محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و يدعى شيبة الحمد ابن هاشم و هو عمرو العلا بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و يسمى زيدا و يدعى مجمعا أيضا قال الشاعر :
( أبوكم قصي كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر )
ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان
هذا هو الصحيح المجمع عليه في نسبه و ما فوق ذلك مختلف فيه و لا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل نبي الله ابن إبراهيم خليل الله عليهما السلام و إنما الخلاف في عدد من بين عدنان و إسماعيل من الآباء فمقل و مكثر و كذلك من إبراهيم إلى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته إلا الله تعالى روينا عن ابن سعد : [ أخبرنا هشام أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا انتسب لم يجاوز معد بن عدنان بن أدد ثم يمسك و يقول : كذب النسابون قال الله عز و جل : { و قرونا بين ذلك كثيرا } [ الفرقان : 38 ] ] و قال ابن عباس : لو شاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعلمه لعلمه و عن عائشة رضي الله عنها : ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء عدنان و لا قحطان إلا تخرصا و قد روي نحو ذلك عن عمر و عكرمة و غير واحد
و و الذي رجحه بعض النسابين في نسب عدنان أنه ابن أد بن أدد بن اليسع ابن الهميسع بن سلامان ابن نبت بن حمل بن قيذار بن الذبيح إسماعيل بن الخليل إبراهيم بن تارح ـ و هو آزر ـ بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ـ و هو إدريس النبي عليه السلام ـ بن يارد بن مهلعيل بن قنان بن أنوش بن شيث ـ و هو هبة الله ـ بن آدم عليهما أفضل السلام و السلام
[ أخبرنا أحمد بن إبراهيم الفاروثي الإمام بدمشق أنبأنا الحسين بن علي العلوي ببغداد أنبأنا ابن ناصر قراءة عليه و أنا أسمع أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر الأنباري أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الواحد بن الفضل الفراء أنبأنا الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله بن طاهر الحسيني حدثنا أبو سليمان أحمد بن محمد المكي بالمدينة سنة تسع و تسعين و مائتين حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ابن أبي ذئب عمن لا يتهم عن عمرو بن العاصي فذكر حديثا و فيه : ثم قال : يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اختار العرب على الناس و اختارني على من أنا منه ثم قال : أنا محمد بن عبد الله حتى بلغ النضر بن كنانة ثم قال : فمن قال غير هذا فقد كذب ]
و به [ عن عبد العزيز بن محمد عن ابن أبي ذئب عن جبير بن أبي صالح عن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص قال : قيل : يا رسول الله ! قتل فلان ـ لرجل من ثقيف ـ فقال : أبعده الله إنه كان يبغض قريشا ]
و روينا من طريق مسلم [ حدثنا محمد بن مهران الرازي و محمد بن عبد الرحمن بن سهم جميعا عن الوليد قال ابن مهران : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد : أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل و اصطفى قريشا من كنانة و اصطفى من قريش بني هاشم و اصطفاني من بني هاشم ] و العرب على ست طبقات : شعب و قبيلة و عمارة و بطن و فخذ و فصيلة و سميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها و سميت القبائل لأن العمائر تقابلت عليها فالشعب يجمع القبائل و القبيلة تجمع العمائر و العمارة تجمع البطون و البطن تجمع الأفخاذ و الفخذ تجمع الفصائل فيقال : مضر شعب رسول الله صلى الله عليه و سلم و كنانة قبيلته و قريش عمارته و قصي بطنه و هاشم فخذه و بنو العباس فصيلته هذا قول الزبير و قيل : بنو عبد المطلب فصيلته و عبد مناف بطنه و سائر ذلك كما تقدم و قيل : بعد الفصيلة العشيرة و ليس بعد العشيرة شيء و قيل الفصيلة هي العشيرة و قيل غير ذلك (1/73)
قال الزبير : و كان عبد الله أحسن رجل مرئي في قريش قط و كان أبوه عبد المطلب قد مر به فيما يزعمون على امرأة من بني أسد بن عبد العزى و هي أخت ورقة بن نوفل و هي عند الكعبة فقالت له : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك ـ و كانت مائة ـ وقع علي الآن قال : أنا مع أبي و لا أستطيع خلافه و لا فراقه و أنشد بعض أهل العلم في ذلك لعبد الله بن عبد المطلب :
( أما الحرام فالممات دونه ... و الحل لا حل فأستبينه )
( فكيف بالأمر الذي تبغينه ... يحمي الكريم عرضه و دينه )
أخبرنا الإمام العلامة أبو العباس أحمد بن إبراهيم الواسطي سماعا بدمشق أنبأنا الأمير أبو محمد الحسن بن علي العلوي ببغداد سماعا عليه قال : أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد ابن ناصر بن محمد بن علي السلامي قراءة عليه و أنا أسمع قال : أنبأنا أبو الطاهر بن أبي الصقر أنبأنا القاضي أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب الفراء أنبأنا الشريف أبو جعف محمد بن عبد الله الحسيني حدثنا أبو بكر الخضر بن داود بمكة حدثنا الزبير بن بكار حدثني سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] قال : أحدكم من أنفسكم لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح ] و روينا عن ابن سعد قال : أنبأنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال : كتبت للنبي صلى الله عليه و سلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا و لا شيئا مما كان من أمر الجاهلية
و روينا مرفوعا [ من حديث ابن عباس و عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم : خرجت من نكاح غير سفاح ]
رجع إلى الأول : فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهيب بن عبد مناف بن زهرة و هو يومئذ سيد بني زهرة سنا و شرفا فزوجه آمنة بنت وهب و هي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا و موضعا فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها ما لك : لا تعرضين علي اليوم ما عرضت بالأمس ؟ فقالت له : فارقك النور الذي كان معك فليس لي بك اليوم حاجة و قد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل أنه كائن في هذه الأمة نبي قال أبو عمر : كان تزوجها و عمره ثلاثون سنة و قيل خمس و عشرون و قيل بينهما ثمانية و عشرون عاما و تزوج عبد المطلب في ذلك المجلس هالة بنت وهيب بن عبد مناف فولدت له حمزة و المقوم و حجلا و صفية أم الزبير قال محمد بن السائب الكلبي : لما تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة أقام عندها ثلاثا و كانت تلك السنة عندهم إذا دخل الرجل على امرأته في أهلها (1/75)
قال ابن إسحاق و يزعمون فيما يتحدث الناس ـ و الله أعلم ـ أن أمه كانت تحدث أنها أتيت حين حملت به فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا و من طريق محمد بن عمر : عن علي بن زيد عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أبيه عن عمته قالت : كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حملت به أمه آمنة بنت وهب كانت تقول : ما شعرت بأني حملت به و لا وجدت له ثقلة كما تجد النساء إلا أني نكرت رفع حيضتي و ربما كانت تقول : أتاني آت و أنا بين النائم و اليقظان فقال : هل شعرت أنك حملت ؟ فكأني أقول : ما أدري فقال : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة و نبيها و ذلك يوم الاثنين الحديث و فيه : و أمهلني حتى دنت ولادتي أتاني فقال : قولي أعيذه بالواحد و عن الزهري قال : قالت آمنة : لقد علقت به فما وجدت له مشقة حتى وضعته (1/77)
قال ابن إسحاق : ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أن هلك و أم رسول الله صلى الله عليه و سلم حامل به هذا قول ابن إسحاق و غيره يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في المهد حين توفي أبوه رويناه عن الدولابي و ذكر ابن أبي خثيمة : أنه كان ابن شهرين و قيل ابن ثمانية و عشرين شهرا ـ و قبره في المدينة في دار من دور بني عدي بن النجار كان خرج إلى المدينة يمتار تمرا ـ و قيل : بل خرج به إلى أخواله زائرا و هو ابن سبعة أشهر و في خبر سيف بن ذي يزن : مات أبوه و أمه فكفله جده و عمه و روى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : بعث عبد المطلب ابنه عبد الله يمتار له تمرا من يثرب فمات بها و هو شاب عند أخواله و لم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه و سلم
و الذي رجحه الواقدي ـ و قال : هو أثبت الأقاويل عندنا في موت عبد الله و سبيه ـ أنه كان خرج إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات ففرغوا من تجارتهم و انصرفوا فمروا بالمدينة و عبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض فقال : أنا أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا و مضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن عبد الله فقالوا : خلفناه عند أخواله بني عدي بني النجار و هو مريض فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي و دفن في دار التابعة قيل : كان بينه و بين ابنه عليه الصلاة و السلام ثمانية و عشرون عاما و قد تقدم في تزويج عبد الله آمنة ما حكي عن السلف في ذلك (1/78)
و ولد سيدنا و نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل قيل : بعد الفيل بخمسين يوما و قال الزبير : حملت به أمه صلى الله عليه و سلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى و ولد صلى الله عليه و سلم في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج : يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان
و قيل : بل يوم الاثنين في ربيع الأول ليلتين خلتا منه قال أبو عمر : و قد قيل : لثمان خلون منه و قيل : إنه أول اثنين من ربيع الأول و قيل : لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل و قيل : إنه ولد في شعب بني هاشم و روي عن ابن عباس قال : ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل أخبرناه أبو المعالي أحمد بن إسحاق فيما قرأت عنه قلت : قال أخبركم الشيخان أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن علي بن عبد السلام و أبو العباس أحمد بن أبي الحسين بن أبي الفتح بن صرما [ ح ] قال : و قرأت على الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الحنبلي الزاهد بسفح قاسيون قال : قلت له أخبركم أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي قالوا : أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي سماعا عليه قال أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن النقور قال أخبرنا أبو الحسين علي بن عمر السكري قال : أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل و عن قيس بن مخرمة قال : ولدت أنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفيل فنحن لدان و قيل : بعد الفيل بشهر و قيل : بأربعين يوما و قيل بخمسين يوما و ذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي قال : كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم و قد قال ذلك غير الخوارزمي و زاد : يوم الأحد قال : و كان أول محرم تلك السنة يوم الجمعة قال الخوارزمي : و ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك بخمسين يوما يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول و ذلك يوم عشرين من نيسان قال : و بعث نبيا يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى و أربعين من عام الفيل فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة و يوم و من مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة و تسعة أشهر و عشرون يوما و ذلك ثلاث و خمسون سنة تامة من عام الفيل
و ذكر ابن السكن : من حديث عثمان بن أبي العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه و سلم ليلا فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور و إني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى إني لأقول لتقعن علي و يقال : و ضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه و ذكر ابن أبي خيثمة عن أبي صالح السمان قال : قال كعب : إنا لنجد في كتاب الله : محمد عليه الصلاة و السلام مولده بمكة و عن عبد الملك بن عمير قال : قال كعب : إني أجد في التوراة : عبدي أحمد المختار مولده بمكة و حكى أبو الربيع بن سالم أن بقي بن مخلد ذكر في تفسيره : أن إبليس لعنه الله رن أربع رنات : رنة حين لعن و رنة حين أهبط و رنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم و رنة حين نزلت فاتحة الكتاب
أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي بقراءتي عليه قلت له : أخبركم الشيخان أبو عبد الله محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محمد بن محفوظ القرشي و الأمير سيف الدولة أبو عبد الله محمد بن غسان بن غافل بن نجاد الأنصاري قراءة عليهما و أنت حاضر في الرابعة قالا : أخبرنا الفيه أبو القاسم علي بن حسن الحافظ قراءة عليه و نحن نسمع قال : أخبرنا المشائخ أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن الفتح بن علي الفقيه و أبو الفرج غيث بن علي بن عبد السلام بن محمد بن جعفر بن الأرمنازني الصوري الخطيب و أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العباس الوكيل بدمشق قالوا : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان ابن أبي الحديد السلمي أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد أخبرنا أبو بكر ابن جعفر بن محمد بن سهل الخرائطي حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو أيوب يعلى ابن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلي قال : حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه ـ و أتت له خمسون و مائة سنة ـ قال : لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتجس إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة و خمدت نار فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام و غاضت بحيرة ساوة و رأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فصبر عليه تشجعا ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم و لبس تاجه و جلس على سريره ثم بعث إليهم فلما اجتمعوا عنده قال : أتدرون فيما بعثت إليكم ؟ قالوا : لا إلا أن يخبرنا الملك فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران فازداد غما إلى غمه ثم أخبرهم ما رأى و ما هاله فقال الموبذان : و أنا ـ أصلح الله الملك ـ قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الإبل فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ قال : حدث يكون في ناحية العرب ـ و كان أعلمهم في أنفسهم ـ فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد : فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني فلما ورد عليه قال له : ألك علم بما أريد أسألك عنه ؟ قال : ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب فإن كان عندي منه علم و إلا أخبرته بمن يعلمه فأخبره بالذي وجه إليه فيه
قال : علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح قال : فأته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح و قد أشفى على الضريح فسلم عليه و كلمه فلم يرد عليه سطيح جوابا ثم أنشأ يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن ؟
في أبيات ذكرها قال : فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول : عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح و قد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان و خمود النيران و رؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة و انتشرت في بلادها يا عبد المسيح ! إذا كثرت التلاوة و ظهر صاحب الهراوة و فاض وادي السماوة و غاضت بحيرة ساوة و خمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك و ملكات على عدد الشرفات و كل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته و هو يقول :
( شمر فإنك ماضي الهم شمير ... لا يفزعنك تفريق و تغيير )
( إن يمسك ملك بني ساسان أفراطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير )
( فربما ربما أضحوا بمنزلة ... تهاب صولهم الأسد المهاصير )
( منهم أخو الصرح بهرام و إخوته ... و الهرمزان و سابور و سابور )
( و الناس أولاد علات فمن علموا ... أن قد أقل فمحقور و مهجور )
( و هم بنو الأم إما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ و منصور )
( و الخير و الشر مقرونان في قرن ... فالخير متبع و الشر محذور )
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح فقال كسرى إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور و أمور فملك منهم عشرة في أربع سنين و ملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه
قال ابن إسحاق : فلما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد ولد لك غلام فانظر إليه فأتاه و نظر إليه و حدثته بما رأت حين حملت به و ما قيل لها فيه و ما أمرت أن تسميه فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعوا الله و يتشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها و ولد صلى الله عليه و سلم معذورا مسرورا أي مختونا مقطوع السرة و وقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده مشيرا بالسبابة كالمسبح بها حكاه السهيلي
أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم الدمشقي بقرأتي عليه بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة فأقر به أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي بن مسلم السلمي أبو النصر الحسين بن محمد ابن طلاب حدثنا ابن جميع حدثنا عمر بن موسى بالمصيصة حدثنا جعفر ابن عبد الواحد قال : قال لنا صفوان بن هبيرة و محمد بن البرساني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : و لد النبي صلى الله عليه و سلم مسرورا مختونا (1/79)
روينا عن أبي جعفر محمد بن علي من طريق ابن سعد قال : أمرت آمنة و هي حامل برسول الله صلى الله عليه و سلم أن تسميه أحمد و روينا عن ابن إسحاق فيما سلف أنها أتيت حين حملت به فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة و فيه : ثم سميه محمدا
و روينا من طريق الترمذي [ حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن لي أسماء : أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر و أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي و أنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ] و صححه و قال : في الباب عن حذيفة و روى حديث جبير البخاري و مسلم و النسائي و سيأتي الكلام على بقية الأسماء إن شاء الله تعالى
و ذكر أبو الربيع بن سالم قال : و يروى أن عبد المطلب إنما سماه محمدا لرؤيا رآها زعموا أنه رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء و طرف في الأرض و طرف في المشرق و طرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور و إذا أهل المشرق و المغرب يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق و المغرب و يحمده أهل السماء و الأرض فلذلك سماه محمد مع ما حدثته به أمه
و روينا عن أبي القاسم السهيلي رحمه الله قال : لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه و سلم إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه و سلم و يقرب زمانه و أنه يبعث بالحجاز أن يكون ولدا لهم ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول و هم : محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر و الآخر محمد بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن حججبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس و الآخر محمد ابن حمرانم و هو من ربيعة ذكر معهم محمدا رابعا أنسيته و كان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الأول و كان عنده علم بالكتاب الأول فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم و باسمه و كان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملا فنذر كل واحد منهم إن ولد له ولد ذكر أن يسميه محمدا ففعلوا ذلك
و روينا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله في تسميته صلى الله عليه و سلم محمدا و أحمد قال : ثم في هذين الاسمين من بدائع آياته و عجائب خصائصه أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه أما أحمد الذي أتى في الكتب و بشرت بها الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحمد غيره و لا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك و كذلك محمد أيضا لم يسم به أحد من العرب و لا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده الله و ميلاده : أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو و الله أعلم حيث يجعل رسالته و هم : محمد بن أحيحة ابن الجلاح الأوسي محمد بن مسلمة الأنصاري و محمد بن براء البكري و محمد بن سفيان بن مجاشع و محمد و محمد بن حمران بن خزاعي السلمي لا سابع لهم و يقال : إن أول من سمي به محمد بن سفيان و اليمن تقول : بل محمد بن اليحمد الأزدي ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعى النبوة أو يدعيها أحد له حتى تحققت التسميتان له و لم ينازع فيهما و الله أعلم (1/88)
روينا عن ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال : حدثني موسى ابن شيبة عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن برة بنت أبي تجراة قالت : أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة و كانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب و بعده أبا سلمة بن عبد الأسد
[ أخبرنا أبو العباس الساوي بقراءة والدي عليه : أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعا عليه قال : أخبرنا أبو بكر الطوسي قال : أخبرنا أبو علي الخشنامي أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري أخبرنا محمد بن أحمد أخبرنا محمد بن يحيى حدثنا محمد ابن عبيد حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي قال : قلت يا رسول الله : ما لك لا تتوق في قريش و لا تتزوج إليهم ؟ قال : و عندك قلت : نعم ابنة حمزة قال : تلك ابنة أخي من الرضاعة ]
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بسفح قاسيون أخبرك أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع [ أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء قال : أخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الزينبي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي الوراق حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة أخبرنا الليث عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة أنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت : هل لك في أختي ابنة أبي سفيان و فيه قالت : فو الله لقد أنبئت أنك تخطب درة بنت أبي سلمة قال : ابنة أبي سلمة ؟ قالت : نعم قال : فو الله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لابنة أخي من الرضاعة أرضعتني و إياها ثويبة فلا تعرضن علي بناتكن و لا أخواتكن ] الحديث
و ذكر الزبير أن حمزة أسن من النبي صلى الله عليه و سلم بأربع سنين و حكى أبو عمر نحوه و قال : و هذا لا يصح عندي لأن الحديث الثابت أن حمزة و عبد الله بن عبد الأسد أرضعتهما ثويبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين قلت : و أقرب من هذا ما روينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي أنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين و الله أعلم
و استرضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب و كانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها و ابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر قالت : و في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا قالت : فخرجت علىأتان لي قمراء معنا شارف لنا و الله ما تبض بقطرة لبن و ما ننام ليلتينا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع ما في ثديي ما يغنيه و ما في شارفنا في ما يغذيه و لكنا نرجو الغيث و الفرج فخرجت على أتاني فلقد أدمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا و عجفا حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء فما منا إمرأة إلا و قد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم و ذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي فكنا نقول : يتيم ! ما عسى أن تصنع أمه وجده ؟ فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي : و الله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي و لم آخذ رضيعا و الله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه قال : لا عليك أن تفعلي عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة قالت : فذهبت إليه فأخذته و ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره فلما أخذته رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن و شرب حتى روي و شرب معه أخوه حتى روي ثم ناما و ما كنا ننام معه قبل ذلك فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهينا ريا و شبعا فبتنا بخير ليلة يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي و الله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قلت : و الله إني لأرجو ذلك ثم خرجت و ركبت أتاني و حملته عليها معي فو الله لقطعت بالركب ما يقدر علي شيء من حمرهم حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك اربعي علينا أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها ؟ فأقول لهن : بلى و الله إنها لهي فيقلن : و الله إن لها لشأنا قالت : ثم قدمنا منازلنا من بني سعد و لا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح علي حين قدمنا به معنا شباعا لبنا فنحلب و نشرب و ما يحلب إنسان قطرة لبن و لا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن و تروح غنمي شباعا لبنا فلم نزل نتعرف من الله الزيادة و الخير حتى مضت سنتاه و فصلته و كان يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على أمه و نحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته فكلمنا أمه و قلت لها : لو تركت بني عبدي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة فلم يزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه : ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه قالت : فخرجت أنا و أبوه نحوه فوجدناه قائما منتقعا وجهه قال : فالتزمته و التزمه أبوه فقلنا : ما لك يا بني ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو قالت : فرجعنا به إلى خبائنا و قال لي أبوه : يا حليمة ! لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به قالت : فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت : ما أقدمك يا ظئر ؟ و لقد كنت حريصة عليه و على مكثه عندك قلت : قد بلغ الله يا بني و قضيت الذي علي و تخوفت الأحداث عليه فأديته عليك كما تحبين قالت : ما هذا شأنك فأصدقيني خبرك قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قلت : نعم قالت : كلا و الله ما للشيطان عليه سبيل و إن لبني لشأنا أفلا أخبرك خبره ؟ قلت : بلى قالت : رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ثم حملت به فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه و لا أيسر منه و وقع حين ولدته و إنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء دعيه عنك و انطلقي راشدة
قال السهيلي : و ذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يقبل إلا على ثديها الواحد و تعرض عليه الآخر فيأباه كأنه قد أشعر أن معه شريكا في لبانها و كان مفطورا على العدل مجبولا على جميل المشاركة و الفضل صلى الله عليه و سلم
و يروى أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال : [ نعم أنا دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى بن مريم عليهما الصلاة و السلام و رأت أمي حين حملت بي أنه قد خرج منها نور أضاء له قصور الشام و استرضعت في بني سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا فأخذاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا قلبي و بطني بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم ثم قال : زنه بمائة من أمة فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بهم فوزنتهم فقال : دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها ]
و في رواية : [ فاستخرجا منه مغمز الشيطان و علق الدم ] و فيها : [ و جعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ]
شرح الغريب :
قوله في هذا الخبر : [ و ما في شرفنا ما يغذيه ] قيل بالدال المهملة من الغذاء و قيل بالمعجمة و قال أبو القاسم : و هو أتم من الأنصار على ذكر الغذاء دون العشاء و عند بعض الناس : يعذبه : و معناه ما يقنعه حتى يرفع رأسه و ينقطع عن الرضاع يقال منه : عذبته و أعذبته إذا قطعته عن الشرب و نحوه و العذوب و جمعه عذوب بالضم و لا يعرف فعول جمع على فعول غيره قاله أبو عبيد انتهى كلام السهيلي رحمه الله و أنشدني أبي رحمه الله لبعض العرب يهجو قوما بات ضيفهم :
( بتنا عذوبا و بات البق يلبسنا ... نشوي القرح كأن لاحي بالوادي )
و ذكر فعول على فعول غير عذوب و حكي ذلك عن كتاب ليس لابن خالويه
و قوله : [ أدمتة بالركب ] حبستهم و كأنه من الماء الدائم و هو الواقف و يروى أذمت : أي الأتان أي جاءت بما تذم عليه أو يكون من قولهم : بئر ذمة : أي قليلة الماء
و قوله : [ يسوطانه ] يقال : سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه إذا ضربت بعضه ببعض و [ المسوط ] : عود يضرب به
و قوله : [ مغمز الشيطان ] : هو الذي يغمزه الشيطان من كل مولود إلا عيسى بن مريم و أمه لقول أمها حنة : { و إني أعيذها بك و ذريتها من الشيطان الرجيم } [ آل عمران : 36 ] و لأنه لم يخلق من مني الرجال و إنما خلق من نفخة روح القدس قال السهيلي : و لا يدل هذا على فضل عيسى عليه الصلاة و السلام على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم لأن محمدا عندما نزع ذلك منه مليء حكمة و إيمانا بعد أن غسله روح القدس بالثلج و البرد
و قد روي أنه عليه الصلاة و السلام ليلة الإسراء أتي بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيمانا فأفرغ في قلبه و أنه غسل قلبه بماء زمزم فوهم بعض أهل العلم من روى ذلك ذاهبا في ذلك إلى أنها واقعة واحدة متقدمة التاريخ على ليلة الإسراء بكثير قال السهيلي : و ليس الأمر كذلك بل كان هذا التقديس و هذا التطهير مرتين : الأولى في حال الطفولية ليبقى قلبه من مغمز الشيطان و الثانية : عندما أراد الله أن يرفعه إلى الحضرة المقدسة و ليصلي بملائكة السماوات و من شأن الصلاة الطهور فقدس باطنا و ظاهرا و ملئ قلبه حكمة و إيمانا وقد كان مؤمنا و لكن الله تعالى قال : { و يزداد الذين آمنوا إيمانا } [ المدثر : 31 ]
رجع إلى الأول : و انطلق به أبو طالب و كانت حليمة بعد رجوعها من مكة لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه يوما في الظهيرة فخرجت تطلبه حتى تجده مع أخته فقالت : في هذا الحر ؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف وقفت و إذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع تقول أمها : أحقا يا بنية ؟ قالت : إي و الله قال : تقول حليمة : أعوذ بالله من شر ما يحذر على ابني فكان ابن عباس يقول : رجع إلى أمه و هو ابن خمس سنين و كان غيره يقول : رد إليها و هو ابن أربع سنين و هذا كله عن الواقدي
و قال أبو عمر : ردته ظئره حليمة إلى أمه بعد خمس سنين و يومين من مولده و ذلك سنة ست من عام الفيل و أسلمت حليمة بنت أبي ذؤيب و هو عبد الله بن الحارث ابن شجنة بن جابر بن رزام بن ناضرة بن قبيصة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن
قال أبو عمر : روى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال : جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه و سلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه و روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و روى عنها عبد الله بن جعفر
قرئ على أبي العباس أحمد بن يوسف الصوفي و أنا أسمع منه سنة ست و سبعين قال : أخبرنا أبو روح البيهقي سماعا عليه سنة خمس و ستمائة قال : أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي قراءة عليه و نحن نسمع أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن النيسابوري أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الميداني أخبرنا أبو عبد الله محمد بن خالد بن فارس حدثنا أبو عاصم النبيل عن جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة عن أبي الطفيل قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لحما بالجعرانة و أنا غلام شاب فأقبلت امرأة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسط لها رداءه فقعدت عليه فقال : من هذه ؟ قال : أمه التي أرضعته
هكذا روينا في هذا الخبر و كذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب أنها أسلمت و روت و من الناس من ينكر ذلك و حكى السهيلي أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه و سلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السنة و أن قومها قد أسنتوا فكلم لها خديجة فأعطتها عشرين رأسا من غنم و بكرات
و ذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر : خولة بنت المنذر بن زيد ابن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه و سلم و ذكر غيره فيهن أيضا أم أيمن بركة حاضنته عليه الصلاة و السلام (1/90)
قال ابن إسحاق : فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع أمه و جده عبد المطلب في كلاءة الله و حفظه ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من كرامته فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ست سنين توفيت أمه آمنة بالأبواء بين مكة و المدينة
قال أبو عمر بن عبد البر : و قيل : ابن سبع سنين قال : و قال محمد بن حبيب في المحبر : توفيت أمه صلى الله عليه و سلم و هو ابن ثمان سنين و قال : و توفي جده عبد المطلب بعد ذلك بسنة و أحد عشر شهرا سنة تسع من عام الفيل و قيل : إنه توفي جده عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين
رجع إلى ابن إسحاق : قال : و كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم فماتت و هي راجعة إلى مكة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جده عبد المطلب و كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي و هو غلام جفر حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخره عنه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا بني فو الله إن له لشأنا ثم يجلسه معه عليه و يمسح ظهره بيده و يسره ما يراه يصنع
قرأت على أحمد بن محمد المقدسي الزاهد أخبرك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان عن محمد بن عبد الباقي عن أحمد بن الحسن قال أبو إسحاق : و أخبرنا أحمد بن محمد بن علي بن صالح أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين قالا : أخبرنا أبو علي بن شاذان أخبرنا ابن درستويه قال : أخبرنا يعقوب بن سفيان : حدثنا ابو الحسن مهدي بن عيسى أخبرنا خالد بن عبد الله الواسطي عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن عن كندير ابن سعيد عن أبيه قال : حججت في الجاهلية فبينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل يقول :
( رد إلي راكبي محمدا ... اردده رب و اصطنع عندي يدا )
قال : قلت : من هذا ؟ قال : عبد المطلب بن هاشم بعث ابن ابنه في إبل له ضلت و ما بعثه في شيء إلا جاء به قال : فما برحت حتى جاء و جاء بالإبل معه قال : فقال له : يا بني حزنت عليك حزنا لا يفارقني بعده أبدا
قالوا : و كانت أم أيمن تحدث تقول : كنت أحضن رسول الله صلى الله عليه و سلم فغفلت عنه يوما فلم أدر إلا بعبد المطلب قائما على رأسي يقول : يا بركة ! قلت لبيك قال : أتدري أين وجدت ابني ؟ قلت : لا أدري قال : وجدته مع غلمان قريبا من السدرة لا تغفلي عن ابني فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الأمة و أنا لا آمن عليه منهم و كان لا يأكل طعاما إلا قال علي بابني فيوتى به إليه
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هشام ابن محمد بن السائب الكلبي قال : حدثني الوليد بن عبد الله بن جميع الزهري عن ابن لعبد الرحمن بن موهب بن رباح الأشعري حليف بني زهرة عن أبيه قال : حدثني مخرمة بن نوفل الزهري قال : سمعت أمي رفيقة بن أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف تحدث ـ و كانت لدة عبد المطلب ـ قالت : تتابعت على قريش سنون ذهبن بالأموال و أشفين على الأنفس قالت : فسمعته قائلا يقول في المنام : يا معشر قريش ! إن هذا النبي المبعوث : منكم و هذا إبان خروجه و به يأتيكم الحيا و الخصب فانظروا رجلا من أوسطكم نسبا طوالا عظاما أبيض مقرون الحاجبين أهدب الأشفار ـ جعدا أسهل الخدين رقيق العرنين فليخرج هو و جميع ولده و ليخرج منكم من كل بطن رجل رجل فتطهروا و تطيبوا ثم استلموا الركن ثم ارقوا إلى رأس أبي قبيس ثم يتقدم هذا الرجل فيستسقي و تؤمنون فإنكم ستسقون فأصبحت فقصت رؤياها عليهم فنظروا فوجدوا هذه الصفة صفة عبد المطلب فاجتمعوا إليه و خرج من كل بطن منهم رجل ففعلوا ما أمرتهم به ثم علوا على أبي قيس و معهم النبي صلى الله عليه و سلم و هو غلام فتقدم عبد المطلب و قال : لا هم ! هؤلاء عبيدك و إماؤك و بنو إمائك وقد نزل بنا ما ترى و تتابعت علينا هذه السنون فذهبت بالظلف و الخف و الحافر و أشفت على الأنفس فأذهب عنا الجدب و ائتنا بالحيا و الخصب فما برحوا حتى سالت الأودية و برسول الله سقوا فقالت رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف :
( بشيبة الحمد أسقي الله بلدتنا ... و قد فقدنا الحيا و اجلوذ المطر )
( فجاد بالماء جوني له سبل ... دان فعاشت به الأنعام و الشجر )
( منا من الله بالميمون له طائره ... و خير من بشرت يوما به مضر )
( مبارك الأمر يستسقي الغمام به ... ما في الأنام له عدل و لا خطر ) (1/99)
ثم إن عبد المطلب بن هاشم هلك عن سن عالية مختلف في حقيقتها قال أبو الربيع ابن سالم : أدناها فيما انتهى إلي و وقفت عليه : خمس و تسعون سنة ذكره الزبير و أعلاها فيما ذكره الزبير أيضا عن نوفل بن عمارة قال : كان عبيد بن الأبرص ترب عبد المطلب و بلغ عبيد مائة و عشرين سنة و بقي عبد المطلب بعده عشرين سنة و كانت وفاته سنة تسع من عام الفيل و للنبي صلى الله عليه و سلم يؤمئذ ثمان سنين و قيل : بل توفي عبد المطلب و هو ابن ثلاث سنين حكاه أبو عمر
و بقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد مهلك جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب و كان عبد المطلب يوصيه به فيما يزعون و ذلك أن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا طالب أخوان لأب و أم فكان أبو طالب هو الذي يلي رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد جده فكان إليه و معه
و ذكر الواقدي أن أبا طالب كان مقلا من المال و كانت له قطعة من الإبل تكون بعرنة فيبدو إليها فيكون فيها و يؤتى بلبنها إذا كان حاضرا بمكة فكان عيال أبي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا و إذا أكل معهم النبي صلى الله عليه و سلم شبعوا فكان أبو طالب إذا أراد أن يغديهم أو يعشيهم يقول : كما أنتم حتى يأتي ابني فيأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم و إن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأكل معهم فيفضلون من طعامهم و إن كان لبنا شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم أولهم ثم يناول القعب فيشربون منه فيروون من عند آخرهم من القعب الواحد و إن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده فيقول أبو طالب : إنك لمبارك و كان الصبيان يصبحون شعثا رمصا و يصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم دهينا كحيلا
و قالت أم أيمن ـ و كانت تحضنه ـ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم شكا جوعا قط و لا عطشا و كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان (1/103)
قال أبو عمر : سنة ثلاث عشرة من الفيل و شهد بعد ذلك بثمان سنين يوم الفجار سنة إحدى و عشرين و قال أبو الحسن الماوردي : خرج به عليه الصلاة و السلام عمه أبو طالب إلى الشام في تجارة له و هو ابن تسع سنين و ذكر ابن سعد بإسناد له عن داود بن الحصين : أنه كان ابن اثنتي عشرين سنة
قال ابن إسحاق : ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام فلما تهيأ للرحيل صب به رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يزعمون فرق له أبو طالب و قال : و الله لأخرجن به معي و لا يفارقني و لا أفارقه أبدا أو كما قال فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام و بها راهب يقال له بحيرا في صومعة له و كان انتهى إليه علم أهل النصرانية و لم يزل في تلك الصومعة منذ قط راهب إليه يصير عملهم عن كتاب فيها ـ فيما يزعمون ـ يتوارثوه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا و كانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم و لا يعرض لهم حتى كان ذلك العام فلما نزلوا به قريبا من صومعته صنع لهم الطعام كثيرا و ذلك فيما يزعمون عن شيء رآه و هو في صومعته يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في الركب حين أقبلوا و غمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة و تهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته و قد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش و أحب أن تحضروا كلكم صغيركم و كبيركم و عبيدكم و حركم فقال له رجل منهم : و الله يا بحيرا إن بك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا بنا و قد كنا نمر بك كثيرا ما شأنك اليوم ؟ قال له بحيرا : صدقت قد كان ما تقول و لكنكم ضيف و قد أحببت أن أكرمكم و أصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم فاجتمعوا إليه و تخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف و يجد عنده فقال : يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا له : يا بحيرا ما تخلف عن طعامك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام و هو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم قال : لا تفعلوا : ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش : و اللات و العزى إن كان للؤما بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه و أجلسه مع القوم فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا و ينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم و تفرقوا قام إليه بحيرا فقال له : يا غلام ! أسألك بحق اللات و العزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ـ و إنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ـ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تسألني باللات و العزى سيئا فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسالك عنه فقال له : سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله : من نومه و هيئته و أموره و يخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه من صفته التي عنده فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال ماهذا الغلام منك ؟ قال : ابني قال : ما هو بابنك و ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فإنه ابن أخي قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات و أمه حبلى به قال : صدقت فارجع بابن أخيك إلى بلده و احذر عليه يهود فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا أن نفرا من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل ما رأى بحيرا في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب فأرادوه فردهم عنه بحيرا في ذلك و ذكرهم الله تعالى و ما يجدون في الكتاب من ذكره و صفاته و أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم و صدقوه بما قال فتركوه و انصرفوا عنه
قو له : فصب به رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبابة : رقة الشوق و صببت أصب و عند بعض الرواة فضبث به : أي لزمه قال السهيلي
و روينا من طريق الترمذي : حدثنا الفضل بن سهل العباس الأعرج البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي بكر ابن أبي موسى عن أبيه قال : خرج أبو طالب إلى الشام و خرج معه النبي صلى الله عليه و سلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب و كانوا قبل ذلك يورون به فلا يخرج إليهم و لا يلتفت قال : فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله ثم قال : هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال الأشياخ من قريش : ما علمك ؟ فقال : إنكم حين أشرفتم على العقبة لم يبق شجر و لا حجر إلا خر ساجدا و لا يسجدان إلا لنبي و إني لأعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به و كان هو في رعية الإبل قال : أرسلوا إليه فأقبل و عليه غمامة تظله فلما دنا من القوم و جدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال : انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه قال : فبينما هو قائم عليهم و هو يناشدهم أن لا يذهبوا إلى الروم فإن الروم إن رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال : ما جاء بكم ؟ قالوا : جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس و إنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم ؟ قالوا : إنما اخترنا خيرة بعثنا لطريقك هذا قال : أفرأيتم أمر أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا قال : فبايعوه و أقاموا معه قال : أنشدكم بالله أيكم وليه ؟ قالوا : أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب و بعث معه أبو بكر بلالا و زوده الراهب من الكعك و الزيت قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
قلت : ليس في إسناد هذا الحديث إلا من خرج له في الصحيح و عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح لقبه انفرد به البخاري و يونس بن أبي إسحاق انفرد به مسلم
و مع ذلك ففي متنه نكارة و هي إرسال أبي بكر مع النبي صلى الله عليه و سلم بلالا و كيف و أبو بكر حينئذ لم يبلغ العشر سنين فإن النبي صلى الله عليه و سلم أسن من أبي بكر بأزيد من عامين و كانت للنبي صلى الله عليه و سلم تسعة أعوام على ما قاله أبو جعفر محمد بن جرير الطبري و غيره أو اثنا عشر على ما قاله آخرون و أيضا فإن بلالا لم ينتقل لأبي بكر إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين عاما فإنه كان لنبي خلف الجمحيين و عندما عذب في الله على الإسلام اشتراه أبو بكر رضي الله عنه رحمة له و استنفاذا له من أيديهم و خبره بذلك مشهور و قوله : فبايعوه إن كان المراد بحيرا على مسالمة النبي صلى الله عليه و سلم فقريب و إن كان غير ذلك فلا أدري ما هو
رجع إلى خبر ابن إسحاق : و كان صلى الله عليه و سلم يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره أنه قال : [ لقد رأيتني في غلمان من قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان كلنا قد تعرى و أخذ إزارا و جعله على رقبته يحمل عليها الحجارة فإني لأقبل معهم كذلك و أدبر إذ لكمني لاكم ما أراه لكمة وجيعة ثم قال : شد عليك إزارك قال : فأخذته فشددته علي ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي و إزاري علي من بين أصحابي ]
قال السهيلي : و هذه القصة إنما وردت في الحديث الصحيح في خبر بنيان الكعبة كان صلى الله عليه و سلم يحمل الحجارة و إزاره مشدودة عليه فقال له العباس : يا ابن أخي لو جعلت إزارك على عاتقك ففعل فسقط مغشيا عليه ثم قال : [ إزاري إزاري ] فشد عليه إزاره و قام يحمل الحجارة و في حديث آخر : أنه لما سقط ضمه العباس إلى نفسه و سأله عن شأنه فأخبره أنه نودي من السماء : أن اشدد عليك إزارك يا محمد قال : و إنه لأول ما نودي قال : و حديث ابن إسحاق إن صح محمول على أن هذا الأمر كان مرتين : في حال صغره و عند بنيان الكعبة
و ذكر البخاري عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ ما هممت بسوء من أمر الجاهلية إلا مرتين ]
و قد قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق : [ أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني سماعا عليه قال : أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل ابن بشر بن أحمد الإسفرايني قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن إسماعيل المحاملي ببغداد حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال : و حدثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما هممت بقبيح مما يهم به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر كلتاهما عصمني الله عز و جل منهما : قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في غنم لأهله يرعاها : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال : نعم فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناء و صوت دفوف و مزامير فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : فلان تزوج فلانة لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش فلهوت بذلك الغناء و بذلك الصوت حتى غلبتني عيني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال : ما فعلت ؟ فأخبرته ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك فخرجت فسمعت مثل ذلك فقيل لي مثل ما قيل لي فسمعت كما سمعت حتى غلبتني عيني فما أيقظني إلا مس الشمس ثم رجعت إلى صاحبي فقال لي ما فعلت ؟ فقلت : ما فعلت شيئا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله ما هممت بغيرهما بسوء مما يعمله أهل الجاهلية حتى أكرمني الله عز و جل بنبوته ]
و ذكر الواقدي عن أم أيمن قالت : كانت بوانة صنما تحضره قريش و تعظمه و تنسك له و تحلق عنده و تعكف عليه يوما إلى الليل في كل سنة فكان أبو طالب يحضره مع قومه و يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحضر ذلك العيد معهم فيأبى ذلك قالت : حتى رأيت أبا طالب غضب عليه و رأيت عماته غضبن يومئذ أشد الغضب و جعلن يقلن : إن لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا و يقلن : ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا و لا تكثر لهم جمعا ؟ ! فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع مرعوبا فزعا فقلنا : ما دهاك ؟ قال : [ إني أخشى أن يكون بي لمم ] فقلنا : ما كان الله عز و جل ليبتليك بالشيطان و كان فيك من خصال الخير ما كان فما الذي رأيت ؟ قال : [ كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي : وراءك يا محمد لا تمسه قالت : فما عاد إلى عيد لهم حتى تنبأ صلى الله عليه و سلم ] (1/105)
روينا عن محمد بن سعد : [ أخبرنا سويد بن سعيد و أحمد بن محمد الأزرقي قالا : حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي عن جده سعيد يعني ابن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما بعث الله نبيا إلا راعي غنم قال له أصحابه : و أنت يا رسول الله ؟ قال : و أنا رعيتها لأهل مكة بالقراريط ]
و روينا عن ابن سعد قال : [ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال : كان من بين أصحاب الإبل و أصحاب الغنم تنازع ـ فاستطال أصحاب الإبل قال : فبلغنا ـ و الله أعلم ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بعث موسى و هو راعي الإبل و بعث داود و هو راعي غنم و بعثت و أنا راعي غنم أهلي بأجياد ] (1/112)
قال السهيلي : و الفجار بكسر الفاء بمعنى المفاجرة كالقتال و المقاتلة و ذلك أنه كان قتالا في الشهر الحرام ففجروا فيه جميعا فسمي الفجار و كانت للعرب فجارات أربعة ذكرها المسعودي آخرها فجار البراض و هو هذا و كان لكنانة و لقيس فيه أربعة أيام مذكورة : يوم شمظة و يوم العبلاء و هما عند عكاظ و يوم الشرب و هو أعظمها يوما و فيه قيد حرب بن أمية و سفيان و أبو سفيان ابنا أمية أنفسهم كي لا يفروا فسموا العنابس و يوم الحريرة عند نخلة و يوم الشرب انهزمت قيس إلا بني نصر منهم فإنهم ثبتوا و كان انقضاء أمر الفجار على يدي عتبة بن ربيعة و ذلك أن هوازن تواعدوا مع كنانة للعام المقبل بعكاظ فجاؤوا للوعد و كان حرب بن أمية رئيس قريش و كنانة و كان عتبة بن ربيعة يتيما في حجره فضن به حرب و أشفق من خروجه معه فخرج عتبة بغير إذنه فلم يشعروا إلا و هو على بعيره بين الصفين ينادي : يا معشر مضر علام تفانون ؟ فقالت له هوازن : ما تدعو إليه ؟ قال : الصلح على أن ندفع لكم دية قتلاكم و تعفوا عن دمائنا قالوا : و كيف ؟ قال : ندفع لكم رهنا منا قالوا : و من لنا بهذا ؟ قال : أنا قالوا : و من أنت ؟ قال : أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فرضوا به و رضيت به كنانة و دفعوا إلى هوازن أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم عفوا عن الدماء و أطلقوهم و انقضت حرب الفجار و زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقاتل فيها
و روينا عن ابن سعد : أن النبي صلى الله عليه و سلم شهدها و له عشرون سنة و قال : [ قال عليه الصلاة و السلام : قد حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم و ما أحب أني لم أكن فعلت ] و شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حلف الفضول منصرف قريش من الفجار قال محمد بن عمر : و كان الفجار في شوال و هذا الحلف في ذي القعدة و كان أشرف حلف كان قط و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و بنو أسد بن عبد العزى في دار ابن جدعان فصنع لها طعاما فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة و قال عليه الصلاة و السلام : [ ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و أني أغدر به ـ بعينه ـ ]
قال محمد بن عمر : و لا نعلم أحدا سبق بني هاشم بهذا الحلف (1/113)
قال ابن إسحاق : و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و عشرين سنة تزوج خديجة بنت خويلد فيما ذكره غير واحد من أهل العلم
و قال ابن عبد البر : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الشام في تجارة لخديجة سنة خمس و عشرين و تزوج خديجة بعد ذلك بشهرين و خمسة و عشرين يوما في عقب صفر سنة ست و عشرين و ذلك بعد خمس و عشرين سنة و شهرين و عشرة أيام من يوم الفيل
و قال الزهري : كانت سن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم تزوج خديجة إحدى و عشرين سنة
قال أبو عمر : و قال أبو بكر بن عثمان و غيره كان يومئذ ابن ثلاثين سنة قالوا : و خديجة يومئذ بنت أربعين سنة
و روينا عن أبي بشر الدولابي قال : و حدثني ابن البرقي أبو بكر عن ابن هشام عن غير واحد عن أبي عمرو بن العلاء قال : تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة
و روينا عن أبي الربيع بن سالم قال : و ذكر الواقدي بإسناد له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بنت منية قال و قد رويناه أيضا من طريق أبي علي بن السكن و حديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب اللفظ و ربما زاد أحدهما الشيء اليسير على الآخر و كلاهما ينمي إلى نفيسة قالت : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و عشرين سنة و ليس له بمكة اسم إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير قال أبو طالب : يا ابن أخي ! أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و ألحت علينا سنون منكرة و ليس لنا مادة و لا تجارة و هذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام و خديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيرانها فيتجرون لها و يصيبون منافع فلو جئتها فوضعت نفسك عليها لأسرعت إليك و فضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من طهارتك و إن كنت لأكره أن تأتي الشام و أخاف عليك من يهود و لكن لا نجد من ذلك بدا و كانت خديجة بني خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال كثير و تجارة و تبعث بها إلى الشام فتكون عيرها كعامة عير قريش و كانت تستأجر الرجال و تدفع إليهم المال مضاربة و كانت قريش قوما تجارا و من لم يكن تاجرا من قريش فليس عندهم بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فلعلها ترسل إلي في ذلك ] فقال أبو طالب : إني أخاف أن تولي غيرك فتطلب أمرا مدبرا فافترقا
و بلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له و قبل ذلك ما بلغها من صدق حديثه و عظم أمانته و كرم أخلاقه فقالت : ما علمت أنه يريد هذا ثم أرسلت له فقالت : إنه دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك و عظم أمانتك و كرم أخلاقك و أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك ففعل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لقي أبا طالب فذكر له ذلك فقال : إن هذا لرزق ساقه الله إليك فخرج مع غلامها ميسرة حتى قدم الشام و جعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدم الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب يقال له نسطورا فاطلع الراهب إلى ميسرة و كان يعرفه فقال : يا ميسرة ! من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي ثم قال له : في عينيه حمرة ؟ فقال ميسرة : نعم لا تفارقه قال الراهب : هو هو و هو آخر الأنبياء و يا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج فوعى ذلك ميسرة
ثم حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها و اشترى فكان بينه و بين رجل اختلاف في سلعة فقال الرجل : احلف باللات والعزى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما حلفت بهما قط ] فقال الرجل : القول قولك ثم قال لميسرة ـ و خلا به ـ يا ميسرة ! هذا نبي و الذي نفسي بيده إنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم
فوعى ذلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعا و كان ميسرة يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كانت الهاجرة و اشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس و هو على بعيره قال : و كان الله عز و جل قد ألقى على رسول الله صلى الله عليه و سلم المحبة من ميسرة فكان كأنه عبد لرسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رجعوا و كانوا بمر الظهران تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة و خديجة في علية لها معها نساء فيهن نفسية بنت منية فرأت رسول الله صلى الله عليه و سلم حين دخل و هو راكب على بعيره و ملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك و دخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فخبرها بما ربحوا فسرت بذلك فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال لها ميسرة : قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام و أخبرها بقول الراهب نسطور و قول الآخر الذي خالفه في البيع
قالوا : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم بتجارتها فربحت ضعف ما كانت تربح و أضعفت له ما سمت له فلما استقر عندها هذا و كانت امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من الكرامة و الخير و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسبا و أعظمهن شرفا و أكثرهن مالا و كل قومها كان حريصا على نكاحها لو يقدر عليه فعرضت عليه نفسها فقالت له فيما يزعمون : يا ابن عم ! إني قد رغبت فيك لقرابتك و سطتك في قومك و أمانتك و حسن خلقك و صدق حديثك فلما قالت ذلك له ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه حتى دخل على خويلد ابن أسد فخطبها إليه فتزوجها
قال أبو الربيع : هكذا ذكر ابن إسحاق و ذكر الواقدي و غيره من حديث نفيسة أن خديجة أرسلتها إليه دسيسا فدعته إلى تزويجها
قلت : و قد روينا ذلك عن ابن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي حدثنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبد الله بن كعب بن مالك عن أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية قالت : كانت خديجة بنت خويلد امرأة حازمة جلدة شريفة مع ماأراد الله بها من الكرامة و الخير و هي يومئذ أوسط نساء قريش نسبا و أعظمهم شرفا و أكثرهم مالا و كل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها و بذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام فقلت : يا محمد ! ما يمنعك أن تزوج ؟ قال : ما بيدي ما أتزوج به قلت : فإن كفيت ذلك و دعيت إلى المال و الجمال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قلت : خديجة قالت : فكيف لي بذلك ؟ قالت : قلت علي قال : فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا و كذا فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمومته فزوجه أحدهم فقال عمرو بن أسد : هذا الفحل لا يقدع أنفه و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ابن خمس و عشرين سنة و هي يومئذ بنت أربعين سنة ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة
و ذكر ابن إسحاق أن أباها خويلد بن أسد هو الذي أنكحها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك و جدته عن الزهري و فيه : و كان خويلد أبوها سكران من الخمر فلما كلم في ذلك أنكحها فألقت عليه خديجة حلة و ضمخته بخلوق فلما صحا من سكره قال : ما هذه الحلة و الطيب ؟ فقيل له : أنكحت محمدا خديجة و قد ابتنى بها فأنكر ذلك ثم رضيه و أمضاه
و قال محمد بن عمر : الثبت عندنا المحفوظ من أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار و أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم و رأيت ذلك عن غير الواقدي و قد قيل إن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي أنكحها منه و الله أعلم
و روينا عن بشر الدولابي قال : [ حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب قال : أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال : فلما استوى رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغ أشده و ليس له كبير مال استأجرته خديجة بنت خويلد إلى سوق حباشة و هو سوق بتهامة و استأجرت معه رجلا آخر من قريش فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يحدث عنها : ما رأيت من صاحبة لأجير خيرا من خديجة ما كنا نرجع أنا و صاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبؤه لنا ]
و روينا عن أبي بشر محمد بن أحمد بن حماد قال : و حدثني أبو أسامة الحلبي حدثنا حجاج بن أبي منيع حدثنا جدي عن الزهري قال : تزوجت خديجة بنت خويلد بن أسد قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلين : الأول منهما عتيق بن عايذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فولدت له جارية و هي أم محمد بن صيفي المخزومي ثم خلف على خديجة بعد عتيق بن عايذ أبو هالة التميمي و هو من بني أسد بن عمرو فولدت له هند بن هند
كذا وقع في هذه الرواية : عتيق بن عايذ و الصواب عابد قاله الزبير و سمى الزبير الجارية التي ولدتها منه : هندا
و اسم أبي هالة : هند بن زرارة بن النباش بن غذي بن خبيب بن صرد بن سلامة ابن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم فيما رويناه عن الدولابي : حدثنا أبو الأشعث أحمد ابن المقدام العجلي حدثنا زهير بن العلاء حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة فذكره
قال ابن إسحاق : و كانت خديجة قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى و كان ابن عمها و كان نصرانيا قد تتبع الكتب و علم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب و ما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه فقال ورقة : لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال
قال : فجعل ورقة يستبطئ الأمر و له في ذلك أشعار منها ما رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق :
( أتبكر أم أنت العشية رائح ... و في الصدر من إضمارك الحزن قادح )
( لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح )
( و أخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح )
( بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح )
( و ظني به أن سوف ... يبعث صادقا كما أرسل العبدان هود و صالح )
في أبيات ذكرها (1/115)
و لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و ثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة قال موسى بن عقبة : و إنما حمل قريشا على بنائها أن السيل كان أتى من فوق الردم الذي صنعوه فأخربه فخافوا أن يدخلها الماء و كان رجل يقال له مليح سرق طيب الكعبة فأرادوا أن يشيدوا بنيانها و أن يرفعوا بابها حتى لا يدخل إلا من شاؤوا و أعدوا لذلك نفقة و عمالا ثم عمدوا إليها على شفق و حذر من أن يمنعهم الله الذي أرادوا
قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنيانها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاورا و تخالفوا و أعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم و بنو عدي الموت و أدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا لعقة الدم فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا و تناصفوا فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و كان عامئذ أسن قريش كلها قال : يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم
ففعلوا فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا هذا محمد فلما انتهى إليهم و أخبروه الخبر قال صلى الله عليه و سلم : هلم إلي ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه و سلم ثم بنى عليه
و حكى السهيلي : أنها كانت تسع أذرع من عهد إسماعيل يعني ارتفاعها و لم يكن لها سقف فلما بنتها قريش قبل الإسلام زادوا فيها تسع أذرع فكانت ثماني عشرة ذراعا و رفعوا بابها عن الأرض فكان لا يصعد إليها إلا في درج أو سلم و أول من عمل لها غلقا تبع ثم لما بناها ابن الزبير زاد فيها تسع أذرع فكانت سبعا و عشرين ذرعا و على هذا هي إلى الآن
و كان بناؤها في الدهر خمس مرات الأولى : حين بناها شيث بن آدم و الثانية : حين بناها إبراهيم على القواعد الأولى و الثالثة حين بنتها قريش قبل الإسلام بخمسة أعوام و الرابعة : حين احترقت في عهد ابن الزبير بشررة طارت من أبي قبيس فوقعت في أستارها فاحترقت و قيل : إن امرأة أرادت أن تجمرها فطارت شرارة من المجمرة في أستارها فاحترقت فشاور ابن الزيبر في هدمها من حضره فهابوا هدمها و قالوا : نرى أن تصلح ما وهى و لا تهدم فقال : لو أن بيت أحدكم احترق لم يرض له إلا بأكمل إصلاح و لا يكمل إصلاحها إلا بهدمها فهدمها حتى انتهى إلى قواعد إبراهيم فأمرهم أن يزيدوا في الحفر فحركوا حجرا منها فرأوا تحته نارا و هولا أفزعهم فأمرهم أن يقروا القواعد و أن يبنوا من حيث انتهى الحفر و في الخبر أنه سترها حين وصل إلى القواعد فطاف الناس بتلك الأستار فلم تخل من طائف حتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشتدت الحرب و اشتغل الناس فلم ير طائف يطوف بالكعبة إلا جمل يطوف بها فلما استتم بنيانها ألصق بابها بالأرض و عمل لها خلفا أي بابا من ورائها و أدخل الحجر فيها و ذلك لحديث حدثته به خالته عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ألم تري قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم حين عجزت بهم النفقة ؟ ثم قال عليه الصلاة و السلام : لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتها و جعلت لها خلفا و ألصقت بابها بالأرض و لأدخلت الحجر فيها ] أو كما قال عليه الصلاة و السلام قال ابن الزبير : فليس بنا اليوم عجز عن النفقة فبناها على مقتضى حديث عائشة
فلما قام عبد الملك بن مروان قال : لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء فهدمها و بناها على ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلما فرغ من بنائها جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع و هو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر و معه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديث المتقدم فندم و جعل ينكت في الأرض بمخصرة في يده و يقول : و ددت أني تركت أبا خبيب و ما تحمل من ذلك فهذه المرة الخامسة
فلما قام أبو جعفر المنصور أراد ان يبنيها على ما بناها ابن الزبير و شاور في ذلك فقال له مالك بن أنس أنشدك الله ياأمير المؤمنين و أن تجعل هذا البيت ملعبة للملوك بعدك لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره فتذهب هيبته من قلوب الناس فصرفه عن رأيه فيه
و قد قيل : إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين لأن السيل كان قد صدع حائطه و لم يكن ذلك بنيانا و إنما كان إصلاحا لما وهى منه و جدارا يبنى بينه و بين السيل بناه عامر الجارد
و كانت الكعبة قبل أن يبنيها شيث عليه السلام خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم و يأنس بها لأنها أنزلت إليه من الجنة و كان قد حج إلى موضعها من الهند و قد قيل أيضا : إن آدم هو أول من بناها ذكره ابن إسحاق في غير رواية البكائي و في الخبر أن موضعها كان غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله السموات و الأرض فلما بدأ الله يخلق الأشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء و قضاهن سبع سماوات دحى الأرض أي : بسطها و ذلك قوله سبحانه و تعالى { و الأرض بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 30 ] و إنما دحاها من تحت مكة و لذلك سميت أم القرى و في التفسير : أن الله سبحانه حين قال للسماوات و الأرض { ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين } [ فصلت : 11 ] لم يجبه بهذه المقالة إلا الأرض الحرم فلذلك حرمها و في الحديث [ أن الله حرم مكة قبل أن يخلق السماوات و الأرض ] الحديث (1/121)
قال ابن إسحاق : و كانت الأحبار من يهود و الرهبان من النصارى و الكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه أما الأحبار من يهود و الرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته و صفة زمانه و ما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه و أما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين فيما تسترق من السمع إذ كانت لا تحجب عن ذلك و كان الكاهن و الكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره و لا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله و وقعت تلك الأمور التي كانوا يذكروان فعرفوها فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و حضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع و حيل بينها و بين المقاعد التي كانت تقعد فيها لاستراقه فرموا بالنجوم فعرف الجن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم حين بعثه يقص عليه خبرهم إذ حجبوا : { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به و لن نشرك بربنا أحدا و أنه تعالى جد ربنا ماتخذ صاحبة و لا ولدا و انه كان يقول سفيهنا على الله شططا و أنا ظننا أن لن تقول الإنس و الجن على الله كذبا و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا و أنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا و أنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا و شهبا و أنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا و أنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا } [ الجن : 1 ـ 10 ]
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه لوقوع الحجة وقطع الشبهة فآمنوا به وصدقوا ثم { ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق و إلى طريق مستقيم } [ الأحقاف : 29 ـ 30 ] و قول الجن { و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } الآية [ الجن : 6 ] هو أن الرجل من العرب من قريش و غيرهم كان إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه قال : إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه
و ذكر أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها ثقيف و أنهم جاؤوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج و كان أدهى العرب و أمكرها رأيا فقالوا له : يا عمرو ! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال : بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر و البحر و يعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها فهو و الله طي هذه الدنيا و هلاك هذا الخلق الذي فيها و إن كانت نجوما غيرها و هي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد الله بهذا الخلق
و قد روى أبو عمر النمري من طريق أبو داود حدثنا وهب بن بقية عن خالد ح و حدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس كلاهما عن حصين عن عامر الشعبي قال : لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم رجمت الشياطين بنجوم لم يكن يرجم بها قبل فأتوا عبد يا ليل بن عمرو الثقفي فقالوا : إن الناس قد فزعوا و قد أعتقوا رقيقهم و سيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال لهم : و كان رجلا أعمى لا تعجلوا و انظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس و إن كانت لا تعرف فهو من حدث
فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف فقالوا : هذا من حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى الله عليه و سلم
و روينا من طريق مسلم [ حدثنا الحسن بن علي الحلواني و عبد بن حميد قال حسن : حدثنا يعقوب و قال عبد : حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال : حدثني علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال : أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم كنا نقول : ولد الليلة رجل عليم و مات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإنها لا يرمى بها لموت أحد و لالحياته و لكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ماذا قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم و يرمون فما جاؤوا به على وجهه فهو حق و لكنهم يقذفون فيه ويزيدون ]
أخبرنا أبو محمد بن إسماعيل المسكي قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو عبد الله بن أبي المعالي بن محمد بن الحسين نزيل الاسكندرية سماعا أخبرنا أحمد بن محمد الشافعي قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين أخبرنا الحسن بن أحمد أخبرنا عبد الله ابن حعفر أخبرنا يعقوب بن سفيان حدثنا يوسف بن حماد المعني حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق ح و روينا من طريق البكائي عن ابن إسحاق و معناهما واحد و هذا اللفظ للبكائي عن ابن إسحاق قال : و حدثني صالح بن إبراهيم عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش و كان من أصحاب بدر قال : كان لنا جار من يهود من بني عبد الأشهل فذكر القيامة و البعث و الحساب و الميزان و الجنة و النار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له : ويحك يا فلان ! أوترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم ؟ ! قال : نعم و الذي يحلف به و لود أن بحظه من تلك النار أعظم تنور في داره يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه بأن ينجو من تلك النار غدا فقالوا له : و يحك يا فلان ! و ما آية ذلك ؟ قال : نبي مبعوث من نحو هذه البلاد و أشار بيده إلى مكة و اليمن فقالوا : و متى نراه ؟ فنظر إلي و أنا من أحدثهم سنا فقال : إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه قال سلمة : فو الله ماذهب الليل و النهار حتى بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه و سلم و هو بين أظهرنا فآمنا به و كفر به بغيا و حسدا فقلنا له : و يحك يا فلان : ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى و لكن ليس به
و روينا عن محمد بن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني الحجاج بن صفوان عن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية و ذلك أنها باطل فلقيت رجلا من أهل الكتاب من أهل تيماء فقلت : إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحي ليس معهم إله فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجارفينصب ثلاثة لقدره ويجعل أحسنها إلها يعبده ثم لعله يجد ما هو أحسن منه قبل أن يرتحل فيتركه و يأخذ غيره إذا نزل منزلا سواه فرأيت أنه إله باطل لا ينفع و لا يضر فدلني على خير من هذا فقال : يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه و يدعو إلى غيرها فإذا رأيت ذلك فاتبعه فإنه يأتي بأفضل الدين فلم يكن لي همة منذ قال لي ذلك إلا مكة فآتي فأسأل هل حدث ؟ فيقال لا ثم قدمت مرة فسألت فقالوا : حدث فيها رجل يرغب عن آلهة قومه و يدعو إلى غيرها فشددت راحلتي برحلها ثم قدمت منزلي الذي كنت أنزل بمكة فسألت عنه فوجدته مستخفيا و وجدت قريشا عليه أشداء فتلطفت له حتى دخلت عليه فسألته فقلت : أي شيء أنت ؟ قال : نبي قلت : و من أرسلك ؟ قال : الله قلت : و بم أرسلك ؟ قال : بعبادة الله وحده لا شريك له و بحقن الدماء و بكسر الأوثان و صلة الرحم و أمان السبيل فقلت : نعم ما أرسلت به قد آمنت بك و صدقتك أتأمرني أن أمكث معك أو أنصرف ؟ فقال : ألا ترى كراهة الناس ما جئت به فلا تستطيع أن تمكث كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة فقلت : يا نبي الله ! تعرفني ؟ قال : [ نعم أنت السلمي الذي أتيتني بمكة ] ذكر باقي الحديث
و روينا عن ابن إسحاق قال : حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله لنا و هداه ما كنا نسمع من أخبار يهود كنا أهل شرك أصحاب أوثان و كانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا و كانت لا تزال بيننا و بينهم شرور فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن يقتلكم قتل عاد و إرم فكنا كثيرا نسمع ذلك منهم فلما بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه و سلم أجبناه حين دعانا إلى الله عز و جل و عرفنا ما كانوا يتواعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به و كفروا ففي ذلك نزلت هذه الآيات في البقرة { و لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } [ البقرة : 89 ]
و ذكر الواقدي عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة قال : أجل و الله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و حرزا للأميين أنت عبدي و رسولي سميتك المتوكل ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب في الأسواق و لا يدفع السيئة بالسيئة و لكن يعفو و يغفر و لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله يفتح بها أعينا عميا وآذانا صما و قلوبا غلفا قال عطاء : ثم لقيت كعب الأحبار فسألته فما اختلفا في حرف
و روينا عن ابن إسحاق قال : و حدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بني قريظة قال : قال لي : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية و أسيد بن سعية و أسيد بن عبيد نفر من هذل إخوة قريظة كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا ساداتهم في الإسلام ؟ قال : قلت : لا قال : فإن رجلا من يهود من أهل الشام يقال له ابن الهيبان قدم علينا قبل الإسلام بسنين فحل بين أظهرنا لا و الله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه فأقام عندنا فكنا إذا قحط المطر قلنا له : اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا فيقول : لا و الله حتى تقدموا بين يدي نجواكم صدقة فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعا من تمر أو مدين من شعير فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي لنا فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب و نسقى قد فعل ذلك غير مرة و لا مرتين و لاثلاث ثم حضرته الفاة عندنا فلما عرف أنه ميت قال : يا معشر يهود ! ما ترونه أخرجني من أمر الخمر و الخمير إلى أرض البؤس و الجوع فقلنا : أنت أعلم
قال : فإنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه و هذه البلدة مهاجره فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه و قد أظلكم زمانه فلا تسبقن إليه يا معشر يهود فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري و النساء ممن خالفه فلا يمنعنكم ذلك منه فلما بعث الله و رسوله محمدا صلى الله عليه و سلم و حاصر بني قريظة قال هؤلاء الفتية ـ و كانوا شبانا أحداثا ـ : يا بني قريظة و الله إنه للنبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيبان فقالوا : ليس به قالوا : بلى و الله إنه لهو بصفته فنزلوا و أسلموا فأحرزوا دماءهم و أموالهم و أهليهم
و ذكر الواقدي عن النعمان السبئي قال : و كان من أخبار يهود باليمن فلما سمع بذكر النبي صلى الله عليه و سلم قدم عليه فسأله عن أشياء ثم قال : إن أبي كان يختم على سفر يقول : لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبي قد خرج بيثرب فإذا سمعت به فافتحه قال نعمان : فلما سمعت بك فتحت ذلك السفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة و إذا فيه ما تحل و ما تحرم و إذا فيه أنك خير الأنبياء و أمتك خير الأمم و اسمك أحمد صلى الله عليك و سلم و أمتك الحمادون قربانهم دمائهم وأناجيلهم صدورهم لا يحضرون قتالا إلا جبريل معهم يتحنن الله عليهم كتحنن الطير على أفراخه ثم قال لي : إذا سمعت به فاخرج إليه و آمن به وصدق به فكان النبي صلى الله عليه و سلم يحب أن يسمع أصحابه حديثه فأتاه يوما فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : يا نعمان ! حدثنا فابتدأ النعمان الحديث من أوله فرئي رسول الله صلى الله عليه و سلم يبتسم ثم قال : أشهد أني رسول الله و يقال : إن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسي و قطعه عضوا عضوا و هو يقول : أشهد أن محمدا رسول الله و أنك كذاب مفتر على الله عز و جل ثم حرقه بالنار
أخبرنا الشخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب قراءة على الأول و أنا أسمع و بقراءتي على الثاني قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن معمر بن طبرزد الدارقزي قراءة عليه قال الأول : و أنا الخامسة و قال الثاني : و أنا أسمع قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا محمد بن يونس حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس ابن عبد المطلب قال : قال لي أبي عبد المطلب بن هاشم : خرجت إلى اليمن في رحلة الشتاء والصيف فنزلت على رجل من اليهود يقرأ الزبور فقال : يا عبد المطلب بن هاشم ! ائذن لي أنظر في بعض جسدك قال : قلت انظر ما لم يكن عورة قال : فنظر في منخري قال : أجد في إحدى منخريك ملكا و في الأخرى نبوة فهل لك من شاعة ؟ قال : قلت : و ما الشاعة ؟ قال : الزوجة قال : قلت : أما اليوم فلا قال : فإذا قدمت مكة فتزوج قال : فقدم عبد المطلب مكة فتزوج هالة بنت وهيب بن زهرة فولدت له حمزة وصفية و تزوج عبد الله آمنة بنت وهب فولدت له رسول الله صلى الله عليه و سلم فكانت قريش تقول : فلج عبد الله على أبيه (1/125)
روينا عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم عن محمود عن ابن عباس قال : حدثني سلمان الفارسي من فيه قال : كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي و كان أبي دهقان قريته و كنت أحب خلق الله إليه و لم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية و اجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة و كانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها و أمرني فيها ببعض ما يريد ثم قال لي : و لا تحتيس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي و شغلتني عن كل أمر من أمري فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصوائهم فيها يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما سمعت أصوائهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم و رغبت في أمرهم و قلت هذا و الله خير من الذي نحن عليه فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس و تركت ضيعة أبي فلم آتها ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام فرجعت إلى أبي و قد بعث في طلبي و شغلته عن عمله كله فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قلت : يا أبت ! مررت بالناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال : أي بني ! ليس في ذلك الدين خير دينك و دين آبائك خير منه فقلت له : كلا و الله إنه لخير من ديننا قال : فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته
رحلته في طلب الحق :
و بعثت إلى النصاري فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم فقدم عليهم تجار من النصارى فأخبروني فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم و أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال : فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم قدمت معهم حتى قدمت الشام
مع أسقف الشام :
فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا الأسقف في الكنيسة فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين و أحببت أن أكون معك فأخدمك في كنيستك و أتعلم من علمك و أصلي معك قال : ادخل فدخلت معه فكان معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة و يرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه و لم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب و ورق فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ثم مات و اجتمعت النصارى ليدفنوه قلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة و يرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه و لم يعط المساكين منها شيئا فقالوا لي : و ما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا و ورقا فلما رأوها قالوا : و الله لا ندفنه أبدا فصلبوه و رموه بالحجارة
و جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه و أزهد في الدنيا و لا أرغب في الآخرة و لا أدأب ليلا و نهارا منه فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة فقلت له : يا فلان ! إني قد كنت معك و أحببتك حبا شديدا قبلك و قد حضرك من الأمر ما ترى فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ فقال : أي بني ! و الله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه و لقد هلك الناس و بدلوا و توكوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل و هو فلان و هو على ما كنت عليه
مع أسقف الموصل :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له : يا فلان ! إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك و أخبرني أنك على أمره فقال لي : أقم عندي فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت : يا فلان ! إن فلانا أوصى بي إليك و أمرني باللحوق بك و قد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين و هو فلان فالحق به
مع أسقف نصيبين :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبري و ما أمرني به صاحبي فقال أقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه فأقمت مع خير رجل فو الله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له : يا فلان ؟ إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : يا بني و الله ما أعلم بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته
مع أسقف عمورية :
فلما مات و غيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري فقال : أقم عندي فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه و أمرهم و اكتسبت حتى كانت لي بقرات و غنيمة ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ؟ و بم تأمرني ؟ قال : أي بني ! و الله ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس أمرك أن تأتيه و لكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفي يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات و غيب
إلى وادي القرى :
فمكثت بعمورية ما شاء الله أن مكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب و أعطيكم بقراتي هذه و غنيمتي هذه فقالوا : نعم فأعطيتهموها و حملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي فكنت عنده فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلدة التي وصف لي صاحبي و لم يحق في نفسي
في المدينة :
فبينا أنا عنده إذا قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة فو الله ماهو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل و سيدي جالس تحتي إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال : يا فلان ! قاتل الله نبي قيلة و الله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي فنزلت عن النخلة فحعلت أقول لابن عمه ذلك : ماتقول ؟ فغضب سيدي و لكمني لكمة شديدة ثم قال : ما لك و لهذا ؟ أقبل على عملك فقلت : لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال
لقاءه مع رسول الله صلى الله عليه و سلم :
و قد كان عندي شيء جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بقباء فدخلت عليه فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح و معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة و هذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : [ كلوا ] و أمسك يده فلم يأكل فقلت في نفسي هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا و تحول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم جئته فقلت : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة و هذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي هاتان ثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه علي شملتان لي و هو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى الرداء عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله و أبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : تحول فتحولت فجلست بين يديه فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه
مكاتبته :
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته رسول الله صلى الله عليه و سلم بدر و أحد قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كاتب سلمان ! ] فكاتبت صاحبي على ثلثمائة نخلة أحييها له بالفقير و أربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أعينوا أخاكم ] فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية و الرجل بعشرين ودية و الرجل بخمس عشرة و الرجل بعشر يعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي ففقرت و أعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته فخرج معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي و يضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده حتى فرغت فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل و بقي علي المال فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال : ما فعل الفارسي المكاتب ؟ فدعيت له فقال : [ خذ هذه فأدها مما عليك يا سلمان ] قلت : و أين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك فأخذتها فوزنت لهم منها و الذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق حرا ثم لم يفتني معه مشهد
و ذكر أبو عمر في خبر سلمان من طرق زيد بن الحباب قال : [ حدثني ابن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه : فاشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوم من اليهود بكذا و كذا درهما و على أن يغرس لهم كذا و كذا من النخل يعمل فيها سلمان حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة التي غرسها عمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من غرسها ؟ قالوا : عمر فقلعها و غرسها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمت من عامها ]
و ذكر البخاري رحمه الله حديث سلمان كما ذكره ابن إسحاق غير أنه ذكر أن سلمان غرس بيده ودية واحدة و غرس رسول الله صلى الله عليه و سلم سائرها فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان هذا معنى حديث البخاري رحمه الله
عود للحديث عن رحلته إلى المدينة :
و عن سلمان أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين أخبره بخبره : أن صاحب عمورية قال له : إئت كذا و كذا من أرض الشام فإن بها رجلا بين غيضتين يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة مستجيزا يعترضه ذوو الأسقام فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي فسله عن هذا الدين الذي تبتغي فهو يخبرك عنه قال سلمان : فخرجت حتى جئت حيث وصف لي فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هناك حتى خرج لهم تلك الليلة مستجيزا من إحدى الغيضتين إلى الأخرى فغشيه الناس بمرضاهم لا يدعو لمريض إلا شفي و غلبوني عليه فلم أخص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل إلا منكبه فتناولته فقال : من هذا ؟ و التفت إلي فقلت : يرحمك الله ! أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم ؟ قال : إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم قد أظلك نبي يبعث بهذا الدين من أهل الحرم فأته فهو يحملك عليه ثم دخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لئن كنت صدقت لقد لقيت عيسى بن مريم ]
رواه ابن إسحاق عن داود بن الحصين قال حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز قال : قال سلمان فذكره
قيل : إن الرجل المطوي الذكر في هذا الإسناد هو الحسن بن عمارة فإن يكنه فهو ضعيف عندهم قاله السهيلي و قال : و إن صح هذا الحديث فلا نكارة في متنه فقد ذكر الطبري أن المسيح عليه السلام نزل بعدما رفع و أمه و امرأة أخرى عند الجزع الذي فيه الصليب تبكيان فكلمهما و أخبرهما انه لم يقتل و أن الله رفعه و أرسله إلى الحواريين و وجههم إلى البلاد و إذا جاز أن ينزل مرة جاز أن ينزل مرارا و لكن لا يعلم به أنه هو حتى ينزل النزول الظاهر فيكسر و يقتل الخنزير كما جاء في الصحيح و الله أعلم
و يروى أنه إذا نزل تزوج امرأة من جذام و يدفن إذا مات في روضة النبي صلى الله عليه و سلم
و قوله : [ فقر لثلمائة ودية ] معناه : حفر
و قوله : [ أحييها له بالفقير ] قيل : الوجه بالتفقير
[ و قطن النار ] خازن النار و خادمها
[ و العرواء ] : الرعدة و رأيت بخط جدي رحمه الله فيما علقه على نسخته بكتاب السيرة الهشامية من حواشي كتاب أبي الفضل عياض بن موسى و غيره قال الصدقي : العرواء : الحمي النافض و البرحاء : الحمى الصالب و الرحضاء : الحمى التي تأخذ بالعروق و المطواء : التي تأخذ بالتمطي و الثوباء : التي تأخذ بالتثاؤب (1/134)
و ذكر ابن إسحاق في خبر زيد بن عمرو بن نفيل قال : و كان زيد قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما رأته تهيأ للخروج و أراده آذنت به الخطاب بن نفيل و كان الخطاب وكلها به فقال : إذا رأيته هم بأمر فآذنيني به ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام و يسأل الرهبان و الأحبار حتى بلغ الموصل و الجزيرة كلها ثم أقبل فجال الشام كلها حتى إذا انتهى إلى راهب بميفعة من الأرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فقال : إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم و لكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين إبراهيم الحنيفية فالحق به فإنه مبعوث الآن هذا زمانه و قد كان زيد شام اليهودية و النصرانية فلم يرض منها شيئا فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه (1/142)
قال ابن إسحاق : و كان فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله من الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم مما أثبت لهم يحنس الحواري حين نسخ لهم الإنجيل من عهد عيسى بن مريم إليهم في رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أبغضني فقد أبغض الرب و لولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ما كانت لهم خطيئة و لكن من الآن بطروا و ظنوا أنهم يعزونني و أيضا للرب و لكن لا بد أن تتم الكلمة التي في الناموس أنهم أبغضوني مجانا أي باطلا فلولا قد جاء المنحمنا هذا الذي يرسله الله إليكم من عند الرب روح القسط هذا الذي من عند الرب خرج فهو شهيد علي و أنتم أيضا لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم : لكي لا تشكوا
و المنحمنا بالسريانية هو محمد صلى الله عليه و سلم و هو بالرومية البرقليطس (1/142)
قال ابن هشام و بلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرئاسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي قبله و لم يكسرها فخرج الرئيس الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه و سلم يمشي فعثر فقال ابنه : تعس الأبعد ـ يريد النبي صلى الله عليه و سلم ـ فقال له أبوه : لا تفعل فإنه نبي و اسمه في الوضائع ـ يعني الكتب ـ فلما مات لم يكن له همة إلا أن شد فكسر الخواتم فوجد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فأسلم و حسن إسلامه ـ فحج و هو الذي يقول :
( إليك تغدو قلقا و ضينها ... معترضا في بطنها جنينها )
( مخالفا دين النصارى دينها )
و قد روينا عن دحية بن خليفة الكلبي في توجيهه بكتاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى ملك الروم و أن ملك الروم قال لقومه : هذا كتاب النبي الذي بشرنا به المسيح من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام و سيأتي بسنده إن شاء الله تعالى عند ذكر كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الملوك (1/143)
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي حضورا في الرابعة بقراءة والدي رحمه الله عليه بالقاهرة و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح بقراءتي عليه بمرج دمشق قالا : [ أخبرنا أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي أخبرنا أبو القاسم يوسف بن أحمد بن محمد المهرواني بانتقاء أبي بكر الخطيب البغدادي الحافظ عليه قال : أخبرنا أبو سهل محمود ابن عمر العكبري حدثنا أبو صالح سهل بن إسماعيل الموسوي حدثنا أبو العباس عبد الله ابن وهب الغزي بالرملة حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا شيخ بن أبي خالد البصري حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كان نقش خاتم سليمان بن داود عليهما السلام : لا إله إلا الله محمد رسول الله ] (1/144)
و روينا عن محمد بن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر حدثني العطاف بن خالد عن خالد بن سعيد قال : قال تميم الداري : كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل فقلت : أنا في جوار عظيم هذا الوادي فلما أخذت مضجعي إذا مناد ينادي لا أراه : عذ بالله فإن الجن لا تجير أحدا على الله فقلت : أيم تقول ؟ فقال : قد خرج رسول الأميين رسول الله و صلينا خلفه بالحجون و أسلمنا و اتبعناه و ذهب كيد الجن و رميت بالشهب فانطلق إلى محمد فأسلم فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا به و أخبرته الخبر فقال : صدقوك نجده يخرج من الحرم و مهاجره الحرم و هو خير الأنبياء فلا تسبق إليه قال تميم : فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلمت (1/145)
قرئ على الشيخة الأصيلة أمة الحق شامية ابنة الإمام الحافظ أبي علي الحسن بن محمد ابن محمد بن محمد البكري و أنا أسمع بالقاهرة قالت : [ أخبرنا أبو محمد عبد الجليل بن أبي غالب بن أبي المعالي بن مندوية الأصبهاني قراءة عليه و أنا أسمع سنة عشر و ستمائة قال : أخبرنا أبو المحاسن نصر بن المظفر بن الحسين البرمكي الجرجاني سماعا عليه سنة تسع و أربعين و خمسمائة أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور أخبرنا أبو الحسين علي ابن عمر بن محمد بن الحسن الحربي حدثنا أبو القاسم عبد الله محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا محمد بن حسان بن خالد السمتي أبو جعفر سنة ثمان و عشرين و مائتين و فيها توفي حدثنا محمد بن الحجاج اللخمي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أيكم يعرف القس بن ساعدة الإيادي ؟ قالوا : كلنا يا رسول الله يعرفه قال : فما فعل ؟ قالوا : هلك قال : ما أنساه بعكاظ على جمل أحمر و هو يقول : أيها الناس اجتمعوا و اسمعوا و عوا من عاش مات و من مات فات و كل ما هو آت آت إن في السماء لخبرا و إن في الأرض لعبرا مهاد موضوع و سقف مرفوع و نجوم تمور و بحار لا تغور أقسم قس قسما حتما : لئن كان في الأمر رضى ليكونن سخطا إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ما لي أرى الناس يذهبون و لا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا ؟ ثم قال : أيكم يروي شعرا ابن عباس فأنشدوه :
( في الذاهبين الأوليـ ... ن من القرون لنا بصائر )
( لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر )
( و رأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر و الأكابر )
( لا يرجع الماضي إلي ... و لا من الباقين غابر )
( أيقنت أني لا محالـ ... ة حيث صار القوم صائر ) ]
و قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بدمشق أخبركم أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي قراءة عليه و أنتم تسمعون قال : أخبرنا الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي حدثنا أبو العباس الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطي بمكة من حفظه و زعم أن له خمسا و تسعين سنة في ذي الحجة سنة ست و ستين و ثلثمائة على باب إبراهيم أخبرنا محمد بن عيسى بن محمد الأخباري حدثنا أبو عيسى بن محمد بن سعيد القرشي حدثنا علي بن سليمان عن سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن عباس قال : قدم الجارود بن عبد الله و كان سيدا في قومه على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : و الذي بعثك بالحق لقد وجدت صفتك في الإنجيل و لقد بشر بك ابن البتول فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أنك محمد رسول الله قال : فآمن الجارود و آمن من قومه كل سيد فسر النبي بهم و قال : [ يا جارود ! هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قسا ؟ ] قالوا : كلنا نعرفه يا رسول الله و أنا من بين يدي القوم كنت أقفو أثره كان من أسباط العرب فصيحا عمر سبعمائة سنة أدرك من الحواريين سمعان فهو أول من تأله من العرب كأني أنظر إليه يقسم بالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله و ليوفين كل عامل عمله ثم أنشأ يقول :
( هاج للقلب من جواه ادكار ... و ليال خلالهن نهار )
في أبيات آخرها :
( و الذي قد ذكرت دل على اللـ ... ه نفوسا لها هدى و اعتبار )
فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ على رسلك يا جارود فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق و هو يتكلم بكلام ما أظن أني أحفظه ] فقال أبو بكر : يا رسول الله ! فإني أحفظه كنت حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ فقال في خطبته : يا أيها الناس ! اسمعوا و عوا و إذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات و من مات فات و كل ما هو آت آت مطر و نبات و أرزاق و أقوات و آباء و أمهات و أحياء و أموات جمع و أشتات و آيات بعد آيات إن في السماء لخبرا و إن في الأرض لعبرا ليل داج و سماء ذات أبراج و أرض ذات رتاج و بحار ذات أمواج ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا ؟ أقسم قس قسما لا حانثا فيه و لا آثما أن لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه و نبيا قد حان حينه و أظلكم آو إنه فطوبى لمن آمن به فهداه و ويل لمن خالفه و عصاه ثم قال : تبا لأرباب الغفلة من الأمم الخالية و القرون الماضية يا معشر إياد ! أين الآباء و الأجداد ؟ و أين المريض و العواد ؟ و أين الفراعنة الشداد ؟ أين من بنى و شيد ؟ و زخرف و نجد و غره المال و الولد ؟ أين من بغى و طغى و جمع فأوعى و قال أنا ربكم الأعلى ؟ ألم يكونوا أكثر منكم أموالا و أطول منكم آجالا و أبعد منكم آمالا ؟ طحنهم الثرى بكلكله و مزقهم بتطاوله فتلك عظامهم بالية و بيوتهم خاوية عمرتها الذئاب العاوية كلا بل هو الله الواحد المعبود ليس بوالد و لا مولود ثم أنشأ يقول :
( في الذاهبين الأوليـ ... ن من القرون لنا بصائر )
( لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر )
( و رأيت قومي نحوها ... تمضي الأصاغر و الأكابر )
( لا يرجع الماضي إلي ... و لا من الباقين غابر )
( أيقنت أني لا محا ... لة حيث صار القوم صائر )
قال : ثم جلس و قام رجل أشدق أجش الصوت فقال : لقد رأيت من قس عجبا خرجت أطلب بعيرا لي حتى إذا عسعس الليل و كاد الصبح أن يتنفس هتف بي هاتف يقول :
( يا أيها الراقد في الليل الأحم ... قد بعث الله نبيا في الحرم )
( من هاشم أهل الوفاء و الكرم ... يجلو دجنات الليالي و البهم )
قال : فأردت طرفي فما رأيت شخصا فأنشأت أقول :
( يا أيها الهاتف في داجي الظلم ... أهلا و سهلا بك من طيف ألم )
( بين هداك الله في لحن الكلم ... من ذا الذي تدعو إليه يغتنم )
قال : فإذا أناة بنحنحة و قائل يقول : ظهر النور و بطل الزور و بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم بالحبور صاحب النجيب الأحمر و التاج و المغفر و الوجه الأزهر و الحاجب الأقمر و الطرف الأحور صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله فذلك محمد المبعوث إلى الأسود و الأحمر أهل المدر و الوبر ثم أنشأ يقو ل :
( الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث ... و لم يخلنا سدا من بعد عيسى و اكترث )
( أرسل فينا أحمدا خير نبي قد بعث ... صلى عليه الله ما حج له ركب و حث )
قال : و لاح الصباح و إذا بالفنيق يشقشق إلى النوق فملكت خطامه و علوت سنامه حتى إذا لغب فنزل في روضة خضرة فإذا أنا بقس بن ساعدة في ظل شجرة و بيده قضيب من أراك ينكت به في الأرض و هو يقول :
( يا ناعي الموت و الملحود في جدث ... عليهم من بقايا بزهم خرق )
( دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم ... فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا )
( حتى يعودوا بحال غير حالهم ... خلقا جديدا كما من قبله خلقوا )
( منهم عراة و منهم في ثيابهم ... منها الجديد و منها المنهج الخلق )
قال : فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام فإذا أنا بعين خرارة في أرض خوارة و مسجد بين قبرين و أسدين عظيمين يلوذان به و إذا بأحدهما قد سبق الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء فضربه بالقضيب الذي في يده و قال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك فرجع ثم ورد بعده فقلت له : ما هذا القبران ؟ قال : هذان قبرا أخوين كانا لي يعبدان الله عز و جل معي في هذا المكان لا يشركان بالله شيئا فأدركهما الموت فقبرتهما و ها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما ثم نظر إليهما و جعل يقول :
( خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما )
( أم تعلما أني بسمعان مفردا ... و ما لي فيه من خليل سواكما )
( مقيم على قبريكما لست بارحا ... طوال اليالي أو يجيب صداكما )
( أبكيكما طول الحياة و ما الذي ... يرد علي ذي لوعة إن بكامكا )
( كأنما و الموت أقرب غائب ... بروحي في قبريكما قد أتاكما )
( أمن طول نوم لا تجيبان داعيا ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما )
( فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما )
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ رحم الله قسا إني لأرجو أن يبعثه الله عز و جل أمة وحده ] (1/146)
قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن وثاب الصوري بالزعيزعية بمرج دمشق قلت له : أخبركم الشيخان المؤيد هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادي نزيل أصبهان و أم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة ؟ قالا : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي قراءة عليه و نحن نسمع بأصبهان قال : أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقرئ قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي قال : حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان السامي قال : حدثنا علي بن منصور الأنباري عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي قال : بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالسا إذ مر به رجل فقيل يا أمير المؤمنين ! أتعرف هذا المار ؟ قال : و من هذا ؟ قالوا : هذا سواد بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور النبي صلى الله عليه و سلم قال : فأرسل إليه عمر رضي الله عنه فقال له : أنت سواد بن قارب ؟ قال : نعم قال أنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : نعم قال : فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ قال : فغضب ؟ و قال : ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين فقال عمر : سبحان الله ؟ ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك فأخبرني بإتيانك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا ذات ليلة بين نائم و اليقظان إذ أتاني رئيي فضربني برجله و قال : قم يا سواد ابن قارب فاسمع مقالتي و اعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو الله عز و جل و إلى عبادته ثم أنشأ يقول :
( عجبت للجن و تطلابها ... و شدها العيس بأقتابها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذابها )
( فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها كأذنابها )
قال : قلت : دعني أنام فإني أمسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي و اعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز و جل و إلى عبادته ثم أنشأ يقول :
( عجبت للجن و تخبارها ... و شدها العيس بأكوارها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمن الجن ككفارها )
( فارحل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها و أحجارها )
قال : قلت : دعني أنام فإني أمسيت ناعسا فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله و قال : قم يا سواد بن قارب فاسمع مقالتي و اعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله عز و جل و إلى عبادته ثم أنشأ يقول :
( عجبت للجن و تجساسها ... و شدها العيس بأحلاسها )
( تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها )
( فارحل إلىالصفوة من هاشم ... و اسم بعينيك إلى راسها )
فقمت فقلت : قد امتحن الله قلبي فرحلت ناقتي ثم أتيت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و
صحبه حوله فدنوت فقلت : اسمع مقالتي يا رسول الله قال : هات فأنشأت أقول :
( أتاني نجيي بعد هدء و رقدة ... و لم يك فيما قد بلوت بكاذب )
( ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتالك رسول من لؤي بن غالب )
( فشمرت من ذيلي الإزار و وسطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب )
( فأشهد أن الله لا رب غيره ... و أنك مأمونه على كل غالب )
( و أنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى الله يا بن الأكرمين الأطايب )
( فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ... و إن كان فيما جاء شيب الذوائب )
( و كن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب )
قال : ففرح رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بمقالتي فرحا شديدا حتى رؤي الفرح في وجوههم
قال : فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فالتزمه و قال : قد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك فهل يأتيك رئيك اليوم ؟ قال : أما منذ قرأت القرآن فلا و نعم العوض كتاب الله من الجن ثم أنشأ عمر يقول : كنا يوما في حي من قريش يقال لهم آل ذريح و قد ذبحوا عجلا لهم و الجزار يعالجه إذ سمعنا صوتا من جوف العجل و لا نرى شيئا : يا آل ذريح أمر نجيح صائح يصيح بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله
و قد روينا خبر سواد هذا من طريق البخاري حدثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب حدثني عمر أن سالمات حدثه عن عبد الله بن عمر فذكر الخبر أخصر مما سقنا و في الألفاظ اختلاف
قال السهيلي : و لسواد بن قارب هذا مقام حميد في دوس حين بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : و من هذا الباب خبر سوداء بنت زهرة بن كلاب و ذلك أنها حين ولدت و رآها أبوها زرقاء شيماء أمر بوأدها و كانوا يئدون من البنات ما كانت على هذه الصفة فأرسلها إلى الحجون لتدفن هناك فلما حفر لها الحافر و أراد دفنها سمع هاتفا يقول : لا تئد الصبية و خلها في البرية فالتفت فلم ير شيئا فعاد لدفنها فسمع الهاتف يسجع بسجع آخر في المعنى فرجع إلى أبيها و أخبره بما سمع فقال : إن لها شأنا و تركها فكانت كاهنة قريش فقالت يوما لبني زهرة إن فيكم نذيرة أو تلد نذيرا فاعرضوا علي بناتكم فعرضن عليها فقالت : في كل واحدة منهن قولا ظهر بعد حين حتى عرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت : هذه النذيرة أو ستلد نذيرا و هو خبر طويل ذكر الزبير يسيرا منه و ذكره بطوله أبو بكر النقاش رحمه الله تعالى (1/150)
أخبرنا علي بن محمد الثعلبي أخبرنا محمد بن غسان بن غافل و غيره قالا : أخبرنا علي بن الحسين الدمشقي أخبرنا الشيخان أبو القاسم زاهر و أبو بكر وجيه ابنا طاهر ابن محمد الشحاميان بنيسابور قالا : أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الزهري أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجويني حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عبد الله العماني عن مازن بن الغضوبة قال : كنت أسدن صنما بسمال قرية بعمان فعترنا ذات يوم عنده عتيرة و هي الذبيحة فسمعنا صوتا من الصنم يقول : يا مازن اسمع تسر ظهر خير و بطن شر بعث نبي من مضر بدين الله الكبر فدع نحيتا من حجر تسلم من حر سقر قال : ففزعت لذلك فقلت : إن هذا لعجب : ثم عترت بعد أيام عتيرة فسمعت صوتا من الصنم يقو ل : أقبل إلي أقبل تسمع ما لا يجهل هذا نبي مرسل جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل عن حر نار تشعل وقودها بالجندل
فقلت : إن هذا لعجب و إنه لخير يراد بي فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل الحجاز قلنا : ما الخبر وراءك ؟ قال : ظهر رجل يقال له أحمد يقول لمن أتاه : أجيبوا داعي الله فقلت : هذا نبأ ما سمعته فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا و ركبت راحلتي فقدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فشرح لي الإسلام فأسلمت و قلت شعرا :
( كسرت بادر أجذاذا و كان لنا ... ربا نطيف به ضلا بتضلال )
( بالهاشمي هدانا من ضلالتنا ... و لم يكن دينه مني على بال )
( يا راكبا بلغن عمرا و إخوتها ... أني لمن قال ربي بادر قال )
يعين بعمرو : بني الصامت و إخوتها : بني الخطامة
قال مازن : فقلت : يا رسول الله إني مولع بالطرب و بشرب الخمر و بالهلوك من النساء و ألحت علينا السنون فذهبن بالأموال و هزلن الذراري و العيال و ليس لي ولد فادع الله أن يذهب عني ما أجد و يأتيني بالحيا و يهب لي ولدا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن و بالحرام الحلال و بالخمر ريا لا إثم فيه و بالعهر عفة الفرج و ائته بالحيا وهب له ولدا ] قال مازن : فأذهب الله عني ما كنت أجد و تعلمت شطر القرآن و حججت حججا و أخصبت عمان و وهب الله لي حيان بن مازن و أنشدت أقول :
( إليك رسول الله خبت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج )
( لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى ... فيغفر لي ربي و أرجع بالفلج )
( إلى معشر خالفت في الله دينهم ... فلا رأيهم رأيي و لا شرجهم شرجي )
( و كنت امرءا بالزعب و الخمر مولعا ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج )
( فبدلني بالخمر خوفا و خشية ... و بالعهر إحصانا فحصن لي فرجي )
( فأصبحت همي في الجهاد و نيتي ... فلله ما صومي و لله ما حجي ) (1/154)
و روينا عن زمل بن عمرو العذري قال : كان لبني عذرة صنم يقال له خمام فكانوا يعظمونه و كان في بني هند بن حرام بن ضنة بن عبد بن كثير بن عذرة و كان سادنه رجلا يقال له طارق و كانوا يعترون عنده فلما ظهر البني صلى الله عليه و سلم سمعنا صوتا يقول : يا بني هند بن حرام ظهر الهدى و أودى خمام و دفع الشرك الإسلام قال : ففزعنا لذلك و هالنا فمكثنا أياما ثم سمعنا صوتا و هو يقول : يا طارق يا طارق بعث النبي الصادق بوحي ناطق صدع صادعه بأرض تهامة لناصريه السلامة و لخاذليه الندامة هذا الوداع مني إلى يوم القيامة قال زمل : فوقع الصنم لوجهه قال زمل : فابتعت راحلة و رحلت حتى أتيت النبي صلى الله عليه و سلم مع نفر من قومي و أنشدته شعرا قلت :
( إليك رسول الله أعملت نصها ... أكلفها حزنا و قوزا من الرمل )
( لأنصر خير الناس نصرا مؤزرا ... و أعقد حبلا من حبالك في حبلي )
( و أشهد أن الله لا شيء غيره ... أدين له ما أثقلت قدمي نعلي )
في خبر ذكره (1/156)
و روينا عن ابن هشام أن بعض أهل العلم حدثه أنه كان لمرداس أبي عباس بن مرداس السلمي وثن يعبده و هو حجر يقال له ضمار فلما حضر مرداس قال لعباس : أي بني اعبد ضمار فإنه ينفعك و يضرك فبينما عباس يوما عند ضمار إذ سمع من جوف ضمار مناديا يقول :
( قل للقبائل من سليم كلها ... أودى ضمار وعاش أهل المسجد )
( إن الذي ورث النبوة و الهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدي )
( أودى ضمار و كان يعبد مرة ... قبل الكتاب إلى النبي محمد )
فحرق العباس و لحق بالنبي المختار صلى الله عليه و سلم
و روى أبو جعفر العقيلي عن رجل من بني لهب ـ يقال له لهيب أو لهيب بن مالك ـ قال : حضرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت عنده الكهانة فقلت : بأبي و أمي نحن أول من عرف حراسة السماء و زجر الشياطين و منعهم من استراق السمع عند قذف النجوم و ذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك و كان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة و ثمانون سنة و كان من أعلم كهاننا فقلنا له : يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها ؟ فإنا قد فزعنا لها و خفنا سوء عاقبتها فقال : ائتوني بسحر أخبركم الخبر ألخير أم ضرر أو لأمن أو حذر قال : فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه فناديناه يا خطر يا خطر ! فأومأ إلينا : أمسكوا فأمسكنا فانقض نجم عظيم من السماء و صرخ الكاهن رافعا صوته :
( أصابه إصابه ... خامره عقابه )
( عاجله عذابه ... أحرقه شهابه )
( زايله جوابه )
( يا ويله ما حاله ... بلبله بلباله )
( عاوده خباله ... تقطعت حباله )
( و غيرت أحواله )
ثم أمسك طويلا و هو يقول : يا معشر بني قحطان :
( أخبركم بالحق و البيان ... أقسمت بالكعبة و الأركان )
( و البلد المؤتمن السدان ... قد منع السمع عتاه الجان )
( بثاقب بكف ذي سلطان ... من أجل مبعوث عظيم الشان )
( يبعث بالتنزيل و الفرقان ... و بالهدى و فاضل القرآن )
( تبطل به عبادة الأوثان )
قال : فقلت : و يحك يا خطر ! إنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك ؟ فقال :
( أرى لقومي ما أرى لنفسي ... أن يتبعوا خير نبي الإنس )
( برهانه مثل شعاع الشمس ... يبعث في مكة دار الحمس )
( بمحكم التنزيل غير اللبس )
فقلنا له : يا خطر ! و ممن هو ؟ فقال : و الحياة و العيش إنه لمن قريش ما في حكمه طيش و لا في خلقه هيش يكون في جيش و أي جيش من آل قحطان و آل أيش فقلنا : بين لنا من أي قريش هو ؟ فقال : و البيت ذي الدعائم إنه لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم و قتل كل ذي ظالم ثم قال : هذا هو البيان أخبرني به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق و ظهر و انقطع عن الجن الخبر ثم سكت و أغمي عليه فما أفاق إلا بعد ثالثة فقال : لا إله إلا الله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوة و إنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده ]
قال السهيلي : المعنى و صابه مثل وشاح و أشاح و تكون الهمزة بدلا من واو مكسورة
و روينا من طريق ابن ماجه حدثنا محمد بن يحيى حدثنا إسرائيل حدثنا سماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا أتوا امرأة كاهنة فقالوا لها : أخبرينا أشبهنا أثرا بصاحب المقام ؟ فقالت : إن أنتم جررتم كساء على هذه السهلة ثم مشيتم عليها أنبأتكم فجروا كساء ثم مشى الناس عليها فأبصرت أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : هذا أقربكم إليه شبها ثم مكثوا بعد ذلك عشرين سنة أو ما شاء الله ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه و سلم
و ذكر ابن أبي خيثمة حدثنا موسى حدثنا حماد عن حميد عن عكرمة أن نفرا من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فإذا هم بشيخ من جرهم فقال : ممن أنتم ؟ قلنا نحن من أهل مكة من قريش فقال : الشيخ ذات يوم : لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبي قال : فنظروا فإذا النبي صلى الله عليه و سلم قد بعث تلك الليلة
قرئ على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن المقدسي و أنا أسمع بغوطة دمشق أخبرتكم أم النور عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفي إجازة ؟ قالت [ أخبرنا أبو الفتح إسماعيل ابن الفضل بن أحمد بن الأخشيد قراءة عليه حدثنا الشيخ الزكي أبو القاسم الفضل ابن أحمد بن أحمد بن محمود الثقفي حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن إبراهيم الثقفي حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن أله المعدل حدثنا عمرو بن علي حدثنا عبيد الله ابن عبد المجيد حدثنا القاسم بن الفضل حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما راع يرعى بالجزيرة إذ عرض الذئب لشاة من شائه فحال الراعي بين الذئب و بين الشاة فأقعى الذئب على ذنبه فقال : ألا تتقي الله تحول بيني و بين رزق ساقه الله إلي فقال الراعي : هل أعجب من ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الإنس فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب مني ؟ رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعي شاءه فأتى المدينة فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدثه بما قال الذئب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صدق الراعي إن من شرط الساعة كلام السباع الإنس و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل شراك نعله و عذبة صوته و يخبره بما صنع أهله ]
و ذكر الواقدي بإسناد له قال : كان أبو هريرة يحدث أن قوما من خثعم كانوا عند صنم لهم جلوسا ـ و كانوا يتحاكمون إلى أصنامهم ـ و فيه : قال أبو هريرة رضي الله عنه : فبينا الخثعميون عند صنمهم إذ سمعوا هاتفا يهتف :
( يا أيها الناس ذوو الأجسام ... و مسندو الحكم إلى الأصنام )
( أكلكم أوره كالكهام ... أما ترون ما أرى أمامي )
( من ساطع يجلو دجى الظلام ... ذاك نبي سيد الأنام )
( من هاشم في ذروة السنام ... مستعلن بالبلد الحرام )
( جاء يهد الكفر بالإسلام ... أكرمه الرحمن من إمام )
قال أبو هريرة : فأمسكوا عنه ساعة حتى حفظوا ذلك ثم تفرقوا فلم تمض بهم ثالثة حتى فجأهم خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد ظهر بمكة فما أسلم الخثعميون حتى استأخر إسلامهم و رأوا عبرا عند صنمهم
قال ابن إسحاق : و حدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا ـ بطنا من اليمن كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم و انتشر في العرب قالت له جنب : انظر لنا في أمر هذا الرجل و اجتمعوا إليه في أسفل جبل فنزل إليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ثم جعل ينزو ثم قال : أيها الناس إن الله أكرم محمدا و اصطفاه و طهر قلبه و حشاه و مكثه فيكم أيها الناس قليل ثم اشتد في جبله راجعا من حيث جاء
و الأخبار في هذا كثيرة (1/157)
قرئ على أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري و أنا أسمع أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه و أنتم تسمعون ؟ فأقر به [ قال أنبأنا أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن أبي الخضر السلمي سماعا عليه أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني أنبأنا تمام بن محمد الرازي أنبأنا أحمد ابن سليمان حدثنا يزيد بن محمد حدثنا أبو الجماهر حدثنا سعيد بن بشير حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كنت أول النبيين في الخلق و آخرهم في البعث ] [ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن الأنماطي بقراءة والدي عليه و أنا أسمع أنبأنا ابن الحرستاني سماعا و أبو الحسن المؤيد ابن محمد بن علي الطرسوسي إجازة قال : أنبأنا ابن الحرستاني أنبأنا الإمام أبو عبد الله محمد ابن الفضل بن أحمد الفزاري أنبأنا أبو حفص بن مسرور أنبأنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا محمد بن أيوب الرازي أنبأنا محمد بن سنان العوقي حدثنا إبراهيم بن طمهان عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال : قلت يا رسول الله متى كنت نبيا قال : كنت نبيا و آدم بين الروح و الجسد ] (1/163)
أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس بقراءتي عليه بعربيل بغوطة دمشق قلت له أخبركم القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري قراءة عليه بحضوركم في الرابعة ؟ فأقر به قال : أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن السلمي أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب أخبرنا أبو الحسين بن جميع حدثنا خالد ابن محمد بدمياط حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا محمد بن بشير التنيسي حدثنا الأوزاعي حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثني أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث على رأس الأربعين و قبض على رأس الستين و ما في رأسه و لحيته عشرون شعرة بيضاء (1/164)
[ أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني بقراءة والدي عليه أخبركم أبو علي ضياء بن أبي القاسم بن الخريف ؟ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الباقلاني أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا الحسن بن الطيب البلخي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهادي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عام تبوك قام من الليل يصلي فاجتمع رحال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى و انصرف إليهم قال لهم : لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي : أما أولاهن فأرسلت إلى الناس كلهم عامة و كان من قبلي إنما يرسل إلى قومه و نصرت بالرعب على العدو و لو كان بيني و بينه مسيرة شهر لملئ مني رعبا و أحلت لي الغنائم كلها و كان من قبلي يعظمونها و كانوا يحرمونها و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا أينما أدركتني الصلاة تمسحت و صليت و كان من قبلي يعظمون ذلك إنما كانوا يصلون في كنسائهم و بيعهم و الخامسة : قيل لي أن سل فإن كل نبي قد سأل فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة فهي لكم و لمن أشهد أن لا إله إلا الله ]
قرئ على عبد الرحيم بن يوسف الموصلي و أنا أسمع [ أخبركم ابن طبرزذ أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن غيلان عن أبي بكر الشافعي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سمع بي من يهودي أو نصراني ثم لم يسلم دخل النار ]
قال ابن إسحاق فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعين سنة بعثه الله رحمة للعالمين و كافة للناس و كان الله قد أخذ له الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به و التصديق له و النصر على من خالفه و أخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم و صدقهم فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : { و إذا أخذ الله ميثاق النبين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه قال أأقررتم و أخذتم على ذلكم إصري } أي : ثقل ما حملتكم من عهدي { قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين } [ آل عمران : 81 ] فأخذ الله الميثاق عليهم جميعا بالتصديق له و النصر و أدوا ذلك إلى من آمن بهم و صدقهم من أهل هذين الكتابين
و عن عائشة رضي الله عنها : أن أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من النبوة حين أراد الله به كرامته و رحمة العباد به الرؤيا الصادقة لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح و حبب الله إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده و روينا عن أبي بشر الدولابي : حدثني محمد بن حميد أبو قرة حدثنا سعيد بن عيسى بن تليد حدثني المفضل بن فضالة عن أبي الطاهر عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن عمه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه كان من بدء أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رأى في المنام رؤيا فشق ذلك عليه فذكر ذلك لصاحبته خديجة بنت خويلد فقالت له : أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا فذكر لها أنه رأى أن بطنه أخرج فطهر و غسل ثم أعيد كما كان قالت : هذا خير فابشر ثم استعلن به جبريل فأجلسه على ما شاء الله أن يجلسه عليه و بشره برسالة ربه حتى اطمأن ثم قال : { اقرأ } قال : [ كيف أقرأ ] قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم } [ العلق : 1 ـ 3 ] فقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم رسالة ربه و اتبع الذي جاء به جبريل من عند الله و انصرف إلى أهله فلما دخل على خديجة قال : [ أرأيتك الذي كنت أحدثك و رأيته في المنام فإنه جبريل استعلن ] فأخبرها بالذي جاءه من الله عز و جل و سمع فقالت : ابشر فو الله لا يفعل الله بك إلا خيرا فأقبل الذي أتاك الله و ابشر فإنك رسول الله حقا
و روينا من طريق الدولابي عن محمد بن عايذ حدثنا محمد بن شعيب عن عثمان ابن عطاء الخراساني عن أبيه عطاء بن أبي مسلم عن عكرمة عن ابن عباس قال : بعث الله عز و جل محمدا على رأس خمسن سنين من بنيان الكعبة و كان أول شيء أراه إياه من النبوة رؤيا في النوم فذكر نحو ما تقدم و في آخره : فلما قضي إليه الذي أمره به انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم منقلبا إلى أهله لا يأتي على حجر و لا شجر إلا سلم عليه : سلام عليك يا رسول الله فرجع إلى بيته و هو موقن قد فاز فوزا عظيما ـ الحديث
و روينا من طريق مسلم [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طمهان قال : حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ]
و في رواية يونس [ عن ابن إسحاق بسنده إلى أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لخديجة : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء و قد خشيت و الله أن يكون لهذا أمر قالت : معاذ الله ما كان الله ليفعل ذلك بك فو الله إنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث فلما دخل أبو بكر و ليس رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ذكر خديحة له فقالت : يا عتيق اذهب مع محمد بن ورقة فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ أبو بكر بيده و قال : انطلق بنا إلى ورقة فقال : و من أخبرك ؟ قال : خديجة فانطلقا إليه فقصا عليه فقال : إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فانطلق هاربا في الأرض فقال له : لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول لك ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد يا محمد قل : { بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين } حتى بلغ { و لا الضالين } قل : لا إله إلا الله فأتى ورقة فذكر له ذلك فقال له ورقة : ابشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم و أنك على مثل ناموس موسى و أنك نبي مرسل و أنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا و لئن أدركني ذلك لأجاهدن معك فلما توفي ورقة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد رأيت القس في الجنة و عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي و صدقني ] ـ يعني ورقة ـ
و روينا عن أبي بكر الشافعي [ حدثنا محمد بن يونس بن موسى حدثنا عثمان بن عمر ابن فارس أخبرنا علي بن المبارك الهنائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال : سألت جابر بن عبد الله فقال : لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا فنظرت عن يساري فلم أر شيئا فنظرت من خلفي فلم أر شيئا فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء و الأرض فأتيت خديجة فقلت دثروني و صبوا علي ماء باردا فدثروني و صبوا علي ماء باردا فنزلت هذه الآية : { يا أيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر } ] [ المدثر 1 ـ 3 ] رواه مسلم عن ابن مثنى عن عثمان بن عمر بن فارس
و روينا من حديث الزهري قال [ أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أخبرته : أنها قالت : كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه ـ و هو التعبد ـ الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله و يتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوده لمثلها حتى فجأه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك فيه فقال : { إقرأ } قال : ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { إقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ قال : فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { إقرأ } فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : { إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } [ العلق : 1 ـ 5 ] فرجع بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة : أي خديجة ما لي ؟ و أخبرها الخبر قال : لقد خشيت على نفسي قالت له خديجة : كلا أبشر فو الله لا يخذيك الله أبدا ! إنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تحمل الكل و تكسب المعدوم و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى و هو ابن عم خديجة أخي أبيها و كان امرأ تنصر في الجاهلية و كان يكتب الكتاب العربي و يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب و كان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة : أي عم اسمع من ابن أخيك فقال ورقة بن نوفل : يا ابن أخي : ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم خبر ما رأى فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى يا ليتني فيه جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمخرجي هم ؟ قال ورقة : نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي و إن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ] رويناه من حديث مسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب بن يونس عنه و هذا لفظه و رويناه من طريق البخاري و غيره و لفظهم متقارب
و رويناه من طريق الدولابي حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فذكر نحو ما تقدم و في آخره : [ ثم لم ينشب ورقة أن توفي و فتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة كي يلقي نفسه منها تبدى له جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه و تقر نفسه فيرجع فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى ذروة تبدى له جبريل فقال مثل ذلك ]
و عن عبيد بن عمير : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا و كان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية ـ و التحنث التبرر ـ فكان يجاور ذلك الشهر من كل سنة يطعم من جاءه من المساكين فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف قبل أن يدخل بيته : الكعبة فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد من كرامته و ذلك الشهر رمضان خرج رسول الله إلى حراء كما كان يخرج لجواره و معه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته و رحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فجاءني و أنا نائم بنمط من ديباح فيه كتاب فقال : { اقرأ } قلت : ما أقرأ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال : { اقرأ } فقلت : ما اقرأ فغتني به حتى ظنت أنه الموت ثم أرسلني فقال : { اقرأ } قلت : ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم } [ العلق : 1 ـ 5 ]
فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني و هببت من نومي فكأنما كتب في قلبي كتابا فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد ! أنت رسول الله و أنا جبريل فرفعت رأسي إلى السماء أنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول : يا محمد أنت رسول الله و أنا جبريل فوقفت أنظر إليه فما تقدم و ما أتأخر و جعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي و ما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة في طلبي فبلغوا مكة و رجعوا إليها و أنا واقف في مكاني ذلك ثم انصرف عني و انصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها فقالت : يا أبا القاسم أين كنت ؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك فبلغوا مكة و رجعوا إلي ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت : ابشر يا ابن عمي و اثبت فو الذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة ابن نوفل و هو ابن عمها و كان قد تنصر و قرأ الكتب و سمع من أهل التوراة و الإنجيل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه رأى و سمع فقال ورقة : قدوس قدوس و الذي نفسي بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى و إنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بقول ورقة
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم جواره و انصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة بن نوفل و هو يطوف بالكعبة فقال : له يا ابن أخي ! أخبرني بما رأيت و سمعت فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له ورقة : و الذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة و لقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى و لتكذبه و لتؤذينه و لتقاتلنه لئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم أدنى رأسه منه فقبل يأفوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منزله ]
و روينا عن أبي بشر حدثنا عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا عبد الملك بن هشام عن زياد قال : قال محمد بن إسحاق : حدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : أي ابن عم ! أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال : نعم قالت : فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه جبريل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا خديجة : هذا جبريل قد جاءني قالت : قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى قال : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس عليها قالت : هل تراه ؟ قال : نعم قالت : فتحول فاقعد على فخذي اليمنى قال فتحول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقعد على فخذها اليمنى فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم قالت فتحولت فاجلس في حجري فتحول فجلس في حجرها ثم قالت : هل تراه ؟ قال : نعم قال : فتحسرت فألقت خمارها و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في حجرها ثم قالت : هل تراه ؟ قال : لا قالت : يا ابن عم ! اثبت و ابشر فو الله إنه لملك ما هذا بشيطان
و في رواية يونس و روى عطاء بن السائب و أبو بشر و أبو إسحاق كلهم عن سعيد ابن جبير دخل حديث بعضهم في بعض عن ابن عباس قال : كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه فلما رموا بالشهب و حيل بينهم و بين خبر السماء قالوا : ما هذا إلا لشيء حدث في الأرض و شكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله فقال : ما هذا إلا لأمر حدث فائتوني من تربة كل أرض فانطلقوا يضربون مشارق الأرض و مغاربها يبتغون علم ذلك فأتوه من تربة كل أرض فكان يشمها و يرمي بها حتى أتاه الذين توجهوا إلى تهامة بتربة من تربة مكة فشمها و قال : من ها هنا يحدث الحدث فنظروا فإذا النبي صلى الله عليه و سلم قد بعث ثم انطلقوا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و طائفة معه من أصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ و هو يصلي بهم صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا و الله الذي حال بيننا و بين خبر السماء فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا : { إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد } [ الجن : 1 ـ 2 ] و ذكر تمام الخبر
و قال شعبة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي : نزلت عليه { يا أيها المدثر } و هو في قطيفة
و قال شيبان عن الأعمش عن إبراهيم : أول سورة أنزلت عليه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } و هو قول عائشة و عبيد بن عمير و محمد بن عباد بن جعفر و الحسن البصري و عكرمة و مجاهد و الزهري
و روينا عن أبي علي بن الصواف [ حدثنا جعفر حدثنا محمد بن خالد بن عبد الرحمن حدثنا إبراهيم بن عثمان ـ و هو أبو شيبة ـ عن الحكم بن عتبة عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان من الأنبياء من يسمع الصوت فيكون بذلك نبيا و إن جبريل يأتيني فيكلمني كما يأتي أحدكم صاحبه فيكلمه ]
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس التميمي و غيره سماعا و قراءة قالوا : [ أخبرنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه و نحن نسمع أخبرنا أبو القاسم الحريري أخبرنا أبو طالب العشاري أخبرنا أبو الحسين الواعظ حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري حدثنا بكر ابن سهيل حدثنا شعيب بن يحيى حدثنا الليث بن سعد قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما من الأنبياء من نبي إلا و قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر و إنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله عز و جل إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ]
و كان نزول جبريل له عليه السلام فيما ذكر يوم الاثنين لسبع في رمضان و قيل : لسبع عشرة مضت منه رواه البراء بن عاذب و غيره و عن أبي هريرة أنه كان في السابع و العشرين من رجب و قال أبو عمر : يوم الاثنين لثمان من ربيع الأول سنة إحدى و أربعين من عام الفيل و قد قيل غير ذلك (1/165)
حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث على رأس أربعين
المتفق عليه بين أهل النقل مما فيه : إقامته عليه السلام بالمدينة عشرا و أما إقامته بمكة فمختلف في مقدارها و سيأتي ذلك في آخر الكتاب عند ذكر وفاته عليه الصلاة و السلام
و أما سنه عليه الصلاة و السلام حين نبئ فالمروي عن ابن العباس و جبير بن مطعم و قباث بن أشيم و عطاء و سعيد بن المسيب كالمروي عن أنس و هو الصحيح عند أهل السير و غيرهم قال أبو القاسم السهيلي : و قد روي أنه نبئ لأربعين و شهرين
و في حديث عمرو بن شعيب : فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى
و المراد ـ و الله أعلم ـ ينتظرون فراغه من الصلاة و أما حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم من المشركين فقد كان انقطع منذ نزلت { و الله يعصمك من الناس } [ المائدة : 67 ] و ذلك قبل تبوك و الله أعلم
و حديث جابر بن سمرة : [ إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي ]
هذا هو المعروف بغير زيادة و قد روي أن ذلك الحجر هو الحجر الأسود و يحتمل أن يكون هذا التسليم حقيقة و أن يكون الله أنطقه بذلك كما خلق الحنين في الجذع و يحتمل أن يكون مضافا إلى ملائكة يسكنون هناك من باب { و اسأل القرية } [ يوسف : 82 ] فيكون من مجاز الحذف و هو علم ظاهر من أعلام النبوة على كلا التقديرين
و في حديث عبيد بن عمير في خبر نزول جبريل عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فجاءني و أنا نائم ] فهذه حالة و حديث عائشة و غيرها أنه كان في اليقظة فهذه حالة ثانية و لا تعارض لجواز الجمع بينهما بوقوعهما معا و يكون الإتيان في النوم توطئة للإتيان في اليقظة و قد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أول ما بدئ به عليه الصلاة و السلام من الوحي الرؤيا الصادقة و عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين و يأتيه بالكلمة من الوحي ثم وكل به جبريل فجاءه بالقرآن و الوحي فهذه حالة ثالثة لمجيء الوحي و رابعة : و هي أن ينفث في روعه الكلام نفثا كما قال عليه الصلاة و السلام : [ إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و رزقها فاتقوا الله و اجملوا في الطلب ] و خامسة : و هي أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس و هو أشده عليه و قيل : إن ذلك ليستجمع قلبه عند تلك الصلصلة فيكون أوعى لما يسمع و سادسة : و هي أن يكلمه الله من وراء حجاب إما في اليقظة كما في ليلة الإسراء و إما في النوم كما في حديث معاذ [ أتاني ربي في أحسن صورة فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى ] و كان الملك يأتيه عليه الصلاة و السلام تارة في صورته له ستمائة جناح كما روي و تارة في صورة دحية الكلبي فهذه حالات متعددة ذكر معناها السهيلي
و قوله [ فغطني ] و يروى فسأبني و يروى سأتني و يروى فدعتني و كلها واحد و هو الخنق و الغم
و الناموس : صاحب سير الملك و قال بعضهم : الناموس : صاحب سر الخير و الجاسوس : صاحب سر الشر
و مؤزرا : من الأزر و هو القوة و العون
و اليافوخ : مهموز و لا يقال في رأس الطفل يأفوخ حتى يشتد و إنما يقال له الغاذية
و فتر الوحي : لم يذكر لها ابن إسحاق مدة معينة قال أبو القاسم السهيلي و قد جاء في بعض الأحاديث المسندة أنها كانت سنتين و نصف سنة و الله أعلم (1/174)
قال ابن إسحاق : حدثني بعض أهل العلم أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل و هو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل و رسول الله صلى الله عليه و سلم ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه و سلم كما رأى جبريل يتوضأ ثم قام به جبريل فصلى به و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بصلاته ثم انصرف جبريل فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل فتوضأت كما توضأ لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم كما صلى به جبريل فصلت بصلاته كذا ذكره ابن إسحاق مقطوعا و قد وصله الحارث بن أبي أسامة : حدثنا الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عروة عن أسامة زيد قال : حدثني أبي زيد بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم في أول ما أوحي إليه أتاه جبريل عليه السلام فعلمه الوضوء فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه قاله السهيلي
و قد رويناه من طريق ابن ماجه عن إبراهيم بن محمد الفرياي عن حسان بن عبد الله عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري بسنده بمعناه
و قد روي نحوه عن البراء بن عازب و ابن عباس رضي الله عنهم و في حديث ابن عباس و كان ذلك أول من الفريضة
و عن مقاتل بن سليمان : فرض الله في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة و ركعتين بالعشي ثم فرض الخمس ليلة المعراج
و أما إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه و سلم عند البيت ليريه أوقات الصلوات الخمس فليس هذا موضع الحديث و إن كان ابن إسحاق وضعه هنا من طريق ابن عباس لاتفاق أصحاب الحديث الصحيح على أن هذه الواقعة كانت صبيحة الإسراء و هو بعد هذا بأعوام كما سيأتي مبينا عند ذكر أحاديث المعراج و الإسراء إن شاء الله تعالى (1/177)
و أول الناس إيمانا خديجة بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب فيما أتت به الآثار و ذكره أهل السير و الأخبار منهم ابن شهاب و قتادة و غيرهما
و روينا عن الدولابي حدثنا أبو أسامة الحلبي حدثنا حجاج بن أبي منيع حدثنا جدي عن الزهري قال : كانت خديجة أول من آمن برسول الله صلى الله عليه و سلم
و روينا عن الدولابي أيضا حدثنا أحمد بن المقدام أبو الأشعث حدثنا زهير ابن العلاء حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : كانت خديجة أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم من النساء و الرجال وهو قول موسى بن عقبة و ابن إسحاق و الواقدي و الأموي و غيرهم
قال ابن إسحاق : كانت خديجة أول من آمنت بالله و رسوله و صدقت ما جاء من عند الله عز و جل و وازرته على أمره فخفف الله بذلك عن رسوله فكان لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه و تكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته و تخفف عليه و تصدقه و تهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله تعالى
[ أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف المزي بقراءة والدي عليه قال أنبأنا أبو حفص بن طبرزد أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا الحسن بن علي الجوهري أنبأنا ابن الشخير أنبأنا إسحاق ـ يعني ابن موسى الرملي ـ حدثنا سهل بن بحر حدثنا عبيد يعني ابن يعيش ـ حدثنا أبو بكر بن عياش عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : بشر رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه و لا نصب ]
[ أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الحارثي و يحيى بن أحمد الجزامي في آخرين قالوا : أخبرنا أبو عبد الله بن أبي المعالي أخبرنا أبو محمد السعدي أخبرنا علي بن الحسين المصري أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين بن جعفر العطار قراءة عليه و أنا أسمع حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري حدثنا أبو عبد الله محمد بن رزيق بن جامع المديني سنة سبع و تسعين و مائتين حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي الكوفي حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم أول يوم الاثنين و صلت خديجة رضي الله عنها آخر يوم الاثنين و صلى علي يوم الثلاثاء من الغد ] الحديث
ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنه و اسم أبي طالب عبد المناف بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد المناف بن قصي بن كلاب و كان علي أصغر من جعفر بعشر سنين و جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين و عقيل أصغر من طالب بعشر سنين
قال أبو عمر : و قد روي عن سليمان و أبي ذر و المقدام و خباب و جابر و أبي سعيد الخدري و زيد بن أرقم : أن علي بن أبي طالب أول من أسلم و كذلك قال ابن إسحاق و هو قول ابن شهاب إلا أنه قال : من الرجال بعد خديجة وهو قول الجميع في خديجة و أسلم أخواه جعفر و عقيل بعد ذلك و كان يومئذ ابن ثمان سنين و قيل : عشرة و قيل اثنتي عشرة و قيل خمس عشرة
قال ابن إسحاق : و كان مما أنعم الله عليه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الإسلام و ذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و كان أبو طالب ذ اعيال كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس عمه و كان من أيسر بني هاشم يا عباس ! إن أخاك أبا طالب كثر من العيال و قد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه فلنخفف من عياله آخذ من بنيه رجلا و تأخذ أنت رجلا فنكفهما عنه قال العباس : نعم فانطلقنا حتى أتيا أبا طالب فقالا : إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما و يقال : عقيلا و طالبا فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا فضمه إليه و أخذ العباس جعفرا فضمه إليه فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي و آمن به و صدقه و لم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم و استغنى عنه
و روينا من طريق أبي بكر الشافعي بالإسناد المتقدم حدثنا محمد بن بشر بن مطر حدثنا محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يحيى ابن أبي الأشعث عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي ـ و كان عفيف أخا الأشعث ابن قيس لأمه و كان ابن عمه ـ عن أبيه ـ عن جده عفيف الكندي قال : كان العباس بن عبد المطلب لي صديقا و كان يختلف إلى اليمن يشتري العطر و يبيعه أيام الموسم فبينما أنا عند العباس بمنى فأتاه رجل مجتمع فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلي فخرجت امرأة فتوضأت ثم قامت تصلي ثم خرج غلام قد راهق فتوضأ ثم قام إلى جنبه يصلي فقلت : ويحك يا عباس ما هذا الدين ! قال : هذا دين محمد بن عبد الله ابن أخي يزعم أن الله بعثه رسولا و هذا ابن أخي علي بن أبي طالب قد تابعه على دينه و هذه امرأته خديجة قد تابعته على دينه فقال عفيف بعد أن أسلم و رسخ في الإسلام : يا ليتني كنت رابعا
و ذكر ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة و خرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبي طالب و من جميع أعمامه و سائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا كذلك فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما و هما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال : [ أي عم هذا دين الله و دين ملائكته و رسله و دين أبينا إبراهيم ] ـ أو كما قال صلى الله عليه و سلم ـ بعثني الله به رسولا إلى العباد و أنت أي عم أحق من بذلت له النصيحة و دعوته إلى الهدى و أحق من أجابني إليه و أعانني عليه ـ أو كما قال ـ فقال أبو طالب : أي ابن أخي إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي و ما كانوا عليه و لكن الله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت و ذكروا أنه قال لعلي : أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبت آمنت برسول الله صلى الله عليه و سلم و صدقت بما جاء به و صليت معه لله و اتبعته فزعموا أنه قال له : أما إنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه
قال ابن إسحاق : ثم أسلم زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة كذا عند ابن هشام الكلبي مولى رسول الله فكان أول ذكر أسلم و صلى بعد علي بن أبي طالب و كان زيد أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم ثم وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك و تتبع أهله خبره حتى دلوا عليه فأتوا في طلبه فخيره رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المكث عنده أو الرجوع مع أهله فاختار رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقام عنده و خبره بذلك مشهور
ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه و اسمه عتيق و قيل عبد الله و عتيق لقب لحسن وجهه و عتقه و قيل : غير ذلك و اسم أبي قحافة : عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي فلما أسلم أظهر إسلامه و دعا إلى الله و إلى رسوله و كان أبو بكر مألفا لقومه محببا سهلا و كان أنسب قريش لقريش و أعلمهم بها و بما كان فيها من خير و شر و كان تاجرا ذا خلق و معروف فكان رجال قومه يأتونه و يألفونه لغير واحد من الأمر : لتجارته و حسن مجالسته و غير ذلك فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه و يجلس إليه فأسلم بدعائه فيما بلغني :
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ابن مرة
و الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
و عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة
و سعد بن أبي وقاص و اسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب
و طلحة بن عبيد بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين استجابوا له فأسلموا و صلوا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فيما بلغني : [ ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده فيه كبوة و نظر و تردد إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ما عكم عنه حين ذكرته له و ما تردد فيه ] قال : فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا و صدقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و صدقوا ما جاءه من عند الله
ثم اسلم : أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر
و أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤي والأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
و عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤي و أخواه قدامة و عبد الله
و عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي و عند ابن هشام تقديم عبد الله بن قرط على رياح و امرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل المذكور
و أسماء بنت أبي بكر و عائشة أختها و هي صغيرة كذا روينا عن ابن إسحاق في إسلام عائشة و ليس بمستقيم فإن عائشة لعلها في هذا التاريخ لم تكن ولدت
و خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم الخزاعي ولاء الزهري حلفا و عمير بن أبي وقاص أخو سعد
و عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فأر بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة و عند ابن هشام فيه خلاف ما ذكرناه حليف بني زهرة
و مسعود بن ربيعة القارئ بن عمرو بن سعد بن عبد العزى بن حمالة بن غالب ابن محلم بن عايذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة بن القارة
و سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ابن لؤي
و عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و امرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية
و خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي
و عامر بن ربيعة العنزي بإسكان النون و هو فيما ذكر ابن الكلبي عامر بن ربيعة الأصغر بن حجير بن سلامان بن مالك بن ربيعة الأكبر بن رفيدة بن عبد الله و هو عنز ابن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار حكاه الرشاطي قال : و ذكر أبو عمر في نسبه اختلافا كثيرا لا يتحصل منه شيء و هو حليف آل الخطاب
و عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة و أخوه أبو أحمد حليفا بني أمية
و جعفر بن أبي طالب و امرأته أسماء بن عميس بن النعمان بن كعب مالك بن قحافة من خثعم كذا هو عند ابن إسحاق و عند أبي عمر : أسماء بنت عميس بن معد ابن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن معاوية ابن زيد بن مالك بن نسر بن وهب بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل و هو جماعة خثعم بن أنمار على اختلاف في أنمار و قيل : أسماء بنت عميس مالك بن النعمان ابن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب الله
و حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمع و امرأته فاطمة بنت المجلل بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامرؤ بن لؤي و أخوه خطاب و امرأته فكيهة بنت يسار
و معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح
و السائب بن عثمان بن مظعون
و المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة و امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي
و النحام نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبد الله بن عوف بن عيبد بن عويج بن عدي ابن كعب
و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر
و خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس و امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد ابن عامر بن بياضة بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح بن عمرو بن خزاعة
و حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ابن لؤي
و أبو حذيفة مهشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف
و واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم حليف بني عدي
و خالد و عامر و عاقل و إياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي
و عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوديم بن ثعلبة ابن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس و هو زيد بن مالك بن أدد و مالك جماع مذحج حليف بني مخزوم
و صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط كذا هو عند ابن الكلبي
و عند أبي عمر : سنان بن خالد بن عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن سعد ابن خزيمة بن كعب بن سعد قال : إلى هنا نسبه ابن إسحاق و نسبه الواقدي و خليفة و ابن الكلبي و غيرهم فقالوا : صهيب بن سنان بن خالد بن عبد عمرو بن طفيل بن كعب ابن سعد و منهم من يقول : ابن سفيان بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة من النمر بن قاسط يقال له الرومي و كان مولى لعبد الله بن جدعان
و ذكر أبو عمر في السابقين : أبا ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة
و أبا نجيح السلمي عمرو بن عبسة بن منقل بن خالد بن حذيفة بن عمر بن خلف ابن مازن بن مالك بن ثعلبة بن بهثة بن سليم
و مازن بن مالك أمه بجلة بنت هناءة بن مالك بن فهم و إليها ينسب البجلي بسكون الجيم ذكره كذلك الرشاطي
و حكي عن أبي عمر في نسبه غير ذلك و صحح ما ذكرناه و حكي عن أبي عمر في نسبه غاضرة بن عتاب و زعم أنه خطأ و إن الصواب في ذلك النسب ناضرة بن خفاف قال أبو عمر : و لكنهما يعني أبا ذر و أبا نجيح رجعا إلى بلاد قومهما
و ذكر فيهم عتبة بن مسعود أخا عبد الله بن مسعود
و كان سبب إسلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما رويناه من طريق أبي علي بن الصواف بالسند المتقدم [ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل و رويناه من طريق الطبراني في معجمه الصغير قال : حدثنا عمر بن عبد الرحمن السلمي قالا : حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي و اللفظ للأول قال : حدثنا سلام أبو المنذر حدثنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال : كنت في غنم لآل عقبة بن أبي معيط فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر بن أبي قحافة فقال النبي : هل عندك لبن ؟ قلت : نعم و لكني مؤتمن قال : فهل عندك من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ قلت : نعم فأتيته بشاة شصوص قال سلام : و هي التي ليس لها ضرع فمسح النبي صلى الله عليه و سلم مكان الضرع و مالها ضرع فإذا ضرع حافل مملوء لبنا قال : فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم بصخرة منقعرة فاحتلب النبي صلى الله عليه و سلم فسقى أبا بكر و سقاني ثم شرب ثم قال : للضرع اقلص فرجع كما كان قال : فلما رأيت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت يا رسول الله علمني فمسح رأسي و قال : بارك الله فيك فإنك غلام معلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فبينا نحن عنده على حراء إذأنزلت عليه سورة المرسلات فأخذتها و إنها لرطبة بفيه ـ و إن فاه لرطب بها ـ فلا أدري بأي الآيتين ختم { و إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } [ المرسلات : 48 ] أو { فبأي حديث بعده يؤمنون } [ المرسلات : 50 ]
و أخذت من في رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعين سورة و أخذت بقية القرآن من أصحابه فبينا نحن نيام على حراء ـ أو على الحبل ـ فما نبهنا إلا صوت النبي صلى الله عليه و سلم منعها منكم الذي منعكم منها قال : قلت يا رسول الله و ما ذاك ؟ قال : حية خرجت من ناحية الجبل ] (1/178)
قال ابن إسحاق : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال و النساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة و تحدث الناس به ثم إن الله عز و جل أمر رسوله صلى الله عليه و سلم أن يصدع بما جاءه منه و أن ينادي في الناس بأمره و يدعو إليه و كان مدة ما أخفى رسول الله صلى الله عليه و سلم أمره و استسر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهاره ثلاث سنين فيما بلغني من مبعثه ثم قال الله تعالى له : { فاصدع بما تأمر و أعرض عن المشركين } [ الحجر : 94 ] ثم قال : { و أنذر عشيرتك الأقربين و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } [ الشعراء : 215 ـ 216 ] { و قل إني أنا النذير المبين } [ الحجر : 89 ] فلما بادى رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه بالإسلام و صدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه و لم يردوا عليه حتى ذكر آلهتهم و عابها فلما فعل ذلك أعظموه و ناكروه و أجمعوا خلافه و عداوته صلى الله عليه و سلم إلا من عصم الله منهم بالإسلام و هم قليل مستخفون و حدب على رسول الله صلى الله عليه و سلم عمه أبو طالب و منعه و قام دونه
و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مظهرا له لا يرده عنه شيء فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم و عيب آلهتهم و رأزا أن عمه أبو طالب قد حدب عليه و قام دونه و لم يسلمه لهم مشى رجال من أشرافهم إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا و عاب ديننا و سفه أحلامنا و ضلل آباءنا فإما أن تكفه عنا و إما أن تخلي بيننا و بينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما هو عليه يظهر دين الله و يدعوا إليه ثم شري الأمر بينه و بينهم حتى تباعد الرجال و تضاغنوا و أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بينها فتذامروا عليه و حض بعضهم بعضا عليه
ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سنا و شرفا و منزلة فينا و إنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا و إنا و الله لا نصبر على هذا من شتم آباءنا و تسفيه أحلامنا و عيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله و إياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قال ثم انصرفوا عنه فعظم عل أبي طالب فراق قومه و عداوتهم و لم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا خذلانه و ذكر أن أبا طالب لما قالت له قريش هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا و كذا ـ للذي قالوا له ـ فأبق علي و على نفسك و لا تحملني من الأمر مالا أطيق فظن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء و أنه خاذله و مسلمه و أنه قد ضعف عن نصرته و القيام معه فقال له : [ يا عم و الله لو وضعوا الشمس على يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ] ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال له : أقبل يا ابن أخي فأقبل عليه فقال : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا
ثم إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه و سلم و إسلامه و إجماعه لقراقهم في ذلك و عداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة فقالوا له : يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى من قريش و أجمله فخذه فلك عقله و نصره و اتخذه ولدا و أسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك و دين آبائك و فرق جماعة قومك و سفه أحلامهم فنقتله فإنما هو رجل كرجل قال : و الله لبئس ما تسومونني أتعطوني ابنكم أغذوه لكم و أعطيكم ابني تقتلونه هذا و الله ما لا يكون أبدا
فقال المطعم بن عدي : و الله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك و جهدوا على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال له أبو طالب و الله ما أنصفوني و لكنك قد أجمعت خذلاني و مظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك فحقب الأمر و تنابذ القوم و بادى بعضهم بعضا
قال : ثم إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين اسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم و يفتنونهم عن دينهم و منع الله تعالى منهم رسوله بعمه أبي طالب و قد قام أبو طالب حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم و بني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه و سلم و القيام دونه فاجتمعوا إليه و أقاموا معه و أجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب
روينا عن أبي بكر الشافعي [ حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام حدثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد أو عباد الدؤلي يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول : يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا ] قال و وراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل أبو لهب
قال ابن إسحاق : ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش و كان ذا سن فيهم و قد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش إنه قد حضر هذا الموسم و إن وفود العرب ستقدم عليكم و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا و لا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل و أقم لنا رأيا نقول فيه قال : بل أنتم فقولوا أسمع قالوا : نقول كاهن قال : و الله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن و لا بسجعه قالوا فنقول : مجنون قال و الله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون و عرفناه فما هو بحنقه و لا تخالجه و لا وسوسته قالوا : فنقول شاعر قال : ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله رجزه و هزجه و قريضه و مقبوضه و مبسوطه فما هو بالشعر قالوا : فنقول : ساحر قال : ما هو بساحر قد رأينا السحار و سحرهم فما هو بنفثه و لا عقده قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : و الله إن لقوله لحلاوة و إن أصله لعذق و إن فرعه لجناة و ما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا أعرف أنه باطل و إن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء و أبيه و بين المرء و أخيه و بين المرء و زوجه و بين المرء و عشيرته فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه و ذكروا له أمره و صدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها
قوله : لعذق بفتح العين المهملة و سكون الذال إستعارة من النخلة التي ثبت أصلها و هو العذق و رواية ابن هشام : لغدق بغين معجمة و كسر الدال المهملة من الغدق و هو الماء الكثير قال السهيلي : و رواية ابن إسحاق أفصح لأنها استعارة تامة تشبه آخر الكلام بأوله (1/188)
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي و أبو محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما و أنا حاضر فالأول قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي و الثاني قال : أخبرنا أبو علي بن أبي القاسم البغدادي قالا : أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا ابن حسون أخبرنا أبو القاسم السراج هو موسى بن عيسى بن عبد الله حدثنا محمد ابن محمد بن سليمان حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمر بن السرح حدثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا أن أطأعلى عنقه فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخلت عليه فأخبرته بقول أبي جهل فخرج غضبان حتى دخل المسجد فعجل أن يدخل من الباب فاقتحم من الحائط فقلت هذا يوم شر نبشته فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ : { اقرأباسم ربك الذي خلق } [ العلق : 1 ] حتى بلغ شأن أبي جهل { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ـ 7 ] قال : فقال إنسان لأبي جهل : يا أبا الحكم ! هذا محمد فقال أبو جهل : ألا ترون ما أرى ؟ و الله لقد سد أفق السماء علي فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر السورة سجد
قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي أحمد بسفح قاسيون [ أخبركم أبو بركات داود بن أحمد بن محمد البغدادي قراءة عليه و أنت تسمع فأقر به أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف أخبرنا أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد بن المأمون أخبرنا الشيخ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدار قطني حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز و محمد بن هارون الحضرمي قالا : حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد السلام هو ابن حرب عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزل { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة لهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم و معه أبو بكر رضي الله عنه فلما رآها قال : يا رسول الله إنها امرأة بذية فلو قمت لا تؤذيك قال : إنها لن تراني فجاءت فقالت يا أبا بكر صاحبك هجاني قال : لا و ما يقول الشعر قالت : أنت عندي تصدق و انصرفت قلت : يا رسول الله ! لم ترك ؟ قال : لا لم يزل ملك يسترني منها بجناحه ] قرأت على أبي عبد الله محمد بن عثمان بن سلامة بدمشق [ أخبرك أبو القاسم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه و أنت تسمع فأقر به : أخبرنا جدي أخبرنا القاسم بن أبي العلاء أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر أخبرنا خثيمة حدثنا هلال يعني ابن العلاء الرقي حدثنا سعيد بن عبد الملك حدثنا محمد ابن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ميمون الأودي حدثنا عبد الله بن مسعود قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد الحرام و رفقة من المشركين من قريش و نبي الله صلى الله عليه و سلم يصلي و قد نحر قبل ذلك جزور و قد بقي فرثه و قذره فقال أبو جهل : ألا رجل يقوم إلى هذا القذر يلقيه على محمد و نبي الله صلى الله عليه و سلم ساجد إذ انبعث أشقاها فقام فألقاها عليه قال عبد الله : فهبنا أن نلقيه عنه حتى جاءت فاطمة رضي الله عنها فألقته عنه فقام فسمعته يقول و هو قائم يصلي : اللهم اشدد وطأتك على مضر سنين كسني يوسف عليك بأبي الحكم بن هشام ـ و هو أبو جهل ـ و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة و عقبة ابن أبي معيط و أمية بن خلف و رجل آخر ثم قال : رأيتهم من العام المقبل صرعى بالطوي طوي بدر صرعى بالقليب ]
و أخبرنا ابن الواسطي فيما قرأت عليه أخبرنا ابن ملاعب أخبرنا الأرموي أخبرنا ابن المأمون أخبرنا الدارقطني حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح الأزدي حدثنا الزبير بن بكار حدثني أبو يحيى هارون بن بكر بن عبد الله الزهري عن عبد الله بن سلمة عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال : حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان بن عفان قال : أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم أني رأيته يوما ـ قال عمرو : فرأيت عيني عثمان بن عفان زرفتا من تذكر ذلك ـ قال عثمان بن عفان : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف بالبيت و يده في يد أبي بكر و في الحجر ثلاثة نفر جلوس : عقبة بن أبي معيط و أبو جهل بن هشام و أمية بن خلف فمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فدنوت منه حتى وسطته فكان بيني و بين أبي بكر و أدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا فلما حاذاهم قال أبو جهل : و الله لا نصالحك ما بل بحر صوفة و أنت تنهى أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنا ذلك ] ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه و وثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجامع ثوبه فدفعت في صدره فوقع على استه و دفع أبو بكر أمية بن خلف و دفع رسول الله صلى الله عليه و سلم عقبة بن أبي معيط ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو واقف ثم قال : [ أما و الله لا تنهون حتى يحل بكم عقابه عاجلا ] قال عثمان : فو الله ما منهم رجل إلا و قد أخذه أفكل و هو يرتعد فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : بئس القوم أنتم لنبيكم ثم انصرف إلى بيته و تبعناه خلفه حتى انتهى إلى باب بيته و وقف على السدة ثم أقبل علينا بوجهه فقال : [ أبشروا فإن الله عز و جل مظهر دينه و متم كلمته و ناصر نبيه و إن هؤلاء الذين ترون مما يذبح الله بأيديكم عاجلا ] ثم انصرفنا إلى بيوتنا فو الله لقد رأيتهم قد ذبحهم الله بأيدينا (1/192)
و من ذلك خبر إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه :
روينا عن ابن إسحاق : حدثني رجل من أسلم و كان واعية أن أبا جهل مر برسول الله صلى الله عليه و سلم عند الصفا فآذاه و شتمه و نال منه بعض ما يكره من العيب لدينه و التضعيف لأمره فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم و مولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا سيفه راجعا من قنص له و كان صاحب قنص يرميه و يخرج له و كان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة و كان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف و سلم و تحدث معهم و كان أعز فتى في قريش و أشده شكيمة فلما مر بالمولاة و قد رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيته قالت له : يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا من أبي الحكم بن هشام وجده ها هنا جالسا فآذاه و سبه و بلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه و لم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته فخرج يسعى و لم يقف على أحد معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة ثم قال : أتشتمه ؟ فأنا على دينه أقول ما يقول فرد علي ذلك إن استطعت فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة فإني و الله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا و تم حمزة على إسلامه و على ما تابع عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم من قوله فلما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد عز و امتنع و أن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه
و روينا عن ابن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة ـ و كان سيدا ـ قال يوما و هو جالس في نادي قريش و النبي صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه و أعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء و يكف عنا و ذلك حين أسلم حمزة و رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثرون و يزيدون فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة و المكان في النسب و إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم و سفهت به أحلامهم و عبت به آلهتهم و دينهم و كفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قل يا أبا الوليد أسمع ] قال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أمولنا حتى تكون أكثرنا مالا و إن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك و إن كنت تريد ملكا ملكناك علينا و إن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب و بذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة و رسول الله صلى الله عليه و سلم يسمع منه قال : [ أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ ] قال : نعم قال : [ فاسمع مني ] قال : أفعل [ قال : { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت أياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا و نذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون } ] [ فصلت : 1 ـ 4 ] ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها يقرأها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها و ألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يسمع منه ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال : [ قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت و ذاك ] فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض يحلف بالله : لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني سمعت قولا و الله ما سمعت مثله قط و الله ما هو بالشعر و لا بالسحر و لا بالكهانة يا معشر أطيعوني و اجعلوها بي خلوا بين هذا الرجل و بين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم و إن يظهر على العرب فملكه ملككم و عزه عزكم و كنتم أسعد الناس به قالوا : سحركم و الله يا أبا الوليد بلسانه قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لم
و روينا عن الطبراني [ حدثنا القاسم بن عياش بن حماد أبو محمد الجهني الحذاء الموصلي حدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة و يزوجوه ما أراد من النساء فقالوا : هذا لك عندنا يا محمد و كف عن شتم آلهتنا و لا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة و لك فيها صلاح قال : ما هي ؟ قالوا : تعبد آلهتنا سنة ـ اللات و العزى ـ و نعبد إلهك سنة قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله عز و جل من اللوح المحفوظ : { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } [ الكافرون : 1 ـ 2 ] السورة و أنزل الله عز و جل { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } { بل الله فاعبد و كن من الشاكرين } [ الزمر : 64 و 66 ] ]
و روينا [ من طريق الترمذي حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس [ سندع الزبانية ] قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لوفعل لأخذته الملائكة عيانا ]
قال : [ حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فجاء أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا ؟ فانصرف النبي صلى الله عليه و سلم فزبره فقال أبو جهل : إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني
فأنزل الله تعالى : { فليدع ناديه سندع الزبانية } [ العلق : 17 ـ 18 ] قال ابن عباس : و الله لودعا ناديه لأخذته زبانية الله ]
و روينا عن ابن عباس من طريق محمد بن إسحاق اجتماع قريش و عرضهم على النبي صلى الله عليه و سلم ما عرضوا عليه من أموالهم و غير ذلك و قوله عليه الصلاة و السلام : [ ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم و لا الشرف فيكم و لا الملك عليكم و لكن الله بعثني إليكم رسولا و أنزل علي كتابا و أمرني أن أكون لكم بشيرا و نذيرا فبلغتكم رسالات ربي و نصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا و الآخرة و إن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ] أو كما قال صلى الله عليه و سلم فقالوا له : فسل ربك أن يسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا و ليبسط علينا بلادنا و ليخرق فيها أنهارا كأنهار الشام و العراق و ليبعث لنا من مضى من آبائنا و ليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ؟ و فيه : قالوا له : سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول و يراحعنا عنك و اسأله فليجعل لنا جنانا و قصورا و كنوزا من ذهب و فضة يغنيك بها عما تراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق و تلتمس المعاش و ذكر قولهم : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل و قال قائلهم : نحن نعبد الملائكة و هي بنات الله و قال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله و الملائكة قبيلا و قال : إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن و إنا و الله لن نؤمن بالرحمن أبدا فلما قالوا له ذلك قام رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم و معه عبد الله بن أبي أمية المخزومي و هو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب فقال : و الله لانؤمن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه و أنا أنظر إليك حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك كما تقول و ايم الله أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك
و قال أبو جهل : يا معشر قريش إني أعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ما أطيق حمله أو كما قال فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه فأسلموني عند ذلك أو امنعوني فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم قالوا : و الله لا نسلمك لشيء أبدا فامض لما تريد فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه و سلم ينتظره و غدا رسول الله صلى الله عليه و سلم كما كان يغدو فلما سجد رسول الله صلى الله عليه و سلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف الحجر من يده و قامت إليه رجال من قريش فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا و الله ما رأيت مثل هامته و لا قصرته و لا أنيابه بفحل قط فهم بي أن يأكلني قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ذلك جبريل لودنا لأخذه ]
و ذكر في الخبر بعث قريش النضر بن الحارث بن كلدة و بعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود و قالوا لهما : سلاهم عن محمد و صفا لهم صفته و أخبراهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول و عندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى قدما المدينة و سألا أحبار يهود فقالت لهما : سلوا عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل و إن لم يفعل فالرجل متقول سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول : ما كان من أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب و سلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض و مغاربها ما كان نبؤه ؟ و سلوه عن الروح : ما هو ؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه فإنه نبي و إن لم يفعل فهو رجل متقول
فأقبل النضر و عقبة فقالا : قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمد فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يذكرون فقال عليه الصلاة و السلام : [ أخبركم غدا و لم يستثن ] فانصرفوا فمكث رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا و لا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة و قالوا : وعدنا محمد غدا و اليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه و سلم مكث الوحي عنه و شق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لقد احتبست عني يا جبريل فقال : { و ما نتنزل إلا بأمر ربك } [ مريم : 64 ] الآية و افتتح السورة بحمده وء ذكر نبوة رسوله عليه الصلاة و السلام و فيها ذكر الفتية الذين ذهبوا و هم أصحاب الكهف و ذكر الرجل الطواف و هو ذو القرنين و قال فيما سألوه عنه من الروح { و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا } ] [ الإسراء : 85 ] الحديث بطوله و أنا اختصرته
قال : و حدثت عن ابن عباس أنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قالت أحبار يهود : يا محمد أرأيت قولك { و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا } [ الإسراء : 85 ] إيانا تريد أم قومك ؟ قال : [ كلا ] قالوا : فإنك تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنها في علم الله قليل و عندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه ] قال : فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه في ذلك { و لو أنما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم } [ لقمان : 27 ] أي : إن التوراة في هذا من علم الله قليل
قال : و أنزل الله فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال و تقطيع الأرض و بعث من مضى من آبائهم من الموتى { و لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا } [ الرعد : 31 ] أي لا أصنع من ذلك الأمر إلا ما شئت و أنزل الله عليه فيما سألوه أن يأخذ لنفسه { قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقي إليه كنز } إلى { و كان ربك بصيرا } [ الفرقان : 7 ـ 20 ]
و أنزل الله فيما قال عبد الله بن أبي أمية { و قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل و عنب } إلى قوله { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } [ الإسراء : 90 ـ 93 ]
و أنزل عليه في قولهم إنما يعلمك رجل باليمامة يقال له : الرحمن : { كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك و هم يكفرون بالرحمن } [ الرعد : 30 ]
و أنزل عليه فيما قال أبو جهل و ما هم به { أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى } [ العلق : 9 ـ 10 ] حتى آخر السورة
و أنزل عليه فيما عرضوا من أموالهم { قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله و هو على كل شيء شهيد } [ سبأ : 47 ] فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما عرفوا من الحق حال الحسد بينهم و بين اتباعه
فقال قائلهم : لا تسمعوا لهذا القرآن و الغوا فيه لعلكم تغلبون أي : اجعلوه لغوا و باطلا و اتخذوه هزوا لعلكم تغلبونه بذلك فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه غلبكم فقال أبو جهل يوما و هو يهزأ برسول الله صلى الله عليه و سلم و ما جاء به من الحق يا معشر قريش يزعم محمد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار و يحبسونكم فيها تسعة عشر و أنتم الناس كثرة و عددا أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم ؟ فأنزل الله عز و جل في ذلك من قوله { و ما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا } [ المدثر : 31 ] إلى آخر القصة فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقرآن و هو يصلي يتفرقون عنه و يأبون أن يستمعوا له فكان الرجل منهم إذا أراد ان يستمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم بعض ما يتلو من القرآن و هو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع و إن خفض رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته فظن الذي يستمع أنهم لا يسمعون شيئا من قراءته و سمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه و روي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس إنما نزلت هذه الآية { و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها } [ الإسراء : 110 ] في ذلك
قال أبو عمر : و كان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه و سلم و لكل من آمن به :
من بني هاشم : عمه أبو لهب و ابن عمه أبا سفيان بن الحارث
و من بني عبد شمس : عتبة و شيبة ابني ربيعة و عقبة بن أبي معيط و أبا سفيان بن حرب و ابنه حنظلة و الحكم بن أبي العاص بن أمية و معاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية
و من بني عبد الدار : النضر بن الحارث
و من بني أسد بن عبد العزى : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى و ابنه زمعه و أبا البختري العاص بن هشام
و من بني زهرة : الأسود بن عبد يغوث
و من بني مخزوم : أبا جهل بن هشام و أخاه العاص بن هشام و عمهما الوليد بن المغيرة و ابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة و ابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة و زهير ابن أبي أمية بن المغيرة أخا أم سلمة و أخاه عبد الله بن أبي أمية و الأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة و صيفي بن السائب
و من بني سهم : العاص بن وائل و ابنه عمرا و ابن عمه الحارث بن قيس بن عدي و نبيها و منبها ابني الحجاج
و من بني جمح : أمية و أبيا ابني خلف بن وهب بن حذافة بن جمح و أنيس بن معير أخا بني محذورة و الحارث بن الطلاطلة الخزاعي و غدي بن الحمراء الثقفي
فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى و معهم سائر قريش فمنهم من يعذبون ـ ممن لا منعة له و لا جوار ـ من قومه و منهم من يؤذون
و لقي المسلمون من كفار قريش و حلفائهم من الأذى و العذاب و البلاء عظيما و رزقهم الله من الصبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة و يرفع به درجاتهم في الجنة و الإسلام في كل ذلك يفشو و يظهر في الرجال و النساء و أسلم الوليد بن الوليد ابن المغيرة و سلمة بن هشام أخو أبو جهل و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة و جماعة أراد الله هداهم
و أسرف بنو جمح على بلال بالأذى و العذاب فاشتراه أبو بكر الصديق منهم و اشترى أمة حمامة فأعتقهما و أعتق عامر بن فهيرة و روي أن قحافة قال لابنه أبي بكر : يا بني أراك تعتق قوما ضعفاء فلو أعتقت قوما جلداء يمنعوك فقال : يا أبت إني أريد ما أريد فقيل : فيه نزلت { و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد } [ الليل : 17 ـ 19 ] إلى آخر السورة
و ذكر الزهري أن أبا سفيان بن حرب و أبا جهل بن هشام و الأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلي من الليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه و كل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا و قال بعضهم لبعض : لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا مرة ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم ذهب حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد فقال : يا أبا ثعلبة : و الله لقد سمعت أشياء أعرفها و أعرف ما يراد بها و سمعت أشياء ما عرفت معناها و لا ما يراد بها قال الأخنس : و أنا و الذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال : يا أبا الحكم ! ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ ! قال ماذا سمعت ؟ تنازعنا و نحن و بنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا و حملوا فحملنا و أعطوا فأعطينا حتى إذا تجاذينا على الركب و كنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه ! و الله لا نؤمن به أبدا و لا نصدقه فقام عنه الأخنس و تركه
و ذكر ابن إسحاق حديث الإراشي و الإراشي هذا اسمه : كهلة الأصغر بن عصام بن كهلة الأكبر بن وهب بن ذئبان بن سيلان بن مودع بن عبد الله و هو الذي ابتاع منه أبو جهل الإبل و مطله بأثمانها و دلالة قريش إياه على رسول الله صلى الله عليه و سلم لينصفه من أبي جهل استهزاء لما يعلمون من العداوة بينهما قال : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال : من هذا ؟ فقال : محمد فخرج إليه و ما في وجهه من رائحة قد انتقع لونه فقال : [ أعط هذا حقه ] قال : نعم لا تبرح حتى أعطيته الذي له فدفعه إليه فذكر له الإراشي ذلك فقالوا لأبي جهل : ويلك ! ما رأينا مثل ما صنعت قال : ويحكم ! و الله ما هو إلا أن ضرب على بابي و سمعت صوته فملئت رعبا ثم خرجت إليه و إن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته و لا قصرته و لا أنيابه لفحل قط و الله لو أبيت لأكلني
و ذكر الواقدي عن يزيد بن رومان قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد معه رجال من أصحابه أقبل رجل من بني زبيد يقول : يا معشر قريش ! كيف تدخل عليكم المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم و أنتم تظلمون من دخل عليكم في حرمكم ؟ يقف على الحلق حلقة حلقة حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و من ظلمك ؟ ] فذكر أنه قدم بثلاثة أجمال كانت خيرة إبله فسامه بها أبو جهل ثلث أثمانها ثم لم يسمه بها لأجله سائم قال : فاكسد علي سلعتي و ظلمني قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و أين أجمالك ؟ ] قال : هي هذه بالحزورة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم معه و قام أصحابه فنظر إلى الجمال فرأى الجمال فرها فساوم الزبيدي حتى ألحقه برضاه فأخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم فباع جملين منها بالثمن و أفضل بعيرا باعه و أعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه و أبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم ثم أقبل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ يا عمرو ! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره ] فجعل يقول : لا أعود يا محمد لا أعود يا محمد فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقبل عليه أمية بن خلف و من حضر من القوم فقالوا : ذللت في يدي محمد فإما أن تكون تريد أن تتبعه و إما رعب دخلك منه قال : لا أتبعه أبدا إن الذي رأيتم مني لما رأيت معه لقد رأيت رجالا عن يمينه و شماله معهم رماح يشرعونها إلي لو خالفتهم لكانت إياها أي لأتوا علي نفسي
قال أبو عمر : و كان المستهزئون الذي قال الله فيهم : { إنا كفيناك المستهزئين } [ الحجر : 95 ] عمه أبو لهب و عقبة بن معيط و الحكم بن أبي العاصي و الأسود بن المطلب بن أسد بن زمعة و الأسود بن عبد يغوث و العاص بن وائل و الوليد بن المغيرة و الحارث بن الغيطلة السهمي فكان جبريل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمر بهما من المستهزئين الوليد بن المغيرة و الأسود بن المطلب و الأسود بن عبد يغوث و الحارث ابن الغيلطة و العاص بن وائل واحدا بعد واحد فشكاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جبريل فقال : كفيتكهم فهلكوا بضروب من البلاء و العمى قبل الهجرة
و فيما لقي بلال و عمار و المقداد و خباب و سعد بن أبي وقاص و غيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء و الأذى ما يطول ذكره
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي بالصالحية أخبركم أبو نصر موسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البنا أخبرنا أبو نصر الزينبي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف أخبرنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا أبو موسى عيسى بن حماد زغبة عن الليث بن سعد عن هشام عن أبيه أنه قال : مر بورقة بن نوفل على بلال و هو يعذب يلصق ظهره برمضاء البطحاء في الحر و هو يقول : أحد أحد فقال : يا بلال صبرا يا بلال صبرا لم تعذبونه فو الذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا يقول : لأتمسحن به (1/195)
قال الله تعالى : { اقتربت الساعة و انشق القمر } [ القمر : 1 ]
و روينا من طريق البخاري : [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة و سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فرقتين فرقة فوق الجبل و فرقة دونه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اشهدوا ]
و ذكر القاضي عياض رحمه الله قال : و رواه عنه مسروق أنه كان بمكة و زاد : فقال كفار قريش : سحركم ابن أبي كبشة فقال رجل منهم : إن محمدا إن كان سحر القمر فإنه لا يبلغ من سحره أن يسحر الأرض كلها فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا فسألوا فأخبرهم أنهم رأوا مثل ذلك
و حكى المسرقندي عن الضحاك نحوه و قال : فقال أبو جهل : هذا سحر فابعثوا إلى أهل الآفاق حتى تنظروا أرأوا ذلك أم لا ؟ فأخبر أهل الآفاق أنهم رأوه منشقا فقالوا يعني الكفار : هذا سحر مستمر
و روينا من طريق الترمذي حدثنا عبد بن حميد : أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : سأل أهل النبي صلى الله عليه و سلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فنزلت { اقتربت الساعة و انشق القمر } إلى قوله { سحر مستمر } [ القمر : 1 ـ 2 ] يقول ذاهب
قال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد حدثنا محمد بن كثير حدثنا سليمان بن كثير عن حصين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : انشق القمر على عهد النبي صلى الله عليه و سلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل و على هذا الجبل فقالوا : سحرنا محمد فقال بعضهم : لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم و روي عن ابن عباس و ابن عمر و حذيفة و علي رضي الله عنهم (1/207)
و كانت الهجرة إلى أرض الحبشة مرتين فكان عدد المهاجرين في المرة الأولى اثني عشر رجلا و أربع نسوة ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عند قراءة سورة [ والنجم ] و سيأتي ذكر ذلك فلقوا من المشركين أشد مما عهدوا فهاجروا ثانية و كانوا ثلاثة و ثمانين رجلا إن كان فيهم عمار ففيه خلاف بين أهل النقل و ثماني عشرة امرأة إحدى عشرة قرشيات و سبعا غرباء و بعثت قريش في شأنهم إلى النجاشي مرتين الأولى عند هجرتهم و الثانية عقيب وقعة بدر و كان عمرو بن العاص رسولا في المرتين و معه في إحداهما عمارة بن الوليد و في الأخرى عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميان
و روى عبد الرزاق [ عن معمر عن الزهري قال : فلما كثر المسلمون و ظهر الإيمان أقبل كفار قريش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم و يؤذونهم ليردوهم عن دينهم قال : فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لمن آمن به : تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم قالوا : إلى أين نذهب ؟ قال : إلى ها هنا و أشار بيده إلى أرض الحبشة فهاجر إليها ناس ذوو عدد منهم من هاجر بأهله و منهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة ] فكان أول من خرج عثمان بن عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد قيل إن أول من هاجر إلى أرض الحبشة حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخو سهيل بن عمرو و قيل : هو سليط بن عمرو و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة هاربا عن أبيه بدينه و معه امرأته سهلة بنت سهيل مسلمة مراغمة لأبيها فارة عنه بدينها فولدت له بأرض محمد بن أبي حذيفة و مصعب بن عمير و عبد الرحمن بن عوف و أبو سلمة بن عبد الأسد و معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية و عثمان بن مظعون و عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب و معه امرأته ليلى أبي خيثمة بن غانم العدوية و أبو سبرة بن أبي رهم العامري و امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو و لم يذكرها ابن إسحاق فهي خامسة لهن و سهيل بن بيضاء و هو سهيل بن و هب بن ربيعة الفهري و عبد الله بن مسعود الهذلي فخرجوا متسللين سرا حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب و منهم الماشي فوفق الله لهم سفينتين للتجار حملوهم فيهما بنصف دينار و كان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من النبوة فخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر من حيث ركبوا فلم يجدوا أحدا منهم
ثم خرج جعفر بن أبي طالب في المرة الثانية و معه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه : محمدا و عبد الله و عونا و عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية و معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني و أخوه خالد بن سعيد و معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيدا و ابنته أم خالد و اسمها أمة و عبيد الله بن جحش و معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان فتنصر هناك ثم توفي على النصرانية و تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم حبيبة كما سيأتي إن شاء الله تعالى
و أخوه عبد الله بن جحش و قيس بن عبد الله حليف لبني أمية بن أمية بن عبد شمس معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب و معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف لبني العاص بن أمية و عتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل و يزيد ابن زمعة بن الأسود و عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد و الأسود بن نوفل بن خويلد ابن أسد و طليب بن عمير بن وهب أبي كبير بن عبد قصي و سويبط بن سعد بن حرملة ـ و يقال : حريملة ـ بن مالك العبدري و جهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدري معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن خزيمة من خزاعة و ابناه عمرو بن جهم و خزيمة بن جهم و أبو الروم بن عمير أخو مصعب بن عمير و فراس بن النضر بن الحارث بن كلدة و عامر بن أبي وقاص أخو سعد و المطلب بن أزهر بن عبد عوف معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمية ولدت له هناك عبد الله بن المطلب و عبد الله بن مسعود الهذلي و هو حليف له فنسب إليه و هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني و الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة و معه امرأته ريطة بنت الحارث التيمية فولدت له هناك : موسى و زينب و عائشة و فاطمة و عمرو بن عثمان بن عمرو التيمي عم طلحة
و شماس بن عثمان بن الشريد المخزومي و اسمه عثمان بن عفان و هبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال المخزومي و أخوه عبد الله بن سفيان و هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم و عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي و معتب بن عوف بن عامر الخزاعي و بعض الناس يقول : معتب حليف بني مخزوم و السائب ابن عثمان بن مظعون و عماه قدامة و عبد الله ابنا مظعون و حاطب و حطاب ابنا الحارث ابن معمر الجمحي و مع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامري و ولدت له هناك محمدا و الحارث ابني حاطب و مع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار و سفيان بن معمر بن حبيب الجمحي و معه ابناه جابر و جنادة و أمهما حسنة و أخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة و هو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي و قيل إنه من بني الغوث بن مر أخي تميم ابن مر و عثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح و خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السمي و سهم بن عمرو بن هصيص و أخوه عبد الله و قيس ابنا حذافة
و رجل من بني تميم اسمه سعيد بن عمرو و كان أخا بشر بن الحارث بن قيس بن عدي لأمه و هشام بن العاص أخو عمرو و عمير بن رئاب بن حذيفة السهمي و أبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي و إخوته الحارث ومعمر و سعيد و السائب و بشر و أخ لهم من أمهم من تميم يقال له سعيد بن عمرو و محمئة بن جزء الزبيدي حليف بني سهم و معمر بن عبد الله بن نضلة و يقال ابن عبد الله بن نافع بن نضلة العدوي و عروة بن عبد العزى بن حرثان العدوي و عن مصعب الزبيري عروة بن أبي أثاثة بن عبد العزى أو عمرو بن أبي أثاثة و عدي بن نضلة بن عبد العزى العدوي و ابنه النعمان و مالك بن ربيعة بن قيس العامري و امرأته عمرة بنت أسعد بن وقدان بن عبد شمس العامرية و سعد ابن خولة من أهل اليمن حليف لبني عامر بن لؤي و عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى و عبد الله بن سهيل بن عمرو و عماه سليط و السكران ابنا عمرو العامريون و امرأته سودة بنت زمعة و أبو عبيدة بن الجراح و عمرو بن أبي سرح بن ربيعة و عياض بن زهير ابن أبي شداد و عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد و سعد بن عبد قيس بن لقيط ابن عامر الفهريون و عمار بن ياسر و فيه خلاف بين أهل السير
و قال بعض أهل السير : إن أبا موسى الأشعري كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة و ليس كذلك و لكنه خرج في طائفة من قومه من أرضهم باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم الريح إلى أرض الحبشة فأقام هناك حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب
فلم نزل هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم و أقاموا بخير دار عند خير جار و طلبتهم قريش عنده فكان ذلك سبب إسلامه
قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي الحنبلي بالصالحية أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورنداز أخبرنا أبو القاسم محمود بن عبد الكريم أخبرنا أبو بكر ابن ماجة أخبرنا أبو جعفر عن أبي جعفر أحمد بن محمد بن المرزبان عن محمد بن إبراهيم ابن يحيى بن الحكم الحزوري عن محمد بن سليمان لوين حدثنا حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي ثمانين رجلا منهم عبد الله بن مسعود و جعفر و عبد الله بن عرفطة و عثمان بن مظعون رضي الله عنهم و بعثت قريش عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد بهدية فقدما على النجاشي فدخلا عليه و سجدا له و ابتدراه فقعد واحد عن يمينه و الآخر عن شماله فقالا : إن نفرا من بني عمنا نزلوا أرضك فرغبوا عنا و عن ملتنا قال : و أين هم ؟ قالوا : بأرضك فأرسل في طلبهم فقال جعفر رضي الله عنه : أنا خطيبكم اليوم فاتبعوه فدخل فسلم فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله عز و جل قالوا و لم ذاك ؟ قال : إن الله تعالى أرسل فينا رسولا و أمرنا أن لا نسجد إلا لله عز و جل و أمرنا بالصلاة و الزكاة قال عمرو بن العاص : فإنهم يخالفونك في ابن مريم و أمه قال : فما تقولون في ابن مريم و أمه ؟ قال : نقول كما قال الله عز و جل : روح الله و كلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول التي لم يمسها بشر و لم يفرضها ولد قال : فرفع النجاشي عودا من الأرض فقال : يا معشر الحبشة و القسيسين و الرهبان ! ما تزيدون على ما يقولون أشهد أنه رسول الله و أنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل و الله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته فأكون أنا الذي حمل نعليه و أوضئه قال : أنزلوا حيث شئتم و أمر بهدية الآخرين فردت عليهما
قال : و تعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرا
و قال : إنه لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم موته استغفر له
و لعمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص في هذا الوجه خبر مشهور ذكره أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني و غيره و قال عمرو يخاطب عمارة :
( إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ... و لم ينه قلبا غاويا حيث يمما )
( قضى وطرا منه و غادر سبة ... إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما )
لم يذكر ابن إسحاق مع عمرو إلا عبد الله بن أبي ربيعة في رواية زياد و في رواية ابن بكير لعمارة بن الوليد ذكر
فأقام المهاجرون بأرض الحبشة عند النجاشي في أحسن جوار فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة و ثلاثون رجلا و من النساء ثماني نسوة فمات منهم رجلان بمكة و حبس بمكة سبعة نفر و شهد بدرا منهم أربعة و عشرون رجلا فلما كان شهر ربيع الأول و قيل المحرم سنة سبع من هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام و بعث به مع عمرو بن أمية الضمري فلما قرئ عليه الكتاب أسلم و قال : لو قدرت أن آتيه لآتيته و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ففعل و أصدق عنه تسعمائة دينار و كان الذي تولى التزويج خالد بن سعيد بن العاص بن أمية و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه و يحملهم ففعل فجاؤوا حتى قدموا المدينة فيجدون رسول الله صلى الله عليه و سلم في خيبر فشخصوا إليه فوجدوه قد فتح خيبر فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين أن يدخلوهم في سهمانهم ففعلوا
و كان سبب رجوع الأولين الاثني عشر رجلا و من ذكر معهم من النساء فيما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ يوما على المشركين { و النجم إذا هوى } حتى بلغ { أفرأيتم اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى } [ النجم : 1 ـ 20 ] ألقى الشيطان كلمتين على لسانه [ تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترجى ] فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم بهما ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد و سجد القوم جميعا و رفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه و كان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود و يقال : إن أبا أحيحة سعد بن العاص أخذ ترابا فسجد عليه و يقال كلاهما فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : قد عرفنا أن الله يحيى و يميت و يخلق و يرزق و لكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فأما إذا جعلت لها نصيبا فنحن معك فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم من قولهم حتى جلس في البيت فلما أمسى [ أتاه جبريل فعرض عليه السورة فقال جبريل : ما جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه { و إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره و إذا لاتخذوك خليل } إلى قوله { ثم لا تجد لك علينا نصيرا } [ الإسراء : 73 ـ 75 ] ] قالوا : ففشت تلك السجدة في الناس حتى بلغت أرض الحبشة فقال القوم عشائرنا أحب إلينا فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون مكة بساعة من نهار لقوا ركبا من كنانة فسألوهم عن قريش فقال الركب : ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم و عادوا له بالشر فتركناهم على ذلك فائتمر القوم في الرجوع إلى أرض الحبشة ثم قالوا : قد بلغنا مكة فندخل فننظر ما فيه قريش و يحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع فدخلوا مكة و لم يدخل أحد منهم إلا بحوار إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة قال الواقدي : و كانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان و شهر رمضان و كانت السجدة في سهر رمضان فقدموا في شوال سنة خمس
قال السهيلي : ذكر هذا الخبر يعني خبر هذه السجدة موسى بن عقبة و ابن إسحاق من غير طريق البكائي و أهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة و من صححه قال فيه أقوالا : منها أن الشيطان قال ذلك و أشاعه و الرسول لم ينطق به و هذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل قال لمحمد : ما أتيتك بهذا و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قالها من قبل نفسه و عنى بها الملائكة أن شفاعتهم لترتجي و منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قالها حاكيا عن الكفرة و أنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم قال : و الحديث على ما خيلت غير مقطوع بصحته
قلت : بلغني عن الحافظ عبد العظيم المنذري رحمه الله أنه كان يرد هذا الحديث من جهة الرواية بالكلية و كان شيخنا الحافظ عبد المؤمن الدمياطي يخالفه في ذلك و الذي عندي في هذا الخبر أنه جار مجرى ما يذكر من أخبار هذا الباب من المغازي و السير و الذي ذهب إليه كثير من أهل العلم الترخص في الرقائق و ما لا حكم فيه من أخبار المغازي و ما يجري مجرى ذلك و أنه يقبل فيها ما لا يقبل في الحلال و الحرام لعدم تعلق الأحكام بها و أما هذا الخبر فينبعي بهذا الاعتبار أن يرد لما يتعلق به إلا إن يثبت بسند لا مطعن فيه بوجه و لا سبيل إلى ذلك فيرجع إلى تأويله (1/209)
قرأت على عبد الرحيم بن يوسف المزي أخبركم أبو حفص بن طبرزذ قال : [ أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي أخبرنا أبو علي الحسن بن غالب الحربي حدثنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد المالكي القاضي حدثنا الحسين بن إسحاق حدثنا أبو علقمة عبد الله بن عيسى الفروي حدثنا عبد المالك بن الماجشون عن الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ] و قرأت على أبي الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو الفراء بسفح قاسيون أخبركم أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي فأقر به قال : أخبرنا الشيخان الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني و أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد بن البن الأسدي قالا : أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي العلاء أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر التميمي أخبرنا أبو خيثمة بن سليمان حدثنا محمد بن عوف حدثنا سفيان الطائي قال : قرأت على إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال : ذكره أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال : قال لنا عمر بن الخطاب : أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي ؟ قلنا : نعم قال : كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة إذ لقيني رجل من بعض قريش فقال لي أين تذهب يا ابن الخطاب ؟ أنت تزعم أنك هكذا و قد دخل عليك هذا الأمر في بيتك ! قال : قلت : و ما ذاك ؟ قال : أختك قد صبأت قال فرجعت مغضبا و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع الرجل و الرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوة فيكونان معه و يصيبان من طعامه قال : و قد ضم إلى زوج أختي رجلين قال : فجئت حتى قرعت الباب فقيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب قال : و كان القوم جلوسا يقرؤون صحيفة معهم قال : فلما سمعوا صوتي تبادروا و اختفوا و تركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم قال : فقامت المرأة ففتحت لي
قال : فقلت لها : يا عدوة نفسها قد بلغني أنك قد صبأت قال : فأرفع شيئا من يدي فأضربها به قال : فسال الدم قال : فلما رأت المرأة الدم بكت ثم قالت : يا ابن الخطاب ! ما كنت فاعلا فافعل فقد أسلمت قال : فدخلت و أنا مغضب قال : فجلست على السرير فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت فقلت : ما هذا الكتاب أعطينه فقالت : لا أعطيكه لست من أهله أنت لا تغتسل من الجنابة و لا تطهر و هذا لا يمسه إلا المطهرون قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه { بسم الله الرحمن الرحيم } قال : فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت و رميت بالصحيفة من يدي قال : ثم رجعت إلي نفسي فإذا فيها { سبح لله ما في السموات و الأرض و هو العزيز الحكيم } [ الحديد : 1 ] قال : فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عز و جل ذعرت ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت { آمنوا بالله و رسوله و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } حتى بلغ إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } [ الحديد : 7 ـ 8 ] قال : فقلت أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فخرج القوم يتباردون بالتكبير استبشارا بما سمعوا مني و حمدوا الله عز و جل ثم قالوا : يا ابن الخطاب أبشر فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا يوم الاثنين فقال : [ اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين إما بأبي جهل بن هشام و إما بعمر بن الخطاب ] و إنا نرجو أن تكوني دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك فأبشر قال : فلما أن عرفوا مني الصدق قلت لهم : أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : هو في بيت في أسفل الصفا و صفوه قال : فخرجت حتى قرعت الباب قيل : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب قال : قد عرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يعلموا إسلامي قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح الباب قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده ] قال : ففتحوا لي و أخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ أرسلوه ] قال : فأرسلوني فجلست بين يديه قال : [ فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه ثم قال : أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده ] قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة قال : و قد كان الرجل إذا أسلم استخفى ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلا إذا أسلم ضرب إلا رأيته قال : فلما رأيت ذلك قلت لا أحب أن لا يصيبني ما يصيب المسلمين قال : فذهبت إلى خالي و كان شريفا فيهم فقرعت الباب عليه فقال : من هذا ؟ قلت : ابن الخطاب قال : فخرج إلي فقلت له : أشعرت أني قد صبأت قال : نعم فقلت : نعم ! قال : لا تفعل قال : قلت : بلى قد فعلت قال : لا تفعل فأجاف الباب دوني و تركني قال قلت : ما هذا بشيء ؟ قال : فخرجت حتى جئت رجلا مع عظماء قريش فقرعت عليه الباب قال : من هذا ؟ قلت : عمر بن الخطاب قال فخرج إلي فقلت له : أشعرت أني قد صبأت فقال : أو فعلت ؟ قلت : نعم قال : فلا تفعل قلت : قد فعلت قال : لا تفعل ثم قام فدخل فأجاف الباب دوني قال : فلما رأيت ذلك انصرفت فقال لي رجل : تحب أن يعلم إسلامك ؟ قال : قلت : نعم قال : فإذا جلس الناس في الحجر و اجتمعوا أتيت فلانا ـ رجلا لم يكن يكتم السر ـ فاصغ إليه فقل له فيما بينك و بينه : إني قد صبأت فإنه سوف يظهر عليك ذلك و يصيح و يعلنه قال : فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى الرجل فدنوت منه فأصغيت إليه فيما بيني و بينه فقلت : أعلمت أني قد صبأت قال : فقال : أصبأت ؟ قلت : نعم قال : فرفع صوته بأعلاه فقال : ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال : فما زال الناس يضربوني و أضربهم قال : فقال خالي : ما هذا ؟ قال : فقيل : ابن الخطاب قال : فقام علي في الحجر فأشار بكلمه فقال : ألا إني قد أجرت ابن أختي قال : فانكشف الناس عني قال : و كنت لا أشاء أن أرى أحد من المسلمين يضرب إلا رأيته و أنا لا أضرب قال : فقلت : ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين قال : فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت : اسمع ؟ قال : قلت : جوارك عليك رد قال : فقال : لا تفعل يا ابن أختي قال : قلت : بلى هو ذاك فقال : ما شئت قال : فما زلت أضرب و أضرب حتى أعز الله الإسلام
و روينا هذا الخبر من طريق ابن إسحاق و فيه قال : و كان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة و كانت عند سعيد بن زيد كانت قد أسلمت و أسلم زوجها سعيد و هم مستخفون بإسلامهم من عمر و كان نعيم النحام ـ رجل من قومه ـ قد أسلم و فيه : أن عمر خرج متوشحا سيفه يقصد رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه و هم قريب من أربعين بين رجال و نساء و أن الذي قال له ما قال نعيم و أن خبابا كان في بيت أخته يقرئهم القرآن و أن الذي كان في الصحيفة سورة { طه } و أن الذي أذن في دخوله على رسول الله صلى الله عليه و سلم حمزة بن عبد المطلب و الرجل الذي صرح بإسلام عمر عندما قاله له جميل بن معمر الجمحي الذي يقال له ذو القلبين و فيه نزلت { لا جعل الله لرجل من قلبين في جوفه } [ الأحزاب : 4 ] على أحد الأقوال و فيه يقول الشاعر :
( و كيف ثوائي بالمدينة بعد ما ... قضى وطرا منها جميل بن معمر ؟ )
و رويناه من طريق ابن عائذ قال : أخبرني الوليد بن مسلم قال : حدثني عمر بن محمد قال : حدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر فذكر القصة و فيها : فأتيته بصحيفة فيها { طه } فقرأ فيها ما شاء الله قال عمر : فلما بلغ { قلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها و اتبع هواه فتردى } [ طه : 16 ] قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و فيها : قالوا يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب يستفتح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ائذنوا له فإن يرد الله به خيرا بهذه و إلا كفيتكموه بإذن الله ] قال محمد يعني ابن عائذ ـ و هذا وهم و إنما الذي قال : فإن يرد الله به خيرا يهده و إلا كفيتكموه : حمزة
و في الخبر عن ابن عائذ قال عمر : فحدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أن أباه زيد بن عبد الله بن عمر حدثه عن عبيد الله بن عمر قال : فبينا هو خائف على نفسه إذا جاءه العاص بن وائل عليه حلة و قميص مكفف بالحرير فقال : ما لك يا ابن الخطاب قال : زعم قومك أنهم سيقتلونني إذا أسلمت قال العاص : لا سبيل إليك فما عدا أن قالها العاص فأمنت عليه قال عبد الله بن عمر فخرج عمر و العاص فإذا الوادي قد سال بالناس فقال لهم : أين تريدون ؟ قالوا : هذا الذي خالف دين قومه قال : لا سبيل إليه فارجعوا فرجعوا
و ذكر محمد بن عبد الله بن سنجر الحافظ فيما رأيته عنه بإسناده إلى شريح بن عبيد قال : قال عمر بن الخطاب : خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف القرآن فقلت هذا و الله شاعر كما قالت قريش فقرأ { إنه لقول رسول كريم و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } [ الحاقة : 40 ـ 41 ] قال : قلت : كاهن علم ما في نفسي فقرأ { و لا يقول كاهن قليلا ما تذكرون } [ الحاقة : 42 ] إلى آخر السورة قال : فوقع الإسلام في قلبي كل موقع
و قد ذكر غير هذا في خبر إسلام عمر رضي الله عنه أيضا فالله أعلم أي ذلك كان
أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي و أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني قراءة عليهما و أنا حاضر في الرابعة قال الأول : أخبرنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع و قال الثاني : أخبرنا أبو علي بن الخريف قراءة عليه و أنا حاضر أسمع في الخامسة قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري أخبرنا أبو الحسين محمد ابن أحمد بن حسنون أخبرنا معافى بن إبراهيم بن زكريا بن طرار أخبرنا أبو عبد الله يعني البغوي حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن مجاهد عن ابن عباس قال : لما أسلم عمر رضي الله عنه نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر رضي الله عنه رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن عبد الله بن خراش (1/216)
قال أبو عمر : أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود و أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا مطرف ابن عبد الرحمن بن قيس حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب و أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قالا : حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض قال : ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم و اتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : قد أفسد أبناءنا و نساءنا فقالوا لقومه : خذوا منا دية مضاعفة و يقتله رجل من غير قريش و تريحوننا و تريحون أنفسكم فأبى قومه بنو هاشم من ذلك فظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم و إخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة و كانت متجرا لقريش و كان يثنى على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد فانطلق إليها عامة من آمن بالله و رسوله و دخل بنو هاشم و بنو المطلب شعبهم مؤمنهم و كافرهم فالمؤمن دينا و الكافر حمية فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد منعه أجمعوا على أن لا يبايعوهم و لا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق و قطعوا عنهم الأسواق و لم يتركوا طعاما و لا إداما و لا بيعا إلا بادروا إليه و اشتروه دونهم و لا يناكحوهم و لا يقبلوا منهم صلحا أبدا و لا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتل و كتبوا بذلك صحيفة و علقوها في الكعبة و تمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم و على كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصي ممن ولدتهم بنو هاشم و من سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر و البراءة و بعث الله على صفيحتهم الأرضة فأكلت و لحست ما في الصحيفة من ميثاق و عهد و كان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين و لم تترك الأرضة في الصحيفة اسما لله عز و جل إلا لحسته و بقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم فأطلع الله رسوله على ذلك فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي طالب فقال أبو طالب : لا و الثواقب ما كذبتني فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب حتى أتوا المسجد و هم خائفون لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك و ظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم برمته إلى قريش فتكلم أبو طالب فقال : قد جرت أمور بيننا و بينكم لم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا و بينكم صلح و إنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يدفع إليهم فوضعوها بينهم و قالوا لأبي طالب قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا و على أنفسكم فقال أبو طالب : إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا و بينكم إن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما إلا لحسته و تركت فيها غدركم و تظاهرتم علينا بالظلم فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا فلا و الله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا و إن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقلتم أو استحييتم فقالوا : قد رضينا بالذي تقول : ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : هذا سحر ابن أخيك و زادهم ذلك بغيا و عدوانا
و قال ابن هشام : و ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي طالب : يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما إلا أثبتته و نفت منها القطيعة و الظلم و البهتان قال : أربك أخبرك بهذا ؟ قال : نعم قال فو الله ما يدخل عليك أحد ثم خرج إلى قريش فقال : يا معشر قريش ! إن ابن أخي أخبرني و ساق الخبر بمعنى ما ذكرناه
و قال ابن إسحاق و ابن عقبة و غيرهما : و ندم منهم قوم فقالوا : هذا بغي منا على إخواننا و ظلم لهم فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث العامري و هو كان كاتب الصحيفة و أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى و المطعم بن عدي إلى هنا انتهى خبر ابن لهيعة عن أبي الأسود يتيم عروة و موسى ابن عقبة عن ابن شهاب
و ذكر ابن إسحاق فيهم زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي و زمعة بن الأسود بن المطلب و ذكر ابن إسحاق في أول هذا الخبر قال : و قد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام و معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة و هي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب فتعلق به و قال : أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ؟ قال له أبو البختري : طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن تأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فأبي أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه و وطئه وطئا شديدا
و ذكر أبو عبد الله محمد بن سعد : هشام بن عمرو العامري المذكور و قال : كان أوصل قريش لبني هاشم حين حصروا في الشعب أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعاما فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه حين أصبح فكلموه في ذلك فقال : إني غير عائد لشيء خالفكم فانصرفوا عنه ثم عاد الثانية فأدخل عليهم ليلا حملا أو حملين فغالظته قريش وهمت به فقال أبو سفيان بن حرب : دعوه رجل وصل أهل رحمه أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثا ما فعل كان أحسن بنا
و عن ابن سعد : و كان الذي كتب الصحيفة بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار بن قصي فشلت يده
و حصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان خروجهم في السنة العاشرة و قيل مكثوا في الشعب سنتين (1/222)
قال ابن إسحاق : ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه و كلموه و سألوه و رجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الله و تلا عليهم القرآن فلما سمعوه فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له و آمنوا به و صدقوه و عرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم : خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم و صدقتموه بما قال ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قالوا فقالوا لهم : سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه و لكم ما أنتم عليه لم نأل من أنفسنا خيرا و يقال : إن النفر من النصارى من أهل نجران و يقال : فبهم نزلت { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون و إذ يتلى عليهم قالوا آمنا به } إلى قوله { لا نبتغي الجاهلين } [ القصص : 52 ـ 55 ]
و قال الزهري ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي و أصحابه (1/226)
روينا عن الدولابي حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي حدثنا زهير بن العلاء حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : توفيت خديجة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين و هي أول من آمن بالنبي صلى الله عليه و سلم
قال : و حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثني يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : ثم إن خديجة بنت خويلد و أبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه و سلم مصيبتان هلاك خديجة و أبي طالب و كانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسكن إليها قال : و قال زياد البكائي عن ابن إسحاق : إن خديجة و أبا طالب هلكا في عام واحد و كان هلاكهما بعد عشر سنين مضين من مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك قبل مهاجره صلى الله عليه و سلم إلى المدينة بثلاث سنين
و ذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام و ذكر البيهقي نحوه و عن الواقدي : توفيت خديجة قبل أبي طالب بخمس و ثلاثين ليلة و قيل غير ذلك
فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه من حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيته و التراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب و هي تبكي و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ لا تبكي يا بنية فإن الله مانع أباك و يقول بين ذلك : ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ] قال : و لما اشتكى أبو طالب و بلغ قريشا ثقله قال بعضهم لبعض : إن حمزة و عمر قد أسلما و قد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه و ليعطه منا فإنا و الله ما نأمن أن ببتزونا أمرنا فمشوا إلى أبي طالب و كلموه و هم أشراف قومه : عتبة و شيبة ابنا ربيعة و أبو جهل بن هشام و أمية بن خلف و أبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم فقالوا : يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت و قد حضرك ما ترى و تخوفنا عليك و قد علمت الذي بيننا و بين ابن أخيك فادعه و خذ له منا و خذ لنا منه ليكف عنا و نكف عنه و ليدعننا و ديننا و ندعه و دينه فبعث إليه أبو طالب فجاءه فقال : يا ابن أخي هؤلاء أشراف قومك و قد اجتمعوا لك ليعطوك و ليأخذوا منك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم كلمة واحدة تعطونيها و تملكون بها العرب و تدين لكم بها العجم فقال أبو جهل : نعم و أبيك وعشر كلمات قال : [ تقولون لا إله إلا الله و تخلعون ما تعبدون من دونه ] قال : فصفقوا بأيديهم ثم قالوا : يا محمد أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا إن أمرك لعجب ثم قال بعضهم لبعض : و الله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون فانطلقوا و امضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم و بينه ثم تفرقوا فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه و سلم : و الله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطا فلما قال طمع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه فجعل يقول له : [ أي عم فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة ] فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : يا ابن أخي و الله لولا مخافة السبة عليك و على بني أبيك من بعدي و أن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه فأصغى إليه بأذنه فقال : يا ابن أخي و الله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بقولها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لم أسمع ] كذا في رواية ابن إسحاق أنه أسلم عند الموت
و قد روي أن عبد الله بن عبد المطلب و آمنة بنت وهب أبوي النبي صلى الله عليه و سلم أسلما أيضا و أن الله قد أحياهما له فآمنا به و روي ذلك أيضا في حق جده عبد المطلب و هي روايات لا معول عليها و الصحيح من ذلك ما رويناه من طريق مسلم : [ حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني سعيد ابن المسيب عن أبيه أنه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجد عنده أبا جهل و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا عم قا لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل و عبد الله بن أمية : يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرضها عليه و يعيدان له تلك المقالة حتى قال أبو طالب ـ آخر ما كلمهم ـ هو على ملة عبد المطلب و أبى أن يقول لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما و الله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز و جل { ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } [ التوبة : 113 ] و أنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه و سلم { إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء و هو أعلم بالمهتدين } [ القصص : 56 ] ] و رواه مسلم من حديث أبي هريرة أيضا و فيه : لولا أن تعيرني قريش يقولون : إنما حمله على ذلك الخرع لأقررت بها عينك
و في الصحيح [ من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار ]
[ و عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أهون أهل النار في النار عذابا أبو طالب و هو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه ] [ أخبرنا عبد الرحيم المزي بقراءة والدي عليه أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج أخبرنا أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إن أبا طالب مات فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اذهب فواره فقال : إنه مات مشركا قال : اذهب فواره فلما واريته رجعت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لي : اغتسل ]
و أخبرنا أبو الفضل بن الموصلي قال : [ أخبرنا أبو علي بن سعادة الرصافي أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني أخبرنا الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن أبي رزين عمه قال : يا رسول الله ! أين أمي ؟ قال : أمك في النار قال : فأين من أهلك ؟ قال : أما ترضى أن تكون أمك مع أمي ؟ ! ] قال عبد الله : قال أبي : الصواب حدس
و ذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حصله أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل راقيا في المقامات السنية صاعدا في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه و أزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه و سلم بعد أن لم تكن و أن يكون الإحياء و الإيمان متأخرا عن تلك الأحاديث فلا تعارض
و قال السهيلي : شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعدما أسلم كانت مقبولة لأن العدل إذا قال سمعت و قال من هو أعدل منه لم أسمع أخذ بقول من أثبت السماع و لكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم
قلت : قد أسلم العباس بعد ذلك و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن حال أبي طالب فيما أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف بقراءة أبي عليه و قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل قال : [ أخبرنا أبو حفص بن طبرزد قال : أخبرنا ابن الحصين أخبرنا أبو طالب ابن غيلان أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عبد الملك بن عمير قال : سمعت عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : سمعت العباس يقول : قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحفظك و ينصرك فهل نفعه ذلك قال : نعم و جدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ] صحيح الإسناد مشهور متفق من حديث العباس في الصحيحين
و لو كانت هذه الشهادة عنده لأداها بعد إسلامه و علم حال أبي طالب و لم يسأل و المعتبر حالة الأداء دون التحمل
و فيما ذكره السهيلي أن الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة فأسلم و حسن إسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن أبيه عن رجال من بني سعد بن بكر (1/226)
و ذلك في ليال بقين من شوال سنة عشر من النبوة قال ابن إسحاق :
[ و لما هلك أبو طالب و نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم تكن تنال منه في حياته خرج إلى الطائف و حده ـ و قال ابن سعد : و معه زيد بن حارثه ـ يلتمس النصرة من ثقيف و المنعة بهم من قومه و رجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله فلما انتهى إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف و هم يومئذ سادة ثقيف و أشرافهم و هم إخوة ثلاثة : عبد ياليل و مسعود و حبيب بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف و عند أحدهم من قريش من بني جمح فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و كلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام و القيام معه على من خالفه من قومه فقال له أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر : أما وجد الله أحدا يرسله غيرك و قال الثالث : و الله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم من عندهم و قد يئس من خير ثقيف و قد قال لهم ـ فيما ذكر لي ـ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي و كره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك عليه فلم يفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يصيحون به حتى اجتمع عليه الناس
قال موسى بن عقبة : قعدوا له صفين على طريقه فلما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه و لا يضعها إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدموا رجليه
زاد سليمان التيمي : أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه فإذا مشى رجموه و هم يضحكون
و قال ابن سعد : و زيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج في رأسه شجاجا
قال ابن عقبة : فخلص منهم و رجلاه تسيلان دما فعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل حبلة منه و هو مكروب موجع و إذا في الحائط عتبة و شيبة ابنا ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عدواتهما لله و رسوله قال : فلما رآه ابنا ربيعة و ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له : خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال له : كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه يده قال : بسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال : و الله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ و ما دينك ؟ قال : نصراني و أنا من أهل نينوى فقال له : كل فلما وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم في يده قال : بسم الله ثم أكل فنظر عداس في وجهه ثم قال : و الله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و من أي البلاد أنت يا عداس ؟ و ما دينك ؟ قال : نصراني و أنا من أهل نينوى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال له عداس : و ما يدريك لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي قالا : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه ]
و روينا في الصحيح [ من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك و كان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت على وجهي و أنا مهموم فلم أستفق إلا و أنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك و ما ردوا عليك و قد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي فقال : يا محمد ذلك لك فما شئت ؟ و إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ]
و ذكر ابن هشام : [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عن أهل الطائف و لم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه و نصرته صار إلى حراء ثم بعث إلى الأخنس بن شريق لجيره فقال : أنا حليف و الحليف لا يجير فبعث إلى سهيل بن عمرو فقال : إن بني عامر لا تجير على بني كعب فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ثم تسلح المطعم و أهل بيته و خرجوا حتى أتوا المسجد ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ادخل فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف بالبيت و صلى عنده ثم انصرف إلى منزله
و لأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في أسارى بدر : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له ] (1/231)
و في انصراف رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف مر به النفر من الجن و هو بنخلة كما سيأتي إن شاء الله تعالى و هم فيما ذكر ابن إسحاق سبعة من جن نصيبين و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قام من جوف الليل و هو يصلي و الخبر بذلك ثابت [ من طريق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني سماعا عليه ؟ فأقر به أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل أخبرنا أبو الحسين بن مكي أخبرنا القاضي أبو الحسن الحلبي قال : حدثني إسحاق بن محمد بن يزيد قال : حدثنا أبو داود ـ يعني سليمان بن سيف ـ حدثنا أيوب بن خالد حدثنا الأوزاعي حدثني إبراهيم ابن طريف حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : حدثني عبد الله بن مسعود قال :
كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة صرف الله النفر من الجن ] الحديث
و روينا من حديث أبي المعلى [ عن عبد الله بن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل الهجرة إلى نواحي مكة فخط لي خطا و قال : لا تحدثن شيئا حتى آتيك
ثم قال : لا يروعنك أو لا يهولنك شيء تراه ثم جلس فإذا رجال سود كأنهم رجال الزط قال : و كانوا كما قال الله : { كادوا يكونون عليه لبدا } [ الجن : 19 ] فأردت أن أقوم فأذب عنه بالغا ما بلغت ثم ذكرت عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فمكثت ثم إنهم تفرقوا عنه فسمعتهم يقولون : يا رسول الله إن شقتنا بعيدة و نحن منطلقون فزودنا الحديث و فيه : فلما و لوا قلت : من هؤلاء ؟ قال هؤلاء جن نصيبين ]
[ و روينا من حديث أبي عبد الله و فيه قال : ثم شبك أصابعه في أصابعي و قال : إني و عدت أن تؤمن بي الجن و الإنس فأما الإنس فقد آمنت بي و أما الجن فقد رأيت ]
و روى أبو عمر [ من طريق أبي داود حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال : لما كانت ليلة الجن أتت النبي صلى الله عليه و سلم سمرة فآذنته بهم فخرج إليهم ]
قال أبو داود حدثنا هارون بن معروف حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة أن مسروقا قال له : أبوك أخبرنا أن شجرة أنذرت النبي صلى الله عليه و سلم بالجن
و روينا حديث أبي فزارة [ عن أبي زيد عمرو بن مولى بن حريث حدثنا عبد الله بن مسعود قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إني قد أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن فليقم معي رجل منكم و لا يقم رجل في قلبه مثقال حبة خردل من كبر فقمت معه و أخذت إداوة فيها نبيذ فانطلقت معه فلما برز خط لي خطا و قال لي : لا تخرج منه فإنك إن خرجت لم ترني و لم أراك إلى يوم القيامة قال : ثم انطلق فتوارى عني حتى لم أره فلما سطع الفجر أقبل فقال لي : أراك قائما فقلت ما قعدت فقال : ما عليك لو فعلت قلت : خشيت أن أخرج منه فقال : أما إنك لو خرجت منه لم ترني و لم أراك إلى يوم القيامة هل معك وضوء ؟ قلت : لا فقال : ما هذه الإداوة ؟ قلت : فيها نبيذ قال : تمرة طيبة و ماء طهور فتوضأ و أقام الصلاة فلما قضى الصلاة قام إليه رجلان من الجن فسألاه المتاع فقال : ألم آمر لكما و لقومكما بما يصلحكما ؟ قالا : بلى و لكن أحببنا أن يشهد بعضنا معك الصلاة فقال : ممن أنتما ؟ قالا : من أهل نصيبين فقال : أفلح هذان و أفلح قومهما و أمر لهما بالروث و العظم طعاما ولحما و نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يستنجي بعظم أو روثة ]
رويناه من حديث قيس بن الربيع و هذا لفظه
و من حديث الثوري و إسرائيل و شريك و الجراح بن مليح و أبي عميس كلهم عن أبي فزارة
و غير طريق أبي فزارة عن أبي زيد لهذا الحديث أقوى منها للجهالة الواقعة في أبي زيد ولكن أصل الحديث مشهور عن ابن مسعود من طرق حسان متظافرة يشهد بعضها لبعض ويشد بعضها بعضا و لم تتفرد طريق أبي زيد إلا بما فيها من التوضؤ بنبيذ التمر وليس ذلك مقصودنا الآن و يكفي من أمر الجن مافي سورة الرحمن و سورة قل أوحي إلي و سورة الأحقاف { و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن } [ الأحقاف : 29 ] الآيات
و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يشعر بالجن و هم يستمعون له يقرأ حتى نزلت عليه { و إذ صرفنا إليك نفر من الجن } الآية
و روينا عن ابن هشام قال : حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي و غيره من مشائخ بكر بن وائل من أهل العلم أن أعشى بني قيس بن ثعلبة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد الإسلام فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداو بت كما بات السليم مسهدا )
( ألا أيهذا السائلي أين يممت فإن لها في أهل يثرب موعدا )
( و آوليت لا آوي لها من كلالة ... و لا من حفا حتى تلاقي محمدا )
( متى ما تناخى عند باب ابن هاشم تراحي و تلقي من فواضله ندى )
( نبيا يرى ما لا ترون و ذكرهأغار لعمري في البلاد و أنجدا )
( له صدقات ما تغب و نائل و ليس عطاء اليوم مانعه غدا )
( أجدك لم تسمع وصاة محمدنبي الإله حين أوصى و أشهدا )
( إذا أنت لم ترحل بزاد من التقىو لاقيت بعد الموت من قد تزودا )
( ندمت على أن لا تكون كمثله فترصد للموت الذي كان أرصدا )
فلما كان بمكة أو قريبا منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ليسلم فقال له : يا أبا صبير ! فإنه يحرم الزنا
فقال الأعشى : و الله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرب فقال : يا أبا بصير فإنه يحرم الخمر قال الأعشى : أما هذه فو الله إن في النفس منها لعلالات و لكني منصرف أرتوي منها عامي هذا ثم آتيه فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك و لم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله : [ لا آوي لها من كلالة ] أي لا أرق و في هذه الأبيات عن غير ابن هشام بعد قوله أغار لعمري في البلاد و أنجدا :
( به أنقذا الله الأنام من العمى ... و ما كان فيهم من يريع إلى هدى )
و قوله : فلما كان بمكة و هم ظاهر لأن تحريم الخمر إنما كان بعد أحد و في الأبيات : [ فإن لها في أهل يثرب موعدا ] و هو أيضا مما يبين ذلك و الله أعلم (1/234)
روينا عن محمد بن سعد [ أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف الدوسي و كان له حلف في قريش قال : كان الطفيل شريفا شاعرا نبيلا كثير الضيافة فقدم مكة و رسول الله صلى الله عليه و سلم بها فمشى إليه رجال من قريش فقالوا : يا طفيل إنك قدمت بلادنا و هذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا و فرق جماعتنا و شتت أمرنا و إنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل و أبيه و بين الرجل و أخيه قال : فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا و لا أكلمه فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله فمكثت حتى انصرف إلى بيته فقلت : يا محمد ! إن قومك قالوا لي كذا و كذا حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك فاعرض علي أمرك فعرض عليه الإسلام و تلا عليه القرآن فقال : لا و الله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا و لا أمرا أعدل منه فأسلمت فقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي و أنا راجع إليهم فداعبهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون لي عونا عليهم قال : اللهم اجعل له آية فخرجت حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة فتحول في رأسي سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل المعلق قال : فأتاني أبي فقلت له قال : ديني دينك فأسلم ثم ائتني صاحبتي فذكر مثل ذلك فأسلمت ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فقلت يا رسول الله ! قد غلبتني دوس فادع الله عليهم فقال : اللهم اهد دوسا فخرجت إليهم ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن أسلم من قومي و هو بخيبر بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس فأسهم لنا مع المسلمين و قلنا : يا رسول الله ! اجعلنا ميمنتك و اجعل شعارنا [ مبرور ]
ففعل ثم قلت بعد فتح مكة يا رسول الله ! ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه فبعثه و جعل الطفيل يقول :
( يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أكبر من ميلادكا )
( إن حشت النار في فؤادكا )
قال : فلما أحرقته أسلموا جميعا ثم قتل الطفيل باليمامة شهيدا ] و الخبر عند ابن سعد طويل و أنا اختصرته (1/239)
قرأت على أبي عبد الله بن أبي الفتح الصوري أخبركم الشيخان أبو مسلم المؤيد ابن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة و أم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر القرشية إجازة قالا : [ أخبرنا أبو الفرج سعيد بن الرجاء الصيرفي قراءة عليه و نحن نسمع بأصبهان أخبرنا أبو نصر إبراهيم بن محمد بن علي الأصبهاني الكسائي أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرئ أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى حدثنا محمد بن إسماعيل بن علي الوساوسي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن أبي صالح مولى أم هانئ عن أم هانىء قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم بغلس و أنا على فراشي فقال : أشعرت أني نمت الليلة في السمجد الحرام فأتاني جبريل عليه السلام فذهب بي إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض فوق الحمار و دون البغل مضطرب الأذنين فركبته فكان يضع حافره مد بصره إذا أخذ في هبوط طالت يداه و قصرت رجلاه و إذا أخذ في صعود طالت رجلاه و قصرت يداه و جبريل عليه السلام لا يفوتني حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس فأوثقته بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها فنشر لي رهط من الأنبياء فيهم إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام فصليت بهم و كلمتهم و أتيت بإناءين أحمر و أبيض فشربت الأبيض فقال لي جبريل عليه السلام : شربت اللبن و تركن الخمر لو شربت الخمر لارتدت أمتك ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام فصليت به الغداة
فتعلقت بردائه و قلت أنشدك الله ابن عم إن تحدث بهذا قريشا فيكذبك من صدقك فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي فارتفع عن بطنه فنظرت إلى عكنه فوق ردائه و كأنه طي القراطيس و إذا نور ساطع عند فؤاده كاد يخطف بصري فخررت ساجدت فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج فقلت لجاريتي نبعة ويحك ! اتبعيه فانظري ماذا يقول ؟ و ماذا يقال له ؟ فلما رجعت نبعة أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى إلى نفر من قريش في الحطيم فيهم المطعم بن عدي بن نوفل و عمرو بن هشام و الوليد بن المغيرة فقال : إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد و صليت به الغداة و أتيت فيما بين ذلك بيت المقدس فنشر لي رهط من الأنبياء منهم إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام فصليت بهم و كلمتهم فقال عمرو بن هشام كالمستهمزئ صفهم لي فقال : أما عيسى ففوق الربعة و دون الطويل عريض الصدر ظاهر الدم جعد الشعر يعلوه صهبة كأنه عروة بن مسعود الثقفي و أما موسى عليه السلام فضخم آدم طويل كأنه من رجال شنوءة كثير الشعر غائر العينين متراكب الأسنان مقلص الشفتين خارج اللثة عابس و أما إبراهيم عليه السلام فو الله إنه لأشبه الناس بي خلقا و خلقا فضجوا و أعظموا ذلك فقال المطعم بن عدي بن نوفل : كل لأمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم أشهد أنك كاذب نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا و منحدرا شهرا تزعم أنك أتيته في ليلة و اللات و العزى لا أصدقك و ما كان هذا الذي تقول قط و كان للمطعم بن عدي حوض على زمزم أعطاه إياه عبد المطلب فهدمه فأقسم باللات و العزى لا يسقي منه قطرة أبدا فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا مطعم بئس ما قلت لابن أخيك جبهته و كذبته أنا أشهد أنه صادق فقال : يا محمد صف لنا بيت المقدس قال : دخلته ليلا و خرجت منه ليلا فأتاه جبريل عليه السلام فصوره في جناحه فجعل يقول باب منه كذا في موضع كذا و باب منه كذا في موضع كذا و أبو بكر رضي الله عنه يقول : صدقت صدقت قالت نبعة فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يومئذ : يا أبا بكر إن الله عز و جل قد سماك الصديق قالوا : يا مطعم دعنا نسأله عما هو أغنى لنا من بيت المقدس يا محمد أخبرنا عن عيرنا فقال : أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا ناقة لهم و انطلقوا في طلبها فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد و إذا قدح ماء فشربت منه فسلوهم عن ذلك فقالوا : هذه و اللات و العزى آية ثم انتهيت إلى عير بني فلان مني الإبل و برك منها جمل أحمر عليه جوالق مخطط ببياض و لا أدري أكسر البعير أم لا ؟ فاسألوهم عن ذلك فقالوا : هذه و الآلهة آية ثم انتهيت إلى عير بني فلان بالأبواء يقدمها جمل أوراق ها هي تطلع عليكم من الثنية فقال الوليد بن المغيرة : ساحر فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال فرموه بالسحر و قالوا : صدق الوليد بن المغيرة فيما قال و أنزل الله تبارك و تعالى { و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس و الشجرة الملعونة في القرآن } قلت يا أم هانئ ما الشجرة الملعونةفي القرآن ؟ قالت : الذين خوفوا فلم يزدهم التخويف إلا طغيانا كبيرا ]
و روينا من طريق البخاري [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال سمعت جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطففت أخبرهم عن آياته و أنا أنظر إليه ]
و قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بن القواس بعربيل بغوطة دمشق أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني في الرابعة فأقر به قال [ أخبرنا جمال الإسلام أبو الحسن علي ابن المسلم السلمي قال أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب سماعا أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميع حدثنا محمد بن صالح بن زكريا ابن يحيى بن داود بن زكريا العثماني حدثنا أحمد بن العلاء حدثنا زيد بن أسامة عن سفيان عن مسعر عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم : أتي بدابة فوق الحمار و دون البغل خطوه مد البصر فلما دنا منه اشمأز فقال جبريل : اسكن فما ركبك أحد أكرم على الله من محمد ]
[ و عن عائشة و أم سلمة و أم هانئ و ابن عمرو و ابن عباس رضي الله عنهم قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : حملت على دابة بيضاء بين الحمار و بين البغل في فخذيها جنحان تحفز بهما رجليها فلما دنوت لأركبها شمست فوضعت جبريل يده على معرفتها ثم قال : ألا تستحيين يا براق مما تصنعين ؟ و الله ما ركب عليك أحد قبل محمد أكرم على الله منه فاستحييت حتى أرفضت عرقا ثم قرت حتى ركبتها ] الحديث
و في رواية يونس بن بكير : [ عن ابن إسحاق في هذا الخبر أنه عليه السلام وعد قريشا بقدوم العير الذين أرشدهم إلى البعير و شرب إناءهم أن يقدموا يوم الأربعاء فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كربت الشمس أن تغرب فدعا الله فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف قال : و لم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم و ليوشع بن نون ] (1/241)
روينا من طريق مسلم [ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أتيت بالبراق و هو دابة أبيض طويل فوق الحمار و دون البغل علي بن أبي طالب يضع حافره عند منتهى طرفه قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال : فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر و إناء لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه و سلم : اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي و دعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : و من و معك ؟ قال : محمد قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه قال : ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم و يحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا بي و دعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه و سلم و إذا هو قد أعطي شطر الحسن قال : فرحب بي و دعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قال : و من معك ؟ قال : محمد قال : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي و دعا لي بخير قال الله عز و جل : { و رفعناه مكانا عليا } [ مريم : 57 ] ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد بعث إليه قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه و سلم فرحب بي و دعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل قيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه و سلم فرحب بي و دعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل قيل : و من معك ؟ قال : محمد قيل : و قد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه و سلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور و إذا هو يدخله كل يوم سبعين ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة و إذا ثمرها كالقلال قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم و ليلة فنزلت إلى موسى فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة قال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل و خبرتهم قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فسله التخفيف قال : فلم أزل أرجع بين ربي تبارك و تعالى و بين موسى حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات في كل يوم و ليلة بكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة و من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا و من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه شيئا فإن عملها كتبت السيئة واحدة قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فسله التخفيف فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه ]
قال الشيخ : أبو أحمد حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث
و قد روينا [ من طريق ابن شهاب عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فرج سقف بيتي و أنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة و إيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء ] الحديث
قال ابن شهاب : [ و أخبرني ابن حزم أن ابن عباس و أبا حبة الأنصاري يقولان : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام و فيه : ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ و إذا ترابها المسك ]
و في حديث مالك بن صعصعة : [ فلما جاوزته ـ يعني موسى ـ بكى فنودي ما يبكيك ؟ قال رب هذا غلام بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي
و فيه : ثم رفع لي البيت المعمور فقلت : يا جبريل ! ما هذا ؟ قال هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ]
و في حديث أبي هريرة : [ و قد رأيتني في جماعة من الأنبياء فحانت الصلاة فأممتهم فقال قائل : يا محمد : هذا مالك خازن النار فسلم عليه فالتفت فبدأني بالسلام ]
و كلها في الصحيح و حديث ثابت عن أنس أحسنها مساقا
و روينا من طريق الترمذي [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا أبو تميلة عن الزبير بن جنادة عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر و شد به البراق ]
و ذكر ابن إسحاق [ في حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم رؤيته آدم في سماء الدنيا تعرض عليه أرواح بنيه فيسر بمؤمنيها و يعبس بوجهه عند رؤية كافريها ثم قال : رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل في أيديهم قطع من نار كالأفهار يقذفونها في أفواههم فتخرج من أدبارهم قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة أموال اليتامى ظلما قال : ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يعرضون على النار يطؤونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا قال : ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن و يتركون السمين الطيب قال : قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله له من النساء و يذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن قال : ثم رأيت نساء معلقات بثديهن فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال ما ليس من أولادهم ]
و قد اختلف العلماء في المعارج و الإسراء هل كانا في ليلة واحدة أو لا ؟ و أيهما كان قبل الآخر ؟ و هل كان ذلك كله في اليقظة أو في المنام أو بعضه في اليقظة و بعضه في المنام ؟ و هل كان المعراج مرة أو مرات ؟ و اختلفوا في تاريخ ذلك
و الذي روينا عن ابن سعد في المعراج [ عن محمد بن عمر عن أبي بكر بن عبد الله ابن أبي سبرة و غيره من رجاله قالوا : كان عليه الصلاة و السلام يسأل ربه أن يريه الجنة و النار فلما كانت ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا و رسول الله صلى الله عليه و سلم نائم في بيته ظهرا أتاه جبريل و ميكائيل فقالا : انطلق إلى ما سألت الله فانطلقا به إلى ما بين المقام و زمزم فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء ] الحديث
و ذكر السهيلي رحمه الله خلاف السلف في الإسراء : هل كان يقظة أو مناما ؟ و حكى القولين و ما يحتج به لكل قول منهما ثم قال : و ذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا أبو بكر ابن العربي إلى تصديق المقالتين و تصحيح المذهبين و أن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه توطئة له و تيسيرا عليه كما كان بدء نبوته الرؤيا الصالحة ليسهل عليه أمر النبوة فإنه عظيم تضعف عنه القوى البشرية و كذلك الإسراء سهله عليه الرؤيا لأن هوله عظيم فجاء في اليقظة على توطئة و تقدمة رفقا من الله بعبده و تسهيلا عليه و رجح هذا القول أيضا للجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك فإن في ألفاظها اختلافا و تعدد الواقعة أقرب لوقوع جميعها و حكى قولا رابعا قال : كان الإسراء بجسده إلى بيت المقدس في اليقظة ثم أسري بروحه عليه السلام إلى فوق سبع سماوات و لذلك شنع الكفار قوله : أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه و لم يشنعوا قوله فيما سوى ذلك
قال : و قد تكلم العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه و سلم لربه ليلة الإسراء فروي عن مسروق عن عائشة أنها أنكرت أن يكون رآه قالت : و من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله و احتجت بقوله سبحانه و تعالى : { لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار } [ الأنعام : 103 ]
و روينا من طريق الترمذي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي قال : لقي ابن عباس كعبا بعرفة فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم نقول إن محمدا رأى ربه فقال كعب : إن الله قسم رؤيته و كلامه بين محمد و موسى فكلم موسى مرتين و رآه محمد مرتين
و روينا من طريق مسلم [ عن أبي ذر قلت : يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال : رأيت نورا ] و في حديث آخر عند مسلم قال : [ نور أنى أراه ]
و في تفسير النقاش عن ابن عباس : أنه سئل هل رأى محمد ربه ؟ فقال رآه رآه حتى انقطع صوته
و في تفسير عبد الرزاق عن معمر عن الزهري و ذكر إنكار عائشة أنه رآه فقال الزهري : ليست عائشة أعلم عندنا من ابن عباس
و في تفسير ابن سلام عن عروة انه كان إذا ذكر إنكار عائشة يشتد ذلك عليه
و قول أبي هريرة في هذه المسألة كقول ابن عباس أنه رآه
قال أبو القاسم : و المتحصل من هذه الأقوال أنه رآه لا على أكمل ما تكون الرؤية على نحو ما يراه في حظيرة القدس عند الكرامة العظمى و النعيم الأكبر و لكن دون ذلك و إلى هذا يومىء قوله : رأيت نورا
قلت : و قوله تعالى { لا تدركه الأبصار } لا يعارض هذا لأنه لا يلزم من الرؤية الإدراك
و أما فرض الصلاة فكان ليلة المعراج و قد ذكرنا عن الواقدي من طريق ابن سعد : أنه كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا من مكة إلى السماء ومن يرى أن المعراج من بيت المقدس و أنه هو الإسراء في تاريخ واحد فقد ذكرنا في الإسراء أنه ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة و بعد المبعث بتسع أو اثنتي عشرة على حسب اختلافهم في ذلك و هذا هو المشهور
قال أبو عمر : و قد روى الوقاصي عن الزهري أن الإسراء و فرض الصلاة كان بعد المبعث بخمس سنين و أبعد من ذلك ما حكاه أبو عمر أيضا قال : و قال أبو بكر محمد بن علي بن القاسم في تاريخه : ثم أسري بالنبي صلى الله عليه و سلم من مكة إلى بيت المقدس و عرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا قال : و لا أعلم أحدا من أهل السير قال ذلك و لا أسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم
و في صبيحة ليلة المعراج كان نزول جبريل و إمامته بالنبي صلى الله عليه و سلم ليريه أوقات الصلوات الخمس كما هو مروي من حديث ابن عباس و أبي هريرة و بريدة و أبي موسى و أبي مسعود و أبي سعيد و جابر وعمرو بن حزم و البراء و غيرهم و كان ذلك عند البيت و أم به مرتين مرة أول الوقت و مرة آخره ليعلمه بذلك كله
و أما عدد ركعاتها حين فرضت فمن الناس من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا و أقرت صلاة السفر على ركعتين روي ذلك عن عائشة و الشعبي و ميمون بن مهران و محمد بن إسحاق و غيرهم
و منهم من ذهب إلى أنها فرضت أول ما فرضت أربعا إلا المغرب ففرضت ثلاثا و الصبح ركعتين كذلك قال الحسن البصري و نافع بن جبير بن مطعم و ابن جريج
و منهم من ذهب إلى أنها فرضت في الحضر أربعا و في السفر ركعتين و يروي ذلك عن ابن عباس
و قال أبو إسحاق الحربي : أول ما فرضت الصلاة بمكة فرضت ركعتين أول النهار و ركعتين آخره و ذكر في ذلك حديث عائشة : فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر هكذا حدث به الحربي عن أحمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة حكى ذلك أبو عمر قال : و ليس في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب إليه الحربي و لا يوجد هذا في أثر صحيح بل فيه دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين هي الصلوات الخمس لأن الإشارة بالألف و اللام في الصلاة إشارة إلى معهود
و روينا عن الطبراني حدثنا الحسن بن علي بن الأشعث المصري حدثنا محمد بن يحيى بن سلام الإفريقي حدثني أبي حدثني عثمان بن مقسم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن يسار عن عمر بن عبد العزيز حدثني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة المقيم و أثبتت صلاة المسافر كما هي
و قد روينا عن السائب بن يزيد مثل ذلك روينا عن أبي العباس بن السراج حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن سعيد بن سعيد عن السائب بن يزيد أنه قال : فرضت الصلاة ركعتين ثم زيد في صلاة المقيم و أقرت صلاة المسافر
قال أبو عمر : قول الشعبي في هذا أصله من حديث عائشة و يمكن أن يكون قد أخذه عن مسروق أو الأسود عنها فأكثر ما عنده عن عائشة فهو عنهما
قلت : قد وقع لنا ذلك من حديثه عن مسروق كما ظن أبو عمر روينا من طريق السراج حدثنا أحمد بن سعيد الرباطي حدثنا محبوب بن الحسن حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : فرضت صلاة الحضر و السفر ركعتين ركعتين فلما أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة و صلاة المغرب لأنها وتر النهار
و أما ابن إسحاق فخبر عائشة عنده عن صالح بن كيسان عن عروة عنها فيمكن أن يكون أخذه من هناك
و أما ميمون بن مهران فروي ذلك عنه من طريق سالم مولى أبي المهاجر و سالم غير سالم من الجرح و من قال بهذا من أهل السير قال : إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر و عشرة أيام و قيل بشهر
و أما من قال : فرضت أربعا ثم خفف عن المسافر فأخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد الواسطي قراءة عليه و أنا أسمع بسفح قاسيون أخبركم الشيخان أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب قراءة عليه و أنت تسمع بدمشق و أبو علي بن الحسن بن إسحاق بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي سماعا عليه ببغداد
قال الأول : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن سلامة بن الرطبي قراءة عليه و أنا أسمع و قال الثاني : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الزاغوني قالا : [ أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص حدثنا يحيى ـ يعني ابن محمد بن صاعد ـ حدثنا لوين بن محمد بن سليمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال : و الرجل حي فاسمعوه منه يقال له أنس بن مالك قال ابن صاعد : هو القشيري : أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث خيلا فغارت على إبل جار لي فانطلق في ذلك أبي و عمي أو قرابة لي قريبة قال : فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يطعم فقال : هلم إلى الغذاء قال : إني صاثم قال صلى الله عليه و سلم : هلم أحدثك عن ذلك إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة و الصيام و عن الحبلى و المرضع ] الحديث خالف أيوب يحيى بن أبي كثير فرواه عن أبي قلابة عن جعفر بن عمرو ابن أمية الضمري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم
و قد رويناه من طريق السراج حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عنه
و مع صحة الإسنادين فتصويب الأول من جعلهما حديثين عند أبي قلابة لاشتهار هذا الخبر من طريق أنس القشيري و بعد تعدد هذه الواقعة و الله أعلم
قالوا : و وضع لا يكون إلا من فرض ثابت و بما روينا [ من طريق أبي العباس الثقفي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الله بن إدريس حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خففتم ؟ فقد أمن الناس فقال عمر : عجبت مما عجبت منه فسالت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ] رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم فوقع لنا مواقفة عالية له
قالوا : و لم يقصر رسول الله صلى الله عليه و سلم آمنا إلا بعد نزول آية القصر في صلاة الخوف و كان نزولها بالمدينة و فرض الصلاة بمكة فظاهر هذا يقتضي أن القصر طارئ على الإتمام و أما قول ابن عباس إنها فرضت في الحضر أربعا و في السفر ركعتين و في الخوف ركعة فقرأت على أبي العباس أحمد بن هبة الله بن عساكر بجامع دمشق أخبرتكم زينب بن عبد الرحمن الشعري إجازة قالت : أخبرنا الشيخان أبو محمد إسماعيل بن القاسم ابن أبي بكر القارئ سماعا و أبو عبد الله الفراوي إجازة قالا : أخبرنا عبد الغافر الفارسي أخبرنا بشر بن أحمد الإسفرايني أخبرنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال : فرض الله عز و جل الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا و في السفر ركعتين و في الخوف ركعة رواه مسلم عن يحيى فوافقناه بعلو
و قرأت على الشيخة الأصيلة مؤنسة خاتون بنت الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن أيوب إجازة أخبرتك أم هانئ عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية إجازة أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد الصباغ أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا ابن الصواف أخبرنا بشر بن موسى حدثنا محمد بن سعيد ـ يعني ابن الأصبهان ـ حدثنا شريك و أبو وكيع عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر قال : صلاة السفر ركعتان و صلاة الجمعة ركعتان و صلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال أبو وكيع : على لسان نبيكم صلى الله عليه و سلم
و روينا عن الطبراني حدثنا محمد بن سهل الرباطي حدثنا سهل بن عثمان حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن أبي الكنود سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان نزلت من السماء فإن شئتم فردوها
و أما قول الحربي فبعيد غير أنه قد قيل : إن الصلاة قبل فرضها كانت كذلك و سيأتي
قال أبو عمر : و قد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربعا إلا المغرب و الصبح لا يعرفون غير ذلك عملا و نقلا مستفيضا و لا يضرهم الاختلاف فيما كان أصل فرضها إذ لا خلاف بينهم فيما آل إليه أمرها و استقر عليه حالها
و أما الصلاة طرفي النهار : فروينا عن ابن الصواف بالسند المذكور آنفا [ حدثنا أبو علي بشر بن موسى حدثنا إبراهيم بن إسحاق الضبي حدثنا محمد بن أبان عن أبي إسحاق عن عمارة بن روبية الثقفي قال : سمع أذناي و وعى قلبي من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : من صلى قبل طلوع الشمس و قبل غروبها و جبت له الجنة و من ذلك قوله تعالى { و سبح بحمد ربك بالعشي و الإبكار } [ غافر : 55 ] ] (1/245)
[ أخبرنا محمد بن إبراهيم المقدسي الإمام قراءة عليه و أنا حاضر في الرابعة و عبد الرحيم ابن يوسف المزي قراءة عليه و أنا أسمع بالجامع الأزهر قال الأول : أخبرنا أبو اليمن زيد ابن الحسن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع و قال الثاني : أخبرني أبو حفص عمر بن محمد ابن طبرزذ سماعا عليه في الخامسة قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني أخبرنا أبو بكر محمد ابن إسماعيل الوراق حدثنا أبو أحمد إسماعيل بن موسى بن إبراهيم الحاسب حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي حدثنا إسرائيل يعني ابن يونس عن عثمان بن أبي المغيرة الثقفي عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على الناس في الوقف و يقول : ألا رجل يعرض علي قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ]
[ و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه و غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي بقراءتي عليه قالا : أخبرنا ابن طبرزذ أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن غيلان أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام حدثنا محمد بن المنكدر أنه سمع ربيعة بن عباد ـ أو عباد ـ الدؤلي يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوف على الناس في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول : يا أيها الناس إن الله أمركم أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا قال : و وراءه رجل يقول : يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم فسألت من هذا الرجل ؟ فقيل : أبو لهب
و ذكر ابن إسحاق عرضه عليه السلام نفسه على كندة و على كلب و على بني حنيفة قال : و لم يك أحدة من العرب أقبح ردا عليه منهم و على بني عامر بن صعصعة
و ذكر الواقدي دعاءه عليه السلام بني عبس إلى الإسلام و أنه أتى غسان في منازلهم و بني محارب كذلك
و ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه ] من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو و أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك قال علي : و كان أبو بكر في كل خير مقدما فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من شيبان بن ثعلبة فالتفت أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : بأبي أنت و أمي هؤلاء غرر في قومهم و فيهم مفروق بن عمرو و هانيء بن قبيصة و مثنى بن حارثة و النعمان بن شريك و كان مفروق بن عمرو قد غلبهم جمالا و لسانا و كان له غديرتان و كان أدنى القوم مجلسا من أبي بكر رضي الله عنه فقال له أبو بكر رضي الله عنه : كيف العدد فيكم ؟ فقال له مفروق : إنا لنزيد على الألف و لن تغلب الألف من قلة فقال أبو بكر : كيف المنعة فيكم ؟ فقال مفروق : علينا الجهد و لكل قوم جد فقال أبو بكر : فكيف الحرب بينكم و بين عدوكم ؟ فقال مفروق : إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى و إنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب و إنا لنؤثر الجياد على الأولاد و السلاح على اللقاح و النصر من عند الله يديلنا مرة علينا اخرى لعلك أخو قريش ؟ فقال أبو بكر : أو قد بلغكم أنه رسول الله ؟ فها هو ذا فقال مفروق : قد بلغنا أنه يذكر ذلك فغلام تدعو يا أخا قريش ؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أني رسول الله و إلى أن تؤوني و تنصروني فإن قريشا قد تظاهرت على على أمر الله و كذبت رسله و استغنت بالباطل عن الحق و الله الغني الحميد فقال مفروق إلام تدعو أيضا يا أخا العرب ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : { قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون } [ الأنعام : 150 ] فقال مفروق : و غلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : { إن الله يامر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون } [ النحل : 90 ] فقال مفروق : دعوت و الله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق و محاسن الأعمال و لقد أفك قوم كذبوك و ظاهروا عليك و كأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة فقال : و هذا هانئ بن قبيصة شيخنا و صاحب ديننا فقال هانئ : قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش و إني أرى أن تركنا ديننا و اتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول و لا آخر : زلة في الرأي و قلة نظر في العاقبة و إنما تكون الزلة مع العجلة و من ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدا و لكن نرجع و نرجع و ننظر و تنظر و كأنه أحب أن يشركه في الكلام المثني بن حارثة فقال : و هذا المثنى بن حارثة شيخنا و صاحب حربنا فقال المثنى : قد سمعت مقالتك يا أخا قريش و الجواب هو جواب هانيء بن قبيصة : في تركنا ديننا و اتباعنا دينك لمجلس إلينا ليس له أول و لا آخر و إنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة و السمامة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هذان الصريين ؟ فقال أنهار كسرى و مياه العرب فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور و عذره غير مقبول و أما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور و عذره مقبول و إنا نزلنا على عهد أخاه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا و لا نؤوي محدثا و إني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما تكرهه الملوك فإن أحببت أن نؤويك و ننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أسألتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق و إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه من جميع أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله بأرضهم و ديارهم و أموالهم و يفرشكم نساءهم ؟ أتسبحون الله و تقدسونه ؟ فقال النعمان بن شريك : اللهم لك ذا فتلا رسول الله صلى الله عليه و سلم { يا أيها النبي إذا أرسلناك شاهدا و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا } [ الأحزاب : 45 ـ 46 ] ثم نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بيدي فقال : يا أبا بكر يا أبا حسن أية أخلاق في الجاهلية ؟ ! ما أشرفها ! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض و بها يتحاجزون فيما بينهم
قال : ثم دفعنا إلى مجلس الأوس و الخزرج فما نهضنا حتى بايعوا النبي صلى الله عليه و سلم و كانوا صدقا صبرا
و لم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك كله يدعو إلى دين الله و يأمر به كل من لقيه و رآه من العرب إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف من الأوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فلم يبعد و لم يجب ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم
قال ابن إسحاق : فإن كان رجال من قومه ليقولون إنا نراه قد قتل و هو مسلم
و قدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ و كان شابا : يا قوم هذا و الله خير مما قدمنا له فضربه أبو الحيسر و انتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم و مات إياس بن معاذ فقيل : إنه مات مسلما (1/257)
و الأنصار : بنو الأوس و الخزرج ابني حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن ابن الأزد دراء بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجب ابن يعرب بن يقطن قحطان
قال ابن إسحاق : فلما أراد الله إظهار دينه و إعزاز نبيه و إنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا فقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نفر من الخزرج قال : أمن موالي يهود ؟ قالوا : نعم قال : أفلا تجلسون أكلمكم قالوا : بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله و عرض عليهم الإسلام و كان مما صنع الله به في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم و كانوا أهل علم و كتاب و كانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان و كانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم : إن نبيا مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد و إرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أولئك النفر و دعاهم إلى الله قال بعضهم لبعض تعلموا و الله إنه لنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوا و قبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام و قالوا له : إنا تركنا قومنا و لا قوم بينهم من العداوة و الشر ما بينهم فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم قد آمنوا و صدقوا
و هم فيما ذكر لي ستة نفر من الخزرج منهم من بني النجار ـ و هو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر : أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار و عوف بن الحارث بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك ابن النجار ـ و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك ـ و هو ابن عفراء
و من بني زريق : رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق
و من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد
و من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن سادرة بن تزيد بن جشم
ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام
و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : جابر بن عبد الله بن رئاب ابن النعمان بن سنان بن عبيد
قال أبو عمر : و من أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت و يسقط جابر ابن رئاب و الله أعلم (1/262)
حتى إذا كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلا منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا و هم : أبو أمامة و عوف بن عفراء و رافع بن مالك و قطبة و عقبة
و بقيتهم : معاذ بن الحارث بن رفاعة و هو ابن عفراء أخو عوف المذكور
و ذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي ذكروا أنه رحل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة فسكنها فهو مهاجري أنصاري قتل يوم أحد
و عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو ابن عوف بن الخزرج
و من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : العباس بن عبادة بن نضلة ابن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم
و من حلفائهم : يزيد بن ثعلبة بن خزمة ـ بسكون الزاي و الطبري يفتحها ـ بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بفتح العين و تشديد الميم ـ بن مالك من بني فران من بلي
و من بني الأوس بن حارثة أخي الخزرج : ثم من بني جشم أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : أبو الهيثم مالك بن التيهان ـ أهل الحجاز يخففون الياء و غيرهم يشددها ـ بن مالك بن عمرو بن زيد بن جشم بن عمرو بن جشم و من الناس من يعده لهم من بلي
و من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس : عويم بن ساعدة بن عايش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن أمية بن زيد
فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء عند العقبة على بيعة النساء و لم يكن أمر القتال بعد
[ أخبرنا أحمد بن يوسف الساوي بقراءة والدي عليه سنة ست و سبعين أخبرنا أبو روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعا أخبرنا أبو بكر الطوسي أخبرنا نصر الله بن أحمد الخشنامي أخبرنا أحمد بن الحسن النيسابوري أخبرنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن يحيى الذهلي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي أدريس الخولاني عن عبادة بن الصامت قال : بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم نفرا أنا منهم فتلا عليهم آية النساء لا تشركوا بالله شيئا ثم قال : و من وفى فأجره على الله و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو طهر له ـ أو قال كفارة له ـ و من أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء الله غفر له و إن شاء عذبه ] رواه البخاري
حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمه فذكره بمعناه
فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم ابن أم مكتوم و مصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن و يدعوان من لم يسلم إلى الإسلام فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة و كان مصعب بن عمير يدعى المقرئ و القارئ و كان يؤمهم و ذلك أن الأوس و الخزرج كره بعضهم أن يؤمه بعض فجمع بهم أول جمعة جمعت في الإسلام و عند ابن إسحاق : أول من جمع بهم أبو أمامة أسعد بن زرارة
روينا عن ابن أبي عروبة حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه و سلم فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير بن عبد مناف و به قال حدثنا هاشم حدثنا ابن وهب أخبرني ابن جريج عن سليمان بن موسى أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب إليه يأمره بذلك
و روينا من طريق أبي داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أدريس عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ـ و كان قائد أبيه بعدما ذهب بصره ـ عن أبيه كعب بن مالك أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة فقلت له إذا سمعت النداء ترحمت لأسعد بن زرارة ؟ فقال : لأنه أول من جمع بنا في هزم البيت من حرة بني بياضة في بقيع يقال له : بقيع الخضمات قلت : كم أنتم يومئذ ؟ قال : أربعون
بقيع الخضمات بالباء وقع في هذه الرواية و قيده البكري بالنون و قال : هزم النبيت : جبل على بريد من المدينة
قال السهيلي : [ تجميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة و تسميتهم إياها بهذا الاسم هداية من الله لهم قبل يؤمروا بها ثم نزلت سورة الجمعة بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فاستقر فرضها و استمر حكمها و لذلك قال عليه الصلاة و السلام : أضلته اليهود و النصارى و هداكم الله له ]
و ذكر عبد بن حميد : حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و قبل أن تنزل الجمعة الحديث
و روى الدارقطني عن ابن عباس إذن النبي صلى الله عليه و سلم لهم بها قبل الهجرة
و قد روينا من طريق ابن أبي عروبة الأثر عن سليمان بن موسى بذلك (1/263)
قال ابن إسحاق : و حدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب و عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد دار بني عبد الأشهل و دار بني ظفر فدخل حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه و اجتمع إليهما رجال ممن أسلم و سعد بن معاذ و أسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما و كلاهما مشرك على دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير : لا أبا لك انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما و انههما عن أن يأتيا دارينا فإنه لولا أن سعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك و هو ابن خالتي و لا أجد عليه مقدما فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب : هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه ثم قال مصعب : إن يجلس هذا أكلمه قال : فوقف عليها مشتما فقال : ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب : أوتجلس فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته و إن كرهته كف عنك ما تكره قال : أنصف ثم ركز حربته و جلس إليهما فكلما مصعب بالإسلام و قرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما : و الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال : ما أحسن هذا و أجمله ! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ قالا له : تغتسل فتطهر و تطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي فقام فاغتسل و طهر ثوبيه و تشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه و سأرسله إليكما الآن و هو سعد ابن معاذ ثم أخذ حريته فانصرف إلى سعد و قومه و هم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال : أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف على النادي قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا و قد نهيتهما فقالا : نفعل ما أحببت و قد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه و ذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحفروك فقام سعد مغضبا مبادرا تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة فأخذ الحربة من يده و قال : و الله ما أراك أغنيت عنا شيئا ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما فوقف عليهما متشتما ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة أما و الله لولا ما بيني و بينك من القرآبة ما رمت مني هذا أتغشانا في دارينا بما نكره و قد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير : أي مصعب جاءك و الله سيد من وراءه من قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان قال : فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته و إن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد : أنصفت ثم ركز الحربة و جلس فعرض عليه الإسلام و قرأ عليه القرآن قالا : فعرفنا و الله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم و دخلتم في هذا الدين قالا : تغتسل فتطهر و تطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين قال فقام فاغتسل و طهر ثوبيه ثم شهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عامدا إلى نادي قومه و معهم أسيد بن حضير فلما رآه قومه مقبلا قالوا : نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف عليهم قال : يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا و أفضلنا رأيا و أيمننا نقيبة قال : فإن كلام رجالكم و نسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله و رسوله قال : فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل و لا امرأة إلا مسلما و مسلمة
قال أبو عمر : [ حاشا الأصيرم و هو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم و استشهد و لم يسجد لله سجدة و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل الجنة ]
رجع إلى ابن إسحاق : قال و رجع مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا و فيها رجال و نساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد و خطمة و وائل و واقف و تلك أوس الله و هم من الأوس بن حارثة
قال أبو عمر : و كانوا سكانا في عوالي المدينة فأسلم منهم قوم و كان سيدهم أبو قيس صيفي بن الأسلب فتأخر إسلامه و إسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر و أحد و الخندق ثم أسلموا كلهم
و رأيت في التاريخ الأوسط للبخاري أن أهل مكة سمعوا هاتفا يهتف قبل إسلام سعد بن معاذ :
( فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف )
فحسبوا أنه يريد القبيلتين سعد هذيم من قضاعة و سعد بن زيد مناة بن تميم حتى سمعوه يقول :
( فيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا ... و يا سعد سعد الخزرجين الغطارف )
( أجيبا إلى داعي الهدى و تمنيا ... على الله في الفردوس منية عارف )
في أبيات و قد روينا ذلك أطول من هذا (1/268)
قال ابن إسحاق : [ ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم القعبة من أوسط أيام التشريق فحدثني معبد كعب بن مالك أن أخاه عبد الله و كان من أعلم الأنصار حدثه أنا أباه كعبا حدثه و كان ممن شهد العقبة و بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بها قال : خرجنا في حجاج قومنا من المشركين و قد صلينا و فقهنا و معنا البراء بن معرور سيدنا و كبيرنا فلما وجهنا لسفرنا و خرجنا من المدينة قال البراء لنا : يا هؤلاء ! إني قد رأيت رأيا و الله ما أدري أتوافقوني عليه أم لا ؟ قال : قلنا و ما ذاك ؟ قال : رأيت أن لا أدع هذه البنية مني بظهر ـ يعني الكعبة ـ و أن أصلي إليها
قال : قلنا : و الله ما بلغنا أن نبينا يصلي إلا إلى الشام و ما نريد أن نخالفه قال : فقال : إني لمصل إليها قال : قلنا له : لكنا لا نفعل قال : فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام و صلى إلى الكعبة حتى قدمنا مكة قال : و قد كنا عبنا عليه ما صنع و أبي إلا الإقامة على ذلك قال : فلما قدمنا مكة قال لي : يا ابنم أخي ! انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا فإنه و الله لقد وقع في نفسي منه شيء لما رأيت من خلافكم إياي فيه قال : فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و كنا لا نعرفه و لم نره قبل ذلك فلقينا رجلا من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هل تعرفانه ؟ قلنا : لا قال : فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه ؟ قال : قلنا : نعم قال : و كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا قال : فإذا دخلتما المسجد هو الرجل الجالس مع العباس قال : فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس و رسول الله صلى الله عليه و سلم معه فسلمنا ثم جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للعباس : هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ؟ قال : نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه و هذا كعب بن مالك قال : فو الله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : الشاعر ؟ قال : نعم قال : فقال له البراء بن معرور : يا نبي الله ! إني خرجت في سفري هذا و قد هداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر فصيلت إليها و خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله ؟ قال : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه و سلم و صلى إلى الشام و أهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات و ليس كما قالوا نحن أعلم به منهم
ثم خرجنا إلى الحج و واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج و كانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم لها و معنا عبد الله بن عمرو ابن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا أخذناه و كنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه و قلنا له يا أيا جابر إنك سيد من ساداتنا و شريف من أشرافنا و إنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه إلى الإسلام و أخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم إيانا العقبة قال : فأسلم و شهد معنا العقبة و كان نقيبا
فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه و سلم تسلل القطا مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة و سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائنا : نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار و أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي إحدى نساء بني سلمة و هي أم منيع قال : فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جاءنا و معه العباس بن عبد المطلب و هو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه و يتوثق له فلما جلس كان أول متكلم فقال : يا معشر الخزرج و كانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار : الخزرج ـ خزرجها و أوسها ـ إن محمدا منا الحديث قد علمتم و قد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه فهو في عز من قومه و منعة في بلده و إنه قد أبى إلا الانحياز إليكم و اللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه و مانعوه ممن خالفه فأنتم و ما تحملتم من ذلك و إن كنتم ترون أنكم مسلموه و خاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه فإنه في عز و منعة من قومه و بلده قال : فقلنا له قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك و لربك ما أحببت قال : فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلا القرآن و دعا إلى الله و رغب في الإسلام ثم قال : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم و أبناءكم قال : فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم و الذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فنحن و الله أهل الحروب و أهل الحلقة و رثناها كابرا عن كابر قال : فاعترض القول ـ و البراء يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أبو الهيثم بن التيهان فقال : يا رسول الله ! إن بيننا و بين الرجا لحبالا و إنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا قال : فتبسم رسول الله ثم قال : بل الدم الدم و الهدم الهدم أنا منكم و أتنم مني أحارب من حاربتم و أسالم من سالمتم
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم فأخرجوا تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس
فمن الخزرج ثم من بني النجار : أسعد بن زرارة بن عدس و من بني مالك الأغر ابن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر و سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغر ومن بني زريق : رافع ابن مالك بن العجلان و من بني سلمة ثم بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة أبو بكر البراء بن معرور ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد و من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج : سعد بن عبادة دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف و من بني ثعلبة بن الخزرج أخي طريف : النمذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة و من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج : عبادة بن الصامت
و من الأوس ثم من بني عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس : أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل و من بني السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم و من بني أمية بن زيد رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية ]
قال ابن هشام : و أهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان بدل رفاعة
و روينا عن أبي بكر البيقهي بسنده إلى مالك قال : فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام كان يشير له إلى من يجعله نقيبا
و قد قيل إن الذي تولي الكلام مع الأنصار و شد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة
و روينا من طريق العدني حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر فذكر حديث العقبة و فيه : فأخذ بيده يعني النبي صلى الله عليه و سلم أسعد بن زرارة و هو أصغر السبعين إلا أنا فقال رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي و نحن نعلم أنه رسول الله و إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة و قتل خياركم و أن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم بقتل خياركم و مفارقة العرب كافة فخذوه و أجركم على الله و إما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله فقالوا : يا أسعد ! أمط عنا يدك فو الله لا نذر هذه البيعة و لا نستقلبها الحديث
و قيل : بل العباس بن عبادة بن نضلة روينا عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال العباس بن عبادة بن نضلة : يا معشر الخزرج ! إنكم تبايعونه على حرب الأحمر و الأسود من الناس فذكر نحو ما تقدم قال : فأما عاصم فقال : و الله ما قال ذلك العباس إلا ليشد العقد لرسول الله صلى الله عليه و سلم و أما عبد الله بن أبي بكر فقال : ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي سلول فيكون أقوى لأمر القوم فالله أعلم أي ذلك كان
و كانت هذه البيعة على حرب الأسود و الأحمر و أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم لنفسه و اشترط عليهم لربه و جعل لهم على الوفاء بذلك الجنة فأما المبايعين فيها مختلف فيه : فروينا عن ابن إسحاق من طريق البكائي و من طريق أبي عروبة [ عن سليمان بن سيف عن سعيد بن بزيغ عنه قال : بنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه و سلم و بنو عبد الأشهل يقولون : بل أبو الهيثم بن التيهان و قد تقدم أنه البراء بن معرور
فلما انتهيت البيعة صرخ الشيطان من رأس العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في مذمم و الصباة معه قد أجمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا أزب العقبة أتسمع أي عدو الله أما و الله لأفرغن لك فاستأذنه العباس بن عبادة في القتال فقال : لم نؤمر بذلك و تطلب المشركون خبرهم فلم يعرفوه ثم شعروا به حين انصرفوا فاقتفوا آثارهم فلم يدركوا إلا سعدوا بن عبادة و المنذر بن عمرو فأما سعد فكان ممن عذب في الله و أما المنذر فأعجزهم و أفلت و نمى خبر سعد بن عبادة إلى جبير بن مطعم و الحارث ابن حرب بن أمية على يدي أبي البختري بن هشام فأنقذه الله بهما و قال ضرار بن الخطاب الفهري :
( تداركت سعدا عنوة فأخذته ... و كان شفاء لو تداركت منذرا )
( و لو نلته طلت هناك جراحه ... و كان حريا أن يهان و يهدرا )
فأجابه حسان بأبيات ذكرها ابن إسحاق
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام و كان عمرو بن الجموح ممن بقي على شركه و كان له صنم يعظمه فكان فتيان ممن أسلم من بني سلمة يدلجون بالليل على صنمه فيطرح في بعض حفر بني سلمة منكسا رأسه في عذرا الناس فإذا أصبح عمرو قال : ويحكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ثم يغدو يلتمسه حتى إذا وجده غسله و طهره و طيبه فإذا أمسى عدوا عليه ففعلوا به مثل ذلك إلى أن غسله مرة و طهره ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ثم قال له : ما أعلم من يصنع بك ما أرى فإن كان فيك خير فامتنع فهذا السيف معك فلما أمسى و نام عمرو عدوا عليه و أخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر من عذر الناس و غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت فلما رآه أبصر شأنه و كلمه من أسلم من قومه فأسلم رضي الله عنه و حسن إسلامه ] (1/271)
و هذه تسمية من شهد العقبة و كانوا ثلاثة و سبعين رجلا و امرأتين هذا هو العدد المعروف و إن زاد في التفضيل على ذلك فليس ذلك بزيادة في الجملة و إنما هو لمحل الخلاف فيمن شهد فبعض الرواة يثبته و بعضهم يثبت غيره بدله و قد وقع ذلك في غير موضع في أهل بدر و شهداء أحد و غير ذلك
و هم من الأوس أحد عشر رجلا ثم من بني عبد الأشهل : أسيد بن حضير و أبو الهيثم مالك بن التيهان و سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل
و سعد بن زيد بن عامر بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج و بنو جشم عدادهم في بني عبد الأشهل شهد العقبة في قول الواقدي وحده و هو معدود في البدريين عند غيره و قد اختلف في نسبه و هو عند ابن إسحاق : سعد بن زيد بن مالك بن عبيد ابن كعب بن عبد الأشهل
و من بني عبد حارثة بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : ظهير بن رافع ابن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة و أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة حليف لهم و بهيز بن الهيثم بن نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ـ و بهيز بالباء الموحدة عند بعضهم و بالنون عند آخرين ـ
و من بني عمرو بن عوف : سعد بن خيثمة و رفاعة بن عبد المنذر و عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك ـ و اسم البرك : امرئ القيس ـ بن ثعلبة بن عمرو و معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة و عويم بن ساعدة
و من الخزرج ثم من بني النجار : أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد ابن عوف ابن غنم بن مالك بن النجار و معاذ بن عفراء و أخواه معوذ و عوف و عمارة ابن حزم ابن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار و أسعد ابن زرارة و النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم عند الواقدي وحده
و من بني مبذول عامر بن مالك بن النجار : سهل بن عتيك بن نعمان بن زيد بن معاوية بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر
و من بني حديلة : أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار و حديلة أم معاوية بن عمرو و هي ابنة مالك بن زيد مناة بن حبيب ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج و لم يذكره ابن إسحاق
و من بني مغالة و هم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أوس بن ثابت عن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي و أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود ابن حرام
و من بني مازن بن النجار : قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن و عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول و ابن هشام يقول : هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء و غيرهما يثبتهما معا
و من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة و سعد بن ربيع و خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيش بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج و بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس ـ بفتح الخاء المعجمة و تشديد اللام للدارقطني و بكسرها و تخفيف اللام عند غيره ـ ابن زيد مناة بن مالك الأغر و خلاد بن سويد ابن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر و عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه بن زيد بن الحرث بن الخزرج و بعضهم يقول في زيد زيد مناة و ابن عمارة يسقط ثعلبة صاحب الأذان
و من بني الأبجر : خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج : عبد الله بن ربيع بن قيس ابن عامر بن عباد الأبجر و من بني أخيه خدارة بن عوف : عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث أبو مسعود و كان أحدثهم سنا و ابن إسحاق يسقط منه عطية و أسيرة عنده بالياء يسيرة و ذكرها الدارقطني و أبو بكر الخطيب عن ابن إسحاق نسيرة بالنون المضمومة و وهم الأمير و ابن عبد البر من قال ذلك و أما ابن عقبة فقال أسيرة بفتح الهمزة و كذلك اختلفوا في تقييد عسيرة فمنهم من يفتح العين و يكسر السين و منهم من يفتح السين و يضم العين و خدارة : منهم من يقول بالجيم ومنهم من يقول بالخاء المعجمة و الذين يقولونها بالجيم منهم من يضمها و منهم من يكسرها
و من بني زريق بن عبد الحارثة : رافع بن مالك بن العجلان و ذكوان بن عبد قيس و عباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق و الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق و عند ابن الكلبي : خلدة بدل خالد
و من بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي ابن أمية بن بياضة و فروة بن عمرو بن ودفة بن عبيد بن عامر بن بياضة و خالد ابن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة
و من بني سلمة ثم من بني عبيد : البراء بن معرور و ابنه بشر و سنان بن صيفي ابن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد و الطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ـ قال ابن سعد : لا أحسبه إلا وهلا ـ و معقل و يزيد ابنا المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد و مسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد و الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد و يزيد بن خذام ـ و بعضهم يقول حرام ـ بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد و الجبار بن صخر بن أمية بن خنساء بن سنان بن عبيد و يقال خناس و الطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد
و من بني سلمة أيضا ثم من بني سواد ثم من بني كعب بن سواد : كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين و عند غيره : كعب بن أبي كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد رجل
و من بني غنم بن سواد : قطبة بن عامر بن حديدة و أخوه يزيد و سليم بن عمرو ابن حديدة و أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم و صيفي بن سواد ابن عباد المذكور خمسة
و من بني نابي بن عمرو بن سواد : ثعلبة بن عنمة بن عدي بن نابي و أخوه عمرو و عبس ابن عامر بن عدي بن نابي و خالد بن عمرو بن عدي بن نابي و عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك بن غنم بن كعب بن تيم بن بهثة بن ناشرة بن يربوع بن البرك بن وبرة و البرك : دخل في جهينة حليف لهم ـ و عند أبي عمر : تيم بن نفاثة بن إياس بن يربوع ـ خمسة و عامر بن نابي : أبو عقبة المذكور في العقبة الأولى ذكره ابن الكلبي و عمير بن عامر بن نابي شهد المشاهد كلها قاله ابن الكلبي قال الدمياطي : و لم أر من تابعه على ذكر عمير في الصحابة
و من بني سلمة ثم من بني حرام : عبد الله بن عمرو بن حرام ابنه جابر و ثابت ابن الجذع ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام و عمير ـ و قيل عمرو ـ بن الحارث ابن ثعلبة بن الحارث ابن حرام و ابن هشام يقول : لبدة بدل ثعلبة و عمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام و ابنه معاذ و لم يذكر ابن إسحاق عمرا و خديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن كعب بن القراقر بن الضحيان أبو شباث حليف لهم من قضاعة سبعة
و من بني أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد : معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي عداده في بني سلمة لأنه كان أخا سهل ابن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن سنان بن عبيد لأمه
و من بني غنم بن عوف أخي سالم الحبلى : عبادة بن الصامت و العباس بن عبادة بن نضلة و يزيد بن ثعلبة البلوي حليفهم و عمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة و مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم و أبو معشر ينكر شهوده العقبة خمسة و هم من القوافل
و من بني الحبلى سالم : رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم و ابنه مالك بن رفاعة ذكره الأموي و عقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان بن سعد ابن قيس عيلان حليف لهم ثلاثة
و من بني ساعدة : سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو
و المرأتان من بني مازن بن النجار : نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غنم بن مازن أم عمارة و من بني سلمة : أم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي
قال أبو عمر : و قد ذكر بعض أهل السير فيهم أوس بن عباد بن عدي في بني سلمة (1/277)
قول البراء : نمنعك مما نمنع منه أزرنا العرب تكني عن المرأة بالإزار و تكني به أيضا عن االنفس و تجعل الثوب عبارة عن لابسه و يحتمل هنا الوجهين قاله السهيلي قال : و معرور معناه نقصود و رأيت بخط جدي أبي بكر محمد بن أحمد رحمه الله : البراء في اللغة ممدود : آخر ليلة من الشهر و بها سمي البراء بن معرور و كانت العرب تسمي بما تسمعه حال ولادة المولود
قلت : و ابنه بشر بن البراء الذي سوده رسول الله صلى الله عليه و سلم على بني سلمة كما ذكر ابن إسحاق و كما [ أنبأنا محمد بن أبي الفتح الصوري بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي عليه و أنا أسمع أخبركم أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه و أنتم تسمعون ؟ فأقر به أخبرنا أبو الحسن بن قبيس أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد أخبرني جدي أبو بكر أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي حدثنا أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لبني ساعدة : من سيدكم ؟ قالوا : الجد بن قيس قال : بم سودتموه ؟ قالوا : إنه أكثرنا مالا و إنا على ذلك لنزنه بالبخل فقال النبي صلى الله عليه و سلم و أي داء أدوأ من البخل ؟ قالوا : فمن ؟ قال : سيدكم البشر بن البراء بن معرور ]
و كان أول من استقبل الكعبة حيا و ميتا و كان يصلي إلى الكعبة و رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي إلى بيت المقدس فأطاع النبي صلى الله عليه و سلم فلما حضره الموت قال لأهله استقبلوا بي الكعبة كذا روينا في هذا الخبر
و روينا [ عن عمرو بن دينار و محمد بن المنكدر و الشعبي من طريق ابن سعد ان النبي صلى الله عليه و سلم قال : بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح ]
و ذكره السهيلي عن الزهري و الذي وقع لنا عن الزهري كرواية ابن إسحاق و أنشد أبو عمر في ذلك لشاعر الأنصار :
( و قال رسول الله و الحق قوله ... لمن قال منا من تعدون سيدا )
( فقالوا له جد بن قيس على التي ... نبخله فيها و ما كان أسودا )
( فسود عمرو بن الجموح لجوده ... و حق لعمرو بالندى أن يسودا )
في أبيات ذكرها
و قد بقي علينا في الخبر الذي أسندناه آنفا موضعان ينبغي التنبيه عليهما :
أحدهما : قوله لبني ساعدة و ليس بشيء ليس في نسب هؤلاء ساعدة هم بنو سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج
و الثاني : قوله في بشر بن البراء و كان أول من استقبل الكعبة حيا و ميتا و إنما ذلك أبوه البراء غير شك كذلك رويناه فيما سلف و كذلك رويناه عن أبي عروبة حدثنا ابن شبيب حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال : قال الزهري : البراء بن معرور أول من استقبل القبلة حيا و ميتا
و ذكر يزيد بن خزام هو عند ابن إسحاق و عند موسى بن عقبة : يزيد بن خدارة و عند أبي عمر : يزيد بن حرام
و يزيد بن خزمة ـ بسكون الزاي عند ابن إسحاق و ابن الكلبي و فتحها الطبري ـ و هو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بفتح العين و تشديد الميم ـ
و فروة بن عمرو بن ودفة عند ابن إسحاق بالذال المعجمة و قال ابن هشام بالدال المهملة و رجحه السهيلي و فسر الودفة بالروضة الناعمة
و قال : و إنما جعل النبي صلى الله عليه و سلم النقباء اثني عشر اقتداء بقوله سبحانه في قوم موسى { و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا } [ المائدة : 12 ]
و قوله يا أهل الجباجب يعني منازل منى
و أزب العقبة : شيطان
و قوله : بل الدم الدم و الهدم الهدم : قال ابن هشام : الهدم بفتح الدال و قال ابن قتيبة : كانت العرب تقول عند عقد الحلف و الجوار دمي دمك و هدمي هدمك أي ما هدمت من الدماء هدمته أنا قال : و يقال أيضا : بل اللدم اللدم و الهدم الهدم و أنشد
( ثم الحقي بهدمي و لدمي )
فاللدم جمع لادم و هم أهله الذين يلتدمون عليه إذا مات و هو من لدمت صدره إذا ضربته و الهدم قال ابن هشام : الحرمة و إنما كنى عن حرمه الرجل و أهله بالهدم لأنهم كانوا أهل نجعة و ارتحال و لهم بيوت يستخفونها يوم ظعنهم فكلما ظعنوا هدموها و الهدم بمعنى المهدوم كالقبض ثم جعوا الهدم و هو البيت المهدوم عبارة عما حوى ثم قالوا : هدمي هدمك أي رحلتي مع رحلتك (1/282)
قال ابن إسحاق : فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة العقبة و كانت سرا عن كفار قومهم و كفار قريش أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا أولهم ـ فيما قيل ـ أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي و حبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بمكة نحو سنة ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها فانطلقت وحدها مهاجرة حتى إذا كانت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة أخا بني عبد الدار و كان يومئذ مشركا فشيعها حتى أوفى على قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال لها : هذا زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعا إلى مكة فكانت تقول : ما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة
و قد قيل : إن أول المهاجرين مصعب بن عمير روينا عن أبي عروبة حدثنا ابن بشار و ابن المثنى قالا : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء يقول : كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم مصعب بن عمير ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم قال أبو عمر : و هي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة و قال موسى بن عقبة : و أول امرأة دخلت المدينة أم سلمة
ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بأهله و أخيه عبد بن جحش أبي أحمد و كان ضريرا و كان منزلهما و منزل أبي سلمة و عامر على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف
قال أبو عمر : [ و هاجر جميع بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دراهم فتملكها و كانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش و زاد غير أبي عمر : فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي فذكر ذلك عبد الله ابن جحش لما بلغه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله : ألا ترضى يا عبد الله أن يطيك الله بها دارا في الجنة خيرا منها ؟ قال : بلى قال : فذلك لك فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الناس لأبي أحمد : يا أبا أحمد ! إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله ]
فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم
رجع إلى خبر ابن إسحاق :
و كان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم هجرة رجالهم و نساؤهم
عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد ابن خزيمة أبو محصن حليف بني أمية و أخوه عمرو بن محصن و شجاع و عقبة ابنا و هب و ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و أربد بن جميرة و قال ابن هشام : حميرة بالحاء و هو عند ابن سعد : حمير و منقذ ابن نباته بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد و سعيد بن رقيش و محرز بن نضلة ابن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم و زيد بن رقيش و قيس بن جابر و مالك بن عمرو و صفوان بن عمرو و ثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس و ربيعة بن أكثم بن سخبرة ابن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد و الزبير بن عبيدة و تمام بن عبيدة و سخبرة بن عبيدة و محمد بن عبد الله بن جحش و من نسائهم : زينب بنت جحش و أم حبيبة بنت جحش و جدامة بنت جندل و أم قيس بنت محصن و أم حبيب بنت ثمامة و آمنة بنت رقيش و سخبرة بنت تميم و حمنة بنت جحش
و قال أبو عمر : ثم خرج عمر بن الخطاب و عياش بن أبي ربيعة في عشرين راكبا فقدموا المدينة فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد و كان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة و كان أكثرهم قرآنا و كان هشام بن العاصي بن وائل قد أسلم و واعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه و قال : تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة ثم إن أبا جهل و الحارث بن هشام ـ و من الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام ـ خرجا حتى قدما المدينة و رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فكلما عياش بن أبي ربيعة و كان أخاهما لأمهما و ابن عمهما و أخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها و لا تستظل حتى تراه فرقت نفسه و صدقهما و خرج راجعا معهما فكتفاه في الطريق و بلغا به مكة فحبساه به مكة فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم له في قنوت الصلاة : [ اللهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش ابن أبي ربيعة ]
قال ابن إسحاق : فحدثني بعض آل عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا مكة دخلا به نهارا موثقا ثم قالا : يأهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا
قال ابن هشام : [ و حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و هو بالمدينة : من لي بعياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاص ؟ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة : أن لك يا ر سول الله بهما فخرج إلى مكة فقدمها مستخفيا فلقي امرأة تحمل طعاما فقال لها : أين تريدين يا أمة الله ؟ قالت : أريد هذين المحبوسين ـ تعنيهما ـ فتبعها حتىعرف موضعهما و كانا محبوسين في بيت لا سقف له فلما أمسى تسور عليهما ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما فكان يقال لسيفه : ذو المروة لذلك ثم حملها على بعيره و ساق بهما فعثر فدميت إصبعه فقال :
( هل أنت إلا إصبع دميت ؟ ... و في سبيل الله ما لقيت )
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ]
قال ابن إسحاق : و نزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة و من لحق به من أهله و قومه و أخوه زيد بن الخطاب و عمرو و عبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب و خنيس بن حذافة السهمي ـ و كان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب خلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعده ـ و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و واقد بن عبد الله التميمي حليف لهم و خولي بن أبي خولي و مالك بن أبي خولي و اسم أبي خولي عمرو بن زهير ـ قيل : جعفي و قيل : عجلي و قيل غير ذلك ـ حليفان لهم و بنو البكير أربعتهم إياس و عاقل و عامر وخالد و حلفاؤهم من بني سعد بن ليث : على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر في بني عمرو بن عوف بقباء و قد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة
ثم تتابع الهاجرون فنزل طلحة بن عبد الله و صهيب بن سنان على خبيب بن إساف و يقال : بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار كذا قال ابن سعد و إنما هو أسعد
قال ابن هشام : [ و قد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي أنه قال : بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش : أتينا صلعوكا حقيرا فكثر مالك عندنا و بلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك و نفسك ؟ لا و الله لا يكون ذلك فقال لهم صهيب : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ؟ قالوا : نعم فقال : فإني قد جعلت لكم مالي فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ربح صهيب ربح صهيب ]
قال ابن إسحاق : ونزل حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف بن جلان بن غنم ابن غني بن يعصر الغنوي كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق و أما ابن الرشاطي فقال : حصين بن عمرو بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جيلان بن غنم بن غني و ابنه مرثد و أنسة و أبو كبشة موليا رسول الله صلى الله عليه و سلم : على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء و يقال : بل نزلوا على سعد بن خيثمة و يقال : بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة
و نزل عبيدة بن الحارث و أخواه الطفيل و الحصين و مسطح بن أثاثة ـ و اسمه عمرو ابن أثاثة ـ بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي و سويبط بن سعد بن حريلمة و طليب بن عمير و خباب مولى عتبة بن غزوان : على عبد الله بن سلمة أخي بني العجلان بقباء
و نزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع
و نزل الزبير بن العوام و أبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح
و نزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ
و نزل أبو حذيفة بن عتبة و سالم مولى أبي حذيفة و عتبة بن غزوان على عباد ابن بشر بن وقش
و نزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان
و يقال : نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خثيمة و ذلك أنه كان عزبا
و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة و لم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس أو افتتن إلا علي بن أبي طالب و أبو بكر و كان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة فيقول له : لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر أن يكون هو (1/286)
قال ابن إسحاق : و لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كانت له شيعة و أصحاب من غيرهم بغير بلدهم و رأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد نزلوا دارا و أصابوا منعة فحزروا خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم و عرفوا أنه قد جمع لحربهم فاجتعمعوا له في دار الندوة و هي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خافوه فحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج و غيره ممن لا أتهم عن عبد الله بن عباس قال : لما اجتمعوا لذلك و اتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له و كان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة فاعترضهم إبليس لعنه الله في هيئة شيخ جليل عليه بت له فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا : من الشيخ ؟ قال : شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون و عسى أن لا يعدمكم منه رأيا و نصحا قالوا : أجل فادخل فدخل معهم و قد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو سفيان بن حرب و من بني نوفل ابن عبد مناف : طعيمة بن عدي و جبير بن مطعم و الحارث بن عمرو بن نوفل و من بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة و من بني أسد بن عبد العزى : أبو البحتري بن هشام و زمعة بن الأسود و حكيم بن حزام و من بني مخزوم : أبو جهل بن هشام و من بني سهم : نبيه و منبه ابنا الحجاج و من بني جمح : أمية بن خلف و من كان منهم و غيرهم ممن لا يعد من قريش
فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم و إنا و الله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا قال : فتشاوروا ثم قال قائل منهم : احبسوه في الحديد و أغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهير و النابغة و من مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه ما أصابهم قال الشيخ النجدي : لا و الله ما هذا لكم برأي و الله لو حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم ما هذا لكم برأي فانظروا إلى غيره فتشاوروا ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلادنا فإذا خرج عنا فو الله ما نبالي أين ذهب و لا حيث وقع إذا غاب عنا و فرعنا منه فأصلحنا أمرنا و ألفتنا كما كانت قال الشيخ النجدي : و الله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه و حلاوة منطقه و غلبته على قلوب الرجال بما يأتي به و الله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب بذلك عليهم من قوله و حديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا فيه رأيا غير هذا قال : فقال أبو جهل بن هشام : و الله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا : و ما هو يا أبا الحكم ؟ قال : أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا و سيطا ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فيرضوا منا بالعقل فعلقناه لهم قال : يقول الشيخ النجدي : القول ما قال هذا الرجل هذا الرأي و لا رأي غيره فتفرق القوم على ذلك و هم مجمعون له
فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال : فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب : نم على فراشي و تسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم عليه فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام في برده ذلك إذا نام
فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : لما اجتمعوا له و فيهم أبو جهل بن هشام فقال و هم على بابه : إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب و العجم ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان كجنان الأردن و إن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم نار تحرقون فيها قال : وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال : نعم أنا أقول ذلك و أنت أحدهم و أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم و هو يتلو هذه الآيات { يس و القرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم } إلى قوله : { فأغشيناهم فهم لا يبصرون } [ يس : 1 ـ 9 ] حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذه الآيات ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال : و ما تنتظرون ها هنا ؟ قالوا : محمدا قال : قد خيبكم الله قد و الله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا و انطلق لحاجته أفما ترون ما بكم ؟ قال : فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون : و الله إن هذا لمحمد نائما عليه بردة فلم يزالوا كذلك حتى أصبحو فقام علي عن الفراش فقالوا : و الله لقد صدقنا الذي كان حدثنا
فكان مما أنزل الله من القرآن في ذلك : { و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين } [ الأنفال : 30 ] و قول الله تعالى : { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تلابصوا فإني معكم من المتربصين } [ الطور : 30 ـ 31 ] ] (1/291)
قوله / : بقباء هو مسكن بني عمرو بن عوف على فرسخ من المدينة و يمد و يقصر و يؤنث و يذكر و يصرف و لا يصرف
و ذكر في مهاجري بني دودان بن أسد : بنات جحش بن رئاب و هن : زينب وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب وهي التي كانت عند زيد ابن حارثة و نزلت فيها { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ]
وحمنة بنت جحش و هي التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف و أم حبيبة و قال السهيلي : أم حبيب و حكاه أبو عمر و قال : هو قول أكثرهم و كان شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله يقول : أم حبيب حبيبة و أما الحافظ أبو القاسم بن عساكر فعنده أم حبيبة و اسمها حمنة فهما اثنتان ـ على هذا ـ فقط و لم أجد في جمهرة ابن الكلبي و كتاب أبي محمد بن حزم في النسب غير زينب و حمنة و السهيلي يقول : كانت زينب عند زيد بن حارثة و أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف و حمنة تحت مصعب بن عمير و قال : و وقع في الموطأ وهم أن زينب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف و لم يقله أحد و الغلط لا يسلم منه بشر غير أن شيخنا أبا عبد الله محمد بن نجاح أخبرنا : أن أم حبيب كان اسمها زينب فهما زينبان غلبت على إحداهما الكنية فعلى هذا لا يكون في حديث الموطأ وهم
و ذكر جدامة بنت جندل ـ و هي بالدال المهملة و من أعجمها فقد صحف ـ قال السهيلي : و أحسبها جدامة بنت وهب قلت : جادمة بنت جندل غير معروفة و الذي ذكره أبو عمر جدامة بنت وهب أسلمت بمكة و هاجرت مع قومها إلى المدينة لا يعرف غير ذلك
و ذكر في المهاجرين محرز بن نضلة و ابن عقبة يقول فيه : محرز بن وهب
و ذكر في خبر يوم الزحمة : تشاور قريش في أمره عليه السلام و لم يسم المشيرين و كان الذي أشار بحبسه أبو البختري بن هشام و الذي أشار بإخراجه و نفيه هو أبو الأسود ربيعة بن عمير أخو بني عامر بن لؤي ذكره السهيلي عن ابن سلام (1/295)
[ قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بعربيل من غوطة دمشق أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمدالأنصاري حضورا في الرابعة أخبرنا أبو الحسن السلمي أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد بن أحمد بن طلاب الخطيب قال علي بن أبي طالب أخبرنا ابن جميع حدثنا إبراهيم بن معاوية حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا نصر بن عاصم حدثنا الوليد حدثنا طلحة عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و الله إني لآخرج منك و إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله و أكرمها على الله و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك ]
و كان أبو بكر يستأذنه عليه الصلاة و السلام في الهجرة فيثبطه ليكون معه من غير أن يصرح له بذلك [ كما أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقدسي بقراءة و الدي عليه و أنا حاضر في الرابعة و أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بقراءتي عليه بظاهر دمشق قالا : أخبرنا ابن ملاعب أخبرنا الأموري أخبرنا يوسف بن محمد بن أحمد أخبرنا أبو عمر بن مهدي أخبرنا ابن مخلد حدثنا ابن كرامة حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : استأذن أبو بكر في الخروج من مكة حين اشتد عليه الأذى فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقم فقال : يا رسول الله ! أتطمع أن يؤذن لك ؟ فيقول : إني لأرجو ذلك فانتظره أبو بكر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم ظهرا فناداه فقال : أخرج من عندك فقال : يا رسول الله إنما هما ابنتاي قال : أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج ؟ فقال : يا رسول الله ! الصحبة فقال : الصحبة قال : يا رسول الله ! عندي ناقتان قد أعددتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه و سلم إحداهما ـ وهي الجدعاء ـ فركبها فانطلقا حتى أتيا الغار و هو بثور فتواريا فيه و كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن طفيل و هو أخو عائشة لأمها و كانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها و يغدو عليها و يصبح فيدلج إليهم ثم يسرح و لا يفطن له أحد من الرعاء فلما خرجا خرج معهما يعقبانه حتى قدم المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة ] (1/296)
قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق أخبركم الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن ابن محمد بن البن الأسدي قراءة عليه و أنت تسمع قال : أخبرنا جدي قال : أخبرنا أبو القاسم بن أبي العلاء أخبرنا ابن أبي النصر أخبرنا خيثمة حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي حدثنا أبو مصعب المكي قال : أدركت أنس بن مالك و زيد بن أرقم و المغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون : أن النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم فسترته و أمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار و أقبل فتيان قريش من كل بطن يعصيهم و هراويهم و سيوفهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه و سلم على أربعين ذراعا تعجل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا له : مالك ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه أحد فسمع النبي صلى الله عليه و سلم ما قال فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل قد درأ عنه (1/297)
روينا من طريق البخاري [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : لم أعقل أبوي إلا و هما يدينان الدين و لم يمر علينا إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة و عشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرأ نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة و هو سيد القارة فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ قال أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج إنك تكسب المعدوم و تصل الرحم و تحمل الكل و تقري الضيف و تعين على نوائب الحق فأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع و ارتحل مع ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم : إن أبا بكر لا يخرج مثله و لا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم و يصل الرحم ويحمل الكل و يقري الضيف و يعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة و قالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء و لا يؤذنا بذلك و لا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا و أبناءنا فقال ذلك ابن اللدغنة لأبي بكر
فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره و لا يستعلن بصلاته و لا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه و يقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين و أبناؤهم وهم يعجبون منه و ينظرون إليه و كان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة و القراءة فيه و إنا قد خشينا أن يفتن نساءنا و أبناءنا بهذا فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل و إن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك و لسنا مقرين للأبي بكر الاستعلان
قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك و إما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال له أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك و أرضى بجوار الله و النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين : إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين و هما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة و رجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة و تجهز أبو بكر قبل المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر : هل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال : نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه و علف را حلتين عنده ورق السمر ـ و هو الخبط ـ أربعة أشهر ]
قال ابن شهاب : [ قال عروة : قالت عائشة : فبينا نحن جلوس يوما في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر : فدى له أبي و أمي و الله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستأذن فأذن لي فدخل فقال النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر : أخرج من عندك فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال : فإنه قد أذن لي في الخروج فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل بالثمن قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز و صنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر بغار في جبل ثور فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر و هو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام و يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل ـ و هو لبن منحتهما و رضيفهما ـ حين ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث و استأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر رجلا من بني الديل ـ و هو من بني عبد بن عدي ـ هاديا خريتا ـ و الخريت : الماهر بالهداية ـ قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي و هو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما و واعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث و انطلق معهما عامر بن فهيرة و الدليل فأخذ بهم على طريق السواحل
قال ابن شهاب : و أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي ـ و هو ابن أخي سراقة ابن مالك بن جعشم ـ أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى أقام علينا و نحن جلوس فقال : يا سراقة ! إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا و أصحابه قال سراقة : فعرفت أنهم هم فقلت له : إنهم ليسوا بهم و لكنك رأيت فلانا و فلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي و هي من وراء أكمة فتحبسها علي و أخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه و خفضت عاله حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها : أضرهم أم لا ؟ فخرج الذي أكره فركبت فرسي ـ و عصيت الأزلام ـ تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو لا يلتفت و أبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم و وقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له : إن قومك جعلوا فيك الدية و أخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم و عرضت عليهم الزاد و المتاع فلم يرزآني و لم يسألاني إلا أن قالا : أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر ثياب بياض و سمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أو في رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب ! هذا جدكم الذي تنتظرون فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في دار بني عمرو ابن عوف و ذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة و أسس المسجد الذي أسس على التقوى و صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ركب راحلته فسار بمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة و هو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين و كان مربدا للتمر لسهل و سهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بركت به راحلته : هذا إن شاء الله تعالى المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبه منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن في بنائه و يقول و هو ينقل اللبن :
( هذا الحمال لا حمال خبر ... هذا أبر ربنا و أطهر )
( اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار و المهاجرة )
تمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي ]
قال ابن شهاب : و لم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات
كذا وقع في هذا الخبر أن الذي كسا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبا بكر الزبير و ذكر موسى ابن عقبة أنه طلحة بن عبيد الله في خبر ذكره
[ و روينا من طريق البخاري أن أبا بكر كان يسأل عن النبي صلى الله عليه و سلم : من هذا ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني الطريق قال : فيحسب الحاسب أنه يعني الطريق و إنما يعني سبيل الخير ]
و روينا من طريق ابن إسحاق : [ أنه عليه الصلاة و السلام أعلم عليا بمخرجه و أمره أن يتخلف بعده حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس و أن أبا بكر خرج بماله كله و هو فيما قيل خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم ]
[ أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس و يوسف بن يعقوب بن المجاور قراءة على الأول و أنا أسمع بالقاهرة و بقراءتي على الثاني بسفح قاسيون قالا : حدثنا أبو اليمن الكندي أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري أخبرنا أبو طالب العشاري أخبرنا أبو الحسين بن سمعون حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك أخبرنا يحيى بن إسماعيل الحريري حدثنا جعفر بن علي حدثنا سيف عن بكر بن وائل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أحد أمن علي في صحبته و ذات يده من أبي بكر و ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر و لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ]
و جهل أهل مكة الخبر عنهم إلى أن سمعوا الهاتف يهتف بالشعر الذي فيه ذكر أم معبد فعلموا أنهم توجهوا نحو يثرب قد نجوا منهم (1/298)
[ أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف المزي والدي عليه و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بقراءتي عليه قالا : أخبرنا ابن طبرزد أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن غيلان أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن يونس القرشي حدثنا عبد العزيز بن يحيى مولى العباس بن عبد المطلب حدثنا محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده أبي سليط و كان بدريا قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الهجرة و معه أبو بكر الصديق و عامر بن فهيرة مولى أبي بكر و ابن أريقط يدلهم على الطريق مروا بأم معبد الخزاعية و هي لا تعرفهم فقال لها : يا أم معبد هل عندك من لبن ؟ قالت : لا و الله إن الغنم لعازبة قال : فما هذه الشاة التي أرى ـ لشاة رآها في كفاء البيت ـ قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم قال : أتأذنين في حلابها ؟ قالت : لا و الله ما ضربها من فحل قط فشأنك بها فدعا بها فمسح ظهرها و ضرعها ثم دعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه فملأه فسقى أصحابه عللا بعد نهل ثم حلب فيه آخر فغادره عندها و ارتحل فلما جاء زوجها عند المساء قال : يا أم معبد ! ماهذا اللبن و لا حلوبة في البيت و الغنم عازبة ؟ قالت لا و الله إلا أنه مر بنا رجل ظاهر الوضاءة متبلج الوجه في أشفاره وطف و في عينيه دعج و في صوته صحل غصن بين الغصنين لا تشنؤه من طول و لا تقتحمه من قصر لم تعبه ثجلة و لم تزره صعلة كأن عنقه إبريق فضة إذا صمت فعليه البهاء و إذا نطق فعليه وقار له كلام كخرزات النظم أزين أصحابه منظرا و أحسنهم وجها أصحابه يحفون به إذا أمر ابتدروا أمره و إذا نهى اتفقوا عند نهايته قال : هذه و الله صفة صاحب قريش و لو رأيته لاتبعته و لاجتهدن أن أفعل
قال : فلم يعلموا بمكة أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر حتى سمعوا هاتفا على رأس أبي قبيس و هو يقول :
( جزى الله خيرا و الجزاء بكفه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( هما رحلا بالحق و انتزلا به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد )
( فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر و أوفى ذمة من محمد )
( و أكسى لبرد الخال قبل ابتذاله ... و أعطى برأس السابح المتجرد )
( ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... و مقعدها للمؤمنين بمرصد ) ]
و به قال أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال : حدثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر رضي الله عنه فخرجت إليهم فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : و الله لا أدري أين أبي قالت : فرفع أبو جهل يده ـ و كان فاحشا خبيثا ـ فلطم خدي لطمة خرم منها قرطي قالت : ثم انصرفوا فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغني بأبيات غنى بها العرب و إن الناس ليتبعونه يسمعون صوته و ما يرونه حتى خرج بأعلى مكة :
( جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( هما نزلاها بالهدى و اغتدوا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد )
( ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... و مقعدها للمؤمنين بمرصد )
قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث
و قد روينا حديث أسماء هذا متصلا من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء أخبرنا عبد الله بن أحمد بن فارس قراءة عليه و أنا أسمع بالقاهرة و أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بقراءة عليه بسفح قاسيون قالا : أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري أخبرنا أبو طالب محمد ابن علي بن الفتح أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد حدثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك الشيباني أخبرنا يحيى بن إسماعيل حدثنا جعفر بن علي حدثنا سيف عن هشام ابن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ارتحل النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر فلبثنا أياما ثلاثة أو أربعة أو خمس ليال لا ندري أين توجه و لا يأتينا عنه خبر حتى أقبل رجل من الجن الحديث بنحو ما تقدم
و روينا عن أبي بكر الشافعي بالسند المتقدم حدثنا بشر بن أنس أبو الخير حدثنا أبو هشام محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن زيد بن ثابت بن يسار الكعبي الربعي الخزاعي حدثني عمي أيوب بن الحكم قال الشافعي : و حدثني أحمد ابن يوسف بن تميم البصري حدثنا أبو هاشم محمد بن سليمان بن زيد قال : حدثني عمي أيوب بن الحكم عن حزام بن هشام عن أبيه هشام عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة فذكر نحو ما تقدم من خبر أبي سليط و ذكر الأبيات و زاد فيها :
( فيا لقصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجاري و سودد )
( سلوا أختكم عن شاتها و إنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد )
( دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد )
( فغادرها رهنا لديها بحالب ... ترددها في مصدر ثم مورد )
فلما سمع حسان بن ثابت قال يجاوب الهاتف :
( لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... و قدس من يسري إليه و يغتدي )
( ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... و حل على قوم بنور مجدد )
( هداهم به بعد الصلالة ربهم ... و أرشدهم من يتبع الحق يرشد )
( و قد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد )
( نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... و يتلو كتاب الله في كل مسجد )
( و إن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد )
( ليهن أبو بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد )
و اجتاز رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجهه ذلك بعبد يرعى غنما فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقي بسنده [ عن قيس بن النعمان قال : لما انطلق النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر مستخفيين مرا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال : ما عندي شاة تحلب غير أن ها هنا عناقا حملت أول و قد أخدجت و ما بقي لها لبن فقال : ادع بها فدعا بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه و سلم و مسح ضرعها و دعا حتى أنزلت و قال : جاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقي الراعي ثم حلب فشرب فقال الراعي : بالله من أنت ؟ فو الله ما رأيت مثلك قال : أو تراك تكتم علي حتى أخبرك ؟ قال : نعم قال : فإني محمد رسول الله فقال : أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ ؟ قال : إنهم ليقولون ذلك ؟ قال : فأشهد أنك نبي و أن ما جئت به حق و أنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي و أنا متبعك قال : إنك لن تستطيع ذلك يومك فإذا بلغك أني قد ظهرت فائتنا ] (1/304)
العثان : بضم العين المهملة و الثاء المثلثة : شبه الدخان و هو مفسر في الخبر بذلك و جمعه عواثن
الحمال : جمع أو مصدر أي هذا الحمل أو المحمول من اللبن أفضل من حمال خيبر التمر و الزبيت المحمول منها قيل رواه المستعلي بالجيم فيهما و له وجه الأول أظهر
و أم معبد : عاتكة بنت خالد إحدى بني كعب من خزاعة و هي أخت حبيش ابن خالد الذي روينا الخبر من طريقه و له صحبة و كان منزلها بقديد
و أبو سليط : أسيرة بن عمرو أنصاري من بني النجار شهد بدرا و ما بعدها و وقع في الأبيات التي رويناها في الخبر من طريقه
( فما حملت من ناقة فوق رحلها )
البيت و الذي يليه في ذلك الشعر و ليس ذلك بمعروف و المعروف في هذا الشعر أنه لأبي أناس الديلي رهط أبي الأسود صحابي ذكره أبو عمر و عمه سارية بن زنيم الذي قال له عمر بن الخطاب : يا سارية الجبل و كان أبو أناس شاعرا و هو القائل لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
( تعلم رسول الله أنك قادر ... على كل حاف من تهام و منجد )
و هي طويلة منها :
( و ما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر و أوفى ذمة من محمد )
و تضمن حديث أم معبد أشياء من صفة النبي صلى الله عليه و سلم يأتي شرحها في الشمائل إن شاء الله تعالى
و كفاء البيت : سترة في البيت من أعلاه إلى أسفله من مؤخره و قيل : الكفاء : الشقة التي تكون في مؤخر الخباء و قيل : هو كساء يلقى على خباء كالإزار حتى يبلغ الأرض و قد أكفى البيت ذكره ابن سيده (1/309)
و كان أهل المدينة يتوكفون قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغهم توجهه إليهم فكانوا يخرجون كل يوم لذلك أول النهار ثم يرجعون حتى كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول خرجوا لذلك على عادتهم فرجعوا و لم يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قدم من يومه ذلك حين اشتد الضحاء فنزل بقباء على بني عمرو بن عوف على كلثوم بن هدم و كان يجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة
قال الواقدي : و نزل على كلثوم أيضا جماعة من الصحابة منهم : أبو عبيدة بن الجراح و المقداد بن عمرو و خباب بن الأرت و سهيل و صفوان ابنا بيضاء و عياض ابن زهير و عبد الله بن مخرمة و وهب بن سعد بن أبي سرح و معمر بن أبي سرح و عمرو بن أبي عمرو من بني محارب بن فهر و عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو و كل هؤلاء قد شهد بدرا ثم يلبث كلثوم أن مات قبل بدر و كان رجلا صالحا غير مغموص عليه انتهى كلام الواقدي
و قيل : نزل أبو بكر على خبيب بن إساف و قيل : على خارجة بن زيد بن أبي زهير
و أقام علي بمكة ثلاث ليال حتى أدى الودائع التي كانت عند النبي صلى الله عليه و سلم للناس ثم جاء فنزل علي كلثوم فكان يقول : كان بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة فرأيت إنسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه قال : فاستربت شأنه فقلت : يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو و أنت امرأة مسلمة لا زوج لك ؟ قالت : هذا سهل بن حنيف قد عرف أني امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال احتطبي بهذا فكان علي يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف
و كان فيمن خرج لينظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام
[ أخبرنا الشيخان أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ أخبرنا أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو طالب بن غيلان أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا معاذ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عوف قال : حدثنا زرارة قال : قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قيل : قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فانجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل فلما رأيت وجهه صلى الله عليه و سلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فأول ما سمعته يقول : أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ]
و أشرقت المدينة بقدومه صلى الله عليه و سلم و سرى السرور إلى القلوب بحلوله بها
روينا من طريق ابن ماجه حدثنا بشر بن هلال الصواف حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء و ما نفضنا عن النبي صلى الله عليه و سلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا
و روى ابن أبي خيثمة عن أنس : شهدت يوم دخول النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فلم أر يوما أحسن منه و لا أضوأ
و روى البخاري من حديث البراء بن عازب قال : فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه و سلم الحديث
قال ابن إسحاق : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين و يوم الثلاثاء و يوم الأربعاء و يوم الخميس و أسس مسجدهم ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة و بنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك
و قد روينا عن أنس من طريق البخاري إقامته فيهم أربع عشرة ليلة و المشهور عند أصحاب المغازي ما ذكره ابن إسحاق
[ فأدركت رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة فأتاه عتبان بن مالك و عباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا في العدد و العدة و المنعة قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ـ لناقته فخلوا سبيلها فانطلقت حتى وازت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد و فروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا إلى العدد و العدة و المنعة فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا : يا رسول الله هام إلينا إلى العدد و العدة و المنعة قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع و خارجة بن زيد و عبد الله بن رواحة في رجال من بني بلحارث بن الخزرج فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلينا إلى العدد و العدة و المنعة قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها حتى إذا مرت بدار عدي بن النجار ـ و هم أخواله دينا أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم ـ اعترضه سليط بن قيس و أبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا : يا رسول الله ! هلم إلى أخوالك إلى العدد و المنعة قال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه و سلم و هو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني مالك بن النجار في حجر معاذ بن عفراء سهل و سهيل ابني عمرو فلما بركت و رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ينزل و ثبت فسارت غير بعيد و رسول الله صلى الله عليه و سلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت و أرزمت و وضعت جرانها و نزل عنها رسول الله صلى الله عليه و سلم و احتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته و نزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ] (1/311)
[ و سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل و سهيل ابني عمرو و هما يتيمان لي و سأرضيهما منه فاتخذه مسجدا فأمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبني و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي أيوب حتى بني مسجده و مساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرغب المسلمين في العمل فيه فعمل فيه المهاجرون و الأنصار و دأبوا فيه فقال قائل من المسلمين :
( لئن قعدنا و النبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل )
و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة يبني له فيها مسجده و مساكنه ]
قال أبو عمر : [ و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أبى أن يأخذه إلا بثمن فالله أعلم فبني رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده و جعل عضادتيه الحجارة و سواريه جذوع النخل و سقفه جريدها بعد أن نبش قبور المشركين و سواها و سوى الخرب و قطع النخل و عمل فيه المسلمون حسبة
و مات أبو أمامة أسعد بن زرارة حينئذ فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدا شديدا و كان قد كواه من ذبحة نزلت به و كان نقيب بني النجار فلم يجعل عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم نقيبا بعده و قال لهم : أنا نقيبكم فكانت من مفاخرهم ]
و ذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري [ قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أبي أيوب و أراده قوم من الخزرج على النزول عليهم فقال : المرء مع رحله فكان مقامه في منزل أبي أيوب سبعة أشهر و نزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر و وهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه و سلم كل فضل كان في خططها و قالوا : يا نبي الله ! إن شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا قالوا : و كان أبو أمامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه في مسجد له فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي فيه ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل و سهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة ابن غنم
كذا نسبهما البلاذري و هو يخالف ما سبق عن ابن إسحاق و غيره و الأول أشهر
قال : فعرض عليه أن يأخذها و يغرم عنه لليتيمين ثمنها فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك و ابتاعها منهما بعشر دنانير أداها من مال أبي بكر
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ و بني به المسجد و رفع أساسه بالحجارة و سقف بالجريد و جعلت عمده جذوعا ] فلما استخلف أبو بكر لم يحدث فيه شئيا و استخلف عمر فوسعه فكلم العباس بن عبد المطلب في بيع داره ليزيدها فيه فوهبها العباس لله و للمسلمين فزادها عمر في المسجد ثم إن عثمان بناه في خلافته بالحجارة و القصة و جعل عمده حجارة و سقفه بالساج و زاد فيه و نقل إليه الحصباء من العقيق و كان أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم بناها بحجارة منقوشة ثم لم يحدث فيه شيء إلى أن ولي الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه فكتب إلى عمر بن عبد العزيز و هو عامله على المدينة يأمره بهدم المسجد و بنائه و بعث إليه بمال و فيسفساء و رخام و بثمانين صانعا من الروم و القبط من أهل الشام و مصر فبناه و زاد فيه و ولي القيام بأمره و النفقة عليه صالح بن كيسان و ذلك في سنة سبع و ثمانين و يقال في سنة ثمان و ثمانين
ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف المهدي قال الواقدي : بعث المهدي عبد الملك بن شبيب الغساني و ررجلا من ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها و الزيادة فيه و عليها يومئذ جعفر بن سليمان بن علي فمكثا في عمله سنة و زاد في مؤخره مائة ذراع فصار طوله ثلاثمائة ذراع و عرضه مائتي ذراع و قال علي بن محمد المدائني : ولى المهدي جعفر بن سليمان مكة و المدينة و اليمامة فزاد في مسجد مكة و مسجد المدينة فتم بناء مسجد المدينة في سنة اثنتين و ستين و مائة و كان المهدي أتى المدينة في سنة ستين قبل الهجرة فأمر بقلع المقصورة و تسويتها مع المسجد (1/315)
قال ابن إسحاق : [ و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا بين المهاجرين و الأنصار و وداع فيه يهود و عاهدهم و أقرهم على دينهم و أموالهم و شرط لهم و اشترط عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه و سلم بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب و من تبعهم فلحق بهم و جاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى و كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين و ذكر كذلك في بني ساعدة و بني جشم و بني النجار و بني عمرو ابن عوف و بني النبيت و بني الأوس و إن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل و لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه و إن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين و إن أيديهم عليه جميعا و لو كان ولد أحدهم و لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر و لا ينصر كافر على مؤمن و إن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم و إن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس و إنه من تبعنا من يهود فإن له النصر و الأسوة غير مظلمومين و لا متناصر عليهم و إن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن من دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء أو عدل بينهم و إن لكل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله و إن المؤمنين المتقين على أحسن هدى و أقومه و إنه لا يجير مشرك مالا لقريش و لا نفسا و لا يحول دونه على مؤمن و إنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا يرضى ولي المقتول و إن المؤمنين عليه كافة و لا يحل لهم إلا قيام عليه و إن يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة و آمن بالله و اليوم آخر أن ينصر محدثا و لا يؤويه و إن من نصره آو آواه فإن عليه لعنة الله و غضبه يوم القيامة و لا يؤخذ منه صرف و لا عدل و إنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله و إلى محمد و إن اليهود يثقفون مع المؤمنين ما داموا محاربين و إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم و للمسلمين دينهم مواليهم و أنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه و أهل بيته و ذكر مثل ذلك ليهود بني النجار و بني الحارث و بني ساعدة و بني جشم و بني الأوس و بني ثعلبة و بين الشطبة و إن جفنة بطن من ثعلبة و إن بطانة يهود كأنفسهم و إن البر دون الإثم و إن موالي ثعلبة كأنفسهم و إنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد و إنه لا ينحجز عن ثأر جرح و إنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم و إن الله على أبر هذا و إن على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم و إن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة و إن بينهم النصح و النصيحة و البر دون الإثم و إنه لن يأثم امرؤ بحليفه و إن النصر للمظلوم و إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة و إن الجار كالنفس غير مضار و لا آثم و إنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها و إنه ما كان بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله و إلى محمد صلى الله عليه و سلم و إن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة و أبره و إنه لاتجار قريش و لا من نصرها و إن بينهم النصر على من دهم يثرب و إذا دعوا إلى صلح يصالحونه و يلبسونه فإنهم يصالحونه و يلبسونه و إنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم و إن يهود الأوس مواليهم و أنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة و إن البر دون الإثم و لا يكتسب كاسب إلا على نفسه و إن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة و أبره و إنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم و لا آثم و إن من خرج آمن و من قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو إثم و إن الله جار لمن بر و أتقى و محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
هكذا ذكره ابن إسحاق و قد ذكره ابن أبي خيثمة فأسنده : حدثنا أحمد بن جناب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب كتابا بين المهاجرين و الأنصار فذكره بنحوه (1/318)
الربعة : الحالة التي جاء الإسلام و هم عليها من كتاب المزني قال الخشني : ربعة و ربعة و كذلك رباعة و رباعة
و المفرح : رواه ابن جريج مفرجا قال أبو عبيدة ومعناهما واحد و قال أبو عبيد : سمعت محمد بن الحسن يقول هذا يروى بالحاء و بالجيم قال أبو العباس ثعلب : المفرح المثقل من الديون و بالجيم الذي لا عشيرة له و قال أبو عبيدة : المفرج بالجيم أن يسلم الرجل فلا يوالي أحدا بقول فتكون جنايته على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهو مفرج و قال بعضهم : هو الذي لا ديوان له و قال أبو عبيد القاسم بن سلام عن محمد بن الحسن : هو القتيل يوجد بأرض فلاة لا يكون عند قرية فإنه يودى من بيت المال و لا يظل دمه
و قوله : و إن المؤمنين يبيء بعضهم عن بعض : يعني أن دماءهم متكافئة يقال : ما فلان ببواء لفلان أي بكفؤ له و يقال : باء الرجل بصاحبه يبوء بواء إذا قتل به كفؤا و لم يفسره ابن قتيبة و معناه : يقتل بعضهم قاتل بعض يقال أبات لفلان قاتله : أي قتله و يوتغ : يفسد قاله ابن هشام
نقلت هذه الفوائد من خط جدي رحمه الله من حواشي كتابه الذي تقدم ذكره (1/320)
و كان المؤاخاة مرتين : الأولى بين المهاجرين بعضهم و بعض قبل الهجرة على الحق و المؤساة آخى بينهم النبي صلى الله عليه و سلم فآخى بين أبي بكر و عمر و بين حمزة و زيد بن حارثة و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف و بين الزبير و ابن مسعود و بين عبيدة بن الحارث و بلال و بين مصعب بن عمير و سعد بن أبي وقاص و بين عبيدة و سالم مولى أبي حذيفة و بين سعيد بن زيد و طلحة بن عبيد الله و بين علي و نفسه صلى الله عليه و سلم
قرأت على أبي الربيع سليمان بن أحمد المرجاني بثغر الاسكندرية و غيره [ عن محمد ابن عماد أخبرنا ابن رفاعة أخبرنا الخلعي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن جعفر العطار حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري حدثنا أبو عبد الله محمد ابن زريق بن جامع المديني حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشر الأسدي حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن كثير النواء عن جميع بن عمير عن عبد الله بن عمر قال : آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه فآخى بين أبي بكر و عمر و فلان و فلان حتى بقي علي عليه السلام و كان رجلا شجاعا ماضيا على أمره إذا أراد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ترضى أن أكون أخاك ؟ قال : بلى يا رسول الله رضيت قال : فأنت أخي في الدنيا و الآخرة قال كثير : فقلت لجميع بن عمير : أنت تشهد بهذا على عبد الله بن عمر ؟ قال : نعم أشهد
فلما نزل عليه الصلاة و السلام المدينة آخى بين المهاجرين و الأنصار على المواساة و الحق في دار أنس بن مالك فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت وقت وقعة بدر و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأنفال : 75 ] فنسخت ذلك و كانت المؤاخاة بعد بنائه عليه الصلاة و السلام المسجد و قد قيل : كان ذلك و المسجد يبني ] و قال أبو عمر : بعد قدومه عليه السلام المدينة لخمسة أشهر
قرئ على أبي عبد الله بن أبي الفتح المقدسي بمرج دمشق و أنا أسمع أخبركم ابن الحرستاني سماعا قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور بن قبيس الغساني قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الحديد السلمي أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد أبو بكر الخرائطي قراءة عليه حدثنا سعدان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ! ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل و لا أحسن بذلا من كثير كفونا المؤنة و أشركونا في المهنأ حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله قال : لا ما أثنيتم عليهم و دعوتم لهم
و به إلى الخرائطي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن نافعر عن ابن عمر قال : لقد رأيتنا و ما الرجل المسلم بأحق بديناره و درهمه من أخيه المسلم رواه مسلم عن أبي كريب و الترمذي و النسائي عن هناد كلاهما عن أبي معاوية فوقع لنا بدلا عاليا لهم
و قال ابن إسحاق : [ آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصحابه من المهاجرين و الأنصار فقال : تآخوا في الله أخوين أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي أخوين و حمزة و زيد بن حارثة أخوين و إليه أوصى حمزة يوم أحد ]
و ذكر سنيد بن داود : أن زيد بن حارثة و أسيد بن حضير أخوان و هو حسن إذ هما الأنصاري و مهاجري و أما المؤاخاة بين حمزة و زيد فقد ذكرناها في المرة الأولى
رجع إلى ابن إسحاق : و جعفر بن أبي طالب و معاذ بن جبل أخوين و أنكره الواقدي لغبية جعفر بالحبشة و عند سنيد أن المؤاخاة كانت بين ابن مسعود و معاذ بن جبل
رجع : و أبو بكر بن أبي قحافة و خارجة بن زيد بن أبي زهير أخوين و عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك أخوين و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ أخوين و عبد الرحمن ابن عوف و سعد بن الربيع أخوين و الزيبر بن العوام و سلمة بن سلامة بن وقش أخوين و يقال : بل الزبير و عبد الله بن مسعود قلت : هذا كان في المؤخاة الأولى قبل الهجرة و عثمان بن عفان و أوس بن ثابت بن المنذر أخوين و طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك أخوين و سعيد بن زيد و أبي بن كعب أخوين و مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد ابن زيد أخوين و أبو حذيفة بن عتبة و عباد بن بشر أخوين و عمار بن ياسر و حذيفة ابن اليمان أخوين و يقال : بل ثابت بن قيس بن الشماس و أبو ذر و المنذر بن عمرو أخوين و أنكره الواقدي لغبية أبي ذر عن المدينة و قال : لم يشهد بدرا و لا أحدا و لا الخندق و إنما قدم بعد ذلك و عنده : طليب بن عمير و المنذر بن عمرو أخوين
رجع إلى ابن إسحاق : و حاطب بن أبي بلتعة و عويم بن ساعدة أخوين و سلمان الفارسي و أبو الدرداء أخوين و بلال و أبو رو يحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي أخوين و عند سنيد بن داود فيما حكاه أبو عمر المؤاخاة بين أبي مرثد و عبادة بن الصامت و بين سعد بن أبي وقاص و سعد بن معاذ و بين عبد الله بن جحش و عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و بين عتبة بن عزوان و أبي دجانة و بين أبي سلمة بن عبد الأسد و سعد بن خيثمة و بين عثمان بن مظعون و أبي الهيثم بن التيهان و زاد غيره : و بين عبيدة ابن الحارث و عمير بن الحمام و بين الطفيل بن الحارث أخي عبيدة و سفيان بن نسر ابن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج و بين الحصين أخيهما و عبد الله بن جبير و بين عثمان بن مظعون و العباس بن عبادة بن نضلة و بين صفوان بن بيضاء و رافع بن المعلى و بين المقداد و ابن رواحة و بين ذي الشمالين و يزيد بن الحارث ـ من بني حارثة ـ و بين عمير بن أبي وقاص و خبيب بن عدي و بين عبد الله بن مظعون و قطبة ابن عامر ابن حديدة و بين شماس بن عثمان و حنظلة بن أبي عامر و بين الأرقم بن أبي الأرقم و طلحة بن زيد و بين زيد بن الخطاب و معن بن عدي و بين عمرو بن سراقة و سعد بن زيد ـ من بني عبد الأشهل ـ و بين عاقل بن البكير و مبشر بن عبد المنذر و بين عبد الله بن مخرمة و فروة بن عمرو البياضي و بين خنيس بن حذافة و المنذر بن محمد بن عقبة ابن أحيحة بن الجلاح و بين سبرة بن أبي رهم و عبادة بن الخشخاش و بين مسطح بن أثاثة و زيد بن المزين و بين عكاشة بن محصن و المجذر بن ذياد حليف الأنصار ـ و بين عامر بن فهيرة و الحارث بن الصمة و بين مهجع مولى عمر و سراقة بن عمرو بن عطية ـ من بني غنم بن مالك بن النجار ـ
و كل هذ المزيد عن أبي عمر و قيل : كان عددهم مائة : خمسين من المهاجرين و خمسين من الأنصار
و زيد بن المزين كذا وجد بخط أبي عمر بزاي مفتوحة و الياء آخر الحروف مشددة مفتوحة و في أصل ابن مفوز : المزين بكسر الميم ساكنة الزاي مفتوحة الياء عند ابن هشام : ابن المزني
قال ابن إسحاق : فلما دون عمر الدواوين بالشام و كان بلال قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهد فقال عمر لبلال : إلى من تجعل ديوانك ؟ قال : مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عقد بيني و بينه فضمه إليه و ضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم فهو في خثعم إلى هذا اليوم بالشام
أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي و غازي بن أبي الفضل الدمشقي قالا : أخبرنا عمر بن محمد بن معمر أخبرنا هبة الله بن محمد أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله حدثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر الثقفي حدثنا العلاء ابن عمرو الحنفي حدثنا أيوب بن مدرك عن مكحول عن أبي أمامة قال : لما آخى النبي صلى الله عليه و سلم بين الناس آخى بينه و بين علي
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح فيما قرأ عليه الحافظ أبو الحجاج المزي و أنا أسمع قال له : أخبرك القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد المالكي سماعا أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد السلمي أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي حدثنا سعدان بن يزيد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف هاجر إلى المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه و بين سعد بن الربيع فقال له سعد : يا عبد الرحمن إني من أكثر الأنصار مالا و أنا مقاسمك و عندي امرأتان فأنا مطلق إحداهما فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال له : بارك الله لك في أهلك و مالك رواه البخاري من حديث حميد عن أنس أطول من هذا (1/321)
و كان الناس إنما يجتمعون إلى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة فهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم ثم كرهه ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب به للمسلمين في الصلاة فبينما هم على ذلك رأى عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ـ أخو بلحارث بن الخزرج ـ النداء
روينا من طريق أبي داود [ حدثنا عباد بن موسى الختلي و زياد بن أيوب و حديث عباد أتم قالا : حدثنا هشيم عن أبي بشر قال زياد أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير ابن أنس عن عمومة له من الأنصار قال : اهتم النبي صلى الله عليه و سلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال : فذكر له القنع ـ يعني الشبور ـ و قال زياد : شبور اليهود فلم يعجبه ذلك و قال : هو من أمر اليهود قال : فذكر له الناقوس فقال : هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد و هو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأري الأذان في منامه قال فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال يا رسول الله ! إني لبي نائم و يقظان إذا أتاني آت فأراني الأذان قال : و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال : ثم أخبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال له : ما منعك أن تخبرني فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا بلال ! قم فانظر ماذا يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله فأذن بلال قال أبو بشر : فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذنا ]
و روينا عن ابن إسحاق من طريق زياد و من طريق أبي داود [ حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : حدثني أبي عبد الله بن زيد قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس يجمع للصلاة طاف بي و أنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت : يا عبد الله ! أتبيع الناقوس ؟ قال : و ما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت : بلى فقال تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الله لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال : ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول إذا قامت الصلاة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه و يؤذن به قال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب و هو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : و الذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فلله الحمد ] اللفظ لأبي داود
قال ابن هشام : [ و ذكر ابن جريج قال : قال لي عطاء : سمعت عبيد بن عمرو يقول : ائتمر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة فذهب إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليخبره بالذي رأى و قد جاء النبي صلى الله عليه و سلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله حين أخبره بذلك : قد سبقك بذلك الوحي ]
و كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم بلال و ابن أم مكتوم و أبو محذورة و سعد القرظ و هو ابن عائذ مولى عمار بن ياسر و كان يلزم التجارة في القرظ فعرف بذلك و كان يؤذن لأهل قباء و ابن أم مكتوم : عمرو بن قيس العامري و قيل : عبد الله و أبو محذورة : سمرة بن معير و قيل أوس
و روينا عن الطبراني : حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن عامر الأحول عن مكحول عن عبد بن محيريز عن أبي محذورة قال : علمني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعوذ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله رواه النسائي في سننه كذلك و رواه مسلم عن ابن راهويه فوقع لنا عاليا و هذا من أعز الموافقات
قال ابن إسحاق : و نصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله صلى الله عليه و سلم العداوة بغيا و حسدا و ضغنا لما خص الله به العرب من أخذه رسوله منهم و انضاف إليهم رجال من الأوس و الخزرج ممن كان عسى على جاهليته فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك و التكذيب بالمبعث إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره و اجتماع قومهم عليه فظهروا بالإسلام و اتخذوه جنة من القتل و نافقوا في السر فكان هواهم مع يهود و كان أحبار يهود هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينعتونه ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه إلا قليلا من المسائل في الحلال و الحرام كان المسلمون يسألون عنها فمن اليهود الموصوفين بذلك حيي بن أخطب و أخواه ياسر و جدي و سلام بن مشكم و كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق و كعب بن الأشرف و عبد الله بن صوريا الأعور ـ و من بني ثعلبة بن الفطيون ـ و لم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة و ابن صلوبا و مخيريق ـ و كان حبرهم ـ
و ذكر ابن إسحاق منهم جماعة : منهم عبد الله بن سلام و كان حبرهم و أعلمهم و كان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله (1/327)
و هو من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب نبي الله و هو حليف للقوافلة و هم بنو غنم و بنو سالم ابنا عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج
رويناعن ابن سعد : [ أخبرنا عبد الله بن عمر و أبو معمر المنقري حدثنا عبد الوارث ابن سعيد : حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة قالوا : جاء نبي الله فاستشرقوا ينظرون إذ سمع به عبد الله بن سلام و هو في نخل لأهله يخترف لهم منه فعجل أن يضع التي يخترف لهم فيها فجاء و هي معه فسمع من نبي الله صلى الله عليه و سلم ثم رجع إلى أهله فلما خلى نبي الله صلى الله عليه و سلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله حقا و أنك جئت بحق و لقد علمت اليهود أني سيدهم و ابن سيدهم و أعلمهم و ابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في فأرسل نبي الله صلى الله عليه و سلم إليهم فدخلوا عليه فقال لهم نبي الله صلى الله عليه و سلم : يا معشر اليهود ! ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا و أني جئتكم بحق أسلموا قالوا : ما نعلمه فأعادها عليهم ثلاثا و هم يجيبونه كذلك قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذلك سيدنا و ابن سيدنا و أعلمنا و ابن أعلمنا قال : أفرأيتم إن أسلم قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم فقال : يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج إليهم فقال : يا معشر اليهود ! ويلكم ! اتقوا الله و الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا و أنه جاء بالحق فقالوا : كذبت فأخرجهم النبي صلى الله عليه و سلم ] رواه البخاري من حديث عبد العزيز بن صهيب
و روينا من طريق البخاري : [ حدثني حامد بن عمر عن بشر بن المفضل حدثنا حميد حدثنا أنس : أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة و ما أول طعام يأكله أهل الجنة و ما بال الولد ينزع إلى أبيه و إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا قال ابن سلام : ذاك عدو اليهود من الملائكة قال : أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب و أما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت و أما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد و إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد قال : أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ] فذكر نحو ما تقدم
و روينا عن ابن سعد : [ أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله تعالى : { قل أرأيتم إن كان من عند الله و كفرتم به و شهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } [ الأحقاف : 10 ] قال جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ! إن اليهود أعظم قوم عضيهة فسلهم عني و خذ عليهم ميثاقا أني إن اتبعتك و آمنت بكتابك أن يؤمنوا بك و بكتابك الذي أنزل عليك و اخبئني يا رسول الله قبل أن يدخلوا عليك فأرسل إلى اليهود فقال : ما تعلمون عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : خيرنا و أعلمنا بكتاب الله سيدنا و عالمنا و أفضلنا قال : أرأيتم إن شهد أني رسول الله و آمن بالكتاب الذي أنزل علي تؤمنون بي ؟ قالوا : نعم فدعاه فخرج عليهم عبد الله فقال : يا عبد الله بن سلام ! أما تعلم أني رسول الله ؟ تجدوني مكتوبا عندكم في التوراة و الإنجيل أخذ الله ميثاقكم أن تؤمنوا بي و أن يتبعني من أدركني منكم ؟ قال : بلى قالوا : ما نعلم أنك رسول الله و كفروا به و هم يعلمون أنه رسول الله و أن ما قال حق فأنزل الله : { قل أرأيتم إن كان من عند الله } ـ يعني الكتاب و الرسول ـ { و كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله } يعني عبد الله بن سلام { فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [ الأحقاف : 10 ] ففي ذلك نزلت هذه الآية ] (1/331)
قال ابن إسحاق : و كان حبرا عالما غنيا كثير الأموال من النخل و كان يعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بصفته و ما يجد في علمه و غلب عليه إلف دينه فلم يزل على ذلك حتى كان يوم أحد يوم السبت قال : و الله يا معشر يهود إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق قالوا : إن اليوم يوم السبت قال : لا سبت لكم ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه بأحد و عهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالي إلى محمد يصنع فيها ما أراه الله فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل فكان رسول الله فيما بلغني يقول : [ مخيريق خير يهود ] و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أمواله فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة منها
و قال الواقدي : كان مخيريق أحد بني النضير حبرا عالما فآمن برسول الله صلى الله عليه و سلم و جعل ماله له و هو سبعة حوائط فجعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة و هي الميثب و الصافية و الدلال و حسنى و برقة و الأعواف و مشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي مارية القبطية (1/334)
و ذكر ابن إسحاق : عن عبد الله بن أبي بكر قال : حدثت عن صفية ابنة حيي أنها قالت : كنت أحب ولد أبي إليه و إلى عمي أبي ياسر فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة غدوا عليه ثم جاءا من العشي فسمعت عمي يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم و الله قال : أتعرفه و تثبته قال : نعم قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته ـ و الله ـ ما بقيت
و ذكر ابن إسحاق من المنافقين روي بن الحارث و الحارث بن سويد و جلاس بن سويد و كان ممن تخلف عن غزوة تبوك و قال : لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عمير بن سعد و كان في حجر جلاس خلف على أمه فقال له عمير : و الله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي و أحسنهم عندي يدا و لقد قلت مقالة لئن رفعتها عنك لأفضحنك و لئن صمت عليها ليهلكن ديني و لإحداهما أيسر علي من الأخرى ثم مشى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر له ما قال جلاس فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد كذب علي عمير و ما قلت ما قال فأنزل الله تعالى : { يحلفون بالله ما قالوا و لقد قالوا كلمة الكفر و كفروا بعد إسلامهم } إل قوله : { و ما لهم في الأرض من ولي و لا نصير } [ التوبة : 74 ] فزعموا أنه تاب فحسنت توبته
و زاد ابن سعد في هذا الخبر : فقال ـ يعني جلاسا ـ قد قلته و قد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب فقبل ذلك منه و كان له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك و كالن قد هم أن يلحق بالمشركين قال : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للغلام : [ و فت أذنك ] و قال الواقدي : و لم ينزع جلاس عن خير كان يصنعه إلى عمير فكان ذلك مما عرف به توبته
و أخوه الحارث هو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي يوم أحد بأبيه سويد بن الصامت فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب بقتل الحارث إن ظفر به ففاته فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة فأنزل الله فيما بلغني عن ابن عباس : { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم } [ آل عمران : 86 ] إلى آخر القصة
و قال الواقدي : إن الحارث أتى مسلما بعد الفتح و كان قد ارتدى و لحق بالمشركين فقتله النبي صلى الله عليه و سلم بالمجذر
و من بني ضبيعة بن زيد : بجاد بن عثمان و نبتل بن الحارث و هو الذي قال : إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه فأنزل الله فيه : { و منهم الذين يؤذون النبي و يقولون هو أذن } [ التوبة : 61 ] و أبو حبيبة بن الأزعر و كان ممن بنى مسجد الضرار و ثعلبة بن حاطب و معتب بن قشير و هما اللذان عاهدا الله { لئن أتانا من فضله } [ التوبة : 75 ] إلى آخر القصة و معتب الذي قال يوم أحد : { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } [ آل عمران : 154 ] و هو الذي قال يوم الأحزاب : كان محمدا يعدنا أن نأكل كنوز كسرى و قيصر و أحدنا لا يأمن أن يذهب إلى الغائط فأنزل الله : { و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا } [ الأحزاب : 12 ] ـ و أنكر ابن هشام دخول ثعلبة و معتب في المنافقين ـ و عباد بن حنيف ـ أخو سهل و عثمان ـ و جارية بن عامر و ابناه مجمع و زيد ـ و قيل : لا يصح عن مجمع النفاق ـ و ذكر آخرين
و من بين أمية بن زيد : وديعة بن ثابت و هو الذي كان يقول : { إنما كنا نخوض و نلعب } [ التوبة : 65 ]
و من بني عبيد : خذام بن خالد و هو الذي أخرج مسجد الضرار من داره و بشر و رافع ابنا زيد
و من بني النبيت عمرو بن مالك بن الأوس : مربع بن قيظي و أخوه أوس و أوس الذي قال يوم الخندق : إن بيوتنا عورة فأذن لنا فلنرجع إليها فأنزل الله فيه : { يقولون إن بيوتنا عورة و ما هي بعورة } الآية [ الأحزاب : 13 ]
و من بني ظفر : حاطب بن أمية و بشير بن أبيرق و الحارث بن عمرو بن حارثة و عند ابن إسحاق : بشير و هو أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله فيه { و لا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } [ النساء : 107 ] و قزمان : حليف لهم و هو المقتول يوم أحد بعد أن أبلى في المشركين قتل نفسه بعد أن أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه من أهل النار
و لم يكن في بني عبد الأشهل منافق و لا منافقة إلا أن الضحاك بن ثابت اتهم بشيء من ذلك و لم يصح
و من الخزرج من بني النجار : رافع بن وديعة و زيد بن عمرو و عمرو بن قيس و قيس بن عمرو بن سهل
و من بني جشم بن الخزرج : الجد بن قيس و هو الذي يقول : يا محمد ائذن لي و لا تفتني
و من بني عوف بن الخزرج : عبد الله بن أبي بن سلول و كان رأس المنافقين و هو الذي قال : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل } [ المنافقون : 8 ] في غزوة بني المصطلق و فيه نزلت سورة المنافقين بأسرها
قال أبو عمر : و زيد بن الأرقم هو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد الله بن أبي قوله : { لئن رجعنا إلى المدينة } فأكذبه عبد الله بن أبي و حلف فأنزل الله تصديق زيد بن الأرقم فتبادر أبو بكر و عمر إلى زيد ليبشراه فسبق أبو بكر فأقسم عمر أن لا يبادره بعدها إلى شيء و جاء النبي صلى الله عليه و سلم فأخذ بأذن زيد و قال : [ وفت أذنك ياغلام ]
و وديعة و سويد و داعس من رهط ابن سلول و هم و عبد الله بن أبي الذين كانوا يدسون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن اثبتوا فو الله لئن أخرجتم لنخرجن معكم القصة
و كان النفاق في الشيوخ و لم يكن في الشباب إلا في واحد و هو قيس بن عمرو بن سهل
رجع إلى ابن إسحاق : فكان ممن تعوذ بالإسلام و أظهره و هو منافق من أحبار يهود
من بني قينقاع : سعد بن حنيف و زيد بن اللصيت و نعمان بن أوفى بن عمرو و عثمان بن أوفى و زيد بن اللصيت هو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و حاءه الخبر بما قاله عدو الله ـ : [ إن قائلا قال : يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته و إني و الله ما أعلم إلا ما علمني ربي و قد دلني الله عليها و هي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها ] فذهب رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و كما وصف و رافع بن حميلة و هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مات : [ قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين ] و رفاعة بن زيد بن التايوت و هو الذي اشتدت الريح يوم موته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو قافل من غزوة بني الصطلق : [ إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار ] و سلسلة بن برهام و كنانة بن صوريا
و كان هؤلاء يحضرون المسجد فيسخرون من المسلمين فأمر صلى الله عليه و سلم بإخراجهم منه فأخرجوا ففيهم نزل صدر سورة البقرة إلى المائة منها
قال ابن إسحاق : [ و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يهود خبير فيما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاحب موسى و أخيه و المصدق لما جاء به موسى ألا إن الله تعالى قد قال لكم يا معشر أهل التوارة و إنكم تجدون ذلك في كتابكم { محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الأنجيل كزرع أخرج شطاه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار و عد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما } [ الفتح : 29 ] و إني أنشدكم باللهو أنشدكم بما أنزل عليكم و أنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسبطاكم المن و السلوى و أنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى أنجاهم من فرعون و عمله إلا أخبرتمونا هل تجدون فيما أنزل عليكم أن تؤمنوا بمحمد فإن كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كره عليكم قد تبين الرشد من الغي فأدعوكم إلى الله و إلى نبيه ]
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس و الخزرج برسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مبعثه فلما بعثه الله من العرب كفروا به و جحدوا ما كانوا يقولون فيه
فقال لهم معاذ بن جبل و بشر بن البراء : يا معشر يهود اتقوا الله و أسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد و نحن أهل شرك و تخبروننا أنه مبعوث و تصفونه لنا بصفته
فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ماهو بالذي كنا نذكره لكم فأنزل الله في ذلك من قولهم { و لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم و كانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } [ البقرة : 89 ]
قال ابن إسحاق : و قال مالك بن الصيف ـ حين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكر لهم ما أخذ الله عليهم له من الميثاق و ما عهد الله إليهم فيه ـ : و الله ما عهد إلينا في محمد عهد و ما أخذ له علينا ميثاق فأنزل الله فيه : { أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون } [ البقرة : 100 ] و قال ابن صلوبا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا محمد ! ما جئتنا بشيء نعرفه و ما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله في ذلك من قوله : { و لقد أنزلنا إليك آيات بينات و ما يكفر بها إلا الفاسقون } [ البقرة : 99 ] و قال رافع بن حريملة و وهب بن زيد لرسول الله صلى الله عليه و سلم يا محمد ائتنا بكتاب تنزله من السماء نقرؤه و فجر لنا أنهارا نتبعك و نصدقك فأنزل الله في ذلك : { أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل و من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } [ البقرة : 108 ] و كان حيي بن أخطب و أبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسدا إذ خصهم الله برسوله صلى الله عليه و سلم فكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا فأنزل الله فيهما : { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } [ البقرة : 109 ] الآية و لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه و سلم أتتهم أحبار يهود فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لهم رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء و كفر بعيسى و بالإنجيل فقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود : ما أنتم على شيء و جحد نبوة موسى و كفر بالتوراة فأنزل الله تعالى : { و قالت اليهود ليست النصارى على شيء و قالت النصارى ليست اليهود على شيء } [ البقرة : 113 ] الآية و قال رافع بن حريملة : يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله فيكلمنا فأنزل الله : { و قال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية } [ البقرة : 118 ] و قال عبد الله بن صوريا الأعور : ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد و قالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله تعالى : { و قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } [ البقرة : 135 ] الآية و سأل معاذ بن جبل و سعد بن معاذ و خارجة بن زيد نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه فأنزل الله : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس } [ البقرة : 159 ] الآية و دعا عليه الصلاة و السلام اليهود إلى الإسلام فقال له رافع و مالك بن عوف : بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا فأنزل الله تعالى : { و إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا } [ لقمان : 21 ] و لما أصاب الله قريشا يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يهود في سوق بني قينفاع حين قدم المدينة فقال : يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بمثل ما أصاب به قريشا قالوا له : يا محمد ! لا يغرنك من نفسك أنك نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك و الله لو قاتلنا لعرفت أنا نحن الناس و إنك لم تلق مثلنا فأنزل الله تعالى : { قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم و بئس المهاد } [ آل عمران : 12 ] الآية و التي بعدها و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو و الحارث بن يزيد : و على أي دين أنت يا محمد ؟ قال : [ على ملة إبراهيم و دينه ] قالا : فإن إبراهيم كان يهوديا فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فهلم إلى التوراة فهي بيننا و بينكم فأبيا عليه ] فأنزل الله : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون } [ آل عمران : 23 ] الآية و التي تليها
و قال أحبار يهود : و ما كان إبراهيم إلا يهوديا و قالت نصارى نجران : ما كان إلا نصرانيا فأنزل الله : { يأهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم } الآيات إلى { و الله و لي المؤمنين } [ آل عمران : 65 ـ 68 ]
و قال عبد الله بن صيف و عدي بن زيد و الحارث بن عوف بعضهم لبعض : تعالوا نؤمن بما أنزل الله على محمد غدوة و نكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم فأنزل الله : { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون } إلى قوله { و الله واسع عليم } [ آل عمران : 71 ـ 73 ]
و قال أبو رافع القرظي [ حين اجتمعت الأحبار من يهود و النصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و دعاهم إلى الإسلام : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم ؟ ! و قال رجل من نصارى نجران مثله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : معاذ الله أن يعبد غير الله فأنزل الله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب و الحكم و النبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله } [ آل عمران : 79 ] الآية ثم ذكر ما أخذ عليهم من ميثاق بتصديقه فقال : { و إذا أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه } [ آل عمران : 81 ] إلى آخر القصة ]
و مر شاس بن قيس ـ و كان شيخا قد عسا عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأوس والخزرج يتحدثون فغاظه ما رأى من إلفتهم و جماعتهم بعدما كان بينهم من العداوة فقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا و الله مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار فأمر فتى شابا من يهود كان معهم فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم اذكر يوم بعاث و ما كان فيه و أنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار ففعل فتكلم القوم عند ذلك و تنازعوا حتى تواثب رجلان على الركب : أوس بن قيظي من الأوس و جبار بن صخر من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددتها الآن جذعة و غضب الفريقان جميعا و قالوا : قد فعلنا موعدكم الظاهرة ـ و الظاهرة : الحرة ـ السلاح السلاح فخرجوا و بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال : [ يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام و أكرمكم به و قطع به عنكم أمر الجاهلية و استنقذكم من الكفر و ألف به بينكم ] فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان و كيد من عدوهم فبكوا و عانق الرجال من الأوس الرجال من الخزرج ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله في شاس بن قيس : { قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا } [ آل عمران : 99 ] الآية و في أوس و جبار : { يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } إلى قوله { و أولئك لهم عذاب عظيم } [ آل عمران : 100 ـ 105 ]
و كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا } إلى { عليم بذات الصدور } [ آل عمران : 118 ـ 119 ]
و دخل أبو بكر بيت المدراس فقال لفنحاص : اتق الله و أسلم و الله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله فقال : و الله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر و إنه إلينا لفقير فغضب أبو بكر و ضرب وجه فنحاص ضربا شديدا و قال : لولا العهد الذي بيننا و بينك لضربت عنقك فشكاه فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكر له أبو بكر ما كان منه فأنكر قوله ذلك فأنزل الله تعالى : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير و نحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] الآية و أنزل في أبي بكر رضي الله عنه { و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا } [ آل عمران : 186 ] الآية و كان كردم بن قيس و أسامة بن حبيب في نفر من يهود يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لهم : لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر فأنزل الله فيهم : { الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل و يكتمون ما آتاهم الله من فضله ـ أي التوراة التي فيها تصديق ما جاء به محمد ـ و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا } [ النساء : 37 ]
و كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم لوى لسائه و قال أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام و عابه فأنزل الله فيه : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة و يريدون أن تضلوا السبيل } إلى { و لكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا } [ النساء : 46 ]
و كلم رسول الله صلى الله عليه و سلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور و كعب ابن أسد فقال لهم : [ يا معشر يهود ! اتقوا الله و أسلموا فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق قالوا ما نعرف ذلك فأنزل الله { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلهم مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت و كان أمر الله مفعولا } ] [ النساء : 47 ]
و قال سكين بن عدي بن زيد : يا محمد ! ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح و النبيين من بعده } إلى قوله : { و كان الله عزيزا حكيما } [ النساء : 163 ـ 165 ]
و دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم فقال لهم : أما و الله إنكم لتعلمون أني رسول الله قالوا : ما نعلمه و ما نشهد عليه فأنزل الله تعالى : { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه و الملائكة يشهدون و كفى بالله شهيدا } [ النساء : 166 ]
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم نعمان بن أضا و بحري بن عمرو و شاس بن عدي فكلموه و كلمهم و دعاهم إلى الله و حذرهم نقمته فقالوا : ما تخوفنا يا محمد نحن أبناء الله و أحباؤه ـ كقول النصارى ـ فأنزل الله فيهم : { و قالت اليهود و النصارى نحن أبناء الله و أحباؤه } [ المائدة : 18 ] الآية
و دعاهم إلى الإسلام مرة و حذرهم عقوبة الله فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل و سعد بن عبادة و عقبة بن وهب : يا معشر يهود ! اتقوا الله فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله و لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه و تصفونه بصفته فقال رافع بن حريملة و وهب ابن يهوذا : ما قلنا لكم هذا و ما أنزل الله من كتاب بعد موسى و ما أرسل بشيرا و لا نذيرا بعده فأنزل الله في ذلك من قولهما : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير و لا نذير فقد جاءكم بشير و نذير } [ المائدة : 19 ] الآية
و اجتمع أحبارهم في بيت المدراس فأتوا برجل و امرأة زنيا بعد إحصانهما فقالوا : حكموا فيهما محمدا فإن حكم فيهما بحكمكم من التجبية ـ و هو الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ثم تسود وجوههما ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل أدبار الحمارين ـ فإنما هو ملك و إن حكم فيهما بالرجم فهو نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه ففعلوا فمشى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أتت بيت المدراس فقال لهم : [ أخرجوا إلي علماءكم ] فأخرجوا له عبد الله بن صوريا ـ فخلا به يناشده : [ هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ ] قال : اللهم نعم أما و الله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل و لكنهم يحسدونك قال : فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده ثم جحد ابن صوريا بعد ذلك نبوة رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تعالى : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا : آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم } [ المائدة : 41 ] الآية و في بعض طرق هذا الحديث أن حبرا منهم جلس يتلو التوراة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع يده على آية الرجم فضرب عبد الله بن سلام يده و قال : هذه آية الرجم أبى أن يتلوها عليك الحديث
و قال كعب بن أسد و ابن صلوبا و ابن صوريا و شاس بن قيس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فإنما هو بشر فأتوه فقالوا : قد عرفت أنا أحبار يهود و أشرافهم و أنا إن اتبعناك اتبعنا يهود و لم يخالفونا و إن بيننا و بين بعض قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم و نؤمن بك و نصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله { و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم } إلى قوله { و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } [ المائدة : 49 ـ 50 ]
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة منهم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال : { آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب و الأسباط و ما أوتي موسى و عيسى و ما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم و نحن له مسلمون } [ البقرة : 136 ] فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته و قالوا : لا نؤمن بعيسى و لا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله : { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل من قبل و أن أكثركم فاسقون } [ المائدة : 59 ]
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم رافع بن حارثة و سلام بن مشكم و مالك بن الصيف و رافع ابن حريملة فقالوا : يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم و دينه و تؤمن بما عندنا من التوراة و تشهد أنها من الله حق ؟ قال : بلى و لكنكم أحدثتم و جحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق و كتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه الناس فبرئت من إحداثكم قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا فإنا على الهدى و الحق و لا نؤمن بك و لا نتبعك فأنزل الله تعالى : { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليكم من ربكم } [ المائدة : 68 ] الآية
و كان رفاعة بن زيد بن التابوت و سويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام و نافقا فكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا و لعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و الكفار أولياء } إلى قوله { و الله أعلم بما كانوا يكتمون } [ المائدة : 57 ـ 61 ] و قال جبل بن أبي قشير و شمويل ابن زيد : يا محمد متى الساعة إن كنت نبيا ؟ فأنزل الله { يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي } [ الأعراف : 187 ] الآية
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم سلام بن مشكم و نعمان بن أوفى و محمود بن دحية في نفر منهم فقالوا له : كيف نتبعك و قد تركت قبلتنا و أنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله : { و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم } [ التوبة : 30 ] الآية
و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم محمود بن سيحان و عزير بن أبي عزير في جماعة منهم فقالوا : إنا لا نرى ما جئت به متسقا كما تتسق التوراة أما يعلمك هذا أنس و لا جن ؟ فقال لهم : [ أما و الله إنكم لتعلمون أنه من عند الله و أني رسول الله تجدون ذلك مكتوبا عندكم في التوراة ] قالوا : فإن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما يشاء فأنزل علينا كتابا من السماء نقرؤه و نعرفه و إلا جئناك بمثل ما تأتي به فأنزل الله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتوا بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا } [ الإسراء : 88 ]
و قال قوم منهم لعبد الله بن سلام حين أسلم : ما تكون النبوة في العرب و لكن صاحبك ملك متقول ثم جاءوا فسألوه عن ذي القرنين فقص عليهم ما جاءه من الله فيه مما كان قص على قريش و هم كانوا ممن أمر قريشا أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه حين بعثوا إليهم النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و أتى رهط منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا محمد ! هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟ فغضب حتى انتفع لونه ثم ساورهم غضبا لربه فجاءه جبريل فسكنه و أنزل عليه : { قل هو الله أحد } السورة فلما تلاها عليهم قالوا : فصف لنا كيف خلقه ؟ و كيف ذراعه ؟ و كيف عضده ؟ فغضب أشد من غضبه الأول
فأتاه جبريل من الله تعالى بقوله تعالى : { ما قدروا الله حق قدره } [ الحج : 74 ] الآية
و كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش و غطفان و بني قريظة : حيي بن أخطب و سلام بن أبي الحقيق أبو رافع و الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق و أبو عمار و وحوح ابن عامر و هوذة بن قيس فأما وحوح و أبو عمار و هوذة فمن بني واثلة و سائرهم من بني النضير فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود و أهل العلم بالكتاب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم فقالوا : بل دينكم خير من دينه و أنتم أهدى منه و ممن اتبعه فأنزل الله فيهم : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت و يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } إلى قوله : { ملكا عظيما } [ النساء : 51 ـ 54 ] (1/335)
قال ابن إسحاق : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد نصارى نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم في الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم : العاقب ـ أمير القوم و ذو رأيهم ـ و اسمه عبد المسيح و السيد ـ ثمالهم و صاحب رحلهم ـ و اسمه الأيهم و أبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل ـ أسقفهم و حبرهم و إمامهم ـ فكان أبو حارثة قد شرف فيهم و درس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه و مولوه و أخدموه و بنوا له الكنائس فبسطوا عليه الكرمات لما يبلغهم عنه من علمه و اجتهاده في دينهم فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من نجران جلس أبو حارثة على بغلة له موجها و إلى جنبه أخ له يقال له كوز بن علقمة فعثرت بغلة أبي حارثة فقال كوز : تعس الأبعد ـ يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فقال له أبو حارثة : بل أنت تعست قال : و لم يا أخي ؟ قال : بلى و الله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال له كوز : فما يمنعك منه و أنت تعلم هذا ؟ قال : ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا و مولونا و أكرمونا و قد أبوا إلا خلافه فلو فعلت نزعوا منا كل ما ترى فأضمر عليها منه أخوه كوز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني و دخلوا على النبي صلى الله عليه و سلم مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبب و أردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب قال : يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ : ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم و قد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ دعوهم فصلوا إلى المشرق ]
و كان تسمية الأربعة عشر : السيد و العاقب و أبو حارثة و أوس و الحارث و زيد و قيس و يزيد و نبيه و خويلد و عمرو و خالد و عبد الله و يحنس فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم أبو حارثة و العاقب و الأيهم و هو من النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم يقولون هو الله و يقولون : هو ولد الله و يقولون : هو ثالث ثلاثة و كذلك قول النصرانية
فهم يحتجون في قولهم هو الله بأنه كان يحيي الموتى و يبرئ الأسقام و يخبر بالغيوب و يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طائرا و ذلك كله بأمر الله تبارك و تعالى و ليجعله آية للناس و يحتجون في قولهم بأنه ولد الله بأنهم يقولون : لم يكن له أب يعلم و قد تكلم في المهد شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله
و يحتجون في قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله : فعلنا و أمرنا و خلقنا و قضينا فيقولون : لو كان واحدا ما قال إلا فعلت و أمرت و قضيت و خلقت و لكنه هو و عيسى و مريم ففي كل ذلك من قولهم نزل القرآن فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أسلما ] قالا : قد أسلمنا قال : [ إنكما لم تسلما فأسلما ] قالا : بلى قد أسلمنا قبلك قال : [ كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولدا و عبادتكما الصليب و أكلكما الخنزير ] قالا : فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت فلم يجبها فأنزل الله صدر سورة آل عمران إلى بضع و ثمانين آية فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من الله عنه و الفصل من القضاء بينه و بينهم و أمر بما أمر من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك فقالوا : يا أبا القاسم ! دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتك بما تريد أن تفعل فيما دعوتنا إليه فانصرفوا عنه ثم خلوا بالعاقب و كان ذا رأيهم فقالوا : يا عبد المسيح ! ما ترى ؟ فقال : و الله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل و لقد جاءكم من خبر صاحبكم و لقد علمتم ما لا عن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم و لا نبت صغيرهم و إنه للإستئصال منكم إن فعلتم فإن كنتم قد أبيتم إلا ألف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا أبا القاسم ! قد رأينا أن لا نلاعنك و أن نتركك على دينك و نرجع على ديننا و لكن ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها من أموالنا فإنكم عندنا رضى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين ] فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يؤمئذ رجاء أن أكون صاحبها فرحت إلى الظهر مهجرا فلما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه و يساره فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال : اخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة (1/348)
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ـ كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ـ و سيد أهلها عبد الله بن أبي بن سلول لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان لم يجتمع الأوس و الخزرج قبله و لا بعده على رجل من أحد الفريقين حتى جاء الإسلام : غيره و معه في الأوس رجل هو في قومه من الأوس شريف مطاع أبو عامر عبد عمرو ابن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد و هو أبو حنظلة الغسيل يوم أحد و كان قد ترهب في الجاهلية و لبس المسوح فكان يقال له : الراهب فشقيا بشرفهما
أما ابن أبي فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوجوه ثم يملكوه عليهم فجاءهم الله برسوله و هم على ذلك فلما انصرف قومه عنه إلى الإسلام ضغن و رأى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سلبه ملكا عظيما فلما رأى قومه قد أبوا إلا الإسلام دخل فيه كارها مصرا على نفاق
و أما أبو عامر فأبى إلا الكفر و الفراق لقومه حين اجتمعوا على الإسلام فخرج منهم إلى مكة ببضعة عشر رجلا مفارقا للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا تقولوا الراهب و لكن قولوا الفاسق ] و كان قد قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يخرج إلى مكة : ما هذا الذي جئت به ؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم عليه السلام قال : فأنا عليها قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنك لست عليها قال : بلى إنك أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس منها قال : ما فعلت و لكني جئت بها بيضاء نقية قال : الكاذب أماته الله طريدا غريبا وحيدا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أجل فكان هو ذلك خرج إلى مكة فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة خرج إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الشام فمات بها طريدا غريبا وحيدا (1/351)
و لما أذن الله عز و جل لنبيه في القتال كانت أول آية نزلت في ذلك : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير } [ الحج : 39 ] كما روينا من طريق أبي عروبة [ حدثنا سلمة حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان يقرأ : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } قال : و هي أول آية نزلت في القتال ]
و روينا عن ابن عائذ أخبرنا الوليد بن محمد عن محمد بن مسلم الزهري قال : و كان أول آية نزلت في القتال قوله عز و جل : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } [ الحج : 39 ـ 40 ]
قرئ على أبي محمد عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني و أنا أسمع [ أخبركم أبو علي بن أبي القاسم بن الحريف حضورا في الخامسة أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم الباقلاني أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن ابن عجلان عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى ] (1/352)
روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي و موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي و محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري و موسى بن يعقوب بن عبد الله ابن وهب بن زمعة بن الأسود و عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري و يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري و ربيعة بن عثمان بن عبد الله بن الهدير التيمي و إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة الأشهلي و عبد الحميد بن جعفر الحكمي و عبد الرحمن بن أبي الزناد و محمد الله صالح التمار قال ابن سعد : أخبرنا رويم بن يزيد المقرئ حدثنا هارون بن أبي عيسى عن محمد بن إسحاق قال : أخبرنا حسين بن محمد عن أبي معشر قال : و أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا : كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم التي غزا بنفسه سبعا و عشرين و كانت سراياه التي بعث فيها سبعا و أربعين سرية و كان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات : بدر القتال و أحد و المريسيع و الخندق و قريظة و خيبر و فتح مكة و حنين و الطائف فهذا ما اجتمع لنا عليه و في بعض رواياتهم أنه قاتل في بني النضير و لكن الله جعلها له نفلا خاصة و قاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر و قتل بعض أصحابه و قاتل في الغابة (1/353)
فأول مغازيه صلى الله عليه و سلم بنفسه : غزوة ودان
روينا عن أبي عروبة حدثنا سليمان بن سيف حدثنا سعيد بن يزيع حدثنا ابن إسحاق : قال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في صفر غازيا على رأس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر حتى بلغ ودان و كان يريد قريشا و بني ضمرة و هي غروة الأبواء ثم رجع إلى المدينة و كان استعمل عليها سعد بن عبادة فيما ذكره ابن هشام قال : ابن إسحق : فوادعته فيها بنو ضمرة و كان الذي وادعه منهم عليهم مخشي بن عمرو الضمري و كان سيدهم في زمانه ذلك ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و سلم إلى المدينة و لم يلق كيدا (1/354)
روينا عن ابن إسحاق قال : فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بها بقية صفر و صدرا من شهر ربيع الأول و بعث في مقدمة ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد ابن أبي وقاص قد رمي يومئذ بسهم فكان أول سهم رمى به في الإسلام ثم انصرف القوم عن القوم و للمسلمين حامية و فر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو و عتبة ابن غزوان و كانا مسلمين و لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار و كان على القوم عكرمة بن أبي جهل و قال ابن هشام : مكرز بن حفص بن الأخيف قال ابن إسحاق : فكانت راية عبيدة فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام و بعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة و بعث في مقامه ذلك حمزة بن عبد المطلب بن هاشم إلى سيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فلقي أبا جهل بن هشام في ذلك الساحل في ثلاثمائة راكب فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني و كان موادعا للفريقين جميعا فانصرف بعض القوم عن بعض و لم يكن بينهم قتال و بعض الناس يقول كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك أن بعثه و بعث عبيدة كانا معا فشبه ذلك على الناس
و روينا عن موسى بن عقبة أن أول البعوث بعث حمزة في ثلاثين راكبا فلقوا أبا جهل في ثلاثين و مائة راكب من المشركين ثم كانت الأبواء على رأس اثني عشر شهرا ثم بعث عبيدة فلقوا بعثا عظيما من المشركين على ماء يدعى الأحياء من رابغ قال : و هو أول يوم التقى فيه المسلمون و المشركون في قتال
و روينا عن ابن عائذ عن الوليد عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة أن راية حمزة هي الأولى
و روينا عنه أيضا : عن محمد بن شعيب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس : ذكر بعث عبيدة ثم بعث حمزة بنحو ما ذكر ابن إسحاق
و روينا عن ابن سعد : أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه و سلم لحمزة بن عبد المطلب في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر لواء أبيض و كان الذي حمله أبو مرثد كناز بن الحصين الغنوي في ثلاثين راكبا من المهاجرين قال : و لم يبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا و ذلك أنهم شرطوا له أنهم يمنعونه في دارهم و خرج حمزة يعرض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة و فيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل ثم سرية عبيدة في ستين من المهاجرين إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر عقد له لواء أبيض حمله مسطح بن أثاثة فلقي أبا سفيان بن حرب في مائتين من أصحابه على ماء يقال له أحياء ـ و قال أبو عمر : أبنى ـ من بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة و أنت تريد قديدا على يسار الطريق و إنما نكبوا على الطريق ليرعوا ركابهم (1/354)
إلى الخرار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر و عقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو و بعثه في عشرين من المهاجرين
ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه و سلم الأبواء وهي غزوة ودان و كلاهما قد ورد و بينهما ستة أميال و كانت على رأس اثني عشر شهرا من الهجرة و حمل اللواء حمزة بن عبد المطلب فكانت الموادعة على أن بني ضمرة لا يغزونه و لا يكثرون عليه جمعا و لا يعينون عليه عدوا ثم انصرف عليه السلام إلى المدينة و كانت غيبته خمس عشرة ليلة (1/356)
قال ابن إسحاق : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر ربيع الأول يريد قريشا حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيدا
و استعمل على المدينة السائب بن مظعون فيما ذكر ابن هشام
و حمل اللواء ـ و كان أبيض ـ سعد بن معاذ فيما ذكر ابن سعد و قال : و خرج في مائتين من أصحابه يعرض لعير قريش فيها أمية بن خلف الجمحي و مائة رجل من قريش و ألفان و خمسمائة بعير (1/357)
قال ابن إسحاق : [ في أثناء جمادى الأولى يعني من السنة الثانية : ثم غزا قريشا حتى نزل العشيرة من بطن ينبع فأقام بها جمادى الأولى و ليالي من جمادى الآخرة و وادع فيها بني مدلج و حلفائهم من بني ضمرة و فيها كنى رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا أبا تراب حين و جده نائما هو و عمار بن ياسر و قد علق به تراب فأيقظه عليه الصلاة و السلام برجله و قال له : مالك أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس ؟ رجلين قلنا : بلى يا رسول الله قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة و الذي يضريك يا علي على هذه ـ و وضع يده على قرنه ـ حتى يبل منها هذه و أخذ بلحيته ] و استعمل على المدينة أبا سلمة عبد الأسد فيما ذكر ابن هشام
و ذكر ابن سعد أهنا كانت في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا و حمل لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها حمزة بن عبد المطلب ـ و كان أبيض ـ و خرج في خمسين و مائة و يقال : في مائتين من قريش من المهاجرين ممن انتدب و لم يكره أحدا على الخروج و خرجوا على ثلاثين بعيرا يعتقبونها و خرج يعترض لعير قريش حين أبدأت إلى الشام فكان قد جاءه الخبر بفصولها من مكة فيها أموال قريش و هي لبني مدلج بناحية الينبع و بين ينبع و المدينة تسعة برد فوجد العير التي خرج إليها قد مضت قبل ذلك بأيام و هي العير التي خرج إليها حين رجعت من الشام فكانت بسببها وقعة بدر الكبرى (1/357)
قال ابن إسحاق : فلم يقم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز بن جابر فلم يدركه
و اسعتم لعلى المدينة فيما قال ابن هشام زيد بن حارثة
و ذكر ابن سعد أنها في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشرا شهرا من الهجرة و حمل اللواء فيهاعلي بن أبي طالب قال : و السرح : ما رعوا من نعمهم (1/358)
و بعث عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى و معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد و كتب له كتابا و أمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به و لا يستكره أحدا من أصحابه
و كان أصحابه : أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس و عكاشة بن محصن الأسدي و عتبة بن غزوان
و سعد بن وقاص و عامر بن ربيعة من عنز بن وائل حليف بني عدي و واقد بن عبد الله أحد بني تميم حليف لهم و خالد بن البكير و سهيل بن بيضاء
فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة و الطائف فترصد بها قريشا و تعلم لنا من أخبارهم فلما نظر قي الكتاب قال : سمعا و طاعة ثم قال ذلك لأصحابه و قال : قد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمضوا لم يتخلف عليه منهم أحد
و سلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد ابن أبي الوقاص و عتبة بن عزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عليه في طلبه و مضى عبد الله بن جحش و أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي و عثمان بن عبد الله بن المغيرة و أخوه نوفل المخزوميان و الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة
فلام رآهم القوم هابوهم و قد نزلوا قريبا منهم فأشرف عليهم عكاشة بن محصن و كان قد حلق رأسه فلما رأوه أمنوا و قالوا : عمار لا بأس عليكم منهم و تشاورالقوم فيهم و ذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم : و الله لئن تركتم القوم في هذه اللية ليدخلن الحرم فليمنتعن منكم به و لئن قتلتوهم لتقتلنهم في الشهر الحرام فتردد القوم و هابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم و أجمعوا قتل من قدروا عليه منهم و أخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله و استأسر عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان و أفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم و أقبل عبد الله بن جحش و أصحابه بالعير و الأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة
و قد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه : إن لرسول الله صلى الله عليه و سلم مما غنمنا الخمس و ذلك قبل أن يفرض الله لخمس من المغانم فعزل لرسول الله صلى الله عليه و سلم خمس العير و قسم سائرها بين أصحابه
قال ابن إسحاق : فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير و الأسيرين و أبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في أيدي القوم و ظنوا أنهم قد هلكوا و عنفهم إخوانهم من المسلمين فما صنعوا و قالت قريش : قد استحل محمد و أصحابه الشهر الحرام و سكفوا فيه الدم و أخذوا فيه الأموال و أسروا فيه الرجال فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة : إنما أصابوا ما أصابوافي شعبان
و قالت يهود ـ تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم : عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله عمرو : عمرت الحرب و الحضرمي : حضرت الحرب و واقد ابن عبد الله : وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم
فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى : { يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله و كفر به و المسجد الحرام و إخراج أهله منه أكبر عند الله و الفتنة أكبر من القتل } [ البقرة : 217 ] ففرج الله عن المسلمين ما كونوا فيه و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم العير و الأسيرين و بعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله و الحكم بن كيسان فقال رسول الله : [ لا نفديكما حتى يقدم صاحبانا يعني : سعد بن أبي وقاص و عتبة بن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد و عتبة فأفادهما رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه و أقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و مات في بئر معونة شهيدا و أما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرا ]
فلما تجلى عن عبد الله بن جحش و أصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا : يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم : { إن الذين آمنوا و الذين هاجروا و جاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله و الله غفور رحيم } [ البقرة : 218 ] فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء و الحديث في هذا عن الزهري و يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ثم قسم الفيء بعد كذلك
قال ابن هشام : و هي أول غنيمة غنمها المسلمون و عمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون و عثمان و الحكم أول من أسر المسلمون فقال في ذلك أبو بكر الصديق و يقال هي لعبد الله بن جحش :
( تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... و أعظم منه لو يرى الرشد راشد )
( صدودكم عما يقول محمد ... و كفر به و الله راء وشاهد )
( شفينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد )
و ذكر موسى بن عقبة و محمد بن عائذ نحو ذلك غير أنهما ذكرا صفوان بن بيضاء بدل سهيل أخيه و لم يذكرا خالدا و لا عكاشة و ذكر ابن عقبة فيهم عامر بن إياس
و قال ابن سعد : كان الذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو و ذكر أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن جحش في اثني عشر رجلا من المهاجرين كل اثنين يعتقبان بعيرا إلى بطن نخلة و هو بستان ابن عامر و أن سعد بن أبي وقاص كان زميل عتبة بن غزوان فضل بهما بعيرهما فلم يشهدا الوقعة
و الذي ذكره موسى بن عقبة أن ابن جحش لما قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و خير أصحابه تخلف رجلان سعد و عتبة فقدما بحران و مضى سائرهم
و قال ابن سعد : و يقال إن عبد الله بن جحش لما رجع من نخلة خمس ما غنم و قسم بين أصحابه سائر المغانم فكان أول خمس خمس في الإسلام و يقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم بدر و أعطى كل قوم حقهم و في هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين (1/359)
قرئ على الشيخ أبي عبد الله بن محمد بن إبراهيم المقدسي و أنا حاضر في الرابعة أخبركم أبو الحسن علي بن النفيس بن بورانداز قراءة عليه ببغداد فأقر به أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى أخبرنا أبو عطاء بن أبي عاصم أخبرنا أبو حاتم بن محمد بن يعقوب أخبرنا أبو العباس محمد بن محمد بن الحسن الفريزني حدثنا أبو جعفر رجاء بن عبد الله بن فورجة حدثنا مالك بن سليمان الهروي عن يزيد بن عطاء عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : لقد صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا و كان الله يعلم أنه يحب أن يوجه نحو الكعبة فلما وجه النيي صلى الله عليه و سلم إليها صلى رجل معه ثم أتى قوما من الأنصار و هم ركوع نحو بيت المقدس فقال لهم و هم ركوع : أشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وجهه نحو الكعبة فاستداروا و هم ركوع فاستقبوها
رواه البخاري و غيره من حديث أبي إسحاق عن البراء
و روينا من طريق ابن سعد : حدثنا الحسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن البراء الحديث و فيه : و أنه صلى أول صلاة صلاها العصر و صلاها معه قوم فخرج رجل ممن صلاها معه فمر على أهل مسجد و هم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت
و كان يعجبه أن يحول قبل البيت و كانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس و أهل الكتاب فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك
و فيه : أنه مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت : رجال و قتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى { و ما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم } [ البقرة : 143 ]
و قد اتفق العلماء على أن صلاة النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة كانت إلى بيت المقدس و أن تحويل القبلة إلى الكعبة كان بها و اختلفوا كم أقام النبي صلى الله عليه و سلم يصلي إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة ؟ و في أي صلاة كان التحويل ؟ و في صلاته عليه الصلاة و السلام قبل ذلك بمكة كيف كانت ؟
فأما مدة صلاة النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس بالمدينة فقد رويناه أنه كان ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا و روينا بضعة عشر شهرا
قال الحربي : ثم قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام السنة و صلى من سنة اثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب
و كذلك روينا عن ابن إسحاق قال : و لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة و صرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة في خبر ذكره و سنذكره بعد تمام هذا الكلام إن شاء الله تعالى
و قال موسى بن عقبة و إبراهيم بن سعد : عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب بن مالك أن القبلة صرفت في جمادى
و قال الواقدي : إنما صرفت في صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان كذا و جدته عن أبي عمر بن عبد البر و الذي رويناه عن الواقدي من طريق ابن سعد : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن سعد : [ و أخبرنا عبد الله بن جعفر الزهري عن عثمان بن محمد الأخنسي و عن غيرهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا و كان يحب أن يصرف إلى الكعبة فقال : يا جبريل ! وددت أن الله صرف وجهي عن قبلة يهود فقال جبريل : إنما أنا عبد فادع ربك و سله و جعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء فنزلت : { قد نرى تقلب و جهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] فوجه إلى الكعبة إلى الميزاب و يقال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين ثم أمر أن يوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه و دار معه المسلمون و يقال : بل زار رسول الله صلى الله عليه و سلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعاما و حانت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه ركعتين ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة فاستقبل الميزاب فسمي المسجد مسجد القبلتين و ذلك يوم الأثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا و فرض صوم شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا قال محمد بن عمر : و هذا الثبت عندنا ]
قال القرطبي : الصحيح سبعة شهرا و هو قول مالك و ابن المسيب و ابن إسحاق
و قد روي ثمانية عشر و روي بعد سنتين و روي بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر و الصحيح ما ذكرماه أولا
و أما الصلاة التي و قع فيها تحويل القبلة ففي خبر الواقدي هذا أنها الظهر و قد ذكرنا في حديث البراء قبل هذا أنها العصر و قد روينا عن ابن سعد قال : [ أخبرنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرنا ثابت عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي نحو بيت المقدس فنزل : { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنوليك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] فمر رجل يقوم من بني سلمة و هم ركوع في صلاة الفجر و قد صلوا ركعة فنادى : ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة فمالوا إلى الكعبة ]
و روينا عن ابن سعد قال أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا قيس بن الربيع حدثنا زياد بن علاقة عن عمارة ابن أوس الأنصاري قال : صلينا إحدى صلاتي العشي فقام رجل على الباب و نحن في الصلاة فنادى : إن الصلاة قد و جهت نحو الكعبة فتحول أو تحرف إمامنا نحو الكعبة و النساء و الصبيان و ليس في هذين الخبرين ما يعارض ما قبلهما لأن بلوغ التحويل غير التحويل
و قرىء على أبي عبد الله بن أبي الفتح بن و ثاب الصوري و انا أسمع أخبركم الشيخان : أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الإخوة البغدادي نزيل أصبهان و أبو المجد زاهر طاهر الثقفي الأصبهاني إجازة قال الأول : أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي و قال الثاني : أخبرنا أبو الوفاء منصور بن محمد بن سليم قالا : أخبرنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شمة قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم قال : أخبرنا علي بن العباسي المقالعي عن محمد ابن مروان عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير قال : و حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كانوا يصلون الصبح فانحرفوا و هم ركوع
و أما كيف كانت صلاته صلى الله عليه و سلم قبل تحويل القبلة فمن الناس من قال كانت صلاته صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة ثم بالمدينة إلى وقت التحويل
و روينا من طريق أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء بالسند المذكور آنفا [ قال أخبرنا علي بن العباس المقالعي عن محمد بن مروان عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير عن أبيه عن السدي في كتاب الناسخ و المنسوخ له قال : قوله تعالى : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } [ البقرة : 142 ] قال : قال ابن عباس : أول ما نسخ الله تعالى من القرآن حديث القبلة قال ابن عباس : إن الله تبارك و تعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين الظهر و العصر و العشاء و الغداة و المغرب ثلاثا فكان يصلي إلى الكعبة و وجهه إلى بيت المقدس قال : ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه يصلون إلى بيت المقدس و فيه : قال : فصلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبه أن يصلي قبل الكعبة لأنها قبلة آبائه إبراهيم و إسماعيل قال : و صلاها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة و بعدما هاجر ستة عشر شهرا إلى بيت المقدس قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة قال : و قال رسول الله صلى ا - لله عليه و سلم لجبريل عليه السلام : وددت أنك سألت الله أن يصرفني إلى الكعبة فقال جبريل : لست أستطيع أن أبتدئ الله جل و علا بالمسئلة و لكن إن سألني أخبرته قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبريل ينزل عليه قال : فنزل عليه جبريل و قد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس و هم ركوع فصرف الله القبلة إلى الكعبة ] الحديث و فيه : فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك فقال المنافقون : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ و قال بعض المؤمنين : فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس ؟ فكيف بمن مات من إخواننا و هم يصلون إلى بيت المقدس ؟ تقول : قبل الله عز و جل منا و منهم أم لا ؟ و قال ناس من المؤمنين : كان ذلك طاعة و هذا طاعة نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم و قالت اليهود : اشتاق إلى بلد أبيه و هو يريد أن يرضي قومه و لو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي و قال المشركون من قريش : تحير على محمد دينه فاستقبل قبلتكم و علم أنكم أهدى منه و يوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله في جميع الفرق كلها :
فأنزل في المنافقين : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق و المغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } إلى دين الإسلام { و كذلك جعلناكم أمة وسطا } [ البقرة : 142 ـ 143 ] إلى آخر الآية
و أنزل في المؤمنين : { و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } يقول : إلا لنبتلي بها و إنما كانت قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة ثم تلا : { و إن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } قال : من المتقين قال المؤمنون كانت القبلة الأولى طاعة و هذه طاعة فقال الله عز و جل : { و ما كان الله ليضع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] قال : صلاتكم لأنكم كنتم مطيعين في ذلك ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } يقول : تنتظر جبريل حتى ينزل عليك { فلنولينك قبلة ترضاها } يقول : تحبها { فول وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] نحو الكعبة { و إنه للحق من ربك } [ البقرة : 149 ] أي أنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة
و أنزل الله في اليهود : { و لئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك } [ البقرة : 145 ] قال : لئن جئتهم بكل آية أنزلها في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك قال : و أنزل الله في أهل الكتاب : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أو إن فريقا منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون } [ البقرة : 146 ] قال : يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة و هم يعرفون بذلك كما يعرفون أبناءهم و هم يكتمون ذلك و هم يعلمون أن ذلك هو الحق يقول الله تعالى : { الحق من ربك فلا تكونن من الممترين } [ البقرة : 147 ] يقول من الشاكين
قال : ثم أنزل في قريش و ما قالوا فقال : { لئلا يكون للناس عليكم حجة } قال : لكيلا يكون لأحد من الناس حجة { إلا الذين ظلموا منهم } يعني قريشا و ذلك قول قريش : قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم ثم قال : { فلا تخشوهم } قال : فحين قالوا يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول : لا تخشوا أن أردكم في دينهم قال { و لأتم نعمتي عليكم } [ البقرة : 150 ] أي أظهر دينكم على الأديان كلها
كل هذا عن السدي من كتابه في الناسخ و المنسوخ و هو مروي لنا بالإسناد المذكور و هو مروي عن أبي مالك عن ابن عباس ثم يتخلل سياق خبره فوائد عن بعض رواة الكتاب ثم يقول جامعه عند انقضائها و عودة إلى الأول : رجع إلى السدي ثم يقول عنه : قال ابن عباس كذا في أخبار متعددة متغايرة فيحتمل أن يكون ذلك عنده عن أبي مالك عن ابن عباس و يحتمل الانقطاع و لو كان ذلك في خبر واحد لكان أقرب إلى الاتصال
و السدي هذا هو الكبير : إسماعيل بن عبد الرحمن يروي عن أنس و عبد خير روى عنه الثوري و شعبة و زائدة و كان يجلس بالمدينة في مكان يقال له السد فنسب إليه احتج به مسلم و وثقه بعضهم و تكلم فيه آخرون
و السدي الصغير : هو محمد بن مروان المذكور في الإسناد إليه مضعف عندهم
و قال آخرون إنه عليه الصلاة و السلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة ثم إنه صرف إلى بيت المقدس
قال أبو عمر : ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال : صلى النبي صلى الله عليه و سلم أول ما صلى إلى الكعبة ثم إنه صرف إلى بيت المقدس فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه الصلاة و السلام بثلاث و صلى النبي صلى الله عليه و سلم بعد قدومه ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة
و قال ابن شهاب : و زعم ناس ـ و الله أعلم ـ أنه كان يسجد نحو بيت المقدس و يجعل وراءه ظهره الكعبة و هو بمكة و يزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس
قال أبو عمر : و أحسن من ذلك قول من قال : إنه عليه الصلاة و السلام كان يصلي بمكة مستقبل القبلتين يجعل الكعبة بينه و بين بيت المقدس
و قد روينا ذلك من طريق مجاهد [ عن ابن عباس قرأت على الإمام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي بسفح قاسيون أخبركم الشيخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي و أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران بن الزهري سماعا عليهما الأول بالشام و الثاني بالعراق قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر بن البسري بن الزاغوني زاد ابن ملاعب : و أبو منصور أنوشتكين بن عبد الله الرضواني قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري و قال ابن الزغواني : أخبرنا الشريف أبو نصر محمد بن محمد الزينبي قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص حدثنا يحيى حدثنا الحسن بن يحيى الآرزي أبو علي بالبصرة حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن سليمان ـ يعني الأعمش ـ عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي و هو بمكة نحو بيت المقدس و الكعبة بين يديه و بعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة ]
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو معشر عن محمد ابن كعب القرظي قال : ما خالف نبي نبييا قط في قبلة و لا في سنة إلا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهرا ثم قرأ : { شرع لكم من الدين ما وصى بن نوحا } [ الشورى : 13 ]
و قد ذكرنا فيما سلف حديث البراء بن معرور و توجهه إلى الكعبة و فيه دليل على أن الصلاة كانت يومئذ إلى بيت المقدس و لما كان صلى الله عليه و سلم يتحرى القبلتين جميعا و لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة
قال السهيلي : و كرر الباري سبحانه و تعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف : اليهود لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم و أهل الريب و النفاق اشتد إنكارهم له : لأنه كان أول نسخ نزل و كفار قريش لأنهم قالوا : ندم محمد على فراق ديننا و كانوا يحتجون عليه فيقولون : يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم و إسماعيل و قد فارق قبلة إبراهيم و إسماعيل و آثر عليها قبلة اليهود فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة : { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم } [ البقرة : 150 ] على الاستثناء المنقطع أي : لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون و لا يهتدون و ذكر الآيات إلى قوله تعالى : { ليكتمون الحق و هم يعلمون } [ البقرة : 146 ] أي يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء
و روينا من طريق أبي داود في كتاب الناسخ و المنسوخ له : حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال : كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل بيته قال : فسرت معه و هو ولي عهد قال : و معه خالد بن يزيد بن معاوية قال سليمان و هو جالس فيها : و الله إن في هذه القبة التي صلى إليها المسلمون و النصارى لعجبا قال خالد بن يزيد : أما و الله إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه و سلم واقرأ التوراة فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزل الله عليهم و لكن تابوت السكينة كان على الصخرة فلما غضب الله على بني إسرائيل رفعه فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة منهم
و روى أبو داود أيضا : أن يهوديا خاصم أبا العالية في القبلة فقال أبو العالية : إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة و يستقبل البيت الحرام فكانت الكعبة قبلته و كانت الصخرة بين يديه و قال اليهودي : بيني و بينك مسجد صالح النبي عليه السلام فقال أبو العالية : فإني صليت في مسجد صالح و قبلته إلى الكعبة و أخبر أبو العالية أنه صلى في مسجد ذي القرنين و قبلته إلى الكعبة قلت : قد تقدم في حديث البراء أن رجلا صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم يوم تحويل القبلة ثم أتى قوما من الأنصار فأخبرهم و هم ركوع فاستداروا و لم يسمي المخبر في ذلك الخبر و الرجل هو عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو [ النبيت ] بن مالك بن الأوس عمر في الجاهلية زمانا و أسلم و هو شيخ كبير فوضع النبي صلى الله عليه و سلم عنه الغزو و هو الذي صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم القبلتين في الظهر ركعتين إلى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة ثم أتى قومه بني حارثة و هم ركوع في صلاة العصر فأخبرهم بتحويل القبلة فاستداروا إلى الكعبة و قد ذكروا أبو عمرو هذا الرجل بذلك لكنه لم يرفع نسبه إنما قال : عباد ابن نهيك فقط و نسبه الخطمي فلم يصنع شيئا فخطمة هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس ليس هذا منه هذا حارثي و بنو خطمة تأخر إسلامهم (1/363)
روينا عن ابن سعد [ أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن الزهري عن عروة عن عائشة قال الواقدي : و أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قالوا : نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم
و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه السنة بزكاة الفطر و ذلك قبل أن تفرض الزاكاة في الأموال و أن تخرج عن الصغير و الكبير و الحر و العبد و الذكر و الأنثى صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب أو مدان من بر و كان يخطب صلى الله عليه و سلم قبل الفطر بيومين فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى و قال : أغنوهم ـ يعني المساكين ـ عن طواف هذا اليوم و كان يقسمها إذا رجع و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العيد يوم الفطر بالمصلى قبل الخطبة
و صلى العيد يوم الأضحى و أمر بالأضحية و أقام بالمدينة عشر سنين يضحى في كل عام قالوا : و كان يصلي العيدين قبل الخطبة بغير أذان و لا إقامة و كان تحمل العنزة بين يديه و كانت العنزة للزبير بن العوام قدم بها من أرض الحبشة فأخذها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى و خطب أتي بأحدهما و هو قائم في مصلاه فيذبحه بيده بالمدية ثم يقول : هذا عن أمتي جميعا ممن شهد لك بالتوحيد و شهد لي بالبلاغ ثم يؤتئ بالآخر فيذبحه هو عن نفسه ثم يقول : هذا عن محمد و آل محمد فيأكل هو و أهله منه و يطعم المساكين و كان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية ]
قال محمد بن عمر : و كذلك تصنع الأئمة عندنا بالمدينة (1/373)
قرأت على الشيخة الأصيلة أم محمد مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بالقاهرة قلت لها : أخبرتك الشيخة أم هانيء عفيفة بنت أحمد ابن عبد الله الفارقانية إجازة ؟ فأقرت به قالت : [ أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن عبد الواحد الصباغ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ حدثنا أبو علي بن الصواف حدثنا الحسين بن عمر حدثنا أبي حدثنا المعلى بن هلال عن عمار الدهني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة قال : و كانت أساطين المسجد من دوم و ظلاله من جريد النخل و كانت الأسطوانة التي تلي المنبر عن يسار المنبر إذا استقبلته دومة قالت : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسند ظهره إليها يوم الجمعة إذا خطب الناس قبل أن يصنع المنبر فأول يوم وضع المنبر استوى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعدا في الساعة التي كان يستند فيها إلى الأسطوانة ففقدته الأسطوانة فجأرت جؤار الثور أو خارت خوار الثور و النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر فنزل النبي صلى الله عليه و سلم فأتاها فوضع يده عليها و قال لها : اسكني أو اسكتي ثم رجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى منبره ]
و قرأت على أبي الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون [ أخبركم أبو العباس الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع قراءة عليه و أنتم تسمعون سنة ست أو سبع و ستمائة و أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة إن لم يكن سماعا قال الأول : أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي و قال الثاني : أخبرنا أبو الفتح محمد بن محمد بن البيضاوي قالا : أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن محمد بن هزارمرد [ ح ] و قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم الشيخ أبو نصر موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسين بن البنا أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري قالا : أخبرنا أبو طاهر محمد ابن عبد الرحمن بن العباس المخلص حدثنا عبد الله ـ يعني البغوي ـ حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا الحسن عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره إليها فلما كثر الناس قال : ابنوا لي منبرا قال : فبنوا له منبرا له عتبان فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنس : و أنا في المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال : يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم شوقا إليه لمكانه من الله عز و جل فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه ]
قال القاضي عياض : رواه من الصحابة بضعة عشر منهم : أبي بن كعب و جابر ابن عبد الله و أنس بن مالك و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس و سهل بن سعد و أبو سعيد الخدري و بريدة و أم سلمة و المطلب بن أبي وداعة كلهم يحدث بمعنى هذا الحديث قال الترمذي : و حديث أنس صحيح
و في حديث جابر : فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار
و في رواية أنس : حتى ارتج المسجد بخواره
و في رواية سهل : و كثر بكاء الناس لما رأوا به
و في رواية المطلب : [ حتى تصدع و انشق حتى جاء النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليه فسكت ] زاد غيره : [ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن هذا بكى لما فقد من الذكر ] و زاد غيره : [ والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا على النبي صلى الله عليه و سلم فأمر به فدفن تحت المنبر ]
[ و في حديث أبي أنه أخذه أبي فكان عنده إلى أن أكلته الأرض و عاد رفاتا ] و في حديث بريدة [ فقال ـ النبي صلى الله عليه و سلم ـ : إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك و يكمل خلقك و يجدد لك خوص و ثمرة ؟ و إن شئت أغرسك في الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ؟ ثم أصغى له عليه الصلاة و السلام يستمع ما يقول فقال : بل تغرسني في الجنة فسمعه من يليه فقال عليه الصلاة و السلام : قد فعلت ]
[ و أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه أخبرنا ابن طبرزذ أخبرنا ابن عبد الباقي أخبرنا الجوهري أخبرنا ابن الشخير حدثنا العباس بن أحمد حدثنا محمد بن أبان حدثنا أبو القاسم بن أبي الزناد عن سلمة بن وردان قال : سمعت أبا سعيد بن المعلي يقول سمعت عليا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة ]
[ و رويناه من حديث جابر و فيه و إن منبري على ترعة من ترع الجنة ] (1/375)
قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش و تجارة من تجارتهم و فيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون منهم : مخرمة بن نوفل و عمرو بن العاص و قال ابن عقبة و ابن عائذ في أصحاب أبي سفيان : هم سبعون رجلا و كانت عيرهم ألف بعير و لم يكن لحويطب بن عبد العزى فيها شيء فلذلك لم يخرج معهم
و قال ابن سعد : هي العير التي خرج لها حتى بلغ ذا العشيرة تحين قفولها من الشام فبعث طلحة بن عبيد الله التيمي و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن مسلم الزهري و عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر و يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير و غيرهم من علمائنا عن ابن عباس كل قد حدثني بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بابي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم و قال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و ذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقى حربا و كان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار و يسأل من لقي من الركبان تخوفا من أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك و لعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة و أمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم و يخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة
قال ابن سعد : فخرج المشركون من أهل مكة سراعا و معهم القيان و الدفوف و أقبل أبو سفيان بن حرب بالعير و قد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة و استبطؤوا ضمضما و النفير حتى وردوا بدرا و هو خائف فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحدا من عيون محمد
قال ابن إسحاق : فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس و يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا : و قد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي و الله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني و تخوفت أن يدخل على قومك منها شر و مصيبة فاكتم عني ما أحدثك فقال لها : و ما رأيت ؟ قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى و قف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد و الناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة و لا دار إلا دخلتها منه فلقة قال العباس : و الله إن هذا لرؤيا و أنت فاكتميها و لا تذكريها ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة و كان صديقا له فذكرها له و استكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت و أبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال : يا أبا الفضل : إذا فرغت من طوافك فاقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل : يا بني عبد المطلب ! متى حدثت فيكم هذه النبية ؟ قال : قلت : و ماذاك ؟ قال : ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة قال فقلت : و ما رأت ؟ قال : يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ ! قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال : انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا فسيكون و إن تمض الثلاث و لم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس : فو الله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك و أنكرت أن تكون رأت شيئا
و عند ابن عقبة في هذا الخبر أن العباس قال لأبي جهل : هل أنت منته ؟ فإن الكذب فيك و في أهل بيتك فقال من حضرهما أبو بكر ما كنت يا أبا الفضل جهولا و لا خرقا و كذلك قال ابن عائذ و زاد فقال له العباس : مهلا يا مصفر أسته و لقي العباس من عاتكة أذى شديدا حين أفشى من حديثها
رجع إلى خبر ابن إسحاق : قال : ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ؟ ثم قد تناول النساء و أنت تسمع ؟ ثم لم تكن عندك غير لشيء مما سمعت ؟ قال : فقلت قد و الله فعلت ما كان مني إليه من كبير و ايم الله لأتعرضن له فإن عاد لأ كفينكنه قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة و أنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال : فدخلت المسجد فرأيته فو الله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر قال : إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال : قلت في نفسي : ماله لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه ؟ قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري و هو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره و حول رحله و شق قميصه وهو يقول : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال : فشغلني عنه و شغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا و قالوا : أيظن محمد و أصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا و الله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج و إما باعث مكانه رجلا و أوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب ابن عبد المطلب قد تخلف و بعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه فخرج عنه و تخلف أبو لهب
قال ابن عقبة و ابن عائذ : خرجوا في خمسين و تسعمائة مقاتل و ساقوا مائة فرس
و روينا عن ابن سعد : أخبرنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن ابن إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله عبد أبيه قال : لما أسرنا القوم في بدر قلنا : كم كنتم ؟ قالوا : كنا ألفا
قال ابن إسحاق : و حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان أجمع القعود و كان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن أبي معيط و هو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها فيها نار و مجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي ! استجمر فإنما أنت من النساء قال : قبحك الله و قبح ما جئت به قال : ثم تجهز فخرج مع الناس
قيل : و كان سبب تثبطه ما ذكره البخاري في الصحيح من حديثه مع سعد بن معاذ و أبي جهل بمكة و قول سعد له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : [ إنه قاتلك ]
قلت : المشهور عند أرباب السير أن النبي صلى الله عليه و سلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة و هو الذي قتله النبي صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يوم أحد بحربته و هذا أيضا لا ينافي خبر سعد و الله أعلم
قال ابن إسحاق : و لما فرغوا من جهازهم و أجمعوا السير ذكروا ما بينهم و بين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا : إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن مالك بن حعشم الكناني المدلجي و كان من أشراف بني كنانة فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا
و ذكر ابن عقبة و ابن عائذ في هذا الخبر : و أقبل المشركون و معهم إبليس ـ لعنه الله ـ في صورة سراقة يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنصرهم و أنه لا غالب لكم اليوم من الناس و إني جار لكم
قال ابن إسحاق : و عمير بن وهب أو الحارث بن هشام كان الذي رآه حين نكص على عقبيه عند نزول الملائكة و قال إني أرى ما لا ترون فلم يزل حتى أوردهم ثم أسلمهم ففي ذلك يقول حسان :
( سرنا وساروا إلى بدر لحينهم ... لو يعلمون يقين العلم ما ساروا )
( دلالهم بغرور ثم أسلمهم ... إن الخبيث لمن والاه غرار )
في أبيات ذكرها
قال ابن إسحاق : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه قال ابن هشام : لثمان ليال خلون منه
و قال ابن سعد : يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت منه بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله و سعيد بن زيد بعشر ليال و ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم عسكره ببئر أبي عنبة و هي على ميل من المدينة فعرض أصحابه و رد من استصغر و خرج في ثلاثمائة رجل و خمسة نفر كان المهاجرون منهم أربعة و سبعين رجلا و سائرهم من الأنصار و ثمانية تخلفوا لعذر ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهامهم و أجورهم : ثلاثة من المهاجرين عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت مريضة فأقام عليها حتى ماتت و طلحة و سعيد بن زيد بعثهما يتجسسان خبر العير و خمسة من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة وعاصم بن عدي العجلاني خلفه على أهل العالية و الحارث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم و الحارث بن الصمة كسر من الروحاء و خوات بن جبير كسر أيضا
قال ابن إسحاق : و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير ـ و كان أبيض ـ و كان أمام رسول الله صلى الله عليه و سلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب و الأخرى مع بعض الأنصار
و قال ابن سعد : كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير و لواء الخزرج مع الحباب بن منذر و لواء الأوس مع سعد بن معاذ
كذا قال و المعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش و أن لواء المهاجرين كان بيد علي [ قرىء على أبي حفص عمر بن عبد المنعم ابن عمر بن عبد الله بن غدير بعربيل ـ قرية بغوطة دمشق ـ و أنا أسمع أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه و أنت حاضر في الرابعة ؟ فأقر به أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي سماعا أخبرنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد أخبرنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين السمسار أخبرنا أبو القاسم المظفر بن حاجب بن مالك بن أركين الفرغاني أخبرنا أبو الحسن محمد ابن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي حدثنا أحمد ـ يعني ابن أبي أحمد ـ الجرجاني حدثنا شبابة بن سوار الفزاري حدثنا قيس بن ربيع عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى عليا الراية يوم بدر و هو ابن عشرين سنة ]
قال ابن إسحاق : و كانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم و علي بن أبي طالب و مرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا و كان حمزة و زيد بن حارثة و أبو كبشة و أنسة موليا رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتقبون بعيرا و كان أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا
و روينا عن ابن سعد : [ أخبرنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير و كان أبو لبابة و علي زميلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان إذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه و سلم قالا : اركب حتى نمشي معك فيقول : ما أنتما بأقوى مني على المشي و ما أغنى عن الأجر منكما ]
انتهى ما رويناه عن ابن سعد و المعروف أن أبا لبابة رجع من بئر أبي عنبة و لم يصحبهم إلى بدر ورده رسول الله صلى الله عليه و سلم واليا على المدينة و قد تقدم
قال ابن إسحاق : [ و جعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أحد بني مازن بن النجار فسلك طريقه من المدينة حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلا من الأعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا ثم ارتحل حتى أتى على واد يقال له ذفران و جزع فيه ثم نزل فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس و أخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال و أحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال و أحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله ! امض لما أمرك الله فنحن معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا و دعا له بخير
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أشيروا علي أيها الناس ] فذكر ابن عقبة و ابن عائذ [ أن عمر قال : يا رسول الله ! إنها قريش و عزها و الله ما ذلت منذ عزت و لا آمنت منذ كفرت و الله لتقاتلنك فأهب لذلك أهبته و أعدد لذلك عدته ]
رجع إلى خبر ابن إسحاق : [ قال : و إنما يريد الأنصار و ذلك أنهم عدد الناس و أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلنا إليها فأنت في ذمتنا نمنعك ما نمنع منه أبناءنا و نساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليه نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه و أن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : له سعد ابن معاذ : لعلك تريدنا يا رسول الله ؟ فقال : أجل قال : فقد آمنا بك وصدقناك و شهدنا أن ما جئت به هو الحق و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك و الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد و ما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى ]
و قد روينا من طريق مسلم أن الذي قال ذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج و إنما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ كذلك رواه ابن إسحاق و ابن عقبة و ابن سعد و ابن عائذ و غيرهم
و اختلف في شهود سعد بن عبادة بدرا لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق في البدريين و ذكره الواقدي و المدائني و ابن الكلبي فيهم و روينا عن ابن سعد [ أنه كان يتهيأ للخروج إلى بدر و يأتي دور الأنصار يحضهم على الخروج فنهش قبل أن يخرج فأقام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لئن كان سعد لم يشهدها لقد كان عليها حريصا ] قال : وروى بعضهم أن رسول الله ص ضرب له بسهمه و أجره و ليس ذلك بمجمع عليه و لا ثبت و لم يذكره أحد ممن يروي المغازي في تسمية من شهد بدرا و لكنه قد شهد أحدا و الخندق و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
رجع إلى الأول : [ قال فسر النبي صلى الله عليه و سلم بقول سعد و نشطه ذلك ثم قال : سيروا و أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين و الله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذفران ثم نزل قريبا من بدر فركب هو و رجل من أصحابه ] ـ قال ابن هشام هو أبو بكر الصديق ـ قال ابن إسحاق : [ كما حدثني محمد ابن يحيى بن حبان : حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش و عن محمد و أصحابه و ما بلغه عنهم فقال الشيخ : لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أخبرتنا أخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك ؟ قال : نعم قال الشيخ : فإنه قد بلغني أن محمدا و أصحابه خرجوا يوم كذا و كذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا و كذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا و كذا فإن كان الذي أخبرني صدق فهم اليوم بمكان كذا و كذا للمكان الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال : ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نحن من ماء ثم انصرف عنه قال : يقول الشيخ : ماء ؟ من ماء ؟ أمن ماء بالعراق ؟ ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام و سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج و عريض أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوا بهما فسألوهما و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي فقالا : نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما و ركع رسول الله صلى الله عليه و سلم و سجد سجدتيه ثم سلم و قال : إذا صدقاكما ضربتموهما و إذا كذباكما تركتموهما صدقا و الله إنهما لقريش أخبراني عن قريش ؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى و الكثيب العقنقل فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : كم القوم ؟ قالا : كثير قال : ما عدتهم ؟ قالا : ما ندري قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوما تسعا و يوما عشرا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : القوم ما بين التسعمائة و الألف ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عقبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو البحتري بن هشام و حكيم بن حزام و نوفل بن خويلد و الحارث بن عامر بن نوفل و طعيمة بن عدي بن نوفل و النضر بن الحارث و زمعة بن الأسود و أبو جهل بن هشام و أمية بن خلف و نبيه و منبه ابنا الحجاج و سهيل بن عمرو و عمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم على الناس فقال : هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها ]
قال ابن عقبة : و زعموا أن أول من نحرلهم حين خرجوا من مكة أبو جهل بن هشام عشر جزائر ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر و نحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر و مالوا من قديد إلى مناة نحو البحر فظلوا فيها فأقاموا فيها يوما فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم مقيس بن عمرو الجمحي تسع جزائر و نحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر و نحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعا و نحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشر جزائر و نحر لهم مقيس الجمحي على ماء بدر تسعا ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم
و قال ابن عائذ : كان مسيرهم و إقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال
قال ابن إسحاق : و كان بسبس بن عمرو و عدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستسقيان فيه و مجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدي و بسبس جاريتين من جواري الحاضر و هما تلازمان على الماء و الملزومة تقول لصاحبتها : إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك فقال مجدي : صدقت ثم خلص بينهما و سمع ذلك عدي و بسبس فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبراه بما سمعا
ثم أقبل أبو سفسان حتى تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو : هل أحسست أحدا ؟ قال : ما رأيت أحدا أنكره إلا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته ثم شمه فإذا فيه النوى فقال : هذه و الله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار و انطلق حتى أسرع و أقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال : إني فيما يرى النائم و إني لبين النائم و اليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف و معه بعير له ثم قال : قتل عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو الحكم بن هشام و أمية بن خلف و فلان و فلان ـ فعدد رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ـ ثم رأيته ضرب في ليلة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه قال : فبلغت أبا جهل فقال : و هذا أيضا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا
قال ابن إسحاق : و لما رأى أبو سفيان بن حرب أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم و رجالكم و أموالكم وقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام : و الله لا نرجع حتى نرد بدرا ـ و كان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم به سوق كل عام ـ فنقيم عليه ثلاثا فننحر الجزر و نطعم الطعام و نسقي الخمر و تعزف علينا القيان و تسمع بنا العرب و بمسيرنا و جمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها و قال الأخنس بن شريق ـ و كان حلفا لبني زهرة ـ يا بني زهرة ! قد نجى الله أموالكم و خلص لكم صاحبكم : مخرمة بن نوفل و إنما نفرتم لتمنعوه و ماله فاجعلوا لي جبنها و ارجعوا فإنه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول هذا فرجعوا فلم يشهدها زهري و لا عدوي أيضا و مضى القوم و كان بين طالب ابن أبي طالب ـ و كان في القوم ـ و بين بعض قريش محاورة فقالوا : و الله لقد علمنا يا بني هاشم و إن خرجتم معنا إن هواكم لمع محمد فرجع طالب إلى مكة مع من رجع و مضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل و بطن الوادي و بعث الله السماء و كان الوادي دهسا فأصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه منها ما لبدلهم الأرض و لم يمنعهم من المسير و أصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنزل به
قال ابن إسحاق : [ فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر ابن الجموح قال : يا رسول الله ! أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه و لا أن نتأخر عنه أم هو الرأي و الحرب و المكيدة ؟ قال : بل هو الرأي و الحرب و المكيدة قال : يا رسول الله ! إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء فنشرب و لا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت و بنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملىء ماء ثم قذفوا فيه الأنية ]
و روينا عن ابن سعد [ في هذا الخبر : فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه و سلم فقال : الرأي ماأشار به الحباب ]
قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال : يانبي الله ! ألا نبني لك عريشا تكون فيه و نعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله و أظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا و إن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد حبا منهم و لو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك و يجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا و دعا بخير ثم بني لرسول الله صلى الله عليه و سلم عريش فكان فيه
قال ابن إسحاق : [ و قد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم تصوب من العقنقل ـ و هو الكثيب الذي جاؤوا منه ـ إلى الوادي قال : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها و فخرها تحادك و تكذب رسولك اللهم فنصرك الذي و عدتني اللهم أحنهم الغداة
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر ـ إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا و قد كان خفاف بن إيماء بن رخضة ـ أو أبواه إيماء بن رخضة الغفاري ـ بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر أهداها لهم و قال : إن أحببتم أن نمدكم بسلاح و رجال فعلنا قال : فأرسلوا إليه مع ابنه : أن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا من ضعف عنهم و لئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد ما لأحد بلله من طاقة
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال : لا والذي نجاني من يوم بدر ]
قال : و حدثني أبي رحمه الله إسحاق بن يسار و غيره من أهل العلم عن أشياخ منت الأنصار قالوا : لما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا : احزر لنا أصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال : ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون و لكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد ؟ قال : فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا و لكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة و لا ملجأ إلا سيوفهم و الله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فرموا رأيكم فلما سمع حكيم ابن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فقال : يا أبا الوليد إنك كبير قريش و سيدها و المطاع فيها هل لك إلى أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر ؟ قال : و ما ذاك يا حكيم ؟ قال : ترجع بالناس و تحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي قال : قد فعلت أنت علي بذلك إنما هو حليفي فعلي عقله و ما أصيب من ماله فائت ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل بن هشام ـ ثم قام عتية خطيبا فقال : يا معشر قريش ! إنكم و الله ما تصنعون بان تلقوا محمدا صلى الله عليه و سلم و أصحابه شيئا و الله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه و ابن خاله و رجلا من عشيرته فارجعوا و خلوا بين محمد و بين سائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم و إن كان غير ذلك ألفاكم و لم تعرضوا منه ما تريدون قال حكيم : فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فقلت له : يا أبا الحكم ! إن عتبة أرسلني إليك بكذا و كذا للذي قال فقال انتفخ و الله سحره حين رأى محمدا و أصحابه كلا و الله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد و ما بعتبة ما قال و لكنه قد رأى أن محمدا و أصحابه أكله جزور وفيهم ابنه قد تخوف عليه ثم بعث إلى عامر الحضرمي فقال هذا حليفك يريد أن ترجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينيك فقم فانشد خفرتك و مقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ و اعمراه و اعمراه فحميت الحرب و حقب أمر الناس و استوسقوا على ما هم من الشر و أفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة
فلما بلغ عتبة قول أبي جهل : انتفخ : و الله سحره قال : سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره ؟ أنا أم هو ؟ ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعة من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجز على رأسه ببرد له
و قال ابن عائذ : و قال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم غر هؤلاء دينهم منهم أبو البختري بن هشام و عتبة بن ربيعة و أبو جهل بن هشام و ذكر غيرهم ـ لما تقالوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في أعينهم فأنزل الله تعالى : { إذ يقول المنافقون و الذين في قلبوبهم مرض غر هؤلاء دينهم } [ الأنفال : 49 ] الآية حتى نزلوا و تعبؤوا للقتال و الشيطان معهم لا يقارقهم (1/378)
قال ابن إسحاق : و قد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي و كان رجلا شرسا سيء الخلق فقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لآهدمنه أو لأموتن دونه فلما خرج إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه و هو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن تبرأ يمينه و اتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة و ابنه الوليد بن عتبة حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار و هم : عوف و معوذ ابنا الحارث ـ و أمهما عفراء ـ و رجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم ؟ قالوا : رهط من الأنصار قالوا : ما لنا بكم من حاجة
و قال ابن عقبة و ابن عائذ [ حين ذكروا خروج الأنصار قال : فاستحيا النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون و المشركون و رسول الله صلى الله عليه و سلم شاهد معهم فأحب النبي صلى الله عليه و سلم أن تكون الشوكة لبني عمه فناداهم النبي صلى الله عليه و سلم أن ارجعوا إلى مصافكم و ليقم إليهم بنو عمهم ]
رجع إلى ابن إسحاق : [ ثم نادى مناديهم : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : قم يا عبيدة بن الحارث و قم يا حمزة و قم يا علي فلما قاموا و دنوا منهم قالوا : من أنتم ؟ قال عبيدة : عبيدة و قال حمزة : حمزة و قال علي : علي قالوا : نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة ـ و كان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة و بارز حمزة شيبة بن ربيعة و بارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله و أما علي فلم يمهل الوليد أن قتله و اختلف عبيدة و عتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة و علي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه و احتلا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه ]
قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا : أكفاء كرام إنما نريد قومنا قال : ثم تزاحف الناس و دنا بعضهم من بعض و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمركم و قال : إن اكتشفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل و رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش معه أبو بكر الصديق
قال : حدثني حبان بن واسع بن حبان [ عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر و في يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار و هو مستنتل من الصف قال ابن هشام : فطعن في بطنه بالقدح و قال : استو يا سواد فقال : يا رسول الله أوجعتني و قد بعثك الله بالحق و العدل فأقدني قال : فكشف رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بطنه و قال : استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال : ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال : يا رسول الله ! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير و قاله له ]
قال ابن إسحاق : [ ثم عدل رسول الله صلى الله عليه و سلم الصفوف و رجع إلى العريش فدخله و معه أبو بكر ليس معه فيه غيره و رسول الله صلى الله عليه و سلم يناشد ربه ما وعده من النصر و يقول فيما يقول : اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد و أبو بكر يقول : يا رسول الله ! بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك و قد خفق رسول الله صلى الله عليه و سلم خفقة و هو في العريش ثم انتبه فقال : أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع ـ يريد الغبار ـ ]
و قال ابن سعد في هذا الخبر : [ و جاءت ريح لم يروا مثلها شدة ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و رويناه من طريق مسلم حدثنا هناد بن السري حدثنا ابن المبارك عن عكرمة ابن عمار قال : حدثنا سماك الحنفي قال : سمعت ابن عباس يقول : [ حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المشركين و هم ألف و أصحابه ثلاثمائة و سبعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه و سلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني و فيه : فأنزل الله عز و جل عند ذلك : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } [ الأنفال : 9 ] فأمده الله بالملائكة ]
قال أبو زميل : [ فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه و صوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه خر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق و جهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين و أسروا سبعين ] الحديث
و روينا من طريق البخاري : [ حدثني إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب ]
و روينا ابن سعد : أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب و يزيد بن حازم أنهما سمعا عكرمة يقرأ : { فثبتوا الذين آمنوا } قال حماد : و زاد أيوب قال قال عكرمة : { فاضربوا فوق الأعناق } [ الأنفال : 12 ] قال : كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه و تندر يد الرجل لا يدري من ضربه
قال ابن إسحاق : [ و قد رمي مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمي حارثة بن سراقة ـ أحد بني عدي بن النجار و هو يشرب من الحوض ـ بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الناس فحرضهم و قال : و الذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام ـ أخو بني سلمة و في يده تمرات يأكلهن ـ : بخ بخ أفما بيني و بين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ؟ قال : ثم قذف التمرات من يده و أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل ]
و قال ابن عقبة : أول قتيل من المسلمين يومئذ عمير بن حمام
و قال ابن سعد : فكان أول من خرج من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر بن الحضرمي و كان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة و يقال : قتله بن العرقة و يقال : عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي قال ابن إسحاق : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث ـ و هو ابن عفراء ـ قال : يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده ؟ قال : غمسة يده في القوم حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل حدثني محمد بن مسلم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري ـ حليف بني زهرة ـ أنه حدثه أنه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل : اللهم أقطعنا للرحم و آتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه قال : ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال : شاهت الوجوه ثم نفخهم بها و أمر أصحابه فقال : شدوا فكانت الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش و أسر من أسر من أشرافهم قال ابن عقبة و ابن عائذ : فكانت تلك الحصباء عظيما شأنها لم تترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه و جعل المسلمون يقتلونهم و يأسرونهم و بادر النفر كل رجل منهم ـ منكبا على وجهه ـ لا يدري أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه
رجع إلى خبر ابن إسحاق : [ فلما وضع القوم أيديهم يأسرون و رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش و سعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم متوشحا السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم يخافون عليه كرة العدو و رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ فيما ذكر لي ـ في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : و الله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم ؟ قال : أجل و الله يا رسول الله : كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال
قال : و حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأصحابه يومئذ : إني قد عرفت أن رجالا من بني هاشم و غيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله و من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله و من لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنما خرج مستكرها ]
و ذكر ابن عقبة فيهم عقيلا و نوفلا
قال : فقال أبو حذيفة : أنقتل آباءنا و إخواننا و عشيرتنا و نترك العباس و الله لئن لقيته لألجمنه السيف قال : فبلغت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لعمر بن الخطاب : يا أبا حفص ! ـ فقال عمر : و الله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بأبي حفص ـ أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف ؟ فقال عمر : يا رسول الله ! دعني فلأضرب عنقه بالسيف فو الله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ و لا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا
فلقي البختري المجذر بن زياد البلوي فقال له : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نهانا عن قتلك و مع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة و هو جنادة بن مليحة قال : زميلي ؟ قال : له المجذر : لا و الله ام نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا بك وحدك قال : لا و الله إذن لأموتن أنا و هو جميعا لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصا على الحياة فقتله المجذر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : و الذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلني فقتلته
قال ابن عقبة : و يزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري بن هشام و يأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله بل قتله من غير شك أبو داود المازني و سلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض ولد أبي البختري
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : و حدثنيه أيضا عبد الله بن ابي بكر و غيرهما أن عبد الرحمن بن عوف لقيه أمية بن خلف و معه ابنه علي و مع عبد الرحمن أدراع استلبها قال : هل لك في ؟ فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك قال : قلت نعم فطرحت الأدراع من يدي و أخذت بيده و يد ابنه و هو يقول : ما رأيت كاليوم قط ! أما لكم حاجة في اللبن ؟ ثم خرجت أمشي بهما
قال : حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن ابن عوف أن أمية بن خلف قال له : من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال : قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال عبد الرحمن : فو الله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي و كان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع في صدره ثم يقول : لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال : أحد أحد قال : فلما رأس قال : رأس الكفر أمية بن خلف ؟ لا نجوت إن نجا قال : قلت أي بلال أبا أسيري ؟ قال : لا نجوت إن نجا قال : ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله ! رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إلا نجا قال : فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة و أنا أذب عنه قال : فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع و صاح أمية بن خلف صيحة ما سمعت مثلها قط قال : فقلت انج بنفسك و لا نجاء به فو الله ما أغني عنك شيئا قال : فهبروهما بأسيافهما حتى فرغوا منهما قال : فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالا ذهبت أدراعي و فجعني بأسيري
قال ابن إسحاق : و حدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال : حدثني رجل من بني غفار قال : أقبلت أنا و ابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر و نحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب قال : فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول : أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه و أما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت
قال : و حدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك ابن ربيعة و كان قد شهد بدرا قال بعد أن ذهب بصره : لو كنت اليوم ببدر و معي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك و لا أتمارى
قال : و حدثني أبي إسحاق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني ـ و كان شهد بدرا ـ قال : إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري و حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال : كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها في ظهورهم و يوم حنين عمائم حمرا
و روينا هذا الخبر من طريق مالك بن سليمان الهروي عن الهياج عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس بمعناه ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر و كانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا و مددا لا يضربون
و ذكر ابن هشام عن بعض أهل العلم أن جبريل عليه السلام كانت يوم بدر عمامة صفراء و كان شعراهم يوم بدر أحد أحد
قال ابن إسحاق : فلقي فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى و كان أول من لقي أبا جهل كما حدثني ثور زيد عن عكرمة عن ابن عباس و عبد الله بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قالا : قالا : معاذ بن عمرو بن الجموح ـ أخر بني سلمة ـ : سمعت القوم و أبو جهل في مثل الحرجة و هم يقولون : أبو الحكم لا يخلص إليه قال : فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدهم بنصف ساقه فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها قال : و ضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي و أجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي و إني لأسحبها فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها
قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى : و زاد ابن وهب في روايته : فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلصقت
قال ابن إسحاق : ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بأبي جهل ـ و هو عقير ـ معوذ بن عفراء فضربه حتى أتيته و به رمق و قاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمرر صلى الله عليه و سلم أن يلتمس في القتلى و قد قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني : انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت يوما أنا و هو على مأدبة لعبد الله بن جدعان و نحن غلامان و كنت أشف منه يسير فدفعته فوقع على ركبته فجحش على أحدهما جحشا لم يزل أثره به قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعته رجلي على عنقه ـ قال : و قد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني و لكزني ـ ثم قلت له : هل أخزاك الله ياعدو الله ؟ قال : و بماذا أخزاني ؟ أعمد من رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدبرة اليوم ؟ قال : قلت لله و رسوله قال ابن هشام : و يقال أعار على رجل قتلتموه ؟ أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟ قال ابن إسحاق : و زعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي : لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا قال : ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه و سلم قفلت : يا رسول الله ! هذا رأس عدو الله أبي جهل قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله الذي لا إله غيره ـ قال : و كان يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ قال : قلت : نعم و الله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله تعالى
أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه قال : أخبرنا أبو علي حنبل ابن عبد الله الرصافي أن أبا القاسم بن الحصين أخبره قال : أخبرنا أبو علي بن المذهب
قال : [ أخبرنا أبو بكر القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا يوسف ابن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن ابن عوف أنه قال : إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني و عن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حدثية أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمرني أحدهما فقال : يا عم ! هل تعرف أبا جهل بن هشام ؟ قال : قلت : نعم و ما حاجتك يا ابن أخي ؟ قال : بلغني أنه كان يسبب رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي نفسي بيده لئن رأيته لم يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال : فغمزني الآخر فقال مثلها قال : فعجبت لذلك قال : فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت لهما : ألا تريان ؟ هذا صاحكبما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبراه فقال : أيكما قتله فقال كل واحد منهما : أنا قتلته قال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا فنظر في السيفين فقال : كلاكما قتله و قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح و هما : معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن عفراء ] رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون فرقع لنا عليا
و روينا عن ابن عقبة : [ أن عبد الله بن مسعود وجده مقنعا في الحديد و هو منكب لا يتحرك فظن أنه قد اثبت فتناول قائم سيفه فاستله و هو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضاء عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فلما نظر إليه إذ هو ليس به جراح و أبصر في عنقه جدرا و في يديه و كتفيه كهيئة آثار السياط فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : ذاك ضرب الملائكة ]
و روينا عن ابن عائذ : [ حدثنا الوليد قال : حدثني خليد عن قتادة أنه سمعه يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن لكل أمة فرعونا و إن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتلة قتله ابنا عفراء و قتلته الملائكة و تذافه ابن مسعود يعني أجهز عليه ]
قال ابن إسحاق : و قاتل عكاشة بن محصن الأسدي يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه جذلا من حطب فقال : قاتل بهذا يا عكاشة فلام أخذه من رسول الله صلى الله عليه و سلم هزه فعاد سيفا في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين و كان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل في الردة و هو عنده ؟
و قال الواقدي : و حدثني أسامة بن زيد الليثي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل قال : انكسر سيف سلمة بن أسلم بن الحريش يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب فقال : اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد
قال ابن إسحاق : و حدثني يزيد بن رومان : عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها الله قالت : لما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه اتنفخ في درعه فملأها فذهبوا ليحروكوه فتزايل فأقروه و ألقوا عليه ما غيبه من التراب و الحجارة
و روينا عن الطبراني : [ حدثني موسى بن الحسن الكسائي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال : أنشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن أهل بدر فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس من بدر يقول : هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله قال عمر : فو الذي بعثه بالحق ما أخطؤوا الحدود التي حدها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهى إليهم فقال : يا فلان بن فلان و يا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله و رسوله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا ؟ فقال عمر : يا رسول الله ! كيف تكلم أجسادا لا أراوح فيها ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا ]
و روينا عن ابن عائذ : [ أخبرني الوليد بن مسلم أخبرني سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثا فلما كان يوم بدر أقام ثلاثا و ألقى بضعة و عشرين رجلا من صناديد قريش في طوي من أطواء بدر ثم أمر براحلته فشد عليها رحلها فقلنا : إنه منطلق لحاجة فانطلق حتى وقف على شفى الركي فجعل يقول : يا فلان بن فلان و يا فلان بن فلان ] الحديث
و روينا من طريق مالك بن سليمان الهروي حدثنا معمر عن حميد الطويل عن أنس و في آخره قال : قتادة : أحياهم الله حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم توبيخا لهم هذا حمل لهذا الخبر على ظاهره
و قد روينا عن عائشة رضي الله عنها أنها تأولت ذلك و قالت : إنما أراد النبي صلى الله عليه و سلم أنهم الآن ليعملون أن الذي أقول لهم هو الحق ثم قرأت { إنك لا تسمع الموتى } [ النمل : 80 ] الآية
رجع إلى الخبر عن ابن إسحاق : قال : و تغير وجه أبي حذيفة بن عتبة عند طرح أبيه في القليب ففطن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : لعلك : دخلك في شأن أبيك شيء ؟ فقال : لا و الله لكني كنت أعرف من أبي رأيا و حلما و فضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام فرأيت ما مات عليه أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بخير و قال له خيرا
و مات يومئذ فتية من قريش على كفرهم ممن كان فتن على الإسلام افتتن بعد إسلامه منهم من بني الأسد : الحارث بن زمعة بن الأسود و من بني مخزوم أبو قيس ابن الفاكه و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة و من بني جمح : علي بن أمية بن خلف
و من بني سهم : العاصي بن منبه بن الحجاج فنزل فيهم { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفصهم } [ النساء : 97 ]
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بما في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه أبو بكر هو لنا و قال الذين كانوا يقاتلون العدو و يطلبونه : لولا نحن ما أصبتموه نحن شغلنا عنكم العدو فهو لنا و قال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد رأينا أن نقتل العدو حين منحنا الله أكتافهم و لقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن له من يمنعه و لكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كرة العدو فما أنتم بأحق به منا فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسوله فقسمه في المسلمين عن بواء يقول : على السواء
و روينا عن ابن عائذ : [ أخبرني الوليد بن مسلم قال : و أخبرني سعيد بن بشير عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح ـ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما كان يوم بدر قال : من قتل قتيلا فله سلبه و من جاء بأسير فله سلبه فجاء أبو اليسر بأسيرين فقال سعد : أي رسول الله صلى الله عليه و سلم ! أما و الله ما كان بنا جبن عن العدو و لاضن بالحياة أن نصنع ما صنع إخواننا و لكن رأيناك قد أفردت فكرهنا أن تكون بمضيعة قال : فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يوزعوا تلك الغنائم بينهم ]
المشهور أن قول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ من قتل قتيلا فله سلبه ] إنما كان يوم حنين و أما قوله ذلك يوم بدر و أحد فأكثر ما يوجد من رواية من لا يحتج به
و قد روي أرباب المغازي و السير أن سعد بن أبي الوقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاص و أخذ سيفه فنفله رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه حتى نزلت سورة الأنفال و أن الزبير بن العوام بارز يومئذ رجلا فنفله رسول الله صلى الله عليه و سلم سلبه و أن ابن مسعود نفله رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سلب أبي جهل و أما ابن الكلبي فمضعف عندهم و روايته عن أبي صالح عن ابن عباس مخصوصة بمزيد تضعيف
رجع إلى خبر عن ابن إسحاق : ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن رواحة بشيرا إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله و على المسلمين و بعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة قال أسامة بن زيد : فأتانا الخبر حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أقبل عليه الصلاة و السلام قافلا إلى المدينة و معه الأسارى من المشركين و فيهم عقبة ابن أبي معيط و النضر بن الحارث و احتمل رسول الله صلى الله عليه و سلم معه النفل الذي أصيب من المشركين و جعل عليه عبد الله بن كعب من بني مازن بن النجار ثم أقبل عليه الصلاة و السلام حتى إذا خرج من مضيق الصفراء فقسم النفل بين المسلمين على السواء و بالصفراء أمر عليا فقتل النضر بن الحارث ثم بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط فقال حين قتله : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار و الذي قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح و قيل : علي و الذي أسره عبد الله بن سلمة ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قدم بالمدينة قبل الأسارى بيوم
قال ابن إسحاق : و حدثني نبيه بن وهب أخو بني عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه و قال استوصوا بهم خيرا قال : فكان أبو عزيز ابن عمير بن هاشم أخو مصعب لأبيه و أمه في الأسارى فقال : مر بي أخي مصعب و رجل من الأنصار يأسرني فقال له : شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذ قدموا غداءهم و عشاءهم خصوني بالخبز و أكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه و سلم إياهم بنا ثم فدي بأربعة آلاف درهم و هي أعلى الفداء
و ذكر قاسم بن ثابت في دلائله أن قريشا لما توجهت إلى بدر مر هاتف من الجن على مكة في اليوم الذي أوقع بهم المسلمون و هو ينشد بأبعد صوت و لا يرى شخصه :
( أزار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا )
( أبادت رجالا من قريش و أبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسرا )
( فيا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد جار عن قصد الهوى و تحيرا )
فقال قائلهم : من الحنيقيون ؟ فقالوا : هو محمد و أصحابه يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف ثم لم يلبث النفر أن جاءهم الخبر
رجع إلى الأول : و كان أول من قدم بمصابهم الحيسمان بن عبد الله الخزاعي ـ و كان يسمى ابن عبد عمرو و أسلم بعد ذلك ـ فقال : قتل عتبة و شيبة و أبو الحكم و أمية و فلان و فلان فقال صفوان بن أمية و هو جالس في الحجر : و الله إن يعقل هذا فسلوه عني فسألوه فقال هو ذاك جالسا في الحجر و قد رأيت أباه و أخاه حين قتلا (1/393)
قال ابن إسحاق : و حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم : كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب و كان الإسلام قد دخلنا أهل البيت فأسلم العباس و أسلمت أم الفضل و أسلمت أنا و كان العباس يهاب قومه و يكره خلافهم فكان يكتم إسلامه وكان ذا مال فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر و كنت رجلا ضعيفا أعمل الأقداح أنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس فيها أنحت أقداحي و عندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذأقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث فقال أبو لهب : هلم إلي فعندك الخبر فقال : و الله ما هو إلا ان لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلونا كيف شاؤوا و يأسروننا كيف شاؤوا و ايم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض و الله ما تليق شيئا و لا يقوم لها شيء قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت : تلك و الله الملائكة قال فرفع أبو لهب يده فضرب و جهي ضربة شديدة قال : و ثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني فقامت أم الفضل إلى عمود فضربته به ضربة فلغت في رأسه شجة منكرة و قالت : استضعفته أن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته
قال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه : أنهم لم يحفروا له و لكن أسندوه إلى حائط و قذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه
و ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : أن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها و يرون أنها تعدي أشد العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه و بقي بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته و لا يحاول دفنه فلما خافوا السبة في تركه حفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته و قذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه و يروى أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها
قال ابن إسحاق : و حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد و قال : ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا : لا تفعلوا فيبلغ محمدا و أصحابه فيشمتوا بكم و لا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يأرب عليكم محمد و أصحابه في الفداء
قال ابن عقبة : أقام النوح شهرا
قال ابن إسحاق : و كان الأسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود و عقيل بن الأسود و الحارث بن زمعة و كان يحب أن يبكي على بنيه قال : فبينما هو كذلك إذا سمع صوت نائحة من الليل فقال لغلام له و قد ذهب بصره : انظر هل أحل النحت ؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة ـ يعني زمعة ـ فإن جوفي قد احترق قال : فلما رجع إليه الغلام قال : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته قال : فذلك حين يقول الأسود :
( أتبكي أن يضل لها بعير ... و يمنعها من النوم السهود )
( فلا تبكي على بكر و لكن ... على بدر تقاصرت الجدود )
و كان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال ـ يعني المطلب ـ و كأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه ] فلما قالت قريش : لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب : صدقتم لا تعجلوا و انسل من الليل فقدم المدينة فاخذ أباه بأربعة آلاف درهم و انطلق فبعثت في فداء الأسارى فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف في فداء سهيل بن عمرو و كان الذي أسره مالك بن الدخشم و كان سهيل أعلم من شفته السفلى
قال ابن إسحاق : [ و حدثني محمد بن عمرو بن عطاء أخو بني عامر بن لؤي أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ! دعني أنزع ثنيتي سهيل ابن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أمثل به فيمثل الله بي و إن كنت نبيا ]
قال ابن إسحاق : [ و قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعمر في هذا الحديث : عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ]
فلما قاولهم مكرز و انتهى إلى رضاهم قالوا : هات الذي لنا قال : اجعلوا رجلي مكان و خلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه ففعلوا و كان عمرو بن أبي سفيلن أسيرا في يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل لأبي سفيان : افد عمرا ابنك فقال : أيجمع علي دمي و مالي قتلوا حنظلة و أفدي عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدا لهم قال : فبينا هو كذلك إذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بني عمرو بن عوف معتمرا فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو ثم قال أبو سفيان :
( أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا )
( فإن بني عمرو بن عوف أذلة ... لئن يفكوا عن أسيرهم الكبلا )
و في رواية : بني عمرو لئام أذلة ففدي به
و كان فيهم أبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته زينب بعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها عليه حين بنى عليها قال : [ فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم رق لها رقة شديدة و قال : إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها و تردوت عليها قلادتها فافعلوا قالوا : نعم يا رسول الله ! فأطلقوه و ردوا عليها الذي لها ]
و روينا عن طريق أبي داود : [ حدثنا عبد الله بن محمد النفلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها بنحوه و في آخره : فكان النبي صلى الله عليه و سلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة و رجلا من الأنصار فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها و ممن من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بغير فداء أيضا : المطلب بن حنطب و صيفي بن أبي رفاعة و أبو عزة الجمحي و أخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا ]
قال ابن إسحاق : و حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال : جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحجر و كان عمير بن وهب شيطانا من شياطين قريش و كان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و يلقون منه عناء و هو بمكة و كان ابنه و هب بن عمير في أسارى بدر فذكر أصحاب القليب و مصابهم فقال صفوان : إن في العيش و الله خير بعدهم قال له عمير : صدقت أما و الله لولا دين علي ليس له عندي قضاء و عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ابني أسير أيديهم قال : فاغتنمها صفوان فقال : علي دينك أنا أقضيه عنك و عيالك مع عيالي أوا سيهم ما بقوا لا يسعني شيء و يعجز عنهم قال عمير : فاكتم عني شأني و شأنك قال : أفعل قال : ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له و سم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر و يذكرون ما أكرمهم الله به و ما أراهم من عدو هم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف
فقال : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر و هذا الذي حرش بيننا و حزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا نبي الله ! هذا عدوا الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال : فأدخله علي قال : فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبيه بها و قال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجلسوا عنده و احذروا عليه هذا الخبيث فإنه مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم و عمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال : أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال : أنعموا صباحا ـ و كانت تحية أهل الجاهلية بينهم ـ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة قال : أما و الله إن كنت بها يا محمد لحديث عهد قال : فما جاء بك ياعمير ؟
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه قال : فما بال السيف في عنقك ؟
قال : قبحها الله من سيوف و هل أغنت عنا شيئا ! قال : اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك قال بلى قعدت أنت و صفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت : لولا دين علي و عيال لي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك و عيالك عاى أن تقتلي له و الله حائل بينك و بين ذلك قال عمير : أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء و ما ينزل عليك من الوحي و هذا أمر لم يحضره إلا أنا و صفوان فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للإسلام و ساقني هذا المساق ثم تشهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقهوا أخاكم في دينه و أقرئوه القرآن و أطلقوا له أسيره ففعلوا ذلك ثم قال : يا رسول الله ! إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كلن دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله و إلى الإسلام لعل الله يهديهم و إلا آذيتهم في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم قال : فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فلحق بمكة قال : و كان صفوان حين خرج عمير يقول : أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم و قعة بدر و كان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا و أن لا ينفعه بنفع أبدا (1/409)
بدر بن قريش بن يخلد بن النضر حفر هذه البئر فنسبت إليه
و التحسس ـ بالحاء ـ أن تتسمع الأخبار بنفسك ـ و بالجيم ـ أن تفحص عنها بغيرك
و اللطيمة : العير تحمل الطيب و البز
و ضيعة الرجل : حرفته و صناعته
و المقنب زهاء ثلاثمائة من الخيل
و قوله : لاط له بأربعة آلاف درهم أي أربى له الحديث [ و ما كان من دين لا رهن فيه فهو لياط ] و أصل هذه اللفظة من اللصوق
و تعور ما وراءه من القلب : قيد بالعين من المهملة و بالغين المعجمة و تشديد الواو و السهيلي يقول بضم العين المهملة و سكون الواو قال : و جاء على لغة من يقول : قول القول و بوع المتاع
و حقبت الحرب : اشتدت
و مستنتل : متقدم أمام الصف
و العريش : ما يستظل به
و أطن قدمه : أسرع قطعها فطنت أي طارت
و المسكة : السوار من الذيل و هو جلد السحلفاة
و أخلف الرجل سيفه : مده لحاجته
أقدم حيزوم : بضم الدال أي أقدم الخيل و حيزوم اسم فرس جبريل و قيل في تقيدها غير ذلك
و مرضخة النوى : بالحاء المهملة و بالمعجمة و قيل : الرضح بالمهملة : كسر اليابس و بالمعجمة : كسر الرطب
و ضبث الشيء : قبض عليه بيده و ضبثه : ضربه
و جهيم بن الصلت : أسلم خبير و وقع في الرواية : ابن أبي الصلت
و معوذ بن عفراء بكسر الواو و كان الوقشي يأبى إلا الفتح
و المجذر عبد الله بن زياد قال أبو عمر : و يقال ذياد و الكسر أكثر
و أبو سيد مالك بن ربيعة : قال عياض : قال فيه عبد الرزاق و وكيع : بضم الهمزة و قال ابن المهدي : بفتحها قال أحمد بن حنبل : و الصواب الأول
و أبو داود المازني : اسمه و قيل عمير بن عامر و كان الجياني يقول : أبو دؤاد
و ذكر عياض أن ابن مسعود إنما وضع رجله على عنق أبي جهل لتصدق رؤياه قال ابن قتيبة : ذكر أن أبا جهل قال لابن مسعود : لأقتلنك فقال : و الله لقد رأيت في النوم أني أخذت حدجة حنظل فوضعتها بين كتفيك و رأيتني أضرب كتفيك بنعلي و لئن صدقت رؤياي لأطأن رؤياي على رقبتك و لأذبحنك ذبح الشاة الحدجة : الحنظلة الشديدة
فلما انقضى أمر بدر أنزل الله فيه سورة الأنفال بأسرها (1/415)
من بني هاشم بن عبد مناف : محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب
و من مواليهم : زيد بن حارثة و أنسة و أبو كبشة
و من حلفائهم : أبو مرثد حليف حمزة و ابنه مرثد ثمانية
و من بني المطلب بن عبد مناف : عبيدة بن الحارث بن المطلب و أخواه : الطفيل و الحصين و مسطح بن أثاثة أربعة
و من بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان ـ خلفه عليه الصلاة و السلام على ابنته رقية و ضرب له بسهمه و أجره فهو معدود فيهم ـ و أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة و سالم مولاه و صبيح مولى أبي العاص بن أمية و قيل : رجع لمرض أصابه ثم شهد ما بعد بدر
و من حلفائهم : عبد الله بن جحش و عكاشة بن محصن و أخوه أبو سنان و ابنه سنان بن أبي سنان و شجاع و عقبة ابنا وهب و يزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و محرز بن نضلة و ربيعة ابن أكثم
و من حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان : ثقف بن عمرو و أخواه مالك و مدلج و يقال : مدلاج و أبو مخشي سويد بن مخشي الطائي حليف لهم سبعة عشر
و من بني نوفل بن عبد مناف : عتبة بن غزوان و خباب مولاه رجلان
و من بني أسد بن عبد العزى بن قصي : الزبير بن العوام و حاطب بن أبي بلتعة : عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي مولى الزبير و سعد مولى حاطب ثلاثة
و من بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير و سويبط رجلان
و من بني زهرة : عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و أخوه عمير
و من حلفائهم : المقداد بن عمرو و عبد الله بن مسعود و مسعود بن ربيعة و ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم بن ملكان بن أفصى بن حارثة ابن عمرو بن عامر بن خزاعة و خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب ابن سعد بن زيد مناة من تميم ـ لحقه سباء في الجاهلية ـ فاشترته امرأة من خزاعة و أعتقته و كانت من حلفاء بني زهرة ثمانية
و من بني تميم بن مرة : أبو بكر الصديق و مولياه : بلال و عامر بن فهيرة و صهيب بن سنان و طلحة بن عبيد الله [ س ] ـ و كان بالشام فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره خمسة
و من بني مخزوم : أبو سلمة بن عبد الأسد [ س ] و شماس بن عثمان [ س ] و الأرقم بن أبي الأرقم [ س ] و عمار بن ياسر ـ مولاهم ـ [ س ] و معتب بن عوف السلولي ـ حليف لهم ـ [ س ] خمسة
و من بني عدي بن كعب : عمر بن الخطاب [ س ] و أخوه زيد و مهجع مولاه وعمرو بن سراقة [ هب ] و واقد بن عبد الله [ هب ] و خولي و مالك ابنا أبي خولي [ هب ] و عامر بن ربيعة [ س ] و عامر [ س ] و خالد [ س ] و إياس و عاقل : بنو البكير و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [ س ] قدم من الشام بعدما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه و أجره أربعة عشر
و من بني جمح بن عمرو : عثمان بن مظعون [ س ] و أخواه : قدامة و عبد الله و ابنه السائب بن عثمان و معمر بن الحارث [ س ] خمسة
و من بني سهم : خنيس بن حذافة [ س ] رجل واحد
و من بني عامر بن لؤي : أبو سبرة بن أبي رهم [ ها ] و عبد الله بن مخرمة [ ها ] عبد الله بن سهيل بن عمرو [ ها ] و عمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو و سعد بن خوبة حليف لهم [ ها ] خمسة
و من بني الحارث بن فهر : أبو عبيدة بن الجراح [ س ] و عمرو بن الحارث [ ها ] و سهيل بن وهب [ ها ] و أخوه صفوان ابنا بيضاء و عمرو بن أبي سرح [ ها ] خمسة
و ذكر أبو عمر فيهم و هب بن أبي سرح أخا عمرو المذكور و حكاه عن موسى ابن عقبة و لم نره في مغازيه و يشبه أن يكون وهما و قد ذكر ابن هشام عن غير ابن إسحاق في بني عامر بن لؤي وهب بن سعد بن أبي سرح و هو ابن الحارث عن حبيب ـ و يقال حبيب بتشديد الياء ـ بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر فيمن شهد بدرا و هو عند ابن عقبة
و ذكر ابن عقبة فيهم : عياض بن زهير أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب ابن ضبة بن الحارث بن فهر [ ها ] و بعضهم يقول : هلال بن مالك بن ضبة و ذكره فيهم أيضا خليفة بن خياط و الواقدي و حكاه أبو عمر عن ابن إسحاق من رواية إبراهيم بن سعد عنه
و حاطب بن عمرو العامري [ س ] ذكره ابن هشام و حكاه أبو عمر عن موسى بن عقبة و لم نجده في مغازيه
و ممن ذكره أبو عمر فيهم : خريم بن فاتك الأسدي و هو خريم بن الأخرم بن شداد ابن عمرو بن الفاتك بن القليب بن عمرو بن أسد بن خزيمة و أخوه سبرة قال أبو عمر : و قد قيل إن خزيما هذا و انبه أيمن بن خريم أسلما جميعا يوم فتح مكة و الأول أصح و قد صحح البخاري و غيره أن خريما و أخاه سبرة شهدا بدرا و هو الصحيح إن شاء الله
و طليب بن عمير [ ها ] قاله الزبير و الواقدي و روي عن ابن إسحاق من غير طريق البكائي
و ممن ذكر فيهم : كثير بن عمرو السلمي حليف بني أسد ذكره ابن السراج في روايته عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي عن أبيه عن زياد عن ابن إسحاق و ذكر أخويه مالك بن عمرو و ثقف بن عمرو و قد تقدم ذكرهما قال أبو عمر لم أر كثيرا في غير هذه الرواية و لعله أن يكون ثقف له لقبا و اسمه كثير
و يزيد بن الأخنس السلمي [ س ] و ابنه معن بن يزيد و أبوه الأخنس و لا يعرف فيمن شهد بدرا ثلاثة أب و جد و ابن إلا هؤلاء و أكثر أهل العلم بالسير لا يصحح شهودهم بدرا
فهؤلاء أربعة و تسعون
و قد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال : ضرب يوم بدر للمهاجرين بمائة سهم (1/417)
و شهدها من الأنصار ثم من الأوس ثم :
من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل و أخوه عمرو و الحارث بن أوس بن معاذ و الحارث بن أنس بن رافع بن امرئ القيس و أخوه شريك و ابنه عبد الله و يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس و ابنه عامر و أخوه زياد بن السكن ـ عند ابن الكلبي وحده ـ و ابنه عمارة بن زياد و سعد بن زيد [ عج ] و سلمة بن سلامة بن وقش و عباد بن بشر بن وقش [ عج ] و سلمة ابن ثابت بن وقش و رافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعورا و إياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعورا بن جشم أخي عبد الأشهل من ساكني راتج و أخوه الحارث بن أوس عند ابن عقبة ـ و من الناس من يقول في عتيك عبيد ـ و أبو الهيثم بن التيهان [ عب ] و أخوه عبيد ـ و يقال عتيك ـ و الحارث بن خرمة بن عدي بن أبي بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج حليف لهم و محمد بن مسلمة بن خلف بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] و من بني حارثة و سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] و عبد الله بن سهل بن زيد بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث [ حليف لهم ] ثلاثة و عشرون
و من بني ظفر : و هو كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس : قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب و عبيد بن أوس بن مالك بن سواد و نضرابن الحارث بن عبيد بن رزاح بن كعب و معتب بن عبيد عمه و من حلفائهم عبد الله بن طارق البلوي خمسة
و من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج : مسعود بن عبد سعد بن عامر بن عدي ابن جشم بن مجدعة بن حارثة و أبو عبس عبد الرحمن بن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم و من حلفائهم من بلي : أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذبيان بن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني أخي قران ابني بلي أخي بهراء ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة ثلاثة
و من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ثم من بني ضبيعة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف : عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح قيس بن عصمة بن مالك ابن أمية بن ضبيعة و معتب بن قشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة و أبو مليل ابن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة و عمير بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف ابن ضبيعة أربعة
و من بني أمية بن زيد بن مالك : مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بن زيد بن أمية و رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر و سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد ابن أمية و عويم بن ساعدة [ عب ] و رافع بن عنجدة ـ و هي أمه و أبوه عبد الحارث ـ حليف لهم من بلي و عبيد بن أبي عبيد و ثعلبة بن حاطب و زعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر و الحارث بن حاطب بن عمر بن عبيد بن أمية بن زيد خرجا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجعهما رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر أبا لبابة على المدينة فضرب لهما بسهمين مع أصحاب بدر تسعة نفر
و من بني عبيد بن زيد بن مالك : أنيس و خداش : ابنا قتادة بن ربيعة بن مطروف بن الحارث بن زيد بن عبيد و اسم مطروف خالد و من حلفائهم من بلي معن بن عدي بن الجد بن العجلان بن ضبيعة و أخوه عاصم ضرب له بسهمه في بدر و ثابت بن أقرم ـ و يقال أقرن ـ بن ثعلبة بن عدي بن الجد بن العجلان و عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان و زيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي المذكور و ربعي بن رافع بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان ثمانية نفر
و من بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : جبر بن عتيك بن قيس ابن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية و عمه الحارث بن قيس و من حلفائهم : مالك ابن نميلة بن مزينة ـ و نميلة أمه ـ و هو مالك بن ثابت و النعمان بن عصر بن عبيد ابن واثلة بن حارثة بن ضبيعة بن حرام بن جعيل بن عمرو بن جشيم بن وذم بن ذبيان ابن هميم بن كاهل بن ذهل بن هني بن بلي و عصر بفتحتين عند ابن الكلبي و مكسور العين ساكن الصاد عند ابن إسحاق و الواقدي و أبي معشر و ابن عقبة قاله الدمياطي ـ أربعة
و من بني حنش بن عوف بن عمرو بن عوف : سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مجدعة بن عمرو بن حنش رجل
و من بني كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف : المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة ابن الجلاح ابن الحريش بن جحجبا بن كلفة و من حلفائهم : أبو عقيل عبد الرحمن ابن عبد الله بن ثعلبة بن بيحان بن عامر بن الحارث بن مالك بن عامر بن أنيف بن جشم ابن عائذ بن عبد الله بن تميم بن عوف بن مناة بن ناج بن بن تيم بن أراش بن عامر بن عبيلة بن قسميل ابن فران بن بلى رجلان
و من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البرك و هو امرئ القيس بن ثعلبة و أخوه خوات بن جبير قيل : خرج إلى بدر فكسر بالروحاء فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم و ضرب بسهمه و أجره و عمهما الحارث بن النعمان و أبو ضياح النعمان بن ثابت بن النعمان بن أمية و النعمان و الحارث ابنا أبي خزمة بن النعمان بن أمية بن البرك و أبو حبة ـ بالباء ـ بن ثابت أخو أبي ضياح ـ عند ابن القداح ـ و أبو حنة ـ بالنون ـ بن مالك بن عمرو بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة و سالم ابن عمير بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة و عاصم بن قيس بن ثابت بن كلفة بن ثعلبة عشرة
و من بني غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس : سعد بن خيثمة و المنذر و مالك : ابنا قدامة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النخاط و الحارث بن عرفجة بن الحارث بن مالك ذكره ابن عقبة و الواقدي و غيرها و تميم مولى بني غنم ابن السلم خمسة
فجملة من ذكرنا من الأوس أربعة و سبعون
و شهدها من الأنصار ثم من الخزرج ثم :
من بني مغالة : و هم بنو عدي بن عمرو بن مالك بن النجار : أبو شيخ أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي و أخوه أوس و أبو طلحة زيد ابن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي المذكور ثلاثة
و من بني حديلة ـ و هي بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج و هي أم معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار ـ : أنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار و أبي بن كعب [ عج ] و أبو حبيب بن زيد بن الحباب بن أنس بن زيد بن عبيد بن زيد بن معاوية ـ قاله ابن الكلبي ـ ثلاثة
و من بني غنم بن مالك بن النجار : أبو أيوب خالد بن زيد [ عج ] و عمارة ابن حزم [ عج ] و ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عشيرة ـ و قال ابن هشام : عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم ـ و سراقة بن كعب بن عمرو بن عبد العزى ابن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم : و منهم من أسقط بعد كعب عمرا أربعة
و من بني ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار : سليم بن قيس بن فهد ـ و اسمه خالد ابن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم و حارثة بن النعمان بن نقع بن زيد بن عبيد ابن ثعلبة بن غنم و سهيل و أخوه سهل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم و مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم و أخوه أبو خزيمة بن أوس و رافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة بن غنم ـ كذا عند الواقدي سواد و عند ابن عمارة : الأسود ـ سبعة
و من بني سواد بن غنم بن مالك بن النجار ـ كذا عند ابن الكلبي و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك ـ : معاذ [ عب ] و معوذ و عوف [ ها ] بنو الحارث بن رفاعة و أمهم عفراء بنت عبيد ـ و هم ثلاثة عند أبي معشر و الواقدي و ابن القداح و كان ابن إسحاق يزيد فيهم رابعا يسميه : رفاعة شهد عنده بدرا و أنكره الواقدي و النعيمان بن عمرو [ عج ] و عامر بن مخلد بن الحارث بن سواد و عبد الله ابن قيس بن خلدة بن الحارث بن سواد و عمرو بن قيس بن زيد بن سواد ـ مذكور في البدريين عند أبي معشر و ابن القداح و الواقدي ـ و قيس ابنه عندهم أيضا ـ و لم يذكرهما في البدريين ابن عقبة و لا ابن إسحاق ـ و ثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد عشرة
و من بني مبذول ـ و هو عامر بن مالك بن النجار ـ : ثعلبة بن عمرو بن محصن ابن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر و الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك ـ خرج إلى بدر فكسر بالروحاء فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم و ضرب له بسهمه و أجره و سهل بن عتيك [ عج ] و عامر بن سعد بن عمرو بن ثقيف ـ و اسمه كعب بن مالك ابن مبذول ذكره ابن عمارة قال ابن سعد : و لم يذكره غيره
و من حلفائهم : عدي بن أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة بن ربيعة بن زهرة بن بديل بن سعد بن عدي بن نصر بن كاهل بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينة حليف بني عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار و وديعة بن عمرو بن جراد بن يربوع ابن طحيل بن عمرو بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة حليف بني سواد ابن غنم بن مالك بن النجار و أبو معشر ـ يسميه رفاعة بن عمرو ـ و عصيمة حليف لهم من أشجع و لم يذكره ابن عقبة و ذكره غيره ـ كذا قاله ابن سعد ـ و الذي في السيرة : أن عصيمة من بني أسد بن خزيمة و أنه حليف بني مازن بن النجار و كذا ذكره ابن سعد في بني مازن ـ سبعة
و من بني عدي بن النجار ثم من بني عدي بن مالك بن عدي بن النجار : حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي و هو أول قتيل بعد مهجع و عمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي و محرز بن مالك بن عامر بن عدي و سليط بن قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي و أبو سليط أسيرة ابن أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك بن عدي و ذكر ابن الكلبي أن أباه خارجة شهد بدرا و فيه نظر و عامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي و أبو صرمة قيس بن أبي قيس صرمة بن أبي أنس قيس ابن صرمة بن مالك بن عدي و قال أبو عمر : لم يختلف في شهوده بدرا و لم يذكره فيهم ابن عقبة و لا ابن إسحاق و لا ابن سعد و هذا عجيب من أبي عمر رحمه الله ثمانية
و من بني حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار : أبو الأعور الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام و حرام و سليم ابنا ملحان بن خالد بن زيد بن حرام أمهما مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار
و من حلفاء بني عدي بن النجار : سواد بن غزية بن وهب من بلي و هو الذي قال له النبي صلى الله عليه و سلم : [ استقد مني ] و هو الذي أسر خالدا و العاصي بن الحارث إخوة أبي جهل ابن هشام أربعة
و من بني عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن : عبد الله بن كعب بن عمرو واحد
و من بني خنساء بن مبذول المذكور : و أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء و سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء اثنان
و من بني ثعلبة بن مازن بن النجار : قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب ابن الحارث بن ثعلبة و أبو حسن المازني تميم بن عبد عمرو بن قيس بن محرث بن الحارث ابن ثعلبة ـ قال أبو عمر : شهد بدرا و قال شيخنا الحافظ أبو محمد الدمياطي : و هذا غير ثابت و كذا هو عند ابن سعد معدودة في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق و ما بعدها ـ اثنان
و من بني دينار بن النجار : سليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل ابن حارثة بن دينار و النعمان و الضحاك ابنا عبد عمرو و كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل و سعيد بن سهل بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل ـ و ابن إسحاق و أبو معشر يقولان في سهل : سهيل ـ و بجير بن أبي بجير ـ حليف لهم من بلي أو جهينة ـ ستة
و من بني الحارث بن الخزرج ثم من بني مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج : عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأصغر بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر ـ قال ابن سعد : ليس له عقب و ليس كذلك ـ و سعد بن الربيع [ ق ] و خارجة بن زيد [ عج ] و خلاد بن سويد [ عج ] و بشير بن سعد [ عج ] و سماك بن سعد أخوه ستة
و من بني حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة و احد
و من بني عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج : خبيب بن يساف و يقال : إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم و عن خبيب بن عبد الرحمن أن جده خبيبا هذا ضرب يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأمه و رده فانطلق واحد
و من بني زيد مناة ـ و بعضهم يسقط مناة ـ بن الحارث بن الخزرج : عبد الله ابن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان [ عج ] و أخوه حريث و سفيان بن نسر ـ و يقال : بشر ـ بن عمرو بن الحارث بن كعب بن زيد مناة ثلاثة
و من بني عوف بن الحارث بن الخزرج ثم من بني جدارة بن عوف : تميم يعار بن قيس بن عدي بن أمية بن جدارة و ابن عمه زيد بن المزين بن قيس بن عدي و عبد الله بن عمير بن حارثة بن ثعلبة بن خلاس بن أمية بن جدارة ـ و لم يذكره ابن عمارة في البدريين و ذكره غيره ـ و عبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة ـ و كذا نسبه ابن إسحاق و ابن سعد يقول : عبد الله بن عرفطة ـ حليف لهم و عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري [ عج ] ـ عده البخاري في البدريين و المشهور أنه لم يشهد بدرا و إنما هو منسوب إلى الماء ـ خمسة
و من بني الأبجر خدرة بن عوف : عبد الله بن الربيع [ عج ] واحد
و من بني طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج : سعد بن عبادة [ ق ] ـ وقع في صحيح مسلم و لم يصح شهوده بدرا ـ و عبد ربه بن حق بن أوس ابن عامر بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف اثنان
و من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة : المنذر بن عمرو [ ق ] و أبو دجانة سماك ابن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة ـ و ابن الكلبي ـ يقول : سماك ابن أوس بن خرشة اثنان
و من بني عمرو بن الخزرج بن ساعدة : أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن ـ و بعضهم يقول البدي ـ بن عامر ـ و قيل : عمرو بن عوف بن حارثة بن عمرو و قيل : البدن هو عامر أو عامر بن عوف ـ و ابن عمه مالك بن مسعود بن البدن و سعد بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو تجهز لبدر فمات فضرب له رسول الله صلى الله عليه و سلم بسهمه و أجره
و من حلفائهم : بسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان ابن رشدان بن قيس بن جهينة و أخواه : زياد و ضمرة و بعضهم يقول في ضمرة : ابن أخي زياد و عند ابن سعد : زياد بن كعب بن عمرو بن عدي بن عامر بن رفاعة ابن كليب بن مودعة بن عدي بن غثم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة و عبد الله بن عامر البلوي و كعب بن جماز ـ و بعضهم يقول جمان و عند الزمخشري حماز ـ بن مالك بن ثعلبة بن خرشة و بعضهم يسقط من نسبه مالكا ثمانية
و من بني الحبلي : أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الحبلي و زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء بن عدي بن مالك بن سالم و رفاعة بن عمرو [ عج ] و ابنه مالك [ عج ] ـ ذكره الأموي فيمن شهد العقبة و بدرا ـ معبد بن عباد بن قشعر ـ و يقال قشير ـ ابن الفدم بن سالم بن مالك بن سالم
و من حلفائهم : عقبة بن وهب [ عج ] و عامر بن سلمة بن عامر و عاصم بن العكير من مزينة ثمانية
و من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ـ و هو قوقل ـ : عبادة ابن الصامت [ عب ] و النعمان الأعرج بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم و النعمان بن مالك بن ثعلبة بن دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم و مالك بن الدخشم [ عج ] و الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم ـ حليف لبني عبد الأشهل من الأوس ـ و نوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم و عتبان ابن مالك بن عمرو بن العجلان و مليل بن وبرة بن خالد بن العجلان و ابن أخيه : عصمة بن الحصين بن وبرة عند ابن القداح و الواقدي ـ و هبيل أخوه ـ ذكره إبراهيم ابن المنذر قال : حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه فيمن شهد بدرا حكاه أبو عمر و فيه نظر ـ و ثابت بن هزال بن عمرو بن قريوش بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم و الربيع و ودفة ابنا إياس بن عمرو بن غنم ابن أمية
و من حلفائهم المجذر بن ذياد بن عمرو بن زمزمة بن عمرو بن عمارة بن مالك بن غصينة بن عمرو بن بثيرة بن مشنوء بن القشر بن تيم بن عوذ مناة بن ناج بن تيم بن إراشة ابن عامر بن عميلة بن قسميل بن فران بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ـ و عند ابن إسحاق : مشنوء بن قسر بن تيم بن إراش بن عامر بإسقاط ما زاد على ذلك ـ البلوي و عبدة بن الحساس ـ عند الواقدي مهملة الحاء و السين و معجمتهما عند ابن إسحاق ـ و قيل : عبادة و بحاث بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ـ بالباء الموحدة و آخرها ثاء مثلثة عند ابن الكلبي و عند ابن إسحاق بالنون و آخرها باء موحدة ـ و أخوه عبد الله بن ثعلبة و عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية من بني بهراء أخي بلي ابني عمرو بن الحاف بن قضاعة ـ و ابن هشام و ابن القداح يقولان : من بني بهز لا بهراء قال أبو عمر : و قد اختلف في شهوده بدرا ـ و عمرو ابن إياس بن زيد بن جشم من أهل اليمن من غسان تسعة عشر
و من بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة : عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن عمرو ابن حرام أبو جابر و قد ذكر فيهم ابنه جابر ـ قال الواقدي : غلط من عده في البدريين من أهل العراق لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق و لا أبو معشر ـ و عمرة ابن الجموح [ عج ] و أولاده معوذ و خلاد و معاذ خراش بن الصمة بن عمرو ابن الجموح بن زيد بن حرام و أخوه معاذ بن الصمة ـ و قال محمد بن عمر : ليس بمثبت و لا مجمع عليه ـ و عمير بن حرام بن عمرو بن الجموح ـ شهد بدرا عند الواقدي و ابن عمارة و لم يذكره ابن عقبة و لا ابن إسحاق و لا أبو معشر ـ عمير بن الحمام ابن الجموح و الحباب بن المنذر بن الجموح و عقبة بن عامر بن نابي [ عا ] و عمير ابن عامر أخوه ـ شهد بدرا و غيرها عند ابن الكلبي و قال الدمياطي : و لم أر من تابع ابن الكلبي على ذكره في الصحابة ـ و ثابت بن ثعلبة ـ و هو ابن الجذع ـ و عمرو [ عج ] ـ و قيل عمير ـ بن الحارث
و من مواليهم : تميم مولى خراش بن الصمة و حبيب بن الأسود سبعة عشر
و من بني سنان بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة : عمرو بن طلق بن زيد ابن أمية بن سنان ـ و لم يذكره ابن عقبة واحد
و من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : البراء بن معرور [ ق ] و ابنه بشر و عبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد و عتبة ابن عبد الله بن صخر بن خنساء بن سنان و سنان بن صيفي [ عج ] و الطفيل بن مالك [ عج ] و الطفيل بن النعمان بن خنساء ـ قال ابن سعد : و لا أحسبه إلا وهلا ـ و جبار بن صخر [ عج ] و يزيد بن حرام و مسعود بن زيد عشرة
و من بني خناس بن سنان بن عبيد : يزيد بن المنذر [ عج ] و أخوه معقل [ عج ] و عبد الله بن النعمان بن بلذمة بن خناس و أبو قتادة بن ربعي بن بلذمة بن خناس ـ مختلف في شهوده بدرا ـ أربعة
و من بني النعمان بن سنان بن عبيد : عبد الله بن عبد مناف بن النعمان و خليد و خلاد و لبدة بنو قيس بن النعمان و جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان خمسة
و من بني ثعلبة بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة : الضحاك بن حارثة [ عج ] و سواد بن رزن بن زيد بن ثعلبة اثنان
و من بني ربيعة بن عبيد : معبد بن قيس بن صيفي بن صخر بن حرام بن ربيعة و أخوه عبد الله و حمزة بن الحمير من حلفائهم ـ و ابن إسحاق يسميه خارجة ـ و أخوه عبد الله و النعمان بن سنان مولى لهم خمسة
و من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة : قطبة بن عامر بن حديدة [ عا ] و ابن عمه سليم بن عمرو بن حديدة و أبو اليسر كعب بن عمرو [ عج ] و صيفي بن سواد [ عج ] و ثعلبة بن غنمة [ عج ] و عبس بن عامر بن سنان [ عج ] و سهل ابن قيس ابن أبي بن كعب بن عمرو بن القين بن كعب بن سواد
و من حلفائهم : معاذ بن جبل [ عج ] ثمانية
و من بني زريق : ذكوان بن عبد قيس [ عب ] و سعد بن عثمان بن خلدة و أخوه عقبة و ابن عمهما قيس بن محصن بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق و الحارث بن قيس [ عج ] و جبير بن إياس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق و مسعود بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق و عباد بن قيس [ عج ] و رافع بن مالك [ عج ] و ابناه : رفاعة و خلاد و عبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق و العجلان بن النعمان بن عامر بن العجلان و أسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة ابن عامر بن زريق و الفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة و معاذ و عائذ ابنا ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر و مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر
و من حلفائهم من بني مالك أخي الحارث : رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة ابن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك و أخوه هلال بن المعلى ـ و لم يذكره ابن إسحاق ـ قال ابن الكلبي : و شهد رافع و راشد و هلال و أبو قيس بنو المعلى بدرا و لم يذكر ابن إسحاق منهم سوى رافع اثنان و عشرون
و من بني بياضة بن عامر بن زريق : زياد بن لبيد [ عج ] و خليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة و فروة بن عمرو [ عج ] و غنام بن أوس بن عمرو ابن مالك بن عامر بن بياضة ـ ذكره ابن الكلبي ـ و خالد بن قيس [ عج ] و رحيلة ابن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة و عطية بن نوير بن عامر بن عطية بن عامر بن بياضة ـ قاله ابن الكلبي ـ سبعة
فجملة من ذكرنا :
من الخزرج : مائة و خمسة و تسعون
و من الأوس : أربعة و سبعون
و من المهاجرين : أربعة و تسعون
فذلك ثلاثمائة و ثلاثة و ستون
و هذا العدد أكثر من عدد أهل بدر و إنما جاء ذلك من جهة الخلاف في بعض ما ذكرنا و قد تقدم نظير ذلك في أهل العقبة و الله أعلم
و كان معهم من الخيل : فرس مرثد بن أبي مرثد الغنوي : السبل و فرس المقداد : بعزجة و يقال : سبحة و قيل : و فرس الزبير : اليعسوب و قال ابن عقبة : و يقال : كان مع النبي صلى الله عليه و سلم فرسان : على أحدهما مصعب بن عمير و على الأخرى سعد بن خيثمة و مرة الزبير بن العوام و مرة المقداد بن الأسود (1/420)
و استشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر من المسلمين : عبيدة بن الحارث و عمير بن أبي وقاص ـ و كانت سنة ستة عشر أو سبعة عشر عاما ـ و عمير بن الحمام من بني سلمة من الأنصار و سعد بن خيثمة من بني عمرو بن عوف من الأوس و ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف بني زهرة و مبشر بن عبد المنذر من بني عمرو ابن عوف و عاقل بن البكير الليثي و مهجع مولى عمر حليف بني عدي و صفوان ابن بيضاء الفهري و يزيد بن الحارث من بني الحارث بن الخزرج و رافع ابن المعلى ـ و قد تقدم الخلاف في أخيه هلال و حارثة بن سراقة من بني النجار و عوف و معوذ ابنا عفراء أربعة عشر : ستة من المهاجرين و ثمانية من الأنصار ستة من الخزرج و اثنان من الأوس (1/432)
و قتل من المشركين سبعون و أسر سبعون و روينا عن طريق البخاري : حدثني عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء قال : جعل النبي صلى الله عليه و سلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير فأصابوا منا سبعين و كان النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه يوم بدر أصاب من المشركين أربعين و مائة : سبعين أسيرا و سبعين قتيلا
فمن مشاهير القتلى : من بني عبد شمس : حنظلة بن أبي سفيان قتله زيد بن حارثة و عبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير و أخوه العاصي بن سعيد قتله علي و قيل غيره و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة قتلهم حمزة و عبيدة و علي كما تقدم و عقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت صبرا ـ و قيل : بل علي بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بذلك ـ و الحارث بن عامر بن نوفل قتله علي و طعيمة بن عدي قتله حمزة و قيل بل قتل صبرا و الأول أشهر و زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد و ابنه الحارث ابن زمعة و أخوه العقيل بن الأسود و أبو البختري بن العاصي بن هشام ـ و قد تقدم الخلاف في قاتله من هو ـ و نوفل بن خويلد بن أسد قتله علي و قيل الزبير و النضر بن الحارث قتل صبرا بالصفراء و عمير بن عثمان عم طلحة بن عبيد الله بن عثمان و أبو جهل بن هشام و أخوه العاصي بن هشام قتله عمر و مسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة و أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد و قيس بن الفاكه بن المغيرة و السائب بن أبي السائب المخزومي و قد قيل لم يقتل يومئذ و أسلم بعد ذلك و منبه و نبيه ابنا الحجاج بن عامر السهمي و العاصي و الحارث ابنا منبه بن الحجاج و أمية بن خلف الجمحي و ابنه علي
و أسر يومئذ : مالك بن عبيد الله أخو طلحة فمات أسيرا و حذيفة بن أبي حذيفة ابن المغيرة ثم قتل و قتل أخوه هشام بن أبي حذيفة و أسر من بني مخزوم و من حلفائهم يومئذ أربعة و عشرون رجلا و من بني عبد شمس و حلفائهم اثنا عش رجلا منهم عمرو بن أبي سفيان و الحارث بن أبي وحرة بن أبي عمرو بن أمية و أبو العاصي بن الربيع صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابنته زينب و أسر من بني هاشم : العباس بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب و نوفل بن الحارث بن عبد المطلب و من بني المطلب بن عبد مناف : السائب بن عبيد و النعمان بن عمرو و من بني نوفل : عدي بن الخيار و من بني عبد الدار : أبو عزيز بن عمير و من سائر قريش : السائب بن أبي حبيش و الحارث بن عامر ابن عثمان بن أسد و خالد بن هشام أخو أبي جهل و صيفي بن أبي رفاعة و أخوه أبو المنذر بن أبي رفاعة و المطلب بن حنطب و خالد بن الأعلم و هو القائل :
( و لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... و لكن على أقدامنا تقطر الدما )
و هو أول من فر يوم بدر فأدرك و أسر و عثمان بن عبد شمس بن جابر المازني حليف لهم و هو ابن عمة عتبة بن غزوان و أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد و عثمان بن عبد الله بن المغيرة و أبو عطاء عبد الله بن أبي السائب ابن عائد المخزومي و أبو وداعة بن صبيرة السهمي ـ و هو أول أسير فدي منهم ـ و عبد الله بن أبي بن خلف الجمحي و أخوه عمرو و أبو عزة الجمحي و سهيل بن عمرو العامري و عبد بن زمعة بن قيس العامري و عبيد الله بن حميد بن زهير الأسدي
هؤلاء المشاهير من الأسرى و القتلى نقلت ذلك عن أبي عمر و لو لا خشية الإطالة لأتيت عليهم
و كان الفداء من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف درهم
و روينا عن ابن سعد [ أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال : أسر رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر سبعين أسيرا و كان يفادي بهم على قدر أموالهم و كان أهل مكة يكتبون و أهل المدينة لا يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه ]
و روينا عنه قال : [ أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا هشام بن حسان حدثنا محمد بن سيرين عن عبيدة ان جبريل نزل على النبي صلى الله عليه و سلم في أسارى بدر فقال : إن شئتم قتلتموهم و إن شئتم أخذتم منهم الفداء و يستشهد قابل منكم سبعون قال : فنادى النبي صلى الله عليه و سلم في أصحابه فجاؤوا ـ أو من جاء منهم ـ فقال : إن هذا جبريل يخيركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم و بين أن تفادوهم و يستشهد قابل منكم بعدتهم فقالوا : بل نفاديهم فنتقوى به عليهم و يدخل قابل منا الجنة سبعون ففادوهم ] (1/432)
العباس بن عبد المطلب عقيل بن أبي طالب نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أبو العاص بن الربيع أبو عزيز بن عمير العبدري السائب بن أبي حبيش خالد بن هشام المخزومي عبد الله بن أبي السائب المطلب بن حنطب أبو وداعة السهمي عبد الله بن أبي بن خلف الجمحي وهب بن عمير الجمحي سهيل بن عمرو العامري عبد الله بن زمعة ـ أخو سودة ـ قيس بن سائب المخزومي نسطاس مولى أمية بن خلف
و يذكر أن العباس ـ و كان جسيما ـ أسره أبو اليسر كعب بن عمرو ـ و كان دميما ـ فقيل للعباس : لو أخذته بكفك لوسعته كفك فقال : ما هو إلا أن لقيته فظهر في عيني كالخندمة ـ و الخندمة : جبل من جبال مكة ـ (1/435)
روينا من طريق البخاري : [ حدثني إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه ـ و كان أبوه من أهل بدر ـ قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين ـ أو كلمة نحوها ـ قال : كذلك من شهد بدرا من الملائكة ] (1/435)
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه :
( ألم تر أمرا كان من أعجب الدهر ... و للحين أسباب مبينة الأمر )
( و ما ذاك إلا أن قوما أفادهم ... فحانوا تواص بالعقوق و بالكفر )
( عشية راحوا نحو بدر جميعهم ... و كانوا رهونا للركية من بدر )
( و كنا طلبنا العير لم نبغ غيرها ... فساروا إلينا فالتقينا على قدر )
( فلما التقينا لم تكن مثنوية ... لنا غير طعن بالمثقفة السمر )
( و ضرب ببيض يختلي الهام حدها ... مشهرة الألوان بينة الأثر )
( و نحن يركنا عتبة الغي ثاويا ... و شيبة في قتلى تجرجم قي الجفر )
( و عمرو ثوى فيمن ثوى من حما بهم ... فشقت جيوب النائحات على عمرو )
( جيوب نساء من لؤي بن غالب ... كرام تفر عن الذوائب من فهر )
( أولئك قوم قتلوا في ضلالهم ... و خلوا لواء غير محتضر النصر )
( لواء ضلال قاد إبليس أهله ... فخاس بهم إن الخبيث إلى غدر )
( و قال لهم إذ عاين الأمر واضحا ... برئت إليكم ما بي اليوم من صبر )
( فإني أرى مالا ترون و إنني ... أخاف عقاب الله و الله ذو قسر )
( فقدمهم للحين حتى تورطوا ... و كان بما لم يخبر القوم ذا خبر )
( فكانوا غداة البئر ألفا و جمعنا ... ثلاث مئين كالمسدمة الزهر )
( و فينا جنود الله حين يمدنا ... بهم في مقام ثم مستوضح الذكر )
( فشد بهم جبريل تحت لوائنا ... لدا مأزق فيه مناياهم تجري )
فاد الرجل : فيدا و فودا : مات و أفاده الله
و الجفر : البئر غير المطوية
و المسدمة : من قولهم فحل سدم إذا كان هائجا
و المأزق : موضع الحرب
و من الناس من ينكرها لحمزة
فأجابه الحارث بن هشام المخزومي
( ألا ياقوم للصبابة و الهجر ... و للحزن مني و الحزازة في الصدر )
( و للدمع من عيني جود كأنه ... فريد هوى من سلك ناظمه يجري )
( على البطل الحلو الشمائل إذ ثوى ... رهين مقام للركية من بدر )
( فلا تبعدن يا عمرو من ذي قرابة ... و من ذي ندام كان ذا خلق غمر )
( فإن يك قوم صادفوا منك دولة ... و لابد للأيام من دول الدهر )
( فقد كنت في صرف الزمان الذي مضى ... تريهم هوانا منك ذا سبل وعر )
في أبيات
و مما يعزى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الأبيات :
( ألم تر أن الله أبلى رسوله ... بلاء عزيز ذي اقتدار و ذي فضل )
( بما أنزل الكفار دار مذلة ... فلاقوا هوانا من أسار و من قتل )
فأجابه الحارث بن هشام :
( عجبت لأقوام تغنى سفيههم ... بأمر سفاه ذي اعتراض و ذي بطل )
( تغنى بقتلى يوم بدر تتابعوا ... كرام المساعي من غلام و من كهل )
( مصاليت بيض من ذؤابة غالب ... مطاعين في الهيجا مطاعيم في المحل )
( أصيبوا كرامافلم يبيعوا عشيرة ... بقوم سواهم نازحي الدار و الأهل )
( كما أصبحت فيكم بطانة ... لكم بدلا منا فيا لك من فعل )
( عقوقا و إثما بينا و قطيعة ... يرى جوركم فيها ذوو الرأي و العقل )
( فإن يك قوم قد مضوا لسبيلهم ... و خير المنايا ما يكون من القتل )
( فلا تفرحوا أن تقتلوهم فقتلهم ... لكم كائن خبلا مقيما على خبل )
في أبيات ذكرها
و قال ضرار بن الخطاب الفهري :
( عجبت لفخر الأوس و الحين دائر ... عليهم غدا و الدهر فيه بصائر )
( و فخر بني النجار إن كان معشر ... أصيبوا ببدر كلهم ثم صائر )
( فإك يك قتلى غودرت من رجالنا ... فإنا رجالا بعدهم سنغادر )
( و تردي بنا الجرد العناجيج وسطكم ... بني الأوس حتى يشفي النفس ثائر )
( و وسط بني النجار سوف تكرها ... لنا بالقنا و الدارعين زوافر )
( فنترك صرعى تعصب الطير حولهم ... و ليس لهم إلا الأماني ناصر )
( و تبكيهم من أرض يثرب نسوة ... لهن بها ليل عن النوم ساهر )
( و ذلك أنا لا تزال سيوفنا ... بهن دم ممن يحاربن مائر )
( فإن تظفروا في يوم بدر فإنما ... بأحمد أمسى جدكم و هو ظاهر )
( و بالنفر الأخيار هم أولياؤه ... يحامون في اللأواء و الموت حاضر )
( يعد أبو بكر و حمزة فيهم ... و يدعي علي وسط من أنت ذاكر )
( أولئك لا من نتجت من ديارها ... بنو الأوس و النجار حين تفاخر )
( و لكن أبوهم من لؤي بن غالب ... إذا عدت الأنساب كعب و عامر )
( هم الطاعنون الخيل في كل معرك ... غداة الهياج الأطيبون الأكابر )
العناجيج : جياد الخيل واحدها عنجوج و مائر : متردد
و مما قاله حسان بن ثابت الأنصاري :
( تبلت فؤادك في المنام خريدة ... تشفي الضجيع ببارد بسام )
( كالمسك تخلطه بماء سحابة ... أو عاتق كدم الذبيح مدام )
( أما النهار فلا أفتر ذكرها ... و الليل توزعني بها أحلامي )
( أقسمت أنساها و أترك ذكرها ... حتى تغيب في الضريح عظامي )
( بل من لعاذلة تلوم سفاهة ... و لقد عصيت على الهوى لوامي )
( إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجي الحارث بن هشام )
( ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... و نجا برأس طمرة و لجام )
في أبيات : يعير الحارث بن هشام بالفرار و كان الحارث يقول :
( الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد )
( و علمت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل و لا ينكي عدوي مشهدي )
( فصددت عنهم و الأحبة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد )
و كان الأصمعي يقول : هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار و كان خلف الأحمر يقول : أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزومي :
( لعمرك ما وليت ظهري محمدا ... و أصحابه جنبا و لا خيفة القتل )
( و لكنني قلبت أمري فلم أجد ... لسيفي مساغا إن ضربت و لا نبلي )
( و قفت فلما خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبي الشبل )
و إن تقاربا لفظا و معنى فليس ببعيد من لأن يكون الثاني أجود من الأول لأنه أكثر انتفاء من الجبن من خوف القتل و إنما علل فراره بعدم إفادة و قوفه فقط و ذلك في الأول جزء علة و الجزء الآخر قوله : أقتل قوله : رموا فرسي بأشقر مزيد يعني الدم و يحتمل أن يكون ذلك مقيدا بكون مشهده لا يضر عدوه و مع ذلك فالثاني أسلم من ذلك معنى و أصرح لفظا
و مما قاله حسان رضي الله عنه :
( لقد علمت قريش يوم بدر ... غداة الأسر و القتل الشديد )
( بأنا حين تشتجر العوالي ... حماة الحرب يوم أبي الوليد )
( قتلنا ابني ربيعة يوم سارا ... إلينا في مضاعفة الحديد )
( و فر بها حكيم يوم جالت ... بنو النجار تخطر كالأسود )
( و ذلت عند ذاك جموع فهر ... و أسلمها الحويرث من بعيد )
و قالت قتيلة بنت الحارث أخت النضر بن الحارث :
( يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة و أنت موفق )
( أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تخفق )
( مني إليك و عبرة مسفوحة ... جادت بواكفها و أخرى تخنق )
( هل يسمعن النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق )
( أمحمد يا خير ضنو كريمة ... في قومها و الفحل فحل معرق )
( ما كان ضرك لو مننت و ربما ... من الفتى و هو المغيظ المحنق )
( أو كنت قابل فدية فلننفقن ... بأعز ما يغلوا به ما ينفق )
( فالنضر أقرب من أست قرابة ... و أحقهم إن كان عتق يعتق )
( ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق )
( صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيد و هو عان موثق )
فيقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه ]
و كان فراغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من بدر في عقب رمضان أوائل شوال (1/436)
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله : فلما أوقع الله بالمشركين يوم بدر و استأصل وجوههم قالوا : إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى مليكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فلنقتلهم بمن قتل ببدر قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : بلغني أن مخرج عمرو بن العاص و ابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية من المدينة إلى النجاشي بكتاب
قلت : و قد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابي رسول الله صلى الله عليه و سلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام و الثاني في تزويجه عليه الصلاة و السلام أم حبيبة و قيل : في شهر ربيع الأول منها و قيل في سنة ست حكاه أبو عمر عن الواقدي و أما عمرو بن أمية فشهد بدرا و أحدا مع المشركين و أسلم بعد ذلك و كان أول مشهد شهده بئر معونة فأسرته بنو عامر يومئذ فقال له عامر بن الطفيل : إنه كان على أمي نسمة فاذهب فأنت حر عنها و جز ناصيته و بعثه أيضا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة و سيأتي ذكر كتاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الملوك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
و هذا الفصل ذكره أبو عمر في هذا الموضع من كتابه في المغازي و فيه نظر (1/441)
روينا عن ابن سعد قال : ثم سرية عمير بن عدي بن خرشة الخطمي إلى عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد لخمس ليال بقين من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخطمي و كانت تعيب الإسلام و تؤذي النبي صلى الله عليه و سلم و تحرض عليه و تقول الشعر فجاءها عمير ابن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها و حولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فحبسها بيده و كان ضرير البصر و نحى الصبي عنها و وضع سيفه على صدرها حتى أنفده من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أقتلت ابنة مروان ؟ ] قال : نعم فهل علي في ذلك من شيء فقال [ لا ينتطح فيها عنزان فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم و سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم عميرا البصير ]
قيل : و كان أول من أسلم من خطمة عمير بن عدي و كان يدعى القارىء كان إمام قومه و قارئهم (1/441)
روينا عن ابن سعد قال : ثم سرية سالم بن عمير إلى عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخا كبيرا قد بلغ عشرين و مائة سنة و كان يهوديا و كان يحرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقول الشعر فقال سالم بن عمير ـ و هو أحد البكائين و ممن شهد بدرا ـ علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه فأمهل يطلب له غرة حتى كانت صائفة فنام أبو عفك بالفناء و سمع به سالم بن عمير فوضع السيف على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش و صاح عدو الله فثاب إليه ناس ممن هم على قوله فأدخلوه منزله و قبروه
فقالت أمامة الزيدية في ذلك :
( تكذب دين الله و المرء أحمدا ... لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني )
( حباك حنيف آخر الليل طعنة ... أبا عفك خذها على كبرة السن )
البيتان عن غير ابن سعد
و كان أبو عفك ممن نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحارث بن سويد بن الصامت
و شهد سالم بدرا و الخندق و المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و توفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان و قال فيه موسى بن عقبة : سالم بن عبد الله (1/422)
قال ابن إسحاق : فلم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ـ يعني من بدر ـ لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم قال ابن هشام : و استعمل على المدينة سباع ابن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم و قال ابن إسحاق : فبلغ ماء من مياههم يقال له الدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيدا (1/443)
قال ابن سعد : و كانت يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجره
قال ابن إسحاق : و كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال : [ يا معشر يهود ! احذروا من الله مثل ما نول بقريش من النقمة و أسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم و عهد الله إليكم ] قالوا : يا محمد ! إنك ترى أنا قومك ! و لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة إنا و الله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس فحدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير ـ أو عن عكرمة ـ عن ابن عباس قال : ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم : { قل للذين كفروا ستغلبون و تحشرون إلى جهنم و بئس المهاد قد كان لكم آية في فئتين التقتا } ـ أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قريش ـ { فئة تقاتل في سبيل الله و أخرى كافرة يرونهم مثلهم رأي العين و الله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار } [ آل عمران : 12 13 ] قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنهم كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و حاربوا فيما بين بدر و أحد فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلوا على حكمه قال ابن هشام :
و ذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال : كان من أمر بني قينقاع أن امراة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع و جلست إلى صائغ فجعلوا يريدونها على كشف و جهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله و كان يهوديا و شدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم على اليهود فغضب المسلمون فوقع الشر بينهم و بين بني قينقاع و تبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و تشبت به عبد الله بن أبي فيما روينا عن ابن إسحاق عن أبيه عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت
قال : و فيه و في عبد الله نزلت : { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود و النصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله : { فإن حزب الله هم الغالبون } [ المائدة : 51 ـ 56 ]
و روينا عن ابن سعد قال : و كانوا قوما من يهود حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول و كانوا أشجع يهود و كانوا صاغة فوادعوا النبي صلى الله عليه و سلم فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي و الحسد و نبذوا العهد و المدة فأنزل الله تعالى : { و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } [ الأنفال : 58 ] فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أخاف من بني قينقاع فسار إليهم و لواؤه بيد حمزة بن عبد المطلب ـ و كان أبيض و لم تكن الرايات يومئذ ـ و استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر و حاصرهم خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة و كانوا أول من غدر من اليهود و حاربوا و تحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار حتى قذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن لرسول الله صلى الله عليه و سلم أموالهم و أن لهم النساء و الذرية فأنزلهم فكتفوا و استعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي فكلم ابن أبي فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ألح عليه فقال : [ حلوهم لعنهم الله و لعنه معهم و تركهم من القتل و أمر بهم أن يجلوا من المدينة ] و تولى ذلك عبادة بن الصامت فلحقوا بأذرعات فما كان أقل بقاءهم بها
و ذكر ما تنفل رسول الله صلى الله عليه و سلم من سلاحهم و سيأتي ذكرنا له و خمست أموالهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية الخمس و فض أربعة أخماس على أصحابه فكان أول ما خمس بعد بدر و كان الذي ولي قبض أموالهم محمد بن مسلمة انتهى ما وجدته عن ابن سعد
كذا و قع صفية الخمس و المعروف أن الصفي غير الخمس و روينا عن الشعبي من طريق أبو داود قال : كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم سهم يدعى الصفي يختاره قبل الخمس و عن عائشة رضي الله عنها كانت صفية رضي الله عنها من الصفي فلا أدري أسقطت الواو أو كان هذا قبل حكم الصفي و الله أعلم و كانوا أربعمائة حاسر و ثلاثمائة دراع و كانوا حلفاء الخزرج (1/443)
روينا عن محمد بن إسحاق قال : ثم غزا أبو سفيان بن حرب في ذي الحجة غزوة السويق
و ذكر ابن سعد خروج النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة لخمس خلون من ذي الحجة يوم الأحد على رأس اثنين و عشرين شهرا من مهاجره
رجع إلى ابن إسحاق قال : و كان أبو سفيان ـ كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير و يزيد بن رومان و من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك و كان من أعلم الأنصار ـ حين رجع إلى مكة و رجع فل قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه و سلم فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له يتيب من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضر تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه و خافه فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم و كان سيد بني النضير في زمانه و صاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه و سقاه و بطن له من خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها و وجدوا رجلا من الأنصار و حليفا لهم في حرثهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين و نذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبهم في مائتين من المهاجرين و الأنصار ـ و هذا العدد عن ابن سعد ـ و استعمل على المدينة بشر بن عبد المنذر فيما قال ابن هشام حتى بلغ قرقرة الكدر قال ابن سعد : و جعل أبو سفيان و أصحابه يتخففون للهرب و كان أصحابه مائتين كما قدمنا و قيل كانوا أربعين فيلقون جرب السويق و هي عامة أزوادهم فيأخذها المسلمون فسميت غزوة السويق و لم يلحقوهم و انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا إلى المدينة و كان غاب خمسة أيام
و قال ابن إسحاق : و قال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ! أتطمع أن تكون لنا غزوة ؟ قال : [ نعم ] (1/446)
قال ابن سعد : و يقال قرقرة الكدر للنصف من المحرم على رأس ثلاثة و عشرين شهرا من مهاجره و هي بناحية معدن بني سليم قريب من الأرحضية وراء سد معونة و بين المعدن و بين المدينة ثمانية برد و كان الذي حمل لواء رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم و كان بلغه أن بهذا الموضع جمعا من بني سليم و غطفان فسار إليهم فلم يجد في المحال أحدا و أرسل نفرا من أصحابه في أعلى الوادي و اسقبلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في بطن الوادي فوجد رعاء منهم غلام يقال له يسار فسأله عن الناس فقال : لا علم لي بها إنما أورد لخمس و هذا يوم ربعي و الناس قد ارتفعوا في المياه و نحن عزاب في النعم فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد ظفر بالنعم فانحدر به إلى المدينة و اقتسموا غنائمهم بصرار على ثلاثة أميال من المدينة و كانت النعم خمسمائة بعير فأخرج خمسه و قسم أربعة أخماسه على المسلمين فأصاب كل رجل منهم بعيران و كانوا مائتي رجل و صار يسار في سهم النبي صلى الله عليه و سلم فأعتقه و ذلك أنه رآه يصلي و غاب رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس عشرة ليلة
و القرقرة : أرض ملساء و الكدر : طير في ألوانه كدرة عرف بها ذلك الموضع
و قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر مسيره مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك الغزوة (1/447)
روينا عن ابن سعد : أنها كانت لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول على رأس خمسة و عشرين شهرا من مهاجره عليه الصلاة و السلام
قال ابن إسحاق : و كان من حديث كعب بن الأشرف أنه لما أصيب القليب يوم بدر و قدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة و عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بالفتح قال كعب ـ و كان رجلا من طيء ثم أحد بني نبهان و كانت أمه من بني النضير ـ : أحق هذا ؟ أترون أن محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان فهؤلاء أشراف العرب و ملوك الناس و الله إن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها فلما أيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي و جعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم و ينشد الأشعار و يبكي على أصحاب القليب ثم رجع إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم
و روينا من طريق ابن عائذ : [ عن الوليد بن مسلم عن عبد الله بن ليعة عن أبي الأسود عن عروة قال : ثم انبعث عدو الله يهجو رسول الله صلى الله عليه و سلم و المؤمنين و يمتدح عدوهم و يحرضهم عليهم فلم يرض بذلك حتى ركب إلى قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له أبو سفيان و المشركون : أديننا أحب إليك أم دين محمد و أصحابه ؟ و أي دينينا أهدى في رأيك و أقرب إلى الحق ؟ فقال : أنتم أهدى منهم سبيلا و أفضل وفية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لنا من ابن الأشرف ؟ فقد استعلن بعداوتنا و هجائنا و قد خرج إلى قريش فأجمعهم على قتالنا و قد أخبرني الله عز و جل بذلك ثم قدم أخبث ما كان ينتظر قريشا تقدم عليه فيقاتلنا ثم قرأ على المسلمين ما أنزل الله تعالى عليه فيه : { ألم تر إلى الذين أوتوا نضيبا من الكتاب } الآية [ آل عمران : 23 ] و خمس آيات فيه و في قريش ]
رجع إلى خبر ابن إسحاق : [ فقال كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة : من لي من ابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة ـ أخو بني عبد الأشهل ـ : أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال : فافعل إن قدرت على ذلك فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل و لا يشرب إلا ما تعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام و اشراب ؟ قال : يا رسول الله ! قلت لك قولا لا أدري هل أفين به أم لا قال : إنما عليك الجهد قال : يا رسول الله ! إنه لا بد لنا من أن نقول قال : قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة و سلكان بن سلامة بن وقش و كان أخا لكعب من الرضاعة و عباد بن بشر ابن وقش أحد بني عبد الأشهل و الحارث بن أوس بن معاذ و أبو عبس بن جبر
قلت : و هؤلاء الخمسة من الأوس ]
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة فجاءه فتحدث معه ساعة و تناشدا شعرا و كان أبو نائلة سلكان يقول الشعر ثم قال : ويحك يا ابن الأشرف ! إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني قال : أفعل قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب و رمتنا عن قوس واحدة و قطعت عنا السبل حتى جاع العيال و جهدت الأنفس و أصبحنا قد جهدنا و جهد عيالنا فقال كعب : أنا ابن الأشرف أما و الله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول فقال له سلكان : إني قد أردت أن تبيعنا طعاما و نرهنك و نوثق لك و نحسن في ذلك قال : أترهنوني أبناءكم ؟ قال : لقد أردت أن تفضحنا ؟ إن معي أصحابا على مثل رأيي و قد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم و تحسن في ذلك و نرهنك من الحلقة ما فيه وفاء ـ و أراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا بها ـ قال : إن في الحلقة لوفاء قال : فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره و أمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن هشام : و يقال : قال : أترهنوني نساءكم ؟ قالوا : كيف نرهنك نساءنا و أنت أشب أهل يثرب و أعطرهم ! قال : أترهنوني أبناءكم ؟
قال ابن إسحاق : [ فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : مشى معهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بقيع الغرقد ثم و جههم و قال : انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيته و هو في ليلة مقمرة و أقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة و كان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها و قالت : إنك امرؤ محارب و إن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال إنه أبو نائلة لو و جدني نائما ما أيقظني فقالت : و الله إني لأعرف في صوته الشر
قال : يقول لها كعب : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب فنزل فتحدث معهم ساعة و تحدثوا معه و قالوا : هل لك يا ابن الأشرف أن تمشي معنا إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا فقال : إن شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده فقال : ما رأيت كالليلة طيبا أعطر ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه ثم قال : اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا فأخذته و قد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصت إلا أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع عدو الله و قد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فخرج في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ثم على بني قريظة ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض و قد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس و نزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا قال : فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه و سلم آخر الليل و هو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بمقتل عدو الله و تفل على جرح صاحبنا و رجعنا إلى أهلنا فأصبحنا و قد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي إلا و هو يخاف على نفسه ] انتهى خبر ابن إسحاق
و قال عباد بن بشر في ذلك شعرا :
( صرخت به فلم يعرض لصوتي ... و أوفى طالعا من رأس خدر )
( فعدت له فقال من المنادي ... فقلت : أخوك عباد بن بشر )
( و هذي درعنا رهنا فخذها ... لشهر إن وفى أو نصف شهر )
( فقال : معاشر سغبوا و جاعوا ... و ما عدموا الغنى من غير فقر )
( فأقبل نحونا يهوي سريعا ... و قال لنا : لقد جئتم لأمر )
( و في أيماننا بيض حداد ... مجربة بها الكفار نفري )
( فعانقه ابن مسلمة المردي ... به الكفار كالليث الهزبر )
( و شد بسيفه صلتا عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر )
( و كان الله سادسنا فأبنا ... بأنعم نعمة و أعز نصر )
( و جاء برأسه نفر كرام ... هم ناهيك من صدق و بر )
و استشهد عباد بن بشر يوم اليمامة و ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : و ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عباد بن بشر و قتل يوم اليمامة شهيدا و كان له يومئذ بلاء و غناء فاستشهد و هو ابن خمس و أربعين سنة (1/448)
قال ابن إسحاق : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من ظفرتم به رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة ـ و يقال : ابن سنينة عن ابن هشام رجل من تجار يهود و كان يلابسهم و يبايعهم ـ فقتله جعل و كان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم و كان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه و يقول أي عدو الله ! أقتلته ؟ أما و الله لرب شحم في بطنك من ماله قال محيصة : فقلت : و الله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال : فو الله إن كان لأول إسلام حويصة
قال : أي و الله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني ؟ قال : قلت : نعم و الله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها قال : و الله إن دينا يبلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة
قال ابن إسحاق : حدثني هذا الحديث مولى لبني حارثة عن ابنة حويصة عن أبيها فقال محيصة في ذلك :
( يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض قاضب )
( حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما أصوبه فليس بكاذب )
( و ما سرني أني قتلتك طائعا ... و أن لنا ما بين بصري و مارب )
قيل : إن الذي قتله محيصة و قال له أخوه حويصة في حقه ما قال و راجعه بما ذكرنا : كعب بن يهوذا
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر بن راشد عن الزهري في قوله تعالى : { و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا } [ آل عمران : 186 ] قال : هو كعب بن الأشرف (1/452)
مما نقتله من الحواشي التي ذكرتها بخط جدي رحمه الله على قوله : ما تتعلق به نفسه قال : هو مأخوذ من العلقة و العلقة و العلاق : لبغة من الطعام إلى وقت الغداء و معناه : ما يمسك رمقه من الغداء و منه : ليس المتعلق كالمتأنق
و على قوله : إنه لا بد لنا من أن نقول قال المبرد في الكامل : حقه أن يقول نتقول يريد افتعل قولا احتال به قال : و في العين : قولته ما لم يقل و قولته : ادعيته عليه
و على قوله : نرهنك من الحلقة قال : هذا هو المعروف يعني سكون اللام و حكى سيبويه عن أبي عمر أنهم قالوا : حلقة بفتح اللام
و على قوله بقيع الغرقد قال الأصمعي : قطعت غرقدات فدفن فيها عثمان بن مظعون فسمي المكان [ بقيع الغرقد ] لهذا السبب
و على قوله : شام يده في فوده أي : أدخل يده و الفود : الشعر مما يلي الأذن و شمت السيف : إذا أغمدته و هو من الأضداد
قال : و المغول : سيف قصير يشتمل عليه الرجل
و الثنة : بين السرة و المعانة
و على قول ابن هشام : ابن سبينة : و قال الأستاذ أبو علي ـ يعني شيخه عمرو ابن محمد الأزدي : و لم يذكره أصحاب الحديث ـ يعني سبينة ـ
و على قوله : لطبقت ذفراه طبق : أصاب المفصل و الذفرى : في الفقا
و أبو عبس بن جبر : اسمه عبد الرحمن و سلكان : اسمه سعد (1/453)
قال ابن إسحاق : و هي غزوة ذي أمر و استعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفرا كله و قريبا من ذلك ثم رجع إلى المدينة و لم يلق كيدا
و قال ابن سعد : [ ذو أمر بناحية النخيل و كانت في شهر ربيع الأول على رأس خمسة و عشرين شهرا من مهاجره و ذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جمعا من ثعلبة و محارب بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه و سلم جمعهم رجل منهم يقال له : دعثور بن الحارث من بني محارب فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم المسملين و خرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في أربعمائة و خمسين رجلا و معهم أفراس و استخلف على المدينة عثمان فأصابوا رجلا منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره من خبرهم و قال : لن يلاقوك لو سمعوا بمسيرك لهربوا في رؤوس الجبال و أنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلم و ضمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بلال و لم يلاق رسول الله صلى الله عليه و سلم أحدا إلا أنه ينظر إليهم في رؤوس الجبال و أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه مطر فنزع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثوبيه و نشرهما ليجفا و ألقاهما على شجرة و اضطجع فجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث و معه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : من يمنعك مني اليوم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله و دفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال له : من يمنعك مني ؟ قال : لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام و نزلت هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية [ المائدة : 11 ] ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يلق كيدا وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة ] (1/454)
قال ابن إسحاق : ثم غزا يريد قريشا و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع فأقام به شهر ربيع الآخر و جمادى الأولى ثم رجع إلى المدينة و لم ليق كيدا
و قال ابن سعد : إنه خرج لست خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة و عشرين شهرا من مهاجره و ذلك أنه بلغه أن بها جمعا من بني سليم كثيرا فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه قال : فأغذ السير حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم فرجع و لم يلق كيدا و كانت غيبته عشر ليال
و الفرع بفتح الفاء و الراء قيده السهيلي (1/455)
قال ابن إسحاق : و كان من حديثها أن قريشا خافوا من طريقهم التي يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب و معهم فضة كثيرة و هي عظم تجارتهم و استأجروا رجلا يقال له : فرات بن حيان يدلهم في ذلك الطريق و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير و ما فيها و أعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال حسان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر الآخرة يؤنب قريشا في أخذها تلك الطريق :
( دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك )
( بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... و أنصاره حقا و أيدي الملائك )
( إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها ليس الطريق هنالك )
و قال ابن سعد : كانت لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية و عشرين شهرا من مهاجره و هي أول سرية خرج فيها زيد أميرا و القردة من أرض نجد بين الربذة و الغمرة ناحية ذات عرق بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم يعترض العير لقريش فيها صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و عبد الله بن أبي ربيعة و معه مال كثير و آنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم و كان دليلهم فرات بن حيان فخرج بهم على ذات عرق طريق العراق و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرهم فوجه زيد بن حارثة في مائة راكب فاعترض لها فأصابوا العير و أفلت أعيان القوم و قدموا بالعير على رسول الله صلى الله عليه و سلم فخمسها فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم و قسم ما بقي على أهل السرية و أسر فرات بن حيان فأتي به النبي صلى الله عليه و سلم فقيل له : [ إن تسلم تترك ] فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه و سلم من القتل
و حسن إسلام فرات بعد ذلك وفيه قال عليه الصلاة و السلام : [ إن منكم رجالا نكلهم إلى إسلامهم منهم فرات ]
و الفردة : بالفاء المفتوحة و سكون الراء و ضبطها بعضهم بفتح القاف و الراء و الله أعلم بالصواب (1/455)
قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنتم تسمعون قال : [ أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن البناء قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد البسري أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبدالرحمن المخلص حدثنا عبد الله حدثنا العباس بن الوليد حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أحدا هذا جبل يحبنا و نحبه ]
و كانت في شوال سنة ثلاث يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه عند ابن عائذ و عند ابن سعد : لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين و ثلاثين شهرا من مهاجره و قيل : للنصف منه
و كان من حديث أحد قال ابن إسحاق : كما حدثني محمد بن مسلم الزهري و محمد بن حبان و عاصم بن عمر بن قتادة و الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ و غيرهم من علمائنا كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد و قد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا ـ أو من قال منهم ـ : لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب و رجع فلهم إلى مكة و رجع أبو سفيان بن حرب بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب أصيب آباؤهم و إخوانهم و أبناؤهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب و من كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم و قتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا بمن أصاب منا ففعلوا
و قال ابن سعد : لما رجع من حضر بدرا من المشركين إلى مكة و جدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب موقوفة في دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا : نحن طيبوا أنفس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو سفيان : فأنا أول من أجاب إلى ذلك و بنو عبد مناف فباعوها فصارت ذهبا و كانت ألف بعير و المال خمسين ألف دينار فسلم إلي أهل العير رؤوس أموالهم و أخرجوا أرباجهم و كانوا يربحون في تجارتهم لكل دينار دينارا
قال ابن إسحاق : ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون } [ الأنفال : 36 ] فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم حين فعل ذلك أبو سفيان و أصحاب العير بأحابيشها و من أطاعها من قبائل كنانة و أهل تهامة
قال ابن سعد : و كتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بخبرهم كله فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد الربيع بكتاب العباس
رجع إلى خبر ابن إسحاق : و كان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر و كان فقيرا ذا عيال وحاجة و كان في الأسارى فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إني فقير ذو عيال و حاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك و سلم فمن عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له صفوان بن أمية : يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال : إن محمدا قد من علي فلا أريد أن أظاهر عليه قال : بلى فأعنا بلسانك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك و إن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر و يسر فخرج أبو عزة و مسافع بن عبد مناف يستنفران الناس بأشعار لهما فأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد الوقعة بحمراء الأسد فقال : يا محمد أقلني فقال : لا و الله لا تسمح عارضيك بمكة تقول : خدعت محمدا مرتين
ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه و قال سعيد بن المسيب : فيه قال عليه الصلاة و السلام : [ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ]
و دعا جبير بن مطعم غلاما له حبشيا يقال له وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطىء بها فقال له : اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق
و خرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة و أن لا يفروا فأقبلوا حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة ـ فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون قد نزلوا حيث [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمسلمين : إني قد رأيت و الله خيرا رأيت بقرا تذبح و رأيت في ذباب سيفي ثلما و رأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ] و عن ابن هشام : فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون و أما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل
و قال ابن عقبة : و يقول رجال : كان الذي رأى بسيفه : الذي أصاب وجهه فإن العدو أصابوا وجهه صلى الله عليه و سلم يومئذ و فصموا رباعيته و جرحوا شفته ذكر من فعل ذلك و عن ابن عائذ أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة
رجع إلى الأول قال ابن إسحاق : قال ـ [ يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ : فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة و تدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام و إن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها و كان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه و سلم يرى أن لا يخرج إليهم فقال رجال من المسلمين ـ ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد و غيره ـ ـ ممن فاته بدر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ : اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم و ضعفنا فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دخل فلبس لأمته و ذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة و قد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له : مالك بن عمرو أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خرج إليهم و قد ندم الناس و قالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : يا رسول الله استكرهناك و لم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ما ينبغي للنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في ألف من أصحابه ]
قال ابن هشام : و استعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس قال ابن إسحاق : حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة و أحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس و قال : أطاعهم و عصاني ما ندري على ما نقتل أنفسنا فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق و الريب و اتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول : يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم و نبيكم عندما حضر من عدوهم قالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم و لكنا لا نرى أنه يكون قتال قال : فلما استعصوا عليه و أبوا إلا الانصراف قال : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه
قال ابن عقبة : فلما رجع عبد الله بن أبي بثلاثمائة سقط في أيدي الطائفتين من المسلمين و هما أن يقتتلا و هما بنو حارثة و بنو سلمة كما يقال
أخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن الواسطي قراءة عليه و أنا أسمع قال : أخبرنا المشايخ : أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي و أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي و أبو الفضل محمد بن السباك قال الأولان : أخبرنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن محمد بن البنا و قال الثاني : أخبرنا أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد الجبان قال الأول : أخبرنا و قال الثاني : أنبانا أبو القاسم بن البسري أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أحد خرج معه بأناس فرجعوا قال : فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم فرقتين فقالت فرقة : نقتلهم و قالت فرقة : لا نقتلهم قال : فنزلت { فمالكم في المنافقين فئتين و الله أركسهم بما كسبوا }
[ النساء : 88 ]
قال : [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنها طيبة و إنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة ]
و عن ابن إسحاق : [ من غير طريق زياد عن الزهري أن الأنصار يوم أحد قالوا : يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود ؟ فقال : لا حاجة لنا فيهم ]
قال زياد : [ و حدثني محمد بن إسحاق قال : و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف و استله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و كان يحب الفأل و لا يعتاف ـ : يا صاحب السيف شم سيفك فإني أرى السيوف ستسل اليوم ]
[ ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه : من رجل يخرج بنا على القوم من كثب ـ أي من قرب ـ من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة و بين أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي و كان رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب و يقول : إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي
و قد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال : و الله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر و قد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل قبل نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربه بالقوس في رأسه فشجه و مضى رسول الله حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره و عسكره إلى أحد و قال : لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال و قد سرحت قريش الظهر و الكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة المسلمين فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن القتال : أترعى زوع بني قيلة و لما تضارب و تعبى رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتال و هو في سبعمائة رجل
و أمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف و هو معلم يومئذ بثياب بيض و الرماة خمسون رجلا فقال : انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك و ظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين و دفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار ]
و قال ابن عقبة : و كان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فقال : أنا عاصم إن شاء الله لما معي فقال له طلحة : هل لك يا عاصم في المبارزة ؟ قال : نعم فبدره ذلك الرجل فضربه بالسيف على رأسه ـ وقع السيف في لحيته ـ فقتله فكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إني مردف كبشا ] فلما صرع صاحب اللواء انتشر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه و صاروا كتائب متفرقة فجاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم و حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة و حمل المسلمون على المشركين فنهكوهم قتلا
و ذكر ابن عائذ : أن طلحة المذكور في هذا الخبر هو ابن عثمان أخو شيبة من بني عبد الدار و كان بيده لواء المشركين يومئذ و أن الرجل الذي كان بيده لواء المسلمين المهاجرين علي بن أبي طالب
و الذي قاله ابن هشام في هذه القصة قال : و يقال إن أبا سعد بن أبي طلحة خرج بين الصفين فنادى : أنا قاصم من يبارزني ؟ مرارا فلم يخرج إليه أحد فقال : يا أصحاب محمد : زعمتم أن قتلاكم في الجنة و أن قتلانا في النار كذبتم و اللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله عنه
قال ابن هشام : و أجاز رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري و رافع بن خديج أحد بني حارثة و هما ابنا خمس عشرة سنة و كان قد ردهما فقيل له : إن رافعا رام فأجازه فلما أجاز رافعا قيل له : يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم ورد أسامة بن زيد و عبد الله بن عمر زيد بن ثابت و أسيد بن ظهير ثم أجازهم يوم الخندق و هم أبناء خمس عشرة سنة
قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل [ أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج سماعا أخبرنا أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم عرضه يوم أحد و هو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فأجازعه ] رواه أبو داود عن الإمام أحمد
[ و أخبرتنا السثيدة مؤنسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحمهما الله و رحم سلفها سماعا قالت : أخبرتنا أم هانىء عفيفة بنت أحمد الفارقانية إجازة قالت : أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الدشتج أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف حدثنا جعفر بن أحمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا أبو بكر الهذلي عن نافع أن عمر بن عبد العزيز سأله : هل تدرون ما شهد عبد الله بن عمر مع النبي صلى الله عليه و سلم من المغازي ؟ فقال : نعم حدثنا عبد الله بن عمر قال : كانت غزوة بدر و أنا ابن ثلاث عشرة سنة فلم أخرج مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم كانت غزوة أحد و أنا ابن أربع عشرة سنة فخرجت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلما رآني استصغرني فردني و خلفني في حرس المدينة في نفر ردهم منهم : زيد بن ثابت و أوس بن عرابة بن أوس و رافع بن خديج و كان رافع أطولنا يومئذ فأنفذه النبي صلى الله عليه و سلم فلم يرده معنا و كانت غزوة الخندق و أنا ابن خمس عشرة سنة و أنفذني فغزوت معه فلما حدث هذا الحديث دعا كاتبه فقال : أعجل علي كاتبا إلى الأمصار كلها فإن رجالا يقدمون إلي يستفرضون لأبنائهم و إخوانهم فانظروا من فرضت له فاسألوهم عن أسنانهم فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة فافرضوا له في المقاتلة و من كان دون ذلك فافرضوا له في الذرية ]
كذا وقع في هذا الخبر أوس بن عرابة و إنما هو عرابة بن أوس و أبوه أوس بن قيظي كان من كبار المنافقين و هو أحد القائلين إن بيوتنا عورة و عرابة الذي يقول فيه الشماخ بن ضرار :
( رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع القرين )
( إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين )
و قد رد رسول الله صلى الله عليه يوم أحد أيضا البراء بن عازب و أبا سعيد الخدري و زيد بن أرقم و سعد بن عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الحارثي و سعد بن حبتة جد أبي يوسف الفقيه ـ و هو سعد بن بجير بن معاوية حليف بني عمرو بن عوف أمه حبتة بنت مالك ـ و زيد بن جارية من بني عمرو بن عوف و ذكره ابن أبي حاتم فيمن اسم أبيه على حرف الحاء يعني ابن حارثة فوهم في ذلك ـ و هو أخو مجمع بن جارية ـ و جابر بن عبد الله و ليس بالذي يروى عنه الحديث
قال ابن إسحاق : و تعبأت قريش و هم ثلاثة آلاف رجل و معهم مائتا فرس
قال ابن عقبة : و ليس في المسلمين فرس واحد
قال الواقدي : لم يكن مع المسلمين يوم أحد من الخيل إلا فرس رسول الله صلى الله عليه و سلم و فرس أبي بردة قال ابن عقبة : فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد و على ميسرتها عكرمة بن أبي جهل
قال ابن سعد : و جعلوا على الخيل صفوان بن أمية و قيل : عمرو بن العاص و على الرماة عبد الله بن أبي ربيعة و كانوا مائة و فيهم سبعمائة دارع و الظعن خمس عشرة امرأة
و شاع خبرهم في الناس و مسيرهم حتى نزلوا ذا الحليفة [ فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عينين له أنسا و مؤنسا ابني فضالة الظفريين ليلة الخميس لخمس ليال مضت من شوال فأتيا رسول الله صلى الله عليه و سلم بخبرهم وأنهم قد خلوا إبلهم و خيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء ثم بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم أيضا فدخل فيهم فحزرهم و جاءه بعلمهم و بات سعد بن معاذ و أسيد بن حضير و سعد بن عبادة في عدة ليلة الجمعة عليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه و سلم و حرست المدينة حتى أصبحوا ـ و ذكر الرؤيا و اختلافهم في الخروج كما سقناه ـ فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمعة بالناس ثم وعظهم و أمرهم بالجد و الاجتهاد و أخبرهم أن لهم النصر ما صبروا و أمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر و قد حشدوا و حضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم بيته و معه أبو بكر و عمر فعمماه و لبساه وصف الناس ينتظرون خروجه فقال لهم سعد بن معاذ و أسيد بن حضير : استكرهتم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الخروج فردوا الأمر إليه فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد لبس لأمته و أظهر الدرع و حزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيف و اعتم و تقلد السيف و ألقى الترس في ظهره فندموا جميعا على ما صنعوا و قالوا : ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك فقال : لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه و بين أعدائه و عقد ثلاثة ألوية : لواء الأوس بيد أسيد بن الحضير و لواء المهاجرين بيد علي بن ابي طالب و قيل بيد مصعب بن عمير و لواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر و قيل : بيد سعد بن عبادة و في المسلمين مائة دارع و خرج السعدان أمامه يعدوان ـ سعد بن معاذ و سعد بن عبادة ـ دارعين
و أستعمل على المدينة ابن أم مكتوم و على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين و أدلج رسول الله صلى الله عليه و سلم في السحر و دليله أبو خيثمة الحارثي فحانت الصلاة ـ يعني الصبح ـ فصلى ]
و انخزل حينئذ ابن أبي من ذلك المكان بثلاثمائة و معه فرسه لأبي بردة بن نيار و هو يقول : عصاني و أطاع الولدان و من لا رأي له
رجع إلى ابن إسحاق : قال : [ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال : و ما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تضرب به في وجه العدو حتى ينحني قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه و كان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت و حين رآه عليه الصلاة و السلام يتبختر قال : إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ]
وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر عبد بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة و كان فيما ذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه و سلم معه خمسون غلاما من الأوس و بعض الناس يقول خمسة عشر و كان يعد قريشا أن لو لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان فلقيهم في الأحابيش و عبدان أهل مكة فنادى : يا معشر الأوس ! أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق و كان يسمى في الجاهلية الراهب [ فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاسق ] فلما سمع ردهم عليه قال : لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة
قال ابن إسحاق : و قد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال : يا بني عبد الدار إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم و إنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا و إما أن تخلوا بيننا و بينه فنكفيكموه فهموا به و تواعدوه و قالوا : نحن نسلم إليك لواءنا ؟ ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع و ذلك أراد أبو سفيان
فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها : وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال و يحرضنهم فقالت هند فيما تقول :
( ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار )
( ضربا بكل بتار )
و تقول :
( إن تقبلوا نعانق ... و نفرش النمارق )
( أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق )
فاقتتل الناس حتى حميت الحرب و قاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس
قال ابن هشام : و حدثني غير واحد أن الزبير بن العوام قال : وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم السيف فمنعنيه و أعطاه أبا دجانة فقلت : و الله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه و قالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت و هكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج و هو يقول :
( أنا الذي عاهدني خليلي ... و نحن بالسفح لدى النخيل )
( أن لا أقوم الدهر في الكيول ... أضرب بسيف الله و الرسول )
فجعل لا يلقى أحدا إلا قتله و كان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه و ضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته محل السيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها
قال ابن إسحاق : و قال أبو دجانة : رأيت إنسانا يحمس الناس حمسا شديدا فصمدت إليه فلما حملت عليه السيف ولول فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أضرب به امرأة
و قاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد المناف بن عبد الدار و كان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني فقال له : هلم يا بن مقطعة البظور و كانت أمه ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله
قال وحشي غلام جبير بن مطعم : و الله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه فما يليق شيئا مثل الجمل الأورق إذ تقدم اليه سباع بن عبد العزى الغبشاني فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه و هززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئته فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر و لم يكن لي بشيء حاجة غيره
و قاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قتل و كان الذي قتله ابن قمئة الليثي و هو يظنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمدا فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم الراية عليا (2/5)
و قال ابن سعد : قتل مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب و حضرت الملائكة يومئذ و لم تقاتل و حكى دنو القوم بعضهم من بعض و الرماة يرشقون خيل المشركين فتولي هوارب فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء : من يبارز ؟ فبرز له علي فقتله و هو كبش الكتيبة الذي تقدمت الإشارة إليه في الرؤيا ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة فحمل عليه حمزة فقطع يده و كتفه حتى انتهى إلى مؤتزره و بدا سحره ثم حمله أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فقتله ثم حمله مسافع بن طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب ثم حمله شريح بن قارط فلسنا ندري من قتله ثم حمله صواب غلامهم فقيل : قتله سعد بن أبي وقاص و قيل : علي و قيل : قزمان و هو أثبت الأقاويل
رجع إلى خبر ابن إسحاق : [ و التقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل و أبو سفيان فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأوس بن شعوب قد علا أبا سفيان فضربه شداد فقتله
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن صاحبكم ـ يعني حنظللة ـ لتغسله الملائكة فسئلت صاحبته ؟ فقالت : خرج و هو جنب حين سمع الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لذلك غسلته الملائكة ثم أنزل الله تعالى نصره على المسلمين فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر و كانت الهزيمة لا شك فيها ]
و حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عبد الله بن الزبير أنه قال : و الله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة و صواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل و لا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حتى كشفنا القوم عنه و خلوا ظهورنا للخيل فأتينا من خلفنا و صرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل فانكفأنا و انكفأ القوم علينا بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم
قال ابن إسحاق : و حدثني بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلاثوا به و كان آخر من أخذ اللواء منهم صواب فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذه بصدره و عنقه حتى قتل عليه
قال ابن سعد : فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركين منهزمين لا يلوون على شيء و نساؤهم يدعون بالويل و تبعهم المسلمين يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا
حتى أجهضوهم عن العسكر و وقعوا ينتهبون العسكر و يأخذون ما فيه من الغنائم و تكلم الرماة الذين على عينين و اختلفوا بينهم و ثبت أميرهم عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة مكانه و قال : لا أجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بغنى و وعظ أصحابه و ذكروهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : لم يرد رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا قد انهزم المشركون فما مقامنا ها هنا فانطلوا العسكر و ينتهبون معهم و خلوا الجبل و نظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل و قلة أهله فكر بالخيل و تبعه عكرمة بن أبي جهل فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم و قتل أميرهم عبد الله بن جبير و انتقضت صفوف المسلمين و استدارت رحالهم و جالت الريح فصارت دبورا و كانت قبل ذلك صبا و نادى إبليس : إن محمدا قد قتل و اختلط المسلمون فصاروا يقتتلون على غير شعار و يضرب بعضهم بعضا ما يشعرون به من العجلة و الدهش و نادى المشركون بشعارهم بالعزى و بهبل فأوجعوا في المسلمين قتلا ذريعا و ولى من ولى منهم يومئذ
قال موسى بن عقبة : و لما فقد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رجل منهم : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قتل فارجعوا إلى قومكم فيؤمنوكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم فإنهم دخلوا البيوت و قال رجال منهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا و قال آخرون : إن كان قد قتل أفلا تقاتلون على دينكم و على ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله عز و جل شهداء ؟ منهم : أنس بن مالك بن النضر شهد له بها سعد بن معاذ عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
قلت : كذا وقع في الخبر : أنس بن مالك بن النضر و إنما هو أنس بن النضر عم أنس بن مالك بن النضر
رجع إلى خبر ابن سعد : و ثبت رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يزول يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا و يرمي بالحجر و ثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصديق و سبعة من الأنصار حتى تحاجزوا
و روى البخاري : لم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا اثنا عشر رجلا و عن أبي طلحة : غشينا النعاس و نحن في مصافنا يوم أحد فجعل سيفي يسقط من يدي و آخذه و يسقط و آخذه و كان يوم بلاء و تمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه و أصيبت رباعيته و شج في وجهه و كلمت شفته و كان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص
قال ابن إسحاق : فحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : كسرت رباعية النبي صلى الله عليه و سلم يوم أحد و شج وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه و جعل يمسح الدم و هو يقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم و هو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله تبارك و تعالى في ذلك : { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } [ آل عمران : 128 ]
قال ابن هشام : و ذكر لي [ ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ فكسر رباعيته اليمنى السفلى و جرح شفته السفلى و أن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في وجهه و أن ابن قمئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته و وقع رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفرة من الحفر التي عمل أبو عامر ليقع فيها المسلمون و هم لا يعلمون فأخذ علي بن أبي طالب بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما و مص مالك بن سنان ـ أبو سعيد الخدري ـ الدم من وجهه ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من مس دمي دمه لم تصبه النار ]
و ذكر [ عبد العزيز بن محمد الدراوردي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله و عن عيسى بن طلحة عن عائشة عن أبي بكر الصديق أن أبا عبيدة بن الجراح نزع إحدى الحلقتين من وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم فسقطت ثنيته ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى فكان ساقط الثنيتين ]
و روينا عن ابن عائذ : [ أخبرنا الوليد بن مسلم قال : فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن الذي رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأحد فجرحه في وجهه قال لما رماه فأصابه : خذها و أنا ابن قمئة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقماك الله عز و جل قال ابن جابر : انصرف ابن قمئة من ذلك اليوم إلى أهله فخرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل فأخذ فيها يعترضها و يشد عليه تيسها فنطحه نطحة أرداه من شاهقة الجبل فتقطع ]
قال ابن إسحاق : [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين غشيه القوم : من رجل يشتري لنا نفسه ؟ كما حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمرو قال : فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار و بعض الناس يقول إنما هو عمارة بن يزيد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أدنوه مني فأدنوه منه فوسده قدمه فمات و خده على قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
قال ابن هشام : و قاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد فذكر سعيد بن أبي يزيد الأنصاري أن أم سعد ابنة سعد بن الربيع كانت تقول : دخلت على أم عمارة فقلت : يا خالة أخبريني خبرك ؟ فقالت : خرجت أول النهار و أنا أنظر ما يصنع الناس و معي سقاء فيه ماء فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في أصحابه و الدولة و الريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقمت أباشر القتال و أذب عنه بالسيف و أرمي عن القوس حتى خلصت الجراحة إلي فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت : من أصابك بهذا ؟ قالت : ابن قمئة أقمأه الله لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل يقول : دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعتر ضت له أنا و مصعب بن عمير و أناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربني هذه الضربة و لكن ضربته ضربات على ذلك و لكن عدو الله كان عليه درعان
قال ابن إسحاق : و ترس دون رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو دجانة بنفسه يقع النبل في ظهره و هو منحن عليه حتى كثر فيه النبل و رمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سعد : فلقد رأيته يناولني النبل و يقول : ارم فداك أبي و أمي حتى إنه ليناولني السهم ماله من نصل فيقول : ارم به
و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده
و أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ردها بيده فكانت أحسن عينيه و أحدهما
و ذكر الأصمعي : عن أبي معشر المدني قال : وفد أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بديوان أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز رجلا من ولد قتادة بن النعمان فلما قدم عليه قال له : ممن الرجل ؟ فقال :
( أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد )
( فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسن ما عين و يا حسن ما رد )
حكاه أبو عمر
قال ابن سعد : [ و رمي يومئذ أبو رهم الغفاري كلثوم بن الحصين بسهم فوقع في نحره فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فبصق عليه فبرأ ]
قال ابن إسحاق : و كان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد الهزيمة و قول الناس قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ـ كعب بن مالك قال : عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ! أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأشار لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أنصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه و سلم نهضوا به و نهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر و عمر وعلي و طلحة و الزبير و الحارث بن الصمة و رهط من المسلمين
قال موسى بن عقبة : بايعوه على الموت فلما أسند رسول الله صلى الله عليه و سلم أدركه أبي بن خلف و هو يقول : أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا قال ابن عقبة : قال سعيد بن المسيب : فاعترض له رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فخلوا طريقه و استقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير و أبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة من سابغة الدرع و البيضة فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه و لم يخرج من طعنته دم قال سعيد : فكسر ضلعا من أضلاعه قال : ففي ذلك نزلت : { و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ]
و قال ابن إسحاق في هذا الخبر : كان أبي بن خلف ـ كما [ حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ـ يلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فيقول : يا محمد إن عندي العود ـ فرسا له ـ أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل أنا أقتلك إن شاء الله فلما رجع إلى قريش و قد خدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال : قتلني و الله محمد قالوا له : ذهب و الله فؤادك و الله إن بك من بأس قال : إنه قد كان قال لي بمكة : أنا أقتلك فو الله لو بصق علي لقتلني فمات عدو الله بسرف و هم قافلون به إلى مكة ]
و قال ابن عقبة : قال : و الذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون
رجع إلى الأول : [ فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته من المهراس فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه و غسل عن وجهه الدم و صب على رأسه و هو يقول : اشتد غضب الله على من دمى وجه نبيه ]
[ فحدثني صالح بن كيسان عن من حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول : و الله ما حرصت على قتل رجل قط حرصي على قتل عتبة بن أبي وقاص و إن كان ما علمت لسيء الخلق مبغضا في قومه و لقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله ]
قال ابن إسحاق : [ فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب و رهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل و نهض رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى صخرة من الجبل ليعلوها و قد كان بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم و ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض حتى استوى عليها
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يومئذ : أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه و سلم ما صنع ]
قال ابن هشام : [ و بلغني عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب و ذكر عمر مولى غفرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي أصابته و صلى المسلمون خلفه قعودا ]
قال ابن إسحاق : و قد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الأعوص و حدثني عاصم بن قتادة عن محمود بن لبيد قال : فلما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أحد رفع حسيل بن جابر و هو اليمان أبو حذيفة بن اليمان و ثابت بن وقش في الآطام مع النساء و الصبيان فقال أحدهما لصاحبه ـ و هما شيخان كبيران ـ : لا أبالك ما ننتظر ؟ فو الله إن بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه و سلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس و لم يعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون و أما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه و لا يعرفونه فقال حذيفة : أبي و الله أبي قالوا : و الله إن عرفناه و صدقوا فقال حذيفة : يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزاده عند رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا
قال ابن إسحاق : [ و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : كان فينا رجل أتي و لا ندري ممن هو يقال له قزمان و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا ذكر يقول : إنه لمن أهل النار قال : فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين و كان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر قال : فجعل رجال من المسلمين يقولون : و الله لقد أبليت يا قزمان فأبشر قال : بماذا أبشر فو الله إن قاتلت إلا على أحساب قومي و لولا ذلك لما قاتلت قال : فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه ]
و كان ممن قتل يومئذ مخيريق و قد تقدم خبره
[ و كان الحارث بن سويد بن الصامت منافقا لم ينصرف مع عبد الله بن أبي في حين انصرافه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جماعته عن غزوة أحد و نهض مع المسلمين فلما التقى المسلمون و المشركون عدا على المجذر بن زياد و على قيس بن زيد أحد بني ضبيعة فقتلهما و فر إلى الكفار و كان المجذر قد قتل في الجاهلية سويد بن الصامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس و الخزرج ثم إن الحارث رجع إلى المدينة إلى قومه و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من السماء و نزل جبريل عليه فأخبره أن الحارث بن سويد قدم فانهض إليه و اقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد فنهض رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه فخرج إليه الأنصار أهل قباء في جماعتهم و في جملتهم الحارث بن سويد و عليه ثوب مورس فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عويم بن ساعدة بضرب عنقه فقال الحارث : لم يا رسول الله ؟ فقال : بقتلك المجذر بن زياد و قيس بن زيد فما راجعه الحارث بكلمة و قدمه عويم فضرب عنقه ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ينزل عندهم ]
هذا عن أبي عمر النمري و المأمور بضرب عنقه عند بعضهم عثمان بن عفان و عند آخرين بعض الأنصار و في قتل المجذر سويدا خلاف بين أهل النقل
قال ابن إسحاق : [ و حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة قال : كان يقول : حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه : من هو ؟ فيقول : أصيرهم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال الحصين : فقلت لمحمود بن لبيد : كيف كان شأن الأصيرم ؟ قال كان يأبى الإسلام على قومه فلما كان يوم خروج النبي صلى الله عليه و سلم إلى أحد بدا له في الإسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة قال : فبينا رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا : و الله إن هذا للأصيرم ما جاء به ؟ لقد تركناه و إنه لمنكر لهذا الحديث فسألوه : ما جاء بك ؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام ؟ فقال : بل رغبة في الإسلام آمنت بالله و رسوله و أسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إنه لمن أهل الجنة ]
[ و حدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة أن عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج و كان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه و الخروج معك فيه فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك و قال لبنيه : ما عليكم أن تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة فخرج معه فقتل يوم أحد ]
و ذكر أبو عمر في خبره [ قال : فأخذ سلاحه و ولى أقبل على القبلة و قال : اللهم ارزقني الشهادة و لا تردني إلى أهلي خائبا و فيه : ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و الذي نفسي بيده : إن منكم من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح و لقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته و قيل : حمل هو و ابنه خلاد حين انكشف المسلمون فقتلا جميعا ]
قال ابن إسحاق : و وقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان و النسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يجدعن الآذان و الآنف حتى اتخذت هند من الآذان الرجال و آنفهم خدما و قلائد و أعطت خدمها و قلائدها و أقرطتها وحشيا غلام جبير بن مطعم و بقرت من كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت :
( نحن جزينا كم بيوم بدر ... و الحرب بعد الحرب ذات سعر )
( ما كان عن عتبة لي من صبر ... و لا أخي و عمه و بكري )
( شفيت نفسي و قضيت نذري ... شفيت وحشي غليل صدري )
( فشكر وحشي علي عمري ... حتى ترم أعظمي في قبري )
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت :
( خزيت في بدر و بعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر )
( صبحك الله غداة الفجر ... بالهاشميين الطوال الزهر )
( بكل قطاع حسام يفري ... حمزة ليثي و علي صقري )
( إذ رام شيب و أبوك غدري ... فخضبا منه ضواحي النحر )
( و نذرك السوء فشر نذر )
[ ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته : أنعمت فعال فقال : إن الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل ـ أي أظهر دينك ـ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قم يا عمر فأجبه فقل : الله أعلى و أجل لا سواء قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار و قال : إن لنا العزى و لا عزى لكم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قولوا : الله مولنا و لا مولى لكم ]
عن ابن عائذ و غيره
[ رجع : فلما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان : هلم إلي يا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر : ائته فانظر ما شأنه فجاءه فقال أبو سفيان : أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا ؟ قال عمر : اللهم لا و إنه يسمع كلامك الآن قال : أنت أصدق عندي من ابن قمئة و أبر ـ لقول ابن قمئة : إني قتلت محمدا ـ ثم نادى أبو سفيان : قد كان في قتلاكم مثلى و الله ما رضيت و لا سخطت و لا نهيت و لا أمرت و لما انصرف أبو سفيان و أصحابه نادى : إن موعدكم بدر للعام القابل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل من أصحابه : قل : نعم هو بيننا و بينكم موعد ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب ـ و قال ابن عائذ : سعد بن أبي وقاص ـ فقال : اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون و ماذا يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل و امتصوا الإبل فإنهم يريدون مكة و إن ركبوا الخيل و ساقوا الإبل فهم يريدون المدينة و الذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم قال علي : فخرجت في أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل و امتطوا الإبل و توجهوا إلى مكة
و فزع الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار ـ : من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع ؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات ؟ فقال رجل من الأنصار : أنا أنظر لك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أم في الأموات فقال أنا في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم عني السلام و قل له : إن سعد بن الربيع يقول لك : جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمته و أبلغ قومك عني السلام و قل لهم : إن سعد بن الربيع يقول لكم : إنه لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم و منكم عين تطرف قال : ثم لم أبرح حتى مات قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته خبره ]
قال ابن إسحاق : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده و مثل به فجدع أنفه و أذناه
[ أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى و أبو الهيجاء غازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب بقراءة والدي عليهما و أنا اسمع متفرقين قالا : أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين الشيباني قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا حامد بن محمد حدثنا بشر بن الوليد حدثنا صالح المري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد فنظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه و نظر قد مثل به فقال : رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمتك فعولا للخيرات وصولا للرحم و لولا حزن من بعدي عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى أما و الله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك قال : فنزل جبريل عليه السلام و النبي صلى الله عليه و سلم واقف بعد بخواتيم سورة النحل : { و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين } [ النحل : 126 ] إلى آخر السورة فصبر النبي صلى الله عليه و سلم فكفر عن يمينه و أمسك عما أراد ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بحمزة فسجي ببرده ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتي بالقتلى يوضعون إلى جنب حمزة فصلى عليهم و عليه معهم حتى صلى عليه ثنتين و سبعين صلاة ]
و قد روينا حديث مقسم هذا عن ابن عباس : أتي بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد فجعل يصلي على عشرة عشرة الحديث من طريق ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم به
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا أبو منذر البزاز حدثنا سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلىعلى قتلى أحد
و قال ابن عقبة : لم يغسلهم و لم يصل على أحد منهم كما يصلى على الموتى و لم يكفنهم في غير ثيابهم التي قتلوا فيها
قال أبو عمر : و اختلف في صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم على شهداء أحد و لم يختلف عنه في أنه أمر أن يدفنوا بثيابهم و دمائهم و لم يغسلوا و مثل يومئذ بعبد الله بن جحش بن رئاب غير أنه لم يبقر عن كبده
وروى ابن وهب عن أبي صخر عن ابن قسيط عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد : ألا تأتي ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال : يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك و يقاتلني ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله و آخذ سلبه فأمن عبد الله بن جحش ثم قال : اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك و يقاتلني فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك قلت : يا عبد الله فيم جدع أنفك و أذنك ؟ فأقول : فيك و في رسولك فيقول الله تعالى : صدقت قال سعد : كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرا من دعوتي لقد رأيته آخر النهار و إن أذنه و أنفه معلقان في خيط (2/18)
و ذكر الزبير في الموفقيات أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا يقال : إن قائمه منه و كان يسمى العرجون و لم يزل يتناقل حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار إنه قتل عبد الله يومئذ أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي و دفن هو و حمزة بن عبد المطلب في قبر واحد
قال ابن سعد : و دفن عبد الله بن عمرو بن حرام و عمرو بن الجموح في قبر واحد و دفن خارجة بن زيد و سعد بن الربيع في قبر واحد و دفن النعمان بن مالك و عبدة بن الحسحاس في قبر واحد و كان الناس أو عامتهم قد حملوا قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فلأدرك المنادي رجلا واحدا لم يكن دفن فرد و هو شماس بن عثمان المخزومي
و سيأتي لوفاة شماس ذكر في أشعار أحد إن شاء الله تعالى
و أما أبو عمر فقال : يومئذ احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فردهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ليدفنوا حيث قتلوا
قال الواقدي : [ و ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم تركة عبد الله بن جحش و اشترى لابنه مالا بخيبر ـ و عبد الله لأميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و يومئذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد أشرف على القتلى : أنا شهيد على هولاء و ما من جريح يجرح في الله إلا و الله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون دم و الريح ريح مسك ]
روينا عن أبي بكر الشافعي بالإسناد المذكور آنفا [ حدثنا محمد بن علي بن إسماعيل حدثنا قطن حدثنا حفص حدثنا إبراهيم عن عباد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن ثعلبة أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لقتلى أحد : زملوهم بجراحهم إنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا و هو يأتي يوم القيامة لونه لون دم و ريحه ريح مسك ]
و كذلك [ رواه محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن الزهري و غيره يخالفه قال الدارقطني : الصواب رواية الليث و من وافقه و رووه عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر : و يومئذ قال النبي صلى الله عليه و سلم لسعد بن أبي وقاص : ارم فداك أبي و أمي ]
قرىء على عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي و أنا أسمع [ أخبركم أبو علي حنبل ابن عبد الله بن الفرج بن سعادة الرصافي قراءة عليه و أنت حاضر في الخامسة قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعد بن مالك فإني سمعته يقول له يوم أحد : ارم سعد فداك أبي و أمي ]
[ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشهداء : انظروا أكثر هؤلاء جمعا للقرآن فاجعلوه أمام أصحابه في القبر و كانوا يدفنون الثلاثة و الاثنيبن في القبر و قال ابن سعد : و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ادفنوا عبد الله بن عمرو و عمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من الصفاء ] قال فحفر عنهما و عليهما نمرتان و عبد الله قد أصابه جرح في وجهه فيده على جرحه فأميطت يده عن وجهه فانبعث الدم فردت يده إلى مكانها فسكن الدم و قال : أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال حدثنا هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين فأخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم
قرىء على الحرة الأصيلة أم محمد شامية بنت الحافظ صدر الدين أبي علي الحسن بن محمد بن محمد بن البكري و أنا أسمع بالقاهرة سنة ثمان و سبعين و ستمائة [ أخبرك الشيخ أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ الدارقزي قراءة عليه و أنت تسمعين ؟ فأقرأت به قال : أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسين بن أحمد بن البنا قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن خلف بن الفراء قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو الحسن علي بن معروف بن محمد البزاز قراءة عليه في رجب سنة ست و ثمانين و ثلاثمائة أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي حدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرني النضر بن شميل حدثنا شعبة حدثنا محمد بن المنكدر قال سمعت جابرا قال : قتل أبي يوم أحد فجئت إليه و قد مثل به و هو مغطى الوجه فكشفت عن وجهه و جعلت أبكي و جعل الناس ينهوني و رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينهاني و جعلت فاطمة بنت عمر وعمتي تبكيه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تبكيه فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه ]
و قرأت على عبد الله محمد بن أبي الفتح الحنبلي الصوري و أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي قلت للأول : [ أخبرك أبو البركات بن ملاعب و الثاني : أخبركم أبو نصر موسى بن عبد القادر قالا : أخبرنا سعيد بن البنا أخبرنا أبو القاسم بن البسري أخبرنا أبو الطاهر المخلص حدثنا يحيى ـ يعني ابن صاعد ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن المسور حدثنا سفيان أخبرنا كوفي لنا أخبرنا محمد بن يحيى عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له : تمنه فقال : أرد إلى الدنيا فأقتل فقال : قد قضيت أنهم إلى الدنيا لا يرجعون ]
كذا وقع في هذه الرواية عن سفيان قال : أخبرنا كوفي لنا أخبرنا محمد بن يحيى و كأنه تصحيف و لعل الصواب فيه : حدثنا سفيان أخبرنا كوفي لنا محمد بن علي عن ابن عقيل و هو محمد بن علي بن ربيعة السلمي أبو عتاب الكوفي ابن عم منصور بن المعتمر و أخوه لأمه رأى ربعي بن حراش روى عن ابن عقيل و غيره و روى عنه سفيان بن عيينة و غيره و ثقه يحيى بن معين قال ابن أبي حاتم عن أبيه : هو من الشيعة
قلت : ما حاله ؟ قال : صدوق لا بأس به صالح الحديث و وقع في ترجمته و هم عن ابن أبي حاتم تبع فيه البخاري على عادته نبه عليه أبو بكر الخطيب و قد أثبته هناك و كذا ذكر هذا الخبر أبو عمر بن عبد البر قال : و روى ابن عيينة عن محمد بن علي السلمي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر فذكروه
و يومئذ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النوح قال ابن إسحاق : [ و حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بامرأة من بني دينار و قد أصيب زوجها و أخوها و أبوها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بأحد فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قالوا : خيرا يا أم فلان هو بحمد الله تعالى كما تحبين قالت : أرونيه حتى أنظر إليه قال : فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل ـ تريد صغيرة ـ
و كان لطلحة بن عبيد الله يومئذ المقام المحمود في الذب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الزبير و غيره : و أبلى طلحة بلاء حسنا يوم أحد و وقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه و اتقى عنه النبل بيده حتى شلت أصبعه و ضرب الضربة في رأسه و حمل رسول الله صلى الله عليه و سلم على ظهره حتى استقل على الصخرة و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أوجب طلحة ]
و قرأت على أبي الفتح يوسف يعقوب الشيباني بسفح قاسيون أخبرتكم أم الفضل زينب بنت محمد بن أحمد بن عقيل القيسية قراءة عليها و أنت تسمع سنة ست و ستمائة قالت : أخبرنا الفقيه أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي قراءة عليه و نحن نسمع قال : أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قراءة عليه و أنا أسمع قال : أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا محمد بن أحمد بن النضر الأزدي حدثنا معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق ـ يعني الفزاري ـ عن حميد عن أنس قال : غاب عمي أنس بن النضر عن قتال أهل بدر فقال : غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه و سلم المشركين أما و الله لئن أشهدني قتالا ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ لأصحابه ـ و أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ـ المشركون ـ ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ فقال : أين يا سعد ؟ واها لريح الجنة و الله إني لأجد ريحها دون أحد قال سعد : فما استطعت أصنع ما صنع مضى حتى استشهد قال : قال أنس : ما عرفته إلا ببنانه لأنه مثل به وجدنا فيه بضعة و ثمانين أثرا ما بين ضربة بالسيف و طعنة بالرمح و رمية بالسهم فكنا نتحدث أن فيه و في أصحابه نزلت : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } [ الأحزاب : 23 ]
و روينا عن ابن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس قال : لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة فما عرفته إلا أخته عرفته ببنانه
[ أخبرتنا السيدة الأصيلة مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحم الله سلفها فيما قرأته عليها عن عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية إجازة قالت : أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الصباغ قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال : أخبرنا أبو علي بن الصواف حدثنا محمد بن نصر ـ يعني أبا جعفر الصايغ ـ حدثنا إبراهيم ـ يعني ابن حمزة ـ حدثنا عبد العزيز ـ يعني ابن محمد ـ عن عبيد الله ـ يعني ابن عمر ـ عن نافع عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب قال لأخيه زيد بن الخطاب يوم أحد : خذ درعي هذه يا أخي فقال له إني أريد الشهادة مثل ما تريد
فتركاها جميعا
قال ابن إسحاق : و لما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال : اغسلي عن هذا دمه يا بنية فو الله لقد صدقني اليوم و ناولها علي بن أبي طالب سيفه و قال : و هذا فاغسلي عنه دمه فو الله لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف و أبو دجانة ]
و روينا عن ابن عقبة : [ و لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم سيف علي مختضبا دما قال : إن تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف ثم قال : أخبروني عن الناس ما فعلوا و أين عامتهم ؟ ثم قال : إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها حتى نتيحهم و مثل المشركون يومئذ بقتلى المسلمين إلا ما كان من حنظلة ابن أبي عامر فإن أباه كان معهم فلذلك لم يمثلوا به ذكره ابن عقبة و قال : قال سهل بن سعد الساعدي : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ]
و انهزم قوم من المسلمين منهم عثمان بن عفان و سعد بن عثمان و أخوه عقبة بن عثمان من بني زريق و خارجة بن عامر الأنصاري ثم عفا الله عنهم و نزل فيهم : { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } [ آل عمران : 155 ] الآية
قال ابن عقبة : تولوا حتى انتهوا إلى بئر جرم
و روينا عن محمد بن سعد : قال أبو النمر الكناني ـ هو جد شريك بن عبد الله بن أبي نمر المحدث ـ : شهد أحدا مع المشركين و قال : رميت يومئذ بخمسين مرماة فأصبت منها بأسهم و إني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن أصحابه لمحدقون به و إن النبل ليمر عن يميينه و عن شماله و يقصر بين يديه و يخرج من ورائه ثم هداه الله للإسلام (2/32)
الأحابيش : الذين حالفوا قريشا هم بنو المصطلق سعد بن عمرو و بنو الهون بن خزيمة اجتمعوا بذنبة حبشي و هو جبل بأسفل مكة فتحالفوا بالله : إنا ليد على غيرنا ما سجى ليل و وضح نهار و ما رسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل قال حماد الراوية : سموا أحابيش لاجتماعهم و التجمع في كلام العرب هو التحبش قاله ابن قتيبة في كتاب المعارف له رأيت ذلك بخط جدي رحمه الله و قال : إنه قرأه على أبي علي شيخه عمر بن محمد الأزدي
و الثلم : ـ ساكن اللام ـ في السيف و الثلم ـ مفتوح اللام ـ : ثلم الوادي
و ذكر أبا خيثمة الحارثي دليل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم ينبه عليه ابن هشام و الذي ذكره ابن سعد و غيره أبو حثمة و هو عندهم والد سهل بن أبي حثمة قال أبو عمر : و ليس في الصحابة أبو خيثمة إلا عبد الله بن خيثمة السالمي له خبر معروف في غزوة تبوك و أبو خيثمة عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي والد خيثمة بن عبد الرحمن صاحب عبد الله بن مسعود و أبو حثمة هذا : عبد الله و قيل : عامر بن ساعدة بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس نسبه كذلك أبو عمر
و نضحت النشاب بالحاء المهملة : رميت
و ذكر الرجز الذي قالته هند بنت عتبة إن تقبلوا نعانق و أوله :
( نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق )
و كذا ذكره ابن سعد فقال : روي هذا الشعر لهند بنت عتبة كما قال ابن إسحاق و الشعر ليس لها و إنما هو لهند بنت بياضة بن طارق بن رياح بن طارق الإيادي قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بجزيرة الموصل و كان رئيس إياد بياضة بن طارق و وقع في شعر أبي دؤاد الإيادي و ذكر أبو رياش و غيره أن بكر بن وائل لما لقيت تغلب يوم قضة و يسمى يوم التحليق أقبل الفند الزماني و معه ابنتان و كانت إحداهما تقول : نحن بنات طارق فطارق على رواية من رواه لهند بنت عتبة أو لبنت الفند الزماني تمثيل و استعارة لا حقيقة شبهت أباها بالنجم الطارق في شرفه و علوه و على رواية من رواه لهند بنت بياضة حقيقة لا استعارة لأنه اسم جدها قال البطليوسي : و الأظهر أنه لبنت بياضة و إنما قاله غيرها متمثلا و قال أبو القاسم السهيلي على قول من قال أرادت به النجم لعلوه : هذا التأويل عندي بعيد لأن طارقا و صف للنجم لطروقه فلو أرادته لقالت : بنات الطارق فعلى تقدير الاستعارة يكون بنات مرفوعا و على تقدير أن يكون الشعر لابنة بياضة بن طارق يكون منصوبا على المدح و الاختصاص نحو :
( نحن بني ضبة أصحاب الجمل )
و الكيول : آخر القوم أو آخر الصفوف
و لولت المرأة : دعت بالويل
ما يليق : ما يبقي
و الهذا ـ معجم الذال ـ القطع و مهملها : الهدم
و قوله : فكأنما رأسه أخطأ الشيء إذا لم يتعمده أي كان في إلقائه رأسه كأنه لم يتعمده و لا قصده
و يحمس الناس : بالسين المهملة يشجعهم من الحماسة و بالمعجمة من أحمشت النار : أوقدتها أي يغضبهم
و ذكر [ خبر قتادة بن النعمان في ذهاب عينه و رجوعها و قد روي أن عينيه جميعا سقطتا رواه محمد بن أبي عثمان عن مالك بن أنس عن محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد عن أخيه قتادة بن النعمان قال : أصيبت عيناي يوم أحد فسقطتا على وجنتي فأتيت بهما النبي صلى الله عليه و سلم فأعادهما مكانهما و بصق فيهما فعادتا تبرقان ] قال الدارقطني : هذا حديث غريب عن مالك تفرد به عمار بن نصر و هو ثقة و رواه الدارقطني : عن إبراهيم الحربي عن عمار بن نصر هذا
و ذكر قتل حسيل ـ أبي حذيفة بن اليمان ـ و يقال : الذي قتله خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود
و الهامة : كانت العرب تقول : إن روح الميت تصير هامة و منه :
( و كيف حياة أصداء و هام )
و ظمء حمار : الحمار أقصر الدواب ظمأ و أطولها الإبل
[ و قوله عليه الصلاة و السلام : من رجل ينظر ما صنع سعد بن الربيع ؟ ] لم يسم في الخبر قال الواقدي : هو محمد بن مسلمة و ذكر أبو عمر أنه أبي كعب
و ذكر السهيلي في حديث ابن إسحاق عمن لا يتهم عن مقسم عن ابن عباس : في صلاة النبي صلى الله عليه و سلم على شهداء أحد : أنه يعني بمن لا يتهم : الحسن بن عمارة و ضعف الحديث به لكن قد ذكرناه من رواية يزيد بن أبي زياد عن مقسم من طريق ابن ماجه و يزيد : أخرج له مسلم مقرونا بغيره في الأطعمة و صحح الترمذي حديثه في غير ما موضع و بينه و بين الحسن بن عمارة بون بعيد و قد رأيت قبل هذا موضعا تكلم فيه السهيلي على رواية ابن إسحاق عمن لا يتهم فقال : هو الحسن بن عمارة و هذا يحتاج إلى نقل عن ابن إسحاق و أقل ما في ذلك نقل عن معاصر له أو قريب منه في الطبقة و إلا فما المانع من أن يكون الذي لا يتهمه في هذا الخبر هو يزيد بن أبي زياد فكثيرا ما يروي عنه و هو أجدر بالثناء عليه و قد روى الخبر عنه أبو بكر بن عياش كما أوردناه و عند ابن إسحاق رجل آخر يقال له : يزيد بن أبي زياد و هو يزيد بن أبي زياد ميسرة يروي عن محمد بن كعب القرظي مستور الحال
و أوجب طلحة : أحدث شيئا يستوجب به الجنة
الأتي : الغريب لا يدرى من أين أتى كذا وقع في هذا الخبر عند ابن إسحاق و ذكره ابن سعد فقال : قزمان بن الحارث من بني عبس حليف لبني ظفر
الوقاع : السباب
ضاحية الشيء : ناحيته
أنعمت فعال : اسم للفعل الحسن و أنعم : زاد و قال السهيلي : معناه : أنعمت الأزلام و كان استقسم بها حين خروجه إلى أحد
قال ابن إسحاق : و كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن يوم أحد ستون آية من سورة آل عمران : فيها صفة ما كان في يومهم يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : { و إذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال و الله سميع عليم } [ آل عمران : 121 ] (2/38)
من المهاجرين عندهم :
من بني هاشم بن عبد مناف : حمزة بن عبد المطلب بن هاشم
و من بني أمية بن عبد شمس : عبد الله بن جحش حليف لهم من بني أسد بن خزيمة
و من بني عبد الدار بن قصي : مصعب بن عمير
و من بني مخزوم بن يقظة : شماس بن عثمان
و زاد ابن عقبة خامسا لهم و هو : سعد مولى حاطب من بني أسد بن عبد العزى
و زاد ابن سعد : عبد الله و عبد الرحمن ابني الهبيب من بني سعد بن ليث
و وهب ابن قابوس المزني و ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس و مالكا و نعمان ابني خلف بن عوف بن دارم بن عنز بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلملا ابن أفصى بن حارثة كانا طليعتين للنبي صلى الله عليه و سلم فقتلا يوم أحد شهيدين و دفنا في قبر
أحد عشر
و زاد أبو عمر : ثقف بن عمرو الأسلمي حليف بني عبد شمس و عقربة أبا بشير بن عقربة الجهني و ذكر أن خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم القرشي شهد أحدا و نالته بها جراحات مات منها بالمدينة
و ليس ذلك بشيء و المعروف أنه مات بالمدينة على رأس خمسة و عشرين شهرا بعد رجوعه من بدر و تأيمت منه حفصة بنت عمر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعبان على رأس ثلاثين شهرا كما سيأتي إن شاء الله تعالى و كل ذلك قبل أحد و في قول أبي عمر :
عدي بن سعيد بن سهم : و هم ثان إنما هو عدي بن سعد بن سهم و سعد و سعيد ابنا سهم فعدي من ولد سعد و الله تعالى أعلم
و من الأنصار ثم من الأوس ثم :
من بني عبد الأشهل : عمرو بن معاذ و ابن أخيه الحارث بن أوس و الحارث بن أنس و عمارة بن زياد و سلمة و عمرو ابنا ثابت بن وقش و أبوهما و عمهما رفاعة و حسيل بن جابر أبو حذيفة بن اليمان حليف لهم و صيفي و خباب ابنا قيظي و عند ابن سعد : صيفي و الحباب ابنا قيظي بن عمرو بن سهل بن مخرمة بن قلع بن حريش بن عبد الأشهل و كان ابن الكلبي يقول : حريش بن جشم أخي عبد الأشهل ليس ولده
و المشهور الأول و عمهما : عباد بن سهل وعمه معبد بن مخرمة عند ابن سعد وعنده أيضا عامر بن يزيد بن السكن و عند ابن إسحاق في أخبار الوقعة مقتل زياد بن السكن حين [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يشري لنا نفسه ] قال : فقام زياد بن السكن في خمسة من الأنصار فقاتلوا حتى قتلوا و كان زياد آخرهم قال : و بعض الناس يقول : هو عمارة بن يزيد و يزيد : ابن السكن بن رافع
و سهل بن رومي بن وقش و رافع بن يزيد و قرة بن عقبة بن قرة حليف لهم
و في عدادهم من ولد جشم بن الحارث أبي عبد الأشهل عندهم : إياس بن الأوس بن عتيك ومن حلفائهم : حبيب بن زيد بن تيم بن أمية بن خفاف بن بياضة
كذا ذكره ابن سعد : حبيب بن زيد في حلفاء بني عبد الأشهل و رأيته في موضع آخر من ولد مرة بن مالك بن الأوس و هو حبيب بن زيد بن تيم بن أمية بن بياضة بن خفاف بن سعيد بن مرة بن مالك قاله ابن الكلبي
و عبيد بن التيهان و هو عند ابن عقبة و أبي معشر و ابن القداح : عتيك و ابن عمارة ينسبه إلى جشم بن الحارث هذا و غيره يقول : من حلفائهم و ليس من أنفسهم و قد سبق ذلك عند ذكر أخيه أبي الهيثم قال أبو عمر : و قيل : بل قتل بصفين
و عند ابن سعد : سهل بن عدي بن زيد بن عامر بن جشم أخي عبد الأشهل بن جشم بن الحارث : و يسار مولى أبي الهيثم بن التيهان
أربعة و عشرون انفرد منهم ابن سعد عن ابن إسحاق بتسعة
و من بني ظفر : يزيد بن حاطب بن أمية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر
و من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ـ و هو النبيت ـ بن مالك بن الأوس عند ابن سعد : قيس بن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة
و الواقدي و ابن عمارة يقولان فيه : قيس بن محرث قال ابن عمارة : أما قيس بن الحارث فقتل يوم اليمامة
و من بني عمرو بن عوف ثم من بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف : رفاعة بن عبد المنذر عند ابن سعد و فيه نظر
و من بني ضبيعة بن زيد : أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة و حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة قتله أبو سفيان بن حرب و كان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر فكان أبوه أبو سفيان يقول : حنظلة بحنظلة
و من بني عبيد بن زيد أخي ضبيعة : أنيس بن قتادة
و من حلفاء بني زيد بن مالك من بني العجلان : عبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجد بن العجلان و هو عند ابن إسحاق حليف لبني السلم بن امرىء القيس
و من بني العجلان و أنيف من بلي حلفاء بني زيد عند ابن سعد : ثابت بن الدحداح و يقال : الدحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس
و من بني معاوية بن مالك بن عمرو بن عوف : سبيع بن حاطب بن قيس بن هيسة بن الحارث بن أمية بن معاوية و قال فيه ابن عقبة : سويبق
و من حلفائهم : مالك بن نميلة ذكره ابن سعد و ابن هشام و ليس عند ابن إسحاق في روايتنا و قال أبو عمر : ذكره إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق
و من بني ثعلبة بن عمرو بن عوف : أبو حبة ـ بالباء ـ بن عمرو بن ثابت و عند آخرين منهم ابن سعد : أبو حنة ـ بالنون ـ بن ثابت و عبد الله بن جبير
و من بني السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس : خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط بن كعب النحاط بن حارثة بن غنم بن السلم وهو أبو سعد بن خيثمة
و من بني خطمة و هو عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس عند ابن هشام : الحارث بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة
أربعة عشر منهم تسعة متفق عليهم
و من الخزرج ثم :
من بني النجار ثم من بني سواد بن غنم بن مالك بن النجار و ابن سعد يقول : سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار و المعروف أن ولد غنم بن مالك ثلاثة : عوف و ثعلبة و سواد كذا قال ابن الكلبي : عمرو بن قيس و ابنه قيس و ثابت بن عمرو و عامر بن مخلد و زاد ابن سعد عن ابن القداح : و عبد الله بن قيس و خالفه الواقدي فزعم أنه تأخر إلى خلافة عثمان و زاد ابن هشام فيهم : مالك بن إياس و لم يوصل نسبه
و من بني مبذول و هو عامر بن النجار : أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مبذول كذا هو عند ابن إسحاق و ابن سعد يقول : ثقف بن مالك بن مبذول قلت : و عمرو بن مبذول و مالك بن مبذول معروفان و كان الواقدي يقول فيه : أبو أسيرة و ابن عمه عمرو بن مطرف بن علقمة و منهم من يقول فيه : مطرف بن عمرو
و من بني مغالة و هم من بني عمرو بن مالك بن النجار : أوس بن ثابت غير أن ابن إسحاق أنكر ذلك و زعم أنه بقي إلى خلافة عثمان
و من بني عدى بن النجار : أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي و زاد ابن سعد : عامر بن أمية و زاد ابن هشام في بني عمرو بن مالك : إياس بن عدي و لم يصل نسبه
و من بني مازن بن النجار : قيس بن مخلد و كيسان عبد لهم زاد ابن سعد : و رافع مولى غزية بن عمرو
و من بني دينار بن النجار : سليم بن الحارث و النعمان بن عبد عمرو و زاد ابن سعد : و أبو حرام عمرو بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل
و من بني الحارث بن الخزرج : خارجة بن زيد و سعد بن الربيع بن عمرو و أوس بن الأرقم بن زيد بن قيس بن نعمان بن مالك الأغر زاد ابن سعد : و الحارث بن ثابت بن سفيان بن عدي بن عمرو بن امرىء القيس بن مالك الأغر و الحارث بن ثابت بن عبد الله بن سعد بن عمرو بن قيس بن عمرو بن امرىء القيس بن مالك
و من بني الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخررج : مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر كذا هو عند ابن إسحاق و ابن الكلبي و خليفة بن خياط و ابن سعد يخالفهم فيسقط عبيدا الأول و أما أبو عمر فأسقطه في نسب أبي سعيد الخدري كما فعل ابن سعد و أثبته في نسب أبيه كما قال غيره و سعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الأبجر و هو سعد بن سويد بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن أبجر عند الدمياطي و سعد بن سويد بن عبيد بن أبجر عند ابن سعد و عقد أبو عمر ترجمتين في كتابه في الصحابة إحداهما في باب سعد و الأخرى في باب سعيد و قال في كل منهما : قتل بأحد شهيدا و يحتمل أن يكون الاختلاف فيه و عتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر و ابن سعد يقول : معاوية بن عبيد بن الأبجر
و عبد الله بن الربيع بن قيس ذكره ابن الكلبي
و من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج : ثعلبة بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة و ثقب بن فروة بن البدي و بعضهم يفتح قافه أيضا و يقال فيه : ثقيف و يقال في البدي : البدين بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج و عبيد بن مسعود بن البدي قاله ابن عقبة و عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة و ضمرة حليف لهم من جهينة و هو ضمرة بن عمرو بن كعب بن عمرو بن عدي بن عامر بن رفاعة بن كليب بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن راشدان بن قيس بن جهينة
و من القواقلة و هم بنو سالم ابني عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج :
العباس بن عبادة بن نضلة و نوفل بن عبد الله بن نضلة المذكور و غير ابن إسحاق يقول : نوفل بن ثعلبة بن عبد الله بن نضلة و النعمان بن مالك
و من حلفائهم : المجذر بن زياد و عبدة بن الحسحاس و يقال فيه : عبادة
و من بني الحبلى و هو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج : رفاعة بن عمرو بن زيد و زيد بن وديعة ذكره الدمياطي
و من بني سلمة ثم من بني حرام : عبد الله بن عمرو ـ أبو جابر ـ و عمرو بن الجموح و ابنه خلاد و أبو أيمن مولى عمرو هذا هو المشهور قال أبو عمر : و يقال : هو ابنه
و من بني سواد بن غنم : سليم بن عمرو و مولاه عنترة و سهل بن قيس
و من بني زريق : ذكوان بن عبد القيس زاد ابن سعد : و رافع بن مالك
و من بني حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج : عبيد بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عدي بن مالك بن زيد مناة بن حبيب
سبعة و أربعون عند ابن إسحاق منهم : سبعة و ثلاثون
فجميعهم ستة و تسعون من المهاجرين و من ذكر معهم : أحد عشر و من الأنصار : خمسة و ثمانون من الأوس : ثمانية و ثلاثون و من الخزرج : سبعة و أربعون منهم عند ابن إسحاق من المهاجرين : أربعة و من الأنصار : واحد و ستون من الأوس : أربعة و عشرون و من الخزرج : سبعة و ثلا ثون و الباقون عن موسى بن عقبة أو عن ابن سعد أو عن ابن هشام و قد ذكر أبو عمر فيهم : زياد بن السكن أبا عمارة بن زياد و قد حكينا عن ابن إسحاق كيف وقع ذكره عنده و هو داخل في المعدودين من بني عبد الأشهل و ممن ذكر أبو عمر في الاستيعاب : أبا زيد الأنصاري و هو أبو بشير بن أبي زيد ذكره عن ابن الكلبي و في باب الباء في باب بشير ابنه و ذكر في كتاب الصحابة حارثة بن عمرو الأنصاري من بني ساعدة ولم يصل نسبه و ذكر الحافظ أبو محمد الدمياطي في نسب الأوس له : خداش بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد أخا أنيس بن قتادة و قال : شهد بدرا و قتل بأحد قاله ابن الكلبي وقد ذكرنا أخاه أنيسا في شهداء أحد و ذكر أبو عمر في كتابه في المغازي منهم عمير بن عدي الخطمي وغيره يقول في عمير : لم يشهد أحدا و كان ضرير البصر
فقد تجاوزوا بهذه الزيادات المائة على أنه قد ذكر أن قتلى أحد سبعون و من الناس من يجعل السبعين من الأنصار خاصة و كذلك قال ابن سعد في باب غزوة أحد لكنهم في تراجم الطبقات له زادوا على ذلك
و يذكر في تفسير قوله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } [ آل عمران : 165 ] أنه تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد بأنهم أصابوا من المشركين يوم بدر سبعين قتيلا و سبعين أسيرا فإن صح ذلك نقلا و حملا فالزيادة ناشئة عن الخلاف في التفصيل و ليست زيادة في الجملة (2/42)
: ثلاثة و عشرون رجلا
منهم : حملة اللواء من بني عبد الدار بن قصي عشرة قد سبق ذكرهم و منهم : أبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار و القاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار
و من بني أسد بن عبد العزى : عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد
و من بني زهرة بن كلاب : أبو الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف لهم و سباع بن عبد العزى و اسمه عمرو بن نضلة من غبشان بن سليم بن ملكان ـ حليف لهم من خزاعة ـ
و من بني مخزوم : هشام بن أبي أمية بن المغيرة و الوليد بن العاصي بن هشام بن المغيرة و أبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و خالد بن الأعلم حليف لهم
و من بني جمح : عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح و هو أبو عزة و أبي بن خلف بن وهب بن حذافة قتله رسول الله صلى الله عليه و سلم
و من بني عامر بن لؤي : عبيدة بن جابر و شيبة بن مالك و ذكر غير ابن إسحاق فيهم : شريح بن قارظ و الله أعلم (2/48)
و مما قيل من الشعر يوم أحد قول حسان بن ثابت يذكر أصحاب اللواء من بني عبد الدار :
( منع النوم بالعشاء الهموم ... و خيال إذا تغور النجوم )
( من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم )
( لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم )
( رب حلم أضاعه عدم الما ... ل و جهل غطى عليه النعيم )
( لا تسبنني فلست بسبي ... إن سبي من الرجال الكريم )
( ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني بظهر غيب لئيم )
( ولي البأس منكم إذ رحلتم ... أسرة من بني قصي صميم )
( تسعة تحمل اللواء و طارت ... في رعاع من القنا مخزوم )
( و أقاموا حتى أتيحوا جميعا ... في مقام و كلهم مذموم )
( و أقاموا حتى أزيروا شعوبا ... و القنا في نحورهم محطوم )
( و قريش تفر منا لواذا ... أن يقيموا وخف منها الحلوم )
( لم تطق حمله العواتق منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم )
و من أبيات لعبد الله بن الزبعرى و لم يكن أسلم يومئذ :
( يا غراب البين أسمعت فقل ... إنما تنطق شيئا قد فعل )
( كل عيش و نعيم زائل ... و بنات الدهر يلعبن بكل )
( أبلغن حسان عنا آية ... فقريض الشعر يشفي ذا الغلل )
( كم قتلنا من كريم سيد ... ماجد الجدين مقدام بطل )
( صادق النجدة قرم بارع ... غير ملتاث لدى وقع الأسل )
( حين حلت بقباء بركها ... و استحر القتل في عبد الأشل )
( ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل )
( فقتلنا الضعف من أشرافهم ... و عدلنا ميل بدر فاعتدل )
و قال حسان يبكي حمزة في أبيات رضي الله عنهما :
( أتعرف الدار عفا رسمها ... بعدك صوب المسبل الهاطل )
( ساءلتها عن ذاك فاستعجمت ... لم تدر ما مرجوعة السائل ؟ )
( دع عنك دارا قد عفا رسمها ... وابك على حمزة ذي النائل )
( المالىء الشيزى إذا أعصفت ... غبراء في ذي الشبم الماحل )
( و التارك القرن لدى لبدة ... يعثر في ذي الخرص الذابل )
( و اللابس الخيل إذا أحجمت ... كالليث في غابته الباسل )
( أبيض في الذروة من هاشم ... لم يمر دون الحق بالباطل )
( مال شهيدا بين أسيافكم ... شلت يدا وحشي من قاتل )
( أي امرىء غادر في ألة ... مطرورة مارنة العامل )
( أظلمت الأرض لفقدانه ... واسود نور القمر الناصل )
( صلى عليه الله في جنة ... عالية مكرمة الداخل )
( كنا نرى حمزة حرزا لنا ... من كل أمر نابنا نازل )
و قال كعب بن مالك يبكي حمزة أيضا :
( طرقت همومك فالرقاد مسهد ... و جزعت أن سلخ الشباب الأغيد )
( و دعت فؤادك للهواى ضمرية ... فهواك غوري و صحيك منجد )
( فدع التمادي في الغواية سادرا ... قد كنت في طلب الغواية تفند )
( و لقد أنى لك أن تناهى طائعا ... أو تستفيق إذا نهاك المرشد )
( و لقد هددت لفقد حمزة هدة ... ظلت بنات الجوف منها ترعد )
( و لو أنها فجعت حراء بمثله ... لرأيت رأسي صخرها يتهدد )
( قرم تمكن في ذؤابة هاشم ... حيث النبوة و الندى و السؤدد )
( و العاقر الكوم الجلاد إذا غدت ... ريح يكاد الماء منها يجمد )
( و التارك القرن الكمي مجدلا ... يوم الكريهة و القنا يتقصد )
( و تراه يرفل في الحديد كأنه ... ذو لبدة شئن البراثن أربد )
( عم النبي محمد و صفيه ... و رد الحمام فطاب ذاك المورد )
( و أتى المنية معلما في أسرة ... نصروا النبي و منهم المستشهد )
( و لقد إخال بذاك هندا بشرت ... لتميت داخل غصة لا تبرد )
( مما صبحنا بالعقنقل قومها ... يوما تغيب فيه عنها الأسعد )
( و ببئر بدر إذ يرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا و محمد )
( حتى رأيت لدى النبي سراتهم ... قسمين : نقتل من نشاء و نطرد )
( فأقام بالعطن المعطن منهم ... سبعون : عتبة منهم و الأسود )
( و ابن المغيرة قد ضربنا ضربة ... فوق الوريد لها رشاش مزيد )
( و أمية الجمحي قوم ميله ... عضب بأيدي المؤمنين مهند )
( فأتاك فل المشركين كأنهم ... و الخيل تثفنهم نعام شرد )
( شتان من هو في جهنم ثاويا ... أبدا و من هو في الجنان مخلد )
و قال كعب يذكر يوم أحد أنشده ابن هشام :
( سائل قريشا غداة السفح من أحد ... ماذا لقينا و ما لاقوا من الهرب )
( كنا الأسود و كانوا النمر إذ زحفوا ... ما إن نراقب من إل و لا نسب )
( فكم تركنا بها من سيد بطل ... حامي الذمار كريم الجد و الحسب )
( فينا الرسول شهاب ثم يتبعه ... نور مضيء له فضل على الشهب )
( الحق منطقه و العدل سيرته ... فمن يجبه إليه ينج من تبب )
( نجد المقدم ماضي الهم معتزم ... حين القلوب على رجف من الرعب )
( يمضي و يذمرنا من غير معصية ... كأنه البدر لم يطبع على الكذب )
( بدا لنا فاتبعناه نصدقه ... و كذبوه فكنا أسعد العرب )
( جالوا و جلنا فما فاؤوا و لا رجعوا ... و نحن نتبعهم لم نأل في الطلب )
( لسنا سواء و شتى بين أمرهما ... حزب الإله و أهل الشرك و النصب )
و قال ضرار بن الخطاب الفهري يذكر يوم أحد من أبيات :
( ما بال عينك قد أزرى بها السهد ... كأنما جال في أجفانها الرمد )
( أمن فراق حبيب كنت تألفه ... قد حال من دونه الأعداء و البعد )
( أم ذاك من شعب قوم لا جداء بهم ... إذا الحروب تلظت نارها تقد )
( ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا ... و ما لهم من لؤي ـ و يحهم ـ عضد )
( و قد نشدناهم بالله قاطبة ... فما تردهم الأرحام و النشد )
( حتى إذا ما أبو إلا محاربة ... و استحصدت بيننا الأضغان و الحقد )
( سرنا إليهم بجيش في جوانبه ... قواضب البيض و المحبوكة السرد )
( فأبرز الحين قوما من منازلهم ... فكان منا و منهم ملتقى أحد )
( و قد تركنا هم للطير ملحمة ... و للضباع إلى أجسادهم تفد )
و قالت نعم امرأة شماس بن عثمان تبكي شماسا و كان أصيب يوم أحد رحمه الله و رضي عنه :
( يا عين جودي بفيض غير إبساس ... على كريم من الفتيان لباس )
( صعب البديهة ميمون نقيبته ... حمال ألوية ركاب أفراس )
( أقول لما أتى الناعي له جزعا ... أودى الجواد و أودى المطعم الكاسي )
( وقلت لما خلت منه مجالسه ... لا يبعد الله منا قرب شماس )
فأجابها أخوها يعزيها :
( اقني حياءك في عز و في كرم ... فإنما كان شماس من الناس )
( لا تقتلي النفس إذ حانت منيته ... في طاعة الله يوم الروع و الباس )
( قد كان حمزة ليث الله فاصطبري ... فذاق يومئذ من كاس شماس )
و ذكر أبو عمر البيتين الأول و الأخير من هذه الأبيات الثلاثة و نسبها لحسان يعزي أخت شماس فيه و هو شماس بن الشرير بن هرمي بن عامر بن مخزوم كذا نسبه ابن الكلبي وزاد فيه أبو عمر سويدا بين الشرير و هرمي و ليس بشيء
[ و شماس لقب و اسمه عثمان بن عثمان قتل يوم أحد ابن أربع و ثلاثين سنة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يرمي ببصره يمينا و لا شمالا يومئذ إلا رأى شماسا في ذلك الوجه يذب بسيفه عنه حتى غشي رسول الله صلى الله عليه و سلم القوم فترس بنفسه دونه حتى قتل فحمل إلى المدينة و به رمق فأدخل على عائشة فقالت أم سلمة : ابن عمي يدخل على غيري ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : احملوه إلى أم سلمة فحمل إليها فمات عندها فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يرد إلى أحد فيدفن هناك كما في ثيابه التي مات فيها بعد أن مكث يوماو ليلة إلا أنه لم يأكل و لم يشرب و لم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يغسله ]
و كان خارجة بن زيد بن أبي زهير قد أخذته الرماح يوم أحد فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية فعرفه فأجهز عليه و مثل به و قال : هذا ممن أغرى بأبي يوم بدر ـ يعني أباه أمية بن خلف ـ و قد ذكر بعضهم خارجة فيمن قتل أمية و لما قتل صفوان بن أمية من قتل يوم أحد قال : الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت ابن قوقل و ابن أبي زهير و أوس بن أرقم (2/49)
قال السهيلي : في قول حسان ( وجهل غطى عليه النعيم ) رواية يونس بن حبيب غطا مخففة الطاء و معناه عنده : علا عليه النعيم
و قوله ( لم تطق حمله العواتق منهم ) يريد بذلك أنه عندما قتل صواب مولى بني عبد الدار و كان عاشر مقتول تحت لوائهم سقط فرفعته امرأة منهم هي عمرة بنت علقمة كما ذكرناه من قبل ثم طرحته
و في شعر ابن الزبعرى عبد الأشهل يريد عبد الأشهل
و الشيزي : خشب تعمل منه القصعة و قيل : القصعة من خشب الجوز
الخرص : الرمح القصير و جمعه خرصان
و مراه : جحده
و الألة : الحربة
و سنان طرير : ذو هيئة حسنة
و مارنة : لينة عامل الرمح : صدره و الناصل : الخارج
و الكوم : جمع كوماء وهي الطويلة السنام
و الجلاد : أدسم الإبل لبنا
و قال ابن القوطية : ثفن الرجل ثفنا : ضربه و ثفن الكتيبة : طردها
ذمرته : لمته و حضضته (2/55)
روينا عن ابن إسحاق : قال : [ حدثني إسماعيل بن أمية عن ابن الزبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة و تأكل من ثمارها و تأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم و مشربهم و حسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد و لا ينكلوا عند الحرب ] فقال الله تبارك و تعالى : فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله عز و جل على نبيه هذه الآيات { و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } الآيات [ آل عمران : 169 ـ 175 ]
و ذكر ابن إسحاق ها هنا : [ حدثني الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يأتيهم فيها رزقهم بكرة و عيشا ] قرأته على السيدة مؤنسة خاتون بنت السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحم الله سلفها أخبرتك الشيخة أم هانىء عفيفة بنت أحمد بن عبد الله كتابة عن أبي طاهر عبد الواحد بن محمد بن الصباغ أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أبو علي بن الصواف حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق فذكره (2/56)
و هي صبيحة يوم الأحد عند ابن إسحاق لست عشرة مضت من شوال و عند ابن سعد : لثمان خلون من شوال من صبيحة أحد و الخلاف عندهم في أحد كما سبق
قال ابن إسحاق : [ و أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس بطلب العدو و أذن مؤذنه أن لا يخرج معنا إلا أحد حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أبي كان خلفني في أخوات لي سبع و قال : يا بني إنه لا ينبغي لي و لا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن و لست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فتخلفت على أخواتك فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج معه و إنما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم مرهبا للعدو و ليبلغهم أنه خرج في طلبه ليظنوا به قوة و أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم
فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد ـ و هي من المدينة على ثمانية أميال ـ و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام فأقام بها الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء ثم رجع إلى المدينة ]
و قد مر به ـ كما حدثني عبد الله بن أبي بكر ـ معبد بن أبي معبد الخزاعي و كانت خزاعة مسلمهم و مشركهم عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه و سلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها و معبد يومئذ مشرك فقال : يا محمد أما و الله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك و لوددنا أن الله قد عافاك فيهم و كان معبد قد رأى خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمين إلى حمراء و لقي أبا سفيان و كفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبهم ففت ذلك في أعضاد قريش و قد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صلى الله عليه و سلم فتمادوا إلى مكة
[ و ظفر رسول الله صلى الله عليه و سلم في مخرجه ذلك بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بضرب عنقه صبرا و هو والد عائشة أم عبد الملك بن مروان ]
[ و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال و هو بحمراء الأسد حين بلغه أنهم هموا بالرجعة : و الذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب ]
قال ابن هشام : يقال إن زيد بن حارثة و عمار بن ياسر قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمنه على أنه إن و جد بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث و توارى فبعثهما النبي صلى الله عليه و سلم و قال إنكما ستجدانه بموضع كذا و كذا فواجداه فقتلاه
و قال ابن سعد : [ و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بلوائه و هو معقود لم يحل فدفعه إلى علي بن أبي طالب و يقال : إلى أبي بكر الصديق و خرج و هو مجروح في وجهه و مشجوج في جبهته و رباعيته قد شظيت و شفته السفلى قد كلمت في باطنها و هو متوهن منكبه ـ يعني الأيمن ـ من ضربة ابن قمئة و ركبتاه مجحوشتان و حشد أهل العوالي و نزلوا حيث أتاهم الصريخ و ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرسه و خرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد قال : و للقوم زجل و هم يأتمرون بالرجوع و صفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فقتلوهما و مضوا و مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد و كان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد و ذهب صوت معسكرهم و نيرانهم في كل وجه فكبت الله تبارك و تعالى بذلك عدوهم ]
و كان دليله صلى الله عليه و سلم إلى حمراء الأسد ثابت بن الضحاك بن ثعلبة من الخزرج و ليس بأخي أبي جبيرة بن الضحاك ذاك أوسي من بني عبد الأشهل و له حديث في النهي عن المزارعة رواه مسلم و من الناس من يجعل ذلك الحديث لثابت هذا و ليس بشيء (2/57)
روينا عن ابن سعد قال : ثم سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن و هو جبل بناحية قيد ـ ماء لبني أسد بن خزيمة ـ في هلال المحرم على رأس خمسة و ثلاثين شهرا و ذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن طليحة و سلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما و من أطاعهما يدعونهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم [ فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا سلمة و عقد له لواء و بعث معه مائة و خمسين رجلا من المهاجرين و الأنصار و قال : سر حتى تنزل أرض بني أسد فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم فخرج فأغذ السير و نكب عن سنن الطريق و سبق الأخبار و انتهى إلى أدنى قطن فأغار على سرح لهم فضمه و أخذ رعاء لهم مماليك ثلاثة و أفلت سائرهم فجاؤوا جميعهم فحذروهم فتفرقوا في كل ناحية ففرق أبو سلمة أصحابه ثلاث فرق في طلب النعم و الشاء فآبوا إليه سالمين قد أصابوا إبلا و شاء و لم يلقوا أحدا فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة ] (2/59)
قال ابن سعد : ثم سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي بعرنة خرج من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني ـ و كان ينزل عرنة و ما والاها ـ في ناس من قومه قد جمع الجموع لرسول الله صلى الله عليه و سلم [ فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أنيس ليقتله فقال : صفه لي يا رسول الله فقال : إذا رأيته هبته و فرقت منه و ذكرت الشيطان قال : و كنت لا أهاب الرجال فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أقوم فأذن لي فأخذت سيفي و خرجت أعتزي إلى خزاعة حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي و وراءه الأحابيش و من ضوى إليه فعرفته بنعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هبته فرأيتني أقطر عرقا فقلت صدق الله و رسوله صلى الله عليه و سلم فقال : من الرجل ؟ فقلت : رجل من بني خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك قال : أجل إني لأجمع له فمشيت معه ساعة و حدثته فاستحلى حديثي حتى انتهى إلى خبائه و تفرق عنه أصحابه قال لي : يا أخا خزاعة ! هلم فجئته : فقال لي : اجلس فجلست حتى إذا هدأ الناس و ناموا اغتررته فقتلته و أخذت رأسه ثم دخلت غارا في الجبل و ضربت العنكبوت علي و جاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين ثم خرجت فكنت أسير الليل و أتوارى بالنهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد فلما راني قال : أفلح الوجه قلت : أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه و أخبرته خبري فدفع إلي عصا فقال تخصر بهذه في الجنة فكانت عنده فلما حضرته الوفاة أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه ففعلوا و كانت غيبته ثماني عشرة ليلة و قدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم ]
و قال ابن عقبة : جعلوها في كفنه بين جلده و ثيابه
و قال موسى بن عقبة أيضا : فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبر بموته قبل قدوم عبد الله بن أنيس
قال ابن هشام : و قال عبد الله بن أنيس في ذلك :
( تركت ابن ثور كالحوار و حوله ... نوائح تفري كل جيب مقدد )
( تناولته و الظعن خلفي و خلفه ... بأبيض من ماء الحديد مهند )
( أقول له و السيف يعجم رأسه ... أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد )
( و قلت له خذها بضربة ماجد ... حنيف على دين النبي محمد )
( و كنت إذا هم النبي بكافر ... سبقت إليه باللسان و باليد )
و قوله : يعجم رأسه : من قولهم فلان يعجم التمرة : أي يلوكها و يعضها
و القعدد : الجبان
قال ابن عقبة : و لا ندري من أين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن أنيس إلى ابن نبيح أمن المدينة أم من غيرها ؟ (2/59)
و كان في صفر على رأس ستة و ثلاثين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ابن سعد
روينا من طريق البخاري قال : حدثني موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب أخبرني عمرو بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة و كان من أصحاب أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة عينا و أمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان و مكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا : تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما حس بهم عاصم و أصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا فأعطوا بأيديكم و لكم العهد و الميثاق أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم بن ثابت : أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ثم قال : اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه و سلم فرموه بالنبل فقتلوا عاصما و نزل إليهم ثلاثة نفر على العهد و الميثاق منهم خبيب و زيد بن الدثنة و رجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث : هذا أول الغدر و الله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة ـ يريد القتلى ـ فجرروه و عالجوه فأبى أن يصحبهم فانطلق بخبيب و زيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا و كان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه و الموسى بيده قالت : ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك قالت : و الله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب و الله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده و إنه لموثق بالحديد و ما بمكة من ثمرة و كانت تقول : إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب : دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين فقال : و الله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا و اقتلهم بددا و لا تبق منهم أحدا ثم أنشا يقول :
( فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي )
( و ذلك في ذات الإله و إن يشا ... يبارك على أوصال شلو ممزع )
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله و كان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم و بعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف ـ و كان قتل عظيما من عظمائهم ـ فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا ـ كذا روينا في هذا الخبر من طريق البخاري في جامعه و فيه أن خبيبا هذا قتل الحارث بن عامر يوم بدر و ليس ذلك عندهم بمعروف و إنما الذي قتل الحارث بن عامر خبيب بن إساف بن عنبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج و خبيب بن عدي لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازي
و روينا عن ابن إسحاق قال : و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد أحد رهط من عضل و القارة فقالوا : يا رسول الله إن إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين و يقرئوننا القرآن و يعلموننا شرائع الإسلام فبعث معهم نفرا ستة من أصحابه و هم : مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب و خالد بن البكير الليثي حليف بني عدي بن كعب و عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بني عمرو بن عوف و خبيب بن عدي أخو بني جحجبا بن كلفة بن عمرو بن عوف و زيد بن الدثنة أخو بني بياضة و عبد الله بن طارق حليف بني ظفر و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع ـ ماء لهذيل ـ غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم و هم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم : إنا و الله لا نريد قتلكم و لكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة و لكم عهد الله و ميثاقه أن لا نقتلكم فأبوا فأما مرثد و خالد و عاصم فقالوا : و الله لا نقبل من مشرك عهدا و قاتلوا حتى قتلوا فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد و كانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن فيه الخمر
قال أبو جعفر الطبري : و جعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة
رجع إلى خبر ابن إسحاق : فمنعه الدبر فلما حالت بينهم و بينه قالوا دعوه حتى يمسي فنأخذه فبعث الله الوادي فاحتمل عاصما فذهب به و قد كان عاصم أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك و لا يمس مشركا أبدا
و أما زيد بن الدثنة و خبيب و ابن طارق فلانوا و رقوا و رغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه و استأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بالظهران رحمه الله
و أما خبيب و زيد فقدموا بهما مكة فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب التميمي حليف بني نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه و أما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه فأخرجه مع مولى له يقال له نسطاس إلى التنعيم خارج الحرم ليقتله و اجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه و أنك في أهلك ؟ فقال : و الله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه و أني لجالس في أهلي قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس يC
و رأيت في كتاب ذيل المذيل لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري لحسان بن ثابت يرثي أصحاب الرجيع الستة :
( ألا ليتني فيها شهدت ابن طارق ... و زيدا و ما تغني الأماني و مرثدا )
( و دافعت عن حبي خبيب و عاصم ... وكان شفاء لو تداركت خالدا )
و ذكر ابن سعد أن البعث كانوا عشرة وذكر الستة الذين ذكرناهم وزاد : و معتب بن عبيد و هو أخو عبد الله بن طارق لأمه و لم يذكر الباقين
و ذكر ابن عقبة أيضا معتب بن عبيد فيهم و ذكر أن الذي قيل له : أتحب أن محمدا مكانك ؟ هو خبيب بن عدي حين رفع على الخشبة فقال : لا و الله فضحكوا منه
قال : و قال خبيب : اللهم إني لا أجد إلى رسولك رسولا غيرك فأبلغه مني السلام و زعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال و هو جالس في ذلك اليوم الذي قتلا فيه : و عليكما ـ أو عليك ـ السلام خبيب قتلته قريش و لا يدرون أذكر زيد بن الدثنة معه أم لا ؟
و زعموا أنهم رموا زيد بن الدثنة بالنبل و أرادوا فتنته فلم يزدد إلا إيمانا و تثبيتا و زعموا أن عمرو بن أمية الضمري دفن خبيبا قال أبو عمر : و روى عمرو بن أمية الضمري قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خبيب بن عدي لأنزله من الخشبة فصعدت خشبته ليلا فقطعت عنه و ألقيته فسمعت وجبة خلفي فالتفت فلم أر شيئا
و قال ابن عقبة : و اشترك في ابتياع خبيب ـ كما زعموا ـ أبو إهاب بن عزيز و عكرمة بن أبي جهل و الأخنس بن شريق و عبيدة بن حكيم بن الأوقص و أمية بن أبي عتبة و بنو الحضرمي و صفوان بن أمية بن خلف و هم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر و دفعوه إلى عقبة بن الحارث فسجنه في داره الحديث
و كان فيما أنزل الله تعالى في المناقين الذين كانوا يلمزونهم و فيهم من القرآن : { و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } إلى إن ذكرهم فقال : { و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله } [ البقرة : 204 ـ 207 ] الآيات
و مما قاله حسان يهجو هذيلا :
( لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك ... أحاديث كانت في خبيب و عاصم )
( أحاديث لحيان صلوا بقبيحها ... و لحيان ركابون شر الجرائم )
( هم غدروا يوم الرجيع و أسلمت ... أمانتهم ذا عفة و مكارم )
( قبيلة ليس الوفاء بهمهم ... و إن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم )
( إذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم ... بمجرى مسيل الماء بين المخارم )
( محلهم دار البوار و رأيهم ... إذا نابهم أمر كرأي البهائم )
الدبر : ذكر النحل (2/62)
و كانت في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد عند ابن إسحاق قال : و كان من حديثهم كما [ حدثني أبي : إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم و غيره من أهل العلم قالوا : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض عليه الإسلام و دعاه إليه فلم يسلم و لم يبعد عن الإسلام و قال : يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إني أخشى أهل نجد عليهم قال أبو براء : أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك
فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين ـ و عن غير ابن إسحاق : في سبعين ـ رجلا من أصحابه من خيار المسلمين فساروا حتى نزلوا بئر معونة و هي أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب و هي إلى حرة بني سليم أقرب فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه و قالوا : لن نخفر أبا براء و قد عقدلهم عقدا و جوارا فاستصرخ عليهم عصية و رعلا فأجابوه إلى ذلك ثم خرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم رحمهم الله إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار فإنهم تركوه و به رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله و كان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري و رجل آخر من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف قال ابن هشام : هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ]
قال ابن إسحاق : فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا : و الله إن لهذه الطير لشأنا فأقبلا ينظران فإذا القوم في دمائهم و إذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية : ماذا ترى ؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فنخبره الخبر فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى رحمه الله و أخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أخذه عامر بن الطفيل و جز ناصيته و أعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه فكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه و سلم و جوار لم يعلم به عمرو بن أمية و قد سألهما حين نزلا : ممن أنتما ؟ فقالا : من بني عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما و هو يرى أن قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد قتلت قتيلين لأدينهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفاء عامر إياه و ما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بسببه ]
و قال حسان بن ثابت يحرض بني أبي براء على عامر بن الطفيل :
( بني أم البنين ألم يرعكم ... و أنتم من ذوائب أهل نجد )
( تهكم عامر بأبي براء ... ليخفره و ما خطأ كعمد )
( ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي ... فما أحدثت في الحدثان بعدي )
( أبوك أبو الحروب أبو براء ... و خالك ماجد حكم بن سعد )
أم البنين : هي أم براء من بني عامر بن صعصعة
فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه و وقع عن فرسه فقال هذا عمل أبي براء إن أنا مت فدمي لعمي فلا يتبعن به و إن أعش فسأرى رأيي
قال أبو عمر : ذكر عبد الرزاق : عن معمر عن ثمامة بن عبد الله بن أنيس عن أنس بن مالك أن حرام بن ملحان هو خال أنس طعن يوم بئر معونة في رأسه فتلقى دمه بكفه ثم نضحه على رأسه و وجهه و قال : فزت و رب الكعبة و قيل : إن حرام بن ملحان ارتث يوم بئر معونة فقال الضحاك بن سفيان الكلابي ـ و كان مسلما يكتم إسلامه ـ لامرأة من قومه : هل لك في رجل إن صح كان نعم المراعي ؟ فضمته إليها فعالجته فسمعته يقول :
( أتت عامر ترجو الهوادة بيننا ... و هل عامر إلا عدو مداجن )
( إذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة ... بأسيافنا في عامر أو نطاعن )
( فلا ترجونا أن تقاتل بعدنا ... عشائرنا و المقربات الصوافن )
فوثبوا عليه فقتلوه و الأول أصح
و قتل يومئذ عامر بن فهيرة قتله عامر بن الطفيل و من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما قدم عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء و الأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع ؟ [ فقال له : هو عامر بن فهيرة ]
و روى ابن المبارك : عن يونس عن ابن شهاب قال : زعم عروة بن الزبير أن عامر بن فهيرة قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا يرون أن الملائكة دفنته رحمه الله و الله أعلم بالصواب
و ممن استشهد يوم بئر معونة عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق و هو ابن أربعين سنة قديم الإسلام أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم بن أبي الأرقم
و الحكم بن كيسان مولى بني مخزوم و المنذر بن محمد بن أحيحة بن الجلاح و أبو عبيدة بن عمرو بن محصن و الحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول و أبي بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار و أخوه أنس و ابن إسحاق و ابن عقبة يسميانه أوسا و الواقدي يقول : إن أنسا هذا مات في خلافة عثمان
و أبو شيخ بن أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار و اسم ملحان : مالك و هما أخوا أم سليم أم أنس بن مالك و أخوا أم حرام امرأة عبادة بن الصامت و مالك و سفيان ابنا ثابت من الأنصار من بني النبيت و ذلك مما انفرد به محمد بن عمر الواقدي لم يوجد ذكر مالك و سفيان في شهداء بئر معونة عن غير محمد بن عمر
و عروة بن أسماء بن الصلت من بني عمرو بن عوف من حلفائهم و قطبة بن عبد عمرو بن مسعود بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار و المنذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة و هو أميرهم
و معاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق و أخوه عائذ و غير الواقدي يقول : جرح معاذ ببدر و مات منه بالمدينة و قيل في عائذ : مات باليمامة
و مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق عند الواقدي و أما ابن القداح فقال : مات بخيبر
و خالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر و قيل : بال قتل خالد بن ثابت بمؤتة
و سفيان بن حاطب بن أمية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر و سعد بن عمرو بن ثقف و اسمه كعب بن مالك بن مبذول و ابنه الطفيل و ابن أخيه سهل بن عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف و عبد الله بن قيس بن صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك بن عدي بن النجار و نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي و فيه يقول عبد الله بن رواحة يرثيه :
( رحم الله نافع بن بديل ... رحمة المبتغي ثواب الجهاد )
( صابرا صادق اللقاء إذا ما ... أكثر القوم قال قول السداد )
ذكر هؤلاء المستشهدين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه ذيل المذيل من رواية ابن عبد البر عن أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور عن أبي بكر أحمد بن الفضل بن العباس الخفاف عنه و من أصل أبي عمر بن عبد البر نقلت
و عند ابن سعد : فيهم الضحاك بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار
و ذكر ابن القداح فيهم عمرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة من بني عمرو بن عوف و اسمه عند ابن إسحاق عمرو و هو عند ابن القداح عمير
و ذكر ابن الكلبي خالد بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار في شهداء بئر معونة
و ذكر أبو عمر النمري في الاستيعاب سهيل بن عامر بن سعد فيهم و أظنه سهل بن عامر الذي ذكرناه على أنه ذكر ذلك في ترجمتين إحداهما في باب سهل و الأخرى في باب سهيل
و المختلف في قتله في هذه الواقعة مختلف في حضوره فأرباب المغازي متفقون على أن الكل قتلوا إلا عمرو بن أمية الضمري و كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار فإنه جرح يوم بئر معونة و مات بالخندق
و قال ابن سعد : لما أ حيط بهم قالوا : اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام فأخبره جبريل عليه السلام بذلك فقال : و عليهم السلام و قال : فقد عمرو بن أمية عامر بن فهيرة من بين القتلى فسأل عنه عامر بن الطفيل فقال : قتله رجل من بني كلاب يقال له جبار بن سلمى فلما قتله قال : فزت و الله و رفع إلى السماء فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتل عامر بن فهيرة و رفعه [ و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الملائكة وارت جثته و أنزل في عليين ]
و روينا عن ابن سعد قال : [ أخبرنا الفضل بن دكين حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم قال : سمعت أنس بن مالك قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة ]
و روينا من طريق مسلم قال : [ حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا يدعو على رعل و لحيان و عصية عصت الله و رسوله قال أنس : أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد : أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا و رضينا عنه ]
كذا وقع في هذه الروية و هو يوهم أن بني لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة و ليس كذلك و إنما أصاب هؤلاء رعل و ذاكوان و عصية و من صحبهم من سليم و أما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع و إنما أتى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم كلهم في وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاء واحدا (2/67)
و هي عند ابن إسحاق في شهر ربيع الأول على رأس خمسة أشهر من وقعة أحد
و قال البخاري : قال الزهري عن عروة : كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد
قال موسى بن عقبة : كانوا قد دسوا إلى قريش في قتال رسول الله صلى الله عليه و سلم فحضوهم على القتال و دلوهم على العورة
قال ابن إسحاق و غيره : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني النضير ليستعينهم في ذينك القتيلين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عقد لهما و كان بين بني النضير و بني عامر عقد و حلف فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم يستعينهم في ديتهما قالوا : نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه اجلس حتى تطعم و ترجع بحاجتك فجلس إلى ظل جدار من جدر بيوتهم ثم خلا بعضهم ببعض و قالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ـ و رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد ـ فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال : أنا لذلك فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال و رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر و عمر و علي رضي الله عنهم
و قال ابن سعد : فقال سلام بن مشكم ـ يعني لليهود ـ لا تفعلوا و الله ليخبرن بما هممتم به و إنه لنقض العهد الذي بيننا و بينه
رجع إلى خبر ابن إسحاق : قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا إلى المدينة فلما استلبث النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا من المدينة مقبلا فسألوه فقال : رأيته داخلا إلى المدينة فأقبل أصحاب النبي حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت أرادت يهود من الغدر به
قال ابن عقبة : و نزل في ذلك { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا } الآية [ المائدة : 11 ]
رجع إلى خبر ابن إسحاق : فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتهيؤ لحربهم و السير إليهم و استعمل على المدينة أم مكتوم ـ فيما قال ابن هشام ـ قال : ثم سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال و نزل تحريم الخمر
قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون [ فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع النخيل و التحريق فيها ] فنادوه : أن محمد قد كنت تنهى عن الفساد و تعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل و تحريقها ؟
و قد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي بن سلول و وديعة بن مالك بن أبي قوقل و سويد و داعس بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا و تمنعوا فإنا لن نسلمكم إن قوتلتم قاتلنا معكم و إن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا و قذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجليهم و يكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه فيضعه على بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر و منهم من سار إلى الشام و خلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه و سلم فكانت له خاصة يصنعها حيث يشاء
و لم يسلم من بني النضير إلا رجلان : يامين بن عمير ـ أبو كعب و ابن عم عمرو بن جحاش ـ و أبو سعد بن وهب أسلما فأحرزا أموالهم بذلك و يقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ليامين : ألم تر إلى ما لقيت من ابن عمك و ما هم به من شأني فجعل يامين جعلا لمن يقتله فقتل
و نزل في أمر بني النضير سورة الحشر قال ابن عقبة : و لحق بنو أبي الحقيق بخيبر و معهم آنية كثيرة من فضة قد رآها النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه حين خرجوا بها و عمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش فاستغواهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم و استنصرهم و بين الله عز و جل لرسول الله صلى الله عليه و سلم حديث أهل النفاق و ما بينهم و بين اليهود
و فيما ذكر ابن سعد [ من الخبر عن بني النضير : أنهم حين هموا بغدر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أعلمه الله بذلك و نهض سريعا إلى المدينة بعث إليهم محمد بن مسلمة : أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها و قد هممتم بما هممتم به من الغدر و قد أجلتكم عشرا فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون و أرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر و تكاروا من ناس من أشجع إبلا فأرسل إليهم ابن أبي : لا تخرجوا من دياركم و أقيموا في حصونكم فإن معي ألفين من قومي و من العرب يدخلون حصنكم فيموتون من آخرهم و تمدكم قريظة و حلفاؤهم من غطفان فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم التكبير و كبر المسلمون لتكبيره و قال : حاربت يهود فسار إليهم النبي صلى الله عليه و سلم في أصحابه فصلى العصر بفناء بني النضير و علي يحمل رايته و استخلف على االمدينة ابن أم مكتوم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قاموا على حصونهم معهم النبل و الحجارة و اعتزلتهم قريظة فلم تعنهم و خذلهم ابن أبي و حلفاؤهم من عطفان فيئسوا من نصرهم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قطع نخلهم فقالوا : نحن نخرج عن بلادك فقال : لا أقبله اليوم و لكن اخرجوا منها و لكم دمائكم و ما حملت الإبل إلا الحلقة فنزلت يهود على ذلك و كان حاصرهم خمسة عشر يوما فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم ثم أجلاهم عن المدينة و ولي إخراجهم محمد بن مسلمة وحملوا النساء و الصبيان و تحملوا على ستمائة بعير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش فلحقوا بخيبر وحزن المنافقون عليهم حزنا شديدا و قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم الأموال و الحلقة فوجد من الحلقة خمسين درعا و خمسين بيضة و ثلاثمائة و أربعين سيفا ]
و كانت أموال بني النضير صفيا لرسول الله صلى الله عليه و سلم حبسا لنوائبه و لم يخمسها و لم يسهم منها لأحد و قد أعطى ناسا من أصحابه و وسع في الناس منها
و ذكر أبو عبد الله الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي [ عن معمر بن راشد عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت : طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة فكان في منزلي حتى توفي قالت : فكان المسلمون و المهاجرون في دورهم و أموالهم فلما غنم رسول الله صلى الله عليه و سلم بني النضير دعا ثابت بن قيس بن شماس فقال : ادع لي قومك فقال ثابت : الخزرج يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الأنصار كلها فدعا له الأوس و الخزرج فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم ذكر الأنصار و ما صنعوا بالمهاجرين و إنزالهم إياهم في منازلهم و أموالهم و أثرتهم على أنفسهم ثم قال : إن أحببتم قسمت بينكم و بين المهاجرين ما أفاء الله علي من بني النضير و كان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم و أموالكم و إن أحببتم أعطيتهم و خرجوا من دوركم فتكلم سعد بن عبادة و سعد بن معاذ فقالا : يا رسول الله بل تقسم بين المهاجرين و يكونون في دورنا كما كانوا و نادت الأنصار : رضينا و سلمنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم ارحم الأنصار و أبناء الأنصار فقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أفاء الله عليه و أعطى المهاجرين و لم يعط أحدا من الأنصار شيئا إلا رجلين كانا محتاجين : سهل بن حنيف و أبا دجانة و أعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق و كان سيفا له ذكر عندهم ]
و ذكر أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب فتوح البلدان له [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للأنصار : ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال فإن شئتم قسمت هذه و أموالكم بينكم و بينهم جميعا و إن شئتم أمسكتم أموالكم و قسمت هذه فيهم خاصة فقالوا : بل اقسم هذه فيهم و اقسم لهم من أموالنا ما شئت ] فنزلت : { و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة } [ الحشر : 9 ] قال أبو بكر رضي الله عنه : جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا فو الله ما مثلنا و مثلكم إلا كما قال الغنوي :
( جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت )
( أبوا أن يملونا و لو أن أمنا ... تلاقي الذي يلقون منا لملت )
قال : و كانت أموال بني النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه و سلم و كان يزرع تحت النخل في أرضهم فيدخر من ذلك قوت أهله و أزواجه سنة و ما فضل جعله في الكراع و السلاح
و رو ينا من طريق البخاري قال : حدثني إسحاق أخبرنا حبان حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم حرق نخل بني النضير قال : و لها يقول حسان بن ثابت :
( و هان على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير )
فأجابه أبو سفيان بن الحارث :
( أدام الله ذلك من صنيع ... و حرق في نواحيها السعير )
( ستعلم أينا منها بنزه ... و تعلم أي أرضينا تضير )
هذه رواية البخاري
و قال أبو عمر الشيباني و غيره : إن أبا سفيان بن الحارث :
( لعز على سراة بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير )
و يروى بالبويلة
و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى الزبير بن العوام و أبا سلمة البويلة من أرضهم فأجابه حسان :
( أدام الله ذلكم حريقا ... و ضرم في طوائفها السعير )
( هم أتوا الكتاب فضيعوه ... فهم عمي عن التوراة بور )
هذه أشبه بالصواب من الرواية الأولى (2/73)
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع
و قال الوقشي : الصواب شهري ربيع و بعض جمادى
ثم غزا نجدا يريد بني محارب و بني ثعلبة من غطفان و استعمل على المدينة أبا ذر الغفاري و يقال عثمان بن عفان ـ فيما قال ابن هشام ـ و قال : حتى نزل نخلا و هي غزوة ذات الرقاع و سميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم و يقال : ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع و قيل : لأن أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق و قيل : بل الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع
قال ابن إسحاق : فلقي بها جمعا من غطفان فتقارب الناس و لم يكن بينهم حرب و قد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس
قال ابن سعد : و كان ذلك أول ما صلاها
و بين الرواة خلف في صلاة الخوف ليس هذا موضعه
رجع إلى الأول : قال ابن إسحاق : [ حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر بن عبد الله أن رجلا من بني محارب يقال له غورث قال لقومه من غطفان و محارب : ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا : بلى و كيف تقتله ؟ قال : أفتك به قال : فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس و سيفه في حجره فقال : يا محمد ! أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال : نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه و يهم فيكبته الله ثم قال : يا محمد أما تخافني ؟ قال : لا و ما أخاف منك قال : و في يدي السيف ؟ قال : لا بل يمنعني الله منك قال : ثم عمد إلى سيف رسول الله صلى الله عليه و سلم فرده عليه فأنزل الله تبارك و تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية [ المائدة : 11 ] ]
و قد [ رواه من حديث جابر أيضا أبو عوانة و فيه : فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من يمنعك مني ؟ قال : كن خير آخذ قال : تشهد أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ؟ قال الأعرابي : أعاهدك أني لا أقاتلك و لا أكون مع قوم يقاتلونك
قال : فخلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سبيله فجاء إلى قومه فقال : جئتكم من عند خير الناس ]
قلت : [ و قد تقدم في غزوة ذي أمر خبر لرجل يقال له دعثور بن الحارث من بني محارب يشبه هذا الخبر قام على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسيف فقال : من يمنعك مني اليوم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله و دفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : من يمنعك مني ؟ قال : لا أحد أشهد أإن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى لإسلام و نزلت { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم } [ المائدة : 11 ] ] و الظاهر أن الخبرين واحد و قد قيل : إن هذه الآية نزلت في أمر بني النضير كما سبق فالله أعلم
و في انصرافه عليه الصلاة و السلام من هذه الغزوة أبطأ جمل جابر بن عبد الله به فنخسه النبي صلى الله عليه و سلم فانطلق متقدما بين يدي الركاب ثم قال : أتبيعنيه ؟ فابتاعه منه و قال له : لك ظهره إلى المدينة فلما وصل إلى المدينة أعطاه الثمن و وهب له الجمل
و قال ابن سعد : قالوا : قدم قادم المدينة بجلب له فأخبره أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن أنمار و ثعلبة قد جمعوا لهم الجموع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربعمائة من أصحابه و يقال سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع فلم يجد في محالهم إلا نسوة و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جعال بن سراقة بشيرا بسلامته و سلامة المسلمين قال : و غاب خمس عشرة ليلة
و روينا في صحيح البخاري من حديث أبي موسى أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع و جعل حديث أبي موسى هذا حجة في أن غزوة ذات الرقاع متأخرة عن خيبر و ذلك أن أبا موسى إنما قدم مع أصحاب السفينتين بعد هذا بثلاث سنين و المشهور في تاريخ غزوة ذات الرقاع ما قدمناه و ليس في خبر أبي موسى ما يدل على شيء من ذلك
و غورث : مقيد بالغين معجمة و مهملة و هو عند بعضهم مصغر بالعين المهملة (2/79)
قال ابن إسحاق : و لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله
قال ابن هشام : و استعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول الأنصاري
قال ابن إسحاق : فأقام عليه ثمان ليال ينتظر أبا سفيان و خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران و بعض الناس يقول قد بلغ عسفان ثم بدا له في الرجوع فقال : يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر و تشربو نفيه اللبن و إن عامكم هذا عام جدب و إني راجع فارجعوا فرجع الناس و سماهم أهل مكة جيش السويق يقولون : إنما خرجتم تشربون السويق [ و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشي بن عمرو الضمري و هو الذي كان وداعه على بني ضمرة في غزوة ودان فقال : يا محمد أجئت لميعاد قريش على هذا الماء ؟ قال : نعم يا أخا بني ضمرة و إن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا و بينك ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا و بينك قال : لا و الله يا محمد ما لنا بذلك منك حاجة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ]
و روى الحاكم في الإكليل عن الواقدي قال : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد خرج في هذه الغزوة في ألف و خمسمائة من أصحابه و كانت الخيل عشرة أفراس فرس لرسول الله صلى الله عليه و سلم و فرس لأبي بكر و فرس لعمر و فرس لأبي قتادة و فرس لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و فرس للمقداد و فرس للحباب و فرس للزبير و فرس لعباد بن بشر و ذكر عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم استخلف على المدينة عبد الله بن رواحة (2/82)
و دومة بضم الدال و فتحها سميت بدومة بن إسماعيل لأنه نزلهل
ثم غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم دومة الجندل قال ابن هشام : في شهر ربيع الأول و استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يصل إليها و لم يلق كيدا فأقام بالمدينة بقية سنته
و قال ابن سعد : قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن بدومة الجندل جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم و أنهم يريدون أن يدنوا من المدينة و هي طرف من أفواه الشام بينها و بين دمشق خمس ليال و بينها و بين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و خرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان يسير الليل و يكمن النهار و معه دليل له من بني عذرة يقال له مذكور فلما دنا منهم إذا هم مغربون و إذا آثار النعم و الشاء فهجم على ماشيتهم و رعاتهم فأصاب من أصاب و هرب من هرب في كل وجه
و جاء الخبر أهل دومة فتفرقوا و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا فأقام بها أياما و بث السرايا و فرقها فرجعت و لم تصب منهم أحدا و أخذ منهم رجل فسأله رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم فقال : هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه الإسلام فأسلم و رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة لعشر ليال بقين من شهر ربيع الآخر
و في هذه الغزوة وداع رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن حصن أن يرعى بتعلمين و ما والاها إلى المراض ابن هشام و كانت بلاده قد أجدبت (2/83)
و قال ابن إسحاق : ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس
و قال ابن سعد : في ذي القعدة
فحدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير و من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك و محمد بن كعب القرظي و الزهري و عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر و غيرهم من علمائنا كل قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق و بعضهم يحدث ما لا يحدث بعض قالوا : إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من يهود منهم سلام بن مشكم و ابن أبي الحقيق و حيي بن أخطب و كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضريون و هوذة بن قيس و أبو عمار الوائلي في نفر من النضير و من بني وائل وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه و سلم خرجوا حتى قدموا على قريش مكة يدعونهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش : يا معشر يهود ! إنكم أهل الكتاب الأول و العلم بما أصبحنا نختلف فيه أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه و أنتم أولى بالحق منه فأنزل الله فيهم : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت } الآية إلى قوله : { و كفى بجهنم سعيرا } [ النساء : 51 ـ 55 ] فلما قالوا ذلك لقريش سرهم و نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فاجتمعوا لذلك و اتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه و أن قريشا قد تابعوهم على ذلك و اجتمعوا معهم فيه
فخرجت قريش و قائدها أبو سفيان بن حرب و خرجت غطفان و قائدها عينية بن حصن في بني فزارة و الحارث بن عوف المري في بني مرة و مسعود بن رخيلة فيمن تابعه من أشجع
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و بما أجمعوا له من الأمر ضرب على المدينة الخندق فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ترغيبا للمسلمين في الأجر و عمل معه المسلمون فيه فدأب و دأبوا و أبطأ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين و جعلوا يورون بالضعف من العمل و يتسللون إليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا إذن و جعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم و يستأذنه في اللحوق بها فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير و احتسابا به
قرأت على السيدة الأصيلة مؤنسة خاتون ابنة المولى السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحم الله سلفها [ أخبرتك الشيخة الأصيلة أم هانيء عفيفة بنت أحمد بن عبد الله الفارقانية إجازة قالت : أخبرنا أبو طاهر عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن الصباغ أخبرنا أبو نعيم أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا أبو جعفر محمد بن نصر الصايغ حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : بعثني خالي عثمان بن مظعون لآتيه بلحاف النبي صلى الله عليه و سلم فاستأذنته و هو بالخندق فأذن لي و قال لي : من لقيت منهم فقل لهم : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن ترجعوا قال : و كان ذلك في برد شديد فلقيت الناس فقلت لهم : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن ترجعوا قال : و الله ما عطف علي منهم اثنان أو واحد ]
كذا وقع في هذا الخبر : عثمان بن مظعون و عثمان بن مظعون توفي قبل هذا و إخوة عثمان : قدامة و السائب و عبد الله تأخروا و قدامة مذكور فيمن شهد الخندق و هم أخوال عبد الله بن عمر رضي الله عنهم
قال ابن إسحاق فأنزل الله عز و جل في ذلك : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله و إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه } إلى قوله : { إن الله غفور رحيم } [ النور : 62 ] ثم قال ـ يعني للمنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل و يذهبون من غير إذن { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } الآية إلى قوله : { أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السماوات و الأرض قد يعلم ما أنتم عليه } من صدق أو كذاب إلى قوله ـ { و الله بكل شيء عليم } [ النور : 63 ـ 64 ]
و قال ابن سعد : و تجهزت قريش و جمعوا أحابيشهم و من تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف و عقدوا اللواء في دار الندوة و حمله عثمان بن طلحة و قادوا معهم ثلثمائة فرس و كان معهم ألف و خمسمائة بعير و خرجوا يقودهم أبو سفيان بن حرب و وافقتهم بنو سليم بمر الظهران و كانوا سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية و هو أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين و خرجت معهم بنو أسد يقودهم طليحة بن خويلد الأسدي و خرجت فزارة فأوعبت و هم ألف يقودهم عيينة بن حصن و خرجت أشجع و هم أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة و خرجت بنو مرة و هم أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف و خرج معهم غيرهم و قد روى الزهري أن الحارث بن عوف رجع ببني مرة فلم يشهد الخندق منهم أحد و كذلك روت بنو مرة و الأول أثبت : أنهم شهدوا الخندق مع الحارث بن عوف فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق ممن ذكر من القبائل عشرة آلاف و هم الأحزاب و كانوا ثلاثة عساكر و عناج الأمر إلى أبي سفيان
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم ندب الناس و أخبرهم عدوهم و شاروهم في أمرهم فأشار عليه سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين و عسكر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سفح سلع و كان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم ثم خندق على المدينة فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده لينشط الناس و كمل في ستة أيام
انتهى ما نقله ابن سعد
و غيره يقول : حفر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه في الخندق بضع عشرة ليلة قيل : أربعا و عشرين
و كان في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة : [ منها أن جابرا كان يحدث : أنه اشتد عليهم في بعض الخندق كدية فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ المعول و ضرب فعاد كثيبا أهيل وروي في هذا الخبر أنه عليه الصلاة و السلام دعا بماء فتفل عليه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضرها : فو الذي بعثه بالحق لا نهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا و لا مسحاة ]
و منها [ خبر الحفنة من التمر الذي جاءت به ابنة بشير بن سعد لأبيها و خالها عبد الله بن رواحة ليتغديا به فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : هاتيه فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم قال لإنسان عنده : اصرخ في أهل الخندق : أن هلم إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه و جعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه و إنه ليسقط من أطراف الثوب ]
و منها [ حديث شويهة جابر و كانت غير جد سمينة قال : صنعتها و إنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه و سلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ : أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بيت جابر بن عبد الله قال : قلت : إنا لله و إنا إليه راجعون قال : فأقبل الناس معه فجلس فأخرجناها إليه فبرك ثم سمى الله عز و جل ثم أكل و تواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا و جاء آخرون حتى صدر أهل الخندق عنها رواه البخاري و فيه : و هم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه و انحرفوا و إن برمتنا لتغط كما هي و إن عجيننا ليخبز كما هو ]
و منها : [ حديث سلمان الفارسي أنه قال : ضربت في ناحية من الخندق ابن هشام فغلظت علي و رسول الله صلى الله عليه و سلم قريب مني فلما رآني أضرب و رأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى قال : قلت : بأبي و أمي أنت يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول و أنت تضرب ؟ قال ك او قد رأيت ذلك يا سلمان ؟ قال : قلت : نعم قال : الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن و أما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام و المغرب و أما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق ]
قال ابن إسحاق : و حدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمن عمر و زمن عثمان : افتتحوا ما بدا لكم فو الذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة و لا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا و قد أعطى الله محمدا صلى الله عليه و سلم مفاتيحها قبل ذلك
[ و لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال و غطفان و من تبعهم بذنب نقمى إلى جانب أحد و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هنالك عسكره و الخندق بينه وبين القوم و أمر بالنساء و الذراري أن يجعلوا في الآطام ]
و قال ابن سعد : كان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة و لواء الأنصار بيد سعد بن عبادة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل و زيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة و يظهرون التكبير و ذلك أنه يخاف على الذراري من بني قريظة و كان عباد بن بشر على حرس رسول الله صلى الله عليه و سلم مع غيره من الأنصار يحرسونه كل ليلة كذا قال ابن سعد في هذا الموضع
و قال في باب حراس النبي صلى الله عليه و سلم : حرسه يوم بدر حين نام في العريش سعد بن معاذ و يوم أحد محمد بن مسلمة و يوم الخندق الزبير بن العوام
رجع إلى ابن سعد : و كان المشركون يتناوبون بينهم فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما و يغدو خالد بن الوليد يوما و يغدو عمرو بن العاص يوما و يغدو هبيرة بن أبي وهب يوما و يغدو عكرمة بن أبي جهل يوما و يغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما فلا يزالون يجيلون خيلهم و يتفرقون مرة و يجتمعون أخرى و يناوشون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقدمون رماتهم فيرمون
رجع إلى ابن إسحاق : [ و خرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة و عهدهم و كان قد وادع رسول الله صلى الله عليه و سلم على قومه و عاقده على ذلك فلما سمع كعب بحيي أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فناداه حيي ويحك يا كعب افتح لي قال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم و إني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني و بينه و لم أر منه إلا وفاء و صدقا قال : ويحك افتح لي أكلمك قال : ما أنا بفاعل قال و الله إن أغلقت دوني إلا تخوفا على جشيشتك أن آكل معك منها فأحفظ الرجل ففتح له فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر و ببحر طام جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة و غطفان حتى أنزلتهم بذنب لقمى إلى جانب أحد قد عاهدوني و عاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا و من معه قال له كعب : جئتني و الله بذل الدهر و بجهام قد هراق ماءه يرعد و يبرق و ليس فيه شيء ويحك يا حيي دعني و ما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا و وفاء فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة و الغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من الله و ميثاقا : لئن رجعت قريش و غطفان و لم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده و برىء مما بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر و إلى المسلمين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد بن معاذ و سعد بن عبادة و معهما ابن رواحة و خوات بن جبير فقال : انطلقوا حتى تنتظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا حتى أعرفه و لا تفتوا في أعضاد الناس و إن كانوا على الوفاء فيما بيننا و بينهم فاجهروا بذلك للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم نالوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : من رسول الله ؟ لا عهد بيننا و بين محمد و لا عقد فشاتمهم سعد بن معاذ و شاتموه و كان رجلا فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا و بينهم أربى من المشاتمة و ذكر ابن عائذ : ان الذي شاتمهم سعد بن عبادة و الذي قال له : ما بيننا و بينهم أربى من المشاتمة سعد بن معاذ
ثم أقبل السعدان و من معهما على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه ثم قالوا : عضل و القارة أي : كغدر عضل و القارة بأصحاب الرجيع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين و عظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف و أتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل الظن و نجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير : كان محمد يعدنا ان نأكل كنوز كسرى و قيصر و أحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وقيل : لم يكن متعب من المنافقين و قد شهد بدرا قاله ابن هشام ]
و قال ابن عائذ : و قال رجال ممن معه : يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا
قال ابن إسحاق : [ و قال أوس بن قيظي : يا رسول الله ! إن بيوتنا عورة من العدو و ذلك عن ملأ من رجال قومه فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى ديارنا فإنها خارج من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام عليه المشركين بضعا و عشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل و الحصار ]
و قال ابن عائذ : [ و أقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله تعالى و كبر ذلك على المشركين فأرسلو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه فرد إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه خبيث خبيث الدية فلعنه الله و لعن ديته و لا نمنعكم أن تدفنوه و لا أرب لنا في ديته ] وقيل : أعطوا في جثته عشرة آلاف
قال ابن إسحاق : [ و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كما حدثني عاصم بن عمر عن الزهري إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفراري و إلى الحارث بن عوف المري و هما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه و عن أصحابه فجرى بينه و بينهما الصلح حتى كتبوا الكتب و لم تقع الشهادة و لا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك فلما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ و سعد بن عبادة يذكر ذلك لهما و استشارهما فيه فقالا : يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال بل شيء أصنعه لكم و الله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة و كالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ! قد كنا و هؤلاء القوم على الشرك بالله و عبادة الأوثان لا نعبد الله و لا نعرفه و هم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام و هدانا له و أعزنا بك و به نعطيهم أموالنا ؟ ما لنا بهذا من حاجة و الله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا و بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأنت و ذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا
فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون و عدوهم محاصرهم و لم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود و عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب و ضرار بن الخطاب تلبسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم حتى مروا بمنازل بني كنانة فقالوا : تهيوا يا بني كنانة للحرب فستعلمون من الفرسان اليوم ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا : و الله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيلهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق و سلع و خرج علي بن أبي طالب في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم و أقبلت الفرسان تعنق نحوهم و كان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو و خيله قال من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ]
و ذكر ابن سعد في هذا الخبر : [ أن عمرا كان ابن تسعين سنة فقال علي : أنا أبارزه
فأعطاه رسول الله عليه الصلاة و السلام سيفه و عممه و قال : اللهم أعنه عليه ]
رجع إلى الأول : فقال له : يا عمرو إنك كنت عاهدت الله تعالى لا يدعونك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه قال له : أجل قال له علي : فإني أدعوك إلى الله و إلى رسوله عليه الصلاة و السلام و إلى الإسلام قال : لا حاجة لي بذلك قال له علي : فإني أدعوك إلى النزال قال له : لم يا ابن أخي ؟ فو الله ما أحب أن أقتلك قال علي : لكني و الله أحب أن أقتلك قال : فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره و ضرب وجهه ثم أقبل على علي فتناولا و تجاولا فقتله علي و خرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة و قال علي في ذلك :
( نصر الحجارة من سفاهة رأيه ... و نصرت دين محمد بضراب )
( فصددت حين تركته متجدلا ... كالجذع بين دكادك ورواب )
( و عففت عن أثوابه و لو أنني ... كنت المقطر بزني أثوابي )
( لا تحسبن الله خاذل دينه ... و نبيه يا معشر الأحزاب )
و عن ابن إسحاق من غير رواية البكائي أن عمرا لما نادى بطلب من يبارزه قام علي رضي الله عنه و هو مقنع في الحديد فقال : أنا له يا نبي الله فقال له : اجلس إنه عمرو ثم كرر عمرو النداء و جعل يؤنبهم و يقول : أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ؟ أفلا تبرزون لي رجلا فقام علي فقال : أنا يا رسول الله فقال : اجلس إنه عمرو ثم نادى الثالثة و قال :
( و لقد بححت من النداء ... بجمعكم هل من مبارز )
( و وقفت إذ جبن المشجع ... وقفة الرجل المناجز )
( و كذاك أني لم أزل ... متسرعا قبل الهزاهز )
( إن الشجاعة في الفتى ... و الجواد من خير الغرائر )
فقام علي رضي الله عنه فقال : أنا يا رسول الله فقال : إنه عمرو فقال : و إن كان عمرا فأذن له رسول الله عليه الصلاة و السلام فمشى إليه علي و هو يقول :
( لا تعجلن فقد أتا ... ك مجيب صوتك غير عاجز )
( ذو نية و بصيرة ... و الصدق منجى كل فائز )
( إني لأرجو أن أقي ... معليك نائحة الجنائز )
( من ضربة نجلاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز )
فقال عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي قال : ابن عبد مناف ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب فقال : غيرك ياابن أخي من أعمامك من هو أسن منك ابن هشام فإني أكره أن أهريق دمك فقال علي : لكني و الله ما أكره أن أهريق دمك فغضب و نزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا و يقال : إنه كان على فرسه فقال له علي : كيف أقاتلك و أنت على فرسك ؟ و لكن انزل معي فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها و أثبت فيها السيف و أصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل العاتق فسقط و ثار العجاج و سمع رسول الله عليه الصلاة و السلام التكبير فعرف أن عليا قد قتله
قال ابن هشام : و كان شعار أصحاب رسول الله عليه الصلاة و السلام يوم الخندق و يوم بني قريظة { حم لا ينصرون }
قال ابن إسحاق : و حدثني أبو ليلى عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أخو بني حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق و كان من أحصن حصون المدينة قال : و كانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن قالت : و ذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمر سعد و عليه درع له مقلصة قد خرجت منها ذراعه كلها و في يده حربته يرقد بها و يقول :
( لبث قليلا يشهد الهيجا حمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل )
فقالت له أمه : الحق بني فقد و الله أخرت قالت عائشة رضي الله عنها : فقلت لها : يا أم سعد و الله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت : و خفت عليه حيث أصاب السهم منه فرمي سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل و رماه كما حدثني عاصم : حبان بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال : خذها مني و أنا ابن العرقة فقال له سعد : عرق الله وجهك في النار
و يقال : بل الذي رماه خفاجة بن عاصم بن جبارة و قيل بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم
رجع إلى خبر ابن إسحاق : ثم قال سعد : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهد من قوم آذوا رسولك و آخرجوه و كذبوه اللهم إن كنت قد وضعت الحرب بيننا و بينهم فاجعلها لي شهادة و لا تمتني تقر عيني من بني قريظة
و ذكر ابن عائذ أن المشركين جهزوا نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم كتيبة عظيمة غليظة فقاتلوهم يوما إلى الليل فلما حضرت العصر دنت الكتائب فلم يقدر النبي عليه الصلاة و السلام و لا أحد من أصحابه الذين كانوا معه أن يصلوا الصلاة على ما أرادوا فانكفأت مع الليل فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله بطونهم و قبورهم نارا
و قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم الشيخ أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به أخبرنا : أبو بكر بن الزاغوني أخبرنا ابن البسري أخبرنا المخلص حدثنا يحيى بن محمد حدثنا محمد بن يزيد أبو هاشم الرفاعي حدثنا أبو مالك الجنبي عمرو بن هاشم حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ما صلى رسول الله عليه الصلاة و السلام يوم الخندق الظهر و العصر حتى غابت الشمس
رواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ذهب بعض الناس إلى أنها مرسلة لأنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر و قيل : ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر و هو الصحيح إن شاء الله تعالى فتكون متصلة و لو عنه أحاديث يسيرة هي عندهم متصلة و يقول في بعضها : سمعت عمر رضي الله عنه على المنبر
و ذكر ابن سعد في هذا الخبر أنهم شغلوا عن صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء
قال ابن سعد : و أقام أسيد بن الحضير على الخندق في مائتين من المسلمين وكر خالد بن الوليد في خيل المشركين يطلبون غرة المسلمين فناوشوهم ساعة و مع المشركين وحشي فزرق الطفيل بن النعمان من بني سلمة بمزراقه فقتله و انكشفوا و سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قبته فأمر بلالا فأذن و أقام الظهر فصلى ثم أقام بعد لكل صلاة إقامة إقامة و صلى هو و أصحابه ما فاتهم من الصلوات و قال : شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم و قبورهم نارا و لم يكن لهم قتال بعد ذلك جميعا حتىانصرفوا إلا أنهم لا يدعون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة
قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله عليه الصلاة و السلام و أصحابه فيما وصف الله عز و جل من الخوف و الشدة بمظاهرة عدوهم و إتيانهم إليهم من فوقهم و من أسفل منهم ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله عليه الصلاة و السلام فقال : يا رسول الله !
إني أسلمت و إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام [ إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة ] فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة و كان لهم نديما في الجاهلية فقال : يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم و خاصة ما بيني و بينكم قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم : إن قريشا و غطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم و به أموالكم و نساؤكم و أبناؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره و إن قريشا و غطفان قد جاؤوا لحرب محمد و أصحابه و قد ظاهرتموهم عليه و بلدهم و أموالهم و نساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها و إن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم و خلوا بينكم و بين الرجل ببلدكم و لا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه قالوا : لقد أشرت بالرأي ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب و من معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم و فراقي محمدا و إنه قد بلغني أمر قد رأيت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه عني قالوا : نفعل
قال تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم و بين محمد و قد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش و غطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ؟ ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم : نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم رجلا واحد ثم خرج حتى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان إنكم أصلي و عشيرتي و أحب الناس إلي و لا أراكم تتهموني قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم
قال : فاكتموا علي قال : نعم ثم قال لهم مثل ما قال لقريش و حذرهم فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس و كان من صنيع الله لرسوله صلى الله عليه و سلم أرسل أبو سفيان بن حرب و رؤوس غطفان إلى بني قريظة : عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش و غطفان فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف و الحافر فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا و نفرغ مما بيننا و بينه فأرسلوا إليه أن يوم السبت و قد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت و مع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فلما رجع الرسول بذلك قالوا : صدقنا و الله نعيم بن مسعود فردوا إليهم الرسل و قالوا و الله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا معنا إن شئتم و إلا فلا عهد بيننا و بينكم فقال بنو قريظة : صدق و الله نعيم بن مسعود و خذل الله بينهم و اختلفت كلمتهم و بعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد فجعلت الريح تقلب أبنيتهم و تكفأ قدورهم فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه و سلم اختلاف أمرهم بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم و استتر في غمارهم و سمع أبا سفيان يقول : يا معشر قريش ليتعرف كل امرىء منكم جليسه قال حذيفة : فأخذت بيد جليسي و قلت من أنت ؟ فقال : أنا فلان ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش إنكم و الله ما أصبحتم بدار مقام و لقد هلك الكراع و الخف و أخلفتنا بنو قريظة و لقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء و لا تثبت لنا قدر و لا تقوم لنا نار فارتحلوا فإني مرتحل و وثب على جمله فما حل عقال يده إلا و هو قائم قال حذيفة : و لولا عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي إذ بعثني أن لا أحدث شيئا لقتله بسهم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم عند رحيلهم فوجدته قائما يصلي فأخبرته فحمد الله و سمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم
و روينا من طريق البخاري [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن محمد بن المكدر قال : سمعت جابرا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب : من يأتينا بخبر القوم ؟ فقال الزبير : أنا ثم قال : من يأتينا بخبر القوم ؟ فقال الزبير : أنا ثم قال : من يأتينا بخبر القوم ؟ فقال الزبير : أنا ثم قال : إن لكل نبي حواريا و إن حواريي الزبير ]
كذا وقع في هذا الخبر و المشهور أن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن اليمان كما روينا عنه من طريق ابن إسحاق و غيره قال ـ يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ : من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع ؟ ـ يشترط له رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجعة ـ أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القو م من شدة الخوف و شدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال : يا حذيفة اذهب فادخل في القوم و ذكر الحديث
[ و ذكر ابن عقبة و محمد بن عائذ : خروج حذيفة إلى المشركين و مشقة ذلك عليه إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : قم فحفظك الله من أمامك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك حتى ترجع إلينا فقام حذيفة مستبشرا بدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم كأنه احتمل احتمالا فما شق عليه شيء مما كان فيه
و عند ابن عائذ : فقبض حذيفة على يد رجل عن يمينه فقال : من أنت ؟ قال : أنا معاوية بن أبي سفيان و قبض على يد آخر عن يساره فقال : من أنت ؟ فقال : أنا فلان
و فعل ذلك خشية أن يفطن له فبدرهم بالمسألة ]
و قد روينا في خبر نعيم بن مسعود غير ما ذكرناه
و قال صلى الله عليه و سلم حين أجلى الأحزاب : الآن نغزوهم و لا يغزوننا نحن نسير إليهم ذكره البخاري بسنده
و قال ابن سعد : و أقام عمرو بن العاص و خالد بن الوليد في مائتي فارس ساقة لعسكر المشركين وردءا لهم مخافة الطلب و انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة (2/84)
قول عبد الله بن الزبعرى السهمي :
( حي الديار محا معارف رسمها ... طول البلى و تراوح الأحقاب )
( قفرا كأنك لم تكن تلهو بها ... في نعمة بأوانس أتراب )
( فاترك تذكر ما مضى من عيشة ... و محلة خلق المقام يباب )
( و اذكر بلاء معاشر و اشكرهم ... ساروا بأجمعهم من الأنصاب )
( أنصاب مكة عامدين ليثرب ... في ذي غياطل جحفل جبجاب )
( يدع الحزون مناهجا معلومة ... في كل نشز ظاهر و شعاب )
( فيه الجياد شوازب مجنوبة ... قب البطون لواحق الأقراب )
( من كل سلهبة و أجرد سلهب ... كالسيد بادر غفلة الرقاب )
( جيش عيينة قاصد بلوائه ... فيه و صخر قائد الأحزاب )
( قرمان كالبدرين أصبح فيهما ... غيث الفقير و معقل الهراب )
( حتى إذا وردوا المدينة و ارتدوا ... للموت كل مجرب قضاب )
( شهرا و عشرا قاهرين محمدا ... و صحابه في الحرب غير صحاب )
( لولا الخنادق غادروا من جمعهم ... قتلى لطير سغب و ذئاب )
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه :
( هل رسم دارسة المقام يباب ... متكلم لمحاور بجواب ؟ )
( فدع الديار و ذكر كل خريدة ... بيضاء آنسة الحديث كعاب )
( واشك الهموم إلى الإله و ما ترى ... من معشر ظلموا الرسول غضاب )
( ساروا بجمعهم إليه و ألبوا ... أهل القرى و بوادي الأعراب )
( جيش عيينة و ابن حرب فيهم ... متخمطون بحلبة الأحزاب )
( حتى إذا وردوا المدينة و ارتجوا ... قتل الرسول و مغنم الأسلاب )
( و غدوا علينا قادرين بأيديهم ... ردوا بغيظهم على الأعقاب )
( بهبوب معصفة تفرق جمعهم ... و جنود ربك سيد الأرباب )
( و كفى الإله المؤمنين قتالهم ... و أثابهم في الأجر خير ثواب )
( من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم ... تنزيل نصر مليكنا الوهاب )
( و أقرأ عين محمد و صحابه ... و أذل كل مكذب مرتاب )
و قال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره و يبكي عمرو بن عبد ود و يذكر عليا و قد سبق بعض هذه الأبيات :
( لعمري ما وليت ظهري محمدا ... و أصحابه جبنا و لا خيفة القتل )
( و لكنني قلبت أمرا فلم أجد ... لسيفي غناء إن ضربت و لا نبل )
( و قفت فلما لم أجد لي مقدما ... شددت كضرغام هزبر أبي شبل )
( ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد ... مكرا و قدما كان ذلك من فعلي )
( فلا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا ... و حق بحسن المدح مثلك من مثل )
( و لا تبعدن يا عمرو حيا و هالكا ... فقد مت محمود الثنا ماجد الأصل )
( فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا ... و للفخر يوما عند قرقرة البزل )
( هنالك لو كان ابن عبد لزارها ... و فرجها حقا فتى غير ما و غل )
( فعنك علي لا أرى مثل موقف ... و قفت على نجد المقدم كالفحل )
( فما ظفرت كفاك فخرا بمثله ... أمنت به ما عشت من زلة النعل )
الغيطلة : الشجر الملتف و الغيطلة : الجلبة و الغيطلة : التباس الظلام
و جبجاب : كثير الصوت
و المتخمط : الشديد الغضب (2/99)
من بني عبد الأشهل : سعد بن معاذ و أنس بن أوس بن عتيك و عبد الله بن سهل
و من بني جشم بن الخزرج ثم من بني سلمة : الطفيل بن النعمان و ثعلبة بن غنمة
و من بني النجار : كعب بن زيد
و ذكر شيخنا الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي في نسب الأوس له في بني ظفر : قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر شهد أحدا و حضر الخندق و مات هناك و دفن و ذكر في نسب الخزرج له : عبد الله بن أبي خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار قتل يوم الخندق شهيدا ذكره ابن الكلبي (2/101)
روينا عن أبي بكر الشافعي [ حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا العمري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت رجع النبي صلى الله عليه و سلم يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب فارتاع لذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم و وثب وثبة منكرة و خرج فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة و النبي صلى الله عليه و سلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت : من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه ؟ قال : و رأيته ؟ قلت : نعم قال : بمن تشبهينه ؟ قلت بدحيه بن خليفة الكلبي قال : ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة ]
قال ابن إسحاق : [ و لما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة و المسلمون و وضعوا السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل النبي صلى الله عليه و سلم ـ كما حدثني الزهري ـ معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال : أو قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال نعم فقال جبريل : ما وضعت الملائكة السلاح بعد و ما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مؤذنا فأذن في الناس : من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة ]
و روينا عن ابن عائذ : [ أخبرني الوليد عن معاذ بن رفاعة معاذ السلامي عن أبي الزبير عن جابر قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يغسل رأسه مرجعه من طلب الأحزاب إذ وقف عليه جبريل فقال : ما أسرع ما حللتم ! و الله ما نزعنا من لأمتنا شيئا منذ نزل العدو بك قم فشد عليك سلاحك فو الله لأدقنهم كدق البيض على الصفا ] ثم ولى فأتبعته بصري فلما رأينا ذلك نهضنا
قال : [ و أخبرني الوليد قال أخبرني سعيد بن بشير عن قتادة قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ مناديا : يا خيل الله اركبي ]
قال ابن سعد : ثم سار إليهم في المسلمين و هم ثلاثة آلاف و الخيل ستة و ثلاثون فرسا و ذلك في يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة و استعمل على المدينة ابن أم كلتوم فيما قاله ابن هشام
قال ابن إسحاق : [ و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة و ابتدرها الناس فسار حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بالطريق فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابيث قال : لم ؟ أظنك سمعت منهم لي أذى ؟ قال نعم يا رسول الله قال : لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله عليه و سلم من حصونهم قال : يا إخوان القردة هل أخزاكم الله و أنزل بكم نقمته ؟ قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ]
[ و مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفر من أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال : هل مر بكم أحد ؟ قالوا : يا رسول الله مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم و يقذف الرعب في قلوبهم ]
[ و لما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها و تلاحق به الناس فأتى رجال من بعد العشاء الآخرة و لم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فشغلهم ما لم يكن لهم منه بد في حربهم و أبوا أن يصلوا لقول النبي صلى الله عليه و سلم : حتى تأتوا بني قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه و لا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم ] حدثني بهذا الحديث : أبي إسحاق بن يسار عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري
و حاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا و عشرين ليلة حتى جهدهم الحصار و قذف الله في قلوبهم الرعب
و قد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش و غطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون و إني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا : و ما هي ؟ قال نتابع هذا الرجل و نصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل و أنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم و أموالكم و أبنائكم و نسائكم قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا و لا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج إلى محمد و أصحابه رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا و بين محمد فإن نهلك نهلك و لم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه و إن نظهر فلعمري لنجدن النساء و الأبناء قالوا : نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال : فإن أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت و إنه عسى أن يكون محمد و أصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد و أصحابه غرة قالوا : نفسد سبتنا و نحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما
ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف ـ و كانوا حلفاء الأوس ـ نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه م فلما رأوه قام إليه الرجال و جهش إليه النساء و الصبيان يبكون في وجهه فرق لهم و قالوا : يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال : نعم و أشار بيده إلى حلقه إنه الذبح قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله و رسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه و لم يأت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده و قال : لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت و عاهدت الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا و لا أرى في بلد خنت الله و رسوله فيه أبدا
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خبره و كان قد استبطأه قال : أما لو جاءني لا ستغفرت له و أما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه
و حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط : أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في بيت أم سلمة قالت أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر و هو يضحك قالت : قلت : مم تضحك أضحك الله سنك ؟ قال : [ تيب على أبي لبابة ] قالت : قلت : أفلا أبشره يا رسول الله قال [ بلى إن شئت ] قال : فقامت على باب حجرتها ـ و ذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب ـ فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قالت : فثار الناس ليطلقوه فقال : لا و الله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذي يطلقني بيده فلما مر عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه
قال ابن هشام : أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحمله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع فيما حدثني بعض أهل العلم
و قال أبو عمر : روى ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أن أبا لبابة ارتبط بسلسلة ربوض ـ و الربوض : الثقيلة ـ بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما يكاد يسمع و كاد يذهب بصره و كانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة فإذا فرغ أعادته إلى الرباط فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لو جاءني لا ستغفرت له ]
قال أبو عمر : اختلف في الحال الذي أوجب فعل أبي لبابة هذا بنفسه و أحسن ما قيل في ذلك : ما رواه معمر عن الزهري قال : كان أبو لبابة ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فربط نفسه بسارية و قال : و الله لا أحل نفسي منها و لا أذوق طعاما و لا شرابا حتى يتوب الله علي أو أموت فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما و لا شرابا حتى خر مغشيا عليه ثم تاب الله عليه و ذكر نحو ما تقدم في حل رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه
ثم قال أبو لبابة : يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب و أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله و إلى رسوله قال : [ يجزئك يا أبا لبابة الثلث ]
و روي عن ابن عباس من وجوده في قوله تعالى : { و آخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا } الآية [ التوبة : 102 ] أنها نزلت في أبي لبابة و نفر معه سبعة أو ثمانية أو سبعة سواه تخلفوا عن غزوة تبوك ثم ندموا فتابوا و ربطوا أنفسهم بالسواري فكان عملهم الصالح توبتهم و السيىء تخلفهم عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو عمر : و قد قيل إن الذنب الذي أتاه أبو لبابة كان إشارته إلى حلفائه بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ و إشارته إلى حلقه فنزلت فيه : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول } الآية [ الأنفال : 27 ]
قال ابن إسحاق : ثم إن ثعلبة بن سعية و أسيد بن سعية و أسيد بن عبيد و هم نفر من هدل ليسوا من بني قريظة و لا النضير نسبهم فوق ذلك و هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم
[ و خرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم و عليه محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال : من هذا ؟ قال أنا عمرو بن سعدى و كان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين وجه من الأرض إلى يومه هذا فذكر لر سول الله صلى الله عليه و سلم شأنه فقال : ذلك رجل نجاه الله بوفائه و بعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصبحت رمته ملقاة و لا يدرى أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه تلك المقالة فالله أعلم أي ذلك كان
فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتواثبت الأوس فقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج و قد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع و كانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فساله إياهم عبد الله بن أبي بن سلوم فوهبهم له فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى قال : فذلك إلى سعد بن معاذ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لا مرأة من أسلم يقال لها : رفيدة في مسجده و كانت تداوي الجرحى و تحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق : اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار و قد و طؤوا له بوسادة من أدم و كان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم يقولون : يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومة إلى دار بني عبد الأشهل فنعى إليهم رجلا من بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قوموا إلى سيدكم فأما المهاجرين من قريش فيقولون : إنما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم الأنصار و أما الأنصار فيقولون : عم بها رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين فقاموا إليه فقالوا : يا أبا عمرو : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله و ميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت ؟ قالوا : نعم قال : و على من هنا ؟ ـ في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو معرض عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إجلالا له ـ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم قال سعد : فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال و تقسم الأموال و تسبى الذراري و النساء ]
قال ابن سعد : قال حميد : و قال بعضهم : و تكون الدار للمهاجرين دون الأنصار
قال : فقالت الأنصار : إخواننا كنا معهم فقال : إني أحببت أن يستغنوا عنكم
قال ابن إسحاق : [ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ]
قال ابن هشام : حدثني من أثق به من أهل العلم : أن علي بن أبي طالب صاح و هم محاصرو بني قريظة بكتيبة الإيمان و تقدم هو و الزبير بن العوام قال و الله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أفتحن حصنهم فقالوا : يا محمد ننزل على حكم سعد
قال ابن إسحاق : ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم في دار بنت الحارث ـ امرأة من بني النجار ـ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليها أرسالا و فيهم عدو الله حيي بن أخطب و كعب بن أسد رأس القوم و هم ستمائة أو سبعمائة و المكثر يقول كانوا ما بين الثمانمائة و التسعمائة و قد قالوا لكعب بن أسد ـ و هو يذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسالا ـ : يا كعب ! ما تراه يصنع بنا ؟ قال : في كل موطن لا تعقلون ! أما ترون الداعي لا ينزع و أنه من ذهب منكم لا يرجع و الله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أتي بحيي بن أخطب عدو الله مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما و الله ما لمت نفسي في عداوتك و لكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب و قدر و ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه
و قد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت : و الله إنها لعندي تحدث معي و تضحك ظهرا و بطنا و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها : أين فلانة ؟ قالت : أنا و الله قالت : قلت لها : ويلك ما لك ؟ قالت : أقتل قلت : و لم ؟ قالت : لحدث أحدثته قالت : فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول : فو الله ما أنسى عجبا منها : طيب نفسها و كثرة ضحكها و قد عرفت أنها تقتل
قال ابن هشام : هي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته
و قال ابن سعد : أمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة فكتفوا و جعلوا ناحية و أخرج النساء و الذرية فكانوا ناحية و استعمل عليهم عبد الله بن سلام و جمع أمتعتهم و ما وجد في حصونهم من الحلقة و الأثاث و الثياب فوجد فيها ألفا و خمسمائة سيف و ثلاثمائة درع و ألفي رمح و خمسمائة ترس و جحفة و خمرا و جرار سكر فأهريق ذلك كله و لم يخمس و وجدوا جمالا نواضح و ماشية كثيرة
قال ابن إسحاق : [ و قد كان ثابت بن قيس بن الشماس كما ذكر ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي و كان يكنى أبا عبد الرحمن و كان الزبير قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت و هو شيخ كبير فقال : يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني ؟ قال : و هل يجهل مثلي ؟ قال : إني أردت أن أجزيك بيدك عندي قال : إن الكريم يجزي الكريم ثم أتى ثابت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة و قد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هو لك فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد وهب لي دمك فهو لك قال : شيخ كبير لا أهل له و لا ولد فما يصنع بالحياة ؟ قال : فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ! بأبي أنت و أمي امرأته و ولده قال : هم لك قال : فأتاه فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أهلك و ولدك فهم لك قال : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك ؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ! ماله قال : هو لك فأتاه ثابت فقال : قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم مالك فهو لك قال ـ أي ثابت ـ : ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذراى الحي كعب بن أسد ؟ قال : قتل قال : فما مقدمتنا إذا شددنا و حاميتنا إذا فررنا عزال بن سموأل ؟ قال : قتل قال : فما فعل سيد الحاضر و البادي حيي بن أخطب ؟ قال : قتل قال : فما فعل المجلسان ـ يعني بني كعب بن قريظة و بني عمرو بن قريظة ـ ؟ قال ذهبوا قتلوا قال : فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فو الله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قبلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه ]
فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله : ألقى الأحبة قال : يلقاهم و الله في نار جهنم خالدا مخلدا
و ذكر أبو عبيد هذا الخبر و فيه : [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لك ماله و أهله إن أسلم ]
قال ابن إسحاق : حدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال : كان رسول الله قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت و كنت غلاما فوجدني لم أنبت فخلوا سبيلي و سألت أم المنذر سلمى بنت قيس أخت سليط رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و كانت إحدى خالاته ـ : رفاعة بن سموأل القرظي و كان قد بلغ قالت : فإنه زعم أنه سيصلي و يأكل لحم الجمل فوهبه لها ثم خمست غنائمهم و قسمت للفارس ثلاثة أسهم سهم له و سهمان لفرسه و للراجل سهم و هو أول فيء وقعت فيه السهمان و خمس و كانت الخيل ستة و ثلاثين فرسا
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبابا من بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بهم خيلا و سلاحا و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد اصطفى لنفسه منهم ريحانة بنت عمرو بن خنافة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة فكانت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى توفي عنها و سيأتي ذكرها في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
و أنزل الله عز و جل في أمر الخندق و بني قريظة من القرآن القصة في سورة الأحزاب : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها و كان الله بما تعملون بصيرا } [ الأحزاب : 9 ] و الجنود : قريش و غطفان و بنو قريظة
و كانت الجنود التي أرسلها الله عليهم مع الريح : الملائكة { إذ جاؤوكم من فوقكم } بنو قريظة { و من أسفل منكم } : قريش و غطفان إلى قوله : { و أورثكم أرضهم و ديارهم و أموالهم و أرضا لم تطؤوها } ـ يعني خيبر ـ { و كان الله على كل شيء قديرا } [ الأحزاب : 10 ـ 27 ]
[ فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر لسعد بن معاذ جرحه فمات منه و أتى جبريل النبي صلى الله عليه و سلم من الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال : يا محمد من هذا الذي فتحت له أبواب السماء و اهتز له العرش ؟ قال : فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده قد مات و لما حمل على نعشه وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن له حمله غيركم ]
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما ذكر ابن عائذ : [ لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا ما وطئوا الأرض إلا يومهم هذا ]
و قال ابن سعد : [ مرت عليه عنز و هو مضطجع فأصابت الجرح بظلفها فما رقأ حتى مات و بعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ببغلة وجبة من سندس فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يعجبون من حسن الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن ] يعني من هذا
و استشهد يوم بني قريظة خلاد بن سويد الحارثي الذي طرحت المرأة عليه الرحا و قد تقدم خبر قتلها و زاد ابن عائذ : و منذر بن محمد أخو بني جحجبا و مات أبو سنان بن محصن الأسدي و رسول الله صلى الله عليه و سلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرة بني قريظة و لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا و لكنكم تغزونهم فكان كذلك (2/103)
أول من حفر الخنادق في الحروب : منوشهر بن إيرج من كمن الكمائن : بخت نصر ذكر ذلك عن الطبري
و النسبة إلى بني النضير نضري بفتحتين كثقفي
و عيينة بن حصن : لقب لقائد الأحزاب و اسمه حذيفة لقب بذلك لشتر كان في عينيه
و ذكر حيي بن أخطب و ما قال لكعب بن أسد و أنه لم يزل يفتل في الذروة و الغارب قال السهيلي : هذا مثل و أصله في البعير يستصعب عليك فتأخد القراد من ذروته و غارب سنامه فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك و أنشد للحطيئة :
( لعمرك ما قراد بني كليب ... إذا نزع القراد بمستطاع )
يريد أنهم لا يخدعون و لا يستذلون
و اللحن : العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف و قال الجاحظ في قول مالك بن أسماء :
( منطق صائب و تلحن أحيا ... نا و خير الكلام ما كان لحنا )
يريد أن اللحن الذي هو الخطأ قد يستملح و يستطاب من الجارية الحديثة السن و خطئ الجاحظ في هذا التأويل و أخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لا مرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن فاحتجت بقول أخيها مالك بن أسماء و خير الحديث ما كان لحنا فقال لها الحجاج : لم يرد أخوك هذا و إنما أراد الذي هو التورية و الإلغاز فسكتت فلما حدث الجاحظ بهذا الحديث قال : لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب البيان ما قلت في ذلك ما قلت فقيل : أفلا تغيره ؟ قال : و كيف و قد سارت به البغال الشهب و أنجد في البلاد و أغار انتهى ما حكاه السهيلي و تأويل الجاحظ أولى لما فيه من مقابلة الصواب بالخطأ و لعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر لقال : منطق ظاهر ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية و اللغز من الخفاء و كما قال الجاحظ في تأويل : و تلحن أحيانا قاله ابن قتيبة
و حبان بن العرقة : هو حبان بن عبد مناف بن منقظ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي و العرقة أمه و هي قلابة بنت سعيد بن سعد بن سهم تكنى أم فاطمة سميت العرقة لطيب ريحها كذا ذكر السهيلي و ابن الكلبي يقول : هي أم عبد مناف جد أبيه و هو عنده : حبان بن أبي قيس بن علقمة بن عبد مناف و موسى بن عقبة يقول فيه : جبار بن قيس بالجيم و الراء أحد بني العرقة
و حديث اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ حديث صحيح قال السهيلي : و العجب من راوية من روى عن مالك أن يقال : اهتز العرش لموت سعد بن معاذ و لم ير التحديث بذلك مع صحة نقله و كثرة الرواة له و لا أدري ما وجه ذلك و لعلها غير صحيحة عنه فقد خرجه البخاري
قلت : هذا يقتضي أن يكون إنكار مالك محمولا عنده على أمر عنده يرجع إلى الإسناد و ليس كذلك بل قد اختلف العلماء في هذا الخبر فمنهم من يحمله على ظاهره و منهم من يجنح فيه إلى التأويل و ما كانت هذه سبيله من الأخبار المشكلة فمن الناس من يكره روايته إذا لم يتعلق به حكم شرعي فلعل الكراهة المروية عن مالك من هذا الوجه و الله أعلم
و أسيد بن سعية بفتح الهمزة و كسر السين كذا هو عند أكثر الرواة و نقل عن بعضهم أسيد بضم الهمزة و فتح السين
و جهشت إلى الشيء و أجهشت : أسرعت متباكيا
و يعني بالأرقعة : السماوات قال ابن دريد : كذا جاء في هذا الحديث سبعة أرقعة على لفظ التذكير على معنى السقف قال الفسوي : و مثل تسميتهم إياها بالجرباء تسميتهم إياها بالرقيع قال ابن الأعرابي : سموها بالرقيع لأنها مرقوعة بالنجوم قال أبو علي : و الأجرب : خلاف الأملس
و المرأة المقتولة من بني قريظة اسمها بنانة امرأة الحكم القرظي قال السهيلي : [ و في قتلها دليل لمن قال تقتل المرتدة من النساء أخذا بعموم قوله عليه الصلاة و السلام : من بدل دينه فاضربوا عنقه ] و فيه مع العموم قوة أخرى و هي تعليق الحكم بالردة و التبديل و لا حجة مع هذا لمن زعم من أهل العراق بأن لا تقتل المرتدة لنهيه عليه الصلاة و السلام عن قتل النساء و الولدان
قلت : هما عامان تعارضا و كل من الفريقين يخص أحد الحديثين بالآخر [ فالعراقيون يخصون حديث من بدل دينه فاقتلوه بحديث النهي عن قتل النساء و الصبيان ] و غيرهم يخالفهم و تخصيص المخالف أولى لوجه ليس هذا موضع ذكره و أما استدلاله بهذا الحديث على قتل المرتدة و لم تكن هذه مرتدة قط فعجيب بل هي قاتلة قتلت خلاد بن سويد و مقاتلة بتعاطيها ذلك و ناقضة للعهد فالعراقي موافق لغيره في قتل هذه و في انفرادها بالقتل عن نساء بني قريظة ما يشعر بأنه لما انفردت به عنهن من قتل خلاد فليس هذا من حكم المرتدة في ورد و لا صدر
و قول الزبير ـ و هو بفتح الزاي و كسر الباء ـ : لست صابرا قبلة دلو ناضح هو عند ابن إسحاق بالفاء و التاء ثالثة الحروف و قال ابن هشام : إنما هو بالقاف و الباء الموحدة و قابل الدلو : الذي يأخذها من المستقي و ذكر أبو عبيد الحديث في الأموال إفراغة دلو (2/114)
روينا عن ابن عائذ : عن الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة أخا بني عبد الأشهل بعثه إلى القرطاء من هوازن
و روينا عن ابن سعد : قال : ثم سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء خرج لعشر ليال خلون من الحرم على رأس تسعة و خمسين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه في ثلاثين راكبا إلى القرطاء و هم بطن من بني أبي بكر بن كلاب و كانوا ينزلون البكرات بناحية ضرية و بين المدينة و ضرية سبع ليال و أمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل و كمن النهار و أغار عليهم فقتل نفرا منهم و هرب سائرهم و استاق نعما و شاء و لم يعرض للظعن و انحدروا إلى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جاء به و فض على أصحابه ما بقي فعدلوا الجزور بعشرة من الغنم و كانت النعم مائة و خمسين بعيرا و الغنم ثلاثة آلاف شاة و غاب تسع عشرة ليلة و قدم لليلة بقيت من المحرم
و ذكر أبو عبد الله الحاكم : أنها في المحرم سنة ست و أن ثمامة بن أثال الحنفي أخذ فيها و ذكر حديث إسلامه
و روينا من طريق مسلم رحمه الله : [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له : ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي يا محمد ! خير إن تقتل تقتل ذا دم و إن تنعم تنعم على شاكر و إن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت الحديث وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله يا محمد ! و الله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من و جهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي و الله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي ] الحديث
و القرطاء : قرط و قريط و قريط بنو عبد بن عبيد و هو أبو بكر بن كلاب من قيس عيلان ذكره الرشاطي قال : و ذكر الطبري قال : قال أبو اليقظان : تزوج النبى صلى الله عليه و سلم عمرة و هي من القرطاء من بني أبي بكر بن كلاب
و ممن ينسب هذه النسبة محمد بن القاسم بن شعبان القرطي الفقيه له مصنف فى الفقه على مذهب مالك رحمه الله و هو مصري و قد ذكره الأمير (2/118)
[ و استأذن نفر من الخزرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في قتله ذبا عن الله و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و تشبها بالأوس فيما فعلوه من قتل ابن الأشرف فأذن لهم و كذلك كانوا رضي الله عنهم يتنافسون فيما يزلف إلى الله و إلى رسوله و كان ابن أبي الحقيق بخيبر فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبد الله بن عتيك و مسعود بن سنان و عبد الله بن أنيس و أبو قتادة الحارث بن ربعي و خزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم
و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عليهم ابن عتيك و نهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خبير أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوا على أهله قال : و كان في علية له إليها عجلة قال فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته فقالت : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة قالت : ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلنا أغلقنا علينا و عليها الحجرة تخوفا أن يكون دونه محولة تحول بيننا و بينه قال و صاحت المرأة فنوهت بنا قال : و ابتدرناه و هو على فراشه بأسيافنا و الله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة قال : و لما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكف يده و لولا ذلك لفرغنا منها بليل قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه و هو يقول : قطني قطني أي حسبي حسبي قال : و خرجنا و كان عبد الله بن عتيك رجلا سيء البصر فوقع من الدرجة فوثئت يده وثئا شديدا و يقال : رجله ـ فيما قال ابن هشام و غيره ـ فوقع : و حملناه حتى نأتي منهرا من عيونهم فندخل فيه قال : فأوقدوا النيران و اشتدوا في كل وجه يطلبون حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه و هو يقضي بينهم قال : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا : أنا أذهب فأنظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال : فوجدتها و رجال يهود حوله و في يدها المصباح تنظر في وجهه و تحدثهم و تقول : أما و الله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت قلت : أنى ابن عتيك بهذه البلاد ؟ ثم أقبلت تنظر في وجهه ثم قالت : فاض و إله يهود فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها قال : ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرناه بقتل عدو الله و اختلفنا عنده في قتله كلنا يدعي قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس : هذا قتله أرى فيه أثر الطعام ]
قال ابن سعد : هي في شهر رمضان سنة ست قال : و قالوا : كان أبو رافع قد أجلب في غطفان و من حوله من مشركي العرب و جعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم
و ذكر ابن عقبة فيمن قتل أبا رافع : أسعد بن حرام و لم يذكره غيره
و العجلة : درجة من نخل قاله القتبي (2/120)
روينا عن ابن إسحاق قال : و حدثني يزيد بن أبي حبيب عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي عن حبيب بن أبي أوس قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه قال : لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي و يسمعون مني فقلت لهم : تعلمون و الله إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا و إني قد رأيت أمرا فما ترون فيه ؟ قالوا : و ماذا رأيت ؟ قلت : رأيت أن نكون عند النجاشي فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد و إن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير قالوا : إن هذا لرأي قلت : فاجمعوا ما نهدي له و كان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا له أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه فو الله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بعثه إليه في شأن جعفر و أصحابه قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده قال : قلت لأصحابي هذا عمرو بن أمية الضمري لو دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد قال : فدخلت و سجدت له كما كنت أصنع فقال : مرحبا بصديقي أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم أيها الملك قد أهديت لك أدما كثيرا
قال : ثم قربته إليه فأعجبه ذلك و اشتهاه ثم قلت له : أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك و هو رسول الله رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب منا من أشرافنا و خيارنا قال : فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت له : أيها الملك و الله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه قال : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي على موسى لتقتله ؟ قال : فقلت : أيها الملك ! أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني و اتبعه فإنه و الله لعلى الحق و ليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون و جنوده قال : قلت : أفتبايعني على الإسلام ؟ قال : نعم فبسط يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى أصحابي و قد حال رأيي عما كان عليه و كتمت أصحابي إسلامي
ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لأسلم فلقيت خالد بن الوليد و ذلك قبيل الفتح و هو مقبل من مكة فقلت : أين يا أبا سليمان ؟ و الله لقد استقام الميسم و إن الرجل لنبي أذهب و الله فأسلم فحتى متى قال : قلت : و أنا و الله ما جئت إلا لأسلم
قال : فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فتقدم خالد بن الوليد فأسلم و بايع ثم دنوت فقلت يا رسول الله إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ـ و لم أذكر ما تأخر ـ [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله و إن الهجرة تجب ما كان قبلها قال : فبايعته ثم انصرفت ]
قال ابن إسحاق : و حدثني من لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما
قال أبو القاسم السهيلي : و ذكر الزبير حديث عمرو هذا و قال : و قدم معهما عثمان بن طلحة صحبهما في تلك الطريق قال عمرو : و كنت أسن منهما فأردت أن أكيدهما فقدمتهما قبلي للمبايعة فبايعا رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن يغفر لهما ما تقدم من ذنبهما و أضمرت في نفسي أن أذكر ما تقدم من ذنبي و ما تأخر فلما بايعت قلت : على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي و أنسيت أن أقول ما تأخر
قوله قد استقام الميسم : أي ظهرت العلامة و من رواه المنسم بالنون أراد الطريق (2/122)
هي عند ابن سعد لغرة هلال شهر ربيع الأول سنة ست
و قال ابن إسحاق : و خرج ـ يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة إلى بني لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع خبيب بن عدي و أصحابه و أظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام حتى أتى منازل بني لحيان فوجدهم قد حذروا و تمنعوا في رؤوس الجبال فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخطأه من غرتهم ما أراد قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا
[ و راح رسول الله صلى الله عليه و سلم قافلا فكان جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول حين وجه : آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في الأهل و المال ]
و الحديث عن غزوة بني لحيان : عن عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن كعب بن مالك
و قال ابن سعد : فبعث أبا بكر في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم فأتوا الغميم ثم رجعوا و لم يلقوا أحدا (2/124)
قال ابن إسحاق : ثم قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فلم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغابة و فيها رجل من بني غفار و امرأة له فقتلوا الرجل و احتملوا المرأة في اللقاح
[ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر و من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك كل قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع غدا يريد الغابة متوشحا قوسه و نبله و معه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف إلى ناحية سلع ثم صرخ و اصباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم و كان مثل السبع حتى لحق القوم فجعل يردهم بالنبل و يقول إذا رمى :
( خذها و أنا بن الأكوع )
( و اليوم يوم الرضع )
فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمى رمى ثم قال :
( خذها و أنا ابن الأكوع )
( و اليوم يوم الرضع )
قال : فيقول قائلهم : أو كيعنا ! هو أول النهار
قال : و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم صياح ابن الأكوع فصرخ في المدينة : الفزع الفزع ! فكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفرسان : المقداد بن عمرو ـ و هو الذي يقال له : المقداد بن الأسود حليف بن زهرة ـ ثم عباد بن بشر و سعد بن زيد أحد بني كعب بن عبد الأشهل و أسيد بن ظهير ـ يشك فيه ـ و عكاشة بن محصن و محرز بن نضلة و أبو قتادة و أبو عياش عبيد بن زيد بن صامت أخو بني زريق فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر عليهم سعد بن زيد ثم قال : اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس
و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش : يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم فقال أبو عياش : قلت : يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لو أعطيته أفرس منك و أنا أقول : أنا أفرس الناس فزعم رجل من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ـ أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة و كان ثامنا ـ
كذا وقع هنا ـ و بعض الناس يقول : إن معاذ بن ماعص و أخاه عائذا قتلا يوم بئر معونة شهيدين و قد تقدم ذلك و بعض الناس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية و يطرح أسيد بن ظهير و لم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أول من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بني أسد بن خزيمة و كان يقال لمحرز : الأخرم و يقال له : قمير و أن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل و كان فرسا صنيعا جاما فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل ـ حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به ـ : يا قمير ! هل لك في أن تركب هذا الفرس فإنه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه و سلم و بالمسلمين ؟ قال : نعم فأعطينه إياه فخرج عليه فلم يلبث أن بذ الخيل لجمامه حتى أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال : قفوا يا معشر بني اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين و الأنصار قال : وحمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على أريه في بني عبد الأشهل فلم يقتل من المسلمين غيره ]
قال ابن هشام : قتل يومئذ من المسلمين مع محرز : و قاص بن محرز المدلجي فيما ذكر غير واحد من أهل العلم
قال ابن إسحاق : و لما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن و غشاه برده ثم لحق بالناس و أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسلمين ـ و استعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام ـ [ فإذا حبيب مسجى ببرد أبي قتادة فاسترجع الناس و قالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليس بأبي قتادة لكنه قتيل لأبي قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه
و أدرك عكاشة بن محصن أوبارا و ابنه عمرو بن أوبار و هما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا و استنقذوا بعض اللقاح و سار صلى الله عليه و سلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد و تلاحق به الناس و أقام عليه يوما و ليلة و قال له سلمة بن الأكوع : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم لو سرحتني في مائة رجل لا ستنقذت بقية السرح و أخذت بأعناق القوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني : إنهم الآن ليغبقون في غطفان فقسم رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا و أقاموا عليها ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم قافلا حتى قدم المدينة و أقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت : يا رسول الله ! إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها
قال : فبتسم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها و نجاك بها ثم تنحرينها لا نذر في معصية الله و لا فيما لا تملكين إنما هي ناقة من إبلي ارجعي إلى أهلك على بركة الله ]
و الحديث عن امرأة الغفاري و ما قالت و ما قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبي الزبير المكي عن الحسن البصري
و قال ابن عقبة : كان رئيس القوم ـ يعني المشركين ـ مسعدة الفزاري و هو قتيل أبي قتادة و فيه قوله عليه الصلاة و السلام : لتعرفوه فتخلوا عن قتيله و سلبه ثم إن فوارس النبي صلى الله عليه و سلم أدركوا العدو و السرح فاقتتلوا قتالا شديدا و استنفذوا السرح و هزم الله تعالى العدو و يقال : قتل أبو قتادة قرفة ابن امرأة مسعدة
و أما ابن سعد : فقال : و قتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن و قرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر
قال ابن عقبة : و قتل يومئذ من المسلمين الأجدع محرز بن نضلة قتله أوبار ـ كذا قاله ـ و هو عند ابن سعد : أثار و عند ابن عائذ أبار فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارا و ابنه
و ذكر ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة
و ذكر ابن سعد أنها في شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة و أن اللقاح عشرون فأغار عليها عيينة في ليلة الأربعاء في أربعين فارسا فاستاقوها و كان أبو ذر فيها و قتلوا ابن أبي ذر و جاء الصريخ فنادى : الفزع الفزع فنودي : يا خيل الله اركبي و كان أول ما نودي بها
قلت : قد تقدم عن قتادة من طريق ابن عائذ النداء بـ : يا خيل الله اركبي في وقعة بني قريظة و هي قبل هذه عندهم
[ و ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعا فوقف و كان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو و عليه الدرع و المغفر شاهرا سيفه فعقد له رسول الله صلى الله عليه و سلم لواء في رمحه و قال امض حتى تلحقك الخيل و خلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة قال و ذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد فلم تزل الخيل تأتي و الرجال على أقدامهم و على الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بذي قرد فاستنقذوا عشر لقاح و أفلت القوم بما بقي و هو عشر و صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بذي قرد صلاة الخوف و أقام به يوما و ليلة يتحسب الخبر و قسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها و كانوا خمسمائة و يقال سبعمائة و بعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر و بعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه و سلم بذي قرد قال ابن سعد : و الثبت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه السرية و لكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان :
[ غداة فوارس المقداد ]
قلت : و أوله :
( و لسر أولاد اللقيطة أننا ... سلم غداة فوارس المقداد )
قال : فعاتبه سعد فقال : اضطرني الروي إلى المقداد و رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة يوم الاثنين و كان قد غاب خمس ليال ]
و في رواية لابن سعد في الخبر : [ عن هاشم بن القاسم عن عكومة بن عمار حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال : خرجت أنا و رباح غلام النبي صلى الله عليه و سلم و خرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله كنت أريد أن أنديه مع الإبل فلما أن كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقتل راعيها و خرج يطردها و ذكر نحو ما تقدم و فيه حتى ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه و سلم إلا خلفته وراء ظهري ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا و أكثر من ثلاثين بردة يستخفونها و لا يلقون من ذلك شيئا إلا جعلت عليه حجارة و جمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه : أنه جلاهم عن ماء ذي قرد و يخلفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيه : قوله عليه الصلاة و السلام : إنهم الآن يقرون بأرض غطفان قال : فجاء رجل من غطفان فقال مروا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها و خرجوا هرابا فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : خير فرساننا اليوم أبو قتادة و خير رجالتنا سلمة فأعطاني رسول الله صلى الله عليه و سلم سهم الراجل و الفارس جميعا ]
و في رواية البخاري : لهذا الخبر من طريق سلمة [ فقلت : يا نبي الله قد خميت القوم الماء و هم عطاش فابعث إليهم الساعة فقال : يا ابن الأكوع ملكت فأسجح ] (2/125)
قرد : مفتوح القاف و الراء و حكى السهيلي عن أبي علي الضم فيهما
و قوله : اليوم يوم الرضع : يريد يوم هلاك الرضع و الرضع : اللئام من قولهم : لئيم راضع و هو الذي يرضع الغنم و لا يحلبها فيسمع صوت الحلب و قد قيل فيه غير ذلك
و محرز بن نضلة : المعروف فيه سكون الضاد و رأيت عن الدار قطني فتحها و حكى البغوي عن ابن إسحاق : محرز بن عون بن نضلة و بعضهم يقول : ابن ناضلة (2/130)
قال ابن عقبة : [ و كان قد قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم نفر من عرينة و عرينة حي من بجيلة و كانوا مجهودين مضروين قد كادوا يهلكون فأنزلهم عنده و سألوه أن ينحيهم من المدينة فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى لقاح له بفيفاء الخبار من وراء الحمى فيها مولى لرسول الله صلى الله عليه و سلم يدعى يسارا فقتلوه ثم مثلوا به و استاقوا لقاح رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم فأدركوا فوق المنقى فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقطعت أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم و أمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد و تحدث بهذا الحديث كما زعموا أنس بن مالك و ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى بعد ذلك عن المثل بالآية التي في سورة المائدة : { إنماجزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدينا و لهم في الآخرة عذاب عظيم } [ المائدة : 33 ] هذه الآية و التي بعدها ]
قرىء على أبي محمد عبد الرحيم بن يوسف المزي و أنا أسمع [ أخبرك أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج ؟ فأقر به أخبرنا الرئيس أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أخبرنا أبي حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال أسلم ناس من عرينة فاجتووا المدينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها قال حميد : و قال قتادة عن أنس : و أبوالها فلما صحوا كفروا بعد إسلامهم و قتلوا راعي النبي صلى الله عليه و سلم مؤمنا أو مسلما و ساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه و سلم و هربوا محاربين فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم و أرجلهم و سمر أعينهم و تركهم في الحرة حتى ماتوا ]
و قال ابن سعد : [ و بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر فبعث في أثرهم عشرين فارسا و استعمل عليهم كرز بن جابر الفهري فأدركوهم فأحاطوا بهم فأسروهم و ربطوهم و أردفوهم على الخيل حتى قدموا المدينة قال : و كانت اللقاح خمس عشرة غزارا فردوها إلى المدينة ففقد رسول الله صلى الله عليه و سلم منها لقحة تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها ] (2/131)
قد تقدم أن نفرا من عرينة و روي من عكل أو عرينة على الشك و روي من عكل و عرينة من غير شك و روي : أن نفرا قدموا و لم يذكر من أي قبيلة هم و الكل في الصحيح من حديث أنس فأما عرينة ففي بجيلة و قضاعة فالذي في بجيلة عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر و عبقر أمه بجيلة قاله الرشاطي قال : و منهم الرهط الذين أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه و سلم قال : و العرن : حكة تصيب الفرس و البعير في قوائمهما و أما عكل ففي الرباب و عكل امرأة حضنت بني عوف بن وائل بن قيس بن عوف بن عبد مناة من الرباب حكى ابن الكلبي قال : ولد عوف بن وائل الحارث و جشما و سعدا و عليا و قيسا و أمهم ابنة ذي اللحية من حمير و حضنتهم عكل أمة لهم فغلبت عليهم قال ابن دريد : اشتقاق عكل من عكلت الشيء إذا جمعته و قال غيره : يكون من عكل يعكل : إذا قال برأيه مثل حدس و رجل عكلي أي : أحمق منهم من الصحابة : خزيمة بن عاصم بن قطن بن عبد الله بن عبادة بن سعد بن عوف المذكور لم يذكره أبو عمر و لا نسبه ابن فتحون قاله الرشاطي
و قوله : فاجتووا المدينة : قال ابن سيده : وجوي الأرض جوى و اجتواها : لم توافقه و قد وقع في بعض الروايات أنهم شكوا أجوافهم
و أبوال الإبل و ألبانها يدخل في شيء من علاج الاستسقاء ( وهي ) إبل البادية التي ترعى الشيح و القيصوم
و قول ابن عقبة : [ و ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى بعد ذلك عن المثل فمن الناس من رأى ذلك و زعم أن هذا الخبر منسوخ بقوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله } [ المائدة : 33 ] الآية و بنهيه عليه الصلاة و السلام عن المثلة ] و قد روي في ذلك شيء عن بعض السلف و من الناس من أبي ذلك و قد يترجح هذا لأنه مختلف في سبب نزول هذه الآية فقد ذكر البغوي و غيره لنزولها قصة غير هذه و أيضا فليس فيها أكثر مما تشعره لفظة إنما من الاقتصار في حد الحرابة على ما في الآية و أما من زاد على الحرابة جنايات أخر كما فعل هؤلاء حيث زادوا بالردة و سمل أعين الرعاء و غير ذلك فقد روينا في خبرهم عن ابن سعد أنهم قطعوا يد الراعي و رجله و غرسوا الشوك في لسانه و عينيه حتى مات فليس في الآية ما يمنع من التغليظ عليهم و الزيادة في عقوبتهم فهذا قصاص ليس بمثلة و المثلة ما كان ابتداء من غير جزاء و قد روينا من طريق الترمذي و النسائي جميعا : عن الفضل بن سهل عن يحيى بن غيلان ـ وثقهما النسائي ـ عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك قال : إنما سمل النبي صلى الله عليه و سلم أعين أولئك العرنيين لأنهم سملوا أعين الرعاء و لو أن شخصا جنى على قوم جنايات في أعضاء متعددة فاقتص منه للمجني عليهم لما كان التشويه الذي حصل به من المثلة المنهي عنها و إذا اختلفت في سبب نزول الآية الأقوال و تطرق إليها الاحتمال فلا نسخ و قد روي هذا الحديث عن أنس من غير وجه و روي أيضا من حديث ابن عمر و عائشة و غيرهما و لو لا شرطناه من الاختصار لأوردنا طرفا من طرقه و لبسطنا الكلام عليه (2/132)
و هي في شعبان سنة ست عند ابن إسحاق و في سنة أربع عند موسى بن عقبة و في شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد و الخندق بعدها عنده في ذي القعدة من السنة
قال ابن إسحاق : [ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة و عبد الله بن أبي بكر و محمد بن يحيى بن حبان كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن بني المصطلق يجمعون له و قائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه و سلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له : المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فتزاحف الناس و اقتتلوا فهزم الله بني المصطلق و قتل من قتل منهم و نفل رسول الله صلى الله عليه و سلم أبناءهم و نساءهم و أموالهم فأفاءهم عليه ]
و ذكر ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث بريدة بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك فأتاهم و لقي الحارث بن أبي ضرار و كلمه و رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره خبرهم
فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس إليهم و أسرعوا الخروج و قادواى الخيل و هي ثلاثون فرسا في المهاجرين منها عشرة و في الأنصار عشرون و استخلف على المدينة زيد بن حارثة
و قال ابن هشام : استعمل عليها أبا ذر الغفاري و يقال : نميلة بن عبد الله الليثي
رجع إلى خبر ابن سعد : و كان معه فرسان : لزاز و الظرب و بلغ الحارث بن أبي ضرار و من معه مسير رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم و أنه قد قتل عينه الذي كان قد وجهه ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم فسيء بذلك الحارث و من معه و خافوا خوفا شديدا و تفرق عنهم من كان معهم من العرب و انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المريسيع و هو الماء فضرب عليه قبته و معه عائشة و أم سلمة فتهيؤوا للقتال و صف رسول الله صلى الله عليه و سلم و دفع راية المهاجرين إلى أبي بكر و راية الأنصار إلى سعد بن عبادة فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان و قتل عشرة منهم و أسر سائرهم و سبى رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجال و النساء و الذرية
و قد روينا من طريق مسلم خلاف ذلك قال : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا سليم بن أخضر عن ابن عون قال : كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي : إنما كان ذلك في أول الإسلام قد أغار رسول الله صلى الله عليه و سلم على بني المصطلق و هم غارون و أنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم و سبى سبيهم و أصاب يومئذ ـ قال يحيى : أحسبه قال : جويرية أو البتة ابنة الحارث ـ و حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر و كان في ذلك الجيش
و قد أشار ابن سعد إلى هذه الرواية و قال : الأول أثبت قال : و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأسارى فكتفوا و استعمل عليهم بريدة بن الحصيب و أمر بالغنائم فجمعت و استعمل عليها شقران مولاه و جمع الذرية ناحية و استعمل على قسم الخمس و سهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي و كانت الإبل ألفي بعير و الشاء خمسة آلاف شاة و كان السبي مائتي بيت و قال : غاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المدينة ثمانيا و عشرين ليلة و قدم المدينة لهلال رمضان
رجع إلى ابن إسحاق : قال : [ و قد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال له : هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت و هو يرى أنه من العدو فقتله خطأ فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس و مع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه فازدحم جهجاه و سنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ! و صرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين ! فغضب عبد الله بن أبي بن سلول و عنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال : أقد فعلوها ؟ أقد نافرونا و كاثرونا في بلادنا ؟ و الله ما أعدنا و جلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك أما و الله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم و قاسمتوهم أموالكم أما و الله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من عدوه فأخبره الخبر و عنده عمر بن الخطاب فقال : مر به عباد بن بشر فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه ؟ لا و لكن ائذن بالرحيل ـ في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يرتحل فيها ـ فارتحل الناس و قد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمعه منه فحلف بالله ما قلت ما قال و لا تكلمت به و كان في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه و لم يحفظ ما قال الرجل ـ حدبا على ابن أبي و دفعا عنه ـ فلما استقل رسول الله صلى الله عليه و سلم و سار لقيه أسيد بن الحضير فحياه بتحية النبوة و سلم عليه و قال : يا نبي الله و الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أو ما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : أي صاحب يا رسول الله ؟ قال عبد الله بن أبي قال : و ما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل
قال : فأنت و الله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو و الله الذليل و أنت العزيز ثم قال : يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك و إن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه به فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا ثم متن رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى و ليلتهم حتى أصبح و صدر يومهم ذلك حتى آذته الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما و إنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس و سلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فوق النقيع يقال له نقعا فلما راح رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس هبت على الناس ريح شديدة آذتهم و تخوفوها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تخافوها فإنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بن يقينقاع و كان من عظماء اليهود و كهفا للمنافقين مات ذلك اليوم
و نزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي و من كان على مثل أمره فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بأذن زيد بن أرقم ثم قال : هذا الذي أوفى الله بأذنه ]
و بلغ عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه [ حدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبد الله أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ! إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني فأنا أحمل لك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بل نترفق به و نحسن صحبته ما بقي معنا و جعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه و يأخذونه و يعنفونه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر بن الخطاب ـ حين بلغه ذلك من شأنهم ـ : كيف ترى يا عمر ؟ أما و الله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته قال : قال عمر : قد و الله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أعظم بركة من أمري
و قدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر فقال : يا رسول الله ! جئتك مسلما و جئت أطلب دية أخي قتل خطأ فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله صلى الله عليه و سلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة مرتدا فقال في شعر يقوله :
( شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا ... يضرج ثوبيه دماء الأخادع )
( و كانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فيحميني وطاء المضاجع )
( حللت به وتري و أدركت ثورتي ... و كنت إلى الأوثان أول راجع )
( ثأرت به فهرا و حملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع )
و قال مقيس بن صبابة أيضا :
( جللته ضربة باءت لها وشل ... من ناقع الجوف يعلوه و ينصرم )
( فقلت و الموت تغشاه أسرته : ... لا تأمنن بني بكر إذا ظلموا )
قال ابن هشام : و كان من شعار المسلمين يوم بني المصطلق : يا منصور أمت أمت
قال ابن إسحاق : و أصيب من بني المصطلق ناس يومئذ و قتل علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكا و ابنه و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا فشا قسمه في المسلمين و كان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو عمر : كان اسمها برة فغيره رسول الله صلى الله عليه و سلم و سماها جويرية فأرسل الناس ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق لذلك فكانت مائة بيت و أسلم بنو المصطلق ثم بعد ذلك بأزيد من عامين بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا فتوهم أنهم خرجوا لقتاله ففر راجعا و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بظنه فهم عليه الصلاة و السلام بقتالهم فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } الأية [ الحجرات : 6 ] و التي بعدها ] (2/134)
و في هذه الغزاة قال أهل الإفك في عائشة رضي الله تعالى عنها ما قالوا فبرأها الله مما قالوا
روينا من طريق البخاري [ حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير و سعيد بن المسيب و علقمة بن وقاص و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا و كل حدثني طائفة من الحديث و بعض حديثهم يصدق بعضا و إن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني عروة عن عائشة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم معه قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي فخرجت رسول الله صلى الله عليه و سلم بعدما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي و أنزل فيه حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوته تلك و قفل و دنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فالتمست عقدي و حبسني ابتغاؤه و أقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوا على بعيري الذي كنت ركبت و هم يحسبون أني فيه و كان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه و كنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل و ساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب فأممت منزلي الذي كنت فيه و ظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت و كان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني و كان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي و الله ما يكلمني و لا أكلمه و ما سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها فانطلق بي يقود بي الرحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك
و كان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا و الناس يخوضون في قول أصحاب الإفك و لا أشعر بشيء من ذلك و هو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني و لا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع و هو متبرزنا و كنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل و ذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا و أمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا و أم مسطح ـ و هي ابنة أبي رهم بن عبد مناف و أمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق و ابنها مسطح بن أثاثة ـ فأقبلت أنا و أم مسطح قبل بيتي قد فزغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت : و ما قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي و دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ تعني سلم ـ ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي قالت : و أنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ! ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ! هوني عليك فو الله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها و لها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت : فقلت : سبحان الله ! و لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي
فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب و أسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي يعلم من براءة أهله و بالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال : أهلك يا رسول الله و لا نعلم إلا خيرا و أما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ! لم يضيق الله عليك و النساء سواها كثير و إن تسأل الجارية تصدقك قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بريرة فقال : أي بريرة ! هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت : بريرة و الذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلوم قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فو الله ما علمت عن أهلي إلا خيرا و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا و ما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه و إن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت : فقام سعد بن عبادة و هو سيد الخزرج و كان قبل ذلك رجلا صالحا و لكن احتملته الحمية فقال سعد : كذبت لعمر الله لا تقتله و لا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير و هو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان : الأوس و الخزرج حتى هموا أن يقتتلوا و رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يخفضهم حتى سكتوا و سكت
قالت فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم فأصبح أبواي عندي و قد بكيت ليلتين و يوما لا أكتحل بنوم و لا يرقأ لي دمع يظنان أن البكاء فالق كبدي
قالت : فبينما هما جالسان عندي و أنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي قالت : فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم ثم جلس قالت : و لم يجلس عندي منذ قيل قبلها و لقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا و كذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله و إن كنت ألمت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة فقلت لأبي : أجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما قال قال : و الله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم قالت ـ فقلت و أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ـ : و الله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم و صدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة ـ و الله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقوني بذلك و لئن اعترفت لكم بأمر ـ و الله يعلم أني منه بريئة ـ لتصدقوني و الله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف : { فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون } [ يوسف : 83 ] قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت : و أنا حينئذ أعلم أني بريئة و أن الله مبرئي ببراءتي و لكن و الله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى و لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى و لكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه
قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سري عنه و هو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها : يا عائشة ! أما الله فقد برأك فقالت أمي : قومي إليه قالت : فقلت : و الله لا أقوم إليه و لا أحمد إلا الله و أنزل الله : { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم } [ النور : 11 ] العشر الآيات كلها فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق ـ و كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه و فقره ـ : و الله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله : { و لا يأتل أولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا أولي القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل الله و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يفغر الله لكم و الله غفور رحيم } [ النور : 22 ] قال أبو بكر : بلى و الله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه و قال : و الله لا أنزعها منه أبدا
قالت عائشة : و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري قال : يا زينب ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي و بصري ما علمت إلا خيرا قالت : و هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله بالورع و طفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ]
قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سليمان عن حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان أم عائشة أنها قالت : لما رميت عائشة خرت مغشيا عليها (2/139)
المصطلق : هو جذيمة بن كعب من خزاعة
و المريسيع : ماء لهم
و جهجاه بن مسعود و قال أبو عمر : [ جهجاه بن سعد بن حرام هو صاحب حديث المؤمن يأكل في معى واحد ] و قيل إن ذلك قيل في غيره و قال الطبري : المحدثون يزيدون فيه الهاء و الصواب : جهجا دون هاء و جهجاه هذا هو الذي جاء و عثمان رضي الله عنه يخطب و بيده عصا النبي صلى الله عليه و سلم فأخذها و كسرها على ركبته اليمنى فدخلت فيها شظية منها فبقي الجرح و أصابته الأكلة و شدت العصا و كانت مضببة
ذكره ابن مسلمة التجيي في تاريخه
و سنان بن وبر بإسكان الباء عند بعضهم و قال أبو عمر : سنان بن تيم و يقال : ابن وبر و في كتاب ابن شبة سنان بن أبير و حكى الأموي عن ابن إسحاق : سنان بن عمرو و يقال : ابن وبرة
و متن بالناس : قال صاحب العين : ساروا سيرا مماتنا أي بعيدا
و في حديث الإفك ذكر صفوان بن المعطل قال السهيلي : و كان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من المتاع و لذلك تخلف في هذا الحديث
و قد روي أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس و يشهد لذلك [ حديث أبي داود أن امرأة صفوان اشتكت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكرت أشياء منها أنه لا يصلي الصبح فقال صفوان : يا رسول الله إني امرؤ ثقيل الرأس لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : إذا استيقظت فصل و قتل صفوان شهيدا في خلافة معاوية و اندقت رجله يوم قتل فطاعن بها و هي منكسرة حتى مات ]
و جزع ظفار : قال يعقوب : مدينة باليمن و قد وقع : جزع ظفاري و هو أيضا صحيح
و أم رومان : زينب بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم كذا قال مصعب و غيره يخالفه و قد وقع في الصحيح : رواية مسروق عنها بصيغة العنعنة و غيرها و لم يدركها و ملخص ما أجاب به أبو بكر الخطيب : أن مسروقا يمكن أن يكون قال : سئلت أم رومان فأثبت الكاتب صورة الهمزة ألفا فتصحفت على من بعده بسألت ثم نقلت إلى صيغة الإخبار بالمعنى من طريق و بقيت على صورتها في آخر و مخرجها التصحيف المذكور
و مسطح : لقب و اسمه عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف ذكر الأموي : عن أبيه عن ابن إسحاق قال : أبو بكر المسطح :
( يا عوف ويحك هلا قلت عارفة ... من الكلام و لم تتبع به طمعا )
( و أدركنك حميا معشر أنف ... و لم تكن قاطعا يا عوف منقطعا )
( فأنزل الله وحيا في براءتها ... و بين عوف و بين الله ما صنعا )
( فإن أعش أجز عوفا عن مقالته ... شر الجزاء إذا ألفيته تبعا )
قال أبو عمر : أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالذين رموا عائشة بالإفك حين نزل القرآن ببراءتها فجلدوا الحد ثمانين فيما ذكر أهل السيرة و العلم و الخبر
و وقع في هذا الحديث : فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أعذرك منه و وقع عند ابن إسحاق في هذا الخبر بدل سعد بن معاذ أسيد بن حضير فمن الناس من يرى أن ذكر سعد في هذا الخبر و هم لأن سعدا مات عند انقضاء أمر بني قريظة و يرى أن الصواب ما ذكره ابن إسحاق من ذكر أسيد بن حضير و لو اتفق أهل المغازي على أن وقعة الخندق و بني قريظة متقدمة على غزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما لمن رآه كذلك و لكن هم مختلفون في ترتيب هذه المغازي كما سبق في هذه و غيرها
و رأيت عن الحاكم أبي عبد الله أن سبب هذا الخلاف إنما هو لاختلاف في التاريخ هل هو لمقدم النبي صلى الله عليه و سلم في ربيع الأول كما هو عند قوم أو للعام الذي قدم فيه كما هو عند آخرين و ذلك لا يتم لأمرين :
أحدهما : أن تلك المدة التي وقع الاختلاف فيها إنما هي نحو ثلاثة أشهر و هي من أول العام إلى ربيع الأول و زمن الخلاف أوسع من ذلك فهذه الغزوة عند ابن عقبة في سنة أربع و عند غيره في شعبان سنة ست
الثاني : أنها مختلفة الترتيب عندهم في تقديم بعضها على بعض فهذه عند ابن سعد و جماعة قبل الخندق و عند ابن إسحاق و آخرين بعدها و ذلك غير الأول و أما ابن سعد فإنه يؤرخ هذه الوقائع بالأشهر لا بالسنين
[ و في هذه الغزوة نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن العزل أخبرنا أبو عبد الله بن عبد المؤمن بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي عليه و أنا أسمع بمرج دمشق قال : أخبركم المؤيد بن الأخوة إجازة من أصبهان ؟ فأقر به قال : أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعد الكنجروذي أخبرنا أبو طاهر محمد بن الفضل أخبرنا جدي أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا علي ـ هو ابن حجر ـ حدثنا إسماعيل ـ هو ابن جعفر ـ حدثنا ربيعة ـ هو ابن أبي عبد الرحمن ـ عن محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ عن ابن محيريز أنه قال : دخلت أنا و أبو صرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو صرمة فقال : يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكر العزل ؟ فقال : نعم غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة و رغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع و نعزل فقلنا : نفعل و رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كانئة إلى يوم القيامة إلا ستكون ]
قال ابن سعد : و فيها سقط عقد لعائشة فاحتبسوا على طلبه فنزلت آية التيمم
فقال أسيد بن الحضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر
قرأت على أبي الفتح الشيباني بدمشق [ أخبركم الخضر بن كامل قراءة عليه و أنتم تسمعون قال : أخبرنا أبو الدر ياقوت بن عبد الله الرومي سماعا [ ح ] قال الشيباني : و أخبرنا أبو اليمن الكندي إجازة إن لم يكن سماعا قال : أخبرنا ابن البيضاوي قالا : أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد أخبرنا المخلص حدثنا البغوي حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري حدثني مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقدي فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم على التماسه و أقام الناس معه و ليسوا على ماء و ليس معهم ماء فجاء أبو بكر و رسول الله صلى الله عليه و سلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال : حبست رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناس و ليسوا على ماء و ليس معهم ماء قالت عائشة : فعاتبني أبو بكر و قال ما شاء الله أن يقول و جعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم فقال أسيد بن حضير و هو أحد النقباء : ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته ] قال البغوي : هذا معنى لفظ الحديث
و روى الطبراني في معجمه من حديث محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت : لما كان من أمر عقدي ما كان قال أهل الإفك ما قالوا فخرجت مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس و طلع الفجر فلقيت من أبي بكر ما شاء الله و قال لي يا بنية في كل سفرة تكونين عناء و بلاء و ليس مع الناس ماء فأنزل الله الرخصة بالتيمم فقال أبو بكر : و الله يا بنية إبك لما علمت مباركة
فهذه الرواية تقتضي أن الواقعتين كانتا في غزوتين و الله أعلم (2/144)
قال ابن سعد بعد ذكر غزوة الغابة ـ و هي غزوة ذي قرد ـ :
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر غمر مرزوق ـ مفتوح الغين المعجمة ساكن الميم بعدها راء مهملة ـ و هو ماء لبني أسد و كانت في شهر ربيع الأول سنة ست
قالوا : وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلا
قال الواقدي : فيما حكاه عنه الحاكم أبو عبد الله : فيهم ثابت بن أقرم و سباع بن وهب
فخرج سريعا يغذ السير و نذر به القوم فهربوا فنزلوا عليا بلادهم و وجدوا ديارهم خلوفا فبعث شجاع بن وهب طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له فأغاروا عليها فاستاقوا مئتي بعير فأرسلوا الرجل و حدروا النعم إلى المدينة و قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يلقوا كيدا و قال ابن عائذ : أميرهم ثابت بن أقرم و معه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني أمية بن عبد شمس و لقيط بن أعصم حليف بني عمرو بن عوف ثم من بني معاوية : ابن مالك من بلي فأصيب فيها ثابت
كذا وجدت عن الحاكم : سباع بن وهب و لعله شجاع بن وهب الذي يأتي ذكره بعد ذلك (2/149)
بفتح القاف و الصاد المهملة
قال ابن سعد : [ في ربيع الآخر سنة ست قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم محمد بن مسلمة إلى بني ثعلبة و بني عوال و هم بذي القصة و بينها و بين المدينة أربعة و عشرون ميلا طريق الربذة في عشرة نفر فوردوا عليهم ليلا فأحدق بهم القوم و هم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضرب كعبه فلا يتحرك و جردوهم من الثياب و مر بمحمد بن مسلمة رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا و وجدوا نعما و شاء فساقه و رجع ] و ذكر الحاكم عن الواقدي نحوه في كتاب الإكليل (2/150)
ثم سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخرسنة ست قالوا : [ أجدبت بلاد بني ثعلبة و أنمار و وقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين و المراض : على ستة و ثلاثين ميلا من المدينة فسارت بنو محارب و ثعلبة و أنمار إلى تلك السحابة و أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة و هي ترعى بهيفاء موضع على سبعة أميال من المدينة فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا المغرب فمشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال و أصاب رجلا واحدا فأسلم و تركه فأخذ نعما من نعمهم فاستاقه ورثة من متاعهم و قدم بذلك المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قسم ما بقي عليهم ]
و قال ابن عائذ : أخبرنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال : ثم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة من طريق العراق و رأيته مقيدا بالصاد المهملة و المعجمة معا (2/150)
بفتح الجيم
ذكر موسى بن عقبة : عن ابن شهاب قال : [ و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة في غزوة الجموم فأصاب زيد نعما و شاء و أسر جماعة من المشركين ]
و قال ابن سعد : هي في شهر ربيع الآخر سنة ست قالوا : [ بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة إلى بني سليم فسار حتى ورد الجموم ـ ناحية بطن نخل عن يسارها
و بطن نخل من المدينة على أربعة برد ـ فأصابوا عليه امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بني سليم فأصابوا في تلك المحلة نعما و شاء و أسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية فلما قفل زيد بن حارثة بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه و سلم للمزنية نفسها و زوجها ] فقال بلال بن الحارث المزني في ذلك :
( لعمرك ما أخنى المسول و لا ونت ... حليمة حتى راح ركبهما معا ) (2/151)
قال ابن سعد : ثم سرية زيد بن حارثة إلى العيص ـ و بينها و بين المدينة أربع ليال و بينها و بين ذي المروة ليلة ـ في جمادى الأولى سنة ست قالوا : [ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام بعث زيد بن حارثة في سبعين و مائة راكب معترضا لها فأخذوها و ما فيها و أخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية و أسروا ناسا ممن كان في العير منهم أبو العاص بن الربيع و قدم بهم المدينة فاستجار أبو العاص بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأجارته و نادت في الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر : إني قد أجرت أبا العاص فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما علمت بشيء من هذا و قد أجرنا من أجرت و رد عليه ما أخذ منه ] (2/151)
ثم سرية زيد بن حارثة إلى الطرف و هو ماء قريب من المراض دون النخيل على ستة و ثلاثين ميلا من المدينة فخرج إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا فأصاب نعما و شاء و هربت الأعراب و صبح زيد بالنعم المدينة و هي عشرون بعيرا و لم يلق كيدا و غاب أربع ليال و كان شعارهم : أمت أمت
و قال الواقدي : فيما ذكر عنه الحاكم : و خافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم سار إليهم (2/152)
ثم سرية زيد بن حارثة إلى حسمى و هي وراء وادي القرى في جمادى الآخرة سنة ست قالوا : [ أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر و قد أجازه و كساه فلقيه الهنيد بن عارض و ابنه عارض بن الهنيد ـ و عند ابن إسحاق : عوص فيهما بدل عارض ـ في ناس من جذام بحسمى فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه و قدم دحية على النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل و رد معه دحية و كان زيد يسير بالليل و يكمن بالنهار و معه دليل له من بني عذرة فأقبل حتى هجم بهم مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم فقتلوا فيهم فأوجعوا و قتلوا الهنيد و ابنه و أغاروا على ماشيتهم و نعمهم و نسائهم فأخذوا من النعم ألف بعير و من الشاء خمسة آلاف شاة و من السبي مائة من النساء و الصبيان فدخل زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابه الذي كان كتب له و لقومه ليالي قدم عليه فأسلم و قال رسول الله لا تحرم علينا حلالا و لا تحل لنا حراما قال فكيف أصنع بالقتلى ؟ قال أبو يزيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا و من قتل فهو تحت قدمي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صدق أبو يزيد فبعث معهم عليا إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلي بينهم و بين حرمهم و أموالهم فتوجه علي و لقي رافع بن مكيث الجهني ـ بشير زيد بن حارثة ـ على ناقة من إبل القوم فردها علي على القوم و لقي زيدا بالفحلتين و هي بين المدينة و ذي المروة فأبلغه أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد إلى الناس كل ما كان أخذ لهم ]
و ذكر غير ابن سعد أمر هذه السرية أطول من هذا
و حسمى على مثال فعلى مكسور الأول قيده أبو علي : موضع من أرض جذام و ذكروا أن الماء في الطوفان أقام به بعد نضوبه ثمانين سنة
وعند ابن إسحاق أبو زيد بن عمرو و عنده رفاعة بن زيد الجذامي و هو الصحيح
و عوص : قيده بعض الناس : عوض و قال النمري : ليس عوض إلا في حمير و عوض بن إرم بن سام بن نوح و في غيرهما عوص (2/152)
ثم سرية بن زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب سنة ست
قال ابن عائذ : و أخبرني الوليد بن مسلم عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال ثم غزوة زيد بن حارثة إلى وادي القرى فأصيب يومئذ من المسلمين ورد بن مرداس و ارتث زيد بن حارثة من بين وسط القتلى
و قال غيره : فلما قدم زيد آلى أن لا يمس رأسه غسل جنابة حتى يغزو بني فزارة فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى
و عن ابن إسحاق : [ من طريق يونس بن بكير قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر : قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة إلى وادي القرى فلقي به بني فزارة و أصيب بها ناس من أصحابه و انفلت زيد من بين القتلى فأصيب فيها أحد بني سعد بن هذيم أصابه أحد بني بكر فلما قدم زيد بن حارثة نذر أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو فزارة فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم في جيش إلى بني فزارة فلقيهم بوادي القرى و أصاب فيهم
و قتل قيس بن المسحر بن النعمان مسعدة بن حكمة بن مالك بن بدر و أسر أم قرفة و هي فاطمة بنت زمعة بن بدر و كانت عند حذيفة بن بدر عجوزا كبيرة و بنتا لها و عبد الله بن مسعدة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة فقتلها قتلا عنيفا و ربط برجليها حبلين ثم ربطا إلى بعيرين شتى حتى شقاها ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم بابنة أم قرفة و بعبد الله بن مسعدة فكانت بنت أم قرفة لسلمة بن الأكوع و كان هو الذي أصابها و كانت في بيت شرف من قومها كانت العرب تقول : [ لو كنت أعز من أم قرفة ] فسألهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فوهبها له فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب فولدت له عبد الرحمن بن حزن ]
هكذا ذكر محمد بن إسحاق و محمد بن سعد أن أمير هذه السرية زيد بن حارثة
و روينا في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث أبا بكر إلى بني فزارة و سيأتي لهذا الخبر مزيد بيان إن شاء الله تعالى (2/153)
قال ابن سعد : [ ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست
قالوا : دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف فأقعده بين يديه و عممه بيده
و قال : اغز بسم الله و في سبيل الله فقاتل من كفر بالله و لا تغل و لا تغدر و لا تقتل وليدا و بعثه إلى كلب بدومة الجندل فقال : إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن بن عوف حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو بن الكلبي و كان نصرانيا و كان رأسهم و أسلم معه ناس كثير من قومه و أقام من أقام على إعطاء الجزية و تزوج عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الأصبغ و قدم بها إلى المدينة و هي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن ]
و ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث أبا عبيدة بن الجراح لدومة الجندل في سرية (2/155)
و ذكر ابن إسحاق سرية لزيد بن حارثة إلى مدين قال : [ فأصاب سبيا من أهل مينا و هي السواحل و فيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم ـ يعني بين الأمهات و الأولاد ـ فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم يبكون فقال : ما لهم ؟ فقيل : يا رسول الله فرق بينهم قال : لا تبيعوهم إلا جميعا و كان مع سرية زيد بن حارثة ضميرة مولى علي بن أبي طالب و أخ له ] (2/155)
قال ابن سعد عطفا على سرية عبد الرحمن بن عوف : ثم سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر فبعث إليهم عليا في مائة رجل فسار الليل و كمن النهار حتى انتهى إلى الغمج ـ و هو ماء بين خيبر و فدك و بين فدك و المدينة ست ليال ـ فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم فقال أخبركم على أنكم تؤمنوني فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم و أخذوا خمسمائة بعير و ألفي شاة و هربت بنو سعد بالظعن و رأسهم وبر بن عليم فعزل علي صفي رسول الله صلى الله عليه و سلم لقوحا تدعى الحفدة ثم عزل الخمس و قسم سائر الغنائم على أصحابه
و ذكر الحاكم بسنده في هذا الخبر من طريق الواقدي و قال : فأصاب عينا فأقر لهم
أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر (2/155)
ذكر ابن سعد أنها في شهر رمضان سنة ست قال : قالوا : خرج زيد بن حارثة في تجارة إلى الشام و معه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فلما كان وادي القرى لقيه ناس من فزارة من بني بدر فضربوه و ضربوا أصحابه و أخذوا ما كان معهم ثم استبل زيد
و ذكر ابن سعد نحو ما سبق [ عن ابن إسحاق من طريق ابن بكير في خبر أم قرفة السابق و قال في آخره : و قدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبي صلى الله عليه و سلم فقام إليه عريانا يجر ثوبه حتى اعتنقه و قبله و ساءله فأخبره بما ظفره الله به ]
كذا ثبت عند ابن سعد لزيد سريتان بوادي القرى إحداهما في رجب و الثانية في رمضان
و إنما قالوا : [ أعز من أم قرفة ] لأنها كانت يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم لها ذو محرم و الواقدي يذكر أنها قتلت يوم بزاخة و إنما المقتول يوم بزاخة بنوها التسعة
و ذكر الدولابي أن زيدا إنما قتلها كذلك لسبها رسول الله صلى الله عليه و سلم و عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فدا بابنتها أسيرا كان في قريش من المسلمين و هو مخالف لما حكيناه عن ابن إسحاق من أنها صارت لحزن بن أبي وهب
و قيس بن المسحر بتقديم السين عند الطبري و بتقديم الحاء عند غيره و فتح السين و من الناس من يكسرها
و ورد بن عمرو بن خداش و في الأصل عمرو بن مرداس و كأنه تصحيف و هو أحد بني سعد بن هذيم و هو سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة حضنه عبد اسمه هذيم فغلب عليه قاله ابن الكلبي (2/156)
و غير ابن سعد يقول : اليسير بن رزام اليهودي بخيبر في شوال سنة ست
قالوا : [ لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن رزام فسار في غطفان و غيرهم فجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجه عبد الله بن رواحة في ثلاثة في شهر رمضان سرا فسأل عن خبره و غرته فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا فبعث عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا على أسير فقالوا : نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له قال : نعم و لي منكم مثل ذلك فقالوا : نعم فقلنا : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر و يحسن إليك فطمع في ذلك فخرج و خرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين حتى إذا كنا بقرقرة نبار ندم أسير فقال عبد الله بن أنيس الجهني و كان في السرية : و أهوى بيده إلى سيفي ففطنت له و دفعت بعيري قلت : غدرا أي عدو الله فعل ذلك مرتين فنزلت فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير فضربته بالسيف فأندرت عامة فخذه و ساقه و سقط عن بعيره و بيده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومة و ملنا على أصحابه فقتلناهم كما هم غير رجل واحد أعجزنا شدا و لم يصب من المسلمين أحد ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثناه الحديث فقال : قد نجاكم الله من القوم الظالمين ]
و قال ابن عائذ : [ أخبرنا الوليد عن عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عتيك في ثلاثين راكبا فيهم عبد الله بن أنيس ]
و قال غير الوليد : بعث عبد الله بن رواحة و فيما ذكره ابن عائذ : [ وقدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبصق في شجته فلم تقح و لم تؤذه حتى مات ]
و قال ابن إسحاق : إن رواحة غزا خيبر مرتين إحداهما التي أصاب فيها ابن رزام (2/157)
و عند ابن إسحاق : جبار بن صخر بدل سلمة بن حريس
قال ابن سعد : ثم سرية عمرو بن أمية الضمري و سلمة بن أسلم بن حريس إلى أبي سفيان بن حرب بمكة و ذلك أن أبا سفيان بن حرب قال لنفر من قريش : ألا أحد يغتر محمدا ؟ فإنه يمشي في الأسواق فأتاه رجل من الأعراب فقال : قد وجدت أجمع الرجال قلبا و أشدهم بطشا و أسرعهم شدا فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله و معي خنجر مثل خافية النسر فأسوره ثم آخذ في عير و أسبق القوم عدوا فإني هاد بالطريق خريت قال : أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا و نفقة و قال : اطو أمرك فخرج ليلا فسار على راحلته خمسا و صبح ظهر الحرة صبح سادسة ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دل عليه فعقل راحلته ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في مسجد بني عبد الأشهل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن هذا ليريد غدرا فذهب ليجنئ على رسول الله صلى الله عليه و سلم فجذبه أسيد بن الحضير بداخلة إزاره فإذا بالخنجر فأسقط في يديه و قال : دمي دمي فأخذ أسيد بلبته فذعته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اصدقني ما أنت ؟ قال : و أنا آمن ؟ قال : نعم فأخبره بأمره و ما جعل له أبو سفيان فخلى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري و سلمة بن أسلم إلى أبي سفيان بن حرب و قال : إن أصبتما منه غرة فاقتلاه فدخلا مكة و مضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه فأخبر قريشا بمكانه فخافوه و طلبوه و كان فاتكا في الجاهلية و قالوا : لم يأت عمرو لخير فحشد له أهل مكة و تجمعوا و هرب عمرو و سلمة فلقي عمرو عبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي فقتله و قتل آخر من بني الديل سمعه يتغنى و يقول :
( و لست بمسلم ما دمت حيا ... و لست أدين دين المسلمينا )
و لقي رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الخبر فقتل أحدهما و أسر الآخر فقدم به المدينة فجعل عمرو يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و رسول الله صلى الله عليه و سلم يضحك (2/158)
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة ـ يعني بعد غزوة بني المصطلق ـ رمضان و شوالا و خرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا
و عند ابن سعد : يوم الاثنين لهلال ذي القعدة
قال ابن هشام : و استعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي
قال ابن إسحاق : و استنفر العرب و من حوله من أهل البوادي من الأعراب و هو يخشى من قريش الذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدؤه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الأعراب و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم بمن معه من المهاجرين و الأنصار و من لحق به من العرب و ساق الهدي معه و أحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه و ليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت و معظما له
حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة و مروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا و ساق معه الهدي سبعين بدنة و كان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة عن عشرة نفر
و قال ابن عقبة : عن جابر عن كل سبعة بدنة
و ذكر ابن عائذ عن الوليد بن مسلم عن الزهري : كانوا أربع عشرة مائة و ذكر ابن عقبة عن جابر : كانوا ستة عشر مائة
و روينا عن البراء من طريق ابن سعد و غيره : كانوا ألفا و أربعمائة
[ و روينا عن جابر كانوا خمس عشرة مائة أخبرنا الشيخ نظام الدين أبو عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن الخليلي قراءة عليه و أنا أسمع بمصر أخبرنا أبو نصر بن الدجاجي إجازة من بغداد أخبرنا أبو الحسن محمد بن علوي الكوفي قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علوان الخازن أخبرنا القاضي أبو عبد الله الجعفي حدثنا أبو جعفر محمد بن رباح الأشجعي حدثنا أبو الحسن علي بن منذر الطريقي حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال : عطش الناس يوم الحديبية و رسول الله صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة يتوضأ منها فأقبل الناس نحوه فقال : ما لكم ؟ قالوا : يا رسول الله ليس عندنا ماء نشرب و لا نتوضأ منه إلا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه أمثال العيون قال : فشربنا و توضأنا قال : فقلت لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة ]
و قال ابن سعد : و يقال ألف و خمسمائة و خمسة و عشرون رجلا
و أحرم معه صلى الله عليه و سلم زوجه أم سلمة و روينا عن عبد الله بن أبي أوفى من طريق ابن سعد : كانوا ألفا و ثلاثمائة
قال ابن إسحاق : و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كنا بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي و ابن هشام يقول : بسر فقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور و قد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدا و هذا خالد بن الوليد في خيلهم و قد قدموها إلى كراع الغميم
و قال ابن سعد : [ قدموا مائتي فارس عليها خالد بن الوليد و يقال : عكرمة بن أبي جهل قال : ودنا خالد في خيله حتى نظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عباد بن بشر فتقدم في خيله فقام بإزائه و صف أصحابه و حانت صلاة الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بأصحابه صلاة الخوف ]
رجع إلى ابن إسحاق : [ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا ويح قريش أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني و بين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا و إن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين و إن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش ؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال : من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رجلا من أسلم قال : أنا يا رسول الله قال : فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب فلما خرجوا منه و قد شق ذلك على المسلمين و أفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس قولوا : نستغفر الله و نتوب إليه فقالوا ذلك فقال : و الله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها ]
قال ابن شهاب : [ فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فقال : اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق يخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة قال فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس : خلأت القصواء فقال : ما خلأت و ما هو لها بخلق و لكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال للناس : انزلوا قيل له : يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن ]
قال : حدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم أن الذي نزل في القليب ناجية بن جندب سائق بدن رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول : أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فالله أعلم
قال الزهري في حديثه : [ فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة فكلموه و سألوه ما الذي جاء به ؟ فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا و إنما جاء زائرا للبيت و معظما لحرمته ثم قال لهم نحوا مما قال لبشر بن سفيان فرجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد إن محمدا لم يأت لقتال إنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم و جبهوهم و قالوا : إن كان جاء و لا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا و لا تحدث بذلك عنا العرب و كانت خزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه و سلم مسلمها و مشركها لا يخفون عليه شيئا كان بمكة
ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف أخا بني عامر فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا قال : هذا الرجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و كلمه قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم نحوا مما قال لبديل و أصحابه فرجع إلى قريش و أخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة بن ريان و كان يومئذ سيد الأحابيش و هو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسير إليه من عرض الوادي بقلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش و لم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إعظاما لما رأى فقال لهم ذلك فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن الحليس غضب عند ذلك و قال : يا معشر قريش و الله ما على هذا حالفناكم و لا على هذا عاقدناكم أنصد عن بيت الله من جاءه معظما و الذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد و ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد قال : فقالوا : مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ]
قال الزهري في حديثه : [ ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عروة بن مسعود الثقفي فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف و سوء اللفظ و قد عرفتم أنكم والد و أني والد ـ و كان عروة لسبيعة بنت عبد شمس ـ و قد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمهتم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لنقضها بهم ؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا قال : و أبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد فقال : امصص بظر اللات أنحن ننكشف عنه ؟ قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة قال : أما و الله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها و لكن هذه بها قال : ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يكلمه قال : و المغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديد قال : فجعل يقرع يده إذا تناول لحية رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقول : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن لا تصل إليك قال : فيقول عروة : ويحك ما أفظك ! و ما أغلظك ! قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له عروة : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال : أي غدر و هل غسلت سوأتك إلا بالأمس ؟ ! ]
قلت : كذا وقع في هذا الخبر أن عروة عم المغيرة و إنما هو عم أبيه هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود فعروة و أبو عامر أخوان
قال ابن هشام : أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف : بنو مالك رهط المتقولين و الأحلاف رهط المغيرة فودى عروة المقتولين ثلاثة عشر دية و أصلح ذلك الأمر
قال الزهري : فكلمه رسول الله صلى الله عليه و سلم نحوا مما كلم به أصحابه و أخبره أنه لم يأت يريد حربا فقام من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضا إلا ابتدروا وضوءه و لا يبصق بصاقا إلا ابتدروه و لا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه فقال : يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه و قيصر في ملكه و النجاشي في ملكه و إني و الله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه و لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم
قال ابن إسحاق : [ فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة و حمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه و سلم و أرادوا قتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين رجلا و أمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فعفا عنهم و خلى سبيلهم و قد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحجارة و النبل ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي بمكة و ما بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني و قد عرفت قريش عداوتي إياها و غلظتي عليها و لكن أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان و أشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب و أنه لم يأت إلا زائر لهذا البيت و معظما لحرمته فخرج عثمان بن عفان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فجعله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان و عظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أرسله به فقال لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه و سلم فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمين أن عثمان قد قتل ]
قال ابن إسحاق : [ فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على الموت وكان جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبايعنا على الموت و لكن بايعنا على أن لا نفر فبايع رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و لم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أحد بني سلمة فكان جابر يقول : و الله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل ]
قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن خالد عن الشعبي أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي
قال ابن إسحاق : قال الزهري : [ ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ـ أخا بني عامر بن لؤي ـ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : ائت محمدا فصالحه و لا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تكلم فأطال الكلام و تراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر و لم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال له : يا أبا بكر أليس برسول الله ؟ قال : بلى قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى قال أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى قال : فعلام نعطي في الدنيئة في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عمر : و أنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى قال : فعلام نعطي الدنيئة في ديننا ؟ قال : أنا عبد الله و رسوله لن أخالف أمره و لن يضيعني قال : فكان عمر يقول : ما زلت أصوم و أتصدق و أصلي و أعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حين رجوت أن يكون خيرا ]
[ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب فقال اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم
قال : فقال سهيل بن عمرو : لا أعرف هذا و لكن اكتب : باسمك اللهم : فكتبها ثم قال اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك و لكن اكتب اسمك و اسم أبيك قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليه و من جاء قريشا ممن مع محمد لم يرده عليه و أن بيننا عيبة مكفوفة و أن لا إسلال و لا إغلال و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أراد أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش و عهدهم و أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة و أنه إذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب : السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها
فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يكتب الكتاب هو و سهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم خرجوا و هم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح و الرجوع و ما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفسه دخل الناس من ذلك عليهم أمر عظيم حتى كادوا يهلكون فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه و أخذ بتلبيبه ثم قال : يا محمد قد لجت القضية بيني و بينك قبل أن يأتيك هذا قال : صدقت فجعل ينتره بتلبيبه و يجره ليرده إلى قريش و جعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد الناس ذلك إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا جندل اصبر و احتسب فإن الله جاعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا إنا قد عقدنا بيننا و بين القوم صلحا و أعطيناهم على ذلك و أعطونا عهد الله و إنا لا نغدر بهم قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه و يقول : اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون و إنما دم أحدهم دم كلب قال : و يدني قائم السيف منه قال : يقول عمر : وددت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضن الرجل بأبيه و نفذت القضية فلما فرغ التاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين و رجالا من المشركين : أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف و عبد الله بن سهيل بن عمرو و سعد بن أبي وقاص و محمود بن مسلمة و مكرز بن حفص و هو مشرك و علي بن أبي طالب و كان هو كاتب الصحيفة
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مضطربا في الحل و كان يصلي في الحرم فلما فرغ من الصلح قام إلى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه و كان الذي حلقه فيما بلغني في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم قد نحر و حلق تواثبوا ينحرون و يحلقون ]
و ذكر ابن إسحاق [ عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس : : دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرحمة للمحلقين ثلاثا و للمقصرين مرة ]
و ذكر ابن سعد بسنده أن عثمان و أبا قتادة الأنصاري ممن لم يحلق
و قال ابن أبي نجيح : [ حدثني مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين ]
قال الزهري في حديثه : [ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجهه ذلك قافلا حتى إذا كان بين مكة و المدينة نزلت سورة الفتح : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صراصا مستقيما } [ الفتح : 1 ـ 2 ] ثم كانت القصة فيه و في أصحابه حتى انتهى إلى ذكر البيعة فقال : { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله } الآية [ الفتح : 10 ] ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ثم قال حين استنفرهم للخروج معه فأبطؤوا عليه : { سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا و أهلونا } [ الفتح : 11 ] ثم القصة عن خبرهم حتى انتهى إلى قوله : { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا } [ الفتح : 15 ] ثم القصة عن خبرهم و ما عرض عليهم من جهاد القوم أولي البأس الشديد فذكر آيات من سورة الفتح ]
و ذكر ابن عائذ : فيما رواه عن محمد بن شعيب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال : و وعده ربه أنه فاتحها و بين له فتحها و لم يجعل لمن تخلف عنه بالمدينة من غير معذرة نصيبا في مغانم خيبر فقال : { سيقول المخلقون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } حتى بلغ { إلا قليلا } [ الفتح : 15 ]
و قال ابن عقبة في تفسير قوله { فتحا قريبا } [ الفتح : 18 ] رجوعهم من العام المقبل إلى مكة معتمرين و قيل خيبر
و هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة فخرج أخواها عمارة و الوليد في ردها بالعهد فلم يفعل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك و نزلت : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } [ الممتحنة : 10 ] الآيات و كان ممن طلق عند نزول قوله تعالى : { و لا تمسكوا بعصم الكوافر } [ الممتحنة : 10 ] عمر بن الخطاب طلق امرأته قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها معاوية بن أبي سفيان و هما على شركهما و أم كلثوم بنت جرول فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن حذيفة بن غانم رجل من قومه و مما على شركهما
[ و روي أن بعض من كان مع النبي صلى الله عليه و سلم قال له لما قدم المدينة : ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ؟ قال : بلى أفقلت لكم من عامي هذا ؟ قالوا : لا قال : فهو كما قال جبريل ]
و ذكر ابن عقبة : [ عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استشار الناس حين بلغه أن قريشا تجمع له فقال : أترون أن نغير على ما جمعوا لنا و على جل أموالهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا مغيظين موتورين و إن تبق منهم عنق نقطعها ؟ أم ترون أن نؤم البيت الحرام فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ قال أبو بكر الصديق : الله و رسوله أعلم جئنا لأمر فنرى أن نؤمه فمن صدنا عنه قاتلنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فنعم و يقال : سار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال : إن قريشا قد نزلت بذي طوى و ذكر نحو ما تقدم و فيه : بعد كتابة الصحيفة بالصلح فهم ينتظرون نفاذ ذلك و إمضاءه رمى رجل من أحد الفريقين رجلا من الفريق الآخر فكان بينهم شيء من قتال يترامون بالنبل و الحجارة فصاح الفريقان كلاهما و ارتهن كل واحد من الفريقين من كان عنده من الآخرين فارتهن المشركون عثمان بن عفان و من كان معه و ارتهن المسلمون سهيل بن عمرو و من كان معه من المشركين يقولون : فعند ذلك دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم المسلمين إلى البيعة و أراد القتال فبايعوه على الموت و قال جابر : على أن لا يفروا و عمر آخذ بيده و الشجرة : سمرة و الخيل مائة فرس فبايعناه غير الجد بن قيس فلما رأت قريش ذلك رعبهم الله و أرسلوا من كان في أيديهم من المسلمين فدعوا إلى الموادعة و الصلح و المسلمون لهم عالون و صالحهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و كره عمر الصلح ثم رجع عن ذلك و لما رجع عليه الصلاة و السلام من الحديبية كلمه بعض أصحابه فقالوا : جهدنا و في الناس ظهر فانحره لنأكل من لحمه و لندهن من شحومه و لنحتذي من جلوده فقال عمر بن الخطاب : لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن فيهم بقية ظهر أمثل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ابسطوا أنطاعكم و عباءكم ففعلوا ثم قال : من كان عنده بقية من زاد أو طعام فلينثره و دعا لهم فقال : قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء الله ]
و قد روينا نحوه : [ من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه من طريق مسلم و في آخره : فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فهل من وضوء ؟ فجاء رجل بإداوة فيها نطفة من ماء فأفرغا في قدح فتوضأنا كلنا ] الحديث
قال ابن عقبة : [ و أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما هذا بفتح لقد صدونا عن البيت و صد هدينا و رد رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلين من المؤمنين كانا خرجا إليه فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم قول أؤلئك فقال : بئس الكلام بل هو أعظم الفتح قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم و يسألوكم القضية و يرغبون إليكم في الأمان و قد رأوا منكم ما كرهوا و أظفركم الله عليهم و ردكم الله سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح و فيه : أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون و لا تلوون على أحد و أنا أدعوكم في أخراكم ؟ أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم و من أسفل منكم و إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون بالله الظنونا ؟ فقال المسلمون : صدق الله و رسوله فهو أعظم الفتوح و الله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه و لأنت أعلم بالله و أمره منا ]
و ذكر ابن عائذ : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أقام في غزوته هذه شهرا و نصفا
و قال ابن سعد : أقام بالحديبية بضعة عشر يوما و يقال : عشرين ليلة ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كانوا بضجنان نزلت عليه { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال جبريل : نهنئك يا رسول الله و هنأه المسلمون
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن قيس بن أبي أويس عن مجمع بن يعقوب عن أبيه أنه قال : لما صد رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و حلقوا بالحديبية و نحروا بعث الله ريحا عاصفا فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم
و عن طارق بن عبد الرحمن قال : كنت عند سعيد بن المسيب فتذكروا الشجرة فضحك ثم قال : حدثني أبي أنه كان ذلك العام معهم و أنه قد شهدها فنسوها من العام المقبل
و روينا عن ابن سعد قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا عبد الله بن عوف عن نافع قال : كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان فيصلون عندها قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها و أمر بها فقطعت
و روينا عن ابن عمر قال : كانت رحمة من الله
و روينا عن ابن سعد أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي قال : أخبرنا خالد الحذاء قال : أخبرني أبو المليح عن أبيه قال : أصابنا يوم الحديبية مطر لم يبل أسافل نعالنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم أن صلوا في رحالكم (2/160)
الحديبية : بئر سمي المكان بها و الأعراف فيها التخفيف و رأيت بخط جدي : قال الأستاذ نقلا عن أبيه على الشلوبين : هي بتخفيف الياء لا غير و كأنه تصغير حدبى مقصورة قال ابن السراج : و الجعرانة بإسكان العين قاله الأصمعي و أتى بالتشديد و ذكر أنه سمعه من فصحاء العرب
و إحرامه عليه الصلاة و السلام كان من ذي الحليفة
و الأجرل : الكثير الحجارة و الجرول و الجرل : الحجارة
و العوذ المطافيل : النساء اللاتي معهن أطفالهن و قال السهيلي : جمع عائذ و هي الناقة التي معها ولدها يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها و لا يرجعوا حتى يناجزوا محمدا صلى الله عليه و سلم و أصحابه
و خلأت القصواء : حرنت و الخلأ في الإبل كالحران في غيرها من الدواب
و ماء رواء : وروى و قوم رواء من الماء عن ثعلب
و ناجية : كان اسمه ذكوان فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نجا من كفار قريش ناجية
و جبهت الرجل : استقبلته بما يكره
و يتألهون : يعظمون أمر الإله و قال الخشني : التأله التعبد
و رأيت عن ابن الكلبي في نسب الحليس بن ريان : أنه الحليس بن عمرو بن الحارث بن المغفل و هو الريان بن عبد ياليل و يقال الحليس بن يزيد الريان
و الأوباش : و الأوشاب الأخلاط من الناس
و أبو سنان الأسدي : اسمه وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن
[ روينا عن أبي عروبة حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن فضيل عن عاصم عن عامر قال : كان أول من بايع بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي قال : يا رسول الله ! بايعني قال : على ماذا ؟ قال : على ما في نفسك قال : ما في نفسي ؟ قال : الفتح أو الشهادة فبايعه رسول الله صلى الله عليه و سلم و جاء الناس فجعلوا يقولون نبايعك على بيعة أبي سنان ] كذا روي هذا عن الشعبي من غير وجه
و الصواب سنان بن أبي سنان قال الواقدي فيما حكى عنه أبو عمر : و سنان أول من بايع بيعه الرضوان و توفي سنان سنة اثنين و ثلاثين و أما أبوه أبو سنان فمات في حصار بني قريظة ذكر ذلك أبو جعفر الطبري و غيره و قال : كان أسن من أخيه عكاشة بسنتين قال : و دفن بمقبرة بني قريظة اليوم و قد تقدم ذلك و قد ذكر أن أول المبايعين يومئذ عبد الله بن عمر قال أبو عمر : و لا يصح
و قد روينا من طريق البخاري قال : حدثني شجاع بن الوليد قال : سمع النضير بن محمد حدثنا صخر عن نافع قال : إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر و ليس كذلك و لكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار ليقاتل عليه و رسول الله صلى الله عليه و سلم يبايع عند الشجرة و عمر لا يدري بذلك فبايعه عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر و عمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يبايع تحت الشجرة قال : فانطلق عمر فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر
روينا من طريق مسلم : عن سلمة بن الأكوع ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا للبيعة في أصل الشجرة قال : فبايعته أول الناس ثم بايع و بايع الحديث
قال السهيلي : و في هذا الحديث مصالحة المشركين على غير مال يؤخذ منهم و ذلك جائز إذا كان بالمسلمين ضعف و قد تقدم مصالحتهم على مال يعطونه في غزوة الخندق قال : و اختلف هل يجوز صلحهم إلى أكثر من عشر سنين و حجة من منع أن حظر الصلح هو الأصل بدليل آية القتال و قد ورد التحديد بالعشر في حديث ابن إسحاق فحصلت الإباحة في هذا المقدار متحققة و بقيت الزيادة على الأصل
قلت : ليس في مطلق الأمر بالقتال ما يمنع من الصلح و إن كان المراد ما في سورة براءة من ذلك مما نزل بعد هذه الواقعة ففي التخصيص بذلك اختلاف بين العلماء و أما تحديد هذه المدة بالعشر فأهل النقل مختلفون في ذلك فروينا عن ابن سعد كما روينا عن ابن إسحاق و روينا عن موسى بن عقبة قال : و كان الصلح بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قريش سنتين يأمن بعضهم بعضا و كذلك روينا عن ابن عائذ عن محمد بن شعيب عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن مدة الصلح كانت إلى سنتين و الله أعلم
و أما كتابة الصلح : فقرئ على عبد الرحيم بن يوسف المزي و أنا أسمع أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله أخبرنا ابن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب يقول : لما صالح رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل الحديبية كتب علي رضي الله عنه كتابا بينهم قال : فكتب : محمد رسول الله فقال المشركون : لا تكتب : محمد رسول الله و لو كنت رسول الله لم نقاتلك قال : فقال لعلي : امحه فقال : ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده الحديث
و قد روى البخاري : أن النبي صلى الله عليه و سلم كتب ذلك بيده و عد ذلك من وقف عنده معجزة له عليه الصلاة و السلام و ما شهد به القرآن من أنه النبي الأمي الذي لا يحسن الكتابة مع ما كان يأتي به من أقاصيص الأولين و أخبار الأمم الماضين هو المعجزة العظمى لما تضمن من تكذيب من نسب ذلك إلى علم تلقاه من أساطير الأولين ممن كان اكتتبها فهي تملى عليه و هذا علم عظيم من أعلام نبوته و أصل كبير من دلائل صدقه في أنه عليه الصلاة و السلام إنما كان يتلقى ذلك من الوحي و سلامة هذا الأصل من شبهة قد تركت للملحد حجة في معارضته و إن بعدت أولى و ذكر الإمام أبو الوليد الباجي أنه كتب فأنكر ذلك علماء الأندلس فبعث إلى الآفاق يستفتي بمصر و الشام و العراق و غير ذلك فجلهم قال : لم يكتب النبي صلى الله عليه و سلم بيده قط و رأوا ذلك محمولا على المجاز و أن معنى كتب : أمر بالكتابة و قالت طائفة يسيرة منهم : كتب و جرت هذه المسألة يوما بحضرة شيخنا الإمام أبي الفتح القشيري رحمه الله فلم يعبأ بقول من قال : كتب و قال عن الباجي : هو قول أحوجه إلى أن يستنجد بالعلماء من الآفاق
و أبو جندل : اسمه العاصي وهو أخو عبد الله بن سهيل شهد عبد الله بدرا مع النبي صلى الله عليه و سلم وكان إسلامه قبل ذلك و أول مشاهد أبي جندل الفتح و إنما ذكرنا ذلك ليعلم الفرق بينهما فقد ذكر أن بعض من ألف في الصحابة سمى أبا جندل عبد الله و ليس كذلك و رجع أبو جندل إلى مكة يوم الحديبية في جوار مكرز بن حفص فيما حكى ابن عائذ
قال أبو القاسم السيلي ـ و ذكر قوله الله سبحانه : { إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } [ الممتحنة : 10 ] ـ و هذا عند أهل العلم مخصوص بنساء أهل العهد و الصلح و كان الامتحان أن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما هاجرت ناشزا و لا هاجرت إلا لله و لرسوله فإذا حلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها وإن كانت من غير أهل العهد لم تستحلف و لم يرد صداقها
و عيبة مكفوفة : أي صدور منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة
و الإغلال : الخيانة
و الإسلال : السرقة (2/173)
قال ابن إسحاق : [ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي و كان ممن حبس بمكة فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة و الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعثا رجلا من بني عامر بن لؤلي و معه مولى لهم فقدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم بكتاب الأزهر و الأخنس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا بصير ! إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت و لا يصلح لنا في ديننا الغدر و إن الله جاعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا فانطلق إلى قومك قال : يا رسول الله ! أتردني إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير ! انطلق فإن الله سيجعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحليفة جلس إلى جدار و جلس معه صاحباه فقال : أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم انظر إليه إن شئت فاستله أبو بصير ثم علاه حتى قتله و خرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو جالس في المسجد فلما ره رسول الله صلى الله عليه و سلم طالعا قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعا فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ويحك ما لك ؟ قال قتل صاحبكم صاحبي فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوحشا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقال : يا رسول الله ! وفت ذمتك و أدى الله عنك أسلمتني بيد القوم و قد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يعبث بي قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ويل امه محش حرب لو كان معه رجال ثم خرج أبو بصير حتى نزل الغيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون إلى الشام و بلغ المسلمين الذين كانوا احتسبوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بصير : ويل امه محش حرب لو كان معه رجال ! فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا فكانوا قد ضيقوا على قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه و لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تسأله بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم بهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدموا عليه المدينة ]
و ذكر ابن عقبة هذا الخبر أطول من هذا و سمى الرجل الذي بعثته قريش في طلب أبي بصير : جحيش بن جابر من بني منقذ قال : و كان ذا جلد ورأي في أنفس المشركين و جعل لهما الأخنس في طلب أبي بصير جعلا فقدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم فدفع أبا بصير إليهما فخرجا به حتى إذا كان بذي الحليفة سل جحيش سيفه ثم هزه فقال : لأضربن بسيفي هذا في الأوس و الخزرج يوما إلى الليل و ذكر نحو ما تقدم و فيه : فجاء أبو بصير بسلبه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال خمسه يا رسول الله قال : إني إذا خمسته لم أف بالذي عاهدتهم عليه و لكن شأنك بسلب صاحبك و اذهب حيث شئت فخرج أبو بصير معه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حتى إذا كانوا بين العيص و ذي المروة من أرض جهينة و انفلت أبو جندل بن سهيل في سبعين راكبا أسلموا و هاجروا فلحقوا بأبي بصير و كرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم في هدنة المشركين و كرهوا الثواء بين ظهري قومهم فنزلوا مع أبي بصير في منزل كريه إلى قريش فقطعوا به مادتهم من طريق الشام و أبو بصير يصلي لأصحابه فلما قدم عليه أبو جندل كان هو يؤمهم و اجتمع إلى أبي جندل ناس من غفار و أسلم و جهينة و طوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل و هم مسلمون لا يمر بهم عير لقريش إلا أخذوها و قتلوا أصحابها مرور أبي العاص بن الربيع و قصته قلت : و قد تقدم أن أبا العاص أخذ في سرية زيد بن حارثة إلى العيص قال : و كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي جندل و أبي بصير أن يقدما عليه و من معهما من المسلمين أن يلحقوا ببلادهم و أهليهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عليهما و أبو بصير يموت فمات و كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في يده يقرأه فدفنه أبو جندل مكانه و جعل عند قبره مسجدا و قدم أبو جندل على رسول الله صلى الله عليه و سلم معه ناس من أصحابه و رجع سائرهم إلى أهليهم و قال أبو جندل فيما حكاه الزبير :
( أبلغ قريشا عن أبي جندل ... أنا بذي المروة فالساحل )
( في معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فيها و القنا الذابل )
( يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد إسلامهم الواصل )
( أو يجعل الله لهم مخرجأ ... و الحق لا يغلب بالباطل )
( فيسلم المرء بإسلامه ... أو يقتل المرء و لم يأتل )
و أبو بصير : سماه ابن إسحاق عتبة و من الناس من يسميه عبيدا و هو ابن أسيد بن جارية بن أسيد بن عبد الله بن سلمة بن عبد الله بن غبرة بن عوف بن قسي و هو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوزان حليف بني زهرة (2/178)
قال ابن إسحاق : و أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد رجوعه منة الحديبية ذا الحجة و بعض المحرم و خرج في بقية منه غازيا إلى خيبر و لم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام و استخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي فيما قاله ابن هشام
و قال موسى بن عقبة : لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة منصرفه من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر و كان الله وعده إياها و هو بالحديبية
قال ابن إسحاق : [ فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن إبي الهيثم بن نصر الأسلمي أن أباه حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع ـ و هو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع و كان اسم الأكواع سنانا ـ : انزل يا بن الأكوع فخذ لنا من هناتك قال : فنزل يرتجز :
( و الله لولا الله ما اهتدينا ... و لا تصدقنا و لا صلينا )
( إنا إذا قوم بغوا علينا ... و إن أرادو فتنة أبينا )
( فأنزلن سكينة علينا ... و ثبت الأقدام إن لاقينا )
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يرحمك ربك فقال عمر بن الخطاب : و جببت و الله يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا و كان قتله فيما بلغني أن سيفه رجع عليه و هو يقاتل فكلمه كلما شديدا فمات منه فكان المسلمون قد شكوا فيه و قالوا : ما قتله إلا سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك و أخبره بقول الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنه لشهيد و صلى عليه المسلمون ]
[ و حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن أبي مغيث بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه و أنا فيهم : قفوا ثم قال : اللهم رب السماوات و ما أظللن و رب الأرضين و ما أقللن و رب الشياطين و ما أضللن و رب الرياح و ما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية و خير أهلها و خير ما فيها و نعوذ بك من شرها و شر أهلها و شر ما فيها أقدموا بسم الله قال : وكان يقولها لكل قرية دخلها ]
و حدثني من لا أتهم : [ عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك و إن لم يسمع أذانا أغار فنزلنا خيبر ليلا فبات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا فركب و ركبنا معه و ركبت خلف أبي طلحة و إن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم و استقبلنا عمال خيبر غادين و قدخرجوا بمساحيهم و مكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و الجيش قالوا : محمد و الخميس معه فأدبروا هرابا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ] حدثنا هارون عن حميد عن أنس بمثله
و روينا عن أبي علي بن الصواف بالسند المتقدم إليه [ حدثنا الحسين بن علي بن مصعب حدثنا محمد بن السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال : لما أشرف رسول الله صلى الله عليه و سلم على خيبر وجد اليهود و هم في عملهم معهم مساحيهم فقالوا : محمد و الخميس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ]
رجع إلى الأول : [ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر فبني له فيها مسجد ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بجيشه إلى خيبر حتى نزل بواد يقال له الرجيع فنزل بينهم و بين غطفان ليحول بينهم و بين أن يمدوا أهل خيبر و كانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر جمعوا ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم و أهليهم حسا ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أهليهم و أموالهم و خلوا بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين خيبر و تدنى رسول الله صلى الله عليه و سلم الأموال يأخذها مالا مالا و يفتحها حصنا حصنا فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم و عنده قتل محمود بن مسلمة برحى ألقيت عليه منه ]
أخبرنا أبو الفتح بن المجاور الشيباني بقراءتي عليه بالشام [ أخبرنا أبو اليمن الكندي قراءة عليه و أنا أسمع أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن عمر الحريري أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الواعظ حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر المطبري حدثنا حماد بن الحسن حدثنا أبي عن هشيم عن العوام بن حوشب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن اليهود قتلوا أخي فقال : لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله و رسوله فيفتح الله عز و جل عليه فيمكنه الله من قاتل أخيك فبعث إلى علي رضي الله تعالى عنه فعقد له اللواء فقال : يا رسول الله إني أرمد كما ترى قال : و كان يومئذ أرمد فتفل في عينيه قال علي رضي الله عنه : فما رمدت بعد يومئذ ] قال العوام : فحدثني جبلة بن سحيم أو حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال : فمضى بذالك الوجه فما تتام آخرنا حتى فتح الله على أولياء الله فأخذ علي رضي الله عنه قاتل الأنصاري فدفعه إلى أخيه فقتله
الرجل الأنصاري : هو محمد بن مسلمة
و روينا في المعجم الصغير لأبي القاسم الطبري [ حدثنا محمد بن الفضل بن جابر السقطي ببغداد حدثنا فضيل بن عبد الوهاب حدثنا جعفر بن سليمان عن الخليل بن مرة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : لما كان يوم خيبر بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فجبن فجاء محمد بن مسلمة فقال : يا رسول الله لم أر كاليوم قط قتل محمود بن مسلمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تمنوا لقاء العدو و اسألوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموهم فقولوا : اللهم أنت ربنا و ربهم و نواصينا بيدك و إنما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فإذا غشوكم فانهضوا و كبروا ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لأبعثن غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبانه لا يولي الدبر فلما كان من الغد بعث عليا و هو أرمد شديد الرمد فقال : سر فقال : يا رسول الله ما أبصر موضع قدمي فتفل في عينيه و عقد له اللواء و دفع إليه الراية فقال علي : علام أقاتلهم يا رسول الله ؟ قال : على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى ]
رجع إلى الأول : ثم القموص حصن بني أبي الحقيق و أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم سبايا منهن صفية بنت حيي بن أخطب ـ و كانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ـ و بنتا عم لها فاصفى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية لنفسه
و جعلها عند أم سليم حتى اعتدت و أسلمت ثم أعتقها و تزوجها و جعل عتقها صداقها و اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من جعل ذلك خصوصا له عليه الصلاة و السلام كما خص بالموهمبة و بالتسع و منهم من جعل ذلك سنة لمن شاء من أمته
و كان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم صفية فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها
و قيل : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم وهبها له ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس
و فشت السبايا من خيبر في المسلمين و أكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس عن إتيان الحبالى من النساء و أكل الحمار الأهلي و أكل كل ذي ناب من السباع و بيع المغانم حتى تقسم و أن لا يصيب أحد امرأة من السبي حتى يستبرئها و لا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه و لا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه و أن يبيع أو يبتاع تبر الذهب بالذهب العين و تبر الفضة بالورق العين و قال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق و تبر الفضة بالذهب العين
و فيه : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكل الثوم و عن متعة النساء و رخص في لحوم الخيل و قسم للفارس سهما و للفرس سهمين
فسره نافع فقال : إذا كان مع الفارس فرس فله ثلاثة أسهم و إن لم يكن فله سهم
قال ابن إسحاق : ثم جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتدنى الحصون و الأموال فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض من أسلم أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : يا رسول الله و الله لقد جهدنا و ما بأيدينا من شيء فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا يعطيهم إياه فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم و أن ليست بهم قوة و أن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء و أكثرها طعاما و ودكا فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ و ما بخيبر حصن كان أكثر طعاما و ودكا منه فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم من حصونهم ما افتتح و حاز من الأموال ما حاز انتهوا إلى حصنيهم : الوطيح و السلالم و كان آخر حصون أهل خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بضع عشر ليلة قال ابن هشام : و كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم خيبر : أمت أمت
قال ابن إسحاق : [ فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله قال : فخرج مرحب اليهودي من حصنهم قد جمع سلاحه يرتجز و هو يقول :
( قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب )
في أبيات و هو يقول : من يبارز ؟ فأجابه كعب بن مالك :
( قد علمت خيبر أني كعب ... مفرج الغمى جريء صلب )
في أبيات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من لهذا ؟ فقال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله أنا و الله الموتور الثائر قتل أخي بالأمس قال : فقم إليه اللهم أعنه عليه
قال : و ضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر و هو يقول : من يبارز ؟ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر فقالت له أمه صفية بنت عبد المطلب : يقتل ابني يا رسول الله ؟ قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير فالتقيا فقتله الزبير ]
هذه رواية ابن إسحاق في قتل مرحب و روينا في الصحيح من [ حديث سلمة بن الأكواع أن علي بن أبي طالب قتله
و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل و رجع و لم يكن فتح و قد جهد ثم بعث للغد عمر بن الخطاب فقاتل و رجع و لم يكن فتح وقد جهد فقال عليه الصلاة و السلام : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار فدعا عليا و هو أرمد فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج بها يهرول حتى ركزها في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت ؟ فقال : علي بن أبي طالب فقال : يقول اليهودي علوتم و ما أنزل الله على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله عليه ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني عبد الله بن حسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده و هو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه
و حاصر رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح و السلالم حتى إذا ايقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم و أن يحقن لهم دماءهم ففعل و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد حاز الأموال كلها الشق و نطاة و الكتيبة و جميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعاملهم في الأموال على النصف و قالوا : نحن أعلم بها منكم و أعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه و سلم على النصف على أن إذا شئتنا أن نخرجكم أخرجناكم ]
و قد اختلف الناس في فتحها كيف كان فروينا من طريق أبي داود قال : [ حدثنا داود بن معاذ حدثنا عبد الوارث و حدثنا يعقوب بن إبراهيم و زياد بن أيوب أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا خيبر فأصبناها عنوة فجمع السبي ]
و روينا عن ابن إسحاق قال : [ سألت ابن شهاب فأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ]
و روينا من طريق السجستاني [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال و نزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ]
قال أبو عمر : هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك [ فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل و الركاب و هم أهل الحديبة ] و لم يختلف العلماء أن الأرض خبير مقسومة و إنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف ؟ فقال الكوفيون : الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بأرض خيبر و بين إيقاف كما فعل عمر بسواد العراق و قال الشافعي : تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار
و ذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة من إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين و روى مالك : زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر يقول : لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر سهمانا و هذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها إلى سهمانا كما قال ابن إسحاق و أما من قال : خيبر كان بعضها صلحا و بعضها عنوة فقد و هم و غلط و إنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما في حقن دمائهم فلما لم يكن أهل ذينك الحصين من الرجال و النساء و الذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح و لعمري إنه في الرجال و النساء و الذرية لضرب من الصلح و لكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار و القتال فكان حكم أرضهما كحكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها و ربما شبه على من قال : [ إن نصف خيبر صلح و نصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم خيبر نصفين نصفا له و نصفا للمسلمين ] فقال أبو عمر : و هذا لو صح لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة و ثلاثين سهما فوقع سهم النبي صلى الله عليه و سلم و طائفة معه في ثمانية عشر سهما و وقع سائر الناس في باقيها و كلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر و ليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار و القتال صلحا و لو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم و سائر أموالهم فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة و غيره عن ابن شهاب انتهى ما ذكره أبو عمر
فأما قوله : قسم جميع أرضها فإن الحصنين المفتتحين أخيرا و هما الوطيح و السلالم لم يجر لهما ذكر في القسمة و سيأتي بيان ذلك عند ذكر القسمة و أما تأويله لحديث بشير بن يسار فقد كان ذلك التفسير ممكنا لو كان في الحديث إجمال يقبل التفسير بذلك و لكنه ليس كذلك و سيأتي في الكلام على القسمة و أما قوله : كلهم ممن شهد الحديبية ثم شهد خيبر فالمعروف أن غنائم خيبر كانت لأهل الحديبية ممن حضر الوقعة بخيبر و من لم يحضرها و هو جابر بن عبد الله الأنصاري ذكره ابن إسحاق و ذلك لأن الله أعطاهم ذلك في سفر الحديبية و عن الحكم عن أبي ليلى في قوله تعالى : { و أثابهم فتحا قريبا } [ الفتح : 18 ] قال : خيبر { و أخرى لم تقدروا عليها } [ الفتح : 21 ] : فارس و الروم و أن أهل السفينتين لم يشهدوا الحديبية و لا خيبر و كانوا ممن قسم له من غنائم خيبر و كذلك الدوسيون و كذلك الأشعريون قدموا و رسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا
و ذهب آخرون إلى أن بعضها فتح صلحا و البعض عنوة كما ذكرناه عن موسى بن عقبة و كما روينا عن مالك عن الزهري من طريق أبو داود قال : قرئ على الحارث بن مسكين و أنا شاهد أخبركم ابن وهب قال : حدثني مالك عن ابن شهاب : أن خيبر كان بعضها عنوة و بعضها صلحا و الكتيبة أكثرها عنوة و فيها الصلح قلت لمالك : و ما الكتيبة ؟ قال : أرض خيبر و هي أربعون ألف عذق و روينا عن سعيد بن المسيب أيضا قال أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عبد الله بن محمد عن جويرية عن مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب أخبره : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم افتتح بعض خيبر عنوة و روينا عن أبي داود حدثنا حسين بن علي العجلي حدثنا يحيى ـ يعني ابن آدم ـ حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري و عبد الله بن أبي بكر و بعض ولد محمد بن مسلمة قالوا : بقيت من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك الحديث
قلت : و قد يعضد هذا القول ما يأتي في أخبار القسمة و قد روينا من طريق أبي داود : [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر قال : أحسبه عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل و الأرض و ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه و سلم الصفراء و البيضاء و الحلقة و لهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا و لا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم و لا عهد فغيبوا مسكا لحيي بن أخطب فيه حليهم و في الخبر قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم لسعية : أين مسك حيي بن أخطب ؟ قال : أذهبته الحروب و النفقات فوجدوا المسك فقتل ابن أبي الحقيق و سبى نساءهم و ذراريهم و أراد أن يجليهم فقالوا : يا محمد دعنا نعمل في هذه الأرض و لنا الشطر ما بدا لك و لكم الشطر ]
و زاد أبو بكر البلاذري في هذا الخبر قال : فدفع رسول الله صلى الله عليه و سلم سعية بن عمرو إلى الزبير فمسه بعذاب فقال : رأيت حييا يطوف في خربة ها هنا فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا المسك فقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ابني أبي الحقيق فأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب و سبى نساءهم و ذرايهم و قسم أموالهم للنكث الذي نكثوا
ففي هذا أنها فتحت صلحا و إن الصلح انتفض فصارت عنوة ثم خمسها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قسمها (2/181)
قال ابن إسحاق : و كان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر الأنصاري من بني سلمة و زيد بن ثابت من بني النجار و كانا حاسبين قاسمين
قال ابن سعد : و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالغنائم فجمعت و استعمل عليها فروة بن عمرو البياضي ثم أمر بذلك فجزئ خمسة أجزاء و كتب في سهم منها لله و سائر السهمان أغفال و كان أول ما خرج سهم النبي صلى الله عليه و سلم لم يتخير في الأخماس فأمر ببيع الأربعة الأخماس في من يزيد فباعها فروة و قسم ذلك بين أصحابه و كان الذي و لي إحصاء الناس زيد بن ثابت فأحصاهم ألفا و أربعمائة و الخيل مائتي فرس و كانت السهمان على ثمانية عشر سهما لكل مائة سهم و للخيل أربعمائة سهم و كان الخمس الذي صار لرسول الله صلى الله عليه و سلم يعطي منه على ما أراه الله من السلاح و الكسوة و أعطى منه أهل بيته و رجالا من بني عبد المطلب و نساء و اليتيم و السائل و أطعم من الكتيبة نساءه و بني عبد المطلب و غيرهم ثم ذكر قدوم الدوسيين و الأشعريين و أصحاب السفينتين و أخذهم من غنائم خيبر و لم يبين كيف أخذوا و إذا كانت القسمة على ألف و ثمانمائة سهم و أهل الحديبية ألفا و أربعمائة و الخيل مائتي فرس بأربعمائة سهم فما الذي أخذه هؤلاء المذكورون
و قال ابن إسحاق : و كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق و نطاة و الكتيبة فكانت الشق و نطاة في سهمان المسلمين و كانت الكتيبة خمس الله ثم قال : و كانت نطاة و الشق ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم و الشق ثلاثة عشر سهما و قسمت الشق و نطاة على ألف و ثمانمائة سهم و كانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر ألفا و ثمانمائة رجالهم و خيلهم الرجال أربع عشرة مائة و الخيل مائتان لكل فرس سهمان
و هذا أشبه مما تقدم فإن هذه المواضع الثلاثة مفتوحة بالسيف عنوة من غير صلح و أما الوطيح و السلالم فقد يكون ذلك هو الذي اصطفاه رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ينوب المسلمين و يترجح حينئذ قول موسى بن عقبة و من قال بقوله : أن بعض خيبر كانت صلحا و يكون أخذ الأشعريين و من ذكر معهم من ذلك و تكون مشاورة النبي صلى الله عليه و سلم أهل الحديبية في إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شيء من حقهم و إنما هي المشورة العامة { و شاورهم في الأمر } [ آل عمران : 159 ]
و روى البلاذري : حدثنا الحسين بن الأسود حدثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قسمت خيبر على ألف و خمسمائة سهم و ثمانين سهما و كانوا ألفا و خمسمائة و ثمانين رجلا الذين شهدوا الحديبية منهم ألف و خمسمائة و أربعون و الذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا
ليس في هذا الخبر مع ضعفه ذكر للخيل و فيه أن أصحاب السفينتين كانوا أربعين و قد ذكر ذلك غير أن المشهور الذي ذكره ابن إسحاق أن أصحاب السفينتين كانوا ستة عشر رجلا و أن قوما منهم قدموا قبل ذلك بنحو سنتين من الحبشة و ليس لهم مدخل في هذا و مجموعهم نحو من ثمانية و ثلاثين رجلا و إن كان المراد أصحاب السفينتين و من أخذ معهم من الدوسيين فقد يحتمل
و أما قول أبي عمر : قسم جميع أرضها بين الغانمين فقد حكينا عن ابن إسحاق ما قسم منها و قد روينا عن أبي داود : حدثنا هشام بن عمار حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني عبد العزيز بن محمد [ ح ] و حدثنا نصر بن علي أخبرنا صفوان بن عيسى و هذا لفظ حديثه كلهم عن أسامة بن زيد عن الزهري عن مالك بن أوس بنى الحدثان قال : كان فيما احتج به عمر رضي الله عنه أنه قال : كانت لرسول الله ثلاث صفايا : بنو النضير و خيبر و فدك فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه و أما فدك فكانت حبسا لأبناء السبيل و أما خيبر فجزأها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أجزاء جزءين بين المسلمين و جزءا نفقة لأهله و ما فضل عن نفقة أهله جعله بين فقراء المهاجرين
و أما حديث بشير بن يسار فبشير بن يسار تابعي ثقة يروي عن أنس بن مالك و غيره و يروي عنه هذا الخبر يحيى بن سعيد و يختلف عليه فيه فبعض أصحاب يحيى يقول فيه : عن بشير عن سهل بن أبي حثمة و بعضهم يقول إنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و بعضهم يقول : عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و منهم من يرسله و روينا من طريق أبي داود : حدثنا حسين بن علي الأسود أن يحيى بن آدم حدثهم عن أبي شهاب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قالوا فذكر الحديث قال : فكان النصف سهام المسلمين و سهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و عزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور و النوائب و رواية محمد بن فضيل : عن يحيى عنه عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما ظهر على خيبر و قسمها على ستة و ثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فكان لرسول الله صلى الله عليه و سلم و للمسلمين النصف من ذلك و عزل النصف الباقي لمن ينزل به من الوفود و الأمور و نوائب الناس
فهذه الرواية و التي قبلها مصرحة بأن النصف للنبي صلى الله عليه و سلم و للمسلمين المقسوم عليهم و النصف الباقي هو المدخر لنوائب المسلمين و أصرح منهما رواية سليمان بن بلال عن يحيى عن بشير المرسلة أنه عليه الصلاة و السلام قسمها ستة و ثلاثين سهما فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما يجمع كل سهم مائة سهم النبي صلى الله عليه و سلم معهم له سهم كسهم أحدهم و عزل رسول الله صلى الله عليه و سلم ثمانية عشر سهما و هو الشطر لنوائبه و ما ينزل به من أمور المسلمين فكان ذلك الوطيح و الكتيبة و السلالم و توابعها الحديث فقد تضمن هذا أن المدخر للنوائب الذي لم يقسم بين المغانمين هو الوطيح و السلالم الذي لم يجر لهما في العنوة ذكر صريح و الكتيبة هي التي كان بعضها صلحا و بعضها عنوة و قد يكون غلب حكم الصلح فلذلك لم يقسم فيما قسم فلم يبق لتأويل أبي عمر رحمه الله وجه و نص الخبر يعارضه ظن و الله أعلم
و دفعها رسول الله صلى الله عليه و سلم لأهلها بشطر ما يخرج منها فلم تزل كذلك إلى أثناء خلافة عمر
قرأت على غازي بن أبي الفضل [ أخبركم حنبل بن عبد الله أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع
و قتل من اليهود ثلاثة و تسعون رجلا و استشهد من المسلمين خمسة عشر رجلا فيما ذكر ابن سعد و زاد غيره عليه و سيأتي ذكرهم و منهم الأسود الراعي و كان من خبره أنه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو محاصر لبعض حصون خيبر و معه غنم كان فيها أجيرا لرجل من يهود فقال : يا رسول الله اعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام و يعرضه عليه فلما أسلم قال : يا رسول الله إني كنت أجيرا لصاحب هذا الغنم و هي أمانة عندي فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجهها فإنها سترجع إلى ربها أو كما قال فقام الأسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها في وجوهها و قال : ارجعي إلى صاحبك فو الله لا أصحبك و خرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدم إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع خلفه و سجي بشملة كانت عليه فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا : يا رسول الله لم أعرضت عنه ؟ قال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ينفضان التراب عن وجهه و يقولان : ترب الله وجه من ترب وجهك و قتل من قتلك ]
و روينا من طريق البخاري : [ حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال : رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت : يا أبا مسلم ما هذه الضربة ؟ قال : هذه ضربة أصابتني يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة فأتيت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فنفث فيه ثلاث نفئات فما اشتكيتها حتى الساعة ] (2/191)
من قريش : من بني أمية بن عبد شمس من حلفائهم : ربيعة بن أكثم و ثقف بن عمرو و رفاعة بن مسروح ثلاثة
ومن بني أسد عبد العزى : عبد الله بن الهبيب و قيل : أهيب بن سحيم بن غبرة من بني سعد بن ليث حليفهم و ابن أختهم رجل
و من الأنصار : ثم من بني سلمة : بشر بن البراء و فضيل بن النعمان قال محمد بن سعد : كذا وجدناه في غزوة خيبر و طلبناه في نسب بني سلمة فلم نجده قال و لا نحسبه إلا وهما في الكتاب و إنما أراد الطفيل بن خنساء بن النعمان بن سنان و الله أعلم حكاه أبو عمر و نسب الطفيل في ترجمته من كتابه : الطفيل بن مالك بن النعمان بن خنساء شهد العقبة و بدرا و أحدا و جرح بها ثلاثة عشر جرحا و عاش حتى شهد الخندق و قتل بالخندق شهيدا قتله وحشي بن حرب و ذكر موسى بن عقبة في البدريين الطفيل بن النعمان بن خنساء و الطفيل بن مالك بن خنساء رجلين
و من بني زريق : مسعود بن سعد
[ و من الأوس : من بني عبد الأشهل : محمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث حليف لهم من بني حارثة أدلى عليه مرحب رحى فأصابت رأسه فهشمت البيضة رأسه و سقطت جلدة جبينه على وجهه فأتي به رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد الجلدة فعادت كما كانت و عصبها رسول الله صلى الله عليه و سلم بثوبه فمكث ثلاثة أيام و مات رحمه الله ] ذكره أبو عمر
و من بني عمرو بن عوف : أبو ضياح بن ثابت و الحارث بن حاطب و عروة بن برة بن سراقة و عند أبي عمر عروة بن مرة و أوس بن الفائد ـ و عند أبي عمر : ابن الفاكه و أنيف بن حبيب و ثابت بن واثلة و عند ابن إسحاق ابن أثلة و طلحة و لم نقف على نسبه و أوس بن قتادة
ومن بني غفار : عمارة بن عقبة رمي بسهم
و من أسلم : عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع و الأكوع : هو سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفصى و الأسود الراعي و اسمه أسلم و قد تقدم خبره
و من حلفاء بني زهرة : مسعود بن ربيعة القاري
و قال أبو معشر و الواقدي : مات سنة ثلاثين و قد زاد على الستين و عند أبي عمر فيهم : أوس بن عائذ (2/195)
و كان في جمادى الآخرة سنة سبع ذكر أبو بكر البلاذري بأسانيده [ قال : قالوا : أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم منصرفه من خيبر وادي القرى فدعا أهلها إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك و قاتلوا ففتحها رسول الله صلى الله عليه و سلم عنوة و غنمه الله أموال أهلها و أصاب المسلمون منها أثاثا و متاعا فخمس رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك و ترك الأرض و النخل في أيدي يهود و عاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر فقيل : إن عمر أجلى يهودها و قسمها بين من قاتل عليها
و قيل : إنه لم يجلهم لأنها خارجة من الحجاز و هي اليوم مضافة إلى عمل المدينة و ولاها رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن سعيد بن العاص و أقطع رسول الله صلى الله عليه و سلم جمرة بن النعمان ابن هوذة العذري رمية سوطه من وادي القرى و كان سيد بني عذرة و أول أهل الحجاز قدم على النبي صلى الله عليه و سلم بصدقة بني عذرة ]
و كذلك قال أبو عمر : إنه افتتحها عنوة و قسمها
و أما ابن إسحاق فذكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاصر أهلها ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة
و فيها أصيب غلام للنبي صلى الله عليه و سلم يقال له مدعم أصابه سهم غرب فقتله
أخبرنا القاضي الصدر الرئيس نظام الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليلي قراءة عليه و أنا أسمع بمصر قال أخبرنا أبو محمد المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب بن السيبي في كتابه إلي من مدينة السلام و مولده سنة سبع عشرة و خمسمائة و توفي سنة ستمائة قال : [ أخبرنا أبو القاسم بن الحصين إملاء من لفظه سنة ثلاث و عشرين أخبرنا القاضي أبو القاسم التبوخي أخبرنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق المتوثي حدثنا البغوي حدثنا مصعب بن عبد الله حدثني مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام خيبر فلم نغنم ذهبا و لا ورقا إلا الثياب و المتاع و الأموال فوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو وادي القرى و قد أهدي لرسول الله صلى الله عليه و سلم عبد أسود يقال له مدعم فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءه سهم عابر فقتله فقال الناس : هنيئا له له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا فلما سمعوا بذلك جاء رجل بشراك ـ أو شراكين ـ إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : شراك من نار أو شراكان من نار ]
قال البلاذري : حدثني علي بن محمد بن عبد الله مولى قريش عن العباس بن عامر قال : أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية فقال إن أمير المؤمنين معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا بوادي القرى و أحيا إليها أرضا و ليست لك بذلك المال عناية فقد ضاع و قلت غلته فأقطعنيه فإنه لا خطر له فقال يزيد : إنا لا نبخل بكثير و لا نخدع عن صغير فقال يا أمير المؤمنين غلته كذا قال : هو لك فلما ولى قال يزيد : هذا الذي يقال إنه يلي بعدنا فإن يك ذلك حقا فقد صانعناه و إن يك باطلا فقد وصلناه (2/197)
قال أبو بكر البلاذري : و لما بلغ أهل تيماء ما وطىء به رسول الله صلى الله عليه و سلم أهل وادي القرى صالحوه على الجزية فأقوا ببلادهم و أرضهم في أيديهم و ولاها رسول الله صلى الله عليه و سلم يزيد بن أبي سفيان و كان إسلامه يوم فتحها و روى عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب أجلى فدك و تيماء و خيبر (2/199)
قال ابن سعد عطفا على وقعة خيبر : ثم سرية عمر بن الخطاب إلى تربة في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة و هي بناحية العبلاء على أربع ليال من مكة طريق صنعاء و بحران فخرج و خرج معه دليل من بني هلال فكان يسير اليل و يكمن النهار فأتى الخبر هوازن فهربوا و جاء عمر بن الخطاب محالهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة
تربة : بضم التاء و فتح الراء على وزن عرنة ذكره الحازمي و قال : بقرب مكة على مسافة يومين منها و ذكره ابن سيده في أمثال له و قال : أسماء مواضع
و ذكره ابن سيده تربة و ليس عند الحازمي تربة ساكنة الراء : موضع من بلاد بني عامر بن مالك (2/199)
ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني بني كلاب بنجد بناحية ضرية في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم
روينا عن ابن سعد [ أخبرنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة ـ يعني ابن عمار ـ حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي صلى الله عليه و سلم علينا فسبى ناسا من المشركين فقتلناهم و كان شعارنا : أمت أمت قال : فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين و قال : أخبرنا هاشم بن القاسم حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر إلى فزارة و خرجت معه حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا فشنينا الغارة فوردنا الماء فقتل أبو بكر من قتل و نحن معه قال سلمة : فرأيت عنقا من الناس فمنهم الذراري فخشيت أن يسبقوني إلى الخيل فأدركتهم فرميت بسهم بينهم و بين الجبل فلما رأوا السهم قاموا فإذا امرأة من فزارة فيهم عليها قشع من أدم معها ابنتها من أحسن العرب فجئت أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر ابنتها فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم باتت عندي فلم أكشف لها ثوبا حتى لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوق فقال : يا سلمة هب لي امرأة فقلت : يا نبي الله و الله لقد أعجبتني و ما كشفت لها ثوبا فسكت حتى كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم في السوق و لم أكشف لها ثوبا فقال : يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك قال : فقلت : هي لك يا رسول الله قال : فبعث بها رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين ] (2/200)
ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى فدك في شعبان سنة سبع
قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك فخرج فلقي رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل : في بواديهم فاستاق النعم و الشاء و انحدر إلى المدينة فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير و قاتل بشير حتى ارتث و ضرب كعبه و قيل : قد مات و رجعوا بنعمهم و شائهم و قدم علبة بن زيد الحارثي بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قدم من بعده بشير بن سعد (2/200)
قال : ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في شهر رمضان سنة سبع قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم غالب بن عبد الله إلى بني عوال ـ بضم العين ـ و بني عبد بن ثعلية و هم بالميفعة و هي وراء بطن نخل إلى النقرة قليلا بناحية نجد و بينها و بين المدينة ثمانية برد بعثه في مائة و ثلاثين رجلا و دليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهجموا عليهم جميعا و وقعوا في وسط محالهم فقتلوا من أشراف لهم و استاقوا نعما و شاء فحدروه إلى المدينة و لم يأسروا أحدا و في هذه السرية قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب ؟ ] فقال أسامة : لا أقاتل أحدا يشهد أن لا إله إلا الله
و بوب البخاري على هذه السرية : باب بعث النبي صلى الله عليه و سلم أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة قال : [ حدثني عمرو بن محمد حدثنا هشيم أخبرنا حصين أخبرنا أبو ظبيان قال : سمعت أسامة بن زيد يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحرقة بطن من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم و لحقت أنا و رجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ؟ قلت إنما كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ] (2/201)
قال : ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن و جبار في شوال سنة سبع قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جمعا من غطفان بالجناب قد واعدهم عيينة بن حصن الفزاري ليكون معهم ليزحفوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بشير بن سعد فعقد له لواء و بعث معه ثلاثمائة رجل فساروا الليل و كمنوا النهار حتى أتوا إلى يمن و جبار و هي نحو الجناب معارض سلاح و خيبر و وادي القرى فنزلوا بسلاح ثم دنوا من القوم فأصابوا لهم نعما كثيرا و تفرق الرعاء فحذروا الجمع فتفرقوا و لحقوا بعليا بلادهم و خرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدها و ليس فيها أحد فرجع بالنعم و أصاب منهم رجلين فأسرهما و قدم بهما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلما فأرسلهما
و يمن : بفتح الياء آخر الحروف و قيل بضمها بالهمزة مفتوحة ساكنة الميم
و جبار بقتح الجيم و باء معجمة ثانية الحروف مخففة و بعدها ألف وراء
و الجناب : بكسر الجيم من أرض غطفان و ذكره أيضا الحازمي و قال : من بلاد فزارة
و عارضت فلانا في السير أي : سرت حياله
و سلاح : بكسر السين المهملة و بالحاء المهملة موضع قريب من خيبر (2/202)
و كان من خبرها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في ذي القعدة من السنة السابعة قاصدا مكة للعمرة على ما قد عاقد عليه قريشا في الحديبية فلما اتصل ذلك بقريش خرج أكابر منهم عن مكة عداوة لله تعالى و لرسوله صلى الله عليه و سلم و لم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو و أصحابه فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة و أتم الله له عمرته و قعد بعض المشركين بقعيقعان ينظرون إلى المسلمين و هم يطوفون بالبيت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرمل ليروا المشركين أن بهم قوة و كان المشركون قالوا في المهاجرين : قد وهنتهم حمى يثرب
و تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمرته تلك ميمونة بنت الحارث الهلالية قيل : تزوجها قبل أن يحرم بعمرته و قيل : بعد أن حل من عمرته و قيل : تزوجها و هو محرم فلما تمت الثلاثة الأيام التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى و معه سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المشركين بأن يخرج عن مكة و لم يمهلوه حتى يبني على ميمونة فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و بنى بها بسرف
و ذكر ابن سعد أن المعتمرين بها كانوا ألفين هم أهل الحديبية و من انصاف إليهم إلا من مات منهم أو استشهد بخيبر و استخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة أبا رهم الغفاري و قيل : غيره و ساق ستين بدنة و جعل عليها ناحية بن جندب و مائة فرس عليها محمد بن مسلمة أمامه و جعل على السلاح أوس بن خولي في مائتي رجل ببطن يأجج ثم خلفهم غيرهم حتى قضى الكل مناسك عمرتهم رضي الله عنهم
أخبرنا أحمد بن يوسف الساوي بقراءة والدي عليه رحمهما الله تعالى سنة ست و سبعين و ستمائة أخبرنا روح المطهر بن أبي بكر البيهقي سماعا عليه سنة خمس و ستمائة أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي الطوسي أخبرنا أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي أخبرنا القاضي أبو بكر الحيري أخبرنا أبو بكر الميداني أخبرنا محمد بن يحيى الذهلي حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة في عمرة القضاء و عبد الله بن رواحة آخذ بغرز النبي صلى الله عليه و سلم و هو يقول :
( خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله )
( بأن خير القتل في سبيله )
و كان إسلام عمرو بن العاص و خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة قبيل عمرة القضاء و قيل بعدها (2/203)
قال ابن سعد : ثم سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم في ذي الحجة سنة سبع قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم ابن أبي العوجاء السلمي في خمسين رجلا إلى بني سليم فخرج إليهم و تقدمه عين لهم كان معهم فحذرهم فجمعوا فأتاهم ابن أبي العوجاء و هم معدون له فدعاهم إلى الإسلام فقالوا : لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا إليه فتراموا بالنبل ساعة و جعلت الأمداد تأتي حتى أحدقوا بهم من كل ناحية فقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم و أصيب ابن أبي العوجاء جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان (2/204)
قال ابن سعد : ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني الملوح بالكديد في صفر سنة ثمان قال : أخبرنا عبد الله بن عمرو أبو معمر حدثنا عبد الوارث بن سعيد حدثنا محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن مسلم بن عبد الله الجهني عن جندب بن مكيث الجهني قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم غالب بن عبد الله الليثي ثم أحد بني كلاب بن عوف في سرية كنت فيهم و أمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد و هم من بني ليث قال : فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه فقال : إنما جئت أريد الإسلام و إنما خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قلنا : إن تكن مسلما لم يضررك رباطنا يوما و ليلة و إن تكن على غير ذلك نستوثق منك قال : فشددناه وثاقا و خلفنا عليه رويجلا منا أسود فقلنا : إن نازعك فاحتز رأسه فسرنا حتى أتينا الكديد عن غروب الشمس فكمنا في ناحية الوادي و بعثني أصحابي ربيئة لهم فخرجت حتى آتي تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت فيه علوت على رأسه ثم اضطجعت عليه قال : فإني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له فقال : لامرأته : إني أرى على هذا الجبل سوادا ما رأيته أول من يومي هذا فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا قال : فنظرت فقالت : و الله ما أفقد من أوعيتي شيئا
قال : فناوليني قوسي و نبلي فناولته قوسه و سهمين معها فأرسل سهما فو الله ما أخطأ بين عيني قال : فانتزعته فوضعته و ثبت مكاني ثم أرسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته فوضعته و ثبت مكاني قال : فقال لامرأته : و الله لو كانت ربيئة لقد تحركت بعد و الله لقد خالطها سهمان لا أبا لك فإذا أصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب قال : ثم دخل و راحت الماشية من إبلهم و أغنامهم فلما احتلبوا و اطمأنوا فناموا شننا عليهم الغارة و استقنا النعم قال : فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء ما لا قبل لنا به فخرجنا بها نحدرها حتى مررنا بابن البرصاء فاحتملنا صاحبنا فأدركناه القوم حتى نظروا إلينا ما بيننا و بينهم إلا الوادي و نحن موجهون في ناحية الوادي إذ جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبيه ماء و الله ما رأينا يومئذ سحابا و لا مطرا فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا و قد أسندناها في المسيل و قال الواقدي : في المشلل ـ بدل المسيل ـ نحدرها وفتناهم فوتا لا يقدرون فيه على طلبنا قال : و كانوا بضعة عشر رجلا (2/205)
ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي أيضا إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفدك في صفر سنة ثمان قال : [ أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال : هيأ رسول الله صلى الله عليه و سلم الزبير بن العوام و قال له : سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد فإن أظفرك الله بهم فلا تبق منهم و هيأ معه مائتي رجل و عقد له لواء فقدم غالب من الكديد من سرية قد ظفره الله عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للزبير : اجلس و بعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل و خرج أسامة بن زيد فيها حتى انتهى إلى مصاب أصحاب بشير و خرج معه علبة بن زيد فيها فأصابوا منهم نعما و قتلوا منهم قتلى قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني أفلح بن سعيد عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال : خرج مع غالب في هذه السرية عتبة بن عمر و أبو مسعود و كعب بن عجرة و أسامة بن زيد و علبة بن زيد الحارثي أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني شبل ابن العلاء بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن حويصة عن أبيه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية مع غالب بن عبد الله إلى بني مرة فأغرنا عليهم من الصبح و قد أوعز إلينا أميرنا أن لا نفترق وواخى بيننا فقال : لا تعصوني فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : من أطاع أميري فقد أطاعني و من عصاه فقد عصاني و إنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم قال : فآخى بيني و بين أبي سعيد الخدري قال : فأصبنا القوم ] (2/206)
ثم سرية عامر بن وهب الأسدي إلى بني عامر بالسيئ في شهر ربيع الأول سنة ثمان
قال : أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي قال : حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمر بن الحكم قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم شجاع بن وهب في أربعة و عشرين رجلا إلى جمع من هوزان بالسيىء ناحية ركبة من وراء المعدن و هي من المدينة على خمس ليال و أمره أن يغير عليهم فكان يسير الليل و يكمن النهار حتى صبحهم و هم غارون فأصابوا نعما كثيرا و شاء و استاقوا ذلك حتى قدموا المدينة و اقتسموا الغنيمة و كانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا و عدلوا البعير بعشر من الغنم و غابت السرية خمس عشرة ليلة (2/207)
ثم سرية كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح و هي من وراء وادي القرى في شهر ربيع الأول سنة ثمان قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى ذات أطلاح من أرض الشام فوجدوا جمعا من جمعهم كثيرا فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم و رشقوهم بالنبل فلما رأى ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا و أفلت منهم رجل جريح في القتلى فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فشق ذلك عليه و هم بالبعثة إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم (2/207)
و هي بأدنى البلقاء من أرض الشام في جمادى الأولى سنة ثمان
و كان سببها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث الحارث بن عمير الأزدي أحد بني لهب بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم و قيل إلى ملك بصرى فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فأوثقه رباطا ثم قدم فضرب عنقه صبرا و لم يقتل لرسول الله صلى الله عليه و سلم رسول غيره فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر عنه
قال ابن إسحاق : [ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان و أمر عليهم زيد بن حارثة و قال : إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فتجهز الناس ثم تهيؤوا للخروج و هم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه و سلم و سلموا عليهم فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : أما و الله ما بي حب للدنيا و لا صبابة بكم و لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار : { و إن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا } [ مريم : 71 ] فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون : صحبكم الله و دفع عنكم وردكم إلينا صالحين فقال عبد الله بن رواحة :
( لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا )
( أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا )
( حتى يقال إذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز و قد رشدا )
ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشام فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم و انضم إليهم من لخم و جذام و القين و بهراء و بلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلي يقال له مالك بن رافلة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم و قالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخبره بعدد عدونا فأما أن يمدنا بالرجال و إما أن يأمرنا فنمضي له قال : فشجع عبد الله بن رواحة و قال : يا قوم و الله إن الذي تكرهون التي خرجتم تطلبون الشهادة و ما نقاتل بعدد و لا قوة و لا كثرة و ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور و إما شهادة
قال ابن إسحاق : ثم مضى الناس فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال : كنت يتيما لعبد الله بن رواحة فخرج في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فو الله إنه ليسير ليلة إذ سمعته و هو ينشد و يقول :
( إذا أدنيتني و حملت رحلي ... مسيرة أربع بعد الحساء )
( فشأنك فانعمي و خلاك ذم ... و لا أرجع إلى أهلي ورائي )
( و جاء المسلمون و غادروني ... بأرض الشام منتهي الثواء )
في أبيات فلما سمعتن بكيت فخفقني بالدرة و قال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة و ترجع بين شعبتي الرحل قال : ثم قال عبد الله بن رواحة في سفره ذلك و هو يرتجز و يقول :
( يا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول الليل هديت فانزل )
ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم و العرب بقربة من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو و انحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبا لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له : قطبة بن قتادة و على مسيرتهم رجل من الأنصار يقال له : عبابة بن مالك و يقال عبادة ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى شاط في رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل فكان جعفر أول من عرقب فرسا في الإسلام و قاتل و روي أنه أخذ اللواء بيمينه فقاتل به حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية و قاتل حتى قتل رحمه الله و سنه ثلاث و ثلاثون أو أربع و ثلاثون سنة ثم أخذها عبد الله بن رواحة و تقدم بها و هو على فرسه فجعل يستزل نفسه و يتردد بعض التردد ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال : شد بها صلبك فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال : و أنت في الدنيا ؟ ثم ألقاه ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان فقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا : أنت قال : ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما أخذ الراية دافع القوم و حاشى بهم ثم انحاز و انحيز عنه حتى انصرف بالناس ]
و قد حكى ابن سعد و غيره أن الهزيمة كانت على المسلمين و حكى أيضا أن الهزيمة كانت على الروم و كذا ورد في صحيح البخاري و المختار من ذلك ما ذكره ابن إسحاق من انحياز كل فئة عن الأخرى من غير هزيمة و قد وقع ذلك في شعر لقيس بن المسحر اليعمري كذلك
[ و أطلع الله رسوله صلى الله عليه و سلم على ذلك من يومه فأخبر به عليه الصلاة و السلام أصحابه رضي الله عنهم بالمدينة قبل ورود الخبر بأيام و قال : لقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت : عم هذا ؟ ! فقيل لي : مضيا و تردد عبد الله بعض التردد ثم مضى ]
قال أبو عمر : [ و ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن ابن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مثل لي جعفر و زيد و ابن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سريره فرأيت زيدا و ابن رواحة في أعناقهما صدود ورأيت جعفرامستقيما ليس فيه صدود قال : فسألت ـ أو قيل لي ـ إنهما حين غشيهما الموت أعرضا أو كأنهما صدا بوجوههما و أما جعفر فإنه لم يفعل و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في جعفر : إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء قال أبو عمر : و روينا عن ابن عمر أنه قال : وجدنا ما بين صدر جعفر و منكبيه و ما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف و طعنة بالرمح ] و قد روي : أربع و خمسون و الأول أثبت
و قال : موسى بن عقبة : [ قدم يعلى بن منبة على رسول الله صلى الله عليه و سلم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن شئت فأخبرني و إن شئت أخبرتك قال فأخبرني يا رسول الله
فأخبره صلى الله عليه و سلم خبرهم كله و وصفه له فقال : و الذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره و إن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم ] (2/208)
ذكر ابن إسحاق منهم : من بني هاشم : جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة
و من بني عدي بن كعب : مسود بن الأوس بن حارثة بن نضلة
و من بني مالك بن حسل : وهب بن سعد بن أبي سرح
و من الأنصار : من بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة و عباد بن قيس
و من بني غنم بن مالك بن النجار : الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة بن عبد بن عوف بن غنم
و من بني مازن بن النجار : سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء
وزاد ابن هشام عن الزهري فيهم : أبا كليب و جابرا ابني عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول و هما لأب و أم و في بني مالك بن أفصى : عمرا و عامرا ابني سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن الحارث بن عباد بن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى (2/211)
مؤتة : بضم الميم و بالهمز
و لهب : بكسر اللام و سكون الهاء
و قوله في شعر ابن رواحة ( و ضربة ذات فرغ ) : بفتح الفاء و سكون الراء المهملة و بعدها غين معجمة قال ابن سيده : و طعنة فرغاء و ذات فرغ : واسعة يسيل دمها
و معان : بضم الميم و قال الوقشي : الصواب فتحها و في الغريب المصنف : المبآة المنزل و المعان مثله
و الحساء : جمع حسي و هو موضع رمل تحته صلابة فإذا قطرت السماء على ذلك الرمل نزل الماء فمنعته الصلابة أن يغيض و منع الرمل السمائم أن تنشفه فإذا بحث ذلك الرمل و جد الماء و الحساء ها هنا : اسم منزلة معروفة
و قوله : ( فشأنك فانعمي ) : استحسنه المبرد و كان قد أنشد قبله قوله الشماخ يمدح عرابة بن أوس :
( إذا بلغتني و حملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين )
قال : و قد أحسن كل الإحسان كأنه يقول : لست أحتاج أن أرحل إلى غيره قال : و قد عاب بعض الرواة قوله : ( فاشرقي بدم الوتين ) قال : و كان ينبغي أن ينظر لها بعد استغنائه عنها و ذكر قصة الأنصارية التي نجت على الناقة و قالت : إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : بئس ما جزيتها الحديث قلت : و قد سلم بيت ابن رواحة من هذا
و قوله : و لا أرجع : دعاء و هو مجزوم بالدعاء و معناه : اللهم لا أرجع و هذا الدعاء ينجزم بما ينجزم به الأمر و النهي
و قال الوقشي الصواب : مشتهي الثواء و لما وقع في الأصل وجه
و قوله : يا زيد زيد اليعملات الذبل قال ابن إسحاق : يقوله لزيد بن أرقم و كان يتيمه قال أبو عمر : قيل : بل قال ذلك في غزوة مؤتة لزيد بن حارثة
و تخوم البلقاء : في مختصر العين : تخوم الأرض ـ يعني بفتح التاء ـ اسم على مثال فعول و بعضهم يقول : تخوم ـ بالضم ـ كأنه جمع و هو فصل ما بين الأرضين
و شاط : هلك قال : و قد يشيط على أرماحنا البطل
و قوله : و خاشى بهم : بالخاء المعجمة قال ابن قتيبة : هو من الخشية كأنه خاف عليهم و قال ابن هشام : و يقال : فحاشى بهم (2/212)
و هي من وراء وادي القرى
سميت بماء بأرض جذام يقال له السلسل و قال السهيلي : ذات السلاسل بضم السين الأولى و كسر السن الثانية ماء بأرض جذام به سميت الغزاة
ثم سرية عمرو إلى ذات السلاسل و بينها و بين المدينة عشرة أيام و كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان قال ابن سعد : قالوا : [ بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن جمعا من قضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف المدينة فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن العاص و عقد له لواء أبيض و جعل معه راية سوداء و بعثه في ثلثمائة من سراة المهاجرين و الأنصار و معهم ثلاثون فرسا و أمره أن يستعين بمن مر به من بلي و عذرة و بلقين فسار الليل و كمن النهار فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمده فبعث إليه أبا عبيدة الجراح في مائتين و عقد له لواء و بعث معه سراة المهاجرين و الأنصار و فيهم أبو بكر و عمر و أمره أن يلحق بعمرو و أن يكونا جميعا و لا يختلفا فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو : إنما قدمت علي مددا و أنا الأمير فأطاع له بذلك أبو عبيدة فكان عمرو يصلي بالناس و سار حتى وطئ بلاد بلي ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم و بلاد عذرة و بلقين و لقي في آخر ذلك جمعا فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد و تفرقوا و بعث عوف بن مالك الأشجعي بريدا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بقفولهم و سلامتهم و ما كان في غزاتهم ]
و ذكر ابن إسحاق نزولهم على ماء بجذام يقال له السلسل قال : و بذلك سميت ذات السلاسل
أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف المزي بقراءة والدي عليه ـ رحمهما الله ـ قال : [ أخبرنا أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج الرصافي قال : أخبرنا الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القيطعي قال : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن عامر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيش ذات السلاسل فاستعمل أبا عبيدة على المهاجرين و استعمل عمرو بن العاص على الأعراب و قال لهما : تطاوعا قال : فكانوا يؤمرون أن يغيروا على بكر فانطلق عمرو و أغار على قضاعة لأن بكرا أخواله قال : فانطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد استعملك علينا و إن ابن فلان قد اتبع أمير القوم فليس لك معه أمر فقال أبو عبيدة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا نتطاوع فأنا أطيع رسول الله صلى الله عليه و سلم و إن عصاه عمرو ] (2/214)
ثم سرية الخبط أميرها أبو عبيدة بن الجراح و كانت في رجب سنة ثمان
قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلاثمائة رجل من المهاجرين و الأنصار و فيهم عمر بن الخطاب إلى حي من جهيبة بالقبلية مما يلي ساحل البحر و بينها و بين المدينة خمس ليال فأصابهم في الطريق جوع شديد فأكلوا الخبط و ابتاع قيس بن سعد جزرا و نحرها لهم و ألقى لهم البحر حوتا عظيما فأكلوا منه و انصرفوا و لم يلقوا كيدا
[ قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل الدمشقي أخبركم الشيخ أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ قراءة عليه و أنت تسمع ؟ فأقر به أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان البزاز أخبرنا أبو محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا محمد بن سهل حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب حدثني جعفر بن ربيعة و عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثهما أن أبا حمزة الحميري حدثه سمع جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثهم بعثا عليهم قيس بن سعد بن عبادة فجهدوا فنحر لهم قيس تسع ركائب قال عمرو في حديثه : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت قال إبراهيم : لم يكن قيس بن سعد أمير هذا الجيش إنما كان أبو عبيدة و قيس معه كذا أخبرني محمد بن صالح عن محمد بن عمر قال : و حدثني داود بن قيس و إبراهيم بن محمد الأنصاري و خارجة بن الحارث قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون و الأنصار و هم ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة فأصابهم جوع شديد فقال قيس بن سعد : من يشتري مني تمرا بجزر يوفيني الجزر هاهنا و أوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول : واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره فوجد رجلا من جهينة فقال قيس : بعني جزورا أوفيك وسقه من تمر المدينة فقال الجهني : و الله ما أعرفك فمن أنت ؟ فقال : أنا ابن سعد بن عبادة بن دليم قال الجهني : ما أعرفني بنسبك و ذكر كلاما فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر يشترط عليه البدوي من تمر آل دليم يقول قيس : نعم قال : فأشهد لي فأشهد له نفرا من الأنصار و معهم نفر من المهاجرين قال قيس : أشهد من تحب قال : و كان فيمن أشهد عمر بن الخطاب فقال عمر : ما أشهد هذا يدين و لا مال له و إنما المال لأبيه
قال الجهني : و الله ما كان سعد ليخني بابنه في وسقه من تمر وأرى و جها حسنا و فعالا شريفا فكان من عمر و قيس كلام حتى أغلظ لقيس و أخذ الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جزورا فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره فقال : أتريد أن تخفر ذمتك و لا مال لك ؟ قال محمد : فحدثني محمد بن يحيى بن سهل عن أبيه عن رافع بن خديج قال : أقبل أبو عبيدة و معه عمر فقال : عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك ؟ قال قيس : يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت يقضي ديون الناس و يحمل الكل و يطعم في المجاعة لا يقضي عني وسقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله ؟ فكاد أبو عبيدة أن يلين له و جعل عمر يقول : اعزم فعزم عليه و أبى أن ينحر و بقيت جزوران فقدم بهما قيس المدينة ظهرا يتعاقبون عليهما و بلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة فقال : إن يك قيس كما أعرف فسينحر للقوم فلما قدم قيس لقيه سعد فقال : ما صنعت في مجاعة القوم ؟ قال : نحرت قال أصبت قال : ثم ماذا ؟ قال : ثم نحرت قال : أصبت قال : ثم ماذا ؟ قال : ثم نحرت قال : أصبت قال : ثم ماذا ؟ قال : ثم نهيت قال : من نهاك ؟ قال : أبو عبيدة أميري قال : و لم ؟ قال : زعم أنه لا مال لي و إنما المال لأبيك فقلت : أبي يقضي عن الأباعد و يحمل الكل و يطعم في المجاعة و لا يصنع هذا بي قال : فلك أربع حوائط أدناها حائط تجذ منه خمسين وسقا قال : و قدم البدوي مع قيس فأوفاه أوسقه و حمله و كساه فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فعل قيس فقال : إنه في قلب جود ] (2/216)
و روينا من طريق البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال : الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلثمائة راكب أميرنا أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط فسمي ذلك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر و ادهنا من ودكه حتى ثابت إلينا أجسامنا فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أعضائه فنصبه فعمد إلى أطول رجل معه ـ قال سفيان مرة : ضلعا من أضلاعه فنصبه و أخذ رجلا و بعيرا فمر تحته ـ قال جابر : و كان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر و ذكر تمام الحديث (2/218)
ثم سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة و هي أرض محارب بنجد في شعبان سنة ثمان [ قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا قتادة و معه خمسة عشر رجلا إلى غطفان و أمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل و كمن النهار فهجم على حاضر منهم عظيم فأحاط به فصرخ رجل منهم : يا خضرة ! و قاتل منهم رجال فقتلوا من أشراف لهم و استاقوا النعم فكانت الإبل مائتي بعير و الغنم ألفي شاة و سبوا سبيا كثيرا و جمعوا الغنائم فأخرجوا الخمس فعزلوه فأصاب كل رجل اثني عشر بعيرا فعدل البعير بعشر من الغنم وصارت في سهم أبي قتادة جارية وضيئة فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه و سلم فوهبها له فوهبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لمحمية بن جزء و غابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة ]
قرأت على أبي الهيجاء غازي بن أبي الفضل الدمشقي بقرافة سارية [ أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله المكبر أخبرنا أبو القاسم بن الحصين أخبرنا أبو علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر بن مالك أخبرنا عبد الله حدثني أبي : حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية إلى نجد فبلغت سهمانهم اثني عشر بعيرا و نفلنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعيرا بعيرا ] (2/219)
و هي في أول شهر رمضان سنة ثمان
[ قالوا : لما هم رسول الله صلى الله عليه و سلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعى في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضم ـ و هي فيما بين ذي خشب و ذي المروة و بينها و بين المدينة ثلاثة برد ـ ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توجه إلى تلك الناحية و لأن تذهب بذلك الأخبار
و كان في السرية محلم بن جثامة الليثي فمر عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم و حمل عليه محلم بن جثامة فقتله و سلبه متاعه و بغيره و وطب لبن كان معه فلما لحقوا بالنبي صلى الله عليه و سلم نزل فيهم القرآن : { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } إلى آخر الآية [ النساء : 94 ] فمضوا فلم يلقوا جمعا فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خشب فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توجه إلى مكة فأخذوا على يين حتى لقوا النبي صلى الله عليه و سلم بالسقيا ]
و هي عند ابن إسحاق منسوبة لابن أبي حدرد و ذكر ابن إسحاق في خبر محلم بن جثامة بعد ذلك يوم حنين [ أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى الظهر بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها فقام إليه الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن يختصمان في عامر بن الأضبط عيينة يطلب بدمه و هو يومئذ سيد غطفان و الأقرع يدفع عن محلم لمكانه من خندف فتداولا الخصومة ثم قبلوا الدية ثم قالوا : أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام رجل آدم ضرب طويل هو محلم فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال : اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ثلاثا فقام يتلقى دمعه بفصل ردائه ] الحديث و في حديث عن الحسن : ما مكث إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض مرات فعمدوا به إلى صدين فسطحوه بينهما ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه (2/220)
قال ابن أبي حدرد فيما حكاه ابن إسحاق : [ تزوجت امرأة من قومي فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم أستعينه على نكاحي فقال : و كم أصدقت ؟ قلت : مائتي درهم فقال : سبحان الله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم و الله ما عندي ما أعينك به قال : فلبثت أياما و أقبل رجل من بني جشم بن معاوية يقال له : رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من بني جشم حتى نزل بقومه و من معه بالغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان ذا اسم في جشم و شرف فدعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجلين معي من المسلمين فقال اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر و علم قال : و قدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليها أحدنا فو الله ما قامت به ضعفا حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت و ما كادت ثم قال : تبلغوا عليها و اعتقبوها قال : فخرجنا و معنا سلاحنا من النبل و السيوف حتى إذا جئنا قريبا من الحاضر عشيشية مع غروب الشمس كمنت في ناحية و أمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم و قلت لهما : إذا سمعتماني قد كبرت و شددت في ناحية العسكر فكبرا و شدا معي فو الله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم أو أن نصيب منهم شيئا و قد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء و كان لهم راع سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه فقام صاحبهم ذلك و أخذ سيفه فجعله في عنقه ثم قال : و الله لأتبعن أثر راعينا هذا و لقد أصابه شر فقال نفر ممن معه : و الله لا تذهب أنت نحن نكفيك قال : و الله لا يذهب إلا أنا قالوا : فنحن معك قال : و الله لا يتبعني أحد منكم و خرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فوائده فو الله ما تكلم و وثبت إليه فاحترزت رأسه و شددت في ناحية العسكر و كبرت و شد صاحباي و كبرا فو الله ما كان إلا النجاء ممن فيه : عندك عندك ! بكل ما قدروا عليه من نسائهم و أبنائهم و ما خف معهم من أموالهم و استفتا إبلا عظيمة و غنما كثيرة فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و جئت برأسه أحمله معي فأعانني رسول الله صلى الله عليه و سلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرا في صداقي فجمعت إلي أهلي ] (2/221)
و كانت في شهر رمضان سنة ثمان و كان السبب فيما ذكر ابن إسحاق : أن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة و هم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير
و كان الذي هاج ما بين بكر و خزاعة أن رجلا من بني الحضرمي يقال له : مالك بن عباد ـ و حلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن ـ خرج تاجرا فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه و أخذوا ماله فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي و هم منخر بني كنانة و أشرافهم : سلمى و كلثوم و ذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم فبينما هم كذلك حجز بينهم الإسلام
و تشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قريش كان فيما شرطوا أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم و عهده فليدخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عهد قريش و دخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل بن بكر و أرادوا أن يصيبوا منهم ثأرا بأولئك النفر الذين أصايوا منهم في الأسود بن رزن فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل بن بكر من كنانة حتى بيت خزاعة و هم على الوتير ـ ماء لهم ـ فأصابوا منهم رجلا و تحاوزوا و اقتتلوا و رفدت بني بكر قريش بالسلاح و قاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا
ذكر ابن سعد منهم : صفوان بن أمية و حويطب بن عبد العزى و مكرز بن حفص بن الأخيف
حتى حاوزوا خزاعة إلى الحرم فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة : لا إله اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟
و قد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا : يقال له منبه فلما دخلت خزاعة مكة لجؤوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي و دار مولى لهم يقال له رافع و لما تظاهر بنو بكر و قريش على خزاعة و نقضوا ما كان بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم من العهد و الميثاق خرج عمرو بن سالم الخزاعي ـ قال ابن سعد : في أربعين راكبا ـ حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و كان ذلك ما هاج فتح مكة فوقف عليه و هو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال :
( يا رب إني ناشد محمدا )
( حلف أبينا و أبيه الأتلدا )
( قد كنتم ولدا و كنا والدا )
( ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا )
( فانصر هداك الله نصرا أعتدا )
( و ادع عباد الله يأتوا مددا )
( فيهم رسول الله قد تجردا )
( إن سيم خسفا وجهه تربدا )
( في فيلق كالبحر يجري مزبدا )
( إن قريشا أخلفوك الموعدا )
( و نقضوا ميثاقك الموكدا )
( و جعلوا لي في كداء رصدا )
( و زعموا أن لست أدعو أحدا )
( و هم أذل و أقل عددا )
( هم بيتونا بالوتير هجدا )
( و قتلونا ركعا و سجدا )
يقول : قتلنا و قد أسلمنا [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه و سلم عنان من السماء فقال : إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ]
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من بني خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبروه بما أصيب منهم و بمظاهرة قريش بني بكر عليهم
قلت : لعل الأربعين راكبا الذين ذكر ابن سعد قدومهم من خزاعة مع عمرو بن سالم هم هؤلاء
رجع إلى خبر ابن إسحاق : ثم رجعوا إلى مكة و قد قال رسول الله للناس : [ كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد و يزيد في المدة ] و مضى بديل بن ورقاء في أصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان و قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشد العقد و يزيد في المدة و قد رهبوا الذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ و ظن أنه قد أتى النبي صلى الله عليه و سلم قال : سرت في خزاعة في هذا الساحل و في بطن هذا الوادي قال : أو ما جئت محمدا ؟ قال : لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فأتى مبرك راحلته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم طوته عنه فقال : يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت مشرك نجس قال : و الله أصابك بعدي شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال : أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ثم جاء فدخل على علي بن أبي طالب و عنده فاطمة و حسن غلام يدب بين يديها فقال : يا علي إنك أمس القوم بي رحما و إني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع لي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ويحك يا أبا سفيان و الله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه و سلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال : يا بنت محمد ! هل لك أن تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ؟ قالت : و الله ما يبلغ بني ذاك أن يجير بين الناس و ما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني قال : و لله ما أعلم لك شيئا يغني عنك و لكنك سيد بني كنانة فقم و أجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال : أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا ؟ قال : لا و الله ما أظنه و لكني لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم و قد أشار علي بشيء صنعته فو الله ما أدري هل يغني عني شيئا أم لا قالوا : و بم أمرك ؟ قال : أمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا : فهل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا قالوا : ويلك و الله إن زاد الرجل على أن لعب بك قال : لا و الله ما وجدت غير ذلك
[ و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس بالجهاز و أمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة و هي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : أي بنية أمركن رسول الله صلى الله عليه و سلم بتجهيزه ؟ قالت : نعم فتجهز قال : فأين ترينه يريد ؟ قالت : لاو الله ما أدري ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة و أمرهم بالجد و التجهز و قال : اللهم خذ العيون و الأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ] فتجهز الناس
[ فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم بذلك ثم أعطاه امرأة و جعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في قرون رأسها ثم خرجت به و أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا و الزبير ـ و غير ابن إسحاق يقول : بعث عليا و المقداد ـ فقال : أدركا أمرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها فاستنزلاها و التمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا كذبنا و لتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت : أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا حاطبا فقال له : ما حملك على هذا ؟ فقال : و الله إني لمؤمن بالله و رسوله ما غيرت و لا بدلت و لكني ليس لي في القوم أصل و لا عشيرة و لي بين أظهرهم ولد و أهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما يدريك يا عمر لعل الله قد أطلع على أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ]
[ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم لسفره فاستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري ـ و قال ابن سعد : عبد الله بن أم مكتوم ـ فخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام و صام الناس معه حتى إذا كانوا بالكديد أفطر ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف و عميت الأخبار عن قريش فهم على وجل و ارتقاب فخرج أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار
و كان العباس قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما مهاجرا فلقي رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل : بالجحفة و قيل : بذي الحليفة و كان فيمن خرج و لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم ببعض الطريق أبو سفيان بن الحارث و عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بالأبواء و قيل بين السقيا و العرج فأعرض عنهما فقالت له أم سلمة : لا يكن ابن عمك و ابن عمتك أخي أشقى الناس بك و قال علي لأبي سفيان ـ فيما حكاه أبو عمر ـ ائت رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف عليه السلام ليوسف : { تالله لقد آثرك الله علينا و إن كنا لخاطئين } [ يوسف : 91 ] فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : { لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين } [ يوسف : 92 ] و قبل منهما إسلامهما فأنشده أبو سفيان معتذرا أبياتا منها :
( لعمرك إني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللآت خيل محمد )
( لكالمدلج الحيران أظلم ليلة ... فهذا أواني حين أهدى فاهتدي )
( هداتي هاد غير نفسي و دلني ... على الله من طردته كل مطرد )
فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم صدره و قال : أنت طردتني كل مطرد
و كان أبو سفيان ذلك ممن حسن إسلامه فيقال : إنه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منذ أسلم حياء منه و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه و يشهد له بالجنة و يقول : أرجو أن يكون خلفا من حمزة و يروى أنه لما حضرته الوفاة قال : لا تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم مر الظهران ـ و قال ابن سعد : نزله عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار و جعل على الحرس عمر بن الخطاب ـ رقت نفس العباس لأهل مكة قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم البيضاء فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت : لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة فو الله أني لأسير عليها إذ سمعت كلام أبي سفيان و بديل بن ورقاء و هما يتراجعان و أبو سفيان يقول : ما رأيت كالليلة نيرانا قط و لا عسكرا قال : يقول بديل : هذه و الله خزاعة حمشتها الحرب فيقول أبو سفيان : خزاعة أذل و أقل من أن تكون نيرانها و عسكرها قال : فعرفت صوته فقلت : يا أبا حنظلة ! فعرف صوتي فقال : أبو الفضل ؟ قلت : نعم قال : ما لك فداك أبي و أمي ؟ قال : قلت و الله هذا رسول الله في الناس واصباح قريش و الله قال : فما الحيلة فداك أبي و أمي ؟ قال : قلت : و الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأستأمنه لك فركب خلفي و رجع صاحباه قال : فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟ و إذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا عليها قالوا : عم رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال : من هذا ؟ و قام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال : أبو سفيان عدو الله ؟ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد و لا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه و سلم و ركضت البغلة فسبقت فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم و دخل عليه عمر فقال : يا رسول الله هذا أبو سفيان فدعني فلأضرب عنقه قال : فقلت : يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذت برأسه فقلت : و الله لا يناجيه الليلة رجل دوني فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا قال : مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم و ما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من إسلام الخطابى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به
فذهبت بهى فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ قال : بأبي أنت و أمي ما أحلمك و أكرمك و أوصلك لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى شيئا بعد قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ قال : بأبي أنت و أمي ما أحلمك و أكرمك و أوصلك أما هذه و الله فإن في النفس حتى الآن منها شيئا فقال له العباس : و يحك أسلم و اشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك قال فشهد شهادة الحق فأسلم قال العباس قلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه عليه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ثم أمر العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها ففعل فمرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال يا عباس من هذه ؟ فأقول : سليم قال : يقول لي ما لي و لسليم ؟ ثم تمر به القبيلة فيقول : يا عباس من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة فيقول : ما لي و لمزينة ؟ حتى نفدت القبائل ما تمر به قبيلة إلا سألني عنها فإذا أخبرته بهم قال : ما لي و لبني فلان ؟ حتى مر به رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون و الأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد : قال : سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟ قال : قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين و الأنصار قال : ما لأحد بهؤلاء قبل و لا طاقة ]
و في صحيح البخاري : أن كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة و معه الراية قال : و لم ير مثلها قال : ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و راية النبي مع الزبير
كذا وقع عند جميع الرواة و رواه الحميدي في كتابه : هي أجل الكتائب و هو الأظهر
رجع إلى الأول : فقال أبو سفيان : و الله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما قال : قلت : يا أبا سفيان إنها النبوة قال : فنعم إذن قال : قلت : النجاء إلى قومك حتى إذا جاءكم صرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت : اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم قال : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قالوا : قاتلك الله و ما تغني عنا دارك ؟ قال : و من أغلق عليه بابه فهو أمن و من دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم و إلى المسجد
و ذكر الطبري أن النبي صلى الله عليه و سلم وجه حكيم بن حزام مع أبي سفيان بعد إسلامهما إلى مكة و قال : من دخل دار حكيم فهو آمن ـ و هي بأسفل مكة ـ و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ـ و هي بأعلى مكة ـ فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة
و لهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي رحمه الله : إن مكة مؤمنة و ليست عنوة و الأمان كالصلح و رأى أن أهلها مالكون رباعهم فلذلك كان يجيز كراءها لأربابها و بيعها و شراءها لأن من أمن فقد حرم ماله و دمه و ذريته و عياله فمكة مؤمنة عند من قال بهذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أمر بقتلهم و إن بقتلهم وجدوا متعلقين بأستار الكعبة
و أكثر أهل العلم يرون أن فتح مكة عنوة لأنها إنما أخذت بالخيل و الركاب و الخلاف بين العلماء في جواز أخذ أجر المساكن بمكة أو المنع منه مشهور معروف و قد جاء في حديث عن عائشة من طريق إبراهيم بن مهاجر في مكة أنها مناخ من سبق
[ أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح الصوري بمرج دمشق أخبرنا أسعد بن سعيد بن روح و عائشة بنت معمر بن الفاخر إجازة من أصبهان قالا : أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة الجوزدانية سماعا قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة الضبي قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني حدثنا يوسف بن الحسن بن عبد الرحمن العباداني حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا وهب بن جرير بن حازم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن علي بن عبد الله بن العباس عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة يوم الفتح و على الكعبة ثلثمائة و ستون صنما قد شد لهم إبليس أقدامها برصاص فجاء و معه قضيب فجعل يهوي به إلى كل صنم منها فيخر لوجهه فيقول { جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } [ الإسراء : 81 ] حتى مر عليها كلها
و لا خلاف أنه لم يجر فيها قسم و لا غنيمة و لا سبي من أهلها أحد لما عظم الله من حرمتها ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه و سلم : مكة حرام محرم لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و إنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة ]
قال أبو عمر : و الأصح ـ و الله أعلم ـ أنها بلدة مؤمنة أمن أهلها على أنفسهم و كانت أموالهم تبعا لهم
و قال الأموي : [ كانت راية رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الفتح بيد سعد بن عبادة فلما مر بها على أبي سفيان و كان قد أسلم أبو سفيان فقال سعد إذ نظر إليه : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبة من الأنصار حتى إذا حاذى أبا سفيان ناداه : يا رسول الله أمرت بقتل قومك ؟ فإنه زعم سعد و من معه حين مر بنا أنه قاتلنا أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس و أرحمهم و أوصلهم فقال عثمان و عبد الرحمن بن عوف : يا رسول الله و الله ما نأمن سعدا أن تكون منه في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا ]
و قال ضرار بن الخطاب الفهري يومئذ :
( يا نبي الهدى إليك لجا حي ... ي قريش ولات حين لجاء )
( حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض و عاداهم إله السماء )
( و التقت حلقتا البطان على القو ... م و نودوا بالصيلم الصلعاء )
( إن سعدا يريد قاصمة الظهـ ... ر بأهل الحجون و البطحاء )
( خزرجي لو يستطيع من الغيـ ... ظ رمانا بالنسر و العواء )
( و غر الصدر لا يهم بشيء ... غير سفك الدما و سبي النساء )
( قد تلظى على البطاح و جاءت ... عنه هند بالسوءة السوآة )
( إذ ينادي بذل حي قريش ... و ابن حرب بذا من الشهداء )
( فلئن أقحم اللواء و نادى ... يا حماة اللواء أهل اللواء )
( ثم ثابت إليه من بهم الخز ... رج و الأوس أنجم الهيجاء )
( لتكونن بالبطاح قريش ... فقعة القاع في أكف الإماء )
( فانهينه فإنه أسد الأسـ ... د لدى الغاب والغ في الدماء )
( إنه مطرق يدير لنا الأمـ ... ر سكوتا كالحية الصماء )
فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سعد بن عبادة فنزع اللواء من يده و جعله بيد قيس ابنه و رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن اللواء لم يخرج عنه إن صار إلى ابنه قيس قال أبو عمر : و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد
رجع إلى خبر ابن إسحاق : و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة في بعض الناس فكان خالد على المجنبة اليمنى و فيها أسلم و سليم و غفار و مزينة و جهينة و قبائل العرب و أقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم
و روينا في صحيح مسلم أن أبا عبيدة كان على البياذقة ـ يعني الرجالة ـ
قال ابن إسحاق : و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة و ضربت له هناك قبة
و كان صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو قد جمعوا أناسا بالخندمة ليقاتلوا و قد كان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم و يصلح منه فقالت له امرأته : لماذا تعد ما أراى ؟ قال : لمحمد و أصحابه
قالت : و الله ما أراه يقوم محمد و أصحابه شيء قال : و الله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال :
( إن يقبلوا اليوم فمالي عله ... هذا سلاح كامل و أله )
( و ذو غرارين سريع السله )
ثم شهد الخندمة مع صفوان و سهيل و عكرمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد و ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهري و خنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي و كانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلك طريقا غير طريقه فقتلا جميعا و أصيب من جهينة سلمة بن الميلاء و أصيب من المشركين قريب من اثني عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا ثم انهزموا
و قال ابن سعد قتل أربعة و عشرون رجلا من قريش و أربعة من هذيل ـ قال : فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته : أغلقي علي بابي قالت : و أين ما كنت تقول ؟ فقال :
( إنك لو شهدت يوم الخندمه ... إذ فر صفوان و فر عكرمه )
( و استقبلتنا بالسيوف المسلمه ... يقطعن كل ساعد و جمجمه )
( ضربا فلا يسمع إلا غمغمه ... لهم نهيت حولنا و همهمه )
( لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه )
[ أخبرنا أبو الفضل الموصلي بقراءة والدي عليه رحمهما الله قال : أخبرنا الشيخ أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج بن سعادة الرصافي المكبر سماعا عليه بسفح قاسيون سنة اثنتين و ستمائة قال : أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين الشيباني قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن المذهب أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا بهز و هاشم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال هاشم : حدثني ثابت حدثنا عبد الله بن رباح قال : وفدت وفود إلى معاوية أنا فيهم و أبو هريرة فذكر حديثا و فيه : قال : فقال أبو هريرة : ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ؟ قال : فذكر فتح مكة : قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل مكة قال : فبعث الزبير على إحدى المجنبتين و بعث خالدا على المجنبة الأخرى و بعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر فأخذوا بطن الوادي و رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبة قال : قد وبشت قريش أوباشا لها قال : فقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم و إن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا و فيه : فقال : يا أبا هريرة ؟ فقلت : لبيك يا رسول الله قال : فقال اهتف لي ياللأنصار و فيه : و لا يأتني إلا أنصاري فهتف بهم فجاؤوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ترون إلى أوباش قريش و أتباعهم ؟ ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى : احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا فقال أبو هريرة : فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء و ما أحد يوجه إلينا منهم شيئا قال : فقال أبو سفيان : يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أغلق بابه فهو آمن و من دخل دار أبي سفيان فهو آمن قال : فغلق الناس أبوابهم قال : فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت قال : وفي يده قوس آخذا بسية القوس فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه قال : فجعل يطعن بها في عينه و يقول { جاء الحق و الباطل إن الباطل كان زهوقا } [ الإسراء : 81 ] { جاء الحق و ما يبدئ الباطل و ما يعيد } [ سبأ : 49 ] قال : ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يذكر الله تعالى بما شاء أن يذكره و يدعوه قال : و الأنصار تحته قال : يقول بعضهم لبعض : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته و رأفة بعشيرته قال : و جاء الوحي ـ و كان إذا جاء الوحي لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يقضي ـ قال هاشم : فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال : يا معشر الأنصار قلتم : أما الرجل فأدركته رغبة في قريته و رأفة بعشيرته قالوا : قلنا ذلك يا رسول الله قال : فما اسمي إذن ؟ إني عبد الله و رسوله هاجرت إلى الله و إليكم فالمحيا محياكم و الممات مماتكم
قال : فأقبلوا إليه يبكون و يقولون : و الله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله و رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فإن الله و رسوله يعذرانكم و يصدقانكم ] رواه أبو داود عن الإمام أحمد بن حنبل (2/223)
[ و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد عهد إلى أمرأئه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا أنه قد عهد في نفر سماهم بقتلهم و إن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري و عبد العزى بن خطل و عكرمة بن أبي جهل و الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي و مقيس بن صبابة و هبار بن الأسود و قينتا ابن خطل كانتا تغنيان ابن خطل بهجو رسول الله صلى الله عليه و سلم و سارة مولاة لبني عبد المطلب
فأما ابن أبي سرح فكان ممن أسلم قبل ذلك و هاجر و كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ارتد مشركا و صار إلى قريش فلما كان يوم الفتح فر إلى عثمان ـ و كان أخاه من الرضاعة أرضعت أمه عثمان ـ فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما اطمأن الناس فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه و سلم طويلا ثم قال : نعم فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن حوله : ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار : فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال : إن النبي لا يبغي أن تكون له خائنة أعين
قلت : و كان بعد ذلك ممن حسن إسلامه و لم يظهر منه شيء ينكر عليه و هو آخر النجباء العقلاء الكرماء من قريش و كان فارس بني عامر بن لؤي المقدم فيهم و ولاه عمر بن الخطاب ثم عثمان رضي الله عنهم
و أما ابن خطل فإنما أمر بقتله أنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مصدقا و بعث معه رجلا من الأنصار و كان معه مولى له يخدمه و كان مسلما فنزل منزلا و أمر المولى أن يذبح له تيسا فيصنع له طعاما فنام فاستيقظ ابن خطل و لم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا و كانت له قينتان : فرتنا و قريبة و كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بقتلهما معه فقتله سعيد بن حريث المخزومي و أبو برزة الأسلمي ]
و روينا عن ابن جميع [ حدثنا محمد بن أحمد الخولاني بمكة حدثنا أحمد بن رشدين قال : حدثني أبي عن أبيه عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه دخل مكة عام الفتح و على رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال : ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال : اقتلوه ] قال ابن شهاب : و لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ محرما
و أما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فردته فأسلم و حسن إسلامه و كان يعد من فضلاء الصحابة
و أما الحويرث بن نقيد فكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فقتله علي بن أبي طالب يوم الفتح
و أما مقيس بن صبابة فكان قد أتى النبي صلى الله عليه و سلم قبل ذلك مسلما ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله بأخيه هشام بن صبابة بعد أن أخذ الدية و كان الأنصاري قد قتل أخاه مسلما خطأ في غزوة قرد و هو يرى أنه من العدو و قد تقدم ذلك في غزوة ذي قرد و أبيات مقيس في ذلك ثم لحق بمكة مرتدا فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي و هو ابن عمه
قال أبو عمر : [ و من سنته صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا أعفي أحدا قتل بعد أخذ الدية ] هذا من المسلمين و أما مقيس فارتد أيضا
[ و أما هبار بن الأسود : فهو الذي عرض لزينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفهاء قريش حين بعث بها أبو العاص زوجها إلى المدينة فأهوى إليها هبار هذا و نخس بها فسقطت على صخرة فألقت ذا بطنها و اهراقت الدماء فلم يزل مرضها ذلك حتى ماتت سنة ثمان فقال عليه الصلاة و السلام : إن وجدتم هبارا فأحرقوه بالنار ثم قال : اقتلوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار فلم يوجد يوم الفتح ثم أسلم بعد الفتح و حسن إسلامه و صحب النبي صلى الله عليه و سلم
و ذكر الزبير أنه لما أسلم و قدم مهاجرا جعلوا يسبونه فذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : سب من سبك فانتهوا عنه ]
و أما قينتا ابن خطل فرتنا و قريبة فقتلت إحداهما و استؤمن رسول الله صلى الله عليه و سلم للأخرى فأمنها فعاشت مدة ثم ماتت في حياة النبي صلى الله عليه و سلم
و أما سارة فاستومن لها أيضا فأمنها عليه الصلاة و السلام فعاشت إلى أن أوطاها رجل فرسا بالأبطح في زمن عمر فماتت
و استجار بأم هانئ بنت أبي طالب رجلان قيل : هما : الحارث بن هشام و زهير بن أبي أمية و قيل : أحدهما جعدة بن هبيرة فأجارتهما فأراد علي قتلهما [ فدخلت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يصلي الضحى فذكرت ذلك له فأمضى جوارها و قال : قد أجرنا من أجرت و أمنا من أمنت ] و أسلمت أم هانئ يوم الفتح و هي شقيقة علي بن أبي طالب و عقيل و جعفر و طالب أمهم فاطمة بنت أسد قيل : اسمها فاختة و قيل : هند و من حجة من قال إن اسمها هند قول زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي حين فر يوم الفتح و لم يسلم و لحق بنجران و مات على شركه من أبيات أو لها :
( أشاقتك هند أم جفاك سؤالها ... كذاك النوى أسبابها و انفتالها )
( و قد أرقت في رأس حصن ممرد ... بنجران يسري بعد نوم خيالها )
( و عاذلة هبت علي تلومني ... و تعذلني بالليل ضل ضلالها )
( لئن كنت قد تابعت دين محمد ... و عطفت الأرحام منك حبالها )
( فكوني على أعلى سحيق بهضبة ... ممنعة لا يستطاع قلاعها )
( فإني من قوم إذا جد جدهم ... على أي حال أصبح اليوم حالها )
( و إني لأحمي من وراء عشيرتي ... إذا كثرت تحت العوالي مجالها )
( و طارت بأيدي القوم بيض كأنها ... مخاريق ولدان يطيش ظلالها )
( و إن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها ) (2/236)
[ و لما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة و اطمأن الناس خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد بها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت و سقاية الحاج ألا و قتيل الخطأ شبه العمد السوط و العصا ففيه الدية مغلظة مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها يا معشر قريش ! إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تعظمها بالآباء الناس من آدم و آدم من تراب ثم تلا هذه الآية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى } الآية [ الحجرات : 13 ] ثم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ثم جلس في المسجد فقام إليه علي و مفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك و سلم
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أين عثمان بن طلحة ؟ فدعي له فقال : هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر و وفاء ]
و روينا عن عثمان بن طلحة [ من طريق ابن سعد قال : كنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين و الخميس فأقبل يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فغلظت عليه و نلت منه و حلم عني ثم قال : يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت : لقد هلكت قريش يومئذ و ذلت فقال : بل عمرت و عزت يومئذ و دخل الكعبة فوقعت كلمته مني موقعا ظننت يومئذ أن الأمر سيصير إلى ما قال
و فيه أنه عليه الصلاة و السلام قال له يوم الفتح : يا عثمان أن ائتني بالمفتاح فأتيته به فأخذه مني ثم دفعه إلي و قال : خذوها تالدة خالدة لا ينزعها منك إلا ظالم يا عثمان إن الله تعالى استأمنك على بيته فكلوا مما يصل إليكم من البيت بالمعروف
قال عثمان : فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال : ألم يكن الذي قلت لك ؟ قال : فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة : لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت فقلت : بلى أشهد أنك رسول الله ]
[ و روينا عن سعيد بن المسيب أن العباس تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم فدفعه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعثمان
و دخل النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ الكعبة و معه بلال فأمره أن يؤذن و أبو سفيان بن حرب و عتاب بن أسيد و الحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب : لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث : أما و الله لو أعلم أنه حق لاتبعته فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء فخرج عليهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال لهم : لقد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث و عتاب : نشهد أنك رسول الله و الله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك ]
و روينا عن ابن إسحاق [ من طريق زياد البكأتي قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد القبري عن أبي شريح الخزاعي قال : لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له : يا هذا إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه و هو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيبا فقال : يا أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة فلا يحل لامرىء يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يسفك فيها دما و لا يعضد فيها شجرا الحديث و فيه : فقال عمرو لأبي شريح : انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منكم إنها لا تمنع سافك دم و لا خالع طاعة و لا مانع جزية ] الحديث
قلت : الذي وقع في الصحيح أن هذا الخبر لعمرو بن سعيد بن العاص مع أبي لا لعمرو بن الزبير و هو الصواب و الوهم فيه عن من دون ابن إسحاق و قد رواه يونس بن بكير عنه على الصواب
[ و حين افتتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وقف على الصفا يدعو و قد أحدقت به الأنصار فقالوا فيما بينهم : أترون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ فتح الله عليه أرضه و بلده يقيم بها ؟ فلما فرغ من دعائه قال : ماذا قلتم ؟ قالوا : لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : معاذ الله المحيا محياكم و الممات مماتكم ] ذكره ابن هشام [ و ذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح أراد قتل النبي صلى الله عليه و سلم و هو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أفضالة ؟ قال : نعم فضالة يا رسول الله قال : ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ قال : لا شيء كنت أذكر الله فضحك النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال : استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان فضالة يقول : و الله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلي منه قال فضالة : فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت : هلم إلى الحديث فقلت : لا و انبعث فضالة يقول :
( قالت هلم إلى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله و الإسلام )
( لو رأيت محمدا و قبيله ... بالفتح يوم تكسر الأصنام )
( لرأيت دين الله أضحى بينا ... و الشرك يغشى وجهه الإظلام )
و فر يومئذ صفوان بن أمية فاستأمن له بن وهب الجمحي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمنه و أعطاه عمامته التي دخل بها مكة فلحقه عمير و هو يريد أن يركب البحر فرده فقال : يا رسول الله اجعلني بالخيار شهرين فقال : أنت بالخيار أربعة أشهر
و كانت أم حكيم بني الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل فأسلمت و استأمنت له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمنه فلحقته باليمن فردته و أقرهما رسول الله صلى الله عليه و سلم هو و صفوان على نكاحهما الأول ]
قال ابن سعد : [ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم تميم بن أسد الخزاعي فجدد أنصار الحرم و حانت الظهر فأذن بلال فوق ظهر الكعبة و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ـ يعني على الكفر ـ و و قف رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحزورة فقال : إنك لخير أرض الله و أحب أرض الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت و بث رسول الله صلى الله عليه و سلم السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسرها منها العزى و مناة و سواع و بوانة و ذو الكفين فنادى مناديه بمكة : من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره ] (2/240)
قول حسان بن ثابت :
( عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء )
( ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفيها الروامس و السماء )
( و كانت لا يزال بها أنيس ... خلال مروجها نعم و شاء )
( فدع هذا و لكن من لطيف ... يؤرقني إذا هب العشاء )
( لشعثاء التي قد تيمته ... فليس لقلبه منها شفاء )
( كأن خبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل و ماء )
( إذا ما الأشربات ذكرن يوما ... فهن لطيب الراح الفداء )
( نوليها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء )
( و نشربها فتتركنا ملوكا ... و أسد لا ينهنهنا اللقاء )
( عدمنا خيلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء )
( ينازعن الأعنة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظماء )
( تظل جيادنا متمطرات ... تلطمهن بالخمر النساء )
( فإما تعرضوا عنا اعتمرنا ... فكان الفتح و انكشف الغطاء )
( و إلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعين الله فيه من يشاء )
( و جبريل رسول الله فينا ... و روح القدس ليس له كفاء )
( و قال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق إن يقع البلاء )
( شهدت به فقوموا صدقوه ... فقالوا لا نقوم و لا نشاء )
( و قال الله قد يسرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء )
( لنا في كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء )
( فنحكم بالقوافي من هجانا ... و نضرب حين تختلط الدماء )
( ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء )
( بأن سيوفنا تركتك عبدا ... و عبد الدار سادتها الإماء )
( هجوت محمدا فأجبت عنه ... و عند الله في ذاك الجزاء )
( أتهجوه و لست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء )
( هجوت مباركا برا حنيفا ... أمين الله شيمته الوفاء )
( فمن يهجو رسول الله منكم ... و يمدحه و ينصره سواء )
( فإن أبي و والده و عرضي ... لعرض محمد منكم وقاء )
( لساني صارم لا عيب فيه ... و بحري لا تكدره الدلاء )
و قال أنس بن زنيم يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مما قال فيهم عمرو بن سالم من أبيات :
( و ما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر و أوفى ذمة من محمد )
( أحث على خير و أسبغ نائلا ... إذا راح كالسيف الصقيل المهند )
( و أكسى لبرد الخال قبل ابتذاله ... و أعطى لرأس السابق المتجرد )
( تعلم رسول الله أنك مدركي ... و أن و عيدا منك كالأخذ باليد )
( تعلم رسول الله أنك قادر ... على كل صرم متهمين و منجد )
( تعلم بأن الركب ركب عويمر ... هم الكاذبون المخلفو كل موعد )
( و نبوا رسول الله أني هجوته ... فلا حملت سوطي إلي إذا يدي ) (2/244)
الوتير : ماء لخزاعة وهي في كلام العرب : الورد الأبيض و العنان : السحاب
و قوله قد كنتم والدا و كنا والدا يريد أن بني عبد مناف أمهم من خزاعة و كذلك قصي أمه فاطمة بنت سعد الخزاعية و الولد : الولد
و قوله [ ثمت أسلمنا ] : من السلم لأنهم لم يكونوا آمنوا بعد و فيه هم قتلونا ركعا و سجدا يدل على أن فيهم أسلم و صلى قاله السهيلي
و حاطب بن أبي بلتعة مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى و اسم أبي بلتعة عمرو من ولده زياد بن عبد الرحمن شبطون روى الموطأ عن مالك أندلسي و لي قضاء طليطلة قال السهيلي : و قد قيل إنه كان في الكتاب الذي كتبه حاطب بن أبي بلتعة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل و أقسم بالله لو صار إليكم وحده لنصره الله عليكم فإنه منجز له ما و عده قيل : و في الخبر دليل قتل الجاسوس لتعليقه عليه الصلاة و السلام المنع من قتله بشهوده بدرا
و حمشتهم الحرب : يقال حمشت الرجل إذا أغظبته و يقال حمشت النار : إذا أوقدتها و يقال : حمست بالسين
و أبو سفيان بن الحارث : كان رضيع رسول الله صلى الله عليه و سلم أرضعتهما حليمة و كان آلف الناس له قبل النبوة ثم كان أبعدها عنه بعد ذلك ثم أسلم يوم الفتح و حسن إسلامه و لم ينقم عليه شيء بعد ذلك و هو الذي أشار إليه حسان بقوله :
( ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء )
فإنه هو الذي كان يهجو رسول الله قبل إسلامه
و الحميت : الزق و الأحمس : الشديد و الأحمس الذي لا خير عنده
و دخل عليه الصلاة و السلام مكة من ثنية كداء ـ بفتح الكاف و المد ـ من أعلاها حيث وقف إبراهيم عليه السلام فدعا لذريته و هو قوله تعالى : { فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } [ إبراهيم : 37 ] فاستجيب له تبركا بذلك
و الصيلم الصلعاء : الداهية
و خنيس بن خالد : كذا هو عند ابن إسحاق و قد قيد بالحاء المهلمة المضمومة و الباء الموحدة مفتوحة و الشين المعجمة
و النهيت : صوت الصدر و أكثر ما يوصف به الأسد
و ابن خطل : اسمه عبد الله و قيل : هلال و قيل بل هلال أخوه و كان يقال لهما الحطلان من بني تيم بن غالب
و صلاته عليه الصلاة و السلام في بيت أم هانىء قال السهيلي هي صلاة الفتح تعرف بذلك و كان الأمراء إذا افتتحوا بلدا يصلونها و حكي عن الطبري قال : صلاها سعد بن أبي وقاص حين افتتح المدائن و دخل إيوان كسرى ثمان ركعات لا يفصل بينها و لا تصلى بإمام و لا يجهر فيها بالقراءة
و ذات الأصابع و الجواء : منزلان بالشام
و عذراء : قرية بقرب دمشق معروفة
و بنو الحسحاس : من بني أسد
و الروامس : الرياح و السماء : يعني المطر
و شعثاء : بنت سلام بن مشكم اليهودي
و خبر [ كأن خبيئة ] : محذوف تقديره كأن في فيها خبيئة نحو قوله نحو قوله : إن محلا و إن مرتحلا أي : إن لنا محلا
و ألمنا : أتينا بما يلام فاعله أي نصرف اللوم إلى الخمر و نعتذر بالسكر
و المغث : الضرب باليد و اللحاء : الملاحاة باللسان
( و شركما لخيركما الفداء ) : أنصف بيت قالته العرب و هو من باب قوله عليه الصلاة و السلام : [ شر صفوف الرجال آخرها ] يريد نقصان حظهم عن حظ الصف الأول قال سيبويه : و لا يجوز أن يريد التفضيل في الشر حكاه أبو القاسم السهيلي
قال : ابن إسحاق : و بلغني عن الزهري : [ أنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ]
و نحكم بالقوافي : أي نرد من حكمه الدابة
و في شعر أنس بن زنيم : [ و أعطي لبرد الخال ] الخال : من برود اليمن و هو من رفيع الثياب (2/246)
قال ابن سعد : [ ثم سرية خالد بن الوليد إلى العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ليهدمها فخرج في ثلاثين فارسا من أصحابه حتى انتهوا إليها فهدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : هل رأيت شيئا ؟ قال : لا قال : فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها فرجع خالد و هو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس فجعل السادن يصيح بها فضربها خالد بن الوليد فجزلها باثنتين و رجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال : نعم تلك العزى و قد أيست أن تعبد ببلادكم أبدا و كانت بنخلة و كانت لقريش و جميع بني كنانة و كانت أعظم أصنامهم و كان سدنتها بنو شيبان من بني سليم ] (2/249)
ثم سرية عمرو بن العاص إلى سواع في شهر رمضان سنة ثمان و هو صنم لهذيل ليهدمه
قال عمرو : فانتهيت إليه و عنده السادن فقال : ما تريد ؟ فقلت : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أهدمه قال : لا تقدر على ذلك قلت : لم ؟ قال : تمنع قلت : حتى الآن و أنت على الباطل ويحك و هل يسمع أو يبصر قال : فدنوت منه فكسرته و أمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيها شيئا ثم قلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال أسلمت لله تعالى (2/249)
ثم سرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة في شهر رمضان سنة ثمان و كانت بالمشلل للأوس و الحزرج و غسان
فخرج في عشرين فارسا حتى انتهى إليها و عليها سادان فقال السادن : ما تريد : قال هدم مناة قال : أنت و ذاك فأقبل سعد يمشي إليها و تخرج إليها و تخرج إليه امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو بالويل و تضرب صدرها فقال السادان : مناة دونك بعض عصاتك و يضربها سعد بن زيد فيقتلها و يقبل إلى الصنم معه أصحابه فهدموه و لم يجدوا في خزانتها شيئا و انصرف راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لست بقين من شهر رمضان (2/249)
ثم سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة و كانوا بأسفل مكة على ليلة بناحية يلملم في شوال سنة ثمان و هو يوم الغميصاء
و هي عند ابن إسحاق قبل سريته لهدم العزى و سياق ما أذكره لابن سعد : قال : [ قالوا : لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى و رسول الله صلى الله عليه و سلم مقيم بمكة بعثه إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام و لم يبعثه مقاتلا فخرج في ثلاثمائة و خمسين رجلا من المهاجرين و الأنصار و بني سليم فانتهى إليهم قال : ما أنتم ؟ قالوا : مسلمون قد صلينا و صدقنا بمحمد و بنينا المساجد في ساحاتنا و أذنا فيها قال : فما بال السلاح عليكم ؟ قالوا : إن بيننا و بين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح قال : فضعوا السلاح
فوضعوه فقال لهم : استأسروا فاستأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا و فرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى منادي خالد : من كان معه أسير فليذافه و المذافة : الإجهاز عليه بالسيف فأما بنو سليم فقتلوا من كان في أيديهم و أما المهاجرون و الأنصار فأرسلوا أساراهم فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم ما صنع خالد فقال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد و بعث علي بن أبي طالب فودى لهم قتلاهم و ما ذهب منهم ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره ]
و عند ابن إسحاق في هذا الخبر [ أن خالدا قال لهم ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فلما وضعوه أمر بهم عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف و قد كان بين خالد و عبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال : إنما تأثرت بأبيك فقال عبد الرحمن : كذبت قد قتلت قاتل أبي و إنما ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : مهلا يا خالد دع عنك أصحابي فو الله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت عدوة رجل منهم و لا روحته
و كان بنو جذيمة قتلوا الفاكه بن المغيرة و عوف بن عبد عوف قبل ذلك و قتل عبد الرحمن خالد بن هشام قاتل أبيه منهم ]
قال ابن إسحاق : و حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي قال : كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد فقال لي فتى من بني جديمة هو في سني و قد جمعت يداه إلى عنقه برمة و نسوة مجتمعات غير بعيد منه :
يا فتى ! قلت : ما تشاء ؟ قال : هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم ؟ قال : قلت و الله ليسير ما طلبت فأخذته برمته فقدته بها حتى وقفته عليهن فقال : اسلمي حبيش على نفد العيش :
( أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو ألفيتكم بالخوانق )
( ألم أك أهلا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى و الودائق )
( فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيي بود قبل إحدى الصفائق )
( أثيبي بود قبل أن يشحط النوى ... و ينأى الأمير بالحبيب المفارق )
[ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن الصوري بقراءتي عليه بظاهر دمشق قلت : أخبركم الشيخان أبو الفخر أسعد بن روح و أم حبيبة عائشة بنت معمر بن الفاخر في كتابهما إليك من أصبهان ؟ فأقر به قالا : أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية قالت : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريزة أخبرنا أبو القاسم الطبرني حدثنا أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي حدثنا محمد بن حرب المروزي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث سرية فغنموا و فيهم رجل فقال لهم : إني لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا بي ما بدا لكم فإذا امرأة طويلة أدماء فقال لها : اسلمي حبيش قبل نفاد العيش :
( أريتك لو تابعتكم فلحقتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق )
( أما كان حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى و الودائق )
قالت : نعم فديتك قال فقدموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما كان فيكم رجل رحيم ]
الغميصاء : ماء لبني جذيمة
و النفد : مصدر نفد الشيء إذا فني
و حبيش : مزخم من حبيشة
و حلية و الخوانق : موضعان
و الودائق : جمع وديقة و هي شدة الحر (2/250)
و هي غزوة هوازن
قال ابن إسحاق : و لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه و سلم و ما فتح الله عليه من مكة جمعها مالك بن عوف النصري فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها و سعد بن بكر و ناس من بني هلال و هم قليل و لم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء غابت عنها فلم يحضرها من هوازن كعب و لا كلاب و لم يشهدها منهم أحد له اسم و في جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه و معرفته بالحرب و كان شجاعا محربا و في ثقيف سيدان لهم و في الأحلاف قارب بن الأسود بن معتب و في بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك و أخوه أحمر بن الحارث و جماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حط مع الناس أموالهم و نساءهم و أبناءهم فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس و فيهم دريد بن الصمة فلما نزل قال : بأي واد أنتم ؟ قالوا بأوطاس قال : نعم محل الخيل لا حزن ضرس و لا سهل دهس ما لي أسمع رغاء البعير و نهاق الحمير و بكاء الصغير و يعار الشاء ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف النصري مع الناس أموالهم و نساءهم و أبناءهم قال : أين مالك ؟ قيل : هذا مالك و دعي له فقال : يا مالك ! إنك قد أصبحت رئيس قومك و إن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ما لي أسمع رغاء البعير و نهاق الحمير و بكاء الصغير و يعار الشاء ؟ قال : سقت مع الناس أبناءهم و نساءهم و أموالهم قال : و لم ؟ قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله و ماله ليقاتل عنهم قال : فأنقض به ثم قال : راعي ضأن و الله و هل يرد المنهزم شيء إنها كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه و رمحه و إن كانت عليك فضحت في أهلك و مالك ثم قال : ما فعلت كعب و كلاب ؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد قال : غاب الحد و الجد لو كان يوم علاء و رفعة لم يغب عنه كعب و كلاب و لوددت أنكم فعلتم كما فعلت كعب و كلاب فمن شهدها منكم ؟ قالوا : عمرو بن عامر و عوف بن عامر قال : ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان و لا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوزان إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى متمتع بلادهم و عليا قومهم ثم ألق الصبى على متون الخيل و إن كانت لك لحق بك من وراءك و إن كانت عليك ألقاك ذلك و قد أحرزت أهلك و مالك قال : و الله لا أفعل إنك قد كبرت و كبر عقلك و الله لتطيعنني يا معشر هوزان أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري و كره أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي قالوا : أطعناك فقال دريد بن الصمة : هذا يوم لم أشهده و لم يفتني :
( يا ليتني فيها جذع )
( أخب فيها و أضع )
( أقود وطفاء الزمع )
( كأنها شاة صدع )
ثم قال مالك للناس : إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد و بعث عيونا من رجاله فأتوه و قد تفرقت أوصالهم قال : ويلكم ما شأنكم ؟ قالوا : رأينا رجالا بيضا على خيل بلق و الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فو الله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد
[ و لما سمع بهم نبي الله بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي و أمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم حتى سمع و علم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم و سمع من مالك و أمر هوزان ما هم عليه ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره الخبر فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه و سلم السير إلى هوزان ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا و سلاحا فأرسل إليه و هو يومئذ مشرك فقال : يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا فقال صفوان : أغصبا يا محمد ؟ قال : بل عارية و هي مضمونة حتى نؤديها إليك قال : ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ففتح الله بهم مكة فكانوا اثني عشر ألفا و استعمل عتاب بن أسيد على مكة أميرا ثم مضى يريد لقاء هوازن ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال : لما استقبلنا وادي حنين انحدرها في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما تنحدر فيه انحدارا قال : و في عماية الصبح و كان القوم قد سبقونا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه و أحنائه و مضايقه و قد أجمعوا و تهيؤوا و أعدوا فو الله ما راعنا و نحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد و انشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد و انحاز رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات اليمين ثم قال : يا أيها الناس هلم إلي أنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا محمد بن عبد الله قال : فلا شيء حملت الإبل بعضها على بعض فانطلق الناس إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نفر من المهاجرين و أهل بيته ]
و فيمن ثبت معه من المهاجرين : أبو بكر و عمر و من أهل بيته علي بن أبي طالب و العباس و أبو سفيان بن الحارث و ابنه و الفضل بن العباس و ربيعة بن الحارث و أسامة بن زيد و أيمن بن أم أيمن ـ و قتل يومئذ ـ
قال : و رجل من هوزان على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام هوزان خلفه إذا أدرك طعن برمحه و إذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى إليه علي بن أبي طالب و رجل من الأنصار يريدانه قال : فيأتي علي من خلفه فيضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه و وثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال : و اجتلد الناس فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ـ يعني المسلمين ـ و رأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر و أن الأزلام لمعه في كنانته
و صرخ جبلة بن الحنبل ـ و صوبه ابن هشام : كلدة ـ : ألا بطل السحر اليوم فقال له صفوان أخوه لأمه ـ و كان بعد مشركا ـ اسكت فض الله فاك فو الله لئن يربني رجل من قريش أحب إلي من يربني من هوزان
و روينا عن ابن سعد : [ أخبرنا محمد بن عمر حدثنا عمر بن عثمان المخزومي عن عبد الملك بن عبيد قال محمد بن عمر : حدثنا خالد بن إلياس عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه و غيرها قالوا : كان شيبة بن عثمان رجلا صالحا له فضل و كان يحدث عن إسلامه و ما أراد الله به من الخير و يقول : ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات ثم يقول : لما كان عام الفتح و دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة عنوة قلت : أسير مع قريش إلى هوزان بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها و أقول : لو لم يبق من العرب و العجم أحد إلا اتبع محمدا ما تبعته أبدا و كنت مرصدا لما خرجت له لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بغلته و أصلت السيف فدنوت منه ما أريد و رفعت سيفي حتى أسوره فرفع لي شواظ من نار كالبرق كاد يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه و التفت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فناداني : يا شيب ادن فدنوت فمسح صدري ثم قال : اللهم أعذه من الشيطان قال : فو الله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي و بصري و نفسي و أذهب الله تعالى ما كان في ثم قال : ادن فقاتل فقدمت أمامه أضرب بسيفي الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء و لو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيا لأوقعت به السيف
فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى تراجع المسلمون و كروا كرة رجل واحد و قربت بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستوى عليها فخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه و رجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه ما دخل عليه غيري حبا لرؤية وجهه و سرورا به فقال : يا شيب الذي أراد الله بك خير مما أردت بنفسك ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أكن أذكره لأحد قط قال : فقلت : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم قلت : استغفر لي فقال : غفر الله لك ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال : إني لمع رسول الله صلى الله عليه و سلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء و قد شجرتها بها
قال : و كنت امرأ جسيما شديد الصوت قال : و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول حين رأى ما رأى من الناس : إلى أين أيها الناس ؟ قال : فلم أر الناس يلوون على شيء فقال : يا عباس اصرخ : يا معشر الأنصار يا معشر أصحاب السمرة فأجابوا : لبيك لبيك قال فيذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه و يأخذ سيفه و ترسه و يقتحم عن بعيره و يخلي سبيله و يؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فكانت الدعوى أول ما كانت : يا للأنصار ثم خلصت أخيرا يا للخزرج و كانوا صبرا عند الحرب فأشرف رسول الله صلى الله عليه و سلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم و هم يجتلدون فقال : الآن حمي الوطيس ] وزاد غيره :
( أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب )
و في صحيح مسلم : [ ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم حصيات فرمى بها وجوه الكفار ثم قال : انهزموا و رب محمد ثم قال : فما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدهم كليلا و أمرهم مدبرا ] و من رواية أخرى [ أن النبي صلى الله عليه و سلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض ثم استقبل بها و جوههم فقال : شاهت الوجود فما خلق الله تعالى منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا تلك القبضة فولوا مدبرين ]
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى : و حدثني أبي إسحاق بن يسار أنه حدث عن جبير بن مطعم قال : لقد رأيت قبل هزيمة القوم ـ و الناس يقتتلون ـ مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بيننا و بين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة و لم يكن إلا الهزيمة القوم
قال ابن إسحاق : [ و لما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلا و لما انهزم المشركون أتوا الطائف و معهم مالك بن عوف و عسكر بعضهم بأوطاس و توجه بعضهم نحو نخلة و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري فأدرك من الناس بعض من انهزم فناوشوه القتال فرمي بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ـ و هو ابن عمه ـ فقاتلهم ففتح الله عليه و هزمهم الله فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر فقتله ]
و قال ابن سعد : [ قتل أبو عامر منهم تسعة مبارزة ثم برز العاشر معلما بعمامة صفراء فضرب أبا عامر فقتله و استخلف أبو عامر أبا موسى الأشعري فقاتلهم حتى فتح الله عليه و قتل قاتل أبي عامر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اغفر لأبي عامر و اجعله من أعلى أمتي في الجنة و دعا لأبي موسى أيضا ]
و قتل من المسلمين أيضا أيمن بن عبيد و هو ابن أم أيمن و سراقة بن الحارث و رقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان ـ و عند ابن إسحاق : يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جمح به فرس يقال له الجناح فقتل ـ و استحر القتل في بني نصر بن معاوية ثم في بني رئاب فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ اللهم اجبر مصيبتهم ]
و وقف مالك بن عوف على ثنية من الثنايا حتى مضى ضعفاء أصحابه و تتام آخرهم ثم هرب فتحصن في قصر يليه و يقال : دخل حصن ثقيف
[ و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسبي و الغنائم تجمع فجمع ذلك كله و حدروه إلى الجعرانة فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم من الطائف و هم في حظائر لهم يستظلون بها من الشمس و كان السبي ستة آلاف رأس و الإبل أربعة و عشرون ألفا و الغنم أكثر من أربعين ألف شاة و أربعة آلاف أوقية فضة فاستأنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالسبي أن يقدم عليه وفدهم و بدأ بالأمول فقسمها و أعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية و مائة من الإبل قال : ابني يزيد ؟ قال : أعطوه أربعين أوقية و مائة من الإبل قال : ابني معاوية ؟ قال : أعطوه أربعين أوقية و مائة من الإبل و أعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه و أعطى النضر بن الحارث بن كلدة مائة من الإبل و أعطى أسيد بن جارية الثقفي مائة من الإبل و أعطى العلاء بن جارية الثقفي خمسين بعيرا و أعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيرا و أعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل و أعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل و أعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل و أعطى قيس بن عدي مائة من الإبل و أعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل و أعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل و أعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل و أعطى هشام بن عمرو العامري خمسين من الإبل و أعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل و أعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل و أعطى مالك بن عوف مائة من الإبل و أعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل فقال في ذلك شعرا فأعطاه مائة من الإبل و يقال خمسين
و أعطى ذلك كله من الخمس و هو أثبت الأقاويل عندنا
ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس و الغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهمانهم لكل رجل أربعا من الإبل و أربعين شاة فإن كان فارسا أخذ ثنتي عشرة من الإبل و عشرين و مائة شاة و إن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له ]
قال ابن إسحاق : [ و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : لما أعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش و في قبائل العرب و لم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم : لقي و الله رسول الله صلى الله عليه و سلم قومه
فدخل عليه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك و أعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب و لم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء قال : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ فقال : يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال : فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة قال : فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا و جاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا له أتى سعد فقال : قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحمد الله و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال : يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ؟ و عالة فأغناكم الله و أعداء فألف بين قلوبكم : بلى الله و رسوله أمن و أفضل ثم قال : ألا تجيبوني يا معشر الأنصار ؟ قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله لله و لرسوله المن و الفضل
قال : أما و الله لو شئتم لقلتم فلصدقتم و لصدقتم : أتيتنا مكذبا فصدقناك و مخذولا فنصرناك و طريدا فآويناك و عائلا فآسيناك أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لغاغة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا و وكلتكم إلى إسلامكم ؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة و البعير و ترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟ فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار و لو سلك الناس شعبا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار و أبناء الأنصار و أبناء أبناء الأنصار قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم و قالوا : رضينا برسول الله قسما و حظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم و تفرقوا ]
و قدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة فقالت : يا رسول الله إني أختك قال : و ما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري و أنا متوركتك قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم العلامة فبسط لها رداءه و أجلسها عليه و خيرها و قال : إن أحببت فعندي محببة مكرمة و إن أحببت أن أمتعك و ترجعي إلى قومك فعلت قالت بل تمتعني و تردني إلى قومي ففعل فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول و جارية فزوجت أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية
و قال أبو عمر : فأسلمت فأعطاها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة أعبد و جارية و نعما و شاء
و سماها : حذافة و قال : الشيماء لقب
و قدم وفد هوازن على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هم أربعة عشر رجلا و رأسهم زهير بن صرد و فيهم أبو برقان عم رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة فسألوه أن يمن عليهم بالسبي فقال أبناؤكم و نساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا فقال : أما مالي و لبني عبد المطلب فهو لكم و سأسأل لكم الناس فقال المهاجرون و الأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال الأقرع بن حابس : أما أنا و بنو تميم فلا و قال عيينة بن حصن أما أنا و بنو فزارة فلا و قال العباس بن مرادس : أما أنا و بنو سليم فلا
فقالت بنو سليم : ما لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال العباس بن مرادس : و همنتموني و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن هؤلاء القوم جاؤوا مسلمين و قد استأنيت بسبيهم و قد خيرتهم فلم يعدلوا بالأبناء و النساء شيئا فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه بأن يرده فسبيل ذلك و من أبي فليرد عليهم ذلك فرضا علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا قالوا : رضينا و سلمنا فردوا عليهم نساءهم و أبناءهم و لم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يديه منهم ثم ردها بعد ذلك
و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كسا السبي قبطية قبطية ]
أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح المقدسي سماعا بالزعيرعية أنبأنا أبو الفخر أسعد بن سعيد بن روح الصالحاني و أم حبيبة عائشة بنت الحافظ أبي أحمد معمر بن الفاخر الأصبهانيان إجازة منهما قالا : أخبرتنا أم إبراهيم فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل الجوزدانية قال الأول سماعا و قالت الثانية حضورا قالت : أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة أنبأنا أبو القاسم الطبراني حدثنا عبيد الله بن رماحس القيسي برمادة الرملة سنة أربع و سبعين و مائتين حدثنا أبو عمرو زياد بن طارق ـ و كان قد أتت عليه مائة و عشرون سنة ـ قال : سمعت أبا جرول زهير بن صرد الجشمي يقول : لما أسرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين يوم هوازن و ذهب يفرق السبي و الشاء أتيته فأنشأت أقول هذا الشعر :
( امنن علينا رسول الله في كرم ... فإنك المرء نرجوه و ننتظر )
( امنن على بيضة قد عاقها قدر ... مشتت شملها في دهرها غير )
( أبقت لنا الدهر هتافا على حزن ... على قلوبهم الغماء و الغمر )
( إن لم تداركهم نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر )
( امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر )
( إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... و إذ يزينك ما تأتي و ما تذر )
( لا تجعلنا كمن شالت نعامته ... و استبق منا فإنا معشر زهر )
( إنا لنشكر للنعماء إذ كفرت ... و عندنا بعد هذا اليوم مدخر )
( فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر )
( يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشرر )
( إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ... هذي البرية إذ تعفو و تنتصر )
( فاعف عفا الله عما أنت راهبه ... يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر )
قال : فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم هذا الشعر قال : [ ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم ] و قالت قريش : ما كان لنا فهو لله و لرسوله و قالت الأنصار : ما كان لنا فهو لله و لرسوله
قال الطبراني : لا يروى عن زهير بن صرد بهذا التمام إلا بهذا الإسناد تفرد به عبيد الله بن رماحس (2/253)
قول العباس بن مرادس السلمي :
( عفى مجدل من أهله فمتالع ... فمطلى أريك قد خلا فالمصانع )
( ديار لنا جمل إذ جل عيشنا ... رخي و صرف الدهر للحي جامع )
( حبيبة ألوت بها غربة النوى ... لبين فهل ماض من العيش راجع ؟ )
( فإن تتبع الكفار غير ملومة ... فإني وزير للنبي و تابع )
( دعانا إليه خير وفد علمتهم ... خزاعة و المرار منهم و واسع )
( فجئنا بألف من سليم عليهم ... لبوس لهم من نسج داود رائع )
( نبايعه بالأخشبين و إنما ... يد الله بين الأخشبين نبايع )
( فجسنا مع المهدي مكة عنوة ... بأسيافنا و النقع كاب و ساطع )
( علانية و الخيل يغشى متونها ... حميم و آن من دم الجوف ناقع )
( و يوم حنين سارت هوازن ... إلينا و ضاقت بالنفوس الأضالع )
( صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا ... قراع الأعادى منهم و الوقائع )
( أمام رسول الله يخفق فوقنا ... لواء كخذروف السحابة لامع )
( عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول الله و الموت كانع )
( نذود أخانا عن أخينا و لو نرى ... مصالا لكنا الأقربين نتابع )
( و لكن دين الله دين محمد ... رضينا به فيه الهدى و الشرائع )
( أقام به بعد الضلالة أمرنا ... و ليس لأمر حمه الله دافع )
و قوله :
( ما بال عينك فيها عائر سهر ... مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر )
( عين تأوبها من شجوها أرق ... فالماء يغمرها طورا و ينحدر )
( كأنه نظم در عند ناظمه ... تقطع السلك منه فهو منتثر )
( يا بعد منزل من ترجو مودته ... و من أتى دونه الصمان فالحفر )
( دع ما تقدم من عهد الشباب فقد ... ولى الشباب و زار الشيب و الذعر )
( و اذكر بلاء سليم في مواطنها ... و في سليم لأهل الفخر مفتخر )
( قوم هم نصروا الرحمن و اتبعوا ... دين الرسول و أمر الناس مشتجر )
( لا يغرسون فسيل النخل و سطهم ... و لا تخاور في مشتاهم البقر )
( إلا سوابح كالعقبان مقربة ... في دارة حولها الأخطار و العكر )
( يدعى خفاف و عوف في جوانبها ... و حي ذكوان لا ميل و لا ضجر )
( الضاربون جنود الشرك ضاحية ... ببطن مكة و الأرواح تبتدر )
( حتى رفعنا و قتلاهم كأنهم ... نخل بظاهرة البطحاء منقعر )
( و نحن يوم حنين كان مشهدنا ... للدين عزا و عند الله مدخر )
( إذ نركب الموت مخضرا بطائنه ... و الخيل ينجاب عنها ساطع كدر )
( تحت اللوامع و الضحاك يقدمنا ... كما مشى الليث في غاباته الخدر )
( في مأزق من مكر الحرب كلكلها ... تكاد تأفل منه الشمس و القمر )
( و قد صبرنا بأوطاس أسنتنا ... لله ننصر من شئنا و ننتصر )
( حتى تأوب أقوام منازلهم ... لولا المليك و لولا نحن ما صدروا )
( فما ترى معشرا قلوا و لا كثروا ... إلا و أصبح منا فيهم أثر )
و قد تركت من شعر العباس ما يبدو فضله و يستحسن مثله إيثارا للاختصار و الله تعالى أعلم (2/264)
حنين بن قانية بن مهلائيل هو الذي ينتسب إليه الموضع و هي غزوة حنين و هوزان و أوطاس سميت أوطاس باسم الموضع الذي كانت فيه الوقعة أخيرا حيث اجتمع فلالهم و توجه إليهم أبو عامر الأشعري كما سبق
و الوطيس : التنور و في هذه الغزوة قال عليه الصلاة و السلام : [ الآن حمي الوطيس ] حين استعرت الحرب و هي من الكلم التي لم يسبق إليها صلى الله عليه و سلم و كذلك قوله عليه الصلاة و السلام في هذه الوقعة : [ يا خيل الله اركبي ]
و قوله : [ فأنقض به ] أي صوت بلسانه في فيه من النقيض و هو الصوت
و قوله : [ راعي ضأن ] يجهله بذلك
و فرار من كان معه عليه الصلاة و السلام يوم حنين قد أعقبه رجوعهم إليه سرعة و قتالهم معه حتى كان الفتح ففي ذلك نزلت : { و يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا } إلى قوله : { و الله غفور رحيم } [ التوبة : 25 ـ 27 ] كما قال فيمن تولى يوم أحد { و لقد عفا الله عنهم } [ آل عمران : 155 ] و إن اختلف الحال في الواقعتين
و يوم حنين قال عليه الصلاة و السلام : [ من قتل قتيلا فله سلبه ] فصار حكما مستمرا و قتل أبو طلحة يومئذ عشرين و أخذ أسلابهم و في هذه المسألة خلاف بين العلماء ليس هذا موضع ذكره
و في خبر جبير بن مطعم عن رؤيته الملائكة : رأيت مثل البجاد من النمل ـ و البجاد : الكساء ـ و قد قال غيره يومئذ : رأيت رجالا بيضا على خيل بلق فكانت الملائكة
و البغلة التي كان عليها النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ : هي المسماة فضة التي أهداها له فروة بن نفاثة
و المجدل : القصر و هو في هذا البيت اسم علم لمكان
و مطلاء : يمد و يقصر و هي أرض تعقل الرجل عن المشي
و خذروف السحاب : أراد به البرق الذي في السحاب
و كانع : حاضر نازل
و الضحاك بن سفيان : كانت بيده راية سليم يوم حنين قال البرقي : ليس هو الضحاك بن سفيان الكلابي إنما هو الضحاك بن سفيان السلمي و في رواية غير البكائي عن ابن إسحاق رفع نسبه إلى بهتة بن سليم لم يذكر أبو عمر : السلمي
و قوله : نذود أخانا البيت : يريد أنه من سليم و سليم من قيس كما أن هوزان من قيس كلاهما ابن منصور بن عكرمة بن حصفة بن قيس و معناه : نقاتل إخوتنا و نذودهم عن إخوتنا من سليم و لو نرى في حكم الدين مصالا : مفعلا من الصولة لكنا مع الأقربين يريد هوزان
و الحماطة : من ورق الشجر ما فيه خشونة
و العائر : كالشيء ينخس في العين لأنه يعورها
و السهر : الرجل لأنه لما لم يفتر عنه فكأنه سهر و لم ينم
و الصمان و الحفر : موضعان
و قوله لا يغرسون فسيل النخل : يعني أهل المدينة يعيرهم بذلك
و المقربة : الخيل التي قربة مرابطها
و الأخطار : جمع خطر و هو القطيع الضخم من الإبل
و العكر : ما فوق خمسمائة من الإبل
و ضاحية كل شيء : نواحية البارزة و الظاهرة من الأرض : ما غلظ منها (2/267)
قال ابن سعد : لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين ـ صنم عمرو بن حصمة بن حممة الدوسي ـ يهدمه و أمره أن يستمد قومه و يوافيه بالطائف فخرج سريعا إلى قومه فهدم ذا الكفين و جعل يحش النار في وجهه و يحرقه و يقول :
( يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا )
( أنا حششت النار في فؤادكا )
قال : و انحدر معهمن قومه أربعمائة سراعا فوافوا النبي صلى الله عليه و سلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام و قدم بدبابة و منجنيق و قال : يا معشر الأزد من يحمل رايتكم فقال الطفيل : من كان يحملها في الجاهلية ؟ قالوا : النعمان بن الرازية اللهبي قال : أصبتم (2/269)
قال ابن سعد : قالوا : [ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من حنين يريد الطائف و قدم خالد بن الوليد على مقدمته و قد كانت ثقيف رموا حصنهم و أدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من أطاوس دخلوا و أغلقوا عليهم و تهيؤوا للقتال و سار رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزل قريبا من حصن الطائف و عسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب من المسلمين ناس بجراحة و قتل منهم اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى موضع مسجد الطائف اليوم و كان معه من نسائه أم سلمة و زينب فضرب لهما قبتين و كان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله فحاصرهم ثمانية عشر يوما و يقال خمسة عشر يوما ]
و قال ابن إسحاق : بضعا و عشرثين ليلة و قال ابن هشام : سبعة عشر يوما و نصب عليهم المنجنيق و هو أول ما رمى به في الإسلام فيما ذكر ابن هشام
و روينا عن ابن سعد قال : [ أخبرنا قبيصة بن عقبة أخبرنا سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن مكحول أن النبي نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما ]
قال ابن إسحاق : حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم ثقيف بالنبل فقتلوا منهم رجالا فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع أعناب ثقيف فوقع الناس فيها يقطعون
قال ابن سعد : ثم سألوه أن يدعها لله و للرحم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ فإني أدعها لله و للرحم ] و نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما عبد نزل من الحصن و خرج إلينا فهو حر
فخرج منهم بضعة عشر رجلا فيهم أبو بكرة نزل في بكرة فقيل : أبو بكرة فعتقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و دفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة و لم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم في فتح الطائف
و استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم نوفل بن معاوية الديلي فقال : ما ترى ؟ فقال : ثعلب في حجر إن أقمت عليه أخذته و إن تركته لم يضرك فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك و قالوا : نرحل و لم يفتح علينا الطائف ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت المسلمين جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك و أذعنوا و جعلوا يرحلون و رسول الله يضحك و قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ قولوا لا إله إلا الله وحده صدق و عده ونصر عبده و هزم الأحزاب وحده فلما ارتحلوا و استقلوا قال : قولوا : آبيون تائبون عابدون لربنا حامدون ] و قيل يا رسول الله ادع الله على ثقيف قال : [ اللهم اهد ثقيفا و ائت بهم مسلمين ] و الله تعالى أعلم
تسمية من استشهد بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ابن إسحاق : سعيد بن سعيد الخدري بن العاص بن أمية بن عبد شمس و عرفطة بن جناب حليف لهم من الأزد بن الغوث قال ابن هشام : و يقال : ابن حباب و عبد الله بن أبي بكر الصديق رمي بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و عبد الله بن أبي أمية المخزومي و عبد الله بن ربيعة العدوي حليف لهم و السائب بن الحارث السهمي و أخوه عبد الله
و من بني سعد بن ليث : جليحة بن عبد الله
و من الأنصار : ثابت بن الجذع السلمي و الحارث بن سهل بن أبي صعصعة المازني النجاري و المنذر بن عبد الله الساعدي و من الأوس : رقيم بن ثابت بن ثعلبة
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الطائف إلى الجعرانة و بها قسم غنائم حنين كما تقدم
قال ابن سعد : [ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم المصدقين قالوا : لما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم هلال المحرم سنة تسع بعث المصدقين يصدقون العرب فبعث عيينة بن حصن إلى بني تميم و بعث بريدة بن الحصيب إلى أسلم و غفار و يقال : بعث كعب بن مالك و بعث عباد بن بشر الأشهلي إلى سليم و مزينة و بعث رافع بن مكيث إلى جهينة و بعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة و بعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب و بعث بسر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب و بعث ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان و بعث رجلا من بني سعد هذيم على صدقاتهم و أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم و يتوقوا كرائم أموالهم ]
قال ابن إسحاق : و بعث المهاجرين أبي أمية إلى صنعاء فخرج عليه العنسي و هو بها و بعث زياد بن لبيدج إلى حضرموت و بعث عدي بن حاتم على طيء و بني أسد و بعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة و فرق صدقات بني سعد على رجلين : الزبرقان بن بدر على ناحية و قيس بن عاصم على ناحية و العلاء بن البحرين و بعث عليا إلى نجران ليجمع صدقاتهم و يقدم عليه بجزيتهم (2/270)
قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري و لا أنصاري فكان يسير الليل و يكمن النهار فهجم عليهم في صحراء فدخلوا و سرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع ولوا و أخذ منهم أحد عشر رجلا و وجدوا في المحلة إحدى و عشرين امرأة و ثلاثين صبيا فجلبهم إلى المدينة فأمربهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فقدم فيهم عدة من رؤسائهم عطارد بن حاجب و الزبرقان بن بدر و قيس بن عاصم و الأقرع بن حابس و قيس بن الحارث و نعيم بن سعد و عمرو بن الأهتم و رباح بن الحارث بن مجاشع فلما رأوهم بكى إليهم النساء و الذراري فعجلوا فجاؤوا إلى باب النبي صلى الله عليه و سلم فنادوا : يا محمد اخرج إلينا فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام بلال الصلاة و تعلقوا برسول الله صلى الله عليه و سلم يكلمونه فوقف معهم ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد فقدموا عطارد بن حاجب فتكلم و خطب فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم و نزل فيهم : { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } [ الحجرات : 4 ] فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسرى و السبي
و ذكر ابن إسحاق : ما وقع بينهما من المفاخرة و ما وقع بين الشاعرين الزبرقان بن بدر و حسان بن ثابت من المفاخرة نظما فأنشد الزبرقان :
( نحن الكرام فلا حي يعادلنا ... منا الملوك و فينا تنصب البيع )
( و كم قسرنا من الأحياء كلهم ... عند النهاب و فضل العز يتبع )
( و نحن يطعم عند القحط مطعمنا ... من الشواء إذا لم يونس القزع )
( أما ترى الناس يأتينا سراتهم ... من كل أرض هويا ثم نصطنع )
( فننحر الكوم عبطا في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا )
( فلا ترانا إلى حي تفاخرهم ... إلا استقادوا فكانوا الرأس يقطتع )
( فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم و الأخبار تستمع )
( إنا أبينا و لا يأبى لنا أحد ... إنا كذلك عند الفخر نرتفع )
و أنشد لحسان مجيبا له :
( إن الذوائب من فهر و إخواتهم ... قد بينوا سنة للناس تتبع )
( يرضى بهم كل من كانت سريرته ... تقوى الإله و كل الخير يصطنع )
( قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا )
( سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق ـ فاعلم ـ شرها البدع )
( إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع )
( لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم ... عند الدفاع و لا يوهون ما رفعوا )
( إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم ... أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا )
( أعفة ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطبعون و لا يرديهم طمع )
( لا يبخلون على جار بفضلهم ... و لا يمسهم من مطمع طبع )
( إذا نصبنا لحي لم ندب له ... كما يدب إلى الوحشية الذرع )
( نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا )
( لا يفخرون إذا نالوا عدوهم ... و إن أصيبوا فلا خور و لا هلع )
( كأنهم في الوغى و الموت مكتنع ... أسد بحلية في أرساغها فدع )
( خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا ... و لا يكن همك الأمر الذي منعوا ) ( فإن في حربهم ـ فاترك عدواتهم ـ ... شرا يخاض عليه السم و السلع )
( أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ... إذا تفاوتت الأهواء و الشيع )
( أهدي لهم مدحتي قلب يوازره ... فيما أحب لسان حائك صنع )
( فإنهم أفضل الأحياء كلهم ... إن جد بالناس جد القوم أو شمعوا )
فلما فرغ حسان قال الأقرع بن حابس : إن هذا الرجل لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطيبنا و لشاعره أشعر من شاعرنا و لأصواتهم أعلى من أصواتنا فلما فرغ القوم أسلموا و جوزهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحسن جوائزهم (2/273)
الأقرع بن حابس لقب و اسمه فراس و كان في رأسه قرع فلقب بذلك ذكر ذلك عن ابن دريد
و اسم عيينه بن حصن : حذيفة و كانت عينه جحظت بذلك
و الزبرقان : القمر قال الشاعر :
( تضيء به المنابر حين يرقى ... عليها مثل ضوء الزبرقان )
و الزبرقان : الخفيف العارضين و اسمه الحصين
و قوله : إذا لم يؤنس القزع : يريد إذا كان الجدب و لم يكن في السماء سحاب ينقزع و التقزع : تفرق السحاب
و الكوم : جمع كوماء و هي العظيمة السنام
و الاعتباط : الموت في الحداثة قال : من لم يمت عبطة يمت هرما
و متعوا : ارتفعوا متع النهار إذا ارتفع
و الذرع : ولد البقر و جمعه ذرعان و بقرة مذرع : إذا كانت ذات ذرعان
و السلع : شجر مر
و شمعوا : أي ضحكوا و في الحديث [ من تتبع المشمعة شمع الله به ] يريد من ضحك من الناس و أفرط في المزح و شمعت الجارية و الدابة شموعا : و معناه في البيت هزلوا و منه امرأة شموع إذا كانت مزاحة و ذكروا أن قيس بن عاصم كان يبغض عمرو بن الأهتم و هو الذي ضرب أباه فهتم فاه فشهر بالأهتم و اسمه سنان بن سمي فغض منه بعض الغض عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و مع ذلك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أعطى القوم
و لما دار بين عمرو و الزبرقان قال عليه الصلاة و السلام يومئذ : إن من البيان لسحرا
و ذلك أن عمرا قال في الزبرقان : إنه لمطاع في أدنيه سيد في عشيرته فقال الزبرقان : لقد حسدني يا رسول الله لشرفي و لقد علم أفضل مما قال فقال عمرو : إنه لذمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال فعرف الإنكار في رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ! رضيت فقلت أحسن ما علمت و سخطت فقلت أقبح ما علمت و لقد صدقت في الأولى و ما كذبت في الثانية و يقال كانت أم الزبرقان باهلية فذلك أراد عمرو (2/275)
قال ابن سعد : قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم قبطة في عشرين رجلا إلى حي من خثعم بناحية تبالة و أمره أن يشن الغارة فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضرة و يحذرهم فضربوا عنقه ثم أقاموا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت الجرحى في الفريقين جميعا و قتل قطبة بن عامر من قتل و ساقوا النعم و الشاء و النساء إلى المدينة و جاء سيل أتي فحال بينهم و بينه فما يجدون إليه سبيلا و كانت سهمانهم أربعة أبعرة و البعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أفرد الخمس (2/277)
قالوا : [ بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جيشا إلى القرطاء عليهم الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي و معه الأصيد بن سلمة بن قرط فلقوهم بالزخ زخ لاوة فدعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزموهم فلحق الأصيد أباه سلمة و سلمة على فرس له في غدير بالزخ فدعا أباه إلى الإسلام و أعطاه الأمان فسبه و سب دينه فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك حتى جاءه أحدهم فقتله و لم يقتله ابنه ]
الزخ : بالزاي و الخاء المعجمتين (2/277)
قالوا : [ بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزر في ثلثمائة فانتهى إلى جزيرة في البحر و قد خاض إليهم البحر فهربوا منه فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم فتعجل عبد الله بن حذافة السهمي فيهم فأمره على من تعجل و كانت فيه دعابة فنزلوا ببعض الطريق و أوقدوا نارا يصطلون عليها و يصطنعون فقال : عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار فقام بعض القوم فتحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال : اجلسوا إنما كنت أضحك معكم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ] (2/278)
قالوا : [ بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير و خمسين فرسا و معه راية سوداء و لواء أبيض إلى الفلس ليهدمه فشنوا الغارة محلة آل حاتم مع الفجر فهدموا الفلس و حرقوه و ملؤوا أيديهم من السبي و النعم و الشاء و في السبي أخت عدي بن حاتم و هرب عدي إلىالشام و وجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف : رسوب و المخذم و سيف يقال له : اليماني و ثلاثة أدراع و استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم على السبي أبا قتادة و استعمل على الماشية و الرقة عبد الله بن عتيك فلما نزلوا ركك و عزل للنبي صلى الله عليه و سلم صفيا : رسوبا و المخذم ثم صار له بعد السيف الآخر و عزل الخمس و عزل آل حاتم فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة ]
و الفلس : بضم الفاء و سكون اللام (2/278)
إلى الجباب أرض عذرة و بلي و كانت في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة (2/279)
قال ابن إسحاق : [ و لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب يخبره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه و يؤذيه و أن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعري و هبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل و جه فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا و إن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك و كان كعب قد قال :
( ألا أبلغا عني بجيرا رسالة ... فهل لك فيما قلت ـ ويحك ـ هل لكا ؟ )
( فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا ؟ )
( على خلق لم ألف أما و لا أبا ... عليه و لا تلفي عليه أخا لكا )
( فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... و لا قائل إما عثرت لعا لكا )
( سقاك بها المأمون كأسا روية ... فأنهلك المأمون منها و علكا )
قال : و بعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سقاك بها المأمون ؟ صدق و إنه لكذوب و أن المأمون و لما سمع : على خلق لم ألف و لا أبا عليه قال : أجل لم يلف أباه و لا أمه ثم قال بجير لكعب :
( من مبلغ كعبا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلا و هي أحزم )
( إلى الله ـ لا العزى و لا اللات ـ وحده ... فتنجو إذا كان النجاء و تسلم )
( لدي يوم لا ينجو و ليس بمفلت ... من النار إلا طاهر القلب مسلم )
( فدين زهير و هو لا شيء دينه ... و دين أبي سلمى علي محرم )
فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض و أشفق على نفسه و أرجف به من كان في حاضره من عدوه فقالوا : هو مقتول فلما لم يجد منى شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم و يذكر خوفه و إرجاف الوشاة به من عدوه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه و بينه معرفة من جهينة كما ذكر لي فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين صلى الصبح فصلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقم إليه و استأمنه فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جلس إليه فوضع يده في يده و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يعرفه فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم قال : أنا يا رسول الله كعب بن زهير ]
قال ابن إسحاق : [ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله دعني و عدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا قال : فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم و ذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من الأنصار إلا بخير ] فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيم إثرهالم يفد مكبول )
( و ما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن غضيض الطرف مكحول )
( تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت ... كأنه منهل بالراح معلول )
( شجت بذي شبم من ماء محنية ... صاف بأبطح أضحى و هو مشمول )
( تنفي الرياح القذى عنه و أفرطه ... من صوب غادية بيض يعاليل )
( ويل آمها خلة لو أنها صدقت ... بوعدها أو لو أن النصح مقبول )
( لكنها خلة قد سيط من دمها ... فجع و ولع و إخلاف و تبديل )
( فما تدوم على حال تقوم بها ... كما تلون في أثوابها الغول )
( و ما تمسك بالوصل الذي زعمت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل )
( كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... و ما مواعيدها إلا الأباطيل )
( أرجو و آمل أن يعجلن في أمد ... و ما لهن ـ إخال ـ الدهر تعجيل )
( فلا يغرنك ما منت و ما وعدت ... إن الأماني و الأحلام تضليل )
( أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل )
( و لا يبلغها إلا عذافرة ... فيها على الأين إرقام و تبغيل )
( من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول )
( ترمي النجاد بعيني مفرد لهق ... إذا توقدت الحزان و الميل )
( ضخم مقلدها فعم مقيدها ... في خلقها عن بنات الفحل تفضيل )
( حرف أخوها أبوها من مهجنة ... و عمها خالها قوداء شمليل )
( يمشي القراد عليها ثم يزلقه ... منها لبان و أقراب زهاليل )
( عيرانة قذفت بالنحض عن عرض ... مرفقها عن بنات الزور مفتول )
( قنواء في حريتها للبصير بها ... عتق مبين و في الخدين تسهيل )
( كأن ما فات عينيها و مذبحها ... من خطمها و من اللحيين برطيل )
( تمر مثل عسيب النخل ذا خصل ... في غارز لم تخونه الأحاليل )
( تهوي على يسرات و هي لاهية ... ذوابل وقعهن الأرض تحليل )
( سمر العجايات يتركن الحصى زيما ... لم يقهن سواد الأكم تنعيل )
( يوما يظل به الحرباء مرتبئا ... كأن ضاحيه في النار مملول )
( و قال للقوم حاديهم و قد جعلت ... بقع الجنادب يركضن الحصى قيلوا )
( كأن أوب ذراعيها و قد عرقت ... و قد تلفع بالقور العساقيل )
( أوب يدي فاقد شمطاء معولة ... قامت فجاوبها نكد مثاكيل )
( نواحة رخوة الضبعين ليس لها ... لما نعى بكرها الناعون معقول )
( تفري اللبان بكفيها و مذرعها ... مشقق عن تراقيها رعابيل )
( تمشي الغواة بجنبيها و قولهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول )
( و قال كل صديق كنت آمله ... لا ألهينك إني عنك مشغول )
( فقلت خلوا طريقي لا أبا لكم ... فكل ما قدر الرحمن مفعول )
( كل ابن أنثى و إن طالت سلامته ... يوما على آلة حدباء محمول )
( نبئت أن رسول الله أوعدني ... و العفو عند رسول الله مأمول )
( مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ ... فرقان فيها مواعيظ و تفصيل )
( لا تأخذني بأقوال الوشاة و لم ... أذنب و لو كثرت في الأقاويل )
( لقد أقوم مقاما لو يقوم به ... يرى و يسمع ما قد أسمع الفيل )
( لظل ترعد من وجد بوادره ... إن لم يكن من رسول الله الله تنويل )
( حتى وضعت يمينا ما أنازعها ... في كف ذي نقمات قيله القيل )
( فلهو أخوف عندي إذا أكلمه ... و قيل إنك منسوب و مسؤول )
( من ضيغم بضراء الأرض مخدره ... في بطن عثر غيل دونه غيل )
( يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من الناس مغفور خراديل )
( إذا يساور قرنا لا يحل له ... أن يترك القرن إلا و هو مفلول )
( منه تظل سباع الجو نافرة ... و لا تمشى بواديه الأراجيل )
( و لا يزال بواديه أخو ثقة ... مضرج البز و الدرسان مأكول )
( إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول )
( في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا )
( زالوا فما زال أنكاس و لا كشف ... عند اللقاء و لا ميل معازيل )
( يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم ... ضرب إذا عرد السود التنابيل )
( شم العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل )
( بيض سوابغ قد شكت حلق ... كأنها حلق القفعاء مجدول )
( ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم ... قوما و ليسوا مجازيعا إذا نيلوا )
( لا يقع الطعن إلا في نحورهم ... و ما لهم عن حياض الموت تهليل )
قال ابن هشام : قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على النبي صلى الله عليه و سلم المدينة و بيته : [ حرف أخوها أبوها ] و بيته : [ و يمشي القراد ] و بيته : [ عيرانة قذفت ] و بيته : [ تمر مثل عسيب النخل ] و بيته : [ تفري اللبان ] و بيته : [ إذا يساور قرنا ] و بيته : [ و لا يزال بواديه ] : عن ابن إسحاق
قال ابن إسحاق : قال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال كعب :
( إذا عرد السود التنابيل )
- و إنما يريد معشر الأنصار لما كان صاحبنا صنع به و خص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بمدحته ـ غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار و يذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و موضعهم من اليمن :
( من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالحي الأنصار )
( و رثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار هم بنو الأخيار )
( الباذلين نفوسهم لنبيهم ... يوم الهياج و فتية الأحبار )
( و الذائدين عن أديانهم ... بالمشرفي و بالقنا الخطار )
( المكرهين السمهري بأدرع ... كالسواف الهندي غير قصار )
( و الناظرين بأعين محمرة ... كالجمر غير كليلة الإبصار )
( و البائعين نفوسهم لنبيهم ... للموت يوم تعانق و كرار )
( يتطهرون ـ يرونه نسكا لهم ـ ... بدماء من علقوا منة الكفار )
( دربوا كما دربت ببطن خفية ... غلب الرقاب من الأسود ضوار )
( و إذا حللت ليمنعزك إليهم ... أصبحت عند معاقل الأعفار )
( ضربوا عليا يوم بدر ضربة ... دانت لوقعتها جميع نزار )
( لو يعلم الأقوام علمي كله ... فيهم لصدقني الذين أماري )
( قوم إذا خوت النجوم فإنهم ... للطارقين النازلين مقاري )
( في العز من غسان في جرثومة ... أعيت محافرها على المنقار ) (2/280)
أبو سلمى : ربيعة بن رياح أحد بني مزينة
و المأمون : يعني النبي صلى الله عليه و سلم و كانت قريش تسميه أيضا الأمين
[ ولعا ] : كلمة تقال للعائر دعاء له بالإقالة
تبلت المرأة فؤاد الرجل : رمته بهجرها فقطعت قلبه
و معلول : من العلل و هو الشرب الثاني و الأول النهل و منه قوله : منهل و يستعمل معلول أيضا من الاعتلال كما يقول الخليل في العروض حكاه ابن القوطية و لم يعرفه ابن سيده
و شجت بذي شبم : يعني الخمر و شجت : كسرت من أعلاها لأن الشجة لا تكون إلا في الرأس و الشبم : البرد و الشبم : البارد قاله الأصمعي و قال : شج الشيء إذا علاه و منى هذا شج الشراب وهو أن يعلوه بالماء فيمزجه به
و مشمول : ضربه الشمال
و افرطه : أي ملأه عن السهيلي و عن غيره : سبقه و تقدمه
و اليعاليل : السحاب و قيل : جبال ينحدر الماء من أعلاها و اليعاليل أيضا : الغدران واحدها يعلول لأنه يعل الأرض بمائه و قال ابن سيده : اليعلول : الحبابة من الماء و هو أيضا السحاب المطرد و قيل : القطعة البيضاء من السحاب و اليعلول : المطر بعد المطر و بعد هذا البيت في القصيدة و ليس من الرواية :
( من اللواتي إذا ما خلة صدقت ... يشفي مضاجعها شم و تقبيل )
( بيضاء مقبلة عجزاء مدبرة ... لا يشتكى قصر منها و لا طول )
قال الخشني : ساط يقال : شاط دمه إذا سال وشاطت القدر إذا غلت و الصواب فيه : سيط أي خلط و مزج و كذلك فسره السهيلي أي : خلط بلحمها و دمها
و هذه الأخلاق التي وصفها بها : من الولع و هو عندهم الكذب و الخلف و الفجع : قاله ابن سيده : الفجيعة الزريئة بما يكره فجعه يفجعه فجعا
و الغول : التي تتراءى بالليل و السعلاة : التي تتراءى بالنهار من الجن
و عرقوب بن صخر من العماليق و قيل : بل هو من الأوس أو الخزرج و قصته في إخلاف الوعد مشهورة حين وعد أخاه جنى نخلة له وعدا بعد وعد ثم جذها ليلا و لم يعطه شيئا قاله السهيلي و غيره و قال : كان يسكن المدينة يثرب و البيت المشهور :
( مواعيد عرقوب أخاه بيثرب )
و من الناس من يقول إنما هو يترب يعني أرضا للعماليق و لم تكن يثرب سكنى العماليق فإن كان من ساكني المدينة كما ذكره السهيلي فالبيت مستقيم على الرواية المشهورة
النجيبات : السلسلة السير و النجيبات السريعة
و المراسيل : السهلة السير التي يعطيك ما عندهم عفوا
عذافرة : صلبة
و إرقال : إساع
و التبغيل : قال السهيلي : ضرب من السير سريع و قال غيره : سير البغال
عرضتهها : جهة سوقها
و النجاد : الأرض الصلبة
و اللهق : الحمار الوحشي و قال : مفرد لأنه يرمي ببصره نحو الأتن و لا يمشي إلا كدا معهن
و الحزان : ما غلظ من الأرض
و الميل : الأعلام و قال السهيلي : ما اتسع من الأرض
القوداء : الطويلة العنق
و الشمليل : السريعة السير
و الحرف : الناقة الضامرة
من مهجنة : من إبل مستكرمة هجان
قال أبو القاسم و قوله : أبوها أخوها أي إنها من جنس واحد في الكرم و قيل : إنها من فحل حمل على أمه فجاءت بهذه الناقة فهو أبوها و أخوها و كانت للناقة التي هي أم هذه بنت أخرى من الفحل الأكبر فعمها خالها على هذا و هو عندهم من أكرم النتاج
و اللبان : الصدر
و أقراب زهاليل : حواضر ملس
و بنات الزور : يعني اللحمات النابتة في الصدر
و البرطيل : حجر مستطيل و هو أيضا المعول
و العسيب : عظم الذنب و جمعه عسبان
و الخصل : شعر الذنب
و التخون : قال الأصمعي : التنقص و التخون أيضا : التعهد لم تخونه الأحاليل : يريد رويت من اللبن و الأحاليل : الذكور
و اليسر : اللين و الانقياد و اليسر : السهل قال ابن سيده : و إن قوائمه ليسرات أي سهلة واحدتها يسرة و يسرة
و تحليل : أي قليل
و العجايات : عصب يكون في اليدين و الرجلين الواحدة عجاية
و الزيم : المتفرقة
و القور : الحجارة السود
و العساقيل : هنا السراب قال أبو القاسم الخثعمي : و هذا من المقلوب أراد و قد تلفت القور بالعساقيل
و قوله : شمطاء معولة : جعلها شمطاء لأنها يائس من الولد فهي أشد حزنا
و الخراديل : القطع من اللحم و في الحديث [ و منهم المخردل ] في قصة المارين على الصراط أي تخردل لحمه الكلاليب التي حول الصراط
و الأراجيل : جمع جمع و هو جمع أرجل و أرجل جمع رجل
و الدريس : الثوب الخلق
زولوا : أي هاجروا
و التنابيل : القصار
و القفعاء : نبت قاله أبو حنيفة
و التهليل : الفزع و الجبن
و كعب بن زهير من فحول الشعراء هو و أبوه و كذلك ابنه عقبة بن كعب و ابن عقبة أيضا العوام و هو القائل :
( ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... ملاحة عيني أم عمرو وجيدها )
( و هل بليت أثوابها بعد جدة ... ألا حبذا أخلاقها و جديدها )
و مما يستحسن لكعب قوله :
( لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتى و هو مخبوء لهى القدر )
( يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفس واحدة و الهم منتشر )
( و المرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العيش حتى ينتهي الأثر )
و يستحسن له أيضا قوله في النبي صلى الله عليه و سلم :
( تخدي به الناقة الأدماء معتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم )
( ففي عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين و من كرم ) (2/287)
قال ابن إسحاق : و كان ذلك في زمن عسرة من الناس و جدب من البلاد و حين طابت الثمار و الناس يحبون المقام في ثمارهم و ظلامهم و يكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها و ورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك لبعد الشقة و شدة الزمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم و هو في جهازه ذلك للجد بن قيس ـ أحد بني سلمة ـ يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله ائذن لي و لا تفتني فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني و إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : [ قد أذنت لك ] ففيه نزلت : { و منهم من يقول ائذن لي و لا تفتني } [ التوبة : 49 ] و قال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا في الحر فأنزل الله فيهم : { و قالوا : لا تنفروا في الحر } الآية [ التوبة : 81 ]
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم جد في سفره و أمر الناس بالجهاز و حض أهل الغنى على النفقة و الحملان في سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى و احتسبوا و أنفق عثمان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها
و ذكر ابن سعد : قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام و أن هرقل قد رزق أصحابه لسنة و أجلبت معه لخم و جذام و عاملة و غسان و قدموا مقدماتهم إلى البلقاء و جاء البكاؤون و هم سبعة يستحملون رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : { لا أجد ما حملكم عليه تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون } [ التوبة : 92 ] و هم : سالم بن عمير و علبة بن زيد و أبو ليلى المازني و عمرو بن عنمة و سلمة بن صخر و العرباص بن سارية و في بعض الروايات : و عبد الله بن مغفل و معقل بن يسار
و عند ابن عائذ فيهم : مهدي بن عبد الرحمن
و بعضهم يقول : البكاؤون بنو مقرن السبعة و هم من مزينة
و ابن إسحاق يعد فيهم : عمرو بن الحمام بن الجموح و قال : و بعض الناس يقول : عبد الله بن عمرو المزني بدل ابن المغفل و هرمي بن عبد الله الواقفي و فيما ذكر ابن إسحاق أنه بلغه أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى و ابن مفغل و هما كذلك فأعطاهما ناضحا له و زودهما شيئا من تمر
و جاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فلم يعذرهم قال ابن سعد : و هم اثنان و ثمانون رجلا و كان عبد الله بن أبي سلول قد عسكر على ثنية الوداع في حلفائه من اليهود و المنافقين فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستخلف على عسكره أبا بكر الصديق يصلي بالناس و استخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري
و قيل : سباع بن عرفطة ـ ذكره ابن هشام ـ و الأول أثبت
فلما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم تخلف عبد الله بن أبي و من كان معه و تخلف نفر من المسلمين من غير شك و لا ارتياب منهم : كعب بن مالك و هلال بن أمية و مرارة بن الربيع و أبو خيثمة السالمي و أبو ذر الغفاري
و شهدها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثين ألفا من الناس و الخيل عشرة آلاف فرس و أقام بها عشرين ليلة يصلي ركعتين و لحقه أبو خيثمة السالمي و أبو ذر و هرقل يومئذ بحمص
و فيما ذكر ابن إسحاق : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما أراد الخروج خلف علي بن أبي طالب على أهله فأرجف به المنافقون و قالوا : ما خلفه إلا استثقالا و تخففا منه فأخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو نازل بالجرف فقال : يا نبي الله ! زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني و تخففت مني فقال : كذبوا و لكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع في أهلي و أهلك أفلا ترضى علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرجع إلى المدينة
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه و سلم أياما إلى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه قد رشت كل واحدة منهما عريشها و بردت له فيها ماء و هيأت له فيه طعاما فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه و ما صنعتا له فقال : رسول الله صلى الله عليه و سلم في الضح و الريح و الحر و أبو خيثمة في ظل بارد و طعام مهيأ و امرأة حسناء ؟ ما هذا بالنصف ثم قال : و الله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه و سلم فهيئا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أدركه حين نزل تبوك و قد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن و هب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير : [ إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتىآتي رسول الله صلى الله عليه و سلم ففعل حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو نازل بتبوك قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كن أبا خيثمة قالوا : يا رسول الله هو و الله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أولى لك يا أبا خيثمة ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم خيرا و دعا له بخير ]
و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين مر بالحجر فقال : [ لا تشربوا من مائها شيئا و لا يتوضأ منه للصلاة و ما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل و لا تأكلوا منها شيئا و لا يخرجن أحد منكم الليلة إلا و معه صاحب له ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهم لحاجته و خرج الآخر في طلب بعيره فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبة و أما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء فأخبره بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ألم أنهلكم أن يخرج أحد منكم إلا معه صاحبه ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي و أما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فأخبربذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ألم أنهيكم أن يخرج أحد منكم إلا و معه صاحبه ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي و أما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة ]
قال ابن إسحاق : [ بلغني عن الزهري أنه قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه و استحث راحلته ثم قال : لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا و أنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم ]
قال ابن إسحاق : [ فلما أصبح الناس و لا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس و احتملوا حاجتهم من الماء ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته فقال زيد بن اللصيت ـ و كان منافقا ـ أليس محمد يزعم أنه نبي و يخبركم عن خبر السماء و هو لا يدري أين ناقته ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : إن رجلا يقول : و ذكر مقالته و إني و الله ما أعلم إلا ما علمني الله و قد دلني الله عليها و هي في الوادي في شعب كذا و كذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاؤوه بها
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون : تخلف عنا فلان فيقول : دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم و إن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه و تلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطا عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه و سلم ماشيا و نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله إن هذا لرجل يمشي على الطريق وحده فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله هو و الله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : رحم الله أبا ذر يمشي وحده و يموت وحده و يبعث وحده ]
قال ابن إسحاق : [ فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال : لما نفي عثمان أبا ذر إلى الربذة و أصابه بها قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته و غلامه فأوصاهما أن اغسلاني و كفناني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به و أقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطأها و قام إليهم الغلام فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعينونا على دفنه قال : فاستهل عبد الله يبكي و يقول : صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم : تمشي وحدك و تموت وحدك و تبعث وحدك ثم نزل هو و أصحابه فواروه ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه و ما قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسيره إلى تبوك ]
و قد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف و منهم : رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : مخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ و الله لكأنكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا و ترهيبا للمؤمنين فقال مخشن بن حمير و الله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة و أنا لنفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغني لعمار بن ياسر : [ أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا و كذا فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت : إنما كنا نخوض و نلعب فأنزل الله فيهم : { و لئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض و نلعب } [ التوبة : 65 ] و قال مخشن بن حمير : و الله يا رسول الله قعد بي اسمي و اسم أبي فكان الذي عفي عنه في هذه الآية فتسمى عبد الرحمن و سأل الله أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر ]
و ذكر ابن عائذ [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل تبوك في زمان قل ماؤها فيه فاغترف رسول الله صلى الله عليه و سلم غرفة بيده من ماء فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت فهي كذلك حتى الساعة
و لما انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه و سلم و أعطاه الجزية و أتاه أهل جرباء و أذرح فأعطوه الجزية و كتب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا فهو عندهم و كتب ليحنة بالمصالحة : بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله صلى الله عليه و سلم ليحنة بن رؤبة و أهل أيلة سفنهم و سيارتهم في البر و البحر لهم ذمة الله و محمد النبي و من كان معهم من أهل الشام و أهل اليمن و أهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه و إنه طيب لمن أخذه من الناس و أنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه و لا طريقا يريدونه من بر أو بحر ] (2/292)
قال ابن إسحاق : [ ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة و هو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا عليها و كان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لخالد : إنك ستجده يصيد البقر فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة و هو على سطح له و معه امرأة فأتت البقرة تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا و الله فقلت : فمن يترك هذه ؟ قال : لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج له و ركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان فركب و خرجوا معه بمطاردهم فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذته و قتلوا أخاه و قد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل قدومه عليه و فيه قال عليه الصلاة و السلام : لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه و سلم فحقن له دمه و صالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته ]
قال ابن سعد : [ بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالدا في أربعمائة و عشرين فارسا سرية إلى أكيدر في رجب سنة تسع بدومة الجندل و بينها و بين المدينة خمس عشرة ليلة و ذكر نحو ما تقدم و قال : و أجار خالد أكيدر من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن يفتح له دومة الجندل ففعل و صالحه على ألفي بعير و ثمانمائة رأس و أربعمائة درع و أربعمائة رمح فعزل النبي صلى الله عليه و سلم صفيا خالصا ثم قسم الغنيمة فأخرج الخمس و كان للنبي صلى الله عليه و سلم ثم قسم ما بقي في أصحابه فصار لكل واحد منهم خمس فرائض ]
و ذكر ابن عائذ في هذا الخبر أن أكيدر قال عن البقر : و الله ما رأيته قط جاءتنا إلا البارحة و لقد كنت أضمر لها اليومين و الثلاثة و لكن قدر الله
و ذكر موسى بن عقبة : [ اجتماع أكيدر و يحنة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاهما إلى الإسلام فأبيا و أقرا بالجزية فقاضاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم على قضية دومة وعلى تبوك و على أيلة و على تيماء و كتب لهما كتابا ]
رجع إلى خير تبوك : قال ابن إسحاق : [ فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة و كان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروي الراكب و الراكبين و الثلاثة تواد يقال له وادي المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئا حتى نأتيه قال إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال : من سبقنا إلى هذا الماء فقيل له : يا رسول الله فلان و فلان و فلان فقال : أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى أتيه ثم لعنهم و دعا عليهم ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به و مسحه بيده و دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بما شاء الله أن يدعو به فانخرق من الماء ـ كما يقول من سمعه ـ ما إن حسا كحس الصواعق فشرب الناس و استقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لئن بقيتم ـ أو من بقي منكم ـ ليسمعن بهذا الوادي و هو أخصب ما بين يديه و ما خلفه ]
قال : [ و حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال : قمت من جوف الليل و أنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر و إذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات و إذا هم قد حفروا له و رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفرته و أبو بكر و عمر يدليانه إليه و هو يقول : أدنيا إلي أخاكما فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال : اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه قال : يقول عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة ]
و قال صلى الله عليه و سلم مرجعه من غزوة تبوك : إن بالمدينة لأقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم [ قالوا : يا رسول الله و هم بالمدينة ؟ قال : نعم حبسهم العذر ]
أمر مسجد الضرار
[ ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل في أوان بلد بينه و بين المدينة ساعة من نهار و كان أصحاب مسجد الضرار أتوه و هو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله ! إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة و الحاجة و الليلة المطيرة الشاتية و إنا نحب أن تأتينا لتصلي لنا فيه
فقال : إني على جناح سفر و حال شغل ـ أو كما قال صلى الله عليه و سلم ـ و لو قدمنا إن شاء الله لأتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف و معن بن عدي أخا بني العجلان فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه و حرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف و هم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه و فيه أهله فحرقاه و هدماه و تفرقوا عنه و نزل فيه من القرآن : { و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا و كفرا و تفريقا بين المؤمنين } [ التوبة : 107 ] إلى آخر القصة ] و كان الذين بنوه اثني عشر رجلا : خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف و من داره أخرج مسجد الشقاق و ثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد و متعب بن قشير و أبو حبيبة بن الأرعز من بني ضبيعة بن زيد و عباد بن حنيف و جارية بن عامر و ابناه مجمع و زيد و نبتل بن الحارث و بحزج و بجاد بن عثمان من بني ضبيعة و وديعة بن ثابت من بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر (2/297)
[ و قد كان قد تخلف عنه رهط من المنافقين و تخلف الثلاثة الذين ذكرناهم : كعب و مرارة و هلال فأما المنافقون فجعلوا يحلفون له و يعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يعذرهم الله و رسوله ]
و أما الثلاثة الآخرون فروينا من طريق البخاري : حدثني يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب ـ و كان قائد كعب من بنيه حين عمي ـ قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن غزوة تبوك قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر و لم يعاتب أحد تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم و بين عدوهم على غير ميعاد و لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام و ما أحب أن لي بها مشهد بدر و إن كانت بدر أذكر في الناس منها كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت في تلك الغزوة و الله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتها في تلك الغزوة و لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم في حر شديد و استقبل سفرا بعيدا و مفازا و عدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد و المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كثير و لا يجمعهم كتاب حافظ ـ يريد الديوان ـ كعب : فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى ما لم ينزل فيه وحي من الله
و غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم تلك الغزوة حين طابت الثمار و الظلال و تجهز رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه لم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم و المسلمون معه و لم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت و لم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت و لم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا و تفارط الغزو و هممت أن أرتحل فأدركهم و ليتني فعلت فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه و سلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء و لم يذكروني رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بلغ تبوكا فقال و هو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب ؟ فقال رجل من بني سلمة : يا رسول الله حسبه برداه و نظره في عطيفه فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت و الله يا رسول الله ما علمنا عليه إ لا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كعب بن مالك : فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي و طفقت أتذكر الكذب و أقول بماذا أخرج من سخطه غدا و استعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي فلما قيل : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أظل قادما زاح عني الباطل و عرفت أني لن أخرج منه بشيء أبدا فيه كذب فأجمعت صدقه و أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم قادما و كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه و يحلفون له و كانوا بضعة و ثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم علانيتهم و بايعهم و استغفر لهم و وكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال : تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي : ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ فقلت : بلى إني و الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر و لقد أعطيت جدلا و لكني و الله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي و لئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله لا و الله ما كان لي من عذر و الله ما كنت قط أقوى و لا أيسر مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك ] فقمت
و ثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي : و الله ما علمناك كنت أذبنت ذنبا قبل هذا و لقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بما اعتذر إليه المخلفون و قد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه و سلم لك فو الله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم : هل لقي هذا أحد ؟ قالوا : نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل لك فقلت من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العمري و هلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين شهدا بدرا فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي
و نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كلامنا ـ أيها الثلاثة ـ من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس و تغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا و قعدا في بيوتهما يبكيان و أما أنا فكنت أشب القوم و أجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين و أطوف في الأسواق و لا يكلمني أحد و آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم عليه و هو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أو لا ؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي و إذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة و هو ابن عمي و أحب الناس إلي فسلمت عليه فو الله ما رد علي السلام فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله و رسوله ؟ فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته فقال : الله و رسوله أعلم ففاضت عيناي و توليت حتى تسورت الجدار
قال : فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة : يقول : من يدلني على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه : أما بعد فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان و لا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قرأتها : و هذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها
حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتيني فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمرك ان تعتزل امرأتك فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال : بل اعتزلها و لا تقربها و أرسل إلى صاحبي مثل ذلك فقلت : لامرأتي : الحقي بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر قال كعب : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : لا و لكن لا يقربك قالت : إنه و الله ما به حركة إلى شيء و الله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه و سلم في امراتك كما أذن لامراة هلال بن أمية أن تخدمه ؟ فقلت : و الله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا استأذنته فيها و أنا رجل شاب ؟
فلبث بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة و أنا على ظهر بيت من بيوتنا بينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى قد ضاقت علي نفسي و ضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا و عرفت أن قد جاء فرج و آذن رسول الله صلى الله عليه و سلم بتوبة الله علينا حتى صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشرونا و ذهب قبل صاحبي مبشرون و ركض إلي رجل فرسا و سعى ساع من أسلم فأوفى على ذروة الجبل و كان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه و الله ما أملك غيرهما يومئذ و استعرت ثوبين فلبستهما و انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون : ليهنك توبة الله عليك قال كعب : حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني و هنأني و الله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره و لا أنساها لطلحة قال كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يبرق وجهه من السرور : [ أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ] قال : قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : [ لا بل من عند الله ] و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر و كنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله و إلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت : يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق و إن توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول لله صلى الله عليه و سلم إلى يومي هذا كذبا و إني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت
و أنزل الله تعالى على رسوله عليه الصلاة و السلام : { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الأنصار } إلى قوله : { و كونوا مع الصادقين } [ التوبة : 117 ـ 119 ] فو الله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال الله تبارك و تعالى : { سيحلفون بالله لكم } إلى قوله : { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين } [ التوبة : 95 ـ 96 ]
قال كعب : و كنا تخلفنا أيها الثلاثة ـ عن أمر لأولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه و سلم حين حلفوا له فبايعهم و استغفر لهم و أرجأ رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرنا حتى قضى الله فيه فبذلك قال الله تعالى : { و على الثلاثة الذين خلفوا } [ التوبة : 118 ] و ليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو و إنما هو تخليفه إيانا و إرجاؤه أمرنا عمن حلف له و اعتذر إليه فقبل منه (2/301)
قال ابن إسحاق : و قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة من تبوك في رمضان و قدم عليه في ذلك الشهر و فد ثقيف
و كان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يقبل إلى المدينة فأسلم و سأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ كما يتحدث قومه ـ : إنهم قاتلوك و عرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم نخوة للامتناع الذي كان منهم فقال عروة : يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم ـ قال ابن هشام : من أبصارهم ـ و كان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فلما أشرف لهم على علية و قد دعاهم إلى الإسلام و أظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله فيزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك و يزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب بن مالك يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ما ترى في دمك ؟ قال : كرامة أكرمني صلى الله عليه و سلم بها و شهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فيه : إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم و رأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب و قد بايعوا و أسلموا و أجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا كما أرسلوا عروة فكلموا عبد ياليل بن عروة بن عمير و كان في سن عروة بن مسعود و عرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل و خشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة فقال : لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف و ثلاثة من بني مالك فيكون ستة فبعثوا مع عبد ياليل : الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب و شرحبيل بن غيلان بن سلمة بن متعب و من بني مالك : عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان أخا بني يسار و أوس بن عوف أخا بني سالم و نمير بن خرشة بن ربيعة أخا بن الحارث
فخرج بهم فلما دنوا من المدينة و نزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة فاشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر فقال له : أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بقدومهم عليه
ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم و علمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية و لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اكتتبوا كتابهم و كان خالد الذي كتبه و كانوا لا يطعمون طعاما يآتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا : و قد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يدع لهم الطاغية و هي اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم فما برحوا يسألونه سنة سنة و يأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى و إنما يريدون بذلك ـ فيما يظهرون ـ أن يسلموا بتركها من سفهائهم و ذراريهم و يكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام فأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة فيهدماها و قد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة و أن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه و
وأما الصلاة فإنه لاخير في دين لا صلاة فيه ] فلما أسلموا و كتب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاص و كان من أحدثهم سنا و ذلك أنه كان أحرصهم على التفقة في الإسلام و تعلم القرآن فلما فرغوا من أمرهم و توجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معهم أبا سفيان بن حرب و المغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه و قال : ادخل أنت على قومك و أقام أبو سفيان بماله بذي الهرم فلما دخل المغير ة بن شعبة علاها ليضربها بالمعول و قام دونه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة و خرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها و يقول أبو سفيان ـ و المغيرة يضربها بالفأس ـ : واها لك واها لك فلما هدمها المغيرة و أخذ مالها و حليها أرسل إلى أبي سفيان و حليها مجموع و مالها من الذهب و الفضة و الجزع
و قد كان أبو مليح بن عروة و قارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريدان فراق ثقيف و أن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه و سلم : توليا من شئتما فقالا : نتولى الله و رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ و خالكما أبا سفيان بن حرب فقالا : و خالنا أبا سفيان فلما أسلم أهل الطائف و وجه أبا سفيان و المغيرة إلى هدم الطاغية سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم فقال له قارب بن الأسود : و عن الأسود يا رسول الله فاقضه و عروة و الأسود أخوان لأب و أم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الأسود مات مشركا فقال قارب : يا رسول الله ! لكن تصل مسلما ذا قربة ـ يعني نفسه ـ إنما الدين أنا الذي أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة و الأسود من مال الطاغية فقضى
و كان كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي كتبه لهم : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين إن عضاه وج و صيده لا يعضد من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد و تنزع ثيابه فإنه تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا صلى الله عليه و سلم و أن هذا أمر النبي محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و كتب خالد بن سعيد بن العاص بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به رسول الله صلى الله عليه و سلم ] (2/306)
قال ابن سعد : قالوا : استعمل رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر الصديق على الحج فخرج ثلاثمائة رجل من المدينة و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشرين بدنة قلدها و أشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الأسلمي و ساق أبو بكر بدنات فلما كان بالعرج ـ و ابن عائذ يقول : بضجنان ـ لقبه علي بن أبي طالب على ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم القصواء فقال له أبو بكر : استعملك رسول الله صلى الله عليه و سلم على الحج ؟ قال : لا و لكن بعثني أقرأ براءة على الناس و أنبذ إلى كل عهد عهده فمضى أبو بكر فحج بالناس و قرأ علي بن أبي طالب براءة يوم النحر عند الجمرة و نبذ إلى كل ذي عهد عهده و قال : لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان ثم رجعا قافلين إلى المدينة
و فيما ذكر ابن عائذ : أن المشركين كانوا يحجون مع المسلمين و يعارضهم المشركون بإعلاء أصواتهم ليغلطوهم بذلك : لا شريك لك إلا شريكا هو تملكه و ما ملك
و يطوف رجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل يعظمون بذلك الحرمة و يقول أحدهم : أطوف بالبيت كما ولدتني أمي لا ليس علي شيء من الدنيا خالطه الظلم فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحج ذلك العام و أمر الله ببراءة و ذكر تمام الخبر و فيه : فلما كان يوم النحر يوم الحج الأكبر أذن ببراءة من عهد كل مشرك لم يسلم أن لا يدخل المسجد الحرام بعد ذلك العام و بين لهم مدة الله التي ضرب على لسان نبيه أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاؤوا فقالوا : بل الآن لا نبتغي تلك المدة نبرأ منك و من ابن عمك إلا من الضرب و الطعن فحج الناس عامهم ذلك فلما رجعوا أرغب الله المشركين فدخلوا في الإسلام طوعا و كرها و كان العهد بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين المشركين عاما و خاصا فالعام أن لا يصد أحد عن البيت جاءه و لا يخاف أحد في الأشهر الحرم فانتقض ذلك بسورة براءة و الخاص بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين قبائل من العرب إلى آجال مسماة و لذلك قال { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } الآية [ التوبة : 4 ] ذكر معناه ابن إسحاق و ذكر تمام الآي من سورة براءة و تفسيرها (2/310)
و في سنة تسع قدمت وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت تسمى بذلك ففيها قدم وفد بني تميم الذيي تقدم ذكره
و فيها قدم وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل و أريد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر و جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر قاله ابن إسحاق قال : و كان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم و شياطينهم فقدم عامر بن الطفيل عدو الله على رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يريد الغدر به و قد قال له قومه : يا عامر : إن الناس قد أسلموا فأسلم قال : و الله لقد كنت آليت لا أنتهي حتى يتبع العرب عقبي فأنا أتبع عقب الفتى من قريش ؟ ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فأعله بالسيف فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر بن الطفيل : يا محمد خالني قال : لا و الله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له قال : يا محمد خالني و جعل يكلمه و ينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى عامر ما يصنع أربد قال : يا محمد خالني
قال : لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له فلما أبى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أما و الله لأملأنها عليك خيلا و رجالا فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ اللهم اكفني عامر بن الطفيل ]
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم قال عامر لأربد : ويلك يا أربد ! أين ما كنت أمرتك به ؟ و الله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك و ايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا قال : لا أبالك لا تعجل علي و الله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني و بين الرجل حتى لا أرى غيرك أفاضربك بالسيف ؟
و خرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر ابن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول : يا بني عامر ! أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول
ثم خرج أصحابه حين واروه التراب حتى قدموا أرض بني عامر فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا أربد ؟ قال : لا شيء و الله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أن عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه فأرسل الله عليه و على جمله صاعقة فأحرقتهما (2/312)
قرأت على أبي االفتح يوسف بن يعقوب الشيباني بسفح قاسيون أخبركم أبو اليمن الكندي قراءة عليه و أنتم تسمعون سنة سبع و ستمائة و أبو محمد عبد العزيز بن الأخضر إجازة من بغداد قالا : [ أخبرنا الحافظ أبو القاسم بن السمرقندي سماعا أخبرنا أبو الحسن بن النقور أخبرنا أبو القاسم عيسى بن علي بن الجراح الوزير قراءة عليه و أنا أسمع حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي حدثني أبو عمارة حمزة بن الحارث بن عمير ـ و هو أبو عمير ـ قال : سمعت أبي بكر يذكر عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه و سلم مع أصحابه متكئا ـ أو قال جالسا ـ جاءهم رجل من أهل البادية فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟ قالوا : هذا الأمغر المرتفق ـ قال حمزة : الأمغر : الأبيض مشرب حمرة و المرتفق : مثل المتكىء ـ قال : فدنا منه و قال : إني سائلك فمشدد عليك في هذه المسألة فقال : سل عما بدا لك فقال : أنشدك برب من قبلك و رب من بعدك : آلله أرسلك ؟ قال اللهم نعم قال و أنشدك بالله : آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم و ليلة ؟ قال : اللهم نعم قال : و أنشدك بلله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا ؟ قال : اللهم نعم قال : و أنشدك بالله : آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا ؟ قال : اللهم نعم قال : فأنشدك بالله : آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا ؟ قال : اللهم نعم قال : فإني قد آمنت و صدقت و أنا ضمام بن ثعلبة و أما هذه الهناة فو الله إن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية ـ قال حمزة : فسمعت أبي يقول : الهناة : الفواحش ـ قال : فلما أن ولى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فقة الرجل
قال : فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ما رأيت أحدا أحسن مسألة و لا أوجز من ضمام بن ثعلبة ]
و ذكر ابن إسحاق هذا الخبر و قال فيه : إن ضماما قال لقومه عند ما رجع إليهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه و إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و قد جئتكم من عنده بما أمركم به و ما نهاكم عنه قال : فو الله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل و لا امرأة إلا مسلما قال : يقول عبد الله بن عباس : فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة ذكره عن محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن ابن عباس (2/313)
قال ابن إسحاق : [ فحدثني من لا أتهم عن الحسن قال : لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمه فعرض عليه رسول الله الإسلام و دعاه إليه و رغبه فيه فقال : يا محمد ! إني قد كنت على دين و إني تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه قال : فأسلم و أسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحملان فقال : و الله ما عندي ما أحملكم عليه فقال : يا رسول الله فإن بيننا و بين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ؟ قال : لا إياك و إياها فإنما تلك حرق النار
فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه و كان حسن الإسلام صليبا على دينه حتى هلك و قد أدرك الردة فلما رجع قومه من كان أسلم منهم إلى دينه الأول مع الغرور المنذر بن النعمان بن المنذر قام الجارود فتشهد شهادة الحق و دعا إلى الإسلام فقال : أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده و رسوله و أكفر من لم يشهد ]
و قد روينا خبر قدومه من حديث سليمان بن علي عن علي بن عبد الله عن عبد الله بن العباس و فيه إنشاده النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم عليه في قومه :
( يا نبي الهدى أتتك رجال ... قطعت فدفدا و آلا فآلا )
( و طوت نحوك الصحاصح طرا ... لا تخال الكلال فيك كلالا )
( كل دهناء يقصر الطرف عنها ... أرقلتها قلاصنا إرقالا )
( و طوتها الجياد تجمع فيها ... بكماة كأنجم تتلالا )
( تبتغي دفع بؤس يوم عبوس ... أو جل القلب ذكره ثم هالا ) (2/314)
قال ابن إسحاق : وكان منزلهم في دار بنت الحارث امراة من الأنصار ثم من بني النجار [ فحدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه و سلم تستره بالثياب و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في أصحابه معه عسيب من سعف النخلفي رأسه خويصات فلما سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ]
قال ابن إسحاق : [ و قد حدثني شيخ من بني حنيفة من اهل اليمامة أن حديثه كان على خلاف هذا : أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و خلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا : يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا و في رسول الله ركابنا يحفظها لنا قال : فأمر له رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل ما أمر به للقوم و قال : أما إنه ليس بشركم مكانا ـ أي : لحفظه ضيعة أصحابه ـ ذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و جاؤوه بما أعطاه فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله و تنبأ و تكذب لهم و قال : إني و قد أشركت في الأمر معه و قال لوفده الذين كانوا معه : ألم يقل لكم حين ذكرتموني له : أما إنه ليس بشركم مكانا ؟ ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ثم جعل يسجع لهم ن و يقول لهم فيما يقول ـ مضاهاة للقرآن ـ : لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق و حشا
و أحل لهم الخمر و الزنا و وضع عنهم الصلاة و هو مع ذلك يهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نبي فأصفقت معه حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان ]
قلت : كان مسيلمة صاحب نيروجات يقال : إنه أول من أدخل البيضة في القارورة و أول من أوصل جناح الطائر المقصوص و كان يدعى أن ظبية تأتيه من الجبل فيحلب لبنها قتله زيد بن الخطاب رضي الله عنه يوم اليمامة و قال رجل من بني حنيفة يرثيه :
( لهفي عليك ابا ثمامة ... لهفي على ركني شمامه )
( كم آية لك فيهم ... كالشمس تطلع من غمامه )
حكاه السهيلي : و قال : كذب بل كانت آياته منكوسة يقال : إنه تفل في بئر قوم سألوه ذلك تبركا فملح ماؤها و مسح رأس صبي فقرع قرعا فاحشا و دعا لرجل في ابنين له بالبركة فرجع إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في البئر و الآخر قد أكله الذئب و مسح على عيني رجل استشفى بمسحه فابيضت عيناه (2/315)
قال ابن إسحاق : [ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد طيء فيهم زيد الخيل و هو سيدهم فلما انتهوا إليه كلمهم و عرض عليهم الإسلام فأسلموا و حسن إسلامهم و قال عليه الصلاة و السلام : ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ كل ما فيه ثم سماه زيد الخير و قطع له فيدا و أرضين معه و كتب له بذلك فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا إلى قومه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال : قد سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم باسم غير الحمى و غير أم ملدم فلم يثبته فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات فلما أحس زيد بالموت قال :
( أمرتحل قومي المشارق غدوة ... و أترك في بيت بفردة منجد )
( ألا رب يوم لو مرضت لعادني ... عوائذ من لم يبر منهن يجهد )
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان من كتبه التي أقطعها له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأحرقتها بالنار ]
قال أبو عمر : و قيل : بل مات في آخر خلافة عمر و كان قد أسر عامر بن الطفيل قبل إسلامه و جز ناصيته و كان له ابنان مكنف و به كان يكنى و حريث أسلما و صحبا النبي صلى الله عليه و سلم و شهدا قتال الردة مع خالد رضي الله عنه (2/317)
قال ابن إسحاق : و كان يقول ـ فيما بلغني ـ : [ ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفا و كنت نصرانيا و كنت أسير في قومي بالمرباع فكنت في نفسي على دين و كنت ملكا في قومي لمكا كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه و سلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي و كان راعيا لإبلي : لا أبا لك اعزل لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيك فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد قال : فقلت : فقرب لي أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي و ولدي قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام و خلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام أقمت بها
و تخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه و سلم في سبايا طيء و قد بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم هربي إلى الشام فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقامت إليه و كانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله هلك الولد و غاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال : من وافدك ؟ قالت : عدي بن حاتم فقال : الفار من الله و رسوله ؟ ثم مضى و تركني حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت له مثل ذلك و قال لي مثل ما قال بالأمس حتى إذا كان الغد مر بي يئست فأشار إلي رجل من خلفه : أن قومي فكلميه قالت : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الولد و غاب الوافد فامنن علي من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني ] فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل : هو علي بن أبي طالب
فأقمت حتى قدوم ركب من بلي أو قضاعة قالت : و إنما أريد أن آتي أخي بالشام
قالت : [ فجئت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة و بلاغ قالت : فكساني رسول الله صلى الله عليه و سلم و حملني و أعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام
قال عدي : فو الله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى طعينة تصوب إلي تؤمنا قال : فقلت : ابنة حاتم ؟ قال : فإذا هي هي فلما وقفت على انسجلت تقول : القاطع الظالم احتملت بأهلك و ولدك و تركب بقية والديك عورتك قال : قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيرا فو الله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت قال : ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها ـ و كانت امرأة حازمة ـ ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى و الله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فاللسابق إليه فضل و إن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن و أنت أنت قال : قلت : و الله إن هذا للرأي
قال : فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدخلت عليه فقال : من الرجل ؟ فقلت : عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و انطلق بي إلى بيته فو الله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال : قلت في نفسي : و الله ما هذا بملك قال : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا دخل لبيته تناول و سادة أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال : اجلس على هذه قال : فقلت : بل أنت فجلست عليها و جلس رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأرض قال : فقلت في نفسي : و الله ما هذا بأمر ملك ثم قال : إيه يا عدي بن حاتم ! ألم تك ركوسيا ؟ قال : قلت : بلى قال : أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ قال : قلت : بلى قال : فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال : قلت : أجل و الله قال : و عرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال : لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فو الله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه و لعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم و قلة عددهم فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف و لعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك و السلطان في غيرهم و ايم ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم قال : فأسلمت ]
قال : فكان عدي يقول : مضت اثنتان و بقيت الثالثة و الله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم و قد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها و لا تخاف حتى تحج هذا البيت وايم الله لتكونن الثالثة ليفيضن المال حتى لا يوجد من يأخذه
الركوسية : قوم لهم دين
قوله : و غاب الوافد : بالواو و قال بعض الناس لا معنى إلا على وجه بعيد قال : و وجدت الرقام ذكره في كتابه : الرافد بالراء وهو أشبه (2/318)
قال ابن إسحاق : و قدم فروة على رسول الله صلى الله عليه و سلم مفارقا لملوك كندة و قد كان قبيل الإسلام بين مراد و همدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له الردم
فكان الذي قاد إلى مراد همدان : الأجذع بن مالك في ذلك اليوم
و ابن هشام يقول : مالك بن حريم
و عن الدارقطني و ابن ماكولا فيه : حريم بفتح الحاء مكسور الراء المهملتين قيل : هو والد مسروق بن الأجدع حكاه الدارقطني و تبعه ابن ماكولا و هو مما أنكره الوقشي و قال : ليس مالك بن حريم جد مسروق كما زعم لأن مالكا من بني دالان بن سابقة بن ناشح بن دافع بن مالك بن جشم بن حيوان بن نوف بن همدان و مسروقا من بني معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وادعة بن عمرو بن عامر بن ناشح رأيته بخط الأستاذ أبي علي الشلوبين و قد أسقط بين جشم بن حيوان حاشد بن جشم كذا هو عند الرشاطي : جشم بن حاشد بن جشم بن حيوان بن نوف
و لما توجه فروة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( لما رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرجل خان الرجل عرق نسائها )
( قربت راحلتي أؤم محمدا ... أرجو فواضلها و حسن ثرائها )
و قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ؟ قال : يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم و لا يسؤوه ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا و استعمله على مراد و زبيد و مذحج كلها و بعث معه خالد بن الوليد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ] (2/321)
قدم عمرو فأسلم و قد كان قال لقيس بن مكشوح المرادي ـ و قيس ابن أخته ـ يا قيس إنك سيد قومك و قد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول : إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عنك إذا لقيناه اتبعناه و إن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك و سفه رأيه فركب عمرو حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم و صدقه و آمن به فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمرا فقال عمرو في ذلك شعرا أوله :
( أمرتك يوم ذي صنعا ... ء أمرا باديا رشده )
و أقام عمرو في قومه من بني زبيد و عليهم فروة بن مسيك فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ارتد عمرو قاله ابن إسحاق
و ذكر أبو عمر [ من طريق ابن عبد الحكم قال : حدثنا الشافعي قال : وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب و خالد بن سعيد بن العاص إلى اليمن قال : إذا اجتمعتما فعلي الأمير و إذا افترقتما فكل واحد منكم أمير فاجتمعا و بلغ عمرو بن معدي كرب مكانهما فأقبل في جماعة من قومه فلما دنا منهما قال : دعوني حتى أتي هؤلاء القوم فإني لم أسم لأحد إلا هابني فلما دنا منهما نادى أنا أبو ثور أنا عمرو بن معدي كرب فابتدره علي و خالد و كلاهما يقول لصاحبه : خلني و إياه و يفديه بأبيه و أمه فقال عمرو إذ سمع قولهما : العرب تفزع بي و أراني لهؤلاء جزرة عنهما ]
و كان عمرو فارس العرب مشهورا بالشجاعة و كان شاعرا محسنا يستجاد من شعره قوله :
( أعاذل عدتي يزني و رمحي ... و كل مقلص سلس القياد )
( أعاذل إنما أفنى شبابي ... إجالتي الصريخ إلى المنادي )
( مع الأبطال حتى سل جسمي ... و أقرح عاتقي حمل النجاد )
( و يبقى بعد حلم القوم حلمي ... و يفنى قبل زاد القوم زادي )
( تمنى أن تلاقيني قييس ... وددت و أينما مني ودادي ؟ )
( فمن ذا عاذري من ذي سفاه ... يرود بنفسه شر المراد )
( أريد حياته و يريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد )
يريد قيس بن مكشوح و أسلم قيس بعد ذلك و له ذكر في الصحابة و قيل : كان إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان شجاعا فارسا شاعرا و كان يناقض عمرا و هو القائل لعمرو :
( فلو لا قيتني لاقيت قرنا ... و وددعت الحبائب بالسلام )
( لعلك موعدي ببني زبيد ... و ما قامعت من تلك اللئام )
( و مثلك قد قرنت له يديه ... إلى اللحيين يمشي في الخظام ) (2/322)
و قدم الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده و قد رجوا جممهم و تكحلوا و عليهم جبب الحبرة قد كففوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ألم تسلموا ؟ قال : بلى : فما بال هذا الحرير في أعناقكم ؟ قال : فشقوه منها و ألقوه و قالوا : يا رسول الله نحن بنو آكل المرار و أنت ابن آكل المرار
فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : نحن بنو النضير لا نقفو أمنا و لا ننتفي من أبينا ]
و كان الأشعث رئيسا مطاعا في الجاهلية وجيها في قومه في الإسلام إلا أنه كان ممن ارتد بعد النبي صلى الله عليه و سلم ثم راجع الإسلام في خلافة أبي بكر الصديق و شهد بعد ذلك مع سعد القادسية و المدائن و جلولاء و نهاوند و مات سنة أربعين أو اثنتين و أربعين بالكوفة
و آكل المرار : الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية من كندة و قيل : جده حجر بن عمرو أكل هو و أصحابه في غزوة شجرا يقال له المرار و للنبي صلى الله عليه و سلم جدة من كندة مذكورة هي أم كلاب بن مرة فذاك أراد الأشعث (2/323)
و قدم صرد بن عبد الله الأزدي على رسول الله صلى الله عليه و سلم في وفد من الأزد فأمره على من أسلم من قومه و أمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش و هي يومئذ مدينة مغلقة و بها قبائل من قبائل اليمن و قد ضوت إليهم خثعم فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم فحاصروهم فيها قريبا من شهر و امتنعوا فيها منه ثم إنه رجع عنهم قافلا حتى إذا كان بجبل يقال له شكر ظن أهل جرش إنما ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم فقتلهم قتلا شديدا
و قد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمدينة يرتدان و ينظران فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه و سلم عشية بعد العصر إذ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ بأي بلاد الله شكر ؟ فقام الجرشيان فقالا : يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر و كذلك يسميه أهل جرش
فقال : إنه ليس بكشر و لكنه شكر قالا : فما شأنه يا رسول الله ؟ قال : إن بدن الله لتنحر عنده الآن قال : فجلس الرجلان إلى أبي بكر ـ أو إلى عثمان ـ فقال لهما : ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم الآن لينعى لكما قومكما فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه ذلك فقال : اللهم ارفع عنهم فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعين إلى قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قال و في الساعة التي ذكر فيها ما ذكر
فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلموا و حمى حول قريتهم ] (2/234)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم كتاب ملوك حمير و رسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال و نعيم بن عبد كلال و النعمان ـ قيل ذي رعين و معافر و همدان ـ
و بعث إليه زرعة ذو يزن بإسلامهم فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال و إلى النعمان قيل ذي رعين و معافر و همدان أما بعد : فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو
أما بعد : فإنه وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به و خبر ما قبلكم و أنبأنا بإسلامكم و قتلكم المشركين و أن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم و أطعتم الله و رسوله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و أعطيتم من المغانم خمس الله تعالى و سهم النبي وصفيه و ما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين و سقت السماء و ما سقى الغرب نصف العشر و أن في الإبل الأربعين ابنة لبون و في ثلاثين من الإبل ابن لبون و في كل خمس من الإبل شاة و في كل عشر شاتان و في كل
أربعين من البقر بقرة و في كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة و في كل أربعين من الغنم سائمة وحدها : شاة و أنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له و من أدى ذلك و أشهد على إسلامه و ظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له ما لهم و عليه ما عليهم و له ذمة الله و ذمة رسوله و أنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإنه من المؤمنين له ما لهم و عليه ما عليهم و من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها و عليه الجزية على حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن له ذمة الله و ذمة رسوله و من منعه فإنه عدو لله و لرسوله
أما بعد : فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن أن : إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل و عبد الله بن زيد و مالك بن عبادة و عقبة بن نمر و مالك بن مرارة و أصحابهم و أن اجمعوا ما عندكم من الصدقة من مخاليفكم و أبلغوها رسلي و أن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا أما بعد : فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله و أنه عبده و رسوله ثم إن مالك بن مرارة الرهاوي قد حدثني أنك قد أسلمت من أول حمير و قتلت المشركين فأبشر بخير و آمرك بحمير خيرا و لا تخونوا و لا تخاذلوا فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم هو مولى غنيكم و فقيركم و أن الصدقة لا تحل لمحمد و لا لأهل بيته إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين و ابن السبيل و أن مالكا قد بلغ الخبر و حفظ الغيب و آمركم به خيرا فإنه منظور إليهم و السلام عليكم و رحمة الله ] (2/325)
قال ابن إسحاق : و بعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي رسولا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بإسلامه و أهدى له بغلة بيضاء و كان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب و كان منزله معان و ما حولها من أرض الشام فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه أخذوه فحبسوه عندهم ثم ضربوا عنقه و صلبوه على ماء يقال له عفراء بفلسطين فزعم الزهري ابن شهاب أنهم لما قدموا ليقتلوه قال :
( أبلغ سراة المسلمين بأنني ... سلم لربي أعظمي و مقامي ) ثم ضربوا عنقه و صلبوه على ذلك الماء (2/326)
[ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر ـ أو جمادى الأولى ـ سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران و أمره أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا : فإن استجابوا فاقبل منهم و إن لم يفعلوا فقاتلهم
فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه و يدعون إلى الإسلام و يقولون : أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس و دخلوا فيما دعوا إليه فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام و كتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك فكتب له رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقبل و يقبل معه وفدهم منهم : قيس بن الحصين ذي الغصة و يزيد بن عبد المدان و يزيد بن المحجل و عبد الله بن قراد الزيادي و شداد بن عبد الله القناني و عمرو بن عبد الله الضبابي و قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟ قالوا : لم نكن نغلب أحدا قال : بلى قالوا : كنا نجتمع و لال نفترق و لا نبدأ أحدا بظلم قال : صدقتم و أمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال ـ أو في ذي القعدة ـ فلم يمكثوا إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و ذي الغصة : لقب لأبي قيس قيل له ذلك لغصة كانت بحلقه لا يكاد يبين منها (2/327)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي و أهدى لرسول الله غلاما و أسلم فحسن إسلامه و كتب له رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا إلى قومه :
[ بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة و من دخل فيهم يدعوهم إلى الله و إلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله و حزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين ]
فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا و أسلموا ثم ساروا إلى الحرة حرة الرجلاء فنزلوها (2/328)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد همدان منهم مالك بن نمط أبو ثور و مالك بن أيفع و ضمام بن مالك السلماني و عميرة بن مالك الخارفي فلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات و العمائم العدنية على الرواحل و الأرحبية و مالك بن نمط يرتجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و يقول :
( إليك جاوزن سواد الريف ... في هبوات الصيف و الخريف )
( مخطمات بحبال الليف )
و ذكروا له كلاما كثيراحسنا فصيحا فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا أقطعهم فيه ما سألوه و أمر عليهم مالك بن نمط و استعمله على من أسلم من قومه و أمره بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه و كان مالك بن نمط شاعرا محسنا فقال :
( ذكرت رسول الله في فحمة الدجى ... و نحن بأعلى رحرحان و صلدد )
( و هن بنا خوص قلائص تغتلي ... بركبانها في لاحب متمدد )
( على كل فتلاء الذراعين جسرة ... تمر بنا مر الهجف الخفيدد )
( حلفت برب الراقصات إلى منى ... صوارد بالركبان من هضب قردد )
( بأن رسول الله فينا مصدق ... رسول أتى من عند ذي العرش مهتد )
( فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أشد على أعدائه من محمد )
( و أعطى إذا ما طالب العرف جاءه ... و أمضى بحد المشرفي المهند )
الهجف : الظليم المسن
و الخفيدد : الطويل الساقين من الظلمان (2/328)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد تجيب و هم من السكون ثلاثة عشر رجلا قد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله تعالى عليهم فسر رسول الله صلى الله عليه و سلم بهم و أكرم منزلهم و قالوا : يا رسول الله سقنا إليك حق الله في أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ردوها فاقسموها على فقرائكم ] قالوا : يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا فقال أبو بكر : يا رسول الله ما وفد علينا وفد من العرب مثل ما وفد به هذا الحي من تجيب
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الهدى بيد الله عز و جل فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان ]
و سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أشياء فكتب لهم بها و جعلوا يسألونه عن القرآن و السنن فازداد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم رغبة و أمر بلالا أن يحسن ضيافتهم فأقاموا أياما و لم يطيلوا اللبث فقيل لهم : ما يعجلكم ؟ فقالوا : نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤيتنا رسول الله صلى الله عليه و سلم و كلامنا إياه و ما رد علينا ثم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يودعونه فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود قال : هل بقي منكم أحد ؟ قالوا : غلام خلفناه على رحالنا هو أحدثنا سنا قال : فأرسلوه إلينا فلما رجعوا إلى رحالهم قالوا للغلام : انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فاقض حاجتك منه فإنا قد قضينا حوائجنا منه و ودعناه فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله إني امرؤ من بني أبذى ـ قال الواقدي : هو أبذى بن عدي و أم عدي تجيب بنت ثوبان بن سليم بن مذحج و إليها ينسبون ـ يقول الغلام : من الرهط الذين أتوك فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي يا رسول الله قال : و ما حاجتك ؟ قال : إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي و إن كانوا قدموا راغبين في الإسلام و ساقوا من صدقاتهم و إني و الله ما أعملني من بلادي إلا أن تسأل الله عز و جل أن يغفر لي و أن يرحمني و أن يجعل غناي في قلبي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و أقبل على الغلام ـ : [ اللهم اغفر له و ارحمه و اجعل غناه في قلبه ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ]
ثم وافوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في الموسم بمنى سنة عشر فقالوا : نحن بنو أبذى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما فعل الغلام الذي أتاني معكم ؟ قالوا : يا رسول الله و الله ما رأينا مثله قط و لا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله لو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر و لا التفت إليها ]
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الحمد لله و إني لأرجو أن يموت جميعا فقال رجل منهم : أو ليس الرجل يموت جميعا يا رسول الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تشعب أهواؤه و همومه في أودية الدنيا فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز و جل في أيها هلك ]
قالوا : فعاش ذلك الرجل فينا على أفضل حال و أزهده في الدنيا و أقنعه بما رزق فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام في قومه فذكرهم الله و الإسلام فلم يرجع منهم أحد و جعل أبو بكر رضي الله عنه يذكره و يسأل عنه حتى بلغه حاله و ما قام به فكتب إلى زياد بن لبيد يوصيه به خيرا (2/329)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بن ثعلبة سنة ثمان مرجعه من الجعرانة أربعة نفر فنزلوا دار رملة بنت الحارث وجاءهم بلال بجفنة من ثريد بلبن و سمن فأكلوا و شهدوا الظهر مع النبي صلى الله عليه و سلم و قالوا له : إنه لا إسلام لمن لا هجرة له فقال عليه الصلاة و السلام : [ حيثما كنتم و اتقيتم الله فلا يضركم ] ثم لما جاؤوا يودعونه قال لبلال : أجزهم فأعطى كل رجل منهم خمس أواقي فضة (2/331)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بنو سعد هذيم من قضاعة في سنة تسع
ذكره الواقدي [ عن ابن النعمان منهم عن أبيه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وافدا في نفر من قومي و قد أوطأ رسول الله صلى الله عليه و سلم البلاد غلبة و أذاخ العرب و الناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه و إما خائف من السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه فنجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي على جنازة في المسجد فقمنا خلفه ناحية و لم ندخل مع الناس في صلاتهم حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم و نبايعه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إلينا فدعا بنا ثم قال : من أنتم ؟ فقلنا : من بني سعد هذيم فقال : أمسلمون أنتم ؟ قلنا نعم قال : فهلا صليتم على أخيكم ؟ قلنا : يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أينما أسلمتم فأنتم مسلمون قال : فأسلمنا و بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا و قد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم في طلبنا فأتي بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه على الإسلام فقلنا : يا رسول الله إنه أصغرنا و إنه خادمنا
فقال : أصغر القوم خادمهم بارك الله عليه قال : فكان و الله خيرنا و أقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم له ثم أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم علينا فكان يؤمنا فلما أردنا الانصراف أمر بلالا فأجازنا بأواق من فضة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا فرزقهم الله بالإسلام ] (2/331)
قال أبو الربيع بن سالم في كتابه المسمى بـ الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه و سلم و مغازي الثلاثة الخلفاء : [ و لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من تبوك قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن و الحر بن قيس بن حصن ابن أخي عيينة بن حصن و هو أصغرهم فنزلوا في دار بنت الحارث و جاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقرنين بالإسلام و هم مسنتون على ركاب عجاف فسألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بلادهم فقال أحدهم : يا رسول الله أسنتت بلادنا و هلكت مواشينا و أجدب جنابنا و غرث عيالنا فادع لنا ربك يغثنا و اشفع لنا إلى ربك و ليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سبحان الله ويلك هذا ! أنا أشفع إلى ربي عز و جل ؟ فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه السموات و الأرض فهي تئط من عظمته و جلاله كما يئط الرحل الجديد و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله ليضحك من شفقكم و أزلكم و قرب غياثكم فقال الأعرابي : يا رسول الله و يضحك ربنا عز و جل ؟ قال : نعم قال الأعرابي : لن يعدمك من رب يضحك خير فضحك النبي صلى الله عليه و سلم من قوله و صعد المنبر فتكلم بكلمات و كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا رفع الاستسقاء فرفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وكان مما حفظ من دعائه : اللهم اسق بلادك و بهائمك و انشر رحمتك و أحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مريحا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا رحمة و لا تسقنا عذابا و لا هدما و لا غرقا و لا محقا اللهم اسقنا الغيث و انصرنا على أعدائنا فقام أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري فقال : يا رسول الله التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره قالوا : لا و الله ما في السماء سحاب و لا قزعة و لا بين المسجد و بين سلع من شجر و لا دار فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فو الله ما رأينا الشمس سبتا و قام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا يخرج التمر منه فجاء ذلك الرجل أو غيره فقال : يا رسول الله هلكت الأموال و انقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه و سلم المنبر فدعا و رفع يديه مدا حتى رؤي بياض إبطيه ثم قال : اللهم حوالينا و لا علينا اللهم على الآكام و الظراب و بطون الأودية و منابت الشجر قال : فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب ] (2/332)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني أسد عشرة رهط فيهم وابصة بن معبد و طليحة بن خويلد و رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد مع أصحابه فسلموا و تكلموا فقال متكلمهم : يا رسول الله إنا شهدنا أن الله وحده لا شريك له و أنك عبده و رسوله و جئناك يا رسول الله و لم تبعث إلينا بعثا و نحن لمن وراءنا قال محمد بن كعب القرظي : فأنزل الله على رسوله عليه الصلاة و السلام { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [ الحجرات : 17 ]
و كان مما سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه يومئذ العيافة و الكهانة و ضرب الحصى فنهاهم عن ذلك كله فقالوا : يا رسول الله إن هذه أمور كنا نفلعنا في الجاهلية أرأيت خصلة بقيت ؟ قال : و ما هي ؟ قالوا : الخط قال علمه نبي من الأنبياء فمن صادف مثل علمه علم (2/333)
و ذكر الواقدي عن كريمة بنت المقداد قالت : سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول : قدم وفد بهراء من اليمن و هم ثلاثة عشر رجلا فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد و نحن في منازلنا ببني جديلة فخرج إليهم المقداد فرحب بهم و أنزلهم و جاءهم بجفنة من حيس كنا قد هيأناها قبل أن يحلوا لنجلس عليها فحملها أبو معبد المقداد ـ و كان كريما ـ على الطعام فأكلوا منها حتى نهلوا و ردت إلينا القصعة و فيها أكل فجمعنا تلك الأكل في قصعة صغيرة ثم بعثنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم مع سدرة مولاتي فوجدته في بيت أم سلمة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ضباعة أرسلت بهذا ؟ قالت سدرة : نعم يا رسول الله قال : ضعي ثم قال : ما فعل ضيف أبي معبد ؟ قلت : عندنا فأصاب منها رسول الله صلى الله عليه و سلم أكلا هو و من معه في البيت حتى نهلوا و أكلت معهم سدرة ثم قال : اذهبي بما بقي إلى ضيفكم قالت سدرة : فرجعت بما بقي في القصعة إلى مولاتي قالت : فأكل منها الضيف ما أقاموا نرددها عليهم و ما تغيض حتى جعل الضيف يقولون : يا أبا معبد ! إنك لتنهلنا من أحب الطعام إلينا و ما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين و قد ذكر لنا أن بلادكم قليلة الطعام إنما هو العلق أو نحوه و نحن عندك في الشبع فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أكل منها أكلا و ردها فهذه بركة أصابع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل القوم يقولون : نشهد أنه رسول الله و ازادوا يقينا و ذلك الذي أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم ]
و تعلموا الفرائض و أقاموا أياما ثم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فودعوه وأمر لهم بجوائزهم ثم انصرفوا إلى أهليهم (2/334)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني عذرة في صفر سنة تسع اثنا عشر رجلا فيهم جمرة بن النعمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من القوم ؟ فقال متكلمهم : من لا تنكر نحن بنو عذرة إخوة قصي لأمه نحن الذين عضدوا قصيا و أزاحوا من بطن مكة خزاعة و بن بكر و لنا قرابات و أرحام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مرحبا بكم و أهلا ما أعرفني بكم ! فأسلموا و بشرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بفتح الشام و هرب هرقل إلى ممتنع بلاده و نهاهم عن سؤال الكاهنة و عن الذبائح التي كانوا يذبحونها و أخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية فأقاموا أياما بدار رملة ثم انصرفوا و قد أجزوا ] (2/335)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بلي في ربيع الأول سنة تسع فأنزلهم رويفع بن ثابت البلوي عنده و قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : هؤلاء قومي فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ مرحبا بك و بقومك فأسلموا قال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات منكم على غير الإسلام فهو في النار و قال له أبو الضبيب ـ شيخ الوفد ـ : يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر ؟ قال : نعم و كل معروف صنعته إلى غني أو فقي فهو صدقة قال : يا رسول الله ما وقت الضيافة ؟ قال : ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة و لا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحرجك قال : يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض ؟ قال : لك أو لأخيك أو للذئب قال : فالبعير ؟ قال : مالك و له دعه حتى يجده صاحبه
قال رويفع : ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم يأتي منزلي يحمل تمرا فقال : استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه و من غيره فأقاموا ثلاثا ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أجازهم و رجعوا إلى بلادهم ] (2/335)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بني مرة ثلاثة عشر رجلا رأسهم الحارث بن عوف
قال : [ يا رسول الله إنا قومك و عشيرتك نحن قوم من بني لؤي بن غالب فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال للحارث : أين تركت أهلك ؟ قال : بسلاح و ما والاها قال : فكيف البلاد ؟ قال و الله إنا لمسنتون و ما في المال مخ فادع الله لنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم اسقهم الغيث فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق عشر أواق فضة و فضل الحارث بن عوف اثنتي عشر أوقية و رجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوه : متى مطرتم ؟ فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه و أخصبت بعد ذلك بلادهم ] (2/336)
[ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعبان سنة عشر وفد خولان و هم عشرة فقالوا : يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا و نحن مؤمنون بالله عز و جل مصدقون برسوله قد ضربنا إليك آباط الإبل و ركبنا حزون الأرض و سهولها و المنة لله و لرسوله علينا و قدمنا زائرين لك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة و أما قولكم زائرين لك فإنه من زارني كان في جواري يوم القيامة قالوا : يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما فعل عم أنس ؟ ـ و هو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه ـ قالوا : بشر بدلنا الله ما جئت به و قد بقيت منا بعد بقايا من شيخ كبير و عجوز كبيرة متمسكون به و لو قد قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله فقد كنا منه في غرور وفتنة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : و ما أعظم ما رأيتم من فتنته ؟ قالوا : لقد رأيتنا و أسنتنا حتى أكلنا الرمة فجمعنا ما قدرنا عليه و ابتعنا مائة ثور و نحرناهم لعم أنس قربانا في غداة واحدة و تركناها تردها السباع و نحن أحمج إليها من السباع فجاءنا الغيث من ساعتنا و لقد رأينا العشب يواري الرجال و يقول قائلنا : أنعم علينا عم أنس
و ذكروا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما كانوا يقسمون لصنمهم هذا من أنعامهم و حروثهم و أنهم كانوا يجعلون من ذلك جزءا له و جزءالله بزعمهم قالوا : كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له و نسمي زرعا آخر حجرة لله فإذا مالت الريح بالذي سميناه لله جعلناه لعم أنس و إذا مالت الريح بالذي جعلناه لعم أنس لم نجعله لله فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الله عز و جل أنزل عليه في ذلك : { و جعلوا لله مما ذرا من الحرث و الأنعام نصيبا الآية } [ الأنعام : 136 ] قالوا : و كنا نتحاكم إليه فنكلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلك الشياطين يكلمكم
و سألوه عن فرائض الدين فأخبرهم و أمرهم بالوفاء بالعهد و أداء الأمانة و حسن الجوار لمن جاوروا و أن لا يظلموا أحدا قال : فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ] ثم ودعوه بعد أيام و أجازهم و رجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس
الحجرة : الناحية (2/336)
[ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم عام حجة الوادع وفد بني محارب و هم كانوا أغلظ العرب و أفظه على رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك المواسم أيام عرضه نفسه على القبائل يدعوهم إلى الله فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم عشرة نائبين عمن وراءهم من قومهم فأسلموا و كان بلال يأتيهم بغداء و عشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما من الظهر إلى العصر فعرف رجلا منهم فأمده النظر فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال : كأنك يا رسول الله توهمني ؟ قال : لقد رأيتك فقال المحاربي : إي و الله لقد رأيتني و كلمتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ و أنت تطوف على الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم ثم قال المحاربي : يا رسول الله ماكان في أصحابي أشد عليك يومئذ و لا أبعد عن الإسلام مني فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك و لقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن هذه القلوب بيد الله عز و جل فقال المحاربي : يا رسول الله استغفر لي من مراجعتي إياك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر ] ثم انصرفوا إلى أهليهم (2/338)
[ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد صداء في سنة ثمان و ذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف من الجعرانة بعث بعوثا إلى اليمن و هيأ بعثا استعمل عليهم قيس بن سعد بن عبادة و عقد له لواء أبيض و دفع له راية سوداء و عسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين و أمره أن يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل منهم و علم بالجيش فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش و أنا لك بقومي فرد رسول الله صلى الله عليه و سلم قيس بن سعد من صدور قناة و خرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسة عشر رجلا منهم فقال سعد بن عبادة : يا رسول الله دعهم ينزلوا علي فنزلوا عليه فحباهم و أكرمهم و كساهم ثم راح بهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم فبايعوه على الإسلام و قالوا : نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم مائة رجل في حجة الوداع ]
ذكر هذا الواقدي عن بعض بني المصطلق [ و ذكر من حديث زياد بن الحارث الصدائي أنه الذي قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له : اردد الجيش و أنا لك بقومي فردهم قال : و قدم وفد قومي عليه فقال لي : يا أخا صداء ! إنك لمطاع في قومك ؟ قال : قلت : بلى من الله عز و جل و من رسوله و كان زياد هذا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره قال : فاعتشى رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أي : سار ليلا ـ و اعتشينا معه و كنت رجلا قويا قال : فجعل أصحابه يتفرقون عنه و لزمت غرزه فلما كان في السحر قال : أذن يا أخا صداء فأذنت على راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب لحاجته ثم رجع فقال : يا أخا صداء هل معك ماء ؟ قلت : معي شيء في إداوتي قال : هاته فجئت به فقال : صب فصببت ما في الإداوة في القعب و جعل أصحابه يتلاحقون ثم وضع كفه على الإناء فرأيت بين كل إصبعين من أصابعه عينا تفور ثم قال : يا أخا صداء لولا أني أستحيي من ربي عز و جل لسقينا و استقينا ثم توضأ و قال : أذن في أصحابي : من كانت له حاجة بالوضوء فليرد قال : فوردوا من آخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أخا صداء أذن و من أذن فهو يقيم فأقمت ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بنا و كنت سألته قبل : أن يؤمرني على قومي و يكتب لي بذلك كتابا ففعل فلما سلم ـ يريد من صلاته ـ قام رجل يشتكي من عامله فقال : يا رسول الله ! إنه أخذنا بذحول كانت بيننا و بينه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا خير في الإمارة لرجل مسلم ثم قام رجل فقال : يا رسول الله أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب و لا نبي مرسل حتى جزأها على ثمانية أجزاء فإن كنت جزءا منها أعطيتك و إن كنت غنيا عنها فإنما هو صداع في الرأس وداء في البطن فقلت في نفسي : هاتان خصلتان حين سألت الإمارة و أنا رجل مسلم و سألته من الصدقة و أنا غني عنها
فقلت : يا رسول الله هذان كتاباك فاقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و لم ؟ قلت إني سمعتك تقول : لا خير في الإمارة لرجل مسلم و أنا مسلم و سمعتك تقول : من سأل من الصدقة و هو عنها غني فإنما هي صداع في الرأس و داء في البطن و أنا غني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما إن الذي قلت كما قلت فقبلهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال : دلني على رجل من قومك أستعمله فدللته على رجل منهم فاستعمله قلت : يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها و إذا كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه و الإسلام اليوم فينا قليل و نحن نخاف فادع الله عز و جل لنا في بئرنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ناولني سبع حصيات فناولته فعركهن بيده ثم دفعهن إلي و قال : إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة و سم الله قال : ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة ] (2/338)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد غسان في شهر عشر ثلاثة نفر فأسلموا و قالوا : لا ندري أيتبعنا قومنا أم لا و هم يحبون بقاء ملكهم و قرب قيصر فأجازهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بجوائز و انصرفوا راجعين فقدموا على قومهم فلم يستجيبوا لهم و كتموا إسلامهم حتى مات رجلان منهم على الإسلام و أدرك الثالث منهم عمر بن الخطاب عام اليرموك فلقي أبا عبيدة فخبره بإسلامه فكان يكرمه (2/340)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد سلامان سبعة نفر فيهم حبيب بن عمرو السلاماني فأسلموا و قال : حبيب : فقلت : أي رسول الله ! ما أفضل الأعمال ؟ قال : [ الصلاة في وقتها ثم ذكر حديثا طويلا و صلوا معه يومئذ الظهر و العصر قال : فكانت صلاة العصر أخف في القيام من الظهر ثم شكوا إليه جدب بلادهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده : اللهم اسقهم الغيث في دارهم فقلت : يا رسول الله ! ارفع يديك فإنه أكثر و أطيب فتبسم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام و قمنا معه فأقمنا ثلاثا و ضيافته تجري علينا ثم ودعناه و أمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواقي فضة لكل رجل منا و اعتذر إلينا بلال و قال : ليس عندنا اليوم مال فقلنا : ما أكثر هذا و أطيبه ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك الساعة ]
قال الواقدي : و كان مقدمهم في شوال سنة عشر (2/340)
و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد بن عبس فقالوا : يا رسول الله ! قدم علينا قرؤانا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له و لنا أموال و مواش و هي معاشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له فلا خير في أموالنا بعناها و هاجرنا من آخرنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالهم شيئا و سألهم رسول الله صلى الله عليه و سلم عن خالد بن سنان : هل له عقب ؟ فأخبروه أنه لا عقب له و كانت له ابنة فانقرضت و أنشأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان فقال : نبي ضيعه قومه ] (2/341)
قال الواقدي : [ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد غامد سنة عشر و هم عشرة فنزلوا في بقيع الغرقد و هو يومئذ أثل و طرفاء ثم انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و خلفوا عند رحلهم أحدثهم سنا فنام عنه و أتىسارق فسرق عيبة لأحدهم فيها أثواب له و انتهى القوم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلموا عليه و أقروا له بالإسلام و كتب لهم كتابا فيه شرائع من شرائع الإسلام و قال لهم : من خلفتم في رحالكم ؟ قالوا : أحدثنا سنا يا رسول الله قال : فإنه قد نام عن متاعكم حتى أتى آت فأخذ عيبة أحدكم فقال أحد القوم : يا رسول الله ما لأحد عيبة غيري فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قد أخذت وردت إلى موضعها فخرج القوم سراعا حتى أتوا رحلهم فوجدوا صاحبهم فسألوه عما خبرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : فزعت من نومي ففقدت العيبة فقمت في طلبها فإذا رجل قد كان قاعدا فلما رآني ثار يعدو مني فانتهيت إلى حيث انتهى فإذا أثر حفرة و إذا هو قد غيب العيبة فاستخرجتها فقالوا : نشهد أنه رسول الله فإنه قد أخبرنا بأخذها و أنها قد ردت فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبروه و جاء الغلام الذي خلفوه فأسلم و أمر النبي صلى الله عليه و سلم أبي بن كعب فعلمهم قرآنا
و أجازهم صلى الله عليه و سلم كما كان يجيز الوفود و انصرفوا ] (2/341)
[ و قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفد النخع و هم آخر وفد قاموا للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة في مائتي رجل فنزلوا دار الأضياف ثم جاؤوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقرين بالإسلام و قد كانوا بايعوا معاذ بن جبل فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو : يا رسول الله إني رأيت في سفري هذا عجبا قال : و ما رأيت ؟ قال : رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل تركت أمة لك مصرة على حمل ؟ قال : نعم قال : فإنها قد ولدت غلاما و هو ابنك قال : يا رسول الله فما باله أسفع أحوى ؟ قال : ادن مني فقال : هل بك من برص تكتمه ؟ قال : و الذي بعثك بالحق ما علم به أحد و لا اطلع عليه غيرك قال : فهو ذلك قال : يا رسول الله ! و رأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان و دملجان و مسكتان قال : ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه و بهجته قال : يا رسول الله ! و رأيت عجوزا شمطاء خرجت من الأرض قال : تلك بقية الدنيا قال : و رأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني و بين ابن لي يقال له عمرو و هي تقول : لظى لظى بصير و أعمى أطعموني أكلكم أهلككم و مالكم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلك فتنة تكون في آخر الزمان قال : يا رسول الله ! و ما الفتنة ؟ قال : يقتل الناس إمامهم و يشتجرون اشتجار أطباق الرأس ـ و خالف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أصابعه ـ يحسب المسيء فيها أنه محسن و يكون دم المؤمن عند المؤمن أحل من شرب الماء و إن مات ابنك أدركت الفتنة و إن مت أنت أدركها ابنك
قال : يا رسول الله ! ادع الله أن لا أدركها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اللهم لا يدركها ]
فمات و بقي ابنه و كان ممن خلع عثمان رضي الله تعالى عنه
و المسك : مفتوح الميم و السين المهملة : الذبل و المسك : الأسورة و الخلاخل من الذبل و القرون و العاج واحدته مسك قاله ابن سيده (2/342)
بعث دحية الكلبي إلى قيصر ملك الروم و عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس و عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة و حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية و عمرو بن العاص إلى جعفر و عبد ابني الجلندى ملكي عمان و سليط بن عمرو العامري إلى ثمامة بن أثال و هوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة و العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين و شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام و يقال بعثه إلى جبلة بن الأيهم الغساني و المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن (2/344)
ذكر الواقدي : من حديث ابن عباس و من حديثه خرج في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام و بعث بكتابه مع دحية الكلبي و أمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر و كان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لله عز و جل فيما أبلاه من ذلك فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : التمسوا لي ها هنا من قومه أحدا نسألهم عنه
قال ابن عباس : فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تجارا و ذلك في الهدية التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و بين كفار قريش قال : فأتانا رسول قيصر فانطلق بنا حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه فإذا هو جالس مجلس ملكه و عليه التاج و حوله عظماء الروم فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا بهذا الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان : فقلت : أنا أقربهم نسبا و ليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري قال قيصر : أدنوه مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه : إنما قدمت هذا أمامكم لأسأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي و إنما جعلتكم خلف كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله قال أبو سفيان : فو الله لولا الحياء يومئذ أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه و لكني استحييت فصدقت و أنا كاره ثم قال لترجمانه : قل له : كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب قال : قل له : هل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ قلت : لا قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا قال : هل كان من آبائه ملك ؟ قلت : لا قال : فأشراف الناس يتبعنونه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم قال : فهل يزيدون أو ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا و نحن الآن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم قال : فكيف حربكم و حربه ؟ قلت : دون و سجال ندال عليه مرة و يدال علينا أخرى قال : فما يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده و لا نشرك به شيئا و ينهانا عما كان يعبد أباؤنا و يأمرنا بالصلاة و الصدق و العفاف و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة
فقال لترجمانه : قل له : إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب و كذلك الرسل تبعث في نسب قومها و سألتك : هل قال هذا القول منكم أحد قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله و سألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس و يكذب على الله و سألتك : هل كان من آبائه ملك ؟ قلت : لا فقلت لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه و سألتك : أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : ضعفاؤهم و هم أتباع الرسل و سألتك : هل يزيدون أو ينقصون ؟ فزعمت انهم يزيدون و كذلك الإيمان حتى يتم و سألتك هل يرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أنهم يزيدون و كذلك الإيمان حتى يتم و سألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا و كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد و سألتك : هل قاتلتموه ؟ فقلت : نعم و أن حربكم و حربه دول و سجال يدال عليكم مرة و تدالون عليه أخرى و كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة و سألتك : ماذا يأمركم به فزعمت أنه يأمركم بالصلاة و الصدق و العفاف و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة و هو نبي و قد كنت أعلم أنه خارج و لكن لم أظن أنه فيكم و إن كان ما أتاني عنه حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين و لو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقيه و لو كنت عنده لغسلت قدميه
قال أبو سفيان : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرئ فإذا فيه :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم و أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين و { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } [ آل عمران : 64 ] ]
قال أبو سفيان : فلما قضى مقالته و فرغ من الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم فلا أدري ما قالوا و أمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا و أصحابي و خلصنا قلت لهم : لقد أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه قال : فو الله ما زلت ذليلا مستيقا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام
و يروى في خبر أبي سفيان أنه قال لقيصر لما سأله عن النبي صلى الله عليه و سلم : أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرا تعرف به أنه قد كذب ؟ قال : و ما هو ؟ قلت : إنه قد زعم لنا أنه قد خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء و رجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح
قال : و بطريق إيلياء عند رأس قيصر فقال : صدق أيها الملك قال : و ما علمك بهذا ؟ قال : إني كنت لا أنام كل ليلة حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه عمالي و من يحضرني فلم نستطع أن نحركه فكأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا : هذا باب سقط عليه النجاف و البنيان فلا نستطع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتي فرجعت و تركت البابين مفتوحين فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب و إذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي و قد صلى الليلة في مسجدنا هذا فقال قيصر لقومه : يا معشر الروم ألستم تعلمون أن بين عيسىو بين الساعة نبيا بشركم به عيسى بن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم ؟ قالوا : بلى قال : فإن الله قد جعله في غيركم في أقل منكم عددا و أضيق منكم بلدا و هي رحمة الله عز و جل يضعها حيث يشاء
اليريسيون : دهاقين القرى و كانوا إذ ذاك مجوسا (2/344)
ذكر الواقدي : من حديث الشفاء بنت عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عبد الله بن حذافة السهمي منصرفه من الحديبية إلى كسرى و بعث كتابا مختوما فيه :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسوله و شهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أدعوك بداعية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا و يحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس ]
قال عبد الله بن حذافة : فإنتهيت به إلى بابه فطلبت الإذن عليه حتى و صلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرئ عليه فأخذه و مزقه فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مزق الله ملكه
و ذكر أيضا : من حديث أبي هريرة و غيره أن كسرى بينا هو في بيت كان يخلوا فيه إذا رجل قد خرج إليه و في يده عصا فقال : يا كسرى إن الله قد بعث رسولا و أنزل عليه كتابا فأسلم تسلم و اتبعه يبق لك ملكك قال كسرى : أخر هذا عني آثرا ما فدعا حجابه و بوابيه فتوعدهم و قال : من هذا الذي دخل علي ؟ قالوا و الله ما دخل عليك أحد و ما ضيعنا لك بابا و مكث حتى كان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلك و قال : إلا تسلم أكثر العصا قال : لا تفعل أخر ذلك آثرا ما ثم جاء العام المقبل ففعل مثل ذلك و ضرب بالعصا على رأسه فكسرها و خرج من عنده و يقال إن ابنه قتله في تلك الليلة و أعلم الله بذلك رسوله صلى الله عليه و سلم لحدثان كونه فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك رسل باذان إليه
و كان باذان عامل كسرى على اليمن فلما بلغه ظهور النبي صلى الله عليه و سلم و دعاؤه إلى الله كتب إلى باذان أن ابعث إلى هذا الرجل الذي خالف دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه فإن أبى فابعث إلي برأسه ـ و يروى : و إلا فليواعدك يوما تقتتلون فيه ـ فلما ورد كتابه إلى باذان بعث بكتابه مع رجلين من عنده فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزلهما و أمرهما بالمقام فأقاما أياما ثم أرسل إليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات غداة فقال : انطلقا إلى باذان فأعلماه أن ربى عز و جل قد قتل كسرى في هذه الليلة فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبره بذلك فقال : إن يكن الأمر كما قال فو الله إن الرجل لنبي و سيأتي الخبر بذلك إلي يوم كذا فأتاه الخبر بذلك فبعث باذان بإسلامه و إسلام من معه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و يقال : إن الخبر أتاه بمقتل كسرى و هو مريض فاجتمعت إليه أساورته فقالوا : من تومر علينا ؟ فقال لهم : ملك مدبر و ملك مقبل فاتبعوا هذا الرجل و ادخلوا في دينه و أسلموا و مات باذان فبعث رؤوسهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وفدهم يعرفونه بإسلامهم (2/347)
ذكر ابن إسحاق أن عمرا قال له : يا أصحمة إن علي القول و عليك الاستماع إنك كأنك في الرقة علينا منا و كأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا إلا نلناه و لم نخفك على شيء إلا أمناه و قد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا و بينك شاهد لا يرد و قاض لا يجور و في ذلك الموقع و إصابة المفصل و إلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى بن مريم و قد فرق النبي صلى الله عليه و سلم رسله الناس فرجاك لما لم يرجهم له و أمنك على ما خافهم عليه لخير سالف و أجر ينتظر فقال النجاشي : أشهد بالله إنه للنبي الذي تنتظره أهل الكتاب و أن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل و أن العيان ليس بأشفى من الخبز
و ذكر الواقدي أن ذلك الكتاب : [ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن و أشهد أن عيسى بن مريم روح الله و كلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و إني أدعوك إلى الله و حده لا شريك له و الموالاة على طاعته و أن تتبعني و تؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله و إني أدعوك و جنودك إلى الله عز و جل و قد بلغت و نصحت فاقبلوا نصيحتي و السلام على من اتبع الهدى ]
فكتب إليه النجاشي : بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة سلام عليك يا نبي الله من الله و رحمة الله و بركاته الذي هو لا إله إلا هو اما بعد : فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء و الأرض إن عيسى بن مريم لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما ذكرت و قد عرفنا ما بعثت به إلينا و قد قربنا ابن عمك و أصحابه فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا و قد بايعتك و بايعت ابن معك و أسلمت على يديه لله رب العالمين
الثفروق : علامة ما بين النواة و القمع
و توفي النجاشي سنة تسع بالحبشة و أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بموته يومه و خرج بالناس إلى المصلى فصلى عليه الناس خلفه صفوف و كبر عليه أربعا (2/349)
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد : فإني أدعوك بداعية الإسلام أسلم تسلم و أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم القبط و { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } [ آل عمران : 64 ] ]
و ختم الكتاب فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية فانتهى إلى حاجبه فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال حاطب للمقوقس لما لقيه : إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى فانتقم به ثم انتقم منه و اعتبر بغيرك و لا يعتبر بك قال : هات قال : إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه و هو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه إن هذا النبي صلى الله عليه و سلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش و أعداهم له يهود و أقربهم منه النصارى و لعمري ما بشارة موسى بعيسى بن مريم إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه و سلم و ما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل و كل نبي أدرك قوما فهم من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركه هذا النبي و لسنا ننهاك عن دين المسيح و لكنا نأمرك به فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه و لا ينهى إلا عن مرغوب عنه و لم أجده بالساحر الضال و لا الكاهن الكاذب و وجدت معه آلة النبوة بإخراج الخبء و الإخبار بالنجوى و سأنظر
و أخذ كتاب النبي صلى الله عليه و سلم فجعله في حق من عاج و ختم عليه و دفعه إلى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم : بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد : فقد قرأت كتابك و فهمت ما ذكرت فيه و ما تدعو إليه و قد علمت أن نبيا بقي و كنت أظن أنه يخرج بالشام و قد أكرمت رسولك و بعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم و بكسوة و أهديت إليك بغلة لتركبها و السلام عليك و لم يزد على هذا و لم يسلم
الجاريتان : مارية و سيرين
و البغلة : دلدل بقيت إلى زمن معاوية و كانت شهباء
و ذكر الواقدي في هذا الخبر : أن المقوقس وصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه و سلم و قال : القبط لا يطاوعوني في اتباعه و لا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك و أنا أضن بملكي أن أفارقه و سيظهر على البلاد و ينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على من ها هنا فارجع إلى صاحبك فقد أمرت له بهدايا و جاريتين أختين و بغلة من مراكبي و ألف مثقال ذهبا و عشرين ثوبا و غير ذلك و أمرت لك بمائة دينار و خمسة أثواب فارحل من عندي و لا تسمع منك القبط حرفا واحدا فرحلت من عنده و قد كان لي مكرما في الضيافة و قلة اللبث ببابه ما أقمت عنده إلا خمسة أيام و إن الوفود وفود العجم ببابه منذ شهر و أكثر
قال حاطب : فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ ضن الخبيث بملكه و لا بقاء لملكه ]
قال الدارقطني : اسمه جريح بن مينا أثبته أبو عمر في الصحابة ثم أمر بأن يضرب عليه و قال : يغلب على الظن أنه لم يسلم و كانت شبهته في إثباته إياه في الصحابة أولا رواية رواها ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : أخبرني المقوقس أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم قدحا من قوارير فكان يشرب فيه (2/350)
ذكر الواقدي بإسناده له عن عكرمة قال : وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته فإذا فيه : بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى و كتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام فكتب المنذر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم : أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام و أعجبه و دخل فيه و منهم من كرهه و بأرضي مجوس و يهود فأحدث إلي في ذلك أمرك فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله أما بعد : فإني أذكرك الله عز و جل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه و إنه من يطع رسلي و يتبع أمرهم فقد أطاعني و من نصح لهم فقد نصح لي و إن رسلي قد أثنوا عليك خيرا و إني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه و عفوت على أهل الذنوب فاقبل منهم و إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك و من أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية ] أسلم المنذر هذا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و حسن إسلامه و مات قبل ردة أهل البحرين
و ذكر ابن قانع : أنه وفد على النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو الربيع بن سالم : و لا يصح ذلك (2/352)
[ بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن عبد الله إلى جيفر و عبد ابني الجلندى سلام على من اتبع الهدى أما بعد : فإني أدعوكما بداعية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا و يحق القول على الكافرين و إنكما إن أقررتما بالإسلام و ليتكما و إن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما و خيلي تحل بساحتكما و تظهر نبوتي على ملككما ]
و كتب أبي بن كعب و ختم رسول الله صلى الله عليه و سلم الكتاب
قال عمرو : ثم خرجت حتى انتهيت إلى عمان فلما قدمتها عمدت إلى عبد و كان أحلم الرجلين و أسهلهما خلقا فقلت : إني رسول الله إليك و إلى أخيك فقال : أخي المقدم علي بالسن و الملك و أنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ثم قال لي : و ما تدعو إليه ؟ قلت : أدعوك إلى الله وحده لا شريك له و تخلع ما عبد من دون الله و تشهد أن محمدا عبده و رسوله قال : يا عمرو إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة ؟ فقلت : مات و لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه و سلم وددت أنه كان أسلم و صدق به و قد كنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام قال : فمتى تبعته ؟ قلت : قريبا فسألني أين كان إسلامي ؟ فقلت : عند النجاشي و أخبرته أن النجاشي قد أسلم قال : فكيف صنع قومه بملكه ؟ قلت : أقروه و اتبعوه قال : و الأساقفة و الرهبان اتبعوه ؟ قلت : نعم قال : انظر يا عمرو ما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من كذب قلت : ما كذبت و ما نستحله في ديننا ثم قال : ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي قلت : بلى قال : بأي شيء علمت ذلك ؟ قلت : كان النجاشي يخرج له خرجا فلما أسلم و صدق بمحمد صلى الله عليه و سلم قال : لا و الله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له يناق أخوه : أتدع عبدك لا يخرج لك خرجا و يدين دينا محدثا ؟ قال هرقل : رجل رغب في دين و اختاره لنفسه ما أصنع به و الله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال : انظر ما تقول يا عمرو ؟ قلت : و الله صدقتك قال عبد : فأخبرني ما الذي يأمر به و ينهى عنه
قلت : يأمر بطاعة الله عز و جل و ينهى عن معصيته و يأمر بالبر و صلة الرحم و ينهى عن الظلم و العدوان و عن الزنا و شرب الخمر و عن عبادة الحجر و الوثن و الصليب فقال : ما أحسن هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد و نصدق به و لكن أخي أضن بملكه من أن يدعه و يصير ذنبا قلت : إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه و سلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم قال : إن هذا الخلق حسن و ما الصدقة ؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل فقال : يا عمرو و تؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر و ترد المياه ؟ قلت : نعم فقال : و الله ما أرى قومي في بعد دارهم و كثرة عددهم يطيعون بهذا قال : فمكثت ببابه أياما و هو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي فقال : دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال : تكلم بحاجتك فدفغت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته إلا أني رأيت أخاه أرق منه
ثم قال : ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت ؟ فقلت : تبعوه إما راغب في الدين و إما مقهور بالسيف قال : و من معه ؟ قلت : الناس قد رغبوا في الإسلام و اختاروه على غيره و عرفوا بعقولهم مع هدي الله إياهم أنهم كانوا في ضلال فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة و أنت إن لم تسلم اليوم و تتبعه يوطئك الخيل و يبد خضراءك فأسلم تسلم و يستعملك على قومك و لا يدخل عليك الخيل و الرجال قال : دعني يومي هذا و ارجع إلي غدا فرجعت إلى أخيه فقال : يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن يضن بملكه حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فقال : إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي و هو لا تبلغ خيله إلي هاهنا و إن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى قلت : و أن خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال : ما نحن فيما قد ظهر عليه و كل من أرسل إليه قد أجابه ؟ فأصبح فأرسل إلي فأجاب إلى الإسلام هو و أخوه جميعا و صدقا النبي و خليا بيني و بين الصدقة و بين الحكم فيما بينهم و كانا لي عونا على من خالفني (2/353)
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى و اعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف و الحافر فأسلم تسلم و أجعل لك ما تحت يديك ]
[ فلما قدم عليه سليط بكتاب النبي صلى الله عليه و سلم مختوما أنزله و حباه و قرأ عليه الكتاب فرده دون رد و كتب إلى النبي صلى الله عليه و سلم : ما أحسن ما تدعو إليه و أجمله و أنا شاعر قومي و خطيبهم و العرب تهاب مكاني فاجعل إلي بعض الأمر أتبعك و أجاز سليطا بجائزة و كساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك على النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره و قرأ النبي صلى الله عليه و سلم كتابه و قال : لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت باد و باد ما في يديه فلما انصرف النبي صلى الله عليه و سلم من الفتح جاءه جبريل عليه السلام بأن هوذة قد مات فقال صلى الله عليه و سلم : أما إن اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبا بعدي فقال قائل : يا رسول الله من يقتله ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت و أصحابك فكان كذلك ]
و فيما ذكر الواقدي أن أركون دمشق ـ عظيم من عظماء النصارى كان عند هوذة ـ فسأله عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال : جاءني كتابه يدعوني فيه إلى الإسلام فلم أجبه قال الأركون : لم لا تجيبه ؟ فقال : ضننت بديني و أنا ملك قومي و لئن تبعته لم أملك قال : بلى و الله لئن اتبعته ليملكنك و إن الخيرة لك في اتباعه و إنه للنبي العربي الذي بشر به عيسى بن مريم و إنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله و ذكر باقي الخبر (2/355)
ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث شجاعا إلى الحارث بن أبي شمر و هو بغوطة دمشق فكتب إليه مرجعه من الحديبية :
[ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحارث بن أبي شمر سلام على من اتبع الهدى و آمن به و صدق و إني أدعوك إلى أن تؤمن بالله و حده لا شريك له و يبقى لك ملكك
فختم الكتاب و خرج به شجاع بن وهب قال : فانتهيت إلى حاجته فأجده يومئذ و هو مشغول بتهيئة الأنزال و الألطاف لقيصر و هو جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى قال : فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت : لحاجبه : إني رسول رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه فقال حاجبه : لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا و كذا و جعل حاجبه ـ و كان روميا اسمه مري ـ يسألني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء و يقول : إني قرأت في الإنجيل و أجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض القرظ فأنا أؤمن به و أصدقه و أنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني قال شجاع : فكان ـ يعني هذا الحاجب ـ يكرمني و يحسن ضيافتي و يخبرني عن الحارث باليأس منه و يقول : هو يخاف قيصر قال : فخرج الحارث يوما و جلس فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأه ثم رمى به و قال : من ينتزع مني ملكي و أنا سائر إليه و لو كان باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض حتى الليل و أمر بالخيل أن تنعل ثم قال : أخبر صاحبك بما ترى و كتب إلى قيصر يخبره خبري فصادف قيصر بإيلياء و عنده دحية الكلبي و قد بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه : ألا تسر إليه واله عنه و وافني بإيلياء قال : و رجع الكتاب و أنا مقيم فدعاني و قال : متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ قلت : غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا و وصلني مري بنفقة و كسوة و قال : اقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام و أخبره أني متبع دينه
قال شجاع : فقدمت على النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال : باد ملكه و أقرأته من مري السلام و أخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : صدق ]
و ابن هشام يقول : بأن المرسل إليه جبلة بن الأيهم بدل الحارث بن أبي شمر
و قد تقدم فيما ذكرناه عن ابن إسحاق كتاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الحارث بن عبد كلال و من معه باليمن و الله تعالى أعلم (2/356)
قال ابن سعد : يقال مرتين : إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجره صلى الله عليه و سلم و عقد له لواء و عممه بيده و قال : امض و لا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فخرج في ثلاثمائة فارس و كانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد و هي بلاد مذحج ففرق أصحابه فأتوا بنهب غنائم و أطفال و نساء و نعم و شاء و غير ذلك و جعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا و رموا بالنبل و الحجارة فصف أصحابه و دفع لواءه إلى مسعود بن سنان الأسلمي ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا و انهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأسرعوا و أجابوا و تابعه نفر من رؤسائهم على الإسلام و قالوا : نحن على من وراءنا من قومنا و هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله و جمع علي الغنائم فجزأها على خمسة أجزاء فكتب في سهم منها لله و أقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس و قسم علي على أصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى النبي صلى الله عليه و سلم بمكة و قد قدمها للحج سنة عشر
قال الرشاطي : [ و في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث علي بن أبي طالب في سرية إلى اليمن و ذلك في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة فأسلمت همدان كلها في يوم واحد و كتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما قرأ كتابه خر لله ساجدا ثم جلس فقال : السلام على همدان و تتابع أهل اليمن على الإسلام ] انتهى كلام الرشاطي و يشبه أن تكون هذه هي السرية الأولى و ما في الأصل هو السرية الثانية و الله أعلم (2/358)
قال الفقيه الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفارسي رحمه الله : أعلم عليه الصلاة و السلام الناس أنه حاج ثم أمر بالخروج معه فأصاب الناس بالمدينة جدري أو حصبة منعت من شاء الله تعالى أن تمنع من الحج معه فأعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة
[ و خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من المدينة منذ هاجر عليه الصلاة و السلام إليها غيرها فأخذ على طريق الشجرة و ذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر نهارا بعد أن ترجل و ادهن و بعد أن صلى الظهر بالمدينة و صلى العصر من ذلك اليوم بذي الحليفة ليلة الجمعة و طاف تلك الليلة على نسائه ثم اغتسل ثم صلى بها الصبح ثم طيبته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بيدها بذريرة و بطيب فيه مسك ثم أحرم و لم يغسل الطيب ثم لبد رأسه و قلد بدنته نعلين و أشعرها في جانبها الأيمن و سلت الدم عنها و كانت هدي تطوع و كان عليه الصلاة و السلام ساق الهدي مع نفسه ثم ركب راحلته و أهل حين انبعثت به من عند المسجد مسجد ذي الحليفة بالقران بالعمرة و الحج معا و ذلك قبل الظهر بيسير و قال للناس بذي الحليفة : من أراد منكم أن يهل بعمرة و حج فليفعل و من أراد أن يهل بحج فليهل و من أراد أن يهل بعمرة فليهل و كان معه عليه الصلاة و السلام من الناس جموع لا يحصيهم إلا خالقهم و رازقهم عز و جل
ثم لبى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك و قد روي أنه عليه الصلاة و السلام زاد على ذلك فقال : لبيك إله الحق و أتاه جبريل صلى الله عليه و سلم و أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية
و ولدت أسماء بنت عميس الخثعمية ـ زوج أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ـ محمد بن أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تغتسل و أن تستثفر بثوب و تحرم و تهل
ثم نهض عليه الصلاة و السلام و صلى الظهر بالبيداء ثم تمادى و استهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس ليلة اليوم الثامن من خروجه من المدينة فلما كان بسرف حاضت عائشة رضي الله عنها و كانت قد أهلت بعمرة فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تغتسل و تنقض رأسها و تمتشط و تترك العمرة و تدعها و ترفضها و لم تحل منها و تدخل على العمرة حجا و تعمل جميع أعمال الحج حاشى الطواف بالبيت ما لم تطهر
و قال عليه الصلاة و السلام و هو بسرف للناس : من لم يكن منكم معه هدي و أحب أن يجعلها عمرة فليفعل و من كان معه هدي فلا فمنهم من جعلها عمرة كما أبيح له و منهم من تمادى على نية الحج و لم يجعلها عمرة و هذا عمرة و هذا فيمن لا هدي معه و أما من كان معه الهدي فلم يجعلها عمرة أصلا و أمر عليه الصلاة و السلام في بعض طريقه ذلك من كان معه هدي أن يهل بالقران بالحج و العمرة معا ثم نهض عليه الصلاة و السلام إلى أن نزل بذي طوى فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون لذي الحجة فصلى الصبح بها و دخل مكة نهارا من أعلاها من كداء من الثنية العليا صبيحة يوم الأحد المذكور المؤرخ فاستلم الحجر الأسود و طاف رسول الله صلى الله عليه و سلم بالكعبة سبعا و رمل ثلاثا منها و مشى أربعا يستلم الحجر الأسود و الركن اليماني في كل طوفة و لا يمس الركنين الآخرين اللذين في الحجر و قال بينهما : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار } [ البقرة : 201 ] ثم صلى عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين يقرأ مع أم القرآن { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } جعل المقام بينه و بين الكعبة و قرأ عليه الصلاة و السلام إذ أتى المقام : { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } [ البقرة : 158 ] ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج إلى الصفا فقرأ : { إن الصفا و المروة من شعائر الله } [ البقرة : 158 ] أبدأ بما بدأ الله به فطاف بين الصفا و المروة أيضا سبعا راكبا على بعيره يخب ثلاثا و يمشي أربعا إذا رقى الصفا استقبل القبلة و نظر إلى البيت و وحد الله تعالى و كبره و قال : لا إله إلا الله وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب و حده ثم يدعو ثم يفعل على المروءة مثل ذلك فلما أكمل عليه الصلاة و السلام الطواف و السعي أمر كل من لا هدي معه بالإحلال قارنا كان أو مفردا و أن يحللوا الحل كله من وطء النساء و الطيب و المخيط و أن يبقوا كذلك إلى يوم التروية و هو يوم منى فيهلوا حينئذ بالحج و يحرموا عند نهوض إلى منى و أمر من معه الهدي بالبقاء على إحرامهم و قال لهم عليه الصلاة و السلام حينئذ إذ تردد بعضهم : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه و لجعلتها عمرة و لأحللت كما أحللتم و لكني سقت الهدي فلا أحل حتى أنحر الهدي و كان أبو بكر و عمر و طلحة و الزبير و علي و رجال من أهل الوفر ساقوا الهدي فلم يحلوا و بقوا محرمين كما بقي هو عليه الصلاة و السلام محرما لأنه كان ساق الهدي مع نفسه و كن أمهات المؤمنين لم يسقن هديا فأحللن و كن قارنات حجا و عمرة و كذلك فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه و سلم و أسماء بنت أبي بكر الصديق أحلتا حاشى عائشة رضي الله عنها من أجل حيضها لم تحل كما ذكرنا و شكا علي فاطمة إلى النبي صلى الله عليه و سلم إذ حلت فصدقها عليه الصلاة و السلام في أنه أمرها بذلك و حينئذ سأله سراقة بن مالك بن جعشم الكناني فقال : يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد و لنا أم للأبد ؟ فشبك عليه الصلاة و السلام أصابعه و قال : لا بل لأبد الأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة
و أمر عليه الصلاة و السلام من جاء إلى الحج على غير الطريق التي أتى عليه الصلاة و السلام عليها ممن أهل بإهلال كإهلاله بأن يبقوا على حالهم فمن ساق منهم الهدي لم يحل فكان علي من أهل هذه الصفة و من كان منهم لم يسق الهدي أن يحل فكان أبو موسى الأشعري من أهل هذه الصفة
و أقام عليه الصلاة و السلام بمكة محرما و من أجل هديه يوم الأحد المذكور و الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء و ليلة الخميس ثم نهض صلى الله عليه و سلم بكرة يوم الخميس و هو يوم منى و يوم التروية مع الناس إلى منى و في ذلك الوقت أحرم بالحج من الأبطح كل من كان أحل من أصحابه رضي الله عنهم فأحرموا في نهوضهم إلى منى في اليوم المذكور فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنى الظهر من يوم الخميس المذكور و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و بات بها ليلة الجمعة و صلى بها الصبح من يوم الجمعة ثم نهض عليه الصلاة و السلام بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور إلى عرفة بعد أن أمر عليه الصلاة و السلام بأن تضرب له قبة من شعر بنمرة فأتى عليه الصلاة و السلام عرفة و نزل في قبته التي ذكرنا حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت ثم أتى بطن الوادي فخطب على راحلته خطبة ذكر فيها عليه الصلاة و السلام تحريم الدماء و الأموال و الأعراض و وضع فيها أمور الجاهلية و دماءها و أول ما وضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني سعد بن بكر فقتله هذيل ] و ذكر النسابون أنه كان صغيرا يحبو أمام البيوت و كان اسمه آدم فأصابه حجر عائر أو سهم غرب من يد رجل من بني هذيل فمات
ثم نرجع إلى وصف عمله عليه الصلاة و السلام
[ و وضع أيضا عليه الصلاة و السلام في خطبته بعرفة ربا الجاهلية و أول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي الله عنه و أوصى بالنساء خيرا و أباحهم ضربهن غير مبرح إن عصين بما لا يحل و قضى لهن بالرزق و الكسوة بالمعروف على أزواجهن و أمر بالاعتصام بعده بكتاب الله عز و جل و أخبر أنه لا يضل من اعتصم به و أشهد الله عز و جل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمه فاعترف الناس بذلك و أمر عليه الصلاة و السلام أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب و بعثت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية ـ و هي أم عبد الله بن العباس ـ لبنا في قدح فشربه عليه الصلاة و السلام أمام الناس و هو على بعيره فعلموا أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن صائما في يومه ذلك فلما أتم الخطبة المذكورة أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر و لم يصل بينهما شيئا لكن صلاهما عليه الصلاة و السلام بالناس مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد لهما معا و بإقامتين لكل صلاة إقامة ثم ركب عليه الصلاة و السلام راحلته حتى أتى الموقف فاستقبل القبلة و جعل حبل المشاة بين يديه فلم يزل واقفا للدعاء
و هناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته و هو محرم في جملة الحجيج فمات فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن يكفن في ثوبيه و لا يمس بطيب و لا يحنط و لا يغطى رأسه و لا وجهه و أخبر عليه الصلاة و السلام أنه يبعث يوم القيامة ملبيا
و سأله قوم من أهل نجد هنالك عن الحج فأعلمهم عليه الصلاة و السلام بوجوب الوقوف بعرفة و وقت الوقوف بها و أرسل إلى الناس أن يقفوا على مشاعرهم فلم يزل عليه الصلاة و السلام واقفا حتى غربت الشمس من يوم الجمعة المذكور و ذهبت الصفرة أردف أسامة بن زيد خلفه و دفع عليه الصلاة و السلام و قد ضم زمام القصواء ناقته حتى أن رأسها ليصيب طرف رحله ثم مضى يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ـ و كلاهما ضرب من السير و النص آكدهما و الفجوة : الفسحة من الناس ـ كلما أتى ربوة من تلك الروابي أرخى للناقة زمامها قليلا حتى يصعدها و هو عليه الصلاة و السلام يأمر الناس بالسكينة في السير فلما كان في الطريق عند الشعب الأيسر نزل عليه الصلاة و السلام فيه فبال و توضأ وضوءا خفيفا و قال لأسامة : المصلى أمامك ـ أو كلاما هذا معناه ـ ثم ركب حتى أتى المزدلفة ليلة السبت العاشر من ذي الحجة فتوضأ ثم صلى بها المغرب و العشاء الآخرة دون خطبة لكن بأذان واحد لهما معا و بإقامتين لكل صلاة منهما إقامة و لم يصل بينهما شيئا ثم اضطجع عليه الصلاة و السلام بها حتى طلع الفجر فقام و صلى الفجر بالناس بمزدلفة يوم السبت المذكور و هو يوم النحر و هو يوم الأضحى و هو يوم العيد و هو يوم الحج الأكبر مغلسا أول انصداع الفجر
و هناك سأله عروة بن مضرس الطائي ـ و قد ذكر له عمله ـ أله حج ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : إن من أدرك الصلاة ـ يعني صلاة الصبح ـ بمزدلفة في ذلك اليوم مع الناس فقد أدرك الحج و إلا فلم يدرك و استأذنته سودة و أم حبيب في أن يدفعا من مزدلفة ليلا فأذن لهما و لأم سلمة في ذلك و هن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن و أذن أيضا عليه الصلاة و السلام للنساء و للضعفاء في ذلك بعد وقوف جميعهم بمزدلفة و ذكرهم الله تعالى بها إلا أنه عليه الصلاة و السلام أذن للنساء في الرمي بليل و لم يأذن للرجال في ذلك لا لضعفائهم و لا لغير ضعفائهم و كان ذلك اليوم يوم كونه عليه الصلاة و السلام عند أم سلمة
فلما صلى عليه الصلاة و السلام الصبح كما ذكرنا بمزدلفة أتى المشعر الحرام بها فاستقبل القبلة فدعا الله عز و جل و كبر و هلل و وحد و لم يزل واقفا بها حتى أسفر جدا و قبل أن تطلع الشمس فدفع عليه الصلاة و السلام حينئذ من مزدلفة و قد أردف الفضل بن عباس و انطلق أسامة على رجليه في سباق قريش و هنالك سألت الخثعمية النبي صلى الله عليه و سلم الحج عن أبيها الذي لا يطيق الحج فأمرها أن تحج عنه و جعل صلى الله عليه و سلم يصرف بيده وجه الفضل بن عباس عن النظر إليها و إلى النساء و كان الفضل أبيض وسيما و سأله أيضا عليه الصلاة و السلام رجل عن مثل ما سألت عنه الخثعمية فأمره عليه الصلاة و السلام بذلك
و نهض عليه الصلاة و السلام يريد منى فلما أتى بطن محسر حرك ناقته قليلا و سلك عليه الصلاة و السلام الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى منى فأتى الجمرة التي عند الشجرة و هي جمرة العقبة فرماها عليه الصلاة و السلام من أسفلها بعد طلوع الشمس من اليوم المؤرخ بحصى التقطها له عبد الله بن عباس من موقفه الذي رمى فيه مثل حصى الخذف و أمر بمثلها و نهى عن أكبر منها و عن الغلو في الدين فرماها عليه الصلاة و السلام و هو على راحلته بسبع حصيات كما ذكرنا يكبر مع كل حصاة منها و حينئذ قطع عليه الصلاة و السلام التلبية و لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة التي ذكرناها
و رماها عليه الصلاة و السلام راكبا و بلال و أسامة أحدهما يمسك بخطام ناقته عليه الصلاة و السلام و الآخر يظله بثوبه من الحر
و خطب عليه الصلاة و السلام الناس في اليوم المذكور ـ و هو يوم النحر بمنى ـ خطبة كرر فيها أيضا تحريم الدماء و الأموال و الأعراض و الأبشار و أعلمهم عليه الصلاة و السلام فيها بتحريم يوم النحر و حرمة مكة على جميع البلاد و أمر بالسمع و الطاعة لمن قاد بكتاب الله عز و جل و أمر الناس بأخذ مناسكهم فلعله لا يحج بعد عامه ذلك و علمهم مناسكهم و أنزل المهاجرين و الأنصار و الناس منازلهم و أمر أن لا يرجعوا بعده كفارا و لا يرجعوا بعده ضلالا يضرب بعضهم رقاب بعض و أمر بالتبليغ عنه و أخبر بأن رب مبلغ أوعى من سامع
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المنحر بمنى فنحر ثلاثا و ستين بدنة ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها مما كان علي أتى به من اليمن مع ما كان عليه الصلاة و السلام أتى به من المدينة و كانت تمام المائة
ثم حلق عليه الصلاة و السلام رأسه المقدس و قسم شعره فأعطى من نصفه الشعرة و الشعرتين و أعطى نصفه الثاني كله أبا طلحة الأنصاري و ضحى عن نسائه بالبقر و أهدى عمن كان اعتمر منهن بقرة و ضحى هو عليه الصلاة و السلام في ذلك اليوم بكبشين أملحين و حلق بعض الصحابة و قصر بعضهم فدعا عليه الصلاة و السلام للمحلقين ثلاثا و للمقصرين مرة و أمر عليه الصلاة و السلام أن يؤخذ من البدن التي ذكرنا من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر و طبخت فأكل هو عليه الصلاة و السلام و علي من لحمها و شربا من مرقها و كان عليه الصلاة و السلام قد أشرك عليا بقسمة لحومها كلها و جلودها و جلالها و أن لا يعطى الجازر شيئا منها على جزارتها و أعطى عليه الصلاة و السلام الأجرة على ذلك من نفسه و أخبر الناس أن عرفة كلها موقف حاشى بطن عرنة و أن مزدلفة كلها موقف حاشى بطن محسر و أن منى كلها منحر و أن فجاح مكة كلها منحر
ثم تطيب عليه الصلاة و السلام قبل أن يطوف طواف الإفاضة و لإحلاله قبل أن يحل في يوم النحر و هو يوم السبت المذكور طيبته عائشة رضي الله عنها أيضا بطيب فيه مسك ثم نهض عليه الصلاة و السلام راكبا إلى مكة في يوم السبت نفسه فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة و هو طواف الصدر قبل الظهر و شرب من ماء زمزم بالدلو و من نبيذ السقاية
ثم رجع من يومه ذلك إلى منى فصلى الظهر هذا قول ابن عمر و قالت عائشة و جابر : بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة و هذا هو الفعل الذي أشكل علينا الفصل فيه لصحة الطرق في ذلك و لا شك أن أحد الخبرين و هم و الثاني صحيح و لا ندري أيهما هو
و طافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس فاستأذنت النبي صلى الله عليه و سلم في ذلك فأذن لها و طافت أيضا عائشة ذلك اليوم و فيه طهرت و كانت رضي الله عنها حائضا يوم عرفة و طافت أيضا صفية في ذلك اليوم ثم حاضت بعد ذلك ليلة النفر
ثم رجع عليه الصلاة و السلام إلى منى و سئل عليه الصلاة و السلام حينئذ عن ما تقدم بعضه على بعض من الرمي و الحلق و النحر و الإفاضة فقال في كل ذلك : لا حرج
و كذلك قال أيضا في تقديم السعي بين الصفا و المروة قبل الطواف بالكعبة و أخبر عليه الصلاة و السلام بأن الله تعالى أنزل لكل داء دواء إلا الهرم و عظم إثم من اقترض عرض امرئ مسلم ظلما فأقام هنالك باقي يوم السبت و ليلة الأحد و يوم الأحد و ليلة الاثنين و يوم الاثنين و ليلة الثلاثاء و يوم الثلاثاء ـ و هذه هي أيام منى و هذه هي أيام التشريق ـ يرمي الجمار الثلاث كل يوم من هذه الأيام الثلاثة بعد الزوال بسبع حصيات كل يوم لكل جمرة يبدأ بالدنيا ـ و هي التي تلي مسجد منى ـ و يقف عندها للدعاء طويلا ثم التي تليها ـ و هي الوسطى ـ و يقف أيضا عندها للدعاء كذلك ثم جمرة العقبة و لا يقف عندها و يكبر عليه الصلاة و السلام مع كل حصاة
و خطب الناس أيضا يوم الأحد ثاني يوم النحر و هو يوم الرؤوس و قد روي أيضا أنه عليه الصلاة و السلام خطبهم أيضا يوم الاثنين و هو يوم الأكارع و أوصى بذي الأرحام خيرا و أخبر عليه الصلاة و السلام أنه لا تجني نفس على أخرى
و استأذنه العباس عمه في المبيت بمكة من أجل سقايته فأذن له عليه الصلاة و السلام و أذن للرعاء أيضا في مثل ذلك
ثم نهض عليه الصلاة و السلام بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ و هو آخر أيام التشريق و هو الثالث عشر من ذي الحجة و هو يوم النفر إلى المحصب ـ و هو الأبطح ـ فضربت بها قبته ضربها أبو رافع مولاه و كان على ثقله عليه الصلاة و السلام و قد كان عليه الصلاة و السلام قال لأسامة بن زيد : إنه ينزل غدا بالمحصب خيف بني كنانة و هو المكان الذي ضرب فيه أبو رافع قبته وفاقا من الله عز و جل دون أن يأمره عليه الصلاة و السلام بذلك
و حاضت صفية أم المؤمنين ليلة النفر بعد أن أفاضت فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم فسأل : أفاضت يوم النحر ؟ فقيل له : نعم فأمرها أن تنفر و حكم فيمن كانت له حالة كحالها أيضا بذلك
و صلى عليه الصلاة و السلام بالمحصب الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة من ليلة الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة و بات بها ليلة الأربعاء المذكورة و رقد رقدة
و لما كان يوم النحر و يوم النفر رغبت إليه عائشة بعد أن طهرت أن يعمرها عمرة مفردة فأخبرها عليه الصلاة و السلام أنها قد حلت من حجها و عمرتها و أن طوافها يكفيها و يجزئها لحجها و عمرتها فأبت إلا أن تعتمر عمرة مفردة فقال لها : ألم تكوني طفت ليالي قدمت ؟ قالت : لا فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها بأن يردفها و يعمرها من التنعيم ففعلا ذلك و انتظرها عليه الصلاة و السلام بأعلى مكة حتى انصرفت من عمرتها تلك و قال لها : هذه مكان عمرتك و أمر الناس أن ينصرفوا حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت و رخص في ترك ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها ثم إنه عليه الصلاة و السلام دخل مكة في الليل من ليلة الأربعاء المذكورة فطاف بالبيت طواف الوداع لم يرمل في شيء منه سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء المذكور ثم خرج من كدي أسفل مكة من الثنية السفلى و التقى بعائشة رضي الله عنها و هو ناهض إلى الطواف المذكور و هي راجعة من تلك العمرة التي ذكرنا ثم رجع عليه الصلاة و السلام و أمر بالرحيل و مضى عليه الصلاة و السلام من فوره ذلك راجعا إلى المدينة و خرج من مكة من الثنية السفلى فكانت مدة إقامته عليه الصلاة و السلام بمكة منذ دخلها إلى أن خرج منها إلى منى إلى عرفة إلى مزدلفة إلى منى إلى المحصب إلى أن وجه راجعا عشرة أيام فلما أتى ذا الحليفة بات بها فلما رأى المدينة كبر ثلاث مرات و قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ثم دخل عليه الصلاة و السلام المدينة نهارا من طريق المعرس و الحمد لله وحده ] (2/359)
و أما عمره عليه الصلاة و السلام فأربع روينا من حديث قتادة قال قلت لأنس : كم اعتمر النبي صلى الله عليه و سلم ؟ قال أربعا عمرته التي صده عنها المشركين عن البيت من الحديبية في ذي القعدة و عمرته أيضا من العام المقبل حين صالحوه في ذي القعدة و عمرته حين قسم غنائم حنين من الجعرانة في ذي القعدة و عمرته مع حجته
و قد روي عن ابن عباس أن عمرة الجعرانة كانت لليلتين بقيتا من شوال (2/368)
قالوا : لما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مهاجره [ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال : سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى و حرق عليهم و أسرع السير تسبق الأخبار فإن ظفرك الله تعالى فأقل اللبث فيهم و خذ معك الأدلاء و قدم العيون و الطلائع معك
فلما كان يوم الأربعاء بدىء برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فحم و صدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال : اغز بسم الله و في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي و عسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين و الأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة منهم : أبو بكر و عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد و قتادة بن النعمان و سلمة بن أسلم بن حريس فتكلم قوم و قالوا : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم غضبا شديدا فخرج و قد عصب على رأسه عصابة و عليه قطيفة فصعد المنبر و حمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة و لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله و ايم الله إن كان لخليقا للإمارة و إن ابنه من بعده لخليق للإمارة و إن كان لمن أحب الناس إلي و إنهما لمخيلان لكل خير ـ أي مظنة لكل خير ـ فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ثم نزل فدخل بيته و ذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة
و جاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه و سلم و يخرجون إلى العسكر بالجرف و ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم وجعه فدخل أسامة من معسكره و النبي صلى الله عليه و سلم مغمور و هو اليوم الذي لدوه فيه فطأطأ أسامة فقبله و النبي صلى الله عليه و سلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة قال أسامة : فعرفت أنه يدعوا لي و رجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الاثنين و أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم مفيقا فقال له : اغد على بركة الله فودعه أسامة و خرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يموت فأقبل و أقبل معه عمر و أبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يموت فتوفي حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول و دخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة و دخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى باب رسول الله صلى الله عليه و سلم فغرزه عنده ]
فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة بن الحصيب أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ليمضي لوجهه فمضى به إلى معسكرهم الأول فلما ارتدت العرب كلم أبو بكر في حبس أسامة فأبى و كلم أبو بكر أسامة في عمر أن يأذن له في التخلف ففعل فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة فسار إلى أهل أبنى عشرين ليلة فشن عليهم الغارة و كان شعارهم [ يا منصور أمت ] فقتل من أشرف له و سبى من قدم عليه و حرق في طوائفها بالنار و حرق منازلهم و حرثهم و نخلهم فصارت أعاصير من الدخاخين و أجال الخيل في عرصاتهم و أقاموا يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم و كان أسامة على فرس أبيه [ سبحة ] و قتل قاتل أبيه في الغارة و أسهم للفرس سهمين و للفارس سهما و أخذ لنفسه مثل ذلك فلما أمسى أمر الناس بالرحيل ثم أغذ السير فوردوا وادي القرى في تسع ليال ثم بعث بشيرا إلى المدينة بسلامتهم ثم قصد بعد في السير فسار إلى المدينة ستا و ما أصيب من المسلمين أحد و خرج أبو بكر في المهاجرين و أهل المدينة يتلقونهم سرورا بسلامتهم و دخل على فرس أبيه [ سبحية ] و اللواء أمامه يحمله بريدة بن الحصيب حتى انتهى إلى باب المسجد فدخل فصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته
و بلغ هرقل و هو بحمص ما صنع أسامة فبعث رابطة يكونون بالبلقاء فلم تزل هناك حتى قدمت البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر و عمر رضي الله عنهما (2/369)
في السنة الأولى : جعلت صلاة الحضر أربع ركعات و كانت ركعتين بعد مقدمه عليه الصلاة و السلام بشهر و فيها صلى الجمعة صلى الله عليه و سلم حين ارتحل من قباء إلى المدينة صلاها في طريقه ببني سالم و هي أول جمعة صلاها و أول خطبة خطبها في الإسلام و فيها بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده و مساكنه و مسجد قباء و فيها بدء الأذان و فيها المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار بعد مقدمه بثمانية أشهر و فيها أسلم عبد الله بن سلام و مات أسعد بن زرارة و أعرس النبي صلى الله عليه و سلم بعائشة و بعث حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين من المهاجرين يعترض عيرا لقريش في رمضان و بعث عبيدة بن الحارث في ستين رجلا من المهاجرين إلى بطن رابغ و بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة في عشرين من المهاجرين يعترض لعير قريش و غزوة الأبواء و غزوة و دان في صفر
و في السنة الثانية : غزوة بوط و طلب كرز بن جابر و غزوة ذي العشيرة و سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة و غزوة بدر الكبرى و وفاة رقية ابنة النبي صلى الله عليه و سلم و سرية عمير بن عدي و سرية سالم بن عمير و غزوة بني قينقاع و غزوة السويق و غزوة قرقرة الكدر و تحويل القبلة و فرض صوم رمضان في شعبان على رأس سبعة عشر شهرا و فرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين و وفاة عثمان بن مظعون بعد مشهده بدرا و فيها ضحى رسول الله صلى الله عليه و سلم بكبشين أحدهما عن أمته و الآخر عن محمد و آله و مولد عبد الله بن الزبير و مولد النعمان بن بشير و أعرس علي بفاطمة
و في السنة الثالثة : السرية لكعب بني الأشرف و غزوة غطفان و غزوة بني سليم و سرية زيد بن حارثة إلى القردة و غزوة أحد و غزوة حمراء الأسد و سرية أبي سلمة إلى قطن و سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بعرنة و بئر معونة و الرجيع و تزويجه عليه الصلاة و السلام حفصة بنت عمر و تزويجه زينب بنت خزيمة و تزويج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت البني صلى الله عليه و سلم و مولد الحسن بن علي و تحريم الخمر و قيل في الرابعة
و في السنة الرابعة : تحريم الخمر و غزوة بني النضير و بدر الموعد و ذات الرقاع و صلاة الخوف و رجمه عليه الصلاة و السلام اليهودي و اليهودية و مولد الحسين بن علي و وفاة زينب بنت خزيمة و تزويجه عليه الصلاة و السلام أم سلمة و تزويجه أيضا زينب بنت جحش على الأصح و نزول الحجاب
و في السنة الخامسة : غزوة دومة الجندل و غزوة المريسيع و حديث الإفك و قد تقدم الخلاف في ذلك و قول عبد الله بن أبي { لئن رجعنا إلى المدينة } [ المنافقون : 8 ] و غزوة الخندق و بني قريظة و تزويجه عليه الصلاة و السلام ريحانة بنت يزيد النضرية و جويرية بنت الحارث و سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع و سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء و فيها زلزلت المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إن الله سيعتبكم فأعتبوه ] و فيها سابق بين الخيل
و في السنة السادسة : غزوة بني لحيان و غزوة الغابة و سرية عكاشة إلى الغمر و محمد بن مسلمة إلى ذي القصة فأصيبوا و بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة فهربوا و سرية زيد بن حارثة إلى بني سليم و سريته إلى العيص و سريته إلى الطرف و سريته إلى حسمى و سريته إلى وادي القرى و سريته إلى أم قرفة و سرية ابن عوف إلى دومة الجندل و علي إلى بني سعد بن بكر و ابن عتيك إلى أبي رافع على قول و قد تقدم في الخامسة و سرية عمرو بن أمية الضمري و سلمة بن أسلم لقتل أبي سفيان بمكة و عمرة الحديبية و بيعة الرضوان و فيها قحط الناس فاستسقى لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فسقوا في رمضان
و في السنة السابعة : غزوة خيبر و سرية عمر إلى تربة و سرية أبي بكر إلى بني كلاب أو فزارة و بشير بن سعد إلى بني مرة و غالب الليثي إلى الميفعة و بشير بن سعد إلى يمن و جبار و عمرة القضية و سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم و سرية غالب إلى بني الملوح و سريته إلى فدك و تزويجه عليه الصلاة و السلام أم حبيبة بنت أبي سفيان و صفية بنت حيي و ميمونة بنت الحارث و قدوم جعفر من الحبشة و أبي موسى و من معه و إسلام أبي هريرة و عمران بن الحصين و بعثه عليه الصلاة و السلام الرسل إلى الملوك و اتخاذ الخاتم لختم الكتب و تحريم الحمر الأهلية و النهي عن متعة النساء
و في السنة الثامنة : قدم خالد بن الوليد و عثمان بن طلحة و عمرو بن العاص فأسلموا و سرية شجاع بن وهب إلى بني عامر و كعب بن عمرو إلى ذات أطلاح و غزوة مؤتة و سرية عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل و سرية الخبط و سرية أبي قتادة إلى خضرة ثم إلى بطن إضم و غزوة الفتح و سرية خالد بن الوليد خالد بن الوليد إلى العزى و عمرو بن العاص إلى سواع و سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة في رمضان و سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة و غزوة حنين و سرية الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين و غزوة الطائف و سرية عيينة بن حصن إلى بني تميم و سرية قطبة بن عامر إلى خثعم و بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق و اتخاذ المنبر و الخطبة عليه و حنين الجذع و هو أول منبر عمل في الإسلام و فيها أقاد النبي صلى الله عليه و سلم رجلا من هذيل برجل من بني ليث و مولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم و وفاة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيها و هبت سودة يومها لعائشة حين أراد النبي صلى الله عليه و سلم طلاقها
و في السنة التاسعة : إيلاؤه عليه الصلاة و السلام من نسائه و سرية الضحاك إلى بني كلاب و علقمة إلى الحبشة و علي إلى الفلس و عكاشة إلى الجناب و تبوك و هدم مسجد الضرار و قدوم الوفود و لعان عويمر العجلاني مع امرأته و موت عبد الله بن أبي و حج أبي بكر بالناس و نداء علي بسورة براءة وموت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم و موت النجاشي
و في السنة العاشرة : سرية خالد بن الوليد إلى بني عبد المدان بنجران و علي إلى اليمن و حجة الوداع و نزول { اليوم أكملت لكم دينكم } الآية [ المائدة : 3 ] و نزول { ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم } الآية [ النور : 58 ] و كانوا لا يفعلونه قبل ذلك و موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه و سلم (2/372)
و إن أكثر ما نورده هنا قد سبق إيراده لكن مفرقا و الغرض الآن ذكره مجموعا كما فعلنا في الباب الذي قبله فمن ذلك : [ القرآن و هو أعظمها و شق الصدر و إخبارها عن البيت المقدس و انشقاق القمر و أن الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فخفضوا أبصارهم و سقطت أذقانهم في صدورهم و أقبل حتى قام على رؤوسهم فقبض قبضة من تراب و قال : شاهت الوجوه و حصبهم فما أصاب رجلا منهم شيء من ذلك الحصى إلا قتل يوم بدر و رمى يوم حنين بقبضة من تراب في وجوه القوم فهزمهم الله تعالى و نسج العنكبوت عليه في الغار و ما كان من أمر سراقة بن مالك بن جعشم إذ تبعه في خبر الهجرة فساخت قوائم فرسه في الأرض الجلد و مسح على ضرع عناق لم ينز عليها الفحل فدرت
و قصة شاة أم معبد و دعوته لعمر أن يعز الله به الإسلام و عودته لعلي أن يذهب الله عنه الحر و البرد و تفل في عينيه و هو أرمد فعوفي من ساعته و لم يرمد بعد ذلك و رد عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خده فكانت أحسن عينيه و دعا لعبد الله بن عباس بالتأويل و الفقه في الدين و دعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا و دعا لأنس بطول العمر و كثرة المال و الولد و دعا في تمر حائط جابر بالبركة فأوفى غرماءه و فضل ثلاثة عشر و سقا و استقى عليه الصلاة و السلام فمطروا أسبوعا ثم استصحى لهم فانجابت السحابة و دعا على عتبة بن أبي لهب فأكله الأسد بالزرقاء من الشام و شهدت له الشجر بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول فقال : نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها و أمر شجرتين فاجتمعا ثم افترقتا و أمر أنسا أن ينطلق إلى نخلات فيقول لهن : أمركن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته أمره أن يأمرهن بالعود إلى أماكنهن فعدن و نام فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه فلما استقيظ ذكرت له : فقال : هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي فأذن لها و سلم عليه الحجر و الشجر ليالي بعث : السلام عليك يا رسول الله و قال : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن و حن إليه الجذع و سبح الحصى في كفه و سبح الحصى في كفه و سبح الطعام بين أصابعه و أعلمته الشاة بسمها و شكا إليه البعير قلة العلف و كثرة العمل و سألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع ولديها و تعود فخلصها فعادت و تلفظت بالشهادتين و أخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد أحد منهم مصرعه و أخبر أن طائفة من أمته يغزون في البحر و أن أم حرام بنت ملحان منهم فكان كذلك و قال لعثمان بن عفان : تصيبه بلوى شديدة فأصابته و قتل و قال للأنصار : إنكم ستلقون بعدي أثرة فكانت زمن معاوية
و قال في الحسن : إن ابني هذا سيد و لعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فصالح معاوية و حقن دماء الفئتين من المسلمين و أخبر بقتل الأسود العنسي الكذاب و هو بصنعاء ليلة قتله و بمن قتله و قال لثابت بن قيس : تعيش حميدا و تقتل شهيدا فقتل يوم اليمامة و ارتد رجل و لحق بالمشركين فبلغه أنه مات فقال : إن الأرض لا تقبله فكان كذلك و قال لرجل يأكل بشماله : كل بيمينك فقال : لا أستطيع فقال له : لا استطعت فلم يطق أن يرفعها إلى فيه بعد و دخل مكة عام الفتح و الأصنام حول الكعبة معلقة و بيده قضيب فجعل يشير به إليها و يقول : جاء الحق و زهق الباطل و هي تتساقط و قصة مازن بن الغضوبة و خبر سواد بن قارب و أمثالها كثير و شهد الضب بنبوته و أطعم ألفا من صاع بالخندق فشبعوا و الطعام أكثر مما كان و أطعمهم من تمر يسير أيضا بالخندق و جمع فضل الأزواد على النطع فدعا لها بالبركة ثم قسمها في العسكر فقامت بهم و أتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهن في يده و قال : ادع لي فيهن بالبركة ففعل قال أبو هريرة : فأخرجت من ذلك التمر كذا و كذا و سقا في سبيل الله و كنا نأكل منه و نطعم حتى انقطع في زمن عثمان و دعا أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة : فجعلت أتطاول ليدعوني حتى قام القوم و ليس في القصعة إلا اليسير في نواحيها فجمعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه و قال لي : بسم الله فو الذي نفسي بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت و نبع الماء من بين أصابعه حتى شرب القوم و توضؤوا و هم ألف و أربعمائة و أتي بقدح فيه ماء فوضع أصابعه في القدح فلم يسع فوضع أربعة منها و قال : هلموا فتوضؤوا أجمعين و هم من السبعين إلى الثمانين و ورد في غزوة تبوك على ماء لا يروي واحدا و القوم عطاش فشكوا إليه فأخذ سهما من كنانته و أمر بغرسه ففار الماء و ارتوى القوم و كانوا ثلاثين ألفا و شكا إليه قوم ملوحة في مائهم فجاء في نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين و أتته امرأة بصبي لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره فذهب داؤه و انكسر سيف عكاشة بن محصن يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار في يده سيفا و لم يزل بعد ذلك عنده
و كذلك وقع لعبد الله بن جحش يوم أحد و عزت كدية بالخندق عن أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا أهيل و مسح على رجل ابن عتيك في خبر أبي رافع و قد انكسرت فكأنه لم يشتكها قط ]
و معجزاته صلى الله عليه و سلم أكثر من أن يجمعها كتاب أو يحصرها ديوان (2/375)
روينا عن ابن سعد : قال : أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان أول من ولد لرسول صلى الله عليه و سلم بمكة قبل النبوة القاسم و به كان يكنى ثم ولدت له زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الإسلام عبد الله فسمي الطيب الطاهر و أمهم جميعا خديجة بنت خوليد بن أسد بن عبد العزى بن قصي فكان أول من مات من ولده القاسم ثم عبد الله بمكة فقال العاص بن وائل السهمي : قد انقطع ولده فهو أبتر فأنزل الله تعالى : { إن شانئك هو الأبتر } [ الكوثر : 3 ] و قيل : بل الطيب و الطاهر ابنان سواه و قيل : كان له الطاهر والمطهر ولدا في بطن واحد : وقيل : كان له الطيب و المطيب ولدا في بطن أيضا و قيل : إنهم كلهم ماتوا قبل النبوة
و قال الزبير بن بكار : ولد له القاسم ثم زينب ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله هكذا رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي محمد الدمياطي رحمه الله تعالى قال : و فيه نظر
و أم أبو عمر فحكى عن الزبير غير ذلك قال : ولد له القاسم و هو أكبر ولده ثم زينب ثم عبد الله و كان يقال له الطيب و يقال له الطاهر ولد بعد النبوة ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية هكذا الأول فالأول ثم مات القاسم بمكة و هو أول ميت مات من ولده ثم عبد الله مات أيضا بمكة
و قال ابن إسحاق : ولدت له خديجة زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة و القاسم ـ و به كان يكنى ـ و الطاهر و الطيب فهلكوا في الجاهلية و أما بناته فكلهن أدركن الإسلام و أسلمن و هاجرن معه
قال أبو عمر : و قال علي بن عبد العزيز الجرجاني : أولاد رسول الله صلى الله عليه و سلم القاسم و هو أكبره ولده ثم زينب و قال ابن الكلبي : زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله و كان يقال له : الطيب و الطاهر قال و هذا هو الصحيح و غيره تخليط
و كانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها و كانت تعق عن كل غلام بشاتين و عن الجارية بشاة و كان بين كل ولدين لها سنة وكانت تسترضع لهم و تعد ذلك قبل ولادها
فأما زينب فتزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف أمه هالة بنت خوليد فولدت له عليا ـ أردفه النبي صلى الله عليه و سلم وراءه يوم الفتح و مات مراهقا ـ و أمامه تزوجها علي بعد خالتها فاطمة زوجها منه الزبير بن العوام و كان أبوها أبو العاص أوصى بها إلى الزبير فلما قتل علي رضي الله عنه و آمت منه قالت أم الهيثم النخعية :
( أشاب ذؤابتي و أذل ركني ... أمامة حين فارقت القرينا )
( تطيف به لحاجتها إليه ... فلما استيأست رفعت رنينا )
ثم تزوجها بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له يحيى بن المغيرة و هلكت عنده و قد قيل : إنها لم تلد لعلي و لا للمغيرة ولدت زينب سنة ثلاثين من مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم و ماتت سنة ثمان من الهجرة و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبها و كان زوجها أبو العاص محبا فيها و هو القائل في بعض أسفاره إلى الشام :
( ذكرت زينب لما وركت أزما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما )
( بنت الأمين جزاها الله صالحة ... و كل بعل سيثني بالذي علما )
و أما رقية فتزوجها عثمان بن عفان فولدت له عبد الله مات بعدها و قد بلغ ست سنين و توفيت رقية يوم قدوم زيد بن حارثة بشيرا بقتلى بدر و قيل مولدها سنة ثلاث و ثلاثين من مولد النبي صلى الله عليه و سلم
و أما أم كلثوم فتزوجها عثمان بعد موت رقية و ماتت سنة تسع للهجرة و لم تلد له
و أما فاطمة فتزوجها علي و بنى بها مرجعهم من بدر فولدت له حسنا و حسينا و محسنا : مات صغيرا و أم كلثوم و زينب و ماتت فاطمة بعد أبيها بثلاثة أشهر و قيل : بستة و قيل بثمانية و كذلك اختلف في مولدها قال المدائني : قبل النبوة بخمس سنين
و قال ابن السراج : سمعت عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي يقول : ولدت سنة إحدى و أربعين من مولد النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو عمر : و ذكر الزبير أن عبد الله بن حسن بن حسن دخل على هشام بن عبد الملك و عنده الكلبي فقال هشام لعبد الله بن حسن : يا أبا محمد كم بلغت فاطمة من السن ؟ فقال : ثلاثين سنة فقال هشام للكلبي : كم بلغت من السن ؟ قال : خمسا و ثلاثين سنة ؟ فقال هشام لعبد الله بن حسن : اسمع الكلبي يقول ما تسمع و قد عني بهذا الشأن
فقال عبد الله بن حسن : يا أمير المؤمنين سلني عن أمي و سل الكلبي عن أمه و كان علي رضي الله عنه قد خطب عليها ابنة أبي جهل فأنكر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : [ و الله لا تجتمع بنت رسول الله و بنت عدو الله عند رجل واحد أبدا ] قال : فترك علي الخطبة
و روينا من طريق مسلم : حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن الوليد بن كثير قال : حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسن حدثه أنهم حين قدموا المدينة لقيه المسور بن مخرمة فذكر حديثا و فيه أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يخطب الناس في ذلك على منبره و أنا يومئذ محتلم و فيه قوله عليه الصلاة و السلام : [ و الله لا تجتمع بنت رسول الله و بنت عدو الله عند رجل واحد أبدا ]
قلت : كذا وقع في هذا الحديث : قوله عن المسور : و أنا يومئذ محتلم و هو و هم فإن المسور ممن ولد في السنة الثانية من الهجرة بعد مولد ابن الزبير بأربعة أشهر فلم يدرك من حياة النبي إلا نحو الثمانية أعوام و لا يعد من كانت هذه سنه محتلما
و قد روى الإسماعيلي في صحيحه هذا الحديث من هذا الوجه : عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا يحيى بن معين عن يعقوب فذكره بسنده و فيه عن المسور : [ و أنا يومئذ كالمحتلم ] يعني في ثبته و حفظه ما يسمعه فبينت هذه الرواية الصواب و دار الحمل فيه على من دون يعقوب بين أحمد و مسلم و وجدت الطبراني في معجمه الكبير قد رواه عن عبد الله بن أحمد عن أبيه كرواية مسلم فبرئ مسلم من عهدته أيضا كما برئ يعقوب و من فوقه و قد رواه البخاري عن سعيد بن محمد الجرمي عن يعقوب كرواية مسلم عن أحمد فهو حديث اختلف فيه على يعقوب جوده يحيى بن معين و الله أعلم
ثم ولدت له صلى الله عليه و سلم مارية بنت شمعون القبطية إبراهيم و عق عنه بكبش يوم سابعه و حلق رأسه حلقه أبو هند فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين و أمر بشعره فدفن في الأرض و سماه يومئذ فيما قال الزبير و الصحيح أنه سماه ليلة ولادته و كانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته أنها قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبشره فوهب له عبدا و كان مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة و مات في ربيع الأول سنة عشر و قد بلغ ستة عشر شهرا و قد قيل في سنه و وفاته غير ذلك مات في بني مازن عند ظئره أم بردة خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد ىو حمل من بيتها على سرير صغير و صلى عليه و كبر أربعا و دفن بالبقيع و رش عليه بالماء و قال : [ الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون ] و قال : [ إن ظئرا تتم رضاعه في الجنة ]
و قال : [ لو عاش لوضعت الجزية عن كل قبطي ] و قال : [ لو عاش إبراهيم ما رق له خال ] و الله أعلم (2/378)
أبو طالب : عبد مناف و الزبير و عبد الكعبة و أم حكيمة و عاتكة و برة و أروى و أميمة
و أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم و عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقيق هؤلاء و قد تقدم ذكره
و حمزة و المقوم و جحل ـ اسمه المغيرة ـ و صفية وزاد بعضهم : العوام
و أمهم هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بنت عم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه و سلم
و العباس و ضرار أمهما نتلة و قيل : نتيلة بنت جناب بن كلب من النمر بن قاسط
و الحارث و هو أكبر ولد عبد المطلب و به كان يكنى و شقيقه قثم و هلك قثم صغيرا و أمهما صفية بنت جندب بن حجير بن زباب بن حبيب بن سواة
و أبو لهب عبد العزى و أمه لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول من خزاعة
و الغيداق : و اسمه مصعب و قيل نوفل و لقب الغيداق لجوده ممنعة بنت عمرو بن مالك من خزاعة
فأعمامه عليه الصلاة و السلام اثنا عشر و من الناس من يعدهم عشرة فيسقط عبد الكعبة و يقول : هو المقول و يجعل الغيداق و جحلا واحدا و من الناس من يعدهم تسعة فيسقط قثم
و أما عماته رفست لا خلاف في ذلك و كلهن بنات فاطمة المخزومية إلا صفية فهي من هالة الزهرية هذا المشهور عند أهل النسب و قد ذكر أن أروى لفاطمة المخزومية
و لم يسلم من أعمامه عليه الصلاة و السلام إلا حمزة و العباس على الصحيح و قد حكي إسلام أبي طالب و قد سبق ذكره
و أما العمات : فإسلام صفية معروف محقق و في أروى خلاف ذكرها العقيلي في الصحابة قال أبو عمر : و أبى غيره من ذلك و ذكر الواقدي في خبر أنها أسلمت و كذلك اختلف في إسلام عاتكة و المشهور عندهم أن عاتكة لم تسلم هي صاحبة الرؤيا يوم بدر
فأما أبو طالب : فولده طالب و عقيل و جعفر و علي و كان كل من هؤلاء أكبر من الذي يليه بعشر سنين و أختهم أم هانئ فاختة و يقال لها هند قيل : و جمانة بنت أبي طالب أخت ثانية لهم قسم لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين و سقا من خيبر و هي أم عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أسلموا كلهم إلا طالبا
و أما الزبير : فولده عبد الله شهد يوم حنين مع النبي و ثبت معه كان فارسا مشهورا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول له : ابن عمي و حبي و منهم من يروي أنه كان يقول له : ابن أمي و حبي قال أبو عمر : لا أحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد روت أختاه ضباعة و أم الحكم و كانت سنه يوم توفي النبي صلى الله عليه و سلم نحوا من ثلاثين سنة و قتل شهيدا بأجنادين في خلافة أبي بكر سنة عشرة بعد أن أبلى بها بلاء حسنا و ضباعة و صفية و أم الحكم و أم الزبير بنات الزبير لهن صحبة و لا عقب لعبد الله بن الزبير هذا
و أما حمزة فأسلم قديما و عز به الإسلام و كفت قريش عن النبي صلى الله عليه و سلم عن بعض ما كانوا ينالون منه خوفا من حمزة رضي الله عنه و علما منهم أنه سيمنعه و كان عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخاه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة الأسلمية و كان أسن منه بيسير و أم كل منهما ابنة عم لأم الآخر شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه و سلم وأحدا و بها مات شهيدا قتله وحشي بن حرب قيل : كان يقاتل بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم بسيفين و يقول : أنا أسد الله ذكره الحاكم و روى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أتاني جبريل فأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السماوات أسد الله و أسد رسوله ] و روى أن حمزة جنبا فغسلته الملائكة و قال : صحيح الإسناد و كان له من الولد : يعلى و عمارة و قال مصعب : ولد لحمزة رجال لصلبه و ماتوا و لم يعقبوا و قال الزبير : لم يعقب أحد من بني حمزة إلا يعلى وحده فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه و ماتوا و لم يعقبوا و من أولاد حمزة أمامة و يقال : أمة الله و كان الواقدي يقول فيها : عمارة قال أبو بكر الخطيب : انفرد الواقدي بهذا القول و إنما عمارة ابنه لا ابنته و قد تقدم ذكره و له أيضا ابنة تسمى أم الفضل و ابنة تسمى فاطمة و من الناس من يعدهما واحدة و فاطمة إحدى هذه الفواطم التي قال عليه الصلاة و السلام لعلي و قد بعث له حلة : تشقها خمرا بين الفواطم و هن : فاطمة بنت أسد أم علي و فاطمة بنت محمد زوجه و فاطمة بنت حمزة هذه و فاطمة ابنة عتبة
و أما العباس فيكنى أبا الفضل بابنه و كان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنتين أو ثلاث و كان رئيسا في قريش و إليه كانت عمارة المسجد الحرام و السقاية شهد العقبة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشترط له على الأنصار و شهد بدرا مع المشركين مكرها و فدى يومئذ نفسه و عقيلا و نوفلا ابني أخويه أبي طالب و الحارث و أسلم قبل فتح خيبر و كان يكتم إسلامه إلى يوم فتح مكة فأظهره و قيل أسلم قبل يوم بدر و كان يكتم ذلك و شهد يوم حنين وثبت و هو القائل :
( ألا هل أتى عرسي مكري و مقدمي ... بوادي حنين و الأسنة تشرع )
( و كيف رددت الخيل و هي مغيرة ... بزوراء تعطي في اليدين و تمنع )
( نصرنا رسول الله في الحرب سبعة ... و قد فر من قد فر عنه فأقشعوا )
( و ثامننا لاقى الحمام بسيفه ... بما مسه في الله لا يتوجع )
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول فيه : [ العباس أجود قريش كفا و أوصلها ] و روي أن العباس لم يمر بعمر و لا بعثمان و هما راكبان إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له و كان النبي صلى الله عليه و سلم يجله و استسقى به عمر عام الرمادة سنة عشرة فسقوا ففي ذلك يقول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب :
( بعمي سقى الله الحجاز و أهله ... عشية يستسقي بشيبته عمر )
( توجه بالعباس في الجدب راغبا ... فما كر حتى جاء بالمديمة المطر )
و كان من دعاء العباس و هو يستسقي : اللهم أنت الراعي لا تمهل الضالة و لا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير و ارتفعت الشكوى فأنت تعلم السر و أخفى اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون
و فضائل العباس كثيرة و مناقبه مشهورة توفي سنة اثنتين و ثلاثين و صلى عليه عثمان و قيل في وفاته غير ذلك
و ولد العباس سبعة لأم الفضل لبابة بنت الحارث ـ و سيأتي ذكر نسبها عند ذكر أختها ميمونة في زوجات النبي صلى الله عليه و سلم ـ و هم : الفضل و عبد الله و عبيد الله و قثم و عبد الرحمن و أم حبيب شقيقتهم و تمام و كثير لأم ولد و الحارث و أمه من هذيل
و عون بن العباس قال أبو عمر : لم أقف على اسم أمه قال : و كل بني العباس لهم رواية و للفضل و عبد الله و عبيد الله سماع و رواية
و كان الفضل أكبرهم و تمام أصغرهم و قد روى تمام عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تدخلوا علي قلحا استاكوا ] و كان الفضل جميلا و عبد الله عالما و عبيد الله سخيا جوادا و كان تمام من أشد الناس بطشا و كان العباس يحمل تماما و يقول :
( تموا بتمام فصاروا عشره ... يا رب فاجعلهم كراما برره )
( و اجعل لهم ذكرا و أنم الثمره )
و يقال : ما رؤيت قبور أشد تباعدا من بعض قبور بني العباس بن عبد المطلب استشهد الفضل بأجنادين و مات معبد و عبد الرحمن بإفريقية و عبد الله بالطائف و عبيد الله باليمن و قثم بسمرقند و كثير بالينبع و قد يقع في ذلك خلاف ليس هذا موضعه
و أما الحارث و هو أكبر ولد عبد المطلب و به كان يكنى
قال الحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله تعالى : لم يدرك الإسلام و أسلم من أولاده أربعة : نوفل و ربيعة و أبو سفيان و عبد الله فكان نوفل أسن إخوته و أسن من أسلم من بني هاشم و لم يذكر المغيرة فيهم و قد ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتابه في الصحابة فيكون خامسا لهم غير أنه قال : و منهم من يجعل المغيرة اسم أبي سفيان الصحيح الأول يعني أنه غيره
و أما أبو لهب : فأبوه كناه بذلك لحسن وجهه قال السهيلي : كني بأبي لهب مقدمة لما يصير إليه من اللهب و كان بعد نزول السورة فيه لا يشك مؤمن أنه أهل النار بخلاف غيره من الكفار ـ يعني الموجودين ـ فإن الأطماع لم تنقطع لم تنقطع من إسلامهم
و امرأته أم جميل بنت حرب بن أمية اسمها العوراء فولد أبو لهب عتبة و معتبا شهدا حنينا و ثبتا فيه و أختهما درة لها صحبة و أخوهم عتيبة قتله الأسد بالزرقاء من أرض الشام بدعوة النبي صلى الله عليه و سلم عليه و بعضهم يجعل عتبة المكبر عقير الأسد و عتيبة الصحابي و المشهور الأول
و أما ضرار : فإنه مات أيام أوحي إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لم يسلم و كان من أبهى فتيان قريش جمالا و أكثرهم سخاء
و أما الغيداق : فكان أكثر قريش مالا و كان جوادا
و أما المقوم و جحل : فولد لهما و انقطع العقب منهما
و أما عبد الكعبة : فلم يدرك الإسلام و لم يعقب
و أما قثم فهلك صغيرا كما تقدم
و أما حكيم ـ و هي البيضاء ـ : فكانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف فولدت له عامرا و بنات منهن : أروى أم عثمان بن عفان و هي توأمة عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه و سلم على خلاف في ذلك و هي التي وضعت جفنة الطيب للمطيبين في حلفهم و كانت تقول : إني لحصان فما أكلم و صناع فما أعلم
و أما عاتكة : فكانت عند أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ولدت له عبد الله له صحبة و زهيرا و قريبة مختلف في صحبتهما و هم إخوة أم سلمة لأبيها و هي صاحبة الرؤيا بمكة يوم بدر و قد تقدمت
و أما برة فكانت عند أبي رهم بن عبد الغرى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فولدت له أبا سبرة له صحبة شهد بدرا و المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خلف عليها عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و قيل : بل كانت عنده قبل أبي رهم فولدت لعبد الأسد أبا سلمة عبد الله زوج أم سلمة صحابي مشهور توفي في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعد وفاته تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم سلمة زوجه
و أما أميمة : فكانت عند جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة فولدت له عبد الله المجدع في الله بدعائه المقتول يوم أحد شهيدا رضي الله عنه و أبا أحمد الشاعر الأعمى و عبيد الله أسلما أيضا و هاجروا إلى أرض الحبشة ثم تنصر هنالك عبيد الله و زينب أم المؤمنين و حمنة و كانت عند مصعب بن عمير ثم خلف عليها طلحة بن عبيدة بن عبيد الله فولدت له محمدا و عمران و كانت تستحاض و كانت ممن خاض في حديث الإفك و جلد فيه غن صح أنهم جلدوا و تكنى حمنة هذه أم حبيبة عند قوم و عند الأكثرين أم حبيبة غيرها و كانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف و كانت تستحاض حديثها في صحيح مسلم و كان شيخنا الحافظ أبو أحمد الدمياطي رحمه الله يقول : هن : زينب و حمنة و أم حبيب و يعد ما عدا ذلك و هما و قيده بخطه على صحيح مسلم في الفوائد التي كتبها على نسخته و قد علقت عنه هذه الفوائد
و أما أروى فمختلف في إسلامها كما تقدم و حكاه أبو عمر عن الواقدي في خبر يسنده أن ابنها طليب بن عمير حملها على ذلك فوافقته و أسلمت و كانت بعد ذلك تعاضد النبي صلى الله عليه و سلم و تحض ابنها على نصرته و قد رواه الحاكم و زعم أنه على شرط البخاري و كانت تحت عمير بن وهب بن عبد الدار بن قصي فولدت له طليب بن عمير كان بدريا من فضلاء الصحابة و قتل بأجنادين شهيدا و لا عقب له ز ثم خلف عليها كلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ـ و هو عند أبي عمر كلدة بن عبد مناف و الصحيح الأول ـ فولدت له فاطمة و رأيته في كتاب أبي عمر : أروى و ليس بشيء فولدت فاطمة هذه زينب أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم المذكور آنفا فولدت زينب كيسة بنت كريز بن ربيعة زوج مسيلمة بن حبيب الكذاب ثم خلف على كيسة ابن عمها عبد الله بن عامر بن كريز ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم و عوذه و تفل في فيه فجعل يتسوغ ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عليه الصلاة و السلام : [ إنه لمسقي ] فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء و هو الذي عمل السقايات بعرفة و شق نهر البصرة جمع له عثمان بين ولاية البصرة و فارس و هو ابن أربع و عشرين سنة و كان سخيا جوادا و فيه يقول زياد الأعجم :
( أخ لك لا تراه الدهر إلا ... على العلات مبتسما جوادا )
( أخ لك ما مودته بمذق ... إذا ما عاد فقر أخيه عادا )
( سألناه الجزيل فما تلكا ... و أعطى فوق منيتنا و زادا )
( و أحسن ثم أحسن ثم عدنا ... فأحسن ثم عدت له فعادا )
( مرارا ما رجعت إليه إلا ... تبسم ضاحكا و ثنى الوسادا )
و أما صفية : فأسلمت و هاجرت و كانت عند الحارث بن حرب أخي أبي سفيان بن حرب فولدت له صيفي بن الحارث ثم خلف عليها العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي فولدت له الزبير و السائب صحابيين مشهورين و عبد الكعبة و أم حبيب تزوجها خالد بن حزام فولدت له أم حسن لا عقب لها توفيت صفية رضي الله عنها سنة عشرين و دفنت بالبقيع و لها ثلاث و سبعون سنة (2/383)
جحل : بتقديم الجيم على الحاء المهملة و هو السقاء الضخم قال ابن دريد : و اسمه مصعب و جحل لقب و غيره يقول : اسمه المغيرة كما سبق و الجحل : نوع من اليعاسب عن صاحب و قال أبو حنيفة : كل شيء ضخم فهو جحل ذكره السهيلي و كان الدارقطني يقول : هو حجل : بتقديم الحاء و يفسر في الخلخال أو القيد
و قثم : قد ذكرنا أنه شقيق الحارث وكان ابن قدامة يقول : الحارث لا شقيق له و الذي رواه ابن سعد بسنده عن ابن الكلبي أن قثم شقيق العباس و ضرار قال ابن سيده : قثم الشيء يقثمه قثما : جمعه و يقال : قثام أي اقثم مطرد عند سيبويه و موقف عند أبي العباس و قثم له من العطاء قثما : أكثر و قثم : اسم رجل مشتق منه و قثام : من أسماء الضبع و قثم : الذكر من الضباع و كلاهما معدول عن فاعل و فاعلة و قد تكرر هذا الاسم لابن عبد المطلب و لابن عباس و كان قثم بن العباس واليا لعلي على مكة أردفه النبي صلى الله عليه و سلم و دعا له و استشهد بسمرقند قال ابن عبد البر : و قال الزبير الذي أوله :
( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... و البيت يعرفه و الحل و الحرم )
إنه قاله بعض شعراء المدينة في قثم بن العباس و زاد الزبير في الشعر بيتين أو ثلاثة منها قوله :
( كم صارخ بك مكروب و صارخة ... يدعوك يا قثم الخيرات يا قثم )
قال : و لا يصح في قثم بن العباس و ذلك شعر آخر على عروضه و قافيته و ما قاله الزبير فغير صحيح ثم قال أبو عمر : و في قثم بن العباس هذا يقول داود بن سلم :
( عتقت من حلي و من رحلتي ... يا ناق إن بلغتني من قثم )
( إنك إن أدنيت منه غدا ... خالفني البؤس و مات العدم )
( في كفه بحر و في وجهه ... بدر و في العرنين منه شمم )
( أصم عن قيل الخنا سمعه ... و ما عن الخير به من صمم )
( لم يدر ما [ لا ] و بلى قد درى ... فعافها و اعتاض منها [ نعم ] )
كذا قال أبو عمر و إنما الشعر في قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب كان واليا على اليمامة لأبي جعفر المنصور و كان داود بن سلم من شعراء الدولة العباسية فأين هو من ذلك الزمان
و تقدم ذكر أبي سفيان بن الحارث و كان عليه الصلاة و السلام يقول : أبو سفيان خير أهلي أو من خير أهلي و فيه كان يقول عليه الصلاة و السلام : كل الصيد في جوف الفرا و قيل في أبي سفيان بن حرب و كان أبو سفيان بن الحارث أخا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة و ابن عمه و كان فارسا مشهورا و شاعرا مطبوعا أنشد له أبو عمر :
( لقد علمت قريش غير فخر ... بأنا نحن أجودهم حصانا )
( و أكثرهم دروعا سابغات ... و أمضاهم ـ إذا طعنوا ـ سنانا )
( و أدفعهم لدى الضراء عنهم ... و أبينهم ـ إذا نطقوا ـ لسانا )
قال أبو عمر : و كان أحد الخمسة المشبهين بالنبي صلى الله عليه و سلم و هم : جعفر بن أبي طالب و الحسن بن علي و قثم بن العباس و أبو سفيان بن الحارث و السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد مناف
و لم يزد على ذلك و إلى السائب هذا ينسب الإمام الشافعي قال المؤلف : فقلت في ذلك شعرا :
( بخمسة شبه المختار من مضر ... يا حسن ما خولوا من شبه الحسن )
( بجعفر و ابن عم المصطفى قثم ... و سائب و أبي سفيان و الحسن )
قلت : و ممن كان يشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم أيضا : عبد الله بن عامر بن كريز بن ريبعة بن حبيب بن عبد شمس رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم صغيرا فقال : هذا شبهنا و روي أنه عليه الصلاة و السلام قال إذ رآه : يا بني عبد شمس هذا أشبه بنا منه بكم
و أبو لهب : اسم أمه لبنى كذا هو عند الجماعة و فسره السهيلي بشيء يتمتع من بعض الشجر عن أبي حنيفة قال : و يقال لبعضه : الميعة و الذي ذكره أبو عمر في اسم أمه : لبى على وزن فعلى من اللب على قياس قول ابن دريد في حبى من الحب و قال السهيلي : بنت هاجر بكسر الجيم (2/390)
روى عبد الملك بن محمد النيسابوري بسنده : عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ما تزوجت شيئا من نسائي و لا زوجت شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني من جبريل عن ربي عز و جل ]
فأول من تزوج صلى الله عليه و سلم خديجة و قد تقدم ذكرها
ثم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بعد خديجة على الصحيح و من الناس من يقول : تزوج عائشة قبلها و أصدق النبي صلى الله عليه و سلم سودة أربعمائة و أمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب و كانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخي سهل و سهيل و سليط و حاطب و لكلهم صحبة و هاجر بها السكران إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ثم رجع بها إلى مكة فمات عنها فلما حلت تزوجها عليه الصلاة و السلام في السنة العاشرة من النبوة و قيل : في الثامنة و ماتت بعده في المدينة في آخر خلافة عمر بن الخطاب هذا هو المشهور في وفاتها و ابن سعد يقول عن الواقدي : توفيت سنة أربع و خمسين في خلافة معاوية و كانت قد كبرت عنده فأراد طلاقها فوهبت يومها لعائشة فأمسكها و قيل : بل طلقها و راجعها و الصحيح الأول قاله الدمياطي أبو عمر : أسنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فهم بطلاقها فقالت : لا تطلقني و أنت في حل من شأني فإنما أريد أن أحشر في أزواجك و إني قد وهبت يومي لعائشة و إني لا أريد ما تريد النساء فأمسكها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى توفي عنها
ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله اكتنت بابن أخيها عبد الله بن الزبير بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم لها بذلك و أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر و قيل بنت عمير بن عامر من بني دهمان بن الحارث كانت تسمى لجبير بن مطعم فسلها أبو بكر منهم و زوجها النبي صلى الله عليه و سلم روى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا بنت سبع سنين و بنى بي و أنا بنت تسع و قبض عني و أنا بنت ثماني عشرة و رويناه من طريق النسائي : عن أبي كريب و أحمد بن حرب عن أبي معاوية
و تزوجها عليه الصلاة و السلام بمكة في شوال سنة عشر من النبوة فلما هاجر إلى المدينة بعث زيد بن الحارث و أبا رافع إلى مكة يأتينا بعياله : سودة و أم كلثوم و فاطمة و أم أيمن و ابنها أسامة و خرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر : أم رومان و عائشة و أسماء فقدموا المدينة فأنزلهم في بيت لحارثة بن النعمان و رسول الله صلى الله عليه و سلم حينئذ يبني مسجده فلما فرغ من بنائه بنى بيتا لعائشة و بيتا لسودة و أعرس بعائشة في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره صلى الله عليه و سلم و قيل : سبعة أشهر و قيل : ثمانية عشر و كان مقامه في بيت أبي أيوب إلى أن تحول إلى مساكنه سبعة أشهر و قبض عنها و هي بنت ثماني عشرة و مكثت عنده تسع سنين و خمسة أشهر و لم يتزوج بكرا غيرها يقال : إنها أتت من النبي صلى الله عليه و سلم بسقط و لا يثبت
و كانت فضائلها جمة و مناقبها كثيرة قال عليه الصلاة و السلام : [ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ] و قيل له : أي النساء أحب إليك ؟ قال : [ عائشة ] قيل : فمن الرجال ؟ قال : [ أبوها ] و نزلت براءتها في القرآن و قبض عليه الصلاة و السلام و رأسه في حجرها و دفن في بيتها و قال أبو الضحى عن مسروق : رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم الأكابر يسألونها عن الفرائض و قال عطاء بن أبي رياح : كانت عائشة أفقه الناس و أعلم الناس و أحسن الناس رأيا في العامة و قال هشام بن عروة عن أبيه : ما رأيت أحدا أعلم بفقه و لا بطب و لا بشعر من عائشة و قال الزهري : لو جمع علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل و فيها يقول حسان يمدحها و يعتذر إليها :
( حصان رزان ما تزن بريبه ... و تصبح غرثى من لحوم الغوافل )
( عقيلة أصل من لؤي بن غالب ... كراو المساعي مجدهم غير زائل )
( مهذبة قد طيب الله خيمها ... و طهرها من كل غي و باطل )
( فإن كان ما قد قيل عني قلته ... فلا رفعت سوطي إلي أنامل )
( و كيف وودي ما حييت و نصرتي ... لآل رسول الله زين المحافل )
توفيت سنة ست و قيل : سنة سبع : و قيل سنة ثمان و خمسين و صلى عليها أبو هريرة و دفنت بالبقيع ليلا و نزل في قبرها القاسم بن محمد و ابن عمه عبد الله بن عبد الرحمن و عبد الله بن أبي عتيق و عبد الله و عروة ابنا الزبير و قد قاربت سبعا و ستين سنة و مولدها سنة أربع من النبوة
ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب و أمها قدامة بنت مظعون و هي شقيقة عبد الله بن عمر و أسن منه مولدها قبل النبوة بخمس سنين كانت تحت خنيس بن حذافة السهمي فتوفي عنها من جراحات أصابتها ببدر و قيل : بأحد و الأول أشهر فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من مهاجره صلى الله عليه و سلم على القول الأول أو بعد أحد على الثاني و كان عمر قد عرضها على أبي بكر قبل أن يتزوجها عليه الصلاة و السلام فلم يرجع إليه أبو بكر كلمة فغضب من ذلك ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية فقال : ما أريد أن أتزوج اليوم فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكا إليه عثمان و أخبره بعرضه حفصة عليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تتزوج حفصة خيرا من عثمان و يتزوج عثمان خيرا من حفصة ثم تزوج عليه الصلاة و السلام حفصة و زوج ابنته أم كلثوم عثمان
و طلق عليه الصلاة و السلام حفصة تطليقة ثم ارتجعها و ذلك أن جبريل نزل عليه فقال له : [ راجع حفصة فإنها صوامة قوامة و إنها زوجتك في الجنة ] و من حديث عقبة بن عامر [ قال : طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم حفصة فبلغ ذلك عمر فحثا على رأسه التراب و قال : ما يعبأ الله بعمر و ابنته بعدها فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه و سلم من الغد و قال : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر ] و قد روي من طريق عمار بن ياسر [ أنه طلقها ثم راجعها رحمة لعمر ثم أراد أن يطلقها ثانية فقال له جبريل : لا تطلقها فإنها صوامة قوامه ] الحديث
توفيت في شعبان سنة خمس و أربعين بالمدينة و صلى عليها مروان بن الحكم أمير المدينة و حمل سريرها بعض الطريق ثم حمله أبو هريرة إلى قبرها و نزل في قبرها عبد الله و عاصم ابنا عمر و عبد الله و حمزة بنو عبد الله بن عمر و قد بلغت ثلاثا و ستين سنة و قيل : ماتت سنة إحدى و أربعين و أوصت إلى عبد الله أخيها بما أوصى إليها عمر و بصدقة تصدقت بها بمال و قفته بالغابة
ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان كانت تدعى أم المساكين لرأفتها بهم كانت عند الطفيل بن الحارث فطلفها فتزوجها أخوه عبيدة فقتل يوم بدر شهيدا كما سبق فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شهر رمضان على رأس أحد و ثلاثين شهرا من الهجرة و مكثت عنده ثمانية أشهر و توفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة و ثلاثين شهرا من الهجرة و صلى عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و دفنها بالبقيع و قد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها
و لم يمت من أزواجه في حياته إلا هي و خديجة و هي ريحانة خلاف و قال أبو عمر : كانت قبل النبي صلى الله عليه و سلم عند عبد الله بن جحش حكاه عن ابن شهاب قال : و قتل عنها يوم أحد فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة ثلاث و لم تلبث عنده إلا يسيرا شهرين أو ثلاثة
و حكى عن علي بن عبد العزيز الجرجاني أنها كانت أخت ميمونة لأمها قال : و لم أر ذلك لغيره
و لما خطبها عليه الصلاة و السلام جعلت أمرها إليه فتزوجها و أشهد و أصدقها اثنتي عشرة أوقية و نشا و أرادت أن تعتق جارية لها سوداء فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا تفدين بها بني أخيك أو أختك من رعاية الغنم
ثم أم سلمة و اسمها هند بنت أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و كانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد و هما أول من هاجر إلى أرض الحبشة ولدت له برة سماها رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب و سلمة و عمر و درة شهد أبو سلمة بدرا و أحدا و رمي بها بسهم في عضده فمكث شهرا يداويه ثم برأ الجرح و بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم في هلال المحرم على رأس خمسة و ثلاثين شهرا من مهاجره و بعث معه مائة و خمسين رجلا من المهاجرين و الأنصار إلى قطن و هو جبل بناحية فيد فغاب تسعا و عشرين ليلة ثم رجع إلى المدينة فانتقض جرحه فمات لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع فاعتدت أم سلمة و حلت لعشر بقين من شوال سنة أربع فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في ليال بقين من شوال المذكور و أبو عمر يقول : إنها في جمادى الآخرة سنة ثلاث و هو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من أبي سلمة بالوفاة و قال لها : إن شئت سبعت لك و سبعت لنسائي و إن شئت ثلثت و درت فقالت : بل ثلث
و خطبها عليه الصلاة و السلام فقالت : إني مسنة و ذات أيتام و شديدة الغيرة
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أسن منك و عيالك عيال الله و رسوله و أدعو الله لك فيذهب عنك الغيرة فدعا لها فكان ذلك
توفيت في خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين على الصحيح و أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس و قد قيل في اسم أم سلمة : رملة و ليس بشيء
ثم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و كان اسمها برة فسماها زينب أمها أميمة عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت قبله عند زيد بن حارثة مولاه ثم طلقها فلما حلت زوجه الله إياها من السماء سنة أربع و قيل : سنة ثلاث و قيل : سنة خمس و هي يومئذ بنت خمس و ثلاثين سنة و أو لم عليها و أطعم المسلمين خبزا و لحما و فيها نزل الحجاب و هي التي قال الله في حقها : { فلما قضى زيد منها و طرا زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ]
و لما تزوجها تكلم في ذلك المنافقون و قالوا : حرم محمد نساء الولد و قد تزوج امرأة ابنه فأنزل الله عز و جل : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } الآية [ الأحزاب : 40 ] و قال تعالى : { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله } [ الأحزاب : 5 ] فدعي زيد بن حارثة و كان يدعى زيد بن محمد و كانت تفخر على نسائه عليه الصلاة و السلام تقول : إن آباءكن أنكحوكن و إن الله تعالى أنكحني إياه من فوق سبع سماوات و غضب عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم لقولها لصفية بنت حيي : تلك اليهودية فهجرها لذلك ذا الحجة و المحرم وبعض صفر ثم أتاها و كانت كثيرة الصدقة و الإيثار و هي أول نسائه لحوقا به توفيت سنة عشرين أو إحدى و عشرين و كانت عائشة تقول : هي التي تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب و أتقى لله و أصدق حديثا و أوصل للرحم و أعظم صدقة و قال عليه الصلاة و السلام لعمر بن الخطاب في حقها : إنها لأواهة قال رجل : أي رسول الله و ما الأواه ؟ قال : الخاشع المتضرع و { إن إبراهيم لحليم أواه منيب } [ هود : 75 ]
ثم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة و هو المصطلق بن سعيد بن كعب بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء سباها يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق و قد تقدم ذكرها وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس كاتبها على تسع أواقي فأدى عليه الصلاة و السلام عنها كتابتها و تزوجها و قال الشعبي : كانت جويرية من ملك اليمن فأعتقها عليه الصلاة و السلام و تزوجها و قال الحسن : من رسول الله صلى الله عليه و سلم على جويرية و تزوجها و قيل : جاء أبوها فافتداها ثم أنكحها رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ذلك و كان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه و سلم و سماها جويرية و كانت قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم عند مسافع بن صفوان المصطلقي
و كانت جميلة قالت : عائشة : كانت جويرية عليها ملاحة و حلاوة لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بنفسه و عندما تزوجها عليه الصلاة و السلام قال الناس : صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسلوا ما بأيديهم من سبايا بني المصطلق قالت عائشة فلا نعلم امرأة كانت أكثر بركة على قومها منها
توفيت بالمدينة في شهر ربيع سنة ست و خمسين و صلى عليها مروان بن الحكم و هو أمير المدينة و قد بلغت سبعين سنة لأنه تزوجها و هي بنت عشرين عشرين سنة و قيل : توفيت سنة خمسين و هي بنت خمس و ستين سنة و لأبيها الحارث بن أبي ضرار صحبة و كان قد قدم في فداء ابنته جويرية بأباعر فاستحسن منها بعيرين فغيبها بالعقيق في شعب و لم يعترف بهما لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم عنهما فقال : و الله لم يطلع على ذلك أحد أشهد أنك رسول لله و أسلم ذكره ابن إسحاق و الواقدي
ثم ريحانة : بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن شمعون بن زيد من بني النضير و بعضهم يقول من بني قريظة و كانت متزوجة فيهم رجلايقال له الحكم و كانت جميلة و سمية وقعت في سبي بني قريظة فكانت صفي رسول الله صلى الله عليه و سلم فخيرها بين الإسلام و دينها فاختارت الإسلام فأعتقها وتزوجها و أصدقها اثنتي عشرة أوقية و نشا و أعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس النجارية بعد أن حاضت حيضة و ضرب عليها الحجاب فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها تطليقة فأكثرت البكاء فدخل عليها و هي على تلك الحال فراجعها و لم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر
و قيل : كانت موطوءة له بملك اليمن و الأول أثبت عند الواقدي و أما أبو عمر فقال : ريحانة سرية النبي صلى الله عليه و سلم لم يزد على ذلك و والدها شمعون يأتي في موالي النبي صلى الله عليه و سلم
ثم أم حبيبة : رملة بيت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموية أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية عمة عثمان بن عفان هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فولدت له حبيبة و بها كانت تكنى و تنصر عبيد الله هناك و ثبتت هي على الإسلام و بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فزوجه إياها و الذي عقد عليها خالد بن سعيد بن العاص و أصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعمائة دينار على خلاف محكي في الصداق و العاقد من كان و بعثها مع شرحبيل بن حسنة و جهزها من عنده كل ذلك في سنة سبع و قد قيل في اسمها هند و زوجها مع النبي صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان و كان الصداق مائتي دينار و قيل : أربعة آلاف درهم و قيل : قد عقد عليها النجاشي و كان قد أسلم و قيل : إنما تزوجها عليه الصلاة و السلام بالمدينة مرجعها من الحبشة و الأول أثبت في ذلك كله
و كان أبو سفيان في حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل له : إن محمدا قد نكح ابنتك فقال : هو الفحل لا يقدع أنفه و كان أبو عبيدة يقول : تزوجها عليه الصلاة و السلام سنة ست و ليس بشيء
و قد وقع في الصحيح قول أبي سفيان يوم الفتح للنبي صلى الله عليه و سلم : أسالك ثلاثا فذكر منهن : أن تتزوج يا رسول الله أم حبيبة ـ يعني ابنته ـ فأجابه عليه الصلاة و السلام لما سأل و هذا مخالف لما اتفق عليه أرباب السير و العلم بالخبر و قد أجاب عنه الحافظ المنذري جوابا يتساوك هزالا فقال : يكون أبو سفيان ظن أن بما حصل له من الإسلام تجددت له عليها الولاية فأراد تجديد العقد يوم ذلك لا غير
توفيت أم حبيبة سنة أربع و أربعين و بعد موتها استلحق معاوية زيادا و قيل : قبله و الأول أشبه تحرجا من دخوله عليها و كان الذي جسره على استلحاقه إياه الأبيات التي لأبي سفيان يخاطب بها عليا :
( أما و الله لولا خوف واش ... يراني يا علي من الأعادي )
( لأظهر أمره صخر بن حرب ... و لم يكن المقالة عن زياد )
( فقد طالت مجاملتي ثقيفا ... و تركي فيهم ثمر الفؤاد )
ثم صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه الصلاة و السلام كان أبوها سيد بني النضير فقتل مع بني قريظة و أمها برة بنت شموال أخت رفاعة بن شموال القرظي و كانت عند سلام بن مشكم ثم خلف عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق الشاعر النضري فقتل عنها يوم خيبر و لم تلد لأحد منهما شيئا فاصطفاها النبي صلى الله عليه و سلم لنفسه فأعتقها و تزوجها و جعل عتقها صداقها
و بعض العلماء يعد ذلك من خصائصه عليه الصلاة و السلام و كانت جميلة لم تبلغ سبع عشرة سنة
روى حماد بن سلفمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم اشترى صفية بنت حيي بسبعة أرؤس و خالفه عبد العزيز بن صهيب و غيره : عن أنس فقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما جمع سبي خيبر جاءه دحية الكلبي فقال أعطني جارية من السبي فقال : اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فقيل : يا رسول الله إنها سيدة قريظة و النضير و إنها لا تصلح إلا لك فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : خذ جارية من السبي غيرها و قال ابن شهاب : كانت مما أفاء الله عليه فحجبها و أولم عليها بتمر و سويق و قسم لها و يروى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل على صفية و هي تبكي فقال لها : ما يبكيك ؟ قالت : بلغني أن عائشة و حفصة تنالان مني و يقولان : نحن خير من صفية نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أزواجه قال : أفلا قلت لهن كيف تكن خيرا مني و أبي هارون و عمي موسى و زوجي محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم و كانت صفية حليمة عاقلة فاضلة قال أبو عمر : روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : إن صفية تحب السبت و تصل اليهود
فبعث إليها عمر فسألها فقالت : أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة و أما اليهود فإن لي فيهم رحما فأنا أصلها ثم قالت للجارية : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت الشيطان قالت : اذهبي فأنت حرة و كانت صفية قد رأت قبل ذلك أن قمرا وقع في حجرها فذكرت ذلك لأبيها فضرب وجهها ضربة أثرت فيه و قال : إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألها عن ذلك فأخبرته الخبر
و ماتت صفية سنة خمسين في رمضان و قيل سنة اثنين و خمسين و دفنت بالبقيع و ورثت مائة ألف درهم بقيمة أرض و عرض و أوت لابن أختها بالثلث و كان يهوديا
ثم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة و كان اسمها برة فسماها ميمونة زوجه إياها العباس عمه و كانت خالة ابن عباس و هي أخت لبابة الكبرى أم بني العباس و لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد و عصماء و عزة و أم حفيد هزيلة لأب و أم و أخواتهن لأمهن : أسماء و سلمى و سلامة بنات عميس و زاد بعضهم : زينب بنت خزيمة و أمهن هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة الحميرية
و كانت ميمونة في الجاهلية عند مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي ففارقها و خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فتوفي عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في شوال سنة سبع و فيها اعتمر عمرة القضية في ذي القعدة و قد اختلف الرواية هل تزوجها عليه الصلاة و السلام و هو محرم أو و هو حلال ؟ فلما قدم مكة أقام بها عليه الصلاة و السلام ثلاثا فجاءه سهيل بن عمرو في نفر من أصحابه من أهل مكة فقال : يا محمد ! اخرج عنا اليوم آخر شرطك فقال : دعوني أبتني بامرأتي و أصنع لكم طعاما فقال : لا حاجة لنا بك و لا بطعامك اخرج عنا فقال سعد : يا عاض بظر أمه أرضك و أرض أمك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أن يشاء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ دعهم فإنهم أزارونا لا نؤذيهم ] فخرج فبنى بها بسرف حيث تزوج بها و هنالك ماتت عائشة سنة إحدى و خمسين و قد بلغت ثمانين سنة و قد قيل في وفاتها غير ذلك و هي آخر من تزوج عليه الصلاة و السلام
و قال ابن شهاب : هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم و قال : السهيلي : لما جاءها الخاطب و كانت على بعير رمت بنفسها من على البعير و قالت : البعير و ما عليه لرسول صلى الله عليه و سلم
فهؤلاء نساؤه المدخول بهن اثنتا عشرة امرأة منهن ريحانة و قد ذكرنا الخلاف فيها و مات عليه الصلاة و السلام عن تسع منهن
قال الحافظ أبو محمد الدمياطي : و أما من لم يدخل بها و من وهبت نفسها و من خطبها و لم يتفق تزويجها فثلاثون امرأة على اختلاف في بعضهن و الله أعلم
قال المؤلف : و لنذكر من تيسر لنا ذكره منهن على سبيل الاختصار : فمنهن :
أسماء بنت الصلت السلمية
و أسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحيل و قيل : بنت النعمان بن الأسود بن حارثة بن شراحيل من كندة
و أسماء بنت كعب الجونية ذكرها ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير عنه و لا أراها و التي قبلها إلا واحدة
و جمرة بنت الحارث الغطفاني خطبها عليه الصلاة و السلام لأبيها فقال : إن بها سوءا و لم يكن فرجع فوجدها قد برصت
و أميمة بنت شراحيل لها ذكر في صحيح البخاري
و حبيبة بنت سهل الأنصارية التي تركها فتزوجها ثابت قاله ابن الأثير
و خولة بنت الهذيل بن قبيصة بن الحارث بن حبيب التغلبية ذكرها أبو عمر عن الجرجاني
و خولة أو خويلة بنت حكيم السلمية كانت امرأة صالحة فاضلة تكنى أم شريك و قيل : هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم و قد تكونان اثنتين فالله أعلم
و سناء بنت الصلت و هي عند أبي عمر بنت أسماء بن الصلت و قيل : أسماء أخ لها و قيل : تزوجها ثم طلقها و قيل : ماتت قبل أن تصل إليه و قيل : لما علمت أنه تزوجها عليه الصلاة و السلام ماتت من الفرح
و سودة القرشية كانت مصيبة خطبها عليه الصلاة و السلام فاعتذرت ببنيها و كانوا خمسة أو ستة فقال لها خيرا
و شراف بنت خليفة أخت دحية الكلبي تزوجها فهلكت قبل دخوله بها
و صفية بنت بشامة بن نضلة أخت الأعور بن بشامة أصابها سباء فخيرها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن شئت أنا و إن شئت زوجك ؟ قالت : زوجي فأرسلها إليه فلعنتها بنو تميم
و العالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف بن عبد بن أبي بكر بن كلاب تزوجها عليه الصلاة و السلام و كانت عنده ما شاء الله ثم طلقها قاله أبو عمر و قال : قل من ذكرها
و عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابية تزوجها فبلغه أن بها برصا فطلقها و لم يدخل بها و قيل : هي التي تعوذت منه فقال لها : لقد عذت بمعاذ فطلقها و أمر أسامة فمتعها بثلاثة أثواب
و عمرة بنت معاوية الكندية ذكرها ابن الأثير
و أم شريك العامرية قال ابن عبد البر : اسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رفاعة بن حجر و يقال حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي يقال : هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم و قد قيل ذلك في جماعة سواها
و أم شريك بنت جابر الغفارية ذكرها أحمد بن صالح في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم
و فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب خطبها عليه الصلاة و السلام لأبيها عمه أبي طالب و خطبها هبيرة بن أبي وهب فزوجها أبو طالب من هبيرة
و فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي تزوجها و خيرها حين نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها فكانت بعد ذلك تلقط البعر و تقول : أنا الشقية اخترت الدنيا حكاه أبو عمر ورده و قيل : التي كانت تقول : أنا الشقية هي المستعيذة منه و قيل غير ذلك
و فاطمة بنت شريح قال ابن الأمين : ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم
و قتيلة بنت قيس بن معدي كرب أخت الأشعث تزوجها قبل موته بيسير و لم تكن قدمت عليه و لا رآها قيل : و أوصى أن تخير فإن شاءت ضرب عليها الحجاب و حرمت على المؤمنين و إن شاءت طلقت و نكحت من شاءت فاختارت النكاح فتزوجها بعد عكرمة بن أبي جهل
و ليلى بنت الخطيم ـ أخت قيس ـ الأنصارية عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه و سلم فتزوجها ثم رجعت فقالت : أقلني فقال : قد فعلت
و مليكة بنت داود ذكرها ابن حبيب
و مليكة بنت كعب الليثي تزوجها و قيل : دخل بها و قيل لم يدخل
و هند بنت يزيد بن البرصاء من بني أبي بكر بن كلاب ذكرها أبو عبيدة في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و قال أحمد بن صالح : هي عمرة بنت زيد قال أبو عمر : فيه نظر لأن الاضطراب فيه كثيرا جدا
و أم سراريه فكن أربعا :
مارية بنت شمعون القبطية أم ولده إبراهيم و كانت من حفن من كورة أنصنا من صعيد مصر أهداها إليه المقوقس و معها أختها سيرين و ألف مثقال و عشرون ثوبا من قباطي مصر و البغلة الشهباء دلدل و حمار أشهب يقال له يعفور أو عفير و خصي يسمى مابور و قيل : إنه ابن عمها و من عسل بنها فأعجب النبي صلى الله عليه و سلم العسل و دعا في عسل بنها بالبركة فولدت له عليه الصلاة و السلام مارية إبراهيم و قد تقدم ذكره
و ريحانة بنت يزيد النضرية و قد سبق ذكرها
و قال أبو عبيدة : كان له أربع : مارية و ريحانة و أخرى جميلة أصابها في السبي و جارية وهبتها له زينب بنت جحش و قال قتادة : كان للنبي صلى الله عليه و سلم وليدتان : مارية و ريحانة و بعضهم يقول : ربيحة القرظية (2/393)