحبِهِ أجمَعِين.(1/2)
من أعظم وسائل تقوية الإيمان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأهله)) ولك بكل حرف عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والختمة الواحدة لا تكلف الإنسان، ما يحتاج إلى حمل أثقال، ولا جلوس في شمس، ولا في مكان مخوف ولا شيء، في روضة المسجد يستند على مثل هذا بعد صلاة الصبح لمدة ساعة، ويقرأ القرآن في سبع، كما قال الرسول لابن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) إلى أن تنتشر الشمس، وبهذا يحصل في كل أسبوع على ثلاثة ملايين حسنة، ولا خوف من مؤشر ولا غيره، هذه الثلاثة ملايين مضبوطة ومحفوظة في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، اللهم إلا إذا أنت تسببت في تضييعه هذا شيء يعود إليك، فالمفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وزكاة وبر واجتهاد، ثم بعد ذلك يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فهذا يأخذ من حسناته، وهذا من حسناته، ختمة لفلان، وختمة لفلان، وهكذا، وفي الغالب أن من ينشغل بهذه المنكرات لا يوفق لقراءة القرآن، لا سيما على الوجه المأمور به، فما تودعه في سجلك وصحائف أعمالك مضبوط، ولا خوف عليه، لا من لص، ولا من هامور يلعب بالسوق، ما فيه، مضبوط، متقن، يعني إذا كان الناس في أموالهم يتذرعون بأنه ضحك عليهم، هذه الأجور مضبوطة، ما أحد يتصرف فيها، ولا يتحكم، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [(49) سورة الكهف] حاضر تقلب الصفحات ووجهك مشرق، نسأل الله من فضله، المقصود أن قراءة القرآن من تزكية النفس، والذي يفعل ما أمر به من قراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، لا شك أن هذا من أعظم وسائل تقوية الإيمان، كما قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من الإيمان والعلم واليقين والطمأنينة ما لا يدركه شيء، أو(1/1)
لا يحصل بشيء آخر البتة، ولا يدركه إلا من جربه وعاناه"،
ويقول ابن القيم -رحمه الله-:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ
أيضاً الذكر: ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)) جالس في أي مكان كان، أثقل ما على الناس الانتظار، جلست تنتظر في مكان ما، في مستوصف، وإلا في بيتك تنتظر زميل لك، وإلا أحداً بيطرق الباب عليك، تأخر، تضيق بك الدنيا ذرعاً، الناس جبلوا على هذا، لكن من استغل وقته بذكر الله، وأنس بالله -جل وعلا- ما يضيق صدره، يتمنى أن لو تأخر الدور؛ لأنه لو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر الباقيات الصالحات، غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال: ((يا محمد أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) أمور أمور يعني لا تكلف الإنسان شيئاً، سبحان الله وبحمده مائة مرة تقال في دقيقة ونصف ((من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) والحديث متفق عليه، لا أحد يقول: والله ثواب عظيم على أمر يسير، لا، فضل الله يؤتيه من يشاء، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف، يعني قد يقول الإنسان: هذه أمور لا يتخيلها عقل، لكن فضل الله أعظم، قالوا: إذاً نكثر! قال: ((الله أكثر)) يعني إذا كان آخر من يدخل الجنة، يعني يخرج من النار ويدخل الجنة، فيقال له: تمنّ، تضيق به الأماني، فيقال له: أتريد ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: إي يا رب، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، هذا آخر من يدخل الجنة، يخرج من النار ويدخل الجنة، فكيف بالسابقين المسارعين إلى الخيرات، لكن على الإنسان أن يعمل وأن يبذل، وأن يكون على الجادة؛ لأن العمل لا يرفع إذا حاد عن الجادة يميناً وشمالاً، لا بد من المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا بد من الإخلاص لله -جل وعلا-، والعلم بغير هذين(1/2)
الشرطين باطل، لا قيمة له.(1/3)
احذَر مِنَ الاندِفَاع
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ليحذر طالب العلم من الاندفاع، وتكليف الحافظة فوق ما تطيق، بعض الناس يسمع الحث على العلم وما جاء في فضله، وقول العلماء من النصوص ثم يندفع، ليش أحفظ خمس آيات عشر آيات لماذا ما أحفظ جزء؟ يسمع أن هناك من يحفظ الجزء، ثم بعد ذلك يترك، يدب الملل واليأس إلى قلبه؛ لأنه إذا حفظ مثلاً ورقة أو ورقتين والحافظة لا تتحمل من الغد وجده صعب، ما عنده شيء، ثم يكرر ويعيد ولا يستطيع أن يحفظ جديد، ثم في اليوم الثالث كذلك، وهكذا ثم يدب اليأس، ثم يقعد شهر ما سوى شيء، وهذا مثله مثل المنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، كثيرٌ من الطلاب يأتي متحمس ويحفظ في أول يوم مقدار كبير، ثم من الغد يثقل عليه؛ لأن العلم في طبعه ثقيل، وقد وصف الله -جل وعلا- القرآن {إِنَّا سَنُلقِي عَلَيكَ قَولًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] والعلم كله ثقيل على النفس؛ لماذا؟ لأنه موصل إلى الجنة، والجنة حفت بالمكاره، يعني هل يستوي هذا طالب مبتدئ، طالب علم مبتدئ ما شرب قلبه حب العلم، هل يستوي طالب مبتدئ يعاني حفظ متن من المتون، وقد يكون في عبارتها صعوبة، وبين آخر شاب مثله في السن والظروف، في استراحة وأنس مع إخوانه وأصدقائه، فضلاً عن كونه يزاول ما يسمونه بفاكهة المجالس من الكلام في أعراض الناس، مما حفت به النار، وخفف على النفوس، فنأتي على يقين ونوطن أنفسنا أننا في أول الأمر أننا سوف نعاني من ثقل الحمل، وتجد بعض الناس إذا لوح له بأدنى خبر ترك العلم! والله اليوم ربيع، اليوم ربيع في نزهة، العلم بعدين، يقبل بسرعة بعض الناس، وبعضهم لأنه يدرك ما وراء هذا التحصيل، وما يوصله هذا العلم من مرضات الله -جل وعلا- وجناته، ومنازله العليا ما يُدرك، فنقول: لا بد في أول الأمر من الجهاد، من جهاد النفس، وأطرها على شدائد التحصيل، ثم بعد ذلك إذا تجاوز هذه المرحلة، مرحلة المجاهدة يبشر بالإعانة والتوفيق بحيث(1/1)
يأتي عليه يومٌ من الأيام فيستغرق جميع الوقت إلا ما كان من وقت عبادة أو أكل أو نوم بالعلم والتحصيل.
وشيخٌ من شيوخنا -ما أدركناه- في ليلة زواجه أشكلت عليه آية فنزل إلى مكتبته ليلة الزواج، فنزل إلى المكتبة ومن تفسير إلى تفسير حتى أذن الفجر، وهذا مجرب، يصعب على طالب العلم أن يمسك كتاب ويقرأ ثم بعد ذلك إذا جاهد نفسه في أول يوم يقرأ ورقة أيش المانع؟ قراءة غير الحفظ، في اليوم الثاني يقرأ يزيد على ذلك وفي اليوم الثالث إلى أن يصل الحد إلى أن يقرأ في اليوم خمسة عشرة ساعة، وهذا موجود ومجرب، والأمر يسيرٌ على من يسره الله عليه.
قد يقول قائل: أنا موظف، أنا طالب، وقتي مستغرق في مدرستي أو في وظيفتي، نقول: خذ الأمثلة من العلماء الموجودين الآن، ممن تجاوز المرحلة التي يسميها مرحلة الجهاد، جهاد النفس، عنده دوام من الثامنة إلى الثانية ظهراً، وعنده نصيب وقسط وورد يومي من القرآن يصل عند بعضهم إلى أن يقرأ القرآن في ثلاث، وعنده درس بين المغرب والعشاء، وعنده ارتباطات ولجان بعد العشاء، ويعود المرضى، ويزور المقابر، ويجيب الدعوات، ويصل الأرحام، قد يقول قائل: هذا ضرب من الخيال! كيف عنده دوام من ثمانية إلى ثنتين ويفعل هذا؟ نعم هذا موجود، لكن متى؟ بعد مجاوزة المرحلة، مرحلة المجاهدة، فعلى طالب العلم أن يعزم على نفسه، وأن يحملها على تحصيل العلم لتحمل شدائده، لا يأتي دفعة واحدة؛ لأن الذي يأتي دفعة واحدة لا يلبث أن ينصرف.(1/2)
نعمة البصر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
والبصر نعمة من نعم الله -جلا وعلا- لا يعرفها إلا من فقدها نعمة؛ لكنها إذا استغلت بما لا يرضي الله -جل وعلا- صارت نقمة، صارت نقمة، وهذه النعم لا بد من شكرها، واستعمالها فيما يرضي الله -جل وعلا-، عنده بصر يستعمله في قراءة القرآن، يستعمله في قراءة العلم، يستعمله في مصالحه في دنياه، التي يتخذ منها طريقاً وسبيلاً إلى الجنة، لكن إن استعمله فيما حرم الله عليهم كالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، سواء كان ذلك نظراً مباشراً، أو بواسطة آلات أو قنوات، أو صور أو مجلات، أو ما أشبه ذلك، كل هذا يحرم عليه النظر فيه، فهذه النعمة انقلبت بالنسبة له نقمة، نسأل الله العافية، وأيضاً السمع من أعظم النعم من نعم المولى -جل وعلا- على الإنسان، بل فضله جمهور أهل العلم على البصر، فإذا كان السمع بهذه المثابة فلا بد أن يؤدى شكر هذه النعمة، فلا يصنع فيه إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، والحذر الحذر من سماع ما يحرم سماعه، والآن الأبواب مفتوحة لرؤية وسماع ما يحرم إلى الشرك الأكبر، دخل في بيوت الناس وعامتهم، قنوات السحر الآن تشاهد في بيوت عوام المسلمين، وتسمع، والله المستعان، شر مستطير لا بد من أن يقف المسلم منه وقفة حازمة، ويقي نفسه، ومن ولاه الله عليه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] لا بد من هذا، ثم إذا تيسر له أن يتعدى هذا النفع خارج بيته إلى جاره إلى أخيه إلى قريبه إلى الأمة بكاملها فلا يحرم نفسه؛ لأن هذا الغزو خطير جداً، يعني عاش الناس مدة، سنوات، وقد غزو في قعر بيوتهم بالشهوات، القنوات الماجنة غزت بيوت المسلمين بالشهوات، ثم بعد ذلك بالشبهات التي تزلزل العقائد، ثم بعد ذلك بالشرك الأكبر، نسأل الله السلامة والعافية، كيف يزكي نفسه من أتاح الفرصة لمن ولاه الله عليه بمشاهدة هذه الأمور، والنفس تنازع ما دام هذا موجود(1/1)
فالصراع قوي، وشخص سكن في شقة في بلد ما فيها القنوات كلها فأراد أن ينظر إلى الأخبار بحث عن المجد ما استطاع أن يصل إليها، فوجد في أخبار الجزيرة فإذا التي تلقي الأخبار امرأة، جاء بالشرشف -الغطاء غطاء النوم- وغطا به الآلة؛ لئلا يرى المرأة، هذا أول مرة، المرة الثانية نازعته نفسه إلى أن كشف الغطاء، فمن العصمة أن لا يقدر الإنسان على هذه الأمور، من العصمة أن يحسم الإنسان مادة هذه الأمور بالكلية، ويستغني بما ينفعه، أما أن يجعل هذه الأمور في متناول يده ويد من ولاه الله عليه ممن لا يدرك المصلحة، كثير من النساء ما يدركن المصلحة، كثير من البنين والبنات لا يدركون المصلحة من المفسدة، ثم بعد ذلك يلوم القناة، أو يلوم من تسبب في هذا، هو أنت المتسبب.
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء
شاب أو شابة، مراهق أو مراهقة تترك لهم هذه الفرصة، ولا رقيب ولا حسيب، ثم تقول: والله أريد صلاحهم، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [(74) سورة الفرقان] كيف يجاب مثل هذا الدعاء وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد، ويسرتها لهم؟ كيف يقول الولد: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} كيف ربيتهم أنت؟ إن ربيتهم على الخير والفضل، وحب الخير وأهله، والعلم النافع والعمل الصالح أبشر؛ لأنك ربيتهم على مراد الله -جل وعلا-، لكن إن ربيتهم على خلاف ذلك فلا تتوقع هذه النتيجة، إلا برحمة أرحم الراحمين.(1/2)
الأُمُور القَلبِيَّة مُعضِلَة
الشيخ عبد الكريم الخضير
الأُمُور القَلبِيَّة مُعضِلَة، ونحنُ نَغفُلُ عنها كثيراً، ولَا نَسعَى في إصلَاحِها، ولَا نَتَحَسَّس الخلل فيها؛ لِنَسعَى في عِلَاجِها، أبداً ماشين والقلوب والله المُستعان كل ما لها تَزِيد قَسوَة، والوَضع شيء مُدرَك ومَحسُوس، يعني الآن يَختَلِف اختلاف كبير عَمَّا قبل عشرين سنة، وما قبل عشرين سنة يَختَلِف اختِلَافاً كبيراً عَمَّا قبل أربعين سنة، يعني الأعمَال الظَّاهرة فيها كَثرَة الآن، وقد تكون أفضل من ذي قبل؛ لا سِيَّما في أوسَاط الشَّباب، يعني أَدرَكنا النَّاس وعُمَّار المساجد وهم كبار السِّن، والشَّباب يَندُر أن تَجِد شابّ يُصلِّي لا سِيَّما النَّوافل مِن تَرَاوِيح ومِن تَهَجُّد، الآن هُم عُمَّار المساجد؛ لكن هل القُلُوب قبل أن تُفتح الدُّنيا مثل القُلُوب بعدَ أن فُتِحَت؟! والله اختَلَفَت اختِلَاف جَذرِي، وإذا تَحَدَّثَ الإنسَان، أو فكَّر في هذه الأمور تَمَنَّى أن لَو مات قبل عِشرِين أو ثلاثين سنة! لأنَّ القُلُوب اختَلَفَت، كل إنسان يُحِسّ، ويَلمَس هذا من نفسِهِ، وَوَضعُنا يَختَلِف، وإن كان يعني العلم عليه إقبَال، والعمَل أيضاً عليهِ إقبَال، والأُمُور الظَّاهرة مَاشِيَة ولله الحَمد؛ لَكِن يَبقَى أنَّ القُلُوب هي المُعَوَّل عليها، {يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ} [( 88 ، 89 ) الشعراء]، تغيَّرت! تَجِد الوَاعِظ المُؤثِّر في النَّاس الذِّي يُبكِيهِم سَابقاً؛ تَجِدُهُ الآن مثل الناس! المَكَاسِب، والمَطَاعِم، والمَشَارِب، كل شيء تغيَّر مع انفِتَاح الدُّنيَا، واللهُ المُستَعَان.(1/1)
خاب وخسر من فاقت آحاده عشراته
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)) الحسنة مضاعفة، والسيئات أفراد لا تضاعف، ولذا يقول أهل العلم: خاب وخسر من فاقت آحاده عشراته، الحسنة بعشر أمثالها، هذا أقل تقدير، أقل المضاعفات إلى سبعمائة ضعف، {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [(261) سورة البقرة] الحبة صارت سبعمائة حبة إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعافٍ كثيرة، وهذه المضاعفات مردها إلى قوة الإخلاص لله -جل وعلا-، وحسن العمل فإذا كان العمل أدخل في هذين البابين الإخلاص والإصابة زادت المضاعفات؛ لكن إذا كانت صورته صورة العمل الشرعي وحصل ما حصل تنقص هذه المضاعفات، المقصود أن الله -جل وعلا- فضله لا يحد، سبعمائة ضعف، يتصور الإنسان أنه يقرأ القرآن في مدةٍ وجيزة ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة، وهذا أقل تقدير، الحرف بعشر حسنات، فكيف إذا ضوعف الأجر إلى سبعمائة ضعف؟ من يقدر هذا القدر؟! وكم يختم الموفق في عمره، وإذا ضربت هذه المضاعفات بعدد ما قرأه المسلم من آي القرآن من الأمور السهلة الميسرة، يعني بالإمكان يجعل له ورد يومي بحيث يقرأ القرآن بالراحة، ويحصل على هذه الأجور ولو لم يقرأ لذهب الوقت في القيل والقال، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وذكرنا حديث المسند، وفيه كلام ضعيف عند أهل العلم؛ لكن هو لائق بفضل الله -جل وعلا- إلى ألفي ألف ضعف، مليون ضعف، هل يخطر ببال مسلم أنه من أين جاب هذه الأعداد؟ من فضل الله -جل وعلا- وفضله لا يحد، يعني ما هو ينفق من حساب مهما طالت أرقامه تنتهي، لو اجتمع الناس أو اجتمع الخلق كلهم إنسهم وجنهم من أول ما خلق الله الخليقة إلى أن تقوم الساعة فسألوا الله -جل وعلا- فأعطى كل واحدٍ مسألته ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، وتعرفون حديث: أدنى أهل الجنة منزلة، وليس فيهم دنيء، أدناهم منزلة هو آخر من يخرج من(1/1)
النار يقال له: تمنَ، يكفيك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ قال: يكفي، لك وعشرة أمثاله، هذا أقلهم منزلة، فكيف بمتوسطيهم؟! وكيف بأعلاهم؟! فما عند الله -جل وعلا- لا ينفد.(1/2)
تَعَاهَد عَقِيدَة السَّلَف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عَقِيدَة السَّلَف يَنبَغِي أن يُعضّ عليها بالنَّواجِذ، وأن تُرَاجَع باستِمرَار؛ لا سِيَّما في هذهِ الأَوقَات التِّي كَثُرَت فيها الشُّبُهات وَوَصِلَت إلى زَوَايَا وخَبَايَا ما كَانَت تَصِلُ إليها قَبلَ ذلك، قبل وُجُود هذهِ الوَسَائِل التِّي ابتُلِيَ النَّاسُ بها، فَعَلَى الإنسَانِ أن يَتَعَاهَد عَقِيدَة السَّلَف الصَّالِح باستِمرَار، ولا يَقُول أنا دَرَست، دَرَسنا في الدِّراسة النِّظَامِيَّة في المرحلة الابتدائِيَّة دَرَسنا كُتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب الأُصُول الثَّلاثة والقواعد وغيرها، ودَرَسنا أيضاً في المُتَوَسِّط والثَّانوي كتاب التَّوحيد، والوَاسِطِيَّة، والحَمَوِيَّة، ودَرَسنا في الجامعة وفَعَلنا وتركنا! لا يَكفِي هذا؛ لأنَّ الشُّبَه تتَجَدَّد، وتَتَلَوَّن، وتُعرَض اليوم بأسلُوب وثوب، وتُعرَض غداً بأسلُوبٍ آخر، وما فَتِئ المُبتَدِعة يَعرِضُونَ شُبَهَهُم، فَعَلَى طَالِبَ العِلم أن يُؤصِّل نفسَهُ في هذا الباب تَأصِيلًا مَتِيناً رَاسِخاً لا تُزَعزِعُهُ هذِهِ الشُّبُهات، ولا يَعتَمِد على هذا؛ بل يَصدُق اللَّجأ إلى الله -جَلَّ وعلا- أن يُثَبِّتَهُ على قَولِهِ الثَّابِت؛ لأنَّ المَسأَلَة مَسأَلَة استِدرَاج، يعني في أوَّل الأمر يَعتَمِد على ما تَعَلَّمَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَستَمِرّ تُلقَى إليهِ شُبهه، وقد نَسِيَ الأَصل الذِّي يَؤُولُ إليهِ ويَرجِعُ إليهِ من كلامِ أهلِ العلم المُؤيَّد بالكِتاب والسُّنَّة؛ لِأنَّهُ اعتَمَدَ على معلُوماتٍ سابقة، ثُمَّ إذا أُلقِيَت إليهِ الشُّبهه إن كانت وَاضِحة من مَعلُوماتِهِ؛ استَطاعَ رَدَّها، وإن كانت غير واضِحة خَفِيَّة؛ أُلبِسَت لِباس الحَقّ ومِشَت عليه! والإشكَال أنَّنا في زَمان الشُّبَه تَتَقَاذَفنا، والأموَاج تَمُوجُ بنا؛ ولِذا يَتَرَدَّد كثير حتَّى مِن طُلَّابِ العلم في بعضِ الكلام(1/1)
هل هُو حَقٌّ أو باطل! فالإنسَانُ المُؤَصَّل تَأصِيلًا مَتِيناً على أَسَاسٍ قَوِيّ على الكِتابِ والسُّنَّة؛ لّا تَضُرُّهُ هذهِ الشُّبُهات، فَعَلَينا العِنَايَة بهذا الشَّأن، وعَلَينا أن نَتَعَاهَد هذا، ونَسأَل الله -جَلَّ وعَلَا- أن يُثَبِّتنا على قَولِ الحَقّ، وبعض الكُتب، أعنِي المُبتدعة يَتَعَاهَدُون كُتُبَهم، ويَقرَؤُونها، تَجِد مَثَلًا المُعتَزِلة دَيدَنُهُم النَّظر في تَفسِير الكَشَّاف مَثَلًا، وفيه من الشُّبَه ما لَا يَستَطِيعُ رَدَّهُ أيّ شخص، على مُستَوى مُعيَّن؛ إذَا بَلَغ من التَّأصِيل، والمَتَانَة، والنَّبَاهَة، والحِذق في فَهمِ هذهِ الشُّبه التِّي خَفِيَت على بعض مَن يَنتَسِب إلى العِلم؛ ولِذا الذِّين أبرَزُوا شُبَه الزَّمَخشَرِيّ في كَشَّافِهِ من الاعتِزالِيَّات بالمَنَاقِيش، وقُل بِمِثلِ هذا أو أشدّ في تَفسِير الرَّازي مثلًا، عِندَهُ شُبَه قَوِيَّة جِدًّا، تَمُوجُ بِطَالبِ العلم إذا قَرَأَها وهو غير مُؤَصَّل، عِندَهُ شُبَه يُجَلِّيها مثل الشَّمس سَواء كان مِمَّا يعتقده هو ويسوقها على جهة التقرير، أو مما لا يَعتَقِدُهُ هو، ويَسُوقُهُ للرَّدِّ عليه، يُجلِّي الشُّبهة؛ لكن الرَّد غالبًا يكونُ ضَعِيفاً، ضَعِيف وهذا ما دَعا بعضِ أهلِ العلم أنَّ يقول إنَّ الرَّازي يَذكُر الشُّبهة نَقداً؛ ويُجِيبُ عنها نَسِيئَة! فطالبُ العلم عليهِ أن يُعنَى بعقِيدة السَّلف الصَّالِح من الأُصُول المُعتَمَدة عند أهلِ العلم، ثُمَّ بعد ذلك يَتَّقِ هذهِ الكُتُب التِّي دُسَّ فيها السُّمّ، فقد يُشرَب قَلبُهُ شُبهه لا يَستَطِيعُ أن يُجِيبَ عنها، فإذا كان من المَنزِلَة؛ بحيث يَستَطِيع أن يَرُدّ هذهِ الشُّبَه، ويُفَنِّدَها، هذا مَطلُوب أن يَقرَأ هذهِ الكُتب، و يَرُدَّ عليها، وقَد تَوَلَّى أَئِمَّة الإسلَام الرَّد على المُبتَدِعة، وإن تَرَدَّدُوا في أوَّلِ الأَمر في ذِكر الشُّبهة أو البِدعة؛(1/2)
لأنَّهم يقولون هذهِ تَروِيج لها، ويَكفِينا أن نَنشُر الحقّ، ثُمَّ بعد ذلك لمَّا شَاعَت هذهِ الشُّبه، وانتَشَرت في المُسلِمين، اضطُرَّ إلى ذِكرها، صار شيخ الإسلام يَذكُر هذهِ الشُّبه، ويُجِيب عنها.(1/3)
ضوابط تبليغ العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا شكَّ أنَّ هُناك من الأماكن ما يُصانُ عنهُ العلم، مما يُزاول فيه مُحرَّم مثلاً، نعم يأتي هنا الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر؛ لكن إلقاء العلم الشَّرعيّ بقال الله وقال رسُولُهُ في أماكن تُزَاوَل فيها المُحرَّمات، يعني يُصان عنها المساجد، ويُصان عنها العلم الشَّرعي، قد يكون هذا المكان الذي يجتمع فيه النَّاس شيء طارئ على بلدٍ من البلدان على المُجتمع مثلاً، وجيء بِهِ من أُناس قد يكُون عندهم شيء من البدعة، أو شيء من التَّساهل في أمر الاحتياط للدِّين وللنُّصُوص وما أشبه ذلك، فمشابهتُهُم من هذهِ الحيثيَّة بعضُهُم يتوقَّف في الدعوة في مثل هذه الأماكن، وفي إلقاء العلم وما أشبه ذلك، وعلى كل حال المسألة اجتهادية، فمن توقَّف فلا يُلام لهُ حظٌّ من النَّظر، ومن غشى هذه الأماكن حرصاً على الدعوة، وحِرْصاً على تبليغ العلم، نسأل الله -جلَّ وعلا- على ألاَّ يحرمه أجر ما أراد، فاللهُ المُستعان، وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمهُ الله تعالى- يَغْشَى هذهِ الأماكن، ولهُ هَدِي، ويُلقي فيها محاضرات، وأي مكان يُدْعَى إليهِ يَسْتَجِيبْ، -رحمهُ الله رحمةً واسِعة-، وهناك من شيوخنا من أهل التَّحري منْ لا يَغْشَى هذهِ الأماكن، وكُلٌّ لهُ اجْتِهادُهُ، وكون الأمة يُوجدُ فيها أمثال هؤُلاء وأمثال هؤُلاء أنا أعتبرُهُ من نِعَم الله -جلَّ وعلا-، يُوجد أُناس أهل تحرِّي وتَثَبُّتْ ولا يَسْتَجِيبُون لكلِّ ما يُدْعَونْ إليهِ؛ بحُجَّة الاحتياط والحِفاظ على السُّنَّة هذا خير وللهِ الحمد، ويُوجد من يُبلِّغ هذا الدِّين على أعلى مُسْتَوى أيضاً المُستويات تقوم بهِ الحُجَّة أيضاً هذا خير، أيضاً تبليغ العلم من خلال القنوات مثلاً، أو الإذاعات التِّي فيها خليط من الحلال والحرام! والقنوات التِّي فيها مزيج ممَّا يجوز ومِمَّا لا يجُوز، هذه أيضاً تتجاذب فيها وُجهات النَّظر،(1/1)
فبعضُ أهلِ التَّحرِّي يقول: أبداً إنَّ ما عند الله لا يُنال بسخطِهِ، أنا أبحث عمَّا عند الله -جلَّ وعلا- من ثوابِهِ وأجرِهِ من أجلِ تبليغ العلم وإفادةِ النَّاس، وأُبلِّغ من خلال هذهِ القنوات التِّي فيها ما فيها، وبعضهم يقول: لا - أنا أُبلِّغ هذا العلم لأُناس لا يأتُون إلى المساجد، ولا يسمعون إلى وسائل التَّبليغ المُباحة، ولا يحضُرُون الدُّرُوس، ولا يدرُسُون العلم الشَّرعي، فأنا أُبلِّغُهُم من هذهِ الطَّريقة، هذهِ أيضاً وُجهة نظر، وإنْ كُنت أنا مع وجهة النَّظر الأُولى، أنا لا أغشى هذهِ الأماكن، ولا أُبلِّغ في غير ما كان عليهِ سلفُ هذهِ الأُمَّة، ويُوجد أيضاً من يجتهد اجتهاد آخر، واللهُ -جلَّ وعلا- يعذرهم على قدر نِيَّاتِهِم، والأُمُور بمقاصدها.(1/2)
كَيفَ تَختَصِر الكُتُب؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الاختصار باب من أبواب التحصيل؛ اختصار الكتب باب من أبواب التحصيل، ولذا نوصي الطلاب بأن يختصروا كيف تختصر؟! أنت الآن تحفظ من الألفية المقرر يعني تقديراً أن يحفظ في هذه الدورة في كل درس عشرة أبيات عشرة أبيات، تأتي مثلاً إلى شرح المؤلف، شرح المؤلف مختصر شرح زكريا الأنصاري مختصر تأتي للسخاوي تقرأ كلام السخاوي مع قراءة شرح المؤلف وزكريا تختصر شرح السخاوي علشان إيش؟! علشان يرسخ المختصر في ذهنك تشارك مشاركة عن ثقة إذا عملت بهذه الطريقة، قد يقول قائل مثلاً والله أنا أتمنى أن أحصّل في علم الأصول وقرأت الورقات وشروح الورقات وسمعت ما سجل عليها؛ لكن أنا أحتاج إلى كتب أرفع من هذا الكتاب، نقول عليك بكتاب مختصر الروضة مثلاً أو مختصر التحرير، يقول هذه كتب صعبة! والآن ما يوجد من يدرِّسها أنت الآن عندك أرضية لفهم الأصول بحفظ الورقات، وقراءة شروح الورقات، وسماع الأشرطة على الورقات، وقد تكون حضرت دروس في الورقات ماذا تفعل؟! شرح مختصر التحرير أربعة مجلدات بإمكانك أن تختصره بربع حجمه! بمجلد واحد، وشرح مختصر الروضة ثلاثة مجلدات كبار بإمكانك أن تختصره في مجلد واحد! تقرأ كلام الشارح تقرأ كلام الشارح، والشارح هو المصنف نفسه مصنف المختصر، وهو أعرف الناس بشرحه وأدراهم بما يحتويه هذا المصنف، تأتي إلى هذا الكتاب، وتقرأ المتن، تحاول تفهم المتن، وتشرح المتن من تلقاء نفسك، ثم تقرأ ما كتبه المؤلف في شرحه عليه بعد أن أمعنت النظر في كلام المتن، تقرأ هذا الشرح وهو مطول، وفيه عسر، يعني لا ننكر أن فيه عسر؛ لأن الأصول فيه شيء من العسر؛ لكن الطالب إذا فهم قواعد هذا العلم، وطَبَّق عليه من خلال ما يمر به من مسائل تفصيلية، وتفريعية، وتوجد في الكتب وفي الدروس يطبق، وإذا انفتح له هذا الباب ارتاح له راحة تامة، إذا قرأت المتن هذا السطر من كلام المؤلف ثم راجعت عليه الشرح(1/1)
كررته مرة ومرتين صغته بأسلوبك، يعني بدل ما شرح هذا السطر ثلاث صفحات أربع صفحات تجعله في صفحة واحدة بأسلوبك أنت، إذا أشكل عليك تسأل العلماء متوافرون، فيه كلام يعني مرتبط بعلم الكلام والمنطق ودخيل على العلم الشرعي هذا استبعده الكلام الذي لا تفهمه استبعده، دعه خله مرحلة ثانية تسأل عنه أو تقرأه على عالم؛ لكن إذا انتهيت يكون لديك قابلية لفهم هذا العلم، وقل مثل هذا في جميع العلوم عندك تفسير ابن كثير مثلاً تفسير ابن كثير في أربعة مجلدات أسفار كبار، يعني لو فُردت وقد فُرِدَت في بعض الطبعات في خمسة عشر مجلداً، بإمكانك أن تقرأ الآية، تقرأ كلام الحافظ ابن كثير، تختصر كلام الحافظ -رحمه الله- الرِّوايات المُكَرَّرة تحذفها، الأسانيد التي يُكَرِّرها الحافظ ابن كثير تختصرها، وتختصر الكتاب في ربع حجمه! وقد حصل لا أقول تصنع هذا لنَفعِ النَّاس والنَّشر والتَّألِيف، وأنا أصدرت عشرين كتاب ثلاثين كتاب وبعض الشباب صدر للمؤلف يذكر أربعين كتاب! والآن تحت الطبع مثلها! وقيد التحقيق! وقيد التأليف مثلها! هذا لا، هذا تَعَجُّل للثَّمرة هذا يندم في الغالب! أنا أقول طريقة الاختصار وسيلة من وسائل التَّحصيل، وما المانع أنك في سفر مثلاً مسافر ومعك شرح لكتاب وليكن مثل ما ذكرنا تفسير ابن كثير! أو تفسير القرطبي أو أي تفسير من التفاسير الذي تفهمه من كلام المؤلف تُعَلِّقُه على الآية! وإذا انتهيت يكون عندك تَصَوُّر تام لهذا الكتاب، فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، وأتصور أن الحافظ ابن حجر فعل ذلك في مَبدَأ الطَّلَب بعد أن صارت لديه أهليَّة لنوع من أنواع التَّأليف الذي هو الاختصار، الاختصار أمره سهل ما هو بمثل الابتِكَار والتَّجدِيد والتَّحرِير، لا الاختِصَار أَمرُهُ سَهَل، يعني كلام عِندك تَحذِف منهُ ما تَشَاء، وتُبقِي ما تشَاء ما هو مثل الابتكار إللي من عندك تُنشِئ كلام؛ هذا ما تَستطيع إلَّا إذا تَأَهَّلت، ابن(1/2)
حجر حينما ألَّف الإصابة مثلاً، أو أَلَّف تَهذِيب التَّهذِيب، أو أَلَّفَ كذا؛ هذِه لَا شَكَّ أنَّهُ هُو المُستَفِيد الأوَّل من أين تَكَوَّنَت لَهُ المَادَّة التي من أَجلِها أطبق أَهلُ العِلم على تَسمِيَتَهِ بالحافظ إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَة! من وسائل التحصيل عندهم جمع وتفريق! كيف جمع؟ أنت بإمكانك وأنت طالب علم تَعَدِّيت مَرحَلَة المُبتَدِئِين والمُتَوَسِّطِين، وقَرَأتَ مَا يُؤَهِّلُكَ لِفَهم ما يحتاج إليه في خِدمة السُّنَّة، مثلاً أنت عندك مرحلة الجمع عندك البخاري مسلم أبو داود الترمذي النسائي ابن ماجه الكتب الستة تريد أن تجعلها في كتاب واحد، بدلاً من أن تكون في ستة كتب، والباب الواحد الموجود فيه حديث في البخاري تجد آخر عند مسلم بنفس المعنى، ثالث عند أبي داود، خامس كذا إلى آخره، تُريد أن تجعل هذه الأحاديث تقول والله أنا عندي جامع الأصول مريحني! يكفي أن تقول عندي جامع الأصول ما يكفي؟! ما يكفي، لو أنت صنعت مثل جامع الأصول ما انتهيت من الكتب الستة إلا وأنت في مصافِّ أهل العلم، والمسألة ما تكلفك شيء، كل شيء مخدُوم بالأرقام والإحالات والحمد الله، الأمر يسير، يعني يأخذ منك وقت الكتب الستة تأخذ منك خمس سنوات ست سنوات؛ وليكن ثم ماذا؟! العُمر إذا أنفق على مثل هذه الأعمال هذا العُمر الحقيقي للإنسان! فمثل ما نقول في الاختصار أيضا مسألة الجمع وضَمّ الكتب بعضها إلى بعض فَرد الكتب، تأتي مثلاً لتحفة الأشراف، وكثير من الناس ما يدري كيف يَلِج إلى هذا العلم! وده يحفظ الدنيا كلها في وقت واحد؛ لكن ما يتيسر! تأتي مثلاً لتحفة الأشراف تنظر في الحديث الأول حديث الأبيض بن حمال مثلاً مخرّج عند فلان وفلان وفلان تأتي إلى إسناده عند فلان ومتنه عند فلان وتقارن بين هذا الإسناد وذاك الإسناد وصيغ الأداء وما قيل في رجاله ومتونه وكيف روي بهذا المعنى وكيف روي بهذا اللفظ؛ يَتَكَوَّن لديك مَلَكَة وحَصِيلَة(1/3)
عِلمِيَّة، المَقصُود أنك تمسك الطريق، ما هو المقصود أنَّ هذا الطَّريق طويل! خله طويل؛ ولكن هذه وسيلة من وسائل تحصيل العلم؛ لأنه كثير من الناس يضيع وقته ما يدري وش يسوي! وقد لا تُسعِفُهُ الحافظة أن يحفظ ألوف مؤلفة من الأحاديث؛ لكن إذا فعل بالكتب الستة أو بغيرها من الكتب بهذه الطريقة، وهذه الطريقة شرحناها في مناسبات كثيرة، وبإمكانكم الاطلاع عليها، يعني إذا انتهى منها وإن كان ضعيف الحافظة؛ لا شك أنه سوف يخرج بنتيجة، وحصيلة مرضية تُؤَهِّلُه؛ لأن يشارك في بحث المسائل العلمية وفي التأهل لدراستها والاجتهاد فيها.(1/4)
كيف يصل المؤمن للقلب السليم؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ما هو القلب السَّليم؟ وكيف يصلُ المُؤمن إلى أن يكون قلبُهُ سليماً؛ كي يكون مِمَّن نجا يوم القيامة؟
يعني: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88-89) سورة الشعراء] يعني قلب سليم خالص من الغل والحقد والحسد وشوائب البدع والشهوات والشُّبهات، فضلاً عن الشرك بأقسامه، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/1)
تَفَقَّدْ حَالَ قَلْبِك أكثر من بَدَنِكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فعلى المُسلم أن يعُنى بإصلاح قلبِهِ، أن يكون هَمُّهُ بإصلاح قَلْبِهِ أكثر منْ هَمِّهِ بإصلاحِ بَدَنِهِ، وصلاحُ القلب لا بُدَّ أن يكون الاهتمامُ به أكثر من الاهتمام بصلاحِ العمل، وللقلبِ آفات، أَوْصَلَها بعضهم إلى نحو من الأربعين! فعلى الإنسان أنْ يعرِفها، وأنْ يعرف كيف يُعالج قلبه منها؛ ليبرأ منها و مِنْ تَبِعَاتِها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء] فَسَلَامةُ القلب هي مَحَطُّ النَّجَاة، وهي السَّبب في نجاة الإنسان يوم لا يَنْفَعُهُ مالهُ ولا بَنُوهُ.(1/1)
من لم يستطع المثول بين يدي العالم ... فماذا يفعل؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: من لا يتمكن من المُثُول بين يدي عالم للقراءة عليه؛ بسبب ظروف عمل وظروف صحيَّة وهو شغوفٌ بالعلم فماذا يعمل؛ ليتمكَّن من نيل العلم الموثوق، أفتونا مأجورين؟
أوَّلاً: عليه أن يقتني الكتب سواءً كانت من المتون أو من الشروح، فيحفظ المتن، ويقرأ الشَّرح، ويُتابع الدروس من خلال الأشرطة، ومن خلال الآلات الحديثة التي تُبث فيها هذه الدروس، وعنده الهاتف إذا أشكل عليه شيء يسألُ عنه، فالأمور مُتيسِّرة -ولله الحمد-، مع أنَّهُ لا يكفي من المُثُول بين يديّ الشيوخ، والجثي بين أيديهم كما هو معلوم عند القُدرة على ذلك.(1/1)
كَيْفَ يكُونُ إِصْلَاح السَّرِيرَة؟
الشيخ / عبد الكريم الخضير
كيف يكون إصلاح السَّريرة وإخلاصُ الأعمال فقد ابتُلينا بقسوة القلوب، فنرجو منكم كلمة تُروي بها غليلنا، وتحيي بها قلوبنا؟
لا أنْفَع للإنْسَان المُسْلِم وطالبِ العلم على وَجهِ الخُصُوص من قراءة القرآن على الوَجه المَأْمُور بِهِ، والإكثار مِنْ ذِكْرِ الله، والإكْثَار من نَوَافِل العِبَادة، وأدَائِها على الوَجه الشَّرعيّ الذي تَتَرَتَّبُ عليه آثَارُهُ.(1/1)
الطَّريقة الصَّحيحة لدراسة المُتُون
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: ما هي الطَّريقة الصحيحة لطالب العلم في دراسة المتون؟ هل يدرس المتن على شرح واحد أم يتوسَّع في الشُّرُوحات؟ وما هو الحد الأقصى من الشُّرُوحات للمتن الواحد؛ حتَّى يَسْتَوعبَهُ فَهماً، مع العلم أنَّني طالب مُبتدئ؟
طالب مُبتدئ، أوَّلا: تقرأ من المتون ما قُرِّر للطُّلاب المُبتدئين، المُتُون الصَّغيرة، وتقرأ عليها الشروح المُبَسَّطة المُيَسَّرة، وتسمع عليها التسجيل للشُّرُوح المُختصرة، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ما بعدها، وما يُشكل عليك تسأل عنهُ، وتحضر الدروس في هذه المتون إلى أنْ تُنْهِي كُتُب المرحلة الأولى التِّي هي طبقة المبتدئين إلى المرحلة التِّي تليها المُتوسِّطين، فتتوسع قليلا، أما كوننا نقتصر على شرح واحد أو أكثر من شرح فهذا الذي يُحدِّدُهُ الحاجة، قد يكون هذا المتن لهُ شرح وافي لا نحتاج معهُ إلى غيرِهِ، وقد يكونُ هذا المتن لهُ شُرُوح يُكمِّلُ بعضهُا بعضاً، فلا يقول قائل: إنَّ شرح النَّووي على مُسلم مثل فتح الباري مثلاً! يعني طالب العلم إذا اكتفى بالنِّسبة للبُخاري بفتح الباري، نقول: فيهِ غُنْيَة وإنْ كانت الشُّرُوح الأخرى فيها فوائد؛ لكنْ كيف يكتفي طالب العلم بشرح النووي على مُسلم وفيهِ إعواز كبير؟ ولذلك أُلِّفَت السِّلسلة المُكَمِّل بعضُها لبعض بالنِّسبة لمُسلم فهناك المُعلم وهناك إكمالُ المُعلم، وإكمال الإكمال، ومُكَمِّلُ إكمال الإكمال مع النووي، مع النووي، مع القُرطبي، إذا اجتمعت هذه الكتب كلها ما تُعادِل فتح الباري، فنحنُ بالنِّسبة إلى صحيح مُسلم بحاجة إلى أنْ نُراجع هذهِ الشُّرُوح كلها، وبالنِّسبة للبُخاري إذا اقْتَصَرْنا على فتح الباري فيه كفاية؛ لأنَّهُ فيه مادَّة كبيرة، وإنْ أضفنا إليهِ عمدة القاري، وإرشادُ السَّاري ، فضلاً عن شرح الإمام الحافظ ابن رجب -رحمهُ الله تعالى-.(1/1)
ما يُؤخذ بسهولة يُفقد بسهولة
الشيخ / عبد الكريم الخضير
فصار طالب العلم إذا احتاج إلى أي معلومة في فن من الفنون بعد هذه الحواسب ما عليه إلا أن يضغط زر، يصل بواسطته إلى ما يريد بأسرع وقت، وهذا أيضاً على حساب التحصيل العلمي؛ لأن العلم متين لا يستطاع براحة الجسم كما قال يحي بن أبي كثير، يحي بن أبي كثير كما ذكر الإمام مسلم في صحيحه في أثناء أحاديث المواقيت قال يحي بن أبي كثير: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لو كان العلم يستطاع براحة الجسم ما أدرك الفقراء شيء، صار الناس كلهم علماء، العلم لا يخفى ما ورد فيه من النصوص في الحث عليه، وبيان منزلة أهل العلم، ورفعهم درجات، كان كل الناس علماء لو كان العلم يستطاع براحة الجسم؛ لكن لا بد من معاناة، لا بد من سهر، لا بد من عكوف على الكتب، لا بد من مزاحمة الشيوخ والزملاء.
الآن يحتاج إلى بحث مسألة في كتاب فيقلب هذا الكتاب فيقف على عشرات المسائل كثير منها أهم من مسألته التي يبحث عنها؛ لكن يضغط زر يطلب مسألة تخرج المسألة من أولها إلى آخرها بمصادرها ثم ماذا؟ هل يحفظها طالب العلم بهذه الطريقة؟ لا يمكن؛ لأن الشيء الذي يأتي بسهولة لا يمكن أن يستوعب بسهولة أو يحفظ بسهولة، بل يفقد بسهولة؛ يحي بن أبي كثير لما قال: "لا يستطاع العلم براحة الجسم" لا شك أنه من خلال معاصرة ومعايشة للعلم، ولما رأى عليه شيوخه وزملاءه وأقرانه من معاناة، تصور قبل وجود هذه النعم من الكهرباء وغيرها التي لا يختلف الليل على النهار بالنسبة للضوء -والله المستعان-، كانوا يكتبون على ضوء القمر، بهذا حصلوا العلم، ونحن نريد بحاسب واحد والشخص متلفلف بغطائه على فراشه يربط حاسبه ويتعلم! أو جالس في ملحق أو في استراحة مع زملاء يتبادلون الأحاديث وأطراف الأحاديث وعندهم أنهم يطلبون العلم! فالعلم لا بد له من معاناة.(1/1)
يحي بن أبي كثير نعود إلى كلمته لأنها نفيسة، وجعلها الإمام مسلم بين أحاديث المواقيت -مواقيت الصلاة- علشان إيش؟ هذا مناسبته أعجز الشراح أن يوجدوا مناسبة لكلام يحي بن أبي كثير الذي أودعه مسلم هنا، الإمام مسلم أعجبه سياق هذه الأحاديث، المتون والأسانيد بهذه الطريقة، وأراد أن ينبه أنه لا يمكن أن يصل الإنسان إلى مثل هذه العلوم بهذه الطريقة بهذا السبك العجيب براحة الجسم، فأتى بهذا من شعور أو من لا شعور، نعم هذه الوسائل نعمة إن استفيد منها واستعين بها على الوجه المناسب، ولم يعتمد عليها وإلا فهي عائق عن التحصيل.
من وجوه الانتفاع بهذه الحواسب إذا ضاق الوقت على خطيب أو محاضر وأراد أن يتثبت من حديث أو أثر أو نقل أو غير ذلك بحيث لا يستطيع الرجوع إليه لضيق الوقت، نعم له ذلك، استفاد منه، كذلك من أراد اختبار العمل، من أراد اختبار عمله بحث هذه المسألة من جميع ما وقف عليه من كتب، وجميع ما قيل فيها، وإن كان حديث جمع جميع ما وقف عليه -ما أمكنه- من الطرق، ثم أراد أن يختبر نفسه هل هناك زيادة؟ فهذه الزيادة التي يأخذها من هذا الحاسب تقع في قلبه موقع بحيث تثبت، مثل ما لو بحثها في كتاب، أما أن تكون هذه الآلات وسائل للتحصيل ابتداء عوضاً عن القراءة والمطالعة والحفظ، وحضور الدروس، ومجالس العلم فلا.(1/2)
أمرٌ يحتاجه كثير من طلاب العلم !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئاً ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بوجهٍ طلق))، يعني تلقى أخاك بوجهٍ سَهْلٍ مُنْبَسِطْ، وهذا مع الأسف كثير من طلاب العلم يحتاج إليه، بعض العامة قد يُكشِّر في وجهِ من يعمل عمله منْ أُمور الدُّنيا، أو يُنافِسُهُ في شيء من أُمور الدُّنيا؛ لكن ما عُذْرُ طالب العلم إذا كَشَّر في وجهِ أخيهِ؟! والرَّسُولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: ((لا تحقرنَّ من المعروفِ شيئاً ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بوجهٍ طلق)) سهل، منبسط، مُبتسم، تَبَشّ في وجهِهِ، تُدخل السُّرُور إلى قَلْبِهِ؛ أما أنْ تلقاهُ بوجه مُكَشِّر، مُقطِّب؛ هذا لا شكَّ أنَّهُ ليسَ من المعروف، وإذا لم يَكُنْ من المعروف؛ فيكون حينئذ من إيش؟ من المنكر نسأل الله السَّلامة والعافية، من المُنْكَر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبدِهِ ورسُولِهِ نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبِهِ أجمعين.(1/1)
مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم
الشيخ / عبد الكريم الخضير
مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم، وفي نقل عن سفيان بن عيينة بمناسبة المفاتيح وقفت عليه، يقول سفيان: أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر، علم بدون عمل؛ كشجر بلا ثمر، ما فائدة نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة، ما الفائدة منها؟! أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بدون عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، إذا تعلم، استمع، فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟! ((أو علم ينتفع به))، ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:.... أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد وأجر زيد مع أجورهم مثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم، وننشر، ونعلم، ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة والعافية-.(1/1)
فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير ((والدال على الخير كفاعله)) والنشر يكون بالتعليم، والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه ومن محفوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة؛ و إلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه، وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم -ما شاء الله- مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي! فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم، فالتعلم لا حد له "تفقهوا قبل أن تَسودوا" أو "تُسوّدوا" قال أبو عبد الله البخاري: "وبعد أن تُسوّدوا"؛ لأنكم إذا تسودتم وقفتم على حد نسيتم ذلك.(1/2)
مَنْهَجْ لِتَدَبُّرْ القُرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كيف يكون المَنْهَجْ لِتَدَبُّرْ القُرآن؟
المنهج تبدأ بقراءة القرآن آية آيَة، ثُمَّ ترجع إلى هذهِ الآية كلمة كَلِمة، وما يُشْكِل عليكَ معناهُ من الألفاظ تبحث عنهُ في كتب التَّفاسير الموثُوقة، أو في كُتب غريب القرآن؛ لأنَّها أخصر وتصل إليها بسُهُولة، وهُناك كتاب في غريب القرآن لطيف الحجم، كبير القدر عند أهل العلم، اسمُهُ غريب القرآن أو نُزهة القلوب في غريب القرآن لابن عُزيْز السجستاني، وغريب القرآن لابن قتيبة وغيره كتب كثيرة في غريب القرآن، فعليك أوَّلاً أنْ تُحلِّل ما يُشْكِل عليكَ معناهُ تحليلاً لفظِيًّا؛ لتفهم المعنى، ثُمَّ بعد ذلك الآية كاملة تنظر في معانيها في كتب التَّفسير الموثُوقة.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب لطالب العلم
الشيخ / عبد الكريم الخضير
يقول: هلا وجهتم لأبنائكم الطلاب بعض آداب طالب العلم على وجه الإيجاز؟
أولاً: بالنسبة لآداب طالب العلم ينبغي لطالب العلم أن يخلص النية لله -جل وعلا-، وأن يكون طلبه لهذا العلم خالصاً لوجهه، مبتغياً به ثوابه، لا يبتغي بذلك عرض من أعراض الدنيا، ولا يطلب من ذلك الجاه والشرف عند الناس، أو حب المدح والثناء منهم؛ لأن هذا العلم دين، بل هو من أمور الآخرة المحضة، التي لا يجوز التشريك فيها، وجاء في الحديث الصحيح في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار عالم، عالم أفنى عمره بالعلم والتعليم، فيقال له: ماذا فعلت؟ قال: تعلمت وعلمت، فيقال له: كذبت إنما تعلمت وعلمت ليقال: عالم، فنكون على حذر من هذا.
الأمر الثاني: يحرص ويجتهد طالب العلم أن يأخذ العلم والمراد به العلم المورث للخشية، علم الكتاب والسنة على الطريقة المعرفة عند أهل العلم، وعلى جوادٍ مسلوكة، ويأخذه من أهله، أهل العلم والعمل، بالرفق واللين واحترام الآخرين، وعدم الكبر، وعدم الإعجاب بالنفس، وعدم احتقار الآخرين، والنصح لكل أحد.(1/1)
هَادِمْ اللَّذَّاتْ ومُفَرِّقْ الجَمَاعَاتْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((هاذم اللَّذات)) وجاء في بعض الألفاظ بالدَّال المُهملة هادم، وجاء في بعضها هازم، والفرق بين هذه الألفاظ أنَّ الهاذم هو القاطع، والهادم هو المُزيل كالذي يهدم البناء، والهازم هو الغالب، وإذا نَظَرْنا إلى الموت وجدنا فيهِ هذهِ الألفاظ كلها، فهو يقطع اللَّذات، والمُراد باللَّذات المحسُوسة من استمتاعٍ بمُتَعِ هذهِ الحياة، فَيَحُول بين المرءِ وبينها، فيقطعُهُ من الاستمتاع بالأكل والشُّرْبِ ومُعاشرة الأقرانْ، والنِّساء، وما أشْبَهَ ذلك، من مُتَعِ هذه الحياة الدُّنيا، على أنَّهُ قد ينقُلُ الإنْسَانْ إلى ما هو أشد مُتعةٍ ولذَّةٍ منها؛ لكنْ هذا بالنِّسبة لمُسْتَوى النَّاس كُلِّهِم الذي يشتركون فيه، في مُتَعِ هذهِ الحياة الدُّنيا؛ لكنْ من النَّاس من ينتقل إلى ما هو أفضل من حالِهِ وعَيْشِهِ، ومنهم من ينتقل إلى حالٍ سيِّئة نسأل الله السَّلامة والعافية، فهو قاطع وحائل بينَهُ وبين لذَّاتِهِ، وهو أيضاً هادم مثل ما يُهْدَم البِنَاء ويتحطَّم فهو مُزيل لهذهِ النِّعم، سواءً كانت حقيقتُهُ أو ذكرُهُ عند من أحيا الله قلبَهُ، هو مُزيل لهذا التَّلذُّذ بهذهِ النِّعم واللَّذَّاتْ، وهو أيضاً غالبٌ لها، ولذا يتقزَّز كثير من النَّاس من ذِكْرِ الموت أثناء الطَّعام! ويُنْكِر على من يذكر الموت في أوقات الفرح مثلا، في الأعياد، وفي الأفراح، في الأعراس، وفي غيرها، وأثناء الأكل والشُّرب، يُنْكِر من يقولها، النَّاس جاؤوا يَنْبَسِطُوا، يفرحوا، ويتلَّذُذون بحياتهم؛ لكنْ أولى ما يُذْكَر فيهِ الموت في هذهِ المواطن، مع أنَّهُ ينبغي أنْ يكون على لسان المُسْلِم؛ امتثالاً لهذا الحديث، وللمصلحة المُترتِّبة على ذِكْرِهِ؛ لأنَّ الإنسان الذِّي يُكْثر منْ ذِكْرِ الموت، الموت لا يُذْكَرْ في كثير إلا قَلَّلَهُ، ولا في قليل إلاَّ كَثَّره، إذا كانت عندك(1/1)
الأموال الطَّائلة إذا ذَكَرْتَ الموت؛ أمِنْتَ من الطُّغْيَان؛ لأنَّكَ رأيت أنَّكَ اسْتَغْنَيْتْ، فإذا عَرَفْتْ أنَّ ورائك موت؛ تأْمَنْ من هذهِ الآفة، وإذا كُنْتَ فَقِيراً لا تجدُ ما يكفيك؛ تكاد نفسُكَ تتقطَّع حسرات إذا رَأْيْت ما عند النَّاس من أموال ذكرت الموت؛ فهان عليك كل شيء!! هذا الأمر على المُسلم أنْ يمتثِله... لماذا؟ لئلاَّ يسترسل في اتِّباعِ شَهَواتِهِ ومَلَذَّاتِهِ، وينسَى ما أمامَهُ من أهوال، فإذا اسْتَحْضَر ذكر الموت؛ ارتاح ضميرُهُ، وعَمِلَ لما بعد الموت، لا يُذْكَرُ في كثيرٍ إلاَّ قَلَّلَهُ، ولا في قليلٍ إلاَّ كَثَّرَهُ، وجاء في بعضِ الألفاظ لهذا الحديث بعد الأمر بذكرهِ - أنَّ من أكثرَ ذِكْرَهُ؛ أحيا الله قلبَهُ - من أكثر ذكر الموت؛ أحيا الله قلبَهُ ومعناهُ صحيح، إذا تَصَوَّرت ما أمامك؛ عَمِلْتْ، وإذا نَسِيتْ ما أمامك؛ أهْمَلْتْ وغَفَلْت، فلا شكَّ أنَّ هذا الأمر على كُلِّ مُسلم أنْ يَمْتَثِله؛ لا سِيَّما من يَنْتَسِب إلى العلم وطَلَبِهِ، تَجِد النَّاس، ويُوجد هذا في مجالس طُلَّاب العلم أيضاً يَكْثُرُ فيها الهَزل، يكثُرُ فيها الضَّحك، ويَكْثُرُ فيها القِيل والقال؛ لكنْ لو ذُكِر الموت، الموت شبح أمام النَّاس كُلَّهم، مُخِيف؛ يَقِفُونَ عندَ حَدِّهم، واللهُ المُستعان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ما أنضم شيء إلى شيء أفضل وأحسن من حلم إلى علم؛ لأن العلم دون حلم يصاحبه ما يصاحبه من شطط ويصاحبه من عنف، فالعلم بمفرده نعم العلم الشرعي قال الله وقال رسوله يربي الناس؛ لكن يبقى أيضاً أن الإنسان إذا طبع وجبل على ما يحبه الله ورسوله وهو الحلم كان نوراً على نور، وازدان بذلك، وزان علمه، وانضم الحلم إلى علمه، فصار نوراً على نور، يبقى أنه إذا جبل على سوء الخلق مثلاً عليه أن يتحلَّم ويحاول أن يقهر نفسه على الحلم، ويرفق ويتأَّدب بالآداب الشرعية، ولا يلبث -إن شاء الله تعالى- أن يكون سَجِيَّةً له؛ لكن لو حصل له في يوم من الأيام أنه غفل عن هذا التحلُّم ثم حصل منه ما يُنتقد به يعود إلى رشده، ويندم على ما فات، وينتهي أثره.
فالحلم لا شك أنه غريزة، والله -سبحانه وتعالى- جبل بعض خلقه على هذا الخلق العظيم؛ لكن بعض الناس ما عنده هذا الخلق، جبل على غيره؛ لكن إذا تحلَّم الحلم بالتحلُّم، كما أن العلم بالتعلم، فإذا وُجد حلم بدون علم صار نقصاً، وإذا وجد علم بدون حلم لا شك أنه نقص، وإذا انضم الأمران معاً صار نوراً على نور، واكتملت الحياة، الحياة الطيبة.(1/1)
أَسْبَابُ السَّعادة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الذي يجعل الإنسان سعيداً وأسبابُ السعادة هي؛ بل من أعظمها، أسبابُ السعادة بالنسبة لهذه الحياة الدنيا في الإيمان بالله -جل وعلا-، وبتحقيق توحيده، ونفي الشرك بجميع صوره وأشكاله الظاهر منه والخفي هذه هي أسباب السعادة مع العمل الصالح، وهذه الحياة الطيبة إنما تكون بذلك، والضيق والحسرة التي تمر بالإنسان إنما هي من وساوس الشيطان؛ ليُزيِّن له الأعمال القبيحة، ويذكر واحد من الإخوان أنَّهُ سافر إلى بلد لا يعرفه فيها أحد ولا يعرف أحداً، فقال: إنه فِي هذهِ الوحدة ولا يوجد من يُؤنسهُ ويقول: إنِّ بعض الناس قال له إنَّ الدخان يوسِّع الصدر، يقولُ: فاشتريتهُ فوضعتهُ في فمي ما أدري إيش يسمُونَهُ المُهم أنَّهُ زاولهُ يقول من أول شفطه أُصبتُ بكحةٍ دائمة وشرق بذلك وسجّرهُ في دورة المياه، فالشيطان لا شك أنه يُوسوس للناس ويُلَبِّس عليهم، وتسمعون كلام بعض الشباب يقولون: نبي نستأنس، والأُنس كله في طاعة الله، ولا أعظم من لذَّة المناجاة إذا حصلت للإنسان، فالأنس كله في طاعة الله -جل وعلا- وأما من لم يرد الله له الهداية فكأنما ترك كما قال الله -جل وعلا-: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام/125] وهذه الآية فيها العجب حيث أثبتت التجربة أن كلما ارتفع الإنسان عن مستوى سطح الأرض يضيق معه الصدر؛ ولذلك يُوصي الأطباء من كان في قلبه شيء من المرض الحسِّي أنْ لا يقصد الأماكن المُرتفعة، أن لا يقصد الأماكن المرتفعة، على كل حال ضيق الصدر سببه وسواس من الشيطان، والبُعد عن الله -جل وعلا- وعن ذكر الله، وعن تلاوة كتابه على الوجه المأمور به، فإذا حصل لك مثل هذا الضيق قم وتوضأ وأحسن الوضوء وصلِّ ركعتين واقرأ في كتاب الله ما تيسر لك ويزول إن شاء الله تعالى.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني هل الفرار إلى الله -جل وعلا- بأن نركب المراكب الفضائية لنحلق بها إلى ما فوق العرش، نفر إليه بأبداننا إليه -جل وعلا-؟ أو نفر مما يبعدنا منه إلى ما يقربنا إليه؟ لأن التقريب هو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأقرب للإنسان من عنق راحلته؛ لكن القرب ثابت لله -جل وعلا- لكن قربنا إليه؟ قربه إلينا ثابت بالنصوص، لكن قربنا إليه بما يقربنا إليه من فعل أوامره، واجتناب نواهيه، و((أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)) ففروا إلى الله: فروا إلى ما يقربكم إليه، فعلى الإنسان أن يفر إلى الله -جل وعلا-، إذا جلس معه أناس وطال بهم المجلس وهناك مكان يمكن أن يختفي به عن هؤلاء، وراغ عنهم بخفية، وانسل إلى هذا المكان، وجلس يذكر الله، ويقرأ القرآن، بحيث لا يلفت أنظارهم إليه، أو يصلي ركعتين ثم رجع إليهم، وكأن شيئاً لم يكن هذا فرار إلى الله.
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [(50) سورة الذاريات] وأمثال ذلك كثيرة، يعني أقل ما يكون فرار القلب إلى الله -جل وعلا-، وكم من إنسان يخالط الناس من خواص المسلمين من عُبَّادهم، من علمائهم، من فُضَلَائِهِم تجده يُخالط الناس ببدنه وقلبه مُعلق بالله -جل وعلا-، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(50) سورة الذاريات]...(1/1)
الوعيد لمن حفظ القرآن ثم نسي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جاء الوعيد بالنسبة لمن حفظ القرآن ثم نسيه، فعلى الإنسان أن يعنى بالمراجعة، والحفظ يتفلت، والقرآن على سبيل الخصوص ((أشد تفلتاً -وفي رواية- تفصياً من الإبل في عقلها)) فهذا ابتلاء للحافظ أنه إذا هجر نسي، فلا بد من المراجعة، ويجعل الإنسان له حزب يومي لا يخل به، ويجتمع له المراجعة والتلاوة والتدبر أيضاً في آنٍ واحد، وأنا أكرر على إخوان أن جلوس طالب العلم على سبيل الخصوص من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس هذا الوقت يكفيه للقرآن، حفظ ومراجعة وتلاوة، وتدبر ومراجعة لما يشكل في بعض التفاسير الموثوقة، يعني إذا أنفق للقرآن ساعة، ساعة ونصف من أول النهار إلى أن تنتشر الشمس، نقول: هذا يكفيه، وإن كانت المراجعة بالليل أفضل، لا سيما آخر الليل؛ لكن كثيرٍ من الإخوان، وهذا شيء مشاهد لا شك أن التفريط يفوت على الإنسان مصالح كثيرة، والمخالفات التي قلّ أن يسلم منها لا شك أن الإنسان يقيد عن قيام الليل بسببها، والله المستعان، فإذا تيسر له أن يقوم من الليل ويقرأ حزبه، ويتدبر ويحفظ، ويراجع هذا أفضل بلا شك، لكن إذا لم يتيسر ذلك فالوقت الذي يلي هذا هو بعد صلاة الصبح إلى انتشار الشمس، وبقية الوقت يكون للعلوم الأخرى.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتابٌ عظيم لا تَنْقضِي عَجائِبُه
الشيخ / عبد الكريم الخضير
ابن القيم يقول: "أهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب-، وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه فليس من أهله وإن أقام حروفه إقامة السهم" هذا الموضوع يحتاج إلى بسط، يحتاج إلى وقفة طويلة، ويحتاج إلى مزيد من العناية؛ لأنه يلاحظ على كثير من طلاب العلم هجر القرآن، هجر القرآن، كثير من الإخوان نعم، قد تجده حافظ حرص في أول عمره على حفظ القرآن ثم ضمن الحفظ وترك القرآن يكفي هذا؟ لا يكفي، وتجد بعض الإخوان -مع الأسف الشديد- عوام المسلمين أفضل منه بالنسبة لكتاب الله، بعض الناس لا يفتح المصحف إلا إذا قُدر أنه حضر قبل الإقامة بدقائق بدل ما يضيِّع الوقت يقرأ القرآن، فالقرآن كأنه عنده فضلة على الفرغة، وبعض الناس من رمضان إلى رمضان؛ لكن الإنسان إذا التزم ورداً معيناً لا يفرط فيه سفراً ولا حضراً، وقد عرفنا من الناس وهو مسافر في طريقه من بلد إلى بلد إذا جاء وقت الورد على جنب، يقرأ حزبه إذا انتهى واصل سفره، الدنيا ملحوق عليها يا أخي، ما هناك أمر يفوت، المسألة أنفاس معدودة بتتوقف مثلما انتهت، وخير ما تصرف فيه الأعمار كتاب الله -جل وعلا-.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ
ج ... ج
كتاب عظيم لا تنقضي عجائبه، فيه حلول لجميع المشاكل، فيه عصمة من الفتن، والناس أحوج ما يكونون في هذه الظروف إلى الرجوع إلى كتاب الله -جل وعلا-.(1/1)
على كل حال بعض الناس يشق عليه جداً أن يرتل وتعود الهذ هذا يهذ ما في بأس؛ لكن على ألا يهمل التدبر، لا أقول: مع الهذ لأن هذا ما يصل إليه إلا بعد مراحل؛ لأنا عرفنا أناس يقرؤون القرآن في يوم ويبكون من قراءته، هؤلاء تجاوزوا مراحل، هذا الشخص اللي في البداية ويقول: الترتيل صعب عليه..؛ لأن بعض الناس إذا عرف النتيجة والمحصلة التي قرأها في هذا اليوم خمسة أجزاء، ستة، عشرة، نشط؛ لكن إذا رتل وتدبر في النهاية جزء هذا يكسل، نقول: هذا لا بأس هذّ، وحصل أجر الحروف، وخلي لك ختمت تدبر، ولو كانت في السنة مرة، اقرأ في هذا اليوم ورقة واحدة بالتدبر، وامش على طريقك.(1/2)
الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- ترجم لشخص يقرأ القرآن في ثلاث، ديدنه عمره كله، وله ختمة تدبر أمضى فيها عشرين سنة، وبقي عليه أقل من جزء من القرآن، توفي ولما يكملها، فلا هذا ولا ذاك، يعني المسألة تحصيل الحروف والنشاط لقراءة القرآن يحصل بالهذ بلا شك، لاسيما من تعود عليه، والتدبر يجعل له وقت ولو يقرأ في كل يوم ورقة واحدة بالترتيل والتدبر والتفكر والاستنباط، ويتفهم كلام الله، ويراجع على هذه الورقة ما يعينه على فهم كتاب الله -جل وعلا-، نعم في حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) حمله أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، وأما من استغل الأوقات الفاضلة، والأماكن الفاضلة في أوقات المضاعفات مثل هذا لا يتناوله مثل هذا الحديث، على أن الناس يتفاوتون في هذا، يعني إذا وجه هذا الكلام لعموم المسلمين نعم لعموم المسلمين لا يفقهون إذا قرؤوا، لكن شخص متفرغ لقراءة القرآن، يقول: أنا عندي استعداد أجلس بعد صلاة الصبح وأقرأ خمسة أجزاء، وأجلس بعد صلاة الظهر واقرأ خمسة، وأجلس بعد صلاة العصر وأقرأ خمسة نعم من غير مشقة بحيث يختم في يومين، نقول: لا يا أخي أنت خالفت الحديث لا تقرأ الظهر، اترك القراءة على شان تختم في ثلاثة أيام، هذا حل؟ هل هذا مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الحديث؟ نعم، نعم يحل المسألة لو قيل له: اقرأ القرآن، اقرأ بدل خمسة بعد صلاة الصبح ثلاثة، بس على الوجه المأمور به، بعد صلاة الظهر بدل خمسة اقرأ ثلاثة، أما أن يقال له: اترك القراءة في وقت من هذه الأوقات لتقرأ القرآن في ثلاث ما هو بهذا المراد قطعاً، نعم.(1/3)
أما الذي يستطيع أن يقرأ القرآن على الوجه المأمور به ويكون ديدنه، قراءة ترتيل وتدبر ولو قلت قراءته هذا أفضل، هذا أفضل واختيار أكثر أهل العلم؛ لكن بعض الناس ما يستطيع يقرأ بالترتيل، الذي تعود على الهذ ما يستطيع يقرأ بالترتيل، لا بأس يقرؤه في شهر، إيش المانع؟ يقرأ على الوجه المأمور به كل يوم جزء أنفع له بكثير، أنفع لقلبه؛ لأن هذه الطريقة هي المحصلة للإيمان واليقين كما قال شيخ الإسلام، وهذا هو الذي..، أُنزل القرآن من أجل هذا؛ لكن من فضل الله -جل وعلا- أنه رتّب الأجر على مجرد النطق بالحروف، إذا فاته طريقة أدرك طرائق -إن شاء الله تعالى-، وهو على خير على كل حال.(1/4)
حُبُّ الدُّنْيَا وطُولُ الأَمَلْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ذم طول الأمل، هل فيه مُخالفة مع النَّهي عن تمنِّي الموت؟ طول الأمل يعني النَّهي عن تمنِّي الموت، تمنِّي الموت تعجيل الموت، وطُول الأمل المَنْهِي عنهُ تأخير الموت، يعني دعاء الإنسان لنفسِهِ بطول العُمر يُقابل الدُّعاء بالموت وتمنِّي الموت؟ هل معنى مفهوم الحديث: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضُرٍّ نزل به)) أنْ يدعو بطول العُمر؟ أو يترك الأمر لله -جلَّ وعلا-، ويعمل ما أُمِر به، ولذا جاء النَّهي وذم طُول الأمل ((يشبُّ ابن آدم ويشبُّ منهُ خصلتان حب الدُّنيا وطُول الأمل))؛ بل جاء ما يدُلُّ على تقصير الأمل، فرقٌ بين أنْ يَسعى في تقصير عُمُرِهِ وبينَ أنْ يَعْمَل على مُقتضى قِصَر العُمر، وما يقتضيه قِصَر العُمر، ما يقتضيه قِصَر العُمر اغتنامُ الوقت، وما يقتضيه طُول الأمل التَّفريط في الأوقات، فنظراً لما يقتضيه الأمران استُحِبَّ هذا، وذُمَّ هذا، ولذا جاء في الحديث الصَّحيح: ((كُن في الدُّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وجاء ذم طُول الأمل: ((حُبُّ الدُّنيا وطُول الأمل))؛ لأنَّ تصوُّر الإنسان أنَّهُ غريب يَحْدُوهُ هذا إلى مُضاعفةِ جَهْدِهِ، يَجْتَهِد في أنْ يَكْسِب الحَسَنات، يبتعد عن السَّيِّئات، يحرص على أنْ يَمْلَأْ هذهِ الخزائن بما يَسُرُّهُ غداً يوم القيامة، هذا ما يَقْتَضِيهِ تقصير الأمل: ((كُن في الدُّنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ولذا قال ابن عمر راوي الحديث: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، وكُلٌّ لهُ أَثَرُهُ في واقع المُسلم، فالذِّي ينظُر إلى هذهِ الدُّنيا وأنَّها قصيرة، وأنَّهُ قد تَخْتَرِمُهُ المَنِيَّة اليوم أو غداً أو السَّاعة أو التِّي تَلِيها، لا شكَّ أنَّهُ يَغْتَنِمُ أنْفَاسَهُ، بِخِلَاف من يَمُدُّ في آمَالِهِ، نعم، الشَّخص الذِّي يَدْخُل السِّلك الوظيفي، وأمامَهُ من فُسْحَة العمل أربعين سنة(1/1)
ويُخَطِّط ماذا يَصْنَعْ بعد التَّقاعُد! يعني بعد السِّتِّين ماذا يصنع! يعني هذا عندهُ قِصْر الأمل ولاَّ طُول أمل؟ طُول أمل، يعني واقع النَّاس حتَّى صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُم، أنَّهُ دَعْهُ يَتَنَعَّم في هذهِ الدُّنيا، فإذا وَصِل إلى السِّتِّين والسَّبعين الْتَفَتْ؛ لكن ما الذِّي يَضْمَنْ لهُ أنَّهُ يَعِيشْ إلى السِّتِّينْ والسَّبعين؟! ((وقد أعْذَرَ اللهُ لامرئ بلَّغَهُ السِّتِّينْ)) والنَّاظم رحمهُ الله ابن عبد القوي يقول:
ومن سار نحو الدَّار سِتِّين حجة ... فقد حانَ منهُ الملتقى وكأن قدِ(1/2)
يعني وصل خلاص، بَلَّغَهُ السِّتِّينْ وش ينتظر بعد؟ ومن القصص الواقعيَّة أنَّ شخصاً بلغ السِّتِّين ولم يتزوج ولا يُصلِّي ذهب إليهِ قريب لهُ؛ لينصحه ويحثُّهُ على الصَّلاة، وسائر الطَّاعات وأنْ يتزوَّج، عَلَّهُ أنْ يُولَدْ لهُ ولد يذكُرُهُ إذا مات ويَدْعُو لهُ، وكان هذا الكلام في يوم الجُمعة، قال لهُ ذلك: يا فُلان ألَا تتزوَّج وتُنْجِب ولد يدعُو لك بعد موتك ويستمر عملك وتلتفت إلى ربِّك وتُصلِّي، وتُزَكِّي، عندهُ أموال وعنده ضياع؛ لكنَّهُ محرُوم نسأل الله السَّلامة والعافية، قال لهُ: أنا الآن عُمري ستِّين، تدري كم عُمر والدي يوم يموت تدري كم عُمرُهُ؟ قال مائة وعشرين، قال وعمِّي مائة وخمسة عشر، قال وخالي مائة وثلاثين، أنا من قومٍ أعمارُهُم طويلة، فقلتُ له: يا أخي لا علاقة لك بأبيكَ ولا عمِّك، هذهِ منايا، أنت تشوف الآن الحوادث حَصَادُها في الشَّباب أكثر من حصادِها في الشُّيُوخ، قال: ولو! فَأَيِسَ منهُ فرجع إلى بَلَدِهِ، وبَلَغَهُ خبر وفاتِهِ في الجُمعة التِّي تَلِيها! يا إخوان هذا الحاصل، في الجُمعة التِّي تَلِيها بَلَغَهُ خبر وفاتِهِ، فَعَلى الإنْسَانْ أنْ يَغْتَنِم هذهِ الأنْفَاسْ، ويَغْتَنِم هذهِ اللَّيَالي والَّأيَّام وأنْ تكون زَاداً لهُ ومركبة تُوصِلُهُ إلى ساحِل النَّجاة، فالدُّنيا تَمُوجُ بالفتن، ويُخْشَى على المُسْلِمْ أنْ يُفْتَن في دِينِهِ، وأنتُم تَرَوْن الآن حتَّى من يَنْتَسِب إلى العِلْم تَرَوْن واقِعَهُم، وفَتَاوَاهُم وبعض ما يَنْطِقُونَ به ويَتَفَوَّهُونَ بِهِ، وما يُكْتَبْ نسأل الله السَّلامة والعافية، فالقُلُوب بينَ أُصْبُعين من أصابع الرَّحمن، والذِّي يَضْمَنْ بإذنِ الله -جلَّ وعلا- حُسْن العاقِبَة الحِرْصْ على العمل بإخلاص، فمن عَمِلَ لغيرِ الله مُكِرَ بِهِ فَعَلى الإنسانِ أنْ يَعْمَل، وأنْ يكون عَمَلُهُ خالِصاً لِوَجْهِ الله.(1/3)
عُرُوض السِّرك؛ والمشي على الجمر!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يُلاحظ بعض الأُخوة كثرة، أو التَّساهل في أمور الشِّرك لاسِيَّما ما يَتَعلَّق بالسِّحر، وإنْ سُمِّي بغير اسمِهِ، من خلال وسائل الإعلام كالقنوات وغيرها، هذا خطرٌ عظيم، يعني هذا اللي يسمُّونه سِرْك، يَمْشِي على سلكٍ أدقّ من الشَّعر، يُسمُّونه احتراف سلك، أو احتراف سرك، هذا هو السِّحر بعينِهِ، أو يمشي على الجمر هذا هو السِّحر، وهذا التَّخييل وهذه الشعوذة، وإنْ سَمُّوها بغير اسمها! المُحترف فُلَان! ايش يعني مُحترف، إنْ كان يفعل في مقدُور البشر نعم، أما إذا كان فِعله غير داخل في إطار مقدُور البشر، فهذا هو السحر بعينه، اللهم إلا إذا كان مِمَّن تُخوِّلُ له أعماله أنْ يكون من أهلِ الكرامات، فهذا ممكن، وإلا الذِّي يُقابل الكرامات الخوارق هذه خوارق الشَّيطان.(1/1)
يُحْرَم العِلْم بِسُوءِ القَصْد
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني كان طُلَّاب العلم إذا تَأهَّلُوا يَشْهَدْ لَهُم شُيُوخهم، إمَّا بنثر أو بنظم، يَشْهَدُون لهم بأنَّهُم تَأَهَّلُوا للقضاء، تَأَهَّلُوا للفُتْيَا، تَأَهَّلُوا للتَّعليم، تَأَهَّلُوا للدَّعْوَة، ويُزَاوِلُون من خِلَال هذهِ الشَّهادات التِّي أُعْطِيَتْ مِنْ قِبَل الشُّيُوخ، وصَارَتْ الشَّهادات الآنْ تتَوَلَّاها الجِهات الرَّسْمِيَّة على طريقة التَّعليم الموجُودة، فصار من هذه الشهادات أو مِمَّن يحمل هذهِ الشَّهادات من لا يحمل العلم! فتجدهُ يَتَقَدَّم أنا والله الآن تخرَّجت من كُلِّيَّة الشريعة، والعُرْف يدل على أنَّهُ تَخَرَّج من كُلِّيَّة الشريعة يكون شيخ، والشيخ أهل لِأَنْ يُسْتَفْتَى، أهْل لأَنْ يَقْضِي، أهْل لِأَنْ يُعلِّم، ثُمَّ إذا ابْتُلي وامْتُحِنْ ما وُجِدْ على أَدْنَى مُستوى يتوقَّف! وهذا حاصِلْ وحصل في كثيرٍ من الجِهات؛ بل إذا قُلت إنَّ هذا حصل في بعض خِرِّيجيّ قسم القرآن، ذَهَبُوا لِيُعَلِّمُوا القُرآنْ في مدارس تحفيظ القرآن؛ فوُجِدُوا لا شيء! يعني إذا كان هذا في القرآن الذِّي يُمْكِن ضَبْطُهُ، وأنْتَ بِصَدد تعلمهِ أربع سنين أو أكثر مع ما يُعين عليهِ من تجويد، وقِراءات، وتفسير، ومع ذلك تجد الطَّالب إذا كان هَمُّهُ مُجَرَّد الشَّهادة لا يُدْرِك شيء؛ فقد يُحْرَم العلم بسُوء القصد!!(1/1)
والله بكلِّ شيءٍ مُحيط
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإدراك بالنِّسبة من المخلُوق للخالق؛ فمُستحيل، والنَّفي فيه مُوبَّد - لا - ما جيء بلن، هذا وجه الفرق، مع أنّهُ -جل وعلا- يُدْرِك الأبصار على تَعَدُّدِها، واختلافها زماناً ومكاناً، وحالاً ومآلاً، المقصُود أنَّ الله-جل وعلا- لا تخفى عليه خافية وهو المحيط لكلِّ شيء، يُدركها الأبصار، أنت تدري كم في البصر من وش يسمونه؟ الشُّعب والخلايا التِّي فيها، يعني لما بكبرونها في التَّشريح ترى العجائب، فهو يُدْرِكها بِتفاصِيلها من كُلِّ مخلوق، تعالى الله، -سبحانه وتعالى-، لمَّا نُصّ على الأبصار؛ {يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [(103) سورة الأنعام] لأنَّ فيها من الأجزاء ما لا يوُجد في غيرها، فعظمة الباري -جل وعلا- لا يُمكن أنْ يُدْرِكها المخلُوق، يُدْرِك شيئاً من هذه الحِكم وهذه العِبَر التِّي تزيد في إيمانِهِ بالتَّأمُّل والتَّدَبُّر، وخيرُ ما يُعين على مثل هذا القراءة في مثل مفتاح دار السَّعادة لابن القيم، ترى العَجَب إذا قرأت في هذا الكتاب واللهُ المُستعان.(1/1)
اصْدُقْ اللَّجَأْ، وأَخْلِصْ النِّيَّة؛ تُوَفَّقْ بإذن الله
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ)) نعم، قد يأتي الخبر ويُرادُ به الأمر، الآن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لِيَلِنِي منكُم أُولُوا الأحْلَامِ والنُّهَى)) هل الحديث مُتَضَمِّنْ لِطَرْدِ الصِّغَار الذِّينَ تَقَدَّمُوا إلى الصَّلاة، وصلَّوا خلف الإمام؟! – لا - هذا فيه حثٌّ للكبار أنْ يَتَقَدَّمُوا؛ ليصُفُّوا قُرْبَ الإمام، فلا تُتْرَكْ هذه الأماكن المُهِمَّة في المسجد للصِّغار، وليس معنى هذا أنَّهُ طردٌ للصِّغَار؛ إنَّما هو حَثٌّ للكِبار، ومثل هذا ما جاء في الحديث ((يَحْمِلُ هَذَا العِلْم)) يعني لِيَحْمِل هذا العلم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، وهذا على القول بأنَّ ما يحمله الفُسَّاق يُسَمَّى عِلْماً ولو تسمية عُرفيَّة وليست بِتَسْمِيةٍ شرعيَّة، العلم جاء الأمر للنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بطلب الزِّيادة منه، ولم يُؤمر -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- بطلب الزِّيادة في شيء إلا من العلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [سورة طه/ 114]، والنُّصوص في هذا كثيرة، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [سورة المُجادلة/ 11]، وكم بين الدرجة والدرجة من درجات الجنة؟! فالأمر في غاية الأهمية؛ لكن دون العلم مع الرَّاحة والاسْتِرْخَاءْ خَرْطُ القَتَادْ، يسمع النَّاس النُّصُوصْ، ويَنْظُرُونَ فِي وَاقع أهل العِلْم، ويَرَوْنَ الشَّرَفْ في الدُّنيا والآخرة، ويَتَمَنَّى كل واحدٍ أنْ يَكُونَ عَالِماً؛ لكنْ دُونَهُ خَرْطُ القَتَادْ، النَّفْسْ بِطَبْعِها ميَّالة للرَّاحَةِ والدَّعَة؛ لأنَّ العلم مَتِينْ، ويَحْتَاجُ إلى تَعَبٍ ونَصَبْ، يَحْتَاج إلى أنْ يُسْلَك الطَّريقْ، ويُؤْخَذْ من أبوابِهِ وعنْ أهْلِهِ على الجَوَاد المعرُوفة عند أهلِ العلم، وقد(1/1)
يطُولُ الطَّرِيقْ! ((من سَلَكَ طَرِيقاً يلتمسُ فيه عِلْماً؛ سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة))، وهذا وَعْد لِمَنْ يَسْلُكُ الطَّرِيق؛ لأنَّ بعض النَّاس تكون عِنْدَهُ النِّيَّةُ الصَّادِقَة، والعَزِيمَة، والهِمَّة، والحِرْصْ، ثُمَّ بعد ذلك يَطْلُبُ العلم عشر سِنين، عِشْرِينْ سنة، ثلاثين سنة، فإذا جَلَسَ في مَجْلِسْ، أوْ أرادَ أنْ يُحَرِّرْ مسألة؛ ما اسْتَطَاعْ! نقُول: الأجر مُرَتَّبْ على سُلُوكِ الطَّريقْ، كونُكَ تُحصِّل العلم – نعم، هذهِ غاية؛ لكنْ الأجر مُرتَّب على بَذْلِ السَّبَبْ، وحُصُول المُسَبَّبْ بِيَدِ المُسَبِّبْ وهو اللهُ -جلَّ وعلا-، فلا يَضِيقُ ذَرْعاً من تَعِبَ فِي تَحْصِيلِ العِلْم، ولم يُدْرِك منه ما يُقْنِعُهُ، أو ما ينقُلُ بهِ ويُعْرَض بين النَّاس؛ لِيَصْبِرْ، ويَسْلُكْ الطَّرِيقْ؛ ويُوَفَّقْ إنْ شَاء اللهُ تعالى، ومرَّ في كتب التَّرَاجِمْ -تَرَاجِم أهلِ العِلْم- والوَاقِعْ يَشْهَدُ أيضاً أنَّ بعض النَّاس يطلُب العلم خمسين سِتِّينْ سبعين سنة! ما يُوفَّقْ! ولا يُفْلِح! والسَّبَبُ في ذلك كما جاء في الحديث حديثُ مُعاوية -رضي اللهُ عنهُ-: ((منْ يُرِدْ اللهُ بِهِ خيراً؛ يُفَقِّهُ في الدِّينْ))، ((وإنَّما أنا قَاسِمْ، واللهُ المُعْطِي)) اللهُ -جَلَّ وعلا- هو المُعْطِي، النَّبِيُّ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قَسَّمَ العلم على الأُمَّة، مَا كَتَمَ شَيْئاً مِمَّا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ؛ لَكِنْ المُعْطِي في الحقيقة هو الله -جلَّ وعلا-؛ فاصْدُقْ اللَّجَأْ إلى الله -جلَّ وعلا-؛ وأَخْلِصْ في طَلَبِكَ للعلم؛ وتُوَفَّقْ إنْ شاء الله، ولوْ لَمْ تُدْرِكْ إلاَّ الدُّخُول في حديث! ((من سَلَكَ طَرِيقاً يلتمسُ فيه عِلْماً؛ سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طريقاً إلى الجنَّة)) طالبُ العلم بِحَاجَةٍ مَاسَّة إلى تصحيح النِّيَّة، والإخلاص لله -جلَّ وعلا-، فالعِلْم عِبَادَة لا(1/2)
تَقْبَلْ التَّشْرِيكْ، أَوَّلاً: لا بُدَّ مِنْ بَيَانْ العِلْم الذِّي جَاءَتْ النُّصُوصُ بِفَضْلِهِ، وفَضْلِ أهلهِ، العِلْم الذِّي جَاءَتْ النُّصُوصُ بِفَضْلِهِ هو العُلْم الشَّرْعِي المُورِثْ للخَشْيَة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [سورة فاطر/ 28 ] نعم هو العِلْم الذِّي رُتِّبَتْ عليهِ الأُجُور هو العِلْم الشَّرْعِي، العلم الشرعي المُسْتَمَدْ مِنْ كِتَابِ الله -جَلَّ وعلا-، وسُنَّة نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، والوَسَائل لها أحْكَامُ المَقَاصِدْ، فما يُعِينُ على فَهْمِ الكِتَابِ والسُّنَّة؛ دَخَل في فَضْلِ هَذا المَقْصَد العَظِيمْ، وهو علم قال الله وقال رَسُوله، فَعَلَى طَالِب العِلْم أنْ يُصحِّح النِّيَّة، ويُخْلِصْ في طَلَبِهِ للعِلْم؛ لأنَّهُ عبادة، وقد جاء في الحديث الصَّحيح حديث الثَّلاثة الذِّينَ هم أوَّل من تُسَعَّر بهم النَّار، ومِنْهُم من تَعَلَّم وعَلَّم فَسُئِل بعد ذلك، فقال: تعلَّمتُ العلم، وعلَّمتُهُ النَّاس، وقد يُنْفِقْ على التَّعَلُّمِ والتَّعليم عُقُود؛ لكنْ يُقال لهُ في النَّتيجة، كَذَبْتْ! إنَّما تَعَلَّمْتَ وعَلَّمْتَ لِيُقال! فهذا أحد الثَّلاثة الذين هم أوَّلُ من تُسَعَّر بهم النَّار - نسأل الله السَّلامة والعافية - فالمسألة خطيرة، ولَيْسَ فيها كَفَافْ، لا عَلَيَّ ولا لي! – لا – إنَّما إمَّا أنْ تُرْفَعَ دَرَجَاتْ، أو تكُون أوَّل منْ تُسَعَّر بهم النَّار؛ لكنْ قد يَسْمَع بعض طُلَّاب العلم مثل هذا الكلام، فيقول: لا طَاقَة لي بمثل هذا، أَتْرُكْ! والتَّرْكْ لَيْسَ بِحَلّ؛ لأنَّ منْ عَمِلَ منْ أجْلِ النَّاسْ، أو العَمَلْ منْ أَجْلِ النَّاس رِيَاء، وتَرْكُ العَمَلِ أيْضاً منْ أَجْلِ النَّاس أيْضاً أمرُهُ خطير، قالَ بعضُهُم كُفر...
يَا طَالِبَ العِلْمِ لا تَبْغِي بِهِ بَدَلًا ... فَقَدْ ظَفِرْتَ ورَبِّ اللَّوْحِ والقَلَمِ(1/3)
ويَبْقَى الكِبار كالجبال الرَّواسي؛ وإنْ حصل ما حصل من الأتباع!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: ما نقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ما نقول هذا، هل معنى هذا أنَّهُ تَوقُّفٌ في أفعال العِباد أنَّها مخلُوقة لله -جل وعلا-؟! لا؛ إنَّما هو حَسْم للمادَّة، وسَدّ للباب، واحْتِياط للاعتقاد الصَّحيح؛ لأنَّك إذا قلت لفظي بالقرآن مخلوق، واللَّفظ مُحتمل، قد يَسْمَعُها شخص فيُلقيها على إطْلَاقِها؛ لكنَّ البُخاري صَرَّح بأنَّ لفظي بالقرآن مخلُوق باعتبار أنَّهُ كلامي، والإمام أحمد -رحمه الله- سَدَّ الباب باعتبار أنَّهُ يحتمل أنَّ اللَّفظ الذي هو صوت القاري، ويحتمل أنَّهُ المَلْفُوظ المقرُوء، المتلوّ، وهو كلامُ الله -جل وعلا-، وما دام الاحتمالُ قائماً يُسَدَّ الباب كغيرها من الألفاظ المُجملة التِّي تحتاج إلى بيان، والتَّلفُّظ لا يحتمل الملفُوظ
فاللَّفظ يصلح مصدراً هو فِعْلُنا ... كتلَفُّظٍ بتلاوة القرآن
وكذلك يصلُح نفس لفظُ ملفُوظٍ به ... وهو القرآن فذك مُحتملان
فلذاك أنكر أحمد الإطلاق في ... نفيٍ وإثباتٍ بلا فُرقانِ(1/1)
مسألة اللَّفظ التي امْتُحِنَ من أجْلِها الإمامُ البُخاري لَمَّا دَخَل نيسابُور، واسْتَقْبَلَهُ أهلها بقضهم وقضيضهم، وغارَ منهُ بعض أهلِ الحديث الذِّين كانت لهم حظوة عند قومهم! لاشكَّ أنَّ مثل هذا يُثير الغَيْرة في نُفوس بعض النَّاس، وهو في نُفُوسِ الأتْبَاعِ أشدّ، يعني قد تجد الإمام الكبير يأتي عالم، ويجتمع النَّاس حوله، ويُتْرَك هذا العالم بُرهة حتى يَنْصَرِف هذا الطَّارئ، ولا يُؤثِّر في نفسِهِ بقدر ما يُؤثِّر في نُفُوس الأتْبَاع! وجُلّ هذه الأُمُور والتَّحرُّشات والمشاكل التِّي حصلت، إنَّما هي من الأتْبَاع! يعني في قِصَّة الإفْك على سبيل المِثال زينب بنت جحش هل دخلت في الإفك؟! وهي التِّي تسامي عائشة، ما دخلت وإنَّما دخلت أُختها حمنة انتصاراً لها! فالإشكال أكثر مما يأتي من الأتباع، وتَجد الخلاف في القديم والحديث، الرُّؤوس الكِبار هذولا ما بينهم إشكال! لاسِيَّما في المسائل التِّي لا يُضلل القارئ بها، ما بينهم مُشكلة؛ لكن هؤلاء الأتباع يَغارُون على شيخهم، ويَرَوْنَ أنَّهُ غُمر، ويُخْشَى أنْ يُسْحَبْ البِسَاط من تحته كما يقولون! ثُمَّ يغارُون عليه ويأخُذُون في الكلام الذِّي يُثير ما في كوامِن النُّفُوس، فلذلك الذُهلي وهو إمام أهل نيسابور، إمام عالم جليل، مِنْ كِبار المُحدِّثِين، إمام من أئِمَّة المُسلمين، لمَّا البُخاري قال لفظي بالقرآن مخلوق، والإمام الذُّهلي -رحمه الله- يحتاط لهذه المسألة مثل ما يحتاط الإمام أحمد فصار بينهما من العداوة ما صار، والأتْبَاع أيضاً اسْتَغَلُّوا مثل هذا الخلاف وهذا الظَّرف الذِّي سحب الأنظار عن شيخهم، فحصل ما حصل، وامْتُحِن البُخاري، وطُرِد من نيسابُور، على كُلِّ حال مثل هذه الأُمُور تحصُل قديماً وحديثاً؛ لكنْ الرَّاسِخ يرجع إلى ما في الكتاب والسُّنَّة، ويجعل قائده وسائِقَهُ النَّصّ، ولا يَنْظُر إلى الأتباع؛ لأنَّ الأتباع يأتُون، وما زالُوا(1/2)
يأتُون إلى الشيوخ قال فُلان، وفعل فلان، ترك فُلان! ويغرونهم ويأثرُون عليهم، ويَبْقَى الكِبار كالجِبال الرَّواسي، وإنْ حَصَل ما حصل من الأتباع،
فلذاك أنكر أحمد إطلاق في ... نفي وإثباتٍ بلا فُرقَانِ(1/3)
الانشغال عن القرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ولا يَدع القرآن رغبةً إلى غيرِهِ)) مع الأسف أنَّ كثيراً من المُسلمين انشغلُوا عن القرآن بالقِيلِ والقال والصُّحُف والمجلَّات، والقَنَواتْ، تَجِدْ بعض طُلَّاب العلم عِنْدَهُ استعداد يفلي الجرايد كلها! أو المُسلم المُوَظَّف بعد ما يطلع من وَظِيفتِهِ إلى أنْ ينام وهو يقلب الجرائد! علشان إيش؟! ماذا تستفيد من هذهِ الجرائد؟! هذا خبرٌ سَيِّء، وهذا تهكُّم بالدِّينْ، وهذا استهزاء بالمُتديِّنين، وهذه صُورة عارية، وهذا خبر، وش الكلام هذا! ومع ذلك هذا ديدن كثير من النَّاس، ويَمُر عليهِ اليُوم واليُومين والأُسْبُوع والشَّهر وهو ما فتح المُصحف! إنْ تَيَسَّرْ لُهُ أنْ يَحْضُر إلى الصَّلاة قبل الإقامة بدقيقتين، ثلاث، خمس قَرَأ قِراءة الله وأعلمُ بها! قرأ لهُ ورقة ورقتين وعَيَّا! وبعض النَّاس ما يعرفُون القرآن إلَّا في رمضان! هذهِ مُشكلة؛ ولِذا يقول: ((ولا يَدع القرآن رغبةً إلى غيرِهِ)) نعم هناك عُلُوم يعني لا يشمل هذا الكلام، النَّظر في السُّنَّة مثلاً، أو في العُلُوم المُسَانِدَة التِّي تُعين على فهم القرآن، كُلّها من العِناية بالقرآن؛ لأنَّ السُّنَّة تُفَسِّر القرآن، تُوَضِّحُ القرآن، العُلُومُ التِّي تُعين على فَهْم القرآن، والإفادة من القرآن، والاسْتِنْبَاط من القرآن كُلّها داخِلَة في تَعَلُّمِ القُرآن ((إنَّهُ لا خير في عِبادة لا عِلْمَ فيها)) عِبَادة على الجَهْل لا خيرَ فيها، قد يرتكب هذا العَابِد مُبْطِل لهذِهِ العِبَادة، وهو لا يشعر! ((ولا خير في علمٍ لا فِقْهَ فيه)) يعني تَجِدْ بعض النَّاس مَنْهُوم بقراءة الكتب؛ لكنْ لا يَفْهَم ولا يُريد أنْ يَفْهَم! مُجَرَّدْ سَرْد، لا يقف عند المسائل، ولا يُحرِّر المسائل، ولا يُحقِّق المسائل ((لا خير في علمٍ لا فِقْهَ فيه، ولا خير في قراءة لا تَدَبُّرَ معها)) يعني الخير المُرَتَّب على التَّدَبُّر؛(1/1)
لا يأتي إلاَّ بالتَّدَبُّرْ، نعم، وأمَّا قِراءة الحُرُوف فَتتمّ مع غير التَّدَبُّر، وفَضْلُ اللهِ واسع، واللهُ المُستعان.(1/2)
يُتَوِّبُونَ العُصَاة بالأناشيد والقَصَصْ!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحافظ ابن رجب ذكر في كتابٍِ لهُ اسمُهُ أهوالُ القُبُور قَصَص نَدُلُّ على عذاب القبر، وهناك رُؤى ومنامات وقَصَص، يقول بعضهم: نَسِيَ الفَأْس فَنَبَشَ القبر، فإذا بِيَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ قَدْ غُلَّتا إلى عُنقِهِ وأُدْخِلا في حَلْقَة الفَأْس، ذَكَرُوا من هذا الشَّيء الكثير؛ لكنْ لَسْنَا بحاجة إلى مِثْلِ هذهِ الأخْبَار، لسنا بِحَاجة، عندنا نُصُوص صَحِيحة ثابِتة عن النَّبي -عليه الصلاة والسلام- لا نَتَرَدَّدْ ولا نَشُكّ، ولا نَرْتَابْ، هُناك أشياء تُذْكَر للاعْتِماد، وهناك أشياء تُذكر للاعتضاد؛ يعني ما يُعوَّل عليها ولا يُعتمد عليها، مثل ما ذكر شيخ الإسلام بالنِّسبةِ للأخبار الضَّعِيفة، وما يُذكر عن بني إسرائيل، وما يُذكر من حوادث العالم، وما يُذْكر من الوقَائِع المُشاهدة، هذه لا يُعتمد عليها ولا يُعوَّل عليها في تقرير مسائل عِلْمِيَّة، وإنما تُذكر للاعتضاد، ما فيها إشكال يعني مُجرَّد ذِكر لا إشكالَ فيه، اللهم إلاَّ إذا أدَّى الذِّكر إلى تَعَلُّق النَّاسِ بها، بِحيث لا يُؤِّثر فيهم إلاَّ مثلها، فإذا ذُكِرَت النُّصُوص ما تَأثَّر، مثل هذا يُعْرَض عنها، ومُعَوَّل القُصَّاص في القديم والحديث على مِثْل هذهِ الأُمُور، تَجِدُهُم يُذكِّرُونَ النَّاس بها، وكم سَمِعنا أنَّ شَخْصاً رَأَى شَخْصاً يُحْتَضَر وهو من يَشْرَبْ الدُّخان؛ فانْقَلَبَ وَجْهُهُ عن القِبْلَة!!! وصار وَجْهُهُ أسْوَد!! وما أشْبَه ذلك، نقول: هذه الأُمُور إذا ذُكِرَتْ تَبَعاً بعد ذِكْرِ النُّصُوص، وتَعْظِيم النُّصُوص في نُفُوس النَّاس، اللهُ -جل وعلا- يقول لِنَبيِّه: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق]، ومَنْ أَرادَ كَيْفِيَّة التَّذكيرِ بالقُرآن؛ فَلْيَقْرَأْ أوَّل الفَوائد لابن القَيِّم، كيف يُذَكَّرْ المُؤمن بالقُرآنْ، كلامٌ نفِيس لا يُوجد عند(1/1)
غيرهِ فيما أعلم، وتَجِدْ النَّاس يَتَعَلَّقُون بِأُمُور، القُرآن يُسْمَع ويُتْلَى، ومع ذلك لا يُحَرِّك ساكِن، فإذا ذُكِر قِصَّة وإلا منام وإلاَّ رُؤيا وإلاَّ شيء؛ تأثَّر النَّاس! ولاشكَّ أنَّ هذا خلل في الإتِّبَاعْ، النبي -عليه الصلاة والسلام- يَقْرَأُ القرآن في صلاتِهِ ولصَدْرِهِ أزِيزْ كَأَزِيزْ المِرْجَلْ، وبَكى لمَّا سَمِع قِراءة ابن مسعود، وتَأَثَّر لما سَمِع قِراءة أبي مُوسى وهكذا، يسمع طالب العلم - مع الأسف - ما يصحّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يَتَأَثَّر! فإذا سَمِع قِصَّة أو حادِثة تأثَّر! تَجِدْ القرآن يُتْلَى في كُلِّ ليلة من ليالي رمضان؛ فَيَنْدُر أنْ تجد من يَتأثَّر به ويبكي، ثُمَّ إذا جاء دُعاء الخَتم، تَأَهَّب النَّاسُ للبُكاء قبل أنْ يَحْضُرُوا إلى المسجد، تَجِدُهُم قبلَ الشُّرُوع في الصَّلاة متأهبين ! ولاشكَّ أنَّ هذا خلل؛ ينبغي أنْ يُذكَّر الإنسان بالقرآن، والحسن البصري يقول: تَفَقَّدْ قلبكَ في ثلاثة مواطن: في الصَّلاة، وفي قراءة القرآن، وفي الذِّكر، يقول: إنْ وَجَدْتَهُ و إلاَّ فاعْلَمْ أنَّ الباب مُغلق! يعني ما يتأثَّر، يُقرأ القرآن والإنسان عله يتذكر قصَّة أو حادثة وهو يُصلِّي ما يتأثَّر بالقرآن الذِّي يُتْلَى، فَلَعَلَّهُ يبكي أو يَتَباكى؛ لكنْ هذا كله لا يَنْفَع؛ لأنَّهُ إنَّما بكى من غير خَشْيَة الله، والفُقهاء يَنُصُّون على إنَّهُ إنْ بَكى في القرآن، أو انتحب من غير حشية الله، الصَّلاة باطلة؛ لكنْ أحياناً يكون البُكاء مِمَّا ينبغي البُكاء منهُ؛ لكنَّهُ في القرآن، يعني ذكرنا مثال -وهذا واقع- يعني شخص يُصلِّي في الدُّور الثَّاني من المسجد الحرام، وهو مُطِلّ على المَطَاف، والإمام يقرأ آيات مُؤثِّرة بالفِعل، وبعض النَّاس يبكي منها، وهذا الشَّخص الذِّي يُطِلّ على المَطَاف يَتَذَكَّر الحشر، والنَّاس يَمُوجُ بعضُهُم في بعض، النَّاس يَطُوفُون وهذا(1/2)
داخل وهذا طَالِع، والصَّحن مليانْ، مُزْدَحِم، فَيَبْكِي من هذا المنظر وهذا المَشْهد، يُؤجر على هذا و لاَّ ما يُؤجر؟؟! هذا تشريك في العبادة؛ لكن هل هذا التَّشريك مِمَّا يُغْتَفر ويُحْمد؟! أو هو مِمَّا يُذمّ يعني أقرب ما يكون إلى فِعل عمر إنَّهُ كان يُجهِّز الجُيُوش وهو في الصَّلاة، يعني يُفكِّر في الجُيُوش عمل طاعة، عمل خير، يعني تشريك عبادة بعبادة؛ لكنْ الأولى أنْ يلْتَفِت إلى ما هو بِصَدَدِهِ، وإنْ كان الأصل فيهِ مشرُوع ، فيُذكَّر الإنسان بالقرآن، ولا يَلتفِت إلى هذه القصص إلاَّ للاعتضاد لا للاعتماد؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- عن أُناس في القرن السَّابع، والسَّادس، والخامس أنَّهُم فِرقة من الفِرَقْ يُتوِّبُون العُصاة بأناشيد! والعُصاة إنَّما يُتَوَّبُون ويُخَوَّفُونْ بالنُّصُوص بقال الله وقال رسُوله، فلاشكَّ أنَّ مِثل هذا مُخالف لهدي النَّبي -عليه الصلاة والسلام- ، والله المُستعان.(1/3)
طالب العِلْم والرِّفْقْ بشيخِهِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
قال حدَّثني بهنّ رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- تأكيد هذا أنَّهُ لم ينقُل ذلك بالواسطة عن النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-؛ بل تلقَّاه مُباشرة من النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، ويقول : ولو اسْتَزَدْتُهُ من الخِصَال لَزَادَنِي، قلتُ ثُمَّ أيٌّ، قلتُ ثُمَّ أيٌّ، قلتُ:...(1/1)
إلى آخره ؛ لكن هذا من بابِ الرِّفق من الطَّالبِ بالمُعلِّم، ومن آداب طالب الحديث أنْ يرفُقَ بشيخِهِ، وأنْ يَتَحَيَّنْ الفُرَصْ والأوقات المُناسبة للسُّؤال، وأنْ لا يُضْجِرَ الشيخ ويُكْثِرَ عليهِ، إذا رَأَى أنَّ الوقت غير مُناسب يَنْصَرِفْ، ابن عبَّاس حَبْرُ الأُمَّة وتُرجمان القرآن يَقِيلْ يَنَامْ في مُنْتَصَفِ النَّهار عند باب من يُريد أنْ يَسْأَلَه! ابن عمّ الرَّسُول -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، كل شخص يَتَشَرَّفْ أنْ يَطْرُق الباب مثل ابن عبَّاس، ولا يَطْرُق الباب! ينتظر حتَّى يأتي الوقت المُناسب والظَّرف المُناسب للسُّؤال، يأتي ليسمع حديث من شخصٍ من الأشخاص والذي في النَّصْ من الأنصار، ثُمَّ يقيل ننظر إلى هذا الأدب الرَّفيع من هذا الإمام الحَبْر الوجيه ابن عمِّ النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وتجد الطَّالب يأتي في كل وقت يسأل، ولا يستشعر أنَّ المسؤُول بشر مثل النَّاس، ومن السَّهل أنْ يَتَّصِلَ فِي مُنْتَصَف اللَّيْل، أو بعد مُنْتَصَف اللَّيْل السَّاعة الواحِدَة والثَّانية يتَّصِلُون من غيرِ اسْتِشْعَار لاسْتِثْقَال ولا شيء! فعلى طالب العلم أنْ لا يُضجر شيخهُ؛ لأنَّ الشيخ بشر، في يوم من الأيَّام يُعطيك كلام لا يُرضيك! يغضب مثل ما يغضب النَّاس، ويرضَى كما يَرْضَوْن، ولَهُ ظُرُوفُهُ، وعليه ضُغُوط مثل ما على غيرِهِ، فعلى كُلِّ حال على طالبِ العلم أنْ يَرْفُقَ بالشيخ كما أنَّ الشيخ عليهِ أنْ يَهْتَمَّ بِطُلَّابِهِ، وأنْ يُوليهم عنايتِهِ، وأنْ يُرحِّب بهم فهم وصِيَّة النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فالطَّالب مطالب، والشيخ مُطالب، واللهُ المُستعان.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
التربية في زماننا في غاية العسر
الشيخ / عبد الكريم الخضير
يوجد في بعض البيوت من لا يأمر ولا ينهى، فينشأ الصغير على هذا ويشب عليه، ويكون أمر العبادة كأنه لا يعنيه حتى إذا كبر، وهذا واضح في بيوت المتدينين يعرفون الأحكام، وإذا نُشّؤوا على الخير نشأوا عليه، وفي شاب من أولاد المشايخ من المفرطين من المتساهلين بلغ إلى حدود العشرين وهو ينام النهار كله، ويجمع الصلوات، لكنه ضابط للأذكار أذكار الصباح والمساء؛ لأنه عود عليها، ومرن عليها، ونشئ عليها، ونعرف كبار الشيب في لحاهم ورؤوسهم ومع ذلك لا يعرفون الأذكار لأنهم ما نُشّؤوا عليها، وكذلك في الفروع الأخرى مما ينبغي أن يعنى به الأب في تربية أولاده.
وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه
ج ... ج(1/1)
قد يقول قائل: من أننا فجأة نرى ابن بعض الناس العاديين نجده ملتزم، وطالب علم، وحريص على العلم، وحريص على العبادة، بينما نجد العكس من بعض أولاد المشايخ وطلاب العلم، نقول: الهداية بيد الله، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحكمة الإلهية من ذلك ظاهرة؛ لئلا يقول: اهتدى ولدي لأني ربيته على علم عندي، ينسب ذلك لنفسه؛ ولئلا يقال: ضل فلان لأن والده لم يفعل السبب أو لأنه ما بذل السبب المطلوب، وينظر بعض العامة إلى أولاد المشايخ وطلاب العلم وإلى أهليهم ثم يرمونهم بالتقصير، يقولون في بعض الكبار: إنه لو كان فيه خير لنفع أولاده، نفع نساءه وبناته، لو فيه خير! وش الفرق بين امرأة فلان العالم الفلاني وامرأة جاره؟ ما فيه فرق، هذا ما نفعهم، فكيف يتصدى لنفع الناس وقد ضيع من أؤتمن عليهم؟! وما يدريهم أن هذا يحترق، يتقطع قلبه أساً وحزناً على أولاده ونسائه، وبذل من الأسباب الشيء الكثير، حتى أن منهم من إذا ذكر عنده هذا الأمر يبكي وهو من الكبار! لكن عجز، بذل السبب والنتيجة بيد الله، وإذا نظرنا إلى ما تقدم من حديث: ((النبي يأتي وليس معه أحد)) هل نقول إن هذا قصر؟! النبي يأتي معه الرجل والرجلان أين بقية الناس؟! ما بذل السبب في هدايتهم؟ بذل السبب؛ لكن {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [(48) سورة الشورى] {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [(54) سورة النور] والأب ما عليه إلا التوجيه، ويفعل ما يستطيعه من بذل للمعروف ونهي عن منكر بقدر استطاعته، والظروف التي نعيشها فيها شيء من الاضطراب، أحياناً الإنسان يحتاج إلى اللين فإذا جربه إذا به لا يجدي، وأحياناً يحتاج إلى الشدة فإذا جربها لم تجد، التربية في غاية العسر في هذه الأيام؛ لأن الأب لا يستقل بتربية أولاده، والذي يتولى تربيتهم أكثر منه غيره، يعني يخرج من البيت في السادسة أو السابعة إلى ما بعد صلاة الظهر هذا ربع الوقت راح، ليس للوالدين فيه نصيب؛ إنما(1/2)
إن يسر الله له معلماً ناصحاً مخلصاً أو الضد، فالتربية بيد غيره، إذا خرج من البيت يحتاج إلى أن يرتاح، يحتاج إلى أن يلعب و يلهو، ثم تتلقفه وسائل الإعلام، وتؤدي دورها ونفوذها في قلوب الناس أشد من نفوذ غيرها من الوالدين وغيرهما.
فعلى الإنسان أن يبذل السبب، وأن يلح في الدعاء إلى الله -جل وعلا-، بعض الكتاب المعاصرين بلغت به الوقاحة إلى أن قال: إن نوحاً -عليه السلام- فشل في دعوته لأنه دعاهم تسعمائة وخمسين سنة ولا استطاع أن يؤثر فيهم، حتى أقرب الناس إليه، امرأته وولده أقرب الناس إليه، ما استطاع أن يؤثر فيهم فهو فاشل في هذا -نسأل الله العافية-، ما يدري أن أجره موفور عند الله -جل وعلا-، وقد أدى ما عليه، وأما كونهم يهتدون أو لا يهتدون هذا بيد الله، والله -جل وعلا- يقول لنبيه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] حرص على هداية عمه ولكنه لم يستطيع، القلوب بيد الله -جل وعلا-، يقول عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فشل في دعوته في مكة والطائف ونجح في المدينة هذا -نسأل الله العافية- سوء أدب، وقاحة، وقد يكون وراءه ما وراءه من الأفكار التي جعلته يقول مثل هذا الكلام؛ لأن مثل هذا الكلام لا يقال من فراغ، ولا يمكن أن يقول الإنسان هذه الكلمة من أول الأمر، يعني رجل مستقيم صحيح العلم والعمل ثم مفاجأة يقول هكذا، لا، يعني بشر المريسي متى وصل إلى أن يقول: سبحان ربي الأسفل؟! يعني: هل قالها بمجرد أنه قال بالقول بنفي العلو ونفي الصفات مباشرة قال هذا؟! لا، لا، قبله مقدمات كثيرة، كل مصيبة وكل سيئة تجر إلى ما بعدها، إلى ما وراءها بالتدريج، يعني قتل الأنبياء من قبل بني إسرائيل يعني ما جاء مباشرة، معلل {وذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] كان هناك معاصي سهلت لهم بالتدريج شيئاً فشيئاً إلى أن وصلوا إلى هذا الحد.(1/3)
كان الهَمّ الآخرة؛ فَصَارَ الآنْ الهَمّ الدُّنْيَا!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مما يُذكر أنَّ شخصًا اشترى أرضاً، أرادَ حرثها، وحَفَرَ فيها بِئْراً، فوجد فيها كنز ركاز، فذهب إلى البائع، وقال: وجدت فيها كذا وأنا ما اشتريت منك إلاَّ الأرض، والثَّاني قال: أنا بِعْتُكَ الأرض بما فيها، انتهوا؟!! ما انتهوا، تخاصَمُوا عند القاضي، ما انتهوا كل واحد يقول: هذا لك، وهذا يقول لا هذا ليسَ لي، نعم، أخيراً، تَوَصَّلَ القاضي إلى أنَّ هل لكَ من ابن، قال: نعم، وهل لك من بنت قال: نعم، قال: زوجوا الاثنين وأنفِقُوا عليهم من هذا الكنز، يعني كانت النِّيَّات صافية، والنَّاس يبحثون عن الحق، ويبحثون عن طِيبْ المَطْعَم، يعني هل يُتَصَوَّر مَثلًا أنَّهُ تُوجد خُصُومة بين اثنين، ويقول أحدهما للآخر: أنت تعرف القضيَّة بكمالها واشرحها للقاضي إذا علَّمك بالحكم تعال أخبرني! يرُوح للقاضي، ويشرح لهُ القضِيَّة ويقول لهُ: الحق لِخَصْمِكْ، ويذهب ويقول قال القاضي: ترى الحق لك!، والآن مُحامينْ وحيل، و...... واللهُ المستعان، كان الهَمّ الآخرة؛ فَصَارَ الهَمّ الدُّنْيَا! وإلى وقتٍ قريب، وإذا سُئِلَ العالم عنْ مَسْأَلَةٍ مَالِيَّة السَّائل يَحْتَاجْ إلى من يُقْنِعُهُ بأنَّ هذهِ الصُّورَة حلال، والآنْ إذا قِيلَ للسَّائل حرام؛ قال: أقْنِعْنِي أنَّها حرام! نعم، فشتَّان!(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الطريقة المثلى في دراسة الأسانيد
الشيخ / عبد الكريم الخضير
الطريقة المثلى في دراسة الأسانيد أن تدرس السند الذي بين يديك وتحكم عليه بما يليق به، فإن كان رواته ثقات وسنده متصل فتقول: الحديث بهذا الإسناد صحيح؛ لأن رواته ثقات وبإسناد متصل ليس فيه انقطاع، ومتنه لا شذوذ فيه ولا علة، فالحديث بهذا الإسناد صحيح، ثم إن ورد عليك متابعات تذكرها وتخرجها، وتدرس أسانيدها، ثم تذكر الشواهد المروية عن غير صحابي الحديث، ثم تدرسها، تدرس أسانيدها وتبين ما فيها من علل؛ ثم النتيجة النهائية، الأول الحكم الخاص على السند الذي بين يديك، ثم الحكم العام بعد جمع الطرق من متابعات وشواهد إن كان الحديث أصله يحتاج إلى تقوية بإن كان بإسناده الخاص ضعيف، فتحتاج إلى المتابعات والشواهد؛ ليرتقي بها إلى الحسن أو إلى الصحيح على ما قررناه سابقاً وأشرنا إليه من أن الضعيف هل يرتقي درجة أو درجتين؟ هل يمكن أن يرتقي درجة واحدة؟ هذا قول الكل إنه يرتقي؛ لكن هل بالإمكان أن يرقى درجتين بأن صحت متابعاته وشواهده فبدلاً من أن يقال: ضعيف يقال: صحيح؟ أو يقال: حسن لغيره لأنه لا يمكن أن يرتقي درجتين كما هو قول الأكثر؟ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يرى أنه لا مانع من أن يرقى درجتين إذا كانت المتابعات والشواهد صحيحة، وأقول: لا مانع من ذلك إذا كان شيء من هذه المتابعات أو الشواهد في الصحيحين أو في أحدهما؛ لأنه لا يمكن أن يقال: حديث حسن لغيره والشاهد أو المتابع في البخاري أو في مسلم، يعني في النتيجة النهائية، فالطريقة المثلى أن يذكر الحديث بإسناده، ثم يدرس هذا الإسناد من أوله إلى آخره من حيث التوثيق والتضعيف للرواة، ثم ينظر فيه من حيث الاتصال والانقطاع، ثم ينظر في متنه من حيث الشذوذ والعلة والمخالفة، ثم يحكم عليه بإسناده الخاص، إن كان صحيح فبها ونعمت، وإن كان حسناً كذلك يطلب له من الشواهد والمتابعات ما يرقيه إلى(1/1)
الصحيح، وإن كان ضعيفاً يطلب له من هذه الأمور من الشواهد والمتابعات ما يرقيه إلى درجة الاحتجاج أو الحسن لغيره، فأنت تقول: ضعيف بهذا الإسناد ولا تحكم على الحديث بأنه ضعيف حتى تجمع طرق الحديث من المتابعات والشواهد، فإذا جمعت جميع ما ورد به الحديث من متابعات وشواهد وحكمت عليه، ولك أن تحكم وإن كنت متمرناً، يعني في حالة تمرين تحكم على الأحاديث بهذه الطريقة، ثم تعرض حكمك على أحكام العلماء، فإذا طابق حكمك ما قيل في الحديث من قبل أهل العلم فاحمد ربك إنك نجحت في الطريقة، وإن اختلف حكمك عن حكمهم فانظر السبب، سبب الاختلاف بين حكمك وحكمهم، والمتمرن المتدرب ولو كان في أول الأمر له أن يفعل ذلك إلى أن يستقل بنفسه بعد كثرة الممارسة، وإدامة النظر في أحكام أهل العلم على الطرق والقواعد المعتبرة عند أهل العلم.(1/2)
أعظم وسائل تحصيل العلم وتثبيته
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من أعظم وسائل تحصيل العلم تقوى الله -جل وعلا-: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [(282) سورة البقرة] فالعلم بالعمل من أعظم وسائل تحصيله، والذي لا يتقي الله -جل وعلا- ولا يحقق هذا الشرط في نفسه هذا لا يحصل علم، ولو جمع من المسائل والأحكام ما جمع، فإن هذا ليس بعلم، شاء أم أبى، وإن قال الناس إنه عالم، فلا علم إلا بالتقوى، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))، العلماء استشهدهم الله -جل وعلا- على وحدانيته وألوهيته، فكيف يكون ممن يتصدى لأعظم شهادة لأعظم مشهود له، وهو ليس بأهل وليس بكفء يخالف الأوامر، ويرتكب النواهي؟ هذا جاهل وليس بعالم.
العلم الذي لا يورث الخشية لله -جل وعلا- ليس بعلم، والحصر في الآية صريح {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر]، وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل معنى هذا أن التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام؟ ولو عرف الحكم أن هذا حلال وحرام وارتكبه فهو جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل.
فالتقوى هي المحقق للوصف الشريف وهو العلم، وهي من أعظم ما يعين على تحصيله وتثبيته، فعلينا أن نعمل بما نعلم، وعلينا أن نطبق، وأن نكون أسوة وقدوة في أفعالنا وأقوالنا.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من عرف خطر الشرك عض على التوحيد بالنواجذ
الشيخ / عبد الكريم الخضير
فإذا عرفنا الشرك عرفنا التوحيد؛ ولذا يخل بالتوحيد من لا يعرف الشرك، جاء عن عمر: "إنه إنما ينقض الإسلام من لم يعرف الجاهلية" فالذي يعرف خطر الشرك لا شك أنه يعض على التوحيد بالنواجذ، والذين عايشوا البدع والمبتدعة لا شك أن خوفهم من الابتداع أكثر ممن لم يعايشهم؛ لأن من عاش على السلامة؛ قلبه سالم، خالي من هذه الأمور، والذي يخالط ويعرف المخالفة مع الديانة، أما بعض الناس يخالط ويعاشر فتؤثر فيه هذه المخالطة شعر أو لم يشعر، كما يقال: كثرة الإمساس تقلل الإحساس، لكن إذا كان يعرف خطر الشرك وخطر البدعة، ويرى الناس يقعون فيها عرف أن الأمر قريب يمكن أن يقع فيها شعر أو لم يشعر؛ ولذلك يكون على خوف ووجل دائم من الوقوع فيما يهلكه من الشرك والبدع.(1/1)
سَبَقَ المُفَرِّدُونْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
القرآن من أعظم الأذكار، وأخص الأذكار، وأفضل الأذكار، وجاء وصفه، وتفضيله على سائر الكلام، وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ
ويكفيه أنه كلام الله، فعلى طالب العلم أن يكون ديدنه النظر في كلام الله -جل وعلا-، وذكرنا مراراً مع الأسف الشديد أن كثيراً من طلاب العلم وإن حفظوا القرآن فقد هجروه، لا يكون لهم ورد يومي من تلاوة ونظر وتدبر وعلم وعمل، على الطريقة التي ذكرت سابقاً عن الصحابة وسلف هذه الأمة وخيارها.(1/1)
الذكر شأنه عظيم، {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] ((سبق المفردون)) جاء في فضله نصوص كثيرة جداً، وهو من أسهل الأعمال وأيسرها، بالإمكان والإنسان جالس قائم قاعد {يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] لا يكلف شيء، ولو عود المسلم نفسه على أن يكون لسانه رطباً بذكر الله -جل وعلا- ما دب اليأس إلى قلبه، ولا حزن، ولا لحقه هم ولا نصب؛ لأنه يحزن على إيش؟ إن فاته شيء من أمر الدنيا فالباقيات الصالحات خير من الدنيا كلها، وإن جلس ينتظر، ومن أشق الأمور على النفس الانتظار؛ لكن إذا كان يذكر الله وهو ينتظر لا يضيره أن يتأخر صاحبه ساعة أو أكثر أو أقل؛ بل إذا جرب الذكر وأنس بالله -جل وعلا- يتمنى أن صاحبه لا يحضر، يتمنى أن يتأخر صاحبه، وفي الذكر أكثر من مائة فائدة، ذكرها العلامة ابن القيم في الوابل الصيب، ومن أهمها يقول: أنه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره، ومنها: أنه يرضي الرحمن -عز وجل-، ومنها: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، ومنها: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور، ومنها: أنه يقوي القلب والبدن، ومنها: أنه ينور الوجه والقلب، ويجلب الرزق، ويكسو الذاكر المهابة والنضرة، ومنها: أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة، ومنها: أنه يورث المراقبة، الذي ديدنه ذكر الله -جل وعلا-، ولسانه دائماً رطب بذكر الله -جل وعلا-، لا شك أن الذي بعثه على ذلك مراقبة الله -جل وعلا-، فالإكثار من ذكر الله -جل وعلا- يورث المراقبة، فيدخل الإنسان في مرتبة الإحسان، إلى غير ذلك مما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى-.(1/2)
الذكر: الذكر باللسان فقط يترتب عليه ما وعد به من قال كذا فله كذا، يترتب عليه هذا؛ لكن إذا صحب الذكر باللسان حضور القلب والتدبر والعمل بما يقتضيه هذه الأذكار فقدر زائد لا يعرف قدره إلا الله -جل وعلا-، ولذا جاء فيه ما يأتي من الفضل العظيم، يعني: ((أفضل من أن تلقوا عدوكم))، ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) يعني لو أن واحداً منا -وهذا يوجد على كافة المستويات- لو أن الملك مثلاً أو أمير جالس مع أحد من أهل العلم أو كذا، وقال: فلان ماذا فعل؟ وفلان..، ثم يخبر فلان بأن الملك ذكره، ما ينام تلك الليلة، ما يجيه النوم، قطعاً ما ينام، هذا شيء شاهدناه، ومن الذي ذكره؟ مخلوق لا يقدم ولا يؤخر، لا يقدم ولا يؤخر؛ لكن إذا ذكره الله -جل وعلا-: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي))، والله المستعان.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
من كثر علمه قل إنكاره
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: بعضهم يطلق قاعدة: من كثر علمه قل إنكاره، فما مدى صحتها؟
أما إن كان يحكي عن واقع وأن العلماء لا ينزلون إلى الأسواق، ولا يباشرون محافل الناس لانشغالهم عن ذلك بما هو أهم؛ فهذا الكلام له حظ من النظر، يعني ما تجد كبار أهل العلم يغشون مجالس الناس ومحافلهم وأسواقهم التي يقع فيها المخالفات؛ لكثرة علمهم ولكثرة حاجة الناس إليهم، هذا من هذه الحيثية له وجه، أما كون الإنسان مع كثرة علمه..،(1/1)
كثرة علمه تؤثر في إنكاره المنكر الذي يراه فمن وجه دون وجه، من وجه باعتبار أن الذي قل علمه وعلم أن هذا الأمر منكر ما عنده خيارات، ولا يعرف أقوال معارضة أو مقابلة تورث هذه الأقوال عنده غلبة ظن أن هذا المنكر منكر أو ليس بمنكر؟ أو على أقل الأحوال تورث عنده شيء من التردد لاسيما عند قوة قول المخالف، الذي لا يعرف إلا قول واحد من عامي أو شبه عامي هذا ما عنده إلا هذا حرام خلاص، ما يعرف إن الإمام الفلاني قال: لا هذا حلال وهذا مكروه يعني الذي عنده شيء من العلم بالأقوال بأدلتها لا شك أن عنده من السعة أكثر مما عند طالب العلم المبتدئ أو العامي، فإذا عرفت مثلاً أن هذا المنكر بعض العامة يرون أن هذا المنكر مما اختلف فيه بأنهم توارثوا هذا القول من بيئتهم مثلاً أو من واقعهم ووضعهم، تجد هذا ما عنده أدنى إشكال في كونه ينكر على هذا، ولا يتردد في كونه منكر، فما عنده مشكلة في هذا، ولا يتأخر في إنكاره؛ لكن الذي يعرف هذا المنكر، والراجح فيه أنه حرام؛ لكن القول الثاني له حظ من النظر وله وجه لاسيما في حال دون حال، وهذه الحال لا ينطبق عليها القول بالتحريم من كل وجه؛ تجد هناك سعة عند من عنده شيء من العلم؛ لكن إذا ترجح عنده أن هذا الأمر محرم يلزمه إنكاره، ولو كان مباحاً عند غيره ، ولو رأى غيره أنه مباح لأنه إنما يفعل ما يدين الله به، عليه أن يفعل وينكر ما يعتقد، يعني يعمل بما يعتقد لا ما يعتقده غيره، ومن هذه الحيثية تجدون إن بعض الناس قد يرمى بالتساهل في الإنكار مع أنه قد يكون المترجح عنده أن هذا ليس بمنكر، وأن له ما يدل له، أو على أقل الأحوال إن هناك ما يعارض الدليل الذي يدل على أنه منكر، مما يخفف عنده شيء من هذا الأمر؛ لأن القول بالرجحان والمرجوحية أمور نسبية، يعني هناك من المسائل ما يصل فيها الترجيح إلى حد مائة بالمائة هذا في الأمور القطعية التي لا يختلف فيها أحد، وهناك من الأمور ما يصل فيه الرجحان(1/2)
إلى تسعين بالمائة هذا أيضاً لا بد من إنكاره؛ لأن القول المخالف لا حظ له من النظر، عشرة بالمائة لا شيء، ثم تزداد هذه النسبة إلى أن يصل أحد القولين إلى خمس وأربعين بالمائة، والثاني إلى خمس وخمسين، وهو يعتقد إن الراجح ما نسبته خمس وخمسين، وهو الذي عليه أن يعمل به وينكر من رآه يفعله، لكن ليس إنكاره بالمستوى الذي ينكر فيه الأمور القطعية المجمع عليها، أو الأمور التي الخلاف فيها شاذ أو ضعيف.(1/3)
لَا إِمَامَة إلَّا بِابْتِلَاءْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تعلَّم، واعْمَلْ، وعَلِّمْ، وادْعُ، وأْمُر، وانْهَ، إذا تَعَلَّمْت العِلْم؛ اعْمَلْ بهذا العِلْم، إذا تَعَلَّمْت وعَمِلْتَ؛ عَلِّمْ هذا العلم، وادعُ إلى ربِّك بالتِّبيان والحِكَمِ، أُأْمُر بالمعرُوف، وانْهَ عن المُنْكَر، كل هذهِ من وظائف العالم والمُتعلِّم على حدٍّ سواء.
وأَتْبِعْ العِلْمَ بالأعمالِ وادْعُ إلى ... سبيلِ رَبِّكَ بالتِّبْيَانِ والحِكَمِ
واصْبِرْ على لَاحِقٍ منْ فِتْنَةٍ وأَذَى ... فيه وفِي الرُّسْلِ ذِكْرَى فَاقْتَدِهْ بِهِمِ(1/1)
واصْبِرْ لا بُدَّ أنْ يَعْتَرِضَكْ فِي طَرِيقك شيء من الأذَى؛ ولِذا في المسائل الأربع للإمام المُجدِّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، المسائل الأربع: الأولى: العلم، الثانية: العمل بالعلم، والثَّالثة: الدعوة إليه، والرَّابعة: الصَّبر على الأذى فيه، {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر/1، 2] إلاَّ.. من اسْتُثْنِي؟ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر/ 3] لا بُد من توافر هذهِ الأُمُور، لا بُدَّ من الأَذَى، لا يَظنّ الِإنْسَانْ أنَّهُ يَصِلْ إلى المَرَاتِبْ والمَنَازِلْ العُلْيَا ولا يَحْصُلْ لهُ شيء، ولا إِمَامَة إِلَّا بِابْتِلَاءْ، ((وأَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأنبياء ثُمَّ الأمْثَل فالأمْثَلْ))، ما فِيهْ نَبِيّ مَا ابْتُلِي، ولا إِمَامْ مِنْ أَئِمَّة المُسْلِمين سُهِّلت لَهُ الطُّرُق منذُ أنْ وُلِد إلى أنْ مات، أبَداً، والإمَامَة لا تُنال بالرَّاحة؛ بل لا بُدَّ من التَّعب، ولا بُدَّ من العَنَاء، ولا بُدَّ من الأذى؛ لِأَنَّ لك خُصُوم، فالمُتَعَلِّم يَعْتَرِضُهُ ما يَعْتَرِضُهُ، وقد يَعْتَرِضُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ من الوَالِدين والإخوة والأقارب وما أشْبَه ذلك، المُعلِّم كذلك يَعْتَرِضُهُ من يَعْتَرِضُهُ، وهذا كثير ومُشَاهَدْ على مرِّ العُصُور، إذا كانَ الأنْبِيَاء مَا سَلِمُوا مِنْ هذهِ الاعْتِرَاضَات، فَأَتْبَاعَهُم عَلَى سَنَنِهِمْ ونَهْجِهِمْ؛ ولِذَا يقول: وفي الرُّسْلِ ذِكْرى، يعني تَذَكَّرْ، الرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لَمَّا دَعا قَوْمَهُ ماذا حصل لهُ؟!، آذوه، ورَمَوْهُ بأبْشَع الأوْصَافْ، وأَدْمَوْا قَدَمَيْه، وكسَرُوا ثَنِيَّتَهُ، وفِي الرُّسْلِ ذِكْرَى فَاقْتَدِهْ بِهِمِ.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أخذه شديد، وعذابه أليم، ورحمته وسعت كل شيء
الشيخ / عبد الكريم الخضير
قول الله -جل وعلا-: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [(13) سورة الرعد] أي أخذ المخالف بقوة، شديد الحول، كما يقول ابن عباس، أو شديد القوة والأخذ والبطش، والتحول من حال إلى حال بالنسبة لمن خالف، فأخذه شديد، وعذابه أليم، ورحمته وسعت كل شيء، فالله -جل وعلا- حينما يذكر مثل هذه الآية لتخويف المخالفين؛ لتخويف المفرطين؛ لتخويف المعاندين، كما أنه إذا ذكر رحمته ومغفرته وسعة رحمته، وأنها وسعت كل شيء يسلي عباده خوفاً من أن يأخذهم اليأس والقنوط، وهكذا نجد كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مشتملة على النوعين الترغيب والترهيب، الوعد والوعيد؛ ليكون المسلم في حياته دائراً بين الأمرين بين الخوف والرجاء، فإذا تصور المسلم أن الله -جل وعلا- شديد المحال، شديد الحول، شديد القوة، شديد البطش {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [(12) سورة البروج] يحول الحال من حال إلى حال، من حال إلى ضدها، تجد الغني الذي رأى نفسه أنه استغنى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6-7) سورة العلق] متى؟ إذا اغتنى؟ لا قد يكون غنياً ولكن لا يطغى {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(7) سورة العلق] فالإنسان إذا رأى نفسه أنه استغنى فقد طغى، وكذلك إذا عرف نفسه وأنه أصبح عالماً يشار إليه حينئذٍ يستحق إلى قارعة ترده إلى صوابه ورشده، وهكذا في جميع المواقف التي يرى فيها المرء نفسه وأنه بإمكانه أن يستغني عن الله -جل وعلا- فيصل إلى حد الطغيان يحتاج إلى هذا التحويل، فالغني يفتقر، والعالم يقف في موقف يعرّفه نفسه، فالعالم الذي يتكبر على الناس بعلمه هذا إذا سلمنا بأن ما يحمله مثل هذا علم وإلا في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم ما نفع، والعلم الذي لا يدل على العمل ولا على التواضع ولا معرفة الإنسان نفسه هذا ليس بعلم؛ لأنه وبال على(1/1)
صاحبه، فلا بد أن يقف فيه موقف يذل فيه، والشواهد ما تحتاج إلى ذكر، والعالم كلما تواضع وخضع لربه وأدرك حقيقة نفسه وأنه ما زال بحاجة ماسة إلى التزود من العلم والعمل هنا يسدد ويوفق، فيحذر الإنسان من التحويل، من تحويل حاله من صحته إلى مرضه، من علمه إلى جهل يسلب العلم، لذا كان بعض السلف يقول: عوقب بنسيان القرآن من أجل نظرة! إذاً ماذا نستحق من العقوبات؟! نسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عنا، من أجل نظرة عوقب بنسيان القرآن! فالله -جل وعلا- شديد المحال شديد التحويل للمخالفين من حال إلى ضدها، شديد البطش، شديد القوة، فليحذر العاقل الناصح لنفسه لاسيما من ينتسب إلى العلم وإلى طلبه من مثل هذا التهديد، ولهذا أردف الشيخ -رحمه الله تعالى- هذه الآية بقوله الله -جل وعلا-: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ} [(54) سورة آل عمران] يعني التحويل الذي حصل مكر من الله -جل وعلا- بالعبد؛ يرزقه، ويغدق عليه النعم؛ ثم يرى نفسه أنه استغنى عن ربه وعن غيره فيطغى، ثم يزاد من باب الاستدراج؛ فيزيد في عتوه وطغيانه، يوجد ممن أعطاه الله الأموال من هذه حاله، والله -جل وعلا- يزيده، وإذا كان الإنسان يتقلب في نعم الله ويزاد منها ولا يستعملها فيما يرضي الله -جل وعلا- يجزم أنه يمكر به ويستدرج! ولذا أردف الآية السابقة بقوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [(54) سورة آل عمران] مكروا خدعوا غيرهم فمكر الله بهم، مكروا وخدعوا عباد الله، وخادعوا الله -جل وعلا-، فأظهروا للناس خلاف ما يبطنون
{(1/2)
يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم} [(9) سورة البقرة] ما يخدعون في الحقيقة إلا أنفسهم، فالله -جل وعلا- الذي يعلم السر وأخفى، وما هو أخفى من السر يخفى عليه ما في قلوبهم؟! {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [(19) سورة غافر] فالمكر والخداع إذا مشى على الخلق فإنه لا يمشي على الخالق وهذا الذي يمكر بالمخلوقين، ويظهر أو تسول له نفسه أن مكره وخديعته تمشي على الناس الله -جل وعلا- يمكر به، والجزاء من جنس العمل {وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [(54) سورة آل عمران].(1/3)
من أرادَ الاعْتِبَار والادِّكَار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من أرادَ أنْ يعتبر ويَدَّكِرْ كما قال القُرطبي في تفسير: ألهاكم التَّكاثر، يقول: من أراد الاعتبار والادِّكَار يَزُور المقابر، يقول: إنْ كانَ مع كثرة زِيَارَتِهِ للمقابر قَدْ قَلَّ أَثَرُها في نَفْسِهِ، تَأْثِيرُها عليه؛ فَلْيَحْضُر المُحْتَضَرِين، حال سُبحان الله العظيم، من شَاهَدَها لا شكَّ أنَّها تُؤَثِّر مَنْ في قَلْبِهِ أَدْنَى حَيَاة؛ لكنْ المَيِّتْ ما لِجُرْحٍ بِمَيِّت إيلامُ! قلب المَيِّتْ ما فيه فايدة! ويُشارك في التَّغسيل ويحضُر الجَنَائِزْ، ومع ذلكم بعض النَّاس يشهد هذه المشاهد ولا تُؤَثِّر فيه شيء، لا شكَّ أنَّ كثرة الإمْسَاسْ، وكثرة مُعاناة هذهِ الأُمُور قد تُخَفِّفُها على النَّفس؛ لكنْ يَبْقَى أنَّها لا بُدَّ من اسْتِحْضَارْ حال الإنْسَانْ في هذا الظَّرْف، فَمَنْ اسْتَحْضَرَ حَالَهُ في هذا الظَّرْف لا بُدَّ أنْ يَتَأَثَّرْ، وعُثمان -رضي اللهُ عنهُ وأَرْضَاه- إذا رَأَى القبر بَكَى بُكَاءً شديداً، يقول: هذا أوَّل منازل الآخرة، يعني إذا نَجِينا من هذا المنزل خلاص عَتَقْنَا، ويُوجد الآنْ رَأْيَ العَيْن مَنْ يُدَخِّنْ على شَفِيرِ القبر! موجود، وليسَ بشابّ – لا – كهل، نصف لحيته أبيض، ويُدَخِّنْ على شَفِير القبر، فضلًا عَمَّنْ يَبِيع ويَشْتَرِي ومواعِيد ونُكت في المقبرة! واللهُ المُستعان.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه
الشيخ / عبد الكريم الخضير
هناك كلام لأهل العلم، وله نصيب من الواقع، قالوا: أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، وهذا مشاهد تجد العالم الكبير أولاده إن كان فيهم خير وفيهم حرص وفيهم طلب علم يحضرون دروس مشايخ آخرين، وهذا لا شك أنه خير؛ لكن تجدهم زاهدين في آبائهم، فأزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، ولعل السبب في ذلك أن الهيبة والتعظيم والقدر في النفوس إنما يكون مع تمام الحشمة، فالعالم من بعيد تجده محتشم، يعني في الغالب عليه السمت، وعليه اللباس الكامل، وقد يكون عليه البشت، والأب تراه على هيئات فيها شيء من ترك الحشمة، أحياناً ما يكون عليه ثوب وهو بين أولاده وزوجته، فمثل هذه الحالة لا شك أنه هيبته تقل في نفوسهم، أيضاً كثرة الإمساس وجوده بينهم في كل وقت وفي كل حين، ويشاهدون تصرفاته وأن تصرفاته تصرفات بشرية، لا شك أن التصرفات بشرية يعتريها ما يعتريها من النقص، فإذا اطلع عليها الأهل والأولاد يعني نزلت قيمته عندهم فبحثوا عن غيره، بينما غيره من أهل العلم باستمرار على الحشمة، ما يرونه على خلاف هذا، فتجدهم يتعلقون به أكثر من تعلقهم بأبيهم أو أخيهم من أهل العلم.(1/1)
اخْتِلَاطْ المَرْأَة بالرِّجَالْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
خُرُوجُ النِّساء من البُيُوت خِلَافُ الأصل، الأصل {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33)/الأحزاب] أُجِيزَ الخُرُوج مع أنَّهُ خِلَاف الأصل؛ للمصلحة الرَّاجِحَة الخالية عن المفاسد، ودَرْءُ المَفَاسد في الشَّرع مُقدَّمٌ على جَلْبِ المَصَالِح، وتَعَلُّم القَدْر الزَّائِد مِمَّا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِمَّا يُقيمُ العبادات على الوَجْه المَطْلُوب؛ مُستحب عند أهل العلم، ليسَ بواجب، والاخْتِلَاطُ حَرَام، اخْتِلَاطُ الرِّجالِ بالنِّساء الأجانب مُحرَّم، وعَرَفْنَا أنَّ درء المَفَاسد مُقدَّمٌ على جَلْبِ المَصَالِح، ولو تَبْقَى المَرْأَة فِي بَيْتِهَا عَامِيَّة لا تَقْرَأْ ولا تَكْتُب، وجُلّ نساء المُسلمين في جميع العُصُور على هذه الحال! وقد تَخَرَّجَ من هذه البُيُوت التِّي رعاها نِسَاءٌ أُمِّيَّاتْ لم يَرَيْنَ الرِّجال، ولا رَأَوْهُنَّ؛ تَخَرَّج العُلَمَاء والقادة والدُّعاة، وجميع أَصْنَاف الرِّجال ممن يستحقّ أنْ يُطْلَقْ عليهِ اسم الرَّجل، وهُنَّ أُمِّيات؛ لكن هذه المرأة إذا خرجت ولو كان قصدُها حسن؛ لِتَعَلُّم العلم، والغالب أنَّهُ لا يَجْتَمِعْ الِإخْلَاص فِي تحصيل العلم مع وُجُود مثل هذا الاختلاط! و الِإخْلَاصُ عزيز، وعِلْمٌ بِدُونِ إِخْلَاص وَبَالٌ على صَاحِبِهِ، والنِّيَّة الصَّالِحة الخالِصَة تَحْصِيلُها من أصْعَب الأُمُور، فإذا كانت مُجرَّد النَّظْرَة ومُسَارَقَةِ النَّظَرْ؛ يُعاقبُ الإنسانُ عليها بِنِسْيَانِ بعض ما حَفِظ فكيف بالاختلاط التَّام بين الجنسين؟! على كُلِّ حال تَعِيش المرأة أُمِّيَّة لا تَقْرَأ ولا تكتب أفضل من التَّدريس المُختلط! كما قال الحافظ الذهبي -رحمهُ الله تعالى- يقول: "واللهِ إِنَّ العَيْشْ خَلْفَ أَذْنَابِ البَقَرْ أَفْضَلُ مِنْ عِلْمٍ كَعِلْمِ ابن عربي وأَمْثَالِهِ!" لِأَنَّهُ مُشتمل على مَحْظُور؛ بَلْ(1/1)
وأيُّ مَحْظُور! مَحْظُورٌ عَظِيمْ... وأيُّ ضَرَرٍ على المرأة أَعْظَم منْ اخْتِلَاطِها بالرِّجال؟! نسأل الله السَّلامة والعافية.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف يصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان؟
الشيخ / عبد الكريم الخضير
كيف يصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان؟
المسلم العادي لا شك أنه يستطيع في زيادة قدر إسلامه وإيمانه بكثرة الطاعات واجتناب المعاصي حتى يكون مؤمناً يزيد قدر ما في قلبه على مجرد الإسلام الأعمال الظاهرة، فإذا زاد من الطاعات ازداد بذلك إيمانه، ثم بعد ذلك يزداد حتى يصل إلى مرتبة المراقبة التي هي الإحسان ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).(1/1)
الإكثار من الكتب قد يكون صارفاً عن التحصيل!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كلاَّ ولا حملك الأسْفَار كالبَهَمِ، يعني ما يكفي أنْ يُقال والله فلان عنده مكتبة كبيرة، ثم بعد ذلك يُعلِّم وهو ما تأهَّل! لأنَّ مُجرَّد اقتناء الكتب لا يعني العلم؛ بل الإكثار من اقتناء الكتب قد يكُونُ صارفاً عن التَّحصيل؛ ولِذا ابن خلدون يقول في مُقدِّمتِهِ: "كثرة التَّصانيف تَعُوقُ عن التَّحصيل" وهذا شيءٌ مُجرَّب، يعني من عنده مكتبة، شيُوخنا أدْرَكناهم مكتباتُهُم دالُوبين أو ثلاثة! كتابين في التَّفسير! وكتابين أو ثلاثة في الحديث! وهكذا في العقيدة، في الفقه! قامُوس واحد أو مرجع واحد في اللُّغة! وكتاب من كتب النَّحو، يعني كتب يسيرة؛ لكن هذهِ الكتب هُضِمَتْ، وعُرِفْ جميع ما فيها، ويُوجد الآن من طُلَّاب العلم منْ عندهُ خمسين ألف كتاب، تَشْغَلُهُ بمُراجعتها، وبعضُهُ يَحُول دُون بعض، يأتي يحتاج إلى كتاب، فيجد الكُتُب مَرْصُوصة دُونَهُ! ويشتري ثانية ويَرصّها ثانية وهكذا، هذا يتعب في جمعها وفي العِناية بها، وفي الوُصُول إليها في بيته، وهذا شيءٌ مُجرَّب، فمُجرَّد كثرة التَّصانيف هذه لا تعني أنَّ الإنسان قد فاق غيرَهُ في العلم! حتَّى إنَّ الحافظ الخطيب البغدادي في اقتضاء العلم العمل يقول: "إنَّ مُجرَّد جمع الكتب ككنز الفضَّة والذَّهب!" يقول: جامع الكتب ككانز الفضَّة والذَّهب، صحيح! كتب لا يُسْتَفاد منها؛ إنَّما تُجْمَع تركة بعدَهُ! أو قد يحتاج ويَبِيعُها! مثل الذَّهب والفضَّة يجدها عند الحاجة إليها في معاشِهِ؛ أمَّا كونُهُ يستفيد منها مع كثرتها! كل الطَّبعات من كتاب كذا، ومن كل طبعة نُسخة كذا، يعني الكلام هذا ما صدر من فراغ! لا يُقال إنَّهُ يُقلِّل مِنْ أهمِّية الكُتُب وشأن الكتب، يعني طالب علم ما عِنْدَهُ كتب كساعٍ إلى الهيجاء بغير سلاح! الكُتب هي سلاح طالب العلم؛ لكنْ ينبغي أنْ تُؤخذ بحكمة وعقل، وأنَّ الإنسان(1/1)
إذا احتاج لكتاب يشتريه، وقد يشتري الكتاب ليكون مرجع يرجع إليه عند الحاجة ؛ لكن ما هو معنى هذا يُعذَّب بهذه الكتب كما هو الحاصل لبعض الشيوخ! صارت وبال عليه! وصار كثير منهم حظُّهُ من الكتب نَقْلُها من مكان إلى مكان، إذا انتقل إلى بيت احتاج إلى سنتين أو ثلاث يُرتِّب! وإذا سَمِع بأنَّ هناك آفة نزلت بهذهِ الكتب، أو اطَّلع على شيءٍ منها في جهة؛ ذَهب ينقُلُها من مكانٍ إلى مكان، ويُنَظِّف ويُعالج وما أدري إيش، هذهِ المسألة لا شكَّ أنَّها مُتْعِبة ومثل ما قَرَّرْنا مشغلة عن التَّحصيل، ونتكلًَّم بهذا الموضُوع من حُرقة وحرارة، يعني عانينا من هذا كثيراً؛ لكن لا يعني أنَّ طالب العلم لا يحتاج إلى كتب! هذهِ ليست طريقة، طالب العلم لا بُدَّ لهُ من الكتب، لا بُدَّ لهُ من المراجع، قد يقول: هناك مكتبات كبيرة تُغني عن اقتناء الكتب، نقول: نعم؛ لكن هل هذهِ المكتبات في حوزتك؛ بحيث تُراجعها متى شِئت؟! هذا الكلام ما هو بصحيح، قد تحتاج إلى مسألة يَفُوت وقتها والمكتبة العامة مغلقة! فكون طالب العلم يَقتني الكتب، ويتوسَّط في الاقتناء، لا يُسْرِف ولا يُكْثِر، ولا يترك شيئاً يحتاجُ إليه.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
يخلط الجد بالهزل وتضيع الفائدة
الشيخ / عبد الكريم الخضير
يوجد من طُلاب العلم لا سيما الذين لا يد لهم في الحديث، وهو في غير هذه البلاد كثير، يأتينا تعليقات على بعض الكتب من طلاب علم يحفظون دروس على مشايخ، فيملون عليهم المشايخ أحاديث موضوعة، ويتداول الناس من العامة والخاصة أحاديث في المناسبات لا أصل لها، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، والكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هفوة، وزلَّة عظيمة، وليست كالكذب على غيره، وإذا كان الأصمعي يرى أن من يلحن يدخل في الحديث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يلحن، فمهما لَحَنْت قوَّلته ما لم يقل؛ لكن إذا جيء بالحديث باللهجة الدارجة مثلاً عند الناس، عامي يتكلم بحديث يريد أن يعظ الناس أو يعظ زوجته أو ولده ثم جاء بالحديث بلهجته، وبعض الناس يتنزَّل مع العامة ويُحدِّثهم بأحاديث بلهجاتهم، ويرتاد مسجده كثير من الناس، ويُطيل الكلام بين الأذان والإقامة لصلاة العشاء إلى ما يقرب من ساعة وهو يُحدِّث على الناس بأحاديث بعضها مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعضها قصص حصل لبعض الصحابة ويُلقيها عليهم بما يفهموه من أساليبه، نقول: نعم، أنت قلت على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقله، فعليك أن تحتاط لهذا الأمر أنت وغيرك؛ لأنَّ أهل العلم إذا منعُوا اللحن فلئن يمنعوا تغيير الألفاظ بالكلية من باب أولى، أحياناً يكون بعض من ينتسب إلى العلم أو الدعوة لديه شيء من المرح، ويريد أن يجذب الناس بأسلوبه فيقع في شيءٍ من هذا، ويقصّ على النَّاس، ويدخل حديث في حديث ليضحك الناس، هذا لا شك أنه لا يجوز، فيدخل حديث لأدنى مناسبة، ولو كانت المناسبة ضد هذا الحديث، ولا داعي لذكر الأمثلة لئلا يعرف الشخص والأمثلة موجودة ومضبوطة، والله المستعان، بعض الناس يقوم ليعظ النَّاس، ويتحدّث بأحاديث، ويتكلَّم بآيات، ويؤثِّر في الناس حتى إذا أقبل الناس على(1/1)
البكاء أردفَ ذلك بنكتة فضحكوا، هذا أسلوب لبعض من ينتسب إلى الدعوة، فلا شك أنَّ في كلامه مؤثِّر، ولديه قدرة على التَّأثير، ومع ذلك يخلط الجد بالهزل ثم بعد ذلك تضيع الفائدة، وهذا الأسلوب وإن كان فيه جذب لبعض الناس لكنه إدخال مثل هذا بين النصوص -نصوص الكتاب والسنة- لا شك أنه ليس بجيِّد، بل أمرٌ سيِّء.(1/2)
فائدة القصص في القرآن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [(16)/ القمر]، يقول: والمعنى حمل المُخاطبين على الإقرار؛ لأنه استفهام تقرير، فحملهم على الإقرار، يعني إذا سُئل استُفهم... كيف كان العذاب؟ هل يُمْكِن أنْ يقول قائل إنه عذاب سهل؟! عذابٌ يسير؟! يُمكن أنْ يُفَرَّ منه؟! يُمْكن أنْ يُحاد عنهُ؟! جواب الجميع: لا، لا يُمكن، فهذا التقرير يحمل المُخاطب على الإقرار والإذعان؛ لوُقُوع العذاب بالمُكذبين لنوح موقعه، وأنَّ السُّنَّة واحدة ما حلَّ بهم؛ يَحِلُّ بمن فَعَلَ فِعْلَهُم، وهذه هي فائِدَة القصص في القرآن {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111)/ يوسف] لكن لمن؟! {لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [(111)/ يوسف] ليس مجرد قصص وتسلية وأخبار مثل ما يُذكر في كتب السَّمر، مُجرَّد أخبار لا حقيقة لها! يعني قد يقرأ الإنسان سيرة عنترة بن شداد ثمان مجلدات! أو حمزة البهلوان، أو الأميرة ذات الهمَّة! قصص وسواليف... ثم ماذا؟! فيها عبرة؟! ما فيها عِبْرَة؛ لأنَّها خيال ليست بواقع، أو فيها واقع لا يُفيد؛ بينما قصص القرآن عِبْرَة وليست مُجرَّد تسلية، هي تسلية للنبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، وتسلية لهذهِ الأُمَّة، وتسلية لمن اعتبر واتَّعَظ وادَّكَرْ؛ لكنْ مع ذلك هي إنما سِيقت؛ لِنَخْشَ ونَحْذَر، السَّبب الذِّي عُذِّبُوا من أجله؛ ولِذا يقول عمر -رضي الله عنه-: "مضى القوم ولم يُرَدْ بِهِ سِوانا"! يعني ما الفائدة أنْ نعرف أنَّ قوم نُوح أُغْرِقُوا؟! وقوم عاد أُهْلِكُوا بالرِّيح؟! وقوم ثمود إلى آخره، لا فائدة من ذلك إلاَّ أنَّنا نتصوَّر ما وقع بهم، ونَجْتَنِبْ ما أَوْقَعَهُم في هذا العذاب.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
أفلا أكون عبداً شكوراً؟!
الشيخ / عبد الكريم الخضير
الرواتب جاء في حديث ابن عمر وغيره أنها عشر، وهنا قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين بقي منها ركعتا الصبح فتكون عشراً، وجاء أيضاً من حديث أم المؤمنين أن الرواتب اثنتي عشرة، أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح، ثنتا عشر ركعة من حافظ عليها كان أجره وثوابه إيش؟ يبنى له قصرٌ في الجنة، فإذا داوم على هذه الركعات الإثنتي عشرة مع الفرائض وهي سبع عشرة ركعة مع الوتر إحدى عشر ركعة يكون المجموع أربعين.
ويقول ابن القيم: "إن من طرق الباب أربعين مرة في اليوم والليلة يوشك أن يفتح له" فأربعين ركعة كم تستغرق من عمر الإنسان؟! فإذا أضاف إليها أربع قبل العصر التي جاء الحث عليها، وأيضاً الصلوات المرغب فيها عند وجود أسبابها، نعم الضحى على الخلاف في عددها وقد تقدمت، وجاء أيضاً الترغيب في بعض الصلوات، وأهل العلم من سلف هذه الأمة وخلفها لا زالوا يكثرون التنفل امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)).
وذكر عن بعضهم أعداد قد تكون في حساباتنا مبالغات، فذكر عن الإمام أحمد أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، والحافظ عبد الغني -رحمه الله- ذكر عنه أنه يصلي كذلك، لكن هناك ما يقبله العقل وما لا يقبله العقل ولا يستوعبه الوقت، ذكر ابن المطهر الرافضي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، هل يستوعب الوقت ألف ركعة؟ ألف ركعة؟! يعني الركعة كم دقيقة؟ أقل شيء دقيقة واحدة، والوقت لا يستوعب ألف ركعة.(1/1)
وعلى كل حال الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فعلى الإنسان أن يأخذ منه بقدر طاقته، وما لا يجعل النفس تمل الدين وتمل العبادة، يأخذ منه بقدر ما يمتثل به ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ويحرص أشد الحرص على ما جاء فيه النص الخاص ويزيد من ذلك ما شاء.
فإذا استغل أوقات الفراغ لا سيما في الليل بالصلاة فهذا من خير ما تفنى فيه الأعمار {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه إشارة إلى أن أهل هذه الصلاة التي هي قيام الليل هم أهل العلم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] وجاء الحث: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين))، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) ومع الأسف كثير من طلاب العلم بل بعض من ينتسب إلى العلم لا نصيب له من قيام الليل، وهذا لا شك أنه تقصير وخلل، والإنسان مأمور بالفرائض بلا شك ويأثم بتركها، ولا يأثم بترك النوافل لكن هذه الفرائض يعتريها ما يعتريها من خلل ونقص فيجبر من هذه النوافل ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟)) يجبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ولا شك أن هذا من شكر النعمة، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) هذا شكر النعمة، وبهذا تقر النعمة، والله المستعان.(1/2)
فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الطَّاعةُ بِالمَعْرُوفْ، وعلى الوَلَد أنْ يَبَرَّ بِوَالِدَيْهِ، وعليه أنْ يَنْظُر فِي مَصَالِحِهِمَا، وألَّا يُقَدِّم عليهما أحدًا؛ لِأَنَّ الغِيرة إنَّما تَأْتِي للوالدين الذين تَعِبَا على الولد، ثُمَّ بعد ذلك في يَوْمٍ وليلة يَنْقَلِب خَيره كُلّه لِأَهْلِهِ! ويُفْهَم من حديث: ((خَيْرُكُم خَيْرُكم لِأَهْلِهِ)) أَنَّهُ لَا بُدَّ أنْ يَكُون الخَير كُلُّه لِأَهلِهِ، ويَتْرُك من عَدَاهم مِن الأَهْل، وهَذا الكلام ليس بصحيح، الوالد والد، والوالدة والدة، ولهُمَا من الحُقُوق ما جاءت النُّصُوص القطعِيَّة التِّي لا تَحْتمل التَّأويل بِوُجُوبِ بِرِّهِمَا والنَّظر في مَصَالِحِهِمَا، إذا كان الجِهَاد مَوْقٌوف على رِضَاهُما ((أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ)) وهذا هو الجِهَاد فكيف بغيره؟! ومع الأسف أنَّهُ يُوجد من طُلَّاب العِلْم من أَغْفَلَ هذا الجَانِبْ، يكون لهذا الطَّالب مَجْمُوعة من الشَّباب يَرْتَبِط معهم، وهم شباب فيهم خير يَحْضُرُون الدُّرُوس، وبقاؤُهم في المساجد كثير، في المكتبات وغيرها؛ لكنْ من السَّهْل جِدًّا أنْ يَأْتِي الزَّمِيلْ ويَضْرِب مُنَبِّه السِّيَّارة عند الباب، فَمُبَاشرة يَخْرُج الولد! ويَذْهَب مع زَمِيلِهِ مِنْ صَلاة العَصر إِلى مُنْتَصَف اللَّيْل، وهذا أبْرَد على قَلْبِهِ من المَاء البَارِد في الصِّيفْ؛ لَكِنْ بِالإِمْكَان أنْ تقول لَهُ أُمُّهُ: نُريد أنْ نَزُور خَالَتُك فُلَانة، أو أُخْتُكَ فُلَانة في الحَيّ نفسه ثُمَّ يَتَثَاقَل! هذا خلل! وش مَعنى إنَّك تُجيب زَمِيلك وترتاح إليهِ وتسهر معهُ، وقد تقضي حَوَائِجُهُ؛ وأُمُّكَ أقْرَب النَّاسْ إليك، وأَحَقُّ النَّاس وحَقُّها أوْجَبْ الواجِبات عليك؛ ثُمَّ بعد ذلك يَصْعُبُ عليك! وذَكَرُوا فِي تَرْجَمَةِ شخص أنَّهُ حَجَّ مِرَارًا، حجَّ ثَلَاث مَرَّات أو(1/1)
أرْبَع مِنْ بَغْدَاد حَافِيًا مَاشِيًا ثَلَاث مَرَّات يَحُجُّ مِنْ بغداد مَاشِي! لمَّا قَدِم إلى الحَجَّة الثَّالثَة دَخَل البَيت، فإذا بالأُم نَائِمَة، فاضْطَجَعَ بِجَانِبِها انْتَبَهَت فَإِذا بِهِ مَوْجُود قالت: يا وَلَدِي أَعْطِنِي مَاء، القِرْبَة مُعَلَّقة أمتار، يقول: أنا مُتْعَبْ، وكَأَنِّي مَا سَمِعْتْ الكَلَام! كَأَنِّي نَائِم، سَكَتَتْ، ثُمَّ بعد ذلك أَعَادَتْ، يا وَلَدِي أَعْطِنِي مَاءً، ومِثل، تَرَكَهَا فِي المَرَّة الثَّالِثَة رَاجَع نَفْسَهُ؛ أَذْهَبْ آلَافْ الأَمْيَال مَاشِياً والأُمْ تَطْلُب مِنْ أَمْتَار المَاء؟! يعني هل هذا يدُلُّ على صِدْقٍ في النِّيَّة؟ وإخْلَاصٍ لله -جلَّ وعَلَا- في هذا الحَجّ ؟! ما الذِّي يَظْهَر من هذا الصَّنِيع؟! الذِّي يَظْهر أنَّهُ ما حَجَّ لله! لِأَنَّ المَسْأَلة هذا أَوْجَب، يعني حَج نَافِلَة، يَحُجُّ مَاشِياً آلَافْ الأَمْيَال، أَوْ بِضْعَة أَمْتَار لِإِجَابَة أَمْر واجِب؛ فَلَمَّا أَصْبَح ذَهَبَ وسَأَلْ، لَوْ سَأَلَ فَقِيه وقال: أَنَا حَجَجْت وتَوَافَرَت الشُّرُوط والأَرْكَان والوَاجِبَات ومَا فَعَلْتْ مَحْظُور ولا تَرَكْتْ مَأْمُور! قال: حَجُّكَ صَحِيح ومُسْقِط للطَّلَبْ، ومُجْزِئْ، والفَتْوَى على هذا، ما فِيه إِشْكَال ما يُؤْمَر بِإِعَادَتِهِ؛ لَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلى شَخْص نَظَرُهُ إلى أَعْمَال القُلُوب أَكْثَر من نَظَره إلى أعمَال الأَبْدَان، فقال لَهُ أَعِدْ حَجَّة الإِسْلَام؛ لِأَنَّ حَجُّكَ لَيس لله! لو كان لله ما تَرَدَّدْت في قَبُول المَاء؛ لكنْ لَا شَكَّ أنَّ مثل هذا لا يُمْكِن أنْ يُفْتَى بِهِ؛ لَكنْ يُذْكَر هذا مثال على ما يَقَعْ مِنْ بَعْضِ الشَّبَاب المُلْتَزمين المُنْتَسِبين إلى طَلَبِ العِلم، فَيَسْهُلُ عليهِ أنْ يَطْلب منهُ زَمِيله أنْ يَخْرُج معهُ فِي رِحْلَة لِمُدَّة أُسْبُوع؛ لكنْ لَو قالت لَهُ أُمُّهُ: نَزُور(1/2)
فُلَانة أو عَلَّانة أُخْتِي أو خَالَتِي أو عَمَّتِي أو ما أَشْبَه ذلك صَعُبَ عليه، فعلينا أنْ نُعِيد النَّظر في تَصَرُّفَاتِنا، وأنْ يَكُون هَوَانَا تَبَعاً لما جاء به النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر والنهي صمام الأمان
الشيخ / عبد الكريم الخضير
((يُجاء برجل فيطرح في النار فيَطحن فيها)) وفي رواية: ((فيُطحن فيها كطحن الحمار برحاه)) يطحن، يدور مثل دوران الحمار بالرحى ((فيطيف به أهل النار)) يتعجبون يستغربون كيف يأتي هذا؟ يجتمعون عليه، كيف؟ كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ إيش اللي جابك هنا؟! ((فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان)) ما شأنك؟ ما الذي أتى بك؟ ((ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول لهم: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله)) هذا خطر عظيم كون الإنسان يأمر وينهى ويُوجِّه وينصح وهو أبعد الناس عما يقول؛ لكن أهل العلم بل جمهورهم على أنه لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون غير متلبس بمعصية؛ بل عندهم أن الجهة منفكة، عليك أن تؤدي ما أمرت به من أمر، وما كلفتَ به من إنكار ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) ومع ذلك أنت مُؤاخذ بما تفعل من المنكرات، وإلا لو اشترطت العصمة لتعطَّل هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، شعيرة من شعائر الإسلام، على حد تعبيرات المعاصرين يقولون: الأمر والنهي صمام الأمان، وبه يدفع الله -جل وعلا- الشرور؛ لأن المنكر إذا ظهر ولا يوجد من ينكره عمَّت العقوبة الجميع؛ لكن إذا وجد من ينكره ارتفعت هذه العقوبة، وليس هذا بمبرر -مثل هذا الكلام- لأن يقع الناس في أهل الحسبة، يقول: ها شف يطحن في النار وهو يأمر وينهى، ما كل من يأمر وينهى صادق، صحيح ما كل من يأمر وينهى صادق، لكن الأمر والنهي لا بد منه، وليسوا بمعصومين، وليست أخطاؤهم بأكثر من أخطاء غيرهم؛ لأنه قد يقول قائل من السفهاء الذين يكتبون: ها شوف يأمر وينهى من أهل الحسبة ويطحن في النار كما يطحن..،(1/1)
لو جلس في بيته أفضل له، لا يأمر ولا ينهى، نقول: لا ما هو بصحيح، عليه أن يأمر وعليه أن ينهى، وعلى المأمور أن يأتمر، وعلى المنهي أن ينتهي، وحساب الجميع على الله -عز وجل-.(1/2)
التطاول على ابن حجر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: نرجو نُصْح بعض طلبة العلم، الذين يتطاولون على ابن حجر، ويهونون من شرحه لصحيح البخاري، ويقولون: لديه أخطاء عقدية، ولا ينبغي قراءتها؟!!
الأخطاء موجودة، الأخطاء موجودة في فتح الباري، وفي النووي على مسلم، وفي القاضي عياض على مسلم، وفي المفْهِم للقرطبي، وفي تفسير القرطبي، وفي التفاسير، وفي شروح الأحاديث، الأخطاء موجودة، فهل يعني هذا أننا لا نقرأ إلا ما سلم مائة بالمائة؟ إذن نقتصر على القطعة التي شرحها الحافظ ابن رجب، -رحمه الله- من البخاري، وشرحه أيضاً الأربعين، وكلام ابن القيم من سنن أبي داود؛ لأن الخطابي عنده مخالفات عقدية، وابن حجر عنده، والعيني عنده، والقسطلاني عنده، والكرماني عنده، كل الشروح عندهم، أي نقتصر على ما سلم مائة بالمائة؟ لا يمكن أن يسلم كتاب مخلوق من كل وجه، لا يمكن، تفسير الحافظ ابن كثير من أسلم كتب التفسير، ونقب، وبحث، ووجد، لكنها خفيفة، لا تظهر لكل الناس، فمن المعصوم؟ لكن المفترض في طالب العلم أن يعرف، يسبر هذه الأخطاء، أو تُسْبر له، والحمد لله، لم تظهر طبعات بين فيها بعض الأخطاء، وإن لم تكن، يعني مستوعبة، لكن وجد، وأحسن من لا شيء.(1/1)
التطاول على أهل العلم مصيبة، وظهر في الآونة الأخيرة من بعض من ينتسب إلى طلب العلم، ومعلوم ما جاء في الكلام في المسلمين عموماً، وأهل العلم على وجه الخصوص، وبالأخص من مات منهم، فمن مات؛ تذكر محاسنه، فالتطاول على أهل العلم تطاول على العلم، وإفقاد الناس الثقة من أهل العلم، يجعل الناس يعيشون بدون مرجع، وهل كل الناس يستطيع أن يستفيد من النصوص دون واسطة أهل العلم؟ لا يمكن، فإذا هونا من شأن العالم الفلاني، والثاني، والثالث، والرابع، ماذا يبقى لنا؟ وتبقى أنها وجهات نظر! إذا هون جمع من الناس فلاناً، وقلنا خلاص انتهى هذا، هذا احترق، وجمع آخرون هونوا من شأن فلان، وكذا، وهكذا، من الذي يصلح؟ ومن الذي يسلم من الأخطاء؟ ولو هان، لأنه لا يسلم منها أحد، ولا يعني هذا أن هؤلاء العلماء، سواء كانوا من المتقدمين، أو من المتأخرين، أنهم معصومون؟ لا. يخطئون، من خطأ يبين خطأه بالطريقة المناسبة، التي تؤدي الغرض، ولا يترتب عليها مفسدة، لكن إذا كان تبيين الخطأ يترتب عليه مفسدة، مؤلف كتاب في أخطاء فلان، كثيراً من الناس ما يستحضر إلا هذه الأخطاء.(1/2)
يقول شخص عنده هذه الأخطاء، كيف نستفيد منه؟ لكن إذا مرت هذه الأخطاء، وجاء لها مناسبة في أثناء شرح، أو في أثناء درس، وقد زل فيها بعض أهل العلم، يقال من غير تعيين للشخص، إلا إذا ترتب على تعيينه مصلحة، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإذا أردنا أن نحذر من كل كتاب يشتمل على خطأ، ومن الذي يضمن أن هذه الكتب التي رشحناها، وقلنا إنها خالية من الأخطاء، وأنها تعرى من الأخطاء، ومن وجهة نظر آخرين، فيها أخطاء، إذن يترك العلم كله؟ العبرة بكون هذه المفسدة مغمورة في جانب ما يشتمل عليه الكتاب من فوائد، فإذا كانت المفسدة مغمورة في جانب ما اشتمل عليه من الفوائد، فائدة لا بد منها، كيف تفهم من النصوص من غير الرجوع إلى التفاسير، تفاسير أهل العلم ومن القرآن؟ كيف تفهم نصوص السنة من غير الرجوع إلى ما قاله أهل العلم في شروح الأحاديث؟!(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
التوازن بين الدراية والرواية
الشيخ / عبد الكريم الخضير
ينبغي أن يكون طالب العلم عنده شيء من التوازن، لا يوغل في الرواية فيعنى بها ويغفل عن الاستنباط والاستدلال للمسائل العلمية الذي هو الثمرة العظمى من الرواية، لا يغفل عن هذا فينشغل بالرواية، ولا يعكس، لا يشتغل بالدراية ثم في النهاية يجد نفسه ما حفظ شيء، كما هو صنيع بعض من يعاني الحديث على طريقة الفقهاء، فعليه أن يوازن، يحفظ ما يحتاج إليه، الأحاديث من أصولها، بأسانيدها، بألفاظها، ويستنبط منها، ويعاني شروحها، ويراجع الشروح؛ لأن بعض الناس ليست له عناية بالحفظ، ويعنى بالاستنباط ومراجعة الشروح ويهتم بذلك، ثم إذا انتبه بعد سنين إذا ما في ذهنه شيء، إلا رواية حديث من مائة حديث بالمعنى، كما هو واقعنا وواقع كثير من طلاب العلم؛ لأن العناية اتجهت إلى الاستنباط والدراية، وغفلنا عن الرواية، وبعضهم بالعكس تجده يحفظ مئات بل آلاف الأحاديث يُعنى بحفظ زوائد البيهقي والمستدرك على الكتب، ومع ذلك لو تسأله ما الذي يفيده هذا الخبر؟ ما له عناية؛ لأنه لا يراجع الكتب، لا يراجع الشروح، مراجعة الشروح والإكثار من مراجعة الشروح تولد لدى طالب العلم ملكة يستطيع أن يفهم بها ويشرح أحاديث لم يسبق شرحها، تكون لديه ملكة خلاص أخذ صار لديه أهلية للشرح لكثرة معاناته للشروح، فينبغي لطالب العلم أن يوازن بين هذا وهذا.(1/1)
ترويض النفس على العبادة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ثبت في النصوص عن أهل العلم من الصحابة ومن دونهم أنهم يسهرون، لكن على أيش؟ على الخير، فمنهم من يقسم الليل إلى أجزاء ينام ثلثه، ثم يتعلم ويطلب العلم ويقرأ ويبحث ثلث، ثم يصلي ثلث، يصلي ثلث الليل، بهذه الطريقة لا شك أن الإنسان يصل إلى مراده، نعم هذه صعبة على النفوس لكنها بالجهاد تسهل، بالمجاهدة تذل، ثم بعد ذلك تكون سجية للإنسان، وتكون أيضاً لذة ومتعة، فالسلف منهم من قال: "كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذنا به عشرين سنة"؛ فالمسألة لا بد من المرور بمرحلة المجاهدة، طلب العلم شاق يحتاج إلى مجاهدة في أول الأمر، ثم يكون لذة، يتلذذ به طالب العلم.
والمعلم في أول الأمر يجاهد، كثير من مشايخ وقضاة وطلاب العلم ودعاة في بعض المناطق تسأل هل في هذا البلد دروس؟ يقول لك: ما فيه دروس، تسأل القاضي، لماذا؟ يقول: والله جلسنا، جلسنا في رجب مثلاً، جلس عندنا عشرة طلاب، ثم جاء رمضان انقطع الدرس ثم استأنفاه بعد العيد ما حضر إلا خمسة، ثم جاء الحج وانقطع الدرس بعد الحج حضر اثنين، من يبي يجلس للاثنين؟ قلت: يا أخي تجلس لواحد، أنت إذا أردت أن يقرأ عليك الكتاب وجئت بشخص يقرأ عليك الكتاب لا تدفع له أجرة؟ قال: أدفع له أجرة، قلت: إذن جرب أنت أثبت واصبر، وتجاوز هذه المرحلة، مرحلة امتحان، كل الناس مروا بهذا، أنا أعرف شخص يحضر دروسه في الفجر -فضلاً عن المغرب- ما يقرب من ألف، الآن، دروس المغرب جموع غفيرة، أنا أدركته قبل ثلاثين سنة، ما عنده إلا طالب واحد، وليس بسعودي بعد، ثم صبر إلى أن أقبل الناس عليه، فلا بد من تجاوز هذه المرحلة، مرحلة الامتحان، ثم بعد ذلك تتلذذ، والله المستعان.(1/1)
فطالب العلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والمعلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والعابد الذي يريد العبادة النوافل شاقة على النفس، وبعض الناس يفتح له أبواب ويغلق عليه أبواب، عنده استعداد يجلس خمس ساعات يقرأ القرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة، فضلاً عن صلاة ركعتين، نقول: عليك أن تجاهد نفسك لترويضها من أجل الصلاة؛ لأن الصلاة من أفضل الأعمال، بعض الناس عنده استعداد يبذل الألوف المؤلفة ولا يصوم يوم، يقال: عليك أن تجاهد نفسك في الصيام، في هذه الباب، ليفتح لك، فإذا جاهدت نفسك وتجاوزت هذه المرحلة أبشر تجد من اللذة والمتعة والأنس ما يجعلك تتمنى أن لو كان اليوم أطول، وأحياناً منهم من يتمنى وقرأنا في سير بعض العباد، أنهم يتمنون أن الحر أشد، والوقت أطول، لأنهم لا يحسون بتعب ما دام القلب مرتاح فالبقية كلها مرتاحة، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- القلب، البدن شبه المعدوم في هذا الباب، كيف ذلك؟ شخص جاوز المائة ويصلي خلف شخص في صلاة التهجد ويقرأ في التسليمة جزء كامل من القرآن، ففي صلاة التهجد يقرأ خمسة أجزاء في التسليمة الأخيرة في يوم من الأيام، وهذا الشخص جاوز المائة ويصلي قائم واقف خلف هذا الإمام، في التسليمة الأخيرة الخامسة خفف الإمام؛ لأنه سمع مؤذن يؤذن الأذان الأول والعادة جرت أنه إذا أُذن الأذان الأول معناه أن المسجد هؤلاء انتهوا من الصلاة، فظن أنه تأخر على المصلين فخفف فلما سلم اتجه إليه هذا الشيخ الكبير الذي جاوز المائة، وأخذ يوبخه ويقرره ويقول: ليال قليلة وجاء وقت اللزوم يعني آخر الوقت كيف تخفف؟.(1/2)
وشباب يتذمرون نجد مسجد يصلي صلاة العشاء مع التراويح بأقل من نصف ساعة؟ وهذا يمتلأ من الشباب ليش؟ لأنه يخفف، لكن الذي يطول عليهم لو يزيد خمس دقائق تذمروا وضاقوا ذرعاً بهذا التطويل، وبعضهم عنده استعداد يخرج من المسجد، والتسليمة في أقل من خمس دقائق ويخرج من هذا المسجد ساعة يتحدث من أحد، وبلغنا عن شخص كبير في السن من عشر سنوات أو أكثر يصلي جالس، في يوم العيد صارت عارضة، تعرفون العارضة؟ نعم، فأخذ يعرض مع الناس قائم بيده السيف وقتاً طويلاً، فلما نوقش يا ابن الحلال تصلي جالس من سنين والآن... قال: والله لو كنتم تعلمون ما الذي حملني على رجلي فأنا أعلم، ما أدري ما الذي شالني؟ فالتعامل في مثل هذه المواقف القلب الذي يتعامل تجد شخص تقول: كيف هذا يستطيع أن يعيش؟ وبعد ذلك إذا وقف في الصلاة كأنه سارية، لا يتحرك، وبعض الناس يراوح بين رجليه قبل أن تتم الفاتحة، ملل وقلق، وسببه عدم ترويض النفس على العبادة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه، هذا شكر النعمة، ولهذا لما قيل له قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟!)) فعلى الإنسان أن يشكر الله -جل وعلا- على ما أعطاه وأولاه من نعم، وأسدى إليه من دفع للنقم.(1/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
العلم يحتاج إلى مدارسة وسهر وتعب
الشيخ / عبد الكريم الخضير
العلم يحتاج إلى مدارسة، يحتاج إلى أن تسهر الليالي، وعرف من كثير من المتقدمين تقسيم الليل إلى ثلاثة أجزاء: ثلث للنوم، وثلث للمطالعة والكتابة، وثلث للصلاة، ولا بد من الاستعانة بالصبر والصلاة؛ لأن بعض الطلاب تجده حريص على طلب العلم، ومن درس إلى درس، ومن حلقة إلى حلقة، ومع ذلك يشق عليه أن يصوم يوم في سبيل الله، أو يصلي ركعتين مثل هذا لا يعان على طلب العلم، خير ما يعين على طلب العلم العمل بالعلم، ولذا تجدون الجبال الكبار من أئمة الحفظ والفهم لو نظرت إلى مدة طلبهم للعلم بالنسبة لما عرف عنهم من عمل وجدت أن العمل أكثر، يعني الإمام أحمد وهو يحفظ سبعمائة ألف حديث كيف تدرك سبعمائة ألف حديث؟ يعني يحتاج إلى أن يحفظ كم في اليوم الواحد؟ هل نقول: إن الإمام أحمد عطل الواجبات ترك النوافل والمندوبات؟ أبداً، الإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، ويقول القائل مما لا يحتمل عقله مثل هذا الكلام هذا غير معقول، ثلاثمائة ركعة تحتاج إلى إيش؟ تحتاج إلى دقيقة مثلاً، يعني ركعة أقل ما يجزئ تحتاج إلى دقيقة، وثلاثمائة دقيقة يعني خمس ساعات، متى يطلب العلم؟ متى يتعلم؟ متى يُعلم؟ متى ينام؟ متى..؟ لكن لتعلم أن الإمام أحمد ما عنده استراحة، نعم وليس عنده أناس يؤنسونه، ويضيعون عليه الأوقات كما يفعله كثير من الناس اليوم، وليس عنده على ما قال بعضهم: صالون في بيته يحتاج إلى ثلاث ساعات في اليوم ينظر في المرآة، وهذه شعرة زائدة، وهذه شعرة ناقصة، الإمام أحمد ما عنده شيء من هذا، فإذا صرف خمس ساعات في الصلاة وقل مثلها للعلم بقي عنده أربعة عشر ساعة، والواحد منا إذا حضر درس أو ألقى درس يحتاج إلى راحة كأنه ألقى صخرة من فوق رأسه يحتاج بقية اليوم كله يرتاح وينفس عن نفسه، ويُروّح، فمثل هذا يحتاج الإنسان في مثل هذه الظروف إلى إعادة نظر.(1/1)
كتب الإمامين لا يستغني عنها؛ إلَّا من استغنى عن العلم !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل يجب على طالب العلم النَّظر في كُتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى-، وإنْ كان الجواب بنعم، فبم تنصحون؟!
أوَّلًا: بالنِّسبة للوُجُوب، يقول: هل يجب على طالب العلم النَّظر في كُتب شيخ الإسلام؟ العلم جُملةً منه ما هو واجب، ومِمَّا لا يتمُّ الواجب إلا بمعرفتِهِ على المُكَلَّفْ، وباقيه نفل من أفضل الأعمال، وهو بابٌ من أبواب الجهاد، أمَّا كَوْنُهُ يجب فلا، وتبعاً لذلك، فالنَّظر في كتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى- من أولى ما ينبغي أنْ يُعْنَى به طالب العلم؛ لأنَّها خير ما يُعين على فهم الكتاب والسُّنَّة.
فبم تنصحون؟(1/1)
لا شكَّ أنَّ مُؤلَّفات الشيخين كُلُّها قَيِّمة، وكُلُّها نافِعة؛ لكنْ منها ما يُناسب المُتوسِّطين، ومنها ما لا يُدْرِكُهُ إلاَّ الكِبار، ومنها ما لا يُدْرَكْ كُتب شيخ الإسلام على وجه الخُصُوص إلا القليل النَّادر جدًّا، فكُتُب شيخ الإسلام -رحمهُ الله تعالى- مُتفاوته جدًّا، فيها تفاوُت، وعلى كُلِّ حال الطَّالب المُبتدئ عليهِ أنْ يَلْزَمْ الجَادَّة، ويقرأ كتب المُبتدئين التِّي خَصَّصها أهلُ العلم لهم، مع حفظ ما أمْكَنَ حِفظُهُ من كتاب الله -جلَّ وعلا-، وبَقِيَّةُ العُلُوم على التَّرتيب المعرُوف عند أهل العلم، وكتب شيخ الإسلام بالنِّسبة للمُبتدئين تصعُب عليهم جدًّا، المُتوسِّطين قد تناسبهم بعض كتب ابن القيم -رحمهُ الله-، كتب ابن القيِّم أيضاً فيها نفائس، وفيها فهمٌ عجيب للنُّصُوص، وفيها توجيه، وفيها عِلَاج لكثير من أمراض القُلُوب، فلا يستغني عنها طالبُ علم، لا يَسْتَغْنِي عنها إلا من اسْتَغْنَى عن العلم! فكتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غاية الأهمِّيََّة لطالب العلم؛ لكنْ يَنْبَغي أنْ تُرَتَّبْ الأُمُور، منها ما يُمْكن أنْ يُفْهَمْ، ومنها ما لا يُفْهَمْ إلاَّ بالقراءة على الشُّيُوخ، ومنها ما يُؤَجَّلْ، تُؤَجَّلْ قِراءَتُهُ حتَّى يُدْرِكَ الشَّخص، تكون لديه أهليَّة لفهم هذهِ الكتب، فبعض الطُّلَاب يَسْمَع مَدْح بعض الكتب، وهذا شيء يُؤثِّر في الجميع إنَّ الشيخ يمدح كتاب؛ يذهب الطَّالب يقتنيه ويَنْظُر فيه! ثُمَّ بعد ذلك يُفَاجَئ أنَّهُ فوق مُستواه! فيملّ منهُ ويترك، وكثير من الطُّلَّاب على هذه الشَّاكِلة، الشيخ المُتحدِّثْ أمَامَهُ فِئَات مُتفاوتة في الفهم، فهو يمدح الكتاب باعْتِبَارُهُ نافع؛ لكنْ ما ينظر إلى أنَّ بعض من يحضر من المُبتدئين قد يصرفه هذا الكتاب عن تحصيل العلم! فإذا سَمِع طالب العلم المُبتدئ مثلًا مَدْح الحافظ ابن كثير لعلل الدارقطني أشَادَ بِهِ، والكتاب كذلك؛(1/2)
لكن هل يصلُح لِطُلَّاب مُبْتَدِئين أو حتَّى المُتوسِّطين؟! ما يصلُح؛ لأنَّ الطَّالب المُبتدئ وحتَّى المُتوسِّط قد لا يُدْرِك كثير مِمَّا يرمي إليهِ الدَّارقطني، أو يسمع مَدْح ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- لكتاب العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية:
واقرأ كتاب العقل والنَّقل الذِّي ... ما في الوُجُود لهُ نَظِيرٌ ثاني
ثُمَّ يذهب لِيَقْرَأ! يمُر عليه مائة صفحة مائتين صفحة مُجلد ما فهم منه شيء البتَّة، هذا حتَّى المُتوسِّطين حتى المُنتهين؛ بل كثير من الشُّيُوخ لا يُدْرِك كثير من كلام شيخ الإسلام! في مثل هذه الكتاب أو نقض التَّأسِيس، يسمع كلام ابن القيم -رحمهُ الله-:
وكذلك التَّأسِيسُ أصبح نَقْضُهُ ... أُعْجُوبةً للعالم الرَّبَّانِي
ومن العَجِيبِ أنَّهُ بِسِلَاحِهم ... أَرْدَاهُمُ نحو الحَضِيَضِ الدَّانِي
يعمُد لِشِراء هذا الكتاب، ثُمَّ يقرأ فيه كونُهُ يَقْتَنِيهْ، ويَجْعَلُهُ عندهُ ويدَّخِرُهُ في مَكتبتِهِ إلى أنْ يَتَأَهَّلْ لقراءتِهِ هذا طَيِّب؛ لكنَّهُ يبدأ بمثلِ هذهِ الكتب؟! أتصوَّر إنّ طالب العلم قد يُصاب بِرَدَّة فِعل، منهاج السُّنَّة لشيخ الإسلام ابن تيمية من أمْتَع كُتُبِهِ -رحمهُ الله-، منْ أيْسَرِها على أوْسَاط المُتعلِّمين؛ لكنْ في المُجَلَّد الأوَّل ثلاثمائة صفحة لو ادَّبَّسْ مرَّة ما تُقْرَأ! وفي السَّادس مثله، يعني كلام جزل صعب على كثير من المُتعلِّمين، ومع ذلك كتب شيخ الإسلام وابن القيم من أنفع ما يُعين على فَهْم الكتاب والسُّنَّة، إضافةً إلى ما كتبهُ الأئِمَّةُ المُحَقِّقُونْ مِنْ سَلَفِ هذهِ الأُمَّة وأئِمَّتِها.(1/3)
يَقْرَأ الطَّالب لا ابن القيم مثل الفوائد، ومثل إغاثة اللَّهفان، ومثل مفتاح دار السَّعادة، ومثل حادي الأرواح، ثُمَّ بعد ذلك يطلع ويتأهَّل لإعلام المُوقِّعين، وقَبْلَهُ لزاد المعاد؛ كتب نافِعة في غاية الأهَمِّيَّة، كتب لا يُغني عنها شي، فطالب العلم لا يَسْتَغْنِي عن كتب هذين الإمامين.(1/4)
الأدب في الحوار والمناقشة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن جابر -رضي الله عنه- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب فقال: ((صليت؟)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يراه لما دخل، والنبي يخطب فجلس، قال: فقال: ((صليت؟)) قال: لا، قال: ((قم فصل ركعتين)) وهذا فيه أدب، أدب التوجيه والإرشاد؛ لأنك لو رأيت داخلاً وقلت له: قم فصل، أولاً: المباشرة بالأمر فيها ما فيها، ثقيلة على النفس؛ لكن إذا استفهمت هل صليت ركعتين؟ يعني الآن دخلت إلى قلبه احتمال أن يقول لك: نعم صليت ركعتين في فناء المسجد، داخل السور، وهي تحية المسجد، أو يكون مثلاً جار لشخص في فرجه بينك وبين جارك صلى واحد الركعتين في الصف الثاني ثم تقدم إلى هذه الفرجة تقول له: قم صل ركعتين! ويش بيقول لك؟ بيقول لك: صليت؛ لكن لو جئت بأسلوب: هل صليت ركعتين؟ ما في أثر على نفسه، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب في الحوار والمناقشة، يعني لو سمعت كلام منقول عن أحد من المشايخ فتوى تراها خطأ أنت تروح للشيخ وتقول: خطأ، أخطأت يا شيخ! والصواب كذا! أو تقول: ما حكم كذا أولاً، فإذا أجاب بما نقل عنك مما لا تراه، تقول: ألم يدل الدليل على كذا؟ ألم يقل عامة أهل العلم بكذا؟ يعني بأسلوب مناسب؛ لأنه أدعى للقبول.(1/1)
لا تعدل عن الصِّراط المستقيم لا يميناً ولا شمالاً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
واسْلُك سَواء الصِّراط المُستقيم ولا تعدل... عَلَيْكَ بالصِّراط المُستقيم ، واسأل الله -جلَّ وعلا- حيثُ أَمَرَكَ في كُلِّ ركعة من رَكعَات الصَّلاة أن يَهْدِيَك الصِّراط المُستقيم، وأنْتَ على الصِّراط المُستقيم؛ اسأل الله -جلَّ وعلا- أنْ يُثبِّتَكَ على الصِّراط المُستقيم، ولا تَعْدِلْ عَنْهُ لَا يَمِيناً ولا شِمَالًا، لا تَعْدِلْ عن الصِّراط المُستقيم، ولا تَعْدِلْ لا تميل عن هذا الصِّراط المُستقيم.
وقُلْ ربِّيَ الرَّحمن واسْتَقِمِ ((قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)) وقُلْ ربِّيَ الرَّحمنُ واسْتَقِمِ، يعني على دِينِهِ وعلى صِرَاطِهِ المُستقيم.(1/1)
إذا أردْتَ أنْ تَنْتَقِدْ؛ فَتَجَرَّدْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((لو يعلمُ المارُّ بين يدي المُصلِّي ماذا عليه من الإثم؛ لكانَ أنْ يقف)) هنا الجواب؟ ((لكانَ أنْ يقف أربعين خيراً لهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بين يديه)) لفظ: - ((من الإثم)) - هنا قال الحافظ مُتَّفقٌ عليه، هذهِ اللَّفظة: – ((من الإثم)) - الحافظ انتقد صاحب العُمدة الحافظ عبد الغني حينما نَسَبها إلى الصَّحيحين، وقال إنَّها لا تُوجد في الصَّحيحين، ووقعَ فيما انتقدَهُ فيه! هذا يدُلّ على أنَّ الإنسان مَجْبُول على الضَّعف، وعلى الإنسان أنْ يَحْتَاط في النَّقد؛ خَشْيَة أنْ يَقَعَ فيما انْتَقَدَهُ وهذا كثير! لكنْ إذا انْتَقَدْ بِنِيَّةٍ صالحة، ووَقَعَ منهُ السَّهو والغلط لا يُلام ولا يُؤاخذ؛ لكنْ بعض النَّاس يَقْرِنُ نَقْدَهُ بالاسْتِهْزَاء والسُّخْرِية!!! وأَعْرِفُ شخصاً مَعَهُ كتاب يَدُورُ بِهِ في المَجَالس والمَحَافل يَتَنَدَّرُ بِهِ! حَقَّقَهُ شخص مِنْ فُضَلَاء الرِّجال؛ لَكِنَّهُ مع ذلك ليسَ من أهلِ الاخْتِصَاصْ، وَقَعَ فيهِ أوْهَامْ كثيرة؛ فَصَارَ هذا الشَّخص وهو من أهل الاختصاص يحْمِلُ هذا الكتاب يَتَنَدَّرُ بِهِ! ومن كَثْرَةِ ما تَكَلَّم في الكتاب؛ حُثَّ على تَحْقِيقِهِ، وأُكِّدَ عليهِ، ما دَام يعرف هذهِ المُلاحَظاتْ يَسْتَدْرِك، فَحَقَّقَ الكتاب ونَشَرَ الكِتَاب؛ ما الذِّي حصل؟! النَّشر الثَّاني لهذا الشَّخص المُنْتَقِدْ أَسْوَأْ بِكَثِير من الأَوَّل، وَقَعْ في أوْهَامٍ تُضْحِكُ الصِّبْيَان!! فإذا أرادَ الإنْسَان أنْ يَنْتَقِدْ؛ يَتَجَرَّدْ مِنْ غيرِ أنْ يَقْدَحَ في أحد أو يَهْزَأْ أو يسخر؛ يَنْتَقِد لا بأْس، هذا بيانٌ للحقّ، أُخِذَ على منْ عَرَفَ الحقّ العهد والمِيثاق أنْ يُبَيِّنَهُ للنَّاس لا بأسْ، بِنِيَّةٍ خالِصَة صالحة مِنْ غيرِ أنْ يَقْتَرِنَ بسُخْرِية، ولا حَطٌّ من قِيمةِ غَيْرِهِ، ولا يَلْزَمُ من ذلك أنْ(1/1)
يكُونَ مَعْصُوماً، وهُنا الحافظ انْتَقَد صاحِب العُمْدة فَنَسَبَ هذهِ اللَّفْظَة للشِّيخين ولا تُوجد عند الشيخين، فَوَقَعَ الحافِظُ في ذلك! نعم، هي تُوجد في بعض رِوايات الصحيح، في بعض روايات صحيح البُخاري عند الكشميهني أحد رُوَاة الصَّحيح، والحافِظ وَصَفَهُ أنَّهُ ليسَ من أهلِ العلم! هو مُجرَّد رَاوي، وليسَ من أهلِ العلم، تَعَرَّضْ لهُ الحافظ في مواضع من فَتْح الباري يُبَيِّنْ أنَّهُ ليسَ من أهل العلم؛ إنَّما هو راوي من رُواة الصَّحيح، وهو أيضاً موصُوف بالإتْقَانْ مَعَ كونِهِ راوٍ ومُتْقِنْ؛ لكنْ ما يَلْزَمْ أنْ يَكُونْ مَعَ إتْقَانِهِ مَعْصُوماً.
نأخُذ من هذا مثل ما ذكرنا سابقاً أنَّ الإنْسَانْ يَسْتَدْرِكْ، ويَنْتَقِدْ لِقَصْدِ الحَقّ، وبَيَان الحَقّ، لا لازْدِرَاء النَّاس وانْتِقَاصِهِم، ولا حُبًّا للظُّهُور؛ فَمِثْلُ هذا جَرَتْ العَادَةُ أنَّهُ يُخْذَل! فَتَقَع مِنْهُ المُضْحِكَات، وذكرنا مثال على هذا، ولا نُريد التَّسْلِيَة؛ نُرِيد العِبْرَة فقط من هذا.(1/2)
الملاذ الذي تفر إليه عند المضايق والأزمات
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- كثرة الخسف والمسخ في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: إن المسخ يكون في طائفتين؛ لكن يهمنا منها الطائفة الأولى وهي: علماء السوء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل، ما أعجبه يؤوله، ولأتباع المذاهب ممن يتعصب للأئمة عليهم كفلٌ من هذا، تجده يرد السنة؛ لأنه لا يوافق أصول إمامه، حتى قال قائلهم: ولا يجوز العدول عن المذاهب الأربعة ولو خالفت كتاباً أو سنةً أو قول صحابي، نعم هذا وجد من بعض من يتسمى بالعلم؛ لكن هو في الحقيقة ليس من أهل العلم؛ لأن ابن عبد البر -رحمه الله- نقل الاتفاق على أن المقلد ليس من أهل العلم، ولا يجوز العدول عن أقوال الأئمة الأربعة ولو خالفت كتاباً أو سنةً أو قول صحابي، ثم زاد الطين بلة بعد أن أراد أن يوضح فزاد الأمر سوءً، يقول: لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا عند بعض الجهات كتبه تدرس، تدرس في بعض المذاهب، والله المستعان.
ومتعصبة المذاهب سواءً كانت الأصلية أو الفرعية لهم مواقف في رد بعض السنن؛ لأنها تخالف أصول مذاهبهم، فليكن المسلم على حذر من أن يخرج عن تحكيم الكتاب والسنة لقول أي كائنٍ من كان.
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ
لكنما أخشى انسلاخ القلب من ... تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
ورضىً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمنِ
فلتكن السنة وقبلها الكتاب هي المُعتصم الذي يعتصم به طالب العلم، وهي الملاذ الذي يفر إليه عند المضايق والأزمات.(1/1)
العِلْمُ لا يَعْدِلُهُ شيء
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: أنا إنسانٌ بدأت بطلب العلم؛ ولكن أُحسُّ كثيراً أنِّي لم أستفد من هذا العلم؛ لأنِّي أريد شيئاً يُوفِّر لي المأكل والمشرب، وأنَّ هذا العلم لم يُوَفِّر لي هذا الشَّيء؛ رغم أنِّي أعلم فضيلة العلم؛ ولكنِّي أُفكِّرُ دائِماً كيف أُوفِّر للأهل الأكل والشُّرب، فهذا الشيء يتردَّد في نفسي دائِماً، فأتَثَبَّتْ في طلب العلم... وضِّح لنا حلًّا في هذه المُشكلة؟!
لا شكَّ أنَّ الظُّرُوف التِّي نَعِيشُها فيها شيء من الصُّعُوبة، يعني الذِّي يكفي النَّاس في الزَّمن السَّابق، قد لا يكفي في هذا الزَّمان عشرةُ أضعافِهِ! واحد من الأساتذة الوافدين، أُستاذ في فنِّه أُستاذ في الحديث، اسْتَغْنَت عنهُ الجِهة التِّي يعملُ فيها، فقال لي: مثل هذا الكلام، أُريد عمل فيه دخل لي ولأولادي، العمل اسْتَغْنَى عنِّي، قلت: ما تقتدي بالأئِمَّة الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني؟! هؤُلاء حياتهم كلّها للعلم، وما نسُوا نصيبهم من الدُّنيا الشيء اليسير، قال: بس الإمام أحمد ويحيى بن معين ما عندهم فواتير تلفون! ولا فواتير كهرب، ولا سيَّارات، ولا أولادٍ يدرُسُون بالأُجرة، ما عندهم مثلنا، صحيح الظُّرُوف التِّي نعيشها فيها شيء من الصُّعُوبة؛ لكنْ العلمُ لا يَعْدِلُهُ شيء! وقد أفْتَى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنَّ طالب العلم يأخذ من الزَّكاة لشراء الكتب وما يُعينُهُ على التَّحصيل، وعلى كُلِّ حال إذا أمْكَنَ الجَمْع بين العلم ومصدر يُغنيه عن تَكَفُّف النَّاس فهذا هو الأكْمَلْ والأفضل، إذا لمْ يَتَمَكَّنْ فالعلم لا يعدلُهُ شيء، فلا يترك العلم من أجل الدُّنيا، ومع ذلك لا يَنْسَ نَصِيبَهُ من الدُّنيا؛ فعليهِ أنْ يُسدِّد ويُقارب، لا يَمْنَع طالب علم أنْ يشتغل في مكتبة، في مطبعة، في أيّ عملٍ يُناسب عمل علميّ بأُجْرَة، نصف الوقت، والنِّصف الثَّاني يَتَفَرَّغ فيهِ للطَّلب.(1/1)
علوم يستهين بها كثير من طلاب العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هناك علوم يستهين بها كثير من طلاب العلم، وكثير منها لا شك أنه ليس من متين العلم؛ بل هي من ملحه، ككتب التاريخ مثلاً، إذا قرأ الطالب في كتب التاريخ لا شك أنها فيها شيء من المتعة والاستجمام؛ لأنك إذا انتقلت من أصول الفقه إلى النحو، ورجعت إلى التفاسير، عدت إلى كتب شروح الحديث، لا شك أن الذهن يحتاج إلى شيء من الاستجمام فيحصل الاستجمام بكتب التواريخ، وكتب الأدب.
كتب التواريخ إضافة إلى الاستجمام فيها العظة والاعتبار؛ لأن السنن الإلهية واحدة لا تتغير؛ فالأسباب التي أهلك بسببها الأمم يهلك فيها غيرهم، السنن لا تتغير ولا تتبدل، ولم يستثنِ من ذلك؛ إلا قوم يونس، وأما من عداهم إذا توافرت الأسباب حقت الكلمة.
فماذا عما لو قرأنا في تاريخ ابن كثير -رحمه الله- في الأمم الماضية واللاحقة، في الأمم التي قبل الإسلام، والدول التي جاءت بعد الإسلام، لوجدنا أن كثيراً من بلدان المسلمين يحذو حذو تلك الأمم التي حقت عليها الكلمة، وحصل ما حصل في بعض البلدان من الأسباب ما حصل، والنتائج حصل فيها ما حصل، في العصر الذي نعيشه، وما أشبه الليلة بالبارحة، وإذا كنا نقرأ قصص القرآن في الأمم الماضية على أنها للتسلية، فنحن إذاً لسنا على الصراط، ضللنا إذن، (مضى القوم ولم يرد به سوانا) {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف]، فلا بد أن نعتبر وندكر.(1/1)
يعني لو قرأنا في المجلد السادس مثلاً من نفح الطيب في تاريخ الأندلس، الإنسان يضع يده على قلبه، ويسأل الله السلامة، وأن يدفع عن المسلمين ما يستحقونه من عذاب، لا بد من القراءة في هذه الكتب لما ذكرنا، يقرأ في كتب الأدب، وفيها أيضاً من المتعة ما فيها، وهي أكثر إن لم نقل مثل كتب التاريخ من المتعة ما فيها، وفيها أيضاً: ثروة لغوية يستطيع العالم أو طالب العلم أن يبين عما في نفسه بواسطتها، فالعلماء يقرؤون هذه الكتب، وإن كان في كثير منها شيء مما لا يقبله الذوق، ذوق الرجل العادي فضلاً عن عالم ومتعلم، شيء يستحيى من ذكره، لكن لا بد من قراءتها، ووجدنا من أهل العلم من يقرأ، ووقع في أيدينا من كتب الأدب المطولة ما عليه اسم بعض كبار أهل العلم والورع، وعليها تعليقات لهم، فدل على أنهم يقرؤون في هذه الكتب؛ لكن ليس معنى هذا أن يكون على حساب علوم الكتاب والسنة- لا- هذه يستفاد منها متعة واستجمام، وشيء يتحدث به العالم حينما يشرح لطلابه، ويذكر نكتة من هذه الكتب يريح الطلاب فيها، ويجعلهم يتقبلون ما عنده، فإذا لم يكن في الدرس طرفة، لا شك أن الطالب يمل، وما يشاهد في بعض الدروس من نوم بعض الطلاب إلا لأنها ماشية على وتيرة واحدة؛ فالخروج إلى مثل هذه الكتب والإفادة منها، وإفادة الطلاب، وإلقاء مثل هذه العلوم عليهم، لا شك أنه ينشط الطلاب، والأمور بمقاصدها.
وكتب التواريخ كثيرة جداً، فيها مطولات ومن أنفعها لطالب العلم: الكامل لابن الأثير، وصياغته للأحداث لا نظير لها، البداية والنهاية للإمام الحافظ ابن كثير وفيه أيضاً لفتات له -رحمه الله-، وتنبيهات لا توجد في غيره.(1/2)
فعلى سبيل المثال: لما ترجم لابن الراوندي ملحد، ذكر عنه ما يستحق من الألفاظ، ثم قال: ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان، وأشاد به وأطال في ترجمته كعادته في معاملة الأدباء، وبخس العلماء، ولم يذكر عنه ما عرف عنه من زندقة، وكأن الكلب ما أكل له شيئاً من العجين.
يعني ما كأن الأمر يعنيه، مع أن العالم أو المتعلم هذه وظيفته، هذه وظيفة العالم بيان الحق من الباطل، فإذا عاملنا ابن الراوندي مثل ما نعامل أئمة الإسلام، وأضفنا عليه من الثناء والمدح، ولو في فنه، مثل ما يضاف إلى علماء المسلمين، كيف يفرق طالب العلم؟
الحافظ ابن كثير له تنبيهات مهمة جداً، وله أيضاً عناية بالتراجم، أكثر من ابن الأثير، وأيضاً يفيد طالب العلم من تاريخ ابن خلدون، وفيه تحليل للأحداث، ولا شك أن هذا يفتح آفاق لطالب العلم، يحلل بها الأحداث المماثلة بدلاً من أن يتخبط كما يتخبط الناس الآن، -مع الأسف- حتى بعض طلاب العلم يخرجون في وسائل الإعلام، ثم بعد ذلك يتحدثون عن بعض القضايا المعاصرة، كأنهم صحفيون، توقعات كلها، ما كأنهم يأوون ويرجعون إلى نصوص، فطالب العلم بحاجة إلى قراءة كتب التواريخ والأدب.
هناك كتب الأدب متفاوتة، فيها المسف، وفيها النزيه إلى حدٍ ما، "زهر الآداب للحصري" نظيف إلى حدٍ ما، وأيضاً نزهة المجالس وأنس المجالس لا بن عبد البر كتاب نفيس، هذا في كتب أدب الدرس، أما في كتب أدب النفس فعلى طالب العلم أن يعنى بها عناية فائقة، الآداب الشرعية لابن مفلح، منظومة الآداب مع شروحها لابن عبد القوي، هذه في غاية الأهمية لطالب العلم، المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية للشيخ حافظ حكمي، أيضاً في غاية الأهمية لطالب العلم؛ فطالب العلم عليه أن يُعنى بهذه الكتب، ويستفيد منها من أدب النفس ما لا يجده في غيرها من الكتب.(1/3)
والكتب كثيرة لا يمكن أن تنتهي، والعلم دربه طويل لا يمكن أن يقطع بمرحلة أو مراحل، فعلى طالب العلم أن يوطن نفسه، وحينئذ إذا صاحب ذلك الإخلاص، والجد فإن طالب العلم حينئذٍ يوفق ويسدد.(1/4)
تَدَرُّج طالب العلم في علم الحديث والمُصْطَلَح
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم الذِّي يُريد أنْ يطلب علم الحديث وعُلُوم الحديث يَطْلُبُهُ على الجَادَّة المَعْرُوفة عند أهل العلم، فيبدأ بحفظ الأربعين، ثُمَّ العُمْدَة عُمْدة الأحكام (عمدة الأحكام)، ثُمَّ بعد ذلك البُلُوغ، ثُمَّ يطلع لقراءة الكتب الأصْلِيَّة المُسْنَدَة بدْءً بصحيح البُخاري، ثُمَّ مُسلم، ثُمَّ السُّنن، ثُمَّ المسانيد وغيرها.
علوم الحديث يبدأ بالنُّخبة؛ لأنَّها أساسٌ مَتِينْ يُمْكِنْ أنْ يُؤسِّسْ عليهِ طالب العلم، ثُمَّ بعد ذلك يقرأ في اختصار عُلُوم الحديث للحافظ ابن كثير، تُقْرَأْ على الشُّيُوخ، ويُراجع عليها الشُّرُوح، ويُسْمَعْ عليها الأشْرِطَة المُسَجَّلة، ثُمَّ بعد ذلك يَحْفَظْ ألفِيَّة الحافظ العراقي، ويَقْرَأْ شُرُوحها، ومع ذلك يتأهَّل لمعرفة الصَّحيح من الضَّعيف، ثُمَّ يُكْثِر من التَّطبيق العملي على ما دَرَسَهُ من علمٍ نَظَري، يُكْثِر من التَّخريج، ودِراسة الأسانيد، ويُكْثِر من جمع الطُّرق، ويدْرس أسانيد الحديث، ثُمَّ يتبيَّن لهُ النَّتيجة من خلال ما دَرَسَهُ من قواعد، ويعرض نَتِيجَتُهُ على أحكام العُلماء المُتَقَدِّمين، بالمِرَانْ مع الوقت إذا خَرَّج الأحاديث الكثيرة، تكون لديه مَلَكَة يَعْرِفُ بها الصَّحيح من الضَّعيف -إنْ شاء الله تعالى-.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
قدر ما عندك من الإرث النبوي يهابك الناس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
"فجيء بهما ترعد فرائصهما" تضطرب وترجف خوفاً ووجلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، وبقدر ما عند الإنسان من الإرث النبوي تحصل له هذه الهيبة؛ ولذا نجد بعض من أهل العلم له هيبة عظيمة، بقدر ما عنده من العلم والعمل، هيبة ليس بذي سلطان وليس بذي قوة؛ بل قد يكون أضعف الناس جسماً قد يكون أعمى فيُهاب، نقول: هذا بقدر إرثه من النُّبوة في العلم والعمل تكون هذه الهيبة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- نُصِر بالرُّعب، ورأينا بعض أهل العلم من لا حول له ولا قوة ولا طَول ضعيف من كل وجه ومع ذلك إذا جاءه المسئولون الكبار ترعد فرائصهم، والعرق يتصبب منهم في الليالي الشاتية، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- مهيب، وكذلك من يرثه علماً وعملاً لكن ما تجد شخص على مستواه يهابه، الآن يوجد من هو أعلى مُستوى في أمور الدنيا يهاب من هو بالنسبة له لا شيء من أهل العلم ومن طلاب العلم، يعني بعض الشيوخ تُزوِّر في نفسك عشرة أسئلة فإذا وصلت نسيت خمسة أو ستة كله من هيبة الشيخ؛ بل قد يكون الشيخ من أحسن الناس خُلقاً، ومن أضعفهم تركيباً، ما فيه ما يدعو إلى هيبته؛ لكن هذا الحاصل.(1/1)
كيفَ أْكْتَسِبُ صِفَة الإخلاص؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كيفَ أْكْتَسِبُ صِفَة الإخلاص، تلك الصِّفة القَلْبِيَّة التِّي بها نجاةُ المُؤمن في الدُّنيا والآخرة؟!
لا شكَّ أنَّ الإخلاص شرط لقبُول العمل، فلا يُقبل العمل ما لم يكُن خَالِصاً لله -جلَّ وعلا-، مُراداً بِهِ وَجْهُه، فلا بُدَّ من تَحقُّق هذا الشَّرْط لِقَبُول العمل، إضَافةً إلى الشَّرط الثَّاني وهو المُتابعة للنَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ويكُون الإخلاص بِمُعالجة القلب، كما قال ابن القيم -رحمهُ اللهُ تعالى-: "إذا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ بالإخلاص؛ فاعْمَد إلى حُبِّ المَدْحِ والثَّناء؛ فاذْبَحْهُ بِسِكِّينِ عِلْمِكَ أنَّهُ لا أحد مَدْحُهُ زين وذَمُّهْ شين إلاَّ الله -جلَّ وعلا-، ثُمَّ اعْمَدْ إلى الطَّمَعَ واذْبَحْهُ بِسِكِّينِ عِلْمِكَ ويَقِينِك أنَّهُ لا أحد يَسْتَطِيع أنْ يَنْفَعَكَ بِشَيءٍ لم يُقدِّرْهُ الله لك"، ولا شكَّ أنَّ الذِّي يُخلّ بالإخلاص؛ إمَّا حُبّ المَدْح والثَّناء من النَّاسْ، أو الطَّمع فيما عندهم، فإذا عَرَفْتَ أنَّ مَدْحْ المَخْلُوق وذَمّ المَخْلُوقْ لا ينفع! إذا لم يكُن ذلك على أمرٍ مُوافقٍ لمُراد الله -جلَّ وعلا-، وإلاَّ فإذا مُدِحَ الإنْسَانْ بما يَفْعَلُهُ من الأعمال الصَّالحة المُوَافِقَة لِمُرادِ الله -عَزَّ وجل-؛ هذا عاجل بُشرى المُؤمن؛ لكنَّهُ لا يُؤثِّرُ في العمل؛ ولِذا لمَّا جاء الأعرابي إلى النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، فقال: أعْطِني يا مُحمد! فإنَّ مَدْحي زين وذمِّي شين، قال: ذاكَ الله -عزَّ وجل-، ما هو بأنت، فيحرص الإنسان على هذا.(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثلب العلماء وموقف طالب العلم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: يريد كلمة لطلبة العلم حول ثلب العلماء، وموقف طالب العلم من ذلك.
أولاً: عموم الأعراض والكلام فيها حرام، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار -نسأل الله العافية-، وجاء التشديد في أعراض المسلمين، وأعظم ما يُحتاط له أعراض أهل العلم؛ لأنَّ الوقوع في أعراضهم يزيد على كونه غيبة رجل مسلم لا تجوز غيبته بحال يزيد على ذلك تنقُّصهم، والتقليل من شأنهم، فإذا قُلِّل من شأن أهل العلم الذين هم المرجع في بيان الدين لا شك أنَّ الأمة تضيع، إلى من يرجع عوام المسلمين إذا أُذْهِبت هيبة العلماء ومكانتهم ومنزلتهم؟! والعامي فرضه التقليد، إذا لم يُقلِّد العلماء من يُقلِّد؟! فعلى كل حال هذا أمرٌ عظيم، والبلدان بلدان المسلمين عموماً ما ضاعت، ولا ضاع العوام في أقطار الأرض إلاَّ لما قُلِّل من شأن العلماء، وأُذِهِبت هيبتهم من النفوس، على كل حال هذا أمرٌ في غاية الخطورة، من عنده ملاحظة على أي عالم من العلماء يذهب إليه ويُناصحه.(1/1)
أينَ دُعاة الاخْتِلَاط عن مثل هذا النَّص ؟؟؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عن عُقبة بن عامر -رضي الله عنه-، أنَّ رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم- قال: ((إيَّاكُم)) تحذير، احْذَرُوا ((إيَّاكُم والدُّخُول على النِّساء)) أينَ دُعاة الاخْتِلَاط من مثل هذا النَّص؟! ((إيَّاكُم والدُّخُول على النِّساء، فقال رجُلٌ من الأنصار، يا رسُول الله: أفرأيت الحمو؟! قال: الحمُو الموت)) لأنَّ أخَا الزَّوج لا شكَّ أنَّ لهُ يدٌ على أخيهِ، فيَظُنّ أنَّ بيت أخيه مثل بيتِهِ! والعم كذلك، وابن العم كذلك، والقرابة لها ما لها في الشَّرع، وجاء الأمر بِصِلَتِها؛ لكنْ مَعَ أمْن المَفْسَدَة، لا يُمْكِنْ أنْ يدخُل الرَّجُل على امرأةٍ ليسَ عندها محرم، جاء التَّحذير منهُ ((إيَّاكُم والدُّخُول على النِّساء، فقال رجُلٌ من الأنصار، يا رسُول الله أفرأيت الحمو؟! قال: الحمُو الموت))، يعني شُبِّهَ بالموت؛ لأنَّ الموت انْعِدامْ الحِياة! وهذا انْعِدَام الدِّينْ وهو أَشَدّ أعْظَم من الموت، هذا أعْظَم من الموتْ؛ لِأَنَّهُ انعدامٌ للدِّين – نسأل الله السَّلَامة والعَافِيَة - هَفْوَة وجريمة، ومنهُم منْ يَقُول: ((الحمُو الموت))؛ لأنَّ دُخُولَهُ يؤُولُ إلى الموت، هذهِ امرأة مُتزوِّجة، فإذا دَخَلَ عليها هذا الحمو، وقد يكونُ مُتزوِّجاً أيضاً، ويَكُونُ الشَّيطانُ ثَالِثَهُما ويحصُل ما يحصل، ثُمَّ يؤُولُ أَمْرُهُمَا إلى المَوْت الذِّي هو الرَّجم – نسأل الله السَّلَامة والعَافِيَة - ((الحمُو الموت)) ولمُسلم عن أبي الطَّاهر، عن ابن وهب، قال سَمعتُ الليث يقول: "الحمو أخُو الزَّوج"، النَّاس يَتَسَاهَلُون في مثل هذا، يَعْتَبِرُونْ بيت الأخ مثل البيت، أخو الزَّوج وما أشْبَهَهُ من أقارب الزَّوج ابن العم ونحوِهِ، الذين هم ليسُوا منْ محارم الزَّوجة، فلا يَجُوزُ لهُم أنْ يَدْخُلُوا عليها بدُونِ محرمٍ لها، وما يُؤدِّي إلى مثل هذا؛(1/1)
يَجِبُ مَنْعُهُ، قد يقول قائل: مثلًا أخو الزوج إذا كان الزَّوج موجُود الفتنة مأمُونة؛ لكنْ يُوم مع يوم تدخُل، مُشكلة هذهِ! يَنْكَشِفْ لك شيء في هذا اليوم، تعرف سِرّ من أسرارها، تعرف شيء تَضْغَطْ بِهِ عليها، ما فيه شيء مثل حَسْم المادَّة، تتعامل تَعَامَل مع أخيك، والنَّاس يتساهَلُون في مثل هذا؛ لكنْ مثل هذا التَّسَاهُل قد يجُرُّ إلى أُمُور لا تُحْمَد، إذا احْتِيجَ إلى شَيْءٍ من هذا مَرِضَ الزَّوج، واحْتَاجَتْ الزَّوجة تُكلِّم أخيهِ وتُهَاتِفُ أخَاهُ منْ أجلِ أنْ يَذْهَب بِهِ إلى مُسْتَشْفَى أو يَسْتَدْعِي طبيب، يعني أُمُور ضَرُورِيَّة، أو كان الزَّوج غَائِبْ، وكَلَّمَتْ أخَاهُ لِيُحْضِرَ لها الضَّرُورِيَّاتْ بالصَّوْتِ المُعْتَاد من غَيْرِ خُضُوعٍ بالقول للحاجَة؛ هذهِ أُمُور تُقَدَّرْ بِقَدْرِها، أمَّا أنْ تَجْعَلَ الزَّوجة مُجَرَّد بس ما تَسْتَتِرْ تجلس؛ هذهِ أُمُور لا تُحْمَدُ عُقْبَاها؛ لِأَنَّهُ قد يَعْرِفْ من الأُمُور والشَّيطان في هذا الباب عندَهُ دِقَّة في المُلَاحَظَة، وعِنْدَهُ دِقَّة في المَسَالِك، ويَجْرِي منْ ابنِ آدَمْ مَجْرَى الدَّمْ، يَنْكَشِفْ منها شيء مِنْ غَيْرِ قَصْدْ؛ فَتَقَعْ في قلبِهِ؛ فَيَهْلَك، فلَا شيء أنْفَعْ مِنْ حَسْمِ المَادَّة وقَطْع دَابِر كُلّ شيء يُوصِلْ إلى الرَّذِيلَة، ولَو مِنْ بُعْد؛ فَلْيَحْتَاطْ الإنْسَانْ لِنَفْسِهِ، ولِأَهْلِهِ.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أحق الناس بإرث الشخص القريب، ولذا على الإنسان أن يُعنى بأولاده وأسرته أكثر من عنايته بغيرهم فهم أحق الناس ببره، أحق الناس بخيره، وقد يُلاحظ على بعض أهل العلم الذين يبذلون للناس أنّ أولادهم ونساءهم ومن تحت ولايتهم ما استفادوا منه شيئاً، وقد يكون هذا عن تفريط، وقد يكون عن عدم التفريط؛ لأن الله -جل وعلا- لم يكتب لهم هذا الأمر، فلا يُتهم أهل العلم بأنهم قصّروا في نصح أولادهم وذراريهم، وأنهم غفلوا عنهم بالانشغال بغيرهم، لا، بذلوا وحاولوا وجاهدوا ومع ذلك ما كتب الله لهم شيء، وهذا أيضاً موجود على مستوى الأنبياء، يعني نوح على طول ما بقي مع قومه امرأته وولده استفادوا وإلا ما استفادوا؟ ما استفادوا، لا يعني هذا أن نوح فشل في دعوته كما قال بعض الكُتّاب المعاصرين، يقول: نوح فشل في دعوته؛ لأنه ما استفاد منه أقرب الناس، حتى تطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: إنه فشل في دعوته في العهد المكي وفشل في الطائف ونجح في المدينة، هذا موجود في كتابات تُتداول بين أيدي الناس، وهذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ما الذي على الداعية؟ ما الذي على النبي؟ ما عليه إلا البلاغ، هل عليه أن يهدي الناس؟ ما يستطيع {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(سورة القصص: 56)] هل استطاع النبي -عليه الصلاة والسلام- هداية عمّه؟ نعم يهدي {وإنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [(الشورى:52)] تهدي هداية الدلالة والإرشاد والبلاغ تهدي، لكن هداية التوفيق والقبول هذه بيد الله -جل وعلا-، فكون الإنسان يُمضي السنين الطويلة في تعليم الناس وما تخرج على يديه أحد من أهل العلم، قد يكون هذا خلل في طريقته في التعليم، وقد يكون الله -جل وعلا- ما كتب له القبول، ولم يتسنَ لأحد أن يحمل عنه هذا العلم، قد يكون ينفق السنين الطويلة في الأمر(1/1)
والنهي ومع ذلك ما تغيّر منكر، ولا استفاد أحد من أمره، هو عليه أن يبذل السبب وأجره مرّتب على بذل السبب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يهتم بالأقربين {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(سورة الشعراء: 214)] يهتم بهم، ويوليهم نصحه وتوجيهه وعنايته، وتعليمهم وتبصيرهم ومع ذلك لا يلزم أن يستجيبوا له، النتائج بيد الله -جل وعلا-.(1/2)
حَفِظَ الأَلْفِيَّة وهو يَتَوَضَّأْ!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: مَنْ مِنْ مَشَايِخكم مَنْ حَفِظَ الأَلْفِيَّة وهو يَتَوَضَّأْ؟!
هذا إشكال اسْتَشْكَلَهُ كثير من طُلَّاب العِلْم في شَرِيط الهِمَّة في طلب العلم، ذَكَرْتُ إنَّ بعض الشُّيُوخ حَفِظَ الأَلْفِيَّة وهو يَتَوَضَّأْ! فَتَصَوَّرْ أنَّ هذا الشيخ حَفِظَها في دَقِيقَتين! الوُضُوء يحتاج إلى دَقِيقتِينْ أو ثَلَاث دَقَائِقْ، وهو قد حَفِظَ الأَلْفِيَّة، هذا الكَلَام ليسَ بِصَحِيح! وهو في كُلِّ وُضُوء يَحْفَظْ بِيتْ أو بِيتِينْ؛ إلى أنْ انْتَهَتْ الأَلْفِيَّة! واحِد يصبّ عليهِ الماء، وهو كفيف، هو الشيخ ابن باز، ما هو بسرِّ المسألة! واحِد يصبّ الماء، وواحد يقرأ من الألِفيَّة؛ إلى أنْ حَفِظَ الألْفِيَّة! وهذا مِمَّا يُذْكَرْ في حِفْظِ الوقت، والهِمَّة في طَلَبِ العلم؛ لَكِنْ لا يَرِدْ على بال عاقِلْ أنَّ الأَلْفِيَّة تُحْفَظْ في وُضُوء واحد، يعني يَذْكُر بعض النَّاس، يعني القسطلَّاني في شرح البُخاري ذَكَر أنَّ شَخْصاً قَرَأَ القرآن في أُسبُوع، قلنا هذا جَيِّد في أُسبُوع يقرأ القرآن في سَبِعْ؛ فإذا بِهِ يُريدُ بالأُسبُوع إيش هو؟! الطَّواف!؛ لأنَّهُ قال بعد ذلك وفي رواية في شوط! فَعَرَفْنَا أنَّهُ يُريدُ الأُسْبُوعْ الطَّواف سَبْع مرَّاتْ وقَرَأَ القرآن كامل! هذا لا يُمْكِنْ أنْ يَرِدْ، هذا ليسَ بِصَحيح! المَسْأَلَة مَسْأَلَة اسْتِيعَابْ للوَقْتْ، الأُسْبُوع كم يأخذ؟! يحتاج إلى عشر دقائق! أو رُبع ساعة، وقد يحتاج في بعض الأوقات إلى أكثر أو أقل على حَسَبْ كَثْرَةِ الطَّائِفِينْ، لكن مَنْ يَقْرَأ القرآن في هذا؟! ما يُمْكِنْ، يعني لو قَرَأْ جُزْء نعم، الجُزْءْ يُمْكِنْ أَنْ يُقْرَأْ في عَشْر دقائِقْ، اثنا عشر دقيقة! يُمْكِنْ، ويُقْرَأْ القُرآن في سِتّ ساعات، وَأَحْيَانًا عند بعض المَهَرة خَمْسْ سَاعات؛ لَكِنْ في أُسْبُوع؛ هذا(1/1)
ليسَ بِصحيح.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
وكفى بالقرآن واعظاً
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جاء في أول الحديث: "كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً سنتين، أو سنة وبعض السنة، وما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة إذا خطب الناس"؛ لأن في سؤال من الأسئلة يقول: هل تجوز الخطبة بـ(قاف) فقط؟ يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق) وينزل؟ نقول: هذه ليست خطبة؛ لأنها إنما أخذت (ق) والقرآن المجيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني ضمن الخطبة تصير، تكون في ضمن الخطبة، ولا تكون هي الخطبة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من قراءة هذه السورة إذا خطب الناس في الجمعة، وذلكم لما اشتملت عليه، لما اشتملت عليه هذه السورة من المعاني العظيمة، فيها أمور لو تأملها المسلم لأفاد منها؛ ولذا جاء في أخرها {فَذَكِّرْ} كيف؟ {بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالتذكير ينبغي أن يكون بالقرآن، وكفى بالقرآن واعظاً، ومع الأسف تجد أن بعض الناس إذا كان هناك درس وإلا محاضرة يعتنون بالدرس والمحاضرة ويجلبون عليه بكل ما أتوا من استنفار، ثم إذا جاءت الصلاة لم يحضر لها قلب، لا من الطالب ولا من غيره؛ لأن العناية والهمة منصبة إلى هذا الدرس، لا يا أخي نقول: ينبغي أن يعنى بالفريضة قبل كل شيء التي هي الصلاة وتؤدى على الوجه المشروع، وتطال فيها القراءة طول نسبي، لا سيما إذا كثر الناس بصوت جميل يؤثر في الناس، وهذا التذكير بالقرآن، وهذا هو التذكير بالقرآن، بعض الناس يتضايق من الإمام إذا أطال في الصلاة وهو ينتظر درس، لا يا أخي هذه أهم من الدرس.(1/1)
فهذه السورة لا شك أن فيها موضوعات تهم المسلم، تهم المسلم فيها أمور، يعني ولو تدبرها طالب العلم لخرج منها بالمعاني العظيمة، واستعراض هذه السورة وما فيها من معاني يحتاج إلى دروس لا يكفيها درس أو درسين، وكلكم يحفظ هذه السورة -ولله الحمد-، وهي من أعظم سور القرآن، فعلى الخطباء أن يعنوا بها، وأن يكثروا من قراءتها على الناس بطريقة أو على الوجه المأمور به من الترتيل، وإدخالها إلى القلوب بتحسين الصوت والتغني بها؛ لأن القرآن يزين بالقرآن ((زينوا القرآن بأصواتكم)) ((وليس منا من لم يتغنَ بالقرآن)) والتأثير أولاً وأخراً للقرآن المؤدى بالصوت الجميل، وليس التأثير للصوت أبداً، بدليل أن هذا الصوت لو قرأ به شيء غير القرآن ما أثر هذا التأثير، لكن التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، ولا شك أن السامع يتأثر بالقرآن لاسيما إذا أُدِّي على ما أمر به من ترتيل وتدبر وتخشع واستحضار قلب، والله المستعان.(1/2)
عُمركَ فيمَا أَفْنَيْتَهُ؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
عُمرك ماذا صنَعْتَ فيه؟! العُمر المُدَّة التِّي مكثتها في هذهِ الحياة، هل أنفقتها وصرفتها فيما يُرضِي الله -جلَّ وعلا-؟ أو فيما يُغْضِبُهُ أو في المُباح والإكثار منهُ ولم تلتفت إلى ما يَنْفَعُك في الآخرة، لا بُدَّ من السُّؤال ((عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أفْنَاهُ)) ماذا صنعت في هذهِ المُدَّة مُدَّة بقائك في الدُّنيا، والعُمر إذا لم يُفْنَ فيما يَنْفَعُ في الآخرة؛ فلا قِيمة له، يعني كون الإنسان يستمر السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء، ثُمَّ الأُسبُوع الثَّاني كذلك ما فيه جديد، مثل هذا حياتُهُ وعدمهُ واحد إذا لم يكتسب ما يُقَرِّبُهُ إلى الله -جلَّ وعلا-؛ ولذا يقول الشاعر:
عُمْرُ الفَتَى ذِكْرُهُ، لَا طُولَ مُدَّتِهِ ... ومَوْتُهُ خِزْيُهُ لَا يَومُهُ الدَّانِي(1/1)
فحقيقةً بعض النَّاس بين النَّاس يأكُلْ ويَشْرَبْ، ويروح ويجي، ويبيع ويشتري وهو في حكم الأموات!!! يعني ما يزداد من الله قرب؛ هذا إذا لن يَكُنْ الأموات أفضل منهُ! لأنه يزداد من الله بُعْد، وبعض النَّاس وهو مَيِّتْ في التُّرابْ في القبر وهو حيٌّ بين النَّاس يُفِيدُهُم ويَنْفَعُهُمْ، بعض النَّاس يجري عليه عَمَلُهُ مئات السِّنين، وبعض النَّاس تُكتب عليهِ أوزار النَّاس؛ لأنَّهُ تَسَبَّبَ فيها مئات السِّنين، كما قال الله -جلَّ وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] ما شاء الله مؤلِّف هذا الكتاب وغيره من المُؤلِّفين له ما يقرب من اثني عشر قرن! وكِتابُهُ يتداولُهُ النَّاس ويَقْرَؤُونهُ ويُفيدُونَ منهُ مثل مُؤلِّف هذا الكتاب، وغيره من الأئمَّة؛ لكنْ الكُتُب تتفاوت نفعُها، ماذا يُتَصَوَّر للإمام البُخاري من الأُجُور؟! نعم، وبعض النَّاس يُؤلِّف الكِتاب في عشرين مجلدة كبيرة، ومن نِعمة الله عليهِ قبلَ غيرِهِ أنَّ الأرضة أكَلَتْ الكِتاب من أوَّلِهِ إلى آخرِهِ ما أبْقَتْ ولا ورقة! من نعمة الله عليهِ قبل غيرِهِ؛ لأنَّ الكتاب فيه طَوام وهو شرحاً للبخاري؛ لكنْ على الإنسان أنْ يَحْرِصْ أنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ أَوَّلًا ومن ولَّاهُ اللهُ أَمَانَتَهُ، وجِيرَانَهُ، وأَقَارِبهُ، ومَعَارِفَهُ، وجَماعتُهُ، ثمَّ ينتشر علمُهُ بين النَّاس ((ومَنْ دَلَّ على هُدَى؛ كانَ لهُ من الأجر مثل أُجُور من تَبِعَهُ)).(1/2)
لا عِلْمَ إلا بِحِفْظ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
كل يعرف نفسه، فأول ما يبدأ به الإنسان التوصيف الدقيق لنفسه، وقدرته على الحفظ والاستيعاب والفهم لما يُقرأ، ومع ذلك عليه أن يعنى بالحفظ، فلا علم إلا بالحفظ، ويُمثل الحافظ وغير الحافظ، الحافظ بمن زاده التمر، التمر إذا كان معك كيس فيه تمر، وأنت مسافر تأكل منه على أي حال، تمد يدك وتأخذ وتأكل منه وأنت في طريقك ماشي، لا يعوقك هذا، لكن إذا كان زادك البر وأنت مسافر تحتاج إلى أن تنزل وتحتاج إلى أن تطحن هذا البر ليكون دقيقاً، ثم بعد ذلك تعجنه بالماء، ثم بعد ذلك تقطعه وتطبخه، يأخذ منك وقت طويل، وهذا التمر نظير من يحفظ، ما يحتاج إلى الجهد ولا يحتاج إلى عناء.
أما من علمه في الكتب فمثل هذا يحتاج إلى معاناة، فإن أبعد عن كتبه تعطل، وإذا كان بين كتبه يحتاج إلى مراجعة، يحتاج في كل مسألة إلى أن يراجع، وإن كان أهل العلم يقولون: بالنسبة للفقيه، إما أن يكون بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل.
فالفقيه بالفعل: هو الذي يحفظ المسائل بأدلتها ويستحضرها، فإذا سئل أجاب، عن الحكم بدليل أن هذا فقيه بالفعل.
لكن الذي لا يستطيع استحضار المسائل لكنه يصل إلى هذه المسائل بأقصر مدة يذهب إلى الكتب يفتح الكتاب مباشرة يقف على المسألة ينظر فيها من مضانها ويصدر عن قول راجح، هذا فقيه لكن بالقوة القريبة من الفعل، وليس بالفعل.
وهناك ثالث لا يوجد عنده فقه لا بالفعل ولا بالقوة، تسأله عن مسألة في الطهارة يمسك لك الكتاب يفتح أواخره هذا فقيه بالقوة أو بالفعل؟ لا هذا ولا هذا، تسأله عن مسألة في الجنايات يفتح لك أول الكتاب، هذا ليس بفقيه أصلاً، وبعض الناس تسأله عن مسألة يفتح لك الكتاب ويفتح صفحة قبل أو صفحة بعد ورقة قبل أو ورقة بعد لا أكثر ولا أقل، هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل.(1/1)
لكن يبقى أن الفقيه بالفعل الذي تحضره المسائل في ذهنه هذا هو الفقيه الحقيقي، الفقيه بالقوة يعني ما حكموا على الإمام مالك أنه ليس بفقيه لما سئل عن مسائل كثيرة وقال: لا أدري؛ لأن بإمكانه أن يصل إلى الحكم في أقرب مدة، كثير من الطلاب فقهه بهذه الطريقة، لكن يبقى أنه إذا زادك حاضر ما هو مثل إذا كان غائب، فالتمر لا يحتاج إلى عناء، مثل الحفظ، والقوة القريبة من الفعل مثل البر تحتاج إلى معاناة تحتاج إلى طبخ تحتاج إلى غير ذلك، فعلينا أن نعنى بالحفظ، ومع الحفظ يكون الفهم.
وطلاب العلم يحتارون كثيراً في تقديم هذا أو هذا، ولكنه لا بد منهما معاً، وفي أول العمر في الصبا يحرص طالب العلم على كثرة المحفوظ؛ لأن الذي يحفظ في حال الصبا يستقر ولا ينسى، ثم بعد ذلك إذا تقدمت به السن يكون حرصه على الفهم، فإذا حفظ ثم فهم توفرت له الآلة التي يستطيع بها إدراك العلم، فعليه أن يسدد ويقارب.(1/2)
اعْتِزَازُ المُسْلم بدِينِهِ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت/33] تَدُلُّ على عِزَّة المُسْلِم، وأنَّهُ لا يَسْتَخْفِي بإسْلامِهِ وإيمانِهِ؛ لأنَّهُ قد يتعرَّض لبعض المواقف من يَدْعُو إلى الله ويَعْمَل صَالِحاً، بعض النَّاس يَدْعُوا إلى الله على اسْتِحْيَاء! ويعمل الصَّالح على اسْتِحْيَاء! تَجِدُهُ يَسْتَخْفِي بِأعْمَالِهِ، يَسْتَخْفِي بأقوالِهِ؛ كل هذا مُداراةً ومُجَارَاةً للكُفَّارِ إنْ كانَ بين أظهُرهم، وللفُسَّاقِ إنْ كانَ موجُوداً بينهم! والعِزَّة لا بُدَّ منها، لابُدَّ أنْ يقول: {إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت/33]، لا بُدَّ أنْ يُصَرِّحْ بهذا، وأنَّهُ من أهلِ الاستقامة، ومن أهلِ الخير والفضل وما تَتطلَّبُها هذهِ الاستقامة لا بُدَّ أنْ يجهر بِهِ ويُصرِّح به، لا يَسْتَخْفِي به بين النَّاس، نعم قد يكون في ظرف أو في وقت يخافُ على نفسِهِ من أحد؛ يَتَّقِي في مثل هذا؛ وإلاَّ فالأصْل أنَّهُ مُعتزٌّ بِدِينِهِ، هُناك عمل خَفِي بين الإنسان وبين ربِّهِ، وهُناك عمل لابُدَّ من إظهارِهِ، الدَّعوة ممكن تكون خفاء؟! مسألة الإخلاص لابُدَّ من الخفاء؛ لكنْ قولُهُ من المُسلمين يُضَادْ فِعْل مَنْ يَسْتَخْفِي بِدَعْوَتِهِ أو يَخْجَلْ منها، حتَّى تَجِد بعض طُلَّاب العلم في مجالس العامَّة لا يُصرِّح بِوُجُود مُنْكر! وهذهِ دعوة، لماذا؟! اسْتِحْيَاءً من النَّاس، لا بُدَّ أنْ يكون جَريئاً، يُوَاجِهْ مثل هذهِ الأُمُور، كذلك الدَّاعي، كذلك الذِّي يعمل الأعمال الصَّالحة، تَجِدْ بعض النَّاس ما وده يشاف والله في يوم من الأيَّام يقرأ قرآن أو يُصلِّي زِيادة ركعتين وما أشبه ذلك إذا كان في مُجْتَمَعْ فُسَّاق؛ لأنَّهُم يَرْمُونَهُ بالكلام، وينكتون عليه وكذا، فتَجِدْهُ يَسْتَخْفِي بشيءٍ من هذا ، نقول: لا، لا مفر، لا يخافُ في الله لومة لائم.(1/1)
مسؤولية الأب تجاه أبنائه
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
على الأب إن كان من أهل العلم أن يعقد الدروس العلمية في بيته لأسرته بادئاً بصغار العلم، فيعلمهم القرآن، ويبدأ بقصار السور، ويعلمهم السنة بادئاً بالأربعين مثلاً، يجعلهم يحفظونها، ويشرح لهم معاني هذه الأحاديث، ويبين لهم غريب القرآن، أثناء حفظهم إياه، ويعلمهم العقيدة الصحيحة، بدءاً من الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات والتوحيد والواسطية إلى آخر السلسلة المعروفة عند أهل العلم، يحرص على تنشئتهم نشأة صالحة على العقيدة السليمة، ويعلمهم بعض الأحكام الشرعية التي تناسب مستواهم، هذا إن كان من أهل العلم، وأدركنا الجيل الذين قبلنا وقد يوجد أفراد لكنه ما يلاحظ بكثرة، يعني تجد الولد، وهو في الأشهر في الشهر السابع الثامن تجده يشير بأصبعه من كثرة ما يقال: له لا إله إلا الله، وتجده في سنة في سنة ونصف تسأله من ربك؟ يقول: ربي الله، أين الله؟ يقول: في السماء، على العرش استوى، أقول: مثل هذا الكلام وأدركناه يحفظونهم أصول الدين، يلقنونهم من الصغر، وجرت عادة العلماء من المتقدمين إحضار أولادهم إلى مجالس التحديث قبل سن التمييز، الولد ما ميز كيف تأتي به؟ يحضر مجالس العلم لينشأ عليها محباً لها، ولا يستنكرها ولا يستغرب، وأهل العلم حينما يحضر لديهم أمثال هؤلاء وهذا ذكروه في كتب المصطلح إذا أحضر عندهم أبو ثلاث سنوات أو أربع سنوات، وهو ما يفهم ولا يحفظ يختلفون هل تكتب أسماؤهم في الطباق أو لا تكتب؟ يعني هل يكتبون ضمن أسماء الحاضرين فيروون فيما بعد هذه المرويات بحضورهم عند الشيخ وسماعهم له، وإن لم يكونوا من أهل التمييز، فصار بعض المحدثين يكتب للمميز سمع فلان وفلان وفلان من كبار وصغار، من مكلفين وغير مكلفين؛ لكن كلهم في دائرة التمييز ولمن لم يميز حضر أو أُحضر، نعم المميز يكتب له سمع مثل الكبار، وغير المميز يقال: حضر أو أُحضر كل ذلك ليألف الصبي سماع(1/1)
العلم من الصغر، وينشأ على حبه، أما بالنسبة لمن لديه شيء من العلم لا شك أن المسئولية عليه أعظم، فعليه أن يعلم من ولاه الله -جل وعلا- أمانته، والذي ليس لديه شيء من العلم عليه أن يبذل السبب في إلحاقهم بحلق العلم، بدأ من حلقات التحفيظ، وأيضاً المعاهد العلمية التي تؤسس طالب علم متين، -ولله الحمد- ما زالت قائمة إلى الآن في قوتها، ويلحقهم بمن يُحسن تعليم الشباب من أهل العلم؛ لأنه أيضاً بعد ما يحسن أن يلحق الطالب الشاب المراهق في حلق الكبار، وحضر بعضهم من هذا النوع بعض الدروس، ثم ترك، يقول: ما استفدنا، وصحيح أنه ما يستفيد؛ لأن الدروس فوق استطاعته فليبحث له عن شيخ يحسن التعامل معه، فيلحق بحلقات التحفيظ، ويلحق أيضاً بالدروس العلمية المناسبة لمستواه، وذكرنا في مناسبات كثيرة أن طلاب العلم على طبقات، منهم المبتدئ ومنهم المتوسط، ومنهم المنتهي، والشيخ الفلاني يستطيع أن يتعامل مع المبتدئين، وفلان يستطيع أن يتعامل مع المتوسطين، وفلان يستطيع أن يتعامل مع الكبار، وكل له ما يخصه، وكل له طلابه.(1/2)
مِنْ غَرَائِبْ الاتِّفَاقْ !
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
أطال ابن القيم -رحمهُ الله تعالى- في تقرير سدِّ الذَّرائع من تسعةٍ وتِسْعِينَ وجهاً عدد الأسماء الحُسنى -كما قال- في إعلام المُوقِّعِينْ ، ثُمَّ أتْبَعَ ذلك بالكلام على الحِيَل المُناقِضَة لسدِّ الذَّرائع في كلامٍ طويلٍ جدًّا يعني يزيد على ثلاثمائة صفحة، وكل طالب علم بحاجة في هذا الظَّرف الذِّي نَعِيشُهُ إلى مُراجعتِهِ في الجُزء الثَّالث من إعلام المُوقِّعِينْ صفحة مائة وتسعة عشر إلى آخر المُجلَّد وبداية الرَّابع.
ومن غرائب الاتِّفَاقْ أنَّهُ في الجُزْءِ الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر من الطَّبعة المُنِيرِيَّة المُكَوَّنة من أربعة، ومن طبعة الكُردي القديمة الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر وهي ثلاثة! والمُنيريَّة أربعة، وفي الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر! يعني هذا من غرائب الاتفاق، وهذا ما أظُنُّهُ يحصُل في كتابٍ وُزِّع تَوْزِيعْ يختلف في طبعةٍ عن طبعةٍ أُخرى، يعني هل تجد مثلًا في فتح الباري في الثَّالث صفحة مائة وعشرين من طبعة الحلبي مثلا سبعة عشر مُجلَّد، تَجِدُهُ في الثَّالث صفحة مائة وعشرين من طبعةٍ أُخْرَى من أكثر أو أقل ما يُمْكِن يصير هذا!؛ لكن طبعة مُنير أربعة مُجلَّداتْ، وطبْعة فرج الله الكُردي الذي معهُ حادي الأرواح ثلاثة مُجلَّدات، هذهِ أرْبَعة وهذهِ ثلاثة، وكلها يبدأ الموضوع من الجُزء الثَّالث صفحة مائة وتسعة عشر! لماذا؟! لأنَّ الثَّالث في طبعة الكردي عن مُجلَّدين.(1/1)
وطِّن نفسك على التَّحرير ولا تستعجل الثمرة؛ فتُحرم!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب العلم يحضر الدُّرُوس، ويقرأ الشُّرُوح، ويسمع، وهناك رابط قوي للتَّحصيل، وهو اختصار الشروح، أو فهم الشُّرُوح، وصياغة هذه الشُّرُوح على حسب فَهْمِهِ بأُسْلُوبِهِ هو؛ لأنَّهُ إذا تصوَّر مسألة في كتابٍ من الكتب سواءٌ كان في الفقه، أو في الأصول، أو في العربية، أو في غيرها من العلوم، تَصَوَّرها تَصَوُّراً صحيحًا، ثُمَّ صَاغَها بأُسْلُوبِهِ؛ يَسْهُل عليهِ العلم، ويَفْهَمُهُ، ويُتْقِنْ هذا العلم، إذا أشكل عليهِ شيء قَرَأَ الشُّرُوح، وسَمِعْ ما سُجِّلْ، ويسأل أيضاً؛ مثل هذا يُعين على التَّحصيل، ويُثبِّت المعلُومات؛ لا سِيَّما طالب العلم الذِّي لا تُسْعِفُهُ الحافِظَة، الذِّي يَصْعُب عليهِ الحِفْظ؛ مثل هذا لا أنْفَعَ لهُ من اختصار الكتب؛ قد يقول قائل تقليب الكتب مرَّة اختصار، ومرَّة شرح، ومرَّة تعليق، ومرَّة كذا، يُؤلَّف كتاب، ثم يأتي شخص ويختصر هذا الكتاب، ثُمَّ يأتي آخر فيَشْرَح الأصل، ثُمَّ يأتي ثالث ويضع عليهِ حاشية، ثُمَّ يأتي رابع ويشرح المُختصر، ثُمَّ يأتي إلى آخره... وقد وجدنا أصل، ومُخْتصر، ومُختصر للمُختصر! ولا يضر؛ كل هذا من باب تثبيت العلم، وكثير من هذه المؤلفات لم تُؤَلَّفْ في الأصل لنفع الآخرين! قد يؤلِّفها الشَّخص للانتفاع بنفسِهِ، ينتفع بنفسِهِ هو، ثم بعد ذلك يُوجد بعدهُ في تركَتِهِ؛ فَيُنْسَب إليه يُقال من مُؤلَّفاتِهِ، قد لا تكون النِّيَّة أنه اختصِرَهُ لنَفْعِ النَّاس، وهذا مع الحذر الشَّديد بالنِّسبة للطَّالب الذِّي يُزَاول الاختصار أنْ يكتُب بِنِيَّة النَّشر، ويُبَادر بنشر ما لم يَتَحرَّر أو يتحقَّق ويتأكَّد من معلُوماته، ويُوجد من بعض الشَّباب من هم في المرحلة الجَامِعِيَّة يكتب إعلان أنَّهُ من مُؤلَّفاتِهِ فيذكر عشرين كتاب! وتحت الطَّبع مثل.. وقيد التَّحقيق مثل...(1/1)
وهو ما بعد تأهَّل إلى الآن! مثل هذا يَسْتَعْجِل الثَّمرة؛ وفي الغالب يُحْرَم، فيكُون من طبيعتِهِ العَجَلَة، والعَجَلَة على حساب التَّحقيق والتَّحرير، فَلا يُعَوِّد الإنسان نَفْسَهُ على العَجَلَة واستعجال الثَّمرة، يُوطِّنْ نفسَهُ على التَّحرير، تَجِد بعض الكِبَار ينطِق ألْفَاظ لا سِيَّما في أسماء الرُّواة خطأ؛ لأنَّهُ اسْتَعْجَلْ في نُطْقِها، ولم يتيسَّر لهُ تحريرُها، واستمرّ على هذا! وأهلُ العلم يُوصُونَ بالنِّسبة للأسماء أن تُؤخذ من أفواه الشُّيُوخ، وأنْ تُراجع عليها كتب الضَّبط؛ لأنَّهُ يَقبح بشخصٍ كبير يُعلِّم النَّاس من خمسين سنة ويقول: سلمة بن كهبل! بالباء، هذا يخفى على صغار المتعلمين؟! لكنَّهُ نَطَقْ بها في أوَّلِ الأمر، ولم يَتَيَسَّر لهُ مُراجعتها، وليسَ من أهلِ الشَّأْن، ثمَّ بعد ذلك يقع في مثل هذا، فطالب العلم عليهِ أنْ يَتَحقَّق مِمَّا يقول، ما هو مفترض بإنسان وفي طالب علم أو حتَّى في عالم أنْ يُلِمّ بكلِّ شيء، ويعرف كل شيء، ويتأكَّد من كل شيء، الإنسان طَبْعُهُ العجلة، وقد يَضِيقُ عليهِ الوقت في بعض الأحيان فلا يتأكَّد منْ لَفْظَة أو من كلمة فيقُولُها! المقصُود أنَّهُ في حال السَّعة، وفي حال التَّحرير، وفي حال المُراجعة والكِتابة؛ يَتَأَكَّد، فيكون هذهِ عادَتُهُ ودَيْدَنُهُ، فإذا تأهَّل للتَّعليم والتَّألِيفْ؛ تكُون لَدَيْهِ أَهْلِيَّة؛ يَعْرِفْ يصل إلى المعلُومة في أقرب فُرصة.(1/2)
قِيمَة المَرْء هِمَّتُهُ ومَطْلَبُهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فكل شخص أُمنيتهُ على قدر هِمَّتِه، يقول ابن القيم: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: جاء في بعض الآثار الإلهية يقول الله تعالى: إني لا انظر إلى كلام الحكيم، وإنما انظر إلى همته، قال شيخ الإسلام والعامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب، يريد -رحمه الله- أن قيمة المرء همته ومطلبه، قيمة كل امرئ ما يحسن، والآن في أساليب الناس أن قيمة الشخص ما يحمله في جيبه، فإن كان غنياً صارت له قيمة، وإن كان فقيراً لا قيمة له، هذا في عرف الناس لما صارت الحياة الدنيا هدف، وغفلوا عن الهدف الأسمى الذي خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، غفلوا عن هذا، ولذا تجد القلوب توجل عند كثير من الناس إذا دخل المجلس أو دخل في المجلس وفيه من أهل الدنيا من أرباب المناصب والتجارات، وإذا جاءه من يعدل ملء الأرض من مثل هذا ولاه ظهره.
وإذا أردت أن تعيش هذا الأمر في نفسك مثلاً، أو في من تعرف فانظر نفسك إذا قيل لك: مدحك فلان مدحك الأمير الفلاني، أو الوزير الفلاني، أو التَّاجر الفُلاني؛ انظر وضعك، ووضع ذلك الشخص الذي مدح من قبل هذا الكبير، من قبل هذا الأمير، من قبل هذا الوزير، تجده لا ينام الليل من الفرح؛ لكن لو كان الميزان عنده شرعي ما التفت إلى هذا البتة، وهو يعرف أن من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منه، هذا الذي يحتاج أن يطير الإنسان شوقاً إلى مثل هذه الأعمال، الذكر، يقول القائل:
ومَنْ تَكُنْ العَلْيَاءُ هِمَّةَ نَفْسِهِ ... فكل الذِّي يَلْقَاهُ فيها مُحَبَّبُ(1/1)
يعني الناس لو تقول له: احمل هذا الشيء اليسير يعني زنته خمس كيلو مثلاً، يقول: والله أنا ما تعودت الحمل، أنا والله لست بحمال، نعم، لكن ائتِ له بشيء يرغبه تجده يحمل أضعاف أضعاف ما عرض عليه ما نحتاج أن نمثل يعني، يعني من أهل العلم مثلاً وهو ما وضع نفسه للحمل والتنزيل، يأتيه كرتون زنته ستين كيلو سبعين كيلو كتب مثلاً عنده استعداد يشيله من السيارة ويدخله بالبيت؛ لأنه يحب الكتب، وهذه همته، وقل مثل هذا في سائر الأعمال، البضائع مثلاً تجد صاحب هذه التجارة عنده استعداد يحملها لا سيما إذا كانت نفيسة عنده، أو كان يرجوها ويترقبها، أو لقلتها في الأسواق تجده يتولاها بنفسه، هذه همته: فكل الذي يلقاه فيها محببُ.(1/2)
لا تَخْفَى عليهِ خَافِيَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] يعني مبصر لأعمالكم، فهو معكم ببصره، بعلمه، بسمعه، فهو يعلم ويسمع ويبصر ما تعملون، ومقتضى ذلك أنه إذا كان معنا، إذا استحضرنا مثل هذا النص لا بد أن تكون منزلة المراقبة لله -جل وعلا- عاملة عملها فينا، وهي مرتبة الإحسان، إذا كان الله -جل وعلا- معنا يسمع كلامنا ويبصر أعمالنا {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [(4) سورة الحديد] ويسمع كلامنا، ويرانا أين ما كنا، وهو معنا أين ما كنا، فلا بد أن نراقبه، لا بد من أن نراقب الله -جل وعلا- في جميع أعمالنا، وهذه مرتبة الإحسان التي هي: أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة ... والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحِ من نظر الإله وقل لها ... إن الذي خلق الظلام يراني
يعني أيش الدرس العملي الذي نستفيده من مثل هذه الآية؟ " إذا كان الله -جل وعلا- مَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا ويَرَانَا، يَرَى أَعْمَالَنَا، ويُبْصِرُنَا، ويَسْمَعُ كَلَامَنَا أَيْنَ مَا كُنَّا فِي أَيِّ مَكَانٍ كُنَّا، سَواءٌ كُنَّا ضَاحِينَ لِلشَّمْس وَضَحَ النَّهَار، أَوْ كُنَّا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْل، أَو فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثْ، أَوْ أَكْثَر، اللهُ -جَلَّ وعَلَا- يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلُّه، ومُقْتَضَى ذَلِكْ أَنْ نُرَاقِبُه فِي جَمِيعِ أَعْمَالَنَا وَأَقْوَالَنَا، وفي جَمِيعِ تصرفاتنا".
{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(7) سورة المجادلة].(1/1)
والنجوى الكلام سراً، هذه هي النجوى, {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} -جل وعلا- رابعهم بعلمه، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من نجواهم، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} لأنه لم يذكر إلا الأعداد الفردية، ما ذكر الأشفاع، ثلاثة وخمسة، ولا أدنى من ذلك، يعني أدنى من ثلاثة اثنين، إلا هو ثالثهم، ولا واحد يتحدث إلى نفسه إلا والله -جل وعلا- يطلع على ما يختلج في صدره {وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} سواءٌ واحد أو اثنين أو أربعة {وَلَا أَكْثَرَ} ستة, سبعة, عشرة، مائة، لا تشتبه عليه اللغات، ولا تلتبس عليه الأصوات، يعني لو قدر أن الملايين، نحن يمرُّ علينا شيء من هذا، لو تصورنا مثلاً المطاف وهو كضيض بالزحام، وكل واحدٍ يتكلم بكلام يختلف عن كلام غيره، وأحياناً لا يسمعه من بجواره، ولغات مختلفة ومطالب متعددة لا يخفى على الله -جل وعلا- شيء من لغاتهم، ولا لهجاتهم، ولا من مطالبهم وحاجاتهم إضافة إلى سائر من على ظهر المعمورة -جل وعلا-، {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ} العدد المذكور ولا أكثر منه {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أينما كانوا في أي مكان كانوا {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يخبرهم بما عملوا، يخبرهم بما عملوا، هو معهم لا يظن العامل عمل السوء أنه يخفى على الله -جل وعلا- ولا يظن المتكلم بكلامٍ لا يرضي الله -جل وعلا- أنه يخفى على الله، ولا يظن أيضاً، بل لا يظن من عمل أي عملٍ أنه يخفى على الله، أو يتكلم بأي كلام، لا بد أن ينبئه الله -جل وعلا- بما حصل منه يوم القيامة، فإن كان خيراً جازاه عليه، وإن كان شراً عاقبه عليه أو عفا عنه {أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقت الحساب يقررهم، ((ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه(1/2)
وبينه حجاب وليس دونه ترجمان)) بدون ترجمان، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [(7) سورة المجادلة]. لا تخفى عليه خافية يعلم كل شيء.(1/3)
لا يفقه كيف يتوضأ ولا كيف يصلي؛ ويتكلم في عُضل المسائل!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
التفسير بالفهم الذي لا يستند إلى أصل، وهذا ما يفعلهُ كثير من الكُتَّاب الذِّينَ ليسَ لهم صِلَة بِكِتاب الله ولا بسُنَّة رسولهِ -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-، ويقولون نحنُ رجال وهم رجال! ونُفسِّر ونَفْهَم مثل ما يفهمُون! وليسَ لديهم أصل يعتمدون عليه، ولا شيء يَأْوون إليه ويرجِعُونَ إليهِ! ليست لهم علاقة، وتجدهم يتكلَّمون في دقائق المسائل، وهم ليست لديهم أهلِيَّة، التَّفسير حرام بالرَّأي، الذِّي لا يَتَدَيَّنْ بالنُّصُوصْ ليست فيهِ حيلة، الأمر معه صعب؛ لكنْ يبقى أنهُ قد يَتَذَرَّعْ بهذا طالب علم يقول أنا أفهم! يعني طالب علم مُبتدي مثلًا، أو لهُ طلب علم في فنّ من فُنُون العلوم، يعني مُتخصِّص مثلًا في اللُّغة، أو في أيِّ فن، أو في الفقه مثلًا، وليست لديه خبرة ولا دُرْبَة ولا مُمارسة لِكُتب التَّفسير مثلًا؛ لأنَّ هذا قد يَلْتَبِسُ على بعض طُلَّاب العلم إذا قرأ في تفاسير العلماء، التَّفاسير الموثُوقة يجد مثلًا أنَّ شيخ الإسلام فَهِمْ من هذهِ الآية فهم أُوتِيَهُ -رحمهُ الله- لم يُسْبَقْ إليهِ؛ فَيَظِنُّهُ من التَّفسير بالرَّأي! يعني فرق بين شخص صار القرآن دَيْدَنهُ، والرُّجُوع إلى المصادر التِّي تُوضِّح القرآن وتُفسِّرُهُ على الجَادَّة المعرُوفة عند سلف هذه الأمة وأئمَّتها؛ صارت عنده شيء مألُوف، هذا لهُ أنْ يُفسِّر، ويفتح الله عليهِ بشيء لم يُسْبَقْ إليهِ، وليسَ هذا من التَّفسير بالرَّأي؛ لأنَّهُ تَتَكوَّن لديْهِ مَلَكَة من كثرة المُمَارسة؛ يفهم بها كلام الله، وتَتَكوَّن لديْهِ مَلَكَة من كثرة المُمَارسة، والنَّظر في شُرُوح السُّنَّة؛ يفهَمُ بها كلام رسُول الله -صلَّى الله عليهِ وسلَّم-؛ ولذا يقول الإمام أحمد يعني بالنِّسبة لتفسير الغريب الأمر فيهِ ليسَ بالسَّهل، هذا أمر لا ينبري لهُ كل شخص؛ بل على(1/1)
الإنسان أنْ يَتَّقِيهِ بقدْرِ الإمكان، والأصْمَعِي لمَّا سُئل عنْ الصَّقَبْ ((الجار أحقُّ بِصَقَبِهِ)) قال: أنا لا أُفسِّرُ كلام رسُولِ الله؛ ولكنَّ العرب تَزْعُم أنَّ الصَّقَب اللَّزِيق أو اللَّصِيقْ، فالتَّفسير لا يكفي فيه معرفة باللُّغة، شرح الحديث لا يكفي فيه المعرفة باللُّغة فقط؛ بل لا بُدَّ منْ أنْ يكون من أهل القرآن، ومِمَّنْ لهُ عِناية بالقرآن، ولهُ أيضاً دُرْبَة بكلامِ أهلِ العلم في تفسير القرآن، وكذلك السُّنَّة، إذا كانت لديْهِ هذهِ المَلَكة التِّي نَتَجَت من خلال طُول المُمَارسة لو تَوصَّل إلى مَعْناً لم يُسْبَقْ إليهِ؛ هذا يُدَوَّنْ كقول من الأقوال المُعْتَبَرَة عند أهلِ العلم ((رُبَّ مُبلَّغٍ أوعَى من سامِع))، ثُمَّ يأتي في العُصُور المُتَأَخِّرة مَنْ فَسَدَتْ فِطْرَتُهُ وتَلَوَّثَت، وليْسَتْ لَهُ صِلَةٌ بِكِتاب الله، ولا بِكلامِ أهلِ العلم الذِّي يُفسَّر بِهِ كلام الله، ثُمَّ يقول هم رجال ونحنُ رجال! ويأتي بالعجائب والعظائم! تَجِدْهُ لا يَفْقَهْ كيف يتوضَّأ! ولا كيف يُصَلِّي! ثُمَّ يدخُل في عُضل المسائل! وهناك نماذج مِمَّنْ يكتبُون ويتكلَّمُون في وسائل الإعلام! بناءً على فهمهم، الذِّي يتبادرُ إليهِ فَهْمُهُ من الكلام.(1/2)
من أعظم الأسباب في الوقاية من النار
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الأذكار لها شأن عظيم في حفظ النفس والأهل والمال والولد، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعوذ الحسن والحسين فتنشئتهم على هذه الأذكار، والآن كل شيء متيسر، الأذكار يمكن تطبع في كرت ورقة واحدة، ومع ذلك توزع على الأهل والأولاد، ويضرب لهم مدة لحفظها، وأعرف شخص ولده من هؤلاء الشباب الذين في مرحلة المراهقة، ويطلب سيارة قال: ما عندي مانع أن أشتري لك سيارة؛ لكن بشرط أن تحفظ أذكار الصباح والمساء، وجميع الأذكار، وهي مدونة في كتيب أعطاه الكتاب، وبعد مدة سمع له، واشترى له السيارة، هذه الأذكار تحفظ، الآن يعاني كثير من الناس، واحد من الأخوان اشترى لولده سيارة في الثانوية، يشكو يقول: كل يوم يأتي لنا بمصيبة، كل يوم حادث، هل عود الولد على الأذكار؟ ما عود والأذكار لا شك أنها حصن، هذه فائدتها في الدنيا فكيف بفائدتها في الآخرة؟ وهي من أعظم الأسباب في الوقاية من النار، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((سبق المفردون... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات))، وجاء الحث على الذكر في كثير من النصوص، الذكر لا يكلف شيء، فتنشئة الولد والأهل على هذا الأمر لا شك أنه من الوقاية من عذاب الله -جل وعلا-، لا يكلف شيئاً، يعني هل الولد إذا قيل له: قل سبحان الله وبحمده مائة مرة، يعني في دقيقة ونصف أو في أول الأمر يكون في دقيقتين، يأخذ عليه وقت أو جهد، تقول له: والله يا ولدي اليوم مصروف المدرسة ثلاثة ريال، قل لي: سبحان الله وبحمده مائة مرة وأعطيك ثلاثة في دقيقتين، لن يتردد تقول له: صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، تقول له: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد إلى آخره عشر مرات، أو مائة مرة في المقابل، وينشأ نشأة صالحة، فلا شك أن هذه من الأساليب التي ينبغي أن يسلكها كل مسلم؛ لأنها ما تكلف شيء، ولا تحتاج إلى علم.(1/1)
أَثَرُ المَعَاصِي فِي تَحْصِيلِ العِلْم
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
مِمَّا يَلْزم لطلب العلم تقوى الله -جلَّ وعلا-، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [سورة البقرة/ (282)] لا بد لطالب العلم أنْ يجتنب المُحرَّمات، وأنْ يفعل جميع المأمُورات التِّي يستطيعها، أمَّا الذِّي لا يستطيعهُ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منهُ ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))، {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [سورة البقرة/(282)] من أعظم الوسائل في تحصيل العلم تقوى الله -جلَّ وعلا-، ومن أعظم الصَّوَادّ والصَّوارف المعاصي، يَشْكُو كثير من الناس ضَعف الحافظة، ولا يدري أنَّ هذهِ عُقوبة من الله -جلَّ وعلا-، لا شكَّ أنَّ المَلَكات تتفاوت بينَ النَّاس، والذِّي قَسَمها بين النَّاس هو الذِّي قَسَمَ الأرزاق؛ لكن يبقَى أنَّ الإنسان لهُ كَسْب في هذا الباب زيادةً ونقصاً، فإذا قَصَّر في المأمُورات، أوْ انْتَهك بعض المُحرَّمات؛ لا شكَّ أنَّ لهذا أثراً بالِغاً على تَحْصِيلِهِ، يقول الإمام الشَّافعي -رحمهُ اللهُ تعالى-:
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفْظِي ... فأرْشَدَنِي إلى تركِ المَعَاصِي
وقال اعلم بأنَّ العلم نُورٌ ... ونُورُ اللهِ لا يُؤْتَاهُ عاصِي
من المعاصي: المعاصي الظَّاهرة، هذه لا تحتاج إلى تنبيه؛ لكن هناك معاصي هي من أعمال القلوب، ونحتاج منها إلى أمرين: هما العُجب والإعجاب بالنَّفس، والكِبْر، الإعجاب بالنَّفس هذا يلزم منهُ ازْدِراء الآخرين، والكِبْر بطر الحق وغَمْطُ النَّاس، فَيَلْزَم من الإعجاب بالنَّفس الكِبْر..
والعُجب؛ فَاحْذَرْهُ إنَّ العُجب مُجترفٌ ... أعمالَ صَاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ(1/1)
وأما الكِبْر فهو صِفةُ إبليس، ومَنْ مِنَ المُسلمين يَوَدّ أنْ يكون مُتَّصِفاً بِصِفَةِ إبْلِيس؟! وهو من أعظم الصَّوارف عن العلم الشَّرعي، اللهُ -جلَّ وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف/ (146)] والشَّيطان لهُ مَدَاخِل، ومسالك دقيقة، وهو كما أخبر الله -جلَّ وعلا- عنه عَدو، فَعَلَيْنَا أنْ نَتَّخِذُهُ عَدُوَّا، لهُ مَسَالِك دقيقة بحيث يَتَصَيَّد غَفْلَةِ الإنسان فَيَقْتَنِصَهُ! تجد الإنسان وهو جالس في المسجد يَقْرَأُ القرآن، يَقْرَأُ القرآن جالس في المسجد يعني من أفضل العبادات..
خيرُ مقامِ قُمْتَ فيهِ وحِلْيَةٌ ... تَحَلَّيْتَها ذِكْرُ الإلَهِ بِمَسْجِدِ(1/2)
من أفضل العبادات؛ لكنْ مع الأسف تَجِدُهُ إذا طَلَع شخص، الْتَفَتْ على جارُهُ قال: هذا وش معجله وين يبي؟! إذا شاف واحد ما يقرى، قال: هذا محروم! هذا ما أدري وشو! لا يترك النَّاس من شَرِّه!! إنْ كان عندك مُلاحظة لِأَحَد أو نَصِيحَة تُسْدِيها إليه والدِّينُ النَّصِيحة بينك وبينُهُ كلَّمه، قل لهُ: والله يا أخي وش أنت عاجلٍ عليه؟! أما إذا طَلَع أتْبَعْتَهُ بَصَرك حتَّى يخرج من المسجد ثم تقول وش عاجلٍ عليه! وما يُدريك لعل عنده عمل أو شغل! أو سوف يَشْتَغل بِشُغلٍ أو عمل للآخرة أعظم من عملك! ما يُدريك؟ فَيَبْقَى أنَّ الإنسان عليهِ أنْ يَشْتَغِل بِعُيُوبِهِ عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ، ومِمَّا يُؤْسَفُ لهُ أنَّ بعض منْ يَنْتَسِب إلى طَلَبِ العلم اشْتَغَلَ بِعُيُوبِ النَّاس، وغَفَلَ عَنْ عُيُوب نَفْسِهِ، فَكَأَنَّهُ يَشْهَدُ بِلِسَانِ حَالِهِ لِنَفْسِهِ بالكمال! ويَشْهَدُ على غَيْرِهِ بالنَّقْصْ، وأنَّهُ هُو المُصِيبْ المُحِقّ، وأنَّ غَيْرَهُ مُخطئ! وما يُدْرِيك يا أخي؟! ولِذا غَابَتْ البَسْمَة والاسْتِقْبَال الحَسَنْ مِنْ وُجُوهِ بعض طُلَّابِ العلم ((لا تَحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيئاً ولو أنْ تَلْقَ أخاكَ بِوَجْهٍ طَلِقْ))، ((تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أخِيكَ صَدَقَة)) فضلاً عن كونك تتواضع لهُ، وتَعْتَرِفْ لهُ بالخير، ولِنَفْسِكْ بالعَجْز والتَّقْصِير؛ لأَّنكَ جُبِلْتْ على الظُّلْم والجهل؛ لكنْ مثل ما ذَكَرْنا الشَّيْطَانْ لهُ مَدَاخِلْ، بعض منْ تَرْجَم نَبَز شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- بالكِبْر! يعني يَقْرَأ هذا العلم الهَائل مِنْ شيخ الإسلام والرَّد بِقُوَّة، ويَتَصَوَّر هذهِ القُوَّة في الرَّد وفي العلم - نعم – قُوَّةٌ بَدَنِيَّة وفَتْل عضلات ما هو بصحيح هذا، وقَدْ دَافَعَ عن شيخ الإسلام في كلامٍ لم أجِدْهُ لغيرِهِ في هذهِ المسألة مُفتي حَضرموت عبد الرحمن بن عُبيد الله السَّقَّاف،(1/3)
قال: أبداً، لا يُمْكِنْ أنْ يَتَّصِفْ شيخ الإسلام ابن تيمية بالكِبْر؛ لأنَّ القرآن على طَرَفِ لِسَانِهِ وأسلةِ بَنَانِهِ، واللهُ -جلَّ وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [سورة الأعراف/ (146)] كيف يُوصف بالكِبر والقُرآن على لِسَانِهِ؟! هذهِ الأُمُور في غايَةِ الأهَمِّيَّة، يَنْبَغِي أنْ يَسْتَصْحِبها طالب العلم، ولا يَغْفل عنها.(1/4)
التَّوْجِيهَاتْ التَّرْبَوِيَّة التِّي يَسِيرُ عَلَيْها المُرَبِّي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: نَأْمَلْ بِتَزْويدَنَا بالتَّوْجِيهَاتْ التَّرْبَوِيَّة التِّي يَنْبَغِي أنْ يَسِيرَ عليها المُرَبِّي؛ كي يستطيع الجِيلْ مُواجَهَة التَّيَّارَات خُصُوصًا بأنَّ الهَدْم أسرع من البناء؟!
أقول: العلم الشرعي إذا أُخِذَ على طَرَائِقِ أهل العِلم، وعلى الجَادَّةِ المَعْرُوفَةِ عِنْدَهُم، وأُخِذَ مِنْ أَهْلِهِ المَعْرُوفِينْ بِهِ مع الرِّفْقِ واللِّين؛ لا شَكَّ أنَّهُ يُرَبِّي النَّاس، لَسْنَا بِحَاجَة إِلَى نَظَرِيَّاتٍ تَرْبَوِيَّة وَافِدَة – أبدًا - نَحْتَاجْ إِلَى مَنْ رَبَّى الصَّحَابَة يُرَبِّينَا بَسْ لَا أَكْثَر ولَا أَقَلّ، أَعْظَم جِيلْ عَرَفَتْهُ البَشَرِيَّة جِيل الصَّحَابَة تَرَبَّوْا بالكِتَابِ والسُّنَّة، فنحنُ نَحْتَاجْ إلى أنْ نَتَرَبَىَّ عَلَى قَالَ الله وقال رَسُولُهُ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ أنْ نُحْسِن؛ لِأَنَّ النُّصُوصْ عِلَاج، ولَا بُدَّ أنْ يَتَوَلَّى العِلَاجْ طَبِيبٌ مَاهِر؛ فَنَأْخُذُ العِلْمَ مِنْ أَهْلِهِ، وعلى الطُّرُقْ المَعْرُوفَة، ونَسْتَصْحِب دَائِمًا أنَّ ((الرِّفْقْ ما كَانَ في شيءٍ إلاَّ زَانَهُ)) ونَسْلُكْ الجَادَّة، ونَسْتَشِير مَنْ هُو أَكْبَر مِنَّا وأَعْرَف، ونَتَّهِمْ أَنْفُسَنَا، ونَحْتَرِم الآخَرِين، ثُمَّ بَعْد ذَلِك يَنْتَهِي، وما عاد تِصير عندنا مُشْكِلَة -إنْ شَاءَ الله تعالى-.(1/1)
قتل الأنفاس
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
للنهار وظائفه ولليل وظائفه، فهناك عبادات فعلها في الليل أفضل كالصلاة، وعبادات فعلها في النهار أفضل كالصوم وغيره من العبادات النهارية، لا شك أن لكل وقتٍ وظائفه ، ينام بالليل والنهار نصف الوقت، وقد ينام منه ما ينام، وقد ينشغل بأعمال دنياه بقدر ما يحتاج إليه فلا يبقى له إلا النزر اليسير؛ لكن إذا كان ممن ابتلي بالسهر، والليل يذهب جله في القيل والقال ثم ينام النهار ماذا بقي له؟ لا يبقى شيء؟! وإن كان ممن ابتلي بالوظائف من غير نيةٍ صالحة فذهب عمره سدىً، ثلث المدة في الوظيفة فإن خليت عن نيةٍ صالحة، وعملٍ متقن تبرأ به الذمة وإلا فقد خاب وخسر؛ لأنه ما يبقى له شيء، يذهب عمره سدى، وذكر عن سلف هذه الأمة أنهم يستغلون الأنفاس، منهم من يستغل الوقت بالصلاة فيصلي ثلاثمائة ركعة متواصلة، عرف عن الإمام أحمد –رحمه الله- أنه يصلي باليوم والليل ثلاثمائة ركعة، الحافظ عبد الغني بين طلوع الشمس وارتفاعها إلى الزوال ثلاثمائة ركعة، الحافظ شرف الدين الطيبي يجلس من صلاة الصبح إلى أذان الظهر في التفسير، يفسر القرآن للطلاب، وبعد صلاة الظهر إلى أذان العصر في صحيح البخاري، وبعد صلاة العصر إلى صلاة المغرب في كتابٍ ثالث، هذا ديدنه، جل عمره على هذا، في يومٍ من الأيام أنهى التفسير وجلس ينتظر صلاة الظهر ففاضت روحه وهو ينتظر الصلاة.
الآن الضياع بالجملة، يعني قد يمر على طالب العلم اليوم واليومين ما فتح المصحف، هذه كارثة، فضلاً عن كونه لا يفتح كتب العلم والنظر في سير أهل العلم وعلى رأسهم المصطفى -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، لا شك أن تضييع الأوقات هو تضييع النفس يعني قتل النفس، وهذه الأنفاس هي عمر الإنسان فإذا ذهبت سدى فلا خير فيه ولا قيمة له.(1/1)
لا يَنْبَغِي لِمَنْ عِنْدَهُ شَيءٌ من العِلْم أنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
إذا قَرَأَ المُتُونْ يقرأ الشُّرُوح، ويقرأ الحَوَاشِي، إذا قَرَأَ المُختصرات وانْتَهَى مِنَ المَرَاحِلْ الثَّلاث؛ يُعْنَى بالمُطَوَّلَات، وإذا كانتْ المُختصرات تُحْفَظ، ويُحْضَر بها الدُّروس، وتُقْرَأ عليها الشُّرُوح، فالمُطَوَّلَات تُجْرَد، هذهِ طريقةُ أهلِ العلم، تُقْرَأ، ولا يقول طالب: وين عشرين مُجلَّد متى يقضي؟!! يَقْضِي يا أخي، ينتهي، عشرين مُجلَّد ينتهي، أنت لو حَسَبْتها بالحساب ما بَغت شيء، كم تبي تقرأ باليوم؟! يعني فتاوى شيخ الإسلام والطَّالب يعني وهو مرتاح يقرأ مائة صفحة في اليوم! كل خمسة أيام مُجلَّد! وهو مرتاح! نعم فتح الباري يحتاج إلى أنْ يقرأ عشر صَفحات باليوم بدل مائة صفحة؛ لأنَّهُ مَرْصُوص، ومَضْغُوطْ، علم مضغُوط، شيخ الإسلام -رحمةُ الله عليهِ- رغم ما عِنْدَهُ مِنْ مَتَانة إلاَّ أنَّهُ سَيَّال، كَلَامُهُ يَجُرّ بعضُهُ إلى بعض، يعني فتوى واحِدَة يُجِيبُها بمائتين وثلاثين صفحة شيخ الإسلام! لكنْ مثل شُرُوح ابن حجر والعيني وغيره من الشُّرُوح تحتاج إلى مُعاناة؛ لأنَّ كل سطر فيه مسألة، ومع ذلكم تنتهي، بس المسألة تحتاج إلى عزيمة صَادِقَة وجِدّ، نعم في أوَّلِ الأمر طالب العلم قد يَثْقُل عليه، ويَصْعُب عليهِ أنْ يقرأ عشرين مُجلَّد من كل كتاب، الله المُستعان كأنَّهُ يبي يشيل له جبل، كأنَّهُ يُحاول حَمْل صَخْرَة! والأمر أهْوَنْ من ذلك، فإذا قَرَأْ على الجَادَّة، واسْتَفَادْ منها على الوَجه المَطلُوب، ويَبْدَأْ بالأسْهَلْ فالذِّي يَلِيهْ، ما يَبْدَأْ طالب العلم أوَّل ما يَبْدَأْ فتح الباري – لا – هذا يَنْقَطِعْ، يَقْرَأْ النَّووي على مُسلم ويَكْفِيهْ ثلاثة أشهُر! يَقْرَأْ الكِرْماني على البُخاري يَكْفِيه مثلها! ثلاثة أشهُر! سهلة! ولو لم يَسْتَفِدْ إلاَّ قِراءة الصَّحيح،(1/1)
ويَسْتَفِيد من الشَّرح فوائد عَظِيمة، قد يقول بعضُ الطُّلَّاب إنَّنا قرأنا مُطَوَّلَاتْ، وقَرَأْنا مسائل؛ لكنْ نُحاول نَسْتَذْكِر شيء ما نَذْكُر إذا انْتَهِينا! نقول – لا يا أخي – لا تَيْأَسْ، أنْت عندك علم، ما دام قَرَأْت كِتاب، عندك علم عَظِيم، فإذا بُحِث مَسْأَلَة في مَجْلِسٍ أنتَ فيهِ؛ تَمَيَّزْتْ على غَيْرِك، لا بُدَّ أنْ تَذْكُر ولو أصل المسألة، وأنَّها مَبْحُوثة في الكتاب الفُلاني أو العَلَّاني، ويَنْبَغِي أنْ يكون عندك أثناء القِراءة مُذكِّرة – دفتر -، ومعكَ أقلام مُلوَّنة؛ لأنَّ هناك من المعلُومات التِّي تَمُر عليكَ في هذهِ المُطَوَّلَاتْ كلام لا يُمْكِنْ يمر في غير هذا الكتاب؛ فَيُحْفَظْ، تَضَعْ عليهِ لُون أحمر، علشان إذا رَجعت للمُراجعة تَحْفَظ هذا الكلام، وأنت تَجْرِد إذا جَلَسْتْ تَحْفَظ منت منتهي أبد؛ لكنْ إذا أَرَدْتَ أنْ تَحْفَظْ أشِّر عليهِ إشارة حمراء، ضَعْهُ بين قَوسين أحمرين، إذا كان هذا الكِتاب يُحْتَاج أنْ يُنْقَل ويُتَحَدَّثْ بِهِ في المَجَالِس، ويُتْحَفْ بِهِ الإخوان كونِهِ طَرِيف؛ يُوضَع عليهِ لون، إذا كانَ يُرَاد فَهْمُهُ، أو أعْجَز فَهْمُهُ ويُرَاجَعْ علِه شُيُوخ أو كذا؛ يُوضَع عليهِ لون آخر، إذا كان يُراد نَقْلُهُ مَثَلًا إلى مُذَكِّرَة، يعني كُلّ طالب علم لابُدَّ أنْ يكون عندهُ مُذكِّرَات، يَنْقُل فيها طَرائِف العُلُوم، يَضعْ عليهِ لون آخر، فإذا انْتَهى من الكتاب يَعُود إلى هذهِ بِسُهوله يعني، أيضاً استعمال العناوين على طُرَّة الكتاب هذهِ سُنَّةٌ مَأْثُورة عند أهلِ العلم، يَسْتَذْكِر بها العلم، إذا قَرَأَ هذا المُجلَّد بعد عشر سنين؛ يَفْتَح هذهِ الطُّرَّة يَقْرَأْ هذهِ العناوين عشرين، ثلاثين عنوان يَتَذَكَّرُها، فلا نقول العلم متين وصعب ولا نستطيع أن ننهي – لا لا - الآن ميسور وللهِ الحمد، يَسِير على مَنْ يَسَّرَهُ الله عليهِ، بس المَسْأَلَة(1/2)
تحتاج إلى إخلاص، وتأهُّل، بِحَافِظَةٍ مُسْعِفَة، وفَهْمٍ جيِّد، وأمَّا من لم تَتَوَفَّر لَدَيْهِ هذهِ الأُمُور؛ فلا يَيْأسْ؛ لِأَنَّهُ بالصَّبر، والمُثَابرة، وصِدْقِ اللُّجُوء إلى الله -جلَّ وعلا-؛ يُعِينُهُ ويُفهمه، وكم من طالب علم بارع، نابِغة، تَسْأَل عنهُ بعد حين؛ فإذا هو لا شيء! لأنَّهُ انقطع! وكم من شخصٍ مُتوسِّط الفَهَم لا يَلْبَثْ أنْ يَكُونْ مِمَّنْ يُشارُ إليهِ بالبنان؛ لِأَنَّهُ تَابعَ التَّحصِيل، وحَضَر الدُّرُوس، ونفعَ اللهُ بِهِ، أخَذ في النَّفع، أخَذ يُعلِّم النَّاس، أو يُؤلِّف؛ ولِذا يقول ربيعة بن عبد الرحمن، ربيعة الرَّأي: "لا يَنْبَغِي لِمَنْ كانَ عِنْدَهُ شَيءٌ من العِلْم أنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ"، لا يُضَيِّع نَفْسُهُ، تَخَرَّج من كُلِيَّة شَرْعِيَّة، وتَأَهَّلْ للنَّظَرْ في الكُتُبْ، ومُرَاجَعَة المَسَائل، ثُمَّ يَتَوَظَّفْ كاتب على ماصة، وسنتين وثلاثة وهو يرجع؛ الآن يمسح ما حفظ! خمس سنوات ويرجع عامِّي! لكن وش المانع إنُّه يصير وهو على كرسيُّه على وظيفته، ويشتغل بأُمُور المُسلمين عامَّة ومع ذلك يُتابع التَّحصيل، فلا يُضيِّع نَفسه، ويَستمر طالب علم، وقد يكُونُ عالِماً إذا بَذَلْ؛ لِأَنَّهُ لَنْ يَكُون عالم إلاَّ إذا بَذَل، يَعْنِي عَلَّم، تَعَلَّم، وعَلِمَ، وعَلَّم، وبهذا ينمُو العِلْم و يَزْكُوا ، وأَلَّف، هذا من قَوْلِ رَبِيعة وهو كلامٌ يَنْبَغِي أنْ يُعَضَّ عليهِ بالنَّواجِذْ.(1/3)
احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
((ألا أُعلِّمُكَ كلمات)) ما هذه الكلمات؟! كلمات عظيمة، على المُسلم أنْ يُعْنى بها، يقولُ بعضُ السَّلف لمَّا سَمِع الحديث، وكادَ قَلْبُهُ أنْ يَطِيرْ، يقول: "وا أسفا على عُمْرِي الذِّي ضَاع قبل أنْ أعرِفَ هذا الحديث!" لماذا؟! لأنَّها أوامر رُتِّب عليها نتائج، ولا يَسْتَغْنِي أي مُسلم عَنْ هذهِ النَّتائج، وإذا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِتَحَقُّقِ هذهِ النَّتائج؛ فعليهِ أنْ يَمْتَثِل هذه الأوامر، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) مَعْنَاهُ: احْفَظ أوامر الله؛ فلا تُضيِّعها، واحْفَظْ حُدُود الله؛ فلا تَتَجَاوَزْهَا، واحْفَظْ مَا جَاءَكَ عَن الله من مَحْظُورَاتْ؛ لِتَجْتَنِبَها، فَمن حَفِظ الأوامر وفَعَلَها، وعَرَف النَّواهي واجْتَنَبَها؛ حَصَل لهُ جَوَابُ الطَّلب ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) والجزاءُ من جنس العمل، فمن حَفِظَ الله يعني حَفِظَ حُدُود الله، وأوامر الله واجتنبَ ما نَهَاهُ الله عنهُ، وحَفِظَ جوارحهُ؛ حَفِظَهُ اللهُ -جلَّ وعلا-، وبالمُقابل {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة/ ( 67 )] الجزاءُ من جنس العمل ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ))، ويكون هذا الحِفْظ؛ بحفظِ حُدُودِهِ، وحِفْظِ الجَوَارِحْ؛ ولِذا بعض العُلماء ولعلَّهُ طاهر بن عبد الله الطَّبري قد جَازَ المائة، واعْتَرَضَتْهُ حُفرة كبيرة؛ فَقَفَزَهَا! وقد جَازَ المائة، فقيل لهُ: كيف غَامَرْت بِهَذِهِ الحُفْرَة وأَنْت جَاوَزْتَ المائة؟! فقال: جَوَارِحٌ حَفِظْنَاهَا فِي الصِّغَر؛ فَحَفِظَهَا اللهُ لَنَا فِي الكِبَر!.(1/1)
ومن الشَّواهد على ذلك شيءٌ أَدْرَكْنَاهُ إمام مسجد في الرياض قبل ثلاثين عام أيَّام الحَفْرِيَّات العميقة للمجاري كان يؤم مسجد فَخَرَج من المَسْجِد، وهو كَفِيف البَصَر! والذِّي أجزمُ به أنَّهُ يُناهز المائة! فَخَرَج من المَسْجِد، فَوَقَع في حُفرةٍ عَمِيقَةٍ جدًّا! فَفَزِعَ النَّاسْ لمَّا الشيخ سَقَطْ، وهو كبير جدًّا! لمَّا أخرجُوهُ من هذه الحُفرة فإذا بِهِ لم يَمسُّهُ شيءٌ من الأذى! إلاَّ العصا انكسر! وهذا الشيخ معرُوف بالصَّلاح، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) احْفَظْ البَدَنْ، احْفَظْ العَقل لا يَضِيعْ عَقْلُك بِمَا لَا يَنْفَعُك، أنْت عَاقِل تُضَيِّع عقلك وتُهْدِر عقلك فيما لا يَنْفَعُك؟! احْفَظْهُ مِن الصِّغر؛ يُحْفَظْ لَكَ فِي الكِبَر، احْفَظْ عِلْمَكَ مِنَ المُخَالَفَاتْ؛ يُحْفَظْ لَكَ، وتُثبِّتْ، وتُسَدَّدْ حَتَّى المُوَافَاة، ((احْفَظْ اللهَ؛ يَحْفَظْكْ)) كلامٌ عامٌ مُطلق يتناول جميع ما يُمكن حِفْظُهُ مِنْ قِبَل العَبْد، والجزاءُ من جنس العمل.(1/2)
كَيْفِيَّة التَّخَلُّص مِن العُجْب
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: العُجْبُ صِفَةٌ مُلَازِمَةٌ لِلإِنْسَانْ، ومَعَ تَزْيِيِنْ الشَّيْطَان لَهُ؛ تُصْبِحْ صِفَة عَالِقَة بِشَخْصِيَّتِهِ في سُلُوكِيَّاتِهِ، وحَرَكَاتِهِ وكَلَامِهِ، كَيْفَ التَّخَلُّصْ مِنْهَا؟!
لا شَكَّ أنَّ العُجْبَ آفَة، وهو النَّظَر إِلَى العَمَل بِعين الإعْجَاب، النَّظَر إِلَى الوَصْف، النَّظَر إِلَى جَمِيع التَّصَرُّفَات بِعين الإعْجَاب، عَلَيْهِ أنْ يَنْظُر فِي مَادَّتِهِ التِّي خُلِقَ مِنْها، المُعْجَب بِنَفْسِهِ عليهِ أنْ يَنْظُر في مادَّتِهِ التِّي خُلِقَ منها، المُعْجَب بِمَالِهِ يَنْظُر إِلَى حَال الأنْبِيَاء، والصَّالِحين، وخِيَارِ هذهِ الأُمَّة، المُعْجَب بِعِلْمِهِ لِيَنْظر إلى العُلماء الرَّبَّانِيِّين الذِّينَ جَمَع الله لهم بينَ العِلْمِ والعَمَلْ، ونَفَعَ اللهُ بِهِم الأُمَّة، المُعْجَب بِأَيِّ نَاحِيَة مِنْ نَوَاحِي الحَيَاة لا بُدَّ أنْ يَنْظُر إلى مَنْ حولهُ؛ فَيَجِد منْ هُو أكمل منهُ فيها، ولِيَعْلَم إنْ كان مَثَار إعْجَابُِهُ العِلْم؛ فإنَّهُ لمْ يَكْتَسِب من العِلْم شَيْئًا يَنْفَعُهُ،
والعُجب؛ فَاحْذَرْهُ إنَّ العُجب مُجترفٌ ... أعمالَ صَاحِبِهِ في سَيْلِهِ العَرِمِ(1/1)
فالعِلْم إذا لَمْ يَدُلُّك على الخير فهو ليسَ بعِلم في الحقيقة، والعِلْم كلما ما ازْدَاد منهُ الإنْسَان؛ عَرَفَ حَقِيقَة نَفْسِهِ؛ وتَواضَعَ لله، وهذا هُو الوَاقِع، تَجِدْ طالب العلم الصَّغِير عِنْدَهُ من التَّكَبُّر -في الغَالِب- أكثر من العَالِم الكَبِير، والمُتَوَسِّطْ بِحَظِّهِ، فالعِلْم يُعَرِّفْ الإنْسَانْ مِقْدَارَ نَفْسِهِ، ولوْ أَحَاطَ بِعُلُومِ الدُّنْيَا مع أنَّهُ مُستحيل، ولو قَرَأَ في تَرَاجِم العُلماء الكِبَار الذِّينَ وُصِفُوا بِأنَّهُم بُحُور العِلْم، وَجَدَ أنَّ عِنْدَهُم شيء من الخلل، وعندهم شيء من النَّقْصْ، وعِنْدَهُم شيء مِمَّا فَاتَهُم مِنْ مَسَائل العِلْم الشَّيء الكثير، ولو جُمِعَتْ عُلُوم الأوَّلِينْ والآخِرِينْ؛ مَا خَرَجَتْ عنْ قَوْلِهِ -جلَّ وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء/ (85)] وإنْ أُعْجِبَ بِعَمَلِهِ؛ فَلْيَنْظُر إلى عَمَلْ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وصَحَابَتِهِ الكِرَام، يَنْظُر إلى مَنْ هُو فَوْقَهُ في أُمُور الدِّينْ، إذا أُعْجِبْ بِأُمُور الدُّنْيَا؛ يَنْظُر إلى مَنْ دُونَهُ، واللهُ المُستعان، فهذهِ آفَة تَعْتَرِضُ طَالب العلم لَا بُدَّ منْ عِلَاجِها.(1/2)
لا تَجْعَلْ قَلْبَكَ كَالمِرْوَحَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الذي ينسى سجدة من كل ركعة، هذا أقرب إلى كونه يلعب من كونه ينسى!، نعم ابتُلي كثيرٌ من النَّاس بالنِّسيان لاسيَّما في الظرف الذِّي نعيشُهُ في الأزمان المُتأخِّرة، تجد الإنسان ينسى ما بيده! شخص يبحث عن نظارتِهِ وهي عليه!! وآخر يبحث عن شماغه ولاَّ طاقيَّته وهي على رأسه! النُّوع هذا من النِّسيان لا شكَّ أنَّ ظُرُوف الحياة التِّي نعيشها صار له سبب؛ لكن إذا تُصُوِّر هذا في الأُمُور العادِيَّة التِّي يُؤثِّر عليها مثل هذا الأمر فكيف يُتَصوَّر في العبادة؟! نعم، انشغال النَّاس بِأُمُورِ دُنياهم وصل إلى حَدٍّ نََسِيَ فيه كثيرٌ من النَّاس أنفُسهم وهم يَتَعَبَّدُونَ لله -جلَّ وعلا-! ولا شكَّ أنَّ هذا فيهِ شيءٌ من إيثار ما انشغلُوا بِهِ عمَّا انشغلُوا عنهُ، هذا فيهِ شيءٌ من الإيثار؛ لأنَّ هذا لمَّا استولى على عقلِهِ نَسِيَ ما هو بِصَدَدِهِ، والقلب لا يحتمل هذه الأُمُور مُجتمعة؛ ولِذا يُوصي أهلُ العلم أنَّهُ إذا قَرُبَ وقتُ الصَّلاة؛ فَلْيَتَفَرَّغْ لها، وأنْ يُقْبِل عليها بِكُلِّيَّتِهِ، وبعضُهُم يُشَبِّه القلب بالمروحة! يعني إذا أَغْلَقْتَها تستمر، تشتغل، إذا قَطَعْتْ أُمُور دُنْيَاك، ودَخَلْتَ فوراً في صلاتك؛ تَجِدْ القلب ما زال مُنْشَغِلْ بما هو بِصَدَدِهِ قبل دُخُولِهِ في الصَّلاة، فلا بُدَّ أنْ يَتْرُك هناك فُرصة يَتَهَيَّأُ الإنسانُ فيها للعبادة، ويَتَفَرَّغ من جميع أعمالِهِ، ويُقْبِل على رَبِّهِ؛ لِيَأْتِي بصلاةٍ كما كانَ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يُصلِّيها، امْتِثَالاً لقولِهِ: ((صَلُّوا كما رَأيتُمُوني أُصلِّي)).(1/1)
وقبل سُقُوط سُوق الأسهم، قبل سنتين رَأَيْنا أوضاع النَّاس، وانسعارهم بهذه الأسهم، وغَفْلَتُهُم عن دينهم، وعن ذَوِيهم، وعن أُسَرِهِم، والنَّتِيجة؛ لا شيء! فعلى المُسلم أنْ يُعْنَى بالرَّصِيد الذِّي لا يَتَعرَّض لمثلِ هذهِ الخسائر، وهذهِ الكوارث، ولا يُخافُ عليهِ من لص! لا يُخافُ عليهِ إلاَّ من صاحِبِهِ الذِّي جَمَعَهُ، فهو الذِّي قد يحرص عليهِ؛ بحيث يبقى رصيداً لهُ يَنْفَعُهُ يوم لا ينفع مال ولا بنون، أو يُفرِّقُهُ ويُوزِّعُهُ على أُناسٍ في الغالب هم أكرهُ النَّاسِ عندهُ؛ لأنَّهم يتعرَّضُون للسانه ويده والاعتداء منهُ هؤلاء في الغالب أنَّهم أكرهُ النَّاسِ إليه، فيأتِي مُفلساً يوم القيامة، تَعِب في الدنيا وجَمَع الحسنات، ثُمَّ بعد ذلك وزَّعها على هذا الصِّنف من النَّاس، يعني لو تُصُوِّر أنَّ الإنسان يغتابُ والِدَهُ أو يغتاب أُمَّهُ يعني الأمر أخف مِنْ أن يغتاب شخص لا يُحِبُّهُ؛ بل يكرهُهُ، ويُبْغِضُهُ وبينهُ وبينه شَحْنَاء ومُنافرة، ثُمَّ بعد ذلك يُهْدِيهِ ما جَمَعَ وما تَعِبَ عليهِ من حسنات!! المقصُود أنَّ الإنسان عليهِ أنْ يحرص أشدَّ الحرص، يعني إذا كان النَّاس يَحرُصُون على حِفْظِ مُقْتَنَياتِهِم من حُطام الدُّنيا فيضعُونها في البنوك! يعني البُنُوك ليست لحفظ النٌّقُود فقط، بعض الأعيان تُوضع في البنوك، يعني كتاب طُبِع منه أربع نُسخ فقط، فغالى النَّاسُ بقيمتِهِ، وشخص عنده نُسخة من هذهِ النُّسخ الأربعة يتمنَّى لو أنْ أُتْلِفت النُّسخ الثَّلاث، وأَوْدَعْ نُسختهُ في بنك؛ لئلًّا تُسْرَقْ! كل هذا حِرْصاً على قِيمتِهِ، وهو ليسَ من الكُتُب العِلْمِيَّة الشَّرعِيَّة النَّافعة – أبداً - علم لا ينفع؛ لكنَّهُ لهُ قيمة في عُرْفِ النَّاس، حفظهُ في بنك! والمجوهرات تُحْفَظ في البنوك، وغيرها من الأغراض التِّي يُخشى عليها، العُرُوض التِّي يُخْشَى عليها تُحْفَظ، قديماً كان النَّاس قبل(1/2)
البُنُوك يجعلونها كنوز في جوف الأرض أو جُدران يبنُون عليها، والإنسان أغلى ما يملك العُمر، وهذه الأنفاس وهذهِ الدَّقائق التِّي يَعِيشُها، ويَصْرِفُها في طاعة الله، ويأتي بأعمالٍ أمثال الجِبال؛ ثُمَّ بعد ذلك؛ يُفَرِّقُها، فَيَأْتِي مُفْلِسْ يوم القِيامة، هذا الذِّي نَسِيَ أربع سجدات منْ أربع ركعات! بأيِّ قلبٍ دخل في الصَّلاة؟! نعم يعرض السَّهُو في الصَّلاة مراراً، ويغفل الإنْسَان عنْ صَلَاتِهِ؛ لكنْ مِنْ كُلّ رَكْعَة يَنْسَى سَجْدَة!(1/3)
مِمَّا يَحُزُّ بالنَّفْس ؛ جَلَدُ الفَاجِر وضَعْفُ المُؤْمِن
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
زراعة النَّخيل تحتاج إلى أمدٍ طويل؛ فإذا لمْ يَبْقَ عليهِ إلاَّ الشَّيء اليَسِير؛ ترك! يقول: أنا مُنذُ خمس سنوات، وأنا أتْعَب على هذهِ النَّخيل، وفي النِّهاية لا شيء! ثُمَّ يَتْرُكُها! ولا شَكَّ أنَّ المَلَل والسَّآمَة مِمَّا جُبِلَ عليهِ الإنْسَانْ؛ لَكِنْ عليهِ أنْ يُثَابِرْ، ويَنْظُر إلى النَّتائج، وإذا نَظَرْنا في وَاقِع أهل الإصْلاَح مع أهل الإفْسَاد؛ وَجَدْنا الشَّيطان مِنْ وَرَاءِ أهلِ الإفْسَاد، ويُعِينهم، ويؤُزُّهم على ما هُم بِصَدَدِهِ، وتَجِدْ عندهُم الجَلَدْ والصَّبر، وهُم نسألُ الله العافية مَوُعُودُون بِنَارٍ تَلَظَّى؛ بينما أهلُ الخير إذا بَذَل أدْنَى سببٍ يسير، قال: ما فيهِ فايدة! اسْتَمِرّ يا أخي، وأَنْت تَتَعَامَلْ مع الرَّب -جلَّ وعلا-، فإذا نَظَرْنا جَلَد الفاجر وضَعف المُؤمن؛ لا شكَّ أنَّ هذا يَحُزُّ بالنَّفس، يا أخي أنتْ مَوْعُود جَنَّة عَرْضُها السَّماوات والأرض، وذاك موعُود بنارٍ تَلَظَّى، ومع ذلك يَصْبِر أكثر مِنْ صَبْرِك! {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النِّساء/(104)]، يتعبُون وَرَاءَ مَا يُريدُون! ومع ذلك تَجِد طالب العلم أو المُسْلِمْ الخَيِّر الذِّي يَسْعَى في الإصْلَاح؛ تَجِدُهُ يَمَلّ، ويَيْأَس، ويُحْبَط؛ لكنْ لا يَأْس، إذا عَلِمَ اللهُ جَلَّ وعَلَا صِدْقَ النِّيَّة، وصِدْقَ العَزِيمَة والإخْلَاص؛ فَلَا شكَّ أنَّهُ يُعِين، ويَدْفَعْ من الشُّرُور بِقَدْرِ ما يَبْذُلُهُ الأخْيَار منْ هذهِ المُدَافَعَة، ولا يُعْنَى بالمُدَافَعَة أنْ تَكُون بِقُوَّة وبِغِلْظَة وبِفَضَاضَة، ونَحْنُ على الحَقّ، فلماذا نُعْطِي الدنية...(1/1)
لا، هذا ما هو بوقته، لا بُدّ أنْ تَكُون هذهِ المُدَافَعَة بِمَا يُحَقِّقُ المَصَالِح، ويَدْرَأُ المَفَاسِد.(1/2)
إِذَا أُزِيلَتْ الثِّقَة مِنْ أَصَحِّ الكُتُب فَمَاذَا يَبْقَى لِلأُمَّة؟!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لما ذكر ابن الصَّلاح أنَّ أحاديث البُخاري ومُسلم، يعني ما خُرِّج في الصَّحيحين يُفيد القطع، قال: "سِوى أحرُف يسيرة تكلَّم عليها بعض الحُفَّاظ كالدَّارقُطني وغيرهِ" هذهِ الأشياء التِّي تَكَلَّمُوا فيها ليست قَطْعِيَّة الثُّبُوت كالأحاديث التِّي لم يتكلَّم فيها، هذا كلام ابن الصَّلاح "سِوى أحرُف يسيرة تكلَّم عليها بعض الحُفَّاظ كالدَّارقُطني وغيرهِ" فهذهِ مُسْتَثْنَاة مِمَّا حكم له ابن الصَّلاح أنَّهُ يُفيد القطع، يقول: "فهي مُسْتَثْنَاة من دعوى الإجماع على صِحَّةِ حَدِيثهما وقد ذكر الجواب على مَنْ خالف بصحة تلك الأحاديث النَّادرة" نعم أُجِيب عن أحاديث الصَّحيحين التِّي انْتُقِدَتْ، أجاب الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وفي مُقدِّمة الفتح عن الأحاديث التِّي تكلَّم فيها الدَّارقُطني، أجاب النَّووي -رحمهُ الله- عن الأحاديث التِّي تكلَّمَ عليها الدَّارقطني في صحيح مُسلم، أَجَابُوا، والغالب أنَّ الصَّواب مع البُخاري ومُسلم؛ لكنْ قد يَذْكُر الدَّارقُطني شيئاً لا يستطيع أهل العلم الإجابة عليهِ؛ لكنْ لو كان البُخاري أو مُسلم موجُود؛ أجَابُوا براحة! لأنَّهُ قد يُدْرِك الدَّارقُطني من العِلَل ما لا يُدْرِكُهُ من جَاءَ بعدهُ؛ لكنْ ماذا عن الدَّارقُطني لو كان البُخاري ومُسلم موجُودين؟! يمكن يتغيَّر الوضع؛ ولِذا نقول: الغالب أنَّ الإصابة مع الشَّيخين، وإذا كان الدَّارقُطْنِي إمام في هذا الشَّأْن وله وجه أنْ يَنْتَقِد، فماذا عن آحاد الصِّبْيَان الذِّين لا يَعْرِفُون من هذا العِلْم إلا اسْمُهُ! ويَنْتَقِدُون البُخاري ومُسلم! ويقولُ بعضهم مِمَّن لا علاقة لهُ بالحديث في البُخاري أكثر من خمسمائة حديث ضعيف! ويكتب كاتِبَهم من أهل الهوى -نسأل الله السَّلامة والعافية- من المُغْرِضِينْ، يقول إنقاذُ(1/1)
الأُمَّة منْ افتراءات البُخاري ما أدري إيش تكملة العنوان، شخص لا علاقة لهُ لا من قريب ولا من بعيد بالحديث! ويكتب في مُجلَّد! وبعضُ النَّاس يُسَخِّرُونَ أنْفُسَهُم لِخِدْمَةِ الأعداء، ولا شكَّ أنَّ الدِّراسة على أيدي المُستشرقين لهذا العِلْم وغيرِهِ؛ لا شكَّ أنَّها أفْرَزَت مثل هذه التَّصَرُّفاتْ، وإلاَّ ما كان أحد من الأُمَّة يَتَطَاوَل على الصَّحيحين؛ لكنْ المُسْتَشْرِقينْ يَخْدِمُون غَرَضاً عندهم، وهو نُصْرَة دينهم، وتشكيك المُسلمين في دِينِهِم، يَخْدِمُون هدف فماذا عن المُسلمين الذِّينَ دَرَسُوا عندهم، واقتنعُوا بآرائهم! ليسَ ذلك إلاَّ مُجَارَاةً لَهُم؛ لأنَّ شُيُوخهم ونتائج شهادَاتُهُم بِأيْدِيهم، يعني مِمَّن لا يكتب مثل هذا الكتاب ما مُنِح الشَّهادة! ومن هُنا دخل الخلل علينا! وصَارْ لَهُمْ أَذْنَابْ منْ بَيْننا، ويكتبُون بألسنتهم ما يُريدُونْ، وإلاَّ ما كان أحد يجْرُؤ على الصَّحيحين؛ ولِِزاماً على كل طالب علم أنْ يُدَافِع عن الصَّحيحين، وعَنْ سُنَّة النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-، وإذا تَطَاوَلَ النَّاس على الصَّحيحين ما بَقِيَ لنا شيء! سهل أنْ يُنسف حديث في المُسْنَدْ أو في سُنن أبي داود إذا تَكَلَّمنا في الصَّحيحين! وكُل شخص لا يُناسِبُهُ حديث يَطْعَنْ فيهِ، مُبْتَدِعة من المُعتزلة وغيرهم طعَنُهم في السُّنَّة قديم؛ لكنْ يَبْقَى أنَّهُ مع الأسف أنَّهُ وُجِدْ مِنْ جِلْدَتِنا من يَنْصُرُ أعْدَاءنا وهو لا يشعر! ويَتَكَلَّمْ بِأَلْسِنَتِهِم؛ وإنْ تَكَلَّمَ بِلِسَانِنا في الظَّاهِر! لكنْ مع ذلك على الإنسان أنْ يَهْتَم لهذا الأمر، ولا يقبل كل دعوى، ومنهُم منْ يَزْعُم أنَّ البُخاري مملُوء بالإسرائيليَّات، ولا بُدَّ منْ تَطْهِيرِهِ، ولا بُدَّ منْ تَنْقِيَتِهِ! فمثل هذا لا يُمْكِنْ أنْ يَرُوج على أهل الحقّ -إنْ شاء الله تعالى-، وإنْ كَانَ الآنْ المَجَال مَفْتُوحْ،(1/2)
والشُّبَهْ تُسْمَع، شُبُهات وشَهَوات، ودَخَلَتْ على بُيُوت عَوامِّ المُسْلِمين؛ يعني لا شكَّ أنَّ هذا أمرٌ خطير، يعني من السَّهل أنْ يُقال في قناةٍ من القنوات حديث أبي هُريرة في صحيح البُخاري باطل! وجُيُوش مُجَنَّدة للطَّعن في الدِّينِ وأهلِهِ من خلال هذهِ القَنَواتْ، وعبر وسائل الإعلام المُختلفة!(1/3)
تثبيط الشيطان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((رحم الله امرأ قام من الليل فصلى ثم أيقض أهله فإن لم تقم رش على وجهها الماء)) يعني نضح في وجهها الماء، وهذا لا شك أنه من الوقاية، والعون على الطاعة، والطاعة مما يقي العذاب ((ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقضت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء)) بعض الناس يتساهل في مثل هذا فإذا وفق للقيام ما وفق لإيقاض أهله، بل تجده يعطف على أهله، ويعطف على ولده من باب العطف الجبلي لا الشرعي، فلا يوقظهم لقيام الليل، وقد يتراخى عن إيقاظهم للصلاة الواجبة، فلا تجد الواحد منهم يحرص على إيقاظ ولده أو بنته إلى الصلاة من أجل الصلاة، كما يحرص على إيقاظ الولد للدراسة مثلاً فتجده في الشتاء يقول الوالد: أخشى أن يصيبه البرد، فلعله إذا دفئ الجو قليلاً أيقظته للصلاة وللمدرسة معاً، ومثل هذا لا يُوَفَّق في تربية أولاده، لا يوفق، وهذا لا شك أنه نابع من عطف جبلي جبل عليه الأب؛ لكنه مع ذلك مخالف لشرع الله، والتوجيه النبوي يدل على أن الماء ينضح في وجهه إذا لم يقم لصلاة الليل فضلاً عن صلاة الصبح، وبعضهم يخشى على ولده إذا نضح على وجهه الماء أن يجن مثلاً، وبعضهم يخشى عليه إذا أيقظه في الظلام وخرج إلى صلاة الصبح أن يصيبه ما يصيب، وكل هذا لا ِشك أنه من تثبيط الشيطان، وأهل العلم يبحثون مسألة ما إذا أوقظ الولد الصبي دون التكليف أيقظه أبوه أو أمه ثم خرج إلى صلاة الصبح فجن، فهل على والده أو والدته إثم أو لا؟ هم فعلوا ما أمروا به، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، نعم إذا كان يغلب على الظن أن عقليته قابلة لمثل هذا الأمر، ولا يستطيع الخروج بنفسه، مثل هذا يُبحث له عن من يخرج معه، ولو تأخر الأب عن الحضور إلى الصلاة في أول الوقت مع الأذان إلى قرب الإقامة من أجل أن يصحب ولده معه كان أفضل، كثير من الناس يسأل يقول: أنا مأمور بحي على(1/1)
الصلاة حي على الفلاح انطلق إلى المسجد منذ سماع المؤذن، وجاءت النصوص تدل على فضل المبادرة والمسارعة والمسابقة؛ لكن عندي أولاد يحتاجون إلى وقت للإيقاظ، فإن أوقظتهم قبل الأذان شق عليهم كثيراً، ولا يطاوعون أن ينتبهوا قبل الأذان، وإن انتظرت في إيقاظهم إلى ما بعد الأذان ترتب على ذلك أنني أتأخر إلى قرب الإقامة، نقول: ومع ذلك تأخر، تصلي النافلة في البيت وتتعاهدهم بالإيقاظ، وتصحبهم معك، وهذا أفضل لك، وفي هذه الحالة تكون قد وقيت نفسك وأهلك من النار.(1/2)
كثير من طُلَّابِ العلم يَجْهَل واقِعَهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من يَحْضُرُون الدَّورات لا شكَّ أنَّهُم مُتفاوِتُون في السِّن، والتَّحصيل، والفهم، والإدراك، فبعضهم يُدْرِكْ كل ما يُقال، وبعضهم يُدْرِك تِسْعِين بالمائة، وبعضهم يُدْرِك سبعين، وبعضهم من لا يُدْرِك ولا ثلاثين ولا عشرين! على كُلِّ حال لو لم يَكُن لهذا الشَّخص إلاَّ الوعد الثَّابت من قولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((من سلك طريقاً يَلْتَمِسُ فيهِ علماً؛ سهَّل اللهُ له به طريقاً إلى الجنَّة)) لكنْ مع ذلك يَحْرِص على حُضُور الدُّرُوس التِّي يستفيد منها أكثر، هو لن يخرُج، ولن يرجع صِفْراً! أقل الأحوال أنَّهُ يستفيد الأجر، والثَّواب من الله -جلَّ وعلا-، وأنْ يَحْضُر الدُّرُوس، وحِلَق الذِّكر تَحُفُّها الملائكة، ويَذْكُرُهُ اللهُ فيمنْ عِنْدَهُ، فأقل ما يحصل لهُ هذا؛ إذا لم يحصل على شيءٍ من العلم، وكثير من طُلَّابِ العلم يَجْهَل واقِعَهُ، بَعْضُهُم يقول: قَرَأْتْ فتح الباري كامل؛ ولمَّا انتهيت أحس إنِّي ما استفدت شيء! قَرَأْتْ شرح النَّووي كامل ما اسْتَفَدْتْ شيء! قَرَأْتْ تفسير ابن كثير كامل ما اسْتَفَدْتْ شيء! بعض النَّاس يُحاول يَسْتَعِيدْ في ذَاكِرَتِهِ ما تُسْعِفُهُ الذَّاكِرَة! هذا حال كثير من طُلَّابِ العلم ! وهذا جَرَّبْنَاهُ وجَرَّبَهُ غيرنا؛ لكن إذا بُحِثَتْ مسألة في مَجْلِسْ وأنْتَ حَاضِر، وقَدْ مَرَّتْ عليكَ هذهِ المسألة في فتح الباري أو في شرح النَّووي، أو في تفسير ابن كثير؛ عندك عنها تَصَوُّر، تَعْرِفْ إنَّ هذهِ المَسْأَلَة بُحِثَتْ في الكِتَابْ الفُلاني، وتَعْرِفْ إنَّ رأي فُلانٍ كذا، ولو لم تَسْتَحْضِرْهَا أنت ابتداءً؛ لكنْ إذا أُثِيرَتْ؛ صَار عِنْدَكَ بها عِلْم أفضل من بَقِيَّة الحاضرين! وهذا شيء مُجرَّب، فالإنْسَانْ قد يَسْتَدِرّ الحافظة؛ فَلَا تُسْعِفُهُ؛ لَكِن هي مُخزَّن، العِلْم مُخَزَّنْ(1/1)
فيها، فيخرُج تدريجِيًّا عِنْدَ الحاجة إليهِ، ولا شكَّ أنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونْ، من طُلَّابِ العلم منْ يَقْرَأْ فتح الباري بسنتين، فَيُدْرِك منهُ مثلًا واحد بالمائة! واحد بالمائة من فتح الباري خيرٌ كثير ترى يا الأخوان، ومنهم من يُدْرك عَشْرَة بالمائة! هذا بعد خير، ومنهم منْ يَحْصُل عِنْدَهُ تَصَوُّر عام للكتاب؛ بحيث يَسْتَحْضِرْ المسائل؛ وإنْ لم يَسْتَحْضِرْ الدَّقائق! "وذلك فضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ من يَشَاء"، وهم كلُّهم يَشْتَرِكُونْ في الأجر على قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ، فلا يأس، نعم الإنْسَان إذا كان إدْرَاكُهُ أقل ما يَنْبَغِي أنْ يَبْدَأْ بِمِثل فتح الباري؛ إذا كانت هِمَّتُهُ أقل لا يَبْدَأ بِمثل فتح الباري، يَبْدَأ بالأُمُور كما يقول أهلُ العلم بالنِّسبة للأكل الكوامخ والجوارش هذهِ مُشَهِّياتْ، تفتح الشَّهِيَّة، أنتْ ما تبدأ باللَّحم مُباشرة – لا- ابدأ بالسَّلطات، ابْدَأْ بالفاكِهة، ابْدَأْ بشيءٍ مُشَهِّي، فتَبْدَأْ إذا كُنْت عازم على القِرَاءة، فَتَبْدَأْ إِمَّا بشرح الكرماني على البُخاري، ومثل هذا ينتهي بشهرين أو أقل؛ يعني إذا لَمْ يُشْرَكْ مَعَهُ غَيْرُهُ يمكن ينتهي بشهر! والنَّووي على مُسْلِم مِثْلُهُ! يُثَنَّى بِهِ، ثُمَّ بعد ذلك يَقْرَأْ الكُتُب الأُخرى، واقْرَأْ شَرْحْ ابن رجب على البُخاري، اقْرَأْ شَرْحْ ابن رجب على الأربعين، يعني أُمُور تُؤَهِّلُك لِمُطالعة الكُتُب التِّي فيها شيء من الطُّول والوُعُورة في الأُسْلُوب.(1/2)
كُنْ قُدْوَة في أفْعَالِك قَبْلَ أَقْوَالِكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
من تفسير مجاهد في قول الله -جل وعلا-: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [(74) سورة الفرقان]، يعني يقتدى بهم في الخير، بعد أن يقتدوا بمن قبلهم، هم يقتدون بمن قبلهم، ويقتدي بهم من بعدهم ليسنوا السنن الحسنة بالقول والفعل، ويكونوا قدوات يقتدى بهم، ومن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجر فاعله، والدلالة كما تكون بالقول تكون بالفعل، والتأثير بالفعل أكثر من التأثير بالقول، كثير من الناس يقتدي بهدي الإنسان وسمته وطريقته وتعامله وعبادته، أكثر مما يقتدي بأقواله؛ لأن المُعَوَّل على العمل، والعمل لا يتصور فيه الكذب بخلاف الكلام، قد يقول كلاماً وهو من أبعد الناس عنه، يوجه الناس وينصح الناس ويعظ الناس وهو بعيد كل البعد عنه، مثل هذا لا يؤثر ولا يفيد بخلاف العمل، القدوة الصالحة الحسنة هي المؤثرة، ومن أمر الناس ونهاهم ولم يفعل هذا لا يكاد يكون له من الأثر شيئاً، ولذا في حجة الوداع لما حذر النبي -عليه الصلاة والسلام- بل حرم الدماء والأموال والأعراض، قال: ((أول دم يهدر دم.. أيش؟ ربيعة)) ابن عمه، قدوة، ((وأول ربا يوضع ربا العباس)) ما تقول لي: والله أمنع الناس من الربا، وأنت الله أعلم بمعاملاتك، لا، كن قدوة للناس، والأب الذي ينهى أولاده عن التدخين وهو يدخن ما له أثر، أو ينهاهم عن الإسبال أو غيره من المحرمات وهو يفعلها ويزاولها ما له أثر؛ لكن إذا أردت أن تطاع بادر، والأثر بالفعل أكثر من الأثر بالقول، ولذا لما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة في الحديبية أن يحلقوا ترددوا؛ لكن لما حلق كادوا أن يقتتلوا على الحلق، فعلى الإنسان أن يكون قدوة يقتدى به في أفعاله قبل أقواله، والله المستعان.(1/1)
الدُّنيا ليست بشيء لما يُعَدُّ للمُؤمن في الآخرة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الإنسان إذا دَعا؛ لا سِيَّما إذا توافرت الأسباب وانْتَفَتْ الموانع؛ فإنَّهُ لا بُدَّ من الإجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60)/غافر] هذا وَعْدُ من؟! وعدُ الله -جلَّ وعلا- الذِّي لا يُخْلِفُ المِيعاد {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60)/ غافر]، فإمَّا أنْ يُجاب الدَّاعي بما طَلَب يدعو الله -جلَّ وعلا- أن يُيَسِّر لهُ الزَّواج من فُلانة؛ فَيَتَيَسَّر، أو النَّوع المُحَدَّدْ من المأكُول، من المشرُوب، من المَلْبُوس، أو يدعُو الله -جلَّ وعلا- أنْ يَنْجَح في الامتحان؛ ويَنْجَحْ، أو لا يُجاب بما طلب؛ يُدْفَعْ عنهُ من الشَّر ما هو أعظم، ولا شكَّ أنَّ هذا أعظم من الإجابة بما طلب؛ لأنَّ دَفْع الشَّر من باب درء المفاسد، والإجابة بما طلب من باب اكتساب المصالح؛ لا سِيَّما إذا كان هذا المَدْفُوع أعظم من المَرْجُو المَطْلُوب، أو يُدَّخَر لهُ في الدَّار الآخرة ما هُو أعْظَمْ مِمَّا طَلَب، والدُّنيا ليست بشيء بالنِّسبةِ لما يُعَدُّ للمُؤمن في الآخرة {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [(17)/السَّجدة] فإذا ادُّخِرَ للإنسان بسبب هذهِ الدَّعوة شيء لا يَبْلُغُهُ بِعَمَلِهِ؛ لا شَكَّ أنَّ هذا أعْظَم بكثير مِنْ أنْ يُجَاب، ولا بُدَّ أنْ يَسْتَحْضِر الإنْسَانْ هذهِ الأشْيَاء وهذهِ الأُمُور أثناء دُعَائِه، إذ قال الصَّحابة ((إذاً نُكْثِر يا رَسُول الله، قال: الله أكثر))، ((لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإنْسَكُم وجِنَّكُم اجتمعوا في صَعِيدٍ واحد، فسألوني؛ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ واحِدٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلك من مُلْكِي شيئاً)).(1/1)
الْزَمْ الجَادَّة؛ واحْذَرْ المُحْدَثَاتْ!
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
حوض النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- الذِّي جَاءَ وَصْفُهُ، وَوَصْفُ مَائِهِ، وعددُ آنِيَتِهِ، وأنَّهُ يُذادُ عنهُ أقوام يَعْرِفُهُم النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بأوصافهم، وبأشكالهم، فَمَنْ ارْتَدَّ بعْدهُ، وكان قد آمن بهِ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وأمَّا منْ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنْ أُمَّتِهِ يَعْرِفُهُ بالآثار التِّي تَدُلُّ عليهِ؛ لأنَّهُ ارْتَدَّ على عَقِبَيْهِ، فهؤُلاءِ الذِّينَ ارْتَدُّوا على أَعْقَابِهِمْ، هَؤُلاء يُذَادُونَ عن الحوض، النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- يقول: ((أصحابي أصحابي)) ((أصيحابي)) في بعض الرِّوايات فَيُقال: ((إنَّكَ لا تَدْرِي ماذا أَحْدَثُوا بعدك)) فَلْيَنْتَبِهْ الإنسان إلى هذهِ المُحْدَثَات، ويَلْزَمْ الجَادَّة؛ لأنَّ هذهِ المُحْدَثَاتْ قد تَكُون في أوَّلِ الأمر يسيرة؛ لكِنَّها تَشْرِيع مُشاركة لله -جلَّ وعلا- في التَّشريع، يَنْتَبِه لهذهِ المُحْدَثَاتْ التِّي لا تَزَال تَكْبُرُ شَيْئاً فَشَيْئاً إلى أنْ يَخْرُجَ بِسَبَبِها منْ دِينِهِ، فَيَرْتَدَّ على عَقِبَيْهِ، فَيُذَاد عن الحوض، وبعض الطَّوائف كالرَّافِضَة يَزْعُمُون أنَّ النَّص في الصَّحابة! لأنَّهُم ارْتَدُّوا؛ لكنْ من الذِّي ارْتَدَّ على عَقِبَيْهِ؟! هو الذِّي أَحْدَثْ في الدِّينْ الحدث، من الأوْلَى بهذا الوصف صحابة النبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- الذِّي حَفِظَ اللهُ بهم الدِّين، وحَمَلُوا الدِّين، وبَلَّغُوهُ إلى أَقَاصِي الدُّنيا، أو الذِّينَ أَحْدَثُوا في الدِّين ما ليسَ منهُ؟ فَعَبَدُوا من دُونِ الله، عَبَدُوا المشاهد والقُبُور، ودعوا الأوْلِيَاء، وحَرَّفُوا كتاب الله -جلَّ وعلا-، وكَذَّبُوا الله في تَبْرِأتِهِ لِعائشة، أُمُور كثيرة نسأل الله العافية، هذا الإحْدَاث في الدِّين، إنْ لَمْ يَكُنْ هذا هو الإحْدَاثْ في(1/1)
الدِّين فما معنى الإحْدَاث؟! نسألُ الله السَّلامة والعافِيَة.(1/2)
كُنْ عَلَى وَجَلْ مِنْ رَدِّ العَمَلْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فَاعْمَلْ عَلَى وَجَلٍ، وادْأَبْ إِلَى أَجَلٍ ... واعْزِلْ عَنِ اللهِ سُوءَ الظَّنِ والتُّهَمِ
اعمل على وَجَل، اعْمَلْ الأَعْمَال الصَّالِحة، واترُك المُحرَّمات على وَجَل، على خَوْفْ أنْ يُرَدَّ العمل، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) / المُؤمنون] تقول عائشة: هم الذِّين يَزْنُون، ويَسْرِقُون، قال: لا، يا ابنة الصِّدِّيق: ((هم الذِّينَ يُصلُّون، ويَصُومُون ويَتَصَدَّقُون ويَخَافُون أنْ تُرَدَّ عليهم أَعْمَالهم)) فَيَنْبَغِي أنْ يكون الإنْسَانْ على غَايَةِ الوَجَلْ من رَدِّ العَمَل؛ لأنَّ العَمَلْ قَدْ يُوجَدْ، قَدْ يُوَفَّق الإنْسَانْ للعمل؛ لَكِنْ قَدْ يَتَخَلَّف شرط ، أو يَعْتَرِيهِ ما يَعْتَرِيه من مَانِع من موانِع القَبُول؛ ولِذا يخاف كثير من السَّلف من قول الله -جل وعلا- {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) / الزُّمر] يعني الإنسان يُعلِّم النَّاس دُهُور، والنَّاس تُشيرُ لهُ بالبَنَانْ، ما شاء الله ما أَجْلَدَهُ، ما أَعْلَمَهُ، ما أَحْذَقَهُ، ما أحْلَمَهُ؛ وهو في النِّهاية من الثَّلاثة الذِّين هم أوَّل من تُسَعَّر بهم النَّار يوم القيامة، أو يَتَعَلَّم؛ لِيُقال...! فعلى الإنسان أنْ يكون على خَوْفٍ تام، وحَذَر، ومُراجعةٍ دَائِبَة دَائِمَة للنِّيَّة، وتَحَسُّس للقلب باستمرار.
فاعمل على وجلٍ وادْأَبْ إلى أجَلٍ: أنت تمشي إلى أجلك، وأيَّامُكَ مراحل، وكل يُوم تَقْطَع مرحلة، وأنْتْ تَدْأَبْ تَمْشِي دائِباً إلى أَجَلِك، وكل يُوم يَمْضِي مِنْ عُمرك؛ يَنْقُص عُمُرك بِقَدْرِهِ وادْأَبْ إلى أجَلٍ.(1/1)
واعزل عن الله سوء الظَّنِ والتُّهَمِ: ولا بُدَّ مِنْ تَحْسِينْ الظَّنْ بالله -جلَّ وعلا- ((لا يَمُتْ أَحَدُكُمْ إلاَّ وهو يُحسن الظَّنَّ بِرَبِّهِ)) لكن ليسَ في هذا مُعَارضة لِمَا تَقَدَّمْ، الإنْسَانْ يُحَسِّنْ الظَّنَّ بِرَبِّهِ؛ لَكِنَّهُ يُسِيءُ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ، وعَمَلِهِ، فهذا الذِّي يَجْعَلُهُ يَعِيشُ بينَ الرَّجَاء والخَوْف، يَخَاف أنْ يَخُونُهُ مَا وَقَرَ في قَلْبِهِ، أَوْ انْطَوَى عليهِ قَلْبُهُ مِنْ دَخَل؛ يَخُونُهُ في أَحْوَج الأوقات، يَخَاف مِنْ مِثِل هذا، ويَعْرِف ويَجْزِم بِأَنَّهُ سَوْفَ يُقْدِم على رَبٍّ كَرِيم، رؤُوفٌ، رَحِيم، سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، فَيَجْعَلُهُ يَرْجُو من الله، ويُؤمِّل مع السَّعِيّ الجَادّ في تَحْسِينِ العَمَل.(1/2)
لا يُنَال العِلْم بِالأَمَانِي
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم، فَيَنْبَغِي أنْ نجعل هذا نَصْبَ أَعْيُنِنَا، لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم، العلم لو كانت تأتي بِهِ الأموال أو يأتي بِهِ الجاه؛ ما صَار لأوساط النَّاس أَدْنَى نِسبة فيه فضلاً عن فُقرائهم! لو يُشْتَرى من المحلاَّت أو من المُؤَسَّسَات كان ما...(1/1)
لكنَّهُ كما قال النَّبي -عليه الصَّلاةُ والسَّلام-: ((واللهُ المُعْطِي، وإنَّما أنا قاسم)) بِقَدْرِ ما تَأْخُذ من قِسْمَةِ هذهِ التَّرِكة مِنْ تَرِكَتِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، ولم يُوَرِّثْ دِيناراً ولا دِرْهَماً؛ وإنَّما وَرَّثَ العلم، لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم، الإنسان يُريد أنْ يَسْهَر في الاستراحات إلى قُرْب الفجر، ثُمّ إذا صَلَّى الصُّبح يبي ينام إلى الظُّهر! وإذا قام والله ما له نفس! يالله يسولف يالله، - لا لا – يا أخي، لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم، وأهلُ العلم كَدُّوا حَتَّى حَصَّلُوا؛ لأنَّ العلم مَتِين، وبِقَدْرِ الهَدَف والغاية؛ يكون التَّعب، ضَع لك هدفٍ يسير؛ ما تتعب، ما يُكلِّفك شيء! إذا كان هَدَفْك الباب مائة خطوة وتوصل أو خمسين خطوة؛ لكنْ إذا كان هَدَفك أبْعَد؛ يحْتاج إلى تَعَب، لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم أَوْرَدَهُ الإمامُ مُسلم في صَحِيحِهِ مِنْ حَيْثُ يشعر أو لا يشعر بينَ أحاديث مواقيت الصَّلاة! ذكر بعض أحاديث مواقيت الصَّلاة، ثُمَّ قال وقال يحيى بن أبي كثير: لا يُستطاعُ العِلم براحة الجسم، ثُمَّ تابع أحاديث المواقيت! وش اللي دخَّل الكلام هذا في أحاديث مواقيت الصَّلاة؟! كلام يَفْرِض نفسهُ في مثل هذا الموضع، سِيَاق مُذْهِل للمُتُونِ والأسانيد، الإمامُ مُسلم -رحمهُ الله تعالى- ذُهِل بِكَيْفِيَّة هذا السِّيَاق! فهل مثل هذا التَّحصيل هذا العلم الدَّقيق المَتِينْ يُسْتَطاع براحة الجسم؟ يُستطاع بالأماني؟! ما يُمْكِنْ! فَسَطَّر هذا الكلام من يحيى بن أبي كثير؛ لِكَيْ يَحْفِز هِمَم طُلَّابِ العلم.(1/2)
اسْتَعْمِلْ هَذَا الأَدَبْ الشَّرْعِيّ فِي جَمِيع أَحْوَالِكْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
القواعد الشَّرْعِيَّة تَمْضِي على أيِّ ظَرْف، وعلى أيِّ حال، والعَجَلَة ما تَخْدِم، النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- لَمَّا بَعَثْ علي -رضي اللهُ تعالى عنهُ- إلى خَيْبَر، حَالْ حَرْب، النَّاس تَطِيشْ عُقُولُهُم، في أقَلّ من الحرب النَّاس تَضِيع عُقُولُهُم، والنَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقول: ((انْفِذْ على رِسْلِك)) العَجَلَة ما تَأْتِي بشيء، التَّأنِّي هُو الذِّي يَجْعَل في الغالب النَّتَائِجْ حَمِيدَة، والرِّفْق في الأُمُور كُلِّها مَا دَخَل؛ إلاَّ زَانَ الشَّيْء، واللهُ -جلَّ وعلا- رفيق يُحِبُّ الرِّفْق، والعَجَلة من الشَّيْطَان؛ فَعَلَى الإنْسَان أنْ يَسْتَعْمِل هذَا الأدَب الشَّرْعِيّ في جَمِيعِ أحْوَالِهِ، ويَحْمَدْ العَاقِبَة.(1/1)
لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيها رَاحِلَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يَمُوتْ الكُفْء وهُو عَلَى رَأْسِ العَمَلْ يَشْغَر المَكَان سِنِين؛ يَبْحَثُون عَنْ شَخْصٍ بَدِيل مَا يَجِدُون! أَنْتُمْ انْظُرُوا الآن من ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ العِلْم هَلْ يُوجَد مَنْ يَسِدّ مَسَدُّهُ؟! ((لَا تَكَادُ تَجِد رَاحِلَة)) نعم - يُوجَد نَاس على قَدْر الوَقْت، وأهل الوقت؛ لكنْ فَات أَئِمَّة كِبَار نَسْأَل الله -جلَّ وعلا- أنْ يُعَوِّضْ الأُمَّة خيرًا، وإذا كان أهلُ الحَدِيثْ إِذَا مَاتَ شَخص مُسْنِدْ يَعْنِي عِنْدَهُ أَسَانِيدْ عَالِيَة قالوا: نَزَلَتْ الأُمَّة دَرَجَة بِوَفَاتِهِ فَكَمْ نَزَلَت الأُمَّة بِمَوْت بَعْض الكِبَار؟! دَرَجَاتْ قَرُبَتْ مِنَ الحَضِيض، كانت الثِّقَة بِعُلَمَاء هذهِ البِلَاد كَبِيرَة جِدًّا؛ أَخَذَتْ تَنْزِلْ تَنْزِل، والخير باقي إنْ شَاءَ الله، واليَأْس ما هو بِوَارِد؛ لكن شوف الحديث ((إِنَّمَا النَّاس كَالإِبِل المِائَة)) إِذَا أَرَدْتَ أنْ تُسَافِر، وعِنْدَكَ رَعَايَا مِنَ الإِبِلْ، تقول: يا الله أيّ وَحْدَة يالله بس نركب؟! ما هو بأيِّ وحدة، تختار؛ هذي تَصْلَح، هذي تَصْبِر، هذي جَفُول، هذي صَعْبَة، هذي إيش هذي ذَلُول نركب؛ تَخْتَار وَاحِدَة من المِائَة فَكَيْفَ بِالرِّجَال؟! هذا يَصْلَح، هذا طَايل، هذا قَاصِر، هذا حار، هذا بارد، هذا... ما تجد الشَّخْص المُنَاسِب فِي المَكَان المُنَاسِب؛ إِلَّا وَاحِد بِالمِائة! ((لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيها رَاحِلَة)) هَذَا فِي سَفَرٍ يَسِير، قَصِير يمكنْ سَاعَة، سَاعَتِينْ ، يُومْ يُومِينْ، شَهَر سَنَة؛ يَنْتَهِي؛ لَكِنْ سَفَر عمر، سَفَرْ أُمَّة كامِلَة يُسَيِّرُهَا رَجُل كُفْء! هذا الشَّاقّ، واللهُ المُسْتَعَان.(1/1)
لا تَكُنْ كَالمُنْبَتّ؛ لا ظَهْراً أبْقَى ولا أرْضًا قَطَعْ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
فمثلُ ما خانت الكسلان هِمَّتَهُ، الكسلان لا يعمل الواجِبات؛ لأنَّهُ كسلان! وقد لا يترك المُحَرَّمات، ويَتَمنَّى على اللهِ الأَمَانِي، وعنده هِمَّة عالية أنَّهُ سوفَ يَصِل إلى منازل المُقرَّبين وهو على وَضْعِهِ على الكَسَل، يُقصِّر في الواجبات، وقد يرتكب بعض المَحْظُوراتْ، ويتطاول على منازل الأبرار والمُقرَّبِين،
فَمثلُ ما خانت الكَسْلَانَ هِمَّتَهُ ... فَطَالمَا حُرِمَ المُنْبَتُّ بالسَّأَمِ(1/1)
الكسلان يعني نَضْرِب مثلاً بالقُرآن أو بالصَّلاة أو بالصِّيَام، الكسلان الذِّي يقول اليوم والله أنا تعبان؛ نقرأ إنْ شاء الله غداً! أو أنا والله اليوم أَحِسّ بتعب، الرَّواتب اليوم مع التَّعب نتركها؛ غدا إنْ شاء الله نبدأ بمُلازمة هذهِ الرَّواتب!!! صِيَام النَّوافل يقول والله اليوم حرّ؛ اصبر اصبر لين يبرد الجو! هذا كلهُّ تَسْوِيف – نعم – هذا الكَسْلَان إذا تَمنَّى، قال: خلاص إنْ شاء الله السَّنة الجاية الآنْ ما بقي في السَّنة إلا شهر الحج؛ أبى أحج وإذا جيت وتفرَّغت أبى أتعبَّد؛ هذا الذِّي يُسَوِّفْ ولو يُوم واحد؛ كسلان، وتَخُونهُ هِمَّتُهُ إذا جَاءَ من الغَدّ تَخُونهُ هِمَّتُهُ؛ لكنْ بالمقابل أيضاً إذا زاد عن الحد صار مُنْبَتًّا، يعني نفترض إنّ طالب علم قَرَّر يحفظ القرآن، فالكسلان يقول: اليوم مشغول غداً إنْ شاء الله، وغداً والله نزل بنا ضيف غداً إنْ شاء الله، وبعدُهُ وهكذا، وتمضِي عليه الأيَّام والسُّنُون ما يحفظ! المُنْبَتْ، يقول: خلاص من اليوم إنْ شاء الله بحفظ القرآن، ويُنفِّذ، ثُمَّ يأخُذ على نفسِهِ أنْ يحفظ جُزء في اليوم، هذا اليوم حفظ جُزء، لمَّا أوى إلى فِراشِهِ قال: تعبان! وأَخَلَّ بالواجب وواجِب الوالدين، وانْقَطَع عن بعضِ الأعمال، وقد يكُون تَرَتَّب على ذلك ترك واجِب أُنِيطَ بِهِ هذا مُنْبَت؛ لَكِنْ هل يَسْتَمِرّ على هذهِ الطَّرِيقة كل يُوم يحفظ جُزء؟! لَنْ يَسْتَمِرّ، هذا مُجرَّب أنَّهُ أخذ على نَفْسِهِ قَدْر أكثر مِمَّا تُطِيق فإنَّهُ غداً لَنْ يَسْتَمِر، وإنْ استمر غداً فلن يَسْتَمِرّ بَعْدَهُ! يقول:
فَمثلُ ما خانت الكَسْلَانَ هِمَّتَهُ ... فَطَالمَا حُرِمَ المُنْبَتُّ بالسَّأَمِ(1/2)
يَمَلّ ويَسْأَم ((إنَّ الدِّينَ يُسْر، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبَهُ)) ، ((وأَحَبُّ العَمَلِ إلى الله أَدْوَمُهُ وإنْ قَلّ)) فعلى الإنْسَانْ أنْ لا يُحَمِّل نَفْسَهُ أَكْثَرْ مِمَّا تَحَمَّلْ؛ لا سِيَّما في أَوَّلِ الأَمْر، في وقتِ المُجاهَدة، الآنْ مَا زِلْتْ في وقت جِهاد للنَّفْس، ثُمَّ تُحَمِّلْها أكثر مِمَّا تَحمَّل هذا لا يَصْلُح، هذا يُؤَدِّي بِكَ إلى الانْقِطَاع، ولا مَحالة؛ لكنْ إذا أنْت تَدَرَّجتْ، تقول: والله أنا حافظتي ما تُسعف، وعِنْدِي أعمال كثيرة، فأنا أحفظ آية آيتين، وأرَاجِع عليهنّ تفسير بحيث أفْهَمْ، ومن الغد ثلاث آيات، وبعدهُ تستمر لك أسبُوع على ثلاث آيات، الأُسبُوع الثَّاني تزيد آية وهكذا، ثُمَّ بعد ذلك تَنْشَطْ نَفْسُك، وهِمَّتُكْ، والحَافِظَة أيْضاً تَتَجَدَّدْ إلى أنْ يَصِلْ بِكَ الحَدّ إلى ما وَصَل إليهِ سَلف هذهِ الأُمَّة الذِّينَ قَضوْا أعْمَارَهُم وأَنْفَاسَهُم فيما يُرْضِي الله -جلَّ وعلا-، هؤُلاء تَعَدَّوْا مرحلة المُجاهَدَة، وبَدَؤُوا بمرحلة التَّلَذُّذ، جَاهَدُوا سِنين، ثُمَّ تَلَذَّذُوا سِنين، النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- قام حتَّى تَفَطَّرَتْ قَدَماهُ، لا يقول واحد أنا بسوي مثل النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام-! وقام ليلة واحدة إلى أنْ سَقَط من التَّعب! الأقْدَام لَنْ تَتَفَطَّرَ بِليلة! معرُوف هذا، فمن الغد يُمكن ما يُوتر ولا بركعة هذا مُنْبَت، لا ظَهْراً أبْقَى ولا أرْضاً قَطَع، المُنْبَتّ الذِّي يُتابِع السَّير على الدَّابَّة حتَّى تَسْقُط وتهلك! ثُمّ بعد ذلك يَجْلِس مِنْ دُونِ دَابَّة.(1/3)
لَوْ تَأَمَّلْتَ فِي نَفْسِك؛ لَوَرِثْتَ الخَشْيَة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
العلم الشَّرعي هو المُورِث لِلْخَشْيَة، وهو الذِّي جَاءَتْ النُّصُوصْ بِفَضْلِهِ، العُلُوم الأُخرى من عُلُوم الدُّنْيَا كالطِّبّ، والهندسة وغيرهما، مثل الزِّراعة، والصِّناعة، والنِّجارة، مِهَن وحِرَف، حِرَف؛ لَكِنْ مِيزَتُها أنَّها إذا طُلِبَتْ للدُّنيا ما تضر، هي الأصل للدُنيا؛ لكن إذا نُوِيَ بها التَّقَرُّب إلى الله -جلَّ وعلا-، وإغناء النَّفس عن تَكَفُّف النَّاس، ونَفْع الآخَرِين، وسَدّ حَاجة الأُمَّة؛ ألاَّ تحتاج إلى أعْدَائِها؛ يُؤجر الإنسان على ذلك، فإذا انْضَاف إلى ذلك الاعْتِبَار والاتِّعَاظ من خِلَال ما يُزَاوِلُهُ مِنْ عَمَلْ؛ لِأَنَّ:
وفِي كُلِّ شيءٍ لهُ آية ... تَدُلُّ على أنَّهُ وَاحِدُ
كم من فلَّاح عامِّي بَكَى مِنْ مَوْقِفٍ حَصَلَ لهُ في مَزْرَعَتِهِ؟! وكم من طبيب حَصَلَ لهُ من خَشْيَةِ الله -جلَّ وعلا- بسبب مَعْرِفَة دقائق صُنْعِهِ في البشر! هذهِ الخَشْيَة التِّي أَوْرَثَها هذا العلم؛ تُفيدُ صاحِبها، وبِقَدْرِ هذهِ الخَشْيَة يَرْتَفِعُ عند الله –جل وعلا-، وقُلْ مثل هذا في المِهَنْ، والحِرَفْ، والصّنائع الأُخرى، ويُحَدِّثُنا الأطِبَّاء عن دقائق قد لا تَخْفَ على كثير مِنْ طُلَّاب العلم الشَّرعيّ؛ اكْتَسَبُوها مِنْ مِهْنَتِهِمْ، ويُوجد وللهِ الحَمْدْ في مَصافّ الأطِبَّاء من صَارُوا دُعاة؛ يَدْعُون من خِلَال الطِّبّ، هذا موجُود ولله الحمد؛ لأنَّهُم اكْتَشَفُوا أُمُور دلَّ عليها قولُهُ -جلَّ وعلا-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] لو تفكَّر الإنْسَان في نفسِهِ؛ لَرَأَى العَجَب! فكيفَ بِهؤُلاء الذِّينَ يَطَّلِعُونَ على مَا لَمْ يَطَّلِعُ عليهِ غيرُهُم من دقائق صُنْعِ اللهِ -جلَّ وعلا- للبَشَرْ؟! عجائب،
وفِي كُلِّ شيءٍ لهُ آية ... تَدُلُّ على أنَّهُ وَاحِدُ(1/1)
من عجائب المخلُوقات، مِنْ أَصْغَرْ المَخْلُوقاتْ النَّملة، لو تَأَمَّلَ الإنسان بس تحتاج إلى دِقَّة نظر، لو تَأَمَّلَ الإنْسَانْ مَسِيرَتَها في يَوْمِها، ذهاباً وإيَاباً، وأنَّها لا تخرُج إلاَّ لِحَاجةَ! من ألْهَمَها أنْ تَجْعَلْ الحَبَّة نِصْفَيْنْ؛ لِئَلاَّ تَنْبَتْ؟! الله -جلَّ وعلا-، فَكَيْفَ بالمُكَلَّفْ العَاقِلْ، لَوْ تَأَمَّلَ فِي نَفْسِهِ؛ لَوَرِثَ الخَشْيَة من الله -جلَّ وعلا-، والتَّفَكُّر، والاعْتِبَار، والاتِّعَاظ مِنْ أَفْضَل العِبَادَات.(1/2)
الانتِسَاب للسَّلَفِيَّة
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هل يجُوزُ للإنسان أن يَنسِبَ نَفسَهُ أنا سلفي على مَنهَج السَّلف؟!
هذهِ تَزكِيَة؛ لَكِن يُرجَى لِطَالبِ العلم أن يُعنَى بمذهب السَّلف عِلماً وعَمَلاً، ثُمَّ إذا انتسَبَ إليهِ، واشتَهَرَ بِهِ دُونَ أن يَنسِب نَفسَهُ إليهِ في بادئ الأمر، ويَتَطَاول على النَّاس في ذلك، هذه تَزكِيَة، السَّلف، وش معنى السَّلف؟! سَلَف هذهِ الأُمَّة وأئِمَّتُها، وخِيَارُها، مِنَ الصَّحابة والتَّابِعِين، ومَن تَبِعَهُم بإحسَانٍ، يعني الإقتداء بهم، والاحتذاء بهم، والاهتِدَاء بهديهم بسُنَّتِهِم، في هذهِ الأزمَان يعني أتَصَوَّر أنَّهُ لا يَتَسَنَّى من كُلِّ وَجه؛ لأنَّنا ابتُلِينَا بِأُمُور، وعِندَنا خير؛ لكن فيهِ دَخَن، وعِندَنا طلب للعلم وفيهِ شيءٌ مِمَّا يَخدِشُ الإخلاص، فَكَونُنا نَجزِم بِأَنَّنا على المَنهَج السَّلَفِي، نَرجُو أن نَكُون، ونَحرِص أن نَكُون على مَذهَب السَّلَف، أمَّا أنَّنا نَجزِم أنَّا إلى مَذهَبِهِم وهَديِهِم، فالظُّرُوف التِّي نَعِيشُها تَختَلِفُ عَن ظُرُوفِهِم، وجَاءَت النُّصُوص ما يدُلُّ على أنَّهُ في آخر الزَّمان يُتَسَاهَل ويُتَسَامَح أكثَر مِمَّا كانَ في الزَّمَان الأَوَّل، وجَاءَ عَن بَعضِهِم: "إنَّكُم في زَمَانٍ إذا عَمِلتُم فيهِ تِسعَةِ أعشَارِ الخير؛ أُخِذتُم بذلك" بالعُشر، "وسَيَأتِي زمان إذا عَمِلُوا بالعُشر؛ نَجَوا" على كُلِّ حال العَمَل في مثلِ هذهِ الظُّرُوف التِّي نَعِيشُها إذا حَرِصَ الإنسَان، وصَار على الجَادَّة، وابتَعَد عن المُحدَثَات؛ لا سِيَّما التِّي تُزَاوَلُ من خِلَالِها العِبَادَات؛ فإنَّهُ يُرجَى أن يَكُون أَقرَب إلى مَنهَج السَّلف وهَديِهِم، أمَّا أن يَتَطَاوَل على النَّاس، ويَرمِي النَّاس بالأوصَاف، ويَنتَسِب هو لِمَذهَب السَّلف؛ هذا لا شَكَّ أنَّهُا تَزكِيَة للنَّفس، وإعجَابٌ بالنَّفس.(1/1)
إِلَى اللهِ نَشكُو قَسوَةَ قُلُوبِنَا
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
سُورة الطُّور سُورةٌ عظيمة، تَهُزُّ قَلبَ الكَافِر قبل المُسلم، ففي الصحيح من حديث جُبير بن مُطعم أنَّهُ قَدِمَ المدينة في فداء أسرى بدر، وكان يومئذ كافراً، فَسَمِعَ النَّبي عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام يَقرَأُ في صلاة المغرب بسُورة الطُّور، وأَخبَرَ عَن نَفسِهِ أنَّ قلبَهُ كَادَ يَطِير من سماع هذهِ السُّورة، قال: وذلك أوَّل ما وَقَرَ الإيمانُ في قلبي، وهذا كافر لا يُؤمن بالله، ولا بما جاء عن الله؛ لكنَّهُ بِفِطرَتِهِ مع تَذَوِّقِهِ للكلام، فالعَرَب الذِّينَ نَزَلََ القُرآنَ بِلُغَتِهِم يَفهَمُون ما يُلقَى إليهم، ومِمَّا يُؤسَفُ لهُ أنَّ كثيراً من المُسلمين لا يَعُون ولا يُدرِكُون مثل هذا الإدرَاك، فَتُقرأ سُورة الطُّور، وتُقرأ سُورة هود، وتُقرَأ الآيات التِّي لو أُنزِلَت على جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً من خَشيَةِ الله، ومَعَ ذَلِك لَا تُحَرِّك سَاكِناً، هذا كَافِر كَادَ قَلبُهُ أَن يَطِير، والنَّصَارَى إذا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُول تَرَى أَعيُنُهُم تَفِيضُ مِنَ الدَّمعِ، ومع الأَسَف أنَّ المُسلِم فِي عَصرِنا هذا لَا تَكَادُ تُحَرِّك فِيهِ سَاكِن؛ إلاَّ من رَحِمَ الله، وهم قِلَّة؛ لأنَّنا نَجِدُ في أنفُسِنا، ونحنُ مع إخواننا من طُلَّابِ العلم يعني لَنَا صِلَة وإن كانت ضَعِيفَة، حَقِيقةً الصِّلة ضَعِيفة بِكِتابِ الله؛ لكنَّها موجُودة، يعني ولو كانت نَاقِصَة، ومَعَ ذَلِك كَلَامُ الله لَا يُحَرِّك فِينَا سَاكِناً ومَا ذَلِكُم إلاَّ لِقَسوَةِ القُلُوب، ومَا رَانَ عَلَيهَا مِنَ الذُّنُوب، ومِن أَظهَرِ ذَلِك التَّخلِيط فِي المَأكُول الذِّي رَانَ على القُلُوب وغَطَّاها، وغَشَّاهَا؛ فَصَارَت لَا تَفقَهُ شَيئاً، إذا كان كَلَامُ اللهِ يُتلَى بِأَصوَاتٍ مُؤَثِّرَة، ومَعَ ذلك القَلبُ لَا يُوجَل! ولَا(1/1)
تَزِيدُنَا إِيمَاناً مَعَ الأَسَف، واللهُ -جَلَّ وعَلا- حَصَر الإيمان بالذِّينَ إذا تُلِيَت عليهم آيَاتُهُ زَادَتهُم إيمَاناً، وَجِلَت قُلُوبُهُم، ونَحنُ لَا تُحَرِّك سَاكِناً، فَنَشكُو إِلَى اللهِ -جَلَّ وعَلَا- قَسوَةَ القُلُوب، ومَعَ هذهِ الشَّكوَى لابُدَّ مِن بَذلِ الأَسبَاب؛ لِإِحيَاء الشُّعُور فيها، أَبُو جَهل وأبُو لَهَب وغيرُهُم من مُشرِكِي قُريش من عُتاة من صَنَادِيد قُريش إذا قيل لهم قُولُوا لَا إِلَه إلاَّ الله نَفَرُوا، وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَة إلهًا واحِداً؟ وتَجِدُ المُسلِم مُنذُ قُرُون يطُوفُ بالقبر وهو يقول لَا إِلَه إلاَّ الله! فَهَل هَذَا يَفهَم مَعنَى لَا إِلَه إلاَّ الله كما يَفهَمُها أبو جهل وأبُو لَهب؟! واللهِ مَا يَفهَم لَا إِلَه إلاَّ الله، تجِدُهُ يقول: لَا إِلَه إلاَّ الله وهو يقول يا علي يا حسين!! هَل هذا يَفهَم مَعنَى لَا إِلَه إلاَّ الله؟! ونحنُ نسمعُ كلام الله بالأصوات المُؤثِّرة التِّي لو قُرِئَ فيها كلام عادي؛ يعني تَتَأَثَّر من جَمَالِها وحُسنِهَا وتَرقِيقِها فَكَيفَ بِكَلَامِ الله المُؤثِّر بِنَفسِهِ بِذاتِهِ؟! هذا كافر كادَ قَلبُهُ أن يَطِير! فماذا عنَّا؟! هل نحنُ بهذهِ الصِّفة؟! أتكَلَّمُ عن نفسي، وأعرِفُ من حالِ كثيرٍ من إخواني إنَّهُم ليسُوا كذلك! فلا بُدَّ من مُراجَعَة الحِسَابات، الحَسَن يقول: "تَفَقَّد قَلبَك في ثلاثة مواطن، في قِراءة القرآن، وفي الصَّلاةِ، وفي الذِّكر؛ فإن وَجَدتَهُ؛ وإلاَّ فاعلَم أنَّ الباب مُغلَق" يعني بينك وبين ربِّك فيهِ حجاب! يعني فاسعَ إلى رَفع هذا الحِجَاب، فهل سَعَينَا إلى رَفعِ هذا الحِجَاب؟! سَعِينا بِجِدّ؟ وبَذلنا الأسباب؟ وعَمِلنا على انتِفاءِ الموانع التِّي تَمنَعُ ارتفاعُ هذا الحِجَاب؟! نحنُ على طريقةٍ واحدة مُنذُ أن بدأنا الطَّلب إلى يومنا هذا ونحنُ طريقتنا لا تتغيَّر؛ بل المُلاحظ أنَّها تَتَغَيَّر(1/2)
إلى الأسوَأ!! أيَّام بداية الطَّلب يمكن قُلُوبنا أفضل ممَّا هي الآن! وهذا يَجعَلُ الإنسَان يُسِيءُ الظَّن بنفسِهِ، وبِنِيَّتِهِ، وطَلَبِهِ للعلم.. هل هو على الجادَّة؟! العِلم فَائِدَتُهُ العَمَل، والقُرب من الله -جلَّ وعلا- فَهَل أَفَادَنا هذا العِلم القُرب من الله -جلَّ وعلا-؟! هل استَحضَرنا لَذَّة المُناجاة بين يديّ الله -جلَّ وعلا-؟! هل تَلَذَّذنا بِصَلَاة رَكعَتَين في جَوف اللَّيل؟! لا بُدَّ من إِعَادةِ الحِسَاب، وإذا كانَ هذا كافر يَسمَعُ النَّبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يَقرَأُ بِسُورةِ الطُّور؛ فَيَكَاد قَلبُهُ أن يَطِير! كاد قَلبُهُ أن يَنخَلِع – كما في بعضِ الرِّوايات – فماذا عَنَّا؟! ونحنُ نَنتَسِب إلى طَلَبِ العِلم، ونُعنَى في الظَّاهِر واللهُ أعلمُ بالبَواطِن والخَفَايا! في الظَّاهِر نُعنى بِكِتابِ الله، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-، وهي دَيدَن كثير من الإخوان وطُلَّابِ العلم؛ لكن مع ذلك؛ النَّتِيجة، الغاية هل نُحِسُّ منها أو فيها لَذَّة؟! ما نحسّ بشيء! فَلَا بُدَّ من إِعَادَةِ النَّظر، لا بُدَّ مِن بَذلِ الأسبَاب، والسَّعِي بِجِدّ على انتِفَاءِ المَوانِع؛ يعني اعلَم أنَّ الباب مُغلَق! يعني لا أُبَالِغ إذا قُلت أنَّنِي مِرَاراً أبدأ بسُورة يُونس ولا أشعُر إلاَّ وأنا في سُورة يُوسف! أقُول هذا عن نَفسِي، أينَ ذَهَبَت سُورة هُود بين السُّورتين؟! يعني ثلاثة سُور واحد وأربعِين صَفحَة من القرآن، ثلاثة سُور تَبدَأ من أَوَّلِها إلى آخِرِها مَرَرت بِسُورة هُود؛ ولا كأنَّ شيئاً حَصَل! والنَّبيُّ -عليهِ الصَّلَاةُ والسَّلام- لما سَألَهُ أبُو بكر وغَيرُهُ أَرَاكَ شِبتَ يا رَسُولَ الله، قال: ((شَيَّبَتنِي هُود وأَخَواتُها))، الحديث لا يَسلَم من كلام لأهلِ العلم حتَّى قيل أنَّهُ مُضطرب؛ لكنَّ الحافظ ابن حجر يقول إنَّهُ يُمكن ترجِيح بَعضُ الوجوه على بعض؛(1/3)
فَيَكُونُ حَسَناً، قَصَص لِأُمَمٍ غَابِرَة ارتَكَبَت ما ارتَكَبَت مِنَ الذُّنُوب والمُخَالَفَات، وعُذِّبَت بِصُنُوفٍ من العَذَاب، نَقرَؤُها، ونَسمَعُها، وكأنَّ الأَمر لَا يَعنِينَا! والمَسألَةُ كما قالَ عُمر وغيره: "مَضَى القَومُ ولم يُرَد بِهِ سِوَانَا!" نحنُ المَقصُودُون أيها الأخوان، ليسَ المَقصُود لا عاد، ولا ثَمُود، ولا أصحَاب الأيكَة، ولا مَديَن، ولا قَوم فِرعون، مَضَوا وانتهَوا، لِمَن أُنزِلَ القُرآن؟! أُنزِل لَنا؛ لِنَعتَبِر، ونَتَّعِظ، ونَدَّكِر، والسُّنَن الإلَهِيَّة واحِدَة لا تَتَغَيَّر، عُذِّبُوا بأسبَاب إذا وُجِدَت هذهِ الأسبَاب؛ يُعَذَّبُ بها غَيرُهُم {لن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبدِيلًا} ولم يُستَثنَى من الأُمَم إلاَّ قوم يُونس، ما استُثتِي من هذهِ السُّنَّة الإلَهِيَّة إلاَّ قوم يُونس، يعني لمَّا انعَقَدَت الأسبَاب، وحَقَّت كَلِمَةُ العَذَاب نَفَعَهُم إيمَانُهُم؛ لكن غيرهُم؟! السُّنَن الإلَهِيّة لا تَتَغَيَّر ولا تَتَبَدَّل، ونحنُ الآن وَاقِعُونَ في مَسَائل، وفي عَظَائِم مَوجُودَة يعني في مُجتَمَعِنا، وفي غيرِنا أكثر؛ ونَخشَى من عُقُوبَة تنزِلُ بِنا، ومِن أن يَحِلَّ بنا مَا حَلَّ بغيرِنا من المَثُلَات، والقَوارِع، نَرَى النَّاس يُتَخَطَّفُونَ من حَولِنا ونحنُ في بَلَدٍ آمِن؛ فَعَلَينا أن نَشكُر هذهِ النِّعمَة، ونَقُومُ بِشُكرِها، ونُؤَدِّيهِ على الوَجهِ المَطلُوب، لا يَكفِي اللِّسَان؛ بَل لا بُدَّ مِنَ العَمَل.(1/4)
قَارِب الكَمَال وإن لَم تَستَطِعهُ
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
سَدِّد وقَارِب، لن تَصِلَ إلى الغَاية، تَتَشَوَّف نَفسُكَ إلى الغَاية، ولَن تَصِل إلى الكَمَال؛ لِأَنَّك مَجبُول على النَّقص؛ لَكِن مع ذلك، سَدِّد وقَارِب، احرِص أن يكُون عَمَلُك سَدَاداً على وِفقِ مَا جَاءَ عَن نَبِيِّ الله -جَلَّ وعَلا-، وقَارِب الكَمَال وإن لَم تَستَطِعهُ.
سَدِّد وقَارِب وأَبشِر واستَعِن ... بِغُدُوٍّ والرَّواح وأَدلِج قَاصِداً ودُمِ
((سَدِّدُوا وقَارِبُوا، واستَعِينُوا بالغُدوَة والرَّوحَة، وشيء من الدُّلجَة)) يعني أوَّل النَّهار، وآخِرُهُ، وأَوَّل اللِّيل الذِّي هو الإدلَاج، والإدِّلَاج .... المَقصُود أنَّكَ تَستَغِلّ آناءَ اللِّيل وأطرَاف النَّهار.
وأدلِج قَاصِداً ودُمِ، ما تقول أنا والله بتعبَّد يُوم يومين في الشَّهر، أو شهر في السنة ويكفي! – لا- دُم على ذلك، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] هذهِ هي الغاية.(1/1)
مَا يُعِينُ على الإخلَاص
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
احرَص، واصدُق اللَّجَأ إلى الله -جلَّ وعلا-، واطرُق الباب، وانكَسِر بينَ يديّ الله، واصدُق مع الله؛ ويُوَفِّقُكَ اللهُ -جلَّ وعلا-، تُوَفَّق إذا صَدَقت، فالنِّيَّة الصَّالحة أمرٌ لا بُدَّ منهُ؛ لأنَّ العلم الشَّرعي مِن أُمُور الآخرة المحضة، لا بُدَّ من تَصحِيحِ النِّيَّة من أوَّل الأمر، قَد تَشرُد النِّيَّة أحياناً – قد – كغيرِها من العِبَادات؛ لَكِن إذا استَدرَكَ الإنسَان بِسُرعة وجَاهَد؛ ما تُؤَثِّر.
مِمَّا يُعين على الإخلاص أن تَعرِف وتَعلَم أنَّ الخَلق لو اجتَمَعُوا على أن يَنفَعُوكَ بشيء لم يَكتُبهُ الله لك؛ مَا نَفَعُوكَ بها، وأن تَجزِم جَازِماً أنَّهُ لا أحد مَدحُهُ زين وذَمُّه شين؛ إلاَّ الله -جلَّ وعلا-، يقولُ ابن القيم -رحمهُ الله تعالى-: "إذا حَدَّثَتكَ نَفسُكَ بالإخلاص؛ فاعمَد إلى حُبِّكَ المدح والثَّناء، واذبَحهُ بِسِكِّينِ عِلمِكَ أنَّهُ لا أحد مَدحُهُ زين وذَمُّه شين؛ إلاَّ الله -جلَّ وعلا-" وبعضُ الطُّلَّاب؛ بل بعض الطَّبَقَات المُتَقَدِّمة من المُتَعَلِّمِين إذا قِيل لَهُ ذُكِرت في المَجلِس الفُلَاني، أو أُثنِيَ عليك في المَجلِس الفُلَاني فَضلاً عَن أن يُقال الوزير الفُلَاني أو الأمير الفُلَاني يَطِير! يكاد أن يَطِير من الفرح! لكن أينَ هذا من ذِكرِ الله -جلَّ وعلا-؟! ((مَن ذَكَرَنِي في نَفسِهِ؛ ذَكَرتُهُ في نَفسِي، ومَن ذَكَرَنِي في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مًلأٍ خيرا منه)) تَكسَب إيش إذا قِيل لك الأمير الفُلَاني أو الوزير الفُلَاني أَثنَى عليك؟! ما تَكسَب شيء، شيء لَم يُقَدِّرهُ الله لك -جلَّ وعلا- والله لَن تَكسَبَ شيئاً؛ فَلنَنتَبِه لِهذا، مَسأَلة الإخلاص أمرٌ لا َبُدَّ منهُ لكلِّ عِبَادةٍ، شرط لقبُول كل عِبَادة.(1/1)