* مقدمة *
الحمد الله الذي أوجد المخلوقات على هذه الأرض ليعمروها وجعل الإنسان خليفته في أرضه وحمله أمانة العبادة فمنهم من آمن ومنهم من كفر فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ففي جنة الفردوس لا يمسهم فيها نصب ولا لغوب وأما الذين كفروا ففي نار جهنم خالدين فيها فبئس الورد المورود . وصلاة وسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين .
بين يديك عزيزي القارئ قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون هذه القصة التي وردت في كثير من سور القرآن الكريم وقد ارتبط اسم مصر في القرآن برسولين عظيمين وهما سيدنا يوسف عليه السلام وسيدنا موسى عليه السلام وكلاهما تربى صغيراً في مصر إلى أن كبر فأما سيدنا يوسف عليه السلام فإن أهل مصر آمنوا بالله على يديه وأسلم ملكها لله رب العالمين وأصبح سيدنا يوسف عزيز مصر ( وزير تجارتها ) وذلك بعد أن رأى ملك مصر في منامه رؤيا أفزعته وهي أنه رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخرى يابسات فلم يستطع أحد من أهل دولته أن يفسرها له إلى أن فسرها له سيدنا يوسف عليه السلام فلما تحقق الملك من صدق تفسير الرؤيا استقدم سيدنا يوسف من السجن وجعله على خزائن مصر فحينما أجدبت الأرض التي بها سيدنا يعقوب والد سيدنا يوسف عليه السلام أرسل أبنائه إلى مصر ليحصلوا منها على القمح فلما دخلوا على سيدنا يوسف عرفهم ولم يعرفوه وكانت له معهم قصة فريدة ليس هذا مجالها إلى أن استقدمهم إلى مصر فجاءوا إلى مصر جميعاً وقد ورد عن أهل الكتاب أنهم كانوا سبعين إنساناً . وقال أبو إسحاق عن أبي عبيده ابن مسعود أنهم كانوا ثلاثة وستين إنساناً .
وقال أيضاً عن مسروق كانوا ثلاثمائة وتسعون إنساناً .(1/1)
ثم إن يعقوب عليه السلام مات بمصر فاستأذن سيدنا يوسف ملك مصر في الخروج ليدفن أباه يعقوب عند أهله فأذن له فخرج ومعه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا إلى حبرون دفنوه في المغارة التي كان اشتراها سيدنا إبراهيم عليه السلام من عفرون بن صخر الحبشي وعملوا له عزاء سبعة أيام وبعدها رجع يوسف عليه السلام إلى مصر ثم حضرت سيدنا يوسف الوفاة بعد أبيه بأعوام ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة ومن هنا سكن بنوا إسرائيل مصر إلى أن مرت أربعمائة وخمسون عاماً على قول الرواة فجاء زمن سيدنا موسى عليه السلام في مصر وكان فرعون ملكاً على مصر وكان أهل مصر قد نسوا ما كان من أمر يوسف عليه السلام فكذب أهل مصر سيدنا موسى عليه السلام فأهلكهم الله تعالى فغرق فرعون في البحر بعد أن تبع موسى بجنوده وهذا ما ستوضحه القصة ؟
ولكن رأيت من خلال هذه القصة الشيقة أن أوضح بعض الأشياء هي :
1- أين هي مصر التي كان يسكن بها موسى عليه السلام ؟2- هل رمسيس الثاني أو غيره من ملوك مصر هم فرعون موسى ؟3- ما هو اسم فرعون موسى ؟4- كيف سار موسى ببني إسرائيل هربا من فرعون ؟ 5- ما هو مقدار الأموال التي سرقها الإسرائيليين من مصر حينما هربوا من مصر 6- ما هي حقيقة السحر الذي كان يتعاطاه أهل مصر ؟ 7- ما هو المكان الذي غرق فيه فرعون وجنوده ؟ 8- ماذا سيظهر باكتشاف مصر ؟ 9ـ ما هو العلم الذى استطاع قارون أن يحصل به على كنوزه ؟
وقد رأيت في هذا الكتاب أن لا أقف عند غرق فرعون في النهر وأن أتكلم بعده عن قارون وكيف حصل على كنوزه ولن أكمل قصة سيدنا موسى إذ أن بقية القصة لن تخدم موضوع الكتاب في شيء
إذ أن كل ما وضحته ينحصر في فترة مولد سيدنا موسى عليه السلام إلى خروجه من مصر ببني إسرائيل .
... ...
والله الموفق
هاني أنور بندق
نسب سيدنا موسى عليه السلام(1/2)
هو موسى بن عمران بن قاهث بن عازر بن لآوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم : " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً " 0 ( القصص : 4 )
فقد تجبر فرعون وطغى وبغى في مصر فقسم أهلها إلى طوائف وكان من ضمن هذه الطوائف الموجودة في مصر طائفة بني إسرائيل وكان فرعون لعنه الله يستضعف بني إسرائيل ويعذبهم وكان بنوا إسرائيل في ذلك الزمان من خيار أهل الأرض وكان هذا الملك يذبح أبناءهم لأنهم كانوا يتدارسون فيما بينهم أنه سيخرج من ذريتهم غلام يكون هلاك ملك مصر على يده .
وقد ذكر السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميع القبط ( القبط لقب يطلق على أهل مصر ) ولم تضربني إسرائيل فلما استيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا غلام يولد من هؤلاء ويكون سبب
هلاك أهل مصر على يديه " .
فلهذا أمر فرعون لعنه الله أن يقتل الذكور من بني إسرائيل وتترك الإناث .
وقبل أن نستطرد في سرد هذه القصة يجب أن نعرف من هو فرعون موسى وهل هو واحداً من الملوك الذين حكموا مصر ونرى أثارهم شاخصة أمام أعيننا كرمسيس الثاني وتحتمس وغيرهم أم هو شخص آخر غير هؤلاء .
* الملك رمسيس الثاني :
هو أقرب الملوك الذين حكموا مصر عند العلماء تحققاً أنه فرعون موسى ولهذا أخذته دليلاً لأن أثبت أنه ليس بفرعون موسى وبقياس رمسيس الثاني على بقية الملوك الذين حكموا مصر منذ مينا ( نارمر ) موحد القطرين إلى نهاية العصر الفرعوني في مصر سيتضح أن فرعون موسى ليس واحداً من هؤلاء وقد أخذت رمسيس الثاني تحديداً لأن العلماء قد صالوا وجالوا حوله في أنه ربما كان فرعون موسى . أولاً : الملكة المقربة إلى قلب رمسيس الثاني هي الملكة نفرتاري حيث تزوجها وكان عمره اثنا عشر عاماً . أما الملكة المقربة إلى قلب فرعون موسى فهي ( آسية بنت مزاحم ) .(1/3)
ثانياً : كان لرمسيس الثاني زوجات كثيرة ومحظيات أيضاً . أما فرعون موسى فلم يكن له زوجة غير ( آسية بنت مزاحم ) .
ثالثاً : أنجب رمسيس الثاني في حياته أبناء كثيرة مات اثنا عشر ابناً ذكور منهم في حياته وتولى الابن الثالث عشر ( مرنبتاح أو منفتاح ) الملك بعد موت أبيه . أما فرعون موسى لم ينجب أبناء ذكور أبداً والدليل على ذلك حينما قالت له السيدة ( آسية ) " قرة عين لي ولك " فلو أنجب فرعون أبناء ذكور لما قالت له السيدة آسية ذلك ولم يثبت أن أحد أبناء فرعون قد تولى حكم مصر بعده وذلك لقول الله تعالى في كتابه الكريم (وأورثناها قوما أخرين ) . رابعاً : كان لرمسيس الثاني وزراء كثيرون منهم : ( ياسر ، نبت نفر ، رع حتب ، بارع حتب ) . ( تاريخ مصر القديمة – د. سليم حسن)
أما فرعون موسى فلم يكن له إلا وزيرا واحدا وهو "هامان " خامساً : رمسيس الثاني كان يسكن على ضفاف نهر النيل كعادة ملوك مصر . أما فرعون فكان يسكن في منطقة أخرى على البحر ولم يكن على نهر النيل وهذا ما سوف نوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى . سادساً : رمسيس الثاني كان يعبد آلهة كثيرة منها ( رع ، ست ، حور ، الخ ) . أما فرعون موسى فكان يقول لأهل مصر ( ما علمت لكم من إله غيري ) ( القصص : 38 )
* الأدلة على أن رمسيس الثاني كان يعبد آلهة متعددة : وسنأخذها من وثيقة الإهداء الكبرى في معبد العربة المدفونة.
1- خطاب " أوزير " : رب الأبدية لأبنه ملك الوجه القبلي والوجه البحري "وسر باعت رع ستين رع" ( رمسيس الثاني ) إن قلبي في راحه بفضل ما فعلت لي وإني لمبتهج بما قدمت 00000 حينما تكون أنت ملكاً على الوجه القبلي والوجه البحري .2- خطاب " إيزيس " : العظيمة والدة الإله " يا بني العزيز محبوب " أمون رمسيس إن طول أمد حياتك مثل ما طول أمد حياة ابني " حور " 000000 .(1/4)
3- خطاب " رمسيس الثاني " : خطاب ملك الوجه القبلي والوجه البحري " وسر ماعت رع ستبن رع " لوالدة " أوزير " إني أتضرع لوجهك كما كان يفعل ابنك حور 00000 ( تاريخ مصر )
ونأخذ أيضاً مقدمة من معاهدة لرمسيس الثاني مع أمير ( خيتا ) السنة الحادية والعشرون الشهر الأول من فصل الشتاء اليوم الواحد والعشرون في حكم عهد جلالة ملك الوجه القبلي والوجه البحري وسرماعت رع ستين رع بن رع ، رعمسيس بن أمون معطى الحياة أبداً ومخلداً محبوب أمون رع وحور اختي وبتاح جنوبي جداره سيد عنخ تاوي والآلهة موت سيدة إثرو ، وخنسو نفر حتب الذي أعتلى عرش حور الأحياء مثل والده حوراختي مخلداً سرمدياً . نجد هذا فى الجزء السادس من تاريخ مصر صفحة 295 نجد آلهة مصر وخيتا شهود على معاهدة رمسيس وأمير خيتا . ( وألفاظ المعاهدة التي أبرمها رئيس "خيتا" العظيم مع "رعمسيس" محبوب "آمون"
حاكم مصر العظيم كتابة على هذه اللوحة الفضية ) شهد كلماتها معي عليها ألف إله من الذكور وإلهات من الإناث من آلهة أرض مصر السامعين لهذه الكلمات وهم
( برع رب السماء - وبرع بلده أرينان - وستخ رب السماء - وستخ رب خيتا - وستخ 0000000 ) ( تاريخ مصر )(1/5)
وقد اكتفيت عزيزي بهذه الأدلة التي تثبت أن رمسيس الثاني لم يكن يدعي إنه إله بل كان يلقب نفسه بابن الإله وهذا كان لقب متعارف عليه عند القدماء إذ أن الملك حينما يموت يعتبره المصريين القدماء إلهاً أما ابنه فيلقب بابن الإله وأن رمسيس الثاني كان يعبد آلهة كثيرة وهذه الأدلة لا نقيس بها رمسيس الثاني وحده بل كل الملوك من عهد مينا (نارمر) موحد القطرين إلى آخر ملوك التاريخ المصري القديم الذي نجد أثارهم بارزة تدل عليهم إلى الآن فكل هؤلاء الملوك كانوا يعبدون آلهة متعددة ثم أن هؤلاء الملوك كانوا يعتقدون في البعث بعد الموت والحساب وهذا لم يكن موجوداً على أيام سيدنا موسى عليه السلام شيء آخر وهو المهم فقد يعتقد بعض العلماء أن الفترة التي كان يوجد بها سيدنا يوسف عليه السلام إلى مبعث سيدنا موسى عليه السلام كانت
أربعمائة وخمسين عاماً فهل غفل المصري القديم الذي نجد آثاره الآن دالة عليه والذي اهتم أن يسجل ماذا أكل وماذا شرب هل غفل عن تسجيل ولو حدث واحد من هذه الأحداث التي حدثت في عهد سيدنا يوسف وسيدنا موسى عليهما السلام مع الأخذ في الاعتبار أن الأحداث التي حدثت زمن سيدنا يوسف و سيدنا موسى عليهما السلام كانت من الأحداث الهامة في تاريخ الأمم والشعوب بغض النظر عن كونهم رسل من عند الله إذاً من هو فرعون موسى وهل فرعون اسم أم لقب كان يطلق على كل من حكم مصر قديماً فرعون الذي حار حوله علماء الآثار فما عرفوه واكتفى علماء الدين بأنهم قالوا بأنه كافر وهو في الدرك الأسفل من النار . * من هو فرعون موسى : بعد أن اتضح لنا أن رمسيس الثاني ليس بفرعون موسى وكذا أحداً من الملوك الذين نعرفهم وجب علينا أن نوضح من هو فرعون موسى .
أجمع العلماء على أن فرعون لقب يطلق على كل ملك يحكم مصر من أهلها كلقب : ( قيصر ملك الروم - والنجاشي ملك الحبشة - وكسري ملك الفرس ) .(1/6)
لابد أن نسلم بأن أي لقب يطلق على أي شخص لابد له من مدلول فمثلاً لقب ( قيصر ) الذي أطلق على ملوك الروم ما هو مدلوله . لقد أثر ( يوليوس قيصر ) في التاريخ الروماني القديم فتلقب كل الملوك الذين حكموا بعده بلقب ( القيصر ) نقيس على ذلك ( كسري ) ملك الفرس و( النجاشي ) ملك الحبشة و( تبع ) ملك اليمن فإن هؤلاء قد أثروا في تاريخ بلادهم فلقب من جاء بعدهم من الملوك بأسمائهم . من هذا يتضح لنا أن كلمة فرعون إذا سلمنا جدلاً بأنها لقب تلقب به ملوك مصر فلابد أن نجزم بأن هناك ملك من الملوك اسمه( فرعون ) أثر في التاريخ المصري القديم فلقب من جاء بعده بهذا اللقب . ونأخذ مثلاً آخر هو أن زوجة أحد الملوك و اسمه أحمد مثلاً تدعو الله لزوجها فهل ستقول ( اللهم ارحم الملك ) أم ستقول ( اللهم ارحم أحمد ) بالطبع سوف تقول الثانية فما بالنا لو دعت الله عليه هل ستقول ( اللهم أهلك الملك ) أم ستقول ( اللهم أهلك أحمد ) إنها في كلتا الحالتين سوف تدعوا باسمه لا بلقبه وذلك لأنها زوجته هذا أولاً وثانياً لأنها تدعو رب الأرباب وملك الملوك الذي لا يلقب عنده أحد من البشر حتى إننا حين ندعو لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكنيه بلقبه كأن نقول مثلاً ( اللهم صلي على رسول الله سيدنا محمد) ولكننا نقول ( اللهم صلي على سيدنا محمد ) ونقول أيضاً ( آت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة ) ولا نقول ( آت رسول الله سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة )(1/7)
إذاً فحينما تقول السيدة آسية ( ونجني من فرعون وعمله ) إذاً فهي تقصد الاسم ولا تقصد اللقب . نأخذ مثالاً آخر لو سلمنا بأن ( فرعون ) لقب وليس اسم ولنتخيل أن هناك ملكاً من الملوك اسمه أحمد يمشي مع رجلاً اسمه محمد فلو أردنا أن نكني أحمد بلقبه سوف نقول ( الملك ومحمد يمشيان ) إذاً حينما يقترن لقب شخص مع آخر لابد أن نعرف اللقب بالآلف واللام أما إذا لم نرد أن نقول اللقب فسوف نقول ( أحمد ومحمد يمشيان ) فحينما قلنا الاسم لم نلزم بأن نضع الآلف واللام إذاً إذا اقترن اللقب مع الاسم بواو المعيه لابد أن يعرف اللقب بالألف واللام فحينما يقول المولى عز وجل في كتابة الكريم : " إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين " ( القصص : 8 )
فلو قلنا بأن فرعون هنا
لقب لقال الله عز وجل : " إن الفرعون وهامان " ولكن الله تعالى لم يقل هذا فعلم بذلك أن فرعون اسم وليس لقب . وبهذا يثبت لنا أن فرعون كان اسماً وليس لقب وهناك بعض المفسرين الذين قالوا بأن العصر الذي تواجد فيه سيدنا يوسف عليه السلام كان عصر الهكسوس حين غزو مصر واستدلوا على كلمة ( الملك ) حين قال الله عز وجل في كتابه الكريم
" وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي " ( يوسف :54 ) قال المفسرين أن الهكسوس كانوا يطلقون على الحاكم لقب الملك أما الحاكم عند المصريين فكانوا يطلقون عليه لقب فرعون ولما أثبتنا أن فرعون كانت اسماً وليس لقب إذاً وجب علينا أن نثبت أن يوسف عليه السلام لم يكن في زمن الهكسوس بل ليس للهكسوس علاقة من قريب أو بعيد بمصر التي نتكلم عنها وأن الهكسوس لم يدخلوا مصر التي كان بها سيدنا يوسف عليه السلام وأن قول المفسرين في أن فرعون ربما حمله على أذية بني إسرائيل إنهم كانوا موالين للهكسوس لقد قال العلماء(1/8)
بأن الملك الذي كان سيدنا يوسف عليه السلام في زمنه يسمى ( الوليد بن مصعب بن الريان ) وهذا الاسم لم يثبت أن أحداً من ملوك الهكسوس الذين احتلوا مصر له هذا الاسم بل أن الأسماء مختلفة تماماً عن هذا الاسم ولا يمت أي اسم من قريب أو بعيد بهذا الاسم . كما قال بعض العلماء بأن السيدة ( آسية ) زوجة فرعون هي ( آسية بنت مزاحم بن الوليد بن مصعب بن الريان ) أي معنى ذلك أن السيدة ( آسية ) جدها كان الملك في عهد سيدنا يوسف عليه السلام إذاً الفرق بين سيدنا يوسف وسيدنا موسى سوف لا يتعدى مائة عام أو لنقل مائة وخمسون عاماً على الأكثر من هذا لابد أن نستخلص عدة أشياء هامة وهي أنه جاء في العهد القديم أن إسحاق عليه السلام مرض ومات عن مائة وثمانين سنة ودفنه أبناه العيص ويعقوب وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام يوم دخل مصر كان عمره مائة وثلاثون سنة وأقام بمصر سبع عشرة سنة ثم توفى وبذلك يكون عمر سيدنا يعقوب عليه السلام حين مات مائة وسبعة وأربعون عاماً أما سيدنا يوسف عليه السلام حين حضرته الوفاة كان عمره مائة وعشرين سنة . قال مبارك بن فضالة عن الحسن ( وألقى يوسف عليه السلام في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة بذلك يتضح لنا أن الأعمار في هذه المدة كانت فوق المائة سنة أما في تاريخ الفراعنة الذين نجد أثارهم موجودة في مصر الآن وأيضاً أعمار الهكسوس لم تكن تبلغ المائة سنة إلا نادراً جداً فقد ثبت أن الأعمار من عهد مينا موحد القطرين كانت ما بين الستين والثمانين عاماً وأن المائة عاماً كانت تعتبر من الشواذ وقيل أن رمسيس الثاني أقوى الملوك الذين ظن العلماء أنه فرعون موسى مات عن عمر تسعين سنة وقيل بذلك أنه من المعمرين في هذا الزمان ( تاريخ مصر )(1/9)
قال أهل الكتاب أن موسى عليه السلام مات وعمره مائة وعشرون سنة . إذاً يتضح لنا من هذه الأعمار أن يوسف عليه السلام وموسى عليه السلام كانوا قبل زمن الفراعنة الموجودة أثارهم الآن بآلاف السنين وأن سيدنا يوسف وموسى عليهما السلام كانوا قبل التاريخ بآلاف السنين وقبل أن يكتشف التاريخ والحضارات التي توجد آثارهم بين أيدينا الآن تدل على أسمائهم وأعمارهم وما فعلوه بكل دقة وتفصيل حتى أننا نجد أجسادهم محنطة وأمام أعيننا كأن نقرأ مثلاً أن الملك ( سقنن رع ) والد الملك ( أحمس ) قد مات في معركة حربية ثم نأتي لنطابق الكلام على المومياء الموجودة في المتحف لهذا الملك نجد أنه مصاب بعدة طعنات في الوجه ظاهرة جداً أما في زمن سيدنا يوسف وسيدنا موسى فلم نعثر على أي دليل مادي مكتوب أو أثري يدل على أن سيدنا موسى وسيدنا يوسف عليهما السلام كانوا موجودين في هذه الفترة من الزمن وإننا حين نقرأ التاريخ الفرعوني القديم نجد أن هذا التاريخ كامل وليست به فترات غامضة لا نعلمها كأن نجد مثلاً أنه من سنة ( 2900 ) إلى سنة
( 2750 ) قبل الميلاد حكمت الأسرة ( الرابعة ) وكان ملوكها ( سنفرو – خوفو – خفرع ) إلى آخر التاريخ الفرعوني الذي نجده الآن ومن البديهي أن المصري القديم الذي أهتم بتدوين أدق التفاصيل التي تحدث في عصره بل وأنه كان يهتم بتدوين ما يأكله وما يشربه فهل غفل المصري القديم على تدوين فترة بني إسرائيل في مصر أو أن هناك رجال صالحين أثروا في تاريخ مصر كسيدنا يوسف أو سيدنا موسى إذاً يتضح لنا من هذا أن مصر التي كان يسكن بها سيدنا يوسف وسيدنا موسى لم تكن هي مصر التي نجد آثار ملوكها الآن موجودة وهذا ما سوف نوضحه في مكانه إن شاء الله تعالى .
* كنا قد وقفنا في سرد قصة سيدنا موسى عليه السلام عند تجبر فرعون وإذلاله لبني إسرائيل واستعباده لهم وتقتيل أبنائهم .(1/10)
قال أهل الكتاب أن المقصود من قتل فرعون لأولاد بني إسرائيل هو أن تضعف شوكتهم فلا يقاومونهم إذا غالبوهم .
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن القبط ( أهل مصر ) شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ذكورهم وتفاني الكبار مع قتل الصغار فيعمل أهل مصر بالأعمال التي كان يقوم بها بني إسرائيل فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً وقد قال العلماء أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة وأن موسى عليه السلام ولد في عام القتل فلما حملت أم سيدنا موسى به أخفت حملها عن الناس فلما وضعت سيدنا موسى عليه السلام ألهمها الله أن تتخذ تابوتاً من خشب وربطته في حبل حيث كانت دارها متاخمة ( للنيل ) وكانت إذا أحست بالخطر ألقت التابوت في النيل وسيدنا موسى بداخله ( قصص الأنبياء لابن كثير )
قال العلماء إنها في يوماً من الأيام أحست بالخطر فأرسلت التابوت دون أن تربط طرف الحبل عندها فذهب التابوت مع النيل .
وهنا يجب أن نقف وقفة . إن الله سبحانه وتعالى حين قال لأم موسى في كتابه الكريم : " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا أخفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين " . ( القصص : 7 )
كان هذا أمراً صريحاً بإلقائه في البحر دون أن تربط أم موسى عليه السلام التابوت بحبل إذ أنها حين تربط بحبل فإنها ستكون آمنة في أن تسترده وقتما تشاء ولن تخاف عليه من الغرق فحينما يقول الله تعالى لها : " ولا تخافي " فلابد أن يكون الأمر يتطلب الخوف كأن تلقيه دون أن تربطه بحبل وعندما يقول لها الله أيضاً : " إنا رادوه إليك " يتضح منها أن الله تعالى هو الذي تكفل برده لا أن ترده أم موسى بالحبل الذي ربطت به التابوت .(1/11)
فحينما ذهب التابوت مع البحر مر على دار فرعون وذكر المفسرون أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق فلم يتجاسرن على فتحه حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون ( آسية بنت مزاحم ) فلما فتحت عليه التابوت ورأت وجهه يتلألأ بالأنوار النبوية وقع حبه في قلبها وأحبته محبة عظيمة فلما جاء فرعون قال : ما هذا وأمر بذبحه فاستو هبته منه وقالت لفرعون قرة عين لي ولك لا تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً . فقال لها فرعون قرة عين لك أما أنا فلا حاجة لي به .
قال أهل الكتاب إن التي التقطت موسى عليه السلام هي ( دربته ) ابنة فرعون وليس ( لآسية بنت مزاحم ) ذكر عندهم [ وهذا الكلام من تحريفهم ] .
ونعود إلى أم موسى بعد أن سلك التابوت سبيله في البحر فقد أصبح قلب أم موسى عليه السلام خالياً من كل شيء من أمور الدنيا إلا من سيدنا موسى وما هو مصيره الآن في التابوت حتى إنها كادت تبوح بسره إلى من حولها من النساء لولا أن صبرها الله تعالى فأشارت إلى أخته الكبرى وكانت تعمل في قصر فرعون أن اتبعي أثره فجعلت تنظر إليه من بعيد وكأنها لا تريده وتظهر عدم معرفتها به وتنقل أخباره إلى أمها .(1/12)
ولما استقر موسى عليه السلام بدار فرعون أرادوا أن يرضعوه فلم يقبل ثدياً ولا أخذ طعاماً فحاروا في أمره ثم أنهم أرسلوه مع القوافل والناس إلى السوق لعلهم يجدون من يوافق رضاعته فأخذت النساء تذهب إليه فلا يلتقم سيدنا موسى عليه السلام ثدي أي واحدة منهن فحاروا في أمره وبينما هم كذلك إذ جاءت أخته وهي تظهر عدم معرفتها به وقالت لهم هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فقالوا لها وما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه ؟ قالت : رغبة في سرور الملك ورجاء منفعته فذهبوا معها إلى منزلها فأخذته أمه فلما أرضعته التقم ثديها ففرحوا بذلك لأنهم قد أيقنوا قبل ذلك أنه لا محالة هالك إن لم يرضع أو يأكل فلما وجدوه يلتقم ثدي أمه فرحوا أشد الفرح وذهب البشير إلى السيدة ( آسية بنت مزاحم ) يعلمها بذلك فاستدعت السيدة ( آسية ) أم موسى في قصرها وعرضت عليها أن تكون عندها وأن تحسن إليها فأبت أم موسى وقالت إن لي زوجاً وأولاداً ولست أقدر على ذلك إلا أن ترسليه معي فقبلت السيدة ( آسية ) وأرسلت موسى معها ورتبت لها رواتب وأجرت عليها النفقات والكساوى والهبات وبذلك اجتمع شمل موسى مع أمه مرة ثانية لتعلم أن وعد الله حق وسبحان من قال لها : " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسليين " . ( القصص : 7 )(1/13)
ثم أن موسى عليه السلام كبر في كنف فرعون وكانت له بديار مصر صوله بسبب نسبه إلى فرعون وتربيته في داره وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة وارتفعت رؤوسهم بسبب أنهم أرضعوه وهم أخواله من الرضاعة وفي يوم من الأيام كان سيدنا موسى عليه السلام بعيداً عن المدينة ولما دخلها وجد في طريقه رجلين يتقاتلان أحدهما من أهل مصر والآخر من بني إسرائيل فاستنجد به الإسرائيلي على المصري فأقبل سيدنا موسى عليه السلام فضرب المصري بجمع كفه أو بعصا كانت في يده وقد وهب الله عز وجل في موسى عليه السلام قوة كبيرة ولم يقصد موسى أن يقتل المصري بل أراد نهيه وزجره عن قتال الإسرائيلي ولكن لقوة سيدنا موسى عليه السلام أودت هذه الضربة بحياة المصري فلما أيقن موسى عليه السلام بمقتل المصري علم أن هذا كان من الشيطان فاستغفر موسى عليه السلام ربه عز وجل فقد جاء في كتاب الله العزيز على لسان موسى : " قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال ربي بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " (القصص : 16- 17 )
ومن هاتين الآيتين يتضح لنا أحد أمرين :
أولاً : إن بداية النبوة عند سيدنا موسى عليه السلام لم تكن على جبل الطور وإنما كانت في هذه الفترة التي قتل فيها المصري في مصر لأن سيدنا موسى عليه السلام حينما استغفر ربه عز وجل وغفر له أعلمه بذلك فلما علم موسى عليه السلام بأن الله تعالى قد غفر له قال : " رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين " .(1/14)
إذاً حينما يعلم الله موسى عليه السلام بأنه قد غفر له لابد أن يعلمه عن طريق الوحي فكان ذلك بداية النبوة لسيدنا موسى عليه السلام أما بداية الرسالة فكانت كما نعلم على جبل الطور ويؤيد ذلك أن الله تعالى حينما يقول في كتابه العزيز : " ولما بلغ أشده " أي اكتمال الخلق والخلق وهو سن الأربعين وهو سن تكليف الأنبياء فحينما يقول المولى عز وجل عن سيدنا موسى وهو في مصر : " ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً " ( القصص : 14 )
يكون بذلك سيدنا موسى قد وصل إلى مرحلة التكليف بالنبوة .
ثانياً : يحتمل أن يكون سيدنا موسى عليه السلام قد علم بأن الله قد غفر له عن طريق رؤياً رآها في منامه لآن بداية الوحي للأنبياء تكون رؤياً يراها في منامه فتتحقق كفلق الصبح والله أعلم أي الأمرين أرجح(1/15)
ثم أن موسى عليه السلام صار في مصر خائفاً من فرعون وأهله أن يعلموا بما فعله في أمر قتل المصري وأن الرجل الذي قتله موسى إنما قتله نصرة لرجل إسرائيلي فيصير الظن حقيقة عند فرعون من أن موسى عليه السلام من بني إسرائيل فكان يسير في طرقات مصر يتلفت فإذا بالرجل الإسرائيلي الذي نجاه موسى من المصري في المرة السابقة يتعارك مع مصري آخر فلما رأى موسى قادماً نادى عليه فلما سمعه موسى وعرفه ذهب إليه وقال له إنك لغوي مضل مبين ثم تحرك موسى عليه السلام كي يبطش بالمصري فظن الإسرائيلي أن موسى عليه السلام يريد أن يقتله فقال له يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت المصري بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وبهذا التصريح الذي صرح به الإسرائيلي انكشف أمر موسى بأنه هو قاتل المصري فلما علم فرعون بأن موسى عليه السلام هو الذي قتل المصري أرسل في طلبه غير أن رجلاً ناصحاً من آل فرعون سبقهم إلى موسى من طريق آخر وقال له إن فرعون يدبر لك ويعمل على قتلك فارحل من مصر وقد نصحت لك فخرج موسى عليه السلام من مصر وهو خائف ولا يعرف أين يذهب أو أي طريق يسلك وهو يجد السير خشية أن يتبعه أحد من أعوان فرعون فيلحق به الهلاك فلما توجه سيدنا موسى عليه السلام إلى ( مدين ) قال عسى أن يهديني ربي سواء السبيل فلما وصلها وجد عندها بئراً ووجد جماعة من الرعاة يوردون غنمهم إلى الماء لتشرب ثم وجد أن هناك سيدتين كلما أرادت غنمهما أن ترد الماء كانا يمنعانها عن الورود إلى الماء فاستنكر ذلك منها سيدنا موسى وقال لها لماذا تمنعان الغنم من الورود إلى الماء فقالت له إحداهما نحن لا نورد غنمنا إلى الماء إلا بعد أن يسقى الرعاة لغنمهم وإن أبانا شيخ كبير ثم إن موسى عليه السلام تقدم إلى الغنم وأخذها وأوردها إلى الماء فشربت وارتوت ثم أعرض عن السيدتين وذهب إلى مكان به ظل فجلس فيه وقال رب إني لما أنزلت علي من خير فقير(1/16)
فلما رجعت المرآتين إلى أبيهما استنكر رجوعهما في هذا الوقت المبكر لأنهما قبل ذلك كانت ترجعان بعد أن يفرغ الرعاة من سقي غنمهما فحكيتا لأبيهما ما كان بينهما وبين موسى عليه السلام وسقايته الغنم لها فأمر أبوهما إحدى المرآتين أن تذهب إلى موسى عليه السلام وتدعوه فذهبت إليه تمشي في حياء وقالت له إن أبي يدعوك ليجزيك أجر سقايتك لنا فذهب موسى معها فلما قابل موسى عليه السلام الرجل الصالح أخبره بما كان من أمره في مصر فقال له الرجل الصالح ليطمئنه أنه قد بعد عن ملك فرعون وأن هذه الأرض ليست في نطاق ملكه لا تخف نجوت من القوم الظالمين .
روى ابن أبي حاتم وغيره عن الحسن البصري أن الرجل الصالح كان اسمه ( شعيب ) ولكن ليس بالنبي صاحب ( مدين ) وقيل أنه ابن أخي ( شعيب ) عليه السلام وقيل ( رجل مؤمن من آل شعيب ) وعند أهل الكتاب أن هذا الرجل يقال له ( يثرون ) وكان كاهن ( مدين ) .
ثم أن الرجل الصالح قال لموسى إني أريد أن أجزيك أجر سقايتك لبناتي فقال له موسى عليه السلام معاذ الله إنا لا نبيع عمل الآخرة ولو بملئ الأرض ذهباً فلما سمع الرجل الصالح منه هذا الكلام علم أنه شاب صالح وتقي ثم إن إحدى بناته قالت له يأبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين فقال لها أبوها وما علمك بقوته وأمانته فقالت أنه حين أراد أن يسقي لنا رفع صخرة عظيمة لا يطيق أن يرفعها عشرة من الرجال فهذه قوته أما أمانته فإني لما جئت معه وتقدمت أمامه فقال لي كوني من ورائي فإذا اختلف الطريق فارمي لي بحصاه أعلم بها كيف الطريق .
فلما سمع الرجل الصالح منها ذلك وقعت محبة موسى عليه السلام في قلبه فآثر لا يفارقه وأن يزوجه إحدى بناته فقال له إني أريد أن أزوجك إحدى ابنتي هاتين على أن يكون صداقهما أن تخدمني ثمانية أعوام وإن أتممت عشراً فمن عندك وسوف تجدني إن شاء الله صالحاً معك فقبل موسى عليه السلام وتعاهدا على ذلك .(1/17)
يقول البخاري رحمه الله حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى ؟ فقلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال : " قضى أكثرهما وأطيبهما " إن رسول الله إذا قال فعل " .
ثم أن موسى عليه السلام بعد أن قضى عشر سنوات مع الرجل الصالح تزوج إحدى ابنتي الرجل الصالح قال بعض العلماء تزوج من الصغرى وقال بعضهم تزوج من قالت لأبيها استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين .
ثم اشتاق سيدنا موسى عليه السلام إلى رؤية أهله فسأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به فقال له الرجل الصالح كل شاة ولدت على غير لونها فلك ولدها فعمد موسى عليه السلام فوضع حبالاً على الماء فلما رأت الغنم الحبال فزعت فجالت جولة فولدن كلهن بلقا إلا شاة واحدة فأخذهن موسى عليه السلام ثم أنه قصد مصر ومعه أهله وكان له ولدان من زوجته فلما كان بسيناء واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة تاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك في الدرب المألوف وجعل موسى عليه السلام يشعل ناراً من زناده فلا تشتعل فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور فقال لأهله انتظروا هنا لقد رأيت ناراً لعلى استعلم من عندها عن الطريق أو آتيكم ببعض النار لعلكم تصطلون بها في هذا البرد القارص.
وقبل أن نكمل القصة لنا وقفة هنا .
أين هي مصر التي كان يسكن بها موسى ؟
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم : " وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " ( القصص:7 ) ومعنى ( اليم ) في مصطلح اللغة هو ( البحر ) وقد فسر جميع علماء التفسير ( اليم ) على أنه ( نهر النيل ) وقالوا بأن أي تجمع مائي يطلق عليه لفظ ( اليم ) .(1/18)
فلنتفق على ذلك ولكن ما هي التجمعات المائية التي توجد في مصر الأنهار متمثلة في نهر النيل والبحار متمثلة في البحر الأحمر والبحر المتوسط والبحيرات ومنها بحيرة قارون .
والأنهار والبحيرات لها شواطئ وليس لها سواحل أما البحار فلها شواطئ وسواحل فحينما يقول الحق سبحانه في القرآن الكريم :
" فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له " ( طه : 39 )
إذاً فإن الله سبحانه لا يقصد باليم النهر ولا البحيرة ولكنه يقصد البحر وقد قال ابن كثير رحمه الله إن أعظم ما فسر القرآن هو ما فسر القرآن به نفسه لأن ما أجمل في آيات فصل في أخرى فانظر إلى الآيات الآتية تدل على أن مصر التي كان يسكن بها موسى عليه السلام كانت على بحر ولم تكن على النيل
" فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر "
( الشعراء : 63 )
" وأترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون " ( الدخان : 24 )
" ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى " ( طه :77 )
" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً " ( يونس : 90 )
وقد يقول البعض هذا ليس دليلاً فربما ألقى موسى في النهر ولكن فرعون غرق
في البحر هناك شاهد سوف يحسم المسألة ويوضح أن اليم لم يكن نهراً وإنما كان بحراً فاقرأ عزيزي هذه الآيات من سورة الأعراف
: " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين * وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون * وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ( الأعراف :136-138 )(1/19)
فحينما يقول الله فأغرقناهم في اليم ثم يقول وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ليس من المعقول أن فرعون غرق في النيل وبنوا إسرائيل تجاوزوا البحر وإنما غرق فرعون في البحر الذي مر به بنوا إسرائيل ومن هنا يتضح لنا أن (اليم ) لم يكن النيل
وإنما كان البحر.
من المعروف أن مصر يوجد بها بحران البحر الأحمر والبحر المتوسط فأي البحرين الذي كان يسكن عليه سيدنا موسى عليه السلام وتوجد عليه مصر من البديهي أن نلغي فكرة أن يكون البحر المتوسط ونضع البحر الأحمر في المرتبة الأولى وهذا لعدة أسباب نأخذها من القرآن الكريم ويكون أيضاً تحديد مصر في شبه جزيرة سيناء . - يقول الله تعالى : " فأخرجناهم من جنات وعيون " ( الشعراء : 57)
وأكثر منطقة بها عيون هي شبه جزيرة سيناء . - ويقول أيضاً : " وفرعون ذي الأوتاد " ( الفجر : 10 )
وأكثر منطقة بها جبال هي شبه جزيرة سيناء .
وحينما نذهب إلى قصة سيدنا عيسى عليه السلام يقول الحق سبحانه وتعالى :
" وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " . ( المؤمنون : 50 )
والربوة هو المكان المرتفع من الأرض يحيط به الماء من أكثر من جهة وأعلاه مستو يقر عليه وارتفاعه متسع ومع علوه فيه عيون الماء الجارية السارحة على وجه الأرض وقد قال أهل الكتاب بأنها مصر .
- وقال إسحاق بن بشر : قال لنا إدريس عن جده وهب بن منية قال : أن عيسى لما بلغ ثلاث عشر سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا .
ومن المعروف أن سيناء ينطبق عليها كل هذه المواصفات فهي تعتبر ربوة
أما عيون الماء فهي بها كثيرة وحينما يقول بأن الماء كان يجري على الأرض يدلنا على أن أهل مصر قد سلكوا من هذه العيون أنهاراً تساعدهم على الزراعة
ما يفسر قول فرعون : " وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون " . ( الزخرف : 51 )(1/20)
ومن المعروف أن كل نبي قد نزلت عليه الرسالة في البلد التي سوف يدعو بها فلم نعهد أن نبي نزلت عليه الرسالة في بلد فذهب يدعوً في بلد آخر قبل أن يدعو البلد الذي نزلت الرسالة عليه فيها فحينما نقول بأن الرسالة قد نزلت على سيدنا موسى عليه السلام على جبل الطور فإنه حتماً لابد أن تكون هذه هي المنطقة التي سيدعو فيها إذ أنه ليس من المعقول أن تنزل عليه الرسالة في قارة آسيا ويذهب إلى مصر التي على نهر النيل يدعو فيها فمن المعروف أن حضارة وادي النيل حضارة أفريقية أما سيناء فهي آسيوية .
- ثم لماذا نذهب بعيداً فالله في كتابه العزيز يقول : " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " . ( القصص : 5 )
ويقول أيضاً : " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا " . ( الأعراف : 137 )
ويقول أيضاً : " فأخرجناهم من جنات وعيون* وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل " ( الشعراء :57 -59 )
إذا رجع بنوا إسرائيل إلى مصر مرة أخرى وحكموها .
ونجد عند أهل الكتاب أن بني إسرائيل قد دخلوا سيناء في الشهر الثالث من خروجهم من مصر ( أسفار العهد القديم – سفر الرجوع ) وقالوا أيضاً بأن بني إسرائيل نزلوا حول طور سيناء
إذا فقد سكن بنوا إسرائيل حول طور سيناء أي ورثوا هذا المكان إذا فإن مصر تكون في هذه المنطقة .
* وهناك أمر آخر سوف ندلل عليه بخريطة :(1/21)
حينما عاد سيدنا موسى بأهله من ( مدين ) وهي في الشام في أقصى الشمال لجزيرة سيناء فلو قلنا بأن مصر على ضفاف نهر النيل لوجب على سيدنا موسى أن يأخذ طريق البحر المتوسط حتى يصل إلى النيل وهذا الطريق توضحه الأسهم في الخريطة فيكون بذلك البحر المتوسط على يمين سيدنا موسى ولكنه نزل إلى أقصى الجنوب حتى وصل إلى جبل الطور وبذلك كان خليج العقبة على يسار سيدنا موسى عليه السلام فهل غفل سيدنا موسى عن هذا أم هل ضل سيدنا موسى الطريق من أقصى شمال سيناء إلى أقصى الجنوب وهذا ما توضحه النقاط السوداء في الخريطة فلابد أن تكون مصر في أقصى الجنوب من سيناء .
ونعود إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام :
فلما قصد موسى عليه السلام إلى تلك النار التي رآها وانتهى إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج ( الشوك ) ، وكلما زادت النار في الاضطرام ذادت خضرة الشجرة فوقف متعجباً وكان عليه السلام في وادي يقال له ( طوى )
وكان مستقبلاً القبلة والشجرة عن يمينه من ناحية الغرب فناداه ربه عز وجل وأمره أن يخلع نعليه تعظيماً وتوقيراً لهذه البقعة المباركة .
قال أهل الكتاب أن موسى عليه السلام قد وضع يده على وجهه من شدة ذلك النور مهابة له وخوفاً على بصره .
ثم إن الله تعالى قال له أنا رب العالمين الذي لا إله أنا والذي لا تصلح العبادة إلا لي وحدي لا شريك لي وإقامة الصلاة لا تكون إلا لي ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار وإنما الدار الباقية يوم القيامة تجزى فيها كل نفس عن الخير والشهر وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها واتبع هواه ثم أن الله تعالى خاطبه مؤنساً
ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فلما ألقاها إذا هي ثعبان هائل عظيم .(1/22)
قال أهل الكتاب أن موسى عليه السلام سأل ربه برهاناً على صدقه عند من يكذبه من أهل مصر فقال الرب عز وجل ما هذه التي بيدك ؟ ( قال : عصاي ) قال : ألقها إلى الأرض فألقاها فإذا هي حية تسعى فهرب موسى عليه السلام من قدامها فأمره الرب عز وجل أن يبسط يده ويأخذ بذنبها فلما استمكن منها ارتدت عصا في يده ثم أمره الله تعالى بإدخال يده في جيبه ونزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير برص ولا بهق .
ثم إن الله تعالى أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون ودعوته إلى أن يترك بني إسرائيل يرحلون معه وأن يعبدوا الله ودعوة فرعون وقومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له فقال موسى عليه السلام : " قال رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبون " ( القصص :33 -34 )
فقال له الله عز وجل : " قال سنشدد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " ( القصص : 35 )
ومن هذه الآيات يتضح لنا أن سيدنا موسى عليه السلام حين أمره ربه عز وجل بأن يذهب إلى فرعون قال ربي إني قتلت منهم نفساً وأخاف أن يقتلني فرعون وقومه وإن أخي هارون هو أفصح مني لساناً قيل أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة تلك اللثغة كانت من جمرة وضعها على لسانه والتي كان فرعون أراد اختبار عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير فهم فرعون بقتله غير أن السيدة ( آسية ) قالت له أنه طفل صغير ولا يدرك ما يفعل فاختبره فرعون بأن وضع بين يده ثمرة وجمرة من نار فهم موسى عليه السلام أن يأخذ الثمرة ولكن الله عز وجل صرف يد موسى عن الثمرة فأخذ الجمرة ووضعها على لسانه فأصابته لثغة في لسانه بسببها .(1/23)
وقد سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل أن يزيل بعض هذه اللثغة بمقدار أن يفهم كلامه الناس ولم يسأل زوالها كلية كما جاء في كتاب الله : " واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي " (طه : 27-28 )
ثم إن موسى عليه السلام قال يا رب آخي هارون أفصح مني لساناً فاجعله معي يصدقني حين يكذبني أهل مصر فاستجاب له الله عز وجل وأوحى إلى هارون بالنبوة.
سمعت أم المؤمنين ( عائشة ) رجلاً يقول للناس وهم سائرون في طريق الحج : أي أخ أمن على أخيه ؟ فسكت القوم ، فقالت( عائشة ) لمن حول هودجها : هو موسى بن عمران حين شفع في أخيه هارون فأوحى إليه وقال الله تعالى : " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً " ( مريم : 53 )
ثم أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام اذهب أنت وأخيك إلى فرعون وأدعوه إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له وأن يفك أسر بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا .
ذكر السدى أن موسى عليه السلام لما قدم من ( مدين ) دخل على أمه وأخاه هارون فوجدهم يتعشيان من طعام الطفشيل ( اللفت ) فأكل معهما ، ثم قال :
يا هارون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته فقم معي فقاما يقصدان باب فرعون فإذا هو مغلق فقال موسى للحاجب أعلمه أن رسول الله بالباب فأخذوا يسخرون منه ويستهزئون به .
وقد زعم بعض الرواة أنه لم يؤذن بدخول موسى عليه السلام وأخاه هارون إلا بعد حين طويل لأنه لم يكن أحد يتجاسر على الاستئذان لهما .
ويقول البعض أيضاً أن موسى عليه السلام تقدم إلى الباب فطرقه بعصاه فانزعج فرعون وأمر بإحضارهما .(1/24)
وعند أهل الكتاب أن الله قال لموسى عليه السلام أن هارون اللاوي ( يعني من نسل لآوي بن يعقوب ) سيخرج ويتلقاك وأمره أن يأخذ معه مشايخ بني إسرائيل إلى فرعون وأمره أن يظهر ما آتاه الله من الآيات وقال له إني سأقسي قلب فرعون فلا يرسل الشعب معك وأكثر آياتي وأعاجيبى في أرض مصر وأوحى الله إلى هارون أن يخرج إلى أخاه ويتلقاه في البرية عند جبل ( حورب ) فلما تلقاه أخبره موسى عليه السلام بما أمر به الله فلما دخلا مصر جمعا شيوخ بني إسرائيل وذهبوا إلى فرعون وبلغاه رسالة الله إليه قال : من هو الله ؟ لا أعرفه ولا أرسل بني إسرائيل .
يقول تعالى في كتابه الكريم :
" قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء ثم هدى " ( طه : 49 )
أي هو الذي خلق الخلق وقدر له أعمالاً وأرزاقاً وآجالاً وكتب ذلك عنده في اللوح المحفوظ ثم هدى كل مخلوق إلى ما قدره له فطابق عمله فيهم على الوجه الذي قدره وعمله .
فقال فرعون لموسى عليه السلام إذا كان ربك هو الخالق المقدر الهادي وهو بهذه المثابة وأنه لا يستحق أن يعبد سواه فلم عبد الأولون غيره .
قال موسى عليه السلام عملهم منذر بهم في كتاب لا يضل ربى ولا ينسى وهم إن عبدوا غيره فليس ذلك حجة لك .
ثم أن موسى عليه السلام ذكر له عظمة الله وقدرته على خلق الأشياء وجعل الأرض مهداً والسماء سقفاً محفوظاً وسخر السحاب والمطر لرزق العباد والدواب والأنعام ثم إن فرعون تكبر وعتا وطغى ونظر إلى موسى عليه السلام بعين الازدراء والتناقص قائلاً له ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين ( أي أنت الذي ربيناه في منزلنا وأحسنا إليه وأنعمنا عليه مدة من الدهر ) وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ( أي قتلت الرجل المصري وفررت منا وجحدت نعمتنا )
ثم أن موسى عليه السلام قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين ( أي قبل أن يوحي إلي ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين ) .(1/25)
ثم إن فرعون قال بأهل مصر ما علمت لكم من إله غيري وإني لأظن أن موسى هذا كاذب ، قال موسى عليه السلام أو لو جئتك بسلطان مبين قال فرعون فأت به إن كنت من الصادقين .
فألقى موسى عليه السلام عصاه على الأرض فإذا هي ثعبان عظيم هائل ففزع عند ذلك فرعون ثم أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه ونزعها فإذا هي بيضاء للناظرين فعتا فرعون وقال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعداً فقال له موسى عليه السلام موعدكم ( يوم الزينة ) وكان عيداً من أعيادهم وأن يجتمع الناس من أول النهار في وقت اشتداد ضياء الشمس ثم إن فرعون أرسل في كل البلاد التابعة لمصر ليستقدم إليه كل ساحر عليم بالسحر وكانت أرض مصر في ذلك الزمان مملؤة بالسحرة .
قال محمد بن كعب كان عدد السحرة ثمانين ألف ساحر .
وقال القاسم بن أبي برده كانوا سبعين ألف ساحر .
وقال السدى كانوا بضعة وثلاثون ألف ساحر .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إنهم كانوا سبعين رجلاً وقال أيضاً كانوا أربعون غلاماً من بني إسرائيل أمرهم فرعون بأن يذهبوا إلى العرفاء يتعلمون السحر .
ولما جاء ( يوم الزينة ) حضر فرعون وأهل دولته وحضر أهل البلدة عن بكرة أبيهم وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم فخرجوا وهم يقولون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبون .
ثم أن السحرة قالوا لفرعون هل سيكون لنا أجراً إن كنا نحن الغالبون ، قال لهم فرعون نعم وإنكم أيضاً ستكونون من بطانتي التي أعتمد عليها ثم جاءت المواجهة بين موسى عليه السلام والسحرة فوعظهم موسى عليه السلام وزجرهم عن تعاطي السحر الباطل وقال لهم :
"ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى ) (طه : 61 )
قال قائل منهم هذا الكلام كلام نبي وليس بساحر فقال آخر بل هو ساحر وقال آخرون إن هذان الساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما .(1/26)
ثم إن السحرة أجمعوا كيدهم على أن يقابلوا برهان الله لموسى عليه السلام بسحرهم ( قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى ) ( الأعراف : 115 )
قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وذلك أن السحرة كانوا قد عمدوا إلى حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصى اضطراباً يخيل للرائي إنها تسعى باختيارها فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم وقبل أن يلقوا تلك الحبال قالوا ( بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ) . ( الشعراء : 44 )
فلما رأى موسى عليه السلام ذلك خاف على الناس أن يفتنوا من هذا السحر ثم إن الله عز وجل أوحى إلى موسى عليه السلام :
" وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث آتى " . ( طه : 69 )
ثم إن موسى عليه السلام لبى نداء ربه وقال :
" ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون " . (يونس : 81 -82 )
وألقى موسى عصاه على الأرض فتحولت العصا إلى ثعبان عظيم هائل ، قال غير واحد من علماء السلف إنها صارت حية عظيمة ذات قوائم وعنق عظيم وشكل هائل مزعج فهرب الناس منها وأقبلت هذه الحية على ما ألقوه من حبال وعصى فجعلت تلقفه واحداً واحداً بأسرع ما يكون من الحركة والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها فلما رأى السحرة ذلك اطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت صناعتهم وأشغالهم فتحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة ولا محال ولا خيال بل أنه حق لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى فكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة وآنارها بما خلق فيها من الهدى وأزاح عنها القسوة وأنابوا إلى ربهم وخروا له ساجدين وقالوا جهرة للحاضرين :
" آمنا برب هارون وموسى " . ( طه : 70 )(1/27)
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي برذه والأوزاعي : لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم وتزخرف لقدموهم ولهذا لم يلتفتوا إلى تهديد فرعون لأن فرعون لما رآهم قالوا ذلك قال :
" آمنتم له قبل أن آذن لكم لأنه لكبيركم الذي علمكم السحر " . ( الأعراف : 123 )
"إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون * لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين " . (123 -124 )
فلما سمع السحرة تهديد فرعون لهم لم يلتفتوا إلى ذلك التهديد وقالوا له :
" قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين " . (50 - 51 )
"إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ( طه : 73 )
" قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضي ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا "(طه :72 )
" وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين " . ( الأعراف : 126 )
" إنه من يأت ربه مجرماً فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى *ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى " ( طه : 74 – 76 )
كان هذا جملة ما قاله السحرة لفرعون حينما هددهم وتوعدهم بأنه سوف يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ( أي يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى والعكس ) وأنه سوف يصلبهم على جذوع النخل بقوله
" ولأصلبنكم في جذوع النخل " . (طه : 71 )
وهنا لابد من وقفة لنوضح بعض الأشياء الهامة .
* حقيقة سحر السحرة وهل فرعون كان ساحراً :
جاء في تاريخ ابن خلدون الجزء الأول صفحة 552
((1/28)
النفوس الساحرة على مراتب ثلاثة يأتي شرحها : فأوله المؤثرة بالهمة فقط من غير آله ولا معين وهذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر ، والثاني بعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد ويسمونه الطلسمات ، وهو أضعف رتبة من الأول والثالث تأثير في القوى المتخيلة . يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها أنواعاً من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظرها الراءون كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة .
من الفقرة السابقة يتضح أن السحر الذي استخدمه السحرة مع سيدنا موسى عليه السلام كان سحر تخيلات أي أضعف أنواع السحر لأنهم سحروا أعين الناس واسترهبوهم ومن أحداث القصة كما جاءت في القرآن الكريم نجد أن فرعون كان ساحراً عظيماً أيضاً بل إنه كان أقوى السحرة في مصر 000 لماذا ؟
لابد أن يكون فرعون ساحراً حتى يستطيع أن يفرق بين السحر وبين المعجزة إذ أنه لو لم يكن ساحراً لما استطاع تفريق المعجزة التي جاء بها موسى عليه السلام عن السحر وبذلك سيكون جاهلاً ولا يستحق عقاب الله له لأن الله سبحانه حين يرسل رسولاً يرسله بآية تكون من نفس صناعة الذين يدعوهم كأن أرسل سيدنا عيسى عليه السلام بآية إبراء الأكمة والأبرص وكان قومه حين ذاك ماهرين في صناعة الطب .
ولما كان العرب أهل اللغة العربية وأصحاب القصاص والشعر حتى أنهم كانوا يقيمون لها أسواقاً كل عام كسوق ( عكاظ ) مثلاً أرسل الله إليهم معجزة من جنس صناعتهم وهي (القرآن الكريم )
ولذلك حينما يرسل المولى عز وجل موسى عليه السلام لابد أن يرسله بآية من جنس صناعته حتى يتيقن أنها تفوق صناعته وتعجزها لأنها من عند الله سبحانه .
الشيء الآخر الذي يجعلنا نسلم بأن فرعون كان أسحر أهل مصر هو:(1/29)
أنه حينما آمن السحرة بالله عز وجل قال لهم مهدداً : " لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " فماذا قال له السحرة ؟ 0000 " قالوا لا ضير إنا إلى ربنا لمنقلبون " .
لماذا استكان السحرة لتهديد فرعون ولماذا أيضاً لم يصنع السحرة سحراً يخيفون به فرعون حتى لا يقطع أيديهم وأرجلهم لماذا عجز السحرة عن أن يخيلوا لفرعون ما خيلوه لموسى ولأهل مصر مع العلم إن هؤلاء السحرة كانوا من أمهر السحرة في مصر ويدلنا القرآن على ذلك في قول الله تعالى : " قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين * يأتوك بكل ساحر عليم " (الأعراف : 111 – 112 )
من هذه الآية يثبت أن هؤلاء السحرة كانوا عالمين بالسحر وهناك آية أخرى تدل على أن سحرهم هذا ليس بهين ولكنه عظيم وهي قوله تعالى :
" قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " (الأعراف : 116 )
فلماذا أسقط في أيد السحرة ولم يفعلوا سحراً آخر عظيم يرهبوا به فرعون وهامان . ذلك لأن فرعون كان عالماً بدروب السحر بل وإنه أمهرهم في هذه الصناعة .
الدليل الثالث حينما تبع فرعون بني إسرائيل في البحر كما سيأتي لاحقاً لو أن فرعون كان ممن يجهل السحر وكان يصف موسى عليه السلام بالساحر فحينما يضرب موسى عليه السلام البحر فينفلق البحر فإن فرعون لو لم يكن له دراية بالسحر لقال إن هذا سحر ولن يدخل في البحر فلما علم فرعون بأن هذا لم يكن سحراً اقتحم هو وجنوده البحر 000 (والله أعلم ) .
كنا قد وقفنا في قصتنا عند تهديد فرعون للسحرة وأن السحرة لم يستمعوا إلى تهديد فرعون وأصروا على عدم الشرك بالله .
وراح كبار مصر وأمرائها يحرضون فرعون على موسى عليه السلام وعلى بني إسرائيل : " وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون " . (الأعراف : 127)(1/30)
وأراد فرعون أن يغوي قومه أكثر وأكثر ويبين لهم أنه حريص عليهم من أن يضلهم موسى .
" وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني اخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد "(غافر : 26)
فلما سمع ذلك موسى عليه السلام قال :
" وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب "(غافر : 27 )
وكان رجلاً من أهل فرعون يؤمن بموسى وكان يكتم إيمانه فلما هم فرعون بقتل موسى عليه السلام وعزم على ذلك وشاور ملأه فيه خاف هذا المؤمن على موسى فتلطف في رد فرعون بكلام جمع فيه الترغيب والترهيب فقال على وجه المشورة والرأي :
" وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيانات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب* يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ". (غافر : 28 – 29 )
ولم يقف هذا المؤمن عند هذا القول بل ذكرهم أيضاً بيوسف عليه السلام فقال الله تعالى في كتابه : " وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب* مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد* ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد* يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد * ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله بعده رسولاً لذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار "
فبدلاً من أن يعدل فرعون عما هو فيه من الكبر والعناد ذاد ته هذه الكلمات شراسة وضراوة وقال :(1/31)
" وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلى أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى رب موسى وإن لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " . (غافر 36 – 38 )
قال أهل الكتاب إن بني إسرائيل كانوا يسخرون في ضرب اللبن وكانوا هم الذين يجمعوا ترابه وتبنه وماءه وكان فرعون يطلب منهم كل يوم قسط معين إن لم يفعلوه ضربوا وأهينوا ثم إن الله تعالى ابتلى أهل مصر بأعوام أجدبت فيها أرضهم فأصبحوا لا يستغلون بزرع ولا بضرع وقلت ثمارهم من على الأشجار فلم يرتدعوا بل إنهم تمردوا واستمروا على كفرهم وعنادهم فإذا جاءهم الخصب والنماء وأثمرت شجارهم وأنبتت أرضهم كانوا يقولون هذا الذي نستحقه أصابنا وأصبحت قلوبهم منكره للحق مستكبرة عليه وإذا جاءهم شر قالوا ذلك لوجود بني إسرائيل بيننا ثم إن أهل مصر قالوا لموسى عليه السلام :
" وقالوا مهما تأتينا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " . (الأعراف : 132 )
فأرسل الله عليهم الطوفان .
قال ابن عباس الطوفان هو كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزرع والثمر وقال أيضاً يحتمل أن يكون الطوفان هو الموت أو أمر طاف بهم وأرسل عليهم الجراد والقمل .
قال ابن عباس القمل هو السوس الذي يخرج من الحنطة .
والضفادع وكانت الضفادع تسقط في أطعمتهم وأوانيهم حتى إن أحدهم إذا فتح فمه ليشرب سقطت فيه ضفدعة . ثم سلط عليهم أيضاً الدم فكان الدم قد مزج بماؤهم كله فلا يستقون شيئاً إلا وجدوه دماً ويقول المولى عز وجل في كتابه العزيز :
" فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين " ( الأعراف : 133 )
فلما رأى فرعون وقومه ما حل بهم قالوا لموسى عليه السلام :
" ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى أدع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل " . (الأعراف : 134 )(1/32)
فدعا موسى عليه السلام ربه فكشف عنهم ما بهم فلما لم يفوا له بشيء قالوا أرسل الله عليهم الجراد فأكل كل الشجر حتى أنه كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم فقالوا مثل ما قالوا قد قاربه ثانية فكشف عنهم فلما لم يفوا بشيء مما قالوا أرسل الله عليهم القمل .
قال ابن كثير ذكر لي أن موسى عليه السلام أمره ربه أن يمشي إلى كثيب من الرمل حتى يضربه بعصاه فمشى إلى كثيب عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا فدعا ربه فكشف عنهم فلما لم يفوا بشيء مما قالوا
أرسل عليهم الضفادع ثم الدم قال زيد بن أسلم : الدم هو الرعاف وكذا رواه بن أبي حاتم ولما تمادى أهل مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم متابعة لملكهم فرعون ومخالفة نبي الله ورسوله موسى عليه السلام أقام الله على أهل مصر الحجج
والبراهين أراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول فلم ينتهوا ولم يؤمن منهم إلا القليل .
روى ابن أبي حاتم من ابن عباس قال لم يؤمن بموسى من أهل مصر سوى السحرة وثلاثة هم ( آسية بنت مزاحم ) زوجة فرعون ومؤمن آل فرعون والرجل الذي قال لموسى بعد أن قتل المصري : " فأخرج أني لك من الناصحين " كما أمن بني إسرائيل جميعاً ويدل على هذا قول الله تعالى :
" فما أمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملائهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين " . (يونس : 83 )
فلما تحقق موسى عليه السلام من كفر أهل مصر وعنادهم قال :
" وقال موسى ربنا إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم " . (يونس : 88 )(1/33)
وكانت هذه الدعوة على فرعون غضباً لله عليه لتكبره عن اتباع الحق وصدره عن سبيل الله ومعاندته وعتوه وتمرده فاستجاب الله تعالى دعوة موسى عليه السلام وأخاه هارون فقال الله :
" قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " . (يونس : 89 )
* غرق فرعون في البحر :
ثم إن الله تعالى أراد إهلاك فرعون وقومه فأوحى إلى موسى عليه السلام أن يسر ببني إسرائيل ليلاً وأن فرعون سوف يتبعهم
" فأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون " . (الشعراء : 52 )
قال المفسرون وأهل الكتاب : إن بني إسرائيل قد أمرهم الله تعالى أن يستعيروا حلياً من أهل مصر فأعاروهم حلي كثيرة فساروا ليلاً يطلبون بلاد الشام فلما علم فرعون بهربهم حنق عليهم واشتد غضبه وجمع جنوده كي يتبعهم وقال :
" إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون " . ( الشعراء :54 – 55 )
وجمع فرعون جنوده كي يتبع موسى عليه السلام وبني إسرائيل فقال الله تعالى : : " فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ". (الشعراء : 57 – 58 )
ولما ركب فرعون وجنوده طالبين بني إسرائيل كانوا في جيش عرمرم قيل كانوا مليون وستمائة ألف مقاتل وكان بنوا إسرائيل ستمائة ألف مقاتل غير الذرية والله أعلم .
فأدرك فرعون بني إسرائيل عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ولم يبق ثمة ريب أو لبس وما بين كل من الفريقين صاحبه على مرمى البصر فعندها قالت بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام : " إنا لمدركون " . ( الشعراء : 61 )
فقال لهم موسى عليه السلام :
" كلا إن معي ربي سيهدين " . (الشعراء : 62 )
فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه
" فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم " (الشعراء : 63 )(1/34)
فتقدم موسى عليه السلام ونظر إلى البحر وهو يقول : هاهنا أمرت وكان معه أخاه هارون ويوشع بن نون ومؤمن آل فرعون وهم وقوف بنوا إسرائيل من ورائهم فلما اقترب فرعون وجنوده من بني إسرائيل وحي الله لموسى " أضرب بعصاك البحر " فلما ضربه سيدنا موسى عليه السلام انفلق اثنا عشر طريقاً وصار بين الطرق شبابيك ليرى بعضهم بعضاً وكان ماء الجبال قائماً مثل الجبال مكفوفاً بالقدرة العظيمة فلما صار البحر كذلك أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل بالمرور من هذه الطرق التي في البحر فلما جاوز موسى عليه السلام البحر هو ومن معه أراد سيدنا موسى أن يضرب البحر مرة أخرى حتى لا يمر فرعون وجنوده فقال له الله عز وجل : " واترك البحر رهواً إنهم جند مغرقون " .
فلما قدم فرعون وجنوده ورأى البحر على هذه الحالة هاله هذا المنظر العظيم وتحقق من أن هذا من فعل رب العالمين فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلبهم ولكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة العدا وحملته نفسه الكافرة والسجية الفاجرة على أن قال لجنوده : انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي الخارجين عن طاعتي فاقتحم فرعون البحر هو وجنوده فلما دخلوا جميعاً البحر أطبق عليهم الماء من كل جانب فلم ينج منهم إنسان ولما جعلت الأمواج تخفض فرعون تارة وترفعه أخرى وعاين الغرق وباشر سكرات الموت أناب حينئذ وتاب وقال :
" آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل " . ( يونس : 90 )
روى الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما قال فرعون ( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ) قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فد سسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة " .
وهنا نقف مرة أخرى لنوضح بعض النقاط الهامة(1/35)
* كيفية هروب موسى عليه السلام ببني إسرائيل :
كنا قد تكلمنا عن موقع مصر وقلنا بأنها في شبه جزيرة سيناء ولكننا لم نحدد موقعها في سيناء لذا وجب علينا هنا أن نظهر موقعها تحديداً ولكن قبل ذلك لابد أن
نوضح عدة نقاط هامة من هذه النقاط :
أولاً : أن أحجام الرجال في زمان سيدنا موسى عليه السلام لم تكن كأحجام الرجال الآن بل كانت أكبر بكثير فقد قيل إن طول سيدنا موسى عليه السلام عشرة أذرع والذراع يقرب من ستين سنتيمتر بذلك يكون طول سيدنا موسى ستة أمتارً فمن غير المعقول أن يكون طول فرعون متران بل لابد أن يكون في مستوى طول سيدنا موسى عليه السلام وإلا لو كان فرعون متران لاستطاع سيدنا موسى عليه السلام أن يرفع فرعون بإصبعه ويلقيه في البحر دون عناء .
وقد وردفي صحيح البخاري قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرازق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً ثم قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يجيبونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال : السلام عليكم ، فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزاده ( ورحمة الله ) فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن " . صدق رسول الله
إذا لو قلنا بأن الأعمار ترتبط بالأطوال لقلنا إن آدم عليه السلام كان عمره ألف عام وطوله ستون ذراعاً وموسى عليه السلام كان عمره مائة وعشرون سنة وطوله عشرة أذرع فبذلك يكون متوسط الأعمار في زمن سيدنا موسى مائة وعشرون والأطوال تكون عشرة أذرع أي ما يقرب من ستة أمتارً .(1/36)
ثانياً : كان بنوا إسرائيل وقت خروجهم من مصر ستمائة ألف مقاتل غير الذرية وقد جاء في القرآن الكريم وأسفار العهد القديم أنهم قد أخذوا حلي " ذهب وغيره " من أهل مصر فلو قلنا بأن أطوالهم كانت ستة أمتارً مثلاً فكم يكفي للرجل أن يلبس من الحلي كالذهب مثلاً أقل شيء يلبسه الرجل كيلو جرام لصار مقدار الذهب والحلي الذي أخذوه من أهل مصر ستمائة ألف كيلو جرام قد يكون هذا الكم الهائل كبيراً جداً على تخيلنا أو مداركنا ولكن إذا قلنا بأن قوم أطوالهم ستة أمتارً صنعوا عجلاً ظنوا أنه إله يعبدونه فكم يكون طول هذا العجل لابد أن يفوق العجل أطوالهم .
لنعتبر أن طول العجل خمسة أمتار وارتفاعه ثلاثون متراً وعرضه خمسة أمتار وسمكه عشرون سنتيمتر مثلاً فكم سيكون وزن هذا العجل الذي عبدوه .
أنا أعتقد أن يكون وزنه أكثر من الستمائة ألف كيلو جرام .
وهذا ليس هو المهم ولكن المهم هو ما جاء في كتب أهل الكتاب من أن الله تعالى هو الذي أمرهم بأن يأخذوا من أهل مصر الذهب وهذا ليس وارداً بالمرة لأن الله تعالى لم يحل الغنائم إلا لنا أمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الرسول الكريم : " وأحلت لي الغنائم " .
إذا أراد اليهود أن يثبتوا أن الله هو الذي أمرهم وهذا من غلطهم لأن الغنائم لا تحل لهم ولذلك حينما صنعوا العجل وعاتبهم موسى على ذلك أرادوا أن يثبتوا له أن الذهب الذي أخذوه من أهل مصر ليس من حقهم فماذا يصنعون به وقالوا له :
" حملنا أوزاراً من زينة القوم "
وبذلك يثبت أن الذهب والحلي الذي خرج به بنو إسرائيل من مصر لم يكن غنيمة وإنما كان سرقة . ولم يقف اليهود عند هذه السرقة فقط فكلنا يعرف قارون .
فما هي حكاية قارون إذ يقول المولى عز وجل :
" إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين " . (القصص : 76 )(1/37)
فمن المعرف أن أرض مصر كان يوجد بها كنوز كثيرة من الذهب وغيره من الأحجار الكريمة ومعنى ( الكنز ) هو الشيء الثمين الدفين فحينما يقول المولى عز وجل في كتابه :
" فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم " (الشعراء : 57 – 58 )
هذا يعني أن أرض مصر كانت تحوي كنوزاً في بطنها هذه الكنوز أخذ منها قارون لعنه الله فحينما يقول الله :
" أتيناه من الكنوز "
فإن الله قد أعلم قارون بكيفية الكشف عن الكنوز في باطن الأرض فاستطاع بذلك أن يخرج كنوزاً كثيرة من أرض مصر فتخيل عزيز القارئ كم كان مقدار الكنوز التي كانت مفاتيح خزائنها لا يطيق على حملها العدد من الرجال الأقوياء وهذه الكنوز التي كانت في باطن أرض مصر أضاعها قارون بغبائه وعلوه في الأرض فخسف به الله الأرض وبذلك ضاعت ثروة عظيمة من ثروات مصر .
ولن نقف عند هذا الحد فهناك أيضاً ( قبة الزمان ) .
وقد جاء عند أهل الكتاب أن قبة الزمان هذه كانت قبل عبادة العجل وكانت كالكعبة يحجون إليها فما حكاية قبة الزمان .
يقول أهل الكتاب : وقد أمر الله موسى عليه السلام بعمل قبة من خشب الشمشاز وجلود الأنعام وشعر الأغنام وأمر بزينتها بالحرير المصبغ والذهب والفضة على كيفيات مفصلة عند أهل الكتاب ولها عشر سرادقات طول كل واحد طول كل واحد ثمانية وعشرون ذراعاً وعرضه أربعة أذرع ولها أربعة أبواب وأطناب من حرير ودمقس مصبغ وفيها سقوف وصفائح من ذهب وفضة ولكل زاوية بابان وأبواب آخر كبيرة وستور من حرير مصبغ وغيره ويعمل تابوت من خشب الشمشاز يكون طوله ذراعين ونصف وعرضه ذراعين وارتفاعه ذراعاً ونصف ويكون مضياً بذهب خالص من داخله وخارجه وله أربع حلق في أربع زوايا ويكون على خافتاه كروبيان من ذهب – يعنون صفة ملكين بأجنحة – وهما متقابلان صنعه رجل اسمه
((1/38)
بصليال ) وأمره أن يعمل مائدة من خشب الشمشاز طولها ذراعان وعرضها ذراعان ونصف لها ضباب ذهب وإكليل ذهب بشفه مرتفعة بإكليل ذهب وأربع حلق من نواحيها من ذهب مغرزه في مثل الرمان من خشب مليس ذهباً وأن يعمل صحافاً ومصافي وقصاعاً على المائدة ويصنع منارة من الذهب ولي فيها ست قصبات من الذهب من كل جانب ثلاثة على كل قصبة ثلاثة سرج وليكن في المنارة أربع قناديل ولتكن هي وجميع هذه الآنية من قنطار من ذهب طبعاً غير الحرير والخشب والذهب الذي صنعت به ( قبة الزمان ) كان من مصر فبالله كم تكلفت قبة الزمان هذه التي قال عنها أهل الكتاب وهل حافظوا عليها فقد سرق اليهود الحلي والمصاغ من أهل مصر ثم نقب قارون فأخرج من أرض مصر الكنوز ثم صنعوا ( قبة الزمان ) في مصر وخرجوا بها إلى الشام كل هذا من أرض مصر فهلا أعادوه لنا
ونرجع إلى كيفية خروج موسى عليه السلام ببني إسرائيل
وهذا ما سنوضحه بخريطة .
قلنا بأن مصر بدأت في شبه جزيرة سيناء وأنا أقول بأنها كانت قريبة من جبل الطور وكانت على ساحل خليج العقبة وأن بيت فرعون كان في آخر المدينة وأن بني إسرائيل كانوا يسكنون في منتصف المدينة أوفي آخرها ويدل على ذلك قول الله تعالى : " وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إني لك من الناصحين " . ( القصص : 20 )
هذه الآية تدلنا على أن فرعون كان يسكن في أقصى المدينة معنى ذلك أن موسى عليه السلام إما كان في منتصف المدينة أو في أقصاها من الناحية الأخرى فحينما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل كان مسيره ليلاً فحينما أصبح الصباح تفقد فرعون بني إسرائيل فلم يجدهم فجمع جنوده وتبع أثرهم بقى لنا أن نقول بأن موسى عليه السلام حين سار ببني إسرائيل كان يسير بمحاذاة الساحل لماذا ؟(1/39)
لأن الله حين أمر موسى عليه السلام أن يسير ببني إسرائيل لم يكن قد أعلمه بأنه سوف يضرب البحر ولم يوحي الله إلى موسى أن يضرب البحر إلا حينما رأى بنو إسرائيل فرعون وجنوده من بعيداً إذاً تكون كيفية سريان موسى ببني إسرائيل كما توضحه الخريطة
ونعود إلى قصتنا
وعند غرق فرعون في البحر أراد أن يؤمن فقال :
" آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " ( يونس : 90 )
قال الله تعالى :
" الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكن لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون " . (يونس : 91 – 92 )
قال المفسرون في قوله " فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية
شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم : إنه لا يموت فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع ، قيل : على وجه الماء وقيل على نجوه من الأرض وعليه ( درعه ) التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه ولهذا قال " فاليوم ننجيك ببدنك " أي مصاحباً ( درعك ) المعروفة بك
" لتكون لمن خلفك آية " أي لبني إسرائيل وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما .
وأنا أقول أن الله حينما قال لفرعون " فاليوم ننجيك ببدنك " أي ننجيك
( بجسدك ) وأن قول ابن عباس والمفسرون بأن " ببدنك " هنا أي بدرعك فيه نظر وذلك لآن الدروع لم تكن معروفة في زمن سيدنا موسى عليه السلام وإن أول من صنع الدروع هو سيدنا داود عليه السلام وعلمها له الله تعالى وسيدنا داود كان
بعد سيدنا موسى بزمن بعيد ويوضح ذلك قول الله تعالى عن سيدنا داود :
" وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون " . (الأنبياء : 80 )
وبذلك تصبح كلمة " ببدنك " في الآية هي (بجسدك ) وليس بدرعك إذ أن
الدروع لم تكن قد صنعت في هذا العهد .
وبذلك انتهى ملك من ملوك الأرض الجبابرة الذي ظن أنه إله وطغى وتجبر وعتا(1/40)
وعاث في الأرض الفساد وكذب رسول ربه فأملى له الله تعالى وأقام عليه الحجة
والبرهان فأبى واستكبر فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر فسبحان الذي أسمه الجبار فهو
جبار على المنكسر ( بنو إسرائيل ) فجبر كسرهم وجبار على المنتقم ( فرعون )
فقصم ظهره .
** خلاصة القول **
خلاصة القول : بأن كل ما ورد في هذا الكتاب قد صيغ في هيئة قصة ولكن هذه القصة تحتوي على بعض النقاط الهامة التي لم يصل إليها أحد وقد استغرق ذلك مني سنين كي أجمعها وأطابقها فقد وجدت أن علماء الآثار حينما اهتموا بفرعون موسى قالوا بأنه رمسيس الثاني حيث أنه أطول ملك حكم مصر فكانت مدة حكمه ستون عاماً وأن فترة حكمه تقارب فترة وجود سيدنا موسى عليه السلام بمصر أما علماء الدين فاكتفوا بأن يقولوا أن فرعون هذا كافر ولعنه الله وإنه في الدرك الأسفل من النار ولم يأت أحد ليجمع بين الرأي الديني والرأي الأثري ليوضح من هو فرعون موسى وأين كان يسكن وكلفني البحث وإخراج هذا الكتاب إلى أكثر من عشر سنوات كاملة .
خلاصة القول : إن مصر التي كان يسكن بها سيدنا يوسف عليه السلام وسيدنا موسى عليه السلام كانت في شبه جزيرة سيناء وكان ذلك في سنين ما قبل التاريخ ثم أن العمران بدأ يمتد من مصر التي في سيناء إلى أن أتى على ضفاف نهر النيل فاستقر أهل مصر على ضفاف نهر النيل وتركوا مصر التي كان بها موسى عليه السلام لا يسكنها إلا أناس قليلة منهم ومن هنا قامت حضارة وادي النيل في مصر واتسعت رقعة مصر فبدلاً من إنها كانت في سيناء فقط أصبحت في سيناء وعلى ضفاف نهر النيل .
خلاصة القول : أن فرعون موسى لم يكن رمسيس الثاني أو أي ملك من ملوك مصر الفرعونية حيث لا ينطبق على أحد منهم مواصفات فرعون وأن فرعون ليس بلقب وإنما كان اسماً وأن الذي ربى موسى عليه السلام كان أسمه فرعون وأن الملك الذي غرق في البحر هو فرعون وهو اسم وليس لقب .(1/41)
خلاصة القول : أن حقيقة السحر الذي كان يتعاطاه السحرة في مصر هو سحر التخيلات وأن فرعون كان أسحر أهل مصر ويبدو أن فرعون هذا كان معلم السحره
خلاصة القول : أن الأطوال في زمن سيدنا موسى عليه السلام كانت كبيرة جداً حيث يصل طول الأفراد من أربعة إلى ستة وأن الأعمار كانت تصل إلى مائة وعشرين عاماً .
خلاصة القول : أن اليهود أخذوا آلاف الأطنان من الذهب من أهل مصر ومن أرضها ولم يكن لهم حق فيها وأضاعوها فأين هي ؟
خلاصة القول : أن فرعون حينما أقتحم البحر كان متأكداً تمام التأكد أن هذا ليس سحرا وإلا لو كان يعتقد أنه سحراً لما جرؤ على اقتحام البحر .
خلاصة القول : أن بني إسرائيل حينما عادوا إلى مصر عادوا إلى صحراء سيناء فأقاموا بها في التيه ما يثبت أم مصر كانت في سيناء.
خلاصة القول : لو قلنا بأن بني إسرائيل كانوا في زمن أحد ملوك الفراعنة الذين نجد آثاراهم إلى الآن لما عبد بنو إسرائيل العجل حيث كان يعبد المصريين في ذلك الزمان ( حور وأبيس ) وكلاهما كان عجلاً فهل يعقل أن يفرون من عبادة عجل فيعبدون عجلاً آخر .
خلاصة القول : أن العلم الذي كان عند قارون هو علم البحث والتنقيب عن الكنوز لقول الله : " وآتيناه من الكنوز " هذا ما جعله أغنى أهل الأرض .
خلاصة القول : أن بني إسرائيل كانوا مسخرين عن المصريين ولم يكونوا بأهل مصر ولا أصحاب أرض فيها بل أصحاب حرف يكتسبون منها .
خلاصة القول : أن الله حين أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر لم يأمرهم بالرجوع إليها .
خلاصة القول : أن فرعون حين غرق في البحر نجى الله جسده ولم يكن معه درع لآن الدروع لم تكن قد عرفت في ذلك الوقت .
خلاصة القول : أنه باكتشاف مكان مصر التي كان يسكن فيها سيدنا يوسف وسيدنا موسى عليهما السلام سوف نكتشف أشياء هامة منها .
1] سلال غلال العالم .
2] آثار الملوك قبل وبعد سيدنا يوسف إلى عهد فرعون .(1/42)
3] تابوتاً يحوي ما تركه آل موسى وآل هارون في مصر وربما به التوراه الحقيقية 00000 لماذا ؟
لآن بني إسرائيل بعد سيدنا موسى قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله تحت رايته فقال لهم الملك إن الله أختار لكم طالوت ملكاً وإن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة لكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة .
فقول النبي لهم : " وبقية مما ترك " أي أن أكثر ما تركوه موجوداً في أرض مصر .
خلاصة القول : أن مصر بدأت في سيناء ثم امتد العمران إلى أن شمل وادي النيل إلى أن أصبحت مصر بهذا الأتساع في عصرنا هذا.
خلاصة القول : أن بني إسرائيل جاء لهم بعد سيدنا موسى عليه السلام أكثر من ألف نبي وقيل ألفين فلو قلنا أن الله تعالى كان يرسل لهم خمسة أنبياء في وقت واحد وهم ألف نبي وبين كل خمسة أنبياء ثمانين عاماً فقط لكانت المدة من إرسال سيدنا موسى إلى بني إسرائيل وآخر بني إسرائيل هو سيدنا عيسى عليه السلام هي ستة عشر ألف سنة .
خلاصة القول : أن الحضارة المصرية القديمة هي من أقدم الحضارات على وجه الأرض إذ أنها تمتد إلى عشرات الآلاف من السنين
خاتمة
الحمد لله الذي وفقني لكتابة هذا الكتاب الذي أعتبره الكتاب الوحيد من نوعه في هذا الشأن فقد تكلمت كتب كثيرة عن فرعون وعن مصر وكل من هؤلاء الكتب حينما تكلمت إما من منطلق ديني وإما من منطلق تاريخي أما هذا الكتاب فيجمع بين الاثنين الرأي الديني والتاريخي ليوضح الحقائق والمفاهيم التي غابت عن الأذهان وقد أيدت هذه الحقائق من خلال بعض الكتب الدينية والتاريخية التي لا خلاف عليها عند أهل العلوم ووجدت أن هذه الحقائق لا تختلف عما جاء في هذه الكتب وربما تكون مكملة لها .
والله أسأل أن يرحمنا بما علمنا ويتجاوز عن خطايانا
هاني أنور بندق(1/43)