فَضْلُ أَيّامِ العَشْرِ مِنْ ذي الحِجْةِ
وبَعْضُ أَحْكَامِ الْحَجِ والعُمْرَةِ
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه أجمعين ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد :
فضل أيام العشر من ذي الحجة :
أحب الأشهر إلى الله تعالى الأشهر الحرم ، وأحبها إليه شهر ذي الحجة ، وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول ، التي أقسم الله بها في كتابه تبارك وتعالى ، فقال : " والفجر * وليال عشر " قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم هي عشر ذي الحجة . وهي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " [ رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1144 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر ، فأكثروا فيهن من التسبيح ، والتحميد ، والتهليل ، والتكبير " [ رواه أحمد والطبراني ] .
ومن فضائل العشر من ذي الحجة :
1- أقسم الله بها .
2- الأمر بكثرة التسبيح التهليل والتكبير فيها .
3- أن فيها يوم التروية .
4- أن فيها يوم عرفة .
5- أن فيها ليلة مزدلفة أو جَمْع أو المشعر الحرام .
6- أن فيها رمي الجمرات تعبداً لله تعالى .
7- أن فيها الحج الذي هو ركن عظيم من أركان الإسلام .
8- أن فيها يوم النحر .
9- أن فيها ذبح الهدي والأضاحي .
10- أنها أفضل من الجهاد في سبيل الله .
11- صوم أيامه .
فضل الحج والعمرة :(1/1)
فلا شك أن الحج والعمرة يكفران الذنوب ويحطان الخطايا ، ويمحوان السيئات والرزايا ، ويغسلان أثرها ويمحوانه ، فالحج يكفر الذنوب صغائرها وكبائرها ، فيعود المسلم بعد الحج المبرور طاهراً نقياً ، وعن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " [ متفق عليه ] . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ " [ متفق عليه ] .
، هذا هو الحج الذي يكفر جميع الذنوب ، الذي لا يخالطه أمر محرم أو مكروه ، فالرفث : هو الجماع ومقدماته حال الإحرام ، ويدخل فيه أيضاً فحش الكلام ورديء القول وسيئ الفعل ، والفسوق : يشمل جميع المعاصي والآثام الكبير منها والصغير ، فعلى الحاج أن يصون حجه عما يدنسه أو ينقص أجره حتى يفوز برضى ربه تبارك وتعالى ويكون من الفائزين السعداء ، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، مع الإخلاص لله في حجه ، والصدق معه سبحانه ، بإرادة وجه الله تعالى وغفران الذنوب ، وألا يكون القصد من الحج هو الرياء والسمعة ، فإن كان ذلك كذلك حبط العمل والعياذ بالله ، وباء صاحبه بالإثم والخسران . ولقد جاء في فضل الحج عدة أحاديث منها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سُئِلَ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ : " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ " [ متفق عليه ] .(1/2)
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّه عَنْهَا ، أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ ، أَفَلَا نُجَاهِدُ ؟ قَالَ : " لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنِ الْجِهَادِ ؟ فَقَالَ : " نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .(1/3)
وعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ : حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ ، فَبَكَى طَوِيلًا ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ : يَا أَبَتَاهُ : أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا ؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا ؟ قَالَ : فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي ، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي ، أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ : فَقَبَضْتُ يَدِي ، قَالَ : " مَا لَكَ يَا عَمْرُو " قَالَ : قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ ، قَالَ : " تَشْتَرِطُ بِمَاذَا " قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ : " أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ " ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ،(1/4)
وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ ، وَلَا نَارٌ ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا ، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا ، حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي " [ أخرجه مسلم ] .(1/5)
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنَّا نَتَمَنَّى أَنْ يَأْتِيَ الْأَعْرَابِيُّ الْعَاقِلُ ، فَيَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ ، إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَجَثَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ! إِنَّ رَسُولَكَ أَتَانَا فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَبِالَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ ، وَبَسَطَ الْأَرْضَ ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ ! آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَدَقَ " ، قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا فِي أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَدَقَ " قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا الْحَجَّ إِلَى الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ(1/6)
سَبِيلًا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، قَالَ : فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ " ، فَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَدَعُ مِنْهُنَّ شَيْئًا وَلَا أُجَاوِزُهُنَّ ، ثُمَّ وَثَبَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ صَدَقَ الْأَعْرَابِيُّ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ أخرجه الترمذي ] .
قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : فِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْعَالِمِ وَالْعَرْضَ عَلَيْهِ جَائِزٌ مِثْلُ السَّمَاعِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ عَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وعن بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ " [ أخرجه الترمذي وقال الألباني : حديث حسن صحيح 1 / 426 ] .(1/7)
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ ، وَحَجَّ الْبَيْتَ ، لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا ، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، إِنْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مَكَثَ بِأَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا " ، قَالَ مُعَاذٌ : أَلَا أُخْبِرُ بِهَذَا النَّاسَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ذَرِ النَّاسَ يَعْمَلُونَ ، فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا ، وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ ، فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ " [ أخرجه الترمذي ] .
وعن أَبَي هُرَيْرَةَ َقال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ : الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ " [ أخرجه النسائي وصححه الألباني 2 / 239 ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ " [ أخرجه النسائي وحسنه الألباني 2 / 239 ] .(1/8)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ " قَالُوا : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ! وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ ؟ قَالَ : " الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ " [ أخرجه أبو داود ] .
وعَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : " يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ ، فَلَهُ بِكُلِّ صَلَاةٍ صَدَقَةٌ ، وَصِيَامٍ صَدَقَةٌ ، وَحَجٍّ صَدَقَةٌ ، وَتَسْبِيحٍ صَدَقَةٌ ، وَتَكْبِيرٍ صَدَقَةٌ ، وَتَحْمِيدٍ صَدَقَةٌ ، فَعَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، ثُمَّ قَالَ : " يُجْزِئُ أَحَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الضُّحَى " [ أخرجه أبو داود ] .
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ " [ أخرجه ابن ماجة ] .
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سُئِلَ : أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ : قَالَ : " الْعَجُّ وَالثَّجُّ " [ أخرجه ابن ماجة ] .(1/9)
وعَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَلَكِ أَجْرٌ " [ أخرجه أحمد ] . فدل الحديث على أن للصبي الذي لم يحتلم حج ، وله أجر ، ولوالديه أجر على تعليمه مناسك الحج ، وحجه هذا لا يسقط عنه حجة الإسلام بعد بلوغه واحتلامه .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا لَقِيتَ الْحَاجَّ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، وَصَافِحْهُ وَمُرْهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَإِنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ " [ أخرجه أحمد ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَمَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ " [ أخرجه أحمد وهو حديث صحيح ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُبَاهِي الْمَلَائِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا " [ أخرجه أحمد ] .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " [ أخرجه أحمد ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ لَيْسَ لَهَا ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ، وَعُمْرَتَانِ تُكَفِّرَانِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ " [ أخرجه الدارمي ] .(1/10)
فالعمرة تكفر الصغائر بشرط ترك الكبائر قال تعالى : " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " [ متفق عليه ] ، فبالحج والعمرة يجزل الله تعالى للعبد المثوبة والأجر ، ويغفر له الزلل والوزر ، والحج والعمرة واجبان في العمر مرة ، فالحج يتكرر كل عام ، أما العمرة فمشروعة في كل وقت وزمان ، فليس لها زمان مخصوص ، ولا وقت محدد ، فهي مشروعة طوال العام ، لكن هناك عمرة لها مزية عن غيرها ، ولها فضل تتميز به عما سواهما وهي التي جاء ذكرها في الحديث أن العمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
الاستعداد لأداء الحج والعمرة :
إذا عزم المسلم على أداء الحج والعمرة استحب له أن يوصي أهله وجيرانه وأصحابه بتقوى الله تعالى ، بفعل الأوامر واجتناب النواهي ، وينبغي له أن يكتب ما له وما عليه من الدين ، ويشهد على ذلك ، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة النصوح التي تجب ما قبلها من الذنوب والمعاصي ، لقوله تعالى : " وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " [ النور 31 ] ، وحقيقة التوبة : أي شروطها التي لا تصح إلا بها وهي :
1- الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها بلا رجعة إليها .
2- والندم على ما مضى منها وسلف .
3- والعزيمة الصادقة على عدم العودة إليها .(1/11)
4- وإن كان عنده مظلمة لأحد من الناس فيجب أن يبادر بأداء الحقوق إلى أهلها ، ويجب عليه أن يتحلل أهل المظالم مما ظلمهم به ، فالآن مجال التوبة مفتوح ، ولكن إذا غرغرت الروح فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، فعلى الحاج والمعتمر أن يرد المظالم إلى أهلها لقوله صلى الله عليه وسلم : " من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه " [ رواه البخاري ] ، وينبغي على المعتمر أن يجد لعمرته مالاً حلالاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً " [ رواه مسلم ] ، ولأن المال الحرام من موانع إجابة الدعاء فلا يستجاب الدعاء ونفقة الحاج من الحرام ، كما في صحيح مسلم فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ، وعند الطبراني من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم : " إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء ، لبيك وسعديك ، زادك حلال ، وراحلتك حلال ، وحجك مبرور غير مأزور ، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لا لبيك ولا سعديك ، زادك حرام ، ونفقتك حرام ، وحجك غير مبرور ، وينبغي على المعتمر أن يعف نفسه عن سؤال الناس ، وأن يستغني عما في أيديهم لقوله صلى الله عليه وسلم : " ومن يستعفف يُعفه الله ، ومن يستغن يُغنه الله " [ متفق عليه ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يزال الرجل يسال الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم " [متفق عليه ] ، ومن لم تكفه نفقته فلا يكلف(1/12)
الناس مالا يطيقون ، ولا يعرض نفسه للسؤال والمهانة ، فمادام أنه غير مستطيع فيسقط عنه الحج لحين الاستطاعة والحمد لله ، فلا يجب الحج إلا مع الاستطاعة فلا يكلف نفسه فوق طاقتها ، وعلى الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه الله تعالى والدار الآخرة ، ولا يقصد بذلك رياءً ولا سمعة ، حتى يقال أن فلاناً حج أو اعتمر ، لأن ذلك مدعاة للرياء ، والرياء محرم ومحبط للأعمال ، فمن ابتغى بحجه وعمرته الرياء والسمعة والفخر أمام الناس فذلك من أقبح المقاصد وأرذل الأعمال وقد نهى الله تبارك وتعالى عن ذلك في محكم التنزيل فقال : " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " وقال تعالى : " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " [ مسلم ] ، فكل عمل يجب صرفه لله تعالى يعمله الإنسان مراءاة للناس وحباً في الشهرة والسمعة الطيبة في الدنيا ، فلا يبارك الله لصاحبه فيه بل يكون وبالاً عليه ويضيع أجره في الآخرة كما قال الله تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " فينبغي للحاج والمعتمر أن يصحب معه رفقة طيبة من أهل الخير والصلاح وأهل الطاعة والتقوى وأهل العلم والفقه في الدين ، حتى يؤدي مناسكه وفق ما جاءت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال : " لتأخذوا عني مناسككم " [ رواه مسلم ] ، وعلى الحاج والمعتمر أن يتعلم الأحكام التي تتعلق بأداء المناسك ، ويجتهد في معرفة ذلك ، وعليه أن يسأل عن كل ما يشكل عليه قبل أداء مناسكه حتى لا يقع في محذور من(1/13)
محاذير الإحرام ، أو يقع في خطأ أثناء أدائه لحجه وعمرته ، ويجب عليه أن يحفظ لسانه من فحش الكلام ، وبذيء القول والفعل ، فيجتنب الغيبة والنميمة ، وسب الناس ، وغمزهم ولمزهم ، وانتهاك الأعراض ، أو الإفراط في المزاح والضحك الذي لا فائدة منه ، ويصون لسانه عن الكذب والسخرية بالناس ، وينبغي له أن يسعى جاهداً في أمور البر والخير ، وعليه أن يكثر من الذكر والاستغفار ، والدعاء وتلاوة القرآن الكريم ، وتدارس العلم مع أقرانه من طلبة العلم ، ويجب عليه أن يحافظ على الصلوات الخمس جماعة مع المسلمين إخوانه هناك في المخيمات أو الأماكن المعدة للصلاة ، وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب قدرته وطاقته .
وصايا للمرأة المسلمة :
النساء من أعظم الفتن على الرجال ، فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله ربها بطاعته واجتناب معصيته ، فهن أكثر أهل النار والعياذ بالله كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه بعض الوصايا التي أوصي بها نساء المؤمنين ، فمن هذه الوصايا ، وصية الله عز وجل لهن ، حيث قال جل شأنه : " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن " ، فالواجب عليهن التستر والتحجب من الرجال عدا المحارم ، وترك إظهار الزينة ، والحذر من التعطر حين خروجهن ، لأن ذلك بسبب الفتنة بهن ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وليخرجن تفلات " ومعنى تفلات : أي لا رائحة تفتن الناس ، وقال صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا الصلاة " .(1/14)
وقالت عائشة رضي الله عنها : " لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن من الخروج " . وهذا في زمن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها وعن سائر الصحابة أجمعين ، فكيف بالأمر وقد استفحل في هذا الزمان والعياذ بالله ، فالنساء في تفنن في اللباس والزينة ولا يفعلن ذلك إلا عند الخروج من المنازل مع حرمة ذلك ، وكان الواجب أن تكون هذه الزينة خاصة لزوجها في بيتها ، وليست عند الخروج ، لأن الخروج مظنة فتنة الرجال ، وهذه مصيبة عظيمة لما تسببه من عواقب وخيمة يعود أثرها السيئ على الفرد والأمة جمعاء .
فالواجب على النساء أن يتقين الله ، وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن ، كالوجه واليدين والقدمين عند اجتماعهن بالرجال ، وخروجهن إلى الأسواق ، وهكذا في وقت الطواف والسعي ، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرؤوس ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق ، لأن ذلك أعظم أسباب الفتنة ، ولهذا قال الله عز وجل [ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ] والتبرج : إظهار بعض محاسنهن .
وقال عز وجل [ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ] والجلباب : هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة ) ، وقال تعالى : [ وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ] .(1/15)
كاسيات عاريات مائلات مميلات ، على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر ، يضربون بها الناس ) . [ رواه مسلم ] . معنى كاسيات عاريات : كاسيات من نعم الله ، عاريات من شكرها ، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن ، فهن كاسيات بالاسم والدعاوى ، عاريات في الحقيقة ، ومعنى مائلات مميلات : أنهن مائلات عن الحق مميلات لغيرهن إلى الباطل من الفحشاء والمنكر .
ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالستر ، والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه ، والله المستعان .
وأوصي من لا تجد محرماً ألا تخرج إلى الحج بدون محرم لأن في ذلك معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولما في ذلك من تعريض نفسها للفتنة ، فالحج لا يجب إلا على المستطيع ، أما غير المستطيع فلا يجب عليه الحج ، ومن الاستطاعة وجود المحرم بالنسبة للمرأة ، ولهذا جاء النهي عن خروج المرأة وسفرها بلا محرم في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم " [ رواه أحمد ، والحاكم ، وأصله في الصحيحين ] .
من أحكام الحج والعمرة :
هذه جملة أحكام مهمة يجب على الحاج والمعتمر أن يأخذها بعين الاعتبار ، حتى لا يفسد حجه وعمرته ، أو ينقص أجرهما ، أو يقل ثوابهما ، وهذه الأمور ذات صلة قوية وعلاقة وطيدة بالحج والعمرة ، فلا يتمان إلا بعد عمل تلك الأمور ، فلكل عمل بداية ، وبداية الحج والعمرة تبدأ من المواقيت ثم التلبس بالإحرام ، وبعد ذلك أداء العمرة ثم الحج ، فالموضوع ينقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : المواقيت .
القسم الثاني : الإحرام .
القسم الثالث : العمرة .
القسم الرابع : الحج .
أولاً : المواقيت :
تنقسم المواقيت إلى قسمين مواقيت مكانية ومواقيت زمانية وسنستعرض كل منها بالتفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى :
أولاً : المواقيت المكانية :(1/16)
المواقيت المكانية خمسة وهي :
[ 1 ] ميقات أهل المدينة : ذو الحليفة وتسمى آبار علي . وتبعد عن مكة المكرمة ، 420 كيلو متر ، وهي أبعد المواقيت عن مكة المكرمة .
[ 2 ] ميقات أهل الشام ومصر والمغرب : رابغ وهي قبل الجحفة بقليل ، وتبعد عن مكة المكرمة 186 كيلو متر .
[ 3 ] ميقات أهل اليمن : يلملم وتسمى السعدية . وتبعد عن مكة المكرمة 120 كيلو متر . ويحرم منها بعض أهل اليمن ، وسواحل المملكة العربية السعودية ، وأندونيسيا وماليزيا والصين والهند وغيرهم من حجاج جنوب آسيا . والحجاج القادمين من تلك الدول عبر الطائرات والبواخر ، لا يمكنهم الإحرام إلا عن طريق المحاذاة ، فإذا حاذوا الميقات لبوا بما يريدون من النسك .
[ 4 ] ميقات أهل المشرق العراق ومن معهم : ذات عرق وتسمى الضريبة . وتبعد عن مكة المكرمة 100 كيلو متر ، وهي مهجورة الآن لعدم وصول الطرق إليها ، لكن كان الحجاج قديماً يحرمون منها نظراً لقدومهم على الإبل ، أما مع وسائل المواصلات الحديثة كالسيارات فأصبح من الصعوبة الوصول إليها ، ولكن هناك توصية من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بالاهتمام بذلك الميقات الذي هو أحد المواقيت المكانية المعتبرة ، ببناء مسجد ومرافق فيه .
[ 5 ] ميقات أهل نجد : قرن المنازل وتسمى السيل الكبير . ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة 78 كيلو متر . وأعلى قرن المنازل يوجد وادي محرم ، ويبعد عن مكة المكرمة 75 كيلو متر . ومن هذين المكانين يحرم كل من أهل جبال السراة من جنوب المملكة ، وكذلك ما وراءها من اليمن ، كما يحرم منه أهل نجد وما وراءها من بلدان الخليج والعراق وإيران وحجاج الشرق كله . ووادي محرم ليس ميقاتاً مستقلاً بل فرع لقرن المنازل ، فهو يقع أعلى قرن المنازل .(1/17)
ومن أدلة تلك المواقيت ما رواه بن عباس رضي الله عنهما قال : " وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم ، وقال : هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة من مكة " [ متفق عليه ] . ولما طلبت عائشة رضي الله عنها أن تعتمر أمر أخاها عبدالرحمن أن يخرج بها خارج الحرم ، وقال : " أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة من الحل " [ رواه البخاري ومسلم ] . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة " [ رواه البخاري ومسلم ] . وروي عن عائشة رضي الله عنها أن " النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق " [ رواه أبو داود والنسائي والدار قطني والبيهقي ] .
[ 6 ] ميقات أهل جدة : جدة هي ميقات أهلها فقط ، وللمقيمين بها من غير أهلها ، لكنها ليست ميقاتاً شرعياً ، ولكن لما كانت داخل المواقيت كانت ميقاتاً لأهلها ومن أقام فيها ، فمن أراد الحج أو العمرة ونواها وهو في جدة فميقاته جدة ، لأنه داخل المواقيت ، أما من كان قادماً من خارج جدة ، وهو ممن يريد الحج أو العمرة وجعل جدة ميقاتاً له بدلاً عن ميقاته فلا أصل لذلك ، وعليه الدليل الذي استدل به على أن جدة ميقات لمن مر عليها من غير أهلها ، ولن يستطيع إلى ذلك سبيلاً .
وعلى ذلك فمن مر بأي ميقات من المواقيت وترك الإحرام منه ، وأحرم من جدة فعليه أن يرجع إلى الميقات الذي جاوزه ويحرم منه ، فإن لم يعد وجب عليه دم ، لأن المسافة بين مكة وأقرب المواقيت أبعد من المسافة التي بين مكة وجدة .(1/18)
وهنا يحصل خطأ كبير من الحجاج والمعتمرين القادمين من مصر والشام والسودان ومن كان على طريقهم عبر الجو أو البحر ، فإنهم يؤخرون الإحرام حتى يصلون إلى جدة ثم يحرمون منها مع عزمهم وإنشائهم للحج أو العمرة وهم في بلدهم ، وعلى من فعل ذلك دم يقدمه لفقراء الحرم نتيجة تركه الإحرام من ميقاته أو ما يحاذيه ، وجبراً للنسك ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : " من ترك نسكاً أو نسيه فليهرق دماً " [ رواه مالك وتلقى الناس هذا الحديث بالقبول ] ، فيجب التنبه لهذا الأمر المهم الذي قد يقع فيه الكثير من الحجاج والمعتمرين القادمين من تلك الدول أو من كان على طريقهم .
فمن مر على هذه المواقيت أو حاذاها من الجو أو البحر وجب عليه أن لا يتعداها حتى يحرم منها فهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غير أهلها أما من كان دون هذه المواقيت فيحرم من مكانه إلا أهل مكة فإنهم يخرجون إلى الحل للإحرام بالعمرة أما الحج فمن أي مكان .
ومن مر على أحد هذه المواقيت ولو لم يكن ميقاته وهو ينوي الحج والعمرة فيجب عليه أن لا يتعداه حتى يحرم منه لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - ( ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ) متفق عليه وهذا القول أحوط وأبرأ للذمة . وإن كان هناك قول آخر : وهو أن من مر بميقاتين فمن أي الميقاتين يحرم ؟
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب عليه أن يحرم من الميقات الأبعد ـ يعني الأبعد عن مكة وهو أول ميقات يمرون به على طريقهم ـ ، كأهل الشام ومصر والمغرب ، ميقاتهم الجحفة ، فإذا مروا بالمدينة وجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة ميقات أهل المدينة ، وإذا جاوزوه غير محرمين حتى الجحفة كان حكمهم حكم من جاوز الميقات من غير إحرام .
وذهب المالكية : إلى أن من مر بميقاتين الثاني منهما ميقاته ، ندب له الإحرام من الأول ، ولا يجب عليه الإحرام منه ، لأن ميقاته أمامه .(1/19)
وذهب الحنفية : إلى أن من مر بميقاتين فالأفضل له الإحرام من الأول ، ويكره له تأخيره إلى الثاني الأقرب من مكة ، ولم يقيدوه في الأصح عندهم ، بأن يكون الميقات الثاني ميقاتاً له . (1)
وهكذا نرى أن جمهور العلماء على أن الإحرام يكون من أول ميقات يمر عليه الحاج أو المعتمر ، ولا يتعداه إلى غيره إن كان ممن أراد الحج أو العمرة ، وعزم على ذلك بقلبه وقصدهما أو أحدهما ، أما إن كان له حاجة من تجارة أو زيارة ثم بعد ذلك سينشئ عمرة أو حجاً ، فلا بأس أن يقضي غرضه ، ثم يحرم من الميقات الذي سيمر عليه وهو ذاهب لأداء أحد النسكين . لكن الأولى له أن لا يمر بالميقات وهو ناو للحج أو العمرة إلا وهو محرم .
وأصدر مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية قرارً برقم 142 وتاريخ 9/11/1407هـ ، جاء فيه :
أن من جاء من ناحية الشرق أو الغرب يريد سلوك الطريق السريع متجهاً إلى مكة ، فهذا لا يمر بميقات ، فإن ميقاته محاذاة الجحفة ، لكونها أقرب المواقيت إليه ، ومن كان أهله دون ذي الحليفة مما يلي مكة ، فهذا ميقاته موضع سكناه . (2)
وهناك بعض الحجاج القادمين من خارج المملكة يأتون لأداء الحج أو العمرة ، عازمين بقلوبهم ونياتهم عزماً وقصداً القيام بذلك ، فهؤلاء لا يجوز لهم أن يتجاوزوا الميقات المشروع لهم إلا وهم محرمون ، ومن تجاوز الميقات بغير إحرام فعليه دم ، ما لم يرجع إلى الميقات ويحرم منه .
وكذلك من تجاوز ميقات بلده بدون إحرام ، وأحرم من ميقات بلد آخر غير ميقات بلده ، فعليه دم ، لأنه تجاوز ميقات بلده وأحرم دونه .
أما من تجاوز ميقات بلده وهو لم ينوي بقلبه الحج أو العمرة ، ولم يعزم بذلك ، فهذا لا حرج عليه أن يتجاوز الميقات ، ويحرم متى أراد الحج أو العمرة من أقرب ميقات يمر به . (3)
__________
(1) الموسوعة الفقهية 2 / 148 ] .
(2) توضيح الأحكام 3 / 275 ] .
(3) فتاوى اللجنة الدائمة 11 / 139 ] .(1/20)
أما من مر على أحد هذه المواقيت وهو لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم إلا أن يكون لم يؤد الحج والعمرة من قبل فإنه يلزمه أن يحرم لأنهما متعلقان بالذمة لمن توفرت فيه شروط وجوبهما والتي مضى ذكرها فيما سبق .
وإليك الأدلة على ما سبق بيانه :
عن بن عباس رضي الله عنهما قال : ( وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها ) متفق عليه .
لما طلبت عائشة رضي الله عنها أن تعتمر أمر أخاها عبدالرحمن وقال ( أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة من الحل ) رواه البخاري ومسلم .
قال - صلى الله عليه وسلم - ( ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة ) رواه البخاري ومسلم .
الإحرام قبل المواقيت المكانية :
التقدم بالإحرام قبل المواقيت المكانية جائز بالإجماع ، وإنما حددت المواقيت المكانية لمنع مجاوزتها بغير إحرام . واختلف العلماء رحمهم الله تعالى ، هل الأفضل التقدم على المواقيت المكانية بالإحرام أو الإحرام منها أفضل ؟ :
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة : إلى أنه يكره الإحرام قبل المواقيت المكانية ، وقالوا : بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات ، ولا يفعلون إلا الأفضل ، وقالوا أيضاً : بأنه يشبه الإحرام بالحج قبل أشهره ، فيكون مثله في الكراهة.(1/21)
وقال الحنفية : التقدم على المواقيت المكانية بالإحرام أفضل ، إذا أمن على نفسه مخالفة أحكام الإحرام ، وعللوا ذلك : بحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو حجة غفر له " [ رواه أبو داود وابن ماجة وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة برقم 306 ص 241 ] . وهناك حديث آخر ضعيف أيضاً : " من أهل بعمرة من بيت المقدس ، كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب " [ انظر ضعيف سنن ابن ماجة 3057 ] .
وعللوا أيضاً : بأن المشقة فيه أكثر ، والتعظيم أوفر ، يعني إذا الإحرام قبل المواقيت المكانية .
والصحيح أنه لا ينبغي التقدم بالإحرام على الميقات المكاني ويكره ذلك ، ويحرم الإحرام بعده ، بل الواجب الإحرام من الميقات أو بمحاذاته لمن كان بعيداً عنه .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه مُحْرِم ، ولكن يكره له ذلك .
روى الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصر ، فبلغ عمر ، فغضب وقال : يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم في مصره ، يعني في بلده . [ توضيح الأحكام 3 / 283 ] .
أقسام المواقيت المكانية :
قسم العلماء المواقيت المكانية بالنسبة للحجاج والمعتمرين إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول / ميقات الآفاقي ( الأفقي ) :
وهو من كان منزله خارج منطقة المواقيت ، فهذا يحرم من أقرب ميقات يمر به أو يحاذيه براً أو بحراً أو جواً .
القسم الثاني / ميقات الميقاتي :
وهو من كان في مناطق المواقيت أو ما يحاذيها أو ما دونها إلى مكة ، فهؤلاء ميقاتهم من حيث أنشأوا العمرة وأحرموا بها ، فينبغي لهم ألا يجاوزوا ميقاتهم وهو قريتهم التي يسكنونها حتى يحرموا .
القسم الثالث / ميقات المكي :(1/22)
وهو المقيم بمكة أو من كان نازلاً بها لزيارة أو تجارة أو ما شابه ذلك ، وكذلك من يسكن داخل الحرم ، فهؤلاء ميقاتهم الحل ، فلا بد أن يخرجوا إلى الحل ليحرموا بالعمرة ، ولو بخطوة واحدة ، المهم أن يخرجوا من الحرم إلى الحل ، كما سبق في حديث عائشة وأخيها عبدالرحمن ، عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج بها إلى التنعيم وهو من الحل لتهل بعمرة [ متفق عليه ] .
المواقيت الزمانية :
اختلف العلماء في تحديد المواقيت الزمانية إلى عدة أقوال فمنهم من قال : شهران وعشرة أيام من ذي الحجة ومنهم من قال : شهران وتسعة أيام من ذي الحجة ، وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن أشهر الحج ثلاثة كما هو ظاهر القران وهي :
شوال وذو القعدة وذو الحجة بدليل قوله تعالى ( الحج أشهر معلومات ) وأشهر هنا جمع وأقل الجمع ثلاثة وهذا واضح .
والراجح : والعلم عند الله تعالى ، أن أشهر الحج شهران وعشرة أيام .
فائدة 1:
ومن لم يمر بميقات أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه لقول عمر رضي الله عنه ( انظروا إلى قدودها من طريقكم ) رواه البخاري وقديد أسم موضع بين مكة والمدينة .
فائدة 2:
لا ينعقد إحرام من أحرم بالحج قبل المواقيت الزمانية وينقلب إلى عمره ويصح مع الكراهة قبل المواقيت المكانية ويحرم بعدها .
الأدلة على ذلك قوله تعالى ( الحج أشهر معلومات ) فالتوقيت هنا للإحرام لا لأفعال الحج إذ الوقوف في يوم معين والمبيت والرمي في أوقات معينة فدل على أن التوقيت أول شوال إنما هو للإحرام .
وبحديث بن عباس رضي الله عنهما ( من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم في أشهر الحج وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ( لتأخذوا عني مناسككم ) .
ولما سئل جابر بن عبدالله ( عن الرجل أيهل بالحج قبل أشهره؟ قال: لا ) رواه الدار قطني وصححه في التعليق المغني .(1/23)
وأيضاً يشبه كما لو صلى الصلاة قبل وقتها فإنها لا تصح وتنقلب نفلاً .
وهذا هو قول الشافعية في هذه المسألة وهو الصواب .
فائدة 3:
من تجاوز الميقات بغير إحرام لزمه الرجوع إليه ويحرم منه فإن لم يعد فعليه دم .
العمرة عن الغير :
من أدى مناسك العمرة وتحلل منها ، ثم بدا له بعد ذلك أن يعتمر عن غيره ممن قد مات أو من هو عاجز عن أداء العمرة ، فله ذلك ، ويحرم من خارج الحرم ، من الحل سواءً من التنعيم أو الجعرانة أو من أي مكان خارج الحرم داخل مكة ، ولا يجب عليه أن يرجع إلى ميقاته الذي أحرم منه لعمرته ، بل يكفيه أن يحرم من مكة خارج الحرم ، كما في قصة عائشة رضي الله عنها عندما أرادت العمرة بعد الحج ، وهي في مكة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أخوها عبدالرحمن أن يخرج بها خارج الحرم ، إلى التنعيم لتهل بعمرة من هناك ، فعلى ذلك من أراد أن يعتمر عن غيره بعد أدائه لعمرته فلا يلزمه الرجوع إلى الميقات الذي أحرم منه لعمرته . والعلم عند الله تعالى .
الحج عن الغير :(1/24)
الأصل في النيابة الجواز إذا كان المنيب غير مستطيع ، فمن لم يحج لعذر المرض الذي لا يرجى برؤه أو الكبر والهرم أو مات ولم يحج فإنه ينبغي على ورثته إخراج ما يكفي من تركته لنفقة الحج ويحجون عنه ولهم بذلك أجر عظيم فهذا من أعظم البر بالآباء والأمهات ، ويصل الأموات أجر ذلك العمل بإذن الله تعالى ، فقد روى البخاري في صحيحه أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟! أقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء " ، وسألته امرأة من خثعم قائلة : يا رسول الله ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : حجي عن أبيك " [ متفق عليه ] ، وعلى النائب أن يكون قد حج عن نفسه أولاً ثم يحج عن غيره ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : لبيك عن شبرمة ، قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي أو قريب لي ، قال : حججت عن نفسك ؟ قال : لا ، قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " [ رواه أبو داود وابن ماجة ] ، فإن لم يكن قد حج عن نفسه فإن هذه الحجة تقع عنه هو دون الوكيل لأنه أولى بها وهو مخاطب بها ، وإن كان قد أخذ مالاً من الوكيل فعليه أن يعيده ، أو يحج به عنه في عام مقبل ، ومن كان صحيحاً مستطيعاً للحج ولم يحج الفريضة فلا يجوز له أن ينيب من يحج عنه باتفاق العلماء ، وكذلك لو كان الحج نافلة لأن هذه عبادة والأصل في العبادة التوقيف ، ولم يرد في الشرع والله أعلم ما يدل على ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي لفظ : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " أي مردود على صاحبه . ومن منع عن الحج بسبب مرض يرجى برؤه ، أو كالأعذار السياسية الموجودة الآن من حيث تحديد عدد الحجاج كل عام ، وكعدم(1/25)
أمن الطريق ، فهذا ينتظر حتى زوال العذر المانع ثم يؤدي فريضة الحج ، ولا يجوز أن ينيب غيره في ذلك ، ولا يجزئ الحج عنه .
حج الصبيان [ الأطفال ] :
يصح حج الصبي الصغير ذكراً أم أنثى ولوليهما أجر في ذلك ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت : يارسول الله ألهذا حج ؟ فقال : " نعم ولك أجر " [ رواه مسلم ] ، وعن السائب بن يزيد قال : " حُج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين " [ رواه البخاري ] ، لكن هذا الحج لا يجزئ عن حجة الإسلام ، لأن من شروط الإجزاء في الحج البلوغ . فمن لم يبلغ الحلم وحج فحجه صحيح وبعد البلوغ يجب عليه حجة الإسلام في حال الاستطاعة ، ويعلم البلوغ بأحد ثلاثة أمور :
1- إكمال خمسة عشر عاماً .
2- إنبات شعر العانة .
3- إنزال المني دفقاً بلذة .
4- وتزيد الأنثى أمراً رابعاً وهو وجود الحيض ، فمتى وجد الحيض فهو دليل البلوغ . ودليل عدم إجزاء حجة الصبي عن حجة الإسلام ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى " [ رواه ابن أبي شيبة والبيهقي وحسن إسناده الشيخ ابن باز رحمه الله ] .(1/26)
والصبي إما أن يكون مميزاً ، أو غير مميز ، فإن كان غير مميز نوى عنه وليه الإحرام ، فيجرده من المخيط ويلبسه ثياب الإحرام ويلبي عنه ، ويجنبه محظورات الإحرام ، ويصير بذلك محرماً ، وكذلك البنت ، يلبي عنها وليها وتمنع مما تمنع منه الكبيرة البالغة من محظورات الإحرام ، وينبغي أن يكونا طاهرين أثناء الطواف لأن الطهارة شرط في صحة الطواف عند جمهور العلماء ، أما إن كان الطفل مميزاً فإنه يلبي بإذن وليه ويفعل كما يفعل الكبير أثناء الإحرام من الغسل والتنظف والطيب وغير ذلك ، ويفعل كما يفعل الكبير في المناسك ، وما لا يستطيع فعله يفعله عنه وليه ، فيقف بعرفة ومزدلفة ومنى ويرمي الجمرات ويطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ، ومن عجز عن الطواف طاف به وليه محمولاً ، والأفضل للولي أن ينوي الطواف والسعي الأول لطفله ثم يأتي بطواف وسعي مستقلين له ، وذلك احتياطاً للعبادة ، ولما في ذلك من الخلاف ، واتباعاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " [ رواه البخاري وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم ] ، وإن نواهما معاً أجزأ لعموم حديث المرأة التي رفعت صبيها ، فلم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بمناسك خاصة لها ومناسك خاصة له ، ومن لم يستطع من الأطفال الرمي رمى عنه وليه ، فإن كان نسك الطفل تمتعاً أو قراناً وجب عليه هدي مستقل به غير الهدي الواجب على وليه ، وإن كان مفرداً فلا هدي عليه .
ثانياً : الإحرام
لغة : نية الدخول في التحريم لأنه يُحرِّم على نفسه بنيته ما كان مباحاً له قبل الإحرام من النكاح والطيب واللباس ونحوها .
ومعنى أحرم : أي دخل في الحرام كما يقال : أشتى إذا دخل في الشتاء وأربع إذا دخل في الربيع .
شرعاً : نية النسك أي نية الدخول في النسك لا نية الحج والعمرة .(1/27)
فلا يكون محرماً حتى يدخل في نية النسك أما من نوى الحج أو العمرة وهو في بلده أو خارجاً منها فلا يقال له أحْرَمَ وحَرُمَ عليه كل شيئ ، وكذلك لو لبس ثياب الإحرام فلا يقال أنه أحْرَمَ حتى يدخل في نية النسك .
كمن نوى بقلبه أنه يصلي فهل هو بذلك دخل في الصلاة ؟ الجواب : لا حتى يكبر تكبيرة الإحرام لأنه بها يدخل في التحريم أي تحريم ما يحرم على المصلي ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم " ، فكذلك المحرم لا يكون محرماً بالنية حتى يتلفظ بما يريد من نسك .
سنن الإحرام :
وهي أمور يستحب للمحرم فعلها لا على سبيل الوجوب .
فالسنة لغة : الطريقة .
وشرعاً : أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته .
واصطلاحاً : أي عند الأصوليين : هي ما أمر به لا على وجه الإلزام .
وحكمها : يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها .
وهناك سنن واجبة ، وسنن مستحبة . فالواجبة يثاب فاعلها ويعاقب تاركها : كإعفاء اللحية وتقصير الثياب ، والمستحبة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها : كالدخول للمسجد بالرجل اليمنى والخروج باليسرى ، وكسنن الإحرام وغيرها من السنن المستحبة .
ومن سنن الإحرام ما يلي :
1- الغسل :
فكل من أراد النسك سن له الاغتسال سواءً كان كبيراً أو صغيراً ذكراً أو أنثى حائض أو نفساء جنباً وغير جنب .
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء بنت عميس ( هي زوجة أبو بكر الصديق رضي الله عنهما ) وهي نفساء أن تغتسل فأرسلت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع قال(اغتسلي واستثفري أي: تحفظي فالشاهد: أن الغسل لا تستباح به الصلاة ولا غيرها مما يشترط له الطهارة فأمرها بالاغتسال قبل أن تحرم .
والغسل هنا ما يشبه غسل الجنابة .(1/28)
وأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهي حائض من حديث جابر الطويل وفيه:( إن هذا أمر كتبه الله على بنات أدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج) (1).
وعلى ذلك فمن أحرم وهو على غير طهارة فإحرامه صحيح سواءً كان محدثاً حدثاً أصغر أم أكبر .
ولا يشرع التيمم إذا فقد الماء وهذا هو قول الجمهور .
ولهذا ذهب شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله حيث قال : ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تيمم للإحرام فقال الشيخ /محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : إن وجد الماء وأمكنه استعماله فعل وإن لم يمكنه فلا يتيمم على هذا القول .
2- التنظف :
فمن احتاج إلى تنظيف أخذ ما ينبغي أخذه فله ذلك حتى لا يحتاج إلى أخذه بعد الإحرام فيقع في محظور من محظوراته فمن كانت أظافره طويلة أو يخشى أن تطول بعد الإحرام فله أخذها وقصها قبل الإحرام وكذلك شعر الإبط والعانة والشارب وليعلم أن قص هذه الأشياء ليس من السنة وإنما حتى لا يحتاج المحرم إلى أخذها بعد الإحرام ، أما من لم يخش أن تطول في أثناء الإحرام فلا وجه لا ستحباب أخذها .
والشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : شعور يحرم أخذها : وهي شعر اللحية ، وشعر الحاجب .
الثاني : شعور يجب أخذها : وهي شعر العانة والإبط ، فقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أربعين ليلة ، فلا تترك بعد ذلك . فعن أنس رضي الله عنه قال : " وقِّت لنا في قص الشارب ، وقلم الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة " [ رواه مسلم ] ، وعند النسائي : " وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وقلم الأظفار ، ونتف الآباط " [ رواه البخاري ومسلم ] .
__________
(1) رواه مسلم وأحمد والبيهقي(1/29)
الثالث : شعور مسكوت عنها : وهي بقية شعر الجسم ، كشعر اليدين والساقين والفخذين والصدر .
والمصيبة العظيمة عندما ترى جموع المسلمين من الرجال يعتدون على سنة عظيمة من سنن الفطرة بالإهانة وعدم الاحترام ، ألا وهي اللحية ، فحلقها معصية عظيمة من المعاصي ، وقد شاع حلق اللحية وتقصيرها شيوعاً سريعاً بين المسلمين ، حتى غدا حلقها كأنه هو السنة ، ولا شك أن هذه غفلة عن الدين وأوامره ، وعدم إذعان لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وخروجاً عن سنته الذي قال : " من رغب عن سنتي فليس مني " ، وقد جاءت فتاوى العلماء متضافرة ومتساندة في تحريم حلق اللحية ، مستندين بذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب ، وأوفوا اللحى " [ رواه البخاري ومسلم ] ، وقد جاءت بذلك عدة أحاديث تدل على تحريم حلق اللحية أو أخذ شيء منها البتة ، فقد جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم : تحريم حلق اللحى أو تقصيرها ، وقال : جاء في صحيح مسلم مرفوعاً : " خالفوا المجوس فإنهم يقصرون لحاهم ويطولون الشوارب " ، ولم يعرف حلق اللحى في بلاد المسلمين إلا بعد الاستعمار واستيلاء الكفار على كثير من بلاد المسلمين ، حيث نقلوا لهم هذه المعصية الكبيرة ، ومن ثم قلدهم المسلمون شرقاً وغرباً حتى بدا المر طبيعياً عند كثير المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وفي ذلك عدة محاذير ، كل واحد منها أعظم من الذي قبله ، ومنها :
1- مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصريح بإعفاء اللحية .
2- التشبه بالكفار . قال صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " [ حديث صحيح ، انظر اقتضاء الصراط المستقيم ] .
3- التشبه بالنساء . وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء .(1/30)
4- تغيير خلق الله تعالى ، وفي ذلك طاعة للشيطان وإرضاء له ، وعصيان للرحمن وإغضاب له ، وحكى الله تعالى على لسان الشيطان قوله : " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله " ، ثم إن الشيطان يوم القيامة سيتخلى عنهم ويندمهم بسوء فعلهم ، ثم تكون عليهم الحسرة والندامة لعدم اتباع أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم . ووالله إن المسلم الغيور ليتحسر على إخوانه المسلمين عندما يوفرون لحاهم أيام الحج ، فإذا تحللوا من إحرامهم فبدل أن يحلقوا رؤوسهم كما سن لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم تراهم يحلقون لحاهم التي أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعفائها ، وكذلك في أيام العشر من ذي الحجة ، فالكثرة الكاثرة يسعون لحلق لحاهم قاصدين بذلك الزينة مع أن زينة الرجل في إعفاء لحيته .
3- التطيب :
ويسن التطيب في البدن والطيب مستحب كل وقت كالسواك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ) [ رواه أحمد والنسائي وحسنه الألباني في المشكاة 5261 ]
فيسن للإنسان أن يتطيب في بدنه ولحيته وشعر رأسه قبل الإحرام لما روت عائشة رضي الله عنها قالت ( كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وقالت كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم ) [ متفق عليه ] ، الوبيص : اللمعان والبريق ومفارقه : يعني مفرق رأسه .
وسواءً كان الطيب مما تبقى عينه كالمسك أو يبقى أثره كالعود والبخور وماء الورد .
وكره المالكية : التطيب لمن أراد الإحرام ودليلهم حديث يعلى بن أمية ( أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك ما تصنع في حجك ) [ متفق عليه ].(1/31)
قال بن عبد البر: لا خلاف بين أهل العلم بالسير والآثار أن قصة صاحب الجبة كانت عام حنين سنة ثمان وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر أي أن حديث عائشة رضي الله عنها ناسخ لحديث صاحب الجبة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكذلك أن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه فهو حسن ولا يؤمر بذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله ولم يأمر به الناس.
ويستوي في الطيب الرجال والنساء لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينهاها ) [ متفق عليه ] .
لكن إن حصل محذور من الطيب لاجتماع الرجال والنساء في مكان واحد فيمنع كاجتماعهم في سيارة واحدة مثلاً ، فهنا تمنع النساء من التطيب لئلا تحصل بذلك فتنة أو محذور بسبب الطيب .
وأما الطيب في ملابس الإحرام قبل أن يعقد الإحرام فإنه لا يجوز ولا يجوز لبس الثوب إن طيبه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس ) [ رواه أحمد وأبو داود وسنده جيد كما في الفتح الرباني 11/125 ] ، ولهذا حرم بعض العلماء تطيب ثياب الإحرام . وهذا هو قول جمهور العلماء ما عدا الشافعية في القول المعتمد عندهم ، إلا أنهم قالوا : أنه لو نزع ثوب الإحرام ، أو سقط عنه ، فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرائحة فيه ، بل يزيل منه الرائحة ثم يلبسه .
أما إذا تطيب في بدنه أو لحيته أو رأسه ثم سال الطيب فإنه لا يؤثر لأن انتقال الطيب بنفسه ولا دخل للمحرم فيه .
ومن تعمد مس ما على بدنه من الطيب أو حركه من موضعه ثم رده إليه أو نقله إلى موضع أخر فعليه فدية وهذا إذا كان بعد الإحرام .(1/32)
أما من مسح رأسه حال الوضوء بيديه ولصق بها شيء من الطيب فلا شيء في ذلك لأنه لم يكن قصده الطيب . المقصود أن من تطيب في إحرامه قبل أن يحرم فعليه أن يغير ثياب الإحرام أو يغسلها حتى يذهب أثر الطيب الذي بها .
4- التجرد من المخيط :
والمخيط : هو كل ما يخاط على قدر العضو الملبوس كالقميص والسراويل.
فينبغي على المحرم أن يخلع ثيابه المعتادة ويلبس ثياب الإحرام ثم ينوي نسكه ويجوز أن يعقد إحرامه قبل أن يتجرد من الثياب ولكن بوقت قصير جداً أي بقدر ما يخلع ثيابه المعتادة ، فإن عقد الإحرام وجب عليه خلع ثيابه وإن استدام ذلك ولو لحظة فوق المعتاد من وقت خلعه فعليه الفدية إن كان متعمداً .
ويخلعه ولا شيء عليه إن كان ناسياً لان يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يخلعها ) [ متفق عليه ].
قال شيخ الإسلام بن تيميه [ والتجرد من اللباس واجب في الإحرام وليس شرطاً فيه فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وباتفاق أهل العلم وعليه أن ينزع اللباس المحظور ) .
ويكون الإحرام في إزار ورداء أبيضين نظيفين ، والأفضل أن يكونا أبيضين ولا يشترط ذلك فأما دليل الإزار والرداء فقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين " [ رواه أحمد وصحح إسناده أحمد شاكر ].
وأما الأبيض فلأنه خير الثياب وأفضلها قال - صلى الله عليه وسلم - : " البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم " [ رواه أبو داود والترمذي وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط وصححه ابن حبان ].
ويستحب أن يكونا نظيفين جديدين ولا يشترط ذلك فيجوز الإحرام بإزار ورداء ليسا جديدين ولا أبيضين وكونهما يكونان نظيفين فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله جميل يحب الجمال " [ رواه مسلم ] .(1/33)
فالأفضل في حق الرجل أن يحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين وأما المرأة فتحرم في أي الثياب شاءت ولا تلزم نفسها بثياب معينة ولا ألوان معينة فتلبس ما شاءت من غير تنطع ما لم يكن حراماً ، أو مما لا يجوز لبسه كالتشبه بثياب الرجال أو ثياب الكافرات وما شابه ذلك .
يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 26/110 :
ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين فإن كانا أبيضين فهما أفضل ويجوز أن يحرم في إزار ورداء مخيطين أو غير مخيطين باتفاق الأئمة ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه ويجوز أن يحرم في الأبيضين وغيره من الألوان الجائزة وإن كان ملوناً ) وقال بن قدامه في المغني 5/124: ( ولو لبس إزاراً موصلاً أو أتشح بثوب مخيط كان جائزاً ... )
فائدة :
إنما كانت السنة لجميع الرجال أن يلبسوا لباساً موحداً حتى لا يفخر أحد على أحد .
وليس للإحرام سنة تخصه على القول الراجح وهو قول شيخ الإسلام في مسكنه ( ص20) ودليله : أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى للإحرام ركعتين لحديث أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر ) (1).
وأما دليل من قال أنه يسن للإحرام صلاة أنه - صلى الله عليه وسلم - : ( أهل دبر صلاة ) (2).
وحديث بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كان يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به ناقته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل بهؤلاء الكلمات ) (3)ومعنى أهل أي أحرم .
ويجاب على ذلك بأن الركعتين كانتا ركعتا الظهر ، إذاً من كان سيبقى في الميقات إلى حين موعد الفريضة ( أي فريضة كانت ) فله أن يؤخر الإحرام حتى يصلي الفريضة ثم يحرم بعد الصلاة .
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي
(2) رواه النسائي والترمذي والدارمي والبيهقي وغيرهم
(3) رواه مسلم(1/34)
لكن إن كان لا يمكنه أن ينتظر الفريضة فإنه يغتسل ويتوضأ ويصلي ركعتين يقصدهما سنة الوضوء ( إن كان من عادته أن يصليها) ثم يحرم بعدها وإن لم يكن من عادته أن يصليها فليحرم بدون أي صلاة نافلة ما لم تكن صلاة الضحى فإن كان وقت صلاة الضحى صلاها ثم أحرم عقبها ، والصحيح أنه يصلي سنة الوضوء ولو لم تكن من عادته فهي سنة قد يعتادها وفيها أجر ومثوبة فلا يحرم نفسه ذلك .
وعموماً فليس للإحرام صلاة تخصه والله أعلم .
النية :
والنية شرط للدخول في النسك فلا يكون محرماً بمجرد التلبية أو التجرد من اللباس من غير نية لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات " (1).
والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعة .
فمن أراد الصلاة فلا يقول ( اللهم إني نويت أن أصلي فيسر لي الصلاة ومعنى ذلك أنك تريد أن تخبر الله عز وجل بما تريد والله سبحانه ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) (2)ويقول تعالى ( قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شي عليم ) (3) ، ففي التلفظ بالنية عدم إظهار لقدرة الله على علم ما في الصدور ، وعدم تعظيم لقدرة الله تعالى على علم الغيب ، واستهتار بحق الله تعالى في معرفة ما كان وما سيكون من أمور الغيب . فعلى المسلم أن يحذر من عاقبة التلفظ بالنية فالعاقبة خيمة وعظيمة ، والخاتمة خطيرة .
فمن ذلك لا يشرع للإنسان إذا أراد أي نسك من الأنساك أن يقول : اللهم إني أريد نسك كذا فيسره لي ولا يقول : نويت نسك كذا فيسره لي .
ولا يقول : اللهم إني نويت الحج والعمرة لأن هذه عباده والعبادات مبناها على الاتباع والاتباع لا يكون إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولقد اعتمر - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات وحج مرة واحدة ولم يكن يتلفظ بالنية أو أرشد إلى ذلك ، ولم ينقل عنه أنه تلفظ بالنية .
__________
(1) متفق عليه
(2) غافر19
(3) الحجرات16(1/35)
وضباعه بنت الزبير استفت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي شاكية وتريد الحج فقال لها ( حجي واشترطي وقولي : اللهم محلي حيث حبستني ) (1)، ولم يقل لها قولي اللهم إني أريد نسك كذا وكذا .
فائدة:
قد يقول قائل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها قولي: اللهم محلي حيث حبستني وهذا تلفظ بالنية ، والصحيح أن ذلك دعاء وليس إعلام من قبيل التلفظ بالنية والله أعلم .
قال شيخ الإسلام بن تيميه في منسكه ص17: (والصواب المقطوع به أنه لا يستحب شيء من ذلك ولا كان يتكلم بشيء من ألفاظ النية لا هو ولا أصحابه بل لما أمر ضباعه بنت الزبير قالت : فكيف أقول قال قولي ... لكن المقصود أنه أمرها بالاشتراط في التلبية ولم يأمرها أن تقول قبل التلبية شيئاً وكان يقول قي تلبيته : لبيك عمرة وحجاً وكان يقول للواحد من أصحابه بم أهللت ؟ وقال في المواقيت : مهل أهل المدينة ، والإهلال هو التلبية فهذا هو الذي شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - التكلم به في ابتداء الحج والعمرة ) وعلى ذلك فمن أراد التمتع قال : لبيك عمرة ومن أراد القرآن قال : لبيك عمرة وحجاً ومن أراد الأفراد قال : لبيك حجاً والله أعلم .
سؤال :
ما حكم الاشتراط ؟
الجواب :
اختلف العلماء في ذلك إلى خمسة أقوال منها :
مذهب الحنابلة : أنه سنة مطلقاً .
مذهب الشافعية : جوازه .
مذهب الظاهرية : وجوبه .
مذهب الحنفية والمالكية: لا يشرع ولا يصح ولا أثر له في التحلل .
وقال شيخ الإسلام : يستحب الاشتراط لمن كان خائفاً وإلا فلا وهذا هو الصحيح إن شاء الله لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشترط ولم يأمر به من حج وإنما أمر ضباعه وعلمها لأنها كانت شاكية أي مريضة .
وللاشتراط فائدة حيث أن من اشترط لوجود مانع يخاف أن لا يكمل به حجه أو عمرته فإنه يشترط ويحل إن حاصل المانع ولا شيء عليه ولا هدي .
__________
(1) رواه مسلم(1/36)
لكن من لم يشترط وأحصر عن إتمام النسك فإنه يحل ويهدي لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما أستيسر من الهدي) (1).
ومن لم يشترط ثم أحصر بعدو فإنه يحل ويذبح هدياً .
فإن أحصر بمرض أو حادث أو ذهاب نفقة أو ما شابه ذلك فإنه يبقى على إحرامه ولا يحل لكن إن فاته الوقوف بعرفة فله أن يتحلل بعمرة ثم يحج من العام القادم وهذا على رأي كثير من العلماء .
إذاً الاشتراط له عبارتان :
الأولى : أن يقول : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني : أي محل إحلالي من النسك فله أن يحل بمجرد وجود المانع لأنه علق الحل على شرط فوجد الشرط فإذا وجد الشرط وجد المشروط .
الثاني : أن يقول : إن حبسني حابس فلي أن أحل، فإذا وجد المانع فهو بالخيار إن شاء
أحل وإن شاء أستمر.
فائدة:
المرأة إذا كانت تتوقع حصول الحيض أو النفاس فلها أن تشترط إذا كانت رفقتها لا ينتظرونها حتى تتطهر .
فائدة:
قد يسأل سائل فيقول : مع كثرة الحوادث والزحام فهل يشرع الاشتراط ؟
والجواب على ذلك أنه لا يشرع ذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع ذلك لأصحابه والحوادث كانت موجودة في عهده فذاك رجل وقصته ناقته فسقط فمات فعموماً الحوادث ليست سبباً لمشروعية الاشتراط وإن حصل حادث فصاحبه إن مات بعث ملبياً يوم القيامة .
سؤال :
لو إن إنساناً أحرم واشترط بدون سبب فهل يصح اشتراطه وينفعه ؟
الجواب :
لا ينفعه لأنه اشتراط غير مشروع ( وغير المشروع غير متبوع ) فلا ينفع لأن من أحرم وجب عليه المضي فيه لأن من أحرم كان في نيته إتمام النسك من حج أو عمرة فلا يصح الاشتراط من غير سبب لأنه مأمور بإتمام نسكه وليس مخيراً في ذلك ثم ليس هو من يرتب أحكام الشرع وإنما المرتب هو الله سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .
ما يُبْطِلُ الإحرام :
__________
(1) البقرة 196(1/37)
يبطل الإحرام بأمر واحد فقط ، متفق عليه بين العلماء : وهو الردة عن الإسلام ، عياذاً بالله ، وذلك لأن الإسلام شرط لصحة النسك .
ثالثاً : العمرة :
لغة :
القصد .
شرعاً :
التعبد لله تعالى بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة .
حكم العمرة :
ذهب المالكية وأكثر الحنفية إلى أن العمرة سنة مؤكدة في العمر مرة واحدة .
وأدلتهم في ذلك ، منها حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : لا ، وأن تعتمروا هو أفضل " [ رواه الترمذي والبيهقي ، وضعفه الألباني عند الترمذي 100 ] ، وبحديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه : " الحج جهاد ، والعمرة تطوع " [ رواه ابن ماجة وضعفه ابن حجر في التلخيص ] .
وذهب بعض الحنفية إلى أنها واجبة في العمر مرة واحدة على اصطلاح الحنفية في الواجب .
والأظهر عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة أن العمرة فرض في العمر مرة واحدة ، وأدلتهم في ذلك ، قوله تعالى : " وأتموا الحج والعمرة لله " [ البقرة 196 ] ، ومعنى الآية : أي افعلوهما تامين ، فيكون النص أمراً بهما على فرضية الحج والعمرة ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال : نعم ، جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة " [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني 3 / 10 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج وتعتمر " [ رواه ابن خزيمة والدار قطني بإسناد صحيح ] .
قال الشافعي : العمرة سنة ، لا نعلم أحداً رخص في تركها ، وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع ، وقد كان يوجبها ابن عباس رضي الله عنهما .
ونص الإمام أحمد إلى أن العمرة لا تجب على أهل مكة ، لأن أركان العمرة معظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم .
فضل العمرة :(1/38)
قال صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة ، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " [ رواه أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " [ متفق عليه ] .
لكن العمرة في رمضان أفضل من غيرها لقوله صلى الله عليه وسلم : " عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال : حجة معي " [ متفق عليه ] . ثم بعد رمضان العمرة في ذي القعدة ، لأن عُمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم كانت كلها في ذي القعدة وقد قال الله تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " [ الأحزاب 21 ] . واختلفوا في عمرة النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب ، وقالت عائشة رضي الله عنها : أنه قد وهم في ذلك " لكن المشهور عند العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة .
شروط وجوب العمرة :
لوجوب العمرة والحج خمسة شروط :
1- الإسلام :
فلا يطالب غير المسلم بحج ولا عمرة ولا غيرهما من العبادات ، لأن الإسلام شرط في صحة الأعمال وقبولها .
2- العقل :
فلا يجب على غير العاقل ، كالمجنون والمعتوه .
3- البلوغ :
فلا تكليف على الصغير حتى يبلغ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم " [ ] .
4- الاستطاعة :
وهي الزاد والراحلة وأمن الطريق .
5- الَمْحَرَم :(1/39)
وهذا خاص بالمرأة . فمن ليس لديها محرم فلا تجب عليها العمرة ، ويحرم عليها السفر لأداء العمرة بدون محرم ، ولو كانت مع نساء ، فالنساء لسن محارم لبعضهن البعض ، بل المحرم لا بد أن يكون رجلاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم " [ رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر إلا ومعها أبوها وابنها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها " [ رواه مسلم ] .
ومحرم المرأة هو : زوجها ، ومن يحرم عليه نكاحها تحريماً مؤبداً ، بنسب : كأبيها وابنها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وعمها وخالها . أو من تحرم عليه بسبب مباح : كالأخ من الرضاع ، أو من تحرم عليه بسبب المصاهرة : كزوج أمها ، وابن زوجها .
فمن لم تجد محرماً تسقط عنها العمرة بنص كتاب الله تعالى : " من استطاع إليه سبيلاً " ونص أقوال النبي صلى الله عليه وسلم التي سبق ذكرها .
كيفية أداء العمرة :
الطواف :
إذا دخل المعتمر البيت قدم رجله اليمنى كما لو دخل أي مسجد من المساجد ويقول : ( بسم الله اللهم صل على محمد اللهم افتح لي أبواب رحمتك ) (1).
أو يقول : " أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم " وهناك روايات ضعيفة يعتمد عليها بعض الناس فيما يخص رؤية البيت الحرام فمنها: أنه إذا رأى البيت رفع يديه ويقول بعض الأدعية والأذكار ومنها: اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبراً ... إلى آخر ذلك ) (2).
__________
(1) رواه مسلم
(2) والحديث ضعيف ومعلوم أن العمل بالخبر الضعيف فيه إثبات سنة بغير دليل صحيح الشرح الممتع 7/265(1/40)
ومن دخل مكة وفي نيته العمرة فيستحب أن لا يشتغل بغير الطواف والسعي فلا ينبغي أن يشتغل في تجارة أو إجارة أو غير ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها : ( أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ...) (1).
فإذا وصل البيت قطع التلبية ، وإذا أراد الشروع في الطواف اضطبع والاضطباع هو أن تجعل وسط الرداء تحت العاتق الأيمن وطرفيه على العاتق الأيسر . وهناك خطأ يرتكبه بعض الناس وهو أنه عندما يلبس الرداء يربطه ببعض المشابك حتى يصبح وكأنه مخيط ، وهذا لا ينبغي . حتى لا يحصل التشبه بالمخيط فيقع الإنسان في حرج من ذلك .
ثم يبدأ من الحجر الأسود فيحاذيه أي يحاذيه بكل بدنه فيقف أمام الحجر الأسود بكل بدنه ولا يتعداه بل يكون البدء منه .
فيستلمه ويقبله إن تيسر ذلك ، وإلا مسحه بيده أو بعصا وقبل يده أو العصا ، فإن شق ذلك أشار إليه بيده بدون تقبيل ، أي لا يقبل يده إذا أشار إليه . ويقول عند الحجر الأسود والركن اليماني : ( بسم الله والله أكبر ) ، أما الركنان الآخران فلا يشرع مسحهما ولا تقبيلهما ، والمشروع عند الحجر الأسود : تقبيله مع الاستلام في كل شوط ، فإن شق ذلك لكثرة الزحام ، فإنه يشير إليه بيده أو بعصا ولكن لا يقبل لا اليد ولا العصا ويكبر ، أما الركن اليماني ، فيُستلم فقط دون الإشارة ، إن استطاع الطائف أن يستلمه بيده استلمه ، وإن لم يستطع فلا يشير إليه لعدم ورود الدليل على ذلك . ولا يُقبل . ويقول بين الركنين ويختم كل شوط بالدعاء المشهور : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " [ البقرة 201 ] .
__________
(1) متفق عليه(1/41)
وثبت تقبيل الحجر الأسود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الحجر الأسود من الجنة " (1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن فسودته خطايا بني آدم " (2). وينبغي أن يكون تقبيل الحجر الأسود من قبيل تعظيم الله تعالى ولهذا لما قبله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك " (3).
تنبيه :
بعض الناس يستلم الحجر الأسود تعظيماً له وهذا لا يجوز فهو حجر لا يضر ولا ينفع وبعض الناس يمسحه بيده ثم يمسح بها جسده وأجساد أبنائه تبركاً وهذا أيضاً لا يجوز ، ثم يبدأ بالطواف وهو طواف العمرة .
فائدة :
من دخل المسجد الحرام من أجل الطواف أغناه ذلك عن تحية المسجد ( أي صلاة ركعتين ) ومن دخله من أجل الصلاة أو الذكر أو القراءة أو استماع الدروس وما أشبه ذلك فلا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد لأنه مسجد ككل المساجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) (4).
ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط كاملة بدون نقص يرمل الأفقي في الأشواط الثلاثة الأولى ومعنى الرمل : هو الإسراع مع مقاربة الخطا والأفقي : هو من أحرم من بعيد عن مكة ولو كان من أهل مكة .
أما سبب الرمل فلما ورد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( قال المشركون : إنه يقدم عليكم غداً قوم وهنتهم الحمى ( أي أضعفتهم الحمى ) ولقوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشون بين الركنين ) (5).
__________
(1) وصححه الألباني في سنن النسائي 2935
(2) رواه الترمذي وصححه الألباني برقم 877
(3) البخاري ومسلم
(4) متفق عليه
(5) متفق عليه(1/42)
فلما كانت قريشاً تريد الشماتة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من زعمهم أن حمى يثرب قد أضعفتهم أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يثبت لهم عكس ما توقعوا وأن يريهم قوته وقوة أصحابه وأن يغيظ المشركين بذلك فأمر أصحابه أن يرملوا بين الركنين ، ثم يمشون بعد ذلك وهذا تخفيف منه - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وكذلك لأنه لن يراهم المشركون بين الركنين لأن الأعداء من قريش كانوا في الجهة الشمالية من الكعبة فلذلك لن يروهم بين الركنين فلما رأى المشركون ما عليه الصحابة من القوة والجلد أحزنهم ذلك وأغاظهم .
سؤال :
ما الحكمة من الرمل بعد زوال علته ؟
الجواب :
إن بقاء حكم الرمل مع زوال علته لا ينافي أن لبقائه ثلاث علل وهي :
أولاً : إقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وحب اتباع له ولسنته فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( ما لنا وللرمل إنما كنا راء نيابة المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال: شيء صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه ) (1).
ثانياً : تذكر نعمة الله تعالى على المسلمين من حيث تكثير العدد والعدة بعد القلة والضعف .
ثالثاً : تذكر ما يطلب من الإنسان لإغاظة المشركين ومن لم يستطع الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فلا يقضيها بعد ذلك لأنها سنة فات محلها ولأن في قضائها في الأشواط التي تليها مخالفة للسنة لأن السنة في الأشواط الأخيرة المشي دون الرمل .
سؤال :
ما الفائدة من الرمل ؟
جواب :
إظهار القوة والجلد .
ويسقط الرمل عن المريض والصغير والنساء لأنه معدوم في حقهن وكذلك عن المحرم من مكة أو قربها .
لما ورد أن بن عمر رضي الله عنهما : ( كان لا يرمل إذا أحرم من مكة ) وقال بن عباس رضي الله عنهما : ( إنما الرمل على أهل الأفاق ) .
__________
(1) البخاري(1/43)
والرمل أولى وأفضل من القرب من البيت دون رمل لأن مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة المتعلقة بزمانها أو مكانها ) وهذه قاعدة ينبغي التنبه لها .
والرمل والاضطباع لا يكون إلا في طواف العمرة للمعتمر وطواف القدوم للقارن والمفرد أما طواف الإفاضة والوداع فلا رمل ولا اضطباع فيهما ويستلم الحجر والركن اليماني في كل مرة يصل إليها في الأشواط لقول بن عمر رضي الله عنهما : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في طوافه قال نافع : وكان بن عمر يفعله ) (1).
وقال بن عمر رضي الله عنهما : ( ما تركت استلام هذين الركنين منذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما )(2).
أما الحجر الأسود فيستلمه في كل شوط ويقبله إن استطاع وإلا أشار إليه من بعيد بدون تقبيل قال النووي : ( ويستحب استلام الحجر وتقبيله في كل طوافه وهي في الأوتار أكد لأنها أفضل ) .
وقال بن القيم : ( أنه - صلى الله عليه وسلم - كلما حاذى الحجر الأسود استلمه بمحجنه وقبل المحجن فظاهره سنة تقبيل الحجر في كل طوافه كلما حاذاه ) .
أما الركن اليماني فيستلمه بدون تقبيل ولا يقول شيئاً أي يستلمه بلا ذكر لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء حيث قال : ( خذوا عني مناسككم )(3) .
أما إذا كان هناك مشقة من زحام أو مرض أو ما شابه ذلك فإنه يشير للحجر الأسود من بعيد أما الركن اليماني فلا يشير إليه لعدم ورود ما يدل على ذلك من سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - .
فائدة :
الركنان الآخران الشمالي والغربي لا يستلمان لأنهما ليسا عل قواعد إبراهيم عليه السلام فإن قريشاً لما أعادت بناء الكعبة قصرت بها النفقة فأجمعوا على أن يهدموا الركنين الشمالي والغربي ويعيدوا البناء فلذلك لا يستلمان .
__________
(1) رواه ابو داود وهو حديث حسن
(2) رواه مسلم
(3) رواه مسلم(1/44)
وقد طاف أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه ذات يوم فجعل يستلم الأركان الأربعة فأنكر عليه ابن عباس فقال له معاوية : إنه ليس شيء من البيت مهجوراً قال له بن عباس : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ولم يستلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من البيت إلا الركنين اليمانيين فقال : صدقت ) (1).
فكف معاوية رضي الله عنه عن استلام الركن الشمالي والغربي وصار يستلم الحجر الأسود والركن اليماني فالحق أحق أن يتبع .
وإذا كان بين الركن اليماني والحجر الأسود فإن يقول : ( ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) لحديث عبدالله بن السائب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول بين الركن والحجر : ( ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) (2).
وللمعتمر أن يدعو بما شاء من الدعاء أثناء الطواف وله قراءة القران ولا يجهر بذلك لما يلي :
لأنها أذكار يسن الإخفات بها .
عدم الخلط على من بجواره من الطائفين .
أن الله سميع بصير يرى النملة السوداء على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء ، ويسمع السر وأخفى .
بعداً عن الرياء .
__________
(1) صححه أحمد شاكر في المسند
(2) رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني برقم 1666(1/45)
وليحذر المسلم من هذه الكتيبات التي بأيدي الناس اليوم والتي خصص فيها لكل شوط دعاء مخصوص فذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قال : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) (1)، وقال عليه الصلاة والسلام : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (2)أي مردود على صاحبه فهذا من البدع المحدثة والإنسان يدعوا بما شاء وبما فتح الله عليه من الدعاء وغاية ما يرجوه الإنسان هو الفوز بالجنة والنجاة من النار فيدعوا الله بذلك ويكثر من هذا الدعاء ويدعوا بصلاح نفسه وأهله وولده والنصر والتمكين للإسلام على أعدائه وغير ذلك مما يتخيره المسلم من الدعاء الطيب الذي ليس فيه قطيعة رحم أو دعاء على مسلم .
وليحذر من المطوفين فعملهم هذا عمل خاطئ ينبغي الحذر منه ، فكل إنسان يدعو بما شاء وبما أحب بخشوع وطمأنينة وحضور قلب ، أما المطوف فلا هم له إلا ما يحصل عليه من أموال ، وقد يدعو بلا خشوع ولا تضرع ولا حضور قلب ، ومعلوم أن الدعاء إذا صدر من قلب لاهٍ غافل ، فإنه لا يستجاب له ، فليحذر أولئك الناس الذين يستعينون بالمطوفين ، فهم على خطئ كبير ، وقد ابتعدوا عن جادة الصواب ، وهذه من البدع فلا أفضل من أن يدعو الإنسان لنفسه بنفسه ، ولا يستعين بغيره أن يدعو له ، فالله عز وجل يستحيي أن يرد يدي عبده صفراً ، فلا حاجة للاستعانة بأولئك المطوفين ومن كان على شاكلتهم ممن يبتزون أموال المسلمين بغير وجه حق ، فاحذر أيها الحاج والمعتمر من تلك البدع والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وإذا انتهى من الطواف وهو في الشوط الأخير لا شك أنه سينتهي بالحجر الأسود مروراً بالركن اليماني ، فإنه يستلم الركن اليماني لأنه لا يزال في طوافه ولا يستلم الحجر الأسود ولا يكبر ولا يشير إليه لأن طوافه انتهى .
تنبيه :
__________
(1) رواه أهل السنن بإسناد صحيح
(2) متفق عليه(1/46)
التمسح بمقام إبراهيم أو بجدران الكعبة أو بالكسوة ، كل ذلك لا يجوز ولا أصل له في الشريعة ، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما قبل الحجر الأسود واستلمه واستلم جدران الكعبة من الداخل ، لما دخل الكعبة ، وألصق صدره وذراعيه وخده في جدرانها ، وكبر في نواحيها ، ودعا ، كل ذلك في داخل الكعبة ، أما خارجها فلم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك ، لكن قيل في رواية أنه صلى الله عليه وسلم التزم الملتزم بين الركن والباب ، ولكنها رواية ضعيفة ، وإنما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ، فمن فعله فلا حرج ، أما التعلق بكسوة الكعبة أو بجدرانها أو الالتصاق بها من الخارج ، فكل ذلك لا أصل له ولا يجوز فعله ، لأنه من البدع التي أحدثها الناس .
ومن دعا الكعبة أو سألها أن تقضي له حاجة أو تشفي له مريضاً أو ما شابه ذلك ، أو طلب البركة منها ، فهذا شرك أكبر يحرم فعله ، وكذلك من يتمسح بالمقام رجاء الشفاء أو دفع بلاء فهذا أيضاً شرك أكبر يجب الحذر منه وتنبيه فاعله بخطورة عمله ذلك ، لأن مثل تلك الأمور تحبط العمل والعياذ بالله .
وبعد الانتهاء من الطواف يسن للمعتمر أن يصلي خلف المقام ركعتين ، ولا تجب هاتان الركعتان بل هما سنة من تركها فلا شيء عليه ومن أتى بها فقد أتى بالسنة ، لكن لا ينبغي تركها ، وتجوز الركعتان في كل مكان من الحرم ، ولهذا صلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ركعتي الطواف في بعض طوافه بذي طوى وهي من الحرم ، لكنها خارج المسجد الحرام ، وكذلك أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم صلت لطواف الوداع خارج المسجد الحرام ، وقيل : أن السبب كثرة الزحام ، وقيل : لتبين للناس التوسعة الشرعية في هذا الأمر .
مسائل تتعلق بالطواف :(1/47)
قال المنذر : [ أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفاء والمروة وليس عليهن اضطباع وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد ولا يقصد ذلك في النساء ولأن النساء يقصد منهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعريض لكشف المرأة لعورتها ، وعدم للستر الذي أمرت به .
من نسي شوطاً من الأشواط أتى به فلو فرض أن إنساناً ترك الشوط الخامس مثلاً وتذكر أثناء الطواف فإنه يأتي بشوط ، وإن شك هل طاف خمسة أشواط أو ستة فإنه يبن على اليقين ويجعلها خمسة ، أما بعد الفراغ من الطواف والانصراف عن مكانه فإنه لا يلتفت إلى الشك ما لم يتيقن أنه ترك شوطاً .
إذا أقيمت الصلاة أثناء الطواف أو جاءت جنازة ، فإن الطائف يقطع الشوط وجوباً لصلاة الفريضة ، واستحباباً لصلاة الجنازة ، وبعد الصلاة يبدأ إتمام الشوط من حيث قطعه ، ولا يعيده من الحجر الأسود كما قال بذلك بعض العلماء ، بل الصحيح أنه يكمل الشوط من حيث توقف .
جواز الطواف في الدور الأول والعلوي من المسجد الحرام .
جواز أداء بعض الأشواط حول الكعبة وإكمال الباقي في الدور العلوي نظراً للزحام وما شابه ذلك .
لا يجزئ الطواف من داخل الحجر لأن جزءاً من الحجر من البيت لما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول - صلى الله عليه وسلم - عن الحجر فقال : ( هو من البيت ) (1) ، أما صلاة النافلة داخل الحجر وداخل الكعبة فجائزة لما روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إني نذرت أن أصلي في البيت قال - صلى الله عليه وسلم - ( صلي في الحجر فإن الحجر من البيت ) (2). وقيل بجواز صلاة الفريضة داخل الكعبة .
لا تجوز الاستنابة في الطواف إلا إذا كان حاجاً عن الغير أو معتمراً عنه فإن الطواف تبع لجملة الحج أو العمرة .
من نسي شوطاً ولم يتذكره إلا بعد طول فصل فإنه يعيد الأشواط ويستأنفها من جديد .
__________
(1) رواه البخاري ومسلم
(2) رواه الترمذي وابو داود وغيرهما(1/48)
من فرغ من رمي الجمرات وأراد أن يجمع طواف الإفاضة والوداع فإن طواف الإفاضة والوداع فإن طواف الإفاضة يجزئ عن طواف الوداع .
يسقط طواف الوداع عن الحائض والنفساء .
يجوز تأخير طواف الإفاضة لمن لديه عذر كحائض ونفساء ومريض وما شابه ذلك إلى نهاية شهر ذي الحجة والله أعلم .
من ترك طواف الوداع ثم خرج من مكة فعليه دم ولو رجع لأدائه ويذبح ويفرق على فقراء الحرم .
الحائض والنفساء إذا منعتا عن الطواف طواف العمرة والحج بسبب العذر وخافتا فوات الرفقة وعدم الرجوع مرة أخرى لمكة المكرمة ، فإنهما تستثفران أي تتحفظان وتطوفان للضرورة .
الاضطباع يكون في طواف القدوم في الأشواط كلها ولا اضطباع في السعي وبعد انتهاء الطواف يعيد الرداء على كتفيه حتى يصلي لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة أما الرمل فيكون في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف (1).
من ترك الرمل في شوط من الأشواط الثلاثة الأول أتى به في الاثنين الباقيين وإن تركه في اثنين أتى به في الثالث وإن تركه في الثلاثة سقط (2).
ليس على أهل مكة رمل لا في الطواف ولا في السعي لأن الرمل شرع من أجل إظهار الجلد والقوة ليرى ذلك أهل البلد وهذا المعنى معدوم في أهل البلد(3).
لا يجزئ الطواف على جدار الحجر لأنه لم يطف بكل البيت والله تعالى يقول : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) (4) ، لأن بعض الحجر من البيت .
لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر في الطواف على القول الصحيح من أقوال العلماء . والذي عليه الجمهور وجوب الطواف ، وعموماً ينبغي للطائف أن يحتاط لطوافه بالتهيؤ بالطهارة من الحدث قبل الشروع في الطواف خروجاً من الخلاف .
__________
(1) المغني 5/217
(2) المغني 5/221
(3) المغني 5/222
(4) الحج(1/49)
019 لا حرج في الفصل بين الطواف والسعي عند أهل العلم ، فلو سعى بعد الطواف بساعة أو أكثر أو أقل جاز ذلك ، بل قالوا : لو طاف اليوم وسعى غداً صح ذلك ولا حرج فيه ، لكن الأفضل أن يتوالى ذلك ، فيطوف أولاً ثم يسعى بعد ذلك ، لأن هذا أبرأ للذمة ، وأسرع في أداء ما تلبس به المسلم من عمرة أو حج .
بعد انتهاء الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر ذلك وإلا ففي أي مكان من المسجد فيقرأ في الركعة الأولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص وإن قرأ بغير ذلك جاز وهذه الصلاة التي هي ركعتي الطواف القول الصحيح فيها إن شاء الله أنها سنة مؤكدة غير واجبة وهذا قول الحنابلة والشافعية ودليل ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى أهل اليمن قال : ( ... فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة )(1).
ولما سأل الأعرابي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الفرائض ذكر الصلوات الخمس قال : فهل على غيرها ؟ قال : لا إلا أن تطوع )(2).
وأما من قال بالوجوب واستدل بقوله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فهذا أمر باتخاذ المصلى أي أن تكون الصلاة خلف المقام وليس دليلاً على وجوب الصلاة بعد الطواف .
فمن أراد صلاة ركعتين وتقدم نحو المقام يستحب له أن يقرأ قوله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) لفعله - صلى الله عليه وسلم - (3).
وليشعر نفسه أنه صلى امتثالاً لأمر الله عز وجل حتى تتحقق الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى والذل والخضوع له تعالى ، والطاعة لأوامره .
__________
(1) متفق عليه
(2) متفق عليه
(3) رواه مسلم(1/50)
ويستحب تخفيف الركعتين ولا يجلس بعدهما طويلاً وإذا مر بين يديه أي إنسان فلا يمنعه لأن الحرم مظنة الزحام لكثرة الحجاج والمعتمرين والمصلين ، فإن منع المار بين يديه فسيقع بين يدي مصلي أخر فإذا دفعه الأخر ومنعه من المرور حصلت بذلك فتنة من شدة الزحام وكثرة المصلين .
فإذا انتهى من ركعتي الطواف فإنه يعود ويستلم الحجر وهذا لمن أراد أن يسعى بعد الطواف أما من لم يرد السعي فلا يستلم الحجر وهذا الاستلام بمثابة التوديع فالطواف يفتتح بالاستلام ويختتم بالاستلام أيضاً ، وهذا إن تيسر ، أما مع شدة الزحام وكثرة الناس في هذا الزمان فإنه من الصعب استلام الحجر مرة أخرى ، فيترك هذا الأمر للمشقة التي قد تحصل بسببه .
ومعنى الاستلام : أي مسحه باليد فلا يقبله هذه المرة ولا يشير إليه فمن لم يستطع استلامه فلا يشير إليه بل ينصرف إلى المسعى .
السعي :
فإذا أتى المسعى دخل من باب الصفا لأنه أيسر فيرقى الصفا فإذا قرب منه قرأ قوله تعالى: ( إن الصفا والمروة من شعائر الله) ثم يقول : ( نبدأ بما بدأ الله به ) وذلك حتى يشعر المسلم أنه فعل ذلك طاعة لله وامتثالاً لأمره سبحانه وتعالى فيبدأ بالصفا لأن الله بدأ به في الآية .
قال في المغني(5/235) [ فإن لم يرق على الصفا فلا شيء عليه قال القاضي : لكن يجب عليه أن يستوعب ما بين الصفا والمروة فيلصق عقبيه بأسفل الصفا ثم يسعى إلى المروة فإن لم يصعد عليها ألصق أصابع رجليه بأسفل المروة والصعود عليها هو الأولى اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ترك مما بينهما شيئاً ولو ذراعاً لم يجزئه حتى يأتي به والمرأة لا يسن لها أن ترقى لئلا تزاحم الرجال وترك ذلك أستر لها ولا ترمل في طواف ولا سعي والحكم في وجوب استيعابها ما بينهما بالمشي كحكم الرجل ) انتهى .(1/51)
فإذا رقى الصفا اتجه ناحية الكعبة حتى يراها ولو لم يرى الكعبة فلا شيء في ذلك فلا يتكلف في هذا الأمر ويورد نفسه وإخوانه المسلمين المصاعب بل يستقبل الكعبة حتى يراها إن تيسر ذلك وإلا فلا شيء عليه .
ثم يكبر ثلاثاً ويقول الله أكبر وهو رافع يديه ثلاث مرات ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم يدعو ، ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات ، ثم ينزل متجهاً إلى المروة ماشياً ، لما جاء في حديث قال : " فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده0000، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة " (1)0
فيمشي مشياً عادياً حتى إذا وصل بين العلامتين الخضراء أسرع في المشي بشده وهذا خاص بالرجال دون النساء ، فإذا وصل إلى المروة فعل مثل ما فعل عند الصفا ، من الذكر والدعاء لحديث جابر :" أنه صلى الله عليه مسلم فعل على المروة مثل ما فعل على الصفا "(2)
وهذا شوط كامل ، تم بعد ذلك ينزل من المروة متجهاً إلى الصفا ليتم شوطاً ثانياً ، فيمشي في موضع المشي ويسعى في موضع السعي لفعله صلى الله عليه وسلم ، حتى يتم سبعة أشواط ، ذهابه سبعة ، ورجوعه سبعة يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا " (3)
__________
(1) رواه مسلم
(2) 2 رواه مسلم
(3) 3 رواه مسلم(1/52)
وعند النسائي قال صلى الله عليه وسلم : " إبدأوا بما بدأ الله به " ، واشتراط البدء بالصفا هو قول الجمهور من أهل العلم . وعليه أن يكثر من الدعاء والذكر وقراءة القرآن أثناء السعي ، وليحذر المسلم من القيل والقال أو الغمز واللمز للمسلمين أو فحش الكلام أو إطلاق النظر الحرام لأنه في مكان يتقرب فيه إلى الله تعالى ، وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إذا سعى بين الصفا والمروة قال : [ رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ] ثم بعد ذلك يحلق المعتمر أو يقصر والحلق أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : يا رسول الله والمقصرين ؟ قال : " اللهم اغفر للمحلقين " ، قالوا : يا رسول الله والمقصرين ؟ قال : اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : وللمقصرين ، قال : وللمقصرين " [ متفق عليه ] ، وتقصر المرأة من أطراف ضفائرها قدر أنملة وهو ما يقدر باثنين سنتمتر تقريباً أو أقل بشيء قليل وبذلك يكون قد تحلل المعتمر من عمرته وحل له كل شيء كان قد حرم عليه بسبب الإحرام .
مسائل تتعلق بالسعي والحلق والتقصير :
01من قدم السعي على الطواف ناسياً أو جاهلاً فعمرته صحيحة ولا إعادة عليه ، وقد أجاز ذلك بعض العلماء حتى لو كان متعمدا ً، ولكن الأفضل أن يرتبها كما رتبها النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بالطواف ثم السعي ثم الحلق أو التقصير .
02يسن للسعي الطهارة ولا تجب ممن سعى محدثاً ، حدثاً أصغر أو أكبر أجزأه السعي لكن الأفضل أن يسعى على طهارة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : " افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت "(1)
03لا يشترط للسعي ستر العورة ، كمن كان إزاره وقميصه خفيفاً ترى من ورائه البشرة أو كان به خرقاً ترى من ورائه العورة ، فهذا سعيه صحيح ، لكن لا شك أن ستر العورة دليل على غيرة الإنسان ، وعدم رضاه بكشف عورته أمام الناس .
__________
(1) 5 رواه البخاري ومسلم0(1/53)
04لا يشترط الموالاة في أشواط السعي فلو سعى في أول النهار ، ثم احتاج إلى الراحة وأكمل ذلك آخر النهار فإن ذلك جائز ، ولو احتاج أن يجعل بين كل شوطين قدراً معيناً من الوقت كساعة أو نصف ساعة نظراً للتعب أو شدة الزحام ، والأمر في ذلك واسع ولله الحمد .
05لا تشترط المولاة بين الطواف والسعي فلو طاف بالبيت في أول النهار ثم سعى آخر النهار جاز ذلك، ولو طاف للإفاضة يوم العيد وترك السعي حتى آخر أيام التشريق جاز ذلك إن شاء الله تعالى ، لكن الأفضل أن يتابع بينهما أي بين الطواف والسعي .
06 أن يبدأ السعي بالصفا وينتهي بالمروة ومن بدأ بالمروة، فعليه أن يزيد شوطاً ثامناً لأن الشوط الأول يعتبر لاغياً فيزيد الثامن بمثابة السابع ، وهو بدل عن الملغي .
07 من لم يسعى بين العلمين الأخضرين فلا شئ عليه ، ولكنها سنة ينبغي الأخذ بها وعدم تركها .
08 النساء لا يجب عليهن صعود الصفا والمروة وكذلك لا ينبغي لهن الركض بين العلمين الأخضرين وإنما ذلك خاص بالرجال لإظهار الجلد والقوة .
09 من شك في عدد أشواط السعي فليبن على اليقين وهو الأقل ، فمثلاً شك هل سعى ستة أشواط أو سبعة ؟ فيجعلها ستة ويأتي بالسابع ، لأن هذا هو الأحوط والأبرأ للذمة ، فإن كان هناك نقص أتمه ذلك الشوط الذي أتى به ، وإن تيقن أنها ستة أتى بالسابع ، وإن تيقن أنها سبعة فيكمل الشوط السابع فقط .
010 يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعر الرأس للرجل و المرأة ، والمرأة تجمع شعرها وتقصر من أسفله قدر أنملة ( أي قدر الظفر تقريباً ) وهو ما يعادل 2سم تقريباً .
011إذا أقيمت الصلاة المكتوبة أو حضرت جنازة وهو يسعى فإنه يخرج وجوباً لأداء الصلاة المكتوبة واستحباباً لغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) (1)
012من أدى حجاً أو عمرة وأراد أن يحلق وليس له شعر ، فيسقط عنه الواجب ، أو يمر بالموسى على رأسه .
__________
(1) 6 رواه أحمد وأبو داود(1/54)
013من لم يعمم جميع الرأس بحلق أو تقصير، فلا بد أن يعيد الحلق أو التقصير معمماً جميع الرأس . وإن كان قد خلع ملابس الإحرام، فإنه يعيد لبسها ثم يحلق أو يقصر معمماً جميع الرأس ، هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا دليل لمن خالفه ذلك .
014 من نسي الحلق أو التقصير في العمرة ولبس ثيابه فإنه ينزع ثيابه متى ذكر ويحلق أو يقصر ثم يلبس ثيابه ، فإن حلق أو قصر وثيابه العادية عليه جهلاً أو نسياناً فلا شئ عليه، ولا يعيد الحلق أو التقصير، لكن متى ذكر فإن الواجب عليه أن يخلع ثيابه حتى يحلق أو يقصر وهو محرم .
فإن حصل جماع قبل الحلق أو التقصير وصاحبه في الحرم فإنه يذبح فدية في مكة ويوزعها على فقراء الحرم ، وإن حصل جماع في بلده أو أي بلد آخر فإنه يذبح شاة أو سبع بدنة في بلده ويوزعها على الفقراء والمساكين في بلده ، وعمرته صحيحة إن شاء الله تعالى .
فائدة :
إذا أحرمت المرأة بالعمرة ثم جاءها دم الحيض ، فإنها تنتظر حتى تطهر ثم تؤدي مناسك العمرة ، ولا ينفسخ الإحرام بوجود الحيض ، بل عليها أن تبقى في مكة حتى تؤدي العمرة ، وإن خلعت ملابسها فلا شيء عليها لأنه لا ملابس لها تختص بالإحرام ، وإن أخذت شيئاً من أظفارها وشعرها متعمدة فعليها الفدية ـ فدية الأذى ـ وإن كانت جاهلة فلا شيء عليها ، لكن إن حصل وطئ ـ أي جماع ـ فإن العمرة تفسد ويجب عليها أن تؤدي مناسك العمرة وإن كانت فاسدة ، ثم تقضيها بعد ذلك بعمرة أخرى من الميقات الذي أحرمت منه بالأولى ، وعليها فدية سبع بدنة أو سبع بقرة ، أو رأس من الغنم جذع من الضأن ، أو ثني من المعز يذبح في الحرم ويوزع على فقراء الحرم نتيجة فساد العمرة بالوطء .
من نسي الحلق أو التقصير :(1/55)
من نسي الحلق أو التقصير ولبس ثيابه ، ثم ذكر فعليه أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ثم يحلق أو يقصر وهو محرم ، وكذلك المرأة إذا تذكرت فإنها تقصر من شعرها قدر أنملة أو أقل وعليها ملابسها العادية ، فإن حصل جماع بين الزوجين فلا شيء عليهما لنسيانهما .
طواف الوداع للمعتمر :
اختلف العلماء في وجوب طواف الوداع ، والصحيح الذي اختاره سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى : أنه واجب في حق الحاج ، ومستحب في حق المعتمر ، لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بعد أن حلوا من عمرتهم خرجوا إلى منى وعرفات ، ولم يؤمروا بطواف الوداع ، هذا للمعتمر ، أما الحاج فيجب عليه طواف الوداع إذا أراد الرجوع إلى أهله ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت " [ رواه مسلم ] ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " [ رواه البخاري ومسلم ] .
رابعاً : صفة الحج :
بعد أن أتم المتمتع عمرته وحل منها ، والمفرد والقارن إذا تحول إلى متمتع وغيرهم من المحلين بمكة أو مر بها استحب لهم الإحرام بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فيحرم من مكانه الذي هو نازل فيه ، ولا يشترط مكان معين ليحرم منه ومن تكلف ذلك فقد خالف ماكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لما فرغ من الطواف والسعي " خرج لظاهر مكة بالأبطح ونزل هناك ، وأحرم الناس من هذا المكان (1) .
فالمتمتع لا يخلو من حالين :
الأول : أن يكون واجداً للهدي : فعند الجمهور أنه يحرم بالحج يوم التروية قبل الزوال . لأن المشروع أن يصلي الظهر وما بعدها في منى.
__________
(1) " [ البخاري ومسلم ] . (انظر الانصاف 4/24)(1/56)
الثاني : أن يكون عادماً للهدي : قال بعض العلماء أنه يحرم يوم السادس من ذي الحجة حتى يصوم ثلاثة أيام في الحج وهي السابع والثامن والتاسع ، وهذا القول ضعيف (1) .
والصحيح : انه لا يتقدم بالإحرام عن اليوم الثامن لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " ولهذا يجوز له أن يصوم من حين أن يحرم بالعمرة .
وسمى يوم التروية بذلك لأن الناس كانوا فيما سبق يتروون الماء فيه ، لأن منى في ذلك الوقت لم يكن فيها ماء ، وكذلك مزدلفة وعرفة ، فهم يتأهبون بسقي الماء للحج في المشاعر في اليوم الثامن.
ثم يتجه جميع الحجاج باختلاف مناسكهم إلى منى يوم الثامن قبل الزوال حتى يصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بدون جمع ، وتكون الصلاة مع الإمام في جماعة . لحديث جابر رضي الله عنه :"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركي رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر …" (2)
فائدة :
قال في الأنصاف :"يستحب أن يفعل عند إحرامه بالحج ما يفعله عند الإحرام من الميقات :من غسل والتنظيف والتجرد من المخيط "وكذلك التطيب . (وهذا للمتمتع دون المفرد والقارن لأنمها لا يزالان على إحرامها حتى يتحللا التحلل الأول ).
فيبيت الجميع ليلة التاسع في منى حتى يصلوا الفجر يوم التاسع ، ويشتغل الجميع بالتلبية إلي أن يرموا جمرة العقبة يوم العيد .
فائدة :
الإحرام يوم التروية ستة وليس واجباً . فمن أحرم قبله أو بعده فلا شيء عليه ، وجاز له ذلك وأيضاً المبيت بمنى ليلة التاسع سنة وليس بواجب .
وكذلك أداء الصلوات الخمس بها سنة وليس بواجب ، فمن بات خارج منى ليلة التاسع فلا شيء عليه ، ومن صلى الصلوات في مكة فلا شيء عليه .
الوقوف بعرفة :
__________
(1) انظر الشرح المتمتع 7/24)
(2) رواه مسلم ](1/57)
ثم إذا صلى الفجر وطلعت الشمس سار إلى عرفة وينزل أولاً بنمرة إذا تيسر له ذلك حتى نزول الشمس ، لأنه صلى الله عليه وسلم ضربت له القبة بنمرة وبقي بها إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له فأتى بطن الوادي " (1)
وعلى الحاج أن يتأكد من حدود عرفة فهناك علامات ودلائل تدل على حدود عرفه فيجب على الحاج أن يحرص أن يكون داخل حدود عرفه لأنه يخشى عليه إن لم يكن داخل عرفه إلا يكون حجه صحيحاً .
ثم يستمع الحاج إلى خطبه الإمام ويصلي معه الظهر والعصر بعد الخطبة جمعاً وقصراً ، فبعد الخطبة يؤذن المؤذن للصلاة ثم يقيم فيصلون الظهر قصراً فإذا انتهى منها لا يسبح بل يقيم لصلاة العصر فيصلونها قصراً.
ولو لم يقصر الصلاة فقد خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصلاته صحيحه .
وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس خطبه بليغة ذكر فيها أشياءً كثيرة من أحكام الشريعة الإسلامية فحرم الربا ،وحرم السرقة ،وبين حقوق الأزواج على الزوجات وحقوق وحقوق والأمور الشرعية المهمة .
قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله :[فالحاصل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يضع للحكام منهجاً لو ساروا عليه لأفلحوا ، وهو أن يكون أقاربهم وحاشيتهم عندهم كسائر الناس ].
وكان عمر بن خطاب رضي الله عنه إذا منع الناس من شيء جمع أهله وأقاربه وقال لهم "إن ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ،وإني أمرت بكذا ،أو نهيت عن كذا ، فلا أجد أحدا منكم خالف إلا ضاعفت عليه العقوبة "
فالذي ينبغي على الإمام أن يوجه المسلمين لما فيه خير هذا الدين وحثهم على التمسك بعرى الإسلام وأن يكونوا اخوة متحابين على الخير متعاونين رحماء فيما بينهم أشداء على عدوهم ، وأن يكونوا صفاً واحداً ضد التيارات المعادية للإسلام .
__________
(1) رواه مسلم ](1/58)
وأهله ، وأن يرحم بعضهم بعضاً ، وأن يلتفوا حول قادتهم وعلمائهم ، ويحذروا كل الحذر ممن استهوته الشياطين من العلماء العلمانين والمداهنين ممن أغرتهم الحياة الدنيا وزخرفها بل على المسلم أن يكون حريصاً أشد الحرص فيمن يأخذ عنه العلم من العلماء الربانين الذين لا يخافون في الله لومة لائم .
وكذلك يوضح للمسلمين الحقوق العامة التى لهم وعليهم ، من حقوق الأزواج والأباء والأمهات والجيران وغير ذلك .
ثم يبين لهم كيفية الحج الصحيحة ، ويذكرهم بتقوى الله والخوف منه سبحانه .
قال بن القيم :[ فخطب الناس –يعني النبي صلى الله عليه وسلم-وهو على راحلته خطبة عظيمة قرر فيها قواعد الإسلام وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية ، وقرر تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها ، وهي الدماء والأموال والأعراض ، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه ، ووضع فيها ربا الجاهلية كله وأبطله ، وأوصاهم بالنساء خيراً ، وذكر الحق الذي لهن والذي عليهن ، وأوصى الأمة فيها بالاعتصام بكتاب الله وأخبر أنهم لن يضلوا معتصمين به …وأمرهم أن يبلغ شاهدهم غائبهم . (1)
وبعد أداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً بعرفة يتفرغ الحاج للدعاء وسؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة والفوز بالجنة والنجاة من النار .
وفي أي مكان وقف في عرفة صح ذلك ولا يجب على الحاج أن يكلف نفسه ويلقي بها إلى التهلكة من أجل أن يقف في مكان معين فلقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ( وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة )(2).
فوادي عرنة من عرفة جغرافياً وتاريخياً أما شرعاً فليس منها فلو أن حاجاً وقف في الوادي ودفع منه فحجه غير صحيح(3).
ومن أتى عرفة نهاراً ووقف بها وجب عليه البقاء بها إلى غروب الشمس ومن جاءها ليلاً ولو لحظة أجزآه ذلك ولا تشترط النية للوقوف بعرفة .
__________
(1) زاد المعاد 2/233)
(2) رواه مسلم
(3) الشرح الممتع 7/324(1/59)
والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به قال - صلى الله عليه وسلم -: (الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك )(1).
فمن جاء عرفة ليلاً أو نهاراً فقد أدى ما وجب عليه من الوقوف بها ولو كان ماراً بها أو محمولاً أو نائماً أو حائضاً أو جاهلاً أنها عرفة .
إلا السكران والمجنون والمغمي عليه لأنهم غير أهل لذلك لعموم حديث عروة بن مغرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه)(2).
ولا يصح المرور بالطائرة عبر الهواء بعرفة بل يلزمه النزول للمرور بها على الأقدام أو على إي وسيلة من وسائل النقل الأرضية .
ويوجد في عرفة معالم بارزة مثل:جبل الرحمة والصخرات وهي لا تزال موجودة حتى الآن .
يقول بن القيم رحمه الله:[ فلما فرغ من صلاته- أي النبي - صلى الله عليه وسلم -- ركب حتى أتى الموقف فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة وجعل حبل المشاة بين يديه وكان على بعيره فأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنه وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفة ذلك بل قال: (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)(3).
فمن وقف عند الجبل (أي جبل الرحمة) فإنه يجعل الجبل خلف ظهره ويستقبل القبلة ويدعو بما شاء من خير الدعاء .
__________
(1) رواه الخمسة وصححه الألباني في الارواء برقم 1067
(2) رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني برقم 1066 في الارواء
(3) رواه مسلم انظر زاد المعاد 2/236(1/60)
وأما صعود الجبل على أنه تعبد لله فهذا لا يجوز بل هو بدعة منكرة لأنه قد يضر بنفسه وقد يقتدي به غير لجهلهم بأن ذلك لا يجوز فيكون بذلك قد سن سنة سيئة في الإسلام فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ولأنه دعى إلى ضلالة فعلية أيضاً وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة كما جاء ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حيث قال : [ من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيء ] (1)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : [ من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ](2).
فليحذر المسلم الحاج من أن يوقع نفسه فيما لا تحمد عقباه بابتداعه سنناً لم تكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عرفة كلها موقف ما عدا بطن عرنة .
وقد يحصل للناس في عرفة بعض الملل من طول الوقت فقد يسأل سائل فيقول :
ماذا أفعل في ذلك الوقت إذا دعوت ثم أحسست بالملل ؟
الجواب :
يقال له: اشغل نفسك بكل أمر مباح من قراءة للقرآن أو في كتاب نافع مفيد أو مذاكرة مع أهل الخير والصلاح أو بالنوم وأخذ قسط من الراحة على أن يكثر من الدعاء في الوقت قبل الغروب .
ويسن أن يكثر من قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي:
لا اله إلا الله وحدة لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)(3).
__________
(1) رواه مسلم
(2) رواه مسلم
(3) رواه الترمذي ومالك وهو حديث حسن(1/61)
وعليه أن يلح في الدعاء ولا يستعجل الإجابة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ) يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب لي)(1).
مسائل تتعلق بعرفة :
من كان تاركاً للصلاة ووقف بعرفة وبعد الدفع منها من الله عليه بالتوبة فصلى فحجه غير صحيح لأنه حين الوقوف ليس أهلاً للحج(2).
من أغمي عليه لحادث أو مرض أو ما شابه ذلك وبقي مغمي عليه حتى أنصرف به الناس من عرفة فحجه غير صحيح فإذا أفاق عليه أن يتحلل بعمرة ثم يقضي الحج إن كان فرضاً من العام الذي بعده(3).
من وقف قبل الغروب ولو لحظة بعرفة صح حجه.
من دفع من عرفة قبل الغروب وجب عليه أن يرجع ويبقى بها حتى تغرب الشمس فإن لم يرجع صح حجه وعليه دم لتركه واجب من واجبات الحج وهو الوقوف بعرفة إلى الغروب، لما ورد عن بن عباس رضي الله عنهما قال: ( من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً ) (4)ومن عاد بعد غروب الشمس قبل الفجر فلا دم عليه لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف بالليل والنهار كمن تجاوز الميقات بلا إحرام ثم عاد إليه فأحرم منه (5).
من أدرك عرفات ليلاً فقد تم حجه ولا دم عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم - ( من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج )(6).
السنة تعجيل الصلاة يوم عرفة حين تزول الشمس وقصر الخطبة(7).
خير الدعاء دعاء يوم عرفة فيكثر فيه الحاج من الدعاء فحري بإذن الله تعالى أن يستجاب له .
أن يرفع الحاج يديه حال الدعاء لفعله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين(8).
__________
(1) متفق عليه
(2) الشرح الممتع 7/331
(3) الشرح الممتع 7/332
(4) رواه مالك
(5) الروض المربع 5/260
(6) رواه ابو داود والترمذي وغيرهما وهو حديث صحيح صححه ابن حبان وابن خزيمة والحاكم
(7) المغني 5/264
(8) زاد المعاد 2/236(1/62)
يجوز الجمع بعرفة لكل من بعرفة من أهل مكة وغيرهم أما قصر الصلاة فلا يجوز لأهل مكة ، لأنهم ليسوا على سفر ، ومن العلماء من قال يجوز لأهل مكة الجمع والقصر ، والصواب في ذلك إن شاء الله وهو الذي عليه المالكية واختاره شيخ الإسلام وتلميذه بن القيم ، مشروعية الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة ومنى ، وحجتهم في ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر بمنى ، وجمع وقصر بعرفة ومزدلفة وصلى معه المسلمون من أهل مكة وغيرهم ، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام ، وأيضاً فإن خروج أهل مكة إلى عرفة ومزدلفة ومنى يعتبر سفراً ، فشرع لهم الجمع والقصر . ولأن مسافة القصر لم تحدد بحد معين لا لغة ولا شرعاً ، فيرجع إلى العرف ، وأهل مكة يتأهبون لهذه الأماكن أهبة السفر .
لا ينبغي للحاج أن يصوم يوم عرفة لكي يتقوى على الدعاء وأداء المناسك ، لأن الصيام مع التعب قد يعجزه أو يضعفه عن التفرغ للدعاء .
أفضل الأيام يوم عرفة لحديث عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ما من يوم أكبر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة فإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بكم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟ )(1).
لا يشترط للوقوف بعرفة طهارة ولا استقبال قبلة ولا نية لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ) (2).
نزل قوله تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) نزلت بعرفة كما جاء ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة يوم الجمعة(3).
وبعد أن يتقين الحاج من غروب الشمس يوم عرفة يدفع من عرفة وعليه السكينة إلى مزدلفة 0
الدفع إلى مزدلفة :
__________
(1) رواه مسلم والنسائي
(2) متفق عليه
(3) رواه البخاري ومسلم(1/63)
ويستحب للحجاج أن لا يدفعوا من عرفة إلا مع الإمام وهو الوالي الذي عنه الإمام ، ولا ينبغي للناس أن يدفعوا حتى يدفع، قال أحمد: ما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام، وسئل عن رجل دفع قبل الإمام بعد غروب الشمس ، فقال ما وجدت عن أحد أنه سهل فيه ، كلهم شدد فيه، فالمستحب أن يقف حتى يدفع الإمام0(1) 0
ولا يصلي حتى يصل مزدلفة ما لم يخش فوات وقت العشاء ، فإنه يصليهما ــ أي المغرب والعشاء ـ قصراً وجمعاً، جمع تأخير0
ولا يدفع من عرفة إلا بعد التأكد من غروب الشمس لحديث جابر رضي الله عنه :"فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص ودفع"(2)
ولحديث علي رضي الله عنه :"ثم أفاض حين غربت الشمس"(3)
يقول بن القيم :[فلما غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة،أفاض من عرفة ، وأردف أسامة بن زيد خلفه،وأفاض بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته،حتى أن رأسها ليصيب طرف رحله ، وهو يقول:أيها الناس عليكم بالسكينة ، فإن البر ليس بالإيضاع"(4) ، والايضاع : عدم الإسراع0
وأفاض من طريق المأزمين(وهو جمع مأزم، وهو كل طريق ضيق بين جبلين ، ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر وعرفة مأزم)،ودخل عرفة عن طريق ضبّ، ثم جعل يسير العنق، وهو ضرب من السير ليس بالسريع ، ولا البطئ ، فإذا وجد فجوة(أي متسعاً أو فرجة بين شيئين) ، نص سيره (أي رفعه فوق ذلك)وكلما اتى ربوة من تلك الربى، أرخى للناقة زمامها قليلاً حتى تصعد ، لأن الناقة إذا أشتد زمامها شق عليها الصعود ، وإذا أرخى لها سهل عليها الصعود 0
__________
(1) المغني5/276،الانصاف4/29)
(2) }مسلم{
(3) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني]
(4) رواه البخاري)(1/64)
وكان يلبي في طريقه ، ولم يقطع التلبية ، فلما كان في أثناء الطريق ، نزل صلوات الله وسلامه عليه فبال، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة: الصلاة يارسول الله، فقال:"الصلاة أمامك" فركب ، حتى أتى مزدلفة نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء ،ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب ، بعد أن أمر بلالاً بالآذان ، وبعد الصلاة أناخ كل إنسان بعيره في منزله، وحطوا رحالهم ، فأمر بإقامة صلاة العشاء، فصلاها بإقامة بلا أذان ولم يصل بينهما شيئاً"(1)
ولحديث أسامة بن زيد :"ثم سار حتى أتى المزدلفة فتوضأ وضوء الصلاة ، ثم أمر بالأذان فأذن ثم أقام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا أذان"(2)
ومن صلى المغرب بالطريق ترك السنة وأجزأه ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم:"وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"(3)
ويبيت بمزدلفة وجوباً ، على أن هناك خلاف بين العلماء في حكم المبيت بمزدلفة ، فمنهم من قال أنه سنة ومنهم من قال ، أنه واجب ، ومنهم من قال : أنه ركن ، والصحيح : أنه واجب يجبر بدم0
فيبيت الحاج بمزدلفة حتى طلوع الفجر، ولا يشرع له التهجد ولا القيام، وإنما الوتر فقط0
ولقد بات النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة ، وقال: لتأخذوا عني مناسككم "(4)
فيجب على الحاج المبيت بمزدلفة إلى طلوع الفجر قال شيخ الإسلام :[فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم(كالمرضى وكبار السن ومن لهم عناية بأمر الحج والحجيج) فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر"(5)0
ولقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة ليلاً0(6)
__________
(1) زاد المعاد 2/541،والحديث في الصحيح)
(2) متفق عليه)
(3) متفق عليه)
(4) رواه مسلم
(5) مجموع الفتاوى26/135)
(6) رواه البخاري ومسلم(1/65)
فعلى الحاج أن يبيت بمزدلفة معظم الليل، ويبدأ حساب الليل من غروب الشمس ، لكن يؤخذ من ذلك المسافة من عرفة إلى مزدلفة وهي قرابة (الساعتين)0
ومن دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل بدون عذر فعليه دم ، لتركه واجباً من واجبات الحج ، وهذا بدم دم جبران، فيتصدق به جميعه على الفقراء في مكة 0
فإذا صلى الصبح وأسفر جداً ، أتى المشعر الحرام وهو جبل صغير معروف في مزدلفة وعليه المسجد المبني عليه الآن ، فيقف عنده ، وليس ذلك واجباً ، بل مع كثرة الزحام في هذه الأزمان استحب للإنسان أن يقف في أي مكان لقوله صلى الله عليه وسلم:"وقفت هاهنا وجمع كلها موقف"(1) 0
قال تعالى "فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام"(2) 0
فيرقى الجبل أو يقف عنده ويستقبل القبلة ويدعو الله عز وجل طويلاً حتى يسفر جداً وقبل طلوع الشمس يتجه إلى منى 0فإذا بلغ محسراً ، أسرع المشي ومحسر واد بين مزدلفة ومنى ،وسبب الإسراع في المشي في وادي محسر قيل لأن أهل الجاهلية كانوا يقفون في هذا الوادي ويذكرون امجاد آبائهم ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخالفهم كما خالفهم في الخروج من عرفة والخروج من مزدلفة وهذا هو أقرب التحاليل وإلا فقد اختلف العلماء في سبب الإسراع في وادي محسر ، فمنهم من قال أن الله أهلك فيه أصحاب الفيل اهلكوا في مكان يقال له:المٌغَمَّس حول الأبطح ومن العلماء من قال: أن سبب ذلك هو أن بطن الوادي يكون ليناً فيحتاج معه إلى شدة الإسراع 0
ويكون الدفع من مزدلفة كما أشرنا إليه آنفاً قبل طلوع الشمس وبعد أن يسفر جداً فيرى الناس بعضهم بعضاًبكل وضوح ، بخلاف أهل الجاهلية الذين كانوا يدفعون من مزدلفة بعد طلوع الشمس وكذلك خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في الدفع من عرفة فإنه دفع بعد غروب الشمس ، وأهل الجاهلية دفعوا قبل غروب الشمس0
مسائل تتعلق بمزدلفة:
__________
(1) رواه مسلم]
(2) البقرة198)(1/66)
1- لا يسن للإنسان أن ينزل في أثناء الطريق وفي المكان الذي نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم0 حتى يبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك وقع منه بمقتضى الطبيعة0
2- من كان راكباً سيارة وفي طريقه الى مزدلفة لم تتوقف السيارات ولم تسر بسرعة حتى تصل إلى مزدلفة قبل خروج وقت العشاء ، ولم يستطع أن ينزل من السيارة، جاز له أن يصلي في السيارة وعليه أن يأتي بما يمكنه من شروط الصلاة واركانها وواجباتها ، لكن لا يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها 0
3-في أي مكان وقف الإنسان في مزدلفة أجزأه ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم:"وقفت ها هنا وجمع كلها موقف"0
4-أجمع العلماء أن من لم يذكر الله عند المشعر الحرام فحجه تام0
5-نظراً لكثرة الزحام وشدته في هذه الأزمنة فإن بعض الحجاج قد لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر أو بعد أداء صلاة الفجر أو حتى بعد طلوع الشمس للعذر وهو شدة الزحام فهؤلاء احصروا عن واجب من واجبات الحج فقيل يلزمهم دم لتركهم الواجب ، وقيل أنه لا يلزمهم شئ لأنهم احصروا إكراهاً ، فيقفون قليلاً في مزدلفة ولو بعد طلوع الشمس ، كالذي فاتته الصلاة معذوراً حتى خرج وقتها، وهذا القول أقرب للصواب والله أعلم0
6-السنة بعد الوصول إلى مزدلفة ، النوم ولا يشرع فيها لا قراءة ولا ذكر ولا قيام ليل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى مزدلفة وبعد أن صلى المغرب والعشاء جمع تأخير اضطجع حتى طلع الصبح0
يقول بن القيم:[ثم نام حتى أصبح ، ولم يحي تلك الليلة ، ولا صح عنه إحياء ليلتي العيدين شئ"(1) 0
__________
(1) زاد المعاد2/247)(1/67)
7- لا شك أن الأفضل للإنسان الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فالأفضل أن يبقى الإنسان بمزدلفة لأداء صلاة الفجر وبعد أن يسفر جداً يدفع إلى منى ، لكن مع كثرة الزحام في هذه الأوقات ، فليس بواجب أن يبقى الحاج إلى صلاة الفجر لا سيما من كان معه ضعفة أو نساء أو مرضى أو كبار سن0
8-سميت مزدلفة جمعاً ، لأن أهل الجاهلية كانوا يجتمعون فيها كلهم 0
9-يقول بن تيمية رحمه الله:[بين كل مشعرين حداً ليس منهما ، فإن بين عرفة ومزدلفة بطن عرنة، وبين مزدلفة ومنىبطن محسر، قال النبي صلى الله عليه وسلم :"عرفة كلها موقف ، وارفعوا عن بطن عرنة ، ومزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسر ، ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق"(1)0فالمشعر الحرام هم مزدلفة، والمشعر الحلال هو عرفة0
10- من دفع من مزدلفة قبل منتصف الليل فعليه دم،ومن دفع بعد منتصف الليل فلا شئ عليه ، ومن وصل إلى مزدلفة بعد منتصف الليل فلا شئ عليه0ومن وصل بعد طلوع الفجر فلا شئ عليه إن كان معذوراً لزحام مثلاً، لحديث عروة بن المضرس وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :ط من شهد صلاتنا هذه(أي صلاة الفجر بمزدلفة) ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه"(2) 0
11- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :(كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ، ويقولون :أشرق ثبير0
فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فأفاض قبل طلوع الشمس " (3) 0
12-يقول بن عباس رضي الله عنهما:"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في الثقل أو قال : في الضعفة من جمع بليل"(4)0
في هذا الحديث دليل على جواز دفع الضعفة من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى ومن يحتاجونهم من الأقوياء0
ومعنى الثَّقل:متاع المسافر0
__________
(1) مجموع الفتاوى26/134)
(2) صححه الألباني في الأرواء برقم7066]
(3) رواه البخاري)
(4) متفق عليه)(1/68)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :"استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أن تدفع قبله وكانت ثبطة ـ يعني ثقيلة ـ فأذن لها" (1) 0
وفيه أيضاً دليل على الضعفة بعد منتصف الليل أي بعد غروب القمر0
13-ينقسم المبيت بمزدلفة من حيث الإثم والفدية إلى ثلاثة أقسام :
01من تركه عمداً 0 فعليه الأثم والفدية0
02 من تركه جهلاً0 فعليه الأثم دون الأثم0
03من تركه عجزاً عنه0فإنه يسقط عنه كسائر الواجبات كمن لم يجد مكاناً في مزدلفة ، أو حصر لكثرة الزحام ، فهؤلاء يجزئهم ولو بقوا بها لحظات ولو بعد طلوع الفجر لحديث عروة بن مضرس الذي سبق0
14- بعض الحجاج يكون بمعية مطوف، وقد يأمرهم المطوف بالخروج من مزدلفة قبل منتصف الليل جهلاً بالسنة في ذلك ، فهؤلاء الذين أكرهوا على الخروج من مزدلفة قبل منتصف الليل لا شئ عليهم لأنهم اكرهوا على الخروج0
لقوله صلى الله عليه وسلم :" عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(2)0
15-ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ويعرض نفسه ومن معه من رفقته للمخاطر والمشاق والضياع من أجل أن يقف أو يجلس في كل مكان وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جلس فيه فالنبي صلى الله عليه وسلم أرحم بأمته وأرفق بها وأرأف بها ، فكان يخشى على أمته من تحمل المشاق والتكلف بما لا يطيق من اتباع ما كان عليه أثناء مناسك الحج فكان يقول نحرت ها هنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت ها هنا وعرفة كلها موقف، ووقفت ها هنا وجمع كلها موقف"(3)0
فيدل الحديث أنه متى تيسر للإنسان الوقوف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم في عرفة ومزدلفة فهو أفضل وإن كان ذلك يشق ففي أي مكان0
يوم النحر:
__________
(1) متفق عليه)
(2) صححه الألباني في الارواء)
(3) رواه مسلم(1/69)
هذا هو اليوم العاشر من ذي الحجة ، وفي هذا اليوم يقوم الحاج بعدة أعمال ، وهي مناسك من مناسك الحج ، ويستحب للحاج إذا وصل منى أول ما يبدأ به رمي جمرة العقبة ،وهي الجمرة التي تلي مكة وهي آخر الجمرات الثلاث للقادم من منى باتجاه مكة ولكي يرمي الحاج هذه الجمرة يحتاج إلى حصيات فمن أين يلقط الحصى؟
الجواب:
يأخذ الحصى من أي مكان في طريقه قبل أن يصل إلى منى ، فيجوز أخذه من مزدلفة ومن منى ، والحاصل انه من أي مكان أخذ الحصى جاز ذلك0
وقلنا انه يستحب للحاج إذا وصل منى أن يبدأبجمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات لأنها تحية منى، فلا يبدأ بغيرها0
وأما الذي فُهم من السنة أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الحصى من عند الجمرة، لحديث بن عباس رضي الله عنهما قال :"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على ناقته : " القط لي الحصى " فلقطت له سبع حصيات وهي حصى الخذف ، ويقول:" أمثال هؤلاء فارموا"(1)0
وهذا إذا كان الرمي ليوم النحر ، فكما قلنا أنه تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم التقط الحصى من عند الجمرة أما لرمي أيام التشريق فيأخذ الحصى من أي مكان 0
ومقدار الحصى ، أن يكون بين الحمص والبندق وتوضع الحصى بين الإبهام والسبابة ويرمى بها ولو رمى بغير ذلك الوضع جاز 0
ولا يجزئ الرمي بغير الحصى ، ولا بالحصى الكبار التي سمى حجراًن فلا يرمي الحاج بالخشب ولا الحديد ولا الأحذية لأن ذلك خلاف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث رمى بالحصى الصغار وقال:" خذوا عني مناسككم"(2) 0
وينبغي للمسلم الا يكلف نفسه لكي يلتقط الحصى من مكان معين ، أو أن يتكلف في الحصى أموراً غير صحيحة ، قال صلى الله عليه وسلم :" يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"0
__________
(1) رواه أحمد وبن ماجه وصححه ووافقه الذهبي)
(2) رواه مسلم)(1/70)
ود يسأل سائل فيقول : لماذا نرمي الجمرات بسبع حصيات ؟ لماذا لم تكن أقل من ذلك أو أكثر؟0
الجواب:
هذه أمور توقيفية هكذا جاء بها الشرع المطهر من الحكيم العليم ، فليس للإنسان حق في أن يتكلم فيما ليس له فيه علم ، ومثال ذلك أيضاً لماذا عدد ركعات صلاة الظهر اربعاً والعصر كذلك ولماذا لم تكن صلاة المغرب خمساً، فهذه المور توقيفية ، لا تدركها العقول، وليس للإنسان فيها إلا مجرد التعبد، وماأمرنا إلا أن نقول ، سمعنا وأطعنا ، فنمتثل لما جاء في الكتاب والسنة ، ولا نقول كما قالت اليهود: سمعنا وعصينا0
فإذا وصل الحاج إلى منى وشرع في رمي جمرة العقبة قطع التلبية ، فعن بن عباس رضي الله عنهما واسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:"لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة "(1) 0
وعن بن مسعود رضي الله عنه قال:"لقد خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة ، إلا أنه يخلطها بتكبير وتهليل"(2) 0
فإذا وصل الحاج إلى جمرة العقبة، جعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ، ثم ، يرمي ، ومن حيث رمى جاز0
وعن بن مسعود رضي الله عنه :" انه جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال:"هذا مقام الذي انزلت عليه سورة البقرة"(3) 0
قال العلماء : إنما أشار ابن مسعود إلى سورة البقرة لأن أحكام المناسك كثيرة فيها 0
قال القسطلاني: امتازت جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء :
01اختصاصها بالرمي يوم العيد أو يوم النحر0
02لا يقف عندها الرامي بعد الرمي 0
03أن يكون رميها ضحى0
04ترمى من أسفلها استحباباً0
__________
(1) رواه البخاري ومسلم]
(2) رواه البيهقي)
(3) متفق عليه](1/71)
فيرمي الجمرة ــأي جمرة العقبة ــ يوم النحر وأيام التشريق ، بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ، ولا يجزئ الوضع ، أي أن يضع الحجارة وضعاً في الحوض، بل الصحيح الرمي 0ومن رمى دفعة واحدة حسبت واحدة وعليه أن يأتي بست أخرى ، وهو قول الجمهور أهل العلم ويرفع يديه حال الرمي حتى يرى بياض أبطه ، لأنه أعون على الرمي ، وهذا إذا كان الإنسان بعيداً عن الجمرة ، أما إذا كان قريباً منها فلا يحتاج إلى رفع يديه حتى يرى بياض أبطه ، لأنه قريب منها0
ويكبر مع كل حصاة ، فيقول : الله أكبر ، وهذا من إقامة ذكر الله تعالى ، وليس كما يظنه البعض من الناس ، أنه رمي الجمار ، أنه يرمي الشيطان، بل جاء ذلك صريحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن رمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ، حيث قال :" إنما جعل الطواف بالبيت وفي الصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " ( ) 0
فإذا رمى جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات ويكبر مع كل حصاة، فإنه لا يقف عندها للدعاء بل ينصرف لأداء بقية المناسك وهي : النحر ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة لمن عليه سعي0
فعن جابر رضي الله عنه قال:" فرماها بسبع حصيات يكبر مع حصاة0000،ثم انصرف إلى المنحر"(1) 0
وبعد رمي جمرة العقبة ، ينحر الحاج هديه ، وقولنا ينحر ولم يقل يذبح، من باب مراعاة لفظ الحديث السابق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى إبلاً فمن كان أهدى إبلاً يقال له : انحر، ومن أهدى بقراً أو غنماً يقال له اذبح0
ومن ليس معه هدي ، وكان متمتعاً أو قارناً اشترى هدياً وذبحه ، ويسن الأكل من هدي التطوع ، وأن يقسمه أثلاثاً ثلثاً يأكل منه ، وثلثاً يهديه ، وثلثاً يتصدق به على الفقراء والمساكين ، ويستحب أن يخرج هديه بنفسه 0ويجوز أن يوكل غيره ليذبح عنه هديه0
__________
(1) رواه مسلم)(1/72)
يقول النووي في شرح مسلم :[يجوز نحر الهدي ودماء الحيوانات في جميع الحرم ، لكن الأفضل في حق الحاج النحر بمنى ، وأفضل موضع منها للنحر ، موضع نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه] (1)0
فالحاج لا يكلف نفسه ما لا طاقة لها به ، من تكلف للذبح في المكان الذي ذبح أو نحر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل يذبح هديه في أي مكان تيسر له من منى ، لأن ذلك هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لقوله:" نحرت هاهنا ، ومنى كلها منحر ، فانحروا في رحالكم"(2) 0
ومعنى ذلك أنه يجوز النحر في منازل الحجاج في منى0
يقول شيخ الإسلام :[يستحب أن تنحر الأبل مستقبلة القبلة ، قائمة ، معقولة اليد اليسرى، والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر ، مستقبلاً بها القبلة ، ويقول:"بسم الله ، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك ، اللهم تقبل مني ، كما تقبلت من إبراهيم خليلك"(3) 0
ثم بعد ذلك يحلق رأسه أو يقصره ، والحلق أفضل ولأن الله تعالى وصف أهل الإيمان بذلك ، وامتن به عليهم فقال تعالى::محلقين رؤوسكم ومقصرين"(4) 0
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" اللهم ارحم المحلقين ،قالوايا رسول الله !والمقصرين؟قال :اللهم ارحم المحلقين،قالوا يا رسول الله ! والمقصرين؟ قال : والمقصرين" (5)0
وأيضاً في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم دعاء للمحلقين بالمغفرة ثلاثة وللمقصرين واحدة0 والحديث في الصحيحين 0
والحلق خاص بالرجال دون النساء ، أما النساء فليس لهن ألا التقصير ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" ليس على النساء الحلق ، إنما على النساء التقصير" (6) 0
وقد حلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر ، وكان يقسم شعره على أصحابه ، لما فيه من البركة0
__________
(1) 8/350)
(2) رواه مسلم)
(3) مجموع الفتاوى26/136]
(4) الفتح27)
(5) متفق عليه)
(6) رواه أبو داود برقم 1985وصححه الألباني رحمه الله)(1/73)
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى منى فأتى جمرة العقبة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ثم جعل يعطيه الناس"(1)0
ويجب أن يعم الحلق أو التقصير جميع الشعر ولا يجب ان يقصر من كل شعرة لوحدها للمشقة في ذلك ، بل يجمعه ويقصره كله ، والمرأة تقصر منه قدر أنملة ، وهي تقريباً 2سم 0
وقال الأمام مالك رحمه الله (تأخذ ـــ أي المرأة ـــ من جميع قرونها أقل من جزء)0
وبعد أن يحلق شعره ، سن له أن يأخذ أظفاره وشاربه وإبطه وعانته، ولا يجوز للمسلم أن يحلق لحيته أو يأخذ شيئاً منها ، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، حيث قال:" أحفوا الشوارب ووفروا اللحى ، خالفوا المشركين "(2) 0
وقال عليه الصلاة والسلام :" جزوا الشوراب وأرخوا اللحى ،خالفوا المجوس"(3) 0
قال بن حزم رحمه الله : " اتفق العلماء على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض0
والفرض هو : ما يثاب فاعله امتثالاً ويعاقب تاركه فتربية اللحية وإعفاؤها فرض واجب لا يجوز تركه ، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد أمر الله تعالى باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال الله جل في علاه:"وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"(4)
ومعلوم أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله تعالى ، ومعصيته عليه الصلاة والسلام معصية لله عز وجل ، قال تعالى :" من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً"(5) 0
وجاء التحذير الشديد لمن خالف النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول ربنا جل وعلا حيث قال :" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم"(6)0
__________
(1) } رواه مسلم{
(2) رواه البخاري ومسلم]
(3) رواه مسلم)
(4) الحشر7)
(5) النساء ]
(6) النور)(1/74)
ومن محبة الله تعالى اتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن من الناس من يقول أنه محب لله تعالى ، وهو في حقيقة نفسه غير صادق بذلك ، وإلا لامتثل أمر الله عز وجل حيث قال :" قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"(1)0
ثم لو سألت حالق اللحية ، لماذا تهين لحيتك بحلق أو تقصير ؟
لكان الجواب على شقين:
الأول: أن يقول فيه تجمل وبهاء وزينة 0
فيقال له: الجمال وصف ينطبق على المرأة فالمرأة مطلوب فيها الجمال والبهاء ، كي تحوز على رضا زوجها ، أما أنتَ فجمالك برجولتك وعلمك وإعفاء لحيتك وخوفك من الله تعالى ومعلوم أن المرأة لا تصلح بلحية لتكون أرغب لزوجها ، ثم إن زينة الرجل بإعفاء لحيته وتوقيرها ، فالرجل الحليق لا يكون أهلاً للثقة والاحترام والتقدير عند الناس ، بل ولا أمانة له ، لأنه خان الأمانة مع الله تعالى ، ثم إنه وقع في محظور خطير وهو تغيير خلق الله تعالى فالله سبحانه بعلمه وعزته وحكمته ، خلق الرجل ذا هيبة وعزة وقوة ، وزينة ، وكان من هذه الحكمة البالغة ، أن جعل له اللحية والشارب فمن اعتدى على لحيته بحلق أو تقصير أو نتف و ماشابه ذلك فهو عاصي لله تعالى ، ومغير لخلق الله عز وجل ، وأن ذلك من اتباع الشيطان الذي لا يكل ولا يفتر عن غواية بني البشر ومن ذلك حره على تغيير خلق الله تعالى ولهذا جاء الوعيد الشديد لمن غير خلق الله تعالى ، يقول ربنا سبحانه وتعالى :" وأن يدعون إلا شيطاناً مريداً * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً* ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر حسراناً مبيناً * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشطان إلا غروراً * اؤلئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً*(2) 0
__________
(1) آل عمران )
(2) النساء117/121)(1/75)
وأعلم أن في حلق اللحية تشبه بالنساء وقد جاء اللعن صريحاً للمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى ، ومن لم يرحمه ربه ؟ فمن يرحمه يومئذ؟فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال"(1) 0
وهذا محذور ثان وقع فيه حالق اللحية وهو تعريض نفسه للعنة الله تعالى ولعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشبهه بالنساء0
الثاني أيقول : رأيت الناس يفعلون ففعلت فعلهم 0 فيقال له: هذا دين وشرع، والشرع وقف لله تعالى ولنبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنت مأمور باتباع ما جاء في الكتاب والسنة والأصل في العبادات التحريم إلا ما جاء في الكتاب والسنة من التحليل ، فالله تعالى خلقك في أبهى صورة وأحسن حال ، ثم تقوم أنت وتعاند ربك بحانه وتحاربه ، باتباع الناس والهوى والله يقول:" ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"(2) 0
واعلم أنك بحلقك لحيتك خالفت الكتاب والسنة ، فأما الكتاب ، فقد قال الله تعالى في قصة موسى وهارون:" قال يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي"(3) 0
وهذا دليل على أ ن اللحية من هدي المرسلين ، وأما من السنة ، فقد مرت بك الحاديث الصحيحة الصريحة التي لا مطعن فيها بتحريم حلق اللحية ، وأنت بذلك عملت عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر الصحابة رضوان الله عليهم ولا أمر العلماء الصادقين والصالحين، فانت بذلك خارج عنهم قال صلى الله عليه وسلم :"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(4) 0 ، أي مردود على صاحبه ، وأيضاً حالق اللحية الزاعم بأنه متبع للناس ، من هم الناس الذين اتبعهم؟ هل يعدون من العلماء ؟ هل يحسبون على طلبة العلم والصالحين؟
__________
(1) رواه البخاري)
(2) التين ]
(3) طه)
(4) رواه مسلم](1/76)
الجواب : لا والله لا هم من هؤلاء ولا من هؤلاء إذاً أنت تتبع الأشقياء وأصحاب السوء وأهل الفساد والفسق ، وقد حذر الله عز وجل من اتباع الأصحاب الذين لا يدلون إلا على الشر ولا يريدون إلا الفساد ، وأن الإنسان إذا وضع في قبره ووقف أمام ربه ندم أشد الندم على حلق لحيته اتباع لفلان وعلان من الناس قال تعالى :" الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين"(1) 0
وقال تعالى :" يوم يعضض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا *يا ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً *لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً " (2)0
ولو رأيت الناس يصعدون إلى أعلى بناية في المدينة ثم يلقون بأنفسهم منها ، هل ستفعل مثل ما يفعلون؟
قطعاً ستقول هؤلاء مجانين ، ونفسك عزيزة عليك وغالية ، ولن تتبعهم ، لأنك حكمت عقلك وضبطت نفسك ، وكبحت جماحها ، وأخذ على نفسك الأمارة بالسوء ولم تأتمر بأمرها ، فلماذا لا تحكم دينك وعقلك في أمر لحيتك؟0
فاحذر أيها المسلم من صفة المشركين والمجوس أعداء الدين الحنيف ، واحذر من التشبه بالنساء ، واتباع السفهاء وانتبه من التقليد الأعمى ، فلن يضر إلا بصاحبه ، وأمامك أهوال عظام جسام ، ففي القبر وحشة وظلمة ويوم القيامة حسرة وغمة ، ولا نجاة ولا فوزإلا بتباع هدي نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ولا عليك من الناس ، وخذ منهم ما يوافق الشرع المطهر ، وأما ما خالف الدين فاضرب به عرض الحائط ، ولا ترضي الناس بسخط الله ، فقد جاء الوعيد الشديد بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :"من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس "(………) 0
قال الإمام مالك رحمه الله :" كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم"0
__________
(1) الزخرف67)
(2) الفرقان( 27/28/29)(1/77)
وصدق رحمه الله ، فالناس خطاؤون ومصيبون وخطؤهم أكثر من صوابهم ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فهو معصوم من الخطأ لأن الله عز وجل هو الذي يعلمه ، فلا ينطق إلا بوحي من الله عز وجل فيما يشرعه للناس ، وإن ما يشرعه إعفاء اللحية وتوفيرها ، وحذر من عاقبة حلقها أو أهانتها بتقصير أ تهذيب كما يدعيه كثير من الجهلة 0
ونعود إلى يوم النحر وما يفعله الحاج 0
وبعد الحلق أو التقصير حُل له كل شئ إلا النساء وهذا يسمى التحلل الأول ، وقد قال بعض العلماء : بان التحلل الأول يحصل بإثنين من ثلاثة :
01رمي جمرة العقبة0
02الحلق أو التقصير 0
03طواف الإفاضة مع السعي بعده لمن عليه سعي 0
أما التحلل الكامل ـ وهو التحلل الثاني ، فيحصل بفعل الثلاثة كلها ، فيحل كل شئ حتى النساء 0فبالتحلل الأول يحل للمحرم كل شئ من محظورات الإحرام إلا النساء ، فيجوز له عقد النكاح ويصح وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو الصحيح 0(1)
يقول شيخ الإسلام بعد أن ذكر الرمي والحلق أو التقصير قال:[وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول ، فيلبس الثياب ، ويقلم أظفاره ، وكذلك له على الصحيح أنيتطيب ويتزوج ، وأن يصطاد ، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء ](2) 0
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى(والذي يظهر لي أنه لا يحل إلا بعد الرمي والحلق ، والدليل قول عائشة رضي الله عنها ( كنت أطيب النبي - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف )(3).
والصحيح ما ذهب غليه جمهور الفقهاء بأن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة .
ثم يتجه إلى مكة لطواف الإفاضة- أو طواف الزيارة- وهو ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به .
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص105)
(2) مجموع الفتاوى26/138)
(3) في الصحيحين(1/78)
لحديث جابر رضي الله عنه: ( ثم أنصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده ثم أعطى علياً فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنه ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر )(1).
وظاهر كلام العلماء والحديث السابق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاض إلى مكة في ضحى يوم النحر لأن رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس وبعد ذلك يحلق أو يقصر ثم ينحر هديه أو يذبحه وكل ذلك يأخذ وقتاً ليس بالهين فصح أنه إفاض ضحى يوم النحر .
ثم يطوف المتمتع والقارن والمفرد طواف الزيارة وهو طواف الإفاضة وهو ركن لا بد منه ويجوز تأخيره إلى آخر أيام التشريق خصوصاً مع كثرة الزحام في هذه الأوقات وتيسيراً للحجاج وتخفيفاً من حدة الزحام ولأن ذلك أرفق بالمسلمين والشريعة أتت باليسر والسهولة .
قال النووي في شرحه على مسلم:[ هذا الطواف هو طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج بإجماع المسلمين وأول وقته عندنا- ويقصد بذلك مذهب الشافعي رحمه الله- من نصف ليلة النحر وأفضله بعد رمي جمرة العقبة وذبح الهدي والحلق ويكون ضحوة يوم النحر ويجوز في جميع يوم النحر بلا كراهة ويكره تأخيره عنه بلا عذر- أي عن يوم النحر بلا عذر- وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة- إي بلا عذر- ولا يحرم تأخيره سنين متطاولة ولا آخر لوقته بل يصح ما دام الإنسان حياً] (2)قلت: وهذا إذا كان التأخير لعذر أما لغير العذر فيجب على الإنسان أن يبادر بأدائه لأن حجه لم يتم ولن يتم إلا به لركنيته في الحج ولأنه أبر للذمة وفيه اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لم يؤخره ولم يأمر بتأخيره فلذلك تجب المبادرة بأداء طواف الإفاضة بعد الرمي والنحر والحلق حتى لا تبقى ذمة الحاج مشغولة به .
وقد اختلف العلماء في حكم النية في أعمال الحج هل لابد لكل نسك أو عباده مستقلة من نية ؟
__________
(1) رواه مسلم
(2) 8/347(1/79)
بمعنى هل لابد أن ينوي الوقوف بعرفة ثم ينوي المبيت بمزدلفة ثم ينوي الرمي وهكذا ؟
والصحيح في ذلك أن هذه عبادة واحدة مجزأة إلى أجزاء وأن النية في أولها كاف عن النية في بقية أجزائها لأن الحج عبادة مركبة من هذه الأجزاء فإذا نوى في أولها أجزأ عن الجميع كما لو نوى الصلاة من أولها فإنه يجزئ عن بقية أركانها وواجباتها وكذلك صيام شهر رمضان فإنه إذا نواه من أول ليلة كفاه عن نية بقية الأيام والله أعلم بالصواب (1) .
ويسمى طواف الإفاضة أسماء أخرى ذكرها النووي في شرحه على مسلم وبن حجر في فتح الباري ومنها :
طواف الإفاضة .
طواف الزيارة .
طواف الصدر .
طواف الركن .
وطواف الإفاضة كما أسلفنا ركن لا بد من الإتيان به على جميع الحجاج فيجب على المتمتع ولقارن والمفرد أن يطوفوا بالبيت سبعة أشواط ثم السعي بالصفا والمروه سبعة أشواط ثم السعي بالصفا والمروة سبعة أشواط وهذا للمتمتع لأن عليه طوافان وسعيان طواف وسعي للعمرة وطواف وسعي للحج .
والقارن والمفرد عليهما طواف واحد وسعي واحد فعليهما بعد طواف الإفاضة أن يسعيا للحج إذا لم يكونا سعيا مع طواف القدوم فإن سعيا مع طواف القدوم سقط عنهما سعي الحج .
ثم هناك خلاف بين العلماء فيمن لم يطف للقدوم هل يطوف له أم لا ؟
فقالت طائفة منهم عليه أن يطوف بعد طواف الإفاضة وهذا غير صحيح .
وقالت طائفة أخرى ليس عليه إلا طواف وأحد وهو طواف الإفاضة ويكفي عن طواف القدوم لأن طواف الإفاضة ركن وطواف القدوم سنة فيكفي طواف الفرض عن طواف السنة كمن دخل المسجد وأراد أن يصلي تحية المسجد فأقيمت الصلاة فإنه يصلي الفريضة وتكفيه عن السنة .
__________
(1) انظر صحيح مسلم بشرح النووي 8/348 والشرح الممتع 7/369(1/80)
قال شيخ الإسلام[ ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف بل هذا الطواف هو سنة في حقه كما فعل الصحابة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا طاف طواف الإفاضة فقد حل له كل شيء النساء وغير النساء ] (1).
والذي ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله هو الصحيح فلا طواف للقدوم بعد طواف الإفاضة لا للمتمتع ولا للقارن ولا للمفرد .
وإلى ذلك ذهب بن القيم رحمه الله حيث قال: [ بل المشروع طواف وأحد للزيارة …ولأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ولا أمر به أحد وحديث عائشة دليل على هذا فإنها قالت: ( طافوا طوافاً واحداً بعد أن رجعوا من منى لحجهم ) (2).
وجاء الخلاف في أعمال القارن هل هو مثل المتمتع أم مثل المفرد ؟
والصحيح أنه يشبه المفرد من جهة والمتمتع من جهة أخرى فهو كالمفرد في جميع المناسك إلا أنه يخالف المفرد ويشابه المتمتع في وجوب الهدي عليه .
ويبدأ طواف الإفاضة من بعد الدفع من مزدلفة فمن دفع من مزدلفة ليلاً بعد منتصف الليل أي بعد غروب القمر جاز له أن يطوف طواف الإفاضة ولو قدمه على الرمي والنحر والحلق جاز ذلك ولم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم أي يوم النحر عن شيء قدم أو أخر إلا قال أفعل ولا حرج .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج ) (3).
__________
(1) مجموع الفتاوى 26/139
(2) زاد المعاد 2/272-273
(3) رواه البخاري ومسلم(1/81)
وعن عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال: ارم ولا حرج قال: فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال: افعلوا ولا حرج )(1).
وعن أسامه بن شريك قال: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حاجاً فكان الناس يأتونه فمن قال: يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك ) (2).
وقد قال بعض العلماء أن التقديم والتأخير في أعمال الحج إنما هو في حق الجاهل والناس فقط والصحيح أنه في حق الجميع الجاهل والناسي والذاكر والعالم لما في ذلك من تيسير على الحجاج ولأن ذلك من كمال هذا الدين وأحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ولأن ذلك موافق لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تدعوا إلى اليسر والسهولة خصوصاً في أزمان كثر فيها المسلمون ولله الحمد وكثر الحجاج إلى بيت الله الحرام فحصل الازدحام فلو أن ثلة منهم ذهبت للرمي وأخرى للطواف وطائفة للسعي لحصل إن شاء الله تعالى نوعاً من الفسحة والسهولة في القيام بأداء المناسك ثم إن قول النبي صلى الله عليه وسلم :"افعل ولا حرج"فإنه لم يقتصر على "لا حرج"بل قال معها"افعل" وهي للمستقبل ، وعموماً فالصحيح : أن من قدم شيئاً أو أخر شيئاً فحجه صحيح بإذن الله تعالى ولا شئ عليه0
فائدة :
__________
(1) رواه البخاري ومسلم
(2) رواه ابو داود وصححه الألباني برقم 2015 وصححه الشيخان بن باز وبن عثيمين رحمهم الله جميعاً(1/82)
من شروط الطواف ــ أي طواف الإفاضة ــ أن يسبقه الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ، فلو أن شخصاً بعد منتصف الليل من ليلة النحر ذهب وطاف للإفاضة ثم أسرع إلى عرفات فوقف بها قبل الفجر لم يصح طوافه ، لأنه قدمه على الوقوف 0ودليل ذلك قوله تعالى :"ثم ليقضوا تفثهم ، وليوفوا نذورهم ، وليطوفوا بالبيت العتيق "(1) 0
فمن الآية السابقة لا يمكن قضاء التفث (2)، ووفاء النذر إلا بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة 0
ثم يطوف جميع الحجاج طواف الإفاضة ، الذي أول وقته بعد منتصف ليلة النحر ، ولا حد لآخره لعذر أما بدون عذر فالأفضل أن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة ، وأفضل وقته يوم العيد ، يوم النحر، وصفة الطواف بالبيت قد ذكرنا سابقاً في باب دخول مكة ، وأذكره هنا مختصراً للفائدة0 فيبتدئ من الحجر الأسود ، ويستلمه بيده ، بأن يمسحه بيده اليمنى ويقبله إن أمكن ، وإلا أشار إليه من بعيد ولا يقبل يده ، ويجب أن يحاذيه أي يكون بموازاته، وجعل البيت عن يساره ثم يبدأ الشوط الأول فإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه إن أمكن ولا يقبله ولا يشير إليه ، ويقول بين الركنين" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"(3) 0
وفي طوافه يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن وعليه أن يصرف لسانه ونظره وجميع جوارحه عن الحرام ،فإذا وصل إلى الحجر الأسود مرة أخرى، فقد تم له شوط كامل ، ويكرر ذلك سبع مرات ، وكلما وصل إلى الحجر الأسود استلمه أو قبله أو أشار إليه ويكبر ، وإذا وصل إلى الركن اليماني استلمه فقط وبذلك تم له سبعة أشواط حول البيت ويكون قد انتهى من طوافه ، وبعد ذلك يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر وإلا ففي أي مكان من المسجد الحرام0
__________
(1) الحج29)
(2) أي تقليم الأظافر وإزالة الشعر والاغتسال
(3) البقرة](1/83)
ثم يخرج إلى الصفا ليسعى بينه وبين المروة فإذا وصل الصفا كبّر ثلاثاً ويتجه نحو الكعبة وكما سبق بيان ذلك ـــ ثم ينزل إلى المروة ، فإذا وصل بين العلمين شد في مشيه وسعى سعياً شديداً ، فإذا وصل العلم الثاني مشى مشياً عادياً حتى يصل إلى المروة فيصعد الجبل ويكبر ويدعو ثلاثاً باتجاه الكعبة ثم ينزل وبذلك تم له شوط واحد ، فسعيه بين الصفا إلى المروة شوط ، وهكذا حتى يتم سبعة أشواط ، وعليه أن يشتغل بذكر الله عز وجل ويلهج بالدعاء وقراءة القرآن الكريم ويحذر من الذنوب والمعاصي والموبقات لأنه في حرم الله تعالى ، وعليه أن يجتنب ذلك في كل وقت وحين0
وبعد أن ينتهي من السعي يكون قد حل التحلل الكامل وهو التحلل الثاني فيحل له كل شئ حتى النساء 0
وليس للطواف والسعي ذكر مخصوص ، بل على الإنسان أن يجتهد بالدعاء بما تيسر له ويحذر من هذه الكتيبات التي بأيدي الناس الآن فهي بدعة محدثة في دين الله لم تكن معروفة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فليحذر المسلم منها أشد الحذر 0لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لكل شوط دعاء مخصوصاً ، بل حذر من الابتداع في دين الله عز وجل فقال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1) 0
وحذر من البدعة ، فقال :" كل بدعة ضلالة"{ }
وقال :"وكل ضلالة في النار"( )0
فيخاف على الإنسان أن يرد عليه عمله ذلك0
والسعي يلزم المتمتع لأنه عليه طوافان وسعيان أما المفرد والقارن فعليهما سعي واحد ، فيسعيان بعد طواف الإفاضة إذا لم يكونا قد سعيا مع طواف القدوم و لايسن الرَمَل في طواف الإفاضة لما رواه عبدالله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه ، قال عطاء : ولا رمل فيه"(2)0
__________
(1) رواه مسلم)
(2) رواه أبو داود وبن ماجة وصححه الألباني)(1/84)
ثم يسن للحاج أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه لفعله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه وقد قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"ماء زمزم لما شرب له"(1)0
وماء زمزم ما مبارك ، وهو خير ماء وجد على الأرض ، وهو طعام طعم وشفاء سقم وكم سمعنا عن أناس أخلصوا نياتهم في الشرب للاستشفاء من بعض الأمراض العضوية وغير العضوية فمن الله عليهم بالشفاء من ذلك كله لبركة هذا الماء 0
فينبغي على المسلم أن ينوي ما أحب أن يحصل له بهذا الماء ، ويتضلع منه ، أي يملأ بطنه حتى يمتلأ ما بين أضلاعه0قال النبي صلى الله عليه وسلم :"آية بيننا وبين المنافقين إنهم لا يتضلعون من زمزم "(2)0
وإذا شرب ماء زمزم دعا بما يريده من الدعاء من خيري الدنيا والآخرة 0
وليس هناك دعاء مخصوص ، بل ورد في ذلك من الدعاء ماهو ضعيف ، ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :" ماء زمزم لما شرب له "(3)0
وقلنا أن الرجل يسعى بين العلمين ، أما المرأة فلا ترمل في الطواف ولا تسعى بشدة في السعي بل تمشي بهدوء ، لأنه ليس لها ذلك ، لما جاء عن بن عمر رضي الله عنهما قال:"ليس على النساء رمل بالبيت ولا بين الصفا والمروة "(4)0
وبعد أن يتم الحاج الأعمال السابقة يوم النحر وهي : رمي جمرة العقبة ، ونجر الهدي ، والحلق أو التقصير ،والطواف بالبيت طواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ، فقد تحلل التحلل الأكبر فحُل له كل شئ كان محرماً عليه بسبب الإحرام حتى النساء0
مسائل تتعلق بيوم النحر:
وسأذكر هنا بعض الأحاديث والفوائد المأخوذة منها:
__________
(1) رواه بن ماجة وصححه الألباني برقم2502، وهو في الارواء برقم1123)
(2) رواه الدار قطني وحسنه محققه وضعفه الألباني عند بن ماجة)
(3) حديث صحيح صححه الألباني في الارواء وعند بن ماجة)
(4) رواه الدار قطني وهو حديث حسن 2/259باسناد صحيح)(1/85)
1- عن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم :[ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس](1)0
2-عن عائشة رضي الله عنها قالت:}أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر ، فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم أفاضت }(2) 0
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(أستأذنت سودة النبي صلى الله عليه وسلم لليلة جمع وكانت ثقيلة ثبطة فأذن لها)(3)
4- وعن عبدالله مولى أسماء000(أنها رمت الجمرة، فقلت :إنا رمينا الجمرة بليل؟ قالت : إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )(4) 0
ما سبق فإنه يجوز للضعفة وغيرهم رمي جمرة العقبة بعد غياب القمر ، وهذا من الرحمة واليسر خصوصاً في هذه الأزمنة التي تضخمت فيه أعداد الحجاج ، ووجدت المشقة عند رمي الجمار0
2-يجوز أخذ الحصى من أي مكان ، غلا من داخل الحوض فإنه لا يصح ذلك0
3-قال بعض العلماء أن الحصى يُغسل تطهيراً له إن كانت قد أصابته نجاسة ، أو تنظيف له إن لم تكن أصابته نجاسة ، وقد روى بن أبي شيبة عن القاسم بن حمد ، وسعيد بن جبير، وطاووس أنهم كانوا يغسلونه0
والصحيح: أن غسل الحصى بدعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسله وهذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله والإمام مالك (5)0
4-وجوب الرمي بسبع حصيات في كل جمرة ،لأن هذا فعله صلى الله عليه وسلم0
وهذا قول جمهور أهل العلم 0
وعن الإمام أحمد :إن نقص حصاة أو حصاتين فلا باس فلا بأس 0ودليل ذلك ، ما رواه سعد قال:(رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعضنا يقول رميت بسبع وبعضنا يقول رميت بست ،فلم يعب ذلك بعضنا على بعض)(6) 0
والراجح إن شاء الله أنه لابد من رميها بسبع حصيات0
__________
(1) رواه أبو داود وصححه الألباني برقم1940)
(2) رواه أبو داود وضعفه الألباني)
(3) رواه البخاري]
(4) رواه أبوداود وأصله في الصحيحين]
(5) الشرح الممتع ]
(6) رواه النسائي بإسناد صحيح](1/86)
5-يجزئ الرمي بكل ما يسمى حصى ، وهي الحجارة الصغار ، سواء كان أسوداً أو أبيض أو أحمر أو المرمر أو البرام ـ وهو؟؟؟ من الجبال ـ أو المرو ـ وهو الصَّوَّان ـ أو الرخام أو الكَّذَّان ـ الحجارة التي ليست بصلبة ـ أو حجر المِسَنّ (1)0
وقال شيخ الإسلام (وله أخذ الحصى من حيث شاء 0000وإن كسره جاز، والتقاط الحصى أفضل من تكسيره من الجبل )(2) 0
وقال في الشرح الممتع:[ ولا يجزئ الرمي بغير الحصى ولو كان ثميناً كجوهر وذهب ومعادن لأن المسألة تعبدية ، فلو رميت بجواهر أو بألماس أو بحديد أو بخشب أو طين أو أسمنت فلا يجزئ إلا إذا كسر الأسمنت وكان فيه حصى أجزأ الرمي بها 0
6- لو وضع الحصى بيده في المرمى ، لم يجزه ذلك لأنه لا يسمى رمياً ولا في معناه 0
ولو رمى الحصاة فوقعت في ثوب إنسان ، ثم نفضها الثاني فوقعت في المرمى لم تجزه ، لأنها ليست بفعله 0ولو رماها فوقعت في موضع صلب في غير المرمىثم تدحرجت إلى المرمى ، أو وقعت على ثوب إنسان ، ثم طارت ، فوقعت في المرمى ، أجزأته لأنها وقعت بفعله(3)0
ويشترط أن يقصد الرمي ، فلو رمى حصاة في الهواء فوقعت في المرمى لم تجزئ ، لانعدام النية ، فالأعمال بالنيات ، وهذا لم يقصد المرمى أو الرمي0
7- يجوز الرمي بالحصاة التي قد رمي بها سابقاً لأن ذلك أرفق بالناس(4)0 وهو قول بن حزم في المحلى0
8- يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة ، لأنه إذا بدأ بالرمي شرع له ذكر آخر وهو التكبير ، فيكبر وهو حسن لأن التكبير مشروع0 لحديث الفضل بن العباس رضي الله عنه :[أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة](5) 0
وهذا قول الجمهور، أما من خالف الدليل الصحيح بقول من قال بغير ذلك فلا دليل معه0
__________
(1) المغني5/289)
(2) مجموع الفتاوى26/137]
(3) الانصاف4/30)
(4) الشرح الممتع7/359)
(5) متفق عليه)(1/87)
ولا يُفهم من القول بقطع التلبية وابتداء التكبير أن التكبير مشروع هنا وخاص بالرمي ، بل التكبير مشروع مطلقاً في أيام منى وفي أيام العشر من ذي الحجة 0
9-يجوز رمي الجمار من أي مكان يكون فيه يسر وسهولة ، وعدم مزاحمة لإخوانه المسلمين مما يلحق الحرج والضيق بهم 0
10-يجزئ الرمي بعد منتصف الليل للمعذور وغير المعذور ، وأما البقاء إلى ما بعد صلاة الفجر فهذا للاستحباب والأفضلية لا للوجوب0 والله أعلم ، والأفضل أن يكون ذلك ضحى يوم النحر ، لحديث جابر رضي الله عنه :( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى)(1) 0
11-وقت رمي جمر العقبة ممتد إلى الليل، فالليل كله وقت للرمي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة بالرمي ليلاً ، وأيضاً دليل آخر وهو حديث بن عباس رضي الله عنهما عند البخاري، فالسائل سأل النبي صلى الله عليه وسلم :( رميت بعدما أنسيت ، فقال {لا حرج}0
والمساء يطلق على ما بعد غروب الشمس 0ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أول وقت الرمي ولم يحدد آخره ، لكن لا يؤخر الإنسان الرمي إلى اليوم الذي بعده إلا بعذر0
12-ليس المطلوب في الرمي ، هو إصابة الشاخص أي العمود الذي وسط الحوض ، وإنما المطلوب هو وضع الحصاة أو وقوعها داخل الحوض0لكن إذا رمى الحصاة فأصابت الشاخص ثم خرجت خارج الحوض وجب استبدالها باخرى0
13-وقت رمي الجمار يبدأ من أول أيام التشريق وينتهي بأخر أيام التشريق،ولا يجزئ بعد ذلك0
14-من ترك رمي الجمار أو بعضها أو لم تسقط الحصى داخل الحوض ، فعليه ذبح شاة يوزعها على فقراء الحرم0
__________
(1) رواه مسلم](1/88)
15-لا شك أن الأفضل في أمور الحج اتباع ما جاء به الدليل ، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "خذوا عني مناسككم"0فيبدأ يوم النحر0برمي جمرة العقبة ، ثم نحر الهدي ، ثم الحلق أو التقصير ، ثم الطواف والسعي0فمن أخر الحلق أو التقصير عن أيام التشريق أو عن شهر ذي الحجة ، فذهب الشافعية والحنابلة أنه لا شئ عليه ن وعند الحنفية:لا يجوز تأخير الحلق عن أيام الذبح، وعند بعض المالكية : لا يجوز تأخيره عن آخر ذي الحجة ، وهو الأقرب إنشاء الله ولكن من أخره لعذر فإنه يحلق أو يقصر ولا شئ عليه، ولكن من أخره يبقى عليه التحلل الثاني ، فلا يقرب زوجاته حتى يحلق أو يقصر0
16-وقت نحران الأضحية والهدي يوم النحر، وثلاثة أيام بعده،أي يوم العاشر من ذي الحجة 0والحادي عشر0والثاني عشر0والثالث عشر0
وينتهي وقت الذبح بغروب الشمس يوم الثالث عشر، ويجوز الذبح ليلاً ونهاراً، والأفضل أن يكون نهاراً0
وله أن يوزع الهدي والأضحية ثلاث أقسام0قسم يأكله، وقسم يتصدق به، وقسم يهديه، ولا يعطي الجزار من الأضحية شيئاً مقابل الجزارة بل يعطيه من عنده ، إلا أن يكون الجزار فقيراً فإنه يعطى منها لفقره، لا لأجرته0
قال علي رضي الله عنه:"أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنِه، وأن أقسم بدنه كلها ، جلودها وجلالها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال:"نحن نعطيه من عندنا"(1)0
لأنه إذا دفع للجزار منها شيئاً فكأنما باعها له،ولا يجوز بيع منها0 ولا يلزم أن يعطي جلال ما ينحره ، لأنه إنما أهدي الحيوان دون ما عليه0
والجلال: هي ما تلبس به الدواب0
17-قيل أن الأصلع الذي لا شعر على رأسه ، يستحب أن يمر الموسى على رأسه ن وبهذا قال:بن عمر ومسروق وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال بن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الأصلع يمر الموسى على رأسه ، وليس ذلك بواجب0
__________
(1) متفق عليه)(1/89)
وأوجب ذلك أبو حنيفة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"0
وهذا لو كان ذا شعر وجب عليه إزالته وإمرار الموس عليه، فإذا سقط أحدهما لتعذره وجب الآخر، ورُد على ذلك القول بأن الحلق محله الشعر، فسقط الحلق بسقوط الشعر، كما يسقط غسل العضو المقطوع في الوضوء لفقده، ولأنه امرار لو فعله في الإحرام لم يجب به دم، فلم يجب عند التحلل، كإمراره على الشعر من غير حلق0(1)
وقال في الإنصاف:[لو عدم الشعراستحب له إمرار الموس:وفي النفس من ذلك شئ وهو قريب من العبث]0
فالصحيح: ما دام أنه لا يشعر لديه، فإن أمر الموس على رأسه خروجاً من الخلاف لكان أحسن،وإن لم يُمرها فلا شئ عليه0
18-هناك خلاف في الحلق والقصير هل هو نسك أم اطلاق من محظور؟0
فقال الجمهور أنه نسك وأدلتهم ذلك ما يلي:
قوله تعالى:"محلقين رؤوسكم ومقصرين"ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم الله به، كاللبس وقتل الصيد0
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به من ليس عليه هدي أن يقصر ويتحلل0
أن النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثاً والمقصرين مرة واحدة0
وقال الشافعي وهو قول عند الأمام أحمد أن الحلق والتقصير ليس بنسك وإنما هو اطلاق من محظورلأنه كان محَّرماً عليه بالاحرام، فأطلق منه عند الحل كاللباس والطيب0
والقول الراجح هو قول الجمهور لما عللوا به من أدلة، ولأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتقصير فيما سبق من أحاديث يدل على الوجوب، ولأنه لو لم يكن نسكاً لما داوم عليه الصحابة رضوان الله عليهم0(2)
وقال في الإنصاف:[والحلق والتقصير نسك،هذا الصحيح من المذهب0(3)
19-يستحب لمن حلق أو قصر أن يأخذ من أظفار وشاربه، لفعله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً لفعل بن عمر رضي الله عنهما0
20-جاء الخلاف بين العلماء رحمهم الله، في هل يحصل التحلل الأول بالرمي فقط أم بالرمي والحلق أو التقصير؟
__________
(1) المفتي5/306)
(2) المفتي5/304)
(3) الإنصاف4/37)(1/90)
فمنهم من رئ أن التحلل الأول يحصل بفعل الرمي والحلق أو التقصير0
وقد بينت ذلك فيما سبق وهو أن التحلل الأول يحصل بفعل اثنين من ثلاثة، بالرمي والحلق أو القصير، أو بالرمي والطواف والسعي لم عليه سعي، أو بالحلق أو التقصير والطواف والسعي لمن عليه سعي0
21- اختلف العلماء رحمهم الله في الحلق قبل رمي جمرة العقبة إلى ثلاثة أقوال:
فقال الحنابلة والشافعية: له أن يحلق قبل أن يرمي، ودليلهم في ذلك حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة فقال: يارسول الله، إني حلقت قبل أن أرمي، فقال:إرم ولا حرج، وأتاه آخر،فقال:إني ذبحت قبل أن أرمي،قال:ارم ولا حرج، وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي،قال:ارم ولا حرج،قال: فما رأيته سئل يومئذ عن شئ إلا قال:افعلوا ولا حرج"(1)0
وعن بن عباس رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال: لا حرج"(2) 0
وهذا الحديثان وغيرهما من الأحاديث الصحيحة تدل دلالة أكيدة على أن التقديم والتأخير يوم النحر أنه لا حرج فيه ويدخل في ذلك العامد والذاكر والجاهل والناسي فلا فرق بين أولئك وهو الصواب إن شاء الله تعالى0
الرأي الثاني: وهو قول المالكية، أنه لا يحلق إلا بعد الرمي أي بعد رمي جمرة العقبة، فمن حلق قبل الرمي فعليه دم0
ودليلهم في ذلك، قوله تعالى:" فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك"0
فيقولون:أن الله تعالى أوجب الفدية على من حلق قبل التحلل وإن كان مريضاً،فكذا من حلق قبل الرمي ونوقش هذا القول:
__________
(1) متفق عليه واللفظ لمسلم)
(2) متفق عليه](1/91)
بإن الفدية المذكورة في الآية وجبت على من حلق لفعله محظوراً، والحلق في الآية محظوراً من محظورات الإحرام بخلاف من حلق يوم النحر فالحلق نسك،لدخول وقت التحلل، وعلى أن من حلق قبل وقت يوم النحر وجبت في حقه الفدية، أما من حلق يوم النحر فهو نسك فلا شئ عليه إن قدم شيئاً وأخر آخر، كما جاء ذلك في الأحاديث الصحيحة0والله أعلم
الرأي الثالث:وهو قول الحنفية :أنه لا يحلق إلا بعد رمي جمرة العقبة ونحر الهدي0
ودليلهم في ذلك، قوله تعالى:"ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام0000إلى قوله تعالى"ثم ليقضوا تفثهم"0
فيقولون:أن الله تعالى أمر بذكره أولاً عند نحر البدن، ثم عطف على ذلك قضاء التفث الذي هو الحلق، وقالوا أيضاً:لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى ثم نحر0
ونوقشت أدلتهم:بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الاستحباب،لأنه كما جاء في أدلة القول الأول،صوب من قدم شيئاً أو أخره بدون تأنيب ولا أمر بإعادة ولا أمر بفدية فدل فعله على الاستحباب،وأن من قدم أمراً من هذه الأمور على الآخر يوم النحر فليفعل ولا حرج عليه0
ومما سبق يتضح أن القول الصحيح هو القول الأول وهو مذهب الحنابلة والشافعية0والله أعلم0
21-التحلل الكامل يحصل بالرمي والحلق والطواف مع السعي، لأن السعي عندهم واجب لا ركن0وقول جمهور أهل العلم أنه لا بد من الطواف مع السعي، ودليل الجمهور حديث عائشة رضي عنها0
22-قول النبي صلى الله عليه وسلم لها لما طهرت وطافت بالكعبة وبالصفا والمروة:"قدحللت من حجتك وعمرتك جميعاً"(1)0
وقوله صلى الله عليه وسلم:"يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك"0
__________
(1) رواه مسلم)(1/92)
23- المرأة تقصر من شعرها مقدار الأنملة، والأنملة رأس الأصبع من المفصل الأعلى، والمشروع للمرأة التقصير دون الحلق، قال بن المنذر أجمع على هذا أهل العلم، وذلك لأن الحلق في حقهن مثله، أي تشبيه بالتعذيب والتشويه، وقد روي بن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير"(1)0
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها"(2)0
24-الحلق أفضل من التقصير في العمرة والحج إلا المتمتع الذي وصل متأخراً فالأفضل في حقه التقصير حتى يتوفر له شعر يحلقه في الحج ولا يجزئ حلق أو قصر بعض الشعر دون الآخر فإن كان معتمراً ولبس ثيابه العادية وجب عليه أن يعيد ثياب الأحرام ويحلق أو يقصر من جميع شعره، وكذلك إن كان حاجاً0 والأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر"(3)0
25-من نسي الحلق أو التقصير وتذكر بعد وقت طويل أو بعد رجوعه إلى بلده، فعليه أن يحلق أو يقصر ويخلع قبل ذلك ثيابه العادية ويلبس ثياب الأحرام ولا شئ عليه،فإن حصل جماع فعليه فدية يذبحها ويوزعها على الفقراء سواء في الحرم أو في بلده إن كان بعيداً ولا يستطيع أن يوكل من يذبحها عنه في مكة في الحرم0
ومتى ذكر ذلك بعد وقت يسير ولم يحصل منه ما يخل بالإحرام فإنه يلبس ثياب الإحرام ويحلق أو يقصر ولا شئ عليه من جراء جهله أو نسيانه 0
وهذا إذا كان نسيان الحلق أو التقصير في العمرة لأنه محظور من محظورات الإحرام، وكذلك في الحج0
26- طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، ولا خلاف بين العلماء في ذلك، لقوله تعالى:"وليطوفوا بالبيت العتيق"(4)0
__________
(1) رواه أبو داود والدرامي وصححه الألباني]
(2) رواه الترمذي والنسائي وضعفه الألباني رحمه الله)
(3) بن باز،بن عثيمين،من فتاوى إسلامية)
(4) {الحج29}(1/93)
وأيضاً ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأفضنا يوم النحر ، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله: إنها حائض0قال:أحابستنا هي"؟ قالوا: يا رسول الله إنها قد أفاضت يوم النحر، قال:أخرجوا"(1)0
فدل ذلك على أن طواف الإفاضة لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به، فهو ركن للحج والعمرة0
ولطواف الإفاضة وقتان:وقت فضيلة ووقت إجزاء،فأما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق إلى غروب الشمس يوم النحر، وأما وقت الإجزاء، فأوله من نصف الليل من ليلة النحر، وآخره آخر أيام النحر، والصحيح الذي إختاره الموفق بن قدامه في المغني أن آخر وقته غير محدود، فمتى أتى به صح0
27-يجوز الطواف والسعي في الدور العلوي حيث قد صدرت الفتوى بذلك من اللجنة الدائمة0
28-ليس من شروط صحة السعي أن يكون متصلاً بالطواف، فمن طاف يوم النحر، ثم أخر السعي إلى آخر أيام التشريق صح سعيه،ولكن الأفضل أن يكونا متصلين، هكذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في الطواف والسعي، وهذا من الكمال0
29-لا يجوز تقديم الطواف قبل الوقوف بعرفة ولا قبل نصف الليل من ليلة النحر0
30-من لم يكمل أشواط الطواف والسعي فعليه أن يعود ويكمل بقية الأشواط التي تركها وإن طال الفصل وهذا في السعي، أما الطواف فغن كان في حدود النصف ساعة مثلاً فعليه أن يعود ويتم الباقي، وإن طال الفصل عرفاً إستأنف الطواف من جديد0ومن ترك شيئاً منها ثم غادر مكة000
31-المتمتع يلزمه طوافان وسعيان، لحديث عائشة رضي الله عنها عندما حاضت وقرنت بين الحج والعمرة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك"0
__________
(1) متفق عليه)(1/94)
وقالت في الحديث الذي رواه مسلم:"فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ُم حلوا،ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا إلى منى لحجهم،وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً وحداً" وحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم في قوله:"لم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً، طوافه الأول وحديث بن عباس رضي اله عنهما عند البخاري حيث قال:" أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي، فطفنا بالبيت والصفا والمروة وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله،ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج،فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا وعلينا الهدي"0
فحديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما يدل على أن على المتمتع طوافان وسعيان، وحديث جابر في ظاهره يخالف حديث عائشة وابن عباس وقد رد على هذا العلامة بن القيم رحمه الله حيث قال[ فيقال:عائشة أثبتت، وجابر نفى،والمثبت مقدم على النفي، أو يقال أن مراد جابر:من قرن مع النبي صلى الله عليه وسلم وساق الهدي، وهذا الذي اختاره الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع(1)، كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي رضي الله عنهم أجمعين وذوي اليسار فإنهم إنما سعوا سعياً وحداً، وليس المراد به عموم الصحابة](2) 0
والصحيح أن المتمتع يلزمه طوافان وسعيان للحج والعمرة كلامنا هذا كله حول المتمتع هل عليه سعي أو سعيان0
__________
(1) 7/375
(2) زاد المعاد2/273)(1/95)
وقد خالف ذلك شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله فقال:[فإذا اكتفى المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك كما يجزئ المفرد والقارن،وكذلك قال عبدالله بن أحمد بن حنبل،قيل لأبي: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال:إن طاف طوافين يعني بالبيت وبين الصفا والمروة فهو أجود،وإن طاف طوافاً واحداً فلا بأس، وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي](1) 0
ومما سبق عرضه من الأحاديث يتضح أن الصواب في ذلك أن على المتمتع سعيان، سعي العمرة ، وسعي للحج0
32-قد تطوف بعض النساء بالبيت وهي حائضاً حياءً وخجلاً من رفقتها، فإن فعلت فهي آثمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها حين حاضت بقوله:"افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري" فالتي فعلت مثل هذا الأمر عليها التوبة والاستغفار إلى الله تعالى، ويلزمها أن ترجع إلى مكة وتعيد الطواف والسعي والتقصير إن كانت معتمرة، وإن كانت حاجة فعليها أن تعيد الطواف والسعي إن كانت متمتعة، وإن كانت مفردة أو قارنة فعليها إعادة الطواف فقط ما لم تكن قد سعت مع طواف القدوم0
وإن كان حصل جماع فقد فسدت عمرتها وعليها أن تذبح دماً في مكة ويوزع على فقرائها وعليها إعادة العمرة مرة أخرى0
فإن كانت حاجة وقد رمت جمرة العقبة وقصرت من رأسها فعليها أيضاً دماً يذبح في مكة ويوزع على فقرائها0
وينبغي للمرأة أن تتقي الله عز وجل في كل أمر من أمورها وخاصة ما يهم الحج إن كانت حاجة أو معتمرة فلا تُفسد عمرتها ولا حجها بحجة الحياء والخجل فالحيض أمر قد كتبه الله تعالى على بنات آدم، فلا حياء عليها في ذلك لأن هذا أمر خارج عن إرادتها، ولم كتبه الله عليها إلا لحكمة، فلا تجزع ولا تخجل فالأمر لله من قبل ومن بعد0
__________
(1) مجموع الفتاوى26/138)(1/96)
33-من ادركها الحيض قبل طواف الإفاضة وخشيت من فوات رفقتها ولا تستطيع أن تعود إلى مكة لبعد بلدها، فهذا عليها أن تتحفظ وتطوف ولا شئ عليها لأنها مضطرة، والضرورات تبيح المحذورات وقد اتقت الله عز وجل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، وهذا هو ما في وسعها وجهدها0
34-تشترط الطهارة من الحدث الأكبر في الطواف حول البيت، أما السعي بين الصفل والمروة فلا يشترط له الطهارة من الحدث الأكبر0
وكذلك لا يشترط للسعي الطهارة من الحدث الأصغر، أما الطواف بالبيت فقد اختلف العلماء في اشتراط الطهارة له من الحدث الأصغر، والأفضل للإنسان أن لا يطوف إلا وهو على طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر حتى يخرج من الخلاف 0
35-قد يرد هذا التساؤل، أيهما أفضل للمفرد والقارن أن يقدما سعي الحج بعد طواف القدوم ؟ أم يؤخراه إلى ما بعد طواف الإفاضة؟
والجواب على ذلك وهو ما رجحه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، حيث قال: أن القارن والمفرد يجوز لهما أن يقدما سعي الحج بعد طواف القدوم ويجوز أن يؤخراه، وكل هذا جائز ولكن الأفضل والله أعلم، أن يقدم بعد طواف القدوم،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه0
ولكن قد يقول قائل:أن تقديم النبي صلى الله عليه وسلم للسعي ليس قطعياً على أن الأفضل تقديم السعي ولكن فعله ليعلم أصحابه، ونجيب على هذا الايراد:بأن الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه سنة واحتمال أن يكون من أجل أن يعلم أصحابه أو نحو ذلك، هذا أمر محتمل وإبقاء النص على ظاهره أولى،ولأنه في الغالب إذا سعى بعد طواف القدوم يكون أسهل،لأن الزحام حينئذ يكون أخف من الزحام في يوم العيد، وأيام التشريق0
36-من أخر السعي عن الطواف فهذا جائز لأنه لا يشترط المولاة بين الطواف والسعي ولكن لا شك أن المولاة أفضل0(1/97)
37- يوم الحج الأكبر هو يوم النحر، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر، قال:"هذا يوم الحج الأكبر"(1)0 وهو يوم عيد يوم يحل فيه من إحرام الحج0
38-قال بن قدامه في المغني:ومقتضى كلام أصحابنا،أنه يحصل للحاج التحلل الأول بالإفاضة قبل الرمي، كمن رمى ولم يفض، فعلى هذا لو واقع أهله قبل الرمي، فعليه دم، ولم يفسد حجه0
وكذلك قال الأوزاعي0 فإن رجع إلى أهله ولم يرم فعليه دم، لترك الرمي، وحجه صحيح، لفوات وقت الرمي، وقال بن عباس:" من نسي، أو ترك شيئاً من نسكه، فليهرق لذلك دماً"(2)0
وقال عطاء: من نسي من النسك شيئاً حتى رجع إلى أهله فليهرق لذلك دماً0
وذلك لأن وقت الرمي أي رمي جمرة العقبة والذبح قد فات محله فوقته من ليلة النحر إلى غروب شمس ذلك اليوم ــ أي يوم النحرـ والصحيح إلى طلوع فجر يوم الحادي عشر0
أما الطواف والحلق فللحاج أن يؤخرهما إلى نهاية شهر ذي الحجة على قول بعض العلماء وذلك إن كان التأخير لعذر0
المبيت بمنى ( أيام التشريق ) :
بعد أن ينتهي الحاج من أعمال يوم النحر وهي على الترتيب:
رمي جمرة العقبة 0
نحر الهدي لمن عليه هدي0
الحلق أو التقصير0
طواف الإفاضة والسعي لمن عليه سعي 0
بعد ذلك يتجه إلى منى ليبيت بها ثلاثة ليال وجوباً، معنى وجوباً:أي أن المبيت بمنى ليالي التشريق واجب من واجبات الحج لمن أراد أن يتأخر وإلا فيومان لمن أراد أن يتعجل0
__________
(1) رواه البخاري]
(2) رواه الأمام مالك في الموطأ)(1/98)
وقد اختلف العلماء قديماً أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم النحر ، هل صلى بمكة أم بمنى ؟ وقد أطال ابن القيم رحمه الله في ذلك لترجيح الصواب في هذه المسألة، وأورد وجوه الترجيح التي أوردها كل فريق ، فأورد الفريق الأول 5 أوجه، والفريق الثاني ثمانية أوجه ، والسبب في هذا الاختلاف هو تعارض حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي في الصحيحين:" أنه صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر، ثم رجع (إلى منى) وصلى الظهر بمنى"وحديث جابر الذي عند مسلم:"أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بمكة" وكذلك قالت عائشة0
وكأن ابن القيم رحمه الله لم يترجح عنده شئ0
ورجح الشنقيطي رحمه الله أنه صلى بهم بمكة ، ثم أعادها بالصحابة بمنى 0والله أعلم(1) 0
فالمبيت ليالي منى واجب من واجبات الحج من تركه متعمداً فعليه الإثم والفدية ، ومن تركه ناسياً فعليه الفدية دون الإثم ، ولكن لا يمكن أن يترك أحد المبيت بمنى ويقول :نسيت 0
__________
(1) الروض المربع5/304)(1/99)
لأن واقع الحال أن جميع الحجاج أو الغالبية العظمى معهم رفقة ، فليس هناك مسوغ لترك المبيت إذ الجميع سيذكر بعضهم بعضاً ، لكن لو فرض أن إنساناً ترك المبيت ليالي التشريق ، فيقال له:من ترك ليلة فعليه إطعام مسكين، ومن ترك ليلتين فعليه إطعام مسكينين، وإن ترك ثلاث الليالي فعليه دم، وهذا للمتأخر ، أما المتعجل ، فترك ليلة فيه إطعام ، وترك ليلتين فيها دم، ومن أدرك جزءاً من الليل فلا شئ عليه ، ومن لم يدرك كل الليل في منى لعذر، خصوصاً في مثل هذه الأزمنة لكثرة الحجيج ومظنة الزحام الشديد، وكثرة المخيمات التي قد يتعب صاحبها في البحث عنها فلا يكاد يجدها ، فمن الحجاج من قد يفوت عليه معظم الليل بسبب الزحام وتأخر السير ، فهذا لا شئ عليه ، لعدم وجود الدليل على ذلك، وأما قولنا إن من ترك ليلة فعليه إطعام مسكين وليلتين مسكينين فهذا ما نص عليه في المغني، وهذا ناشئ عن الخلاف في حكم المبيت بمنى ، فمن العلماء من يرى أنه سنة ومنهم من يرى أنه واجب ، يجب لتركه دم وعلى هذا جمهور أهل العلم ، وعند الحنفية لا يجب المبيت بمنى ، لكن يكره تركه ، وعلل الحنفية لذلك بأن المبيت بمنى لأجل أن يسهل الرمي فلم يكن واجباً0
أما دليل الجمهور: أن ابن عمر روى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى ، من أجل ساقيته"(1)0
وتخصيص العباس بالرخصة لعذره دليل على أنه لا رخصة لغيره ، أي أن المبيت في حق غيره عزيمة لا بد منه0وكان ابن عمر يقول:"لا يبيتن أحد من الحاج إلا بمنى" وكان يبعث رجالاً لا يدعون أحداً يبيت وراء العقبة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها ليالي أيام التشريق، وقال:خذوا عني مناسككم "(2) 0
فالصحيح أن المبيت بمنى واجب0
__________
(1) متفق عليه]
(2) رواه مسلم)(1/100)
وأكرر أن الحاج بعد أن ينهي أعمال يوم النحر يعود إلى منى، فإذا كان اليوم الأول من أيام التشريق وهو اليوم الحادي عشر ، فإذا زالت الشمس رمى الجمرة الأولى وهي الصغرى وهي أبعد الجمرات عن مكة وتلي مسجد الخيف ، يرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ، فيرمي والجمرة بين يديه ، سواء مستقبل القبلة أم، وهذا هو الصحيح وهو الذي رجحه الشيخ محمد بن عثيمين (1) 0
وبعد أن يرمي ، يتأخر قليلاً أي يبتعد عن الجمرة قليلاً حتى لا يصيبه الحصا ولا يتأذى بالزحام ويتجه نحو القبلة ويدعو طويلاً رافعاً يديه وقيل أنه يدعو بقدر سورة البقرة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام وابن القيم (2) 0
ويفعل عند الجمرة الوسطى كما فعل عند الجمرة الصغرى ، فيجعلها بين يديه ويرميها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة ، ويستقبل القبلة ويدعو طويلاً رافعاً يديه0
ثم يتجه إلى جمرة العقبة وهي الجمرة الكبرى فيستبطن الوادي أي يأتيها من بطن الوادي ويستقبل الجمرة0 ويجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه ويرجمها بسبع حصيات ولا يقف عندها ، ويشهد لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما :"أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يُسهل ــ أي يقصد المكان السهل من الأرض الذي لا ارتفاع فيه ــ فيقوم مستقبل القبلة ، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهَّل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ، ويرفع يديه طويلاً ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول ــ يعني ابن عمر ــ هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله"(3)0
وعند الدعاء يرفع يديه لأنه أقرب إلى الخشوع واستحضار القلب وأكثر شعوراً بالإجابة والأمر في ذلك واسع ، فمن كان رافع اليدين عنده حال الدعاء أخشع رفعهما وإلا فلا0
__________
(1) في الشرح الممتع 7/381]
(2) مجموع الفتاوى 26/140،زاد المعاد2/285)
(3) رواه البخاري)(1/101)
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت:" أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ، ثم رجع إلى منى ، فمكث بها ، ليالي أيام التشريقيرمي الجمرة إذا زالت الشمس ، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع ، ويرمي الثالثة ، ولا يقف عندها "(1)0
وهنا سؤال قد يورد:
لماذا لم يقف النبي صلى الله عليه وسلم عند الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة ؟
الجواب:
يقول بن القيم : ( فلما أكمل الرمي، رجع من فوره ولم يقف عندها ــ أي جمرة العقبة ــ فقيل لضيق المكان بالجبل، وقيل أصح:إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها ، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي ، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها، وهذا كما كانت سنته في دعائه في الصلاة ، إذ كان يدعو في صلبها ، فأما بعد الفراغ منها ، فلم يثبت عنه أنه كان يعتاد الدعاء ، ومن روى عنه ذلك فقد غلط عليه ، وإن رُوي في غير الصحيح أنه كان أحياناً يدعو بدعاء عارض من بعد السلام وفي صحته نظر0 وبالجملة فلا ريب أن عامة أدعيته التي كان يدعو بها، وعلمها الصديق ، إنما هي في صلب الصلاة ، وأما حديث معاذ بن جبل :" لا تنسى أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "(2)0 فدبر الصلاة يراد بها آخر الصلاة قبل السلام منها، ويراد به ما بعد السلام ، كقوله"تسبحون الله وتكبرونه وتحمدونه دبر كل صلاة"(3)0
وعلى ذلك كان رأي شيخ الإسلام رحمه الله فإنه يرى أن الإنسان إذا أراد أن يدعو في الصلاة فليدع قبل أن يسلم، لا بعد أن يسلم ، وهذا في الفريضة والنافلة ، إلا أن النافلة أخف من الفريضة ، فيمكن للإنسان أن يدعو في النافلة قبل السلام أو بعده ، أما الفريضة فلا0
__________
(1) {رواه أبو داود وصححه الألباني بدون قولها حين صلى الظهر}
(2) أخرجه أبو داود بإسناد صحيح]
(3) متفق عليه& انظر زاد المعاد2/286)(1/102)
وقال في الشرح الممتع :(وبه نعرف أن الدعاء على الصفا والمروة يكون في أول الأشواط لا في آخرها ، وكذلك التكبير في الطواف فإنه يكون في مقدمة الشوط فإذا انتهى الطواف فإنه ينصرف ولا حاجة إلى التقبيل أو الاستلام أو الإشارة)0وذكر بن القيم رحمه الله أن حجة النبي صلى الله عليه وسلم تضمنت ست وقفات للدعاء ، وهي كما يلي :
الموقف الأول: على الصفا0
الموقف الثاني : على المروة0
الموقف الثالث: بعرفة0
الموقف الرابع: بمزدلفة0
الموقف الخامس:عند الجمرة الأولى0
الموقف السادس:عند الجمرة الثانية0
وقال شيخ الإسلام أن المواقف ثلاثة0
عرفة، ومزدلفة، ومنى0
وما ذهب إليه ابن القيم هو الصحيح إن شاء الله تعالى0لأنه الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويكون هذا الرمي ــ أي رمي الجمار الثلاث ــ كل يوم من أيام التشريق وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر0
ولا يجزئ الرمي قبل الزوال وبه قال الحنابلة وقال مالك والمعتمد عند الشافعية : لا يجوز الرمي قبل الزوال إلا إذا أخر رمي يوم إلى اليوم الثاني جاز قبل الزوال0
وعند الحنفية : يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث مطلقاً ، وفي الثاني للمتعجل فقط0
وعند عطاء وطاووس:يجوز الرمي قبل الزوال مطلقاً0
وذكر كل فريق أدلته، والصحيح في ذلك أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال للأدلة التالية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم:"رمى قبل الزوال"لحديث جابر رضي الله عنه قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس"(1)0
حديث بن عمر رضي الله عنهما:"كنا نتحين ، فإذا زالت الشمس رمينا"(2)0
حديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق وفيه:[يرمي الجمرة إذا زالت الشمس](3) 0
حديث بن عمر رضي الله عنهما قال:"لا ترم الجمرة حتى يميل النهار"(4)0
__________
(1) رواه البخاري ومسلم)
(2) رواه البخاري]
(3) {رواه أبو داود وصححه الألباني برقم1977}
(4) رواه البيهقي)(1/103)
حديث جابر رضي الله عنه، قال:"رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحىً، ثم رمى سائرهن عند الزوال"(1)0
حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر"(2)0 وقد قال صلى الله عليه وسلم :"خذوا عني مناسككم"(3)0
ثم لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لما ذلك من التخفيف على الناس ن بحيث تكون المدة من البداية إلى نهاية الرمي طويلة ، فيحصل التيسير على المسلمين في ذلك ، فلما لم يحصل ذلك عُلم أن الرمي قبل الزوال لا يجوز ولا يجزئ0
وأيضاً لو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة ، أو فعله أحد الصحابة ثم سأل عنه ، ليقره على ذلك أو يخالفه0
ثم أنه لا حق لأحد أن يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله الذي ثبت بالأحاديث الصحيحة ولا يلتفت إلى قول من قال بغير ذلك ممن ليس لديه دليل صحيح يستند إليه 0
وقال شيخ الإسلام في منسكه :"(ويرمي الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال)(4)0
إذاً القول الراجح إن شاء الله تعالى أن الرمي في أيام التشريق يكون بعد الزوال0
والأفضل أن يرمى قبل صلاة الظهر إن تيسر ذلك وإلا أخره حتى يسهل عليه الرمي ويخف الزحام 0 وفي أي وقت رمى بعد الزوال أجزأه ذلك لكن المستحب المبادرة إلى الرمي حين الزوال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله:"لتأخذوا عني مناسككم"(5)0
فيما سبق عرفنا أن بداية الرمي تكون بع الزوال ن لكن متى ينتهي؟
قال بعض العلماء أن الرمي ينتهي بغروب الشمس وبعد الغروب لا يجزئ 0 وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله0
__________
(1) رواه ابن حبان وغيره بإسناد صحيح]
(2) رواه أحمد وغيره وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند)
(3) "رواه مسلم"
(4) {مجموع الفتاوى26/140،162}
(5) <رواه مسلم>(1/104)
وأما القول الآخر: فيجوز الرمي ليلاً ، وقالوا أنه لا دليل على التحديد بالغروب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أول الرمي ولم يحدد آخره ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له:"رميت بعدما أمسيت، قال:"لا حرج"(1)0
وهذا مذهب وبه قال بعض المالكية والمصحح عند الشافعية0 وهو القول الصحيح والراجح بإذن الله تعالى0
وهذا الذي يوافق الناس اليوم ، خصوصاً مع كثرة الحجيج ، وتوافدهم في ذلك اليوم لرمي الجمار مبتدئين بالصغرى ، فتجد أن جميع الحجاج ينتظرون الزوال لبدء الرمي فلو قيل لهم أن الرمي ينتهي بغروب شمس ذلك اليوم لتدافعوا من أجل أن ينهي كل واحد منهم ما عليه من الرمي ولحصلت بذلك مفاسد عظيمة ومخاطر جسيمة ولكثرة الضحايا من المسلمين0
فما دام أنه ليس هناك دليل صحيح صريح يستند عليه في وقت انتهاء الرمي كان الأجدر بأن يمتد وقت الرمي إلى الليل والقاعدة تقول أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من المتعلق بزمن العبادة وهذه قاعدة مهمة وينبغي على الحاج أن ينتبه لمواقع الجمرات بحيث يبدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ولا ينكس في ذلك لأن الترتيب في رمي الجمار شرط لصحة الرمي وهذا مذهب الأمام أحمد وعنه يجزيه مطلقاً ، وعنه يجزيه مع الجهل"(2)0
وهناك قولان في صحة اشتراط الترتيب في الرمي فالقول الأول وهو:وهو قول جمهور العلماء أن الترتيب شرط لصحة الرمي 0
وعند الحنفية:سنة، وهذا هو القول الثاني0
__________
(1) رواه البخاري)
(2) الإنصاف4/43)(1/105)
ودليل الجمهور:أن النبي صلى الله عليه وسلم رماها كذلك ، الصغرى فالوسطى ثم الكبرى واستمر على ذلك ثلاثة أيام ، يرمي بعد الزوال ويبدأ بهن مرتبات ، وقال:"لتأخذوا عني مناسككم"(1)0 ثم إن في عدم ترتيب الرمي مخالفة لعمل النبي صلى الله عليه وسلم ودليل من قال بسنية ترتيب الرمي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، وفيه:"فما سئل يومئذ عن شئ قدم ولا أخر إلا قال:" افعل ولا حرج"(2)0
ورد هذا بأن الرمي عبادة واحدة لا تتجزأ بخلاف أنساك يوم النحر فإنها عبادات متنوعة في أمكنة متفرقة في وقت واحد وليس بعضها تابع لبعض ، فلن يشترط فيها الترتيب كالرمي والذبح ، أما تقديم بعض النسك على بعض فلا يصح لأنها عبادة واحدة لا تتجزأ0
ويمكن أن يرد ما قاله الجمهور ، بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم0
لكن الصحيح في ذلك ــ والعلم عند الله تعالى ــ أن الترتيب شرط لا ينبغي تركه لئلا يتلاعب الناس بهذه المشاعر ، بل وقد يحصل عندهم عدم توقير لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون من بعض الناس تساهل وعدم مبالاة لهذه الشعائر ثم تتخذ بعد ذلك ذريعة في أن ضعاف الناس قد يفتون الناس بجواز ذلك فيصادم ذلك مخالفة صريحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصابة من بعده حتى وقتنا هذا ، فالرمي مرتب من العهد النبوي إلى العهد الحديث فيبدأ الحاج بالصغرى ثم الوسطى وينتهي بالجمرة الكبرى وعلى ذلك فمن تعمد الرمي مبتدئ بغير الصغرى يجب عليه أن يعيد الرمي مرتباً 0
لكن أن أخطأ الإنسان في الرمي أو جهل فلا شئ عليه خصوصاً إذا فات وقت الرمي وهو أيام التشريق ، وذلك بان يبدأ بالوسطى ثم الصغرى ثم الكبرى ، أو غير ذلك من الترتيب فيقال له رميه صحيح لعدم وجود القول من النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن لو فعل ذلك أثناء أيام التشريق وسأل في الحال فالواجب أن يقال له أعد الرمي مرتباً0
__________
(1) رواه مسلم)
(2) متفق عليه](1/106)
فمثلاً لو بدأ بالكبرى ثم الصغرى ثم الوسطى قلنا له أعد الكبرى فقط لأنها لم تأتي في محلها ، ولو رمى الوسطى ثم الكبرى ثم الصغرى فإنه يجب عليه أن يعيد الوسطى والكبرى فقط0
أما من ترك الرمي كله أو بعضه أي أخره عن أيام التشريق فإن كان جاهلاً فعليه الفدية دون الإثم أي عليه أن يذبح دماً ويوزعه على فقراء الحرم وإن كان متعمداً وجب عليه الدم ولحقه الاثم0
والدم بدل ترك واجب لأن رمي الجمار أيام التشريق واجب من واجبات الحج0
فمن ترك الرمي كله أو بعضه لزمه دم واحد0
لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" من نسي شيئاً من نسكه أو تركه فليهرق دماً"(1)0
وقال ابن قدامة رحمه الله:"وإن ترك الوقوف عند الجمرتين الأولى والثانية ولم يدع عندها فلا شئ عليه لأن ذلك سنة وبذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وأبو ثور"(2)0
__________
(1) {رواه مالك في الموطأ}
(2) {المغني5/330}(1/107)
قد يحصل للإنسان في مثل هذه الأزمات نوعاً من الحرج وعدم الاستطاعة في رمي الجمار في اليوم الأول من أيام التشريق وذلك بسبب الزحام واكتظاظ الناس على رمي الجمار، أو قد يعود السبب لبعض الأمراض مثل: مرض القلب أو الربو أو غير ذلك من الأمراض التي قد لا يستطيع الإنسان معها مواصلة الرمي في نفس ــ أي أنه لا يستطيع رمي كل يوم بيومه ــ فلذلك كان من التيسير والتسهيل على الناس الذين لديهم مثل هذه الأعذار أن يؤخروا رمي اليوم الأول إلى اليوم الثاني أو تأخير الرمي كله إلى آخر أيام التشريق ، وهذا من يسر هذا الدين العظيم ، ولما فيه من الرفق بحال الناس وخاصة المرضى منهم ، ومن لا يستطيع الوصول إلى الجمرات لبعد مسكنه وغير ذلك من الأسباب ولأنه جاء في حديث عاصم بن عدي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم :"رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعو يوماً" وفي رواية:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الإبل في البيتوتة يرمون يوم النحر ، ثم يرمون الغد ، ومن بعد الغد بيومين ، ويرمون يوم النفر"(1)0
وفي رواية عند النسائي:{أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في البيتوتة يرمون يوم النحر ، واليومين الذين بعده ، يجمعونها في أحدها}(2)0
فلذلك ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز تأخير رمي يوم إلى ما بعده ، أو تأخير الرمي كله إلى آخر أيام التشريق0
وعند أبي حنيفة وبه قال مالك:لا يجوز تأخير رمي يوم إلى ما بعده0
والصحيح في ذلك ما ذهب إليه الشافعي والحنابلة من جواز تأخير رمي يوم إلى ما بعده ، أو تأخيره كله إلى آخر أيام التشريق وهذا عن كان لعذر أما من لم يكن لديه عذر فيجب عليه أن يرمي كل يوم بيومه ، ولو أخر رمي يوم إلى اليوم الذي بعد لغير عذر فلا شئ عليه وفاته بذلك أجر عظيم لعدم اتباعه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم بل ولمخالفته لها0
__________
(1) رواه أبو داود وصححهما الألباني1/553)
(2) "صححه الألباني برقم3069"(1/108)
ويكون الرمي في اليوم التالي أداءً لا قضاءً0
لأن أوقات الرمي واحدة مستمرة إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر ، فمن ترك الرمي وتهاون في ذلك وتكاسل حتى غربت شمس يوم الثالث عشر فعليه الأثم وعليه دم يذبحه لفقراء الحرم وحجه صحيح0
وقد أصدرت رابطة العالم الإسلامي عام(1394هـ) فتوى بجواز الرمي ليلاً في أيام التشريق الثلاثة مستأنسين برأي هؤلاء الأئمة الثلاثة وهم أبي حنيفة والشافعي اللذين قالا إن الرمي ليلاً أداءً ومالك قال أن الرمي ليلاً قضاءً في المشهور عنه وبترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للرعاة أن يؤخروا الرمي عن وقته لحاجتهم لذلك ، وعملاً بعموم نصوص الشريعة السمحة في التيسير والتسهيل نظراً للزحام العظيم عند الجمرات لازدياد عدد الحجاج الكبير(1)0
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء رقم129 في 7/11/1405هـ ما يلي:
جواز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر للشفقة على النساء وكبار السن والعاجزين ومن يكون معهم للقيام بشؤونهم لما ورد من الأحاديث الصحيحة والآثار الدالة على جواز الرمي0
عدم جواز رمي الجمار الثلاث أيام التشريق قبل الزوال0
يقرر المجلس بالأكثرية جواز الرمي ليلاً عن اليوم السابق ، بحيث يمتد وقت الرمي حتى طلوع فجر اليوم الذي يليه دفعاً للمشقة التي تلحق بالحجاج عملاً بقوله تعالى:" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" وقوله تعالى"وما جعل عليكم في الدين من حرج"0
ولعد الدليل الصحيح الصريح الدال على منع الرمي ليلاً وبالله التوفيق0
ويجوز تأخير الرمي كله إلى آخر يوم من أيام التشريق0(2)
__________
(1) توضيح الأحكام3/362]
(2) نفس المصدر السابق)(1/109)
وبعد أن يرمي الحاج الجمرات الثلاث اليوم الأول من أيام التشريق وهو اليوم الحادي عشر ثم اليوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني عشر ، فله أن يتعجل في يومين ، وله أن يتأخر حتى اليوم الثالث عشر ثم يرمي الجمار بعد الزوال ، لقوله تعالى:" واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا أثم عليه"(1)0
ومن تعجل في يومين فإنه يسقط عنه رمي الجمار لليوم الثالث ولا يجمعها مع اليوم الذي قبله ، وعليه أن يخرج قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر0
وقد اختلف العلماء في حكم النفر منى في اليوم الثاني عشر: قال فقال جمهور العلماء أن من أراد أن يتعجل فله ذلك على ألا تغرب عليه شمس اليوم الثاني عشر وهو بمنى ، فإن غربت عليه الشمس وجب عليه البقاء حتى اليوم الثالث عشر فيرمي الجمار ، إلا من كلن لعذر مثل: أن يكون الطريق مزدحماً ولم يستطع الخروج ، أو كان يبحث عن رفيق له أو وهو في الطريق ، فأولئك وأشباههم لهم مواصلة المسير لأداء طواف الوداع لأنهم حبسوا بغير اختيارهم ، فلهم أن يتعجلوا0
ولأثر عمر رضي الله عنه قال:"من شاء من الناس أن ينفر النفر الأول إلا آل خزيمة ، فلا ينفروا إلا في النفر الأخير" وأهل خزيمة :هم أهل الحرم0
ولما ورد عن بن عمر رضي الله عنهما قال:" من غربت عليه الشمس وهو بمنى من أوسط أيام التشريق ، فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من يوم الغد"(2)0
وعن عبد الرحمن بن يعمر الديلمي:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ، ومن تأخر فلا أثم عليه ، ثم أردف رجلاً خلفه فجعل ينادي بذلك"(3)0
القول الثاني:
__________
(1) البقرة203)
(2) {رواه مالك وصححه النووي في المجموع}
(3) رواه أبو داود وهو حديث صحيح انظر صحيح سنن أبو داود1/547](1/110)
قول الحنفية، يجوز التعجل قبيل طلوع الفجر الثاني من يوم النفر الثاني ، مع كراهة النفر بعد غروب شمس يوم النفر الأول ، ودليلهم في ذلك ، ما ورد عن بن عباس رضي الله عنهما قال:"إذا انتفخ النهار من يوم النفر ، فقد حل الرمي والصدر" والحديث ضعيف ولا تقوم به الحجة0
القول الثالث:
قال الأمام مالك رحمه الله:"المكي ليس له التعجل لحديث عمر السابق حيث قال:"من شاء من الناس أن ينفر النفر الأول إلا آل خزيمة ، فلا ينفروا إلا في النفر الأخير"0
وهو مردود بالآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لم يفصل بين أهل مكة وغيرهم 0
القول الرابع:
قول الحنابلة : يستثنى من ذلك الأمام المقيم للمناسك ، لأجل من يتأخر من الناس 0
وهذا القول وجيه لحاجة الناس المتأخرين للفتوى فيما يحصل لهم من المسائل ، لكن لا يجب0
فالصحيح إذاً هو القول الأول ، وهو أن الحاج له أن يتعجل في يومين ما لم تغرب عليه شمس يوم الثاني عشر إلا لمن كان له عذر في ذلك وقد سبق بيانه 0
والذي يُفهم من الأقوال السابقة أن الأئمة الثلاثة:أحمد بن حنبل والشافعي ومالك قالوا بجواز التعجل في يومين قبل غروب الشمس ، أما أبو حنيفة فله أن ينفر ما لم يطلع الفجر من اليوم الرابع من أيام النحر ، ثم اختلفوا فيمن له البقاء دون تعجل كما تم بيانه0
وقد أسلفنا أن من تعجل في يومين فإنه يسقط عنه الرمي في اليوم الثالث عشر 0
ومن كان معه حصىً جمعها لليوم الثالث عشر ثم بدا له التعجل فإنه يلقها في أي مكان وليس له أن يبتدع فيها بدعة ، فمن الناس من قال أنه يدفنها ، وهذا غير صحيح لأنه لا دليل عليه ثم ما الفائدة في دفنها 0(1/111)
إذاً الخير في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والحذر كل الحذر مما يخالفها فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، أسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه خير مسئول وخير مأمول0
مسائل تتعلق بأيام التشريق:
مشروعية رمي الجمار الثلاث في ايام التشريق فهن وقت للرمي فإن لم يرمي فيهن لعذر أو غيره فاته الرمي وعليه دم
البداءة بالجمرة التي تلي مسجد الخيف ، ثم الثانية وهي الوسطى ثم الثالثة وهي العقبة ، وهذا الترتيب واجب فغن اختل لم يصح الرمي0
أن يكون الرمي بسبع حصيات لكل جمرة وهذا مذهب جمهور العلماء ، خلافاً لقلة منهم: عطاء وجاهد ، فقد أجازوا الرمي بالخمس والست ، ودليلهم في ذلك قول سعد: رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات ، وبعضنا يقول: رميت بست، فلم يعب بعضهم على بعض"(1)0
وعن أبي مِجلَز ، قال:"سألت ابن عباس عن شئ من أمر الجمار؟ فقال:ماأدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو بسبع"(2)0
والقولان السابقان معارضان بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأدلة أخرى منها حديث ابن عباس قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يلبي ، حتى رمى جمرة العقبة ، فرماها بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة"(3)0
فالصحيح وجوب الرمي بسبع حصيات متعاقبات 0
من أخل بحصاة في رمي الجمرة الأولى ، لم يصح رمي الجمرة الثانية حتى يكمل الأولى 0
أن يكبر مع كل حصاة يرميها 0
__________
(1) رواه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد)
(2) رواه النسائي وأبو داود وصححه الألباني]
(3) الحديث رواه النسائي وصححه الألباني في الأرواء](1/112)
من أي مكان رمى الجمار صح الرمي وأجزأ أما ما ورد من الصفات في الرمي فإنما هو صفة الأفضلية فقط0قال النووي في شرح مسلم[واجمعوا على أنه من حيث رمى جمرة العقبة جاز ، سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو عن يساره أو رماها من فوقها أو أسفلها ، أو وقف في وسطها ورماها0
المبيت الواجب بمنى هو أكثر الليل لا كله ، وقال بن حجر في الفتح: ولا يحصل المبيت إلا بمعظم الليل 0
الرخصة في عدم المبيت بمنى لصاحب سقاية الحاج ولرعاة الابل لعذرهم في ذلك ، لكن قال في المغني: وأهل الأعذار كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاة في ترك البيتوتة"0
وقال بن القيم:" وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لأهل السقاية وللرعاة في ترك المبيت ، فمن له مال يخاف ضياعه أو مريض يخاف من تخلفه عنه أو كان مريضاً سقطت عنه البيتوتة"0
جواز الرمي أيام التشريق ليلاً إلا اليوم الثالث عشر فينتهي الرمي فيه بغروب شمسه قال في بدائع الصنائع للحنفية:" فإن أخَّرَ الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شئ عليه"0
وقال النووي في المجموع:" ويبقى وقتها إلى غروبها ، وفيه وجه مشهوراً أنه يبقى إلى الفجر الثاني في تلك الليلة ، والصحيح هذا ، فيما سوى اليوم الآخر ، وأما اليوم الآخر فيفوت رميه بغروب شمسه بلا خلاف"0
جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين إحداهما يوم النحر ضحى ، والثانية أول أيام التشريق بمنى ، بل كلتا الخطبتين كانت في منى ، والأدلة على ذلك ما يلي:
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال:"خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر"(1)0
وعن رجلين من بني بكر ، قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ، ونحن عند راحلته ، وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى"(2)0
__________
(1) <متفق عليه>
(2) رواه أبو داود وصححه الألباني1/548](1/113)
وعن سراء بنت نبهان رضي الله عنها قالت: خطبنا رسو الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال:"أليس هذا أوسط أيام التشريق"(1)0
مما سبق من الأحاديث نأخذ أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين الأولى يوم النحر ، والثانية في اليوم الذي بعده من أيام التشريق ، وخطبة يوم يوم النحر ليست خطبة عيد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة العيد في حجته ولا خطب مثل خطبة العيد وإنما هي خطبة قصد بها تعليم الناس المناسك0
إذاً يتضح لنا أن الخطبة في هذين اليومين مشروعة للإمام أو نائبه ليعظ الناس ويرشدهم ويعلمهم أمور دينهم ومناسكهم ، وهذه فرصة عظيمة لا تتكرر إلا في مثل هذا الموقف ، فينبغي حث المسلمين على الإتحاد والألفة والمحبة والتمسك بدين الله تعالى ، وأن تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة ، كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى 0 وأن يتعاونوا على البر والتقوى ويتناهوا عن الأثم والعدوان ، وأن يزيلوا الأحقاد التي بينهم ، ويلقوا عنهم الضغينة والحسد وأن يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه 0 وأن يحث المسلمين على الوحدة الإسلامية وعدم التفكك ، وأن يكونوا يداً واحدةً في مواجهة الأعداء ، وأن يتصدوا للتيارات والشعارات المعادية للدين الإسلامي ، وأن يكونوا سداً منيعاً ضد أعدائهم0
وأن يتطرق إلى كل ما يهم المسلمين من حث على العمل بالواجبات ، واجتناب المنهيات 0
أن يصلي الحاج بمنى جميع الصلوات قصراً بلا جمع ، بل كل صلاة في وقتها 0 ويصلى في مسجد الخيف إن تيسر له وإلا ففي أي مكان من منى ، ولكن لا يصلي لوحده، بل مع الجماعة0
__________
(1) {رواه أبو داود بإسناد حسن، وقال في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح3/276 وضعفه الألباني ، لكن يشهد له الحديث الذي قبله}(1/114)
يكبر المحرم دبر كل صلاة من صلاة الظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، لأنه قبل صلاة الظهر مشغول بالتلبية فلا يقطعها إلا عند رمي جمرة العقبة ، وليس بعدها صلاة قبل الظهر فيكبر بعدها ، ويستوي في ذلك المحرم والمحل في آخر مدة التكبير ، وتنتهي بغروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وهذا ما لم يكن قد رمى جمرة العقبة ليلاً قبل الفجر ، وصفة التكبير:
الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد0
سميت أيام التشريق بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها ، وهو تقديرها ونشرها في الشمس ، أو لإشراق نهارها بنور الشمس وليلها بنور القمر0 (1)
قال ابن تيمية رحمه الله:[ويستحب ــ أي للحاج ـ ألا يدع الصلاة في مسجد منى ، وهو مسجد الخيف مع الإمام ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون بالناس قصراً بلا جمع بمنى ويقصر الناس كلهم خلفهم أهل مكة وغير أهل مكة0000 ثم إذا نفر من منى فإنه بات بالمحصب وهو الأبطح وهو ما بين جبلين إلى المقبرة ثم نفر بعد ذلك فحسن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بات به ، وخرج ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى ، لكنه ودع البيت(2)0
وقال ابن القيم رحمه الله: ولم يتعجل صلى الله عليه وسلم في يومين ، بل تأخر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة ، وأفاض يوم الثلاثاء بعد الظهر إلى المحصب ، وهو الأبطح ، وهو خيف بني كنانة فوجد أبا رافع قد ضرب له فيه قبة هناك وكان على ثقله توفيقاً من الله عز وجل ، دون أن يأمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ورقد رقدة ، ثم نهض إلى مكة ، فطاف للوداع ليلاً سحراً ، ولم يرحل في هذا الطواف"(3)0
__________
(1) مفيد الأنام2/377)
(2) مجموع الفتاوى26/141]
(3) رواه البخاري ومسلم)(زاد المعاد2/290)(1/115)
من أخل بحصاة من الأولى لم يصح رمي الثانية ولا الثالثة ، وإن أخل بحصاة من الثانية لم يصح رمي الثالثة ، لإخلاله بالترتيب وإن جهل الرامي محل الحصاة من أي جمرة بنى على اليقين ، وإن شك أمن الأولى أو ما بعدها ، جعله من الأولى أو شك في كونه من الثالثة أو الثالثة ، جعله من الثالثة لتبرأ ذمته بيقين ، كما لو تيقن ترك ركن وجهل محله 0
ومن زاد في عدد الحصى عن سبع في رمي إحدى الجمار فرميه صحيح ولكنه أساء في ذلك ، فالواجب الاقتصار على السبع دون الزيادة أو النقص 0
من أخر الرمي كله مع رمي يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أجزأه ذلك أداءً لأن أيام الرمي كلها بمثابة اليوم الواحد ، لأنها وقت للرمي 0
ومعنى ذلك أن أيام الرمي الأربعة بدأً من العاشر إلى الثالث عشر كيوم واحد للرمي ، فلو أخر الرمي كله إلى آخر يوم منها ورمى مرتباً بعد الزوال أجزأه ، لكنه بتأخير الرمي إلى آ خر أيام التشريق تارك للأفضل وهو الأتيان بالرمي في مواضعه المتقدمة أما من أراد أن يرمي عن أيام التشريق كلها في أول يوم فلا يجزئه ذلك ، لأنه كمن قدم الصلاة عن وقتها0
السبع حصيات في الرمي شرط ، لما جاء في الأدلة الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم رمى بسبع جميع الجمرات ولم ينقص عن ذلك ، أما في أنه بعض الصحابة رمى بست وبعضهم بسبع ولم ينكر بعضهم على بعض ، فذلك لا يكون دليلاً بمجرد ترك إنكار بعضهم على بعض ، إلا أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره0
فلما لم يحصل ذلك دل على أن الرمي بسبع شرط لصحة الرمي وقد قال عليه الصلاة والسلام" لتأخذوا عني مناسككم"(1)0
__________
(1) رواه مسلم وغيره](1/116)
من رمى الجمار غير مرتبة ، كمن بدأ بالكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى ، فعليه أن يعيد ذلك مرتباً لا سيما أن كان لا يزال في أيام التشريق ، فعليه دم من جراء تركه الترتيب ، وهذا الدم يذبح بمكة ويوزع على فقرائها ، ولا بد أن يكون الدم مما يجزئ في الأضحية(1) 0 وهذه المسألة مهمة جداً ، وهي تخالف ما ذكرنا سابقاً 0 وهي أصح لأن ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يوجد له مخالف من عهده إلى عهدنا ، وهو الذي قال:"لتأخذوا عني مناسككم" فلا يسوغ لأحد كائناً من كان أن يخالف في ذلك أو يسهل على الناس في مثل هذا الأمر ، حتى لا يتهاون الناس في مثل هذه المشاعر ، فيأخذونها كسلاً وتهاوناً ، ورغبةً عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، بل الواجب التشدد في مثل هذه الأمور اتباعاً واقتداءً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، التي لو تركت هكذا تساهلاً وتهاوناً لماتت واندثرت كثير من السنن اليوم ــ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ فالذي رأته اللجنة الدائمة في ذلك هو الصواب الذي لا مناص عنه0
__________
(1) فتاوى اللجنة الدائمة 11/276)(1/117)
يعتقد بعض الناس خطئاً أن رمي الجمار يقصد به رمي الشيطان ، فتراه يجتهد في ذلك ويجد ، ويضرب بعنف ذلك العمود الشاخص حتى أن الحصا يضرب بالشاخص ثم يخرج خارج الحوض ، ولا ريب أن ذلك من الجهل وقلة العلم ، فالصحيح أن الإنسان أن يرمي الحصا داخل حوض تعبداً لله تعالى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" فالسبب في رمي الجمار هو التعبد لله تعالى وإقامة ذكره سبحانه ، وفي نفس الوقت ترغيماً للشيطان وقهرٍ له ، ودحراً 0فهو بذلك يستصغر ويخنس عندما يرى جموع المسلمين تؤدي هذه الشعائر والمناسك العظيمة شعثاً غبراً ن بلباس واحد وفي مكان واحد ، وربهم واحد ، ودينهم واحد ونبيهم واحد ، فيالها من وحدة واجتماع لو دام عليها المسلمون في كل وقت وحين لدحروا الأعداء ولأصابوهم في مقاتلهم ، ولظهر هذا الدين عالياً شامخاً كما كان ، ولكن بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء 0
إذاً فمن رمى العمود ولم تسقط الحصا داخل الحوض ، وذهب وقت الرمي وأيام التشريق كلها فعليه دم يذبحه بمكة ويوزع على فقرائها ، ولا يجوز دفع ثمن الدم للفقراء0
ذكر بعض العلماء أن المولاة في رمي الجمار غير واجبة ، فلذلك من رمى الجمرة الصغرى بعد الزوال ، ثم لكثرة الزحام رمى الأخرى بعد المغرب والثالثة بعد العشاء، فهذا جائز بإذن الله تعالى 0
لما فيه من التيسير والتسهيل على الناس ، ولما في وجوب المتابعة والمولاة من الحرج والضيق على الناس خاصة في وقت كهذا كثر فيه الحجاج وزاد عددهم ، وعظم الخطب بهذه الكثرة من متابعة المولاة بين رمي الجمار الثلاث0
أخذ الحصى المستعمل في الرمي من الحوض فيه خلاف ـ أي في صحة الرمي به خلاف ـ لكن إن كان المأخوذ حصاة واحدة ، فإن شاء الله أن لا بأس بذلك والرمي صحيح(1)0
__________
(1) <فتاوى اللجنة الدائمة11/278>(1/118)
22-كذلك في الرمي ينبغي أن تقع الحصاة في الحوض ، سواء بقيت ـ أي استقرت ـ أم سقطت 0
23- من لم يجد مكاناً يخيم فيه في منى ، فه أن يبيت وينزل خارج منى حذو أقرب مخيم منها وعليه أن يلتمس ذلك ما استطاع ولا فدية عليه لأنه داخل في قول الله تعالى"فاتقوا الله ما استطعتم"0
24- يقول العلماء من ترك المبيت كل ليالي منى في أيام التشريق فعليه فدية يوزعها على فقراء مكة ، ومن ترك ليلة فعليه إطعام مسكين ، وليلتين إطعام مسكنين ، فإن فعل ذلك فحسن وإلا فلا دليل على ذلك والله أعلم0
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله: أن من ترك المبيت بمنى بتفريط وعدم سؤال عن حدود منى فعليه فدية يذبحها ويوزعها لفقراء مكة ، لأن الواجب عليه أن يسأل عن مثل هذه الأمور ولا ينقص من حجه في الأجر0
وعلى ذلك فمن بات بمنى معظم الليل فله أن يخرج منها إذا أضطر إلى ذلك ، فمن بقي بمنى الليلة الأولى إلى الساعة 12ليلاً فله بعد ذلك الخروج كمن يكون له بيت بمكة أو ما شابه ذلك لكن الأفضل أن يبيت بمنى تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم0
وبأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة والسقاة أن يبيتوا خارج منى ، فالمريض ومن يقوم على خدمته ، وكذلك الموظف الذي يتطلب عمله أن يكون خارج منى ، وغيرهم من أهل الأعذار من باب أولى أن يسقط في حقهم المبيت بمنى ليالي التشريق ولا شئ عليهم أن شاء الله تعالى0
وكذلك من ترك المبيت بمنى ليلة أو ليلتين لعذر فلا شئ عليه 0 أما من ترك المبيت ليلة أو ليلتين لجهل فإن تصدق فهو الأفضل مع التوبة والاستغفار علماً بأن أيام التشريق هي:الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، أما يوم النحر فليس منها إنما هو يوم عيد النحر أو الأضحى وهو يوم الحج الأكبر0(1/119)
25- من فاتته حصاة واحدة ، وفات وقت الرمي فلا شئ عليه ، وعليه أن يجتهد بعد ذلك في أن الرمي بسبع حصيات ، ومن شك في عدد الحصى فإنه يكمل الشك ، ومن شك في الجمرة الأخيرة أنه حصل النقص فيها ، فإنه يكمل النقص الذي حصل فيها وإن النقص في الجمرتين قبلها ، فإنه يكمل النقص الذي حصل فيها ، ولا حاجة لإعادة رمي باقي الجمار إن الأمر يدور بين الجهل والنسيان ، ولا يمكن لإنسان يتكبد المشاق ثم وصل إلى المشاعر المقدسة أن يخل بركن أو واجب من واجبات الحج أو العمرة ، وإلا لما حضر أصلاً ، ولكن كل ما يحصل من الأخطاء هو عن جهل أو نسيان وأما من علم الحكم ثم فرط حتى ذهب وقت الرمي فعليه دم يذبحه لفقراء مكة ، كمن عكس الرمي فبدأ بالكبرى ثم الوسطى ثم الصغرى وعلم بأن ذلك غير جائز ثم فرط بعد إعادة الرمي فهذا عليه دم لتفريطه وتعمده0
26- من ترك رمي يوم الثاني عشر فيلزمه دمان دم لترك المبيت ، ودم لترك الرمي لليوم الثاني عشر ويلزم أيضاً التوبة النصوح والإكثار من الاستغفار وسؤال أهل العلم عما يشكل وعدم التفريط في السؤال0
27- بالنسبة للتوكيل في رمي الجمار فيصح إذا كان لذلك مسوغ شرعي كمرض أو كبر أو خوف من الزحام على الضعفة كالأطفال والنساء خاصة مع كثرة الزحام وازدياد عدد الحجاج ، لكن لا يكون التوكيل بالنسبة للنساء إلا إذا عجزت فعلاً عن الرمي أما التساهل في ذلك فلا يجوز0
ولا تجوز النيابة إلا بأذن المنيب قبل الرمي0
فيرمي النائب عن نفسه أولاً ، ثم عمن استنابه في مكان واحد ، أي عند كل جمرة يرمي عن نفسه وعن نائبه ، ثم الجمرة الثانية ، فالثالثة وذلك لمشقة الأمر وصعوبته في أن يرمي جميع الجمرات عن نفسه ، ثم يعود ويرمي عن نائبه0(1/120)
28-ينبغي أن يحذر الحاج الذي ينفر من منى قبل نهاية أيام الرمي وهي الحادي عشر والثاني عشر للمتعجل ، والثالث عشر للمتأخر، ليحذر الوقوع في عدة محاذير أثناء نفرته من منى قبل اليوم الثاني عشر لأنه كما أسلفت سيقع في عدة محاذير وهي:
أولاً: الاستهتار بشعائر الله تعالى0
ثانياً: تركه السؤال عما يجب عليه معرفته0
ثالثاً: تركه الرمي لليوم الثاني عشر ، فيلزمه بذلك دم يوزعه
على فقراء مكة0
رابعاً: تركه المبيت بمنى لليوم الثاني عشر ، فيلزمه بذلك أيضاً
دم يوزعه على فقراء مكة نظير خروجه بدون سؤال وبتفريط منه0
خامساً: لو طاف طواف الوداع لوقع في غير محله إذ محله بعد انتهاء أيام الرمي ، فيلزمه بذلك دم ثالث ، ولو غادر بدون طواف الوداع فقد ترك واجباً من واجبات الحج فيلزمه بذلك دم ، يوزعه على فقراء الحرم0
فليتق الله المسلم ولا يهمل في أمور دينه بل لا بد أن يكون على علم ومعرفة بها وخاصة ما يهم الحج حتى لا يفسد حجه أو ينقص أجره وهو لا يشعر ، وأحكام الحج من الأمور الفرضية والواجب على المسلم أن يعرفها ويتعلم أحكامها وقد لا يعذر بالجهل بها ، كما هو قول بعض العلماء فلماذا هذا التفريط والتضييع والزهد في أمور الدين ؟ ولماذا هذا التمسك وكثرة السؤال حول أمور الدنيا؟إن دل ذلك على شئ فإنما يدل على غفلة كثير من المسلمين اليوم وإعراضهم عن الله تعالى وعن دينه أن يتعلموه ويعملوا به وهذا لاشك أنه ناقض من نواقض الإسلام ـ والعياذ بالله ـ فأصبح اهتمام كثير من المسلمين اليوم بماذا وصلت إليه البورصات العالمية: وماذا يعرض في القنوات الفضائية؟ وغير ذلك من سفاسف الأمور وتوافهها التي تدل على ضعف العقل وقلة الحيلة وانحطاط الأخلاق ن واتباع سنن الأمم الغابرة ، والاندفاع وراء الرذيلة والبعد عن الحق وأهله ، فنشكو إلى الله ضعف اليقين ، وموت الحياء والغيرة0(1/121)
وللأسف الشديد أن كثير من المسلمين اليوم انساقوا وراء الشعارات الزائفة ، ووقعوا ضحية للدعايات الكاذبة ، التي يروجها أعداء الملة والدين ، فتراهم سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، انغمسوا في ملذات الحياة الفانية ، وتركوا الاستعداد للحياة الباقية أبو لأنفسهم إلا الذل والصغار ، والعبودية والرق للهوى والشهوات ، فهاهي الدشوش أو ما يسمى بالأطباق الفضائية ، تعلوا أسطح المنازل بلا خوف ولا حياء من الله تعالى ، وحجتهم في ذلك أمرين :
الأول: تضييع وقت الفراغ :
الثاني: مشاهدة ما يعانيه المسلمون من اضطهاد :
فأما قولهم : تضييع وقت الفراغ ، فكذبوا في ذلك ، فالمسلم وقته كله لله تعالى ، يقول الله تعالى:"فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً"(1)0
وقال صلى الله عليه وسلم:" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ"(2)0
فأي وقت لديك لتضيعه ، وأي وقت لديك لتفرط فيه ، بل الوقت كله لله عز وجل فوالله لم تخلق لتلعب ولا لتكسب ولا لتنام ولا لتنكح النساء ولا غير من الوسائل بل خلقت لغاية سامية غفلت عنها يا مسكين ألم تقرأ قول الله تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"(3)0
فاجعل وقتك حافل أيها المسلم بما ينفعك في الدارين وخصوصاً الدار الآخرة ، التي لا محالة صائر إليها ، مهما كان حسبك ونسبك ، ومهما كان رصيدك ومركزك ، فالموت لك بالمرصاد ، والموعد يوم التناد ، فهل عقلت ذلك ووعيته ؟0
__________
(1) {النساء}
(2) متفق عليه]
(3) {الذاريات}(1/122)
اشغل وقتك بما يعود عليك بالنفع العميم العظيم عند الله تعالى ، وإياك والتسويف واحذر أن تكون ألعوبة في أيدي شياطين الإنس والجن ، فلن يخسر إلا أنت ، اطلب العلم ، فطلبه فريضة ، ولا تعذر بالجهل فيه ، فلو سئلت ما هي أركان الصلاة لوقفت متبلماً متبلداً ، فلماذا لا تقبل على حفظ كتاب الله تعالى ، وحفظ ما تيسر من سيرة المصطفى سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، وتعلم العلوم الشرعية الأخرى ، فوالله لو جربت لما شبعت من ذلك أبداً ، قال صلى الله عليه وسلم:" منهومان لا يشبعان أبداً: طالب علم ، وطالب دنيا" [ أخرجه الدارمي ]0
ألم تعلم أن الله تعالى قد فرض على هذه الأمة خمسين صلاة في اليوم والليلة ، فلو كانت كذلك لكان معنى هذا أن كل 28دقيقة صلاة ، لأن الله خلقنا من أجل الصلاة والعبادة فهي الغاية من الخلق وما سوى ذلك من توافه الدنيا فهي غايات فانتبه ولا يستهوينك الشيطان فتخسر الدنيا والآخرة 0
*أما قولهم : أننا نضع هذه الدشوش لمشاهدة المسلمين وما يحل بهم من مصائب ومحن فهي مغالطة للحقيقة وكذبة فاضحة ، فلو سألت أحدهم عما حل بالمسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض قد لا يجيب ، بل ربما لا يعرف أين تقع هذه المنطقة من مناطق المسلمين ، وقد يجيب آخر ،أن المسلمين يتعرضون لمحن ومصائب شتى في بقاع شتى ، وهذا ممن خلط الصالح بالسيئ ، وغايته الحقيقية مشاهدة العاهرات والفاسقات وسماع الماجن من الغناء ، ولو سألناه عندما شاهدت ما يحل بالمسلمين ، ماذا قدمت لهم ؟ هل قدمت لهم الدعاء ؟ هل قدمت لهم الدعم المادي والمعنوي؟ لقال:لا ، إذاً هي مغالطة، يحاول المسلم وللأسف أن يقنع بها نفسه ، مع أن نفسه المفطورة على الفطرة الحسنة تأبى ذلك وترفضه ولا تقبله ، إذا ما هذه الأمور التي تحل بالمسلمين ؟ لقد غزينا في ديننا وفي عقولنا ، حتى أصبح بعض المسلمين أسفل منزلة من منزلة البهائم ولا حول ولا قوة إلا بالله0(1/123)
فيا أيها المسلمون: هل من عودة صادقة للدين؟ وهل من محاسبة للنفس ؟ وهل من تصحيح للاتجاهات: قبل أن يحل بكم هادم اللذات .
لقد خرجنا قليلاً عن مسارنا ودرسنا ! ولكن ما دعاني لذلك هو غيرتي وغيرة كل غيور ـ ولا أزكي أحداً على الله ـ على ما يحل بالمسلمين من محن ومصائب جراء بعدهم عن الله تعالى ، وعن دينه وعن اتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون0
29- ولعلي أذكر هنا مختصراً لرمي الجمار من قول عالم جليل ألا وهو ابن المنذر رحمه الله حيث قال : [ عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة أول يوم ضحى ، وأما بعد ذلك فعند زوال الشمس"(1)0
__________
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما](1/124)
قال بن المنذر: فأحب أن لا ترمى الجمرة يوم النحر إلا بعد طلوع الشمس ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويجزئ الرمي بعد طلوع الفجر ، والصحيح أنه يجزيه الرمي متى دفع من مزدلفة0، وأحب أن يلتقط الحصى من مزدلفة لرمي الجمرة يوم النحر ، ومن حيث أخذه يجزيه ، ولا يجزيه الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال ، يبدأ في يوم القر ، وهو الحادي عشر وسمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى أي يسكنون ويقيمون 0 فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات ثم يتقدم أمامها مما يلي الكعبة يستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعو ويطيل الوقوف ، ثم يأتي الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات ن يكبر مع كل حصاة ثم ينحدر ذات اليسار مما يلي الوادي ، فيقف كذلك ويدعو ثم ينصرف ، فيأتي جمرة العقبة فيرميها بسبع حصيات ، ثم ينصرف ولا يقف عندها ، ومن لم يتيسر له الرمي بالنهار رمى بالليل ولا شئ عليه ، ومن فاته شئ من الرمي رمى في أيام التشريق ، فإذا مضت أيام التشريق فقد فات الرمي ، وعليه دم فيما نسي من الجمار أو ترك ، إذا كان نسي جمرة فما فوقها ، ولا يجزئ الرمي إلا بالحصى ، ويُرمى عن المريض العاجز عن الرمي وعن الصبي الصغير 0وأيضاً يُرمى عمن لا يستطيع الرمي لأي عذر من الأعذار](1)
طواف الوداع :
بعد أن ينهي الحاج رمي الجمار في أيام التشريق لمن تعجل في أو تأخر ،بعد ذلك يتجه إلى مكة لأداء طواف الوداع وهو واجب من واجبات الحج ، فعلى من تعجل في يومين أن يخرج من منى قبل غروب الشمس ، فإن غربت عليه الشمس يوم الثاني عشر وهو بمنى لزمه المبيت بها لليوم الثالث عشر والرمي في ذلك اليوم ، ما لم يكن تأخيره لعذر كزحام وانتظار رفقة أو مرض أو طي عفش أو تعطل سيارة وما شابه ذلك0
خطأ شائع :
يقع بعض الحجاج في خطأ شائع وهو أن البعض منهم يطوفون طواف الوداع ثم يعودون إلى منى ويرمون الجمرات ، ولا شك أن في ذلك عدة محاذير:
__________
(1) {انظر الإقناع 1/222}(1/125)
مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم0
مخالفة الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف على الحائض"(1)0
آخر عهدهم بالجمرات وليس بالبيت0
وقوع الطواف قبل وقته ، ووقته بعد الانتهاء من رمي الجمار0
فيجب على الحاج أن ينتبه لهذا الأمر وأن يحرص كل الحرص على ألا يقع فيما ينقص أجر حجه . وقد قال بعض العلماء أن الأفضل للحاج بعد أن يخرج من منى أن يتجه إلى المحصب ويصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعة يسيرة ثم يتجه إلى البيت فيطوف طواف الوداع وهذا مستحب وليس سنة لحديث أنس رضي الله عنه:" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت فطاف به"(2)0
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:" نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج"(3)0
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" التحصيب ليس بشئ ، إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4)0
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:[ثم إذا نفر من منى فإن بات بالمحصب وهو الأبطح وهو ما بين الجبلين إلى المقبرة ــ مقبرة المعلاة ــ ثم نفر بعد ذلك فحسن ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بات به وخرج ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى ، لكنه ودع البيت"(5)0
ويدل على أن المبيت بالمحصب ليس سنة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ، ولكنه وجد أبا رافع قد ضرب له فيه قبة ، فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء هناك ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة ، فطاف للوداع ليلاً سحراً ولم يرمل في هذا الطواف0(6)
__________
(1) متفق عليه)
(2) {رواه البخاري}
(3) متفق عليه
(4) <متفق عليه>
(5) مجموع الفتاوى 26/141)
(6) زاد المعاد2/290)(1/126)
يقول الشيخ / عبدالله البسام وفقه الله ( أما الآن فلا حصباء ولا محصب ولا بطحاء فقد رصف الشارع وقامت العمائر على جنبيه ، وأصبح المحصب من أهم أسواق مكة التجارية)(1) 0
إذاً بعد أن يقضي الحاج أيام التشريق متعجلاً كان أم متأخراً ، فيجب عليه أن يتجه إلى بيت الله الحرام لأداء طواف الوداع ، الذي هو واجب من واجبات الحج ، وعلى من تركه دماً إلا الحائض والنفساء 0 لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :"أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض "(2)0
ومعلوم أن النفساء تبقى أكثر مدة من الحائض فألحقت بها0
قال صلى الله عليه وسلم:"لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"(3)0
يقول النووي رحمه الله:[في الحديث دلالة لمن قال بوجوب طواف الوداع ، وأنه إذا تركه لزمه دم ، وهو الصحيح في مذهبنا (أي مذهب الشافعي) ، وبه قال أكثر العلماء منهم : الحسن البصري ، والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة وأحمد وأسحاق وأبو ثور وقال مالك وداود وابن المنذر : هو سنة لا شئ في تركه ](4) 0
والصحيح ما ذهب إليه النووي رحمه الله من وجوب طواف الوداع على الحاج ، ومن تركه لزمه دم إلا الحائض فإنه خفف عنها إلا إذا طهرت ولم تفارق بنيان مكة لزمها الرجوع وأداء طواف الوداع ، فإن لم ترجع وجب عليها الدم وإن طهرت بعد مفارقة البنيان فلا شئ عليها ويشمل هذا الحكم أيضاً النفساء0
ومن خرج من مكة ولم يطف طواف الوداع فلا يخلو من عدة أمور(5)0
أن يكون قريباً فعليه الرجوع ويطوف طواف الوداع ولا شئ عليه 0
أن يكون قريباً ولا يمكنه الرجوع فيمضي وعليه دم0
أن يبعد عن مكة فيلزمه الرجوع محرماً بالعمرة فيؤديها ثم يطوف للوداع وعليه دم ، ويحتمل سقوط الدم عنه إذا رجع ، والأول هو الصحيح من المذهب والسقوط عنه أولى0
__________
(1) توضيح الاحكام3/387]
(2) متفق عليه)
(3) رواه مسلم وغيره]
(4) شرح النووي على مسلم 9/446)
(5) انظر منهج السالك 0 تحقيق الشيخ/صالح السدلان)(1/127)
أن يبعد ويشق عليه الرجوع فلا يلزمه الرجوع إذن وعليه دم قولاً واحداً 0
قد يعرض للإنسان عارض من سفر إلى غير بلده كأن يحتاج للسفر إلى جدة أو الطائف ، فإنه لا بد أن يطوف للوداع ، لأنه قد يخرج من هناك إلى بلده لأي ظرف من الظروف ولأي طارئ من الطوارئ0
فالأفضل في حقه أن يطوف للوداع قبل الخروج من مكة ، بل أوجب ذلك كثير من العلماء ، ثم لو رجع إلى مكة بعد انقضاء مهمته وسفره وأراد الخروج من مكة والعودة إلى بلده فيلزمه أن يطوف للوداع لحديث ابن عباس السابق 0
وحتى يصدق عليه أن يكون آخر عهده بالبيت 0
فائدة :
قال بعض العلماء كالمالكية أن طواف الوداع سنة ودليلهم في ذلك أنه لو كان واجباً لما سقط عن الحائض والنفساء 0
والجواب على ذلك :
أن سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء لعذر ، ولا يمنع ذلك وجوبه على غير المعذور0
فالصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام وشعيرة عظيمة من شعائره وهي الفاصلة بين الكفر والشرك من جهة والإسلام من جهة أخرى ومع ذلك في حال الحيض والنفاس تسقط عنهما وتجب على غيرهما0
طواف الإفاضة والوداع :
البعض من الحجاج قد يؤخر طواف الإفاضة إلى أن يغادر مكة ، فيطوف الإفاضة والوداع معاً وهذا لا يخلو من ثلاث حالات :
أن ينوي طواف الوداع فقط :
فمن نوى طواف الوداع فقط ولم ينو طواف الإفاضة فإنه لا يجزئه عن طواف الإفاضة ، ومعلوم أن طواف الإفاضة ركن وطواف الوداع واجب ، والركن مقدم على الواجب لأنه أعلى منه رتبة ومنزلة .
أن ينوي طواف الإفاضة فقط :
فهذا يجزئ عن طواف الوداع ، كما تجزئ الفريضة عن تحية المسجد0
أن ينويهما جميعاً :
فإن طواف الإفاضة يجزئ عن طواف الوداع لكن قد ترد هنا مسألة حول حديث النبي صلى الله عليه وسلم:" لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت " وهذا في حق المفرد والقارن إذا سعيا مع طواف القدوم ، أما المتمتع فلا بد أن يأتي بطواف وسعي وحينئذ لا يكون آخر عهده بالبيت بل بالصفا والمروة 0(1/128)
والجواب على ذلك :
قيل : أنه يقدم السعي على الطواف وهذا جائز كما مر بنا فيما سبق0
وقيل : يأتي بالطواف ثم السعي ، لأن السعي تابع للطواف فلا يضر الفصل بين الطواف والخروج من مكة 0 ودليل هذا القول:
أن عائشة رضي الله عنها بعد إتمام نسكها أتت بعمرة فطافت وسعت وسافرت ، وهنا حال السعي بين الطواف والخروج ، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بان تجعل الطواف بعد السعي ، وأيضاً ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للوداع وصلى الفجر وقرأ بالطور ، فلذلك حصل فصل بين الطواف والخروج 0
وعموماً أي القولين اتبع الإنسان أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى0
فائدة :
طواف الوداع واجب للحج دون العمرة ، وقد بينت ذلك بإسهاب فيما سبق فليراجع لمزيد الفائدة0
مسألة :
هل طواف الوداع جزء من الحج أم أنه مستقل عنه ؟
قيل كذا ، وقيل كذا ، والصحيح أنه مستقل عنه وإلا لزم أهل مكة طواف الوداع 0
ومن ذلك نرى صحة من قال أن من نوى طواف الوداع ولم ينوي طواف الإفاضة وجمعهما معاً أنه لا بد أن يطوف بعد ذلك للإفاضة 0 وأهل مكة لا وداع عليهم لأنهم من أهلها ولن يغادروها وإنما يجب على من جاء إلى مكة وأدى مناسك الحج ثم أراد السفر فيجب عليه طواف الوداع لما سبق من الأدلة 0
وطواف الوداع ليس من الحج وإنما هو لكل من أراد الخروج من مكة(1)0
ويقول ابن قدامة رحمه الله : ومن كان منزله في الحرم فهو كالمكي لا وداع عليه ، ومن كان منزله خارج الحرم قريباً منه ، فظاهر كلام الخرقي أنه لابد حتى يودع البيت ، وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك0
__________
(1) مفيد الأنام 2/399)(1/129)
وقال أصحاب الرأي في أهل المواقيت ـ أي من هم دون المواقيت مما يلي مكة ـ أنهم بمنزلة أهل مكة في طواف الوداع ـ أي لا وداع عليهم ـ لأنهم معدودون من حاضري المسجد الحرام ، بدليل سقوط دم المتعة عنهم ، ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم :" لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت"(1)0
ولأنه خارج من مكة فلزمه التوديع كالبعيد(2)0
ملاحظة هامة :
طواف الوداع واجب على من أتم مناسك الحج وفرغ منها وأراد الخروج من مكة ، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:" أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض"(3)0
ودليل آخر ، هو حديث عائشة رضي الله عنها:" فأذن بالرحيل في أصحابه ، فخرج ، فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ، ثم خرج إلى المدينة "(4)0
فعُلم من ذلك أن طواف الوداع واجب على الحاج دون غيره ، فمن جاء مكة للعمرة أو جاء للزيارة أو التجارة أو غير ذلك فلا وداع عليه وهو القول الصواب في ذلك0
إذاً طواف الوداع واجب لنسك الحج لا الإقامة في مكة وغيرها(5)0
__________
(1) رواه مسلم وغيره)0
(2) المغني5/337]0
(3) متفق عليه)0
(4) رواه أحمد وأبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني بدون قبل صلاة الصبح)0
(5) حاشية الروض المربع / بن جبرين 5/315)0(1/130)
ومن طاف للوداع ثم بقي في مكة للتجارة أو قضاء دين ، أو زيارة قريب أو صديق ، أو عيادة مريض ، أو ما شابه ذلك فعليه أن يطوف طواف الوداع ، لأن هذا لم يكن آخر عهده بالبيت ، بل كان آخر عهده بأحد تلك الأمور ، فوجب عليه إعادة طواف الوداع 0 أما من قام للاشتغال بأسباب الخروج كشد الرحل أو إصلاح سيارته ، أو ذهب ليشتري بعض الحاجيات لطريقه من أكل وشرب أو شراء هدايا لأهله ، فهذا لا يعيد طواف الوداع ، مع أن الأحسن في حقه أن يفعل ذلك كله أو بعضه ثم يطوف للوداع هذا هو الأفضل والأحسن حتى يصدق عليه أنه كان آخر عهده بالبيت لكن ما دام أن هناك حاجة ماسة لغعل مثل تلك الأمور فلا بأس إن شاء الله تعالى ولكن كما قلت أن الأفضل أن يؤخرها بعد طواف الوداع(1)0
قال شيخ الإسلام:"فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت ، فيطوف طواف الوداع ، حتى يكون آخر عهده بالبيت ، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه 0 وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره ن فلا يشتغل بعده بتجارة ونحوها 0 لكن إذا قضى حاجته ، أو أشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع ، أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل على المتاع على دابته ، ونحو ذلك من أسباب الرحيل ، فلا إعادة عليه ، وإن أقام بعد الوداع أعاده"(2)0
وبعد أن ينتهي من طواف الوداع فإن أراد أن يأتي الملتزم فله ذلك ، والملتزم ما بين باب الكعبة والحجر الأسود وقدره أربعة أذرع (3)0
__________
(1) حاشية الروض5/316، الشرح الممتع 7/396، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام6/382]
(2) مجموع الفتاوى 26/142)
(3) منهج السالك بحاشية الشيخ / صالح السدلان](1/131)
قال ابن قدامة:" ويستحب أن يقف المودع في الملتزم ، وهو ما بين الركن والباب ، فليزمه ويلصق صدره ووجهه ، ويدعو الله عز وجل ، لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: طفت مع عبدالله فلما جاء دبر الكعبة ، قلت :ألا تتعوذ ؟ قال : أعوذ بالله من النار ، ثم مضى حتى استلم الحجر ، فقام بين الركن والباب ، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ــ وبسطها بسطاً ــ وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله0
وعن عبدالرحمن بن صفوان ، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، انطلقت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة ، هو وأصحابه ، قد استلموا الركن من الباب إلى الحطيم ، ووضعوا خدودهم على البيت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم(1)0
قال شيخ الإسلام:"وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب ، فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ، ويدعو ، ويسأل الله تعالى حاجته ، فعل ذلك ، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع أو غيره ، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة ، وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما:" اللهم أني عبدك ، وابن عبدك ،وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك ، وسيرتني في بلادك ، حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء على أداء نسكي ، فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا ، وإلا فمن الآن فارض عني قبل أن تنأى عن بيتك داري ، فهذا أوان انصرافي عن أذنت لي ، غير مستبدل بك ، ولا ببيتك ولا راغب عنك ، ولا عن بيتك ، اللهم فأصحبني العافية في بدني ، والصحة في جسمي ، والعصمة في ديني ، وأحسن منقلبي ، وارزقني طاعتك ما أبقيتني ، واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير0
__________
(1) الحديثان عند أبي داود وضعفهما الألباني رحمه الله ، وقال محقق زاد المعاد ينجبر أحدهما بالآخر فيصبح حسناً انظر زاد المعاد2/298 والله أعلم )(1/132)
ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً0
فإذا ولى لا يقف ،ولا يلتفت ، ولا يمشي القهقرى قال الثعلبي في فقه اللغة : القهقرى : مشية الراجع إلى الخلف ــ وهنا تنبيه مهم : وهو أن بعض الحجاج إذا أراد الخروج من البيت رجع إلى الخلف وهو ينظر إلى الكعبة ، والبعض يقف عند الباب ويكبر ثلاثاً ويقول : السلام عليك يا بيت الله ، فهذا كله من البدع ، بل إذا ودع الإنسان فإنه يمضي إلى سبيله ولا شئ عليه حتى لو استدبر الكعبة ، لأن من تعظيم الكعبة اتباع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وحيث أنه لم يرد عنه شئ في ذلك دل على أنه بدعة يجب الحذر منها 0 وقال شيخ الإسلام : (قد قيل إنه إذا رأى البيت رجع فودع)(1) ، يعني أنه إذا تعمد رؤية البيت أو رجع القهقري فإنه يعيد الطواف .
وقال الإمام أحمد : إذا ودع البيت ، يقوم عند البيت إذا خرج ويدعو الله ، فإذا ولى لا يقف ولا يلتفت فإن التفت رجع فودع وهذا من باب الاستحباب وإلا فلا دليل على ذلك(2)0
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يلتزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول ، لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه(3)0
فائدة :
__________
(1) مجموع الفتاوى26/142/143]
(2) المغني5/344)
(3) رواه البيهقي بإسناد ضعيف)( زاد المعاد2/218)(1/133)
قيل بأن حجر إسماعيل سمي بذلك لأن إسماعيل عليه السلام دفن فيه ، وهذا الكلام يحتاج إلى إسناد وهو غير صحيح فإسماعيل عليه السلام لا يعلم عن ذلك شيئاً بل لما بنى إبراهيم الخليل الكعبة بمعاونة ابنه إسماعيل عليهما السلام ، كانت أكبر من القدر الذي نراه الآن ، ولكن لما انهدمت الكعبة في زمن قريش وأرادوا بناءها قصرت بهم النفقة فبنوها على ما هو موجود الآن ، وتركوا الباقي وحجروا عليه فسمي ( بالحجر ) إذاً الصحيح أن يسمى الحجر أو الحطيم ، ومن هذا نخرج بفائدة أخرى وهي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض أهل العلم أنه لا يُعرف قبر نبي بعينه إلا ما كان قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو معلوم بعينه ، في بيت عائشة رضي الله عنها ، أما ما سواه من الأنبياء فهناك بعض الأنبياء جاء تحديد للمكان أو المدينة كما قال صلى الله عليه وسلم:" وإن قبره ــ يعني موسى عليه السلام ــ عند الكثيب الأحمر ولو كنت ثَمَّ لأريتكم إياه" أو كما قال 0
فالكثيب الأحمر علمه عند الله ، وقد يكون معلوماً بأنه مكان واسع ، لكن لا يصح أن تحدد فتقول هذه البقعة فيها النبي فلان(1)0 وعلى ما تقدم فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق وحرج ويكون ذلك سبباً للزحام ، فقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم الالتزام 0
وقيل أن الحائض تقف عند باب المسجد الحرام وتدعو بالدعاء السابق ، والصحيح أنه لا دليل على أن الحائض تقف عند الباب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: أن صفية قد أفاضت قبل أن تحيض ، قال "فلتنفر"(2)0 ولم يقل فلتأت المسجد وتقف ببابه ، فلينتبه لهذا الأمر0
__________
(1) أراء خاطئة وروايات باطلة للشيخ/عبدالعزيز السدحان]
(2) متفق عليه)(1/134)
من ترك طواف الوداع ثم ابتعد عن مكة وأراد أن يرجع ليطوف للوداع فهذا يلزمه أن لا يتجاوز الميقات إلا محرماً بعمرة فإذا وصل إلى البيت أدى العمرة فطاف وسعى وحلق أو قصر ، ثم طاف للوداع وعليه دم لتركه طواف الوداع وإن أتى به لأنه فارق البنيان(1)0
فائدة :
لا يصح أن يستنيب في طواف الوداع إذا كان حجه فرضاً بل يطاف به راكباً أو محمولاً ، فغن لم يفعل فعليه دم ، أما إن كان حجه نفلاً فله الاستنابة فيه ولو كان لغير عذر، لأن الاستنابة في نفل الحج جائز ولو لغير عذر ، ففي بعضه من باب أولى(2)0
قلت : أما في الفرض فمعلوم أنه لا يجزئ أن يستنيب غيره مع قدرته 0 وأما في النفل : فهناك روايتان :
الأولى : يجوز أن يستنيب في الحج لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب0
الثانية : لا يجوز ، لأنه قادر على الحج بنفسه فلم يجز له الاستنابة كالفرض 0
والصواب ـ والله أعلم ـ عدم الجواز لأن مثل ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإقرار ولا بفعل من الصحابة رضوان الله عليهم ، مع حرصهم على الخير وكثرة التزود من الطاعة ، وهذا الكلام عن الحج كاملاً لا عن جزء منه0
وعموماً فقد ورد عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى بعدم جواز التوكيل في الطواف والسعي سواء كان الطواف طواف إفاضة أم طواف وداع ، وأن الإنسان ما دام لديه عذر يحبسه ويمنعه عن الطواف فله أن يبقى على إحرامه إن كان الطواف طواف عمرة حتى يؤدي الطواف ، وأما إن كان الطواف طواف إفاضة فله أن يبقى أو يعود إلى بلده ومتى زال عذره عاد وطاف للإفاضة لأن طواف الإفاضة لا حد له على أحد الأقوال كما سبق ذلك ، وعليه دم لترك طواف الوداع ، لأنه حين مغادرته بقي عليه طواف الوداع وحتماً سيغادر ويتركه فيجب عليه دم0
__________
(1) مفيد الأنام 2/402)
(2) مفيد الأنام 1/33)(1/135)
وكذلك طواف الوداع لا يجوز التوكيل فيه فمن استطاع طاف ولو محمولاً أو غير ذلك ومن لم يستطع فإنه يبقى في مكة حتى يستطيع الطواف فيطوف وإلا خرج من مكة وعليه دم لتركه واجب من واجبات الحج0
وكذلك السعي لا يجوز له أن يوكل من يسعى عنه بل يبقى حتى يستطيع السعي ، فإن آيس من زوال المرض وشهد بذلك أطباء موثوقين أصبح كالمحصر يذبح شاة ويطعمها مساكين الحرم ويتحلل لقوله تعالى:"فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" أما من لم يستطع الإطعام فقيل أنه يصوم عشرة أيام ثم يتحلل والصحيح أنه لا دليل على الصيام ، وإنما العشرة أيام المذكورة في الآية خاصة بفدية الأذى دون الإحصار ، ثم ألا ترى أن كفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة الظهار صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، وتخالفها كفارة القتل الخطأ ففيها الدية وصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع سقط عنه الإطعام لعدم وروده في الأدلة ، وكذلك المحصر قياسه على من عدم الهدي قياس غير صحيح لعدم وجود الدليل ، فلا يمكن أن يكلف الإنسان عباد الله عبادة إلا بدليل 0 والله أعلم بالصواب0
وطواف الوداع يفعل فيه الطائف كما يفعل في أي طواف آخر من الطواف حول البيت سبعة أشواط غير أنه لا رَمَل فيه ولا اضطباع فالرمل يكون في طواف القدوم للحاج وطواف العمرة للمعتمر والمتمتع أما طواف الإفاضة والوداع فلا رمل فيهما لقول ابن عباس رضي الله عنهما:" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه(1)0
وأما الإضطباع فواضح أنه لا يمكن لأن الطائف للإفاضة والوداع قد أحل من إحرامه ولبس ثيابه العادية فانتفى في ذلك الاضطباع وبعد الطواف يستحب أن يصلي ركعتين خلف المقام ويتضلع من ماء زمزم ثم ينصرف مغادراً الحرم ومكة إلى بلده ويجب أن يحذر الحاج من البدع0
مسائل تتعلق بطواف الوداع :
__________
(1) رواه أبو داود وهو حديث صحيح)(1/136)
لا يحرم البيع والشراء بعد طواف الوداع وكذلك من أراد الإقامة بعده لشغل ما ولكن لو ودع ثم تأخر من أجل تلك الأمور وغيرها فإنه يجب عليه أن يعيد طواف الوداع لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت0
يشرع للمعتمر ولا سيما أن أقام بمكة بعد أداء العمرة أن يطوف للوداع لدى خروجه من مكة ولا يجب عليه ذلك ، وإنما يستحب له0
بعد طواف الوداع يخرج المودع من أي بابمن أبواب المسجد الحرام ، ولا يختص ذلك بباب معين ، كما لا يلزم القادم أن يدخل من باب السلام ن لما في ذلك من حصول المشقة ، وحتى لا يقع المسلم في البدعة والتنطع في الدين ، فالدين ولله الحمد دين يسر وسهولة0
قد يطوف الحاج للوداع ليلاً وهو يريد الخروج من مكة ولكن قد يكون متعباً لا يستطيع معه السفر ، فله أن يبيت بمكة وفي الصباح أو متى استيقظ سافر ، ولا شئ عليه ، ولكن لو أعاد الطواف قبل المغادرة لكن أفضل وأولى 0
بعض مساكن جدة والطائف يتركون طواف الوداع ويعودون إلى منازلهم هناك حتى يخف الزحام ، ثم يعودون إلى مكة لأداء طواف الوداع ولا شك أن هذا خطأ وعليهم بذلك دم سواءً عادوا أولم يعودوا لتركهم واجب0
من ترك بعض أشواط طواف القدوم ، فهذا لم يتم طوافه وعليه أن يكمل ما بقي إن لم يطل الفصل ، وتعرف الإطالة بالعرف ، فما قاله الناس طولاً فهو وقت طويل وعليه أن يعيد الطواف من جديد ن وإلا أكمل ما بقي عليه فإن خرج من مكة فقد وجب عليه الدم ، ويذبح الدم في مكة ويطعم منه مساكين الحرم ، ولا يأكل منه شيئاً ، والدم ما يجزئ في الأضحية وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو شاة أو جذعاً من الضأن0
من أدى مناسك الحج وترك طواف الوداع وخرج إلى الميقات ليأتي بعمرة ، فقد وجب عليه الدم بخروجه إلى الميقات0
طواف العمرة لا يجزئ عن طواف الوداع وصورة ذلك كما مر بنا في النقطة السابقة0
المرأة إذا كانت حائضاً ، سقط عنها طواف الوداع ، ولا فدية عليها0(1/137)
فإن طهرت قبل مفارقة البنيان وجب عليها أن تعود فتغتسل وتتنظف وتطوف للوداع وإلا لزمها دم يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم0
وأما أن طهرت بعد مفارقة البنيان فلا شئ عليها ، فلا يلزمها طواف الوداع ولا فدية عليها0
10- ليس على أهل مكة طواف وداع ، لأن طواف الوداع يتعلق بمن حج وأراد الخروج من مكة والسفر إلى بلده ، وأما المقيم في مكة فلا طواف للوداع عليه0
زيارة المدينة النبوية :
بعد إتمام مناسك الحج كاملة ولله الحمد والفضل من قبل ومن بعد ، فإن بعض الحجاج يتجهون لزيارة المسجد النبوي بالمدينة النبوية راجين بذلك حصول الأجر والمثوبة بالصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :" صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة"(1)0
وليعلم الحاج أن زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست من مناسك الحج ، ولا علاقة لها بالحج صحة وعدماً ، ولكن بعض الحجاج قد يستغل فرصة وجوده في هذه البلاد الطيبه المباركة بلد الحرمين الشريفين ، فيستغل هذه الفرصة الثمينة ويستثمرها فيما يعود عليه بالنفع العميم والأجر العظيم عند الرب الكريم سبحانه وتعالى ، فيستغل أيام حجه وما بعدها بزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن صلاة فيه بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام0
وهنا تنبيه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار فقد فشا بين الناس أن المسجد الأقصى هو ثالث الحرمين والصحيح أنه أولى القبلتين أما ثالث الحرمين فلا ، لأنه لا حرم إلا البيت الحرام وما علم من حدود الحرم حوله وكذلك المدينة واختلف العلماء في وج وهو واد في الطائف هل هو حرم أم لا ؟ 0
__________
(1) رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3841](1/138)
وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله أنه ليس من الحرم ، وأما المسجد الأقصى فليس بحرم على الإطلاق ولا حجة مع من قال ذلك ولا دليل معه ينتهض به تعليله 0 والله أعلم0
وعلى الحاج أن يقصد زيارة المسجد النبوي ولا يقصد بسفر إلى طيبة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لنهيه عليه الصلاة والسلام عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة حيث قال:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"(1)0
وهذا دليل واضح لمن له حظ من النظر بأن شد الرحال لا يكون إلا لهذه المساجد الثلاثة أما أن يشد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويخص به السفر فهذا لا يجوز أما من زار المسجد زار المسجد النبوي وأثناء زيارته قام بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين ، فهذا لا بأس به لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم جاءت تابعة لزيارة مسجده وتحصيل أجر الثواب بالصلاة فيه0
ولا يخفى على المسلم أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لها صفة وطابع خاص ولا تشبه بحال من الأحوال زيارة قبره بعد موته ، لأنه في حياته يراه الزائر ويسمع منه ويطلب الدعاء منه صلى الله عليه وسلم ، ويتعلم منه أحكام الشريعة ويجاهد بين يديه وغير ذلك ، أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيجب علينا متابعته والتمسك بسنته ظاهراً وباطناً وتعظيمه وتوقيره ومحبته وموالاته من يواليه ومعاداة من يعاديه ، ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا باتباع أوامره واجتناب نواهيه وأن لا نعبد الله إلا بما شرعه لنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك من مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله(2)0
__________
(1) متفق عليه)
(2) 0<انظر كتاب حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته للمؤلف>(1/139)
وقد نص العلماء على أن من نذر السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء والصالحين فإنه لا يجوز الوفاء بهذا النذر لأنه نذر معصية بل قال ابن عقيل وغيره أن من سافر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين فإنه لا يقصر الصلاة في هذا السفر لأنه سفر معصية(1)0
ثم إذا وصل الزائر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم فإنه يقدم رجله اليمنى عند الدخول ويدعو بما يدعو به عند دخوله إلى أي مسجد من المساجد فيقول :" بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج قال:" بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"(2)0
ثم يصلي في الروضة الشريفة إن تيسر له ذلك وإلا ففي أي مكان0
وقد ورد في فضل الروضة الشريفة دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي"(3)0
فيبدأ الزائر بحية المسجد ولا يقدم قبلها شيئاً إلا أن يدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة المفروضة فإنه يدخل مع الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"[ أخرجه مسلم ]0
فإذا أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه ثم يسلم على صاحبيه ولا يدعو عند القبر ، لما كان ابن عمر يفعله فإنه كان يقول :( السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبت)(4) 0
وأما أن يزاد على ذلك ويقف للدعاء فهذا مكروه ، وأشد من ذلك لو استقبل القبر ودعا ، أو دعا صاحب القبر .
__________
(1) {مجموع فتاوي شيخ الإسلام 27/27،28،29}
(2) رواه الترمذي وأصله عند مسلم)
(3) رواه البخاري ومسلم)
(4) منهج السالك545](1/140)
فيجب منع الناس من المكوث عند القبر النبوي الشريف ، لأنه لو بقي كل زائر يكثر من ذلك لبقى الواحد أكثر من ساعة ولضاقت تلك المساحة بهؤلاء الجهلة ، ولحصل بذلك زحام عظيم ، ولو ترك الأمر هكذا للناس بدون إنكار للمنكر لغلو في نبيهم صلى الله عليه وسلم ولقد قال صلى الله عليه وسلم:" لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله"(1)0
وقال صلى الله عليه وسلم :" اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد 0اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(2)0
فإذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فإنه لا يقف بل يخرج من المسجد ، ولم يكن من عهد السلف الصالح رضوان الله عليهم أن يأتي أحد ويدعو عند قبره صلى الله عليه وسلم لا مستقبل القبلة ولا مستدبرها0
قال الإمام مالك :[لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي كما كان يفعل ابن عمر رضي الله عنهما]0
وقال أيضاً : هو بدعة لم يفعلها السلف 0
ويكره التمسح بحائط قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو تقبيله ، ثم أعلم أن هذه آلة من حديد أو نحاس أو غيرها ولا مزية لها عن غيرها فهي جماد لا تنفع ولا تضر ، فحكم عقلك واعمل رأيك تعرف الحق والصواب من الباطل والخطأ0
وزيارة القبر النبوي أي قبر النبي صلى الله عليه وسلم جائزة لأنها من جملة الأحاديث الدالة على استحباب زيارة القبور ، لقوله صلى الله عليه وسلم :" نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ، فإن لكم فيها عبرة" وفي رواية:[فإنها تذكركم الموت](3) 0
واعلم أن زيارة القبور قسمين ، وذكر ذلك شيخ الإسلام حيث قال:[وقد كره مالك أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا: لأن لفظ الزيارة قد صار في عرف الناس تتضمن ما نهي عنه ، فإن زيارة القبور على وجهين : وجه شرعي ، ووجه بدعي0
__________
(1) {رواه البخاري وغيره}
(2) رواه مالك في الموطأ]
(3) انظر صحيح الجامع الصغير رقم 6789، 6790)(1/141)
"فالزيارة الشرعية" ومقصودها السلام على الميت والدعاء له ، سواءً كان نبياً أو غير نبي0
ولهذا كان الصحابة إذا زاروا النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه ، ويدعون له ، ثم ينصرفون ، ولم يكن أحد منهم يقف عند قبره ليدعوا لنفسه ، ولهذا كره مالك وغيره ذلك ، وقالوا إنه من البدعة المحدثة 0 ولهذا قال الفقهاء : إذا سلم المسلم عليه وأراد الدعاء لنفسه لا يستقبل القبر ، بل يستقبل القبلة ، وتنازعوا وقت السلام عليه هل يستقبل القبلة أو القبر ؟ فقال أبو حنيفة : يستقبل القبلة ، وقال مالك والشافعي وأحمد : يستقبل القبر ، وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم :" لا تتخذوا قبري عيداً" وقوله صلى الله عليه وسلم :" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما فعلوا0
…وقوله صلى الله عليه وسلم :" أن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك"0
…ولهذا اتفق السلف على أنه لا يستلم قبراً من قبور الأنبياء وغيرهم ولا يتمسح به ، ولا يستحب الصلاة عنده ، ولا قصده للدعاء عنده أو به لأن هذه الأمور كانت من أسباب الشرك وعبادة الأوثان ، كما قال تعالى:"وقالوا لا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً"(1)0
قال طائفة من السلف : هؤلاء كانوا قوماً صالحين من قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ، ثم صوروا ثماثيلهم فعبدوهم0
…وهذه الأمور ونحوها هي من " الزيارة البدعية"وهي من جنس دين النصارى والمشركين وهو أن يكون قصد الزائر أن يستجاب دعاؤه عند القبر ، أو أن يدعو الميت ويستغيث به ويطلب منه أو يقسم به على الله تعالى في طلب حاجاته ، وتفريج كرباته ، فهذه كلها من البدع التي لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أصحابه(2)0
__________
(1) نوح)
(2) 0{مجموع الفتاوى27/32.31.30}(1/142)
نعم لو ترك الأمر لعامة الناس لطغوا وبغوا ولأوردوا أموراً في الشرع منهية ، ولكن من فضل الله ومنته أن يهيأ لهذا الدين حماة يحمونه ويصونونه من عبث العابثين ألا وهم العلماء ، فما جاءنا من العلماء المعتبرين الذين هم من أهل السنة والجماعة ممن يتبعون الدليل الشرعي الصحيح والاجماع والقياس الصحيح فأهلاً بالحكم وسهلاً ، ونحن له تبعاً، أما من له شطحات وغفلات وهفوات فأولئئك يجب الحذر منهم ولا يؤخذ منهم إلا ما يوافق الكتاب والسنة وأما من جهل بهما فعليه أن يعرض أقوالهم على أهل الرأي والحكمة ، حتى يكون على بصيرة من دينه فلا يتبع الأهواء والآراء 0
…وينبغي لزائر المسجد النبوي أن يخفض صوته ولا يجادل فيه ولا يخاصم ، وذلك في جميع المساجد وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوكد ، لقوله تعالى:" أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجرٌ عظيم"(1)0
__________
(1) الحجرات3)(1/143)
قال في مفيد الأنام:[ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وهو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أشد ، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد ، فقال : لو أعلم أنكما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً ، إن الأصوات لا ترفع في مسجده صلى الله عليه وسلم0 فما يفعله نعضض جهال العامة من رفع الصوت عقب الصلاة من قولهم : السلام عليك يا رسول الله بأصوات عاليه من أقبح المنكرات ولم يكن أحد من السلف يفعل شيئاً من ذلك عقب الصلاة لا بأصوات عالية ولا منخفضة ، بل ما في الصلاة من قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته هو المشروع ، كما أن الصلاة عليه مشروعة في كل مكان وزمان ، قلت هذا في زمن شيخ الإسلام رحمه الله ، فكيف لو رأى زماننا هذا الذي قل فيه العلم النافع وكثر فيه الجهل واتبع فيه الهوى فإنه قد زاد رفع الصوت في مسجده صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الجهلة الزائرين فإنه بعد كل صلاة يقومون جماعات في قبليّ المسجد ويكون مع كل جماعة مزوِّر يرفع صوته لجماعته فيرفعون أصواتهم بما يقول وهكذا كل جماعة ترفع صوتها فيصير لهم ضجة في المسجد يذوب من سماعها قلب الموحد(فإنا لله وإنا إليه راجعون)(1) 0
ويستحب لزائر المدينة النبوية أن يزور مسجد قباء لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" الصلاة في مسجد قباء كعمرة"(2)0
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من تطهر في بيته ، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه ، كان له كأجر عمرة"(3)0
__________
(1) مفيد الأنام 2/414ـ415]
(2) {انظر صحيح الجامع رقم3872}
(3) انظر صحيح الجامع رقم6154)(1/144)
وهذه فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية حول زيارة بعض المساجد والأماكن الأثرية بالمدينة المنورة عدا المسجد النبوي ومسجد قباء فكان الرد مقنعاً داحضاً لأهل الباطل شافياً لطالب الحق بأدلته الشرعية الصحيحة المستمدة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والعلماء الربانيين المحققين لكلمة التوحيد وكان في نهاية الجواب على السؤال ما يلي:[لم يثبت بالنقل وجود مساجد سبعة بل ولا ما يسمى بمسجد الفتح والذي أعتنى به أبو الهيجاء وزير العبيديين المعروف مذهبهم وحيث أن هذه المساجد صارت مقصودة من كثير من الناس لزيارتها والصلاة فيها والتبرك بها ويضل بسببها كثير من الوافدين لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقصدها بدعة ظاهرة ، وإبقاؤها يتعارض مع مقاصد الشريعة وأوامر المبعوث بإخلاص العبادة لله ، وتقضي بإزالتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1)0
فتجب أزالتها درءاً للفتنة ، وسداً لذريعة الشرك وحفاظاً على عقيدة المسلمين الصافية ، وحماية لجناب التوحيد ، اقتداءً بالخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ن حيث قطع شجرة الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها ، خوفاً عليهم من الفتنة ، وبين أن الأمم السابقة هلكت بتتبعها آثار الأنبياء التي لم يؤمروا بها ، لأن ذلك تشريع لم يأذن به الله 0
ومما تقدم يعلم أن توجه الناس إلى هذه المساجد السبعة وغيرها من المساجد المحدثة لمعرفة الآثار ، أو للتعبد والتمسح بجدرانها ومحاريبها ، والتبرك بها بدعة ، ونوع من أنواع الشرك شبيه بعمل الكفار في الجاهلية الأولى بأصنامهم ، فيجب على كل مسلم ناصح لنفسه ترك هذا العمل ، ونصح اخوانه المسلمين بتركه0
__________
(1) رواه مسلم)(1/145)
وبهذا يعلم أن ما يقوم به بعض ضعفاء النفوس من التغرير بالحجاج والزوار وحملهم بالأجرة إلى هذه الأماكن البدعية ، فالمساجد السبعة هم عمل محرم ، وما يأخذ في مقابله من المال كسبه حرام ، فيتعين على فاعله تركه :" ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب"(1)0(2)0
وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى:[وتسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده ، لما ثبت من الأدلة الصحيحة في ذلك ، فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ، ويقول:" بسم الله ، والصلاة والسلام على رسوله أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد ، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص ، ثم يصلي ركعتين ، فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، وأن صلاها في الروضة الشريفة فهو أفضل0
ثم بعد ذلك يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض ثم يسلم عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائلاً:" السلام عليك يارسول الله ورحمة الله وبركاته " ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويدعو لهما وترضى عنهما0 كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، لا يزيد غالباً على قوله :" السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه" ثم ينصرف 0هذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة ، أما النساء فليس لهن زيارة شئ من القبور ، كما ثبت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن" زائرات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج"0
__________
(1) الطلاق2،3]
(2) فتوى رقم19729 بتاريخ 27/6/1418هـ)(1/146)
ويسن للزائر أن يصلي الصلوات في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يكثر من الذكر والدعاء وصلاة النافلة ، اغتناما لما في ذلك من الأجر الجزيل 0ويستحب أن يثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة 0
ولا يجوز أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها ، لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة منكرة 0
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة أو تفريج كربة ، أو شفاء مريض أو نحو ذلك ، لأن ذلك لا يطلب إلا من الله سبحانه ، وطلبه من الأموات شرك بالله ، وعبادة لغيره ، ودين الإسلام مبني على أصلين:
أحدهما:ألا يعبد إلا الله وحده0
الثاني : ألا يُعبد الله إلا بما شرعه الله عز وجل والرسو صلى الله عليه وسلم0
وهكذا لا يجوز لأحد أن يطلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنها ملك الله سبحانه فلا تطلب إلا منه ، كما قال تعالى:"قل لله الشفاعة جميعاً"(1)0
فتقول:"اللهم شفع فيّ نبيك ، اللهم شفع فيّ ملائكتك ، وعبادك المؤمنين الله شفع فيّ(000)" ونحو ذلك ، أما الأموات فلا يطلب منهم شئ ، لا شفاعة ولا غيرها سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء ، لأن ذلك لم يشرع ، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث :صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له"(2)0
ويجوز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة ، أما بعد موته فلا0
ففي الدنيا يجوز للإنسان أن يطلب من غيره أن يشفع له عند ربه في حيال حياة الشافع والمشفع ن فيقول لأخيه: اشفع لي عند ربي في كذا وكذا ، بمعنى : أدع الله لي ، ويجوز للمقول له ذلك ، أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مباحاً0
__________
(1) الزمر44)
(2) رواه مسلم](1/147)
ومن المخالفات عند قبره صلى الله عليه وسلم ما قاله سماحة الشيخ ابن باز حيث قال : وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شئ له فوق صدره أو تحته كهئية المصلي ، فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم ، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم ، لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله ، وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد ، وتحريك شفتيه والسلام أو الدعاء فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات ولا ينبغي للمسلم أن يحدث في دينه ما لم يأذن به الله ، وهو بهذا العمل أقرب إلى الجفاء منه إلى الموالاة والصفاء ، وقد أنكر الأمام مالك رحمه الله هذا العمل وأشباهه وقال :( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح أولها)0
ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو : السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعه بإحسان ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بتمسكهم بذلك وسيرهم عليه](1) 0
التنبيه على أحاديث ضعيفة وموضوعة خاصة بزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم :
…لا شك أن المسلم معتز بدينه ، محب لربه ولنبيه صلى الله عليه وسلم ويؤثر حب الله تعالى وحب نبيه على نفسه وماله ووالده وولده والناس أجمعين لقوله تعالى:"ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله"(2)، ولقوله تعالى:" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم"(3)0
ولقوله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وان يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار "(4)0
__________
(1) فصل في أحكام الزيارة وآدابها)
(2) البقرة)
(3) آل عمران]
(4) متفق عليه](1/148)
وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "(1)0
فمن ذلك كله تجد المسلم إذا ذكر عنده نبيه صلى الله عليه وسلم ، أكثر من الصلاة والسلام عليه محبة له ، واتباعاً لسنتهن واقتداءً بهديه والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم من مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ، هذا هو المسلم الحق والمؤمن الصادق الذي يحب نبيه ويتبعه ويقتدي به ، فلذلك نجد أن المسلم يحب أن يسمع ويقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ويحب زيارة مسجده عليه الصلاة والسلام ولكن وللأسف أن من خانته نفسه وذهب الشيطان بعقله ، أقول : أن أولئك الفئة من الناس استغلوا حب المسلمين لنبيهم صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بهديه ، فأوردوا أحاديثاً على لسانه صلى الله عليه وسلم وهي موضوعة مكذوبة حتى يغرروا بالمسلمين فيوقعوهم فيما وقع أهل الشرك والكفر من قبلهم فيتجهوا لعبادة القبور والطواف حولها والدعاء عندها والذبح لها والتوسل بأهلها والتبرك بهم ودعائهم من دون الله وكل ذلك وغيره من الشرك الأكبر إن اعتقد صاحبه نفع الميت أو ضره0
__________
(1) متفق عليه)(1/149)
…وأورد البعض بحسن قصد أو غيره بعض الأحاديث الضعيفة في ذلك أيضاً ، وقد نُبه على ضعف هذه الأحاديث ، وقلة حيلة أهلها وسماجة بضاعتهم كثير من العلماء الأفذاذ الذين هداهم الله تعالى لتفنيد تلك الأباطيل والحيلولة دون ترويجها ومن أولئك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال :" وأما قوله:" من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي" وأمثال هذا الحديث مما روي في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فليس منها شئ ، ولم يرو أحد من أهل الكتب المعتمدة منها شيئاً : لا أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم ، ولا أصحاب السنن كأبي داود والنسائي ، ولا الأئمة من أهل المسانيد : كالإمام أحمد وأمثاله ، ولا اعتمد على ذلك أحد من أئمة الفقه : كمالك والشافعي واسحاق وابن راهويه ، وأبي حنيفة ، والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأمثالهم ، بل عامة أهل الحديث مما يعلم أنها كذب موضوعة ، كقوله :" من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة" وقوله :"من حج ولم يزرني فقد جفاني" فكلها مكذوبة موضوعة ولم يصح منها حديث واحد في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم"(1)0
ثم يتبع شيخ الإسلام في تفنيد هذه الأحاديث وبيان بطلانها كثير من العلماء وممن عنوا بأمر الحديث النبوي صحة وضعفاً ومنهم الشيخ بن باز والشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني رحمهما الله وغيرهما، وأقتطف هذه الأحاديث من سلسلة الضعيفة والموضوعة للألباني حيث أجاد وأفاد رحمه الله في توضضيح الطريق الصحيح لمن أراد الحق ورغب فيه فالحق ضالة المؤمن أنى وجده أخذه به ، ومن هذه الأحاديث الباطلة التي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:
عن ابن عمر مرفوعاً:" من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" وفي رواية"من زار قبري وجبت له شفاعتي"0
رواه الدار قطني بإسناد ضعيف ، وقال الألباني الحديث منكر0(2)0
__________
(1) مجموع الفتاوى 27/29]
(2) الأرواء رقم1128)(1/150)
2-" من حج حجة الإسلام ، وزار قبري ، وغزا غزوة وصلى عليّ في المقدس ، لم يسأله الله فيما افترض عليه"الحديث موضوع ، قال ابن عبدالهادي رحمه الله تعالى:(ولا يخفى أن هذا الحديث موضوع مركب مفتعل إلا على من لا يدري علم الحديث ولا شم رائحته"(1)0
3-من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني 0حديث موضوع0
4- من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة" حديث موضوع0
5- من حج فزار قبري بعد موتي ، كان كمن زارني في حياتي0حديث موضوع0(2)
6-من زارني أو زار قبري كنت له شافعاً أو شهيداً حديث ضعيف(3)0
7- من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة0حديث ضعيف(4)0
8- من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة0حديث: رواه البيهقي بإسناد ضعيف(5)0
ومن أراد مزيد الفائدة ولمعرفة ضعف هذه الأحاديث ودرجة ذلك فليراجع الكتب المذكورة سابقاً وكذلك موسوعة الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة وهي تقع في (15) مجلداً من إصدار مكتبة المعارف بالرياض 0
وهي مأخوذة من (78) كتاباً تتحدث عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، فجزا الله القائمين عليها خير الجزاء 0 وكل تلك الأحاديث السالفة الذكر موجودة من صفحة 429 إلى صفحة 462 من المجلد رقم9 0
وما ذكرته من الأحاديث الضعيفة المكذوبة في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنع من زيارة قبره عليه الصلاة والسلام ولكن بدون شد الرحال ، فالرحال لا تشد إلا للمساجد الثلاثة التي ذكرت في الحديث أما القبور جميعها بلا استثناء فلا يجوز شد الرحال إليها ولذلك كره الإمام مالك رحمه الله تعالى أن يقال أو يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم 0
وزيارة القبور مشروعة في حق الرجال دون النساء لما حررته سابقاً ، والعلم عند الله تعالى .
__________
(1) السلسلة الضعيفة 1/396ـ370]
(2) انظر السلسلة الضعيفة1/119ـ120)
(3) انظر الإرواء 1127)
(4) انظر ضعيف الجامع رقم5608)
(5) انظر مشكاة المصابيح2/840](1/151)
أما فضل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فهناك العديد من المؤلفات التي تتحدث عن هذا الموضوع .
المؤلف من يرجو فضل ربه وعفوه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام الجامع الكبير بتبوك
والكاتب بموقع زاد المعاد
لمراسلة الشيخ على أميل مشرف زاد المعاد
ونرجو لمن لديه تعقيب او أي ملاحظة بيان ذلك لنا وجزيتم خيرا
تم النشر بواسطة موقع زاد المعاد الذي سيفتتح قريبا
www.zadalmaad.com
www.zadalmaad.ws
shsh909@hotmail.com
المشرف العام اخوكم محبكم في الله
ابو يزيد شايم العنزي
انتظروا الموقع قريبا دعواتكم(1/152)