علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة
من أبحاث المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} [المؤمنون:12-14].
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا .
والصلاة والسلام على نبينا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة ، وعلى آله وصحبه الأئمة الهداة وسلم تسليما كثيراً(1/1)
وبعد .. فمازال هذا القرآن المجيد الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)}[فصلت:42] آية باقية ومعجزة خالدة إذ هو كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم للتحدي والاعجاز ، وللهداية والإرشاد ، المتعبد بتلاوته وحفظه والعمل به ، المنقول إلينا تواتراً كما أنزل على محمد الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم .ولقد أولع العلماء بالقرآن بحثاً ودرساً وبيناً وشرحاً ، ولكن أعلى هذه الأمور خطرا ، وأجلها قدرا ، وأبقاها أثر ، ذكر خصائصه ومزاياه التي كان بها وحيا معجزا تحدى الله به الأجيال كلها أن تأتي بمثله أو بسورة من مثله كما قال تعالى : {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(88)} [الإسراء:88] كانت معجزات الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام معجزات مشاهدة تقع ولا تبقى ، فلا يعرفها على اليقين إلا من عاينها . لكن معجزة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت من نوع آخر ، لم تكن حادثة تقع وتزول فقط. بل كانت معجزة قائمة مستمرة تخاطب الأجيال ، يراها ويقرؤها الناس في كل عصر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة[1].(1/2)
إن معجزة القرآن الكريم مستمرة إلى يوم القيامة وهذا الإعجاز يتجلى في أمور كثيرة ، إعجاز في نظمه وبلاغته وإعجاز في قصصه وإخباره وإعجاز في شرائعه وأحكامه وفي شتى المجالات ، ومن إعجازه ما انطوى عليه من الأخبار بالغيبيات التي ستقع ولم تكن معهودة وقت التنزيل ، وما أشار إليه من حقائق مبثوثة في أرجاء الكون الفسيح علومه وسفليه تجلت في عصرنا الحاضر بعد تقدم وسائل العلم وكشوفاته في الأنفس والآفاق التي توافقت مع نصوص القرآن والسنة.وما قامت هيئة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة المطهرة إلا لبيانه وإظهاره ، وها نحن اليوم نقدم بحوثا عديدة من علم الأجنة في القرآن والسنة وهي تحمل في طياتها الحقائق والمعجزات التي تشهد بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مرسل من ربه وأن هذا القرآن الكريم هو كلام الله عزوجل أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في الرد على الطاعنين في القرآن والمشككين فيه {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6)} [الفرقان:6] .
وهذه البحوث هي من الأبحاث التي ألقيت في المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي انعقد في إسلام أباد سنة 1408هـ 1987م وهي مرتبة على النحو التالي:
1- نظرة تاريخية في علم الأجنة .
2- وصف التخلق البشري مرحلة النطفة .
3- وصف التخلق البشري طورا العلقة ، والمضغة .
4- وصف التخلق البشري طورا العظام واللحم .
5- وصف التخلق البشري مرحلة النشأة .
6- أطوار خلق الإنسان في الأيام الأربعين الأولى .
7- وصف التخلق البشري بعدا ليوم الثاني والأربعين .
8- مصطلحات قرآنية .
9- توافق المعلومات الجنينية مع ما ورد في الآيات القرآنية .(1/3)
ولقد مرت هذه الأبحاث بمرحلة طويلة من الدراسة والمراجعة والترجمة، نحسب أنها كانت كافية. وإن وجد فيها هنات أو قصور، فإننا نود من أهل الاختصاص موافاتنا بتصويباتهم وملاحظاتهم لنفيد منها ولنستدرك ما فاتنا في طبعات قادمة بإذن الله وسنكون شاكرين لكل من قدم لنا معلومة صحيحة أو ملاحظة قيمة – علماً أن هذه الأبحاث قد أعدت باللغة الإنجليزية وقد تمت ترجمتها واستكمال الجوانب الشرعية واللغوية والإعداد لطباعتها بمعرفة الهيئة. فمعذرة إذا جاءت ترجمتها إلى العربية غير مطابقة للغتها الأصلية تمام المطابقة .
ولقد حرصنا على إظهار الإعجاز في القرآن والسنة وبيان مطابقة الحقائق العلمية الحديثة لما ورد فيها ، فما يملك المؤمن إلا أن يخشع ويزداد إيمانا ويقينا ولا يملك غير المسلم إلا أن يحني رأسه أمام حقائق القرآن وإعجازه إفحاماً وتسليما. فتقوم بذلك الحجة على الكافرين وتتضح معالم الصراط المستقيم فيوفق الله من يشاء من عباده ويهدي إليه من ينيب وصدق الله العظيم القائل : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا(174)فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(175)} [النساء:174-175].(1/4)
ونحن إذ نقوم بهذا الواجب لنرجو الله تعالى أن ينفع البشرية بهذه الأبحاث وما يتبعها. كما نأمل أن تكون مصدراً ثراً للدعوة الإسلامية يتزود منها الدعاة إلى الله لإقناع غير المسلمين بعظمة الإسلام وبيان أنه الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وأتم عليهم به نعمته ، وأعلمهم بذلك في قوله الكريم : {...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا ...[المائدة:3].وقد أخبر جل وعلا أنه لن يقبل من أحد سواه فقال :{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ(85)} [آل عمران:85].
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،
الباب الأول
نظرة تاريخية في علم الأجنة
ج س جورنجر
عبدالمجيد الزنداني
مقدمة
قال تعالى : {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)} [عبس:18].
تجسد هذه الآية الكريمة سؤالاً أساسياً في علم الأحياء ، وتعتبر معضلة معرفة كيفية تخلق الإنسان جزءاً من السجلات العلمية التي دونها التاريخ عبر العصور ، ويشكل سجل محاولاتنا الإجابة على هذا السؤال جزءاً كبيراً من تاريخ العلوم
ونحاول في هذا البحث تلخيص بعض معالم تاريخ علم الأجنة بهدف التمهيد للتحليلات التي سيقدمها الباحثون في هذا المؤتمر ، وفيما يتعلق بكثير من النقاط التي نبرزها فيه ستلاحظون وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتصل بها .
وتاريخ علم الأجنة يرتبط ارتباطاً أساسياً بتاريخ العلوم عامة ، ويقدر ما يعالج علم الأجنة أصل كل أشكال الحياة الراقية بقدر ما يتصل بالتطور التاريخي للتفكير الفلسفي ، ولقد كان العالم يشير إلى نفسه منذ عهد غير بعيد – كما كان الآخرون يشيرون إليه – بـ (فيلسوف الطبيعة) .
المراحل التاريخية :
يمكننا أن نقسم تاريخ علم الأجنة إلى ثلاث مراحل :(1/5)
أ : المرحلة الوصفية :
المرحلة الأولى التي يمكن أن نسميها (علم الأجنة الوصفي) تعود إلى أكثر من ستة قرون قبل الميلاد ، وتستمر حتى القرن التاسع عشر ، وتم خلال هذه الفترة وصف الملاحظات الخاصة بظاهرة تطور الجنين (وتفسيرها بأساليب مختلفة) ، ووجدت بعض السجلات المدونة من فترة السلالات الفرعونية الرابعة والخامسة والسادسة في مصر القديمة ، وقد حمل مالا يقل عن عشرة أشخاص متعاقبين اللقب الرسمي (فاتح مشيمة الملك) ، واقتضت المراسيم فيما بعد أن تحمل راية تمثل (مشيمة الملك) .
أمام موكب الفراعنة ، وكانت تعزي إلى خواص المشيمة قوى سحرية خفية، ودام ذلك الاعتقاد حتى عهد اليونانيين القدماء وبعدهم ، وارتبط السحر بالعلم .وأقدم الوصفات المدونة للوقاية من الحمل ، مدونة بالخط الهيري (لغة مصر القديمة قبل الهيروغليفية) على ورق البردى (ويعود تاريخها إلى 2000 و 1800 سنة قبل الميلاد) .
ومن العناصر الأساسية المكونة للوصفة روث التماسيح إلى جانب عناصر أخرى .(1/6)
أما اليونان القدماء فهم أول من ربط العلم بالمنطق بفضل تعليلهم للملاحظات بالمنطق لا بالقوى السحرية الغامضة ، ولكن المنطق لم يبرهن دائماً على أنه ينسجم مع الحقائق ، وحتى في عصر العلم الحالي قد لا تكون تفسيراتنا لتجاربنا وملاحظاتنا المنطقية صحيحة ، كما ظهر مفهوم أساسي خلال هذه الفترة من تاريخ علم الأجنة يعرف (بالتغير المتعاقب) وقد هيمنت كتابات (أرسطو طاليس) و(جالينوس) على الجزء الأول من السجل التاريخي (لاسيما من حيث النفوذ والتأثير) وإن لم تكن الوحيدة في هذا المجال ، ولم تسجل منذ عام 200 بعد الميلاد حتى القرن السادس عشر أية معلومات تذكر عن علم الأجنة في المؤلفات العلمية في الغرب ، ولولا الكتاب المسلمون لفقد الكثير من مؤلفات اليونانيين .ولقد نشط البحث العلمي في القرن السادس عشر ، وخاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، ومهدت أعمال (فيساليوس) و (فابريسيوس) و (هارفي) لبدء عصر الفحص المجهري ، ونشطت المناظرات العلمية ، واكتشف الحوين المنوي .وكانت مواضيع التكوين السابق والخلق الذاتي التلقائي (والبييضة) والقول بوحدة البييضة، ومذهب النطفة الذكرية محل نقاش دائم ، دعونا ننظر يإيجاز إلى بعض الأشياء كما كانت في ذلك الوقت .
أولاً : تبين بعض الرسوم 0الشكل 1-2) في كتب القبالة خلال القرن السادس عشر كيف يتطور الجنين من كتلة دموية وبذرة ، وهذا المفهوم الخاطئ قال به أرسطو طاليس وانتقل على مر القرون ، وكان يعتقد خلال هذه الحقبة أن الجنين يتولد من دم الحيض .(1/7)
وبينما سادت هذه الفكرة عند جميع الأطباء إلى مابعد اكتشاف المجهر كان علماء المسلمين يرفضون فكرة أن الجنين يتولد من دم الحيض ، مستندين إلى الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)} [القيامة:37] والأحاديث النبوية وهذا جانب من الصور الجلية في سبق القرآن الكريم والسنة النبوية لما كان مستقراً عند أهل العلم من غير المسلمين عبر القرون .
وتبين أعمال (فابرسيوس –1604) رسماً ممتازاً لتطور جنين دجاجة وقد اشتهر (ويليام هارفي) – أحد تلاميذ فابرسيوس في بادوا – بدراسته عن دوران الدم .
ثم ظهر بعد ذلك بقليل (مارسيللو مالبيجي) الذي نشر في عام 1672 رسومات لجنين الدجاجة المتخلق بظهر الفلقات بوضوح تام .
ونعرف اليوم أن هذه الفلقات تحتوي على خلايا ، تولد الجزء الأكبر من الهيكل العظمي للجسم وعضلاته .
وتظهر في (الشكل 1-5) أيضاً بعض صور أجنة الدجاج في نفس المرحلة للمقارنة ، ونشرت في الوقت ذاته تقريباً مجموعة أخرى من الرسومات ، تظهر تخلق الجنين البشري (الشكل 1-6) وتعبر كلها عن رسم واحد ، ولكن بقياس مختلف (ولم يشر إلى ذلك ناشروا ومحكموا الملكية للفلسفة عندئذ) فقد كانوا يعتقدون إلى هذا الوقت أن التخلق الإنساني ليس إلا زيادة في الحجم لصورة واحدة تتسع أبعادها بمرور وقت الحمل ، لسيطرة فكرة الخلق التام للإنسان من أول مراحله على أذهان العلماء .(1/8)
والرسم الذي قدمه هارتسوكر للحوين المنوي عام 1105هـ-1694م بعد اكتشاف الميكروسكوب بفترة يدل على أن المجهر يومئذ لم يكن كافياً لبيان تفاصيل تكوين الحوين المنوي، فأكملت الصورة من خيال العلماء ، وعبروا مرة ثانية عن الفكرة السائدة عندهم وهي: ( أن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في الحوين المنوي في صورة قزم ، أي أنهم لم يعرفوا بعد أن خلق الإنسان في رحم أمه يمرّ بأطوار مختلفة الخلق والصورة ، وهي الحقيقة التي قررت في القرآن الكريم والسنة قبل ذلك بقرون .
فالقرآن الكريم يقرر أن خلق الإنسان ينتقل طوراً بعد طور في بطن أمه في مثل قوله تعالى : {...يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ...} [الزمر:6].
وكان مالبيجي – الذي اعتبر أبا علم الأجنة الحديث – قد ظن أن بيضة الدجاجة غير المخصبة تتضمن شكلاً مصغراً لدجاجة على إثر دراسته لبيضة دجاجة غير ملقحة عام 1086هـ – 1675م .
وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في بيضة المرأة ، كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في الحوين المنوي .
ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام (1186هـ-1775م) عندما أثبت سبالا نزاني أهمية كل من الحوين المنوي والبيضة في عملية التخلق البشري. بينما نجد في القرآن الكريم والسنة النبوية أن هذه القضايا قد حسمت بأن عملية التخلق مشتركة بين الذكر والأنثى ومما جاء في ذلك قوله تعالى : {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى...} [الحجرات:13].
ب : علم الأجنة التجريبي :
لم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وبدأت المرحلة التاريخية الثانية – عهد علم الأجنة التجريبي – بكتابات (فون باير) و (داروين) و (هيكل) (اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر حتى الأربعينات من القرن العشرين) .(1/9)
وكان (فون باير) عملاقاً في عصره في هذا المجال ، فقد قفز بعلم الأجنة من التجارب والمشاهدات إلى صياغة المفاهيم الجنينية لا العكس ، وكانت تلك ومضة ذكاء دقيقة جداً .
وقد انتقل به تفكيره هذا إلى أبعد من المفاهيم التي تعلمها .
كما تميزت المرحلة التاريخية الثانية بالبحث عن (الآليات) وبرز اسم (ويلهيلهم روكس) في هذا المجال ، وانتقلت الدراسة الجنينية من وصف الملاحظات إلى التدخل ومعالجة الكائنات الحية المتطورة .
وقد شغلت مسألة معرفة الآلية التي يحدث فيها التمايز بين الخلايا اهتمام الباحثين أمثال (ويلسون) و (نيودور) و (بوفيري) ، وقد طور (روس هاريسون) تقنية زرع الحبل السري، وبدأ (أوتو واربورغ) دراسات عن الآليات الكيميائية للتخلق ، ودرس (فرانك راتري ليلى) طريقة إخصاب الحوين المنوي للبييضة ، كما درس (هانس سبيمان) آليات التفاعل النسيجي كالذي يحدث خلال التطور الجنيني ، ودرس (يوهانس هولتفرتر) العمليات الحيوية التي تظهر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها أو فيما بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى .
ج : التقنية واستخدام الأجهزة :
وتمتد المرحلة الثالثة أو (الحديثة) من الأربعينات حتى يومنا هذا ، وقد تأثرت هذه المرحلة تأثراً كبيراً بتطور الأجهزة مما أثر بقوة على مجرى البحوث .
وعلى سبيل المثال : فإن المجهر الإلكتروني ، وآلات التصوير المتطورة الأخرى ، وقياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف ، والحاسوب ، ومجموعة وسائل الكشف عن البروتينات ، والأحماض النووية ، والكربوهيدرات المعقدة ، وعزلها وتحليلها ، يمكن أن تعتبر كلها عوامل تجعل علماء (الأحياء البيولوجي النمائي) اليوم في وضع يسمج لهم بإجراء تجارب كانت تبدو قبل عقد من الزمن مجرد حلم خيالي .
فيمكننا اليوم أن نجري تحليلاً دقيقاً مفصلاً لسطح الخلايا خلال تمايزها .(1/10)
ويمكننا أيضاً أن ندرس دور النواة ،وجبلة الخلية] ، والمنابت خارج الخلية باستخدام تهجين الخلايا وغرس النواة وغرس الجينات في الرحم وغير ذلك من التقنيات .
ويمكننا أن ننظر الآن إلى الأجنة بوضوح لم يمكن تصوره
ويمكننا أن ننظر داخل الأقسام ، لنفهم آليات التمايز الطبيعي
والشاذ فهما أفضل .
3- المعلومات الجنينية في القرآن الكريم والسنة النبوية
ولكن ماذا عن القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين يرجع تاريخهما إلى قبل 1400 عام فيما يتعلق بالأجنة ؟
لقد وصف القرآن الكريم والحديث الشريف في القرن السابع الميلادي وبأسلوب رفيع رائع الكثير من هذه المكتشفات المدهشة ، التي اكتشفها العلم الحديث بأجهزته وأساليب بحثه .
ونجد أن المكتشفات التي تمت في القرن التاسع عشر بل وحتى في القرن العشرين ورد وصفها في القرآن الكريم والحديث الشريف (انظر على سبيل المثال : سورة النجم الآيتين 45،46) . {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)}
وقد أوضح القرآن الكريم أن الإنسان يخلق من مزيج من إفرازات الرجل والمرأة ، وأن الكائن الحي الذي ينجم عن الإخصاب يستقر في رحم المرأة على هيئة بذرة. وإن انغراس كيس الجرثومة (النطفة) يشبه فعلاً عملية زرع البذرة .
ويتضمن القرآن الكريم أيضاً معلومات عن المراحل الأخرى من عملية التخلق كمرحلة العلقة والمضغة (تكون الفلقات – أو الكتل البدنية – SOMITES) والهيكل العظمي وكساء العظام بالعضلات (اللحم) .
ويشير كل من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى توقيت التخلق الجنسي والتخلق الجنيني واكتساب المظهر البشري .
وهذه النصوص تثير الدهشة إذ إنها تشير إلى أحداث التخلق بترتيبها المتسلسل الصحيح وبوصف واضح دقيق .
خاتمة :(1/11)
موجز القول : إن تاريخ علم الأجنة يدل على أن التخلق البشري كان دائماً مثار اهتمام كبير ، وقد اقتصرت الدراسات الأولى على استخدام الوصف التخيلي نظراً لقلة الوسائل التقنية المتقدمة حينئذ ، وبعد اختراع المجهر في وقت لاحق اتسمت الدراسات بدقة أكبر وظلت تستخدم الوصف إلى جانب الأساليب التقنية التجريبية ، بيد أن كثيراً من هذه الملاحظات الوصفية كان على قدر كبير من التخيل والبعد عن الدقة ، ولم يتم التوصل إلى فهم ووصف أدق للتخلق الجنيني إلا في هذا القرن وباستخدام الأجهزة الحديثة فقط .
ويمكننا أن نستنتج من تحليل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنها تتضمن وصفاً دقيقاً شاملاً للتخلق البشري من وقت امتزاج الأمشاج وخلال تكون الأعضاء وما بعد ذلك ، في مثل قوله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)}[المؤمنون:12-14].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ..).
ولم يكن هناك أي تدوين مميز شامل للتخلق البشري كالتصنيف المرحلي وعلم المصطلحات والوصف قبل القرآن الكريم. فقد سبق هذا الوصف القرآني والنبوي بقرون كثيرة في معظم الحالات إن لم يكن في كلها ، تسجيل المراحل المختلفة لتخلق الجنين البشري في المؤلفات العلمية المعروفة .
وقبل ظهور المجهر المركب لم تكن هناك أية وسيلة نعرفها لمراقبة المراحل الأولى للتخلق البشري (النطفة على سبيل المثال) .(1/12)
وإن تقديم وصف علمي لمراحل التخلق البشري، يتطلب الحصول على عدد كبير من الأجنة البشرية في عمر معين ودراستها ، ويصعب تماماً حتى في يومنا هذا تجميع مثل هذه السلسلة. وقوله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ(17)} [المؤمنون:17] ، يلمح إلى سبب وجود نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تصف تفاصيل التطور الجنيني .
الباب الثاني
وصف التخلق البشري مرحلة النطفة
أ . مارشال جونسون
عبدالمجيد الزنداني
مصطفى أحمد
مقدمة :
لقد كان اكتشاف المراحل المتنوعة والمتتابعة التي يمر بها الجنين من المسائل الصعبة والمعقدة في تاريخ علم الأجنة ، ومرد تلك الصعوبة إلى الحجم المتناهي في الصغر لمراحل الجنين وخاصة في الأسابيع الأولى من الحمل ، ولعدم تيسر مشاهدته أو فحصه في مستقره داخل الرحم دون تقنية خاصة ، ناهيك عن عدم الإدراك الصحيح لقرون طويلة قبل اكتشاف الميكرسكوب في القرن السابع عشر لدور كل من الذكر والأنثى في تكوين الجنين .
إلا أن القرآن الكريم – الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع الميلادي – يمثل أو مرجع بين أيدينا يذكر أطوراً متميزة للجنين ويقدم مسميات ومصطلحات تصف المظهر الخارجي ، وأهم العمليات والأحداث الداخلية لكل مرحلة ، وقد استوفت هذه المصطلحات القرآنية بمثالية رائعة جميع الشروط التي يجب توفرها للمصطلحات العلمية الدقيقة .
يقول الله تعالى مبيناً مراحل التطور الجنيني: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} [المؤمنون:12-14].(1/13)
والمرحلة الأولى التي ستكون موضوع بحثنا من هذه المراحل هي مرحلة النطفة .
تعريف المصطلح :
النطفة في اللغة العربية تطلق على عدة معان منها : القليل من الماء والذي يعدل قطرة.
قال ابن منظور في صغار اللؤلؤ : والواحد نطفة ، ونطفة شبهت بقطرة الماء .
وقال الزبيدي : ونطفت آذان الماشية وتنطفت : ابتلت بالماء فقطرت .
وجاء في حديث شريف : (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماء).
ويشير إلى ذلك ما رواه أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : "مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت قريش : يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لأسألنه عن شئ لا يعلمه إلا نبي ، قال فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الإنسان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة" .
ويبدأ مصطلح النطفة من المنوي والبييضة وينتهي بطور الحرث (الانغراس) ، وتمر النطفة خلال تكونها بالأطوار التالية :
1- الماء الدافق :
يخرج ماء الرجل متدفقاً ويشير إلى هذا التدفق قوله تعالى:{فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)} [الطارق:5-6]
ومما يلفت النظر أن القرآن يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلى أن للماء قوة دفق ذاتية.
وقد أثبت العلم في العصر الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب (انظر شكل 3-1) .
وقد أثبت العلم أيضاً أن ماء المرأة الذي يحمل البييضة يخرج متدفقاً إلى قناة الرحم (فالوب) ، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتى يتم الإخصاب.
ومن المعلوم أن ماء الرجل يحوي بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد في عملية الإخصاب مثال ذلك مادة البرستاجلاندين ، التي تحدث تقلصات في الرحم مما ساعد في نقل المنويات إلى موقع الإخصاب .(1/14)
كما أن ماء المرأة يحوي بالإضافة إلى الييضة عناصر أخرى تساعد وتشارك في عملية الإخصاب .
ومنها بعض الأنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته ، التي تجعل المنوي قادراً على الإخصاب وذلك بإزالة البروتين السكري من رأسه .
وتعمل هذه الأنزيمات بالإضافة إلى ذلك على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غشائها الواقي أمام المنوي .
وبما أن لفظ نطفة يأتي بمعنى الكمية القلية من المسائل ، فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى .
2- السلالة :
يأتي لفظ سلالة في اللغة بمعان منها :
انتزاع الشئ وإخراجه في رفق.
كما تعني أيضاً السمكة الطويلة .
أما الماء المهين : فالمراد به هنا (أي في طور السلالة :) ماء الرجل .
وإذا نظرنا إلى المنوي فسنجده : سلالة تستخلص من ماء الرجل وعلى شكل السمكة الطويلة ، ويستخرج برفق من الماء المهين .
ويشير القرآن الكريم إلى ذلك كله في قوله تعالى :{ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8)} [السجدة:8] .
وخلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البييضة في ماء المرأة في قناة البييضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق منوي واحد البييضة، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات.
وبدخول المنوي في البييضة تتكون النطفة الأمشاج. أنظر (شكل 2-5) ويشير الحديث النبوي إلى أن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من كل الماء يكون الولد) .
وهكذا فإن الخلق من الماء يتم من خلال اختيار خاص ، والوصف النبوي يحدد بكل دقة كل هذه المعاني التي كشف عنها العلم اليوم .)
3- النطفة الأمشاج :
تأخذ البييضة المللقحة شكل قطرة ، وهذا يتفق تماماً مع المعنى الأول للفظ نطفة (أي قطرة).
ومعنى (نطفة أمشاج) : أي قطرة مختلطة من مائين .(1/15)
وهذه النطفة الأمشاج تعرف علمياً عند بدء تكونها (بالزيجوت) .ويشير القرآن الكريم الى النطفة الامشاج
بقوله تعالى :{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2)} [الإنسان:2].
وهناك نقطة هامة تتصل بهذا النص وهي أن كلمة (نطفة) : اسم مفرد ، أما كلمة (أمشاج) فهي صفة في صيغة الجمع ؛ وقواعد اللغة تجعل الصفة تابعة للموصوف في الإفراد والتثنية والجمع .
وكان مصطلح (نطفة أمشاج) واضحاً عند مفسري القرآن الكريم الأوائل مما جعلهم يقولون: النطفة مفردة لكنها في معنى الجمع .
ويمكن للعلم اليوم أن يوضح ذلك المعنى الذي استدل عليه المفسرون من النص القرآني .
فكلمة (أمشاج) من الناحية العلمية دقيقة تماماً وهي صفة جمع تصف كلمة نطفة المفردة ، التي هي عبارة عن كائن واحد يتكون من أخلاط متعددة تحمل صفات الأسلاف والأحفاد لكل جنين .
وتواصل هذه المرحلة نموها ، وتحتفظ بشكل النطفة ، ولكنها تنقسم إلى خلايا أصغر فأصغر تدعى قسيمات جرثومية (blastomeres) .
وبعد أربعة أيام تتكون كتلة كروية من الخلايا تعرف بالتوتية (morula) .
وبعد خمسة أيام من الإخصاب تسمى النطفة (كيس الجرثومة) (blastocyst) مع انشطار خلايا التوتية إلى جزئين .
وبالرغم من انقسام النطفة في الداخل إلى خلايا فإن طبيعتها ومظهرها لا يتغيران عن النطفة لأنها تملك غشاء سميكاً يحفظها ويحفظ مظهر النطفة فيها .
وخلال هذه الفترة ينطبق مصطلح (نطفة أمشاج) بشكل مناسب تماماً على النطفة في كافة تطوراتها ، إذ أنها تظل كياناً متعدداً .
فهي إلى هذا الوقت جزء من ماء الرجل والمرأة .
وتأخذ شكل القطرة فهي نطفة .
وتحمل أخلاطاً كثيرة فهي أمشاج. وهذا الاسم للجنين في هذه المرحلة يغطي الشكل الخارجي وحقيقة التركيب الداخلي بينما لا يسعفنا مصطلح : (توتة) بهذه المعاني ، كما لا تعبر الأرقام المستعملة الآن عن هذه المعاني(1/16)
نتاج تكوين النطفة الأمشاج :
أ : الخلق :
وهو البداية الحقيقية لوجود الكائن الإنساني. فالمنوي يوجد فيه (23) حاملاً وراثياً ، كما يوجد في البييضة (23) حاملاً وراثياً أيضاً .
ويمثل هذا نصف عدد حاملات الوراثة في أي خلية إنسانية .
ويندمج المنوي في البييضة لتكوين الخلية الجديدة التي تحوي عدداً من الصبغات (الكروموسومات) مساوياً للخلية الإنسانية (46) ، وبوجود الخلية التي تحمل هذا العدد من الصبغيات يتحقق الوجود الإنساني ، وينقرر به خلق إنسان جديد لأن جميع الخطوات التالية ترتكز على هذه الخطوة وتنبثق منها ، فهذه هي الخطوة الأولى لوجود المخلوق الجديد.
ب : التقدير (البرمجة الجينية) :
وبعد ساعات من تخلق إنسان جديد في خلية إنسانية كاملة تبدأ عملية أخرى، تتحدد فيها الصفات التي ستظهر على الجنين في المستقبل (الصفات السائدة) .
كما تحدد فيها الصفات المتنحية التي قد تظهر في الأجيال القادمة ، وهكذا يتم تقدير أوصاف الجنين وتحديدها (انظر شكل 2-3).
وقد أشار القرآن إلى هاتين العمليتين المتعاقبتين (الخلق والتقدير) في أول مراحل النطفة الأمشاج في قوله تعالى : {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)} [عبس:17-19] .
ج : تحديد الجنس :
ويتضمن التقدير الذي يحدث في النطفة الأمشاج تحديد الذكورة والأنوثة ، وإلى هذا تشير الآية: قال تعالى : {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)} [النجم:45-46].
فإذا كان المنوي الذي نجح في تلقيح البييضة يحمل الكروموسوم ( y) كانت النتيجة ذكراً ، وإذا كان ذلك المنوي يحمل الكروموسوم (X) كانت النتيجة أنثى .
4- الحرث :(1/17)
تبقى النطفة إلى ما قبل طور الحرث (الانغراس) متحركة وتظل كذلك حين تصير أمشاجاً وبعد ذلك ، وبالتصاقها بالرحم تبدأ مرحلة الاستقرار التي أشار إليها الحديث النبوي (يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين يوماً ... )
وفي نهاية مرحلة الأمشاج ينغرس كيس الجرثومة في بطانة الرحم بما يشبه انغراس البذرة في التربة في عملية حرث الأرض ، وإلى هذه العملية تشير الآية في قوله تعالى :{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ..} [البقرة:223].
وبهذا الانغراس يبدأ طور الحرث ويكون عمر النطفة حينئذ ستة أيام .
وفي الحقيقة تنغرس النطفة (كيس الجرثومة) في بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها تتعلق بها في جدار الرحم والتي ستكون في النهاية المشيمة كما تنغرس البذرة في التربة.
ويستخدم علماء الأجنة الآن مصطلح (انغراس) في وصف هذا الحدث ، وهو يشبه كثيراً في مغناه كلمة (الحرث) في العربية .
وطور الحرث هو آخر طور في مرحلة النطفة ، وبنهايته ينتقل الحميل من شكل النطفة ويتعلق بجدار الرحم ليبدأ مرحلة جديدة ، وذلك في اليوم الخامس عشر . ومن الضروري ملاحظة مايلي :
1- في أعقاب الانقسامين الجزئيين ينخفض عدد الصبغيات (46) إلى النصف (23) .
2- تتكون (4) منويات من خلية منوية واحدة بينما تتكون بييضة واحدة من خلية بييضة أولية واحدة مكتملة النمو .
3- يتم المحافظة على حشوة الخلية خلال عملية تكون البييضة من أجل تكون خلية كبيرة واحدة أي خلية البييضة البالغة أو البييضة .
وعليه فقد وصف القرآن الكريم كل جوانب مرحلة النطفة من البداية إلى النهاية ، مستعملاً مصطلحات وصفية علمية دقيقة لكل طور من أطوارها.
ويستحيل علمياً كشف التطورات وعمليات التغير التي تحدث خلال مرحلة النطفة من غير استخدام المجاهر الضخمة ، نظراً لصغر حجم النطفة .(1/18)
ولقد حدد القرآن الكريم أول مراحل النطفة بالماء الدافق فقال تعالى:{فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)} [الطارق:5-6] وحدد آخرها بحرث النطفة أي غرسها في القرار المكين .
وفي العصر الذي ذكر فيه القرآن هذه المعلومات عن المرحلة الأولى للتخلق البشري، كان علماء التشريح من غير المسلمين ، يعتقدون أن الإنسان يتخلق من دم المحيض .
وظل هذا الاعتقاد رائجاً حتى اختراع المجهر (microscope) في القرن السابع عشر ، والاكتشافات التالية للحيوان المنوي والبييضة ، كما ظلت أفكار خاطئة أخرى سائدة حتى القرن الثامن عشر ، حيث عرف أن كلاً من الحيوان المنوي والبييضة ضروريان للحمل.
وهكذا فإنه بعد قرون عديدة يتمكن العلم البشري من الوصول إلى ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية .
وصف الرحم بأنه " القرار المكين " :
وصف القرآن الكريم النطفة بأدق وصف ، ووصف المكان الذي تستقر فيه النطفة بوصفين جامعين معبرين ، قال سبحانه وتعالى : {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)} [المؤمنون:13].
فكلمة (قرار) في الآية الكريمة تشير إلى العلاقة بين الجنين والرحم. فالرحم (مكان لاستقرار الجنين) .
أما مكين فهي تشير إلى العلاقة بين الرحم وجسم الأم .
يقول الزبيدي : (قرار) معناه : (استقر واستراح).
وكذلك القرار هو مكان يستقر فيه الماء ويتجمع .
وقد وصف القرآن الكريم المكان الذي تستقر فيه النطفة (في الرحم) بأنه قرار .
وقد كشف العلم الكثير من التفاصيل لهذا الوصف الجامع المعبر .
فالرحم للنطفة ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر .
وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أي جسم خارجي ، فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه .
وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمي الجنين داخله .
ويستجيب الرحم لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلائم مع نموه فهو قرار له .(1/19)
ويحاط الجنين بعدة طبقات بعد السائل الأمينوسي وهي الغشاء الأمينوسي المندمج بالمشيمة ، وطبقة العضلات السميكة للرحم ثم جدار البطن ، وكل هذا يمد الجنين بمكان مناسب للاستقرار وللنمو الجيد .
وهكذا فإن كلمة (قرار) قد استعملت في القرآن الكريم لكل هذه المعاني وغيرها ، متضمنة وظائف الرحم باعتباره مكاناً مناسباً لاستقرار الجنين وتمكينه من مواصلة نموه .
وقد جمع اللفظ الذي وصف القرآن الكريم به الرحم بقوله "قرار" كل الحقائق التي اكتشفها العلم ، لبيان مناسبة الرحم لاستقرار الجنين ، فهو لفظ معبر جامع.
أما كلمة "مكين" فتعني مثبت بقوة ، وهذا يشير إلى علاقة الرحم بجسم الأم ، وموقعه المثالي لتخلق ونمو كائن جديد
ويقع الرحم في وسطا لجسم ، وفي مركز الحوض وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التي تثبته بقوة في الجسم. أي أنه مكين ، كما قرر القرآن الكريم.
وهذا أيضاً لفظ جامع معبر عن كل المعاني التي تبين تمكن الرحم وتثبيته في جسم الأم .
وهكذا فإن كل وصف يتضمن العلاقة بين الجنين والرحم وبين الرحم وجسم الأم ، قد أدخل في معنى الكلمتين (قرار) و (مكين) اللتين تعبران تعبيراً تاماً عن حقيقة الرحم ووظائفه الدقيقة ولا يفطن إلى أهمية هذين الوصفين إلا من له علم بحاجات نمو الجنين ، وحاجات الرحم ، لمواكبة هذا النمو حتى يخرج سليماً .
الخلاصة :
أطلق القرآن الكريم والسنة النبوية على الطور الأول من أطوار الجنين اسم (نطفة) ، وهو لفظ عربي يدل على القليل من الماء أو على قطرة منه .
وهكذا يبدأ خلق الجنين من قليل من ماء الأب والأم ، ثم يأخذ شكل القطرة في مرحلة التلقيح (الزيجوت) ، وقبل التلقيح ينسل المنوي من الماء المهين فيكون سلالة من ماء مهين ، كما قرر القرآن الكريم .
وشكل المنوي كالسمكة الطويلة ، وهذا أحد معاني لفظ (سلالة) الذي استعمله القرآن الكريم لوصف هذه المرحلة .(1/20)
وبالتلقيح بين المنوي والبييضة يكون الجنين في شكل نطفة مكونة من أخلاط ماء الرجل والمرأة وما فيهما من أخلاط وراثية. فأطلق القرآن عليها (نطفة أمشاج) ، فكان وصفاً معبراً عن الشكل (قطرة) وعن التركيب المفرد ، فهي (نطفة) ، وعن الأخلاط المجتمعة في النطفة (أمشاج) .
وبين القرآن أن المرأة محل الحرث ، وبهذا الوصف يتبين لنا أن النطفة تنغرس في العضو الخاص بالحمل عند المرأة (الرحم) ، وبهذا الانغراس تبدأ النطفة في التغير لتصبح بعد ذلك علقة .
ويبين القرآن أن تلك النطفة تستقر في جسم المرأة ، في مكان وصف بأهم وصفين يتعلقان بالجنين ونموه ، وهذان الوصفان (قرار) و (مكين) معبران أتم التعبير عن أهم خصائص الرحم ومميزاته .
وهكذا قدم القرآن الكريم والسنة النبوية منذ أكثر من ألف عام مصطلحات تصف مراحل الجنين ، وهي منطبقة تماماً مع قواعد تحديد المصطلحات في ضوء معارفنا المعاصرة وكل مرحلة قد قدم لها وصفاً دقيقاً يشمل المظهر الخارجي وأهم أحداث الخلق في تلك المرحلة.
ونريد أن نؤكد أنه مع استمرار البحوث الحديثة في هذا الموضوع ، يمكن أن تصبح المصطلحات القرآنية في الحقول العلمية أكثر ملاءمة من المصطلحات المستعملة حالياً ، بحيث يستعملها العلماء والدارسون بديلاً للمصطلحات المعاصرة لاسيما وأن لها مزيتها البينة في إيضاح بداية ونهاية كل مصطلح وخلوها من الغموض أو الالتباس .
تعليق :
كيف تكفر أيها الإنسان ؟
من آيات الله تعالى في النطفة :
* أيها الإنسان هل سألت نفسك أين كنت قبل ولادتك وكيف تكونت ومم تكونت وغيرها من تلك الأسئلة ؟!
هل تعرف كيف بدأ خلقك ؟ إن الجسم البشري يفرز إفرازات كثيرة منها العرق ... ومنها الدمع ومنها اللعاب ومنها البول ومنها اللبن ومنها المخاط ومنها ماء مهين وهو إفراز ليس كغيره من الإفرازات فمنه تنبت الشعوب والقبائل والأجيال .
لقد كنت نصفين نصف أفرزه أبوك ونصف أفرزته أمك .(1/21)
فكيف التقي النصفان ؟ ... ذلك تقدير العزيز العليم .
ومن الذي أوجد المودة والرحمة بين الزوجين لتكون دافعاً للزواج ؟
ومن الذي أعد نصفك في أبيك وهياً له الظروف وأمده بالحركة والغذاء ؟
ومن الذي سيره من موضع إلى موضع ويسر له سبيل اللقاء بالنصف الآخر وفتح أمامه الأبواب ؟
ومن الذي جعل رحم أمك يتقلص ليساعد نصفك من أبيك على الحركة والانتقال إلى مكان اللقاء المقدر ؟
ومن الذي نقل نصفك من أمك وهيأ له الغذاء والكان ؟ ومن الذي جمع النصفين في زمن محدد في مكان محدد في بيئة محددة معدة مهيأة في فترة محددة من عمر أمك يمكنها فيها أن تحملك ليعلن عن وجود مخلوق جديد ... ؟
ومن قدر كل تلك الأقدار لإيجاد مخلوق فذ هو أنت ؟
مخلوق رتبت أموره ترتيباً وقدرت أوصافه وأحواله تقديراً .
تقدير في الزمان
وتقدير في المكان
تقدير في الهيئة والظروف
وتقدير للغدد والهرمونات
تقدير للخصائص والصفات
وتقدير للسلوك والقدرات
تقدير للأبناء والأحفاد ...
وتقدير للمستقبل وإخراج له من غيب الماضي إلى عبر الحاضر .
ونقل الخصائص من الأباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد أنت أيها الإنسان ومهما كان أمرك ... ومهما صار شأنك .
صغيراً أو كبيراً ، زعيماً أو عظيماً ، ملكاً أو رئيساً عالماً
أو جاهلاً .
كنت ماء مهينا فقدر هكذا وقدرت أمورك تقديراً وأصبحت إنساناً سميعاً بصيراً .
ترى من كان وراء ذلك التقدير والتدبير . ؟! أتكون الصدفة ؟
أتكون النطفة ؟
أتكون الغدد والهرمونات ؟
أيكون أياً من تلك وراء ذلك الترتيب الدقيق ، والتقدير المحكم للأشكال ، والأحجام ، والوظائف والخصائص ، والزمان ، والمكان ، وكلها لا تملك تقديراً ولا تدبيراً ولا تحيط بالأمر بداية ولا نهاية ؟!
أم أنها قدرة الخالق الحكيم العليم الذي أحاط بكل شئ علماً وقدر لكل عضو وظيفة ومهمة ووفق بين الوظائف والمهام وكملها ؟
{(1/22)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(21)ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ(22)كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)} [عبس:17-23] وكما كانت تلك البداية من نطفة بما تحوي من مورثات وصبغيات لا ترى بالعين المجردة قد انطلق منها الوجود الإنساني بشراً سوياً فملأ الأرض سعياً وحضارات فكذلك تكون النشأة الأخرى ... والذي قدر على الخلق أول مرة يقدر على المرة الأخرى وصدق الله القائل في وصف الإنسان الجاحد :
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ(77)وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78)قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ(79)} [يس:77-79] .
أليست هذه هي الخصومة الحمقاء من نطفة تمنى في مواجهة رب الأرض والسماء وخالق الحياة والأحياء .
لقد مر دهر على الأرض ما كانت لتشهد وجود هذا الإنسان ... فإذا به يصبح سيداً عليها تدفع أجياله في الخروج إلى الأرض نطفاً أمشاجاً وقد زودت فأدوات العلم (السمع ، البصر ... الخ) ليكن الإنسان مؤهلاً للهدى وحمل الأمانة. قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا(1)إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا(2)} [الإنسان:1-2]
ويتم الامتحان ويكتسب الإنسان ماشاء من الأعمال ويزول كل شئ من الدنيا وتبقى الإساءة والإحسان وعليهما يكون الجزاء .
الباب الثالث
وصف التخلق البشري طورا العلقة والمضغة
كيث. ل. مور
جامعة تورنتو – كندا
عبدالمجيد الزنداني
بسم الله الرحمن الرحيم(1/23)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
يؤكد القرآن الكريم مراحل النمو (التخلق) البشري في الآيات التالية :
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} [المؤمنون:12-14] .
لقد قسمت هذه الآية الكريمة مراحل تطور الجنين الإنساني إلى ثلاث مراحل أساسية، وفصلت بين كل منها بحرف العطف (ثم) الذي يفيد الترتيب مع التراخي .
فالمرحلة الأولى هي مرحلة النطفة .
والمرحلة الثانية هي مرحلة التخليق .
والمرحلة الثالثة هي مرحلة النشأة .
وتتألف المرحلة الثانية من أربعة أطوار : العلقة ، المضغة ، العظام ، اللحم .
وتمتد هذه المرحلة ابتداءً من الأسبوع الثالث حتى نهاية الأسبوع الثامن. وأهم ما يميزها هو التكاثر السريع للخلايا ، ونشاطها الفائق في تكوين الأجهزة مما يجعل وصف التخليق وصفاً دقيقاً معبراً عن طبيعة العمليات الداخلية ، والمظهر الخارجي للجنين حيث ينتقل من مظهر غير متميز إلى مظهر إنساني متميز في الأسبوع السابع نتيجة لانتشار الهيكل العظمي ثم بناء العضلات في الأسبوع الثامن .
ونظراً لأن العمليات التخليقية للجنين تتم بسرعة كبيرة، وتتلاحق فيها الأحداث خلال هذه الفترة، فإننا نلحظ أن القرآن الكريم قد استعمل حرف العطف (الفاء) الذي يفيد الترتيب مع التعقيب للربط الإنتقال بين أطوار هذه المرحلة.
وسنتناول في بحثنا هذا طورين منها هما:
1. طور العلقة:
وردت كلمة (علقة) في كتب اللغة بالمعاني الآتية:
لفظة (علقة) مشتقة من (علق) وهو: الإلتصاق والتعلق بشيء ما.(1/24)
والعلقة: دودة في الماء تمتص الدم، وتعيش في البرك، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها، والجمع علق.
وعلقت الدابة إذا شربت الماء فعلقت بها العلقة. والعلق: الدم عامة والشديد الحمرة أو الغليظ أو الجامد وهذا ما أشار إليه أكثر المفسرين.
ويضاف إلى ذلك أن العلقة تطلق على: (الدم الرطب) وتستغرق هذه العملية أكثر من أسبوع حتى تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية بواسطة ساق موصلة تصبح فيما بعد الحبل السري.
وفي أثناء عملية الحرث تفقد النطفة شكلها لتتهيأ لأخذ شكل جديد هو: العلقة، الذي يبدأ بتعلق الجنين بالمشيمة، ووصف القرآن الكريم هذا التعلق بالعلقة.
وهذا يتفق مع المعنى (التعلق بالشيء) الذي يعتبر أحد مدلولات (كلمة علقة) .
أما إذا أخذنا المعنى الحرفي للعلقة (دودة عالقة) فإننا نجد أن الجنين يفقد شكله المستدير ويستطيل حتى يأخذ شكل الدودة.
ثم يبدأ في التغذي من داء الأم، مثلما تفعل الدودة العالقة، إذ تتغذى من دماء الكائنات الأخرى، ويحاط الجنين بمائع مخاطي تماماً، مثلما تحاط الدودة بالماء.
ويبين اللفظ القرآني "علقة" هذا المعنى بوضوح طبقاً لمظهر وملامح الجنين في هذه المرحلة.
وطبقاً لعمنى (دم جامد أو غليظ) للفظ العلقة، نجد أن المظهر الخارجي للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ لأن القلب الأولي وكيس المشيمة، ومجموعة الأوعية الدموية القلبية تظهر في هذه المرحلة.
وتكون الدماء محبوسة في الاوعية الدموية حتى وإن كان الدم سائلاً، ولا يبدأ الدم في الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث وبهذا يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه دماً رطباً 0(1/25)
وتندرج الملامح المذكورة سابقاً تحت المعنيين المذكورين للعلقة (دم جامد) أو (دم رطب) أما الفترة الزمنية التي يستغرقها التحول من نطفة إلى علقة فإن الجنين خلال مرحلة الإنغراس أو الحرث يتحول من مرحلة النطفة ببطء، إذ يستغرق نحو أسبوع منذ بداية الحرث (اليوم السادس) إلى مرحلة العلقة، حتى يبدأ في التعلق (اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر).
ويستغرق بدء نمو الحبل الظهري حوالي عشرة أيام (اليوم السادس عشر) حتى يتخذ الجنين مظهر العلقة.
والدلالات الواردة في الآيات المذكورة فيما يتعلق بالفترة التي تتحول فيما النطقة إلى علقة، تأتي من حرف العطف (ثم) الذي يدل على انقضاء فترة زمنية حتى يتحقق التحول إلى الطور الجديد.
وهكذا فإن التعبير القرآني "علقة" يعتبر وصفاً متكاملاً عن الطور الأول من المرحلة الثانية لنمو الجنين، ويشتمل على الملامح الأساسية الخارجية والداخلية.
ويتسع اسم "علقة" فيشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة عالقة، كما يشمل الأحداث الداخلية كتكون الدماء والأوعية المقفلة.
كما يدل لفظ علقة على تعلق الجينن بالمشيمة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد أظهر القرآن الكريم التحول البطيء من النطفة إلى العلقة باستعمال حرف العطف "ثم".
2. طور المضغة:
يكون الجنين في اليومين 23-24 في نهاية مرحلة العلقة) ثم يتحول إلى مرحلة المضغة في اليومين 25-26 ويكون هذا التحول سريعاً جداً، ويبدأ الجنين خلال آخر يوم أو يومين من مرحلة العلقة إتخاذ بعض خصائص المضغة، فتأخذ الفلقات (Somites) في الظهور لتصبح معلماً بارزاً لهذا الطور.
ويصف القرآن الكريم هذا التحول السريع للجنين من طور العلقة إلى طور المضغة باستخدام حرف العطف (ف) الذي يفيد التتابع السريع للأحداث
معنى كلمة مضغة:المضغة في اللغة تأتي بمعان متعددة منها:
(شيء لاكته الأسنان).
وفي قولك (مضغ الأمور) يعني صغارها.
وذكر عدد من المفسرين أن المضغة في حجم ما يمكن مضغه(1/26)
وعند اختيار مصطلحات لمراحل نمو الجنين، ينبغي أن يرتبط المصطلح بالشكل الخارجي، والتركيبات الداخلية الأساسية للجنين، وبناء على هذا فإن إطلاق اسم مضغة على هذا الطور من أطوار الجنين يأتي محققاً للمعاني اللغوية للفظها: مضغة.
كا أوضح علم الأجنة الحديث مدى الدقة في اختيار تسمية "مضغة" بهذا المعنى، إذ وجد أنه بعد تخلق الجنين والمشيمة في هذه المرحلة يتلقى الجنين غذاءه وطاقته، وتتزايد بذلك عملية النمو بسرعة، ويبدأ ظهور الكتل البدنية المسماة فلقات التي تتكون منها العظام والعضلات.
ونظراً للعددي من الفلقات (الكتل البدنية) التي تتكون فإن الجنين يبدو وكأنه مادة ممضوغة عليها طبعات أسنان واضحة فهو مضغة.
ويمكن إدراك تطابق مصطلح "مضغة" لوصف العمليات الجارية في هذا الطور في النقاط التالية:
1. ظهور الفلقات التي تعطي مظهراً يشبه مظهر طبع الأسنان في المادة الممضوغة، وتبدو وأنها تتغير باستمرار مثلما تتغير آثار طبع الأسنان في شكل مادة تمضغ حين لوكاه- وذلك للتغير السريع في شكل الجنين – ولكن آثار الطبع أو المضغ تستمر ملازمة. فالجنين يتغير شكله الكلي، ولكن التركيبات المتكونة من الفلقات تبقى ... وكما أن المادة التي تلوكها الأسنان يحدث بها تغضن وانتفاخات وتثنيات فإن ذلك يحدث للجنين تماماً
2. تتغير أوضاع الجنين نتيجة تحولات في مركز ثقله مع تكون أنسجة جديدة، ويشبه ذلك تغير وضع وشكل المادة
حينما
تلوكها الأسنان.
3. وكما تستدير المادة الممضوغة قبل أن تبلع، فإن ظهر الجنين ينحني ويصبح مقوساً شبه مستدير مثل حرف (C) بالإنجليزية.
4. ويكون طول الجنين حوالي (1) سم في نهاية هذه المرحلة، وذلك مطابق للوجه الثاني من معاني كلمة مضغة وهو (الشيء الصغير من المادة) وهذا المعنى ينطبق على حجم الجنين الصغير. لأن جميع أجهزة الإنسان تتخلق في مرحلة المضغة ولكن في صورة برعم.(1/27)
وأما المعنى الثالث الذي ذكره بعض المفسرين للمضغة (في حجم ما يمكن مضغه) فإنه ينطبق ثانية على حجم الجنين، ففي نهاية هذا الطور يكون طول الجنين(1) سم، وهذا تقريباً أصغر حجم لمادة يمكن أن تلوكها الأسنان.
وأما طور العلقة السابق فقد كان الحجم صغيراً لا يتيسر مضغه إذ يبلغ (3.5) مم طولاً، وينتهي طور المضغة بنهاية الأسبوع السادس.
ولا تتمايز الفلقات في البداية، ولكنها سرعان ما تتمايز إلى خلايا تتطور إلى أعضاء مختلفة، وبعض هذه الأعضاء والأجهزة تتكون في مرحلة المضغة، والبعض الآخر في مراحل لاحقة.
وإلى هذا المعنى تشير الآية القرآنية الكريمة:
{...ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ...} [الحج:5] .
ويحدد القرآن الكريم أن العظام تبدأ بعد مرحلة المضغة ثم تكسي العظام بالعضلات. وهذا ما يقرره عام الأجنة الحديث.
الخلاصة:
يبدأ طور العلقة بتعلق الجنين بالمشيمة، ويأخذ في تعلقه واستطالته شكل العلقة.
وينتهي هذا الطور بالنمو السريع لخلايا الجنين في عدة اتجاهات، وتبدأ العلقة في أخذ شكل المضغة الذي ينتهي بدوره بانتشار الهيكل العظمي في أوائل الأسبوع السابع.
وهكذا نجد أمامنا مراحل محددة البداية والنهاية، وأسماء معبرة عن الشكل، وأهم الأحداث، وحروف عطف مناسبة تشير إلى الفوارق الزمنية في التحول.
ومعرفة هذه الحقائق إلى القرنين الأخيرين كان مستحيلاً فضلاً عن 1400عام.(1/28)
وإذا تأمل الإنسان الأطوار السابقة يجد أن مراحلها قصيرة جداً ولا يمكن الحصول على الأجنة خلالها سليمة إلا بوسائل علمية دقيقة كان من المستحيل تيسرها في وقت نزول القرآن الكريم، وما كان يخرج منها في حالات الإجهاض على هيئة سقط مبكر يخرج في كمية من الدماء، وقد تمزق إلى أجزءا دقيقة لا تعطي مظهراً يمكن دراسته فضلاً على أن تلك الأجيال لم يكن في إمكانها أن تعلم أن هذه الدماء تحمل سقطاً من جنين، لأن معرفة حدوث الحمل لم تكن حتى عهد قريب متحققة في الأسابيع الأولى التي تحدث فيها هذه الأطوار للجنين.
وهكذا تعتبر هذه الأوصاف القرآنية دلالات واضحة على أن هذه الحقائق العلمية جاءت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الله سبحانه وتعالى.
الباب الرابع
وصف التخلق البشري طورا العظام واللحم
المقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يم الدين وبعد:
ذكر القرآن الكريم النمو البشري ابتداء من مرحلة (النطفة)، وخلال عملية الحمل كلها بأسلوب سهل واضح رائع قول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} [المؤمنون:12-14].
ويتضمن هذا البحث وصفاً لطورين:
1. تكون العظام.
2. تكوين العضلات في الجنين.
بمصطلحات (جنينية) معاصرة، ثم يتضمن مناقشة لطوري تكون العظام واللحم اللذين يصفان حدوث حدوث هاتين العمليتين.
أولاً: تكون العظام:
أوردت المؤلفات العلمية المعاصرة وصفاً مفصلاً، لتطور العظام والعضلات البشرية.(1/29)
فالعظام لا تتطور معاً في آن واحد في الجسم كله، بل هناك برنامج أو جدول زمني لتكونها.
وأول عظام يكتمل تكونها على سبيل المثال: هي عظيمات الأذن الداخلية، (خلال المرحلة الجنينية) بينما لا تكتمل مراكز النمو للعظام الطويلة للأرجل إلا بعد سن العشرين من الولادة أو أكثر. ويمكننا مع ذلك أن نحدد مرحلة مميزة للعظام عندما يدخل الجنين مرحلة انتشار الهيكل العظمي حين يتكون الهيكل الغضروفي(العظم الأولى)في الأسبوع السابع.
وبهذا ينتقل شكل الجنين من مرحلة المضغة التي لا تحمل شكلاً آدمياً إلى مرحلة العظام التي يغلب عليها شكل الهيكل العظمى المميز للإنسان.
وتتضمن عملية تكون العظام، مجموعة طلائع خلايا الأنسجة الوسطى (النسيج الجنيني الضام) لكل من العظام الغشائية والعظام الغضروفية فحين تتكون العظام بين الأغشية (كعظام الفك السفلي والفك العلوي) تتكاثف خلايا النسيج الأوسط مكونة أكداساً من الخلايا، وتتميز على شكل خلية تعظم أو بدائية عظيمة، تفرز بدورها حول نفسها منبتاً عضوياً للعظام، يكون غنياً بالغراء.وعندما يحيط منبت العظام بالخلايا، تسمى خلايا عظمية، ويتمعدن (بترسب الكالسيوم) منبت العظام العضوي مع تعظمه.
وتتكون العظام الغضروفية على نحو مماثل، باستثناء الخلايا المتكثفة في الطبقة المتوسطة فإنها تتميز أولاً، على شكل جذعة غضروفية تكون المنبت العضوي لعظام الغضروف.
فيتكون الهيكل العظمي الأولى من الغضروف، ثم يحل العظم محل الغضروف، وتحيط طبقة من الأنسجة الضامة – تسمى غشاء الغضروف- بنموذج الغضروف (أو السمحاق الذي يغلف العظام)، ويكون بمثابة خزان للخلايا الأصول (الجذعات الغضروفية أو الجذعات العظمية) عند نمو هذه الأنسجة.(1/30)
وبالرغم من أن طلائع خلايا العضلات والعظام قد تتجاور (في الفلقات مثلاً) فإن تاريخها يبدأ بالاختلاف عندام تبدأ الخلايا بالانتقال إلى أماكن مختلفة في الجنين إذ إنها لا تنتشر في الجسم لتكسو العظام إلا بعد تكون الهيكل العظمي الغضروفي.
وتنبثق عظام الجسم الطويلة عن النسيج الأوسط الجنيني.
وتتكاثف خلايا هذا النسيج في الأطراف، فتتجمع في المنطقة التي تتكون فيها العظام.
ومن تلك الكتلة الكثيفة من الخلايا تبدأ عملية تكون الأنسجة التي يتميز فيا النسيج الأوسط على شكل جذعات غضروفية.
وتفرز هذه الجذعات بدورها حول نفسها المنبت العضوي للغضاريف.
وينجم عن عملية التغضرف ظهور نموذج غضروفي يعطي الجنين هيكله العظمي وشكله الإنساني.
وتنفصل الخلايا عن النسيج الضام، وتشكل قلادة عظيمة حول ساق النموذج الغضروفي.
وينفصل النسيج الغضروفي اللاوعائي نتيجة لذلك عن المواد المغذية المنتشرة، ويصبح نخرياً، وتموت الخلايا الغضروفية.
ويعقب ذلك انتشار خلايا الأنسجة الضامة، والعناصر الوعائية من الأنسجة الضامة المجاورة.
وتجتمع بعض هذه الخلايا المنتشرة على شكل جذعة عظيمة وتحيط نفسها بمنبت غضروفي عظمي عضوي حديث الإفراز، وبذلك تتكون الخلايا العظمية للعظم الحديث النمو (الذي كان قبل ذلك نموذجاً غضروفياً).
ومع أنه لا يبدأ تكون العظام على نحو موحد في الجسم كله، وتظهر الأنسجة العظمية بالتعاقب. فإن الأسبوع السابع يشهد مرحلة انتشار الهيكل العظمي في جسم الجنين ويبدأ نمو عظام الأطراف في براعم العظام الجنينية من خلايا النسيج الأوسط، وتظهر مراكز التعظم الابتدائي في الفخذ خلال الأسبوع السابع وفي القص والفك خلال الأسبوعين الثامن والتاسع..
وقد دونت عملية تكون العظام في الجنين البشري تدويناً جيداً في العقود الأخيرة. وقد تمت في علم الأنسجة، دراسة دور كل من النسيج الأوسط والجذعات العظيمة، وكاسرات العظام، والخلايا العظيمة.(1/31)
ومما سهل معرفة مراحل ترسب الغضاريف والتمعدن في الجنين، تطبيق اجراءات الاصطباغ الخاصة بالغضاريف والعظام.
وبالرغم من وجود طلائع خلايا (جذوع العضلات) بالقرب من العظام النامية فإن التميز على شكل روابط عضلية هيكلية تكسو العظام يحدث بعد بدء عملية التعظم في نهايات العظام والساق.
ثانياً: مصطلح العظام:
قال تعالى:{ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا}.
هذا النص القرآني يبين أن طور العظام يأتي بعد طور المضغة، وأن المضغة قد تطورت لديها عناصر هيكلية.
ووردت في القرآن الكريم مصطلحات محددة لوصف المراحل المختلفة.
ويعتبر شكل الجنين سبباً من أسباب اختيار المصطلح المستخدم لكل مرحلة.
وعلى سبيل المثال:
تصبح النطفة علقة، حينما تفقد مظهرها الذي يشبه النطفة.
وتصبح العلقة بالمثل مضغة، وفقاً للتغير في شكلها.
لذا فالطور الذي يلي المضغة يدعي طور العظام لأن الجنين يأخذ شكل العظام بانتشار الهيكل العظمي في هذا الطور.
ويشير حرف العطف (ف) في الآية الكريمة إلى أن طور العظام ينمو بعد طور المضغة بفترة قصيرة.
وبينما يستمر طور المضغة حتى الأسبوع السادس تقريباً فإن طور العظام يظهر في بداية الأسبوع السابع بتطور الهيكل العظمي الغضروفي.
وحول هذه الأمور روى حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها خلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها)
ويتخذ الجنين في بدء طور العظام المظهر الإنساني الذي يميزه عن غيره من الأجنة، كما يصف الحديث الشريف ذلك بكلمة "صورها".
ويصعب قبل اليوم الثاني والأربعين تمييز الجنين البشري عن أجنة كثير من الحيوانات، مع أنه يكون مميزاً بوضوح في مظهره ، وتبدأ بعض الخلايا غير المتخصصة للجنين في التخصص، وتتحول إلى أجزاء وظيفية متنوعة.(1/32)
وينجم عن هذه العملية تكون الأعضاء وتهيئتها اللازمة للحياة. ويصبح سطح الجسم أكثر استواءً في طور العظام، ويتخذ في هذا الطور مظهراً أكثر استقامة كما ورد في القرآن الكريم {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)} [الانفطار:7] .
ثالثاً: تكوين العضلات:
تنشأ معظم خلايا عضلات الهيكل العظمي من الفلقات.
لذا ينمو الجهاز العضلي على شكل فقري (مجزء).
ويشير توزيع الأعصاب الجلدية في جسم الإنسان البالغ إلى هذا التجزء العضلي .
كما يشير التجزء العضلي بدوره إلى أصل التجزء الجنيني.
وعند نهاية الأسبوع الخامس، وبداية الأسبوع السادس من النمو تنتقل الخلايا الأولية لهيكل الجسم، وخلايا الجلد الأولية بعيداً عن منطقة الفلقات الأصلية.
ثم تنمو هذه الخلايا وتتصل بالخلايا المجاورة، ويكون نموها في اتجاه البطن لتشكل القسيمات العضلية.
وتتجزأ هذه القسيمات العضلية بدورها إلى أجزاء خارجية (epimeric) وأجزاء داخلية (hypomeric) يزود كل منهما بفرع من العصب الشوكي.
وبصفة عامة فإن الجهاز العضلي للظهر ينشأ من طبقة الأجزاء الخارجية (epimeric).
بينما تنشأ عضلات جدران البطن والضلوع من الأجزاء الداخلية (hypomeric).
لقد درست عملية تكون العضلات على مستوى الخلويا دراسة جيدة خلال العقود القليلة الماضية. واتضح من ذلك أن الخلايا الابتدائية للخلايا العضلية تندمج معاً وتكون مركبات متعددة النويات تتخذ شكل أنابيب عضلية (Myotubes) ويستمر النمو باندماج كل من الخلايا العضلية والأنابيب العضلية، ويحدث بعد الاندماج مباشرة أو خلاله تأليف وتنظيم بشكل تدريجي للخيوط العضلية Myofilaments (الأكتين، الميوسين وغيرهما من البروتينات العضلية) في هذه الخلايا أو (الألياف) العضلية.(1/33)
ويظهر ترتيب الألياف العضلية غير منتظم في البداية، ولكنها تدريجياً تنتظم في حزم من الألياف العضلية التي يتصف بها التنظيم النسيجي لعضلات الهيكل العظمي، ثم تتصل هذه الخلايا العضلية بغشاء العظام التي تكونت في هذا الموضع مكونة حول هذه العظام النسيج العضلي الذي يكسو تلك العظام. مع نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن، ويمكن ملاحظة تميز واضح لعضلات الجذع والأطراف والرأس، وقد بدت بصورة جلية في هذه الفترة وبهذا يصبح الجنين قادراً على إحداث بعض الحركات.
وقبل ألف وأربعمائة عام ذكر القرآن الكريم سبق تكون العظام في جنين الإنسان وما يعقبه من كساء العظام باللحم (العضلات) فقال تعالى: { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا } [المؤمنون:14] .
ويتم اتصال الألياف العضلية بالعظام بواسطة أوتار عن طريق تشابك النهايات القصوى للخلايا العضلية بحزم النسيج الضام للوتر المتكون. وهذا النسيج الضام الكثيف يتصل بقوة بالقشرة الخارجية المحيطة بالخلايا العضلية. كما يتصل كذلك بغشاء العظام الذي سبق تكوينه.
ومع نمو العظام فقد تنظمر حزم النسيج الضام داخل العظام على شكل ألياف: (شاربي) Sharpey, Sftbers. .
ويلاحظ أن تحلل الخلايا العضلية، وحلول عناصر النسيج الضام مكانها يمكن أن يقدم لنا تصوراً عن كيفية تكون الأوتار والصفاقات.
إن علم الحياة النمائية يهتم بدراسة تسلسل عمليات النمو التي تحدث في تكوين العظام والعضلات، ويمكننا أن نلخص نموذج التسلسل العام لهذه العمليات بما يلي:
(عندما تتكون عظام الهيكل فإن الطبقة المتوسطة التي تتشكل منها العضلات تبدأ في التجمع على هيئة كتل ظهرية أو بطنية، وتقوم بكساء أجزاء الهيكل العظمي المتكون).
رابعاً: مصطلح الكساء باللحم: لا تأخذ العظام واللحم (العضلات) شكلها الواضح المعروف في الأربعين يوماً الأولى .(1/34)
وتظهر في هيئتها المعتادة في الأسبوع السابع، ويشكل الجنين فتتميز لدينا مرحلة محددة مختلفة في مظهرها وتركيبها عن المرحلة السابقة (المضغة).
وتلي مرحلة العظام مرحلة أخرى تتميز عنها بكساء الهيكل العظمي باللحم من جميع جوانبه، فتتعدل الصورة الآدمية للجنين، وتتناسق الأعضاء بصورة أدق، وبذلك يبدأ الجنين بالحركة في نهاية الأسبوع الثامن.
وهذه مرحلة متميزة عن مرحلة العظام في التركيب والتناسق والصورة، وقدرة الجنين على الحركة.
وتبدأ هذه المرحلة من أواخر الأسبوع السابع إلى تمام الأسبوع الثامن. وتأتي عقب مرحلة العظام مباشرة، وهكذا جاء النص القرآني دالاً على التتابع السريع بين المرحلتين باستعمال حرف العطف (ف) الذي يفيد تعاقب الأحداث التي يربط بينها.
وتشير الآية الكريمة أيضاً إلى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين لتبدأ بعدها مرحلة النشأة بفترة من الزمن يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الدال على الترتيب والتراخي في الزمن بين الأفعال التي يربط بينها.
وكل ذلك قد دلت عليه الآية الكريمة في قوله تعالى:
{ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)}
خامساً: الخلاصة:
إن إستخدام مصطلحي عظام (الهيكل العظمي) ولحم (العضلات) يبين بوضوح السمات الرئيسية للأسبوعين السابع والثامن على التوالي.
وهما يتسمان بفترتي تكوين العظام، وتكوين العضلات، ويصفان هذين الطورين بلغة واضحة بعيدة عن الغموض.(1/35)
وبالرغم من أن أرسطو وبعض القدماء الذي أحرزوا تقدماً في هذا المضمار قد أشاروا إلى مفهوم النمو المتسلسل، إلا أن كثيراً من ملاحظاتهم قد استندت إلى وصف نمو أجنة الطيور، وهي لا تنطبق على المراحل الإبتدائية الأولى للتخلق البشري. كما أن البشرية لم تعرف أن خلق الإنسان في الرحم يمر بأطوار مختلفة إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر.
ويستطيع المرء أن يبحث في القرآن الكريم ليجد أول وصف تفصيلي للجنين حسب أطوار التخلق وأحداث النمو، وقد سبق بقرون كثيرة تلك المعلومات التي لم نتوصل إليها إلا حديثاً عن طريق جهود الكثيرين من العلماء والباحثين. وبعد أن تيسر للإنسان استخدام أدق الأجهزة والآلات التي لم تتوفر للإنسان إلا في عصرنا الحاضر.
الباب الخامس
وصف التخلق البشري مرحلة النشأة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
مقدمة
يظهر على الجنين في نهاية الأسبوع الثامن خواص بشرية ، فتكسي العظام بالعضلات التي يغطيها الجلد ، وتتميز بعد ذلك بشكل واضح كل أعضاء الجسم ، وتبدأ بالعمل .
وتبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع ، ويكون معدل النمو بطيئاً حتى بداية الأسبوع الثاني عشر وحينئذ يدخل طوراً جديداً من النمو السريع والتغير الكبير .
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الطور في الآية الكريمة :
{ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } [المؤمنون:14] .
تعريف المصطلح :
كلمة ( نشأة ) مشتقة من فعل ( نشأ ) ولها عدة معان منها :
1) (بدأ).
2) (نما)
3) (ارتفع ، ربا) .
وقد ورد عن علماء التفسير في هذه الآية المعنيان التاليان :
I) تطور الجنين إلى مخلوق ناطق سميع بصير .
II) نفخ الروح في الجنين .
وقد ورد حرف العطف ( ثم ) مع ( أنشأنا ) في الآية ليفيد أن مرحلة النشأة تأتي بعد مرحلة الكساء باللحم على التراخي في الزمن بصورة تدريجية .(1/36)
وتبدأ مرحلة النشأة (المرحلة الجنينية ) في الأسبوع التاسع ، ولكن هذه المعاني كلها لا تبدأ في الوضوح إلا فيما بعد ، كما أن نمو بعض الأعضاء يظهر في الأسبوع الحادي عشر . وتستمر مرحلة النشأة حتى نهاية الحمل أي : الأسبوع الثامن والثلاثين ، ويشير القرآن الكريم إلى هذا التأخر بحرف العطف (ثم).
خصائص مرحلة النشأة :
التطور للأعضاء والأجهزة :
تتميز مرحلة الحميل ببداية تكون الأعضاء وظهورها ، بينما تتسم مرحلة الجنين اللاحقة لها بتهيئة الأعضاء والأجهزة المختلفة للقيام بوظائفها .
وهذا هو المعنى الذي أشار إليه المفسرون ( يصبح الإنسان كائناً ناطقاً سميعاً بصيراً ).
وتعتبر نهاية طور كساء العظام باللحم الحد الفاصل بين مرحلتي الحميل والجنين .
2) نفخ الروح :
تشير النصوص القرآنية والنبوية على أن الروح قد تنفخ في مرحلة الجنين ومعنى ذلك أن الحياة التي تكون قبل ذلك حياة من نوع آخر أطلق عليها علماء المسلمين (الحياة النباتية ).
كما تدل النصوص الشرعية على أن الروح تغادر البدن وقت النوم وتعود إليه باليقظة .
قال تعالى : { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(42)}[الزمر:42] .
وقال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(60)} [الأنعام:60].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند استيقاظه : (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) .(1/37)
وعلى هذا يمكننا أن نعتبر ظاهرة النوم دليلاً على نفخ الروح في الجنين ودليلاً على وجودها . ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات فيما يتعلق بنمو الأعصاب في الجنين . لتحديد وقت نمو أنماط اليوم لديه . فلعل ذلك يكون محدداً لمرحلة نفخ الروح كما أنه عندما يتمكن الجنين من التحرك إرادياً برغبة منه مقارنة بالحركة الانعكاسية اللا إرادية ، يمكن اعتبار ذلك دليلاً على وجود الروح أيضاً .
3) التغيرات في مقاييس الجسم ، واكتساب الصورة الشخصية :
تحدث هذه العمليات كما هو مذكور في الآية التالية { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ(8)} [الانفطار:7-8].
فالكلمة ( سواك ) في الآية الكريمة تعني جعل الشيء مستوياً ومستقيماً ومهيأً لأداء وظائفه، وتعني كلمة (عدلك) تغير الشكل والهيئة لتكوين شيء محدد. وتبدأ التسوية خلال طور العظام .
أما الحرف (ف) قبل كلمة (عدلك) فهو يشير إلى التسلسل المباشر . ويكون المعنى بذلك : (وبعد ذلك عدل هيئتك) لأن (عدلك) تبينها الآية التي تليها (في أي صورة ما شاء ركبك).
وتتغير خلال مرحلة النشأة مقاييس الجسم ، وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة.
فتنتقل الأذن على سبيل المثال من الرقبة إلى الرأس ، وتتحرك العينان إلى مقدمة الوجه ، ويصبح الطرفان السفليان أكثر طولاً مقارنة بالجسم ..
ويشار إلى هذا بكلمة (تعديل) وتعني : التقويم . (المعجم الوسيط 2 : 588).
وتعني كلمة (صورة) في الآية الثانية (هيئة أو شكل) . المعجم الوسيط (1 : 528). وتستمر عملية التعديل والتصوير حتى الولادة بل وبعدها .
4) تحديد الجنس :
ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي ثلاث خطوات تحدد نمو الخصائص الجنسية (التذكير والتأنيث) .
وتحدث الخطوة الأولى :
في مرحلة النطفة (التقدير في النطفة).
أما الخطوة الثانية :(1/38)
وهي تمايز غدتي التناسل على شكل خصيتين أو مبيضين ، فإنها تحدث خلال مرحلة الكساء باللحم .
وتحدث الخطوة الثالثة :
وهي : تميز الأعضاء التناسلية الخارجية خلال مرحلة النشأة .
كما يشير إلى ذلك الحديث الشريف الذي رواه مسلم (عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى قال : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها ، وخلق سمعها، وبصرها ، وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى ، فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك) .
فالحديث يفيد أن الملك يستأذن الله عز وجل في جعل الجنين ذكراً أم أنثى بعد خلق السمع والبصر واللحم والعظم والجلد ، فيأذن الله له بذلك .
وهذا يتحقق بخلق الأعضاء التناسلية الخارجية التي يتم بها التمييز النهائي للذكورة والأنوثة، وتكتمل بها أطوار تحديد الجنس ، ويتم ذلك في الأسبوع الثاني عشر .
وكما نلاحظ إمكانية التمييز بسهولة بين الأعضاء الخارجية تكون متماثلة إلى الأسبوع التاسع .
ويتبين إمكانية التمييز بسهولة بين الأعضاء التناسلية الخارجية للجنسين في الأسبوع الثاني عشر ، وتصعب قبل ذلك علماً بأن التطور الجنسي لمستقبل الجنين المتمثل في الغدد والأعضاء التناسلية الخارجية قد تحدد سلفاً وفقاً لجنس الكروموزوم ... إلا أنه يحدث أحياناً أن الأعضاء التناسلية الخارجية تتطور في وضع مغاير للوضع الجيني السابق بالنسبة لتحديد نوع الجنس .
أطوار مرحلة النشأة :
وتشمل ما يلي :
1) النشأة خلقاً آخرويبدأ هذا الطور في الأسبوع التاسع ، ويستمر حتى الأسبوع الثاني والعشرين ، وتتضح في الجنين ، الصفات التالية :
I) النمو السريع ، والتطور الذي يتطابق مع معنى (النشأة) الذي تقدم .
أ : الأعضاء التناسلية الخارجية للذكر خلال الأسبوع التاسع :
1) فتحة الشرج .
2) انتفاخ صفتي شفري .
3) الساق .
4) حشفة الذكر .
5) البروز الفني .
6) الصفن .
7) الحز الإحليلي ( المبالي ) .
8) ثنية بولية تناسلية .
،(1/39)
ب : الأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى :
1) فتحة الشرج .
2) البظر .
3) انتفاخ صفتي شقري ( الشفر الكبير ) .
4) الساق .
5) ثنية بولية تناسلية .
6) لاحظ التشابه الكبير بين الذكر والأنثى .
(أ) الأعضاء التناسلية الخارجية للذكر خلال الأسبوع الثاني عشر :
فتحة الشرج . ميسم ظهاري . الذكر . البرز العجاني . برز صفتي . الصفن .
ب) الأعضاء التناسلية للأنثى خلال الأسبوع الثاني عشر :
فتحة الشرج . الإليتان . البظر . انتفاخ صفني شفري . الساق . ( يمكن التمييز هنا بسهولة بين الذكر والأنثى ) .
فالجنين ينمو ببطء بعد طور اللحم ( الأسبوع التاسع ) مباشرة ، وحتى الأسبوع الثاني عشر ، ثم يتسارع النمو جداً
ب) تغيير طبيعة الجنين وتطور أعضائه .
فالهيكل العظمي يتطور من العظام الغضروفية اللينة إلى عظام صلبة متكلسة . وفي الأسبوع الثاني عشر من الحمل تظهر مراكز التعظم في غالب العظام ، وتتمايز الأطراف.
ومن الممكن رؤية الأظافر على الأصابع ، وتتوزان أحجام الرأس والجسم والأطراف ، ولا سيما بين الأسبوعين التاسع والثاني عشر .
ويظهر الشعر الزغبي على الجلد ، الذي يتمايز في هذه المرحلة إلى بشرة وأدمة ، ويزداد حجم الجنين بسرعة بصورة عامة ، ويتم التمييز بين الأعضاء التناسلية الخارجية بصورة واضحة في الأسبوع الثاني عشر .
وتتطور العضلات الإرادية وغير الإرادية ، ويظهر الجنين في هذه المرحلة بعض الحركات العادية الذاتية ، وبعض التقلصات العضلية الانعكاسية إذا ما نبهت بمنبه خارجي.
وبصورة عامة فإن التطور الوظيفي للجهاز العصبي يوازي تطور الدماغ والحبل الشوكي، وتظهر الحركات البدائية والغريزية كالمص والقبض بعد ذلك بفترة طويلة .(1/40)
ومن ذلك فإن هذا الطور من مراحل التخلق يمثل مرحلة انتقال مهمة للجنين ، حيث تظهر ههذ الاستجابات الحركية المنسقة التي تتطور تدريجياً ، وتكون أكثر شدة ، وبالإضافة لذلك تحدث تطورات كثيرة ودقيقة في الجنين الذي انتقل من مرحلة خلقه الأولى حميل EMPRYO إلى مرحلة الجنين FETUS كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى : {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون:14] .
المرحلة الجنينية : النشأة
الشكل 5-8 تنتهي الفترة الجنينية في نهاية الأسبوع الثامن . وتظهر في نهاية هذه الفترة بدايات كل الهياكل الأساسية ، وتتسف مرحلة النشأةب النمو بالسريع وتطورها ، وتتباطأ عملية النمو والتطور بين الأسبوعين التاسع والثاني عشر حتى تبدأ مرحلة النشأة بصورة كاملة في الأسبوع الثاني عشر ، ثم تستمر عملية النمو والتطور بعدها بسرعة ، ويمكن تمييز جنس الجنين في الأسبوع الثاني عشر . وفي نهاية هذا الطور تكون أعضاء الجنين قد اكتملت وأصبحت مؤهلة للقيام بوظائفها .
أقل مدة للحمل :
يصبح الجنين بعد مرحلة النشأة خلقاً آخر قادراً على الحياة أو البقاء خارج الرحم ، عند تمام الشهر السادس من تخلقه ، ويتفق هذا المعنى مع معاني الآيات القرآنية الكريمة التالية : قال تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:15] .وقال تعالى : {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان:14] .وقال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] .فهي تدل على أن أدنى مدة الحمل هي ستة أشهر ، وبهذا أفتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأقره على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، وبه قال المفسرون .(1/41)
3- الحضانة الرحمية : لقد تبين من الآيات الثلاث السابقة أن أدنى مدة الحمل ستة أشهر ، ولما كانت الولادة عادة تتم بعد تسعة أشهر فإنه يمكن اعتبار الأشهر الثلاثة الواقعة بين نهاية الحمل والولادة فترة حضانة رحمية ، لأن الأشهر الستة كافية لخروج ا لإنسان ليبقى على قيد الحياة ، وقد اعتبرها المفسرون أقل مدة ممكنة للحمل من خلال تلك الآيات . وقد أثبت العلم ما قرره المفسرون لاستحالة قدرة الجنين على التنفس قبل نهاية الأسبوع الرابع والعشرين نظراً لعدم اكتمال قدرته على ذلك ومن هذا يتبين ما يلي :
1) الدقة في تحديد أقل مدة للحمل ، كما تشير إليها الآيات القرآنية .
2) إمكان اعتبار مرحلة الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل مرحلة حضانة رحمية.
المخاض أو الولادة :
تنتهي الحضانة الرحمية بولادة الجنين ، وقد ورد ذلك في الآية الكريمة:{ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)} [عبس:20]
والتي من معانيها تيسير طريق الجنين لتيسير الولادة حيث تبدو قناة الولادة في وضعها الطبيعي ممراً يصعب مرور الجنين منه إلا أن عوامل كثيرة تسهل عملية الولادة واستناداً إلى المعلومات العلمية المتوفرة فإننا نعرف الآن الدور الذي تؤديه العوامل التالية:
1) هرمون ريلاكسين ، وهو هرمون يفرزه المبيضان والمشيمة ، ويؤدي إلى تراخي أربطة مفاصل الحوض ، وتليين عنق الرحم .
2) تقلصات الرحم ، وهي تبدأ في الجزء العلوي من الرحم ، الذي يتكون من نسيج العضلات المتقلصة المتحركة النشطة ، الذي يؤمن القوة اللازمة لدفع الوليد خلال الجزء السفلي الساكين الرقيق من الرحم .
3) أغشية السلى ، وهي عبارة عن كيس الماء الأمنيوني الذي يحيط بالجنين ويسهل انزلاقه.
المرحلة الجنينية – مرحلة النشأة
آلية ( هندسة ) المخاض :(1/42)
يتغير وضع الجنين عند مروره عبر تجويف الحوض الذي له شكل غير منتظم . وهذه التغيرات التي تطرأ على الوضع العكسي ، هي على سبيل المثال ، النزول والانثناء والدوران الداخلي والتمدد ، واسترجاع الوضع الطبيعي ، والدوران الخارجي ، وتساهم العناصر المذكورة آنفاً بسبيل شتى في تسهيل مرور الجنين عبر قناة الولادة ، وصدق الله القائل : (ثم السبيل يسيره) .
الخلاصة :
ومما تقدم يتضح أن كلمة (أنشأنا) يحسب استعمالها في القرآن الكريم تشمل أوضح التطورات والتغيرات الخارجية والداخلية في الملامح خلال المرحلة السادسة من التخلق البشري ، وتنطبق المعاني الثلاثة لكلمة (نشأة) بشكل بين ومفهوم على هذه المرحلة .
فما ورد بمعنى (بدأ) يصف لنا بداية عمل الأعضاء والأجهزة المختلفة حيث نجد أن الكلية قد بدأت في تكوين البول ، وبدأ مخ العظام في تكوين خلال الدم ، وتبدأ حويصلات الشعر في الظهور في الأسبوع العاشر ، وما إلى ذلك .. وأما معنى (نما) فإنه يبين النمو السريع والتطور الشامل في أعضاء وأجهزة الجسم خلال هذه المرحلة .
وأما المعنى (ارتفع ، وربا) فإنه يصف تلك الزيادة الواضحة والسريعة جداً في طول الجنين ووزنه ، والتي تبدأ في الأسبوع الثاني عشر ... ..
ولذا فإن مصطلح (نشأة) ينطبق بصورة دقيقة ومناسبة للغاية في وصف مرحلة الجنين Fetal Period .
الباب السادس
أطوار خلق الإنسان في الأيام الأربعين الأولى
جولي سمسون
عبد المجيد الزنداني
مصطفى أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
مقدمة
دلت نصوص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق على أطوار ومراحل متتالية : قال تعالى : {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14)}[نوح:14]
وقال تعالى : {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر:6] .(1/43)
وقد بينت نصوص السنة النبوية أن الأسبوع السابع يمثل نقطة تميز واضحة في حياة الجنين ، كما وصفت هيئة الجنين في الأربعين يوماً الأولى ثم حالته بعد ذلك .
وقد حدد الرسول صلى معالم كل فترة وتفاصيلها الدقيقة ، وسنستعرض في هذا البحث الأحاديث النبوية التي تصف الجنين في الأربعين يوماً الأولى .
وآراء بعض علماء المسلمين لها وفق قواعد اللغة وأصول تأويل النصوص الشرعية وشرحها .
ثم نذكر ما استقر من الحقائق العلمية في هذا الموضوع ، وتبين أوجه الإعجاز في هذه الأحاديث النبوية الشريفة .
أ) الأربعون يوما ًالأولى :
وصف رسول الله y حالة الحميل في الأربعين يوماً الأولى ، فيما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
حدثنا رسول الله y وهو الصادق المصدوق قال : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد).
ويدل هذا الحديث على حقيقتين أساسيتين :
الأولى : أن جمع خلق الإنسان يتم في الأربعين يوماً الأولى .
والحقيقة الثانية : أن مراحل الخلق الأولى : النطفة ، العلقة ، والمضغة إنما تتكون وتكتمل خلال هذه الفترة (الأربعين يوماً الأولى ) .
ب) جمع الخلق ( المراحل الجنينية الأولى ) :
لقد وصف رسول الله y حالة الجنين خلال الأربعين يوماً الأولى في الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه بقوله : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك) صحيح مسلم – كتاب القدر ، وصحيح البخاري بدون لفظ ( في ذلك ) .(1/44)
ويقرر علم الأجنة أن في الأسبوع الخامس يكون جسم الحميل مقوساً شبه دائري ، ولا يزيد طوله عن (1) سم تقريباً ، ويكون نصفه العلوي ثلثي طول جسمه الكلي ، و يكتسب في هذا الوقت براعم أطرافه ، ويكون له ما يشبه الذيل ، وقلبه في مرحلة بدائية جداً ، ويخفق بصورة منتظمة .
وتظهر الأطراف العليا في الأسبوع الرابع ، ويكون شكلها في بداية الأسبوع الخامس متميزاً كشكل المجداف .
ولكن الأطراف العليا تتطور في نهاية الأسبوع الخامس ، وتشاهد فيها صفائح مبتورة لليد، وإشعاعات إصبعية (الشكل 6-1).
الشكل 6-1 : الجنين في نهاية الأسبوع الخامس وبداية السادس (اليوم 34-36) وهو يتعلق بالأغشية الأولى بواسطة الحبل السري . ويبلغ حجمه من الإكليل حتى الكفل 12 ملم . (1) برعم الذراع (2) القوس الخيشومي (3) الأغشية الأولى (4) العين (5) الدرنة التناسلية (6) بروز القلب (7) برعم الساق (8) الذيل (9) الحبل السري .
وعند نهاية الأسبوع السادس ، وقبل اليوم الثاني والأربعين لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة وجه الإنسان وتكون العين والأذن والأعضاء التناسلية الخارجية في صورة أولية من مراحل تطورها قبل اليوم الأربعين ، وهي لا تعمل ولا تشبه أعضاء الإنسان ، ومع ذلك فتبدأ العين تطورها خلال الأسبوع الرابع مع تكون الحويصلة العينية التي تتغلف لتولد الكأس البصري ، ويحفز هذا تكون العدسة قبل نهاية الأسبوع الخامس .
ويتم بعد ذلك تمايز الشبكية ، وظهور الألياف البصرية التي تصل الدماغ لتكون التقاطع البصري .
وتبدأ الأذن الداخلية تطورها في بداية الأسبوع الخامس كصفيحة ثخينة من الأديم الظاهر مكونة الصفيحة الأذنية التي سرعان ما تغطس تحت سطح الصماخ السمعي الظاهر لتكون الحويصلة الأذنية التي تفقد اتصالها مع السطح لتولد الأذن الداخلية ، ولا يكون للأذن في هذه المراحل الأولية شكل أذن الإنسان .(1/45)
ويتفق هذا الوصف لتطور الحميل مع كلمة (يجمع خلقه) التي وردت في حديث ابن مسعود لتصف المظهر الخارجي المتقوس المتجمع ، والناحية التشريحية الداخلية ، حيث تكون الأجهزة والأعضاء متجمعة في حالتها الابتدائية وهي في كتلة صغيرة ، فيكون الوصف (يجمع خلقه) معبراً عن الناحية التشريحية بدقة .
الشكل 6-2 : رسم الجنين في الأسبوعين 6،7 . لا يمكن أن تميز المظهر البشري فيه بوضوح .
الجنين في الأربعين يوماً الأولى :
مرحلة النطفة :
تبدأ هذه المرحلة في التكوين من التقاء ماءي الرجل والمرأة ويلاحظ في أول التكوين اندغام الجينات الذكرية والأنثوية كما يلاحظ اختلاط الماء أيضاً .
إن وجود الوسط السائل يتفق مع المشاهدات الحديثة بأن الحامض النووي الوراثي (DNA) ينتقل من هيولي البييضة إلى الذرية ، فبداية هذا الطور مكونة من نطفة مختلطة منس ائلين وتتحرك في وسط من السائل ، وتستغرق فترة زمنية هي الأيام الستة الأولى من الحمل ، ويبدأ التحول بعد ذلك إلى طور العلقة .
وبالإضافة إلى المنوي ، والبييضة ، والزيجوت (البييضة الملقحة) الموجودات في سوائل ، فإن ثمة بنيات في تكوين كل منها مليئة بالسائل أيضاً ، وتتطور في التويتة العديد من الخلايا، وبالإضافة لذلك فإن كل هذه العمليات تتم في قناة فالوب ، المحتوية على سائل وتستمر النطفة في نموها .
وبعد حوالي ستة أ يام من ذلك يشق الجنين طريقه إلى سطح بطانة الرحم حيث يتم انغراس النطفة في الرحم ، وتكتمل بذلك مرحلة النطفة في اليوم الرابع عشر من التلقيح تقريباً وبذلك تأخذ حصتها من الأربعين يوماً .
طور العلقة :(1/46)
تستمر الخلايا في التراكم بعد مرحلة النطفة ، ويتصلب الجنين مع زيادة تراكم الخلايا ، ثم يتثلم عند تكون الطية العصبية ، ويتم تعلقه بجدار الرحم بعد أسبوعين ، ويأخذ الجنين في اليوم (الحادي والعشرين) شكلاً يشبه العلقة ، كما تعطي جزر الدماء المحبوسة في الأوعية الدموية للجنين لون قطعة من الدم المتخثر ويكون هذا إلى الواحد وةالعشرين وبهذا تتكامل المعاني التي يدل عليها لفظ علقة إلى حوالي اليوم الواحد والعشرين .
وبهذا تأخذ العلقة حصتها من الأربعين يوماً وإلى هذا تشير الآية الكريمة : { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً } [المؤمنون:14] .
طور المضغة :
يبدأ هذا الطور بظهور الكتل البدنية في اليوم (الرابع والعشرين) أو (الخامس والعشرين) في أعلى اللوح الجنيني ، ثم يتوالى ظهور هذه الكتل بالتدريج إلى مؤخرة الجنين .
وفي اليوم (الثامن والعشرين) بعد الإخصاب يتكون الجنين من عدة فلقات تظهر بينها انبعاجات ، وبوجودها يصبح شكل الجنين شبيهاً بالعلكة الممضوغة من حيث المظهر الخارجي .
ويكتسب الجنين تدريجياً شكل المضغة من حيث الحجم (حيث يكون طول الجنين (1سم) وهو أقل ما يمضغ وبهذا يكتمل طور المضغة في بقية الأيام الأربعين الأولى من حياة الجنين، وهذا الترتيب في خلق الأطوار الأولى يجيء فيه طور المضغة بعد طور العلقة مطابقاً لما ورد في القرآن الكريم قال تعالى : { فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً } [المؤمنون:14] .
وينتهي هذا الطور بنهاية الأسبوع السادس .
وفي الأسبوع السابع تبدأ الصورة الآدمية في الوضوح نظراً لبداية انتشار الهيكل العظمي.
الحد الفاصل :
بعد استعراض ما تقدم نرى أن : النطفة ، والعلقة ، والمضغة ، تكتمل خلال الأربعين يوماً الأولى ، وترى الجنين في نهاية هذه المراحل في شكل مضغة لا يدل على مخلوق إنساني .(1/47)
وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكون الأعضاء وانتشار الهيكل العظمي ، بصورة ظاهرة ويستمر الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق بعد ذلك ، ولكن الخطوات الأساسية للتفريق بين شك المضغة والشكل الإنساني تكتمل بين اليوم 40-45.
اختلاف في فهم الحديث النبوي :
وإذا عدنا إلى فهم علماء المسلمين للحديث النبوي المشار إليه سابقاً نرى أنه قد وقع خلاف بين علماء المسلمين القدامى في تحديد مدة النطفة والعلقة والمضغة ، هل هي أربعون يوماً لكل منها أم أربعون يوماً لها جميعاً بناء على تفسيرهم لحديث عبدالله بن مسعود السابق .
لقد فسر بعض هؤلاء العلماء هذا الحديث على أنه يعني أن النطفة والعلقة والمضغة تتم على التوالي في فترات طول كل منها أربعون يوماً ، وفهموا أن عبارة (مثل ذلك ) تشير إلى الفترة الزمنية (أربعين يوماً) واستنتجوا من ذلك أن المضغة لا تتم إلا بعد (120) يوماً .
حل الخلاف :
وبعد تجميع النصوص الواردة في الباب وتحقيقها والنظر فيها جميعاً تبين أن القول بأن المضغة لا تتم إلا بعد مائة وعشرين يوماً قول غير صحيح للأدلة التالية :
1) روى حديث عبد الله بن مسعود السابق كل من الإمامين البخاري ومسلم ، ولكن رواية مسلم تزيد لفظ (في ذلك) في موضعين قبل لفظ (علقة) وقبل لفظ (مضغة) وهي زيادة صحيحة تعتبر كأنها من أصل المتن جمعاً بين الروايات .
وعلى هذا تكون الرواية التامة لألفاظ الحديث كما هي ثابتة في لفظ مسلم (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ... الحديث).(1/48)
2) ذكر القرآن الكريم أن العظام تتكون بعد طور المضغة ، قال تعالى:" فخلقنا المضغة عظاماً"{ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا } وحدد النبي y في حديث حذيفة أن بدء تخلق العظام يكون بعد الليلة الثانية والأربعين من بدء تكون النطفة فقال y (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ... الحديث).
فالقول بأن العظام يبدأ تخليقها بعد مائة وعشرين يوماً يتعارض مع ظاهر الحديث الذي رواه حذيفة تعارضاً بيناً .
3) أثبت دراسات علم الأجنة الحديثة والمستيقنة أن تكون العظام يبدأ بعد الأسبوع السادس مباشرة ، وليس بعد الأسبوع السابع عشر مما يؤيد المعنى الواضح الظاهر لحديث حذيفة .
وعلى هذا يتضح أن معنى (مثل ذلك) في حديث عبد الله بن مسعود لا يمكن أن يكون مثلية في الأربعينات من الأيام .
وللتوفيق بين أحاديث النبي y في هذا الباب نقول : إنه لما كان اسم الإشارة – في قوله مثل ذلك – لفظاً يمكن صرفه إلى واحد من ثلاثة أشياء ذكرت قبله في الحديث ، وهي :
جمع الخلق ، وبطن الأم ، وأربعين يوماً . فهو لفظ مجمل يحمل على اللفظ المبين للمقصود من اسم الإشارة في قوله ، والذي يبين لنا ذلك حديث حذيفة الذي يمنع مضمونه أن يعود اسم الإشارة على الفترة الزمنية (أربعين يوماً) لأن النص المجمل يحمل على النص المبين حسب قواعد الأصوليين .
ولا يصح أن يعود اسم الإشارة على (بطن الأم) لأن تكراره في الحديث لا يفيد معنى جديداً فكأنه قال : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك البطن علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك البطن مضغة مثل ذلك) وهذا التكرار للفظ البطن سيكون حشواً في الكلام يتعارض مع فصاحة رسول الله y .(1/49)
وإذا كان اسم الإشارة في الحديث لا يصح إعادته إلى الأربعين يوماً ولا إلا بطن الأم فيتعين – بناء على ذلك – أن يعود اسم الإشارة في قوله ( مثل ذلك ) على جمع الخلق ، لا على الأربعينات ، وهو ما توصل إليه ، وحققه أحد علماء المسلمين المشهورين – ابن الزملكاني – في القرن السابع الهجري .
واستنتج من ذلك أن النطفة والعلقة وةالمضغة تتم خلال الأربعين يوماً الأولى .
قال ابن الزملكاني : ( وأما حديث البخاري فنزل على ذلك ، إذ معنى يجمع في بطن أمه ، أن يحكم ويتقن ، ومنه رجل جميع أن مجتمع الخلق) .
فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه ، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضاً من الأربعين ، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يوماً فنصب مثل ذلك على المصدر لا على الظرف .
ونظيره في الكلام قولك : إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره .
ثم تشرح تغيره فتقول : ثم إنه يكون رضيعاً ثم فطيماً ثم يافعاً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم هرماً يتوفاه الله بعد ذلك .
وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا .(1/50)
ومعلوم من قواعد ا للغة العربية أن ( ثم ) تفيد الترتيب والتراخي بين الخبر قبلها ، وبين الخبر بعدها ، إلا إذا جاءت قرينة تدل على أنها لا تفيد ذلك ، مثل قوله تعالى : " ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ، ثم آتينا موسى الكتاب ... "{ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ...} .ومن المعلوم أن وصية الله لنا في القرآن جاءت بعد كتاب موسى فـ ( ثم ) هنا لا تفيد ترتيب المخبر عنه في الآية ، وعلى هذا يكون معنى حديث ابن مسعود : [ إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك ( أي في ذلك العدد من الأيام ) علقة (مجتمعة في خلقها) مثل ذلك ( أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين ) ثم يكون في ذلك ( أي في نفس الأربعين يوماً ) مضغة ( مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها ) مثل ذلك أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوماً ] وبهذا التوفيق بين النصوص يرتفع الخلاف .
وقوله ( ثم يكون علقة مثل ذلك ) أي : ثم إنه يكون في الأربعين المذكورة علقة تامة الخلق ، متقنة محكمة الإحكام الممكن لها ، الذي يليق بنعمه سبحانه وتعالى .
أوجه الإعجاز في الأربعين يوماً الأولى :
1) جمع خلق الإنسان : قال عليه الصلاة والسلام : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ) فظاهر من الحديث أن خلق الإنسان يجمع في أربعين يوماً .
ويقرر الأطباء بعد رحلة طويلة من الدراسة والتشريح الدقيق لجسم الجنين في الأربعين يوماً الأولى ، أن الأعضاء الرئيسية للإنسان جميعاً ، تتخلق واحداً بعد الآخر فلا تمر الأربعون يوماً الأولى إلا وقد اجتمعت جميع الأجهزة ، ولكن في صورة براعم .
وتكون مجموعة في حيز لا يزيد عن سنتيمتر .
كما أن الجنين يكون مجموعاً حول نفسه بالتفاف في شكل قوس ، أوي شبه حرف (C) بالإنجليزية.
2) ( ثم يكون ، في ذلك علقة مثل ذلك ) .(1/51)
أي ثم يكون علقة مكتملة الخلق المقدر لها ، مثل ما اكتمل خلق الإنسان ، واجتمع في الأربعين يوماً الأولى ، كما سبق البيان .
ويقرر العلم الحديث أن الجنين فيما بين اليوم الخامس عشر إلى اليوم الرابع والعشرين يأخذ صورة العلقة التي تسبح في البرك ، وتتعلق بالماشية ..
3) ( ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ) وهذه معجزة أخرى تبين دقة الاسم الذي أطلق في القرآن الكريم والسنة النبوية ، على الطور الذي يأتي بعد طور العلقة ، وهو اسم : مضغة.
كما يتجلى الإعجاز مرة ثانية في بيان أن طور المضغة يتطور تدريجياً ، حتى يأخذ شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها ، وبسطح غير منتظم .
وعندئذ سترى التطابق بين الاسم والمسمى ، مع أن الجنين من الصغر بحيث لا يزيد طوله عن (سنتيمتر) واحد ، أي بما لا يزيد عن عرض أنملة .
وكما ذكرنا في حديث سابق فإن الأعضاء الأساسية في الداخل تبدأ في التمايز ، وتنتج الفراغات بين الكتل البدنية شكلاً أشبه بالمادة الممضوغة ، وبالتدريج يأخذ الجنين شكل المضغة .
4) يدل الحديث على أن النطفة والعلقة والمضغة تتم خلال الأربعين يوماً الأولى بالرغم من أن الجنين خلال هذه الفترة يكون صغيراً جداً .
والفترة الزمنية بينها قصيرة ، وتقدير عمر الجنين قبل اكتشاف البييضة وارتباط دورة الحيض بها أمر في غاية الصعوبة .
والتحديد حينئذ عرضة للخطأ بزيادة أو نقص في تقدير عمر الجنين يصل إلى واحد وعشرين يوماً ، لأن الذي يقدر العمر لا يعلم متى بدأ الحمل من أول الطهر أم في آخره .
كما أن النطفة ، والعلقة ، والمضغة ، التي ذكرها القرآن الكريم لم تكن معروفة أصلاً في تلك الأيام .
الباب السابع
وصف التخلق البشري بعد اليوم الثاني والأربعين
ت . ف . ن . برسود
عبد المجيد الزنداني
مصطفى أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم(1/52)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
مقدمة :
يعني هذا البحث بدراسة تطور الجنين قبل ولادته في فترة ما بعد اليوم الثاني والأربعين ، وتتصف هذه المرحلة من التطور في الأسبوع السابع بعدة تغيرات مهمة في خصائص الجنين الداخلية والخارجية .
التطورات التي تطرأ خلال الأسبوع السابع وبعده :
يتكون في بداية الأسبوع السابع من النمو أي : عند حوالي اليوم الثاني والأربعين – الهيكل العظيم الغضروفي ، الذي يعطي الجنين شكله الآدمي الخاص ، فيستقيم جذعه ، ويتكون له رأس كبير مستدير وتتحرك العينان إلى الأمام في محلهما في الوجه فيتجلى الشكل الآدمي للجنين .
كما أن الأذنين الخارجية والداخلية تتكونان بعد اليوم الثاني والأربعين ، وتكتسبان الشكل الآدمي .
ويتم ذلك أيضاً بالنسبة للأنف ، الذي يأخذ المظهر الآدمي .
أما الأذرع التي ظهرت على شكل براعم في نهاية الأسبوع الرابع فتصبح أكثر طولاً بعد اليوم الثاني والأربعين .
وتظهر أصابع واضحة لم تكن موجودة قبل ذلك .
أما مؤخرة العمود الفقري البارزة فتتراجع وتعتدل تاركة أثراً لا يكاد يلاحظ وللمقارنة بين الجنين الإنساني قبل اليوم الثاني والأربعين وبعده 0أما البدايات الأولية للأعضاء التناسلية الخارجية فتكون متشابهة في بادئ الأمر بين الذكور والإناث . وتبدأ بالتطور قبل اليوم الثاني والأربعين في الأسبوع الرابع . إلا أن الحديبة التناسلية . والانتفاخ الشفري العجزي . والطيات البولية التناسلية المنشئة للخواص الجنسية المميزة ، لا تظهر إلا في الأسبوع التاسع ، كما أنه لا يمكن التفريق بين الأعضاء التناسلية الخارجية المذكرة والمؤنثة إلا بعد الأسبوع الثاني عشر .
وبينما تستمر العينان والأذنان في التطور في صفاتهما الخاصة بعد اليوم الثاني والأربعين فإن حجم العين في الأسبوع الحادي عشر لا يزيد عن حجم حمصة.(1/53)
ولكن لا يمكن لأذن الجنين أن تسمع الأصوات إلا بعد الأسبوع الرابع والعشرين .
ومن ذلك نعرف أن أقسام الأذنين الخارجية والوسطى والداخلية لا تتكامل قبل اليوم الثاني والأربعين ، وإنما تكتسب وظائفها وأشكالها بعد هذا الموعد .
وكما يتطور الجهاز العظمي والعضلات والجلد وتكتسب أشكالها الآدمية المميزة بعد اليوم الثاني والأربعين أيضاً فهناك الكثير مما يمكننا تعلمه عن هذا التطور الجنيني الغريزي الحسي والعاطفي للجنين . فهناك أدلة على وجود فعالية دماغية بعد اليوم الثاني والأربعين تم التوصل إليها بواسطة تسجيل تخطيط كهربائي للدماغ .
وقد يظهر الجنين بين الأسبوعين السادس والسابع استجابة في كامل جسمه إذا لمست زاوية شفتيه بلطف . وقد تظهر بعض الحركات التلقائية كحول العين أو البلع بين الأسبوعين التاسع والعاشر ، وقد وصف ( سير ويليم ليلي ) الجنين بعد اليوم الثاني والأربعين بما يلي :
" إنه يستجيب للألم واللمس والبرودة والصوت والضوء . وإنه يشرب سائل السلى خصوصاً إذا زبدت حلاوته صناعياً ، ويقل شربه له إذا فسد طعمه ، ويمل الإشارات المتكررة ، ومن الممكن تعليمه أن يكون يقظاً للمنبهات من الإشارة الأولى ولبرهة وجيزة).
وقد دلت دراسات أجنة الإنسان على ظهور بعض الصفات السلوكية الخاصة بالمشابهة لصفات والديهم ، حيث يكون للجنين الآن شخصية خاصة مميزة .
وقد ذكر الرسول y كل هذه التطورات التي وصفت فيما تقدم ، ومواعيدها في الحديث الذي رواه مسلم : ( عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله y قال : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال : يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ) .
فهذا الحديث الشريف يوضح أهمية اليوم الثاني والأربعين في حياة الجنين داخل الرحم . كما يبين التطورات الدقيقة التي تظهر بعد هذا اليوم .(1/54)
وقد أظهرت الدراسات الجنينية الحديثة أن الجنين يكتسب شكله الآدمي خلال هذه الفترة ويظهر على الجنين كل ما ورد ذكره في الحديث الشريف منذ أربعة عشر قرناً .
أما فيما يتعلق بجنس الجنين ، فالحديث يشير إلى تطور الأعضاء التناسلية الخارجية الذي يظهر في الأسبوع الثاني عشر . لا إلا تحديد الجنس التقديري الجيني الذي يتحدد مع عملية الإخصاب في مرحلة النطفة . حيث أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46) } (سورة النجم : 45،46).
وإذا تأملت في الحديث الشريف وجدت أن سؤال الملك يتعلق بتحديد الأعضاء التناسلية الخارجية التي يفرق الناس بها بين الذكر والأنثى ، وهذه لا تخلق إلا في الأسبوع الثاني عشر أي بعد أني أخذ الجنين صورته الآدمية .
أما قيام هذه الأجهزة بوظائفها فإنه يكون في مرحلة تالية ، فخلق الأجهزة وإيجادها يسبق تهيئتها للقيام بوظائفها المتخصصة .
والحديث النبوي هنا يحدثنا عن خلق هذه الأعضاء ، وزمانها ، واليوم المحدد الذي يبدأ بعده خلق هذه الأجهزة .
وتطابق المعلومات العلمية والدراسات الجنينية الحديثة ما ورد في نصوص الكتاب والسنة قبل 1400 سنة .
الباب الثامن
مصطلحات قرآ نية لمراحل وأطوار التخلق البشري
كيث . ل . مور
جامعة تورنتو – تورنتو - كندا
عبد المجيد الزنداني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
لقد جرت المحاولات الأولى لترتيب تطور الجنين البشري في مراحل ، عند نهاية القرن التاسع عشر ، وتواصلت الجهود حتى بداية القرن العشرين .
والصعوبة الأساسية التي واجهت العلماء هي انتقال الجنين في سلسلة من التغيرات المتداخلة والمتواصلة أثناء نموه .
وفي عام ( 1332هـ – 1914م ) ربت مول ( MOOL ) (266) جنيناً بشرياً في سلسلة من المراحل .(1/55)
وبعد ثمانية وعشرين عاماً ( 1359هـ- 1942م) رتب ستريتر ( STREETER ) الجنين البشري في (23) مرحلة ، وأطلق عليها ( آفاق التطور ) وظلت ترتيبات ستريتر تستعمل على نطاق عالمي ، حتى سنة ( 1393هـ – 1973م) حينما قدم أورايلي (OREILLY) نظاماً أكثر تفصيلاً : لتصنيف الجنين البشري ، وخاصة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من تكوينه .
وقد حظيت مراحل كراتيجي هذه بموافقة عالمية ، وهي مبنية على الأحداث المختلفة للتطور ، وعلى معايير المظهر الخارجي .. ويقدم هذا النظام معلومات مفصلة لعلماء الأجنة الذين يعنون بتفاصيل التخلق البشري انظر شكل (8-1).
وقد وضع العلماء في بداية محاولاتهم حرفاً أبجدياً لوصف كل مرحلة من المراحل ، ثم غيرت الحروف إلى الأرقام إلا أن هذه الحروف والأرقام لم تحمل مفهوماً وصفياً مميزاً لمرحلة عن أخرى .
وحتى وقت قريب لم يكن معروفاً أن القرآن الكريم والسنة المطهرة يتضمنان مصطلحات دقيقة تتعلق بمراحل التخلق البشري إلا عند المسلمين .
ولم تكن هذه المصطلحات مفهومة بوضوح حتى وقت قريب ، لأنها تشير إلى تفاصيل في عملية التخلق ، لم تكن معروفة في الماضي .
إن المنهج القرآني لتقسيم مراحل تخلق الأجنة يدعو إلى الدهشة حقاً .
ويعود تاريخه كما هو معلوم إلى القرن السابع الميلادي .
ومع أن أرسطوطاليس ( مؤسس علم الأجنة ) أدرك من دراسته لبيض الدجاج ، في القرن الرابع قبل الميلاد ، أن أجنة صغار الدجاج ، تتخلق على مراحل ، إلا أنه لم يعط أية تفاصيل عن هذه المراحل .
ووفقاً لما نعرفه عن تاريخ علم الأجنة ، لم يعرف إلى النزر اليسير عن تقسيم الأجنة البشرية ومراحلها ، حتى السنوات المائة الأخيرة كما أشير إليه سابقاً .
القواعد الخاصة بالمصطلحات العلمية :(1/56)
يحرص العلماء عند وضع أسس المصطلحات في علم الأجنة على أن يكون المصطلح الذي يطلق على طور ما واصفاً لما يبدوا عليه الجنين فعلاً ، ويجب أن يكون هناك اتفاق تام بين التسمية وبين طبيعة التطور والأحداث التي يمر بها الجنين في هذه المرحلة ، ولكي نتجنب الالتباس بين مرحلة وأخرى فإن كل مصطلح ينبغي أن يصف مرحلة لها بداية واضحة ونهاية واضحة كذلك ، وبقدر الإمكان يجب أن نتفادى أي تداخل بين المراحل . .
ونظراً للتعقيد الشديد في مراحل تكون الجنين الإنساني ، ودخوله في عمليات تغير مستمرة خلال فترة نموه ، فإنه من المفيد أن نقدم نظاماً جديداً لوصف مراحل الجنين ، باستعمال المصطلحات الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية .
وذلك لأن النظام المقترح مبني على وصف تغيرات الهيئة والشكل وكذا التغييرات الداخلية بالإضافة إلى وضوحه وشموله ، كما يتمشى مع التطور الحديث لعلم الأجنة .
والجدير بالذكر أن القرآن الكريم هو أول مصدر يذكر الأطوار المتميزة للجنين قال تعالى : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ } سورة الزمر آية : 6.
كما أعطى القرآن الكريم تسمية خاصة لكل مرحلة من مراحل الخلق قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)}سورة المؤمنون آية : 12-14.
ومن خلال دراسة هذه المصطلحات يتجلى لنا أنها تستوفي كل الشروط الضرورة اللازمة للتسميات المثالية . إذ يبرز فيها التطابق والوضوح بالنسبة لكل مرحلة من مراحل تطور الجنين .(1/57)
ولهذا السبب لا يمكن أن يعزي تفسير وصف الجنين البشري الوارد في القرآن الكريم إلى المعرفة العلمية السائدة في القرن السابع الميلادي ، والاستنتاج الوحيد المعقول في هذا المجال : هو أن الله سبحانه أوحى بذلك إلى رسوله y النبي الأمي الذي لم يمارس في حياته نشاطاً علمياً قط في هذا المجال أو غيره .
المصطلحات القرآنية للأطوار الجنينية :
أولاً : المراحل الأساسية : يقرر القرآن الكريم تنقل الجنين في رحم أمه في ثلاث مراحل أساسية متمايزة يفصل بين كل مرحلة منها والمرحلة الأخرى فترة زمنية يدل عليها حرف عطف خاص (ثم) وهو يدل على التراخي الزمني بين الأطوار . قال تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)}سورة المؤمنون آية : 12-14.
فالمرحلة الأولى في الرحم هي : النطفة ، والنطفة في اللغة هي القطرة أو القليل من الماء.
والمرحلة الثانية : مرحلة التخليق لتي تتتابع فيها أشكال خلق الجنين : علقة . فمضغة . فعظام . فكساء العظام باللحم ويأتي الفاصل الزمني بـ (ثم) فيدل ذلك على أن هذه الأطوار المتلاحقة تجتمع في مرحلة أساسية واحدة يمكن أن نطلق عليها مرحلة التخليق .
والمرحلة الثالثة : التي تأتي بعد (ثم) الأخيرة هي مرحلة النشأة خلقاً آخر .
ثانياً : الأطوار الفرعية :
1) أطوار النطفة .
أ) طور الماء الدافق : ويصف هذا الطور السوائل التي تخرج متدفقة حاملة للحيوانات المنوية من الذكر أو البييضة من الأنثى يؤمن القدرة على الحركة التي تساعد على نقل الحيون إلى مكان الإخصاب .
ب) طور السلالة :(1/58)
السلالة في اللغة العربية هي الشيء القليل المستخلص ، وتأتي كذلك بمعنى السمكة الطويلة ويشير القرآن الكريم إلى هذا الطور في وصف ماء الرجل . فيقول تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8)} .
والحوين المنوي هو خلاصة مأخوذة من ملايين الحوينات من ماء الرجل ويأخذ شكل السمكة الطويلة أيضاً ، وهذه هي الخطوة الثانية بعد الدفق .
اج) طور النطفة الأمشاج :
النطفة معناها : القطرة .
والأمشاج : أي الأخلاط .
وهذا المصطلح يصف مرحلة اللقاء بين إفرازات كل من الرجل والمرأة في قناة الإخصاب لتكوين الزيجوب
(البييضة المخصبة) ، وتكون في الشكل مثل القطرة من السائل ، وتتكون من أخلاط مائي الرجل والمرأة ، وهذا وصف معبر عن المظهر والتركيب).
ويمكن تقسيم طور النطفة الأمشاج إلى :
1) طور الخلق : فقبل دخول الحوين المنوي إلى البييضة لا تجد خلية بشرية كاملة ، وباتحادهما يتقرر خلق الإنسان الجديد بوجود خلية إنسانية كاملة تحوي (46) حاملاً وراثياً يمكنها التكاثر بالانقسام لتكوين الإنسان .
ويبدأ طور الوجود الإنساني باختلاط الحوين المنوي مع البييضة . وهذا طور متميز عما قبله حي كان الإنسان نصفين منفصلين
2) طور التقدير:يبدأ خلق الإنسان باتحاد الحوين المنوي مع البييضة كما بينا . ولكن ما هي صفات الجنين الذي خلق ؟
وماذا سيرث عن أبيه أو أمه أو أسلافه ؟ ذلك يحدث في طور تال لطور الخلق ، ويأتي بعده مباشرة بعدة ساعات .
وهذه المرحلة هي مرحلة التقدير كما ذكرت في القرآن الكريم .
أو مرحلة البرمجة الجينية كما يتحدث عنها علماء الأجنة اليوم .
وهي التي تتقرر بها الصفات التي ستسود في المخلوق الجديد ، والصفات الوراثية التي ستتنحى فلا تظهر على الجنين وقد تظهر في بعض أحفاده .(1/59)
وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين المرحلتين المتعاقبتين في النطفة فقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17)مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)} سورة عبس الآيات 17-19.
فالخلق أولاً ، والتقدير ثانياً ، وتستغرق العمليتان أقل من (30) ساعة .
د – طور الحرث.
بعد تمام مرحلتي الخلق والتقدير من طور النطفة الأمشاج تتحرك النطفة من قناة الإخصاب (فالوب) إلى الرحم لتنغرس فيه كما تنغرس البذرة في التربة في عملية الحرث.
ويعتبر طور الحرث المتميز عما قبله وما بعده المرحلة الأخيرة في مرحلة النطفة ، لأنها بعد ذلك تتعلق بالرحم وتستمد منه غذاءها وتخرج بشكلها وتركيبها عن كونها نطفة ، ويخبرنا القرآن الكريم عن الحرث في قوله تعالى : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} سورة البقرة الآية 223. ) .
يوضح انغراس الخلية الجرثومية في بطانة الرحم خلال مرحلة الحرث ويبلغ حجم ناتج ا لحمل حوالي 1مم .
i) مقطع من خلية جرثومية منغرسة جزئياً في بطانة الرحم عند بطانة الرحم عند اليوم الثامن تقريباً ، ويكون التجويف الأمنيوني على شكل شق .
ii) صورة مكبرة لخلية جرثومية أكبر قليلاً بعد إزالتها من بطانة الرحم ويظهر فيها كل من الأرومة الغازية السخدية عند القطب الجنيني والتجويف الأمنيوني أكبر حجماً .
iii) مقطع من خلية جرثومية عمرها تسعة أيام ومنغرسة في بطانة الرحم ، وقد ظهرت فراغات زو جربات في الأرومة الغازية السخدية سرعان ما تتصل بأوعية بطانة الرحم . وعرف هذا النوع من الانغراس الذي تنطمر الخلية الجرثومية فيه انطماراً في بطانة الرحم بالانغراس الخلالي ..
2) أطوار مرحلة التخليق :(1/60)
في هذه المرحلة يتم تخصص الخلايا لتكوين الأجهزة والأعضاء التي لم تكن موجودة من قبل ، وتبدأ هذه المرحلة من بداية الأسبوع الثالث ، ويمر الحميل في هذه المرحلة بعدد من الأطوار الفرعية المتمايزة وهي :
أ) طور العلقة :
يبدأ هذا الطور في اليوم الخامس عشر وينتهي في اليوم الثالث والعشرين أو الرابع والعشرين ويتكامل في شكل علقة بالتدريج ، والعلقة في اللغة العربية تأتي للمعاني الآتية :
1) دودة صغيرة تعيش في البرك وتمتص دماء كائنات أخرى .
2) شيء متعلق في غيره .
وهذان المعنيان يتحققان في شكل الجنين الإنساني الذي يبدو في شكل يشبه العلقة (الدودة) التي تعيش في الماء تماماً ويتعلق في جدار الرحم بحبل السرة.
وهذان المعنيان للفظ : علقة ؛ يصفان المظهر الخارجي لطور الجنين وصفاً دقيقاً ومعبراً.
3) ويأتي لفظ علقة بمعنى الدم المتخثر أو المتجمد .
وهذا المعنى للفظ علقة يصف أبرز تركيب داخلي يؤثر على المظهر الخارجي : ففي مرحلة العلقة تتكون الدماء في داخل الأوعية الدموية في شكل جزر مغلقة ، تجعل الدم جامداً غير متحرك في الأوعية الدموية معطياً إياها مظهر الدم المتجمد وقد جاء ذكر هذا الطور في القرآن الكريم بعد ذكر مرحلة النطفة فقال تعالى : { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً } سورة المؤمنون : آية 14.
ب) طور المضغة :
يتحول الحميل من صورة العلقة إلى بداية صورة المضغة ابتداء من اليوم الرابع والعشرين إلى السادس والعشرين ، وهي فترة وجيزة إذا قورنت بفترة تحول النطفة إلى علقة .
وكلمة مضغة معناها :
1) المادة التي لاكتها الأسنان ومضغتها .
2) قدر ما يمضغ .
3) مضغ الأمور : أي صغارها .(1/61)
ويأخذ هذا الطور شكل المادة الممضوغة : التي يتغير شكلها باستمرار ، وتبقى علامات طبع الأسنان في كل الأشكال المتغيرة ، وهكذا تتغير أشكال الجنين في هذا الطور ، وتبقى الكتل البدنية في الجنين ظاهرة معطية شكل طبع الأسنان في جميع الأشكال ويدور الجنين ويتقلب في جوف الرحم كما تدور القطعة الممضوغة في جوف الفم . وإذا نظرنا إلى المعنى الثاني والثالث للفظ مضغة نجده ينطبق على الجنين إذ أنه يكون في أصغر حجم يمكن أن يمضغ وتلوكه الأسنان ، فطوله في هذا الطور حوالي (1) سم .
ويبدو الجنين في طور العلقة أملس السطح لكنه في طور المضغة كثير الانتفاخات والانحناءات والأخاديد التي تعطي بمجموعها شكل المضغة.
والتسمية تدل على حدوث أشياء في النمو كانت سبب التغير في الشكل الخارجي ولقد أشار القرآن الكريم إلى أن سبب ذلك يرجع إلى بدء التخلق في :صورتان للجنين في المرحلة العاشرة من التخلق ( اليومان 22-23) .
ويقدم لنا المصطلح القرآني ( مضغة ) طوراً جديداً متميزاً يصف الشكل الخارجي للجنين وأهم الأحداث الداخلية .(1/62)
ج) طور العظام : يبقى الجنين محافظاً على شكل المضغة : الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية : حتى نهاية الأسبوع السادس . ومع بداية الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي الغضروفي في الانتشار في الجسم كله ، فيأخذ الجنين شكل الهيكل العظمي . وتكون العظام هي أبرز تكوين في هذا الطور . ويتم الانتقال من شكل المضغة إلى بداية شكل الهيكل العظمي في فترة زمنية وجيزة . ويتميز هذا الطور بظهور الهيكل العظيم الذي يعطي الجنين مظهره الآدمي ومصطلح العظام الذي أطلقه القرآن الكريم على هذا الطور هو المصطلح الذي يعبر عن هذه المرحلة من حياة الحميل تعبيراً دقيقاً يشمل المظهر الخارجي ، وأهم تغيير في البناء الداخلي ، وما يصاحبه من علاقات جديدة بين أجزاء الجسم ، واستواء في مظهر الحميل ويتميز بوضوح عن طور المضغة الذي قبله قال تعالى:{ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا }سورة المؤمنون آية : 14.
د- طور الكساء باللحم :
يتميز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام وإحاطتها بها كما يحيط الكساء يلابسه ، وبتمام كساء العظام باللحم تبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال ، فترتبط أجزاء الجسم بعلاقات أكثر تناسقاً ، وبعد تمام تكوين العضلات يمكن للجنين أن يبدأ بالتحرك .
وبذلك يظهر أثر كساء العظام باللحم في هذا الطور على الشكل الخارجي للحميل ويعبر عن أهم الأحداث في تكوين الجنين ، ويدل على مرحلة متميزة عما قبلها في المظهر والتكوين الداخلي .
وتبدأ مرحلة كساء العظاء باللحم في نهاية الأسبوع السابع ، وتستمر طوال الأسبوع الثامن، وتأتي عقب طور العظام ، كما بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا } .(1/63)
ويعتبر طور الكساء باللحم الذي ينتهي بنهاية الأسبوع الثامن نهاية أطوار مرحلة التخلق ، كما اصطلح علماء الأجنة على اعتبار نهاية الأسبوع الثامن نهاية لمرحلة الحميل (EMBRYO) ثم تأتي بعد هذه المرحلة مرحلة الجنين ( FETUS) كما يقررها علماء الأجنة اليوم ، والتي توافق مرحلة النشأة ، كما جاء في المصطلح القرآني قال تعالى : { فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} .
3) مرحلة النشأة خلقاً آخر :
النشأة مصدر مشتق من الفعل نشأة ، وهذا الفعل يأتي بالمعنيين الآتيين :
I) الارتفاع بالشيء .
II) ربا وشب ونما وهو يشتمل على الخطوات التالية :
ويبدأ هذا الطور في حياة الجنين بعد مرحلة الكساء باللحم ، أي من الأسبوع التاسع ، ويستغرق فترة زمنية يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الذي يدل على فترة زمنية ممتدة بين الكساء باللحم والنشأة خلقاً آخر ، قال تعالى :{ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } .
وفي خلال هذه المرحلة تتم عدة عمليات هامة في نمو الجنين ، ويمكن أن يندرج بجلاء تحت الوصفين الذين تضمنهما النص القرآني في قوله تعالى : { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } ويمكن بيانهما فيما يلي :
أ) النشأة :
يتضح هذا الوصف بجلاء في هذه المرحلة حيث يسرع معدل النمو من الأسبوع التاسع إذا ما قورن بما قبله من المراحل .
ب) خلقاً آخر :
هذا الوصف يسير جنباً إلى جنب مع الوصف الأول ، ويدل على أن نفس الحميل قد تحول في مرحلة النشأة إلى خلق آخر .ففي الفترة ما بين الأسبوعين التاسع والثاني عشر تبدأ أحجام كل من الرأس والجسم والأطراف في التوازن والاعتدال وفي الأسبوع الثاني عشر يتحدد جنس الجنين بصفة نهائية ، وذلك بظهور الأعضاء التناسلية الخارجية.(1/64)
· في الأسبوع الثاني عشر أيضاً يتطور بناء الهيكل العظمي من العظام الغضروفية اللينة إلى العظام الكلسية الصلبة ، كما تتمايز الأطراف ، ويمكن رؤية الأظافر على الأصابع .
· يظهر الشعر على الجلد في هذا الطور .
· يزداد وزن الجنين بصورة ملحوظة .
· تتطور العضلات الإرادية وغير الإرادية .
· تبدأ الحركات الإرادية في هذا الطور .
· تصبح الأعضاء والأجهزة مهيأة للقيام بوظائفها .
· وفي هذه المرحلة يتم نفخ الروح ؛ طبقاً لما دلت عليه نصوص القرآ، الكريم والسنة المطهرة ويمكن التعرف على نفخ الروح ؛ بمشاهدة ظاهرة النوم واليقظة في الجنين ؛ التي تدل نصوص قرآنية ونبوية عديدة على ارتباطها بالروح .
· وهكذا نرى دقة المصطلح القرآني( النشأة خلقاً آخر )في التعبير عن المظهر الخارجي للجنين ،وأهم الأحداث الداخلية التي تقع في هذه المرحلة والتي تبدأ بالأسبوع التاسع،وتمتد إلى أن يدخل الجنين مرحلة القابلية للحياة خارج الرحم .
تنتهي الفترة الجنينية في نهاية الأسبوع الثامن . وتظهر في نهاية هذه الفترة بدايات كل الهياكل الأساسية ، وتتصف مرحلة النشأة بالنمو السريع للبنية وتطورها ، وتتباطأ عملية النمو والتطور بين الأسبوع التاسع والثاني عشر حتى تبدأ مرحلة النشأة بصورة كاملة في الأسبوع الثاني عشر ، ثم تستمر عملية النمو والتطور بعدها بسرعة ، ويمكن تمييز جنس الجنين في الأسبوع الثاني عشر .
طور القابلية للحياة
تبدأ تهيئة الجنين للحياة خارج الرحم في الأسبوع الثاني والعشرين ، وتنتهي في الأسبوع السادس والعشرين عندما يصبح الجهاز التنفسي مؤهلاً للقيام بوظائفه ، ويصبح الجهاز العصبي مؤهلاً لضبط حرارة جسم الجنين .(1/65)
والأسابيع الستة وةالعشرون تعادل تقريباً ستة أشهر قمرية ، وقد قرر القرآن الكريم أن مرحلتي الحمل والحضانة تستغرق ثلاثين شهراً فقال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وبين أيضاً بأن مدة الحضانة تستغرق عامين في قوله تعالى :{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}.
وبذلك تكون مدة الحميل اللازمة لصبح قابلاً للحياة هي ستة أشهر قمرية .
وقبل الأسبوع الثاني والعشرين الذي يبدأ منه هذا الطور يخرج الجنين سقطاً في معظم الأجنة .
طور الحضانة الرحمية :
حين يكتمل خلق الإنسان ، ويتهيأ للحياة بعد الشهر السادس يدخل الجنين فترة حضانة تتم في الرحم ،فلا تنشأ أجهزة أو أعضاء جديدة فكلها قد وجدت وأصبحت مؤهلة للعمل . ويقوم الرحم بتوفير الغذاء والبيئة الملائمة لنمو الجنين ،فهذه المرحلة مرحلة حضانة، ولكنها تتم في الرحم ،وتستمرإلى طور المخاض والولادة.
طور المخاض :
يبدأ هذا الطور بعد مرور تسعة أشهر قمرية وينتهي بولادة الجنين . بينما كان الطور السابق طور حفظ وحضانة للجنين في الرحم ، ويمثل هذا الطور مرحلة التخلي عن الجنين ودفعة خارج الجسم انظر شكل (8-27) ، قال تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} (سورة عبس : 20).
الباب التاسع
توافق المعلومات الجنينية مع ماورد في الآيات القرآنية
ت . ف . ن . برسود
جامعة مانيتو باويننج مانيوتبا - كندا
عبد المجيد الزنداني
هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
1) الترابط بين الآيات القرآنية فيما يتعلق بتطور التخلق البشري :(1/66)
ذكر القرآن الكرمي المراحل الأساسية في التخلق البشري من لحظة الحمل إلى الولادة قال تعالى :{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)} (سورة المؤمنون : 12-14).
وقال تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38)فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى(39)} (سورة القيامة : 37-39).
وقال تعالى : { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ(7)فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ(8)} سورة الانفطار:7-8) .
وتلك المراحل على ضوء الآيات الكريمة السابقة قسمان بارزان :
أ) التخلق الأولي ( مرحلة الحميل ) :
ويشمل ما يأتي :
النطفة والعلقة والمضغة ، وتخلق العظام ثم كسوة العظام باللحم (العضلات) .
ب) مرحلة النشأة :
وهي تلي مرحلة التخلق البشري الأولي ، وفيها تنشط عملية النمو والتشكل ، ثم يتطور المظهر الخارجي بحيث يتخذ الجنين شكلاً بشرياً مميزاً ومعتدلاً .
وترد مراحل التخلق البشري في القرآن الكريم بصورة مصطلحات وصفية ، وفقاً للمظهر الخارجي .
كما ذكرت عمليات نمو هامة من خلال أفعال وصفية لأهم ما يجري من أطوار الخلق . ويبين الجدول (1) العلاقة المتقابلة بين الآيات الثلاث .
ويلاحظ كذلك ورود أدوات عطف مختلفة للدلالة على تتابع التغير في الشكل أو تتابع الأ؛داث ، وأداة العطف (ثم) في العربية تدل على فاصل زمني بين حدثين . بينما تدل (الفاء) على أن الأحداث تتوالى فوراً دون فاصل زمني .
وتبين المعلومات ما يلي :
1) تطابق دلالة حرف العطف في السور المختلفة التي ورد فيها .(1/67)
فقد ذكرت أداة العطف ( ثم ) التي تدل على التسلسل البطيء في سورتي (المؤمنون والقيامة ) بين كلمة النطفة والعلقة ، بينما وردت (الفاء) التي تدل على الترتبي والتتابع السريع في مراحل الجنين المذكورة في السورتين المذكورتين وعليه فإن الترتيب وسرعة النمو يتشابهان في السورتين .
2) النطفة والعلقة
تتوافقان في إبراز التسلسل البطيء في سورتي المؤمنون والقيامة ، حيث ورد فيهما حر فالعطف (ثم).
3) المضغة :
استعملت كلمة (مضغة) في (سورة المؤمنون) لوصف الطور الذي يلي العلقة وبيان شكل الجنين فيها .
وفي سياق (سورة القيامة) استعمل الفعل ( خلق ) تالياً تطور العلاقة وهو يحمل عدداً من المعاني منها : إنشاء شيء من شيء آخر ، وهو المعنى المراد هنا لأنه جاء للدلالة على التحول من طور العلقة إلى طور جديد وهو طور المضغة ، ويفهم من كلمة ( خلق ) هنا أنها تقترن بعمليات تخلق متميزة ويقر علم الأجنة أن بدايات الأجهزة المختلفة تبدأ خلال طور المضغة ، وأن عملية ( الخلق ) سمة خاصة لطور المضغة .
ولما كان المظهر الخارجي للجنين يتغير بالتغيرات التي تقع في داخله فإن الفعل ( سوى ) الذي يعني قوم وجعل الشيء مستوياً بدون ارتفاع وانخفاض يدل على أن طور المضغة قد انتهى ، لأن المضغة غير مسواة ولا تحتوي عظاماً أو عضلات لذا لا يكون لها أي مظهر بشري .
وعليه فإن طور التسوية المذكور في سورتي القيامة والانفطار والتي يكون فيها السطح الخارجي للجنين سوياً دون تعرجات يأتي بعد طور المضغة ويليه مباشرة .
ولما كان ترتيب الأحداث واحداً في سورة المؤمنون والقيامة والانفطار فإن طور العظام المذكور في ( سورة المؤمنون ) ، يقابل طور التسوية المذكور في سورتي القيامة والانفطار ، لأن التسوية بعد خلق يعقبه التصوير كما في سورة الانفطار لا يكون في مرحلة النطفة أو طور العلقة .
وفي آية الحج وصف للمضغة بأنها ( مخلقة وغير مخلقة ).(1/68)
قال تعالى : { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } (سورة الحج : آية 22) وعليه فإن بدء عملية تخلق الأجهزة المختلفة صفة بارزة لما قبل التسوية .
وبمقارنة سورتي القيامة والانفطار نجد أن الخلق والتسوية يتعاقبان على نحو متسق فيهما، ويدل ذلك أيضاً على أن الآيات في سورة الانفطار تبدأ بطور المضغة باستعمال الفعل (خلق) الذي يمثل سمة هامة لهذا الطور كما أشير إليه آنفاً .
(4) العظام :
تتفق بداية طور العظام مع طور التسوية كما تقدم . ويتضح من سورة الانفطار أن طور التعديل يلي طور التسوية .
ويقع التعديل باقتراب الجنين من المظهر البشري الذي لا يمكن أن يحدث في طور العظام دون وجود العضلات .
لذا يمكننا أن نستنتج أن طور التعديل يبدأ مع بدء طور اللحم (تكوين العضلات) الذي يلي طور العظام ( التسوية ) .
ويتبين ذلك عن طريق ترتيب الأحداث الوارد في سورة المؤمنون من جهة وفي سورتي القيامة والانفطار من جهة أخرى . وقد استعمل القرآن الكريم كلمة (عظام) للدلالة على الشكل في المقام الأول ، والفعل ( سوى ) لوصف وقوع حدث ، حيث يشتمل هذا الفعل على ثلاثة معان كلها متضمنة في هذا الموضع :
1) جعل الجنين قائماً مستقيماً بعد انحناء .
2) إعداد الأعضاء وجعلها ملائمة لأداء وظائفها .
3) تسوية السطح وجعله بلا تعرجات .
ويصبح الجنين في هذه المرحلة أكثر استقامة بعد أن كان يتخذ شكلاً منحنياً يشبه الحرف (C) بالإنجليزية .
وتأخذ الأعضاء والأجهزة مواضعها السوية داخل الجسم.
ويكتسب سطح الجنين الخارجي نعومة أكثر بعد أن كان على خلاف ذلك خلال طور المضغة .
(5) الكساء باللحم :
تتفق بداية طور الكساء باللحم في سورة المؤمنون مع بداية طور التعديل في سورة الانفطار .
كما تتفق مع الآية {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى(39)} (سورة القيامة آية : 39) لأن طور التسوية يسبقهما .(1/69)
لذا تتفق بداية التركيز والتأنيث في سورة القيامة مع طور الكساء باللحم في سورة المؤمنون .
وهذا هو ما يقع فعلاً ، حيث يحدث تمايز للحدبة التناسلية وتأخذ شكل المبيض أو الخصية في هذه المراحل .
(6) النشأة :
لقد استعمل حرف العطف (ثم) في سورة المؤمنون بين طور الكساء باللحم ومرحلة النشأة، ولكن سورتي القيامة والانفطار لا تذكران مرحلة النشأة ، ويدل ذلك على أن عملية التذكير والتأنيث تستمر حتى تكتمل ، وهذا هو ما يحدث فعلاً ، ويتم تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية بين الأسبوعين الحادي عشر والثاني عشر انظر شكل وبالمثل تستمر عملية تعديل الأعضاء وتحديد ملامح الصورة البشرية للجنين حتى مرحلة متأخرة من الحمل. انظر شكل.
وحيث إن العمليات السابقة تستغرق فترة زمنية طويلة لذلك ختمت بها الآيات في سورتي القيامة والانفطار ؛ لتعبر عن الزمن الطويل الذي تحتاجه هذه المرحلة ، بينما نرى في سورة المؤمنون أنها ذكرت فعلين متمايزين ، الكساء باللحم ، والنشأة خلقاً آخر ، في نفس الزمن الذي تستغرقه الأحداث في سورتي الانفطار والقيامة .
ومن المقارنات السابقة بين الآيات يمكننا أن نستنتج ما يلي :
1) اكتمال وصف كل مرحلة من المراحل مظهراً وحدثاً ، من خلال الاسم الدال على مظهر خارجي ، كما في بعض الآيات (سورة المؤمنون) ، أو من خلال الفعل الدال على ما يحدث من عمليات داخلية في آيات أخرى (سورتي الانفطار والقيامة) .
تتوافق النصوص توافقاً دقيقاً عند الإشارة إلى المراحل المختلفة ، سواء ذكر الاسم أو الحدث في تلك الإشارة .
2) أهمية التسميات القرآنية :
لقد ذكر القرآن الكريم والسنة المطهرة منذ أربعة عشر قرناً مضت الحقيقة العلمية بأن التخلق البشري يتم على مراحل(1/70)
ولم تكن هذه الحقيقة معروفة للعلماء من غير المسلمين حتى منتصف القرن التاسع عشر ، كما كان كثير منهم يعتنق النظرة الإغريقية بأن الجنين يتخلق من دماء المحيض قبل اختراع الميكروسكوب في القرن السابع عشر .
ورفض الإمام ابن حجر وغيره من علماء المسلمين – هذه النظرة واستدلوا على ذلك بالشواهد القرآنية والحديث الشريف على الرغم من افتقارهم إلى الأجهزة العلمية لتقديم برهان تجريبي.
وتوضح تلك الشواهد أن التخلق البشري يحدث من نطف كل من الذكر والأنثى وبعد اختراع الميكروسكوب وما ترتب عليه من اكتشاف المنوي اعتقد العلماء أن كل خلية منوية ذكرية تحمل كائناً بشرياً كامل الخلق دقيق الحجم وقادهم ذلك إلى تجاهل المساهمة الوراثية للأنثى في تخلق الجنين .
ثم اكتشفت البييضة في القرن الثامن عشر ، واتجه العلماء إلى الاعتقاد بوجود كائن بشري متكامل الخلق دقيق الحجم فيها .
وهكذا فقد سادت الأفكار القاصرة بالنسبة لدور الذكر في النسل .
ونتج عن تلك النظريات اعتقاد بأن كائناً بشرياً متكامل التخلق ينبغي أن يكون موجوداً من بداية الحمل .
وفي خلال القرنين الأخيرين اكتشف أن تخلق الجنين يتم على مراحل . ولا زال العلماء رغم ذلك يجدون صعوبة في اختيار تسميات مناسبة لوصف الملامح الأساسية لكل مرحلة .
والتسميات المستعملة حالياً لوصف هذه المراحل لا تبرز الصفات المميزة للجنين في كل مرحلة ، وقد يستعمل الترقيم العددي لذلك ، دون إشارة إلى أي وصف .
أما التسميات الواردة في القرآن الكريم فهي مناسبة ، ومعبرة وكل تغير أساسي ، أو مرحلة ، قد أعطى تسمية شاملة لوصف التغيرات الداخلية ، والأوصاف الخارجية لتطور الجنين.
وبالإضافة إلى ذلك فإن التسميات الإسلامية مفهومة لذوي الخلفيات المتباينة من الناس .
وإضافة إلى ما سبق فقد وصف القرآن الكريم الرحم بأنه ( قرار مكين ) وتفيد علومنا الحديثة أن هذه الأوصاف تتضمن الخصائص والوظائف الأساسية للرحم .(1/71)
فكونه قراراً ( مكان استقرار ) يشير إلى علاقة الرحم بالجنين .
وكونه مكيناً ( أي مثبت بقوة ) يشير إلى علاقة الرحمن بجسم الأم .
والمصطلحات القرآنية : نطفة ، علقة ، مضغة ، تشير إلى أحجام صغيرة جداً لجنين ويبلغ قطر النطفة الذي يمكن رؤيته بالميكروسكوب فقط (0.1 مم ) .
العلقة فطولها يتراوح بين ( 0.7 – 3.0 مم ).
وطول المضغة ( 3.2-13 مم) .
ونظراً لصغر الحجم في هذه المراحل فإن العلماء لم يتعرفوا على ملامحها التفصيلية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وتقرر الآيات القرآنية الكريمة أيضاً تتابع المراحل كلها ، والوقت النسبي بين كل مرحلة والتي تليها .
وعلاوة على ذلك تنقسم كل مرحلة إلى أطوار بحيث يوجد وصف كامل لسائر المراحل .. من مرحلة النطفة إلى نهاية فترة تكون الجنين ، وجاءت الإشارة إلى المراحل الرئيسية الثلاث ( في القرآن الكريم ) بحرف العطف (ثم) ، أما المراحل الفرعية التي تحدث بتتابع سريع نسبياً فقد ورد فيها العطف بحرف (الفاء).
وتلتقي ملاحظات العلم الحديث مع ما ذكرته الآيات القرآنية منذ (1400) عام التقاء تاماً وتعد التسميات القرآنية في دقة وصفها دليلاً آخر على مصدرها الإلهي لخروج ذلك عن طاقة البشر في عهد النبوة .
ويزيد الأمر عجباً ودهشة ذلك التتابع في الأسماء المعبرة عن كل طور ، والأحداث المتزامنة معها في جميع الآيات .
وكان من الممكن أن يختل هذا الترتيب في أسماء الأطوار ، أو الأحداث المصاحبة ، أو الأحداث المرتبة دونما معارضة لو صدر ذلك عن البشر لانعدام العلم الواقعي ووسائله في ذلك العصر. ولا يمكن أن يتأتى ذلك كلها إلا عن علم شامل ومحيط .. من الله العليم الخبير؟!(1/72)