أنس بن مالك الأنصاري و هند و أسماء ابنا حارثة الأسليمان و ربيعة بن كعب الأسلمي و كان عبد الله بن مسعود : صاحب نعليه كان إذا قام ألبسه إياهما و إذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم و كان عقبة بن عامر الجهني : صاحب بغلته يقود به في الأسفار و أسلع بن شريك : صاحب راحلته و بلال بن رباح المؤذن و سعد مولى أبي بكر الصديق و أبو الحمراء قيل : اسمه هلال بن الحارث و قيل : هلال بن ظفر حديثه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يمر ببيت علي و فاطمة فيقول : السلام عليكم أهل البيت { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا } [ الأحزاب : 33 ] و ذو مخمر : ابن أخي النجاشي و يقال : ابن أخته و يقال : ابن أخته و يقال : ذو مخبر و بكير بن شداخ الليثي و يقال : بكر و أبو ذر الغفاري و رزينة امرأة حديثها عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضل يوم عاشوراء عند أهل البصرة و أربد : كذا وجدته فيهم غير منسوب و قد ذكر إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق فيمن هاجر إلى المدينة : أربد بن حمير فلا أدري أهو هو ؟ أم لا و الأسود بن مالك الأسدي اليماني و أخوه الحدرجان بن مالك و جزء بن الحدرجان ذكرهم ابن منده و ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري له حديث حسن طويل من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر قال : كان فتى من الأنصار يحف برسول الله صلى الله عليه و سلم و يحدثه أنه مر بباب رجل من الأنصار فاطلع فيه فوجد امرأة الأنصار تغتسل فكرر النظر و ذكر باقي الحديث بطوله في سبب توبته ذكره أبو محمد الرشاطي و قال : أغفله أبو عمر و لم ينبه عليه ابن فتحون و قد رأيت عن أبي حاتم البستى قال في ثعلبة هذا : مات خوفا من الله في حياة النبي صلى الله عليه و سلم و هو إشارة إلى هذا الحديث و سالم خادمه عليه الصلاة و السلام و بعضهم يقول مولاه و منهم من يقول أبو سلمى : راعي رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد ذكر بعضهم : سلمى خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قيل : هو سالم المذكور و سابق : : ذكره أبو عمر و قال : روي عنه حديث واحد من حديث الكوفيين اختلف فيه على شعبة و مسعر و الصحيح فيه عنهما : ما رواه هشيم و غيره عن أبي سفيان عن سابق بن ناجية عن أبي سلام خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و لا يصح سابق في الصحابة و الله أعلم
و الحديث الذي أشار إليه عن أبي سلام خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ما من عبد يقول حين يمسي و حين يصبح ثلاث مرات : رضيت بالله ربا ة بالإسلام دينا و بمحمد نبيا إلا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة ]
قال أبو عمر : و من قال في أبي سلام هذا أبو سلامة فقد أخطأ هو أبو سلام الهاشمي ذكره في الصحابة و في خدم النبي صلى الله عليه و سلم خليفة بن خياط
و صفية خدمت النبي صلى الله عليه و سلم روت عنها أمة الله بنت رزينة في الكسوف مرفوعا قاله ابن عبد البر و مهاجر مولى أم سلمة روى أبو عمر من حديثه قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس سنين لم يقل لشيء صنعته لم صنعته و لا لشيء تركته لم تركته ؟ و نعيم بن ربيعة بن كعب ذكر عن ابن منده و أبي نعيم و أبو عبيد قال أبو عمر : قيل خادم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قيل مولاه لم أقف له على اسم
و من النساء سوى ما تقدم : أمة الله بنت رزينة و قد تقدم ذكر أمها و خولة : جدة حفص بن سعيد ذكرها أبو عمر و قال : لها حديث في تفسير قوله تعالى : { و الضحى و الليل إذا سجى ما ودعك ربك و ما قلى } [ الضحى : 1 ـ 3 ] ليس إسناده مما يحتج به و مارية جدة المثنى بن صالح لها حديث عند الكوفيين و مارية أم الرباب لها حديث عند البصريين ذكرهما أبو عمر و ذكر حديثيهما و قال في الثانية : لا أدري أهي التي قبلها أم لا (2/407)
زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي و ابنه أسامة بن زيد و أخوه لأمه : أيمن بن عبيد بن أم أيمن استشهد أيمن يوم حنين و كان على مطهرة النبي صلى الله عليه و سلم و أسلم بن عبيد
و أبو رافع و اسمه أسلم و قيل إبراهيم و قيل هرمز و كان للعباس بن عبد المطلب و قيل كان لسعيد بن العاص أبي أحيحة و أبو رافع أيضا والد البهي بن أبي رافع و قيل كان اسمه رافعا كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص فمات فورثه بنوه فعتق بعضهم و بعضهم وهب نصيبه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو الأول عند ابن أبي خيثمة و البخاري و مصعب الزبيري و منهم من يقول : هما اثنان و أبو أثيلة : رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي و لم يسمه و لم ألق له ذكرا أكثر من أن أبا عمر قال في الصحابة : أبو أثلة قيل : اسمه راشد حجازي له صحابة و كذلك قال أبو أحمد الحاكم و كناه : أبا أثيلة مصغرا و أبو كبشة : و اسمه سليم شهد بدرا و أنسة : يكنى أبا مسرح و ثوبان : و يكنى أبا عبد الله و شقران : و اسمه صالح و رباح : أسود كان يأذن على النبي صلى الله عليه و سلم و يسار : نوبي و أبو السمح : قيل اسمه إياد ضل فلا يدرى أين مات و أبو مويهبة و رافع و كان لسعيد بن العاص و أفلح و مابور و مدعم : أسود وهبه له رفاعة بن الجذامي و كركرة : كان على ثقل النبي صلى الله عليه و سلم و زيد : جد بلال بن يسار بن زيد و عبيد و طهمان و كيسان و ذكوان و مروان و واقد و سندر و هشام و حنين و سعيد و أبو عسيب و اسمه أحمر و أبو لبابة و أبو لقيط و سفينة : و اسمه مهران بن فروخ مولى أم سلمة و أبو عبيد و سعد و ضميرة بن أبي ضميرة جد الحسين بن عبد الله بن ضميرة و أبو هند و أبو بكرة : نفيع و أخوه نافع و أبو كندير سعيد و سلمان الفارسي و سالم و سابق
و قد تقدم في الخدم ذكر شيء من ذلك
و عبيد الله بن أسلم و نبيه و هشام و وردان و أنجشه : و كان حاديا و هو الذي قاله له : رفقا بالقوارير و باذام : ذكره النوري عن أبي موسى و نقل له حديثا و حاتم : ذكره ابن الأثير عن أبي موسى و زيد بن بولا و دوس و رويفع و أبو ريحانة شمعون ـ و تقدم ذكر ريحانة هذه ـ و عبيد بن عبد الغفار و غيلان و قفيز : غلام رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكره عبد الغني بن سعيد و الدارقطني في المؤتلف و المختلف من طريق أنس بن مالك و كريب و محمد بن عبد الرحمن
و محمد : غير منسوب و مكحول و ذكر أنه عليه الصلاة و السلام و هبه أخته من الرضاعة الشيماء و نبيل و هرمز و أبو البشير و أبو صفية و كان يسبح بالنوى
و من النساء : أم أيمن الحبشية و اسمها بركة و سلمى : أم رافع و مارية و ريحانة و ربيحة ـ و قد تقدم ذكرهن ـ و خضرة و رضوى و ميمونة بنت سعد و ميمونة بنت أبي عسيب و أم ضميرة و أم عياش و أميمة : مولاة النبي صلى الله عليه و سلم روى عناه جبير بن نفير قاله أبو عمر و قيسر : القبطية أهداها له المقوقس مع مارية و سيرين : قيل إنه عليه الصلاة و السلام وهبها لأبي جهم بن حذيفة و قيل : وهبها لجهم بن قيس العبدي و ذكر ابن يونس : أن زكرياء بن الجهم بن قيس لقيسر أخت مارية هذه و أما سيرين فوهبها لحسان بن ثابت فولده عبد الرحمن منها
و قد ذكرنا في هذا الفصل ميمونة بنت سعد و ميمونة بنت أبي عسيب ذكرهما أبو عمر و ذكر معهما ميمونة ثالثة و قال في كل منهن : مولاة النبي صلى الله عليه و سلم و لم ينسب الثالثة لا غير أنه بينهن بروايتهن و ذكر لكل واحدة حديثا غير الآخر (2/410)
قد قدمنا في أول الكتاب حديث الترمذي : [ إن لي أسماء : أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر و أنا الحاشر : الذي يحشر على قدمي و أنا العاقب : الذي ليس بعده نبي ]
و قد ذكر من أسمائه صلى الله عليه و سلم : الرسول المرسل النبي الأمي الشهيد المصدق النور المعلم البشير النذير المنذر المبين الأمين العبد الداعي السراج المنير الإمام الذكر الهادي المهاجر العامل المبارك الرحمة الآمر الناهي الطيب الكريم المحلل المحرم الواضع الرافع المجير خاتم النبيين ثاني اثنين منصور أذن خبر مصطفى مأمون قاسم نقيب المزمل المدثر العلي الحكيم المؤمن الرؤوف الرحيم الصاحب الشفيع المشفع المتوكل نبي التوبة نبي الرحمة نبي الملحمة صلى الله عليه و سلم (2/157)
أبو بكر و عمر و عثمان و عامر بن فهيرة و خالد و أبان : ابنا سعيد بن العاص أبي أحيحة و ذكر شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي أيضا أخاهما سعيدا و عبد الله بن الأرقم الزهري و حنظلة بن الربيع الأسيدي و أبي بن كعب و هو أول من كتب له من الأنصار و ثابت بن قيس بن شماس و زيد بن ثابت و شرحبيل بن حسنة و معاوية بن أبي سفيان و المغيرة بن شعبة و عبد الله بن زيد و جهم بن الصلت و الزبير بن العوام و خالد بن الوليد و العلاء بن الحضرمي و عمر بن العاص و عبد الله بن رواحة و محمد بن مسلمة و عبد الله بن عبد الله بن أبي و معيقب بن أبي فاطمة و عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري و هو أول من كتب له من قريش ثم ارتد فنزلت فيه : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا } [ الأنعام : 144 ] و ذكر في كتابه عليه الصلاة و السلام أيضا : طلحة و يزيد بن أبي سفيان و الأرقام بن أبي الأرقم الزهري و العلاء بن عتبة و أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد و بريدة بن الحصيب و الحصين بن نمير و أبو سلمة المخزومي عبد الله بن عبد الأسد و حويطب بن عبد العزى و أبو سفيان بن حرب و حاطب بن عمرو
و روينا من طريق أبي داود : من حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : السجل كان كاتبا لرسول الله صلى الله عليه و سلم
و روينا من طريق النزال بن سبرة عن علي قال : كان ابن خظل يكتب قدام النبي صلى الله عليه و سلم فكان إذا نزل : { غفور رحيم } كتب : رحيم غفور و إذا نزل : { سميع عليم } كتب : عليم سميع و فيه : فقال ابن خطل : ما كنت أكتب إلا ما أريد
ثم كفر و لحق بمكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من قتل ابن خطل فهو في الجنة ] فقتل يوم الفتح و هو متعلق بأستار الكعبة
هذا و هم و النزال بن سبرة له صحبة و روايته عن علي مخرمة في الكتب و إنما الحمل فيه على من هو دونه و هذه الواقعة معروفة عن ابن أبي سرح و هو ممن كان النبي عليه الصلاة و السلام أهدر دمه يوم الفتح كابن خطل فقتل ابن خطل و دخل بابن أبي سرح على رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان فراجع الإسلام بين يديه عليه الصلاة و السلام فقبله بعد تلوم و قد أوردنا ذلك قبل هذا في يوم الفتح و لم ينقم على ابن أبي سرح بعد ذلك شيء في إسلامه و مات ساجدا رحمه الله و رضي عنه
و ذكر ابن دحية فيهم رجلا من بني النجار غير مسمى قال : كان يكتب الوحي لرسول صلى الله عليه و سلم ثم تنصر فلما مات لم تقبله الأرض (2/413)
حرسه يوم بدر حين نام في العريش سعد بن معاذ و يوم أحد محمد بن مسلمة و يوم الخندق الزبير بن العوام و حرسه ليلة بني بصفية أبو أيوب الأنصاري بخيبر أو ببعض طريقها فذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ] و حرسه بوادي القرى بلال و سعد بن أبي وقاص و ذكوان بن عبد قيس و كان على حرسه عباد بن بشر فلما نزلت { و الله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] ترك الحرس
و كان الذين يضربون بين يديه الأعناق : علي و الزبير و المقداد و محمد بن مسلمة و عاصم بن ثابت
و مؤذنوه : بلال و عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم الأعمى و سعد القرظ بن عائذ مولى عمار بن ياسر و أبو محذورة سمرة بن معير و قيل : أوس (2/414)
و ليس من العشرة و الحواريين إلا من تقدم نسبه فينظر في موضعه و هم : أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد و عبد الرحمن بن عوف و أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم و أنشدت بيتا جمعهم فيه ناظمه و الذي تقدمه توطئة له :
( لقد بشرت بعد النبي محمد ... بجنة عدن زمرة سعداء )
( سعيد و سعد و الزبير و عامر ... و طلحة و الزهري و الخلفاء )
و أما الحواريون : و الحواري : الخليل و قيل : الناصر و قيل : الصاحب المستخلص
فكلهم من قريش و هو : الخلفاء الأربعة و حمزة و جعفر و أبو عبيدة و عثمان بن مظعون و عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و طلحة و الزبير
و أما أصحاب الصفة : فقوم فقراء لا منزل لهم غير المسجد روينا عن ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني محمد بن نعيم المجمر عن أبيه قال : سمعت أبا هريرة يقول : رأيت ثلاثين رجلا من أهل الصفة يصلون خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس عليهم أردية
عد منهم : أبو هريرة و أبو ذر و واثلة بن الأسقع و قيس بن طخفة الغفاري و قد ذكر في عددهم أكثر من ذلك بكثير (2/415)
سيف يقال له مأثور ورثه من أبيه و قدم به المدينة و العضب : أرسل إليه به سعد بن عبادة عند توجهه إلى بدر و ذو الفقار : كان في وسطه مثل فقرات الظهر غنمه يوم بدر و كان للعاص بن منبه السهمي و كان ذو الفقار مع النبي صلى الله عليه و سلم بعد في حروبه كلها و كانت قائمته و قبيعته و حلقته و علاقته فضة و هو بكسر الفاء و قيد أيضا بفتحها و الصمصامة : سيف عمرو بن معدي كرب و كان مشهورا و أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف : سيفا قلعيا بفتح اللام نسبة إلى مرج قلعة بالبادية و البتار و الحتف و كان له أيضا الرسوب و المخدم : أصابهما مما كان على الفلس صنم طيء و هو بضم الفاء و سكون اللام و القضيب فتلك عشرة
و كان له درع يقال لها : ذات الفضول لطولها أرسل إليه بها سعد بن عبادة حين سار إلى بدر و ذات الوشاح و ذات الحواشي و درعان : أصابهما من بني قينقاع : السغدية و فضة و يقال : السغدية : كانت درع داود التي لبسها لقتال جالوت و البتراء و الخرنق فتلك سبع
و كان له من القسي خمس : الروحاء و الصفراء : من نبع و البيضاء من شوحط أصابهما من بني قينقاع و الزوراء و الكتوم لانخفاض صوتها إذا رمى عنها
و كانت له جعبة : و هي الكنانة يجمع فيها نبله و منطقة : من أديم مبشور ثلاث حلقها و أبزيمها و طرفها فضة
و ثلاثة أتراس : الزلوق و فتق و أهدي له ترس فيه تمثال عقاب أو كبش فوضع يده عليه فأذهب الله ذلك التمثال
و خمسة أرماح : ثلاثة من بني قينقاع و المثوي و المثني
و كانت له حربة : تسمى النبعة ذكرها السهيلي و حربة كبيرة اسمها البيضاء و حربة صغيرة دون الرمح شبه العكاز يقال لها : العنزة
و كان له مغفران : الموشح و السبوغ أو ذو السبوغ
و راية سوداء : مربعة يقال لها : العقاب و راية بيضاء لها الزينة و ربما جعل فيها الأسود
و روى أبو داود في سننه : من حديث سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخره منهم قال : رأيت راية رسول الله صلى الله عليه و سلم صفراء
و روى أبو الشيخ بن حيان : من حديث ابن عباس قال : كان مكتوبا بأعلى راياته : لا إله إلا الله محمد رسول الله
و قال الحافظ أبو محمد الدمياطي : قال يوسف بن الجوزي : روي أن لواءه أبيض مكتوب عليه : لا إله إلا محمد رسول الله
و كان فسطاطه : يسمى الكن
و كان له محجن : قدر ذراع أو أكثر يمشي و يركب به و يعلقه بين يديه على بعيره
و كان له مخصرة : تسمى العرجون و قضيب : يسمى الممشوق من شوحط
و قدح : يسمى الريان و آخر مضبب يقدر أكثر من نصف المد فيه فيه ثلاث ضباب من فضة و حلقة كانت للسفر و ثالث من زجاج
و كان له تور من حجارة يقال له : المخضب يتوضأ فيه و كان له مخضب من شبه يكون فيه الحناء و ركوة : تسمى الصادرة و مغسل : من صفر و ربعة : إسكندرانية : من هدية المقوقس بجعل فيها مشطا من عاج و مكحلة و مقراضا و مسواكا و مرآة
و كانت له أربعة أزواج خفاف : أصابها من خيبر و نعلان سبتيتان و خف سادج أسود من هدية النجاشي و قصعة و سرير و قطيفة
و قد اختلف الروايات في صفة الخاتم فيحتمل أن يكون خواتم متعددة و قد كان له خاتم من فضة و خاتم من ذهب لبسه ثم طرحه و خاتم حديد ملوي بفضة نقشه محمد رسول الله
و كان يتبخر بالعود و يطرح معه الكافور
و قال ابن فارس : ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم مات ثوبي حبرة و إزارا عمانيا و ثوبين صحاريين و قميسا صحاريا و آخر سحوليا و جبة يمنية و كساء أبيض و قلانس صغارا لا طئة ثلاثا أو أربعا و إزارا طوله خمسة أشبار و خميصة و ملحفة مورسة و كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر و يعتم
و كان له صلى الله عليه و سلم عمامة يعتم بها يقال لها السحاب و هبها لعلي و عمامة سوداء و يلبس يوم الجمعة ثوبا غير ثيابه المعتادة كل يوم و لا يخرج يوم الجمعة إلا متعما بعمامة يرسلها بين كتفيه و يديرها و يغرزها
و كان له رداء مربع و كان له فراش من أدم حشوه ليف و كساء أحمر و كساء من شعر و كساء أسود و منديل يمسح به وجهه
و سئلت حفصة ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالت : مسح نثنيه ثنيتين فينام عليه فلما كان ليلة ثنيته بأربع ثنيات ليكون أوطأ فلما أصبح قال : [ ما فرشتم لي ] ؟ قلنا : هو فراشك ثنيناه أربعا قال : [ ردوه لحاله الأول فإنه منعتني و طأته صلاة الليل ] ذكره الترمذي في الشمائل
و كان له قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل رواه أبو داود و النسائي و كان له سرير ينام عليه قوائمه من ساج بعث به إليه أسعد بن زرارة فكان الناس بعده يستحملون عليه موتاهم تبركا به (2/415)
البتار و المخذم : القاطع
و الحتف : الموت
و الرسوب : من رسب في الماء إذا غاض فيه لأن ضربته تغوض في المضروب به
و مرج القلعة : قريب من حلوان طريق همدان
و السغد : موضع تصنع به الدروع عنلا ابن القطاع
و الخرنق : ولد الأرنب
و الفسطاط : البيت من الشعر
و الكن : ما يستر من الحر و البرد
و المغفر : ما يلبسه الدرع على رأسه من زرد أو نحوه
و رداء مربع : طوله أربعة أذرع و إنما اخيلف في عرضه فقيل ذراع و شبر و قيل ذراعان و شبر
و قدح من عيدان : مفتوح العين المهملة ساكن الياء آخر الحروف و العيدانة : النخلة السحوق قال الشاعر :
( إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت ... عيدان نجد و لم يعبأن بالرتم )
( بنات نعش و نعش لا كسوف لها ... و الشمس و البدر منها الدهر في الرقم ) (2/419)
السكب : و كان اسمه قبل أن يشتريه : الضرس اشتراه بعشر أواق أول ما غزا عليه صلى الله عليه و سلم أحدا ليس للمسلمين غيره
و فرس أبي بردة بن نيار و يسمى ملاوح و كان أغر محجلا طلق اليمين كميتا و قيل : كان أدهم روي ذلك عن ابن عباس
شبه بفيض الماء و انسكابه و الضرس : الصعب السيء الخلق و الملاوح : الضامر الذي لا يسمن و العظيم الألواح : و هو الملواح أيضا
و كان له فرس يقال له المرتجز : سمي بذلك لحسن صهيله كأنه ينشد رجزا و كان أبيض و هو الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته رجلين و قيل : هو الطرف ـ بكسر الطاء المهملة ـ نعت المذكور خاصة و قيل : هو النجيب و الطرف و النجيب : الكريم من الخيل
و كان له أيضا اللحيف و لزاز و الظرب : فأما اللحيف فأهداه له ربيعة بن أبي البراء و أما لزاز : فأهداه له المقوقس و أما الظرب فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي
اللحيف : فعيل بمعنى فاعل كأنه يلحف الأرض بذنبه و قيل فيه : بضم اللام و فتح الحاء على التصغير و لزاز : من قولهم : لاززته أي لاصقته كأنه يلتصق بالمطلوب لسرعته و قيل : لاجتماع خلقه و الملزز : المجتمع الخلق و الظرب : واحد الظراب و هي الروابي الصغار سمي به لكبره و سمنه و قيل : لقوته و صلابته
و فرس يقال له الورد : أهداه له تميم الداري فأعطاه عمر بن الخطاب فحمل عليه في سبيل الله ثم وجده يباع برخص فقال له : لا تشتره
و الورد : لون بين الكيت و الأشقر
و فرس يدعى سبحة : من قولهم : فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري و سبح الفرس : جريه
قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي رحمه الله فهذه سبعة متفق عليها : و هي : السكب و المرتجز و اللحيف و لزاز و الظرب و الورد و سبحة و كان الذي يمتطي عليه و يركب : السكب و قيل : كانت له أفراس أخر غيرها : و هي : الأبلق : حمل عليه بعض أصحابه و ذو العقال و ذو اللمة و المرتجل و المرواح و السرحان و اليعسوب و اليعبوب و البحر ـ و هو كميت ـ و الأداهم و الشحا و السجل و ملاوح و الطرف و النجيب هذه خمسة عشر مختلف فيها
و ذكر السهيلي في خيله عليه الصلاة و السلام : الضريس و ذكر ابن عساكر فيها : مندوبا
و ذو العقال ـ بضم العين ـ و بعضهم يشدد قافه و بعضهم يخففها و هو ظلع في قوائم الدواب و اللمة : بين الوفرة و الجمة فإذا وصل شعر الرأس إلى شحمة الأذن فهي وفرة فإذا زادت حتى ألمت بالمنكبين فهي لمة فإذا زادت فهي جمة و الارتجال : خلط الفرس العنق بالهملجة و هما ضربان من السير و المراوح : من الريح لسرعته و السرحان : الذئب و هذيل تسمي الأسد سرحانا و اليعسوب : طائر و هو أيضا أمير النحل و السيد : يعسوب قومه و اليعسوب : غرة تستطيل في وجه الفرس و اليعبوب : الفرس الجواد و جدول يعبوب : شديد الجري و الشحا : من قولهم : فرس بعيد الشحوة أي بعيد الخطوة و مندوب : من ندبه فانتدب أي دعاه فأجاب
و أما البغال و الحمر : فكانت له
بغلة شهباء يقال لها دلدل أهداها له المقوقس مع حمار يقال له عفير
و بغلة يقال لها فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي مع حمار يقال له يعفور فوهب البغلة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه
و بغلة : أهداها له ابن العلماء صاحب أيلة
و بعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ببغلة و جبة من سندس
و قيل : أهدى له كسرى بغلة و لا يثبت
و عن ابن عباس أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بغلة فكان يركبها فهذا ست
و أما النعم : فكانت له
ناقتها الذي هاجر عليها تسمى القصواء و الجدعاء و الغضباء و كانت شهباء
و عن قدامة بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته يرمي على ناقة صهباء و الصهباء : الشقراء
و عن نبيط بن شريط قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجته على جمل أحمر
و بعث عليه الصلاة و السلام خراش بن أمية يوم الحديبية إلى قريش على جمل يقال له : الثعلب
و كان في هديه عام الحديبية جمل كان لأبي جهل في رأسه برة من فضة غنمه يوم بدر ليغيط به المشركين و كانم مهريا
و كانت له عشرون لقحة في الغابة و هي التي أغار عليها عيينة بن حصن الفزاري و قد سبق خبرها
و لقحة غزيرة تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان أهداها له الضحاك بن سفيان
و كانت له خمسة عشرة لقحة بذي الجدر يرعاها يسار أغار عليها العرنيون و قد تقدم الخبر عن ذلك
و كانت له بذي الجدر أيضا : سبع لقائح
و كانت له لقحة : تسمى الحفدة و الحفدة : السريعة
و مهرية : بعث إليه بها سعد بن عبادة من نعم بني عقيل
و كانت له لقحة تسمى مروة
و كان له صلى الله عليه و سلم من الغنم مائة شاة لا يريد أن تزيد على ذلك كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة
و كانت له شاة تسمى غوثة وقيل : غيثة
و شاة تسمى قمر
و عنز تسمى اليمين
و كانت له سبعة أعنز منائح ترعاهن أم أيمن
و أما البقر : فلم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ملك منها شيئا (2/420)
قد تقدم في حديث أم معبد شيء من ذلك و قرئ على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري و أنا أسمع بدمشق أخبركم الشيخان أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه و أنت تسمع و أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة إجازة قالا : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد سماعا عليه زاد ابن سكينة و الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي سماعا قالا : أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال ابن سكينة : و أخبرتنا فاطمة بنت أبي حكيم الخبري قالت : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عمر بن المسلمة قالا : أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن الجراح الوزير أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي حدثنا عمر بن زرارة حدثنا الفياض بن محمد عن عبد الله بن منصور عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي قال كان الحسين بن علي يحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم بأحاديث سمع بعضها منه و سأله أن يحلي لنا النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان فخما مفخما يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر أقصر من المشذب و أطول من المربوع عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيقته فرق و إلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحاجبين سوابغ في غير قرن أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم سهل الخدين أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق باذنا متماسكا سواء البطن و الصدر عريض الصدر و بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة و السرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين و البطن و ما سوى ذلك أشعر الذراعين و المناكب و أعالي الصدر طويل الزندين سائل الأصابع شئن الكفين و القدمين سبط العظام خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء صلى الله عليه و سلم
و قد روينا حديث الحسن بن علي حدثنا خالي هند بن أبي هالة عن صفة النبي صلى الله عليه و سلم كما سبق و فيه : أزج الحاجبين سوابغ من غير قرن بينهما عرق يدره الغضب و فيه : كث اللحية أدعج سهل الخدين ضليع الفم و فيه : إذا زال زال تقلعا و يخطو تكفؤا و يمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب و إذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه و يبدأ من لقيه بالسلام
قلت : صف لي منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم متواصل الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة و لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يفتتح الكلام و يختمه بأشداقه و يتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه و لا تقصير دمثا ليس بالجافي و لا المهين يعظم النعمة و إن دقت لا يذم شيئا لم يكن يذم ذواقا و لا يمدحه و لا يقام لغضبه إذا تعرض للحق بشيء حتى ينتصر له و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها و إذا تعجب قلبها و إذا تحدث اتصل بها فضرب بإبهامه اليمنى راحته اليسرى و إذا غضب أعرض و أشاح و إذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم و يفتر عن مثل حب الغمام
قال الحسن : فكتمتها الحسين بن علي زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأل أباه عن مدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم و مخرجه و مجلسه و شكله فلم يدع منه شيئا قال الحسين : سألت أبي رضي الله تعالى عنه عن دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك فكان إذا أوى إلى مجلسه جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءا لله تعالى و جزءا لأهله و جزءا لنفسه ثم جزا جزأه بينه و بين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة و لا يدخر عنهم شيئا فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل ذي الفضل بإذنه قسمته على قدر فضلهم في الدين منهم ذو الحاجة و منهم ذو الحاجتين و منهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم و الأمة في مسألته عنهم و إخبارهم بالذي ينبغي لهم و يقول : ليبلغ الشاهد منكم الغائب و أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك و لا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا و لا يتفرقون إلا عن ذواق و يخرجون أدلة ـ يعني فقهاء ـ
قلت : فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم و يؤلفهم و لا يفرقهم يكرم كريم كل قوم و يوليه عليهم و يحذر الناس و يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد شره و خلقه و يتفقد أصحابه و يسأل الناس عما في الناس و يحسن الحسن و يصوبه و يقبح القبيح و يوهنه معتدل الأمر غير مختلف و لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق و لا يجاوزه إلى غيره الذين يلونه من الناس خيارهم و أفضلهم عنده أعمهم نصيحة و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و مؤازرة
فسأله عن مجلسه عما كان يصنع فيه ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يجلس و لا يقوم إلا على ذكر و لا يوطن الأماكن و ينهى عن إيطانها و إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك و يعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه من سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول و قد وسع الناس بسطه و خلقه فصار لهم أبا و صاروا عنده في الحق سواء متفاضلين فيه بالتقوى مجلسه مجلس حلم و حياء و صبر و أمانة لا ترفع فيه الأصوات و لا توبن فيه الحرم و لا تثنى فلتاته يتعاطون بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير و يرحمون الصغير و يرفدون ذا الحاجة و يرحمون الغريب
فسأله عن سيرته صلى الله عليه و سلم في جلسائه فقال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب و لا فحاش و لا عياب و لا مداح يتغافل عما لا يشتهي و لا يوئس منه قد ترك نفسه من ثلاث : الرياء و الإكثار و ما لا يعنيه و ترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا و لا يعيره و لا يطلب عورته و لا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير و إذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث من تكلم عنده أنصتوا أنصتوا له عنده له حتى يفرغ حديثهم حديث أو لهم
يضحك مما يضحكون منه و يعجب مما يعجبون و يصير للغريب على الجفوة في المنطق و يقول : إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه و لا يقبل الثناء إلا من مكافئ و لا يقطع على أحد حديثه يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام
قلت : كيف كان سكوته ؟ قال : كان سكوته على أربع : على الحلم و الحذر والتقدير و التفكر فأما تقديره ففي تسوية النظر و الاستماع من الناس و أما تفكره ففيما يبقى و يفنى و جمع له الحلم صلى الله عليه و سلم في الصبر فكان لا يغضبه شيء يستنفره و جمع له في الحذر أربع أخذه بالحسن ليقتدى به و تركه القبيح لينتهى عنه و اجتهاد الرأي بما أصلح أمته و القيام لهم بما جمع لهم أمر الدنيا و الآخرة (2/424)
قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي رحمه الله بعد إيراده حديث هند بن أبي هالة هذا :
فصل في تفسير غريب هذا الحديث و مشكله :
قوله المشذب : أي البائن الطول في نحافة و هو مثل قوله في الحديث الآخر ليس بالطويل الممغط
و الشعر الرجل : الذي كأنه مشط فتكسر قليلا ليس بسبط و لا جعد
و العقيقة : شعر الرأس أراد إن انفرقت من ذات نفسها فرقها و إلا تركها معقوصة و يروى : عقيصته
و أزهر اللون : نيره و قيل : أزهر : حسن و منه : زهرة الحياة الدنيا أي زينتها و هذا كما قال في الحديث الآخر : ليس بالأبيض الأمهق و لا بالآدم و الأمهق : هو الناصع البياض و الآدم : الأسمر اللون و مثله في الحديث الآخر : أبيض مشرب : أي فيه حمرة
و الحاجب الأزج : المقوس الطويل الوافر الشعر
و الأقنى : السائل الأنف المرتفع وسطه و الأشم : الطويل قصبة الأنف
و القرن : اتصال شعر الحاجبين و ضده البلج و وقع في حديث أم معبد و صفه بالقرن
و الأدعج : الشديد سواد الحدقة و في الحديث الآخر : أشكل العين و أسجر العين و هو الذي في بياضه حمرة
و الشنب : رونق الأسنان و ماؤها و قيل رقتها و تحزيز فيها كما يوجد في أسنان الشباب
و الفلج : فرق بين الثنايا
و دقيق المسربة : خيط الشعر الذي بين الصدر و السرة
بادن : ذو لحم متماسك معتدل الخلق يمسك بعضه بعضا مثل قوله في الحديث الآخر : لم يكن بالمطهم و لا بالمكلثم أي ليس بمسترخي اللحم و المكلثم : القصير الذقن
و سواء البطن و الصدر : أى مستويهما و مشيح الصدر : إن صحت هذه اللفظة فيكون من الإقبال و هو أحد معاني أشاح أي أنه كان بادي الصدر و لم يكن في صدره قعس و هو تطامن فيه و به يتضح قوله قبل : سواء البطن و الصدر أي ليس بمتقاعس الصدر و لا مفاض البطن و لعل اللفظ مسيح بالسين المهملة و فتح الميم : بمعنى عريض كما وقع في الرواية الأخرى و حكاه ابن دريد
و الكراديس : رؤوس العظام و هو مثل قوله في الحديث الآخر : جليل المشاش و الكتد و المشاش : رؤوس المناكب و الكتدر مجتمع الكتفين
و شثن الكفين و القدمين : لحيمهما
و الزندان : عظما الذراعين
و سائل الأطراف : أي طويل الأصابع و ذكر ابن الأنباري أنه روي : ساين ـ بالنون ـ و هما بمعنى تبدل اللام من النون إن صحت الرواية بها و أما الرواية الأخرى : و سائر الأطراف : فإشارة إلى فخامة جوارحه كما وقعت مفصلة في الحديث
ورحب الراحة : أي واسعها و قيل : كنى به عن سعة العطاء و الجود
خمصان الأخمصين : أي متجافي أخمص القدم و هو الموضع الذي لا تناله الأرض من وسط القدم
و مسيح القدمين : أي أملسهما و لهذا قال : ينبو عنهما الماء و في حديث أبي هريرة خلاف هذا قال فيه : إذا وطئ بكلها ليس له أخمص و هذا يوافق معنى قوله : مسيح القدمين و به قالوا : سمي المسيح بن مريم أي لم يكن له أخمص و قال السهيلي في المسيح بن مريم : فعيل بمعنى فاعل لأنه كان يؤتى بذوي العاهات فيمسح على مواضعها فتزول و المسيح الدجال : بمعنى مفعول أي ممسوح العين كما جاء في الحديث
رجع إلى الأول : و قيل : مسيح لا لحم عليهما و هذا أيضا يخالف قوله : شثن القدمين
و التقلع : رفع الرجل بقوة
و التكفؤ : الميل إلى سنن المشي و قصده
و الهون : الرفق و الوقار
و الذريع : الواسع الخطو أي أن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة و يمد خطوه خلاف مشية المختال و يقصد سمته و كل ذلك يرفق و تثبت دون عجلة كما قال : كأنما ينحط من صبب
و قوله يفتتح الكلام و يختمه بأشداقه : أي لسعة فمه و العرب تتمادح بهذا و تذم بصغر الفم
و أشاح : مال و انقبض
و حب الغمام : البرد
و قوله : فيرد ذلك بالخاصة على العامة : أي جعل من جزء نفسه ما يوصل الخاصة إليه فتوصل عنه العامة و قيل : يجعل منه للخاصة ثم يبذلها فى جزء آخر للعامة
و يدخلون روادا : أي محتاجين إليه
و لا ينصرفون إلا عن ذواق : قيل : عن علم يتعلمونه و يشبه أن يكون على ظاهره أي في الغالب و الأكثر
و العتاد : العدة و الشيء الحاضر المعد
و المؤازرة : المعاونة
و قوله : لا يوطن المواطن أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما و قد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الحديث
و صابره : أي حبس نفسه على ما يريد صاحبه
و لا توبن فيه الحرم : أي لا يذكرن بسوء و لا تنثى فلتاته : أي لا يتحدث بها أي لم تكن فيه فلتة
و يرفدون : يعينون
و السخاب : الكثير الصياح
و قوله : و لا يقبل الثناء إلا من مكافئ : قيل : مقتصد في ثنائه و مدحه و قيل : إلا من مسلم و قيل إلا من مكافئ على يد سبقت من النبي صلى الله عليه و سلم
و يستفزه : يستخفه
و في حديث آخر في وصفه : منهوس العقب : أي قليل لحمها و أهدب الأشفار : أي طويل شعرها (2/427)
عن جابر بن سمرة قال رأيت للنبي صلى الله عليه و سلم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة تشبه جسده و في لفظ : سلعة مثل بيضة الحمامة
و قد روي عن أبي رمثة انه شعر مجتمع عند كتفيه و روي عنه أيضا مثل بيضة الحمامة و أنه قال رسول الله ! ألا أداويك منها ؟ فقال : يداويها الذي وضعها و روي عنه أيضا : قال : مثل التفاحة
و عن سليمان الفارسي أنه قال : كان مثل بيضة الحمامة بين كتفيه
و قيل : على نغض كتفه الأيسر و قيل : كانت بضعة لحم كلون بدنه و قيل : كانت كزر الحجلة و قيل : كانت ثلاث شعرات مجتمعات و قيل : كانت شامة خضراء محتفرة في اللحم
و قال عبد الله بن سرجس : رأيت خاتم النبوة جمعا خيلان كأنها الثآليل عند ناغض ـ و روي عند غضروف ـ كتفه اليسرى و في رواية : سود رواه مسلم
و قيل : مثل البندقه : و قيل : كأثر المحجم و قيل : كركبة العنز أسنده أبو عمر عن عباد بن عمرو و قيل : نور عن ابن عائذ في مغازيه بسنده إلى شداد بن أوس فذكر حديث الرضاع و شق الصدر و فيه : و أقبل الثالث ـ يعني الملك ـ و في يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفه و ثدييه و وجد برده زمانا و قيل : ولد و هو به
و ذكر الواقدي عن شيوخه قالوا : لما شكوا في موت النبي صلى الله عليه و سلم : وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : إنه قد توفي و قد رفع الخاتم من بين كتفيه فهذا الذي عرف به موته عليه الصلاة و السلام (2/432)
قال الله تعالى : { و إنك لعلى خلق عظيم } [ القلم : 4 ] قالت عائشة رضي الله عنها : كان خلقه القرآن يعني التأدب بآدابه و التخلق بمحاسنه و الالتزام لأوامره و زواجره
و قد قال صلى الله عليه و سلم : [ بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ]
و قال أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم : أحسن الناس خلقا و كان عليه الصلاة و السلام أرجح الناس حلما و روي أنه لما كسرت رباعيته و شج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه و قالوا : لو دعوت عليهم ؟ فقال : [ إني لم أبعث لعانا و لكني بعثت داعيا و رحمة اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ]
و كان صلى الله عليه و سلم أعظم الناس عفوا لا ينتقم لنفسه و لما تصدى له غورث بن الحارث ليقتله و السيف بيده و قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : من يمنعك مني قال له : الله فسقط السيف من يده فقال له عليه الصلاة و السلام و قد أخذ السيف من يمنعك مني ؟ فقال : كن خير آخذ فتركه و عفا عنه فجاء إلى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس
و عفا عليه الصلاة و السلام عن اليهودية التي سمته في الشاة بعد اعترافها على الصحيح
و لم يؤاخذ لبيد بن الأعصم إذ سحره و لا عبد الله بن أبي و أشباهه من المنافقين بعظيم ما نقل عنهم قولا و فعلا
و كان صلى الله عليه و سلم أسخى الناس كفا ما سئل شيئا فقال لا و أعطى صفوان بن أمية غنما ملآت واديا بين جبلين فقال : أرى محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر و رد على هوزان سباياهم و كانت ستة آلاف و أعطى العباس من الذهب ما لم يطق حمله و حملت إليه تسعون ألف درهم فوضعت على حصير ثم قام إليها يقسمها فما رد سائلا حتى فرغ منها و ذكر عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم بقناع من رطب ـ يعني طبقا ـ و أجر زغب ـ يريد قثاء ـ فأعطاني ملء كفه حليا و ذهبا
و روينا عن الشافعي [ حدثنا الحسين بن عبد الله القطان بالرقة حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبو عبد الصمد العمي حدثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا طبخت فأكثر المرق و اقسم في أهلك و جيرانك ] و رواه مسلم عن أبي كامل و إسحاق بن إبراهيم عن عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران به
و كان صلى الله عليه و سلم أشجع الناس سئل البراء : أفررتم يوم حنين ؟ قال : لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفر و فيه : فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه
و قال ابن عمر : ما رأيت أشجع و لا أنجد و لا أجود و لا أرضى من رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن أنس : كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس و أجوده الناس و أشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت و استبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري و السيف في عنقه و هو يقول : لن تراعوا
و قال عمران بن حصين : ما لقي النبي صلى الله عليه و سلم كتيبة إلا كان أول من يضرب
و قال علي بن أبي طالب كنا إذات حمي ـ أو اشتد ـ البأس و احمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه و سلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه و لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلود برسول الله صلى الله عليه و سلم و هو أقربنا إلى العدو و كان من أشد الناس يومئذ باسا
و قيل : كان الشجاع هو الذي يقرب منه صلى الله عليه و سلم لقربه من العدو
و كان صلى الله عليه و سلم أشد الناس حياء و أكثرهم عن العورات إغضاء قال الله تعالى : { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم و الله لا يستحيي من الحق } [ الأحزاب : 53 ]
و عن أبي سعيد الخدري [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد حياء من العذراء في خدرها و كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ] ـ الحديث
و عن عائشة : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل : ما بال فلان يقول كذا و كذا ؟ و لكن يقول : ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا ؟ ينهى عنه و لا يسمي فاعله ]
و عن أنس في حديث [ أنه عليه الصلاة و السلام كان لا يواجه أحدا بما يكره ]
و عن عائشة : [ لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم فاحشا و لا متفحشا و لا سخابا بالأسواق و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يعفو و يصفح ]
و عنها : ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه و سلم قط
و روي عنه أنه كان من حيائه لا يثت بصره في وجه أحد و أنه كان يكني عن ما اضطره الكلام إليه مما يكره
و كان صلى الله عليه و سلم أوسع الناس صدرا و أصدق الناس لهجة و ألينههم عريكة و أكرمهم عشرة هذا من كلام علي في صفته
وعن قيس بن سعد قال : [ زارنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا و طأ له عليه بقطيفة فركب رسول الله - ثم قال سعد : يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قيس : فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : اركب فأبيت فقال : إما أن تركب و إما أن تنصرف فانصرفت و في رواية : اركب أمامي فصاحب الدابة أحق بمقدمها ]
و عن عائشة في حديث عنه صلى الله عليه و سلم : أنه ما دعاه أحد من أصحابه و لا أهل بيته إلا قال : [ لبيك ]
و قال جرير : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ أسلمت و لا رآني إلا تبسم
و كان صلى الله عليه و سلم يمازح أصحابه و يخالطهم و يحادثهم و يداعب صبيانهم و يجلسهم في حجره و يجيب دعوة الحر و العبد و الأمة و المسكين و يعود المرضى في أقصى المدينة و يقبل عذر المعتذر
قال أنس : ما التقم أحد أذن النبي صلى الله عليه و سلم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحي رأسه و ما أخذ آخذ بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخذ و لم ير مقدمها ركبتيه بين يدي جليس له
و كان يبدا من لقيه بالسلام و يبدأ أصحابه بالمصافحة لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه حتى لا يضيق بهما على أحد يكرم من يدخل عليه و ربما بسط له ثوبه و يؤثره بالوسادة التي تحته و يعزم عليه في الجلوس عليها إن أبى و يكني أصحابه و يدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة و لا يقطع على أحد حديثه
و روي أنه كان لا يجلس إليه أحد و هو يصلي إلا خفف صلاته و سأله عن حاجته فإذا فرغ عاد إلى صلاته
و كان أكثر الناس تبسما و أطيبهم نفسا ما لم ينزل عليه قرآن أو يعظ أو يخطب قال عبد الله بن الحارث : ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أما شفقته صلى الله عليه و سلم على خلق الله و رأفته بهم و رحمته لهم فقد قال الله تعالى فيه : { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } [ التوبة : 128 ] و قال : { و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] قال بعضهم : من فضله عليه الصلاة و السلام أن الله أعطاه اسمين من أسمائه فقال { بالمؤمنين رؤوف رحيم }
و من ذلك : تخفيفه و تسهيله عليه و كراهته أشياء مخافة أن تفرض عليهم كقوله : [ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء ] و خبر صلاة الليل و نهيهم عن الوصال و كراهية دخول الكعبة لئلا يعنت أمته و رغبته لربه أن يجعل سبه و لعنه لهم رحمة و أنه كان يسمع بكاء الصبي فيتجوز في صلاته و لما كذبه قومه أتاه جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك و ما ردوا عليك و قد أمر ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداه ملك الجبال و سلم عليه و قال : مرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده و لا يشرك به شيئا ]
و روى ابن المكندر [ أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه و سلم : إن الله أمر السماء و الأرض و الجبال أن تطيعك فقال : أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم ]
قالت عائشة : ما خير رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما
و قال ابن مسعود : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ]
و روي أنه عليه الصلاة و السلام قال : [ لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر ]
و كان صلى الله عليه و سلم أوصل الناس للرحم و أقومهم بالوفاء و حسن العهد
روينا [ من طريق أبي داود حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن طهمان عن بديل عن عبد الكريم عن عبد الله بن شقيق عن أبيه عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت النبي صلى الله عليه و سلم ببيع و يبعث و بقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ثم نسيت ثم ذكرت بعد ثلاث فجئته فإذا هو في مكانه فقال : يا فتى لقد شققت علي أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك ]
[ و عن أنس كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أتي بهدية قال : اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة إنها كانت تحب خديجة و دخلت عليه امرأة فهش و أحسن السؤال عنها فلما خرجت قال : إنها كانت تأتينا أيام خديجة و إن خديجة و إن حسن العهد من الإيمان ]
و قال عليه الصلاة و السلام : [ إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها ]
[ و عن أبي قتادة : وفد وفد النجاشي فقام النبي صلى الله عليه و سلم يخدمهم فقال له أصحابه : نكفيك فقال : إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين و إني أحب أن أكافئهم و لما جيء بأخته من الرضاعة الشيماء في سبي هوازن بسط لها رداءه و خيرها بين المقام عنده و التوجه إلى أهلها فاختارت قومها فمتعها ]
و كان صلى الله عليه و سلم أشد الناس تواضعا على علو منصبه فمن ذلك : أن الله خيره بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا فقال له إسرافيل عند ذلك : فإن الله أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم يوم القيامة و أول من تنشق عنه الأرض و أول شافع
و خرج على قوم من أصحابه فقاموا له فقال : [ لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا و قال : إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد ] و كان يركب الحمار و يردف خلفه و يعود المساكين و يجالس الفقراء و يجيب دعوة العبد و يجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث ما انتهى به المجلس جلس و قال لامرأة أتته في حاجة : اجلسي يا أم فلان في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك حتى أقضي حاجتك فجلست و جلس و كان يدعى إلى خبز الشعير و الإهالة السنخة فيجيب و حج على رحل عليه قطيفة ما تساوي أربعة دراهم و أهدى في حجه ذلك مائة بدنة و كان يبدأ من لقيه بالسلام
و روينا [ عن أبي بكر الشافعي حدثنا أبو جعفر بن حماد بن ماهان حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن بكر حدثنا محمد بن سواء عن سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مر على صبيان فسلم عليهم ]
و كان في بيته في مهنة أهله يفلي ثوبه و يحلب شاته و يخصف نعله و يخدم نفسه و يعلف ناضحه و يقم البيت و يعقل البعير و يأكل مع الخادم و يعجن معها و يحمل بضاعته من السوق
و عن أنس : إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها
و كان صلى الله عليه و سلم يسمى الأمين قبل النبوة لما عرفوا من أمانته و عدله
و عن الربيع بن خيثم : كان يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في الجاهلية قبل الإسلام
و قال النضر بن الحارث لقريش : قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضاكم فيكم و أصدقكم حديثا و أعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب و جاءكم بما جاءكم به قلتم ساحر ! لا و الله ما هو بساحر
و في الحديث عنه : [ ما لمست يده يد امرأة لا يملك رقها ] و قال : [ ويحك ! فمن يعدل إن لم أعدل ؟ ]
[ و عن الحسن : ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأخذ أحدا بقرف و لا يصدق أحدا على أحد و كان أوقر الناس في مجلسه لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه ]
و كان صلى الله عليه و سلم يحب الطيب و الرائحة الحسنة و يستعملها كثيرا و يحض عليها
و من مروءته صلى الله عليه و سلم نهيه عن النفخ في الطعام و الشراب و الأمر بالأكل مما يلي و الأمر بالسواك و إنقاء البراجم و الرواجب و استعمال خصال الفطرة
و أما زهده في الدنيا و عبادته ربه عز و جل : فقد توفي و درعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله و كان يدعو : [ اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ]
و عن عائشة قالت : ما شبع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله و في رواية : من خبز شعير يومين متواليين
و قالت عائشة : ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا و لا درهما و لا شاة و لا بعيرا قالت : و لقد مات و ما في بيتي يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي و قال لي : [ إني عرض علي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا فقلت : لا يا رب بل أجوع يوما و أشبع يوما فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك و أدعوك و أما اليوم الذي الذي أشبع فيه فأحمدك و أثني عليك ]
و قال ابن عباس : [ كان صلى الله عليه و سلم يبيت هو و أهله الليالي المتتابعة طاويا لا يجدون عشاء و كان يقول : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا و لبكيتم كثيرا ]
و في حديث المغيرة : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتفخت قدماه
و قالت عائشة : كان عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم ديمة و أيكم يطيق ما كان يطيق و قالت : كان يصوم حتى نقول لا يفطر و يفطر حتى نقول لا يصوم
و قال عوف بن مالك : كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة فاستاك ثم توضأ ثم قام يصلي فقمت معه فبدأ فاستفتح البقرة فلا يمر بآية رحمه إلا وقف فسأل و لا بآية عذاب إلا وقف فتعوذ ثم ركع فمكث بقدر قيامه يقول : [ سبحان ذي الجبروت و الملكوت و العظمة ] ثم سجد و قال مثل ذلك ثم قرأ آل عمران ثم سورة سورة يفعل مثل ذلك
و عن عائشة : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم بآية من القرآن ليلة
و قال صلى الله عليه و سلم : [ فإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ] (2/434)
و لما قفل صلى الله عليه و سلم من حجة الوداع أقام بالمدينة ذا الحجة و المحرم و صفرا و ضرب على الناس بعثا أميره أسامة بن زيد و قد تقدم ذكره و هو آخر بعوثه فبينا الناس على ذلك ابتدئ صلوات الله عليه و سلامه بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراد من رحمته و كرامته في ليال بقين من صفر ـ أو في أول شهر ربيع الأول ـ فكان أول ما ابتدئ به صلى الله عليه و سلم أنه قد خرج إلى بقيع الغرقد ـ مقبرتهم ـ من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك
قالت عائشة : رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني و أنا أجد صداعا في رأسي و أنا أقول : وارأساه فقال : [ بل أنا و الله يا عائشة وارأساه قالت : ثم قال : ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك و كفنتك و صليت عليك و دفنتك قلت : و الله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لرجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و تتام به وجعه و هو يدور على نسائه حتى استعز به و هو في بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي فأذن له قالت : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس و رجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه الأرض حتى دخل بيتي ـ قال ابن عباس : الرجل الآخر : علي بن أبي طالب ـ ثم غمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و اشتد به وجعه فقال : أهريقوا علي من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمرو ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول : حسبكم حسبكم ]
و عن الزهري قال : [ حدثني أيوب بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد و استغفر لهم فأكثر الصلاة عليهم ثم قال : إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا بين ما عنده فاختار ما عند الله ففهمها أبو بكر و عرف أن نفسه يريد فقال : نفديك بأنفسنا و أبنائنا فقال : على رسلك يا أبا بكر ثم قال : انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد فسدوها إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم أحدا أفضل في الصحبة عندي يدا منه و أراد عمر فتح كوة لينظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم منها فمنعه من ذلك و قال عليه الصلاة و السلام للعباس : ما فتحت عن أمري و لا سددت عن أمري و استبطأ الناس في بعث أسامة فخرج صلى الله عليه و سلم عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ـ و قد كان الناس قالوا في إمرة أسامة : أمر غلاما حدثا على جلة المهاجرين و الأنصار ـ فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال : أيها الناس أنفذوا بعث أسامة فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله و إنه لخليق للإمارة و إن كان أبوه لخليقا بها ثم نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و انكمش الناس في جهازهم و استعز برسول الله وجعه فخرج أسامة و خرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف ـ من المدينة على فرسخ ـ فضرب به عسكره و تتام إليه الناس و ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقام أسامة و الناس لينظروا ما الله قاض في رسوله عليه الصلاة و السلام ]
[ و من حديث عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصى بالأنصار يوم صلى و استغفر لأصحاب أحد و ذكر من أمرهم ما ذكر من أمرهم ما ذكر فقال : يا معشر المهاجريين استوصوا بالأنصار خيرا فإن الناس يزيدون و إن الأنصار على هيئتها لا تزيد و إنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها فأحسنوا إلى محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم ثم نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان عليه الصلاة و السلام يوعك وعكا شديدا دخل عليه أبو سعيد الخدري و عليه قطيفة فوضع يده عليه فوجد حرارتها فوق القطيفة فقال ما أشد حماك ؟ فقال : إنا كذلك يشدد علينا البلاء و يضاعف لنا الأجر ]
[ و عن علقمة قال : دخل عبد الله بن مسعود على النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليه ثم قال : يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قال : قلت : يا رسول الله ذلك بأن لك أجرين الحديث ]
[ و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى بهم فيما روينا سبع عشرة صلاة و صلى النبي مؤتما به ركعة ثانية من صلاة الصبح ثم قضى الركعة الباقية و قال : لم يقبض نبي حتى يؤمه رجل من قومه و قال عليه الصلاة و السلام في مرضه ذلك : مر الناس فليصلوا ـ يقول ذلك لعبد الله بن زمعة بن الأسود ـ فذهب ابن زمعة فقدم عمر لغيبة أبي بكر فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته أخرج رأسه حتى أطلعه للناس من حجرته ثم قال : لا لا لا ليصل لهم ابن أبي قحافة ]
[ و عن أبي سعيد الخدري في هذا الخبر قال : فانتقضت الصفوف و انصرف عمر فما برحنا حتى طلع ابن أبي قحافة و كان بالسنح فتقدم فصلى بالناس و تبسم عليه الصلاة و السلام لما رأى من هيئة المسلمين في صلاتهم سرورا بذلك و قال : ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فتنازعوا فلم يكتب ]
و قالت عائشة : آخر ما عهد إلينا أن لا يترك بجزيرة العرب دينان
[ و قالت أم سلمة : عامة وصيته عند الموت : الصلاة و ما ملكت أيمانكم و كانت عائشة : سمعته يقول قبل ذلك : ما من نبي يموت حتى يخير قالت : فسمعته و هو يقول : اللهم الرفيق الأعلى فعلمت أنه ذاهب ]
و في خبر عنها فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم [ و قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يموت و عنده قدح فيه ماء و هو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء و يقول : اللهم أعنى على سكرات الموت ]
و ذكر ابن سعد في وفاته عليه الصلاة و السلام خبرا فيه : أنه لما بقي من أجله ثلاث نزل عليه جبريل : فقال : يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك و تفضيلا لك و خاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك يقول لك : كيف تجدك ؟ و فيه : أن ذلك ثلاث المرة بعد المرة و في الثالثة صحبه ملك الموت فاستأذن عليه فأذن له ثم استأذنه في قبض نفسه أو تركها و أن الله أمره بطاعته في ذلك فقال جبريل : يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك قال : فاقبض يا ملك الموت كما أمرت به قال جبريل : السلام عليك يا رسول الله هذا آخر موطئي الأرض فتوفي صلى الله عليه و سلم و جاءت التعزية يسمعون الصوت و لا يرون الشخص السلام عليكم يا أهل البيت و رحمة الله و بركاته كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة إن في الله عزاء عن كل مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا من كل ما فات فبالله فثقوا و إياه فارجوا إنما المصاب من حرم الثواب و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و قد ذكر أن هذا المعزي هو الخضر عليه السلام
و اختلف أهل العام في اليوم الذي توفي فيه بعد اتفاقهم على أنه يوم الاثنين في شهر ربيع الأول فذكر الواقدي و جمهور الناس أنه الثاني عشر قال أبو الربيع بن سالم : و هذا لا يصح و قد جرى فيه على العلماء من الغلط ما علينا بيانه و قد تقدمه السهيلي إلى بيانه لأن حجة الوداع كانت وقفتها يوم الجمعة فلا يستقيم أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سواء أتمت الأشهر كلها أو نقصت كلها أو تم بعضها و قال الطبري : يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول و قال أبو بكر الخوارزمي : أول يوم منه و كلاهما ممكن
و لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و سجته الملائكة دهش الناس و طاشت عقولهم و اختلف أحوالهم في ذلك فأما عمر : فكان ممن خبل فجعل يقول : إنه و الله ما مات و لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران حين غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم و أما عثمان : فأخرس حتى جعل يذهب به و يجاء و هو لا يتكلم و أقعد علي و أضني عبد الله بن أنيس ـ من الضنى : و هو المرض ـ و بلغ أبا بكر الخبر و كان بالسنح فجاء و عيناه تهملان فقبل النبي صلى الله عليه و سلم و هو يبكي و قال : بأبي و أنت أمي طبت حيا و ميتا
و تكلم كلاما بليغا سكن به نفوس المسلمين و ثبت جأشهم و كان أثبت القوم رضي الله عنه
و غسله عليه الصلاة و السلام علي و العباس و ابناه الفضل و قثم و مولياه : أسامة و شقران و حضرهم أوس بن خولى الأنصاري
و كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص و لا عمامة
و صلى عليه المسلمون أفذاذا و لم يؤمهم أحد و فرش تحته قطيفة حمراء كان يتغطى بها و دخل قبره العباس و علي و الفضل و قثم و شقران و أطبق عليه تسع لبنات و دفن في الموضع الذي توفاه الله فيه حول فراشه
و كانوا قد اختلفوا في غسله فقالوا : و الله ما ندري : أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا أو نغسله و عليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم و كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو : اغسلوا النبي صلى الله عليه و سلم و عليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فغسلوه و عليه قميصه يصبون عليه الماء فوق القميص و يدلكونه و القميص دون أيديهم
فأسنده علي إلى صدره و العباس و الفضل و قثم يقلبونه معه و أسامة و شقران يصبان الماء و علي يغسله بيده
و اختلفوا في موضع دفنه هل يكون في مسجده ؟ أو مع أصحابه ؟ فقال أبو بكر : ادفنوه في الموضع الذي قبض فيه فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب فعلموا أن قد صدق
و كان أبو عبيدة بن الجراح يضرح كحفر أهل مكة و أبو طلحة زيد بن سهل يلحد كأهل المدينة فاختلفوا كيف يصنع بالنبي صلى الله عليه و سلم فوجه العباس رجلين أحدهما لأبي عبيدة بن الجراح و الآخر لطلحة و قال : اللهم خر لنبيك فحضر أبو طلحة فلحد له
و لما فرغ من جهازه يوم الثلاثاء و كانت وفاته يوم الاثنين حين زاغت الشمس قال علي : لقد سمعنا همهمة و لم نر شخصا سمعنا هاتفا يقول : ادخلوا رحمكم الله فصلوا على نبيكم
ثم دفن من وسط الليل ليلة الأربعاء و كانت مدة شكواه ثلاث عشرة ليلة
و لما دفن عليه الصلاة و السلام قالت فاطمة ابنته :
( اغبر آفاق السماء و كورت ... شمس النهار و أظلم العصران )
( فالأرض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليها كثيرة الرجفان )
( فليبكه شرق البلاد و غربها ... و لتبكه مضر و كل يمان )
( و ليبكه الطود المعظم جوه ... و البيت ذو الأستار و الأركان )
( يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه ... صلى عليك منزل الفرقان )
و يروى أنها تمثلت بشعر فاطمة بنت الأحجم :
( قد كنت لثي جبلا ألوذ بظله ... فتركتني أمشي بأجرد ضاح )
( قد كنت ذات حمية ما عشت لي ... أمشي البراز و كنت أنت جناحي )
( فاليوم أخضع للذليل و أتقي ... منه و أدفع ظالمي بالراح )
( و إذا دعت قمرية شجنا لها ... ليلا على فنن دعوت صباحي )
و مما ينسب لعلي أو فاطمة رضي الله عنهما :
( ماذا على من شم تربة أحمد ... ألا يشم مدى الزمان غواليا )
( صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا )
و قال أنس بن مالك : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ يعني المدينة ـ أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء و ما نفضنا الأيدي من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا
و قد روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ لتعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي ] و في حديث عنه : [ أنا فرط لأمتي لن يصابوا بمثلي ]
و قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يرثيه :
( أرقت فبات ليلي لا يزول ... و ليل أخي المصيبة فيه طول )
( و أسعدني البكاء و ذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل )
( لقد عظمت مصيبتنا و جلت ... عشية قيل قد قبض الرسول )
( و أضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل )
( فقدنا الوحي و التنزيل فينا ... يروح به و يغدو جبرئيل )
( و ذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل )
( نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه و ما يقول )
( و يهدينا فلا نخشى ضلالا ... علينا و الرسول لنا دليل )
( أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... و إن لم تجزعي ذاك السبيل )
( فقبر أبيك سيد كل قبر ... و فيه سيد الناس الرسول )
و لو فتحنا باب الإكثار و سمحنا بإيراد ما يستحسن في هذا الباب من الأشعار لخرجنا عما جنحنا إليه من الإيجاز و الاختصار فالأشعار في هذا كثيرة و لأنواع الأسى و الأسف مثيرة فيا له من خطب جل عن الخطوب و مصاب علم دمع العين كيف يصوب و رزء غربت له النيران و لا تعلل بشروقها بعد الغروب و حادث هجم هجوم الليل فلا نجاء منه لهارب و لا فرار منه المطلوب و لا صباح له فيجلو غياهبه الملمة و دياجيه المدهمة و كل ليل إذا دجى صباح يؤوب و من سر أهل الأرض ثم أبكى أسى بكى بعيون سرها و قلوب فإنا لله و إنا إليه راجعون من نار حنيت عليها الأضالع لا تخبو و لا تخمد و مصيبة تستك منها المسامع لا يبلى على مر الجديدين حزنها المجدد :
( و هل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد )
( و ما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد )
صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا
و قد انتهى بنا الغرض فيما أوردناه إلى ما أوردناه و لم نسلك بعون الله فيه غير الاقتصاد الذي قصدناه فمن عثر على وهم أو تحريف أو خطأ أو تصحيف فليصلح ما عثر عليه من ذلك و ليسلك سبيل العلماء في قبول العذر هنالك و من مر بخبر لم أذكره أو ذكرت بعضه فلعله بحسب موضعه من التبويب أو نسقه في الترتب أو الاختصار الذي اقتضاه التهذيب أو لنكارة في متنه تنقم على واضعه أو لأني ما مررت به في مواضعه و من برئ من الإحاطة ـ أيها الناظر ـ إليك فليس لك أن تلزمه بكل ما يرد عليك (2/445)