الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجزائر
كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير
عنوان الأطروحة: (
أطروحة مقدمة ضمن متطلبات نيل شهادة دكتوراه في العلوم الاقتصادية
فرع: التسيير
إعداد المترشحة: تحت إشراف:
فضيلة جنوحات/ز/حريتي أ.د.محمد بوتين
أعضاء لجنة المناقشة
أ.د. زعباط عبد الحميد..........رئيسا،
أ.د. بوتين محمد................مقررا،
أ.د. بدعيدة عبد الله.............عضوا،
أ.د.عمور بن حليمة.............عضوا،
أ.د. شعباني إسماعيل...........عضوا،
د.مجيطنة مسعود................عضوا.
السنة الجامعية
2005-2006
إلى وطني الغالي الجزائر.
إلى روح أبي الطاهرة.
إلى والدتي العزيزة.
إلى زوجي الغالي وأبنائي الأعزاء: فاروق، محمد، باديس وأمير، الذين صبروا وضحوا وانتظروا بشوق لرؤية هذه الأطروحة تكتمل.
إلى إخوتي وأخواتي وسائر أفراد أسرتي الكبيرة.
إلى الأصدقاء ومعارفي.
لكل هؤلاء جميعا أهدي هذا الجهد العلمي.
فضيلة.
أتقدم بالشكر الجزيل، والامتنان العظيم، إلى الأستاذ المشرف الأستاذ الدكتور محمد بوتين، لما بذله معى من وقت وجهد خلال إشرافه ولتوجيهاته ونصائحه القيمة فقد كان حاضرا معي، في كل مراحل إنجاز هذا العمل.
كما أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى السادة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة على تفضلهم بقبول مناقشة هذا البحث وتقييمه.
وأشكر، كل من أعانني، في إنجاز هذا العمل العلمي سواء من قريب، أومن بعيد.
كما أقدم شكري إلى الأساتذة والأصدقاء، الذين لم يبخلوا عني بآرائهم ومساعداتهم.
وأخيرا أتوجه بتشكراتي إلى كل عمال مكتبة كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير خاصة الأخت صليحة وعاملات مركز الانترنيت بالكلية، دون أن أنسى حبيبة، فائزة، أسيا ومحمد.
فضيلة.
فهرس المحتويات
الصفحة
الإهداء----------------------------------------------------- I(1/1)
كلمة شكر--------------------------------------------------- II
فهرس المحتويات----------------------------------------------III
قائمة الجداول------------------------------------------------IV
قائمة الأشكال-------------------------------------------------V
قائمة الملاحق------------------------------------------------ VI
مقدمة عامة-------------------------------------------------أ(و
الفصل الأول
الإطار النظري لمشكلة الديون الخارجية
مقدمةالفصل--------------------------------------------------2
المبحث الأول: الاقتراض الخارجي والمفاهيم الأساسية المرتبطة به--- -------------3
المطلب الأول: مفهوم وتعريف الاقتراض الخارجي
أولا: مفهوم الاقتراض الخارجي
ثانيا: تعريف الاقتراض الخارجي
المطلب الثاني: معجم المصطلحات الخاصة بالديون الخارجية الخارجية
أولا: تصنيف الديون الخارجية
ثالثا: مصطلحات ومفاهيم هامة
المطلب الثالث: المبادئ الأساسية لتسيير الديون الخارجية------------------14
أولا: المبادئ الأساسية للتسيير الجيد للديون الخارجية
ثانيا: خلق الفائض في الميزان التجاري
ثالثا: الهيكل التركيبي للديون الخارجية
رابعا: تحديد مستوى أقصى للديون
المبحث الثاني: مبررات التمويل الخارجي، نموذج الفجوتين وتقدير الحاجة إلى مصادره-----16
المطلب الأول: مبررات التمويل الخارجي--------------------------
المطلب الثاني: نموذج الفجوتين----------------------------
أولا: فجوة الموارد المحلية
ثانيا: فجوة التجارة الخارجية
المطلب الثالث: تقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي--------------------
أولا: تقدير فجوة الموارد المحلية
ثانيا: تقدير فجوة التجارة الخارجية
المبحث الثالث: الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية-28(1/2)
المطلب الأول: الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي-------------------------
المطلب الثاني: طاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية-----------------------
أولا: طاقة البلد على خدمة ديونه الخارجية في الأجل القصير
ثانيا: طاقة البلد على خدمة ديونه الخارجية في الأجل الطويل
المبحث الرابع: العوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية-----------32
المطلب الأول: العوامل الخارجية ومسؤولية الدائنين
أولا: ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية
ثانيا: تغيرات أسعار النفط
ثالثا: تدهور شروط التبادل التجاري للبلدان النامية
رابعا: آثار الركود الاقتصادي في البلدان الرأسمالية خلال السبعينيات
خامسا: تزايد تدابير فرض الحماية الجمركية على صادرات البلدان النامية
المطلب الثاني: العوامل الداخلية ومسؤولية المدينين في تفاقم أزمة الديون الخارجية-----
أولا: الاعتماد المتزايد على العالم الخارجي
ثانيا: قصور أو غياب السياسات السليمة لعملية التنمية
ثالثا: الفساد الإداري
رابعا: نزوح الأموال من البلدان النامية إلى البلدان الرأسمالية المتقدمة
خامسا: التضخم المحلي وتدهور أسعار الصرف
سادسا: عدم وجود جهاز مركزي موحد يشرف على الاقتراض الخارجي
سابعا: غياب السياسات السليمة للاقتراض الخارجي
خلاصة الفصل الأول-------------------------------------------50
الفصل الثاني
الوضعية الراهنة للقروض الخارجية العربية
مقدمة الفصل --------------------------------------------------52
المبحث الأول: نشأة وتطور الديون الخارجية العربية -------------------------53
المطلب الأول: نشأة الديون الخارجية العربية وأسبابها----------------------
أولا: نشأة الديون الخارجية العربية
ثانيا: أسباب الديون الخارجية العربية
المطلب الثاني: تطور الديون الخارجية العربية وأعبائها---------------------56
أولا: تطور الديون الخارجية العربية(1/3)
ثانيا: تطور أعباء خدمة الديون الخارجية العربية
ثالثا: تصنيف البلدان العربية المقترضة وفق عبء المديونية
المبحث الثاني: مكانة الديون الخارجية العربية من إجمالي الديون الخارجية للبلدان النامية---62
المطلب الأول: نشأة وتطور الديون الخارجية للبلدان النامية----------
أولا: نشأة الديون الخارجية للبلدان النامية
ثانيا: تطور حجم الديون الخارجية للبلدان النامية
ثالثا: تطور هيكل الديون الخارجية للبلدان النامية
رابعا:تطور المؤشرات الاقتصادية وتقييم عبء المديونية
خامسا:تعقد شروط الاقتراض الخارجي للبلدان النامية
المطلب الثاني: ديون البلدان العربية ووضعها النسبي من إجمالي الديون الخارجية للبلدان النامية---------------------
أولا: مكانة الديون الخارجية للبلدان العربية بالنسبة لإجمالي ديون البلدان النامية
ثانيا: تشوه هيكل الديون الخارجية العربية وتعقد شروط اقتراضها
المبحث الثالث: دراسة تحليلية للديون الخارجية لبعض البلدان العربية ----------------78
المطلب الأول: دراسة مختصرة عن الديون الخارجية لعينة من الدول العربية
المطلب الثاني: مقارنة تحليلية بين أعباء الديون الخارجية للعينة والبلدان العربية المدينة وديون البلدان النامية
المطلب الثالث: دراسة تحليلية للخصائص الأساسية للمديونية الجزائرية-----------
أولا: تطور الديون الخارجية الجزائرية
ثانيا: دراسة بعض النسب والمؤشرات الاقتصادية خلال المرحلة الصعبة
ثالثا: شروط الاقتراض للالتزامات الجديدة
رابعا: تطور مخزون الديون الخارجية الجزائرية مابين 1994 و2004 ...
خلاصة الفصل الثاني --------------------------------------------94
الفصل الثالث
دور الديون الخارجية في تمويل التنمية الاقتصادية العربية
مقدمة الفصل--------------------------------------------------96
المبحث الأول: التعريف بالتنمية الاقتصادية في البلدان العربية، تمويلها ومشاكلها -------94(1/4)
المطلب الأول: مفهوم وتعريف التنمية الاقتصادية------------------
أولا: مفهوم التنمية الاقتصادية
ثانيا: تعريف التنمية الاقتصادية
المطلب الثاني: معوقات التنمية الاقتصادية في البلدان العربية--------------
أولا: انخفاض مستوى تراكم رأس المال والاستثمار والادخار في البلدان العربية
ثانيا: النمو الديموغرافي في البلدان العربية
ثالثا: التفاوت في مستوى التطور بين البلدان العربية
المطلب الثالث: التمويل الأجنبي للتنمية الاقتصادية في البلدان العربية
أولا: الاقتراض الخارجي إجباري
ثانيا: الاقتراض الخارجي اختياري
المبحث الثاني: دور الديون الخارجية في تمويل عملية التنمية الاقتصادية في البلدان العربية--------------------------------------------------104
المطلب الأول: فعالية استخدام القروض الخارجية-----------------
أولا: الديون الخارجية غير المنتجة
ثانيا: القروض الخارجية المنتجة
المطلب الثاني: قدرة البلدان العربية على خدمة ديونها الخارجية-------------
أولا: توقعات الأداء الاقتصادي للبلد المدين في الأجل القصير
ثانيا: قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل الطويل
المطلب الثالث: استخدام الديون الخارجية في التنمية ومدى قدرة الدول العربية على خدمة ديونها
أولا: استخدام القروض الخارجية في التنمية وتحسين السياسات المالية
ثانيا: طاقة البلدان العربية على تسديد خدمة الديون الخارجية
ثالثا: تطور مؤشرات عبء المديونية حسب تقسيم المجموعات
خلاصة الفصل الثالث-----------------------------------------128
الفصل الرابع
آثار الديون الخارجية على عملية التنمية الاقتصادية
مقدمة الفصل ----------------------------------------------------131
المبحث الأول: أثر الديون الخارجية على الاستثمار والخطط الإنمائية--------------132
المطلب الأول: أثر الديون الخارجية على الاستثمار--------------------(1/5)
أولا: معدل الاستثمار الوطني
ثانيا: أثر تفاقم الديون الخارجية على استثمار البلدان العربية ...
ثالثا: أثر الديون الخارجية على الاستثمار حسب تصنيف البلدان العربية
المطلب الثاني: أثر الديون الخارجية على الخطط الإنمائية-------------------
أولا: أثر الديون الخارجية على إمكانات الادخار المحلي
ثانيا: أثر الديون الخارجية على الطاقة الاستيرادية
ثالثا: أثر الديون الخارجية على معدلات التضخم
المطلب الثالث: أشكال التبعية الاقتصادية العربية بسبب الديون الخارجية-----------
أولا: التبعية التجارية
ثانيا: التبعية المالية
ثالثا: التبعية التكنولوجية
المبحث الثاني: أثر الديون الخارجية على الادخار والتضخم---------------------147
المطلب الأول: أثر الديون الخارجية على الادخار--------------
أولا: أثر تزايد أعباء الديون الخارجية على الادخار المحلي
ثانيا: أثر الديون الخارجية على الادخار المحلي لبعض البلدان العربية
المطلب الثاني: أثر الديون الخارجية على التضخم-------------
أولا: أثر تفاقم الديون الخارجية على التضخم في البلدان العربية
ثانيا: أثر الديون الخارجية على التضخم في البلدان النامية
ثالثا: مقارنة أثر الديون الخارجية على التضخم في بعض البلدان العربية والنامية
المبحث الثالث: أثر الديون الخارجية على ميزان مدفوعات البلدان العربية واستنزاف احتياطاتها الدولية------------------------------------------158
المطلب الأول: أثر تفاقم الديون الخارجية على ميزان المدفوعات--------
المطلب الثاني: استنزاف الديون الخارجية للاحتياطات الدولية-----------
المبحث الرابع: الآثار الأخرى للديون الخارجية---------------------------167
المطلب الأول: الآثار الاجتماعية -------------
أولا: ارتفاع نسب للبطالة----------------
ثانيا: تفاقم الفقر------------------------
المطلب الثاني:الآثار السياسية -----------------------(1/6)
أولا: الآثار الناتجة عن الشركات العابرة للحدود ورأس المال الأجنبي
خلاصة الفصل الرابع-------------------------------------------171
الفصل الخامس
مساهمة اقتراح حلول مناسبة لدول العربية
مقدمة الفصل -----------------------------------------------173
المبحث الأول: الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الديون الخارجية الديون للبلدان النامية------174
المطلب الأول: الحلول المقترحة من طرف الدائنين-------------
أولا: حلول صندوق النقد الدولي
ثانيا: حلول البنك الدولي
ثالثا: الحلول الخاصة بتشجيع الاستثمار الأجنبي
المطلب الثاني: الحلول المقترحة من طرف سياسيين ومفكرين في البلدان الرأسمالية وحلول أخرى------------------------------------------------------181
أولا: الحلول المقترحة من بعض السياسيين والمفكرين في البلدان النامية--
ثانيا: حلول أخرى-----------------------------------187
المطلب الثالث: الحلول المقترحة من طرف الدول المدينة-------------------190
أولا: السياسات المتخذة من طرف واحد
ثانيا: السياسات المقترحة من طرف قمم وتكتلات البلدان المدينة
المبحث الثاني: مساهمة في اقتراح حلول مناسبة--------------------------195
المطلب الأول: حل مشكل المديونية الخارجية على مستوى البلدان العربية--------
أولا: أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية
ثانيا: مجالات الاستثمار في البلدان العربية
ثالثا: تعزيز دور صندوق النقد العربي
رابعا: تطوير الأسواق المالية العربية
خامسا: تشجيع وتطوير المشاريع العربية المشتركة
المطلب الثاني: حلول مقترحة لمعالجة إشكالية الديون العربية-------------
أولا: حلول ملائمة لمجابهة أزمة الديون الخارجية
ثانيا: بعض تجارب الدول العربية بشأن معالجة شاملة لإشكالية الديون الخارجية
ثالثا: بعض الاستراتيجيات المقترحة لمواجهة إشكالية الديون(1/7)
خلاصة الفصل الخامس------------------------------------------229
الخاتمة العامة------------------------------------------------230
أولا: النتائج-----------------------------------------232
ثانيا: الاقتراحات--------------------------------------236
قائمة المراجع--------------------------------------------240( 251
الملاحق------------------------------------------------252(266
رقم الجدول ... عنوان الجدول ... رقم الصفحة
I)-1 ... تأثير شروط التبادل التجاري وأسعار الفائدة ... 36
كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد الثمانينات
I)-2 ... تصاعد نزعة الحماية الجديدة في الولايات المتحدة ودور المجموعة الأوروبية ... 39
خلال الفترة (1976-1985)
I)-3 ... تهريب رأس المال وإجمالي تدفقات رأس المال إلى الداخل في بعض الدول المدينة المختارة خلال الفترة (1979-1982) ... 46
(II-1) ... تطور الديون الخارجية للدول العربية المقترضة ... 57
(II-2) ... تطور الديون الخارجية العربية المقترضة حسب البلد ... 58
(II-3) ... تطور أعباء خدمة الدين الخارجي للدول العربية المقترضة ... 59
(II-4) ... تصنيف الدول العربية المقترضة وفق عبء المديونية ... 61
(لعام2003)
(II-5) ... تطور الديون الخارجية للدول النامية ... 64
(II-6) ... القروض المقدمة من البنوك الخاصة للدول النامية ... 66
(II-7) ... تطور المديونية الخارجية للدول النامية خلال الثمانينات ... 66
(II-8) ... تطور خدمة الديون الخارجية للدول النامية خلال الثمانينات ... 67
(II-9) ... حجم الديون الخارجية على الدول النامية ... 68
( 1998-2004)
(II-10) ... تطور بعض المؤشرات الاقتصادية ... 69
للمديونية الخارجية وفوائدها المدفوعة
(1975-1983)
(II-11) ... تطور متوسط شروط الاقتراض الخارجي للدول النامية ... 71
بالنسبة لكافة مصادر الاقتراض
خلال الفترة (1970-1993)
(II-12) ... تطور الديون الخارجية العربية وديون الخارجية للبلدان لنامية ... 73
(II-13) ... تطور هيكل الديون الخارجية للبلدان العربية حسب الآجال ... 74
((1/8)
II-14) ... تطور هيكل الديون الخارجية العربية الطويلة المدى ... 76
حسب المصدر
(II-15) ... الديون الخارجية وأعباؤها للعينة المختارة ... 79
(II-16) ... مقارنة تحليلية لأعباء الديون الخارجية للعينة المختارة ... 82
والبلدان النامية والعربية المقترضة الأخرى
(II-17) ... نسبة تطور هيكل الديون المتوسطة والطويلة الأجل ... 87
(II-18) ... تطور مؤشرات المديونية الخارجية للجزائر ... 91
من 1994 إلى 2003
(III-1) ... نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي ... 121
ما بين عامي 1995 و2000
(III-2) ... تطور مؤشرات الديون الخارجية للدول العربية ... 123
(1995-2000)
(VI-1) ... نسبة الاستثمار الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي ... 134
(VI-2) ... نسبة إجمالي الدين العام الخارجي القائم ... 136
إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي
(VI-3) ... مؤشرات الديون الخارجية حسب مجموعات الدول العربية المقترضة ... 137
نسب مئوية: %
(VI-4) ... متوسط معدل التغيير السنوي في معدل الادخار ... 150
المحلي الإجمالي لبعض الدول النامية (1960-1970)
(VI-5) ... أثر الدين الخارجي في الادخار المحلي لبعض الدول ... 151
(VI-6) ... التدفقات المالية للديون الخارجية في البلدان النامية وبعض البلدان العربية المختارة ... 159
(VI-7) ... نسبة إسهام مدفوعات الفوائد في العجز بالحساب الجاري ... 161
في البلدان النامية وبعض الدول العربية المدينة
(VI-8) ... نسبة الاحتياطات إلى إجمالي الديون الخارجية ... 164
و تغطيتها للواردات
في البلدان النامية والبلدان العربية وبعض البلدان العربية
(V-1) ... نسبة الاستثمارات الأجنبية الخاصة إلى إجمالي الالتزامات الخارجية ... 180
لسنة 1983 لعشرة دول مدينة.
(V-2) ... المجموع التراكمي للعمليات التمويلية لمؤسسات التمويل العربية ... 205
في 31/12/2004
(V-3) ... توزيع المشروعات المشتركة حسب القطاع ... 212
(V-4) ... توزيع الاستثمارات العربية البينية حسب القطاع بـ (%) للسنة 2001 ... 214
قائمة الأشكال
رقم الجدول ... عنوان الشكل ... رقم الصفحة(1/9)
II -1 ... نسبة المديونية الخارجية إلى الناتج الوطني الخام ... 70
II -2 ... تطور معدل خدمة الديون الخارجية للدول النامية ... 72
II -3 ... تطور الديون الخارجية لبلدان العينة المختارة من سنة 1970إلى سنة 2003 ... 81
II -4 ... تطور الديون قصيرة الأجل ... 86
II -5 ... تطور الديون الخارجية الجزائرية ... 88
II -6 ... توزيع المديونية الجزائرية حسب العملات الأجنبية ... 89
لعام 1988 وعام 1995
II -7 ... تطور الديون الخارجية الجزائرية وخدماتها ... 93
من سنة 1994 إلى سنة 2004
III-1 ... تطور مؤشرات المديونية على المدى الطويل ... 118
III-2 ... نسبة خدمة الدين إلى إجمالي صادرات في الدول العربية ... 126
في عامي 1995 و2000
VI-1 ... نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي ... 135
VI-2 ... تطور خدمات الديون الخارجية للدول العربية ... 143
VI-3 ... التضخم في البلدان النامية حسب صعوبات خدمة الدين ... 155
VI-4 ... التضخم في عدد من البلدان النامية والبلدان العربية ... 157
VI-5 ... حجم الاحتياطات الدولية للبلدان النامية وبعض الدول العربية المختارة ... 163
(V-1) ... توزيع المشروعات العربية على القطاعات ... 213
قائمة الملاحق
رقم الجدول ... عنوان الملاحق
1 ... الاحتياطات الخارجية للدول النامية ودول اقتصاديات السوق الناشئة الأخرى
2 ... حجم الديون الخارجية على الدول النامية ودول اقتصاديات السوق الناشئة الأخرى
3 ... Encours de la dette extérieure AM< par type de crédits
4 ... Répartition géographique de la dette d’origine publique
5 ... Indicateurs de la banque d’Algérie 1
6 ... Indicateurs de la banque d’Algérie 2
7 ... ... 3 ... Indicateurs de la banque d’Algérie
8 ... إجمالي الدين الخارجي العام القائم في ذمة الدول العربية المقترضة1999-2004
9 ... الاحتياطيات الخارجية للدول النامية ودول اقتصاديات السوق الناشئة الأخرى
10 ... الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الجارية2003
11 ... عدد السكان في الدول العربية (1990و 1995و1997و2004)(1/10)
12 ... التجارة الخارجية الجزائرية 2001-2002-2003
13 ... الديون الخارجية الجزائرية ومؤشرات ديونها
المقدمة العامة
التمهيد:
لقد أصبحت مشكلة التنمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الشغل الشاغل للمفكرين الاقتصاديين، كما أصبحت القضية الأساسية المتداولة على النطاق الدولي سواء على مستوى الحكومات أو المؤسسات أو الهيئات الدولية، كذلك فإن ظاهرة الاقتراض الخارجي ليست ظاهرة جديدة، بل هي ظاهرة قديمة ترتبط بالاقتصاد النقدي عموما، وبالتبادل الدولي خصوصا.
مع بداية الستينات ونيل معظم البلدان العربية استقلالها السياسي ومنها الجزائر التي تسعى منذ استقلالها إلى التصنيع وتحقيق التنمية الاقتصادية المرغوبة؛ في حين أن نجاح هذه الأهداف يتوقف على مدى توفير التمويل اللازم لعملية التنمية.
إن الاقتراض الخارجي يكمل الادخار المحلي ويُزوّد البلد المدين بنقد أجنبي نادر، كما أنه إذا اقترن بموارد الادخار المحلي يمكن أن يمول حجما أكبر من الاستثمارات، ويسهم في تعبئة موارد البلد المتاحة واستخدامها استخداما أفضل، وأن يموّل حالات عجز مؤقتة في ميزان المدفوعات مما يتيح تجنب تدابير جذرية قد تعرقل برنامج البلد الإنمائي.
إن تزايد الاهتمام بالوضعية الراهنة للديون الخارجية العربية دليل على عمق الوعي بأبعاد المشكلة وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية حاضرا ومستقبلا. فالتدفقات التي كانت ينظر إليها خلال عقدي الخمسينيات والستينيات على أنها مضمونة لدفع عجلة التنمية بمساهمتها في توفير عنصر« رأس المال » أصبحت أعباؤها اليوم تمثل عائقا من أهم عوائق التنمية والاستقرار الاقتصادي في كثير من الدول النامية عامة والعربية المدينة منها خاصة.(1/11)
على الرغم من أن العديد من البحوث والمؤتمرات الجهوية والإقليمية والعالمية، قد تناولت هذه المشكلة العويصة، فإنها حتى الآن لا زالت دون حل ناجع. إن العديد من المبادرات والإجراءات الدولية المتخذة من قبل الدول الدائنة أو المنظمات المالية الدولية استهدفت التخفيف من أعباء المديونية الخارجية لكل دولة بمفردها مقابل فرض مجموعة من الإجراءات الصارمة التي سرعان ما تفقد أهميتها؛ وتتفاقم الأزمة بشكل أخطر مما سبق، أما المبادرات والاقتراحات التي طرحتها الدول المدينة فتميزت بأنها مبادرات محلية، فلم تستطيع الدول العربية الوصول إلى صيغة مشتركة تدافع عن مصالحها كمجموعة.
بهذا الصدد ارتأينا تحديد الإطار النظري لمشكلة الديون الخارجية وعرض مختلف الاتجاهات الفكرية الأساسية التي تمكننا من فهم أزمة المديونية الخارجية للدول المدينة، وذلك من خلال تسليط الأضواء على الاقتراض الخارجي، بدءا بالمفاهيم والمبادئ الأساسية لتسييره، ومرورا بمبررات التمويل الخارجي. أي أن نموذج الفجوتين وتقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي، والأعباء الناشئة عنه، وكذا طاقة الدول المدينة على خدمة ديونها الخارجية ومدى قدرتها على الوفاء وتغطية الأعباء الناشئة عنها في السنوات المقبلة؛ مع دراسة أغلب التنبؤات الممكنة.
سنحاول من خلال هذه الأطروحة التعريف بالديون الخارجية للدول العربية المدينة وأبرز أهم تطوراتها والتغيرات الناتجة في حجمها وهيكلها، وتقييم أعبائها من خلال المؤشرات الاقتصادية المطبقة، مع دراسة تحليلية لمجموعة مختارة من البلدان هي: الجزائر، مصر، المغرب، عمان، لبنان، تونس، الأردن، اليمن، جيبوتي، سورية، السودان، موريتانيا، والصومال.(1/12)
نعتقد أنه مهما كان مستوى تطور هذه البلدان في سبيل تحقيق تنميتها الاقتصادية، هي بحاجة إلى تسريع معدلات النمو الاقتصادي. غير أن تحقيق هذا الهدف قد يصطدم بجملة من المعوقات والمشاكل، تتمحور هذه المعوقات في انخفاض حجم المدخرات الوطنية وعدم كفايتها لتمويل عمليات التنمية؛ لذلك لجأت معظم الدول العربية إلى التمويل الخارجي لسد النقص في الموارد المحلية والتَّزوُد بالعملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع والخدمات الضرورية للتنمية.
مع النمو المفرط في حجم المديونية الخارجية، وتعقد وصعوبة شروط الاقتراض الخارجي وتفاقم أعباء الديون، كان طبيعيا أن تنجر عن تلك المديونية مجموعة من الآثار السلبية المعرقلة لعملية التنمية الاقتصادية في هذه البلدان.
( إشكالية البحث
إن أخطر آثار المديونية الخارجية يتمثل في شل جهود التنمية وما يترتب عليها من انعكاسات اجتماعية، ومن الملاحظ أن الكثير من هذه الدول اضطرت إلى تأجيل تنفيذ مشاريعها الاستثمارية وخفض معدلات الاستثمار فيها، وذلك بسبب نقص السيولة والموارد الأجنبية؛ مما أدى في النهاية إلى مزيد من التبعية بمختلف أشكالها: تجارية، مالية وتكنولوجية.
لقد أصبح من الضروري صياغة سياسات جديدة تؤسس لمناخ استثماري ملائم للدول العربية قصد التصدي للانعكاسات السلبية لهذه التحولات (من فقر وتهميش وتبعية للمؤسسات المالية الدولية)، وعليه يمكننا طرح الإشكالية التالية:
ما هي آثار وانعكاسات الديون الخارجية على التنمية الاقتصادية للدول العربية المدينة؟
من خلال هذا السؤال الرئيسي، نقوم بطرح بعض التساؤلات الفرعية، منها:
1- ما هو الإطار النظري لإشكالية الديون الخارجية؟
2- هل اللجوء إلى الاقتراض الخارجي يمكن أن يقوم بدور هام في تسريع التنمية ؟
3- ما هي وضعية المديونية العربية ؟
4- ما هو دور الديون الخارجية في تمويل التنمية الاقتصادية ؟(1/13)
5- ما هي آثار تفاقم القروض الخارجية على عملية التنمية الاقتصادية؟
6- ما هي الحلول المقترحة لعلاج إشكالية المديونية الخارجية ؟
( فرضيات الدراسة
للإجابة على الأسئلة السابقة يمكننا صياغة الفرضيات التالية:
1. يعتبر التسيير الجيد والفعال للديون الخارجية وسيلة لتخطي العقبات وتفادي مثيلاتها في المستقبل .
2. سارت الدول العربية في طريق الاستدانة الوعر، وهي مقتنعة أنها ستكون قادرة على تحقيق معادلة صعبة، طرفها الأول هو الحصول على الديون واستغلالها في برامج التنمية وطرفها الثاني هو سداد هذه الديون والفوائد.
3. مواجهة أزمة المديونية الخارجية على المستوى المحلي يجب أن تبدأ من العمل على تقليل فجوة الموارد المحلية.
4. الاقتراض الخارجي يمكن أن يقوم بدور هام في تسريع عملية التنمية الاقتصادية إذا ما أدى إلى زيادة إنتاجية مشاريع التنمية وليس الاعتماد على الريع النفطي.
5. الاعتماد على الطاقات المحلية مع التخصيص الرشيد للموارد الاقتصادية والبشرية محليا وعربيا بحيث يحقق التنمية الاقتصادية المنشودة.
(أهمية الدراسة
ترجع أهمية اختيارنا لهذا البحث إلى أن الموضوع يلقى في الحاضر اهتماما على الصعيد الدولي يوازي ماله من أهمية قصوى على المستوى العربي والمحلي في ظل التحولات الراهنة؛ ومن جهة أخرى، ستسمح لنا هذه الدراسة بإعطاء صورة واضحة عن الديون الخارجية العربية وإبراز تأثير الديون الخارجية على التنمية الاقتصادية في معظم هذه الدول، من خلال تطبيق الإصلاحات الاقتصادية المفروضة وشروط إعادة الجدولة ومساوئها كتسريح الآلاف من العاملين وتفقير شرائح واسعة من المجتمع، وهي برامج كان لا بد من تنفيذها حتى تتم جدولة الديون والحصول على قروض أخرى وفقاً لشروط الجهات المانحة.
(أسباب اختيار الموضوع(1/14)
يرجع الدافع الرئيسي لاختيار هذا الموضوع لأسباب موضوعية تتجلى خاصة في حدة آثار المديونية على الاقتصاديات العربية. وباعتبار أن هذه المشكلة لاتزال دون حل ناجع، وهي تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى المزيد من الدراسة والتفكير في إيجاد الحلول التي تمكن البلدان العربية المعنية من تجاوز هذه الأزمة؛ والانطلاق من جديد في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بالإضافة إلى هذا، فإنه لدينا اهتمام كبير بقضية المديونية منذ بداية دراساتنا العليا وباعتبارنا عضوا في فرقة بحث رسمية حول "العمل الاقتصادي العربي المشترك وتحديات العولمة". كما أننا شاركنا في العديد من الندوات والملتقيات والتظاهرات العلمية وطنيا ودوليا حول هذا الموضوع الواسع.
أملنا أن تعطي هذه الدراسة شيئا جديدا ولو بسيط، لإلقاء المزيد من الضوء على هذه الأزمة على مستوى البلدان العربية، مع التركيز على نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الجديدة، قصد بعث النقاش، أو على الأقل إثراءه في ظل الظروف الراهنة.
(الهدف من الدراسة
على الرغم من أن العديد من البحوث والمؤتمرات الإقليمية والعالمية قد تعرضت إلى هذه المشكلة العويصة ومدى تأثيرها على عملية التنمية. فإنها حتى الآن لا زالت حسب علمنا لم تحظى بالاهتمام الكافي واللازم الذي يسمح بإيجاد حل ناجع لها. كما أن العديد من المبادرات والإجراءات الدولية المتخذة من قبل الدول الدائنة أو من قبل المؤسسات المالية الدولية استهدفت التخفيف من أعباء المديونية الخارجية لكل دولة على حده، مقابل فرض مجموعة من الإجراءات الصارمة التي سرعان ما تفقد أهميتها، وتتفاقم الأزمة بقدر أكثر خطورة مما سبق.(1/15)
وأما المبادرات والاقتراحات التي طرحتها الدول المدينة فتميزت بكونها مبادرات محلية منفردة، فلم تستطيع الدول العربية الوصول إلى صيغة موحدة تدافع عن مصلحتها مجتمعة. نعتقد أن دراسة وتحليل هذا الموضوع من جوانبه المختلفة والمتنوعة والمعقدة سيساعدنا في اتخاذ قرارات عقلانية موحدة على مستوى هذه البلدان؛ ومحاولة التحكم في المشاكل الناجمة عنها بعد الإلمام بها.
(فترة الدراسة
يركز البحث عموما على الفترة الممتدة من سنة 1985 إلى سنة 2005 والتي ستغطي مسيرة الديون العربية المدينة خاصة بعد الأزمة المالية في بداية الثمانينات.
(الدراسات السابقة
لقد تمت معالجة إشكالية المديونية الخارجية على مستوى كليتنا في بحوث سابقة بالنسبة للدول النامية والجزائر، إلا أن هذه المشكلة العويصة ومدى تأثيرها على عملية التنمية في البلدان العربية، وحسب علمنا لم تكن محلا الدراسة في كليتنا. ولكن على المستوى الخارجي وفي الكثير من الدول العربية، تم معالجة مواضع مشابهة.
في تقديرنا سنحاول من خلال هذا العمل أن نوضح دور العمل الاقتصادي العربي المشترك في إعطاء دفعة جديدة وقوية لمعالجة مشكلة الديون الخارجية قصد إيجاد حلول لها. وكذلك في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في ظل التحولات الراهنة.
(المنهج المستخدم في إعداد هذا البحث
اتبعنا في إعداد هذه الدراسة عدة مناهج، بالنظر لطبيعة الموضوع، وهي:
المنهج الوصفي والتاريخي والمنهج الاستقرائي والمنهج التحليلي للمعلومات والبيانات المتحصل عليها من الكتب والدوريات والتقارير المتخصصة؛ وذلك من خلال استقراء النتائج وتحليلها والوقوف على أهم المراحل التي مرّ بها الاقتصاد العربي إلى يومنا هذا.
(الإحصائيات المستخدمة في البحث والتحليل(1/16)
تم الاعتماد على التقارير والإحصاءات الاقتصادية الصادرة عن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد العربي والتقارير الاقتصادية العربية الصادرة عن جامعة الدول العربية. كما تم الاستعانة بالمصادر الوطنية في مواضع محددة، قصد استخلاص المؤشرات المتعلقة بالديون الجزائرية.
( خطة البحث
لدراسة الموضوع قصد الإجابة على الأسئلة المطروحة قسمنا الموضوع إلى خمسة فصول وذلك كمايلي:
تناولنا في الفصل الأول الإطار النظري للديون الخارجية، فتطرقنا في البداية إلى الاقتراض الخارجي من حيث المفاهيم والمبادئ الأساسية لتسييره، كما تعرضنا إلى مبررات التمويل الخارجي ونموذج الفجوتين، وتقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي. كما درسنا الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية؛ وكذا العوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية.
أما في الفصل الثاني فقد أولينا اهتمامنا للوضعية الراهنة للقروض الخارجية العربية، فقمنا بتحليل تطور هذه المديونية منذ نشأتها إلى غاية سنة 2005 باعتبارها نهاية الفترة التي تغطيها دراستنا. كما قمنا في نفس الفصل بتحديد وضعها النسبي من إجمالي الديون الخارجية للدول النامية، وتحليلها. علما بأننا اقتصرنا العينة على مجموعة مختارة من بين مجموعة البلدان العربية الأكثر مديونية.
وفي الفصل الثالث قمنا بدراسة دور الديون الخارجية في تمويل التنمية الاقتصادية العربية. وبعد التعريف بالتنمية الاقتصادية وأهم معوقاتها، وخاصة المتعلقة بانخفاض مستويات الاستثمار والادخار، وبيَّنا دورها من خلال فعالية طبيعة الاستخدام وكذلك قدرة هذه البلدان وطاقتها على خدمة ديونها الخارجية.(1/17)
أما الفصل الرابع فقد حاولنا من خلاله تبيان الآثار السلبية على عملية التنمية الاقتصادية بصفة عامة. وركزنا بشكل خاص على دراسة أثرها على كل من الخطط الإنمائية والاستثمار والادخار والتضخم وميزان المدفوعات؛ وبخاصة استنزافها الاحتياطات الدولية. كما تناولنا بالدراسة آثارا أخرى منها الاجتماعية والسياسية.
وفي الفصل الخامس قمنا باستعراض أهم المقترحات المتعلقة بحل مشكلة الديون الخارجية على المستوى الدولي. ثم قدمنا مساهمتنا المتمثلة في اقتراح حلول لمديونية الدول العربية المدينة. ونأمل أن نكون قد وفقنا بقدر أو آخر في دراستنا هذه.
وأخيرا، توجنا عملنا هذا بخاتمة عامة، أعقبناها بالنتائج المتوصل إليها. كما حاولنا إثبات صحة أو نفي الفرضيات السابقة، وتقديم مجموعة من الاقتراحات والتوصيات قصد التخفيف ما أمكن من الآثار السلبية موضوع الدراسة.
وفي الختام نرجو أن نكون قد وفقنا في اختيار ومعالجة موضوع دراستنا، سائلين المولى التوفيق والنجاح.
الفصل الأول
الفصل الأول
الإطار النظري لمشكلة الديون الخارجية
مقدمة الفصل:
سنحاول من خلال هذا الفصل التعريف بالقروض الخارجية للدول العربية المدينة باستثناء الدول المنتجة للنفط السبع (السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين، قطر، العراق وليبيا)، لأن المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا تعتبرها دولا مدينة من منظور الوضع الصافي للمديونية، وأن الصعوبات المالية التي تمر بها هذه الدول ما هي إلا مجرد صعوبات مؤقتة، ترتبط بالتدفقات النقدية، أكثر منها صعوبات جذرية في هياكلها الاقتصادية. كما أن هذه الدول، من جهة أخرى، تفضل الاقتراض المحلي نظرا لتوفر السيولة المحلية، ولكونه أقل حساسية من الاقتراض الخارجي.(1/18)
وبهذا الصدد ارتأينا تحديد الإطار النظري لمشكلة الديون الخارجية وعرض مختلف الاتجاهات الفكرية الأساسية التي تمكننا من فهم أزمة المديونية الخارجية للدول المدينة. وذلك من خلال تسليط الأضواء على القضايا النظرية التالية:
- الاقتراض الخارجي، المفاهيم والمبادئ الأساسية لتسييره.
- مبررات التمويل الخارجي، نموذج الفجوتين وتقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي.
-الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية.
- العوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية.
نتطرق في البداية إلى مفهوم الاقتراض الخارجي وتعريفه مع وضع معجم أهم مصطلحات المديونية الخارجية التي تعترض القارئ، وبعض المبادئ الأساسية لتسييرها. ثم نتناول مبررات التمويل الخارجي مرورا بنموذج الفجوتين، على اعتبار أنه أبسط النماذج وأكثرها دلالة في تبيان العلاقة بين التمويل الخارجي وفجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية. وننهي هذا الجزء من الدراسة بالتعرض للأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي، وطاقة هذه الدول على خدمة ديونها الخارجية، المتمثلة في طاقتها على خدمة أعباء ديونها قبل اتخاذ القرارات الخاصة بعقد القروض. ثم تبيان طاقتها على مواجهة العبء الذي سينشأ عنها؛ ومدى قدرتها على الوفاء وتغطية الأعباء الناشئة من التمويل الخارجي. وفي الأخير نتطرق للعوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية.
المبحث الأول: الاقتراض الخارجي والمفاهيم الأساسية المرتبطة به
إن ظاهرة الاقتراض الخارجي قديمة العهد، حيث ارتبطت بالتبادل الدولي، ولم تكن مشكلة المديونية تتعدى آنذاك حدود الدائن والمدين، وكانت تنتهي بالسداد أو بالاحتلال العسكري.(1/19)
وبعد الحرب العالمية الثانية نال العديد من الدول النامية، ومنها الدول العربية، استقلالها السياسي، فسارعت بذلك حكوماتها إلى تطبيق سياسات تنموية طموحة تطلبت رؤوس أموال كبيرة رغم أن معظم هذه الدول كان يعاني من انخفاض معدلات الادخار المحلي، وعدم كفاية المدخرات المتاحة لتمويل الاستثمارات اللازمة لعملية التنمية. مما شجعها على اللجوء إلى التمويل الخارجي والاعتماد عليه، باعتباره يقوم بدور معتبر في تسريع عملية التنمية.
وعليه، نتناول بالدراسة النقاط التالية، وهي: الاقتراض الخارجي، المفاهيم المرتبطة به، وبعض المبادئ الأساسية لتسيير الديون الخارجية.
المطلب الأول: مفهوم وتعريف الاقتراض الخارجي:
أولا- مفهوم الاقتراض الخارجي:
من الضروري أن نحدد أولا ما المقصود بالديون الخارجية وذلك لأن الأرقام الفعلية للمديونية المستحقة على الدول النامية تتجاوز بكثير ما تشير إليه البيانات الإحصائية التي تنشرها المصادر المحلية أو الدولية عن الديون الخارجية لبلد ما أو مجموعة من البلدان.
ففي الكثير من الحالات يوجد اختلاف سببه يعود إلى استبعاد بعض الديون، مثل ديون القطاع العسكري، الديون القصيرة الأجل والديون الخاصة غير المضمونة من قبل الحكومات؛ بالإضافة إلى عدم نشر الالتزامات المستحقة لصندوق النقد الدولي. وللإلمام بمفهوم الديون الخارجية ينبغي أن نقوم فيما يلي بعرض بعض التعاريف.
ثانيا- تعريف الاقتراض الخارجي:
1- تعريف قديم:(1/20)
يرى البعض أن المقصود بالدين الخارجي "هي تلك المبالغ التي اقترضها اقتصاد قومي ما، والتي تزيد مدة القرض فيها عن سنة واحدة، وتكون مستحقة الأداء للجهة المقرضة عن طريق الدفع بالعملات الأجنبية أو عن طريق تصدير السلع والخدمات إليها. ويكون الدفع إما عن طريق الحكومات الوطنية أو الهيئات الرسمية المتفرعة عنها، أو عن طريق الهيئات العامة الرسمية الضامنة لالتزامات هؤلاء الأفراد والمؤسسات الخاصة "(1).
2- تعريف جديد:
يلاحظ أن التعريف السابق يستبعد القروض التي تكون مدتها أقل من السنة، مع العلم أن القروض القصيرة الأجل، ارتفع الطلب عليها خلال الأزمة المالية الحادة لعام 1986 بالنسبة للجزائر، وعام 1982 بالنسبة لمجموعة البلدان النامية. بحيث أصبح هذا النوع من القروض الذي بلغ وزنا معتبرا يشكل عبئا ثقيلا إضافيا في المديونية الخارجية. كما أنه لا بد أن تكون الدول أو الهيئات الرسمية ضامنة له مما يستبعد، في هذا التعريف، الديون غير المضمونة من طرف الحكومات. ونظرا لعدم وجود تعريف موحد وشامل للمديونية الخارجية ومتفق عليه، تكونت سنة 1984 مجموعة عمل تضم كل من الصندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبنك التسويات الدولية، قامت بوضع تعريف موحد في تقريرها السنوي وهو التالي:
" إن إجمالي الديون الخارجية في تاريخ معين يكون مساويا إلى مبلغ الالتزامات التعاقدية الجارية التي تؤدي إلى تسديدات مقيمي بلد ما، تجاه غير المقيمين به، ويشمل حتمية تسديد أصل الديون مرفوقا بالفوائد أو من دونها، أو دفع الفوائد مع أو بدون تسديد مبلغ الأصل"(2). سمي هذا التعريف بالمركزي لأنه يعرف العناصر الأساسية المكونة للمديونية الخارجية.
3- تعريف البنك الدولي:
__________
(1) رمزي زكي، الديون والتنمية، دار المستقبل العربي، مصر، 1985، ص56.
(2) - DEMBINSKI. M. Pawel , l’endettement international, OCDE, Paris, 1988, p.20.(1/21)
و يعرف البنك الدولي الدين الخارجي بأنه "الدين الذي تبلغ مدة استحقاقه الأصلية أو المحددة أكثر من سنة واحدة، وهو مستوجب لأفراد أو لهيئات من غير المقيمين ويسدد بعملات أجنبية أو بسلع وخدمات"(1).
سنتبنى في إطار هذا العمل التعريف الجديد الموحد السابق لأنه مقارنة ببقية التعاريف أشملها وأكملها.
المطلب الثاني: معجم المصطلحات الخاصة بالديون الخارجية(2):
للتعريف بالمديونية الخارجية، يجب التمييز بين الديون الصافية والديون الإجمالية، حيث تساوي الديون الصافية الفرق بين قيمة الأرصدة الخارجية التي يمتلكها المقيمون (الديون المستحقة على الخارج والقروض الممنوحة للخارج) وأرصدة البلد التي يمتلكها غير المقيمين (الالتزامات نحو الخارج أو القروض في الخارج).
و لا تنطبق الديون الإجمالية إلا على التزامات بلد ما نحو الخارج في شكل قروض نحو الخارج أو أرصدة هذا البلد التي يمتلكها غير المقيمين.
وعادة ما يعتبر مصطلح الديون الصافية ملائما أكثر بالنسبة لتحليل وضعية البلدان المتطورة وبعض البلدان السائرة في طريق النمو، مثل البلدان المصدرة للبترول التي لها حقوق مستحقة على الخارج.
وعلى العكس من ذلك، فإن مصطلح الديون الإجمالية جد مناسب فيما يخص البلدان النامية والعربية غير المنتجة للبترول؛ وذلك بالنظر إلى العبء المفرط لالتزاماتها نحو الخارج. وهي، بالتالي لا تمتلك إلا أرصدة ضئيلة.
أولا- تصنيف الديون الخارجية:
تصنف الالتزامات نحو الخارج إلى ثلاثة أنواع:
1. القروض الحكومية (الرسمية): القروض التي تمنح من طرف حكومة أجنبية إلى حكومة أخرى.
2. القروض المتعددة الأطراف: تمنح من طرف منظمات دولية.
__________
(1) - صندوق النقد الدولي، إدارة الدين الخارجي، الوثيقة رقم 6/11/XIII- 91/ INST، واشنطن،1991،ص39 وص40.
(2) -مشروع التقرير حول المديونية الخارجية، الدورة العامة الخامسة عشرة، ماي 2000، ص36.(1/22)
3. القروض الخاصة: التي تمنحها بنوك أجنبية خاصة إلى حكومة ما أو إلى مؤسسة عمومية أو خاصة أو إلى البنوك.
ثانيا- مصطلحات ومفاهيم هامة:
و قد اشتركت الهيئات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وبنك الإنشاء والتعمير ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في إعداد معجم، الذي يعتبر ضروري لفهم مشكلة المديونية الخارجية؛ بالإضافة إلى المفاهيم والمصطلحات المستخدمة من طرف المؤسسات المالية العربية. وفيما يلي نعرض أهم المصطلحات.
? تخفيف الديون: إلغاء أصل الفوائد المستحقة الذي لم تسدد ( سواء بحلول آجال تسديده أو عدم حلولها). ويعني بالنسبة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تخفيف نسبة أسعار الفائدة.
? نادي باريس: اجتماع يضم الأطراف الدائنة تم من خلاله، منذ سنة 1956، تخفيف عبء الديون من طرف حكومات البلدان الأعضاء في لجنة المساعدة على التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(1).
و يمكن لأي دائن عمومي المشاركة في اجتماعات النادي إذا رغب في ذلك. أما رئاسة النادي وأمانته فتتولاهما شخصيات من مديرية الخزينة الفرنسية، والتي تتولى أيضا التحضير المادي للاجتماعات المنعقدة في باريس.
? تحويل الديون: استبدال الديون بنوع آخر من الالتزامات.
? الذمم: أصول مالية قائمة على البلد
? الدائنون الخواص: وهم أولئك الذين يمتلكون سندات (سندات موظفة في القطاع العمومي أو المتأتية من الاستثمار الخاص)، والبنوك الخاصة ومؤسسات مالية أخرى خاصة وصناعية، والمصدرين وغيرهم من الموردين الذين منحوا قروضا.
? الدائنون العموميون: وهم المنظمات الدولية والبنوك المحلية للتنمية والهيئات المشتركة بين الدول والحكومات ومؤسساتها( بما في ذلك البنوك المركزية).
__________
(1) 1956 هي السنة التي تم خلالها أول عملية إعادة جدولة بعض مستحقات المديونية الخارجية للأرجنتين نحو مدينين عموميين.(1/23)
? القرض: القرض هو كل مبلغ مالي خاضع لشروط خاصة للتسديد. ويشمل المصطلح القروض والتحويلات الأخرى المقيدة بشرط خاص للتسديد، خلال فترة معينة، مع تسديد الفوائد عادة. كما يمكن أن يشمل التزاما يتعلق بمنح هبة، شريطة أن يستند إلى " قروض المساعدة المقيدة " على النحو الذي حدده اتفاق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول القروض الخاصة بالتصدير التي تستفيد من دعم عمومي.
? قروض المشترين أو المستورين: هو القرض الذي يدخل في إطار التجارة الخارجية في إطار الصادرات، وهو قرض يمنح من طرف بنك أجنبي لمستورد محلي.
? قرض التصدير: يمنح هذا القرض في إطار الحاجات الخاصة بالتجارة الخارجية، وهو غير مجسد في سند قابل للتحويل. وغالبا ما تخضع هذه القروض لمعدل الفائدة الذي تتولى حكومة البلد الدائن تخفيضه، بهدف تشجيع المصدرين (راجع القرض المرتبط بالعمليات التجارية).
? القرض المرتبط بالعمليات التجارية: حسب مفهوم بنك التسوية الدولية (BRI) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE)، فإن هذا المصطلح يعادل مصطلح " القرض التجاري". أما بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فإن القروض التجارية ينطبق على الديون المترتبة عن القروض التي يمنحها مباشرة المصدرون والمستوردون، في إطار المعاملات في مجال السلع والخدمات، وعن تسديد دفعة على الحساب في إطار الأشغال الجارية.
? القروض المتعددة الأطراف: وهي القروض التي تمنحها المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية العاملة في مجال الاقتراض. وتختلف شروط الاقتراض من منظمة إلى أخرى، وذلك حسب الغرض من القرض ونوع المنظمة التي تمنحه. فهناك قروض لتمويل مشاريع اجتماعية، بينما تختص منظمات أخرى في تمويل مشاريع البنية الأساسية، وبعض المنظمات تقوم بتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونذكر بعضها فيما يلي:
? البنك العالمي
? مؤسسة التمويل الدولية
? هيئة التنمية الدولية(1/24)
? الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي
? البنك الإسلامي للتنمية
? صندوق التنمية الأوروبي
? البنك الأوروبي للاستثمار
? البنك الإفريقي للتنمية
? المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا
? دراسة إعادة هيكلة الديون: وهي تسعى إلى تحديد حل مشكل يسمح للبلد المدين بتسديد ديونه الخارجية باللجوء إلى إعادة الجدولة الديون الخارجية، مما يسمح بتخفيف عبء الدين، وهو إلى حد ما بمثابة تمويل إضافي.
? معدل الفائدة المشترك بين البنوك المعروض في سوق لندن « LIBOR »: وهو معدل فائدة مشترك بين البنوك معروض في سوق لندن لإيداع العملات. وعلى سبيل المثال معدل الفائدة على الدولار الأمريكي المعروض في سوق لندن لمدة ستة أشهر. أو معدل الفائدة على المارك الألماني المعروض في سوق لندن لمدة ستة أشهر. ويعتمد هذا المعدل بغرض تسهيل عملية تقدير الكلفة التقريبية للموارد التي تحصلت عليها البنوك في الأسواق المشتركة بين البنوك. كما يشكل هذا المعدل عادة القاعدة التي يتم انطلاقا منها تحديد هوامش ربحهم. وعليه، يمكن لاتفاق أولي حول منح القرض أو اتفاق لإعادة الجدولة أن يحدد فائدة للمستدين يساوي معدل الفائدة على الدولار المشترك بين البنوك والمعروض في سوق لندن لمدة ستة أشهرLIBOR du Dollar بزيادة 1.5 %. ويتم ضبط هذا المعدل كل ستة أشهر حسب تغيرات معدل الفائدة فيما بين بنوك سوق لندن.
? الوضعية الخارجية الشاملة: حسب صندوق النقد الدولي، هي الوضعية الإحصائية التي تبين في تاريخ معين، مخزون الأرصدة والالتزامات المالية الخارجية. وهي تعكس الوضعية في نهاية فترة الصفقات المالية وعمليات إعادة تحديد القيمة وعمليات تسوية أخرى التي أثرت على مستوى الأرصدة والالتزامات خلال الفترة المعينة.(1/25)
? خدمة المديونية: وهي مبالغ مدفوعات الفوائد والأصول معا. إن خدمة المديونية الفعلية تطابق سلسلة مبالغ الفوائد وأصل الدين المدفوعة بهدف تسديد الدين، مضافا إليها متأخرات الفوائد.
? استبدال العملات SWAP des Devises: عملية تتضمن استبدال سيولة أو رأس المال بعملة معينة، أو رأس المال من عملية أخرى، مع الالتزام بإجراء العملية المعاكسة على كل جزء من الأصول التي لا تستهلك في تاريخ لاحق.
? سوق المال : هو المجال الذي تعمل فيه المؤسسات المالية.
? سوق المالية: هي تلك التي تقوم بدور الوساطة بين أصحاب الأموال الفائضة السائلة المتوفرة، وهناك أسواق لرؤوس الأموال المحلية وأخرى دولية.المحلية تتكون من سوق مالي ونقدية، أما الدولية فتتكون من سوق أورو نقدي وأورو إصدار.
? سوق النقد: يتم تداول أدوات الدين قصيرة الأجل(أقل من سنة) فيما بين البنوك خاصة.
? سوق رأس المال: يتم فيه تداول أدوات الدين وحقوق الملكية طويلة الأجل، والتي تقوم المؤسسات المالية بالتوسط بطرحها نيابة عن وحدات العجز.
? أسواق أدوات الدين وأسواق أدوات الملكية: تصدر وحدات العجز عادة نوعين من الأصول المالية إما السندات أو الأسهم. فالسندات هي أداة دين تتعهد بمقتضاها وحدات العجز التي أصدرتها بأن تدفع لحائزها مبلغا نقديا ثابتا (فوائد) وذلك على كل فترة زمنية حتى تاريخ استحقاق السند، تماما مثلما هو الحال بالنسبة للديون. وعندما تكون فترة الاستحقاق أقل من سنة تسمى هذه السندات أذون الخزينة العامة. أما عندما تزيد فترة استحقاق هذه السندات عن السنة وتمتد لفترة عشر سنوات أو أكثر فتعتبر أدوات دين متوسطة أو طويلة الأجل. أما الأسهم العادية فهي أصول مالية تمثل خصوما تعطي لحاملها حق المشاركة في الدخل الصافي للشركة. أما أدوات الملكية فعادة ما تعطي لحاملي الأسهم الحق في الحصول على مبالغ دورية تسمى توزيعات متغيرة المقدار حسب أرباح المشروع.(1/26)
? السوق الأولية(اصدار): هي السوق التي يتم فيها بيع إصدارات الأسهم والسندات الجديدة، وذلك عندما تقوم الحكومة أو قطاع الأعمال بطرح السندات أو بيع الأسهم للحصول على موارد مالية لتمويل الاستثمار الثابت. وعادة ما تقوم المؤسسات المالية وبخاصة البنوك بطرح هذه الأوراق المالية. فالسوق الأولى هي السوق التي تحصل فيه الشركة على الموارد المالية لتمويل استثمارها عندما تطرح أصولها المالية. ولذلك فإن هذه السوق تعتبر سوق الاستثمار الحقيقي للشركة، وسوق الاستثمار المالي للشخص الذي اشترى الورقة المالية. وغالبا لا تكون السوق الأولى معروفة للجمهور لأن بيع الأوراق المالية الجديدة يتم خلف أبواب مغلقة.
? السوق الثانوي(البورصة):هو السوق الذي يتم فيها عادة بيع الأوراق المالية التي سبق إصدارها، أي أن تداول الأوراق المالية يتم في السوق الثانوي، وهو عادة "البورصة". فعندما يقوم الشخص أو الشراكة مثلا التي اشترت الورقة المالية ببيعها بعد ذلك في السوق الثانوي نجد أنه لا يوجد استثمار جديد، وإنما يوجد استثمار مالي للمشتري الجديد للورقة المالية المباعة. وعلى هذا فليس كل استثمار مالي يتم لتمويل استثمار جديد.
? الناتج المحلي الإجمالي:
- الناتج المحلي الإجمالي حسب نوع النشاط الاقتصادي: يعرف النتاج المحلي الإجمالي حسب نوع النشاط الاقتصادي لاقتصاد ما بأنه مجموع القيم المضافة لكافة وحدات الإنتاج العاملة في فروع الإنتاج المختلفة في اقتصاد معين، مثل الزراعة والتعدين والصناعة. حيث تمثل القيمة المضافة لوحدة إنتاجية معينة الفرق بين قيمة إجمالي الإنتاج لهذه الوحدة وقيمة السلع والخدمات الوسيطة المستهلكة في عملية الإنتاج.
و بصفة عامة يمكن تقسيم النشاط الاقتصادي إلى عدة قطاعات، وذلك وفق لنظام الحسابات القومية للأمم المتحدة الذي تتبعه غالبية البلدان العربية، ونذكر منه ما يهمنا في هذه الدراسة.(1/27)
-المؤسسات المالية: وتنقسم بدورها إلى ثلاث مجموعات فرعية هي:
? المؤسسات النقدية: وهي عبارة عن المصرف المركزي والمصارف التجارية ومصارف الادخار التي تستلم الودائع الجارية والمصارف الأخرى التي تحفظ الودائع.
? المؤسسات المالية الأخرى: وهي عبارة عن مصارف الادخار وجمعيات البناء واتحادات التوفير والإقراض ومؤسسات الائتمان الزراعي ومصارف التنمية الصناعية ومؤسسات التمويل وإعادة الخصم- مؤسسات الائتمان الشخصي وشركات الائتمان والاستثمار وسماسرة الأوراق المالية والسلع والمتعاملون في أسواق الأوراق المالية والمكتتبون.
? الخدمات المالية: وهم عبارة عن المتعاملين في النقد الأجنبي والوحدات المتعاملة بشكل رئيسي في صرف الصكوك أو تحويل النقد أو تأجير خزائن الإيداع والمقرضين ومحال المراهنات والأوراق المالية وتبادل السلع والسبائك المعدنية والاستثمارات والأبحاث الاستثمارية وخدمات أسعار أسواق الأوراق المالية وسماسرة الإيجارات وبراءات الاختراع والمتعاملون والمكتتبون.
? الناتج المحلي الإجمالي بسعر التكلفة: هو مجموع المساهمات الصافية للقطاعات الاقتصادية المذكورة أعلاه في الإنتاج بعد خصم رسوم الخدمات المصرفية المحتسبة من قطاع المصارف والتأمين.
? الناتج المحلي الإجمالي بسعر السوق: هو الناتج المحلي بسعر التكلفة مضاف إليه صافي الضرائب غير المباشرة.
? النتاج المحلي الإجمالي حسب بنود الإنفاق: بالإضافة إلى طريقة القيمة المضافة، يستخلص النتاج المحلي الإجمالي بطريقة الإنفاق، التي يتم فيها تجميع قيم السلع الاستهلاكية والخدمات النهائية، الاستهلاك النهائي بشقيه التي انفق عليها القطاع العائلي (الأفراد) والمؤسسات الخاصة التي لا تهدف إلى الربح، والحكومة، وإجمالي تكوين رأس المال (الاستثمار)، وصافي الصادرات (أي فجوة الموارد).
و فيما يلي نورد تعريفا مختصرا لكل بند من بنود الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي.(1/28)
? الاستهلاك الخاص: هو الإنفاق الخاص للقطاع العائلي والمؤسسات الخاصة التي لا تهدف إلى الربح على سلع الاستهلاك الجاري(المشتريات من جميع أنواع السلع باستثناء الأراضي والمباني) والخدمات، ناقصا منها صافي مبيعاتهم من السلع المستعملة، زائدا صافي قيمة الهدايا العينية التي يتحصل الأفراد عليها من بقية أنحاء العالم.
? الاستهلاك العام: هو الإنفاق الحكومي على السلع والخدمات المستخدمة لأغراض الاستهلاك الجاري، وتتمثل في الأجور والرواتب التي تدفعها الحكومة(أي قيمة إجمالي إنتاج المنتجين لخدمات الدولة)، زائدا ما تشتريه الحكومة من السلع والخدمات من قطاع الأعمال ومن بقية أنحاء العالم، ناقصا ما تبيعه منها إلى قطاع الأعمال والقطاع العائلي.
? الاستهلاك النهائي: هو مجموع كل من الاستهلاك الخاص والاستهلاك العام.
? الناتج الوطني الإجمالي: يعطي تجميع قيم بنود الإنفاق سالفة الذكر وقيمة الناتج المحلي الإجمالي، ولكن هناك جهات عديدة شاركت في إحداث هذا الناتج داخل الدولة المعنية. هذه الجهات خليط من عوامل الإنتاج الوطنية وعوامل الإنتاج الأجنبية. لذلك فإن الحصول على رقم للناتج يرتبط بالمقيمين داخل الوطن خلال فترة زمنية هو أمر هام. وهذا يجعلنا نتطرق إلى ما يسمى بالناتج القومي الإجمالي وكيفية إيجاده. ويتسنى لنا ذلك عن طريق تحديد مايلي:
- صافي عوامل الإنتاج من الخارج
يقصد به الفرق بين الدخول المستحقة لعوامل الإنتاج الوطنية نتيجة مساهمتها في الناتج المحلي للدول الأخرى والدخول المستحقة لعوامل الإنتاج الأجنبية التي ساهمت في النتاج المحلي للبلد المعني. ومن ثم فإن:
النتاج الوطني الإجمالي = الناتج المحلي الإجمالي+ صافي دخل عوامل الإنتاج من الخارج
? صافي الإقراض الحكومي: هو الإقراض الحكومي ناقصا السداد، ويضم معاملات الحكومة في الاستحقاقات على المؤسسات العامة، بحيث يغطي الدين وأسهم رأس المال والمدفوعات والمتحصلات.(1/29)
? رصيد الحساب الجاري للادخار الحكومي: هي الإيرادات الحكومية والمنح ناقصا الإنفاق الجاري. ويختلف ذلك عن الادخار الحكومي الذاتي الذي يمثل الإيرادات بدون المنح المقبوضة ناقصا الإنفاق الجاري. وهو يقيس جهد الحكومة الذاتي للادخار.
? العجز الكلي: هو زيادة الإنفاق بما فيه الإقراض الحكومي على المتحصلات من الإيرادات والمنح، الذي تغطيه الحكومة بالالتزام بسداد الدين أو السحب من حيازتها من الأموال السائلة أو كليهما معا.
? الفائض الكلي: هو زيادة المتحصلات من الإيرادات والمنح على الإنفاق الحكومي بما فيه الإقراض.
? التمويل: هو التغير في التزامات الحكومة الخاصة بالتسديدات اللازمة لتغطية الفرق بين مدفوعات الحكومة عن الإنفاق وصافي الإقراض ومتحصلاتها من الإيرادات والمنح. ويعادل التمويل من حيث تعريف العجز أو الفائض ولكن بعلامة جبرية عكسية. والتمويل نوعان، هما الأول خارجي، والثاني محلي. ويشتمل التمويل على التغير في الودائع الحكومية والسلف المقدمة من المصرف المركزي، بالإضافة إلى صافي الاقتراض المحلي الذي يتضمن الائتمان الممنوح للحكومة من المصارف التجارية ومصادر التمويل المحلية الأخرى كحصيلة إصدار السندات وأذون الخزانة.
وفي حالة عدم مشاركة القطاع الخاص غير مصرفي بقدر معين في سوق رأس المال بالشكل الذي يؤهله لإقراض الحكومة، فإن التمويل المحلي للعجز يقتصر على إقراض الحكومة من الجهاز المصرفي وسحبها من الأرصدة النقدية.
? مجمل المتحصلات الخارجية: هي جميع متحصلات الحكومة بمقابل، واجبة أو غير واجبة السداد، سواء كانت لأغراض تمويل الإنفاق الحكومي أو لتمويل العجز المالي. وتشتمل على المنح والاقتراض من المصادر الخارجية.(1/30)
? مجمل المتحصلات المحلية: هي جميع متحصلات الحكومة بمقابل أو بدون مقابل، واجبة أو غير واجبة السداد. وتتضمن الإيرادات الضريبية وغير الضريبية بالإضافة إلى الائتمان المحلي الممنوح للحكومة من قبل الجهاز المصرفي ومصادر التمويل المحلية الأخرى.
? ميزان المدفوعات: بيان إحصائي عن فترة زمنية معينة، تعرف من خلاله مجمل الصفقات التي تمت بين بلد ما والعالم الخارجي ويشتمل على:
أ- المعاملات السلعية والخدمات وعوائد الدخل بين اقتصاد معين والعالم الخارجي.
ب- تغيرات الملكية وكذا التغيرات في الذهب النقدي، وحقوق السحب الخاصة والمستحقات على العالم الخارجي والمطلوبات منه لذلك الاقتصاد.
ج- التحويلات بدون مقابل، والقيود المقابلة لغرض الموازنة المحاسبية.
- الميزان التجاري: ويعرف بأنه إجمالي الصادرات السلعية ناقصا إجمالي الواردات السلعية حيث أنه يتم تقييم:
أ- إجمالي الصادرات السلعية على أساس القيمة (فوب)
ب- إجمالي الواردات السلعية على أساس القيمة (فوب)
? ميزان السلع والخدمات ويشمل مايلي:
- يضم الميزان التجاري بالإضافة إلى ميزان الخدمات الذي يتضمن خدمات النقل، والسفر، وخدمات الاتصالات،و التأمين، والخدمات المالية، وخدمات الحساب الآلي، والخدمات الشخصية والمهنية، والخدمات الحكومية، كما يتضمن ميزان الدخل ويشمل تعويضات العاملين ودخل الاستثمار.
? التحويلات الجارية: هي القيود الموازنة للتغيرات في ملكية الموارد الحقيقية أو البنود المالية بين مقيمين وغير مقيمين دون أن تتضمن المعاملة قيمة اقتصادية مقابلة سواء كان تغير الملكية طوعيا أو اختياريا. ولا تتضمن التحويلات الجارية تحويل ملكية الأصول، والإعفاء من الديون بالتوافق بين الطرف الدائن والمدين، وكذلك التحويلات النقدية المرتبطة أو المشروطة بحيازة الأصول أو التخلي عنها.(1/31)
? الميزان الجاري: هو ميزان السلع والخدمات والدخل بالإضافة إلى التحويلات الخاصة بدون مقابل، التي تشمل تحويلات المهاجرين والعمال، وكذلك التحويلات الرسمية بدون مقابل.
? الميزان الكلي: يشمل جميع بنود ميزان المدفوعات، باستثناء الموجودات الاحتياطية، وعلى ذلك فإن رصيد الميزان الكلي يساوي التغير في الاحتياطات.
? الاحتياطات الدولية الإجمالية: وهي تتكون من الأصول الخارجية الموجودة تحت تصرف السلطات النقدية والخاضعة لسيطرتها بحيث تكون رهن استخدامها في تمويل إختلالات المدفوعات، وتتضمن الذهب النقدي وحقوق السحب الخاصة، ووضع الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، وأرصدة النقد الأجنبي بما في ذلك العملات والودائع والأوراق المالية.
? تغطية الاحتياطات للواردات: عدد أشهر الاستيراد التي يمكن سدادها بقيمة الاحتياطات الدولية، وفقا للأسعار الجارية للواردات.
? مجموع الدين العام الخارجي القائم في الذمة: يتكون من الدين طويل الأجل الحكومي والمضمون حكوميا، والدين الخاص طويل غير المضمون، واستخدام تسهيلات صندوق النقد الدولي، ويتضمن الأرقام المعلنة فقط.
? الدين العام طويل الأجل: هو الدين الذي يزيد أجله الأصلي أو الذي جرى تأجيله، عن عام واحد، والمستحق لغير المقيمين، وواجب السداد بعملة أجنبية، أو سلع أو خدمات.
? الدين العام الخارجي: هو التزام خارجي على دين حكومي، بما في ذلك الحكومة الوطنية، أو إحدى ملحقاتها من أقسام ووكالات، والأجهزة الحكومية المستقلة.
? الدين المضمون حكوميا: هو التزام خارجي على مدين خاص تضمن سداده جهة حكومية.
الدين الخاص غير المضمون: هو التزام خارجي على مدين خاص لا تضمنه جهة حكومية.
? الدين قصير الأجل: هو الدين الذي يمتد لسنة واحدة أو أقل.(1/32)
? ائتمان الصادرات: يتضمن ائتمان الصادرات من مصادر رسمية، وائتمان الموردين، والائتمان المصرفي المضمون حكوميا أو المؤمن عليه من قبل وكالة ضمان ائتمان الصادرات، سواء كان طويل أم قصير الأجل.
? الديون من المصادر الرسمية: وتتضمن كل من:
- القروض متعددة الأطراف من المنظمات الدولية والإقليمية، وغيرها من الوكالات التي يشارك فيها عدد من الحكومات.
- القروض الثنائية من الحكومات ووكالاتها، بما في ذلك المصارف المركزية، ومن الأجهزة الحكومية المستقلة، كصناديق التمويل الوطنية، والوكالات الرسمية لائتمان الصادرات.
? الديون من المصادر الخاصة؛ وتتضمن:
- السندات التي تصدرها جهات خاصة وتباع لجهات أجنبية
- القروض من المصارف والمؤسسات المالية الخاصة
- الائتمان من المصادر الخاصة الأخرى مثل ائتمان المنتجين والمصدرين وغيرهم من الموردين، والائتمان المصرفي المضمون من وكالة ضمان ائتمان الصادرات
? المساعدات الائتمانية الرسمية: هي عبارة عن القروض والمنح المقدمة بشروط مالية ميسرة، من قبل مصادر رسمية، بهدف تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشمل قيمة المعونات والمساعدات الفنية. وتعد التدفقات المالية ميسرة، عندما تكون شروط الإقراض الخاصة بها أكثر مواتاة للمقترض.
? عنصر المنحة: الفرق بين القيمة الاسمية الأصلية للقروض والقيمة الحالية المخصومة لخدمة الدين كنسبة مئوية من القيمة الاسمية الأصلية، ويقاس باحتساب الفرق بين القيمة الاسمية لمبلغ القرض وبين مجموع القيم الحالية لمبالغ خدمة القرض الأقساط والفوائد التي تدفع منذ بدء عقد القرض حتى انتهاء أجل السداد، مخصومة على أساس سعر خصم معين، منسوبا إلى القيمة الاسمية للقرض. علما بأن سعر الخصم المستخدم تقليديا في حساب القيم الحالية لمبالغ خدمة القرض هو 10%.(1/33)
و يستخدم عنصر المنحة لبيان ومقارنة درجة اليسر في المساعدات المقدمة بموجب مختلف الشروط، التي تشمل فترة السماح ومدة السداد وسعر الفائدة.
وبعد أن تعرفنا على مفهوم الاقتراض الخارجي، وبعض المفاهيم المرتبطة به وأنواعه من المفيد التعرض، ولو بصفة مختصرة، للمبادئ الأساسية لإدارة الديون الخارجية.
المطلب الثالث: المبادئ الأساسية لتسيير الديون الخارجية
يعني تسيير الديون الخارجية مجموع السلوكيات التي يقوم بها المقترض، والتي تعطي صورة حسنة للمدين لدى الدائنين. فحسب منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ترى أن" التسيير الجيد والفعال للديون الخارجية يمكن أن يكون وسيلة لتخطي العقبات وتفادي مثيلاتها في المستقبل، والتخفيض قدر المستطاع من تكلفة القرض وتحقيق استعمال أمثل للموارد الداخلية والخارجية"(1).
أولا: المبادئ الأساسية للتسيير الجيد للديون الخارجية
وهناك عدد من المبادئ الأساسية لتوفير إدارة جيدة للدين الخارجي منها تحديد الأهداف وتحديد الوظائف على مستوى الإدارة العليا أو رسم السياسات والأهداف من حيث وضع الاستراتيجيات ومن حيث التنظيم وتوفر الموارد للقيام بالمهام المنوطة بالإدارة. كما أن القرارات السليمة لابد أن ترتكز على البيانات الدقيقة والمعلومات الصحيحة وعلى معرفة البيئة الاقتصادية التي تتعامل معها. وكذلك فإن السياسات الاقتصادية الفعالة ترتكز على معرفة وضع الاقتصاد المعنى والأدوات المتاحة لواضعي السياسة.
__________
(1) - CNUCED, une gestion efficace de la dette, 1990, p 03.(1/34)
فمتابعة تطور المتغيرات الاقتصادية الكلية مثل ميزان المدفوعات والميزانية العامة والنمو والبطالة والتضخم لها أهمية كبيرة في تحديد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال فإن مؤشر نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات التي تتحدد بسعر الفائدة على الدين الخارجي ومعدل نمو الصادرات وفجوة الموارد يمكن الاستفادة منها في مراقبة تطور المديونية الخارجية ومدى قدرة الاقتصاد على تحملها.
ثانيا: خلق الفائض في الميزان التجاري
مهما يكن نوع التمويل الخارجي، فإن وفاء الدولة بالتزاماتها تجاه هذا التمويل أي الوفاء بأقساط الديون والفوائد وخدمة هذه الأقساط في وقتها المحدد، يتطلب وجود فائض في الميزان التجاري للدولة المعنية. ولهذا يجب أن تلعب سياسة الاقتراض الأجنبي دورا هاما في تحقيق هذا الفائض، عن طريق مساهمتها في نمو وزيادة الصادرات وتخفيض الواردات. ومن هنا، لابد من التفرقة بين القروض الخارجية المنتجة، والقروض الخارجية غير المنتجة، بحيث تستخدم الأولى في شراء وبناء وسائل الإنتاج، وهذا النوع من القروض الخارجية يمكن أن يساهم في خلق الفائض في الميزان التجاري. أما النوع الثاني من القروض الخارجية، فهي تلك القروض التي تستخدم في أغراض أخرى مثل القروض التي تستخدم لتمويل شراء السلع الاستهلاكية أو للحصول على المعدات العسكرية والأسلحة وغيرها.
ثالثا: الهيكل التركيبي للديون الخارجية(1/35)
فمن أجل التسيير الجيد والفعال للمديونية يجب على المقترض أن يحدد طبيعة الهيكل التركيبي للديون الخارجية، أي توزيع هذه القروض فيما بين القروض الرسمية الميسرة ( سواء من الحكومات أو من الهيئات الدولية المتعددة الأطراف) وبين القروض الصعبة المبرمة مع جهات خاصة (التسهيلات المصرفية وتسهيلات الموردين) مثل الديون القصيرة الأجل، التي لا توجد فترة سماح بها، وسعر فائدتها يكون مرتفعا. ومن المفروض أن يتحكم المسير الفعال في هيكلة مناسبة للديون الخارجية.
رابعا: تحديد مستوى أقصى للديون
تظهر فعالية التسيير الجيد في تحديد مستوى أقصى للديون الخارجية ومراعاة شروط القروض المتحصل عليها ومحاولة التوفيق بين الأهداف الاقتصادية للتنمية والعجز المالي وتحديد الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه في الاقتراض الخارجي.
إن الاعتماد على الاقتراض الخارجي يجب أن يبقي في حدود قدرة البلد على تسديد أصل الديون والفوائد (خدمة الديون). وهذا يتطلب من المسؤولين عن إدارة الديون، وضع إستراتيجية استدانة مدروسة ومفصلة فيما يخص تحديد مستوى الدين القائم، وتركيب استحقاقاته، وتسلسل المدفوعات الخارجية.
المبحث الثاني: مبررات التمويل الخارجي ونموذج الفجوتين
قمنا في المبحث السابق بتحديد الإطار النظري لمشكلة الديون الخارجية وعرض مختلف المصطلحات الأساسية الخاصة بالديون الخارجية التي تمكننا من فهم أزمة المديونية الخارجية للدول المدينة. ونتناول في هدا الجزء من الدراسة ثلاث نقاط نراها أساسية، وهي تتمثل في مبررات التمويل الخارجي، نموذج الفجوتين وتقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي.
المطلب الأول: مبررات التمويل الخارجي(1/36)
يعتبر تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي من الأهداف الأساسية التي تسعى الدول النامية إلى الوصول إليها، وهذا لأن الزيادة في معدلات النمو هي وحدها التي تمكن هذه البلدان من تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. فالحاجة للاقتراض الخارجي تجد مبررها الموضوعي بسد الفجوة القائمة بين الاحتياجات الاستثمارية المستهدفة والمدخرات القومية المتاحة. أي بين معدل الاستثمار المطلوب تحقيقه للوصول إلى معدل النمو المستهدف وبين معدل الادخار المحلي الذي يتحقق في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية معينة. والذي يطلق عليه عادة اسم فجوة الموارد المحلية. في هذه الحالة فإن المجتمع يواجه ثلاثة خيارات لحل هذا التعارض(1):
1-الخيار الأول- هو أن يرضى المجتمع بمعدل اقل للنمو في حدود ما تسمح به موارده المحلية.
2-الخيار الثاني- هو أن يعمل المجتمع على تعبئة فائضه الاقتصادي الكامن في مختلف قطاعات الاقتصاد القومي والذي تستحوذ عليه الطبقات والفئات الاجتماعية الغنية وذلك لكي يتمكن البلد من رفع معدل ادخاره المحلي.
3-الخيار الثالث-هو أن يلجأ المجتمع إلى مصادر التمويل الخارجي.
فعندما يحدد المجتمع معدلا معينا من النمو، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب معدلا معينا من الاستثمار، فإذا كانت الموارد المحلية للمجتمع غبر كافية لتمويل الاستثمارات المطلوبة فإن المجتمع سيلجأ إلى مصادر التمويل الخارجي (القروض الخارجية، الاستثمارات الأجنبية، المساعدات وغيرها). والتي يفترض أن تقوم بدور مهم وكبير في تسريع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
__________
(1) - د. رمزي زكي، الديون والتنمية،الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي،مصر، 1985، ص19.(1/37)
وكذلك تنشأ الحاجة إلى التمويل الخارجي بسبب عدم كفاية الموارد الخارجية المتاحة التي تحصل عليها الدول نتيجة موازينها التجارية. فعندما تكون قيمة مستوردات بلد ما خلال فترة معينة تزيد عما أمكن تحقيقه من حصيلة النقد الأجنبي نتيجة صادرته خلال هذه الفترة فإن الفرق هنا والذي يمثل العجز في الميزان التجاري المتحقق المدفوعات خلال هذه الفترة لا بد وأن يمول عن طريق تمويل خارجي إضافي. وعادة ما يطلق على هذا العجز اسم فجوة التجارة الخارجية.
المطلب الثاني: نموذج الفجوتين
ظهرت على ساحة الفكر الاقتصادي بعض النماذج والأبحاث الرياضية التي حاولت أن تربط بين مشكلة نقص الموارد المحلية في هذه الدول وبين العجز الحادث في موازينها التجارية. ومن هذه النماذج نموذج الفجوتين(1). وهو ابسط النماذج وأكثرها دلالة في تبيان العلاقة بين هاتين المشكلتين.
إن الفكرة الأساسية في هذا النموذج هي أن هناك علاقة وثيقة بين المدخرات المحلية ومستوى التمويل الخارجي. فكلما كان مستوى المدخرات المحلية ضئيلا بالقياس إلى مستوى الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل النمو المستهدف، زادت الحاجة إلى التمويل الخارجي، والعكس صحيح.
إن الحاجة إلى التمويل الخارجي إذا تمت بهدف سد النقص في الادخار المحلي أو سد الفجوة الموجودة في الموارد المحلية المخصصة للاستثمار؛ أي أن الاستثمارات التي يقوم بها الاقتصاد الوطني خلال فترة معينة بشكل يزيد عما أمكن تدبيره من المدخرات المحلية، لابد أن يتم عن طريق الاستعانة بالتمويل الخارجي.
و كذلك تحدث الحاجة إلى التمويل الخارجي لتمويل التجارة الخارجية الناتجة عن زيادة قيمة الواردات عن قيمة الصادرات خلال فترة معينة.
__________
(1) -د. رمزي زكي، الديون والتنمية،ص23،ورجع سابق ذكره.(1/38)
و من خلال نموذج الفجوتين يمكن إثبات أن هناك تطابقا بين فجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية، وأن الفجوتين لابد لهما أن تتساويا خلال أي فترة مضت ويمكننا إثبات ذلك كمايلي:(1)
+ M = C + I + X ... ... ... ... ... ... ( 1 ) Y
حيث Y : الناتج المحلي
M : الواردات من السلع والخدمات
C : الاستهلاك القومي
I : الاستثمار القومي
X : الصادرات
و من هذه المعادلة يمكننا أن نستنتج أن:
C + I + X- M ... ... ... ... ... ... .( 2 ) Y =
و بما أن الناتج المحلي يولد دخلا مساويا له، وأن هذا الدخل يستعمل في تمويل الاستهلاك الجاري وتكوين المدخرات (S)، فإن:
Y = C + S ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..( 3 )
و من المعادلتين (1) و(3) نستنتج أن:
I = S + M – X ... ... ... ... ... ... ... ... .( 4 )
و من المعلوم أن زيادة الوردات عن الصادرات تظهر في صورة عجز في الميزان التجاري وبميزان المدفوعات للدولة، وأن هذا العجز لا بد وأن يمول عن طريق تدفق لرأسمال الأجنبي (F) أي أن:
(5) F ... ... ... ... ... ... ... ... ... . M –X =
و منه يمكن إعادة كتابة المعادلة رقم (4) على الشكل التالي:
I – S = M – X = F ... ... ... ... ... ... ... (6)
و هذه المعادلة تعني أن الاستثمارات التي ينفذها الاقتصاد القومي خلال فترة معينة بشكل يزيد عما يوفره من المدخرات المحلية إنما تنتج عن طريق إحداث زيادة في الواردات تمول عن طريق تدفق صافي للرأسمال الأجنبي خلال المدة نفسها. وهذا هو المعنى المقصود بكون فجوة الموارد المحلية (الاستثمار-الادخار المحلي) لا بد وأن تتساوى مع فجوة التجارة الخارجية، وذلك في أي مدة سابقة.
__________
(1) - المرجع السابق ذكره، ص(24-28).(1/39)
و لكن ليس شرطا أن يتم التعادل بين هاتين الفجوتين منظورا إليهما في فترة قادمة، والسبب في ذلك يرجع إلى أن القرارات المتعلقة بالمتغيرات الأربعة( الادخار، الاستثمار، الصادرات والوردات) لا يقوم بها الأفراد أنفسهم أو الهيئات نفسها، وقد ينعدم التنسيق بينهم. وإن حصيلة الصادرات تتحدد في ضوء عوامل متغيرة ومتغيرات خارجية تتعلق بظروف السوق العالمي، ومن الصعب التحكم أو التأثير فيها.
و طبقا لنموذج الفجوتين فإنه إذا حدث وأن حدد المجتمع معدلا معينا للنمو في مدة مقبلة، وكانت إحدى الفجوتين أكبر من الأخرى، في تلك المدة، فإن الفجوة الأصغر لا بد وأن تتسع لكي تتساوى مع الفجوة الأكبر، وإلا عجز المجتمع عن تحقيق معدل النمو المستهدف.
فمثلا إذا كانت فجوة التجارة الخارجية أكبر من فجوة الموارد المحلية (الاستثمار-الادخار المحلي) عند تحقيق معدل معين للنمو في فترة قادمة، فإنه في هذه الحالة يتعين على الاقتصاد الوطني أن ينجح في الحصول على قدر من رأس المال الأجنبي يعادل الفرق بين الفجوتين. فإذا لم ينجح المجتمع في ذلك، فإن معدل النمو المستهدف لا يمكن تحقيقه؛ وهو ما يوضحه المثال العددي التالي:
لو افترضنا أن(1):
? الدخل المحلي الصافي (Y) = 2000 وحدة نقدية
? الاستهلاك (C)= 1800 وحدة نقدية
? الاستثمار(I)= 400 وحدة نقدية
? الادخار(S) = 200 وحدة نقدية
? الصادرات (X)= 200 وحدة نقدية
? الوردات (M)= 500 وحدة نقدية
و عليه فإن فجوة الموارد المحلية = الاستثمار- الادخار
400-200= 200 وحدة نقدية
أما فجوة التجارة الخارجية= الواردات- الصادرات
500 -200 = 300 وحدة نقدية
أي أن فجوة التجارة الخارجية البالغة 300 وحدة نقدية هي الفجوة الأكبر، وتزيد بمقدار 100 وحدة نقدية عن فجوة الموارد المحلية.
__________
(1) - د. رمزي زكي، أزمة الديون الخارجية، رؤية من العالم الثالث، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 1978، ص(46-50).(1/40)
و سنفترض أن الموارد الأجنبية سوف تتدفق إلى الاقتصاد القومي بما يعادل فجوة التجارة الخارجية. وبذلك سيحدث تساوي بين الفجوتين عن طريق التفاعل الذي يحدث بين العرض الكلي والطلب الكلي. فلو رجعنا إلى الأرقام في المثال السابق نجد بأن:
الطلب الكلي= الاستثمار+ الاستهلاك
= (I) + (C)
= 400 + 1800
= 2200 وحدة نقدية
العرض الكلي= الدخل المحلي + الواردات– الصادرات
= (Y) + ( (M) - (X))
= 2000+( 500-200) = 2300 وحدة نقدية.
أي أن هناك زيادة في العرض الكلي بمقدار 100 وحدة نقدية. وفي مثل هذا الوضع فإن جهاز الأسعار سوف يقوم بدور مهم في إحداث التوازن. وهناك احتمالات فيما يتعلق بمرونة جهاز الأسعار.
الاحتمال الأول: أن تكون الأسعار غير مرنة، بمعنى أنها لن تنخفض لتصريف الزيادة في العرض وهنا يحدث تراكم في المخزون السلعي، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تخفيض مستوى الدخل. وعندما يتقاعس الاقتصاد القومي في الوصول إلى معدلات الاستثمار المرغوبة لتحقيق هدف النمو المحدد.
و باعتبار أن الادخار دالة في الدخل، فإن انخفاض مستوى الدخل القومي سيؤدي إلى انخفاض مستوى الادخار المحلي في نهاية الفترة الجارية. وبذلك سوف ينخفض الادخار في هذه الحالة إلى ذلك المستوى الذي يوسع من فجوة الموارد المحلية حتى تتطابق مع فجوة التجارة الخارجية.
وفي مثالنا السابق فإن المدخرات سوف تنخفض من 200 إلى 100 مليون وحدة نقدية، وهنا تصبح فجوة الموارد المحلية ( 300مليون وحدة نقدية) مطابقة مع فجوة التجارة الخارجية.
الاحتمال الثاني: نفترض أن الأسعار تتسم بالمرونة، وأنها ستستجيب للتغيرات المطلوبة لامتصاص فائض العرض، فإن الأسعار في هذه الحالة سوف تنخفض. وبالطبع سينتج عن ذلك خسائر لبعض المشاريع وتخفيض لمعدل الربح بالنسبة لمؤسسات ومشاريع أخرى، وهذا الأمر سيؤثر سلبا في قرارات الاستثمار، وبالتالي في معدل النمو الاقتصادي.(1/41)
و من المفيد هنا أن تلجأ الحكومة إلى تشجيع الاستهلاك المحلي وذلك عن طريق تخفيض الضرائب مثلا حتى تضمن أن التطابق بين الفجوتين، بنهاية الفترة الجارية يتم عند مستوى الاستثمار المطلوب لتحقيق معدل النمو المستهدف.
و لنفترض الآن الحالة الثانية وهي أن فجوة الموارد المحلية أكبر من فجوة التجارة الخارجية.
فلو افترضنا أن:
الدخل المحلي الصافي(Y)= 2000 وحدة نقدية
الاستثمار(I) = 500 وحدة نقدية
الادخار (S) = 200 وحدة نقدية
الصادرات (X)= 200 وحدة نقدية
الواردات (M) = 400 وحدة نقدية
فسنجد أن فجوة الموارد المحلية (I-S) = 500-200=300 وحدة نقدية
و فجوة التجارة الخارجية (M-X) = 400-200= 200 وحدة نقدية
و سنجد أن فجوة الموارد المحلية البالغة 300 وحدة نقدية هي الأكبر وتزيد بمقدار 100 وحدة نقدية عن فجوة التجارة الخارجية. وهنا نلاحظ أنه يوجد فائض في الطلب الكلي على العرض الكلي بمقدار 100 وحدة نقدية ويظهر ذلك كما يلي:
الطلب الكلي = الاستثمار + الاستهلاك
أي= 500+1800=2300 وحدة نقدية
أما العرض الكلي= الدخل المحلي+ (الوردات - الصادرات)
... =2000+(400-200)= 2200 وحدة نقدية
و هذا يعني أن المجتمع يطلب في هذه الحالة كمية من السلع والخدمات، عند المستوى السائد للأسعار تزيد بمقدار100 وحدة نقدية عما أنتجه الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي وعما استورده من الخارج. ولكي تستطيع الحكومة تلبية فائض الطلب فإنها ستزيد استيراد السلع الاستهلاكية من الخارج أو ستعمل على الحد من تصدير السلع والخدمات التي يمكن استهلاكها في الداخل. أي لا بد من توسيع فجوة التجارة الخارجية لتتعادل مع فجوة الموارد المحلية. وبالطبع فإن تحقيق ذلك يتطلب سياسات مرنة لأسعار الصرف الأجنبي، أو أن تطبق الدولة سياسة جمركية تهدف إلى زيادة الواردات وتخفيض الصادرات.(1/42)
أما إذا لم تلجأ الدولة إلى إتباع هذه السياسة، فإن حجم الاحتياجات من النقد الأجنبي سوف يزداد؛ ويتزايد أيضا حجم الطلب الداخلي، فيقل حجم المخزون السلعي، وتبدأ الأسعار في الارتفاع نتيجة الضغوط التضخمية. إن ارتفاع الأسعار في الداخل سيؤدي إلى تخفيض حجم الطلب الخارجي على المنتجات المحلية. وبالتالي تدهور حجم الصادرات فتتسع بذلك فجوة التجارة الخارجية إلى أن تتعادل مع فجوة الموارد المحلية حينما تنتهي الفترة الجارية.
لكن لو تصورنا أن الدولة لجأت إلى زيادة وارداتها من السلع الإنتاجية، فهذا يعني زيادة في الاستثمار، وهنا فإن فجوة الموارد المحلية سوف تتسع، وهذا مما يزيد الموقف صعوبة نظرا للصعوبات التي قد تعترض الاقتصاد القومي في الحصول على القدر الكافي من رأس المال الأجنبي لتغطية هذا الاتساع في فجوة الموارد المحلية.
و من ناحية أخرى، من الجائز جدا أن يتمخض النجاح في عملية التنمية عن إمكانية واسعة لإحلال عدد من المنتجات المحلية مكان الواردات. كما أنه من الصعوبة افتراض أن الوردات تنحصر فقط في السلع الإنتاجية المطلوبة لتنفيذ برامج الاستثمار. إذ نجد أن الجزء الكبير من الواردات هي من السلع الاستهلاكية خاصة الغذائية منها.
مهما يكن فإن التحليل السابق ينطوي على فرضيتين أساسيتين وهما(1):
__________
(1) -علي عبد الغني مهرة، الديون الخارجية وأثارها على عملية التنمية، أطروحة الدكتوراه، 1996، سوريا، ص09.(1/43)
? أن هناك حدودا ضيقة جدا للإحلال بين الموارد المحلية والموارد الأجنبية. فالنقص الذي يحدث في الموارد المحلية عند تحديد مستوى معين للنمو، يمكن التعويض عنه باللجوء إلى الموارد الأجنبية ولكن العكس غير صحيح. بمعنى أن العجز الذي يحدث في الموارد الأجنبية، عند تحديد مستوى معين للنمو لا يمكن التعويض عنه باللجوء إلى زيادة الصادرات من السلع والخدمات المحلية، بسبب ضعف مرونة كل من عرض وطلب الصادرات، وبالأخص في الأجل القصير والمتوسط. ومن ناحية أخرى نجد أنه وإن أمكن فرض زيادة المدخرات المحلية، فإن هذه الزيادة لا يمكن أن تعوض النقص في الموارد الأجنبية المطلوبة وذلك بسبب الصعوبات التي تواجه الصادرات في الأسواق العالمية وكذلك زيادة الواردات وبخاصة زيادة الحاجة إلى السلع غير المنتجة.
? افتراض ثبات معدل الاستيراد الحدي مهما كان معدل النمو المستهدف. في هذه الحالة فإن الوردات تستخدم كمدخرات في الإنتاج وذات معاملات فنية ثابتة في دالة الإنتاج. ولا شك أن هذه الفرضية تبعدنا كثيرا عن الواقع، وذلك أنه من الصعوبة أن نفترض ثبات الميل الحدي لاستيراد خلال الفترات المختلفة للنمو. إذ تتجه الواردات في غالب الأحيان إلى الارتفاع وبخاصة في المراحل الأولى للتنمية بسبب ارتفاع النفاق الاستثماري الذي يجب أن يوجه إلى الواردات من السلع الإنتاجية.
و في ضوء هذين الفرضيتين، ينبغي الاحتراس عند استخدام نموذج الفجوتين، وخصوصا إذا كانت فترة التحليل طويلة نسبيا، وتسمح بوجود تغيرات هيكلية تؤثر في طبيعة التداخل بين الموارد المحلية والموارد الأجنبية. ولكن مهما يكن من أمر فان النتيجة التي ينهي إليها النموذج، والتي لا يستطيع أحد أن يجادل فيها، هي أنه في ضوء تواجد الفجوتين، يصبح تحقيق معدل النمو المستهدف معتمدا على قدرة الاقتصاد القومي على تمويل العجز في العمليات الجارية في ميزان المدفوعات.(1/44)
و يوضح ذلك، انه إذا كانت هناك صعوبات تواجه الاقتصاد القومي في زيادة صادراته لتمويل الزيادة المطلوبة في الواردات، أو أنه عجز عن عقد القروض الخارجية والاستعانة برأس المال الأجنبي لتغطية الزيادة عن الوردات نظرا لعدم كفاية الموارد المحلية. ومنه يجب تقدير فجوة التجارة الخارجية والعوامل المؤثرة فيها.
المطلب الثالث: تقدير الحاجة إلى مصادر التمويل الخارجي
على الرغم مما توصلنا إليه من أن فجوة الموارد المحلية تنعكس في فجوة التجارة الخارجية، وعلى أن الفجوتين لا بد وأن تتساويا في أية مدة ماضية، فإن ذلك لا يعني أن تقدير إحدى هاتين الفجوتين تغني عن تقدير الفجوة الأخرى.
إن فجوة الموارد المحلية تشير بشكل إجمالي إلى حجم الموارد المطلوبة لتحقيق هدف معين للنمو دون أن تميز في ذلك بين طبيعة هذه الموارد، محلية كانت أم أجنبية.
أما فجوة التجارة الخارجية، فتنطوي على أن الإنتاج المحلي في كثير من الحالات لا يمكن أن يكون بديلا عن الواردات. فإذا لم يتمكن الاقتصاد القومي من تدبير التمويل الكافي للواردات من السلع الإنتاجية والوسطية وغيرها من السلع، فإن المجتمع سيعجز عن الوصول إلى هدف النمو المستهدف. ولهذا يمكن النظر إلى طاقة الاقتصاد القومي على الاستيراد على أنها أحد القيود الجديرة بالاهتمام التي تحدد معدل النمو.
و من هنا يمكن أن نعطي أهمية لتقدير فجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية والعوامل المؤثرة فيهما:
أولا: تقدير فجوة الموارد المحلية
لتقدير الموارد المحلية يتطلب منا معرفة حجم التمويل الخارجي وبالتالي تقدير المتغيرين الأساسيين وهما معدل الاستثمار ومعدل الادخار المحلي بشكل دقيق(1).
1- تقدير الاستثمارات المطلوبة
__________
(1) * هذان المتغيران ( معدل الاستثمار ومعدل الادخار المحلي) يحكمان معدل النمو في الدخل القومي.(1/45)
لتقدير الاستثمارات اللازمة لتحقيق معدل النمو المستهدف في الدخل القومي، يمكن الاعتماد على طرق مختلفة لتقدير الاستثمارات، ولكن الطرق الأكثر انتشارا هي طريقة معامل رأس المال نظرا لسهولتها. وتعتمد طريقة معامل رأس المال على تحديد العلاقة الفنية بين حجم رأس المال وحجم الناتج أو الدخل، وتتخذ هذه العلاقة الشكل التالي:
m = k / y
حيث: (m) = معامل رأس المال
(K) = رأس المال القومي
(Y)= حجم الناتج القومي
و تقيس هذه العلاقة عدد وحدات رأس المال اللازمة لزيادة الدخل بمقدار وحدة واحدة. وعند تقدير الاستثمارات المطلوبة، لابد لنا أن نعتمد على معامل رأس المال الحدي وليس المتوسط، الذي يوضح لنا العلاقة القائمة بين الزيادة التي تحدث في رأس المال القومي ( الاستثمار) وبين الزيادة التي تحدث في الناتج القومي.
حيث: معامل رأس المال الحدي
الزيادة في رأس المال القومي
I الاستثمار
الزيادة في الناتج القومي(1/46)
و حسب نموذج هارود– دومار R.f.HARROD(1)، بإعتباره أهتم بمتطلبات النمو الاقتصادي العالمي في مرحلة التحول الذي يتطلب توسيع الفضاء الاقتصادي الذي يجري فيه التطور والتوسع الذي لا يمكن أن يحصل إلا من خلال انفتاح اقتصاديات البلدان النامية. ينطلق هارود- دومار في بناء النموذج من تحديد العوامل التي تحكم المستوى الأمثل لمعدل الاستثمار، وهما يقولان بصدد ذلك :" إن العامل الرئيسي المحدّد للمعدل الأمثل للاستثمار هو الطاقة الإنمائية للاقتصاد. والتي تتوقف بدورها على كل من معدل تزايد عدد السكان العاملين، وأكبر زيادة ممكنة التحقيق في الدخل الفردي. هذا ويتوقف العامل الأخير في البلدان المتطورة على ما يظهر من أفكار جديدة؛ أما في البلدان السائرة في طريق النمو، فيتوقف أساسا على تضاعف عدد الإطارات ( المبتكرون، المصممون، رؤساء العمال والمحامون....و غيرهم)"(2). وكما اعتبر أن معدل نمو الناتج القومي (R) هو عبارة عن ناتج قسمة معدل الاستثمار (I)على معامل رأس المال الحدي
معدل نمو الناتج القومي R =
ومنه I = R
فإذا كانت قيمة كل من R و معلومة فمن السهل التعرف على معدل الاستثمار المطلوب، ثم التعرف على الاستثمارات اللازمة لتحقيق معدل النمو المستهدف.
فلو فرضنا أن معدل النمو المستهدف يساوي 6.8 % ومعامل رأس المال الحدي يساوي 2.9 فإن معامل الاستثمار المطلوب يساوي 19.72 %من الدخل القومي.
2- تقدير المدخرات المحلية:
إن تقدير المدخرات المحلية يتطلب توافر بيانات كافية حول المصادر المتنوعة لهذه المدخرات. ويمكن أن نصنف هذه المصادر إلى ثلاثة أصناف، وذلك حسب القطاعات التي تقوم بتكوينها وهي:
أ- مدخرات قطاع العائلات
ب- مدخرات قطاع الأعمال (العام والخاص)
ج- مدخرات القطاع الحكومي.
__________
(1) - مسعود مجيطنة، أزمة المديونية العالمية، اطروحة دكتوراه دولة،2004-2005،ص45.
(2) - نفس المرجع السابق، ص 46.(1/47)
و على الرغم من أن العوامل المؤثرة في تحديد نسبة وحجم الادخار في كل قطاع من القطاعات تتحدد وفقا لعدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تختلف حسب أوضاع المجتمع، ونوعية المؤسسات. وعليه فإن مستوى الادخار بشكل عام يتأثر بصورة كبيرة بمستوى الدخل القومي المحقق.
لهذا يعتبر الادخار المحلي تابع لمستوى الدخل وعليه فإن:
S = a Y
حيث أن: (S)= المدخرات المحلية
(a)= الميل للادخار( معدل الادخار المتوسط )
(Y)= الدخل
و لكن عند تقدير المدخرات المحلية لابد من حساب معدل الادخار الحدي الذي يقيس لنا نسبة ما يدخره الاقتصاد القومي من الزيادة التي تحدث في الدخل بوحدة واحدة:
حيث أن:
= الزيادة التي حدثت في الادخار المحلي
S = الميل الحدي للادخار
Yt= مستوى الدخل في الفترة t
... Yo= مستوى الدخل في سنة الأساس.
يعتبر معدل الادخار الحدي ذا أهمية خاصة في تقدير مستوى العجز في الموارد المحلية، لأنه يبين لنا الإضافة التي يحققها المجتمع لزيادة مقدرته على النمو.
فإذا كان معدل الادخار الحدي أكبر من معدل الادخار المتوسط فإن هذا يعني اتجاه معدل الادخار إلى التزايد.
و لتقدير المدخرات المحلية لفترة قادمة عند السنة (t) فإن هذه المدخرات تتحدد بالمدخرات المحلية في بداية الفترة (So) مضافا إليها الزيادة التي تحدث في الادخار نتيجة الزيادة في الدخل خلال هذه الفترة أي أن: + St = So
(Yt – Yo)St = So +
و بالمقارنة بين هذا المستوى المقدر للمدخرات المحلية في الفترة t والمستوى المقدر المطلوب للاستثمارات اللازمة لتحقيق معدل النمو المستهدف نحصل على ما يسمى بفجوة الموارد المحلية أو العجز في الادخار المحلي (Gt)
ثانيا: تقدير فجوة التجارة الخارجية(1/48)
لتقدير فجوة التجارة الخارجية يجب علينا تقدير رصيد ميزان المدفوعات الجاري الذي يشمل أرصدة ميزان السلع المنظورة وغير المنظورة، ثم ميزان حركة رؤوس الأموال. والعلاقة الوطيدة بين فجوة الميزان التجاري، أي ميزان السلع المنظورة وغير المنظورة، والتي تسمى بفجوة التجارة الخارجية، وبين ميزان حركة رؤوس الأموال الذي يعكس حجم الديون الخارجية ومقدارها، والتي يتعين على الدولة أن تقوم بها في المستقبل.
1- تقدير قيمة الواردات
هناك علاقة بين حجم الواردات وحجم الدخل القومي في أي مجتمع، وهذه العلاقة يعكسها ما يسمى بمعامل الواردات ويطلق عليه عادة الميل المتوسط للاستيراد.
M = m(Y)
حيث: Mهي حجم الواردات
m= معامل الواردات ( الميل المتوسط للاستيراد )
Y=الدخل القومي
وعند تقدير الوردات خلال فترة مقبلة لابد لنا أيضا من معرفة العلاقة القائمة بين الزيادة التي تحدث في الواردات والزيادة في مستوى الدخل القومي.
وتقاس هذه العلاقة عن طريق ما يسمى بمعدل الاستيراد الحدي
و من تم فإن الواردات في الفترة t عبارة عن الواردات في بداية الفترة Mo مضافا إليها الزيادة التي حدثت في الواردات خلال الفترة نتيجة لزيادة الدخل
أي أن:
إن تقدير الواردات خلال فترة مقبلة يتطلب على المستوى القومي حساب الميل المتوسط للاستيراد m والميل الحدي للاستيراد . وعند حساب هذين المعاملين يمكن اللجوء إلى البيانات التاريخية في السنوات السابقة للتعرف على حجم هذين المعاملين في ضوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في الماضي. وعند اختيار المعادلة التي يتم على أساسها التقدير لابد من مراعاة التغيرات المتوقعة في المستقبل وهي(1):
- الإمكانيات المتوقعة للإنتاج المحلي البديل عن الواردات،
- التغير في هيكل الصناعة وباقي فروع الإنتاج الأخرى،
__________
(1) - د.رمزي زكي، أزمة الديون الخارجية، رؤية من العالم الثالث، مرجع سابق ذكره،، ص66.(1/49)
- التغير المتوقع في هيكل الطلب الاستهلاكي.
2- تقدير حصيلة الصادرات
إن تقدير الصادرات المتوقعة للدولة في فترة مقبلة يتوقف أساسا على الظروف والعوامل الخارجية. ولذلك فإن التقدير يتطلب إجراء دراسات دقيقة حول مستقبل الطلب العالمي على السلع التي تصدرها الدولة، وعلى موقعها النسبي في السوق العالمي لهذه السلعة، وعلى اتجاهات حركة الدورة الاقتصادية في الدول الرأسمالية التي تصدر إليها.
إن الكثير من الخبراء والاقتصاديين يعتمدون في تقدير حصيلة الصادرات خلال الفترة المقبلة على أساس الدالة الآتية(1): X = Xo (1 + r) n
حيث أن:
X = مستوى الصادرات المتوقعة في نهاية الفترة
Xo = مستوى الصادرات في بداية الفترة.
r = معدل نمو الصادرات المتوقع
n = عدد السنوات.
و بذلك يمكننا قياس فجوة الواردات والصادرات كمايلي:
هذه الفجوة تظهر كعجز الميزان التجاري في ميزان المدفوعات، وهذا العجز لا بد وأن يغطى عن طريق تدفق صافي لرأس المال الأجنبي(F)، ويمكننا كتابة المعادلة الأخيرة كما يلي:
F = I – S = M – X
بمعنى أن الاستثمارات التي ينفذها الاقتصاد الوطني خلال فترة معينة بشكل يزيد عما يوفره من مدخرات محلية إنما تنتج عن طريق إحداث زيادة في الواردات تمول عن طريق تدفق صافي للرأس المال الأجنبي خلال الفترة نفسها. وهذا هو المقصود بأن فجوة الموارد المحلية تنعكس في فجوة التجارة الخارجية؛ وأن الفجوتين لا بد أن تتساويا في أية فترة ماضية.
المبحث الثالث: الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول
على خدمة ديونها الخارجية
__________
(1) - د. رمزي زكي، مرجع سبق ذكره، ص 68.(1/50)
تعرضنا في المبحث السابق إلى التمويل الخارجي ونموذج الفجوتين، فتحقيق معدل معين من النمو يتطلب أيضا معدلا معينا من الاستثمار، فإذا كانت الموارد المحلية للمجتمع غير كافية لتمويل الاستثمارات المطلوبة فإن المجتمع سيلجأ إلى مصادر التمويل الخارجي. ومن هنا يجب أن نعطي أهمية لتقدير فجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية والأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية.
المطلب الأول: الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي
نعلم أن كل الديون الخارجية لا بد وأن تسدد وفق بنود مكتوبة في العقد، وهي تشكل الالتزامات الواجب الوفاء بها على مدى فترة القرض المتفق عليها. قد تكون الديون قصيرة المدى وهي التي لا تزيد مدتها عن سنة واحدة، أو قد تكون متوسطة ( أكثر من سنة إلى أقل من سبعة سنوات)، أو طويلة المدى يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من عشرين سنة.
يجب على الدول المدينة قبل اتخاذ القرارات الخاصة بعقد القروض، أن تدرس بدقة العبء الذي سينشأ عنها؛ وكذلك مدى قدرة الدولة على الوفاء وتغطية الأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي في السنوات المقبلة، مع دراسة كل التنبؤات الممكنة. سنتناول في هذا المبحث الأعباء الناشئة من التمويل الخارجي التي يتحملها البلد المدين، وهي متمثلة في الأقساط المدفوعة والمتفق عليها في العقد للجهة الدائنة، وهي:
- مدفوعات الفوائد
- مدفوعات أصل الدين(1/51)
تتمثل مدفوعات الفائدة على القرض في مبالغ محددة ومتفق عليها في العقد بين الطرفين(الدائن والمدين)، وتتفاوت القروض الخارجية في مدى عبء هذه المدفوعات طبقا لنوعية القروض المتعاقد عليها ومنه يمكن أن نفرق بين نوعين من القروض، فهناك القروض الصعبة والتي تتميز بسعر الفائدة المرتفع وقصر مدتها؛ وبالتالي يكون عبء خدمة ديونها مرتفعا جدا. أما النوع الثاني، فهو عبارة عن القروض السهلة التي تتسم بانخفاض سعر فائدتها وبطول مدة السداد. ومهما يكون نوع القروض الممنوحة فالدولة المدينة مطالبة بتسديد التزاماتها. ولتمكن من ذلك ينبغي أن يكون الميزان التجاري للدولة يسجل فائضا كافيا. وهذا يعني وجود رصيد من العملة الصعبة يكفي لتسديد ما عليها من التزامات تجاه الدول الدائنة لها. ولهذا يجب أن تلعب سياسة الاقتراض الخارجي دورا هاما في تحقيق هذا الفائض؛ ويمكن أن يتم ذلك من خلال ترشيد زيادة الصادرات والتقليل من الواردات خاصة الاستهلاكية منها؛ وإلا واجهت هذه الدولة صعوبات كبيرة في ميزان مدفوعاتها.
المطلب الثاني: طاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية
يقصد بطاقة البلد على خدمة ديونها الخارجية مدى مقدرة الاقتصاد القومي على توفير العملة الصعبة اللازمة لتسديد أقساط الديون المتفق عليها، والمتمثلة في أعباء ديونه الخارجية، دون التأثير في القطاعات المختلفة والمتمثلة في الاستهلاك أو الإنتاج أو الاستثمار في الأجلين القصير والطويل.
أولا: طاقة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل القصير
ترتبط طاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية في الآجل القصير بمشكلة السيولة الدولية، أي بمدى ملاءمة وكفاية وسائل الدفع والاحتياطيات الدولية في مواجهة الالتزامات الخارجية في الآجل القصير. وبصفة عامة، يمكن تقسيم ودراسة العوامل المحددة للسيولة الدولية، لبلد ما، ومن ثم قدرة هذا البلد على خدمة ديونه الخارجية في الآجل القصير إلى:(1/52)
1- عوامل ذات طبيعة متقلبة
و أهم هذه العوامل حصيلة الصادرات لأنها تتعرض دائما للتقلبات المختلفة وكذلك الزيادة الطارئة في الواردات. ومن أمثلة ذلك تعرض الإنتاج الزراعي لنقص محسوس نتيجة لحدوث كوارث طبيعية.
2- عوامل ذات طبيعة تعويضية
و يقصد بهذه العوامل تلك المصادر من النقد الأجنبي التي يمكن للاقتصاد القومي اللجوء إليها في الأجل القصير لدعم قدرته على الوفاء بالتزاماته الخارجية، حينما يحدث عجز طارئ في حصيلة الدولة من العملة الصعبة، وبشرط أن ترد الدولة ما حصلت عليه من العملات الأجنبية من تلك المصادر حالما تنتهي الظروف الطارئة المسببة للجوء إلى هذه المصادر.
كما تشمل أيضا استخدام الدولة لحقوق السحب المختلفة من الصندوق النقد الدولي.
3- عوامل ذات طبيعة جامدة
و تتمثل هذه العوامل في مجموعة من البنود في الحساب الجاري لميزان المدفوعات للدولة وهي عبارة عن الواردات الضرورية غير قابلة للضغط ومدفوعات خدمة عوائد رؤوس الأموال الأجنبية على اختلاف أنواعها. ويمكن معرفة هذا النوع من الواردات بدراسة هيكل الواردات السلعية للاقتصاد القومي، وأهمها(1):
3-1- المواد الاستهلاكية الغذائية الضرورية.
3-2- قطع الغيار اللازمة لعمليات الإحلال والتجديد للطاقات الإنتاجية القائمة.
3-3- السلع الوسيطية، مثل مواد الطاقة والمواد الخام اللازمة لتشغيل قطاعات الإنتاج.
3-4- المعدات الإنتاجية اللازمة لتنفيذ برامج الاستثمار.
تلك هي العوامل التي تحكم طاقة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الآجل القصير.
ثانيا: طاقة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل الطويل
__________
(1) - مرجع سابق ذكره،ص44.(1/53)
ترتبط قدرة الدولة على خدمة ديونها والتزاماتها الخارجية في الأجل الطويل بمرحلة النمو الاقتصادي التي تصل إليها الدولة وبطبيعة وسرعة مسار عملية التنمية الاقتصادية. ومن تم فهي تتوقف على الشروط والأوضاع والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في مدى نجاح أو تعثر عملية التنمية التي يعتمد تمويلها في جزء منه على وسائل التمويل الخارجية. وبعبارة أخرى، تتوقف قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل الطويل على مدى نجاحها في عملية التنمية، بحيث تتمكن من رفع نمو الادخار وإنتاجية استثماراتها ومعدل نمو الصادرات اللازم لتوفير ذلك القدر من الموارد المالية اللازمة لمواجهة أعباءها والتزاماتها الخارجية والمحافظة على مستوى الجدارة الائتمانية.
لكي تحافظ الدولة على مستوى الجدارة الائتمانية وقدرتها على مواصلة سداد أعباء ديونها الخارجية في الأجل الطويل يجب توافر حد أدنى من مستوى رأس المال يطلق عليه المستوى الحرج لرصيد رأس المال. بحيث إذا أنه ما انخفض رصيد رأس المال الحقيقي عن هذا المستوى تفقد الدولة جدارتها الائتمانية وتفشل في سداد أعباء ديونها الخارجية. ويتوقف تحقيق المستوى الحرج لرصيد رأس المال على تحقيق مستوى معين من الاستثمار يمكنها من خدمة الديون الخارجية.
فدراستنا في هذه النقطة تنحصر في مستوى الاستثمار الذي يتوقف بدوره على معدل تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وعبء الدين الخارجي، وهو ما يعبر عنه بالمعادلة التالية:
حيث أن:
I= الاستثمار الإجمالي
K= رأس المال القومي
1a= معامل يتحدد وفقا لمستوى الميل الحدي للادخار، أي معامل الإنتاج إلى رأس المال
F= تدفق رؤوس الأموال الأجنبية
r= سعر الفائدة على القروض الخارجية
= معدل استهلاك الدين الخارجي
D= رصيد الدين
2 a= نسبة تعبر عن مدى إمكانية الحصول على تدفق رأس المال من الخارج، وهي قناة تأثير رأس المال الخارجي على الاستثمار(1/54)
3 a= مقدار ثابت يتوقع أن يكون موجبا
يتضح من المعادلة السابقة أن تخفيض تدفق رؤوس الأموال الأجنبية أو زيادة أعبائها يؤدي إلى تخفيض مستوى الاستثمار. فالديون الخارجية تعمل كضريبة على الناتج، ذلك لأن الزيادة في إنتاج الدولة المدينة تولد إيرادات يتعين استخدام جزء منها في سداد التزامات الدين الخارجي. أي أن الدائنين يحصلون على جانب من نتاج الاستثمارات التي تحققها الدولة. وكلما ارتفع هذا الجزء أدى إلى تقليص الاستثمار وبالتالي قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية.
وكذلك تتوقف قدرة البلد المدين على الوفاء بالمدفوعات الدورية لخدمة ديونه الخارجية أساسا على الكيفية التي يستخدم بها الاقتصاد المدين هذه الموارد الخارجية، ومدي تأثير السياسة التي تطبقها الدولة في استعانتها بالتمويل الخارجي في خلق موارد إضافية ذاتية لخدمة أعباء هذا التمويل. وتتمثل هذه الصورة في تركيب أو بنيان الاقتصاد القومي، ودرجة النمو الذي ينعكس في التغيرات الهيكلية ويظهر بصفة واضحة في هيكل تركيب ميزان المدفوعات خلال كل مراحل النمو. أي أن ميزان المدفوعات هو المرآة العاكسة لهشاشة الاقتصاد القومي، ذلك كما تظهر هذه الصورة في البنود المختلفة والمركبة لميزان المدفوعات. وتتغير هذه البنود وفقا للتغيرات التي تطرأ في الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي، وأيضا تتأثر بدرجة النمو الاقتصادي.(1/55)
فحسب هذا المفهوم يتبين لنا أن المديونية الخارجية للدولة تتأثر بهذا التغير الملحوظ في ميزان العمليات الرأسمالية، وأن التصور يكمن في انه توجد علاقة تربط بين المديونية الخارجية للدولة، وبين درجة نمو اقتصادها. وقد اتفق الاقتصاديون على أن هناك خمسة مراحل هامة لتحقيق معدل النمو المتمني(1). وذلك وفق منظور ما يسمى بنظرية مراحل النمو(2).
و نقوم في النقطة الموالية بالتعرض للعوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية.
المبحث الرابع: العوامل المختلفة التي تكمن وراء تفاقم مشكلة الديون الخارجية
بعد أن اطلعنا على أهم المتغيرات، التي تحدد مدى قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة عبء ديونه الخارجية. تعين لنا أن حجم الديون الخارجية وأعباءها ارتفعت إلى مستويات عالية جدا أخدت تهدد اقتصاديات كثير من البلدان المدينة التي بدأت تعاني من تدهور الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني نتيجة تفاقم مشكلة المديونية الخارجية فيها. لذلك لابد لنا من البحث في الأسباب المختلفة لمشكلة المديونية الخارجية للبلدان النامية والعربية، التي أخدت تتفاقم مع نهاية السبعينيات من القرن الماضي
إن انفجار مشكلة الديون الخارجية للبلدان النامية خلال بداية الثمانينيات، وتحديدا في شهر أوت 1982 عندما أعلنت المكسيك عن عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بديونها الخارجية، لا يمكن حصر مسؤوليتها في المكسيك أو في الدول المدينة الأخرى. فهناك مسؤولية أساسية تتحملها الجهات الدائنة التي كانت وراء التدفقات الكبيرة في حجم القروض الخارجية.
__________
(1) محمد لبيب شقير: العلاقات الاقتصادية الدولية. مكتبة النهضة مصر القاهرة، 1958الطبعة الثانية , ص ص 133-125.
(2) هناك 05 مراحل، وللمزيد من المعلومات راجع المرجع السابق.(1/56)
لهذا سوف نركز في هذا البحث على مسؤولية كل من المدينين والدائنين في تفاقم أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية؛و التي إرجاعها إلى مجموعة من العوامل الخارجية والداخلية.
المطلب الأول: العوامل الخارجية ومسؤولية الدائنين
نتطرق في هذه النقطة إلى مسؤولية الدائنين في تفاقم أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية. تتمثل مسؤولية الدائنين في جملة من العوامل يمكن أن نصنفها ضمن العوامل الخارجية التي ساهمت في تفاقم الأزمة. وسنتناول فيما يلي على أهم العوامل الخارجية المباشرة التي تقف وراء تفاقم وانفجار الأزمة، ومنها: ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية، تغيرات أسعار النفط، تدهور شروط التبادل التجاري للدول النامية، أثار الركود الاقتصادي في الدول الرأسمالية الصناعية، تزايد تدابير فرض الحماية الجمركية والحواجز أمام صادرات البلدان النامية.
أولا: ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية(1/57)
و نقصد بالفائدة الحقيقية الفرق بين سعر الفائدة الاسمي ومعدل التضخم السائد في الولايات المتحدة الأمريكية. إن تركز الاقتراض بالدولار أدى إلى تحمل الدول النامية أسعار فائدة عالية وأسعار صرف مرتفعة نظرا لقوة الدولار أناداك. بحيث كان للارتفاع الكبير في أسعار الفائدة الحقيقية التي اقترضت بها مجموعة الدول المدينة دور حاسم في تفاقم مشكلة الديون. فلو استعرضنا تطور سعر الفائدة منذ أن بدأت البلدان بالاقتراض الخارجي لتمويل التنمية وسد العجز في موازين المدفوعات نلاحظ أنه حسب دراسة قام بها البنك الدولي، وهي تغطي الفترة (1965-1983)(1)، كان متوسط سعر الفائدة الحقيقي في حدود %1.4(2). هذا في الوقت الذي كان فيه سعر الفائدة الاسمي على القروض لستة أشهر فيما بين بمصارف لندن بالدولار يبلغ 9.3%. ومن المعلوم أن هذه الفترة شهدت تسارعا محموما في نمو البلدان النامية ولكن مع مطلع الثمانينات اتجه سعر الفائدة الاسمي على القروض نحو الارتفاع الشديد؛ إذ وصل سعر الليبور خلال الفترة 1981-1986 في المتوسط 11.1%. بينما كان سعر الفائدة الحقيقي خلال الفترة نفسها 6% وقد شهد سعر الليبور أعلى مستوى له عام 1982، أي عام انفجار أزمة الديون الخارجية للبلدان النامية، فبلغ 13.5% مقابل سعر فائدة حقيقي 7.1%. وتشير بيانات جداول الديون العالمية الصادرة عن البنك الدولي لعام 1993-1994 إلى أن متوسط سعر الفائدة الحقيقي لمجمل ديون البلدان النامية خلال الفترة1987- 1992 بقيت في حدود 6.5%.
__________
(1) البنك الدولي، التقرير السنوي، واشنطن، عام 1987، ص59. وعام 1989، ص37.
(2) * وهو سعر الفائدة الاسمي الذي تتعامل به البنوك في لندن للودائع(اللي بورlibor) مطروحا منه معدل ارتفاع أسعار الجملة في الولايات المتحدة الأمريكية.(1/58)
و بالطبع فإن الارتفاع الذي طرأ على أسعار الفائدة الحقيقية يعني زيادة المبالغ التي يجب على البلدان النامية تخصيصها لدفع أعباء الديون. وبالتالي تراكمت متأخرات مدفوعات الفوائد على البلدان المدينة؛ وذالك في الوقت الذي تعرضت فيه موارد القطع الأجنبي لتلك البلدان إلى التدهور والتقلب.
ثانيا: تغيرات أسعار النفط
كان من أهم نتائج حرب أكتوبر تشرين من عام 1973 ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ خلال عامي 1974 و1979. ويرى كثير من الاقتصاديين أن ارتفاع أسعار النفط تسبب في انتقال رؤوس الأموال بصورة مفاجئة وبحجم كبير إلى الدول المصدرة للنفط. مما خلق موجة من الانكماش ثم التضخم في اقتصاديات الدول المستوردة. وبالتالي دفع هذه الدول الأخيرة إلى إتباع سياسات نقدية ومالية متقلبة. وبهذا الصدد، يرى بعض الاقتصاديين أن انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من الثمانينيات كان له أثر سلبي على بعض الدول النامية المدينة. ولذلك سوف نتطرق هنا إلى الأثرين معا، وانعكاسهما على تفاقم المديونية الخارجية للدول النامية.
1- أثر ارتفاع أسعار في السبعينيات:(1/59)
إن ارتفاع أسعار النفط بدأ من عام 1973 وأسهم في تطور عوائد النفط بشكل كبير. فقد ارتفع سعر النفط من 4.5 دولار للبرميل في تشرين الأول 1973 إلى 11.6 دولار للبرميل في كانون الأول 1973، ووصل إلى حوالي 33 دولار للبرميل في الربع الثاني من عام 1979(1). وبنتيجة ذلك ارتفعت عوائد النفط من 8.5 مليار دولار عام 1975 إلى 211.8 مليار دولار عام 1980(2)، وبالطبع انعكس ارتفاع أسعار النفط هذا في حصول تضخم في أسعار السلع المصنعة التي تصدرها الدول الصناعية. وهذا التضخم بدوره انعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية للبلدان النامية غير النفطية؛ التي كان عليها أن تتحمل عبء الأثر السلبي المزدوج لارتفاع أسعار النفط والسلع الصناعية معا. إذ ارتفعت حصة الواردات النفطية من إجمالي وارداتها من 5.9% عام 1973 إلى 20% عام 1982(3). وهذا ما سبب عجزا كبيرا في الموازين التجارية لهذه الدول، والذي دفعها بدوره إلى مزيد من الاقتراض الخارجي.
2- أثر انخفاض أسعار البترول في الثمانينيات:
__________
(1) - انظر، حسين الشرع تسويق النفط، التاريخ والأهمية والمستقبل، ندوة الثلاثاء الاقتصادية السابعة، دمشق 1992، ص15 و26.
(2) راجع، د. رمزي زكي، أزمة القروض الدولية، الأسباب والحلول المطروحة مع مشروع صياغة لرؤية عربية، مرجع سبق ذكره، ص94-95.
(3) راجع، د. رمزي زكي، أزمة القروض الدولية، الأسباب والحلول المطروحة مع مشروع صياغة لرؤية عربية، مرجع سبق ذكره، ص94-95.(1/60)
بدأت أسعار النفط بالانخفاض منذ مطلع النصف الثاني من الثمانينيات(1). ولكن شهد عام 1986 انعطافا كبيرا في سوق النفط العالمي، حيث أفرزت الأزمة النفطية بعد عام 1983-1985 قيام ما سمي بالسوق الفورية، وأصبح سوق النفط بيد الدول الصناعية والمشترين بدلا من أن تتحكم به الدول المنتجة للنفط كما كان عليه الحال في عقد السبعينيات. وفي مارس من عام 1986 تعرض سوق النفط لهزة شديدة ومفاجئة نتيجة تلك السيطرة، حيث انهر سعر البرميل الذي كان يزيد قليل عن 25 دولارا في يناير 1986 إلى أن بلغ أقل من 9 دولارات للبرميل في تموز1986(2). ولاشك أن هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد أثر تأثير سلبي بالغا في اقتصاديات البلدان المنتجة والمصدرة للنفط. مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في الفوائض النفطية، متسبب بدوره في تقلص القدرة الشرائية لها مما انعكس يلبيا كذلك على حجم مبادلاتها التجارية خاصة مع البلدان الرأسمالية المتقدمة. وبذلك دخل الاقتصاد بكامله في دوامة انكماشية.
فبالنسبة للدول النفطية المدينة سيضعف انخفاض أسعار النفط من قدرتها على الوفاء بأعباء ديونها الخارجية، باعتبار أن النفط هو المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في بعض الدول المدينة مثل نيجيريا والمكسيك. أما بالنسبة للبلدان غير النفطية المدينة فإن انخفاض أسعار النفط انعكس في اتجاهين متضادين فيها هما:
(الاتجاه الأول، ايجابي الأثر، إذ أنه من ناحية يدعم قدرة هذه البلدان على الوفاء بأعباء الديون الخارجية نظرا للوفرات التي ستحدث في كلفة استيراد النفط ومشتقاته، خصوصا عندما تكون الواردات منها كبيرة، وتشكل نسبة هامة من إجمالي واردات هذه الدول.
(
__________
(1) بعد عام1982، بدأت أسعار النفط في الانخفاض.
(2) صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1987، 95.(1/61)
أما الاتجاه الثاني، فانه يحمل أثارا سلبية لمجموعة هذه الدول المدينة، تتمثل في انخفاض حجم المعونات والمساعدات والقروض الميسرة من دول الأوبك ذات الفائض. إضافة إلى أن هذه الدول كانت تصدر اليد العاملة إلى دول الخليج العربي، وبالتالي فإن العديد من هذه الدول المصدرة لليد العاملة تعتمد على تحويلات مالية للعاملين في الخارج. فانخفاض أسعار النفط، انعكس سلبيا على هؤلاء العاملين نظرا لعودة الكثير منهم إلى بلدانهم، بسبب ضغط الإنفاق الاستثماري العام لدى الدول النفطية. ونشير هنا إلى أن الانخفاض الحاد الذي حدث في أسعار النفط خلال عام 1986 أدى إلى انخفاض قيمة الصادرات النفطية للدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط إلى 45.8 مليار دولار، بعدما كانت تبلغ 96.4 مليار دولار خلال عام 1985.
و بالطبع فإن انخفاض عائدات النفط انعكست سلبا على المساعدات وعلى العمالة العربية والأسيوية في دول الخليج العربي. وفعلا فقد انخفضت المساعدات الإنمائية الميسرة التي تقدمها دول الخليج العربي من7.727 مليار دولار عام 1981 إلى 3.451 مليار دولار عام 1985(1).
ثالثا: تدهور شروط التبادل التجاري الدولي
__________
(1) صندوق النقد العربي، التقرير الموحد، 1987، ص441.(1/62)
إن تردي شروط التبادل التجاري بين الدول الصناعية والدول النامية هي الصفة الغالبة على العلاقات التجارية القائمة منذ الحرب العالمية الثانية. كما أن ظاهرة تقسيم العمل الدولي التي فرضت على الدول النامية التخصص في إنتاج المواد الأولية والمواد الخام ذات الأسعار المنخفضة، واستيراد حاجتها من الآلات والتجهيزات والتكنولوجيا المتطورة من الدول الصناعية المتقدمة بأسعار مرتفعة؛ التي تفرض من قبل المصدرين، بسبب طبيعة هذه السلع ومرونة عرضها. وبالطبع يمكن معرفة مدى التردي في شروط التبادل التجاري للدول النامية بقياس انخفاض نسبة أسعار الصادرات التي تصدرها البلدان النامية بالنسبة إلى أسعار السلع التي تستوردها، والتي تنعكس في نهاية المطاف في زيادة العجز في ميزان المدفوعات.(1/63)
على الرغم من أن الإحصاءات تشير إلى تدهور شروط التبادل التجاري للبلدان النامية في عقد السبعينيات، فإننا نلاحظ استمرار هذا التدهور في الثمانينيات وذلك حين تدهورت أسعار المنتجات الأولية بما فيها المحروقات. ففي حين انخفضت أسعار المنتجات الأولية ماعدا أسعار المحروقات من متوسط 8% خلال الفترة 1965-1973 إلى 6.6% في المتوسط خلال1973-1980. أما خلال الفترة 1981-1982 فقد انخفضت أسعار المنتجات الأولية بنسبة تتراوح بين 8% و12 %، بينما انخفضت أسعار السلع المصنعة خلال هذه الفترة بنسبة مابين 2.1% و4.8%(1). أيضا شهدت الفترة بين عام 1984 وعام 1986 انخفاضا قياسيا في الأسعار الحقيقية للسلع الأولية غير المحروقات. فقد انخفض الرقم القياسي بالدولار الجاري للسلع الزراعية بنسبة 13% وللفلزات والمعادن بنسبة 16%(2). كما بلغت الخسارة المتراكمة في حصيلة العملات الأجنبية لدى هذه البلدان خلال الفترة 1981-1986 بأسعار عام 1980 حوالي 70مليار دولار(3). وفيما يلي نورد الجدول رقم(I-1) الذي نبين من خلاله تأثير تردي شروط التبادل التجاري الدولي، وارتفاع أسعار الفائدة في بعض مناطق الدول النامية المدينة خلال عقد الثمانينيات.
الجدول رقم(I-1)
تأثير شروط التبادل التجاري وأسعار الفائدة
كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عقد الثمانينات
المنطقة ... تأثير شروط ... تأثير ارتفاع ... الإجمالي
التبادل التجاري ... أسعار الفائدة
1- جنوب أسيا ... .5- ... 3.3- ... 15.8-
2- أفريقيا الصحراوية ... .1- ... 4.4- ... 14.5-
3- دول أمريكا اللاتينية والكاريبي ... .3- ... 4.0- ... 10.3-
4- شرق أسيا ... .5- ... 4.9- ... 9.4-
__________
(1) - البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم، واشنطن، 1983، ص 22.
(2) - البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم، واشنطن، 1987، ص 30
(3) - الأمم المتحدة، أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، المجلد الثالث، نيويورك، 1989، ص35.(1/64)
Source: world Bank, world Development report 1990, Oxford University Press 107.
و يظهر لنا الجدول رقم (I-1) تأثير تردي شروط التبادل التجاري الدولي إضافة إلى تأثير ارتفاع أسعار الفائدة في بعض مناطق البلدان النامية المدينة خلال عقد الثمانينيات. يبين الجدول أن مجموعة بلدان جنوب أسيا خسرت نتيجة ذلك نحو 15.8% من ناتجها المحلي الإجمالي. تليها مجوعة بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، باعتبارها الأكثر فقرا في العالم، والتي خسرت 14.5% من ناتجها المحلي الإجمالي. ثم تأتي بعدها بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي بنسبة 10.3%. وأخيرا بلدان شرق أسيا بنسبة 9.4 %. ولاشك أن هذه النسب المرتفعة تمثل موارد هائلة خسرتها هذه البلدان، وهذا يعكس الوضع الصعب الذي تعرضت له خلال هذه الفترة، والذي انعكس سلبيا على موازين المدفوعات؛ وبالتالي على طلب التمويل الخارجي وما ينتج عنه من أعباء خدمة الدين. لقد انخفضت الأرصدة الأجنبية لدى البلدان النامية المدينة بشكل كبير، كما انخفض انسياب رؤوس الأموال الأجنبية الميسرة في الوقت الذي تزايدت فيه مدفوعات خدمة الدين وتزايدت صعوبات الاقتراض الخارجي وبخاصة بعد انفجار أزمة الديون العالمية عام 1982.
رابعا: آثار الركود الاقتصادي على البلدان الرأسمالية خلال السبعينيات
إن تبعية الدول النامية للدول الصناعية المتقدمة يجعل الدول النامية تتأثر في حركتها الاقتصادية وتنميتها بتلك الدول. فمنذ مطلع الثمانينات تأثرت الاقتصاديات الرأسمالية بركود اقتصادي، فزادت معدلات البطالة وانخفض معدل النمو وقد صاحب هذا الركود انخفاض كبير في حركة التجارة الدولية وقد أدى هذا إلى انخفاض الطلب العالمي على صادرات البلدان النامية إلى بلدان الاقتصاد الرأسمالي المتقدمة بحوالي الخمس بين أعوام 1981 و1985(1).
__________
(1) - الأمم المتحدة، أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، مرجع سبق ذكره، ص33.(1/65)
و قد انعكس الركود الاقتصادي الذي خيم على اقتصاديات البلدان الصناعية الرأسمالية في النصف الأول من عقد الثمانينات بشكل حاد على اقتصاديات البلدان النامية. فمع التدهور الحاصل في حجم وقيمة صادرات البلدان النامية إلى الدول الرأسمالية المتقدمة مقابل الواردات من السلع الصناعية الواردة من الدول الرأسمالية الصناعية، لجأت هذه الدول الأخيرة إلى رفع أسعار صادرتها إلى البلدان النامية وبخاصة أسعار المواد الغذائية والسلع الوسطية، ذلك من أجل تعويض خسائرها الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط العالمي. كما انعكس أيضا الركود الاقتصادي في الدول الصناعية سلبا على حجم القروض والمساعدات الميسرة للدول النامية فانخفض انسياب رؤوس الأموال الأجنبية الميسرة، وفي الوقت نفسه تزايدت مدفوعات خدمة الديون وتزايدت صعوبات الاقتراض الخارجي، وبخاصة بعد انفجار أزمة الديون العالمية عام 1982. وكنتيجة لذلك انخفض حجم الديون الميسرة والتسهيلات الائتمانية الحكومية من مجموع القروض من 78% في الستينات إلى 45% عام 1983(1). الأمر الذي دفع البلدان النامية وبخاصة بلدان أمريكا اللاتينية إلى اللجوء إلى القنوات العالية التكلفة مثل البنوك التجارية.
خامسا: تزايد تدابير فرض الحماية الجمركية على صادرات البلدان النامية
و ذلك على الرغم من أن الدول الرأسمالية تدعي مبدأ حرية التجارة والمنافسة الحرة، وأن هذه الدول موقعة جميعها على اتفاقية الجات التي تهدف إلى تنمية وتحرير التجارة الدولية بين الدول المنضمة إليها؛ وذلك من خلال القضاء على الإجراءات الحمائية التي قد تلجأ إليها بعض الدول. وقد وضعت هذه الاتفاقية عددا من المبادئ الرئيسية التي تنظم حركة التجارة الدولية، أهمها:
__________
(1) - راجع، محسن فؤاد صيادي(1/66)
¯?مبدأ التجارة من غير تمييز وهو المبدأ الذي يتضمن شرط الدولة الأكثر رعاية، وهو يعني أن أية ميزة يتم تبادلها بين أية دولتين عضوين في اتفاقية الجات يجب منحها إلى باقي الدول الأعضاء.
¯?مبدأ الحماية عبر استخدام التعريفة الجمركية فقط
¯?مبدأ معاملة الدول النامية معاملة خاصة، فقد سمح للدول النامية بإجراء تقييدات كمية أو تعليق امتيازات جمركية سبق منحها لبعض المستوردات التي أصبحت تهدد المنتجين المحليين؛ وذلك حسب ما ورد في القسم الرابع المضاف إلى اتفاقيات الجات في عام 1965، والذي ينص صراحة في المادة 36 منها، على أنه ليس من المتوقع من الدول النامية أن تقدم تنازلات تعريفية لتتلاءم مع تنميتها واحتياجاتها المالية والتجارية.
ومع هذا، إن النزعة الحمائية تتنامى من حين لأخر لدى الدول الصناعية الرأسمالية لمواجهة نمو الاستيراد من البلدان النامية، وذلك بوضع العراقيل أمام دخول منتوجات الدول النامية إلى أسواقها،متمثلة في أساليب متنوعة أهمها:
¯?فرض رسوم جمركية عالية على مستورداتها من الدول النامية وبخاصة السلع الصناعية
¯?تحديد الكميات المستوردة من الدول النامية وبخاصة السلع المصنعة (نظام الحصص)
¯?إغلاق أسواق هذه الدول بوجه بعض المنتجات الجاهزة للبلدان النامية
وهذا ما حدث فعلا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، فقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية إلى تطبيق كثير من القيود غير التعريفية ضد العديد من المنتوجات الصناعية التي أثبتت فيها اليابان والدول الأسيوية المصنعة حديثا ميزة تنافسية مثل:(المنسوجات، الملابس، المنتجات الجلدية، الصلب، السيارات، المنتجات الإلكترونية...و غيرها). أنظر الجدول رقم(I-2).
الجدول رقم (I-2)
تصاعد نزعة الحماية الجديدة في الولايات المتحدة ودور المجموعة الأوروبية
خلال الفترة (1976-1985)
البيان ... ضد كل الدول ... ضد الدول المصنعة حديثا
-1980 ... -1985 ... -1980 ... -1985(1/67)
عدد الإجراءات الحمائية الجديدة التي طبقتها الولايات المتحدة الأمريكية
المنسوجات ... 9
المنتجات الجلدية
الخشب والورق
المطاط والسلع
الصلب والمعادن
معدلات النقل
الماكينات
سلع أخرى
8
2
9
9
3
6
10
الإجمالي ... 61
عدد الإجراءات الحمائية الجديدة التي طبقتها الدول الأوروبية
المنسوجات ... 6
المنتجات الجلدية
الخشب والورق
المطاط والسلع
الصلب والمعادن
معدات النقل
الماكينات
سلع أخرى
1
8
10
24
1
8
7
الإجمالي ... 70
المصدر: د. رمزي زكي، محنة الديون وسياسات التحرير في دول العلم الثالث، دار العالم الثالث، القاهرة، 1991، ص 200.
ويبين لنا الجدول رقم (I-2) تصاعد نزعة الحماية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، خلال الفترة 1976 –1985. تتضح هذه النزعة الحمائية من خلال ماتتخذه من إجراءات تتمثل فيما يلي:
- تشجيع الإنتاج الزراعي وإنتاج المواد الأولية الأخرى، وذلك باستخدام سياسة الحماية الزراعية لصالح الزراعة الوطنية. فقد عمدت حكومات البلدان الرأسمالية المتقدمة إلى تقديم مبالغ كبيرة لدعم الأسعار كي تعوض المزارعين عن قسم كبير من تكاليف المنتجات الزراعية. ذلك من أجل زيادة قدرة الإنتاج المحلي لدى الدول الصناعية في مواجهة منافسة منتوجات الدول النامية. ونشير في هذا الصدد إلى قيمة الدعم الحكومي لقطاع الزراعة على مستوى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغة 35 مليار الدولار أمريكي عام 1993 وحده(1).
__________
(1) - انظر، د. محمد غسان حبش، عودة سورية إلى اللغات والقرار المحسوم، دراسة داخلية في وزراه الاقتصاد والتجارة الخارجية دمشق، 1993.(1/68)
- إضافة إلى تدابير فرض الحماية والحواجز المختلفة أمام صادرات البلدان النامية، لجأت هذه الدول أخيرا إلى استخدام بعض التدابير، منها الحصار، والحظر، وتجميد الأموال، وفرض العقوبات الاقتصادية ضد العديد من البلدان النامية مثل نيكاراغوا- ليبيا- كوبا وسورية، التي تعرضت إلى حصار اقتصادي بتدبير من بريطانية داخل وخارج إطار المجموعة الاقتصادية الأوروبية، والتي انتهت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1986 بحجة تورط سورية بالإرهاب الدولي والقائمة طويلة.
وفعلا فقد أدت هذه التدابير العديدة إلى انخفاض نمو صادرات الدول النامية وبخاصة الدول الأقل نموا، حيث انخفض معدل الصادرات من حوالي 10% خلال فترة السبعينيات إلى حوالي 0.2% خلال الفترة 1990-1993(1). إضافة إلى هذه الأسباب، هناك عوامل أخرى أسهمت في تفاقم مشكلة المديونية الخارجية بشكل غير مباشر، وذلك من خلال عرقلتها لعملية التنمية المنشودة في الدول النامية.
ومن أهمها:
أ عدم التقيد بتوصيات الأمم المتحدة التي نصت على أن تقدم الدول الصناعية المتقدمة معونة إنمائية رسمية في حدود 0.7% من إجمالي الدخل القومي. هذا إلى جانب مضاعفة حجم المعونة الإنمائية الرسمية.
ب فشل منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة في معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نص عليها ميثاقها الرسمي. فمع مرور خمسين عاما على تأسيس هذه المنظمة الدولية لا يزال كل من الفقر والجوع يخيمان على العديد من الدول النامية وبخاصة في القارة الإفريقية. وتشهد العديد من الدول النامية نزاعات وحروبا مدمرة، دون أن تتمكن المنظمة الدولية من معالجتها وإحلال السلام العادل والشامل، ثم العمل على نزع الأسلحة النووية والكيميائية التي تكلف مليارات الدولارات وتهدد البشرية جمعاء.
__________
(1) – الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تقرير عن أقل البلدان نوما، جنيف، 1995، ص 42.(1/69)
المطلب الثاني: العوامل الداخلية ومسؤولية المدينين في تفاقم أزمة الديون الخارجية
صحيح أن العوامل الخارجية ومسؤولية البلدان الدائنة كانت أساسية، وأثرت تأثيرا كبيرا في مجمل الأوضاع الاقتصادية للبلدان النامية، وبالذات في موازين مدفوعاتها. كما أثرت في قدراتها على الوفاء بأعباء ديونها الخارجية، وزادت من ميلها للاستدانة الخارجية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض العوامل الداخلية، أفرزت أكثر من غيرها آثارا سلبية.
إن مسؤولية البلدان المدينة في تفاقم مشكلة الديون الخارجية كبيرة. ونبين فيما يلي أهم هذه العوامل المحددة لهذه المسؤولية.
أولا: الاعتماد المتزايد على التمويل الخارجي
لقد أوضحنا سابقا أن الحاجة إلى التمويل الخارجي، تجد مبررها الموضوعي في ضآلة حجم المدخرات الوطنية في البلدان النامية، ومن هنا فإن تحقيق معدلات نمو مرتفعة تقتضي اللجوء إلى التمويل الخارجي. لكن الخطأ الفادح الذي وقعت فيه معظم البلدان النامية كان يتمثل في استعانتها بالقروض الخارجية لتمويل برامج تنميتها. فهي كانت تنظر إلى الاقتراض الخارجي على أنه بديل للادخار المحلي. في حين أن منطق الأمور يقتضي تشجيع وتعبئة المدخرات المحلية وزيادتها بالقدر الذي يسمح بدفع أعباء الديون الخارجية السنوية.(1/70)
إن ظروف الاقتراض الخارجي الميسرة والمتاحة نسبيا في السبعينيات، وانخفاض أسعار الفائدة آنذاك، شجع على زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجي والتقاعس عن تعبئة الفائض الاقتصادي الممكن، والاعتقاد بإمكانية الاستمرار بالاقتراض لزيادة معدلات النمو ورفع مستوى الاستهلاك. غير أن تلك النظرة وما ترتب عليها من إفراط في الاقتراض الخارجي أدت إلى صعوبات الدين الخارجي خلال فترة الثمانينات. وقد تعرضنا سابقا إلى التدهور الذي حدث منذ مطلع الثمانينيات في أسعار صادرات البلدان النامية والتردي الكبير في شروط تجارة الخارجية نتيجة الكساد الذي خيم على اقتصاديات الدول الصناعية المتقدمة؛ وذلك زيادة عن انخفاض معدل الادخار لدى الدول المدينة. هذا ما أدى إلى اتساع فجوة الموارد المحلية نتيجة نمو الاستهلاك المحلي بمعدلات تفوق معدلات نمو الناتج، ويعود ذلك لأسباب عديدة من أهمها:
1- انخفاض حجم الدخول النقدية:
إن حجم الناتج القومي الإجمالي في الدول النامية، ينعكس سلبا على دخول الأفراد. فقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي لعام 1991 في الدول النامية880 دولار. ثم انخفض هذا المتوسط إلى 240دولار في البلدان الأقل نموا؛ بينما يبلغ 14860دولار في البلدان الصناعية. ونلاحظ مدى الفرق الكبير في متوسط دخل الفرد بين البلدان المتقدمة الصناعية والبلدان النامية. وتجدر الملاحظة إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يقل في بعض البلدان ذات الدخل المنخفض عن 200 دولار(1). وبالطبع فإن انخفاض متوسط دخل الفرد، لا يؤدي فقط إلى انخفاض حجم الادخار العائلي فحسب، بل يؤدي كذلك إلى ضآلة حجم الادخار الحكومي، فتنخفض الطاقة الضريبية للمجتمع.
2- الإسراف في الإنفاق العام وشيوع أنماط استهلاكية غير رشيدة:
__________
(1) الأمم المتحدة، تقرير التنمية البشرية لعام 1994، نيويرك، جامعة أكسوفرد، 1994، ص ص (164-165).(1/71)
تعاني معظم البلدان النامية من ارتفاع نفقاتها الحكومية ومن ارتفاع النفقات المخصصة لأغراض الدفاع والأمن. فمنتصف الستينيات بلغت نفقات الدفاع في موازنة هذه البلدان أكثر من ثلاثة أضعاف الموازنات الاستثمارية في الاقتصاد الوطني. أما في البلدان العربية وعلى الرغم من السياسات التي اتبعتها في معظمها بشأن ضغط وترشيد الإنفاقات العامة، فمن الملاحظ أن ضغط النفقات العامة كان على حساب الإنفاق الإنمائي.
وتتصف البلدان النامية بظاهرة عدم التناسب في توزيع الدخول، فهناك تفاوت حاد في توزيع الدخول يزيد عنه في البلدان الرأسمالية المتقدمة. وعلى الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يؤكدون أن الطبقات والفئات ذات الدخول العليا هي التي تحقق الادخار بشكل رئيسي؛ بينما الطبقات الفقيرة غير قادرة على تحقيق الادخار، لأن دخلها لا يكفي لسد الحاجات المعيشية الضرورية، فإن هذا الواقع لا ينطبق على البلدان النامية. فحسب تقديرات الأمم المتحدة يخصص أكثر من 60% من مداخيل الفئات الاجتماعية التي تتمتع بمستوى معيشية عالية في البلدان النامية إلى الاستهلاك الشخصي. فهذه الفئات الاجتماعية، بدلا من أن تحقق معدلا مرتفعا من الادخار، وتستثمر أموالها في المشاريع الاستثمارية المنتجة، تنفق جزءا كبيرا من دخولها في شراء السلع الكمالية، وغير ذلك من أنماط استهلاكية لا تنسجم مع مستوى الاستهلاك العام في البلد، ومع الحاجات الفعلية، والإمكانيات الحقيقية للاقتصاد الوطني.
3- زيادة عدد السكان بشكل كبير:(1/72)
إن ارتفاع معدل التزايد السكاني في الدول النامية يعتبر أحد العقبات الأساسية في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حيث أن معدلات زيادة الإنتاج السنوي تعادل أو تقل عن معدل تزايد السكان. مما يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية الفقيرة. ذلك أن الزيادة الكبيرة في عدد السكان تفرض عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني، مع استنفاد أسرع للموارد الاقتصادية المتاحة. فمن ناحية، يؤثر التزايد السكاني بصورة واضحة في عدد سكان المجتمع والإمكانيات المتوفرة. ومن ناحية أخرى، فإن الزيادة السكانية تؤثر على الفعاليات الاقتصادية وتزيد من أعباءها؛ والتي تتمثل في ضرورة توفر الاحتياجات الاستهلاكية المتنوعة والمتزايدة للمواطنين.(1/73)
وحسب الإحصائيات الدولية يقدر عدد سكان العالم عند نهاية 2006 بحوالي ستة مليارات نسمة، ويزداد عددهم بحوالي المئة مليون نسمة سنويا. ومما يزيد خطورة الموقف أن حوالي 85% من الزيادة السكانية تقع في البلدان النامية التي يعيش فيها أكثر من 80% من سكان العالم الذي يعانون أصلا من سوء أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية(1). وبالطبع فإن ارتفاع معدل النمو السكاني وتضاعف عدد السكان خلال فترات زمنية قصيرة في الوطن العربي مقابلا اتجاه معدل النمو الاقتصادي للانخفاض خلال عقد الثمانينيات سبب مشكلة حقيقية تمثلت في قصور مستويات تطور الإنتاج في العديد من البلدان العربية عن إمكانية تلبية الحاجات الاستهلاكية المتنامية للمواطنين، من جهة؛ وتوفير مستلزمات عملية التنمية من جهة أخرى. ففي الوقت الذي بلغ فيه معدل النمو السكاني للبلدان العربية في مجموعها حوالي 3% تراجع الناتج القومي الإجمالي العربي بالأسعار الجارية من حوالي 445 مليار عام 1981 إلى 361 مليار دولار عام 1986 وإلى 362 مليار دولار عام 1988. وكان التراجع بالأسعار الثابتة أكثر حدة، إذ بلغ 6.2% في عام 1983 وحوالي 1.3% في عام 1984. وكنتيجة لذلك، انخفض نصيب الفرد من الناتج القومي العربي بالأسعار الثابتة لعام 1980 من 2491 دولار عام 1981 إلى 1915 دولار(2). وبالطبع فإن الزيادة السكانية المفرطة أسهمت في تباطؤ الأداء الاقتصادي وانخفاض النمو الاقتصادي العام في الثمانينيات والذي كان له الأثر الأكبر في تغيرات الاستهلاك والادخار والاستثمار على المستوى العام والخاص.
ثانيا: قصور و/أو غياب السياسات السليمة لعملية التنمية
__________
(1) عصام خوري، النمو الاقتصادي والتحولات السكانية في سورية، ندوة الثلاثاء الاقتصادية العاشرة، دمشق، 1995.
(2) د. عصام خوري، د.مصطفى العبد الله الكفري، قضايا حول السكان والتنمية في الوطن العربي، وزارة الثقافة دمشق، 1992،ص (76-84).(1/74)
إن التجارب التنموية في البلدان النامية تناولت عملية التنمية المنشودة وكأنها مرادفا للوصول إلى مستويات المعيشة المرتفعة التي ينعم بها سكان البلدان الرأسمالية الصناعية. لذلك انتهجت هذه البلدان بصفة عامة منهجا خاصا في التصنيع من غير مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة فيها. فقد ركزت معظم برامج التنمية على زيادة معدلات الاستثمار، دون أن تعطي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والسياسية الأخرى الأهمية التي تستحقها؛ مما أدى إلى تعميق ازدواجية الاقتصاد ما بين القطاع الحديث والقطاع التقليدي. وهنا نشير إلى أن معظم البلدان النامية اختارت أنماطا معينة للتصنيع، لا تتلاءم مع واقع هذه الدول من ناحية، ولا تساعدها على إيجاد طريق النمو الذاتي المستقل من ناحية أخرى. وهو ما تجسده عقود استيراد المشاريع الجاهزة وفق أسلوب المفتاح باليد، الذي عادة ما يؤدي إلى تبعية دائمة نحو العالم الخارجي في الميادين المالية، التجارية والتكنولوجية. وهذا يسهم في تفاقم الضغط على ميزان المدفوعات. كما ساد أيضا نمط آخر من التصنيع وهو ما يسمى بسياسة إحلال الواردات، وهو نمط عرفه العديد من البلدان النامية خلال عقد السبعينيات. ولقد اتسمت الصناعات التي أقيمت وفق هذا النمط بعدة ميزات كان لها علاقة وثيقة بتفاقم مشكلة المديونية الخارجية للبلدان النامية، وذلك للأسباب التالية:
1- لأن هذه الصناعات تحتاج إلى رساميل ضخمة لإنشائها وتشغيلها. كما يعتمد تشغيل الطاقات الإنتاجية في هذه الصناعات على استمرار تدفق السلع الوسيطية والموارد الأولية وقطع الغيار، واستقدام الخبرات الأجنبية. مما أدى إلى حدوث ضغط على العملات الأجنبية المتاحة لهذه البلدان.(1/75)
2- ترتكز هذه الصناعات على إنتاج السلع الكمالية والترفيهية، التي يطلبها ويحتاجها أصحاب الدخول المرتفعة، مما أدى إلى إشاعة أنماط استهلاكية مترفة تتجاوز مقدرة الاقتصاد الوطني.
3- غياب العلاقات التشابكية بين هذه الصناعات، وباقي فروع الاقتصاد القومي. إضافة إلى ذلك، فإن استراتيجيات التنمية في البلدان النامية لم تأخذ بعين الاعتبار تطوير أنظمة التعليم بما يتناسب مع متطلبات التنمية والتطور. فهي لا تزال تشجع التعليم الأكاديمي على حساب التعليم المهني التقني الذي من شأنه وحده الإسهام في تعبئة القدرات المحلية لاكتساب المهارات التكنولوجية المتطورة والتي تغني عن استيراد الخبرات والخدمات الجاهزة. كما أنها تشكل ضغطا كبيرا على ميزان المدفوعات وتسهم في جزء كبير من عجز الموازين الجارية.(1/76)
إن إستراتيجية التنمية التي اتبعتها البلدان النامية لم تكن تتمتع برؤية واضحة وبعد النظر، فيما يخص شكل التغيرات الهيكلية المستقبلية في هيكل الجهاز الإنتاجي للاقتصاد الوطني، والتي تتطلبها عملية استمرار النمو. إن إستراتيجية التنمية القطبية قادت إلى إهمال التنمية في القطاع الزراعي، وبالتالي إلى تدني الإنتاجية الزراعية، وانخفاض الصادرات الزراعية. الأمر الذي انعكس بدوره على زيادة العجز في الموازين التجارية، مؤديا إلى وجود اختناقات في الموارد الخام الزراعية اللازمة للصناعات المحلية، وتفاقم مشكلة الغذاء. وهذا الأمر أدى إلى هبوط نسب الاكتفاء الذاتي وظهور مشكلة الأمن الغذائي. فقد بلغ متوسط معدل النمو في الإنتاج الغذائي والزراعي في البلدان النامية الأقل نموا 1.7% سنويا خلال الفترة 1981-1988؛ بينما كان معدل النمو السكاني في هذه البلدان خلال الفترة نفسها 2.6% سنويا. ولقد هبط الإنتاج الزراعي والغذائي للفرد خلال الفترة نفسها بمتوسط بلغ 1% سنويا. كما انخفضت انخفاضا حادا خلال الثمانينات أسعار كثيرة من السلع الأساسية الزراعية ذات الأهمية التصديرية مثل البن، القطن، الكاكاو، السكر. فمثلا هبط مؤشر أسعار السكر بما يقرب من 90%بين عام 1980 وعام 1985(1). وبالطبع انعكس سوء الأداء الزراعي على زيادة الفجوة الغذائية لدى هذه البلدان؛ فقد انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب لأقل نموا من متوسط 95% للفترة 1970-1980 إلى 93% خلال الفترة 1981-1987.
__________
(1) - الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تقرير أقل البلدان نموا 1989، نيويورك، 1990، ص (23-25).(1/77)
أما عن الوضع في الوطن العربي فهو أسوء منه في البلدان النامية بصفة عامة، حيث يلعب التخلف التكنولوجي الزراعي دورا رئيسيا في انخفاض معدلات الإنتاجية والإنتاج. فغلة الحبوب مثلا تمثل حوالي 57% من غلة الحبوب في الدول النامية، وحوالي 44% في الدول المتقدمة. وتمثل غلة الهكتار الواحد من القمح في الوطن العربي عام 1992 حوالي 70%، و76% من نظيرها في الدول المتقدمة والدول النامية على التوالي(1). يعود السبب في انخفاض الإنتاجية الزراعية في الوطن العربي إلى عدد من العوامل أهمها ضعف الاستثمارات الموجهة إلى القطاع الزراعي. فقد قدرت بحوالي 10% خلال الفترة 1981-1986 من حجم الاستثمارات العربية. في حين بلغت النسبة في القطاع الصناعي 21%، وفي قطاع المواصلات والنقل 14%، وفي قطاع التشييد والبناء 13%. وإلى جانب ذلك، هناك انخفاض في مستوى البحث العلمي الزراعي، وتخلف وسائل الإنتاج، وعدم تحسين طرق الإنتاج في معظم الأقطار العربية. لهذا فإن الوطن العربي يعاني من عجز في معظم سلع الغذاء وتشير البيانات أن القيمة التراكمية للفجوة الغذائية بلغت خلال لفترة 1985-1992حوالي 88 مليار دولار، منها حوالي 42 مليار للحبوب.
ثالثا: سوء التسيير
أصبحت مشكلة سوء التسيير في البلدان النامية المشكلة الرئيسية، فقد كشفت أزمة المديونية الخارجية في هذه البلاد عن كون تفاقم الديون الخارجية في البلدان النامية، مقترنة بمشكل سوء التسيير. إذ أن جانبا معتبرا من هذه القروض التي تم الحصول عليها خلال عقد السبعينيات وبداية الثمانينات تم بطريقة أو أخرى تبديده في أغراض غير إنتاجية عديدة منها الرشوة والتهريب وغيرهما.
__________
(1) - صندوق النقد العربي، الاقتصادي العربي الموحد، 1993، ص (36-33)(1/78)
والحقيقة أن ظاهرة تفشي سوء التسيير في البلدان النامية ومنها العربية، هي أحد مؤشرات التخلف في هذه البلدان. فسوء التسيير ينتج عن عوامل أخرى متعددة، منها التفاوت الكبير في توزيع الدخول، وتأخر البنى الاجتماعية، وانتشار البطالة، وضعف مستوى التعليم وغير ذلك. والحقيقة أن الطبقة الغنية وأصحاب الامتيازات في البلدان النامية تتمتع بمركز كبير يتيح لها فرصة الاستحواذ على الجزء الأكبر من الدخل القومي. أضف إلى ذلك، أن بعض البلدان النامية تنعدم فيها الديمقراطية، والبعض الأخر مازال في بداية الطريق، وهي تتميز بضعف نسبي في مؤسساتها الدستورية. كل ذلك ينتج عنه كثرة التغيرات في أنظمتها السياسية، مما يقضي على الاستقرار السياسي في البلد. الشيء الذي ينعكس بدوره على الاستقرار الاقتصادي من خلال عدم وجود مناخ ملائم للاستثمار في هذه البلدان. وقد انعكس كل ذلك في هدر وتشتيت موارد البلدان النامية في اتجاهات متناقضة وسريعة التبديل. فمثلا تشير العديد من الدراسات إلى أن الإنفاق العسكري أسهم إسهاما فعالا في تفاقم مديونية البلدان النامية. وقد وضحنا ذلك سابقا. هذا ويتجلى سوء التسيير في البلدان النامية أيضا، في مظاهر الاستهلاك الترفي وتقليد نمط المعيشة الغربية. بل فإن مظاهر الترف والمفاخرة فاقت مثيلتها في البلدان الرأسمالية الصناعية، وذلك نتيجة الثراء الفاحش الذي تتمتع به الطبقات الغنية وأصحاب الامتيازات. فقد ثبت من تجارب التنمية في البلدان النامية أن العديد من المشروعات الضخمة قامت من غير دراسة الجدوى الاقتصادية لإنشائها، وأن الكثير من هذه المنشآت أوقفت عن العمل بعد فترة قصيرة، وتحملت البلدان النامية خسائر تقدر بملايير الدولارات من جراء ذلك. وقد استفاد المتسببون في سوء التسيير من عمولات معتبرة مقابل الموافقة على إقامة مثل هذه المشروعات.(1/79)
ولعل أخطر ما واجهته البلدان النامية نتيجة ذلك ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج بمليارات الدولارات خلال عدة عقود من الزمن، ولاتزال الظاهرة متفشية على نطاق واسع حتى وقتنا الراهن.
رابعا: تهريب رؤوس الأموال من البلدان لنامية
انتشرت ظاهرة تهريب الأموال الوطنية إلى الخارج في معظم البلدان النامية خلال عقد السبعينيات وبداية الثمانينات، أي مع نمو الطلب على الديون الخارجية لهذه البلدان، وبالطبع فقد انعكست هذه الظاهرة سلبا على الأوضاع الاقتصادية في البلدان النامية. والجدول رقم(I-3) يظهر نسب الأموال المهربة إلى إجمالي تدفقات رأس المال الأجنبي في بعض الدول المختارة خلال فترة نشوء أزمة المديونية الخارجية، أي الفترة 1979-1982.
الجدول رقم(I-3)
تهريب رأس المال وإجمالي تدفقات رأس المال إلى الداخل
في بعض الدول المدينة المختارة خلال الفترة 1979-1982
البلد ... تهريب رأس المال (بمليارات الدولارات) ... إجمالي تدفقات رأس المال الأجنبي للداخل ... تهريب رأس المال كنسبة مئوية من إجمالي تدفقات رأس المال إلى الداخل%
(مليار دولار)
فنزويلا ... 22 ... 16.1 ... 136.6
الأرجنتين
المكسيك
أورغواي
البرازيل
.2 ... 29.5 ... 65.1
.5 ... 55.4 ... 47.8
.6 ... 2.2 ... 27.3
.5 ... 43.9 ... 8.0
المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1984، ص 81.(1/80)
يلاحظ من خلال الجدول رقم (I-3) أن نسبة الأموال المهربة لدى بلدان أمريكا اللاتينية المختارة كبيرة بالنسبة لحجم تدفقات رأس المال الأجنبي للداخل. وأن حجم الأموال المهربة في فنزويلا خلال الفترة المذكورة زادت عن إجمالي التدفقات الأجنبية للداخل. ويلاحظ أن الدول المختارة هي الدول التي عانت قبل غيرها من أزمة المديونية، ففي الوقت الذي واجهت فيه هذه الدول صعوبات في خدمة دينها الخارجي، تبين بوضوح أن جزءا هاما من قروضها قد تم تهريبه إلى الخارج، في الوقت الذي كانت فيه بأشد الحاجة إليه. وبالطبع فإن ظاهرة الأموال المهربة لا تقتصر على دول أمريكا اللاتينية، وإنما تتعداها إلى دول أخرى، ومنها بعض الدول العربية. فمثلا تقدر قيمة الأموال المهربة من السودان خلال الفترة 1978-1985 بحوالي 19 مليار دولار، كما تقدر الأموال المهربة من مصر بحوالي 4 مليارات دولار خلال الفترة 1975-1983، والأردن قرابة 110 مليون دولار، وأندونسيا 142 مليون دولار(1). إضافة إلى العديد من الأمثلة الأخرى في أماكن مختلفة من العالم الثالث.
__________
(1) راجع، محسن فؤاد صيادي، ديون البلدان النامية ومواقف الجهات الدولية والإقليمية منها، مرجع سبق ذكره، ص (150-152).(1/81)
إن انتشار ظاهرة هروب الأموال من البلدان النامية إلى الدول الرأسمالية المتقدمة تعود إلى عوامل مختلفة أهمها: الفساد الإداري، الرشوة، والتسيب، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يشجع أصحاب الامتيازات والسلطة على تهريب الأموال إلى الخارج لضمان مستقبلهم في حال تعرضهم لأي انقلاب أو تغيير نظام الحكم. ويساعدهم في تحقيق هدفهم، ضغط أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، واستغلال هذه الطبقة لنفوذها وسلطتها في تحقيق ما تصبو إليه. والشيء المؤسف بهذا الصدد أن اقتصاديات البلدان المدينة التي هربت منها هذه الأموال لا تحرم فقط من عوائدها، وإنما القسم الكبير من تلك الأموال المهربة والتي أودعت في المصاريف الأجنبية في الخارج أعيد تدويرها إلى البلاد التي خرجت منها من جديد على شكل قروض.
خامسا: التضخم المحلي وتدهور أسعار الصرف
هناك علاقة وثيقة بين التضخم المحلي وتزايد الديون الخارجية في البلدان النامية، فالتضخم يؤثر سلبا في ميزان المدفوعات لأنه يؤدي إلى ارتفاع أسعار المستوردات، ومقابل ذلك تنخفض أسعار الصادرات المحلية إلى الخارج. وهذا ما كان دائما ينعكس سلبا على الموازين التجارية.
كما يتسبب التضخم المحلي من جهة أخرى، في تدهور أسعار صرف العملة المحلية، ويقود إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، ويعمل أيضا على عرقلة انسياب الاستثمارات الأجنبية الخاصة. وكل هذا يقود إلى آثار سلبية على ميزان المدفوعات. وتضطر الدول للاستدانة الخارجية، لتمويل العجز المتزايد في الحساب الجاري.
إذا فالتضخم يعمل على زيادة الديون الخارجية لتلبية الحاجات المتزايدة في البلدان النامية. ولكن في الوقت نفسه تؤثر زيادة الديون الخارجية بدورها في التضخم في هذه البلدان. فهناك علاقة جدلية بين المديونية وأعبائها وبين التضخم وتفاقم مشكلته؛ والتي تظهر على الشكل التالي:(1/82)
? إن زيادة حجم المديونية وتفاقم أعباء خدمتها، يعني زيادة حصة النقد الأجنبي المخصصة لدفع أعباء هذه الديون، وهذا يعني إضعاف قدرة البلد المدين على الاستيراد، فتنخفض كمية الواردات، وترتفع أسعارها نتيجة الضغوط التضخمية عليها.
? إن زيادة الحاجة للنقد الأجنبي بدفع أعباء الديون يدفع الحكومة إلى زيادة الصادرات المحلية، وهذا يسبب ضغوطا تضخمية على الأسعار الداخلية، وذلك نتيجة عدم مرونة الجهاز الإنتاجي في البلدان لنامية على اعتبار أن معظمها هي ذات طابع زراعي، وتختص أساسا في إنتاج الموارد الخام والأولية.
? إن ارتفاع أعباء الديون يعني ارتفاع كلف المشروعات الممولة بواسطة القروض الخارجية، وهذا ما يولد ضغوطا تضخمية تؤدي إلى حصول ارتفاع في أسعار السلع المصنعة، أي التضخم بالتكاليف.
? إن تفاقم أعباء الديون سوف يعمل على زيادة الضغوط على سعر صرف العملة الصعبة المحلية متسبب في تخفيض قيمتها، وهذا ما ينعكس في حصول ارتفاع في أسعار الواردات من السلع والخدمات. وبالتالي تزداد تكاليف الإنتاج، وينتج عنها ضغوط تضخمية، تنعكس في حصول زيادة في أسعار السلع المستوردة والمصنعة. إذا فالتضخم ظاهرة خطيرة تهدد استقرار وكيان اقتصاديات البلدان النامية. إذ أنه يضعف القدرة التنافسية للبلد على التصدير، ويسهم كذلك في تدهور أسعار الصرف، مما ينعكس سلبا على ميزان المدفوعات. وذلك لأن التضخم سيقود إلى مزيد من العجز في الميزان التجاري وإلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، وهذا يسبب عجزا في ميزان حركة رؤوس الأموال. وبذلك تزداد الحاجة باستمرار إلى الاقتراض من العالم الخارجي.
سادسا: عدم وجود جهاز مركزي موحد يشرف على الاقتراض الخارجي(1/83)
من المعلوم أن حجم الدين الخارجي وتركيبه، ليس إلا انعكاسا لهيكل الدخل القومي وتركيبه ومعدلات نموه وتوازناته المختلفة. وكل هذه المتغيرات ستنعكس مباشرة على حجم الديون الخارجية وهيكلها في البلد المعني. لذلك فإن إدارة الدين الخارجي ليست إلا إدارة لهذه المتغيرات، وإن السيطرة على هذه المتغيرات سينعكس على مدى التحكم في هيكل وتطور حجم الديون الخارجية. ولهذا فإن الإطار المؤسسي لإدارة الديون الخارجية لا ينفصل عن الإطار العام للاقتصاد الوطني.
سابعا: غياب السياسات السليمة للاقتراض الخارجي
إن أزمة ديون البلدان النامية كشفت عن ضعف الهياكل المؤسسية أو غيابها عن إدارة السياسات الاقتصادية في هذه البلدان. فيلاحظ أن دولا كبيرة متوسطة الدخل مثل البرازيل والمكسيك عجزت عن معرفة حجم ديونها الخارجية عند انفجار الأزمة عام 1982(1). ولكي تطلع هذه الدول على حجم ديونها وتكوينها استغرق العمل بذلك ثلاث سنوات. وفي جمهورية مصر العربية كان إعداد بيان شامل بمديونية مصر الخارجية يتطلب الاتصال بجهات عديدة وزارة المالية، وزارة الاقتصاد، البنك المركزي، هيئة قناة السويس، وغيرها من الهيئات العامة الأخرى. وبالطبع كان ذلك يتطلب وقتا طويلا. مثل هذه الظروف تؤدي دائما كما يبنه الواقع لإلى التناقض والاختلاف في الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالديون الخارجية. أيضا في الجزائر لا يمكن الحصول على بيانات صحيحة ودقيقة للديون الخارجية إلا بعد الاتصال بوزارات ومؤسسات مختلفة؛ وبالطبع فإن تعدد الجهات المشرفة على تجميع البيانات المتعلقة بالقروض الخارجية من شأنه أن يتسبب في عدم دقة الأرقام والإحصائيات.
خلاصة الفصل الأول:
__________
(1) - راجع د. يسوف بطرس غالي، الهيكل المؤسسي لإدارة الدين الخارجي، بحث مقدم في إطار ندوة إدارة الدين الخارجي، القاهرة، تموز 1992.(1/84)
من خلال الدراسة السابقة والتي تبنينا فيها التعريف الموحد لأنه مقارنة ببقية التعاريف أشملها وأكملها، ثم وضعنا معجما للمصطلحات الذي يعتبر ضروريا لفهم مشكلة المديونية الخارجية. كما تطرقنا لبعض المبادئ الأساسية لتسيير الديون الخارجية، لأن تسييرها الجيد والفعال يمكن أن يكون وسيلة لتخطي العقبات وتفادي مثيلاتها في المستقبل.
وإذا كان تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي يعتبر من الأهداف الأساسية التي تسعى الدول النامية إلى تحقيقها، وهذا لأن الزيادة في معدلات النمو هي وحدها التي تمكن هذه البلدان من تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، فالحاجة للاقتراض الخارجي تجد مبررها الموضوعي في سد الفجوة القائمة بين الاحتياجات الاستثمارية المستهدفة والمدخرات القومية المتاحة.
وحسب نموذج هارود-دومار الذي أهتم بمتطلبات النمو الاقتصادي العالمي في مرحلة التحول، الذي ينطلق فيه، عند بناء نموذجه من تحديد العوامل التي تحكم المستوى الأمثل لمعدل الاستثمار. فتحقيق معدل معين من النمو يتطلب أيضا معدلا معينا من الاستثمار، فإذا كانت الموارد المحلية للمجتمع غير كافية لتمويل الاستثمارات المطلوبة فإن المجتمع سيلجأ إلى مصادر التمويل الخارجي. ومن هنا يجب أن نعطي أهمية لتقدير فجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية والأعباء الناشئة عن التمويل الخارجي وطاقة الدول على خدمة ديونها الخارجية مستقبلا.(1/85)
ونتيجة لغياب المعايير المثلى لسياسة الاقتراض الخارجي، وقع العديد من البلدان النامية في أخطاء جسيمة، حين حصول هذه الأخيرة على قروض كثيرة بشروط صعبة؛ تجعل تكلفتها أكثر بكثير من عائدها على المستوى الوطني. ولا يجب أن يقتصر تعظيم العائد هنا على العائد المباشر للمورد الأجنبي، وإنما يجب أن يمتد نطاق التعظيم إلى الأخذ في الحسبان الآثار الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية التي تنتج عن هذا المورد، والقيام بكل الدراسات الممكنة خاصة بدراسة الجدوى الاقتصادية الدقيقة والمفصلة.
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الثالث
دور الديون الخارجية في تمويل التنمية الاقتصادية العربية
المقدمة:
مهما كان مستوى تطور البلدان العربية فإنها تحتاج في سبيل تحقيق تنميتها الاقتصادية إلى تسريع معدلات النمو الاقتصادي، ولكن تحقيق هذا الهدف يصطدم بجملة من المعوقات والمشاكل. وتتمحور هذه المعوقات في انخفاض حجم المدخرات الوطنية وعدم كفايتها لتمويل عمليات التنمية. لذلك لجأت معظم الدول العربية إلى التمويل الخارجي، لسد النقص في الموارد المحلية وتزويدها بالعملة الأجنبية اللازمة لاستيراد السلع والخدمات الضرورية للتنمية.
إذا فالتمويل الخارجي ليس بديلا عن الادخار المحلي وإنما مكمل له، ولكن بشرط أن تستخدم الديون الخارجية في تمويل المشاريع المنتجة. ومن المفروض أن تقوم هذه الاستثمارات بدورها المتمثل في زيادة الصادرات وتخفيض الواردات، وبالتالي تحقيق فائض في الميزان التجاري. ومن ذلك يتبين لنا، أن طلب الديون الخارجية في حد ذاته ليس عيبا، المهم هو أن يكون طلبها لغرض إنتاجي وليس لغرض استهلاكي.(1/86)
ولهذا فإن دور الديون الخارجية في تمويل عملية التنمية الاقتصادية في الدول العربية متوقف على نمط استخدام هذه الديون في تمويل مشاريع التنمية. لذلك نطرح الإشكالية التالية : ما هو دور الديون الخارجية في تمويل هذه التنمية ؟ بمعنى كيف يمكن توظيف الديون الخارجية في تمويل التنمية بشكل فعال ومحكم، بحيث تستطيع الدول المدينة أن تتحكم في خدمات ديونها المستحقة.
وقبل البدء في تحليل أنماط استخدامات الديون الخارجية في تمويل التنمية ومعرفة قدرة الدول المدينة على تسيير ديونها الخارجية ومدى قدرتها في تسديد خدمات ديونها المستحقة، نقوم بالتعريف بالتنمية الاقتصادية وتمويلها وأهم مشاكلها في الدول العربية.
المبحث الأول: التعريف بالتنمية الاقتصادية في البلدان العربية، تمويلها ومشاكلها
في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية وتسريع معدلات النمو الاقتصادي، تلجأ معظم الدول العربية إلى الحصول على التمويل المطلوب من المصادر الخارجية، وهذا راجع أساسا لعدم كفاية مصادر التمويل المحلية. والتساؤلات التي تطرح نفسها الآن وبإلحاح هي: هل ساعدت هذه الأموال الدول العربية على تحقيق التنمية المنشودة ؟ كيف استعملت هذه الديون في عملية التنمية؟ وما قدرة الدول المدينة على تسيير ديونها الخارجية، وتسديد خدمات ديونها المستحقة؟
للإجابة على هذه الأسئلة نقوم أولا بتقديم عدة تعريفات للتنمية الاقتصادية وعرض هيكلها، مع طرح تعقيدات شروطها، وقياس عبئها من خلال المؤشرات الاقتصادية وسرد لأهم معوقات التنمية الاقتصادية في الدول العربية. كما سنتناول وضعية الدول العربية من حيث دور التمويل الأجنبي في التنمية الاقتصادية.
المطلب الأول: مفهوم وتعريف التنمية الاقتصادية
أولا: مفهوم التنمية الاقتصادية(1/87)
التنمية الاقتصادية عبارة عن مجموعة من الإجراءات تتخذ عن قصد من شأنها زيادة الدخل القومي الحقيقي خلال فترة زمنية معينة بمعدل أكثر من زيادة نمو السكان. إذا فهي عملية متعددة الجوانب، لها ركائزها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية. وحتى يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال تلك الركائز يلزم الإلمام بالمؤثرات والمشاكل والسياسات والتوجهات الموجودة في المجتمع.
ويختلف مفهوم التنمية الاقتصادية حسب اختلاف المعايير أو المؤشرات المستخدمة. فبالنسبة للمؤشرات التقليدية، تعني التنمية الاقتصادية قدرة الاقتصاد القومي على تحقيق النمو الاقتصادي، أي تحقيق زيادة سنوية في الناتج القومي الإجمالي؛ والمؤشر الاقتصادي البديل الآخر للتنمية هو قدرة الاقتصاد القومي على تحقيق معدلات نمو في الدخل الفردي تفوق معدلات نمو السكان. هذا وتستخدم عادة معدلات نمو الدخل الفردي بالمعيار الحقيقي،أي باستبعاد أثر التضخم النقدي كمقياس للتحسن الاقتصادي للسكان، أو بكمية السلع والخدمات المتاحة للفرد.
ثانيا: تعريف التنمية الاقتصادية
ويقصد أيضا بالتنمية الاقتصادية تلك " التغيرات التي تحدث في المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية وكذلك في البنى والقوة الفاعلة، وينتج عنها تحقق النمو الاقتصادي للمجتمع"(1)
تعددت تعاريف التنمية، فمن المفكرين من يعرفها على أنها(2):
"تحسنا على المستوى الفردي في مستويات المهارة، والكفاءة الإنتاجية، وحرية الإبداع، والاعتماد على الذات وتحديد المسؤوليات".
__________
(1) يوسف عبد الله صابغ، مقررات التنمية الاقتصادية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985 ص13.
(2) صبحي محمد قنوص، أزمة التنمية، دراسة تحليلية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدان العالم الثالث، الطبعة الثانية، القاهرة، الدار الدولية للنشر والتوزيع، 1999، ص97.(1/88)
كما يعرفها البعض الأخر من المفكرين " بأنها العملية التي يتم بمقتضاها الانتقال من حالة التخلف إلى حالة التقدم. هذا الانتقال يقتضي إحداث العديد من التغيرات الجذرية والجوهرية في البنيان والهيكل الاقتصادي".
ويعرفها آخرون بأنها " العملية التي يتم بمقتضاها دخول اقتصاد قومي مرحلة الانطلاق نحو النمو الذاتي".
وعلى العموم فإن التنمية الاقتصادية "هي العملية التي من خلالها تتحقق زيادة في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي والتي تحدث من خلال تغيرات في كل من هيكل الإنتاج ونوعية السلع والخدمات المنتجة إضافة إلى أحداث تغيير في هيكل توزيع الدخل لصالح الفقراء(1)".
وتعرف التنمية أيضا، بأنها "مجموعة من التبادلات التي تحدث في المجتمع يسعى لتحقيق نمو مدعم ذاتيا في مدة قصيرة من الزمن"(2)
نستخلص مما سبق أن عملية التنمية الاقتصادية تهدف إلى زيادة الطاقة الإنتاجية خاصة، وهذا يعتمد على أمور عدة، أهمها زيادة الاستثمار. وهنا يتعين على القائمين بعملية التنمية اختيار الإستراتيجية الملائمة للتنمية الاقتصادية التي تساعد على تطوير الاقتصاد وتحقيق الأهداف المطلوبة.
لقد أوضحنا فيما سبق بأن التقدم الاقتصادي المتمثل في الزيادة السنوية في الناتج القومي الإجمالي (النمو الاقتصادي)، يعتبر شرطا مهما ولكنه غير كاف لعملية التنمية بمفهومها الشامل. فالتقدم الاقتصادي يمثل الجانب المادي أو الكمي لعملية التنمية التي لابد أن ترافقها تحولات نوعية اجتماعية وسياسية، من شأنها أن تدعم مسيرة التنمية.
__________
(1) محمد عبد العزيز عجيمة وإيمان عطية ناصف، التنمية الاقتصادية دراسات نظرية وتطبيقية، الإسكندرية، مصر، 2003، ص76.
(2) طارق الحاج، علم الاقتصاد ونظرياته، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1998، ص186.(1/89)
وبكل تأكيد فإن أساس التنمية الاقتصادية هو الاعتماد على الذات، فلا يمكن أن تتحقق التنمية المنشودة إذا اعتمدت الدولة بشكل كلي على استيراد كامل للتكنولوجيا ولأدوات الإنتاج. فالقدرة على صناعة وتطوير السلع الإنتاجية تعتبر الطريق الرئيسي السليم نحو التنمية الاقتصادية الحقيقية.
المطلب الثاني: معوقات التنمية الاقتصادية في البلدان العربية
تواجه التنمية الاقتصادية في الوطن العربي مجموعةً من المشاكل، منها:
أ- مشاكل داخلية: وهي تتمثل في عدم كفاية رؤوس الأموال وتخلف وسائل الإنتاج وكذلك الحلقة المفرغة للفقر. حيث أن انخفاض مستوى الصحة يؤدي لانخفاض مستوى المقدرة على العمل وبالتالي انخفاض مستوى الإنتاجية، الأمر الذي يتمخض عنه انخفاض مستوى الدخل الحقيقي، فانخفاض مستوى الصحة. وهناك الحلقة المفرغة المتعلقة بانخفاض مستوى التعليم، إذ أن انخفاض مستوى التعليم يؤدي لانخفاض مستوى المهارة الفنية وبالتالي إلى انخفاض مستوى الدخل فانخفاض مستوى التعليم.
ب- مشاكل خارجية: وتتمثل في التبعية الاقتصادية، حيث أن الحصول على الآلات والمهارات اللازمة لمشاريع التنمية الاقتصادية يتم باستيرادها من الدول الصناعية. كما أن الاستثمارات الأجنبية في الدول العربية يكون مردودها يعود أساسا للدولة المستثمرة.
وهناك أيضا صعوبات أخرى نذكر أهمها :
أولا:انخفاض مستوى تراكم رأس المال والاستثمار والادخار في البلدان العربية(1/90)
إن ارتفاع نسبة التراكم في الدخل القومي لا تؤدي حتماً إلى حل مشكلة تمويل الاستثمارات الضرورية، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار كمية التراكم وخاصة في الدول العربية. وفي مرحلة تحديث الاقتصاد الوطن واستيراد التكنولوجيا، يُكّون الحجم المطلق للتراكم أهم من مؤشر ارتفاع نسبة التراكم. أما عن الاستثمارات الخارجية فهي عبارة عن المؤسسات والمشاريع التي يتم إقامتها في دولة ما ولكن بتمويل خارجي ومن قبل دولة أخرى، سواءً قام بذلك الأفراد أو المؤسسات. ونعني بالاستثمار دائماً، ما يضاف إلى رصيد المجتمع من رأس المال مثل تشييد مباني سكنية جديدة، مصانع جديدة، آلات جديدة؛ وذلك فضلاً عن أية إضافة إلى المخزون من المواد الأولية والسلع تامة الصنع أو نصف المصنوعة.
إن عملية التنمية تحتاج إلى تراكم لرأس المال يتزايد باستمرار، حين يجب أن يتم استخدام كامل مدخرات الأفراد والمجتمع عن طريق خلق فرص كافية للاستثمار- قد تكون الدول العربية الغنية بالنفط لا تعاني من هذا النوع من الصعوبات- إلا أن بقية الدول العربية تواجه هذه المشكلة التي تتفاوت حدتها من دولة إلى أخرى. والسبب الأساسي في ذلك أن غالبية المجتمع في الدول العربية على حالة من الفقر لا تسمح لهم بمجرد التفكير بالادخار الذي يعتبر من أهم ركائز التنمية الاقتصادية.(1/91)
فإذا كان معدل الدخل الفردي في بلد ما منخفضاً لا يتجاوز مثلا 500 دولار سنوياً، فإن ذلك يعني أنه ليس هناك ثروات كبيرة يملكها بعض المواطنين. إن العمال والفلاحين في الوطن العربي لا ينالون كدخل فردي إلى أدنى درجات المعدل الوسطي، بينما يتمتع أفراد الطبقات الغنية بدخل مرتفع، يمكن استخدامه في تمويل عملية التنمية الاقتصادية؛ إلا أن هذا لا يحدث عملياً. فالأغنياء من الملاكين ينفقون الدخل الذي يحصلون عليه في شراء الكماليات المستوردة، وفي اقتناء الأثاث الفاخر، وفي تسديد أجور ونفقات الخدم والرحلات الترفيهية وغيرها. في حين كان المفروض أن تنفق هذه الأموال في المشاريع التنموية التي تساعد البلاد في تطورها وتقدمها.
إن أهم ما يحتاج إليه المجتمع في بداية مسيرته التنموية هو تكوين بنية تحتية مناسبة، إضافة إلى إنشاء وتأسيس وحدات إنتاجية عصرية التي تقوم بتأمين السلع والخدمات الضرورية لأفراد المجتمع. وهذا يحتاج طبعاً إلى تخصيص جزء كبير من التراكم الرأسمالي المحلي للاستثمار قصد استحداث وتطوير وسائل الإنتاج المادية، التي تساهم في إنتاج السلع والخدمات الازمة لتلبية احتياجات المجتمع الأساسية. فإن انعدام الموارد المالية، وضعف التراكم والاستثمار في الدول العربية المدينة يؤدي إلى عدم تمكن القطاع العام أو القطاع الخاص من بناء وتنفيذ المشروعات التنموية الجديدة.
ثانيا: النمو الديموغرافي في البلدان العربية
يعتبر ارتفاع معدل النمو السكاني من المعوقات الهامة، ان لم نقول أهمها على الاطلاق، في طريق التنمية الاقتصادية في الوطن العربي. بحيث تكون معدلات زيادة الإنتاج السنوي تعادل أو تقل عن معدل تزايد السكان؛ مما يزيد البلدان الفقيرة فقراً. حيث أن الزيادة الكبيرة في عدد السكان تفرض عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني، فهي تستنفذ الموارد المتاحة بصورة أسرع.(1/92)
لقد استطاعت بعض البلدان العربية أن تنجح في الحد من زيادة السكان، ودول عربية أخرى استطاعت أن تبدأ بدايات سليمة في سبيل الوصول إلى الهدف ذاته، كما أن هناك بعضها لم يتمكن من خفض معدل تزايد السكان، مما أدى جزئيا إلى عرقلة سير عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها.
تتميز البلدان العربية بانخفاض نسبة السكان الذين يشاركون في النشاط الاقتصادي فيها. فبينما بلغ مجموع السكان في سنة 2003 ما يقارب 300(1)مليون نسمة، قدر حجم العمالة العربية بنحو 110 مليون عامل. أي أن نسبة المشاركة لم تتجاوز 36 %. ويعود ذلك إلى التركيب العمري للسكان وخاصة ضعف مساهمة المرأة في أنشطة إنتاجية منظمة خارج المنزل والأسرة. والأسباب الرئيسية لانخفاض نسبة قوة العمل هي :
1- عدم دخول المرأة العربية معترك العمل والإنتاج بصورة مقبولة.
2- زيادة عدد الأطفال وعدد المعوقين دون سن العشرين.
3- زيادة نسب البطالة بأشكالها المختلفة.
__________
(1) - عن التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2004، مؤشرات عامة عن الدول العربية لعام 2003.(1/93)
لا شك أن تنمية الطاقات البشرية هي عماد مشروع التنمية في أي مجتمع، ولكنها تكتسب أهمية خاصة في الوطن العربي. فعلى خلاف الأفكار الشائعة عن ثراء الوطن العربي، ليست المنطقة العربية الغنية، في الأجل الطويل إلا بالبشر، وفقط إذا تمت تنمية طاقات العرب بما يمكنهم من المشاركة الفاعلة في مشروع التنمية. إن عملية بناء الإنسان عملية شاقة جداً وتتطلب العديد من الجهود، ولا يمكن الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية في الوطن العربي، إلا من خلال بناء الإنسان عن طريق، التعليم وتطويره. وهذا يتضمن محاربة الأمية والقضاء عليها، وتطوير ملكات النقد والتعبير والإبداع. إضافة إلى ذلك يحتاج بناء الإنسان العربي إلى رفع المستوى الصحي، وتوفير الغذاء الكامل، وتأمين الوقاية والعلاج من الأمراض. أي بصورة إجمالية تأمين الحاجات الإنسانية الضرورية التي تحفظ كرامة الإنسان. وأن التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي يؤثر ويتأثر في المعدل السنوي لنمو السكان. حيث يلاحظ أن الدول ذات المعدل المنخفض لنمو الناتج المحلي تتميز، كقاعدة عامة، بمعدل عالي سنوي لتزايد السكان. وهذا يؤدي بالنتيجة إلى تزايد التفاوت في حصة الفرد من الناتج المحلي.
كما أن التفاوت في مستوى التطور وعدد السكان في البلدان العربية يعتبر من العوامل الهامة التي تعيق عملية التنسيق والتكامل والتعاون فيما بين هذه البلدان.
ثالثا: التفاوت في مستوى التطور بين البلدان العربية
يضم الوطن العربي دولاً ذات ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية متباينة ومستويات متفاوتة من التطور. هذا وتختلف الدول العربية بعضها عن بعض، من حيث المؤشرات الطبيعية والديمغرافية.(1/94)
بيد أن الدول العربية كافة يوحدها عدد من العوامل الهامة، كالغة المشتركة، والتاريخ المشترك، والثقافة العربية الاسلامية، والمصالح الاقتصادية المشتركة الأخرى. إضافة إلى كل ما سبق هناك عامل مهم جداً يجمع بينها، وهو يتمثل في مهمة التنمية الشاملة، وتسريع النمو الاقتصادي. هذا وفي الوقت ذاته يتجلى بوضوح أكثر فأكثر تمايز البلدان العربية واشتداد التفاوت في تطورها. إضافة إلى التمايز والتفاوت في مستوى التطور بين البلدان العربية، فإننا نجد مجالاً ثانياً للتفاوت، وهو التمايز بين الدول العربية والدول النامية، ومجالاً ثالثاً بين الدول العربية والدول المتقدمة. ويمكننا تحديد درجة التفاوت بين الدول العربية من خلال:
- المؤشرات الديمغرافية : (النمو السنوي لعدد السكان، عدد الولادات، عدد الوفيات).
- المؤشرات الاقتصادية : (مقارنة معدلات النمو، بخاصة معدل نمو الناتج الإجمالي لبعض الدول العربية، خلال فترة زمنية طويلة).
كما يؤدي التفاوت وعدم التكافؤ المتزايد، إلى أضعاف الجبهة الموحدة للأقطار العربية في مواجهة التحديات الراهنة والمتمثلة في العولمة.
المطلب الثالث: التمويل الأجنبي للتنمية الاقتصادية في البلدان العربية
كما هو معلوم فإن المشكلة الأولى التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية في البلدان العربية هي افتقار هذه الأخيرة إلى الموارد المالية اللازمة لتكوين رؤوس الأموال. ونظرا لعدم كفاية المصادر المحلية تلجأ هذه البلدان إلى الحصول على التمويل المطلوب من المصادر الخارجية.
إن التمويل الخارجي يتمثل في الموارد الأجنبية التي يمكن أن يأخذ الأشكال الرئيسية التالية:(1)
1- التدفقات والتحويلات المالية من المؤسسات والمنظمات الدولية.
__________
(1) نقصد كافة أشكال التمويل الخارجي، وهي القروض الحكومية الثنائية، والقروض الرسمية المتعددة الأطراف، والقروض الخارجية الخاصة التي تشمل تسهيلات الموردين والتسهيلات المصرفية.(1/95)
2- المنح والمعونات من الدول الأجنبية.
3- الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر الذي تقوم به والهيئات الأجنبية.
لنفرض أن S يمثل الادخار، وI يمثل الاستثمار، فإن أي اقتصاد سيكون في إحدى الوضعيات الثلاث التالية:
أ - S >I هذا يعني أن هناك قدرة على التمويل تفوق الاستثمار
ب - S =I وهو يعني توازن في ميزان رأس المال، القدرة التمويلية تكفي بالكاد تمويل الاستثمار
ج - S <I هذا يعني وجود نقص في التمويل، وبالتالي حاجة البلد إلى دخول صافي لرأس المال الأجنبي. والوضعية الأخيرة هي الوضعية التي سادت، في أغلب الأحيان، في البلدان العربية وهي تضع حيز التنفيذ برامجها التنموية الطموحة خلال العقود السابقة.
إن اللجوء إلى العالم الخارجي من أجل الحصول على إمكانيات تمويلية يتم على العموم لأحدى السببين التاليين:
- السبب الأول: يتمثل في حدوث صدمة غير منتظرة
- السبب الثاني: عبارة عن الرغبة في تحقيق التنمية السريعة.
على ضوء هذين السببين، وحسب الظروف القائمة، يمكن تصنيف الاقتراض الخارجي إلى نوعين، وهما: الطرف الذي يكون فيه الاقتراض الخارجي إجباريا، والظرف الذي يكون فيه اختياريا.
أولا: الاقتراض الخارجي إجباري
يكون عندما تواجه البلد صدمة غير منتظرة، خارجية كانت أم داخلية، وقد تكون الصدمة متعددة الأبعاد، كالانخفاض المفاجئ لعائداتها التصديرية؛ أو الارتفاع الشديد لوارداتها لسبب من الأسباب. في هذه الحالة تكون الاستعانة بالاقتراض الخارجي هي المخرج الوحيد للتخفيف من حدة الصدمة.
ثانيا: الاقتراض الخارجي اختياري
كما ذكرت سابقا، قد تكون الموارد المالية المحلية غير كافية فيلجأ البلد من تلقائي نفسه إلى الاستعانة بالاقتراض الخارجي بهدف تحقيق تنمية سريعة قوامها الطموح في تغير الوضع القائم، ومر تكزها ثقتها الكبيرة في مواردها الطبيعية والبشرية في التجاوب السريع.(1/96)
صحيح أن الاستعانة بمصادر تمويل خارجية يزيد فعلا من طاقات الاستثمار، إلا أن الاعتماد عليها، له عدة اعتبارات. ويترتب عن هذه الديون أعباء تتحملها الدولة المدينة، وهي تتمثل في مدفوعات الفائدة على القرض وأقساط استهلاك أصل القرض. وتتوقف قدرة البلد المدين على الوفاء بالتزاماته على تحقيق فائض في الميزان التجاري، وأيضا على كيفية تخصيص
واستخدام الموارد المالية الأجنبية التي تم اقتراضها.
و هنا يكمن الدور الأساسي للاقتراض الخارجي في تمويل عملية التنمية الاقتصادية؛ وذلك من خلال معرفة مدى فعالية استخدام هذه الديون في تمويل عملية التنمية، وكذلك قدرة الدولة المدينة على خدمة ديونها الخارجية.
المبحث الثاني: دور الديون الخارجية في تمويل عملية التنمية
الاقتصادية في البلدان العربية
يتوقف دور الديون الخارجية في تمويل مشاريع التنمية على نمط وفعالية استخدمتها في تمويل عملية التنمية الاقتصادية، وقدرة الدول العربية المدينة على دفع أقساط أصل الديون والفوائد المترتبة عنها للدائنين، وذلك حسب الاتفاقيات التي تمت بين الطرفين في عقد القرض.
رأينا في المبحث الأول كيف تضطر البلدان النامية إلي للجوء للموارد المالية الخارجية لتغطية العجز القائم في الموارد الداخلية اللازمة لتمويل الاستثمارات الضرورية لتحقيق معدل النمو المستهدف.(1/97)
و تتوقف قدرة البلد المدين على الوفاء بالمدفوعات الدورية لخدمة ديونه الخارجية أساسا على الكيفية التي تستخدم بها الموارد المالية الخارجية وكذلك على ومدى تأثير السياسة التي تطبقها الدولة بصدد استعانتها بالتمويل الخارجي في توليد موارد إضافية ذاتية لخدمة أعباء هذا التمويل. وعليه فانه تجدر الإشارة إلى التفرقة بين طاقة الاقتصاد الوطني على خدمة ديونه الخارجية في الأجل القصير وبين طاقته على خدمة ديونه في الأجل الطويل. إذ أن حجم هذه الطاقة يختلف باختلاف الفترة الزمنية. إن طاقة البلد على خدمة ديونه والتزاماته الخارجية في الأجل القصير ترتبط ارتباطا وثيقا بمشكلة سيولته، والسيولة الدولية، والعوامل المؤثرة فيها. أي تلك العوامل المتمثلة في مدى كفاية وملائمة وسائل الدفع والاحتياطات الدولية الضرورية لمواجهة خدمة ديونها الخارجية في الأجل القصير وعادة ما تكون سنة.
المطلب الأول: فعالية استخدام القروض الخارجية
لإدراك مدى فعالية استخدام القروض الخارجية يجب التفريق بين ما يسمى بالقروض الخارجية المنتجة والقروض الخارجية غير المنتجة.
أولا: القروض الخارجية غير المنتجة
تستخدم القروض الخارجية غير المنتجة لأغراض عدة، بحيث لا تسهم في زيادة أو توسيع الطاقات الإنتاجية للبلد المدين. كما تستخدم هذه القروض في تمويل الواردات من السلع والخدمات الاستهلاكية، خاصة منها الكمالية وشبه الكمالية مثل السيارات الفاخرة، والتحف وعلى غير ذلك من السلع التي يمكن الاستغناء عنها إذا توجب الأمر، دون المساس بقدرة الاقتصاد القومي على الاستمرار في النمو. فبصفة عامة يخصص قدر معين من حصيلة البلد من العملات الأجنبية للسلع والخدمات المستوردة. وبالتقليص من حجم الاستيراد عن طريق الضغط على السلع الكمالية وشبه الكمالية، نمكن الاقتصاد الوطني من زيادة قدرته على الالتزام بمدفوعاته الخارجية في الأجل القصير.(1/98)
إلا أن هناك مشكلة في تحديد الفرق بين السلع الكمالية والسلع الضرورية، وذلك راجع إلى تغير الزمن ومتطلبات الاقتصاد الوطني، وتطوره. فكيف يمكن التمييز بين السلع الضرورية والسلع الكمالية التي تستوردها الدولة؟ وما هو المعيار المستخدم في هذا التمييز؟
قام أفراموفبش Avramovic بالتفريق بين الواردات من السلع الضرورية، والواردات من السلع الكمالية، وفقا لمعيار المتمثل في نسبة الواردات من السلع الاستهلاكية غير الغذائية في إجمالي السلع المستوردة.(1)فكلما كانت هذه النسبة مرتفعة كلما كانت إمكانية الضغط على هذا النوع من الواردات ممكنة من أجل تدعيم طاقة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل القصير، وخاصة عندما تتعرض حصيلة صادراتها إلى تقلبات خارجة عن إرادتها.
حسب دراسات أخرى، يمكن التفرقة بين السلع الضرورية والسلع الكمالية المستوردة من طرف الدولة وفقا لمعيار " درجة شيوع الاستهلاك للسلع المستوردة"(2). فإذا تجاوزت نسبة المستهلكين لسلعة ما نسبة 60 % اعتبرت تلك السلعة ضرورية، وبالتالي يصعب الضغط عليها عند الاستيراد. أما إذا كانت نسبة استهلاك السلع المستوردة تتراوح مابين 30%-60% فتعتبر سلع كمالية يمكن الاستغناء عنها ومن ثم إمكانية الضغط على استردادها.
إن أهمية دراسة الواردات القابلة للضغط، تنحصر في كيفية الضغط على هذه الواردات حتى تتمكن الدولة المدينة من حقيق وفورات على حساب الديون الخارجية غير المنتجة، وبالتالي زيادة مواردها من العملة الصعبة حتى تتمكن من الوفاء بالتزاماتها الخارجية في الأجل القصير.
__________
(1) Dragoslov Avramovic,Economic Growth andxternal debt,economic departemrnt inernetional bank for reconstruction and departement, the Jhon hopkins press, baltimore,1966,p26 et p27.
(2) رمزي زكي، مشكلة الادخار مع دراسة خاصة عن البلاد النامية، دار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1966،ص307.(1/99)
إن هذا النوع من الديون يعتبر عبئا على الميزان التجاري وعلى ميزان المدفوعات ككل. لذلك فإن المنطق الاقتصادي الذي يبرر الاقتراض الخارجي يفرض التعامل مع هذه الديون بحذر، وبحالات مؤقتة أو طارئة، فلا تأخذ صفة الاستمرارية.
ثانيا: القروض الخارجية المنتجة
فالديون الخارجية المنتجة هي التي تستخدم في تمويل مشاريع واستثمارات منتجة، وينتج عن استخدامها زيادة في الطاقات الإنتاجية للاقتصاد الوطني للبلد المدين. هذا النوع من الديون يساهم بشكل كبير في خلق الفائض في ميزان التجاري عن طريق زيادة الصادرات وتخفيض الواردات. وبالتالي زيادة حصيلة البلد من العملة الصعبة اللازمة لعملية التنمية وخدمة أعباء الديون الخارجية المستحقة على البلد.
من زاوية أخرى لابد من استخدام القروض الخارجية في مجالات تنموية مختلفة، وهذا يلزم إقامة علاقة بين القروض الجديدة من جهة، والاستثمار والتصدير من جهة أخرى.
و ضمن قائمة الديون المنتجة يمكن التميز بين أنواع مختلفة من الاستثمارات الممولة عن طريق الديون الخارجية، وذلك حسب مدى إسهامها في زيادة الفائض في الميزان التجاري.(1)أيضا يتم التمييز بين هذه الأنواع حسب كيفية استخدام الموارد لمالية الأجنبية:
1- الديون من أجل الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية
و تساهم هذه المشروعات كثيرا، وبطريقة غير مباشرة، في خلق الفائض في الميزان التجاري.
2- الديون التي تستخدم في خلق طاقات إنتاجية تنتج سلعا وخدمات قابلة للتصدير
هذا النوع من القروض يخص الاستثمارات التي تساهم في خلق طاقات إنتاجية بدون اللجوء إلى مستلزمات الإنتاج المستوردة تنشأ عنها زيادة الصادرات من السلع والخدمات.
__________
(1) رمزي زكي، الديون والتنمية- القروض الخارجية وأثارها على البلاد العربية، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1985،من ص34 إلى ص36.(1/100)
3- الديون التي تستخدم في خلق طاقات إنتاجية تنتج سلعا وخدمات قابلة للتصدير مستخدمة في المواد المستوردة من الخارج
وتستخدم في خلق طاقات إنتاجية تنتج سلعا وخدمات قابلة للتصدير مستخدمة في تلك المواد المستوردة من الخارج، ولا توجه السلع المنتجة للاستهلاك المحلي. وينتج عن ذلك فائض في الميزان التجاري كلما زادت قيمة صادرات هذه المنتجات عن قيمة ما تستورده الدولة مستلزمات الإنتاج.
4- الديون التي تستخدم في خلق طاقات إنتاجية تنتج سلعا وخدمات بديلة عن الوردات
تتمثل في الاستثمارات التي تساهم في خلق طاقات إنتاجية تساهم في إنتاج سلع وخدمات موجهة للاستهلاك المحلي قصد تطبيق سياسة إحلال الواردات بدون أن تستخدم حاجيات الإنتاج المستوردة؛ وهذا له تأثير إيجابي على ميزان التجاري.
5- نفس الديون السابقة ولكن يستلزم استيراد مستلزمات الإنتاج من العالم الخارجي
وهذا النوع سوف يؤدي إلى إحداث فائض في الميزان التجاري.
6- الديون التي تستخدم في استحداث طاقات إنتاجية تنتج سلعا وخدمات جديدة غير قابلة للتصدير وتوجه للسوق المحلي
تساهم في خلق طاقات إنتاجية تساهم في إنتاج سلع وخدمات موجهة للاستهلاك المحلي فقط بدون استخدام مستلزمات الإنتاج المستوردة. ولا تؤثر على ميزان المدفوعات. أي أنها تخلق زيادة في الطلب الاستهلاكي الكلي.
7- نفس النوع السادس ولكن يستلزم استعمال مستلزمات إنتاجية من العالم الخارجي
و هذا النوع من الاستثمار سوف يؤثر سلبا على الميزان التجاري نتيجة زيادة الواردات دون زيادة الصادرات وهذا ما يزيد العجز في الميزان التجاري.(1/101)
ونشير هنا إلى أنه حتى لو لم يقتض إقامة مثل هذه المشاريع استيراد الآلات ومستلزمات الإنتاج من الخارج، فسيكون لها تأثير سلبي في فجوة الموارد المحلية، وذلك لأن إنتاج سلع وخدمات جديدة توجه إلى السوق المحلي يعني زيادة الاستهلاك المحلي. لأن مثل هذه المشاريع تنتج حاجات جديدة لم تكن متوفرة من قبل. وبالطبع، فإن زيادة الاستهلاك ستكون على حساب الادخار، وهذا سينعكس سلبا على فجوة الموارد المحلية والحاجة إلى الاقتراض الخارجي من جديد.
وعلى الرغم من أن جميع الاستثمارات التي تكلمنا عنها تعتبر منتجة ويحتاجها الاقتصاد الوطني، فإن هناك اختلاف في فاعلية استخدام هذه الاستثمارات من حيث مدى تأثيرها في الميزان التجاري. فالمشكلة إذا، لم تكن بالاقتراض الخارجي وأعباءه بقدر ما كانت في كيفية وفاعلية استخدام البلد المدين للموارد المالية المتأتية من القروض، وتأثير ذلك على الميزان التجاري.
إن الشرط الضروري لأية دولة مدينة يعتمد على الاقتراض الخارجي هو استخدام الاستثمارات المنتجة بفاعلية. أي يجب استخدام أموال الاقتراض من الخارج لتمويل المشاريع الاقتصادية التي تكون فيها الإنتاجية الهامشية للاستثمار أكبر أو على الأقل مساوية للكلفة الهامشية للقروض التي تم التعاقد. وبالطبع فإن تحقيق ذلك يتطلب توجيه القروض الخارجية نحو المشاريع الإنتاجية التي تؤدي إلى نمو الصادرات، أو التي تؤدي إلى إحلال البضائع المنتجة محليا محل البضائع الأجنبية المستوردة(1).
بالنسبة للدول العربية تبين أن هناك اختلاف في فعالية استخدام القروض بين دولة وأخرى وذلك تجربة كل دولة وخلفيتها التاريخية.
__________
(1) عشرت حسين ومانويل تروكو، البك الدولي، نموذج للإدارة الناجحة للمديونية الخارجية،بحث مقدم في إطار ندوة نظمها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث حول إدارة الديون، دار السلام، (15-21) كانون الثاني، 1990، ص312و ص313.(1/102)
شهدت المديونية الخارجية للدول العربية تراجعاً خلال الفترة 2000 – 2001(1). إلا أنها أخذت في الارتفاع عام 2002، حيث بلغت نسبة الزيادة 7.9 في المائة. إلا أنه على الرغم من استمرار الدين العام الخارجي لهذه الدول في الارتفاع منذ ذلك الحين، فإن وتيرة نموه تراجعت إلى 6.9 في المائة عام 2003، وإلى 2.3 في المائة عام 2004. وهذا كان راجعا لجهود بعض هذه البلدان في وضع ضوابط وحدود للاقتراض كانت لها نتائج إيجابية على حجم المديونية الخارجية بشكل عام.
لقد سجلت تسع بلدان عربية ارتفاعاً في مديونيتها الخارجية عام 2004، في حين تراجعت مديونية الجزائر بنسبة 11.8 في المائة، ومديونية المغرب بنسبة 2.6 في المائة، ومديونية الأردن بنسبة 0.8 في المائة. وتجاوزت نسب الزيادة في الدين العام الخارجي لدولتين 10 في المائة، وهما: لبنان بنسبة 18.1 في المائة وتونس بنسبة 13.6 في المائة. أما البلدان التي شهدت ارتفاعاً في مديونيتها الخارجية بنسبة راوحت بين 5 و10 في المائة فهي: جيبوتي بنسبة 8.9 في المائة، عُمان بنسبة 7.4 في المائة، موريتانيا بنسبة 5.3 في المائة، السودان بنسبة 2.2 في المائة، مصر بنسبة 1.8 في المائة، واليمن بنسبة طفيفة بلغت 0.1 في المائة.
ومن أجل تصحيح الخطأ وعدم الإفراط في الديون الخارجية لا بد من مراعاة النقاط التالية:
? تجنب اللجوء إلى الاقتراض الخارجي بصورة مفرطة
? ترقية الصادرات خارج المواد الأولية
? ترشيد استخدام وتخصيص الموارد المالية المتأتية من القروض الخارجية
? يجب أن تكون النسبة الهامشية لعائد الاستثمار أعلى من النسبة الهامشية للفائدة على الديون المستخدمة لتمويل الاستثمارات.
كما يجب أن تكون الاستثمارات موجهة إلى القطاعات التي تسهم في النمو الاقتصادي وذلك من أجل زيادة المدخرات المحلية في المستقبل بشكل يكفي للوفاء بمتطلبات خدمة الدين الخارجي.
__________
(1) التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005.(1/103)
فعندما تنفق الأموال المقترضة لزيادة الإنتاج المخصص للتصدير يصبح سداد الديون ممكنا جدا وسهلاً، إذ عن طريق زيادة الصادرات تتحرر ذمة الدولة. وعلى هذا الأساس لا تهتم النظرة المستقبلية للمديونية الخارجية بحجم الديون ومبلغ خدمتها بل بعلاقة هذا الحجم بالناتج المحلي الإجمالي، وعلاقة هذا المبلغ بالصادرات. ففي فترة زمنية معينة، إذا كانت نسبة حجم الديون مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ونسبة خدمة الديون مقارنة بالصادرات أقل في نهاية الفترة قياساً ببدايتها فذلك يعني نجاح السياسة المالية في استخدام القروض في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بطبيعة الحال على افتراض عدم تدخل عوامل أخرى.
بعد ما استعرضنا فعالية استخدام القروض الخارجية للدول العربية، وجدنا أن هناك اختلافا في هذه النتائج من دولة إلى أخرى. ويعود الاختلاف بشكل رئيسي إلى كيفية استخدام القروض الخارجية في تمويل مشاريع التنمية وفعالية استخدام الاستثمارات الإنتاجية في القطاعات التي تسهم في رفع معدل النمو الاقتصادي.
و لهذا سنتطرق فيما يلي على قدرة الدولة المدينة على خدمة ديونها الخارجية.
المطلب الثاني: قدرة البلدان العربية على خدمة ديونها الخارجية
إن الهدف الرئيسي لإدارة الدين الخارجي، هو التأكد من أن نمو الدين الخارجي يبقى في حدود قدرة البلد المدين على خدمة دينه. وذلك بأن يكون الاقتراض الخارجي منسجما مع تحقيق وضع صحيح وقابل للاستمرار في ميزان المدفوعات على المدى الطويل.
و لتحقيق هذا الهدف يجب على المسئولين عن إدارة الديون تحديد مستوى الاقتراض الخارجي وشروطه في المستقبل، وعليهم أن يبدؤوا بمستوى الدين الخارجي التعاقد عليه، وتسلسل مدفوعات خدمة الدين التي يلتزم بها البلد المدين. وعليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار عوامل أساسية أخرى أهمها:
أولا: قدرة البلد المدين على خدمة ديونه الخارجية في الأجل القصير(1/104)
لتحقيق قدرة البلد المدين على خدمة ديونه الخارجية في الأجل القصير لابد من توافر الشروط الأساسية التي تساعد اقتصاده على ضبط المعادلة التالية:
حيث:
X= حصيلة النقد الأجنبي من صادرات الدولة في سنة معينة.
F= الموارد المالية الأجنبية التي تحصلت عليها الدولة في سنة معينة.
M= المبالغ المطلوبة لتمويل الواردات في نفس السنة.
D= مدفوعات خدمة الدين الخارجي ( الفوائد+ الأقساط ) في نفس السنة.
و هذه المعادلة تبين، ببساطة شديدة، أن حصيلة النقد الأجنبي الذي تأتي به كل الصادرات مضافا إليه إجمالي الموارد الأجنبية التي تحصل عليها الدولة في نفس السنة، من القروض المختلفة والمساعدات والاستثمارات الأجنبية، الذي يجب أن تكون مبالغها أكبر من المبالغ المطلوبة لتمويل الواردات، وهنا على الأقل ينبغي أن تساوي المبالغ اللازمة كمدفوعات خدمة الدين الخارجي ( الفوائد+ الأقساط ) في نفس السنة.
1-عائدات التصدير
وهي تمثل المصدر الرئيسي للعملات الأجنبية في البلدان العربية، وباعتبار أن معظم صادرات البلدان المدينة هي مواد خام أو أولية، فإن العائدات الملية تتعرض لتقلبات متعددة كما بيناه سابقا عند معالجتنا لأسباب تفاقم أزمة المديونية الخارجية.
و بالطبع فإن التقلب في عائدات التصدير، يعرض قدرة البلدان المدينة على سداد ديونها الخارجية للارتفاع أو الانخفاض تبعا ل لتقلبات هذه العائدات. كما أن تعرض هذه العائدات للتقلب ينعكس في مقدرة الدولة على الاستيراد، وبالتالي سيؤثر ذلك في مستويات الاستثمار والتشغيل والإنتاج والاستهلاك؛ وهذا الأمر ينعكس منطقيا في تزايد حجم ومستوى الاقتراض الخارجي من جديد.
2- الاحتياطي الدولي(1/105)
و يتألف من مجموع حيازات البلد المعني من حقوق السحب الخاصة ووضعه الاحتياطي في صندوق النقد الدولي وحيازته من العملات الأجنبية وحيازته من الذهب. وتلجأ عادة الدول المدينة إلى احتياطها الدولي لمواجهة الحالات الطارئة. لذلك فإن ارتفاع نسبة الاحتياطي الدولي بالنسبة إلى إجمالي واردات الدولة من شأنه أن يعزز قدرة البلد المدين على الوفاء بالتزاماته الخارجية. هذا ويرى بعض من الاقتصاديين أن حد الأمان لهذه النسبة يجب أن تتراوح بين 30 إلى50%. وأن هذه الاحتياطيات من النقد الأجنبي يجب أن تكون كافية لتغطية تمويل الواردات لفترة تتراوح ما بين ثلاثة وخمسة شهور.
وبالطبع فكلما ارتفعت هذه النسبة، وغطت مدة زمنية تزيد عن تلك الشهور، دل ذلك على قوة السيولة الدولية للاقتصاد القومي، وقدرته على مواجهة أعباء ديونه الخارجية في الفترات الصعبة التي يحدث فيها عجز طارئ في حصيلة الصادرات.
في الحقيقة أن معظم البلدان العربية، وبخاصة تلك المثقلة بالديون، كانت تعاني من انخفاض هذه النسبة. فقد بلغت قيمة الاحتياطي الدولي اللازمة لتغطية الواردات في الدول النامية حوالي :(1)4.3 شهر عام 1980، انخفضت إلى 3.4 شهر خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات. وفي مصر انخفضت قيمة الاحتياطي من 3.1 شهر عام 1980 إلى حوالي شهرين في النصف الثاني من الثمانينات، وفي المغرب انخفضت من 1.7إلى 1.5 خلال الفترة نفسها. هذا وتظهر خطورة هذا المؤشر لدى بعض البلدان الأقل نموا والمثقلة بالديون مثل السودان، حيث كانت مقدار الاحتياطي الدولي لا يكفي إلا لأيام محدودة، فكانت تغطي مثلا ثلاثة أيام في عام 1980، وتغطي يوما واحدا في عام1985. وبقي السودان طوال عقد الثمانينات وحتى مطلع الستينات يعاني من انخفاض الاحتياطي الدولي لديه لأسباب متعددة.
4- الحد من الواردات غير الضرورية
__________
(1) - المصدر: البنك الدولي، جداول الديون العالمية، 1993-1994.(1/106)
5- ويقصد بها الواردات الكمالية أو شبه الكمالية. أي السلع التي يمكن الاستغناء عنها عند الضرورة، دون أن تتأثر على قدرة الاقتصاد القومي على النمو. وباعتبار أن استيراد هذا النوع من السلع يشكل حجما كبيرا من واردات الدول العربية فهو بذلك منطقيا يؤثر سلبا على النمو الاقتصادي.
رأينا فيما سبق أن هناك عوامل عديدة تتحكم في تحديد السيولة في الأجل القصير بالدول العربية، وأن طاقة الدولة على خدمة ديونها ومدفوعاتها الخارجية الأخرى، ترتبط ارتباطا وثيقا بمشكلة السيولة في المدى القصير. فإن الضغط وترشيد الاستيراد يوفران قدرا مهما من العملة الأجنبية، والذي يمكن استخدامها لتدعيم قدرة الاقتصاد المدين على مواجهة أعباء ديونه.
ثانيا: قدرة البلد على خدمة ديونه الخارجية في الأجل الطويل
إن قدرة البلد المدين على خدمة ديونه الخارجية في الأجل القصير يرتبط بمدى كفاية وسائل الدفع ولاحتياطيات الدولية في سداد الالتزامات الخارجية. بينما ترتبط قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية في الأجل الطويل بمرحلة النمو الاقتصادي وبمسار عملية التنمية الاقتصادية.(1/107)
فدراستنا فيم يخص هذه النقطة، تنحصر في بحث وتحليل العوامل المؤثرة في تحديد طاقة الدولة المدنية على خدمة ديونها الخارجية في الأجل الطويل حسب المفهوم دورة المديونية التي وضعها الفكر الاقتصادي التقليدي. حيث أن الفكر الاقتصادي التقليدي عرض العلاقة القائمة بين تطور المديونية الخارجية في المدى الطويل وبين مرحلة النمو الاقتصادي وذلك لان طاقة الدولة على خدمة ديونها في هذا الأجل، ترتبط ارتباطا شديدا بمرحلة النمو الاقتصادي، وبطبيعة مسار وسرعة عملية التنمية الاقتصادية. إلا إن مدى نجاح عملية التنمية تتوقف على الشروط والأوضاع والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يعتمد تمويلها على الديون الخارجية، وهنا نتساءل عن الأوضاع التي يجب أن تتوفر في الاقتصاد الوطني حتى يصل إلي تلك المرحلة التي تؤدي به إلي تناقص مديونيته الخارجية، وحتى يتمكن تدريجيا من الاستغناء عن حاجته للتمويل الخارجي بعد تخلصه من ديونه الخارجية السابقة، ويصل إلي مرحلة "النمو الذاتي " تلك المرحلة التي يكون فيها الاقتصاد الوطني قادرا على خلق حجم الكافي من الادخار المحلي لتمويل المشاريع التنموية دون اللجوء إلي الموارد الخارجية.
للإجابة عن هذه التساؤلات سوف نقوم بدراسة العلاقة القائمة بين التمويل الخارجي وبين سلوك المتغيرات الاقتصادية الهامة التي تؤثر في عملية التنمية مثل: معدل الادخار المحلي، معدل الاستثمار، معدل نمو الدخل الوطني، معدل نمو الصادرات، معدل نمو الواردات ونسبة العجز في ميزان المدفوعات إلى الناتج المحلي وغيرها. بالطبع فإن أي تغيير يحدث في هذه المتغيرات سوف يؤثر على مدى قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل عبء ديونه الخارجية التي افتراضها خلال علمية التنمية من جهة ومدى تضييق فجوة الموارد المحلية والوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات من جهة أخرى.(1/108)
و بعد أخد هذه العوامل بعين الاعتبار يستطيع القائم على إدارة الديون الخارجية أن يحدد قدرة البلد على التعاقد على قروض جديدة ، مع المحافظة على قدرة الاقتراض لمواجهة الظروف الطارئة.
بافتراض أن الدولة المدينة قادرة على بلوغ الهدف المرغوب بزيادة في معدل الناتج الوطني عن طريق زيادة اعتماده على الاقتراض الخارجي، فالسؤال المطروح هو إلى أي مدى يمكن الاعتماد على الاقتراض الخارجي لتحقيق هذا الهدف؟
للإجابة على هذا التساؤل، يستطيع البلد المدين أن يتوسع في الاقتراض الخارجي لتمويل استثماراته حتى المستوى الذي يصبح فيه الناتج الحدي لرأس المال مساويا لتكلفة الاقتراض، لأن الاقتراض لتمويل استثمارات يقلل من معدل عائدها عن تكلفة الاقتراض يؤدي إلى انخفاض في معدل نمو إجمالي الناتج القومي. وهذا وضع يصبح فيه عبء الدين غير قابل للاحتمال.
إن تكلفة الاقتراض الخارجي، عندما تكون المديونية مرتفعة قد تتجاوز معدل الفائدة العالمي، وهناك عادة هامش إيجابي بين معدل الفائدة على الاقتراض الخارجي لبلد ما، ومعدل الفائدة العالمي. علما أن هذا الهامش يرتفع بارتفاع مخاطر الاقتراض الدولة؛ وهذه المخاطر لها مؤشرات، تتمثل في نسبة الدين إلى الناتج القومي أو الصادرات أو نسبة خدمة الدين إلى الصادرات. ولذلك ففي حال ارتفاع هذه النسبة نجد أن زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجي قد يخفض معدل نمو الدخل القومي، وإن تجاوز الناتج الحدي لرأس المال معدل الفائدة العالمي.(1/109)
وفضلا عن ذلك، فإن ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج القومي ارتفاعا كبيرا قد يؤدي إلى زيادة الاحتمال بشأن مصاعب خدمة الدين في المستقبل أو ارتفاع نسبة التضخم وتخفيض قيمة العملة. وقد ينجم عن ذلك انخفاض في المدخرات المحلية. ولمعرفة قدرة الدولة المدينة على خدمة ديونها الخارجية يترتب على واضعي السياسة الاقتصادية الاهتمام بسلوك عدد من المتغيرات الأساسية المتعلقة بالدين والعلاقات القائمة فيما بينها. ومن أهم هذه المغيرات، ازدياد الدين الخارجي، ومعدل نمو الدخل، والصادرات، وحجم فجوة الموارد بالنسبة إلى الدخل أو إلى الدين الخارجي، ومعدل الفائدة على الاقتراض الخارجي.
نعرض هذه المتغيرات والعلاقات التي تربط فيما بينها رياضيا فيما يلي:
حيث تمثل:
B= العجز في فجوة الموارد المحلية وفي التجارة الخارجية.
D= الدين الخارجي القائم.
I= الاستثمار المحلي.
M= واردات السلع والخدمات.
Y= إجمالي الناتج المحلي.
S= الادخار المحلي.
X= الصادرات من السلع والخدمات
كما ذكرنا سابقا فإن البلد المدين يلجأ إلى الاقتراض الخارجي عندما تكون الموارد المحلية غير كافية لتمويل الاستثمارات اللازمة لعملية التنمية، وعالجنا في الفصل الأول التساوي بين فجوة الموارد المحلية وفجوة التجارة الخارجية(1).
أي أن:
(1)....................... B = X- M = S- I
إدا تستخدم الديون الخارجية في تمويل العجز في الميزان التجاري وكذلك لدفع الفوائد على الدين الخارجي القائم
(2)...................................D i + B = D ?
و من المعادلتين (1) و(2) يمكننا التعبير عن معدل ازدياد الدين الخارجي بالشكل التالي:
حيث i = معدل الفائدة على الدين:
و معدل ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج هو الفرق بين ارتفاع الدين الخارجي ومعدل نمو إجمالي الناتج المحلي.
__________
(1) صندوق النقد الدولي، إدارة الدين الخارجي، الوثيقة رقم 6-11/INST/91-XIII، ص(5-8).(1/110)
ومن المعادلات السابقة يمكننا التعبير عن معدل ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي كما يلي:
أو يمكننا كتابة المعادلة الأخيرة على الشكل:
حيث k: النسبة الحدية لرأس المال
S = نسبة الادخار المحلي إلى الناتج المحلي
و تتعلق نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي بالمتغيرات الموجودة في الجهة اليمنى من المعادلة رقم 5 والمعادلة رقم6، وبصورة خاصة، فإن نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي سترتفع على مر الزمن أو تبقى كما هي أو تنخفض تبعا لكون:
كذلك من الممكن اشتقاق معدل ازدياد نسبة الدين إلى الصادرات على الشكل التالي:
حيث h = معدل النمو في الصادرات من السلع والخدمات.
X= نسبة الصادرات إلى إجمالي الناتج المحلي.
يمكن استنادا للمعادلة الأخيرة، أن نقول بأن نسبة الدين إلى الصادرات لها ثلاثة اتجاهات. الأول يرتفع على مر الزمن، الثاني يبقى كما هو، أما الاتجاه الثالث فيتجه نحو الانخفاض وذلك لكون:
فزيادة نمو معدل الدخل الوطني تقضي بأن يكون الناتج الحدي لرأس المال أعلى من معدل الفائدة على الاقتراض. بمعنى أن السياسات التي تهدف إلى تحسين الفاعلية في تخصيص الموارد وإلى زيادة إنتاجية رأس المال، تعزز قدرة البلد المدين على الاقتراض، وإمكانية تحقيق نمو أعلى في الدخل الوطني عن طريق ذلك. وأن نجاح البلد المدين في إدارة الدين الخارجي بكفاءة وفاعلية تتطلب أن يكون معدل نمو الدخل يفوق باستمرار وعلى المدى الطويل معدل الفائدة ومعدل نمو الدين الخارجي.
لكن في العديد من الدول النامية ومنها البلدان العربية المثقلة بالديون كان معدل نمو الفائدة ومعدل نمو الدين أعلى من معدل نمو الصادرات أو معدل نمو الدخل الوطني.(1/111)
ولهذا فقد برزت العديد من مشكلات خدمة الديون في معظم الدول النامية بم فيها البلدان العربية المدينة، فلجأت هذه الأخيرة إلى تمويل العجز المتزايد في حساب العمليات الجارية عن طريق قروض خارجية قصيرة المدى وبمعدلات فائدة عالية، وهو بكل تأكيد أمر في غاية الخطورة.
نظرا لتزايد الديون الخارجية بمعدلات كبيرة وعدم قدرة هذه البلدان المدينة على تنشيط النمو في الصادرات والدخل، فإن نسبة الدخل إلى الصادرات أو الناتج ونسبة خدمة الديون على الصادرات قد ارتفعت كلها. ففي البلدان العربية المدينة ارتفعت المديونية الخارجية من 4.52 مليار دولار أمريكي سنة 1970 إلى ما يتعدى 151 مليار دولار أمريكي سنة 2005(1). أما عن الأقساط المقدمة فهي الأخرى قد تطورت بشكل كبير. فمن 450 مليون دولار أمريكي سنة 1970 ارتفعت إلى ما يزيد عن 12 مليار مبالغ الأقساط و5.6 مليار دولار أمريكي سنة 1992. وفيما يلي الرسم البياني رقم(III-1)، الذي يبين تطور كل من: نسبة الدين إلى الناتج القومي، ونسبة خدمة الدين إلى الصادرات من السلع والخدمات، ونسبة الدين إلى الصادرات من السلع والخدمات.
...
الرسم البياني رقم (III-1)
... المصدر: من إعداد الباحثة
ونظرا لتزايد حجم الديون الخارجية بمعدلات كبيرة، وعدم قدرة البلدان العربية على تنشيط النمو في الصادرات والدخل، فإن نسبة الدين إلى الصادرات ارتفعت من 172.7% في سنة 1980 إلى 433 % تقريبا في سنة 1986. وفيما يخص نسبة خدمة الدين إلى الصادرات فكانت نسبة الزيادة تفوق 21 %. أي من 15.9 % سنة 1980 قفزت إلى 37 % سنة 1986، ثم أصبحت تفوق 16 % سنة 2003. أما النسبة الأخيرة، فقد أرفعت أيضا في سنة 1986 لتصل إلى حوالي 98 % ثم تنخفض نوعا ما في سنة 2003.
__________
(1) من جداول التقارير الاقتصادية العربية الموحدة، للسنوات التالية :- 1990، 2003، 2006..(1/112)
وكما بينا في الفصل السابق ومن خلال أرقام التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2004، أن تسع دول عربية سجلت ارتفاعاً في مديونيتها الخارجية عام 2004، في حين تراجعت مديونية الجزائر بنسبة 11.8 في المائة، ومديونية المغرب بنسبة 2.6 في المائة، ومديونية الأردن بنسبة 0.8 في المائة. ولحظنا من خلال المعطيات المتوفرة لدينا أن نسبة الدين العام الخارجي للدول العربية إلى الناتج المحلي الإجمالي لها، تراجعت من 45.6 في المائة عام 2003 إلى 42.1 في المائة عام 2004. كما تراجعت نسبة الدين العام الخارجي إلى الصادرات من السلع والخدمات لهذه الدول من 138.4 في المائة عام 2003 إلى 111.4 في المائة عام 2004 نتيجة النمو القوي في هذه الصادرات. ولتوضيح أكثر سنتناول في المطلب الموالي، قدرة الدول المدينة العربية على خدمة ديونها الخارجية.
المطلب الثالث: استخدام الموارد المالية الخارجية في التنمية ومدى قدرة اللبدان العربية على خدمة ديونها
ألم يكن من الأجدى أن تستغل البلدان العربية مواردها الطبيعية الضخمة وتحسن من مناخها الاستثماري؟ بصدد تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية في البلدان العربية، فإن التساؤل المطروح هو: كيف استخدمت البلدان العربية القروض الخارجية في التنمية؟ أي هل كانت هذه الإختلالات الهيكلية في الاقتصاديات العربية سببا للاستدانة أم نتيجة لها؟(1/113)
على أية حال، فسواء أكانت سببا أم نتيجة، فإن البلدان العربية المدينة وجدت نفسها مجبرة على الرضوخ لشروط المؤسسات المالية المقرضة سواء الدولية منها كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان يلزمان الدول المدينة بإتباع سياسات اقتصادية واجتماعية معينة. أو المؤسسات المالية العربية التي لم تكتف بإخضاع الدول العربية المقترضة للشروط نفسها التي يطلبها صندوق النقد والبنك الدوليان فحسب وإنما أضافت إليها شروطها الخاصة والتي تحرص فيها عادة على ألا تتخذ الدول المقترضة مواقف سياسية تتعارض مع سياسات الدول الدائنة، مما خلق معايير مختلفة في التعامل مع الدول العربية المقترضة كما حدث مع مصر وسوريا والأردن بعد حرب الخليج الثانية.
أولا: استخدام الديون الخارجية في التنمية وتحسين السياسات المالية
1- استخدام الديون الخارجية العربية في التنمية
لا بد من استخدام القروض الخارجية في مجالات تنموية، وهذا يلزم إقامة علاقة بين القروض الجديدة من جهة والاستثمار والتصدير من جهة أخرى. فعندما تنفق الأموال المقترضة لزيادة الإنتاج المخصص للتصدير يصبح سداد الديون ممكنا بل وسهلا؛ً إذ أنه عن طريق زيادة الصادرات تتحرر ذمة البلد. وعلى هذا الأساس لا تهتم النظرة المستقبلية للمديونية الخارجية بحجم الديون ومبلغ خدمتها بل بعلاقة هذا الحجم بكل من الناتج المحلي الإجمالي والصادرات. ففي فترة زمنية معينة إذا كانت نسبة حجم الديون مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي ونسبة خدمة الديون مقارنة بالصادرات أقل في نهاية الفترة قياساً ببدايتها فذلك يعني نجاح السياسة المالية في استخدام القروض في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك بطبيعة الحال على افتراض عدم تدخل عوامل أخرى.(1/114)
من خلال الجدول رقم (III-1)، الذي يبين لنا مدى قدرة اقتصاديات البلدان العربية على تحمل أعباء الديون الخارجية كما تبينها نسبة إجمالي الدين العامالخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي.
الجدول رقم (III-1)
نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
ما بين عامي 1995 و2000
البلد ... الناتج المحلي الإجمالي ... الدين العام الخارجي (مليون دولار) ... الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي (%) ... تغير نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
(مليون دولار)
السنوات ... 1995 ... 2000 ... 1995 ... 2000 ... 1995 ... 2000
الأردن ... 6733 ... 8340 ... 6299 ... 6753.1 ... 93.6 ... 81.1 ... 12.5-
تونس ... 18050 ... 19453 ... 10923 ... 11568 ... 60.5 ... 59.5 ... 1.0-
الجزائر ... 41240 ... 53801 ... 32781 ... 25000 ... 79.5 ... 46.5 ... 33.0-
جيبوتي ... 491 ... 549 ... 265.3 ... 400 ... 54.1 ... 72.9 ... 18.8+
السودان ... 9550 ... 12836 ... 17603 ... 15938 ... 184.3 ... 124.2 ... 60.1-
سوريا ... 16617 ... 18770 ... 21318 ... 21272 ... 128.3 ... 118.7 ... 9.6-
الصومال ... 121 ... 121 ... 2678 ... 2555 ... 2210.7 ... 2109.2 ... 101.5-
عمان ... 13803 ... 19773 ... 3181 ... 3555 ... 23.0 ... 18.0 ... 5.0-
لبنان ... 11122 ... 16491 ... 1332.4 ... 6870.8 ... 12.0 ... 41.7 ... 29.7+
مصر ... 60159 ... 95801 ... 31776 ... 27109 ... 52.6 ... 27.8 ... 24.8-
المغرب ... 33042 ... 32904 ... 22445 ... 16372.1 ... 68.0 ... 49.8 ... 18.2-
موريتانيا ... 1059 ... 986 ... 2320 ... 1500 ... 219.7 ... 152.1 ... 67.6-
اليمن ... 5111 ... 8532 ... 6217 ... 4935.3 ... 121.6 ... 57.8 ... 63.8-
المجموع ... 217.098 ... 288.357 ... 159.138.7 ... 143.828.3 ... 73.3 ... 49.9 ... 23.4-
المصدر: التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الملحقان رقم (10/7)، (10/6)، (2/2).
2-تحسين السياسات المالية(1/115)
من أجل تحسين الموارد المالية يتعين استخدام السياسة النقدية، فإذا كان تأثير خفض قيمة العملة ضعيفاً في ميدان التجارة الخارجية السلعية للدول العربية فإن تأثيره الإيجابي كبير في ميدان تحويلات الدخول التي يجريها العمال المغتربون. فهذه التحويلات المالية لها أهمية قصوى في العديد من البلدان العربية، خاصة منها: مصر، السودان، الجزائر، تونس، المغرب، لبنان والأردن. ففي السودان كان الدولار يعادل 29 جنيها في عام 1992 وبلغت تحويلات العمال السودانيين المقيمين بالخارج 120 مليون دولار. وبعد تخفيضات متتالية أصبح الدولار يساوي 157 جنيها في عام 1998 فارتفعت التحويلات إلى 346 مليون دولار. أي ما يعادل 58% من الصادرات الكلية للبلد. وكذلك فإنه على أثر تعويم الجنيه المصري أصبحت تحويلات العمال المصريين المقيمين بالخارج تزيد على 5 مليارات دولار.(1)أي أكثر من مجموع حصيلة الصادرات، مما أدى إلى تحسين مستوى الاحتياطيات الرسمية وتخفيف عبء المديونية الخارجية.
ثانيا: طاقة البلدان العربية على تسديد خدمة ديونها الخارجية
فمن خلال الجدول رقم (III-1) المذكور أعلاه، نلاحظ أنه في عام 2000 بلغت هذه النسبة 49.9%، في حين كانت 73.3% في عام 1995. وبذلك حققت البلدان العربية المقترضة نجاحا في انخفاض نسبة هذا المؤشر بنحو 23.4% عام 2000 مقارنة بما كانت عليه عام 1995. كما حصلت زيادة المؤشر في جيبوتي بمقدار 18.8% ولبنان بمقدار 29.7%، وانخفض في بقية الدول العربية المقترضة.
ثالثا: تطور مؤشرات عبء المديونية حسب تقسيم المجموعات
__________
(1) بالمناسبة تعتبر مثل هذه القيمة لتحويلات المصريين العاملين في الخارج ضخمة جذا مقارنة بالريع الذي تحصل عليه مصر سواء من صادراتها النفطية أو من العبور من قناة السويس. بل فإنها تفوق كذلك عائدات قطاع السياح في أغلب السنوات.(1/116)
بالنسبة لتصنيف البلدان العربية المقترضة إلى مجموعات وفقا لمؤشر نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي، ظهر التباين واضحا بين هذه البلدان من حيث حجم وطبيعة مشكلة المديونية ومستويات النمو الاقتصادي بها. لذا فإن مشكلة الدين العام الخارجي التي تعاني منها هذه البلدان لا تتطلب انتهاج نفس السياسات الاقتصادية، بل ينبغي إتباع سياسات تتناسب مع طبيعة المشكلة في كل دولة عربية على حدة وتستجيب لخصوصيتها.
الجدول رقم (III-2)
تطور مؤشرات الديون الخارجية للدول العربية
(1995-2000)
المجموعة ... الدين الخارجي ... الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي (%) ... خدمة الدين العام الخارجي(مليون دولار) ... خدمة الدين العام إلى
(مليون دولار) ... صادرات (%)
1995 ... 2000 ... 1995 ... 2000 ... 1995 ... 2000 ... 1995 ... 2000
مجوعة1: ... 91515 ... 78907 ... 57.4 ... 36.1 ... 10038 ... 9655 ... 21.7 ... 15.5
1.عمان
2.مصر
3.لبنان
4.الجزائر
5.المغرب
مجوعة2 ... 23704 ... 23656 ... 77.0 ... 64.2 ... 2171 ... 2617 ... 14.6 ... 15.5
1.تونس
2.جيبوتي
3.اليمن
4.الأردن
مجموعة3: ... 41241 ... 38710 ... 151.5 ... 118.8 ... 273 ... 1436 ... 3.7 ... 15.6
1.سوريا
2.السودان
3.الصومال
4.موريتانيا
المجموع ... 159.139 ... 143.828 ... 73,3 ... 49,9 ... 12.482 ... 13.759 ... 18,1 ... 15,6
المصدر: التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر2001،
من خلال تحليل أرقام ومؤشرات عبء المديونية الخارجية للبلدان العربية الموضحة في الجدول رقم (III-2)، وذلك حسب المجموعات كما تم تصنيفها في الفصل السابق، يتضح لنا أن أداء اقتصاديات هذه المجموعات الثلاث يشهد تحسنا مثلما تدل عليه بعض مؤشرات عبء المديونية فيها. كما يلاحظ كذلك وجود تباين في بعض هذه المؤشرات بالنسبة لعامي 1995 و2000. ومن بين أهم هذه التباينات التي نلاحظها:
1 ـ حجم الديون الخارجية(1/117)
فبالنسبة لحجم الديون الخارجية يلاحظ أنه شهد انخفاضا متفاوتا في المجموعات الثلاث، وذلك بنحو: 12.608 مليار دولار، و48 مليونا، و2.531 مليار دولار للمجموعات الثلاث على التوالي.
وسجلت نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفاضا في المجموعات الثلاث، وذلك بمقدار: 21.3% و12.8% و32.7% على التوالي. كما انخفضت خدمة الدين في المجموعة الأولى بنحو 383 مليون دولار، وزادت في المجموعتين الثانية والثالثة بنحو 446 مليون دولار و1.163 مليار دولار على التوالي.
وسجلت نسبة خدمة الدين العام الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات في المجموعة الأولى انخفاضا بمقدار 6.2%، وارتفعت هذه النسبة في المجموعتين الثانية والثالثة بمقدار 0.9% و11.9% على التوالي.
2 ـ خدمة الدين العام
من خلال تحليل أرقام ومؤشرات عبء المديونية الخارجية للبلدان العربية الموضحة في الجدول رقم (III-2)، وذلك حسب المجموعات كما تم تصنيفها في الفصل السابق.
بلغت خدمة الدين في الدول العربية المقترضة عام 2000 نحو 13.7 مليار دولار محققة بذلك ارتفاعا بمقداره 1.2 مليار دولار وبنسبة 10.2%، مقارنة بعام 1995. ففي الأردن على سبيل المثال انخفضت خدمة الدين بمقدار 169 مليون دولار، وفي مصر بمقدار 397 مليون دولار، وفي المغرب بمقدار 1.228 مليار دولار، وفي موريتانيا بمقدار مليوني دولار. في حين زادت هذه الخدمة في بقية الدول العربية المدينة، وبلغت ذروتها في سوريا بمقدار 975 مليون دولار.
3 ـ نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات(1/118)
يوضح مؤشر نسبة خدمة الدين الخارجي إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات ما يستهلكه سداد أقساط وفوائد الدين الخارجي من التدفقات المالية بالعملة الصعبة في الدول العربية المدينة والتي تتحصل عليها من خلال ما تصدره من سلع وخدمات. وبذلك يمكن أن تقف خدمة الدين عقبة أمام الحفاظ على هذه التدفقات التي تلجأ إليها الدول ـ مع وسائل أخرى ـ في وقت الأزمات.
كما أنها تعمل على تحسين سعر صرف عملتها الوطنية مقابل العملات الأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار اقتصادياتها ويعمل على جلب رؤوس الأموال إليها.
وإذا نظرنا إلى هذا المؤشر في الدول العربية المدينة نلاحظ أنه حقق 15.6% في عام 2000، مسجلا بذلك انخفاضا قدره 2.5% مقارنة بعام 1995.
4- نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الصادرات
يمكن أن نوضح الفكرة أكثر من خلال مؤشر نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الصادرات، وذلك من باستخدام الرسم البياني رقم ( III-2) التالي، والخاص بالفترة 1995 ـ 2000.
الرسم البياني رقم (III-2)
نسبة خدمة الدين إلى إجمالي صادرات في الدول العربية
في عامي 1995 و2000
المصدر: من إعداد الباحثة
من الرسم البياني أعلاه يمكن رصد الحقائق التالية:
ـ ارتفعت نسبة خدمة الدين إلى إجمالي الصادرات في الأردن بمقدار 0.6%، وفي تونس بمقدار 2.0%، وفي السودان بمقدار 8.9%، وفي سوريا بمقدار 13.8%، وفي لبنان بمقدار 7.4%، وفي موريتانيا بمقدار 3.0%، وفي اليمن بمقدار 2.5%
ـ انخفضت هذه النسبة في باقي البلدان العربية المدينة، وبلغت ذروتها في الجزائر بنسبة 7.9%.(1/119)
مما سبق يلاحظ أن إجمالي حجم الدين العام الخارجي بالنسبة للدول العربية المدينة ككل، انخفض في نهاية عام 2000 بنحو 15.5 مليار دولار مقارنة بعام 1995. وتزامن هذا الانخفاض مع ارتفاع قيمة إجمالي الناتج المحلي وإجمالي صادرات السلع والخدمات في البلدان العربية، بما فيها البلدان المدينة، بمقداره 2.5%. ويرجع ذلك إلى العوامل الآتية:
·?ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وكذلك الكميات التي تصديرها البلدان العربية.
·?ارتفاع قيمة الدولار ـ باعتباره عملة تسعير النفط ـ مقابل العملات الدولية الأخرى.
وقد أثرت هذه العوامل تأثيرا إيجابيا في المؤشرات الأخرى لقياس عبء المديونية ـ فيما عدا مؤشر خدمة الدين ـ. إذ انخفضت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 23.4% في عام 2000 مقارنة بعام 1995، كما انخفضت نسبة الدين إلى إجمالي صادرات السلع والخدمات بمقدار 2.5% في عام 2000 مقارنة بعام 1995.
خلاصة الفصل الثالث:
تعتبر المشكلة الأولى التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية في الدول العربية المدينة هي افتقارها إلى الموارد الحقيقية اللازمة لتكوين رؤوس الأموال. ونظرا لعدم كفاية المصادر المالية المحلية تلجأ هذه الدول إلى الحصول على التمويل المطلوب من المصادر الخارجية.
لكن عدم الإفراط في الاستدانة والاعتماد على الذات، مع تحسين القدرة على صناعة وتطوير السلع الإنتاجية، يمكن أن يكون السبيل نحو التنمية الاقتصادية الحقيقية في هذه البلدان. كما أن تفاقم أعباء الديون الخارجية من شأنه أن يزيد من قوة الضغوط على سعر صرف العملة المحلية نحو الارتفاع، أي تخفيض قيمة العملة الوطنية. وهذا ما سينعكس حتما على أسعار الواردات فيرفعها؛ وبالتالي تزداد تكاليف الإنتاج مؤدية إلى حصول زيادة في كل من السلع المستوردة والمصنعة. كل ذلك ينعكس سلبا على سلبا على الاقتصاد الوطني:(1/120)
ـ تفاقم العجز في الميزان التجاري وبالتالي في ميزان المدفوعات ككل
ـ وإلى هروب رأس المال إلى الخارج
وهذا يسبب عجزا في ميزان حركة رؤوس الأموال،وبذلك تزداد الحاجة إلى الاقتراض من العالم الخارجي.
إن المعيار الأساسي للحد الأمثل للديون الخارجية هو أن يكون البلد المدين قادرا على خدمة ديونه الخارجية. بهذا الصدد قلنا سابقا ينبغي أن تخصص الموارد المتأتية من القروض الخارجية لتمويل المشاريع الاقتصادية الإنتاجية التي تكون إنتاجيتها الحدية على الأقل مساوية للتكلفة الحدية للاقتراض الخارجي. وكذلك من الضروري توجيه مثل هذه الموارد المالية الخارجية نحو المشاريع الإنتاجية المخصصة للتصدي حتى يتسنى للبلد الحصول على العملات الصعبة اللازمة ليس فقط للوفاء بخدمة الديون الخارجية بل وتمويل وارداته من السلع والخدمات التي يحتاج إليها.
عموما لم يكن هناك اختلاف في المنظور الفردي عن المنظور الكلي للبلدان العربية المقترضة، فتأثرت الدول العربية بالعوامل التي سبقت الإشارة إليها، فارتفع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في معظم البلدان العربية المقترضة في حين انخفض في البعض منها مثل المغرب وموريتانيا.(1/121)
وارتفعت القيمة الإجمالية للصادرات العربية ومنها صادرات الدول المقترضة التي يسهم قطاع النفط بنسب مؤثرة في ناتجها المحلي الإجمالي. وتوضح البيانات أن الصادرات السلعية في البلدان العربية المقترضة والمصدرة للنفط ارتفعت بصفة عامة. ففي الجزائر ازدادت بحوالي 76%، وفي اليمن بحوالي 65.2%، وفي سوريا بحوالي 35.2%، وفي مصر بحوالي 34.8%، وبلغت ذروتها في السودان بحوالي 132% بسبب بدئه في تصدير النفط في عام 1999 والذي تزايد في عام 2000. فحقق الميزان التجاري السوداني فائضا وصف بأنه الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك رغم تراجع الصادرات غير النفطية فيه بسبب الحظر الذي كان مفروضا على صادراته من الثروة الحيوانية في عدد من الأسواق المجاورة. أما بالنسبة لكل من موريتانيا وجيبوتي، فقد تواصل فيهما كذلك ارتفاع قيمة الصادرات في عام 2000 وذلك بفضل جهودهما الإصلاحية المتواصلة.
الفصل الرابع
الفصل الرابع
آثار الديون الخارجية على عملية التنمية الاقتصادية
المقدمة:
بعد أن تطرقنا في الفصل الثالث إلى دور الديون الخارجية في تمويل عملية التنمية الاقتصادية في الدول العربية، وحاولنا أن نبين أن عدم الإفراط في الاستدانة والاعتماد على الذات، مع تحسين القدرة على صناعة وتطوير السلع الإنتاجية، يمكن أن تكون السبيل الصحيح نحو التنمية الاقتصادية الحقيقية. كما أن تفاقم أعباء الديون من شأنه أن يزيد من الضغوط التضخمية على أسعار السلع المستوردة، وبالتالي تزداد تكاليف الإنتاج مؤدية إلى ارتفاع أسعار السلع المصنعة، مما ينعكس بدوره سلبا على ميزان المدفوعات مسببا عجزا في ميزان حركة رؤوس الأموال. وهكذا تزداد حاجة البلد إلى الاقتراض من العالم الخارجي.(1/122)
إن المعيار الأساسي للحد الأمثل هو أن يكون البلد المدين قادرا على خدمة ديونه الخارجية، وأن تخصص الموارد المالية المتأتية من القروض الخارجية لتمويل المشاريع الاقتصادية المنتجة بحيث تكون إنتاجيتها الحدية متساوية على الأقل للتكلفة الحدية للاقتراض الخارجي. وكذلك من الضروري توجيه الديون الخارجية نحو المشاريع الإنتاجية المخصصة للتصدير باعتبار ذلك يمكن البلد من الحصول على عائد الصادرات بالعملات الصعبة؛ وبالتالي يكون إسهام الديون ايجابيا على المستوى الوطني.
و مع النمو المفرط في حجم المديونية الخارجية، وخاصة في بلدان العجز المالي. ومع تعقد شروط الاقتراض الخارجي وتفاقم أعباء الديون، كان طبيعيا أن تنعكس تلك المديونية انعكاسا سلبيا جدا على عملية التنمية الاقتصادية في هذه البلدان. أي أن يكون لها آثار سلبية على التنمية الاقتصادية الاجتماعية في البلدان المعنية. وقبل أن نتناول بالبحث والتحليل لأهم هذه الآثار، ينبغي أن نطرح الإشكالية التالية:
ماهي آثار وانعكاسات الديون الخارجية على التنمية الاقتصادية للدول العربية المدينة؟
للإجابة على التساؤل قسمنا الفصل الرابع هذا إلى عدة مباحث. نتناول في المبحث الأول أثر الديون الخارجية في الاستثمار وعلى الخطط الإنمائية. أما المبحث الثاني فسنعالج فيه أثر تفاقم القروض الخارجية في التضخم والادخار؛ نتناول في المبحث الثالث أثر تفاقم القروض الخارجية في ميزان المدفوعات وبالتالي في استنزاف الاحتياطات الدولية. ونتطرق في المبحث الأخير إلى الآثار المختلفة الأخرى.
المبحث الأول: أثر الديون الخارجية على الاستثمار والخطط الإنمائية(1/123)
إن الآثار المختلفة التي تحدثها الديون الخارجية، تتفاوت من دولة إلى أخرى، نظرا للتفاوت القائم بين الدول من حيث حجم الديون نفسها ودرجة تنوعها وشروطها، كآجال استحقاقها. كما تختلف هذه الآثار كذلك بسبب التباين الناشئ عن اختلاف الهياكل الاقتصادية في هذه البلدان. وتتوقف هذه الآثار على الطريقة التي يستخدم بها البلد المدين الموارد المالية المتأتية عن الاقتراض الدولي في الاستثمار. أي كيف يستخدمها البلد في بناء الطاقات الإنتاجية ودفع عجلة النمو الاقتصادي لهذه البلدان.
مهما يكن من أمر، فإن الدراسة والبحث في الآثار التي تنجم عن الديون الخارجية على الاستثمار وعلى الخطط الإنمائية هي أمر هام وضروري عند وضع الخطط والبرامج التي تخدم مشاكل الديون الخارجية وعلاقتها بالتنمية وبسياسة الاقتراض الخارجي. ذلك أن هذا البحث يمكننا من التعرف على حجم الديون الخارجية المناسب للبلد المدين، وهيكل هذا الحجم الذي يمكن الاقتصاد المدين تحمل أعبائه. فمن خلال دراسة هذه الآثار الناجمة عن الديون الخارجية التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية في البلدان العربية يمكن التنبؤ بأزمات الديون الخارجية المحتملة، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، الاستعداد في الوقت المناسب لتفاديها.
ومن أجل حصر الآثار الناتجة عن تفاقم حجم الديون الخارجية سنقوم في المبحث الآتي بتحليل النقاط التالية:
1- أثر الديون الخارجية على الاستثمار
2- أثر الديون الخارجية على الخطط الإنمائية
3- الديون الخارجية وأشكال تبعية الاقتصاديات العربية للعالم الخارجي
المطلب الأول: أثر الديون الخارجية على الاستثمار(1/124)
لقد تعرضنا فيما سبق من هذا البحث، إلى مبررات التمويل الخارجي وبين بأنها تعود أساسا إلى عدم كفاية المدخرات المحلية المتاحة لتمويل الاستثمارات اللازمة لعملية التنمية؛ إذا، فالهدف الأساسي من الاقتراض الخارجي هو تمويل الاستثمارات الإنتاجية التي تتطلبها عملية التنمية في البلدان المدينة ومنها البلدان العربية. غير أنه، أثبتت التجربة أن معظم هذه البلدان وبخاصة تلك المثقلة بالديون، انخفضت فيها نسبة الاستثمار إلى إجمالي الناتج المحلي بدلاً من أن ترفع. كذلك تبين أنه حتى وإن استخدم الاقتراض الخارجي في تمويل الاستثمارات الإنتاجية، فإن ذلك لا يشكل ضماناً لعدم ظهور مصاعب في خدمة الديون؛ وذلك لأن قدرة المشاريع الاستثمارية على سداد أعباء الديون الخارجية تتوقف على عدد من العوامل، منها:
·?فقد يكون المشروع الاستثماري إنتاجياً، غير أنه ليس سليماً من الناحية الاقتصادية، فيعجز عن تحقيق معدل العائد الضروري والكافي لسداد أعباء الديون المترتبة عليه. وهي النقطة التي شرحنا بشكل مفصل عندما عالجنا كيفية تخصيص الموارد المالية المتأتية عن الاقتراض الخارجي، وبالضبط الديون الخارجية المنتجة. أي التي تستخدم في تمويل مشاريع استثمارية منتجة تؤدي فعلا إلى حصول زيادة في الطاقات الإنتاجية للاقتصاد الوطني للبلد المدين.
·?وحتى إن افترضنا أن المشروع الاستثماري مردوديته رابحةً، فقد لا يكون كل من نوع التمويل وشروطه ملائماً، وذلك لأن تزايد الاعتماد على الاقتراض من البنوك التجارية في شكل قروض قصيرة الأجل مثلا وبأسعار فائدة متغيرة وعالية، من شأنه أن يكلف المشاريع الإنتاجية تكاليف باهظة تؤثر في ربحيتها.(1/125)
من خلال ماسبق، تمثل الآثار الناتجة عن ثقل الديون الخارجية عبء ثقيلا على الاستثمار. وفيما يلي، سنحاول أن نبين في الجدول رقم (VI-1)،أثر الدين الخارجي في الاستثمار للبلدان العربية من خلال نسبة الاستثمار الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي.
أولا: معدل الاستثمار الوطني
من خلال دراسة معدل الاستثمارات الوطنية للبلدان العربية، نبين مدى عبء الديون الخارجية وثقلها على الاستثمار في البلدان العربية المقترضة. وفيما يلي جدول إحصائي ذكرنه سابقا، نوزع فيه الناتج المحلي الإجمالي العربي والإنفاق الاستثماري على فترة زمنية مقسمة بين 1990 وسنة 2004.
الجدول رقم (VI-1)
نسبة الاستثمار الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي
الوحدة: مليار دولار بالأسعار الجارية
الناتج المحلي الإجمالي العربي ... الإنفاق الاستثماري ... النسبة(%)
1990 ... ,5 ... 105,4 ... ,98
1995 ... ,4 ... ,4 ... ,40
2000 ... ,7 ... ,8 ... ,30
2001 ... ,9 ... ,3 ... ,01
2002 ... ,8 ... ,9 ... ,76
2003 ... ,0 ... ,6 ... ,80
2004 ... ,0 ... ,5 ... ,30
المصدر: من إعداد الباحثة استنادا لمعطيات التقارير الاقتصادية الموحدة العربية من 2000 إلى 2005.
من الجدول السابق نلاحظ أن تقديرات إجمالي الإنفاق الاستثماري للدول العربية قد ارتفعت من حوالي 124.8 مليار دولار في عام 2000 إلى حوالي 156.6 مليار دولار في عام 2003.(1)وثم إلى حوالي 176.5 مليار دولار في عام 2004. وبلغت نسبة الإنفاق الاستثماري إلى الناتج المحلي الإجمالي 18.3 في المائة في عام 2000 و20.3 في المائة في سنة 2004، ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار النفط مما أدى إلى نمو إجمالي الناتج المحلي للدول العربية ككل في عامي 2003 و2004 بمعدلات أعلى من معدلات نمو الاستثمارات.
__________
(1) - التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر2005، ص24.(1/126)
إن معدلات الاستثمار تتباين فيما بين البلدان العربية فرادى، حيث تبلغ نسبة الاستثمار إلى الناتج في الجزائر حوالي 31.9 في المائة، وتقدر هذه النسبة في لبنان بحوالي 29.5 في المائة، وذلك بسبب المخصصات الاستثمارية الاستثنائية الضخمة لإعادة الأعمار. وتعرف هذه النسبة ميلا نحو الانخفاض في باقية البلدان العربية.
و يمثل ضعف معدلات الاستثمار في غالبية البلدان العربية، والتي تبلغ في المتوسط حوالي 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمعدلات تتجاوز 30 في المائة في كثير من الدول النامية، ويمكن أن نقارن بينهما من خلال الرسم البياني (رقم (VI-1).
الرسم البياني رقم (VI-1)
نسبة إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي
من إعداد الباحثة استنادا لأرقام تقرير متعددة.
كما أن ارتفاع إجمالي الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي وضعف نسب الإنفاق الاستثماري الإجمالي في غالبية الدول العربية لا دليل على ضعف المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية من جهة؛ ومن جهة أخرى، يلاحظ أثر تفاقم الدين الخارجي على الاستثمار بشكل أكبر في هذه البلدان باعتبار معانتها من تفاقم حجم المديونية وتزايد أعبائها، وذلك حسب ما رأينا عندما تطرقنا إلى تطور الديون الخارجية في البلدان العربية. ومن الجدير بالذكر أن جهود بعض البلدان العربية في وضع ضوابط وحدود للاقتراض من الخارج بشكل عام كانت لها نتائج ايجابية على حجم المديونية الخارجية.
ثانيا: أثر تفاقم الديون الخارجية على الاستثمار في البلدان العربية(1/127)
لقد سجلت تسع بلدان عربية ارتفاعا في مديونيتها الخارجية خلال عام 2004. في حين تراجعت مديونية الجزائر بنسبة 11.8 في المائة، ومديونية المغرب بنسبة 2.6 في المائة، ومديونية الأردن بنسبة 0.8 في المائة. وقد تجاوزت نسب الزيادة في الدين العام الخارجي 10 في المائة لدولتين عربيتين هما: لبنان بنسبة 18.1 في المائة، وتونس بنسبة 13.6 في المائة. أما الدول التي شهدت ارتفاعا في مديونيتها الخارجية بنسبة تراوحت بين 5 في المائة و10 في المائة، فهي: جيبوتي بنسبة 8.9 في المائة، عمان بنسبة 7.4 في المائة، وموريتانيا بنسبة 5.3 في المائة. ولم تتجاوز الزيادة في الدين العام الخارجي في الدول العربية الأخرى نسبة 5 في المائة. وهذه الدول هي: وهي سورية بنسبة 4.4 في المائة، السودان بنسبة 2.2 في المائة، مصر بنسبة 1.8 في المائة، واليمن بنسبة طفيفة بلغت 0.1 في المائة.
إن الجدول رقم (VI -2) الآتي يبين لنا نسبة إجمالي الدين العام الخارجي القائم في ذمة الدول العربية المقترضة إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي.
الجدول رقم (VI -2)
نسبة إجمالي الدين العام الخارجي القائم
إلى الناتج المحلي الإجمالي العربي
الدولة ... 1999
الأردن ... .7 ... .9 ... .5 ... .5 ... .7 ... .4
تونس ... .2 ... .8 ... .2 ... .1 ... .1 ... .7
الجزائر ... .3 ... .2 ... .9 ... .8 ... .3 ... .3
جيبوتي ... .8 ... .0 ... .4 ... .2 ... .2 ... .8
السودان ... .4 ... .0 ... .4 ... .3 ... .5 ... .4
سورية ... .0 ... .6 ... .2 ... .8 ... .1 ... .4
عمان ... .9 ... .9 ... .8 ... .1 ... .1 ... .1
لبنان ... .9 ... .4 ... .1 ... .4 ... .6 ... .7
مصر ... .7 ... .8 ... .9 ... .6 ... .5 ... .6
المغرب ... .8 ... .1 ... .5 ... .7 ... .8 ... .9
موريتانيا ... .6 ... .9 ... .7 ... .1 ... .2 ... .3
اليمن ... .7 ... .9 ... .4 ... .9 ... .7 ... .7
المصدر: التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ملحق(9/6) ص،350.
نلاحظ حصول ارتفاع في إجمالي الديون الخارجية العربية المقترضة بنسبة 2.3 في المائة عام 2004؛ ليبلغ في نهاية العام حوالي 151.1 مليار دولار(1). أي بزيادة بلغت حوالي 3.4 مليار دولار عن قيمتها في نهاية عام 2003.
__________
(1) - المرجع السابق، ص 160.(1/128)
ثالثا: أثر الديون الخارجية على الاستثمار حسب تصنيف البلدان العربية
يوضح الجدول رقم (VI-3) أثر الدين الخارجي على الاستثمار بشكل أكبر عند تصنيف البلدان العربية حسب درجة الإعسار في سداد الديون؛ وذلك باستخدام معيار نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي حسب المجموعات، وكذلك حسب خدمة الدين العام الخارجي ونسبة خدمة الدين العام الخارجي إلى الصادرات.
الجدول رقم (VI-3)
مؤشرات الديون الخارجية حسب مجموعات الدول العربية المقترضة
نسب مئوية: %
الديون الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي ... 49.8 ... 43.9 ... 44.0 ... 46.4 ... 45.6 ... 42.1
الدول العربية المقترضة ... 40.8 ... 34.6 ... 33.5 ... 33.9 ... 32.9 ... 28.9
المجموعة الأولى ... 56.3 ... 57.1 ... 61.3 ... 68.7 ... 69.3 ... 71.1
المجموعة الثانية ... 192.2 ... 157.2 ... 146.5 ... 145.2 ... 135.7 ... 120.7
المجموعة الثالثة
الديون الخارجية إلى الصادرات ... 184.4 ... 138.4 ... 141.2 ... 145.6 ... 135.4 ... 111.4
الدول العربية المقترضة ... 156.0 ... 108.3 ... 107.3 ... 106.2 ... 96.0 ... 747.6
المجموعة الأولى ... 167.6 ... 160.1 ... 167.1 ... 182.7 ... 182.2 ... 174.8
المجموعة الثانية ... 1938.0 ... 1014.1 ... 1088.6 ... 1059.7 ... 939.7 ... 659.0
المجموعة الثالثة
خدمة الديون الخارجية إلى الصادرات ... 18.6 ... 15.2 ... 15.0 ... 15.7 ... 15.7 ... 12.2
الدول العربية المقترضة ... 19.0 ... 13.8 ... 14.2 ... 14 ... 13.2 ... 9.0
المجموعة الأولى ... 16.2 ... 22.1 ... 19.5 ... 23.4 ... 26.1 ... 26.6
المجموعة الثانية ... 30.8 ... 10.9 ... 7.7 ... 7.3 ... 11.6 ... 9.1
المجموعة الثالثة
المصدر: من اعداد الباحثة استنادا لمعطيات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005
نلاحظ أن البلدان العربية المدينة التي واجهت صعوبات في خدمة ديونها، تأثرت بشكل ملحوظ بانخفاض نسبة الاستثمار إلى الناتج، كما أن نسبة خدمة ديونها إلى الصادرات انخفضت من 18.6% في سنة 1999 إلى ما يقارب 12 % في سنة 2004.(1/129)
فيما يخص التقسيم حسب المجموعات، نلاحظ أن الفرق كبير وواضح، فمن 192.2 % بالمجموعة الثالثة يقابلها في المجموعة الأولى 40.8 % في نفس السنة، وهذا ما يعكس التأثير الواضح لتراكم الديون على عملية الاستثمار في هذه البلدان.
وفعلا، فقد أثبتت دراسة قام بها عدد من خبراء صندوق النقد الدولي حول تأثير الديون الخارجية على الاستثمار أن معظم البلدان النامية التي تعاني من صعوبات خدمة الدين انخفضت فيها معدلات الاستثمار بشكل كبير.(1)ففي دراسة قام بها هؤلاء الخبراء بالنسبة لمجموعة البلدان النامية الأكثر مديونية، وهي: المكسيك، الأرجنتين، البرازيل، تشيلي، بوليفيا، كولومبيا، فنزويلا، أورغواي..الخ ، تبين حصول انخفاض معدل الاستثمار بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من24 % من الفترة 1971-1981 إلى 18% في الفترة 1982-1987. هذا وقد رافق الانخفاض في الاستثمار انخفاض كل من القدرة على خدمة الديون وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الأخرى.
إن الديون الخارجية تؤثر على الاستثمار من خلال عاملين أثنين وهما:
1ـ زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجي
__________
(1) - أثر الدين الخارجي على الاستثمار، إعداد: إدوارد ويورينشتاين، بحث مقدم في إطار (ندوة إدارة الديون الخارجية)، البنك الإسلامي، دمشق، 1993.(1/130)
يبرز عندما يصبح البلد المدين غير قادر كلياً على خدمة ديونه. وهنا يصبح سداد الديون (الأصل والفوائد) خاضعاً للتفاوض بين الطرفين الدائن والمدين. وفي هذه الحالة فإن قيمة السداد تصبح مرتبطة بالأداء الاقتصادي للبلد المدين وليس بالشروط التعاقدية التي تم الاقتراض على أساسها. وهنا عندما يتحسن الأداء الاقتصادي للبلد المدين سيتم تعبئة جزء من المكاسب التي تحققت بغرض تسديد مستحقات الديون المترتبة على البلد المدين. أي أن عائدات الاستثمار ستكون من نصيب الدائنين في شكل زيادة قيمة دفعات خدمة الدين، وليس من نصيب البلد المدين؛ أن الاستثمار يزيد من الاستهلاك الكلي للبد المدين، لأن الدين المتراكم سابقاً يصبح عبء على الإنتاج الحالي والمستقبلي، مضعفاً بذلك الحافز على الاستثمار ومشجعاً هروب رأس المال إلى الخارج.
2- القيود على التمويل
يظهر الأثر عندما لا يتمكن البلد المدين من الحصول على مزيد من القروض الخارجية الجديدة بسبب ضعف أدائه الاقتصادي، وتعثره في تسديد التزاماته. وهنا ولكي يحقق البلد المدين توازناً بين المدخرات والاستثمارات عليه أن يبقى أسعار فائدته المحلية أعلى منها في الأسواق المالية الدولية، مما يؤثر سلباً في قدرة البلد المدين على الاستثمار. لأن كما هو معلوم هناك علاقة عكسية بين سعر الفائدة والطلب رؤوس الأموال من أجل الاستثمار. حيث أن ربحية الاستثمارات تتوقف على ما إذا كانت قيمة العائدات المتوقعة من الاستثمارات والمخصومة بسعر الفائدة تزيد عن تكاليف الاستثمارات، وذلك لأن أصحاب المشروعات عادة ما يرغبون في القيام بالمشروعات الاستثمارية المربحة. وإذا كان سعر الفائدة منخفضاً فإن قيمة عائدات المشروع ستكون أعلى منه؛ وبهذا تستطيع بعض المشروعات التي تكون غير مريحة في حالة وجود سعر فائدة منخفضا تحقيق ربح. إن حجم الاستثمار سيكون أقل كلما كان سعر الفائدة أعلى، فالعلاقة بينهما عكسية.(1/131)
ومهما يكن من أمر، فإن دراسة أثر تفاقم الديون الخارجية على الاستثمار هي أمر هام وضروري، علما بأن معادلة الدخل القومي تتكون من حيث توزيعها الوظيفي فيما بين الاستهلاك والاستثمار. بمعنى إذا كان الدخل الكلي مثلا، مقداره 1000 وحدة نقدية، منها 750 وحدة للاستهلاك والباقي أي 250 وحدة للاستثمار. ومع أخذ متغير الديون الخارجية بعين الاعتبار، يجعلنا نضيف استخداما ثالثا للدخل القومي، وهو الوفاء بأعباء الديون الخارجية. أي أن الدخل القومي أصبح يوزع بين الاستهلاك الكلي والاستثمار الكلي والوفاء بخدمة المديونية الخارجية؛ وأن زيادة أحد هذه العناصر الثالثة المذكورة يكون على حساب حصتي العنصرين الآخرين من الدخل الوطني. ومن هنا نقول، أن زيادة حجم المديونية وأعبائها يؤثر بشكل رئيسي على الاستثمار. ويمكن أيضا تشخيص آثار المديونية الخارجية على الاستثمار وعلى الخطط الإنمائية من خلال الادخار المحلي والقدرة الاستيرادية ومعدلات التضخم.
المطلب الثاني: أثر الديون الخارجية على الخطط الإنمائية
في الوقت الذي تكونت فيه العائدات النفطية في المنطقة العربية بكميات كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط في السبعينات، شهدت أيضا الفترة نفسها تصاعد حجم الدين الخارجي بمعدلات لم يسبق لها مثيل.
ولم تقتصر عمليات الاستدانة على الدول العربية غير النفطية فحسب، بل تفاقم حجم مديونية الدول النفطية كذلك. وقد رافق ذلك تصاعد في حجم مدفوعات خدمة الدين الخارجي في جميع الأقطار العربية خاصة منها غير النفطية، وأصبحت تلتهم جانبا كبيرا من حصيلة الصادرات من السلع والخدمات، وشكل هذا عبء ثقيلا على خطط التنمية المستقبلية، نظرا لامتصاص جانب كبير من النقد الأجنبي في خدمة الديون الخارجية.
ويمكن تشخيص آثار المديونية الخارجية على الخطط الإنمائية من خلال تحليل آثارها على الادخار المحلي والقدرة الاستيرادية ومعدلات التضخم.(1/132)
إن العلاقة بين رؤوس الأموال الأجنبية والادخار المحلي أفرزت طرحين هما:
الأول: أن رؤوس الأموال الأجنبية إذا ما استغلت استغلالا اقتصاديا جيدا تؤدي إلى زيادة الناتج القومي وارتفاع مستويات الدخل وبالتالي ترتفع معدلات الادخار وذلك نتيجة لسد النقص في الموارد المالية اللازمة لتمويل المشاريع الاستثمارية وهو الهدف الذي توخته الدول النامية عامة والعربية خاصة من وراء اقتراضها الإحلال بين الصنفين.
الثاني: أن هذه الأموال لا تستغل استغلالا أمثلا، وغالبا ما تتجه نحو تمويل الاستهلاك خصوصا للسلع المستوردة؛ ونسبة قليلة منها فقط تتجه إلى الاستثمار في مشاريع تتميز بانخفاض مردودها، مما يقلل من فرص خلق فوائض مالية جديدة ورفع كفاءة الاقتصاد ونموه. وهو ما يؤثر سلبا على إمكانيات الادخار المحلي وعلى الطاقة الاستيرادية، ومعدلات التضخم.
أولا: أثر الديون الخارجية على إمكانيات الادخار المحلي
من الأمور الشائعة في مراجع التنمية الاقتصادية، أن رأس المال الأجنبي يؤدي إلى استكمال النقص الموجود في الموارد المحلية اللازمة لتمويل مشروعات التنمية، ويسهم في زيادة تكوين رأس المال وزيادة معدلات الاستثمار الإجمالي. وبالتالي يساعد على زيادة قدرة البلد المدين على تكوين المدخرات وبالتالي على رفع معدلات الادخار المحلي فيها في غمار مراحل التنمية اللاحقة.
من خلال الدراسات الحديثة التي تناولت هذا الموضوع نجد أن هذا التأثير في الدول العربية يختلف من دراسة إلى أخرى تبعا لعينة الدول المدروسة وطرق التقدير المستخدمة بالإضافة إلى اختيار فترة الدراسة.(1/133)
وتشير أغلب الدراسات في هذا المجال إلى وجود أثر سلبي مباشر أو غير مباشر للديون الخارجية على الادخار المحلي في معظم البلدان العربية، لأن الديون الخارجية المستحقة عليها وما ينجم عنها من أعباء متزايدة لم تترك الفرصة أمامها لتخصيص نسب من دخلها، أو من الزيادة التي تحدث في دخلها لرفع معدل ادخارها الوطني.
ثانيا: أثر الديون الخارجية على الطاقة الاستيرادية
تستحوذ الديون الخارجية على نسب عالية من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية كما سبق وبيناه في المبحث السابق. كما أنها تشكل إنقاصا للموارد المالية التي كان من الممكن أن تخصص لزيادة الادخار ومن تم التوسع الاقتصادي إذا استطاعت الدولة توفير القدر الكافي من المال اللازم لاستيراد الآلات والمعدات الإنتاجية الضرورية. بذلك يستطيع البلد المعني تنفيذ مخططاته الإنمائية دون ضغوط خارجية أو حدوث اختناقات تعوق طموح وتنفيذ هذه المخططات. وهناك عدة عوامل تؤثر بشكل أو بآخر في المقدرة الاستيرادية، منها: حجم الصادرات وعائدات المنتظر منها، وتكلفة السلع المستوردة، وخدمات الديون الخارجية التي تدفعها الدول المدينة، وإعادة جدولة الديون الخارجية. وتؤثر هذه الأعباء سلبا على إمكانية تنمية الموارد المالية الذاتية بسبب استنزافها للحظ الأوفر من العملات الصعبة المتاحة للبلد.
بينا سابقا إن هناك علاقة وثيقة بين تفاقم الديون الخارجية وبين مستوى الاحتياطي الدولي. فكلما ارتفعت قيمة الاحتياطات الدولية ونسبتها إلى إجمالي واردات الدولة تعززت قدرة الدولة المدينة على الوفاء بالتزاماتها وتمويل وارداتها، والعكس صحيح.(1/134)
و قد لاحظنا انخفاض قيمة الاحتياطات الدولية للعديد من البلدان العربية المثقلة بالديون، ثم انخفاض قيمة تغطيتها للواردات، فانعكس ذلك سلباً، مما أدى إلى تقييد الواردات في العديد من البلدان العربية، وحتى الواردات الضرورية منها. وبالطبع فإن إضعاف قدرة البلد على الاستيراد له أثر سلبي على مستويات الاستهلاك والإنتاج والاستثمار نظرًا لارتباط هذه المتغيرات الاقتصادية الكلية الثلاثة بحدود معينة بالاستيراد. وبالتالي إن الضغط على الواردات هذه تجر معها نتائج سلبية على الاقتصاد القومي وخطط التنمية، وخاصة عندما يكون الميل للاستيراد كبيراً، وكان هيكل الواردات يضم أنواعاً من السلع يصعب الاستغناء عنها، مثل المواد الغذائية الرئيسية الضرورية، أو السلع الوسيطة وقطع الغيار، والمعدات الإنتاجية التي تتطلبها الصناعات المحلية.
كما أن تعطيل قدر كبير من الطاقات الإنتاجية المحلية بسبب عدم توفر السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج المستوردة، وإيقاف تنفيذ برامج الاستثمار، أو تخفيضها لعدم إمكانية استيراد السلع الإنتاجية والمعدات اللازمة لها.(1/135)
فهناك كثير من البلدان العربية عملت على تخفيض وارداتها من الآلات والمعدات الإنتاجية، ففي إفريقيا انخفضت الواردات من الإمدادات الصناعية أكثر من 35% بين 1981-1984، والواردات من الوقود ما يقرب من 30%. بالطبع إن هذا الانخفاض في المستوردات الضرورية للصناعة أسهم في هبوط الناتج من جهة، وفي انخفاض مستوى الطاقة الإنتاجية من جهة ثانية، وذلك لأن تخفيض الواردات من الآلات والمعدات انعكس سلبياً على الأداء الاستثماري في العديد من البلدان النامية عامة والعربية خاصة أثناء الثمانينات؛ والذي كان له آثار سلبية في عملية التنمية بشكل عام في الأجل الطويل. وقد كان التأثير كبيرًا في البلدان النامية المثقلة بالديون، فهذه البلدان تعاني من صعوبات فيما يتعلق بمدفوعات أعباء ديونها الخارجية التي تأثرت بها هياكلها الإنتاجية اللازمة لتعزيز قدراتها على إنتاج سلع وخدمات للتصدير وعلى خلق بدائل للواردات.
و قد تأثرت بعض أقطار الوطن العربي أيضاً مثل السودان ومصر والمغرب والأردن، فمثلاً في السودان كانت الحكومة عاجزة في كثير من الأحيان حتى عن توفير المواد الغذائية الضرورية جدًا مثل الطحين والسمنة والحبوب وغير ذلك، وهذا بسبب عدم توفر القطع الأجنبي اللازم لاستيراد هذه السلع. وأيضاً إن القطر العربي السوري لم يسلم من الآثار السلبية التي عكستها انخفاض الاحتياطات الأجنبية وتأثيرها في استيراد السلع الضرورية والتجهيزات وقطع الغيار والمعدات المختلفة اللازمة للصناعة والاستثمارات المختلفة التي يجري تنفيذها. إذًا إن معظم البلدان العربية المدينة شهدت انخفاضاً وتراجعاً ملموساً في مستوى النمو الاقتصادي منذ الثمانينات مقارنة مع فترة الستينات والسبعينات. وهذا الأمر جعل العديد من هذه البلدان تلجأ إلى سياسات التقشف والترشيد التي كانت في أغلب الأحيان على حساب الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.(1/136)
ثالثا: أثر الديون الخارجية على معدلات التضخم
إن ارتفاع اعتماد الدول العربية على القروض الخارجية أدى إلى تزايد معدلات التضخم في هذه الدول، لما تشكله هذه الديون المترتبة من ضغط على القدرة التنافسية لصادرات الدول المدينة ويؤدي تخفيض قيمة العملة الوطنية ـ استجابة لضغوط الأطراف الدائنة ـ إلى تدهور القيم الحقيقية للمدخرات مما يضطر العديد من الأفراد إلى إيداع أموالهم في الخارج (أحد أهم أسباب ظاهرة هروب رؤوس الأموال إلى الخارج) خوفا من تآكله. وبصورة عامة، فإن التأثير السلبي للديون الخارجية على القدرة المالية والاستيرادية للدول المدينة، ومنها الدول العربية، قد انعكس سلبا على عمليات الاستثمار المطلوبة لتحقيق أهداف النمو المتسارع الذي تتطلع إليه اقتصاديات هذه البلدان.
ويتمثل هذا التأثير السلبي في كون أعباء الديون الخارجية، كما بيناه في بداية هذا المبحث، تستحوذ على نسب عالية من الناتج المحلي الإجمالي وتشكل إنقاصا للموارد المالية التي كان من الممكن أن تتجه إلى الادخار والتوسع الاقتصادي.
كما أن ارتفاع حجم خدمات الديون الخارجية الذي شهدته الدول العربية في السنوات الأخيرة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الشكل البياني رقم (VI-2) الموالي.
الشكل البياني رقم (VI-2)
تطور خدمات الديون الخارجية للدول العربية(1/137)
من الشكل رقم (IV-2)، نلاحظ مدى ارتفاع حجم خدمة الديون الخارجية للبلدان العربية المدينة؛ وهو يشكل عبئا ثقيلا على النقد الأجنبي المتاح لتمويل الواردات الاستثمارية. وعليه، فمن الطبيعي أن يواكب ارتفاع خدمة الديون ضغطا على تمويل هذه الواردات؛ مما اضطر بعض هذه البلدان إلى تأجيل تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية المبرمجة ضمن مخططات التنمية وإلى تخفيض معدلات الاستثمار المستهدفة. الأمر الذي أدى بدوره إلى تسريح ألاف العمال وبالتالي تزايد البطالة وما إلى ذلك من انعكاسات سلبية على المجتمع. إلا أنه من الضروري التذكير أن العيب لا يكمن في مسألة استيراد رأس المال الأجنبي وإنما في كيفية وطبيعة استخدامات هذه الأموال. لقد لعب رأس المال الأجنبي دورا أساسيا في تطوير العديد من الدول المتقدمة نظرا للاستغلال الأمثل لهذا العنصر، مما ساعد على خلق فوائض مالية أخذت تصدرها إلى البلدان النامية ومنها العربية.
أما بالنسبة لمعظم البلدان النامية ومن بينها البلدان العربية فلم يلعب رأس المال الأجنبي الدور الذي كان يجب أن يلعبه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما أوقعها في فخ مديونية خانقة لها آثار اجتماعية وسياسية لا تقل خطورة عن الآثار الاقتصادية. وقد أدى تخلف اقتصاديات الدول العربية بصورة عامة وتفاقم حدة الديون الخارجية على وجه الخصوص إلى مزيد من درجة التبعية المختلفة الأشكال للدول المتقدمة الدائنة، التي أصبحت تتحكم في مسارات التنمية في الدول المدينة. وتأخذ هذه التبعية أشكالا وأنماطا مختلفة منها التبعية التجارية والمالية والتكنولوجية.
المطلب الثالث: أشكال تبعية الاقتصاديات العربية بسبب الديون الخارجية(1/138)
إن التطور السريع الذي حدث في حجم الديون الخارجية وأعبائها قد أدى إلى إرهاق اقتصادي شديد للبلاد العربية المدينة. كما زاد كذلك من تكريس التخلف وحصار عملية التنمية والتقدم وزيادة تبعية الاقتصاديات العربية بأنواعها، وسنتناول فيما يلي أشكال التبعية.
أولا: التبعية التجارية
ويقصد بها تحكم الطلب العالمي في معدلات نمو اقتصاديات الدول العربية، كما هو معلوم أن قطاع التصدير يعتبر المصدر الأساسي للدخل في الدول. كما أن عدم تنوع صادرات الدول العربية حتى من المواد الأولية، إذ كثيرا ما تتركز هذه الصادرات في مادة أولية واحدة أو مجموعة محدودة منها، يعرض عمليات التنمية في البلدان العربية المدينة للتذبذب من خلال تعرضها لتقلبات الظروف الاقتصادية العالمية.
إن هذه التبعية التجارية التي تعاني منها الدول العربية قد نشأت في عهد الاستعمار وتطورت بعد الاستقلال السياسي لمعظم الدول وتعمقت خاصة بعد تفاقم الديون الخارجية، بفعل بعض العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بمتطلبات التنمية. وهذه المتطلبات هي التي دفعت بتلك البلدان في مدار التبعية المالية.
ثانيا: التبعية المالية
ترجع هذه التبعية (سواء كانت سببا أو نتيجة للمديونية الخارجية) إلى حاجة الدول العربية إلى مصادر تمويل خططها الإنمائية. فالحاجة إلى رؤوس الأموال دفعت بالبلدان ذات الموارد المالية المحدودة إلى فتح المجال أمام رأس المال الأجنبي بأشكاله المختلفة. وحتى الدول النامية ذات الفوائض المالية ـ ومنها الأقطار العربية النفطيةـ تعاني من نوع آخر من التبعية المالية للدول المتقدمة، ألا وهو اندماج مؤسساتها المالية في النظام الرأسمالي الدولي مما قد يجلب لها مخاطر عدة، أهمها احتمال التجميد من قبل الحكومات الغربية كما حصل مع الودائع الليبية والعراقية.
ثالثا: التبعية التكنولوجية(1/139)
ويقصد بها النقل الأفقي للتكنولوجيا، أي استيرادها من الدول المتقدمة بدل العمل على تنميتها وطنيا أو قوميا أو إقليميا، وقد اختار معظم الدول النامية وخاصة العربية منها اكتساب هذه التكنولوجيا عن طريق استيرادها جاهزة باعتقاد أن ذلك سيمكنها من اقتصاد الوقت والنفقات. ولكن المشكلة تكمن في كون هذه التقنية لا تتلاءم مع الطبيعة الإنتاجية للدول العربية مما عمق من تبعيتها للدول المنتجة لهذه التكنولوجيا.
إن البلدان النامية المدينة، ومنها البلدان العربية، تتعرض "للهيمنة المالية الجديدة " بعد أن تم توريطها في مديونية مفرطة. كما تأخذ هذه الهيمنة شكلا خطيرا تمثل في استحواذ المستثمرين الأجانب للأصول الإنتاجية الإستراتيجية التي بنتها هذه الدول عبر جهودها الإنمائية خلال سنوات طويلة وشاقة على نحو يعيد لها السيطرة الأجنبية.
فبعد استفحال أزمة الديون الخارجية وبلوغها مستوى حرجا، وبعد التعثر في سداد خدمة ديونها ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يدعو إلى مبادلة الدين الخارجي ببعض الأصول الإنتاجية في الدول المدينة، أي مقايضة الديون بحقوق ملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان. وهو اتجاه يؤسس نظرته إلى مشكلة الديون في تلك الدول على أنها مشكلة إفلاس وليست نقص سيولة. وقد لقي هذا الطرح صدى واسعا في نفوس الدائنين لأنه يحسن من محافظهم المالية ويحول الديون المشكوك تحصيلها(لأنها حالة إفلاس) إلى أصول إنتاجية ذات عوائد مستمرة. وبذلك يكون الدائنون قد تحولوا إلى مستثمرين وهو ما يؤدي إلى إخضاع السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المدينة إلى مزيد من الرقابة الخارجية.
المبحث الثاني: أثر الديون الخارجية على الادخار والتضخم(1/140)
ٍتناولنا فيما تقدم آثار الديون الخارجية على كل من الاستثمار والخطط الإنمائية؛ الآثار التي أرهقت اقتصاد البلدان العربية المدينة، وزادت من تخلفها وحصار عملية التنمية والتقدم وتبعيتها المختلفة الأشكال للبلدان الرأسمالية الصناعية. وكما بيناه سابقا، تتوقف هذه الآثار على الطريقة التي يستخدم بها البلد المدين تلك الموارد المالية المتأتية من القروض الخارجية في الاستثمار، بمعنى استخدامها في بناء الطاقات الإنتاجية ودفع عجلات النمو للأمام.
و مهما يكن من أمر، فإن الدراسة والبحث في الآثار التي تنجم عن الديون الخارجية في الادخار والتضخم هي أمر هام وضروري عند وضع البرامج التنموية اللازمة لمواجهة مشاكل الديون الخارجية وعلاقتها بالتنمية وبسياسة الاقتراض الخارجي. ذلك أن هذا البحث يمكننا من دراسة هذه الآثار الناجمة عن الديون الخارجية التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية في البلدان العربية. كما تفيدنا في التنبؤ بأزمات الديون الخارجية المحتملة من جهة؛ ومن جهة أخرى، تساعدنا على الاستعداد في الوقت المناسب لتفاديها أو مواجهتا في حالة حصولها.
و يبقى علينا القيام في هذا المبحث بتحليل الآثار المختلفة الناتجة عن تفاقم حجم وأعباء خدمات الديون الخارجية للبلدان العربية، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما هو أثر تزايد الديون الخارجية وأعبائها على الادخار والتضخم بالبلاد العربية المدينة ؟ وللإجابة على السؤال المطروح نقوم بتحليل مايلي:
1- أثر الديون الخارجية على الادخار
2- أثر الديون الخارجية على التضخم
المطلب الأول: أثر تزايد الديون الخارجية على الادخار(1/141)
إن أهم ما يحتاج إليه المجتمع في بداية مسيرته التنموية هو تخصيص جزء كبير من المدخرات المحلية لاستحداث وتطوير وسائل الإنتاج المادية، والتي تساهم في إنتاج السلع والخدمات اللازمة لتلبية احتياجات المجتمع الأساسية. فانعدام الموارد المالية، وضعف معدل الادخار المحلي في البلدان العربية المدينة يؤدي إلى عدم تمكن القطاع العام والقطاع الخاص معا من بناء وتنفيذ المشروعات التنموية الجديدة.
الادخار في المفهوم الاقتصادي هو ذلك الجزء من الدخل الوطني الذي لا ينفق على الاستهلاك وإنما يوجه إلى تكوين رأس المال جديد على شكل استثمار(1). سواء كان الادخار في صورته المالية مثل النقود والأسهم والسندات المختلفة والودائع والعملات الأجنبية وأقساط التأمين، أو في صورته العينية مثل الذهب والفضة ومخزون المنتجات الزراعية والصناعية(2)، ويرجع انخفاض الادخارات المحلية في الدول النامية عامة والعربية خاصة إلى انخفاض مستوى دخل الفرد الحقيقي وارتفاع الميل الحدي للاستهلاك.
كما أن حجم الادخار يتحدد وفقاً لعدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تختلف حسب أوضاع المجتمع، وتركيب قطاعاته ونوعية المنشآت. ومن أهم المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الدول العربية انخفاض حجم المدخرات المحلية المطلوبة لتمويل عملية التنمية وكذا تغطية العجز المتمثل في فجوة الموارد المحلية.
__________
(1) حسين عمر، الاستثمار والعولمة، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 200، ص11.
(2) عبد الله حسين بركات، مصادر تمويل التنمية، مصادر تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في ج.ي.، مكتبة الكاتب العربي، دمشق،1985، ص280.(1/142)
ومن خلال التجارب التنموية لمعظم البلدان العربية يلاحظ أن هذه البلدان لم تصل بعد إلى مرحلة الاعتماد على الذات، ولم تستطع تسريع عمليات التنمية المنشودة. بل على العكس من ذلك، تفاقمت مشاكل ديونها الخارجية، مع ما أسفرت عنه من عقبات صعبة التذليل على طريق تنمية هذه البلدان خلال حقبة السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات. فقد سبب الإفراط في الاعتماد على التمويل الخارجي في حصول تراخي معتبر في تعبئة الادخار المحلي من جهة، وتشجيع الاستهلاك الكمالي من جهة ثانية.
تجدر الإشارة هنا إلى أنه مازالت هناك الحاجة لبذل المزيد من الجهود لتشجيع تعبئة المدخرات العربية؛ وذلك بتهيئة المناخ الاستثماري الملائم والقادر على اجتذاب جزء مهم من الفوائض المالية العربية والمزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
عموما فإن الدراسات الحديثة التي تمت حول تأثير المديونية الخارجية على الادخار متنوعة وذات مناهج متعددة في معالجة هذا التأثير. فهناك التيار الأول يبحث في تأثير تدفق رأس المال الأجنبي على معدل الادخار الحكومي ومدى انعكاس هذا التأثير على معدل الادخار المحلي الإجمالي(1).
__________
(1) Weisskopf, Thomas E. The Impact of Foreign Capital Inflow on Domestic Saving in Uderdeveloped Contries ,Published in Journal of International Economics ,February 1972.(1/143)
وبالنسبة للتيار الثاني فإنه يربط بين انسياب رأس المال الأجنبي وبين تطور مستوى الاستهلاك المحلي.(1)أما التيار الثالث فهو الذي يبحث في علاقة رأس المال الأجنبي خلال عملية التنمية بمعدل الادخار المحلي من خلال المقارنة بين تكلفته وعائده الذي يعود على الاقتصاد الوطني وذلك بعد فترة السداد للقروض.(2)
أولا: أثر تزايد أعباء الديون الخارجية على الادخار المحلي
يمكن قياس أثر أعباء الدين الخارجي على الادخار المحلي عن طريق حساب نسبة مدفوعات خدمة الديون الخارجية إلى إجمالي الناتج المحلي، ومقارنة هذه النسبة بمعدل الادخار المحلي(منسوبا إلى إجمالي الناتج المحلي)(3). وذلك حسب الصيغة التالية:
الصادرات / إجمالي الناتج المحلي X مدفوعات خدمة الديون / الصادرات
=
مدفوعات خدمة الديون / إجمالي الناتج المحلي
وذلك من خلال تحليل مجموعة من مؤشرات الديون الخارجية، نذكر منها: نسبة خدمة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، نسبة الادخار المحلي إلى الناتج المحلي، وكذلك نسبة خدمة الديون الخارجية إلى نسبة الادخار.
__________
(1) voir, Harazi Bharat R, Foreign aid, Conspicuous Consumption and Doestic Savings, Some theoretical Observations, Published in The Journalof Development Studies, vol 12,January 1976, N° 2,pp.197-207.
(2) El –Imam Mohamed Mahmoud , Foreign Loans and Economic Development, Memo.N° 1156, published in the Institute of National Planning, Cairo, 1976.
(3) - إن البيانات المنشورة في إحصائيات الأمم المتحدة لا تشير صراحة إلى النسبة مدفوعات خدمة الديون الخارجية إلى إجمالي الناتج المحلي، وإنما تشير فقط إلى نسبة هذه المدفوعات إلى حصيلة الصادرات من السلع والخدمات لهذه الدول.(1/144)
إن الأثر السلبي الذي تسبب فيه التمويل الخارجي والأعباء الناتجة عنه على معدل الادخار المحلي مؤكد؛ والدليل على ذلك مختلف الدراسات التي حاولت أن تعالج هذه الظاهرة الخطيرة على التنمية، لان الديون الثقيلة المستحقة على هذه الدول وما نجم عنها من أعباء متزايدة لم تترك الفرصة أمام الدول النامية عامة والعربية خاصة، لتخصيص جزء من دخلها لرفع معدل الادخار المحلي. وفيما يلي جدول إحصائي رقم (VI-4) وهو يبين لنا معدل التغير السنوي في معدلات الادخار المحلية في أكبر 17 دولة مدينة من مجموعة الدول النامية المدينة خلال العقد الأول للتنمية (1960-1970). واضح من الجدول سلبية هذا الأثر على الادخار.
جدول رقم (VI-4)
متوسط معدل التغيير السنوي في معدل الادخار
المحلي الإجمالي لبعض الدول النامية (1960-1970)
الدول ... % معدل الادخار القومي ... متوسط معدل التغير
الإجمالي من إجمالي ... في معدل الادخار القومي
الناتج المحلي1968-1970 ... الإجمالي 1960-1970
1. دول مصدرة للبترول: ... 16.6 ... 0.4
إيران ... 4.6 ... 0.3
اندونيسيا
2. دول ذات دخل مرتفع: ... 19.3 ... #
الأرجنتين ... 16.2 ... #
البرازيل ... 17.3 ... -0.1
كولومبيا ... 18.6 ... 0.3
المكسيك ... 13.6 ... 0.2
شيلي ... 13.2 ... -0.1
بيرو
3. دول ذات دخل متوسط: ... 7.9 ... -0.5
مصر
4. دول ذات دخل منخفض: ... 14.7 ... 0.2
الهند ... 11.2 ... 0.2
الباكستان
# لا تتوفر عنها أرقام.
المصدر:رمزي زكي، أزمة الديون الخارجية- رؤية من العالم الثالث،مصر،1978، ص 387.
نلاحظ من الجدول السابق رغم التفاوت الكبير بين الدول التي شملتها الدراسة، أن متوسط معدل التغير في معدل الادخار المحلي الإجمالي فيها كان ضئيلا يقرب الانعدام، وأن أكبر متوسط كان لإيران ب 0.5، وفي بعض الأحيان كان سالبا كما هو الحال بالنسبة لمصر وكولومبيا ولبيرو.(1/145)
فالديون الخارجية المستحقة على هذه الدول وما نتج عنها من أعباء متزايدة لم تترك الفرصة أمام هذه الدول لتخصيص نسب معتبرة من دخلها، أو من الزيادة التي تحدث في هذا الدخل لرفع الادخار القومي فيها.
ثانيا: أثر الديون الخارجية على الادخار المحلي لبعض البلدان العربية
عموما فإن كثيرا من الدراسات التي نشرتها الأمم المتحدة ومنظماتها تشير إلى أن معدل الادخار الحدي لم يزداد في غالبية الدول النامية ومنها العربية(1). فثقل حجم الديون الخارجية على كاهل الدول المدينة وما نتج عنها من أعباء متزايدة لم تترك الفرصة أمام هذه الدول لتخصيص نسب من دخلها، أو من الزيادة التي تحدث في هذا الدخل لرفع معدل الادخار القومي فيها.
وفيما يلي جدول إحصائي رقم (VI-5)، يظهر لنا أثر الدين الخارجي في الادخار لبعض البلدان العربية المدينة.
الجدول رقم (VI-5)
أثر الدين الخارجي في الادخار المحلي لبعض الدول
(بالنسب مئوية)
الدولة
خدمة ... الادخار ... خدمة ... خدمة ... الادخار ... خدمة ... خدمة ... الادخار ... خدمة
الدين إلى ... المحلي إلى ... الدين إلى ... الدين إلى ... المحلي إلى ... الدين إلى ... الدين إلى ... المحلي إلى ... الدين إلى
الناتج ... الناتج ... نسبة ... الناتج ... الناتج ... نسبة ... الناتج ... الناتج ... نسبة
المحلي ... المحلي ... الادخار ... المحلي ... المحلي ... الادخار ... المحلي ... المحلي ... الادخار
الإجمالي ... الإجمالي ... المحلي ... الإجمالي ... الإجمالي ... الإجمالي ... الإجمالي
الجزائر ... .8 ... .1 ... .1 ... .3 ... .8 ... ,8
المغرب ... .4 ... .5 ... .3 ... .5 ... .9 ... .4
مصر ... .4 ... .6 ... .8 ... .7 ... .6 ... .5
تونس ... .9 ... .6 ... .6 ... .9 ... .5
الصومال ... .6 ... .3 ... .9
سورية ... .2 ... .2 ... .7 ... .5
المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم، 1987،1984.
__________
(1) United Nations, Implementation of the International Development Strategy, Papers for the first Over-all Review an Appraisal of Progress during the second United Nations Development Decade, Volumes 1&2, New York,1973,pp.25-35.(1/146)
في الوطن العربي، تعتبر نسبة خدمة الدين إلى معدل الادخار المحلي مرتفعة في الدول العربية المدينة، وأحياناً سلبية فقد ارتفعت هذه النسبة في مصر من 42.6% عام 1982 إلى 57.5% عام 1987، كما ارتفعت في تونس من 25.6% إلى 49.5%، وفي الجزائر من 25.1% إلى 26.8% خلال الأعوام نفسها. أما في المغرب فقد انخفضت هذه النسبة من 117.5% عام 1982 إلى 56.4% عام 1987، وذلك بسبب إعادة جدولة بعض ديونه التي أدت إلى انخفاض نسبة خدمة الدين بالنسبة للناتج الوطني الإجمالي. وفي سورية انخفضت نسبة خدمة الدين إلى نسبة الادخار من 15.7% عام 1985 إلى 15% عام 1987. فعلى الرغم من انخفاض نسبة خدمة الدين من الناتج من 2.2% عام 1985 إلى 1.5% عام 1987، فإن هذا التحسن رافقه انخفاض في نسبة الادخار من الناتج المحلي، فانخفضت هذه النسبة من 14% عام 1985 إلى 10% عام 1987.
وبالطبع إن هذا الجدول يوضح أنه من الممكن زيادة الادخار المحلي المتاح لتمويل الاستثمارات اللازمة لدفع عملية التنمية في هذه الدول، وذلك إذا تصورنا أن معدل خدمة الدين الخارجي كان أقل من ذلك المستوى الذي ساد خلال السنوات المذكورة.
المطلب الثاني: أثر الديون الخارجية على التضخم
حول هذه النقطة يوجد للتضخم أسباباً عديدة ومتنوعة لسنا هنا بصدد التطرق إليها، ولكن لابد من القول أن هناك علاقة وثيقة بين التضخم المحلي وتزايد الديون الخارجية في البلدان النامية عامة والبلدان العربية خاصة وبين ارتفاع معدلات التضخم.(1/147)
فالتضخم كما نعلم يؤثر سلبا على ميزان المدفوعات، فارتفاع أسعار الصادرات نتيجة ارتفاع أسعار تكاليف الإنتاج، يقلل من حجم الصادرات في الوقت نفسه يشجع على زيادة الاستيراد لأن أسعار السلع المستورة منخفضة عن أسعار السلع المحلية، فيزيد من حجم الواردات في ظل التضخم، ومنه يزداد عجز الميزان التجاري. كما أن التضخم المحلي يضغط على سعر الصرف للعملة المحلية، فيتدهور هذا السعر، ويشجع على هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، كما يضع العراقيل أمام انسياب الاستثمارات الأجنبية الخاصة. كما يؤثر التضخم المحلي على ميزان المدفوعات، فيزداد عجز الحساب الجاري، وتضطر الدولة للإستدانة الخارجية.
أولا: اثر تفاقم الديون الخارجية على التضخم في البلدان العربي
... بالطبع من الصعب قياس مدى تأثير تفاقم الديون الخارجية على التضخم بشكل دقيق، ولكن من المؤكد أن هناك علاقة قوية وطردية بين ارتفاع حجم الديون الخارجية وتفاقم أعبائها من جهة وارتفاع نسب التضخم في البلدان النامية المدينة من جهة أخرى.
لكن كيف يؤثر تفاقم مشكلة الديون الخارجية على رفع نسب التضخم لدى البلدان العربية ؟
1- إن انسياب القروض الخارجية وزيادة عرض النقود في الاقتصاد الوطني لتمويل مشروعات البنية التحتية والمشروعات الإنتاجية التي تتسم بطول فترة الإنشاء، أي التي لا تعطي ناتجاً سريعاً، سيولد نوعاً من الضغوط على الأسعار ويجرها نحو الارتفاع بسبب زيادة كتلة النقود بقدر غير متناسب مقابل المعروض من السلع والخدمات.
2- كما أن تزايد أعباء الديون الخارجية القائمة على البلدان العربية يؤدي إلى تخصيص مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي المتحصل عليه من الصادرات لسداد أعباء الديون. فإذا كانت صادرات البلد المدين من النوع الذي يستهلك محلياً، فإن تزايد أعباء الديون قد يجبر الدولة على زيادة التصدير، وهذا ما يؤدي إلى انخفاض المعروض من هذه السلع المحلية، وبالتالي ارتفاع أسعارها.(1/148)
3- إن تزايد أعباء الديون الخارجية يؤدي إلى إضعاف القدرة على الاستيراد؛ الأمر الذي من المنطقي أن ينجم عنه اختناقات كثيرة في العديد من السلع الاستهلاكية والوسيطة والإنتاجية؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بسبب النقص الحاصل في عرضها
4- تعتبر قروض الصادرات أو تسهيلات الموردين من أكثر القروض الخارجية كلفة وأكثرها تأثيرًا في ارتفاع معدلات التضخم في الداخل، بسبب مغالاة الجهات المقرضة في فرض أسعار احتكارية للسلع الموردة المتعلقة بالقرض، وقد ثبت أن هذا السعر كثيرًا ما يزيد عن متوسط السعر العالمي بحوالي 20%. هذا بالإضافة إلى أن عناصر التكاليف الأخرى المشروطة بعقد القرض مثل:
[التأمين، وسعر الخصم، وأجور النقل والشحن] تكون غالباً مرتفعة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار جميع التكاليف الزائدة، بالإضافة إلى سعر الفائدة المرتفع على هذا النوع من القروض، فإنه يصبح من الطبيعي أن نجد أن هذه التكاليف المتزايدة تؤثر في ارتفاع الأسعار المحلية للسلع التي استوردت عن طريق هذه القروض.
5- أحياناً تتدخل الدول المدينة التي تواجه ارتفاع أسعار السلع المحلية بزيادة دعمها لهذه السلع كي تحافظ على أسعارها نوعا ما ثابتة، وبخاصة السلع الضرورية وذلك لتخفيف المعاناة على أصحاب الدخول المحدودة.(1/149)
وبالطبع فإن سياسة الدعم السلعي الذي تتحمله الحكومات المدينة يُمول عادة عن طريق العجز في الميزانية؛ أي عن طريق خلق النقود أو زيادة الدين الداخلي، وهذا ما يزيد من ارتفاع نسب التضخم من جديد. لذلك يعتبر التضخم في كثير من الأحيان ظاهرة مالية تحدث عندما تلجأ الحكومات إلى خلق النقود بمعدل أكبر مما تتطلبه احتياجات الاقتصاد الوطني، أي يكون هناك إفراط في إصدار النقود؛ وذلك كسبيل وحيد متاح لها لتمويل العجز. إذًًا فارتفاع الأسعار سيؤدي إلى زيادة المصروفات من دون أن تحدث أي زيادة مماثلة في الإيرادات، وعندما تلجأ الحكومات إلى سياسة التمويل بالعجز عن طريق خلق مزيد من النقود فإن التضخم سيزداد من جديد.
ثانيا: أثر الديون الخارجية على التضخم في البلدان النامية
تشير المعطيات الإحصائية المتوفرة عن حجم المديونية الخارجية المستحقة على البلدان النامية أنها بلغت أكثر من63.5 مليار دولار في عام 1970 ثم قفزت إلى أكثر من 634 مليار دولار في عام 1980، ثم إلى 2498.5مليار دولار عام 2000 ووصلت إلى ما يقارب2896 مليار دولار بنهاية عام 2004(1)، إن نظرة سريعة إلى هذه الأرقام تبين أن هذه الديون الخارجية قد تزايدت بشكل كبير، كذلك بالنسبة لنمو أعباء خدمة الديون، مما يزيد من ارتفاع نسب التضخم في البلدان النامية بشكل عام، والشكل رقم (VI-3) يبين لنا ذلك.
الشكل رقم (VI-3)
المصدر: من إعداد الباحثة، استنادا لمعطيات صندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد العالمي، 1994، ص 146.
__________
(1) عن البنك الدولي، جداول الديون العالمية، 1993-1994، وعن التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 2005ن ص8.(1/150)
نلاحظ من الشكل رقم (IV-3)، ارتفاع نسب التضخم في البلدان النامية بشكل عام، وارتفاع نسب التضخم بشكل كبير في البلدان المدينة التي تعاني صعوبات خدمة الدين. فقد ارتفع معدل التضخم في البلدان النامية من 25.8% خلال الفترة 1976-1985 إلى 46.2% في عام 1993. ويظهر الشكل البياني أعلاه أن أكثر المناطق تضخماً هي تلك التي شهدت ارتفاعاً كبيرًا في حجم مديونيتها وعانت بالتالي من مصاعب خدمة الدين. وعند تصنيف الدول النامية المدينة حسب درجة إعسارها بتسديد الديون نرى أن البلدان المدينة التي واجهت صعوبات في خدمة دينها تعاني من ارتفاع نسب التضخم بشكل كبير جدًا. فقد ارتفعت هذه النسبة من 46.9% في المتوسط خلال الفترة 1972-1985 إلى 139.9% في عام 1993. وبالطبع إن ارتفاع نسب التضخم كما بينا سابقاً يعود إلى أسباب عديدة، ولكن ارتفاع هذه النسب بشكل كبير لدى الدول النامية الأكثر مديونية يعكس العلاقة الواضحة والتأثير الكبير لتفاقم المديونية في ارتفاع نسب التضخم. وهذا ما يوضحه لنا الشكل رقم (IV -4) الموالي والذي نستعمله في تحليل أثر الديون الخارجية على التضخم في بعض البلدان العربية والنامية.
ثالثا: مقارنة أثر الديون الخارجية على التضخم في بعض البلدان العربية والنامية
بالنسبة لأثر الديون الخارجية على التضخم في البلدان العربية مقارنة ببعض البلدان النامية، فهو أقل ضخامة وخطورة وهذا ما نلاحظه من خلال الرسم البياني رقم (IV-4). ومن خلال المعطيات المدروسة والممثلة في الرسم البياني أعلاه، نلاحظ أن البلدان النامية الأكثر مديونية هي التي تعاني من ارتفاع التضخم بشكل خطير، خاصة في بعض دول أمريكا اللاتينية كالأرجنتين، والبرازيل والمكسيك؛ حيث يلاحظ أن نسب التضخم محسوبة على أساس أن أسعار المستهلك تجاوزت في بعض البلدان المختارة في نفس الرسم البياني أعلاه، قد تجاوزت نسبة 3500%.(1/151)
أما في البلدان العربية المدينة فهي أقل تعرضاً للتضخم من بلدان أمريكا اللاتينية بشكل عام. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه البلدان لم تواجه مصاعب خدمة الدين على درجة الخطورة نفسها التي تعرضت لها بلدان أمريكا اللاتينية؛ ذلك لأن مصادر إقراض البلدان العربية المدينة هي بمعظمها مصادر رسمية ومن المصارف والصناديق العربية والإقليمية التي اتصفت بشروطها الميسرة. ولكن كما يلاحظ من الشكل فإن نسب التضخم في بعض البلدان العربية هي كبيرة، مثل السودان الذي ارتفعت نسبة التضخم فيه من 25.4% إلى 123.5% عام 1991، ويلاحظ أيضاً أن نسبة التضخم في مصر انخفضت من 13.4% خلال الفترة (1976-1982) إلى 10.3% عام 1993، وذلك نتيجة إلغاء قسم كبير من ديون مصر وجدولة بعض الديون الأخرى.
الشكل رقم (IV -4)
التضخم في عدد من البلدان النامية والبلدان العربية
من إعداد الباحثة، استنادا لمعطيات الصندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد العالمي، 1994ص146.
و كما بينا سابقا، من الصعب قياس مدى تأثير تفاقم الديون الخارجية في التضخم بشكل دقيق، ولكن من المؤكد أن هناك علاقة قوية وطردية بين ارتفاع حجم الديون الخارجية وتفاقم أعبائها من جهة، وارتفاع نسب التضخم في البلدان النامية ومنها العربية المثقلة بالديون الخارجية من جهة ثانية.
المبحث الثالث: أثر الديون الخارجية على ميزان مدفوعات البلدان العربية واستنزاف احتياطاتها الدولية
ندرس في هذا المبحث أثر الديون الخارجية على ميزان المدفوعات ونسبة إسهام مدفوعات الفوائد في العجز في الحساب الجاري في البلدان النامية وبعض البلدان العربية المدينة. كما سنتناول بالدراسة دور تفاقم الديون الخارجية في استنزاف الاحتياطات الدولية، ونتطرق بعد ذلك لنسبة الاحتياطات إلى إجمالي الديون الخارجية وتغطيتها للواردات في البلدان النامية وبعض البلدان العربية.
المطلب الأول: أثر تفاقم الديون الخارجية على ميزان المدفوعات(1/152)
إن معظم البلدان النامية المدينة ومنها العربية التي واجهت مشكلات خدمة الدين ازدادت حدة مشاكلها المالية زيادة كبيرة خلال عقد الثمانينات. فقد صبحت مدفوعات خدمة الدين أحد أهم البنود المسببة للعجز في الحساب الجاري واستنزاف الاحتياطات الرسمية، وهكذا بعد أن كان الاقتراض الخارجي وسيلة لسد العجز المؤقت لميزان المدفوعات وتوفير القطع الأجنبي اللازم لتمويل عملية التنمية، أصبح الإفراط في الاقتراض الخارجي عاملاً أساسياً لهذا العجز. وهذا الأمر يتطلب الاستمرار في مزيد من الاقتراض لتمويل العجز المذكور.
وللإشارة إلى خطورة أزمة المديونية الخارجية التي تعيشها البلدان النامية يمكننا القول بأن هذه البلدان بدأت تعاني من التدفقات السالبة لصافي الموارد المالية من وإلى البلدان النامية منذ منتصف الثمانينات. والجدول رقم (VI-6) يظهر لنا التدفقات المالية للديون الخارجية في البلدان النامية وبعض البلدان العربية الأكثر مديونية.
الجدول رقم (IV-6)
التدفقات المالية للديون الخارجية في البلدان النامية وبعض البلدان العربية المختارة
(مليون دولار أمريكي)
البلد ... العام ... مدفوعات القروض ... خدمة الديون ... صافي التدفقات ... صافي التحويلات*
الأقساط ... الفوائد ... المجموع
البلدان النامية ... .181 ... .172 ... .292 ... .464 ... .374 ... .082
.925 ... .674 ... .853 ... .527 ... .112 ... .741
.039 ... .057 ... .438 ... .495 ... .495 ... .057
مصر ... .358 ... .475 ... .634
.208 ... .616 ... .493 ... .109 ... .524
.570 ... .468 ... .056 ... .524
الجزائر ... .398 ... .528 ... .555 ... .083
.512 ... .562 ... .583 ... .145 ... .240
.970 ... .116 ... .160 ... .276 ... .753
المغرب ... .055 ... .414 ... .378
.434 ... .004 ... .811
.700 ... .077 ... .072
السودان
المصدر: البنك الدولي، جداول الديون العالمية، (1993-1994) [الجزء الأول + الجزء الثاني].
*صافي التحويلات: صافي التدفقات – مدفوعات الفائدة(1/153)
يلاحظ من الجدول أغلاه مباشرة أنه بينما كان صافي التحويلات على مستوى البلدان النامية ككل يبلغ حوالي 65 مليار دولار في عام 1980، أصبح صافي التحويلات سالباً في عام 1986، وبلغ حوالي(-36) مليار دولار. وهذا يعني أن خدمة مدفوعات القروض المتمثلة (بأقساط أصل الدين والفوائد) تجاوزت مدفوعات القروض التي حصلت عليها هذه البلدان خلال السنوات المذكورة.
ونلاحظ أن البلدان العربية المدينة عانت أيضاً من التحويلات السالبة للموارد المالية. ففي مصر مثلاً نلاحظ أن صافي التحويلات بلغت حوالي(- 955) مليون دولار في عام 1992، وفي الجزائر بلغت صافي التحويلات حوالي (-2.7) مليار دولار في العام نفسه، وهو رقم كبير جدًا قياساً إلى حجم مديونية الجزائر. غير أن ارتفاع هذا المؤشر يعكس الظروف الاقتصادية والأمنية التي مرت بها الجزائر منذ مطلع التسعينات، والتي أدت إلى امتناع العديد من الحكومات الأجنبية والصناديق الإقليمية والدولية وغيرها ما الممولين الآخرين عن تقديم القروض والمساعدات لهذا البلد نتيجة ذلك.
و فيما يلي نطلع على نسبة إسهام مدفوعات الفائدة بالعجز في الحساب الجاري في البلدان النامية، وفي البلدان العربية، وفي بعض البلدان العربية المدينة.
يلاحظ من الجدول رقم (IV-7) الموالي، حصول ارتفاع في نسبة مدفوعات الفائدة بالنسبة للعجز المسجل في الحساب الجاري في البلدان النامية بشكل كبير. فقد بلغت هذه النسبة 114.7% عام 1986، وارتفعت إلى 195.9% عام 1990، لتنخفض إلى 81% عام 1992 بسبب لجوء العديد من البلدان المدينة المثقلة بالديون إلى إعادة جدولة ديونها بما فيها الفوائد المستحقة عليها. وبالطبع فإن ارتفاع هذه النسبة يعني أن البلدان النامية بشكل عام بدأت تقترض لكي تسدد العجز في ميزان المدفوعات، بل لسداد الفوائد المستحقة المترتبة عليها. وهذا ما أسهم في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات.
الجدول رقم (IV-7)(1/154)
نسبة إسهام مدفوعات الفوائد في العجز بالحساب الجاري
في البلدان النامية وبعض الدول العربية المدينة
الوحدة:(مليون دولار أمريكي)
البلد ... العجز في الحساب الجاري ... الفوائد المدفوعة ... النسبة %
1986
الجزائر ... .994 ... .087 ... .547 ... .788 ... .891 ... .6 ... فائض ... .0021
تونس ... .017 ... .607 ... .4 ... .8 ... .7
السودان ... .3 ... .7 ... .4
مصر ... .913 ... .232 ... .521 ... .091 ... .037 ... .2 ... .8 ... .4
المغرب ... .766 ... .532 ... .967 ... .9 ... .4 ... .8 ... .3
الدول العربية ... .856 ... .831 ... -14.207 ... 4.193 ... .763 ... .729 ... .6 ... فائض ... .5
الدول النامية ... .349 ... .204 ... .830 ... .853 ... .816 ... .438 ... .7 ... .9 ... .0
المصدر: البنك الدولي، جدوال الديون الدولية،( 1993-1994).
صندوق النقد العربي:- التقرير العربي الموحد لعام 1993 ولعام 1994.
أما بالنسبة للدول العربية مقارنة مع البلدان النامية، فالأمر كان أهون نوعاً ما. ففيها بلغت هذه النسبة 38.6% في عام 1986، وفي عام 1990 حقق الحساب الجاري للبلدان العربية ككل فائضاً، وذلك نتيجة الفائض الذي تحقق لدى دول المجموعة الأولى التي تضم الدول المنتجة للنفط،، وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط خلال العام نفسه. إلا أن الميزان التجاري عاد من جديد وحقق عجزًا في عام 1992ز وقد بلغت نسبة إسهام مدفوعات الفوائد في هذا العجز 33.5% خلال هذا العام. بالطبع فإن هذه النسبة تختلف من بلد عربي إلى أخر، ولكنها مرتفعة في البلدان العربية الأكثر مديونية، وبخاصة مصر التي وصلت فيها النسبة إلى 54.4% عام 1992، وكذلك في كل من المغرب وتونس، فقد بلغت فيهما 31.3% و24.7% على الترتيب في العام نفسه.
المطلب الثاني: تفاقم عبء الديون الخارجية واستنزاف الاحتياطات الدولية(1/155)
إن الاحتياطي الدولي هو مجموع حيازات البلد المعني من حقوق السحب الخاصة ووضعه الاحتياطي في صندوق النقد الدولي، وحيازاته من العملات الأجنبية ومن الذهب. وعادة تسعى إدارة الاحتياطي الأجنبي في المحافظة على نسبة معقولة من الاحتياطات كنسبة إلى الواردات من السلع والخدمات. ويرى العديد من الاقتصاديين أن حد الأمان لهذه النسبة يجب أن يتراوح ما بين
30 ـ 50%. وأن هذه الاحتياطات يجب أن تكون كافية لتغطية تمويل الواردات من السلع والخدمات لفترة تتراوح ما بين ثلاثة وخمسة شهور. إن مستوى الاحتياطي يعتبر أحد المؤشرات التي يستخدمها عادة الدائنون لتحديد قيمة مخاطر الإقراض إلى بلد ما. وهناك مؤشران يقيسان ذلك وهما:
·?نسبة الاحتياطي الدولي إلى الدين الإجمالي
·?و نسبة الاحتياطي الدولي إلى واردات السلع والخدمات
بالطبع فكلما ارتفعت هذه النسب دّل ذلك على قوة السيولة الدولية للاقتصاد القومي وقدرته على مواجهة أعباء ديونه الخارجية في الفترات الصعبة؛ وبالتالي يتمكن البلد من تمويل وارداته لفترة زمنية تزيد عن تلك الشهور المذكورة أعلاه.
إن تفاقم أعباء الديون الخارجية في البلدان النامية ذات المديونية الثقيلة بشكل عام وفي البلدان العربية المدينة ذات الثقيلة بشكل خاص أيضا، أدى إلى تفاقم العجز المالي مع ندرة في النقد الأجنبي. وهذا ما أدى بدوره إلى مزيد من الضغوط على الاحتياطات الدولية، وهبوطها إلى مستويات حرجة. لقد كان هذا الهبوط سريعاً في عدد من البلدان النامية المثقلة بالديون، ومنها بالطبع بعض البلدان العربية.
يوضح لنا الشكل رقم (VI -5) حجم الاحتياطات الدولية للبلدان النامية وبعض البلدان العربية المختارة. أما الجدول رقم ((IV -8) فيبين لنا نسبة حجم الاحتياطات الدولية إلى إجمالي الدين الخارجي وتغطيتها للواردات بالأشهر في البلدان النامية وبعض الدول العربية المختارة.
الشكل رقم (IV-5)(1/156)
حجم الاحتياطات الدولية للبلدان النامية وبعض الدول العربية المختارة
المصدر من إعداد الباحثة استنادا لأرقام جداول الديون الدولية، البنك الدولي، (1993-1994).
وصندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1993 و1994.
يلاحظ من الشكل رقم (IV-5) أعلاه أن الاحتياطات الدولية من العملات الصعبة في البلدان النامية بشكل عام انخفضت من 238.984 مليون دولار عام 1980 إلى 182.225 مليون دولار عام 1986. كما يلاحظ أنه بينما كانت نسبة هذه الاحتياطات إلى إجمالي الدين عام 1980، 23.3%، انخفضت إلى 15% فقط عام 1986.وفي المقابل نجد أن تغطية الاحتياطات للواردات انخفضت من 4.3 شهر لعام 1980 إلى 3.2 شهر لعام 1986.
الجدول رقم (IV-8)
نسبة الاحتياطات إلى إجمالي الديون الخارجية
و تغطيتها للواردات
في البلدان النامية والبلدان العربية وبعض البلدان العربية
البيان ... نسبة الاحتياطات إلى إجمالي الدين % ... تغطية الاحتياطات للواردات بالأشهر
1980
البلدان النامية منها ... .3 ... .2 ... .4 ... .3 ... .2 ... .4 ... .0
1* بلدان منخفضة الدخل معتدلة المديونية ... .1 ... .7 ... .3 ... .9 ... .2 ... .0 ... .3 ... .1
2* بلدان منخفضة الدخل ... .6 ... .6 ... .0 ... .7 ... .1 ... .6 ... .5
مثقلة المديونية
البلدان العربية منها: ... .9 ... .3 ... .2 ... .7 ... .4 ... .0
مصر ... .9 ... .8 ... .0 ... .1 ... .1 ... .6 ... .6 ... .4
الجزائر ... .5 ... .0 ... .8 ... .6 ... .8 ... .9 ... .6 ... .3
المغرب ... .4 ... .7 ... .0 ... .8 ... .7 ... .1 ... .2 ... .3
السودان ... .9 ... .1 ... .1 ... .5 ... .3 ... .1 ... .1 ... .5
المصدر: البنك الدولي، جداول الديون الدولية، (1993-1994) وصندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1993 و1994.
-00 الأرقام غير متوفرة بالنسبة للاحتياطيات.
1*- وعددها (13) ثلاثة عشر دولة.
2*- وعددها (29) تسع وعشرون دولة، منها: [مصر- موريتانيا- الصومال- السودان].(1/157)
نلاحظ من الجدول أعلاه كذلك أنه على الرغم من ارتفاع حجم الاحتياطيات الدولية للبلدان النامية عام 1992 إلى (276.62 مليون دولار، فإن نسبتها إلى الدين بقيت منخفضة 18.2%، وذلك نتيجة ارتفاع حجم الديون الخارجية بشكل ملحوظ.
يظهر تأثير تفاقم مشكلة المديونية الخارجية على الاحتياطيات بشكل أكبر وأدق عند تصنيف البلدان النامية المنخفضة الدخل حسب درجة المديونية. فنلاحظ من الجدول رقم (VI-8) أن نسبة الاحتياطيات إلى إجمالي الدين انخفضت في البلدان المعتدلة المديونية ذات الدخل المنخفض من 37.1% عام 1980 إلى 15.7% عام 1986، ثم إلى 9.3% عام 1990. ثم ارتفعت إلى 11.9% عام 1992، وذلك بسبب لجوء العديد من هذه البلدان إلى إعادة جدولة ديونها الخارجية ومستحقاتها بما فيها الفوائد.
أما في البلدان ذات الدخل المنخفض الثقيلة المديونية فنلاحظ أن انخفاض نسبة الاحتياطيات إلى الدين كان كبيرًا. إذ انخفضت هذه النسبة من 25% عام 1980 إلى 4.6% عام 1986، ليطرأ عليها بعض التحسن بعد ذلك لتبلغ 5.6% عام 1990، و8% عام 1992، وذلك للأسباب نفسها المذكورة أنفا. ويلاحظ في هذه البلدان أن تغطية الاحتياطيات للواردات انخفضت من 3.7 شهر بالنسبة لعام 1980 إلى 2.1 شهر لعام 1986 و2.6 شهر لعام 1990. وهذا يعني انخفاض المؤشر عن حد الأمان الواجب المحافظة عليه (من 3 إلى 5 أشهر).
أما بالنسبة للبلدان العربية ككل فإن حجم الاحتياطيات انخفض من 40.941 مليون دولار عام 1986 إلى 36.114 مليون دولار عام 1990. وبالتالي انخفضت نسبة الاحتياطيات إلى إجمالي الدين من 30.9% عام 1986 إلى 23.3% عام 1990. إن مؤشر الاحتياطيات على مستوى البلدان العربية ككل لا يعكس العلاقة بوضوح بين هذه الاحتياطيات وتفاقم الديون الخارجية لبعض البلدان العربية، لأن معظم هذه الاحتياطيات تعود للبلدان العربية النفطية التي هي غالباً دول دائنة، ولا تعاني من مشكلة المديونية.(1/158)
لهذا فقد تطرقنا في هذا الجدول إلى الدول العربية الأكثر مديونية، وهي: مصر والجزائر والمغرب والسودان. ويلاحظ أن حجم الاحتياطيات منخفض في جميع هذه البلدان. فمثلا في مصر انخفضت نسبة الاحتياطيات إلى الدين من 11.9% عام 1980 إلى 3.8% عام 1986. وفي المقابل انخفضت تغطية الاحتياطيات للواردات من 3.1 إلى 1.6 شهر خلال الفترة المذكورة نفسها.
و بالطبع نلاحظ هنا التأثير الواضح لتفاقم حجم المديونية في حجم الاحتياطيات، فيلاحظ ارتفاع نسبة الاحتياطيات إلى إجمالي الدين إلى 12.6% عام 1992، وذلك بسبب إلغاء بعض ديون مصر
وإعادة جدولة ديون مصر في عام 1991. وتظهر خطورة مؤشر الاحتياطيات بشكل كبير في حالة السودان؛ إذ يلاحظ أن نسبة الاحتياطيات إلى الدين هي دون 1% خلال السنوات المذكورة، وبالتالي نلاحظ أن تغطية الاحتياطيات للواردات هي لبضعة أيام فقط. فقد بلغت هذه النسبة عام 1980 فقط 9 أيام، وانخفضت إلى 3 أيام عام 1986. وفي عام 1992 نلاحظ أن النسبة كانت صفرا. إن السودان لم يكن لديه احتياطي كافٍ لتمويل يوم واحد فقط من الواردات. وبالطبع فإن هذا الوضع الخاص كان نتيجة الحرب الأهلية التي عرفها هذا البلد العربي من جهة، والضغوط الدولية على هذا البلد من جهة ثانية؛ هذا بالإضافة ما تعرض له السودان خلال هذه الفترة من كوارث طبيعية كالفيضانات. وبالطبع إن انخفاض تغطية الاحتياطيات الدولية للعديد من البلدان النامية المثقلة بالديون ومنها العديد من البلدان العربية، يعني أن هذه الدول تعاني من ضعف في تمويل وارداتها، وقد لاحظنا أن نسبة تغطية الاحتياطيات الرسمية لبعض الدول تقدر بالأيام فقط. وهذا يعني أن ما تبقى من حصيلة النقد الأجنبي بعد دفع أعباء خدمات الديون الخارجية يصبح قليلاً وغير كاف لتغطية متطلبات الاستيراد، بل لم يكن كافيا لتمويل الضرورية منها.
المبحث الرابع: الآثار الأخرى للديون الخارجية(1/159)
إن تناولنا في هذا المبحث للآثار الأخرى للديون الخارجية العربية سيقتصر على الاجتماعية والسياسة منها فقط. نتناول في البداية الآثار الاجتماعية للديون الخارجية وخاصة منها ارتفاع نسب للبطالة وتفاقم حدة الفقر، ثم ندرس الآثار السياسية للديون الخارجية، وفي النقطة الأخيرة نتطرق للآثار الناتجة عن الشركات العابرة للحدود ورأس المال الأجنبي.
المطلب الأول: الآثار الاجتماعية للديون الخارجية
إن الآثار السلبية للديون الخارجية لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط في الدول العربية وإنما تتعداها إلى الأبعاد الاجتماعية. فالدول العربية التي كانت تتبنى أنظمة اقتصادية تقوم بالأساس على سيطرة الدولة على ملكية وإدارة النشاطات الاقتصادية، نجدها تتحول تحولا جذريا، نتيجة مشاكلها المالية الخانقة تبنيها وتطبيقها لشرطية الصندوق النقدي الدولي من خلال تطبيق برامج التثبيت الاقتصادي والإصلاح الهيكلي؛ متخلية بذلك عن جزء كبير من مهمتها الاجتماعية المتمثلة أساسا في حماية أصحاب الدخول المحدودة. وتستند هذه البرامج إلى ضرورة إعطاء قوى السوق الدور البارز في الحياة الاقتصادية وتحرير المعاملات الاقتصادية والمالية مع العالم الخارجي.
ومن المنطقي أن يكون لمثل هذه التحولات الجذرية أثرها على المجتمع. وسنحاول التركيز في تحليلنا للآثار الاجتماعية للمديونية الخارجية على التأثيرات المترتبة على أسواق العمل في البلدان العربية المدينة. استنادا إلى أن الكسب من العمل يمثل المصدر الرئيسي لمداخيل غالبية الأفراد، وعليه فإن حرمانها من هذا الحق، ينتج عنه منطقيا استفحال البطالة بأنواعها وتفاقم حدة الفقر وإحداث المزيد من الاختلالات في توزيع الدخل وتعاظم الهوة بين طبقات المجتمع.(1/160)
إن أغلب الدول النامية ومنها البلدان العربية التي لجأت إلى تطبيق برامج التثبيت الاقتصادي والإصلاح الهيكلي تحت وطأة ارتفاع مديونيتها الخارجية وبمباركة من المؤسسات الدولية الدائنة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس ونادي لندن...)، عانت من معدلات بطالة أصبحت تهدد استقرارها الاجتماعي والسياسي.
وترجع هذه المعدلات إلى عدة عوامل منها على سبيل المثال: تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في هذه الدول نتيجة لتطبيق سياسات انكماشية تتضمنها هذه البرامج خاصة في المراحل الأولى لها، مما كان يؤدي دوما إلى خفض الطلب المحلي المؤدي بدوره إلى المزيد من حدة الركود الاقتصادي الذي يؤدي إلى تراجع الطلب على العمل. يضاف إلى ذلك، تأثير عمليات خوصصة المؤسسات العامة وضرورة تقليص العمالة بها قبل انتقالها إلى الملكية الخاصة، وكذلك تراجع الحكومات عن خلق فرص جديدة للعمل بحجة الضغط على الإنفاق العام وتقليص عجز الموازنات العامة، إلى غير ذلك من الإجراءات المرافقة لبرامج الإصلاح الاقتصادي هذه التي أصبحت شرطا ضروريا تفرضها الجهات المانحة مقابل إعادة جدولة الديون أو حصولها على قروض جديدة.
1 ـ ارتفاع نسب للبطالة
على الرغم من شح ودقة البيانات المتعلقة بالتشغيل والبطالة في البلدان العربية فإن القدر المتوافر منها يشير إلى اتجاه تصاعدي واضح لحجم البطالة. إذ تراوحت معدلات البطالة في البلدان العربية ما بين 15% و20 % خلال التسعينات، وهي الحقبة التي شهدت ارتفاع حجم الدين الخارجي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المعدلات المرتفعة للبطالة لا ترجع بالكامل إلى أزمة الدين الخارجي وإنما تتفاعل معها جملة من العوامل الأخرى تتعلق بعدم قدرة الاقتصاديات العربية على خلق فرص للعمل تتناسب مع حجم قوة العمل العربية التي تطورت في الأعوام الأخيرة.
2 ـ تفاقم الفقر(1/161)
ويمكن القول أن المحصلة العامة لتفاعل أزمة الديون الخارجية والنتائج المترتبة عليها، قد أثرت سلبا على مستويات المعيشة لغالبية الدول المدينة وأدت إلى تفاقم الفقر في هذه الدول.(1)لقد تبنى البنك الدولي في السنوات الأخيرة سياسة التصدي لمسألة الفقر، وأوضح أنه يجب أن يكون من بين مكونات السياسة العامة لأي دولة ترغب في تخفيف عبء ديونها أو الحصول عل قروض جديدة؛ الإجراءات التي يكون من شأنها التخفيف من وطأة الفقر في البلدان.
عموما فإن أزمة الديون الخارجية عولجت في الثمانينات بوصفات تنطوي على العديد من الإجراءات المجحفة بحق البلدان العربية. إذ كثيرا ما كانت الأطراف الدائنة والمانحة للقروض تفرض إتباع سياسات اقتصادية ترتكز على حزمة من الإجراءات التي تؤثر سلبيا على المجتمع. فعلى سبيل المثال تخفيض قيمة العملة المحلية، وما ينجر عن ذلك من تسارع لمعدلات التضخم الذي يعتبر العدو الأول للفقراء، وإلغاء الرسوم والضرائب أو تخفيضها على السلع المستوردة، وتخفيض الإنفاق العام ورفع الدعم عن السلع، والخصخصة؛ وكلها سياسات تؤدي إلى زيادة تدخل الدول الدائنة وشركاتها المتعددة الجنسية وتغلغلها في اقتصاديات الدول المدينة والتحكم فيها.
المطلب الثاني:الآثار السياسية للديون الخارجية
ظهر اتجاه بين صفوف الدائنين يؤسس نظرته إلى مشكلة الديون في الدول المتعثرة على أنها مشكلة إفلاس وليس نقص سيولة ودعا أصحاب هذا الاتجاه إلى مبادلة بعض الأصول الإنتاجية في الدول المدينة بالدين الخارجي. أي مقايضة حقوق الملكية في المشاريع التي تملكها الدولة في هذه البلدان بالديون، مما يضعف السيادة الوطنية لهذه الدول.
__________
(1) عن تقرير البنك الدولي لسنة 2000 ص 15.(1/162)
إن خطورة تفاقم الديون الخارجية لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية بل إنها تتجاوز إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد الضغوطات والتدخل الأجنبي. وفي ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة ومؤسساتها المالية الدولية ومع تنامي ظاهرة العولمة بكافة أوجهها -خاصة الوجه المالي- فإنه من المتوقع تسارع عملقة رأس المال واحتواء الشركات المتعددة الجنسية المحركة لهذا المال لمصير الخطط الإنمائية وتعميق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن خطورة هذا النفوذ لن تقف عند البعدين الاقتصادي والاجتماعي، بل ستتعدى إلى البعد السياسي.
فيرى البعض أن هذه الأموال والشركات الكبرى المحركة لها قادرة على التأثير على سيادة هذه الدول. إن هذه الأخيرة تلعب دور الشرطي الذي يلزم الدول المضيفة بتوجهات معينة في سياساتها العامة وهو ما يشكل مساسا بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي.
المطلب الثالث: الآثار الناتجة عن الشركات العابرة للحدود ورأس المال الأجنبي
تتمثل الآثار المصاحبة لدخول رؤوس الأموال الأجنبية والشركات الدافعة لها في اختراق النظام السياسي والتأثير عليه بما يتلاءم مع مصالحها. فقد كشفت التحقيقات الجنائية أن هذه الشركات تمول الأحزاب المتنافسة في الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مثلا حتى لا تأتي نتائج الانتخابات بأي أثر سلبي يمكن أن يضايق مصالحها. فما بالك بالدول النامية أو العربية وبهذا يتحول السياسيون من رجال دولة (Statesmen) إلى بياعين (Salesmen.(1)بالإضافة إلى أن القوى الأجنبية عادة ما تكون لها القدرة على شراء ذمم البعض من أعضاء البرلمان وحتى الحكومة.
__________
(1) إسماعيل صبري عبد الله، "العرب والعولمة" -العولمة والاقتصاد والتنمية العربية- بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000، ص 378.(1/163)
نشير إلى أن أزمة الديون الخارجية وما رافقها من تعاظم لدور الشركات المتعددة الجنسية والمستثمرين الخواص الدوليين أوجد واقعا جديدا، وعلى حكامنا التعامل معه. ويتجلى هذا الواقع الجديد في تراجع مكانة العلاقات بين الحكومات لصالح هذه الشركات والمستثمرين. وهو ما يحتم تعزيز قدرتنا التفاوضية كعرب مع هذه الجهات والبحث عن اللغة التي تفهمها هذه الأطراف بعيدا عن العواطف والصيغ الفارغة. وعناصر هذه اللغة هي حجم السوق المحلية والأداء الاقتصادي والمالي الجيد والمستقر ورأس المال البشري المؤهل بالإضافة الاستقرار السياسي والتشريعات والنظم المحكمة.
بعد تفاقم أزمة الديون وتكريس العولمة وخاصة العولمة المالية لهيمنة الدول المتقدمة، تجسدت سياسة ازدواجية المعايير كأبرز سمات العولمة المعاصرة والنظام العالمي الجديد. حيث أصبح هذا النظام يبيح لدول معينة أشياء ويحرمها ذاتها عن دول أخرى لا لشيء إلا لاختلال الموازين واختلاف المصالح الإستراتيجية مع الدول المهيمنة أو القادرة على الهيمنة.
في ظل الظرف الدولي الراهن، تصبح الدول العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى ببلورة وتجسيد رؤية متكاملة حول التحولات الدولية الراهنة، تمكنها من احتلال موقعا أفضل يخولها مواجهة تداعيات هذه التحولات.
خلاصة الفصل الرابع:
تحتل الديون الخارجية نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية وتشكل انتقاصا من الموارد المالية التي كان من الممكن أن تتجه إلى الادخار والتوسع الاقتصادي؛ فزيادة حجمها وأعبائها أثرت في شكل مباشر في خطط التنمية المستقبلية، وبمعدلات الادخار المحلي الذي تناقص تدريجاً لأسباب مختلفة. وهو ما أدى إلى عدم إمكان تنمية الموارد المالية الذاتية.(1/164)
كما أن اعتماد الدول العربية على القروض الخارجية، أدى إلى تزايد معدلات التضخم بسبب الضغوط التي تسببها هذه القروض على القدرة التنافسية لصادرات الدول المدينة، إضافة إلى أن أعباء خدمة الدين تستحوذ على نسبة عالية من الناتج المحلي الإجمالي وتشكل في الغالب انخفاضاً للموارد المالية التي من الممكن توجيهها للادخار من أجل التوسع في الاستثمار. ومن الملاحظ أن الكثير من هذه الدول اضطر إلى تأجيل تنفيذ مشاريع استثمارية عدة كما اضطرت إلى خفض معدلات الاستثمار بسبب نقص السيولة ونقص الموارد الأجنبية، ما أدى في النهاية إلى مزيد من التبعية في كل أشكالها تجارية ومالية وتكنولوجية.
إن آثار القروض الخارجية في عملية التنمية بالبلدان العربية تتوقف على طريقة استخدام القروض الخارجية وفعالية هذا الاستخدام. فإذا ما استخدمت هذه القروض في استيراد السلع الاستهلاكية أو في تمويل مشاريع غير إنتاجية، فسيؤدي ذلك بالطبع إلى إهدار قيمة القرض وزيادة العبء على ميزان المدفوعات. أما إذا استخدمت القروض الخارجية في تمويل المشاريع الإنتاجية ذات العائد السريع، فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي زيادة الدخل القومي.
أما بالنسبة إلى الآثار الاجتماعية، فإنه نتيجة تفاقم الديون، قد عانت الدول العربية ومازالت تعاني من البطالة التي أصبحت تهدد الاستقرار الاجتماعي في معظم هذه الدول استهدفت خوصصة القطاع العام وغلق العديد من المؤسسات العمومية نتيجة طلب إعادة جدولة ديونها وتطبيق الإصلاحات الاقتصادية المفروضة مما أدى إلى تسريح الآلاف من العاملين، وهي برامج كان لا بد من تنفيذها حتى تتم جدولة الديون، والحصول على قروض أخرى وفقاً لشروط الجهات المانحة.
الفصل الخامس
الفصل الخامس
مساهمة في اقتراح حلول مناسبة لمديونية البلدان العربية
المقدمة:(1/165)
بينا في الفصل السابق من هذا البحث، كيف تفاقم حجم الديون الخارجية ومدفوعات خدمتها في جميع البلدان العربية، خاصة منها غير النفطية. مدفوعات خدمة الديون والتي أصبحت تلتهم جانبا كبيرا من حصيلة الصادرات من السلع والخدمات.
كان طبيعيا أن تتولد عن تلك المديونية مجموعة من الآثار السلبية وقد شخصنا تلك الآثار على الخطط الإنمائية وعلى الاستثمار. كما تم تحليل آثار المديونية على الادخار المحلي والقدرة الاستيرادية ومعدلات التضخم، في عملية التنمية الاقتصادية لهذه البلدان. وبينا كيف أن أخطر آثار المديونية الخارجية يتمثل في شل جهود التنمية وما يترتب عليه من انعكاسات اجتماعية؛ وأن الكثير من هذه الدول اضطرت إلى تأجيل تنفيذ مشاريعها الاستثمارية وخفض معدلات الاستثمار، وذلك بسبب نقص السيولة والموارد المالية الأجنبية، مما أدى في النهاية إلى مزيد من التبعية بجميع أشكالها: تجارية، مالية وتكنولوجية.
أما فيما يخص الآثار الاجتماعية، فقد عانت البلدان العربية ومازالت تعاني من البطالة التي أصبحت تهدد الاستقرار الاجتماعي فيها. وأن ما زاد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعقيدا في هذه البلدان هو خوصصة القطاع العام وغلق العديد من المؤسسات العمومية وتسريح وتهميش الآلاف من العاملين. كل هذه الآثار السلبية، سببتها الإصلاحات الاقتصادية المفروضة على هذه البلدان، نتيجة لجوئه إلى طلب عملية إعادة جدولة ديونها أو الحصول على موارد مالية جديدة في شكل قروض. وعليه، أصبح من الأحسن صياغة سياسات اقتصادية جديدة تؤسس لمناخ لملائم في البلدان العربية، قصد التصدي لما نجم عن لهذه التحولات من انعكاسات سلبية كالفقر والتهميش والتبعية للمؤسسات المالية الدولية. وقبل أن نتناول بالدراسة أهم الحلول والسياسات المقترحة لمجابهة أزمة الديون الخارجية لهذه البلدان، بجدر بنا أن نتساءل عن الاقتراحات والحلول الجديدة التي تقدمت بها الدول العربية.(1/166)
وللإجابة على هذا التساؤل، نستعرض في المبحث الأول معظم أهم حلول إشكالية المديونية الخارجية المقترحة على الدول النامية، ثم سنتطرق في المبحث الثاني إلى اقتراحات حلول نراها مناسبة للبلدان العربية، المدينة التي شملها بحثنا، وكذا الاستراتيجيات المقترحة لمعالجة إشكالية مديونية الخارجية.
المبحث الأول: الحلول المقترحة لمواجهة الديون الخارجية للبلدان النامية
لقد أثرت أزمة الديون الخارجية بصفة كبيرة على اقتصادات الدول النامية التي عرفت تراجعا ملحوظا في معدلات النمو والتنمية، وخاصة بعد أوت من عام 1982، تاريخ انفجار أزمة الديون الخارجية انطلاقا من المكسيك. لقد وجدت تلك الدول التي عرفت مديونيتها الخارجية تأزما أمام خيارات ثلاثة هي :
·?التوقف عن الدفع بصفة نهائية أو بصفة مؤقتة في انتظار اتفاقية دولية
·?تسديد المديونية مهما كلفها الثمن مع تطبيق إصلاحات اقتصادية هيكلية
·?إعادة جدولة الديون مصحوبة بسياسة التصحيح الهيكلي
بهذا الصدد، عملت الدول النامية المدينة على وضع حلول تسمح بتجنب انهيار نظام المالي الدولي والخروج من هذه الأزمة المالية العالمية. وفيما يلي، تحليل مختصر ودقيق لمختلف الحلول المقترحة والسياسات الإصلاحية المطبقة لمحاولة الخروج من هذه الأزمة، وهي:
ـ الحلول التي يطرحها الدائنون، خاصة منها الحلول المقترحة من طرف بعض السياسيين والمفكرين في الدول الرأسمالية
ـ الحلول المقترحة من طرف الدول المدينة نفسها.
المطلب الأول: الحلول المقترحة من طرف الدائنين(1/167)
وهنا نتعرض للحلول المقترحة، وهي بكل تأكيد تخدم بالدرجة الأولى مصلحة الدائنين والجهات التي تمثل رأس المال الدولي والتي تزعم أنها تهدف إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية ودفع عجلة التنمية في البلدان المدينة. إذ ركز الدائنون منذ 1982 على سياسات التصحيح الهيكلي واللجوء إلى إعادة هيكلة الديون وذلك من أجل المحافظة على مصالحهم وضمان تسديد خدمات الديون الخارجية للبلدان النامية. ويمكن تصنيف هذه الحلول إلى:
ـ الحلول المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدول
ـ الحلول الخاصة التي تشجع الاستثمارات الأجنبية
ـ الحلول المقترحة من طرف بعض السياسيين والمفكرين في الدول الرأسمالية
ـ حلول أخرى.
أولا: حلول صندوق النقد الدولي
نعلم، في الآونة الأخيرة، أن الموارد المالية التي توجه إلى البلدان المدينة سواء من جانب البنوك أو الحكومات أو المنظمات الدولية أو المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، أصبحت لا تتم إلا بعد موافقة صندوق النقد الدولي وبضماناته، وبعد اتفاق البلد المدين معه بشأن تنفيذ برامج التثبيت والتصحيح الاقتصادي الهيكلي. وهذا كله يتم في إطار التنسيق غير المعلن عنه بين الصندوق الدولي والمؤسسات المالية المذكورة في مجال إعادة جدولة الديون ومنح قروض جديدة.
في هذا، يرى صندوق النقد الدولي أن التحويل الخارجي(إعطاء قروض جديدة) بدون تطبيق السياسات الاقتصادية التصحيحية اللازمة، لا يحل مشكلة الديون الخارجية، بل يؤجلها فقط ويؤدي إلى إعاقة الاقتصاد المحلي عن النمو. كما يرجع صندوق النقد الدولي مشكلة الديون الخارجية إلى العوامل الداخلية للدول المدينة مع إهمال العوامل الخارجية المذكورة سابقا.
1- مضمون برنامج التصحيح الهيكلي:
يتضمن برنامج التصحيح الهيكلي الذي يوصي به صندوق النقد الدولي ثلاثة محاور رئيسية وهي : إدارة الطلب، زيادة العرض، تحويل الإنتاج إلى صادرات. فيما يلي نتناول باختصار هذه المحاور الثلاثة.(1/168)
1-1- إدارة الطلب: إن المقصود بإدارة الطلب، هي تلك الإجراءات التي تضمن أن يكون مستوى وتوزيع الطلب الكلي يتوافقان مع الأهداف العامة التي حددتها السلطات في مجال معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي.بحيث تؤدي هذه الإجراءات إلى مكافحة التضخم والحد من عجز ميزان المدفوعات. وأهم الإجراءات المطلوب تنفيذها هي : الحد من عجز الموازنة العامة للدولة عن طريق زيادة الضرائب، إلغاء الدعم السلعي، زياد ة أسعار البيع لمنتجات شركات القطاع العام والخدمات الحكومية وذلك من خلال إلغاء الدعم الحكومي لها وتحرير أسعارها.
1-2- زيادة العرض : يشمل هذا المحور تلك الإجراءات من السياسات الاقتصادية التي يرى الصندوق أن من شأنها التأثير إيجابا في توزيع وتخصيص الموارد الاقتصادية، بحيث ينتج عن ذلك ارتفاع في معدل النمو الاقتصادي وفي حجم السلع الموجهة للتصدير أو المنتجة كبديل للواردات. ومن بين الإجراءات يقترح الصندوق :
ـ التقليل من المشاريع الضخمة التي تتطلب فترات إنجاز طويلة وإنفاق استثماري ضخم من العملة الصعبة
ـ التركيز على المشروعات الصناعية سريعة العائد.(1/169)
من أهم ما يتضمنه برنامج التصحيح الاقتصادي الهيكلي سياسات التسعير ونظم الأسعار، سعر الصرف والمعاملات الخارجية. فيما يخص سياسات التسعير ونظم الأسعار، يرى الصندوق ضرورة تحرير الأسعار في السوق المحلية قصد الاقتراب بها من النظام غير المقيد لقوى العرض والطلب. السياسات التي ن شأنها أن تؤدي إلى حصول زيادة أسعار في المنتجات الزراعية القابلة للتصدير وزيادة أسعار الطاقة المحلية ـ على الأقل إلى مستواها العالمي ـ، والرفع من أسعار منتجات القطاع العام والخدمات الحكومية؛ بالإضافة إلى زيادة أسعار الفائدة قصد تعبئة أحسن للمدخرات المحلية وترشيد استخدام القروض. وهنا نلاحظ أن زيادة العرض من السلع والخدمات في الدول المدينة تعتمد أساسا على توسيع وخلق الطاقات الإنتاجية؛ الأمر الذي له علاقة وثيقة بقضية الاستثمار. غير أن ارتفاع أسعار المواد يؤثر على برامج الدعم وخاصة على أصحاب الدخول المحدودة.
أما فيما يخص سعر الصرف والمعاملات الخارجية، فيلح صندوق النقد الدولي على ضرورة رفع سعر الصرف العملة المحلية للبلد المدين، أي التخفيض من قيمتها؛ مع إلغاء القيود المفروضة على المعاملات الخارجية خاصة التجارة الدولية، أي تحرير ها في المدى القصير، تم تحرير الصرف لأعراض حركة رؤوس الأموال الدولية في الأمد الطويل. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أن هذا الانفتاح يؤدي إلى نمو انفجاري للواردات. كما أن التخلي عن سياسات الرقابة على الصرف والضوابط الموضوعة على التجارة الخارجية قد يكون له نتائج عكسية فتصبح سببا في تفاقم العجز في الميزان التجاري وسببا أساسيا في ندرة النقد الأجنبي.
1-3- تحويل الإنتاج نحو التصدير(1/170)
يطالب صندوق النقد الدولي بزيادة الاستثمارات الأجنبية التي تعمل على تنمية قطاع الصادرات قصد تحقيق المزيد من الاحتياطيات النقدية الأجنبية، والتي من بواسطتها يمكن تسديد الديون التي اقترضها البلد المدين سواء من صندوق النقد نفسه أو من المنظمات الدولية والجهات المختلفة الأخرى.
كما أن تنمية موارد النقد الأجنبي من خلال إستراتيجية الإنتاج الموجه للتصدير، تضمن تمويل تحويلات الأرباح والفوائد ودخول رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة داخل البلد. غير أن هذه الإستراتيجية تربط هيكل الإنتاج المحلي بظروف الاقتصاد العالمي وتقلباته المستمرة، كما أنها تنطلق أساسا من تلبية حاجات الأسواق الخارجية وليس حاجات السوق الداخلي.
2- إستراتيجية صندوق النقد الدولي: يرى صندوق النقد الدولي أيضا أن معالجة أزمة المديونية تتطلب المساهمة الفعلية لكل من الدول النامية، والدول الدائنة، والبنوك الخاصة والمؤسسات المالية الدولية.
ـ الدول النامية: لا بد أن تطبق هذه الدول سياسات التصحيح الاقتصادي الهيكلي؛ وهي تشمل كافة الميادين الاقتصادية: الميدان المالي، السياسة الضريبية، الاستثمارات الداخلية والخارجية وغيرها.
ـ الدول الدائنة: لا بد أن تلعب دورها كمحرك جار للاقتصاد العالمي من خلال نمو اقتصادياتها، ومساعدة الدول النامية، خاصة منها الأكثر فقرا؛ وذلك بالتخفيض من أسعار الفائدة. وهذا ما يساعد على تخفيف ثقل المديونية الخارجية للدول النامية. كما على الدول الدائنة أن تسهل عمليات إعادة جدولة الديون الخارجية للبلدان النامية وأن تساعدها على تطبيق برامج التصحيح الهيكلي.
ـ البنوك الخاصة: لا بد أن تشارك هذه البنوك في حل الأزمة المالية الدولية من خلال التقليل من المؤونات على الديون المشكوك فيها وزيادة حجم القروض المقدمة للدول النامية.(1/171)
ـ المؤسسات المالية المتعددة الأطراف: وتتمثل هذه المؤسسات في صندوق النقد الدولي، البنك العالمي والبنوك الجهوية للتنمية. على عاتق هذه المؤسسات يقع جزء من المسؤولية في حل أزمة المديونية الخارجية التي تعاني منها الدول النامية.
ثانيا: حلول البنك الدولي
ينظر للبنك الدولي على أنه المؤسسة الاقتصادية العالمية التوأم لصندوق النقد الدولي، والذي أنشئ في إطار وضع النظام الاقتصادي العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة لاتفاقية بريتون وودز بواشنطن في جويلية 1944(1)، من منظور الحاجة إلى مؤسسة اقتصادية تمنح القروض الطويلة الأجل لتكمل عمل الصندوق. ويعتبر البنك الدولي المؤسسة الاقتصادية العالمية المسئولة عن إدارة النظام المالي الدولي والاهتمام بتطبيق السياسات الاقتصادية الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء والعمل على تحقيق النمو الطويل الأجل للتجارة الدولية. ويلعب البنك العالمي ومجموعته(2)، إلى جانب صندوق النقد الدولي، دورا هاما في إدارة أزمة المديونية الخارجية، خاصة في عمليات إعادة جدولة الديون.
إن رؤية البنك العالمي لا تختلف كثيرا عن رؤية صندوق النقد الدولي، فهو يشخص الأزمة على أنها تراكم في الأخطاء التي ارتكبتها الدولة المدينة وتأخر هذه الأخيرة في تطبيق السياسات الإصلاحية على اقتصاداتها.
كما يرى أن تفاقم مشكلة المديونية الخارجية بالبلدان النامية ترجع إلى القطاع العام والاستثمار الحكومي، لأن أكثرية مشروعات القطاع العام غير مربحة. ولهذا فهي تمثل عبئا ماليا ضخما على الحكومات يعود إلى عدة أسباب، أهما:
ـ عدم وضوح الأهداف، فالدولة تستخدم قطاعها العام لتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية غير مربحة؛
__________
(1) البداية الفعلية كانت 1946.
(2) مجموعة البنك الدولي: متكونة من IBRD (البنك الدولي للإنشاء والتعمير) وIDA (وكالة التنمية الدولية)و IFC و(مؤسسة التمويل الدولية).(1/172)
- تدخل الدولة في اتخاذ القرارات المركزية وسوء التسيير؛
- الأسعار غير الحقيقية التي تحددها تكاليف الإنتاج وبيع المنتجات؛
- عدم وجود نظم كافية للحوافز وتنمية المهارات الإدارية المناسبة.
وحسب البنك الدولي فإن قروض التصحيح الهيكلي تهدف إلى علاج مشكلات شركات القطاع العام من خلال آليات السوق وإبعادها تماما عن الأهداف الإجتماعية على أسس تجارية بحثة، منها رفع أسعار المنتجات إلى المستوى العالمي وإلغاء الدعم المخصص لها.
1- توصيات البنك الدولي: وفيما يلي توصيات وبرامج التصحيح الهيكلي للبنك العالمي والتي يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط هي:
1-1- أن تقوم الدولة النامية المدينة بتصفية المشروعات غير المربحة؛
1-2- بيع المشروعات العامة إلى القطاع الخاص وباشتراك رأس المال الأجنبي في ملكيتها؛
1-3- ضرورة تخفيف العبء المالي عن كاهل الحكومات المتعلق بتوفير وتوزيع هذه السلع والخدمات. بمعنى تخلي الحكومات على القطاعات غير المربحة جزئيا أو كليا وتركها للقطاع الخاص أو فرض رسوم مرتفعة على المستخدمين لهذه الخدمات.
2- برامج الاقتراض من أجل التصحيح الهيكلي: لا تختلف قروض التصحيح الهيكلي المقدمة من طرف البنك الدولي من حيث أهدافها ومضمونها عن القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي والتي تعرضنا له سابقا في بحثنا هذا. بل يمكن القول أن السياسات القصيرة المدى التي ينصح بها صندوق النقد الدولي تتكامل مع السياسات التكييفية الطويلة الأجل التي يدعمها البنك الدولي. تتضمن برامج التصحيح الهيكلي للبنك العالمي ما يلي :
ـ تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها في الفترة ما بين 3 و5 سنوات
ـ تحديد الإجراءات لتحقيق الأهداف السابقة خلال نفس الفترة
ـ تحديد مجموعة من الإجراءات التي تلتزم الحكومات المدينة باتخاذها قبل موافقة البنك على القروض الجديدة.
ثالثا: الحلول الخاصة بتشجيع الاستثمار الأجنبي(1/173)
يرى التيار الخاص بتشجيع الاستثمارات الأجنبية الخاصة بأن هذه الأخيرة تساعد على حل أزمة الديون الخارجية للدول المدينة النامية، لأنها، أي الاستثمارات الأجنبية توفر الموارد المالية للبلدان النامية المدينة المستضيفة لها.
كما أن الاستثمار الأجنبي القادم إلى الدول النامية من شأنه أن يوفر لهذه الدول المثقلة بالديون التكنولوجيا المتقدمة والخبرات والإدارة الرفيعة، مع زيادة فرص التشغيل، وزيادة الإنتاج، والمردودية في الإنتاج. وعليه، فهذا يزيد من تطور البلد ويساعده على زيادة قدرته على تسديد خدمة ديونه.
ويرى أصحاب فكرة تشجيع الاستثمارات الأجنبية بالبلاد النامية أنه لابد من توفير مناخ استثماري ملائم وذلك من خلال مجموعة من التصحيحات وتغييرات جذرية على المستوى الاقتصادي والسياسي والتشريعي للبلد، منها:
1 ـ تعديل السياسات الاقتصادية الداخلية: ويتمثل هذا التعديل في التقليل من الضرائب المرتفعة على أرباح الأموال الأجنبية المستثمرة، عدم التمييز بين المستثمرين الأجانب والمحليين، التقليل من القيود المفروضة على النقد الأجنبي وتحويلات الأرباح للخارج...إلخ.
2 ـ إعطاء ضمانات وتأمين الاستثمار الأجنبي ضد المخاطر السياسية وغيرها.
وتحت الضغط المرتفع لعبء الديون الخارجية، سارع الكثير من الدول المدينة بتعديل قوانينها ونظمها الداخلية (نظام الضرائب والجمارك وخاصة إعفاء رؤوس الأموال الأجنبية من الضرائب على الأرباح). ووقعت هذه الدول المدينة الكثير من الاتفاقيات لحماية وضمان الاستثمار الأجنبي الخاص المباشر ضد الكثير من المخاطر(1). مع العلم أن هذه الاستثمارات الأجنبية الخاصة، حظيت بدعم كبير من الهيئات الدولية، خاصة البنك العالمي ومجموعته.
__________
(1) المخاطر: منها التأميم، مخاطر تحويل العملة، الخسائر الناجمة عن الحروب....الخ.(1/174)
كما تجدر الإشارة إلى الدور الهام الذي ستقوم به الوكالة المتعددة الأطراف لضمان الاستثمار التي عمل البنك العالمي على تكوينها لتشجيع تصدير الاستثمارات الأجنبية الخاصة إلى البلدان النامية(1). والهدف النهائي منها هو تنشيط انسياب رأس المال الأجنبي الخاص إلى هذه الدول المدينة.
من المفروض، حسب ماسبق، أن تسمح الاستثمارات الأجنبية الخاصة بإيجاد حل لمشكلة الديون الخارجية للبلدان النامية؛ لكن في الواقع كانت هذه العملية عبارة عن إستراتيجية جديدة تسهل مهام توغل واختراق رأس المال الأجنبي داخل الدولة النامية والسيطرة عليها.
نلاحظ من خلال الجدول رقم(V-1) أسفله أن الاستثمارات الخارجية الخاصة قد تزيد من ثقل المديونية لأنها تضاف إلى إجمالي الديون الخارجية. فتصبح ضمن الالتزامات الخارجية للدول النامية المدينة(2).
الجدول رقم (V-1)
نسبة الاستثمارات الأجنبية الخاصة إلى إجمالي الالتزامات الخارجية
لسنة 1983 لعشرة دول مدينة.
الوحدة : مليار الدولار
الدول ... حجم الاستثمارات الأجنبية الخاصة ... حجم الدين القائم ... الالتزامات الخارجية ... (%)الاستثمارات الأجنبية الخاصة إلى إجمالي الالتزامات
الأرجنتين ... ... ,8 ... ,4 ... ,2 ... ,55
المكسيك ... ,6 ... ,6 ... ,84
الفليبين ... ,6 ... ,4 ... ,2
البرازيل ... ,7 ... ,9 ... ,6 ... ,15
فنزويلا ... ,3 ... ,1 ... ,4 ... ,91
الجزائر ... ,8 ... ,3 ... ,1 ... ,67
شيلي ... ,1 ... ,1 ... ,54
مصر ... ,1 ... ,1 ... ,04
المغرب ... ,7 ... ,1 ... ,8 ... ,46
نيجيريا ... ,7 ... ,7 ... ,15
المصدر : من إعداد الباحثة، استنادا على معطيات أخدت من مراجع مختلفة.
__________
(1) وافق مجلس محافظي البنك العالمي في اجتماعه السنوي لعام 1985 على تكوين وكالة رأس المال. الأساس بها قد قدر بواحد مليار دولار وحدة حقوق سحب خاصة.
(2) تعرف الإلتزامات الخارجية على أنها : رصيد الاستثمارات الأجنبية الخاصة المباشرة مضافا إليها الديون الخارجية.(1/175)
كما نلاحظ أن الدول التي رحبت بالاستثمارات الأجنبية الخاصة هي التي تعاني بكثرة من عبء المديونية. وأن هذه الاستثمارات لم تخفض من حدة الأزمة، بل زادت من حدتها نتيجة ضخامة الأرباح التي يحولها أصحاب الاستثمار الأجنبي الخاص من البلدان النامية. وهنا يظهر الثقل العكسي للموارد الذي يزيد من حدة الأزمة المالية للدول المدينة.
المطلب الثاني: الحلول المقترحة من بعض السياسيين والمفكرين في البلدان الرأسمالية وحلول أخرى
أولا: الحلول المقترحة من بعض السياسيين في الدول الرأسمالية.
1ـ خطة ميازاوا MIYAZAWA التي جاءت في أكتوبر 1988. قدم ميازاوا وزير المالية الياباني آنذاك خطة تشمل ما يلي:
ـ على البلدان المدينة أن تقوم بتحويل جزء من ديونها إلى سندات مع ضمان أصل الدين عن طريق حق امتياز على احتياطات صرفها؛
ـ عليها إعادة جدولة بقية الديون مع فترات عفو تصل إلى خمس سنوات، يمكن خلالها تخفيض مدفوعات الفائدة أو وقفها أو الإعفاء منها؛
ـ وأخيرا تزيد الهيئات سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف من إقراضها للبلدان التي اتخذت الخطوتين الأوليتين (تحويل جزء من المديونية إلى سندات وإلى إعادة جدولة بقية الديون). من خلال هذا الطرح، نلتمس نوع من واقعية ومحاولة المعالجة الظرفية مع مراعاة ظروف الدول المدينة.
2 ـ خطة مثيران Proposition de Mitterand: أقترح الرئيس الفرنسي الراحل إنشاء صندوق خاص يُسَير من طرف صندوق النقد الدولي لصالح الدول المدينة ذات الدخل المتوسط.(1)يعمل هذا الصندوق على تخفيض الأعباء المالية للدول النامية(2)، مع ضمان تسديد الفوائد المترتبة على بعض القروض التجارية التي تم تحويلها إلى سندات للبنوك التي توافق على تخفيض ديون البلدان المدينة وإعادة جدولتها.
__________
(1) DEMBINSKI Pawel, L’endettement international, Edition Que sais-je,PUF,1989,p 109.
(2) الدول النامية التي تقبل بتطبيق إعادة الجدولة.(1/176)
كما اقترح الرئيس الفرنسي إصدار حقوق سحب خاصة جديدة لتمويل هذا الصندوق، مع وضع الحصص من هذه الحقوق الموجهة للدول الصناعية تحت تصرف الدول المدينة(1).
3ـ مبادرة بيكر James BAKE): تم عرض المبادرة المذكورة من طرف جيمس بيكر، الأمين العام للخزينة الأمريكية آنذاك، أثناء الاجتماع السنوي المشترك لكل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في 18 أكتوبر 1985 بسيول عاصمة كوريا الجنوبية. ومن بين أهم ما تشتمل عليه المبادرة النقاط التالية:
3 ـ 1 ـ لابد أن تطبق الدول المدينة برامج التصحيح الاقتصادي الهيكلي.
3 ـ 2 ـ تقديم قروض جديدة من طرف البنوك التجارية بقيمة 20 مليار دولار أمريكي للفترة ما بين 1986 ـ 1988، وهي الفترة التي تغطيها المبادرة.
3 ـ3 ـ تقديم قروض ومساعدات من طرف المؤسسات المالية المتعددة الأطراف ومثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنوك الجهوية للتنمية. ينبغي أن تبلغ قيمة القروض المقدمة إلى 9 مليار دولار للفترة مابين سنة 1986 وسنة 1988(2).
أقترح بيكر في مخططه المذكور التعديل نحو الأعلى عن طريق التنمية الاقتصادية وخاصة نمو وزيادة الصادرات. وفي 1987 أضاف بيكر لمخططه في اجتماع سنوي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اقتراحات جديدة تسمى بمنظور القائمة (l’approche du menu) في شكل خيارات مالية موجهة من جهة لتعديل المخطط ومن جهة أخرى للمؤسسات المالية المتعددة الأطراف، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. والتعديلات الخاصة بالمخطط كثيرة نذكر منها:
ـ منح قروض للمشاريع الصناعية وتكوين مؤونات خاصة بها، إنشاء سندات جديدة وأوراق بنكية قابلة للتحويل بأسهم محلية...الخ؛
* الاقتراحات الموجهة للمؤسسات المتعددة الأطراف وتتمثل في:
__________
(1) FMI , le traitement de la dette, Finance et développement, Septembre, 1988, P16.
(2) أرزقي إيغمات، مرجع سابق، ص116.(1/177)
ـ التعديلات الخاصة بصندوق النقد الدولي؛ إذ طلب منه جيمس بيكر إنشاء مرفق جديد للمساعدة المستعجلة مكان مرفق التمويل التعويضي(1). ويتكلف هذا المرفق بتعويض الانخفاض في أسعار السلع وحجم الصادرات، ومواجهة الكوارث الطبيعية، وتغطية الإصلاحات؛ كل ذلك يتم بمعدلات فائدة ميسرة؛
ـ تعديلات خاصة بالبنك العالمي؛ إذ طلب بيكر من البنك الدولي زيادة رأسماله وقيامه بدور أكبر في مجال الاستثمارات؛
ـ توسيع دور البنك الدولي في عملية مقايضة الديون؛
ـ زيادة من دوره في إستراتيجية المديونية.
كما أن مبادرة بيكر تطالب الدول النامية المدينة بمجموعة إجراءات، أهمها ما يلي:
ـ تحقيق فائض في الميزان التجاري من أجل تسديد خدمات الديون والنهوض بالنمو الاقتصادي؛
ـ منح قروض جديدة بدلا من تخفيض أسعار الفائدة وتخفيض من أصل الدين، وهذا ما يؤدي إلى تراكم المديونية وتعقيدها فيما بعد.
__________
(1) External contingency facility (ECF) and compensatory financing facility (CFF.((1/178)
4 ـ مبادرة برادي BRADY: تتمثل مبادرة برادي، الوزير الأمريكي للخزينة، التي تم الإعلان عنها في سنة 1989 في مخططه الذي يدعو المجموعة الدولية لمزيد من الدعم للدول النامية الدائنة، وهو يقترح فكرة إلغاء جزئي أو تخفيض من عبء الديون التجارية، بتحويل ديون بعض البلدان إلى سندات ذات العائد المضمون. مما يتوجب تدخل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتسيير هذه العملية. وتستمر الدول الدائنة في دعمها من خلال عمليات إعادة الجدولة للديون الثنائية الرسمية في إطار نادي باريس والإبقاء على غطاء قروض التصدير للبلدان التي تطبق الإصلاح الاقتصادي(1). ومن جهة أخرى، اقترح برادي تنظيم قمة سنوية تخص للتجارة والمديونية يدعو إليها ويرأسها رئيس البنك الدولي. في هذه القمة يمكن للدول المدينة التي تتعهد بتطبيق سياسات الإصلاح وهي برامج التصحيح الهيكلي الملائمة والحصول على تخفيض %3 من معدلات الفائدة خلال فترة ثلاث (03)سنوات على مجموع مستحقات القروض التجارية الثنائية الرسمية(2). وكان ومن نتائج هذا المخطط مايلي :
ـ تخفيض المديونية وذلك بإلغاء جزء من ديون الدول المدينة المعنية؛ ...
ـ الخلط بين السيولة وأزمة القدرة على الوفاء في معالجة الأزمة، هذا ما أثر سلبا على معدل النمو في هذه الدول(3)؛
ـ حفظ النظام المالي من الانهيار.
بهذا الصدد اختلفت وجهات النظر، فالبعض يعتبرها ناجعة، والبعض الآخر يرى أنها فاشلة، في حين يؤكد آخرون أن نتائجها معتدلة.
__________
(1) Bulletin du FMI , Août 1993, p.263.
(2) Iguemat , op cit P.121
(3) MOSSAD Ahmed, et SUMMERS Lawrence, le point sur la crise de la dette, deux ans après, finances et développement, Septembre 1992, p04.(1/179)
رغم هذه النتائج، فأزمة المديونية الخارجية ما زالت تهدد اقتصاديات عدد كبير من الدول النامية عامة والعربية خاصة(1)؛ لأنها تستنزف جزء كبيرا من مواردها المالية بالعملة الصعبة محرمة إياها من تعزيز نموها الاقتصادي.
ثانيا: الحلول المقترحة من طرف المفكرين في الدول الرأسمالية:
إن الحلول المقترحة من طرف المفكرين في الدول الرأسمالية المتقدمة تضمن إلى حج كبير للدائنين استعادة أموالهم المقرضة ومصالحهم على المدى المتوسط والطويل؛ وذلك من خلال العمل على تقوية قدرات المدينين على الدفع. لكنها في النهاية لا تقدم أي حل لمأزق المديونية الخارجية التي تعاني منها الدول النامية؛ إذ أنها محاولات متكررة لتكييف الاقتصاديات النامية المدينة بحيث تظل قادرة على الاستمرار في خدمة ديونها. ويمكن حصر أهم هذه الحلول التي طرحها هؤلاء فيما يلي:تحسين شروط إعادة جدولة الديون، تخفيض سعر الفائدة وغيرهما.
1 ـ تحسين شروط إعادة جدولة الديون: تعتبر عملية إعادة الجدولة الديون الخارجية الحل التقني الأكثر استعمالا وشيوعا؛ فهو من بين الحلول التي يقترحها صندوق النقد الدولي، البنك الدولي والدائنون عموما. فإعادة الجدولة هي تقنية لإعادة صياغة الديون القديمة في جداول جديدة مع إعادة تشكيل شروط القرض وتأجيل مدة السداد. كما تعتبر إعادة الجدولة من الحلول القديمة الكلاسيكية التي كانت تطبق قبل 1982. فهي تقنية لإعادة ترتيب خدمة الديون، بحيث أنها يمكن أن تشمل تأجيل المستحقات الأولية، سواء أصل الدين وهو رأس المال فقط أو الأصل والفوائد التي تستحق خلال فترة زمنية محددة، هي فترة التجميد période de consolidation. وتلجأ عادة الدول الدائنة إلى ذلك حتى لا يتحول مشكل السيولة المؤقت إلى مشكل ملاءة الذي قد يؤدي إلى إفلاس بنوكها.
__________
(1) BAHRAN NAWZAD, « leçons d’une décennie d’endettement, revue et développement, volume 27, N° 1, mars 1990, p.10(1/180)
يتم التفاوض على عمليات إعادة الجدولة في نوادي مختصة، ففي نادي باريس يكون التفاوض حول الديون العمومية 1. أما في نادي لندن فالتفاوض يشمل الديون التجارية ودراسة الصعوبات، والمشاكل المتعلقة بالديون الخارجية الخاصة. وتكون دائما عملية إعادة الجدولة مصحوبة بشرطية صندوق النقد الدولي المتمثلة في تنفيذ برامج التثبيت الاقتصادي ووالتصحيح الهيكلي؛ الشروط التي ينبغي أن تقبل بها البلدان النامية حتى تقبل الأطراف الدائنة التفاوض مع حول إعادة جدولة الديون.
1 ـ 1ـ شروط إعادة الجدولة حسب قواعد نادي باريس: أهم شروط إعادة الجدولة في إطار نادي باريس هي:
* لا بد على البلد المدين الذي يسعى على الحصول على الموافقة على عملية إعادة الجدولة أن يتقدم بطلب رسمي يعلن فيه عن عجزه عن دفع أعباء ديونه ويطلب الدخول في المفاوضات مع دائنيه.
* وعند المفاوضات في إطار نادي باريس التي عادة ما يرأسها ممثل عن الخزينة الفرنسية ويحضرها الدائنون الرئيسيون للبلد ومراقب من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية CNUCED. يبدأ البلد المدين في تقديم تبريراته التي دفعته إلى هذا الطلب؛ وذلك بتقديم تقرير تفصيلي عن حقيقة وضعه الاقتصادي والمشاكل التي يواجهها(1/181)
* يقدم صندوق النقد الدولي للدول الدائنة كافة المعلومات والحقائق المتعلقة بأوضاع البلد المدين في الأجل القصير، مثل عجز الحساب الجاري، سعر الصرف المطبق، السياسات التجارية والجمركية، طبيعة هيكل كل من الصادرات والواردات، وحجم الاحتياطات الدولية ، وغيرها. كما يقدم كل ما يتوفر لديه من دراسات تحليلية عن اقتصاد البلد المدين. كما يسارع البنك الدولي بتقديم برنامج يتضمن إجراءات معالجة مشاكل البلد، الاقتصادية والمالية على المديين المتوسط والطويل. وهنا يتم التركيز على السياسات الاقتصادية الكلية، كالادخار، الاستثمار، والاستهلاك، خاصة وضع القطاع الخاص المحلي، وغير ذلك من الجوانب المختلفة للاقتصاد الوطني.
* عادة ما يكون الاتفاق الأولي يشمل سوى القروض الرسمية المضمونة ويتم استبعاد القروض القصيرة المدى التي أعيدت جدولتها. ويهتم مثل هذا الاتفاق بالأقساط المتأخرة والأقساط المطلوب تأجيلها لأثنى عشر شهرا، أما الفوائد فلا بد من دفعها ولا تعاد جدولتها لأسباب تتعلق بالمركز المالي للجهات الدائنة.
* تتم إعادة جدولة ما بين 85 و90 % من الدين المستحق خلال الفترة المعنية، أي فترة التجميد.
*يعتبر تأجيل دفع خدمة الدين الخارجي بمثابة دين جديد يتحصل عليه البلد المدين؛ بحيث عادة ما يكون سعر الفائدة الجديد أعلى من سعر الفائدة الأصلي.
* تتراوح فترة السماح، أي الفترة التي لا تدفع خلالها أقساط أصل الدين، ما بين سنة وخمس سنوات. فإذا كانت فترة التجميد التي تم إعادة المستحقات التي تغطيها غير كافية فإن الدائنين يعلنون عن استعدادهم لمفاوضات أخرى في فترات لاحقة.
* وهنا نأتي إلى أخطر شروط عملية إعادة الجدولة، وهو المتعلق بتطبيق شرطية الصندوق النقدي الدولي المتمثل في برنامج التثبيت الاقتصادي والمتبوع مباشرة وفورا ببرنامج التصحيح الاقتصادي الهيكلي.(1/182)
* بمجرد فبول المدين بهذه الشروط تتكون له خلال المفاوضات هيئة استشارية تتولى تدبير قروض عاجلة له.
ومن خلال شروط نادي باريس، يفقدا لبلد المدين استقلالية القرارات الاقتصادية والسياسية.
يرى عدد كبير من المفكرين أنه لا بد من تحسين شروط إعادة الجدولة. وونفس الصدد فهم يطالبون بمايلي:
- ضرورة التفرقة بين الدول النامية فيما بينها، فهناك دول فقيرة، كالدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، ودول ذات الدخل المتوسط كبلدان أمريكا اللاتينية؛
- ضرورة تمديد مدة تجميد الدين المعاد جدولته حتى يتمكن البلد المدين تقوية اقتصاده واستعادة قدرته على الدفع؛
ـ تخفيض أو إلغاء سعر الفائدة على الدفعات المؤجلة؛
ـ عدم الربط بين إعادة الجدولة وبرامج التصحيح الهيكلي؛
ـ أن ترتبط عمليات إعادة الجدولة بزيادة تدفقات حقيقية للموارد المالية الخارجية للبلد المدين؛
ـ ضرورة أن تتضمن قواعد عمليات الجدولة، بعض المبادئ والقواعد التي تراعي الظروف الخاصة للبلد المدين (الفقر، الظروف الاجتماعية والسياسية) من اجل تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1 ـ 2 ـ إعادة جدولة الديون الخاصة: رغم تنوع واختلاف شروط إعادة الجدولة المتعددة الأطراف مع البنوك إلا أن التحليل يتطلب إبراز ما يلي:
* القروض المستحقة تكون خلال عام أو عامين قادمين مع إعطاء فترة لتأجيل أقل من السابقة؛
* الأقساط التي يتم جدولتها لا تتجاوز %80 إلا في حالات نادرة؛
* تفرض رسوم أو عمولة على عملية إعادة الجدولة؛
* مطالبة البنوك التجارية البلد المدين بتطبيق برنامج دعم اقتصادي متبوع فورا بتطبيق برنامج تصحيح هيكلي؛ وذلك بالاتفاق مع الصندوق النقد الدولي.
تعتبر إعادة جدولة الديون عملية تأجيل الدفع بكلفه مالية باهظة. وعليه فهي حل لا يخدم مصالح الدول المدينة. لذلك أقترح بعض من المفكرين إدخال تعديلات على الشروط عملية إعادة الجدولة، منها ما يلي:(1/183)
ـ زيادة فترة السماح ما بين لتبلغ ما بين 15 و20 سنة؛
ـ إلغاء فوائد التأخير أو تقليلها؛
ـ إلغاء رسوم أو عمولة إعادة الهيكلة.
2- تخفيض سعر الفائدة على الديون: إن ارتفاع سعر الفائدة على القروض يؤثر بشكل كبير على ارتفاع مدفوعات الفوائد وبالتالي على ارتفاع خدمات الديون. الأمر الذي أثار اهتمام عدد كبير من المفكرين في الدول الرأسمالية نفسها فقدموا بعض المقترحات للتخفيف من عبء الديون، نذكر منها :
2 ـ1 ـ هناك من يقترح تحسين أداء آلية تسهيل التمويل التعويضي بصندوق النقد الدولي بخصوص البلدان المدينة عندما يحصل ارتفاع في أسعار الفائدة.
2 ـ2 ـ هناك اقتراح ينادي برسملة الفوائد أي إعطاء قروض جديدة لتمويل مدفوعات الفوائد المستحقة، وبذلك تتحول الفوائد إلى أصل دين متراكم.
2 ـ 3 ـ تقديم قروض جديدة بأسعار فائدة أقل من الأسعار السابقة بالسوق، مقابل تملك الدائنين لحصة في ملكية المشروعات الموجودة بالدول المدينة.
2 ـ 4 ـ تقييد مدفوعات الفوائد المستحقة بنسبة معينة من حصيلة عائدات صادرات الدول لمدينة. بحيث تتزايد هذه الحصيلة بتزايد مدفوعات الفوائد، والعكس بالعكس.
2-5- يقترح هؤلاء تثبيت سعر الفائدة عند مستوى معين لا يتعداه. ويمكن للتثبيت هنا أن يتم باستخدام أسعار صادرات أو واردات البلاد المدين أو ربطه مثلا بأسعار البترول.
2 ـ 6 ـ هناك من ينادي بضرورة زيادة حجم القروض المشتركة التي يقوم بتركيبها البنك العالمي بغرض تمويل حالات إعسار دفع الفوائد.
2 ـ 7 ـ ومنهم من ينادي بضرورة تحديد سقف لسعر الفائدة الذي تتحمل دفعه الدول المدينة مهما ارتفع سعر الفائدة في الأسواق النقدية. وتتولى هيئة دولية كصندوق النقد الدولي أو البنوك المركزية في الدول الدائنة تمويل دفع الفرق للبنوك التجارية.
ثالثا: حلول أخرى
بالإضافة إلى ما سبق التعرض له، تجدر الإشارة إلى وجود حلول أخرى متمثلة في إعادة جدولة، إعادة تمويل وإلغاء الديون.(1/184)
1 ـ إعادة جدولة الديون الخارجية: تعتبر عملية إعادة جدولة الديون الخارجية الحل التقني الأكثر استعمالا، وهو من بين الحلول التي يقترحها صندوق النقد الدولي، البنك الدولي والدائنون عموما. فإعادة الجدولة هي تقنية لإعادة صياغة الديون القديمة في جداول جديدة، مع إعادة تشكيل شروط الدين وتأجيل السداد.
وكما سبقت الإشارة إليه، فإن إعادة الجدولة تعتبر من الحلول الكلاسيكية التي كانت تطبق قبل 1982. فهي النية لإعادة تنظيم الديون، يمكن أن تشتمل على تأجيل المستحقات الأولية، سواء الأصل وهو رأس المال فقط، أو الأصل والفوائد التي بلغت الاستحقاق خلال مدة محددة. وتلجأ الأطراف الدائنة إلى ذلك حتى لا يتحول مشكل السيولة المؤقت إلى خسارة أو ضياع رأس المال والفوائد التي قد تؤدي إلى إفلاس بنوكها أو على الأقل تؤثر سلبا على مركزها المالي.
يتم التفاوض على مستوى ناديين مختلفين كما أشرنا، ويختلف النادي باختلاف نوع الدين. ففي نادي باريس يكون التفاوض حول الديون العمومية. أما في نادي لندن فالتفاوض يكون يشمل الديون التجارية ودراسة كل الصعوبات والمشاكل المتعلقة بالديون الخاصة. ودائما تكون إعادة الجدولة مصحوبة بشرطية صندوق النقد الدولي المتمثلة في تنفيذ برامج التثبيت الاقتصادي المتبوع فورا ببرنامج التصحيح الهيكلي. وحتى تقبل الأطراف الدائنة التفاوض مع البلد المدين حول إعادة جدولة الديون لا بد أن تقبل البلدان المدينة المعنية بإعادة الجدولة بالبرنامجين المذكورين. والجدير بالذكر أن من شروط اتفاقيات نادي باريس القاضية بإطفاء بعض الديون لأشد البلدان فقرا هو ارتباط الدول المدينة بصندوق النقد الدولي والالتزام بشروطه السياسية
والاقتصادية القاسية.(1/185)
ودون الدخول في التفاصيل الفنية، فإن إعادة جدولة مبلغ معين لمدة 15 سنة مثلا يؤدي إلى دفع ضعف هذا المبلغ على الأقل في نهاية هذه المدة. ناهيك عن كون الدولة المدينة لا تستطيع أن تقدر بدقة المبلغ الذي ستدفعه فعلا في فترة التأجيل، لأن أسعار الفائدة قد تكون متغيرة، أي غير محددة مقدما لارتباطها بأحوال السوق. فعلى سبيل المثال فإن 35% من القروض الخارجية التونسية عقدت بأسعار فائدة متغيرة. لقد اضطرت الدول المدينة إلى التفاوض بشأن تأجيل ديونها مما أدى إلى تراكمها وارتفاع الفوائد؛ وكذلك إلى إتباع سياسات تقشفية في مختلف الميادين؛ وبالتالي انقلبت الحلول إلى مشاكل إضافية ودخلت البلدان المدينة في حلقة مفرغة.
2 ـ إعادة تمويل الديون الخارجية: تطبق عملية إعادة تمويل الديون الخارجية على البلد المدين الذي يعاني من وضعيه مالية صعبة ولكنها مؤقتة. أي أن هذه الصعوبة لا تعود لخلل في هيكل السياسة الاقتصادية، أو إلى عدم توازن المبادلات الخارجية، مثل حالة الجزائر، والتي صاحبها طلب قروض جديدة مكلفة.(1)
عند تطبيق هذا الحل، يكون البلد المدين ليس مجبرا على إتباع البرامج الاقتصادية التصحيحية المقترحة من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. غير أن للدول الدائنة التي تقبل بهذا الخيار الحق في الإطلاع على الوضعية الاقتصادية للبلد المدين. إن تطبيق هذا الحل، يؤدي إلى تكاليف عالية، بحيث تؤدي بدورها إلى زيادة مخزون المديونية دون ضمان تحقيق سريع لخدمات المديونية.
__________
(1) Hocine Benissad, l’ajustement structurel Objectifs et expériences, éditions Alim, 1993, p 53.(1/186)
3 ـ إلغاء الديون: وهي شطب الديون. غير أن هذه العملية لا يمكن أن تمس إلا الديون العمومية؛ ويتم ذلك سواء في إطار متعدد الأطراف مثل ما جرى به العمل في نادي باريس في إطار مبادرة تورنتو Torontoفي سنة 1988، ومبادرة تيرنيداد Trinidad في سنة 1990. وقد استفادت بعض الدول ذات الدخل الضعيف على الأخص من إلغاءات جزئية لديونها.
إن عملية إلغاء الديون حاليا تثير المخاوف وتخلق جوا غير مريح، إذ إنها تنطبق على الديون قبل إعادة جدولتها لأول مرة وليس على أصل الدين الحالي؛ كما أنها تلغي الديون العسكرية التي تنسجم مع مصالح الدول المانحة وليس الديون المخصصة للتنمية، ولا المساهمة في تحسين الصادرات الكفيلة بسداد الدين.
من جهة أخرى، تزايد الوعي لدي الدول المدينة التي لم تعد قادرة على تحمل هذه المشكلة، مصحوب بتزايد الوعي لدى الدائنين الذين أخذوا يدركون خطورة الوضعية، والذين شرعوا في اتخاذ بعض المبادرات التي من شأنها تحسين الوضعية نوعيا مقارنة بالماضي. وكذلك هناك بروز وعي لدى المنظمات غير الحكومية التي شعرت بتهديد وبعدم إنسانية الوضع القائم، فقامت بالتعبئة الجماهيرية المكثفة للضغط على أصحاب القرارات في الدوائر السياسية والمالية والنقدية الدولية قصد إلغاء ديون العالم الثالث.(1/187)
ومن خلال ذلك، يعتبر قرار تمييز الدول الفقيرة الأكثر مديونية لإيجاد برنامج ملائم لإلغاء مديونيتها أمرا جديدا بحد ذاته، وخصوصا وأن الإلغاء يتطلب جهدا ماليا لتمويله. وقد تقرر لأول مرة بأن يقوم صندوق النقد الدولي ببيع جزء من الذهب الذي يختزنه، لمواجهة تكاليف تمويل الإلغاء؛ ولكن مقابل ذلك، فرض الصندوق برامج صارمة وبشروط صعبة على البلدان المعنية بالإلغاء. بالنسبة للدول العربية فأغلبيتها لا تعتبر معنية بمبادرة الدول الفقيرة الأكثر مديونية، لأن معيار تحديد وترتيب هذه الدول يقوم على متوسط نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي وهو 800 دولار في السنة. علما أن هذا المتوسط بالنسبة لقطر هو 42676 دولار للفرد في سنة 2004، أما بالنسبة لموريتانيا فيساوي في نفس السنة451 دولار؛ وبالنسبة لترتيب الدول العربية المدينة فتتصدر عمان الرتبة الأولى بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي يعادل(1)10964 دولار في سنة 2004.
4- استبدال الديون بأسهم debit equity swap: هو عملية استبدال حقوق مصرفية بأصول ثابتة أو حقوق ملكية على شكل أسهم. تلجأ الدولة المدينة إلى هذه التقنية بهدف تخفيض الديون الخارجية؛ وتتم العملية بعد بيع البنك الدائن لحقوق ملكيته بسعر غالبا ما يكون أقل من القيمة الاسمية للإصدار. يتم استبدال هذه الحقوق بعملة وطنية للبد المدين، بحيث تستعمل الموارد المالية لشراء أصول إنتاجية بالبلد المدين ( أراضي، مباني... إلخ) أو أوراق مساهمة في مؤسسات. لقد استعملت الأرجنتين هذه التقنية في سنة 1984، وبعدها الشيلي في سنة 1985، ثم كل من المكسيك والفيليبين والإكوادور في 1986(2).
__________
(1) عن التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ص17.
(2) Jean Claude BERTHELEMY, les nouvelles stratégies d’allégement de la dette des PVD, , Revue d’économie politique, N° 101, juillet et août 1991, p538.(1/188)
5- اقتراح (3D : dette développement démocratie) لسوزان جورج:
في الأخير، تجدر الإشارة إلى الحل الذي اقترحته سوزان جورج(1)، والذي يقوم على تبني صيغة تتكون من معادلة الدين، التنمية والديمقراطية. ويسعى هذا المقترح إلى المطالبة بتحويل المديونية إلى استثمارات بأسلوب لا علاقة له بمنطق السوق، بحيث تحدد لهذا التحويل أهداف تنموية حقيقية داخل البلد المدين، يستفيد منها المواطن قبل كل شيء، وتقام مشاريع تنموية في المناطق التي تحتاج إلى هذه التنمية؛ فعلا مع إشراك المواطن في عمليات التنفيذ. ويمكن أن تشمل هذه المشاريع شق الطرق وبناء المدارس والسدود والتنمية الريفية...الخ. وأن تتم هذه التقنية بإقامة علاقة نوعية بين البلد الدائن والبلد المدين بحيث يتم تأسيس صندوق مستقل بإدارة مشتركة، توضع فيه عائدات المديونية وتوجه نحو تنفيذ مشاريع تنموية داخل البلد المدين.
يمكن لمثل هذا المقترح أن يدخل ضمن مشروع واسع يشمل مثلا دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول شمال إفريقيا أو دول البحر الأبيض المتوسط. لكن هذا الاقتراح لم يتلقى صدى كبيرا، لأن وجود الديون في حد ذاتها يفرز انعكاسات سلبية على سيادة بلدان جنوب وشرق المتوسط؛ كما تعرض للخطر الأهداف المعلنة في إطار الشراكة الأورو– متوسطية (تعزيز العلاقات الاقتصادية، الحفاظ على الأمن الدولي في المنطقة، وحماية البيئة). كما لوحظ تناقض بين الأهداف المعلنة في تصريح برشلونة(2). إذ كان من المفروض أن تشكل انطلاقة لشراكة اقتصادية ومالية جد طموحة، وإنشاء منطقة رفاهية مشتركة بين بلدان شمال بحر المتوسط وجنوبه.
المطلب الثالث: الحلول المقترحة من طرف البلدان المدينة
__________
(1) سوزان جورج، نائبة رئيس مجموعة أطاك فرنسا خلال الثمانينات.
(2) المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، تقرير حول المديونية الخارجية لبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط، الدورة العامة الخامسة عشرة، ماي 2000، ص141.(1/189)
قامت الدول المدينة بتطبيق إجراءات، واقتراح سياسات كحلول لأزمة الديون الخارجية. من هذه الحلول ما هو فردي يخص كل دولة مدينة على حدى؛ ومنها ما هو جماعي متمثل في الاقتراحات الجماعية أثناء الملتقيات والقمم الدولية. وسنتطرق إلى أهم هذه الاقتراحات والسياسات فيما يلي:
أولا: السياسات المتخذة من طرف واحد: أمام استمرار تفاقم أزمة المديونية أجبرت الدول المدينة على تطبيق سياسات تصحيح لاقتصادياتها، سواء كانت مبادرات فردية للإصلاح أو بمشورة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي؛ وهذا لمواجهة مدفوعات ديونها الخارجية. ويمكن تصنيف هذه السياسات إلى مجموعتين، الأولى تهتم بتخفيض الطلب الكلي بشقيه الداخلي والخارجي؛ ويصطلح عليها بالسياسة الاقتصادية الانكماشية والتقشفية،، والثانية تخص تشجيع الصادرات، وتسمى بالسياسة الاقتصادية التوسعية.
ثانيا:السياسات المقترحة من قمم وتكتلات البلدان المدينة
إن المبادرات المتعلقة بالسياسات المقترحة من قمم وتكتلات الدول المدينة عديدة منها:
1ـ إعلان مجموعة قرطا جنة لمجموعة دول أمريكا اللاتينية: في سنة 1984، وبمدينة قرطا جنة الكولومبية، وقعت على الإعلان القمة إحدى عشر دولة من الدول المدينة في أمريكا اللاتينية. أصرت مجموع هذه الدول على ضرورة إيجاد مخرج الأزمة المديونية الخانقة. ومن بين الحلول المقترحة آنذاك، نذكر ما يلي:
ـ المطالبة بتوسيع آلية تسهيلات التمويل التعويضي لصندوق النقد الدولي وزيادة كل من القروض الرسمية القروض المقدمة من طرف المؤسسات المالية الدولية، وكذلك إلزام البنوك التجارية بمنح قروض بقدر أكبر من مستوى مبلغ تلك التي طلبت بها خطة بيكر. كما طالبت مجموعة قرطا جنة بتخفيض ملحوظ في أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية في الأسواق الدولية، وتحديد سقف لخدمة المديونية كنسبة معينة من إيرادات الصادرات، وتحسين شروط إعادة الجدولة، وإلغاء الرسوم عليها.(1/190)
ـ بالمقابل، على الدول النامية المدينة أن تقوم بتصحيح سياستها الاقتصادية الداخلية، مع إعطاء أولويات لتحقيق نمو في الإنتاج وزيادة التوظيف وغيرهما.
ـ ضرورة تحسين شروط التبادل التجاري الدولي، والسماح لصادرات البلدان النامية بالدخول إلى أسواق البلدان الرأسمالية المصنعة؛ وذلك بإلغاء القيود الحمائية وتقليص الرسوم والتعريفية الجمركية إلى المستويات التي تعرقل صادرات البلدان النامية المدينة، والعمل على استقرار أسعار صادراتها.
الجدير بالذكر هو أن البلدان الدائنة لم تستجب لهذه المطالب.
2- قمة أكابولكو ACAPULCO: في شهر نوفمبر من عام 1987 اجتمعت ثمانية دول من أمريكا اللاتينية بمدينة بأكابولكو بالمكسيك، وذلك من أجل تحليل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعلاقتها بالأزمة المالية. بهذا الصدد أكد جميع المشاركين في القمة على الربط بين أزمة المديونية الخارجية وحتمية التنمية الاقتصادية لبلدانهم؛ وبالتالي طالبوا بضرورة ما يلي:
ـ طلب المساعدة من الدول الدائنة من أجل تحقيق برامج التنمية.
ـ ضرورة خفض أسعار الفائدة.
ـ مراجعة سياسة صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
3- قمة منظمة الوحدة الإفريقية: اجتمعت الدول الأفريقية بأديس أبيبا، عاصمة إثيوبيا في 30 نوفمبر1987، وخرجت باقتراحات وحلول لأزمة المديونية الخارجية للدول الإفريقية. ويمكن تقسيم هذه الحلول والاقتراحات إلى صنفين، الأول خاص بالدول الإفريقية والثاني بالمجموعة الدولية.
3-1- الإجراءات التي يجب على الدول الأفريقية الأخذ بها.
انطلاقا من التصريحات الصادرة عن القمة الأفريقية المذكورة ، يجب على الدول الأفريقية الأخذ بالإجراءات الآتية، وذلك من أجل التخفيف من حدة أزمة ديونها الخارجية وتطبيق برامج التصحيح الاقتصادي.(1/191)
×?تحسين تسيير المديونية وتدعيم التعاون مع المؤسسات المختصة (البنك الإفريقي للتنمية، المركز الإفريقي للدراسات النقدية، اللجنة الاقتصادية لإفريقيا، منظمة الوحدة لإفريقيا).
×?تخفيض معدلات التضخم وتشجيع البحث والتطوير العلمي والتكنولوجي في القارة الإفريقية.
إنشاء مؤسسات متعددة الفروع (إنتاج، توزيع...) من أجل رفع المستوى التفاوضي مع الدول المتطورة.
×?تطوير أسواق رؤوس الأموال الوطنية والمطالبة بإنشاء صندوق نقد إفريقي وتدعيم البنك الإفريقي للتنمية وتشجيع التعاون داخل القارة الإفريقية.
×?مواصلة جهود التحاد الأفريقي والعمل على إنشاء نادي للمدينين الأفارقة، تكون مهمته بالمشاركة في تسوية أزمة المديونية الإفريقية، وإنشاء بنك المعلومات حول المديونية الخارجية للبلدان الإفريقية.
3-2- الإجراءات التي يجب على الدول الدائنة الأخذ بها.
صرحت الدول المجتمعة في القمة الأفريقية بضرورة التزام الدول الدائنة بالإجراءات التالية:
×?تحسين البيئة الاقتصادية الدولية وجعلها ملائمة للتصحيح الاقتصادي في الدول الإفريقية.
مطالبة الدول الدائنة بالكشف والتصريح بالأموال الإفريقية الخاصة، المودعة في بنوكهم من طرف أفارقة.
×?زيادة الحصص المالية الموجهة لإفريقيا في إطار المساعدات.
×?تخفيض أسعار الفائدة والرفع من مدة القروض.
×?منح أجل استحقاق لمدة 50 سنة وفترات سماح تبلغ 10 سنوات فيما يخص كل أنواع القروض الجديدة.
×?تحديد المبالغ الإجمالية لخدمة المديونية بسقف لا يتجاوز نسبة معينة من إيرادات الصادرات.
×?تحويل كل القروض الثنائية العمومية القديمة بهبات.
×?تعليق مدفوعات خدمة المديونية الخارجية لفترة 10 سنوات ابتداء من سنة 1988.
×?تسديد جزء من المديونية العمومية الثنائية بالعملة المحلية.
×?إعادة جدولة متعددة السنوات بحيث لا تقل عن 10 سنوات وبمعدلات فائدة معدومة.(1/192)
مع العلم أن الدول الدائنة لم تقبل هذه الاقتراحات التي تمس مصالحها، وأصرت على ضرورة تطبيق الإصلاحات المقترحة من طرف مؤسسات التمويل الدولية؛ ولكنها حاولت في قمة السبع الكبار الرابعة عشر بتورنتو، المنعقدة في شهر جويلية 1988، أن تخفف من عبء الديون القائمة على الدول الأقل نموا، وكذلك بمنحها أسعار فائدة ميسرة، وإلغاء بعض الديون إلى جانب إطالة فترات السداد وفترات العقود. وقد استفادت من هذه المبادرة 13 دولة من إفريقيا منها: أوغندا، بنين، السنغال، غينيا، النيجر، الكامرون، المغرب وغيرها. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبلجيكا بإعلان عن مبادرات رسمية لإلغاء الديون القائمة على الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء.
3 ـ 3 ـ إعلان الجزائر لقمة النقابات الأفريقية:
إن المشاركين في القمة الأفريقية الأولى، المجتمعون في الجزائر العاصمة يومي 8 و9 جويلية 1999، وبعد مناقشات مثمرة، قد تبنوا إعلان الجزائر الذي قدم إلى القادة الأفريقيين المشاركين في القمة الخامسة والثلاثين بمنظمة الوحدة الأفريقية، وتبنوا بخصوص المديونية التوصيات التالية:
×?التنمية الدائمة لا يمكن أن تتم دون إلغاء ديون البلدان الأفريقية كليا، وأن الظلم الذي خلفه النظام الاقتصادي الدولي ليس إلا انتهاك لحقوق شعوب القارة الأفريقية في التنمية؛
×?المديونية الخارجية تشكل عاملا أساسي لتحديد التنمية في إفريقيا وأن استمرار عبء هذه الديون يبقى واحدا من أهم العوائق للانطلاقة الاقتصادية للقارة والنهوض بها نحو الرقى؛
×?عند التوقيع على القروض، توصى القمة بانتهاج إدارة حكيمة وتوخي الشفافية والالتزام بقبول المحاسبة والمسؤولية خلال الألفية القادمة؛
×?تنسيق جهود إفريقيا وأن تعمل سوية لدى جميع المؤسسات الدولية للمطالبة بفتح فضاء اجتماعي للعولمة بهدف وضع حد لأزمة المديونية الأفريقية.
وفيما يلي، الخطة المقترحة لمعالجة ضغط المديونية:(1/193)
أ ـ تحويل خدمة الدين وجزء من الدين كمرحلة أولى إلى استثمارات منتجة داخل البلدان لتحريك الاقتصاد وإنعاش التشغيل والرفع من حجم الصادرات وخلق توازن مالي من أجل التوفير والاستثمار الوطني.
ب ـ إيجاد آلية عملية وموضوعية تهدف إلى إلغاء هذه الديون لأنها قدمت شروط صعبة. ويمكن أن تعتبر إلغاء الديون اليوم حق مستحق للدول النامية لتعويض لها عن الأضرار الاقتصادية الجسيمة التي لحقت بها نتيجة احتكار الرأسمالية الدولية للاقتصاد العالمي وتخفيضها المقصود لأسعار المواد الخام والمواد الفلاحية...الخ.
4 ـ مطالبة بإلغاء الديون: إن فكرة إلغاء الديون بدأت تتردد في كثير من المحافل والمؤتمرات الدولية، وكثير من الحكام والمختصين في أزمة الديون الخارجية طالبوا بإلغاء المديونية الخارجية، خاصة بالنسبة للديون الخارجية المستحقة على الدول الفقيرة. وهذا الحل في الواقع ليس سهلا، لأنه يفترض تفهم الدائنين لضرورات التنمية والتقدم الاجتماعي ومراعاة الظروف الشائكة للمدنين؛ فهذه الأمور لا تهم الدائنين، وبخاصة البنوك التجارية، التي تعمل بمنطق الربح. ولكن نظرا لأن مشكلة الديون الخارجية قد نبعت، بشكل رئيسي من عوامل خارجية لا تستطيع هذه الدول أن تؤثر عليها، فإنه يتعين إذن أن تكون هناك مشاركة في تحمل أعباء الحل بين الدائنين والمدينين وتنازلت من قبل الجهات الدائنة، خاصة بالنسبة للدول الأكثر فقرا.(1/194)
فقد أعلن الرئيس الأرجنتيني، راؤول الفونسين في 19 مايو 1983 في الاجتماع الوزاري الذي عقد لوزراء المالية والاقتصاد لدول أمريكا اللاتينية بالمكسيك، أن دول القارة قد وضعت في ظلام دامس من جراء تزايد معدلات الفائدة، والأعباء الإضافية المتوقعة لعمليات إعادة الجدولة ونمو نزعة الحماية بالبلاد الدائنة(1). وطالب الرئيس بان تتخذ الإجراءات المناسبة التي تكفل تأجيل سداد الديون بشروط معقولة، مثل إطالة فترة السداد، بمعنى زيادة مدة السماح. وتخفيض أسعار الفائدة والعمولة ورسوم إعادة الجدولة. وأن يكون هناك تدفق مستمر للموارد المقترضة التي تسمح باستمرار التنمية.
وبهذا الصدد، يرى الرئيس الكوبي فيدال كاسترو أن الحل لن يكون إلا بإلغاء هذه الديون، واتحاد الدول المدينة للنضال من أجل أن يصبح الإلغاء حقيقة. ويرى كاسترو، أن هذا الإلغاء خطوة هامة نحو الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. إذ أنه حينما تستغل الموارد المالية الناجمة عن إلغاء الديون في تمويل التنمية وبالتالي في تحسين مستوى معيشة شعوب البلدان المدينة، فإن وارداتها ترتفع لتعود بالنفع على اقتصاديات الدول المصدرة؛ إذ تزدهر التجارة العالمية ومن تم الاستثمار وتنخفض معدلات البطالة في البلدان الدائنة.
يبقى السؤال المطروح، أين الدول العربية من هذه الحلول المطبقة ولماذا لم تعطي نتائج مرضية؟ وما هي الحلول التي يمكن اقتراحها على الدول العربية؟ للإجابة على هذه التساؤلات سنتناول في المبحث الثاني الموالي إمكانية اقتراح حلول جديدة مناسبة بالدول العربية.
المبحث الثاني: مساهمة في اقتراح حلول مناسبة
__________
(1) رمزي زكي، أزمة القروض الخارجية،دار المستقبل العربي،الطبعة الأولى، مصر،1987، ص 275.(1/195)
قد رأينا فيما تقدم، أن الموقف الحرج الذي تواجهه الدول العربية المدينة، يتمثل في عدم قدرتها على التوفيق بين الاستمرار في الوفاء بالتزامات ديونها الخارجية وبين الاستمرار في تمويل واردتها من المستلزمات الإنتاجية اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة. عدم التوفيق هذه أوقع هذه البلدان العربية المدينة في مشاكل اقتصادية دائمة، مثل تدهور القدرة الذاتية على الاستيراد، وإضعاف معدل الادخار المحلي، والتعرض لموجات شديدة من التضخم، وتحول عبء مدفوعات خدمة الدين الخارجي إلى عامل مسبب للعجز المستمر في ميزان المدفوعات.
يتم هدر رؤوس الأموال العربية بقدر كبير، وذلك من خلال توظيفها في المشروعات غير المنتجة، وما تتسبب فيه العراقيل العديدة التي تحول دون انتقال رأس المال بين البلدان العربية، وتقلبات أسعار الصرف عملاتها، إلى جانب اشتداد النزعة الاستهلاكية لدى نخبها؛ فضلا عن حالة التخلف الاقتصادي وانعكاساته السلبية في هذا الميدان. وكما أننا بينا في المبحث السابق كيف تفرض الوصفات الجاهزة لحلول اقتصادية لهذه المعضلة والتي عادة ما تقدمها مؤسسات التمويل الدولية ومصارف الاقتراض الغربية التي لا تأخذ بعين الاعتبار إلا مصالحها المباشرة، المتمثلة في ضرورة استرجاع أموالها والوائد المترتبة عنها، بغض النظر عما سينجم عنها من آثار تنعكس سلبا على الأقطار البلدان المدينة،وهو ما يعني ضمنا فقدان البلدان العربية لاستقلالية قراره السياسي.
إن استمرار أزمة ديون البلدان العربية، وربما زيادة درجة خطورتها في المدى المنظور من شأنه تكريس أكثر فأكثر للتبعية الاقتصادية العربية إلى الدول الرأسمالية الدائنة؛ وذلك تحت ضغط مشكلة المديونية التي تواجهها، لاسيما وأن مخاطرها ستزداد تعقيدا في المدى الاستراتيجي لكونها ستشكل منافسا شديدا لما يخصص من الموارد لأغراض التنمية الاقتصادية في هذه البلدان.(1/196)
سنقوم في بداية هذا الجزء من الدراسة، بطرح حلول لمشكل المديونية الخارجية على مستوى الوطن العربي. كما سنحاول أن نقترح حلولا لهذه الإشكالية. فعلى الرغم من مسؤولية المجتمع الدولي في أزمة المديونية الخارجية للدول النامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، فإن العبء الأكبر للجهود الرامية للخروج من هذه الأزمة يقع على عاتق الدول المدينة نفسها. وكما أشرنا سابقا، فإن مبررات التمويل الخارجي تكمن في عدم كفاية الموارد المحلية لتمويل عملية التنمية. فبقدر ما تتفاقم فجوة الموارد المحلية بقدر ما يتزايد الاعتماد على التمويل الخارجي، وبالتالي يتزايد حجم القروض الخارجية وخدماتها. عليه فإن مواجهة أزمة المديونية الخارجية على المستوى العربي يجب أن تبدأ من العمل على تقليل فجوة الموارد المحلية.
إن إستراتيجية العمل من أجل مواجهة أزمة المديونية الخارجية على المستوى العربي يجب أن تنطلق من العمل على تدعيم قدرة الاقتصاد الوطني، وتبني إستراتيجية تنمية جديدة، وهذا ما سنتناوله في المبحث التالي.
المطلب الأول: حل مشكل المديونية الخارجية على مستوى الوطن العربي
إن مشكل المديونية الخارجية العربية هي قضية عربية في المقام الأول لأنها تمس مصالح البلدان العربية المدينة. لهذا يكون من الضروري الانطلاق من موقف ورؤية عربية موحدة على الأقل بالنسبة للبلدان العربية المدينة، لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلة. وذلك حتى نتجنب الضغوط الخارجية والداخلية التي تتعرض لها معظم البلدان العربية المدينة، بسبب العجز المتفاقم في موازين مدفوعاتها وما رفق ويرافق ذلك من نمو شديد في مديونياتها الخارجية.
في تقديرنا أن العمل العربي المشترك في هذا الخصوص، سيساهم بكل تأكيد في مواجهة أزمة المديونية العربية، ويحقق الفائدة والمصلحة لكل أطراف التعاون.(1/197)
وسنعرض فيما يلي الحلول المناسبة للمديونية العربية انطلاقا أن الوطن العربي يملك من الإمكانيات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والجغرافية ما يجعله دولة متقدمة، وذلك إذا ما توفرت الإرادة على الوحدة في السراء والضراء من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي العربي وذلك على غرار اتحاد الأوروبيين. وسوف نبدأ بعرض أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي.
أولا:- أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية العربية:
وفيما يلي، نظرة مختصرة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية.
??المساحة: تبلغ مساحة الوطن العربي 14.2 مليون كم2. ونسبتها إلى العالم 10.2 في المائة.
??السكان والعمالة: يبلغ عدد سكان العالم العربي حوالي 306.4 مليون نسمة، يشكلون 5 ( من سكان العالم، منها 115 مليون عامل(1).
??الناتج المحلي الإجمالي:يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 870 مليار دولار لعام 2004، ومتوسط نصيب الفرد هو: 2935 دولار.
??النفط: تبلغ عائدات النفط العربي حوالي248.5 مليار دولار لعام 2004، يتوفر العالم العربي على حوالي 59.( من الاحتياطي النفطي العالمي. ويسهم أيضا بحوالي 35.8( من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي بالنسبة لعام 2003، و31( من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي لعام 2004(2).
??الدين العام الخارجي للبلدان العربية المدينة: أبلغ إجمالي الديون الخارجية للوطن العربي عند نهاية عام 2004 حوالي151.1 مليار دولار. أما نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الخام فبلغت في نفس السنة 42.1 %.
وبلغت قيمة خدمة الدين العام حوالي 16.6 مليار دولار في العام نفسه 2004، ونسبة خدمة الدين إلى حصيلة الصادرات من السلع والخدمات12.2 (.
??التجارة:
* قيمة الصادرات السلعية 396.5 مليار دولار في سنة 2004.
__________
(1) التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ص(د).
(2) نفس المرجع السابق.(1/198)
* نسبة الصادرات العربية إلى الصادرات العالمية بلغت 4.4 (
* بلغت قيمة الواردات السلعية( سيف) 243.1 مليار دولار في نفس السنة
* نسبة الواردات العربية إلى الواردات العالمية بلغت 2.6 (
* بلغت قيمة الصادرات الإجمالية العربية البينية(عربية-عربية) ما يعادل 34.7(1)مليار دولار
* وبلغت نسبة التجارة العربية البينية إلى إجمالي التجارة الخارجية 10.1( خلال 2004.
ولكن على الرغم من هذه الإمكانيات الاقتصادية الضخمة التي يتوفر عليها الوطن العربي، فإنه نظرا لكونها موزعة بشكل غير عادل، نجد أنه في الوقت الذي تعاني فيه العديد من البلدان العربية من عبء المديونية الخارجية الثقيلة، نجد أن بلدان عربية أخرى تتمتع بفوائض مالية كبيرة؛ وأن الفوائض العربية التي وظفت في الأسواق والبنوك الأجنبية، هي التي أعيد تدويرها إلى البلدان النامية، ومنها بالطبع البلدان العربية المدينة. وهذا يعني أن الرصيد الصافي للمديونية الخارجية العربية هو رصيد إيجابي، بمعنى أنه لو نظرنا إلى الوطن العربي كوحدة واحدة لأمكن اعتباره بلدا دائنا وليس مدينا.
__________
(1) التقرير الاقتصادي العربي الموحد، مؤشرات عامة عن الدول العربية، ص د، سبتمبر 2005.(1/199)
ومن المعلوم أن أحد أسباب أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية هو فوائض دول الأوبيك التي تراكمت بشكل كبير خلال الفترة 1974 ـ 1979 نتيجة ارتفاع أسعار النفط والتي تم تدويرها بعد ذلك. ومع الأسف، فإن الأموال العربية لا تزال تتجه نحو أسواق المال الأوروبية والأمريكية متحملة أخطار التضخم العالمي وتقلبات أسعار الفائدة. زد إلى ذلك المخاطر الجديدة التي ظهرت في الآونة الأخيرة نتيجة المصادرة وتجميد أموال الاستثمارات العربية في الدول الغربية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001. لقد قام أمراء من الخليج العربي بسحب أموالهم الضخمة المودعة في البنوك الأمريكية(1). ومن الأمثلة على ذلك تجميد الأموال الليبية للضغط عليها سياسيا؛ زيادة عن ذلك مشاكل كثيرة تواجه الاستثمارات العربية في البلدان الغربية، فلماذا لا تكرس الجهود لاجتذابها إلى موطنها الأصلي من خلال تكامل اقتصادي عربي يعود بالخير على جميع الأطراف.
__________
(1) حسب صحيفة فايننشال تاميز في أوت 2002.(1/200)
في تقديرنا لقد حان الوقت لاستخدام وتوظيف الأموال العربية داخل الوطن العربي(1). فالمشاريع الإنتاجية المحفزة على الاستثمار متوفرة، والمناخ الاستثماري العربي ملائم ومشجع بشكل يخدم عملية التنمية العربية المستقلة ويعود بالخير على الجميع. ولا شك أن إقرار المؤتمر(2)للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس أموال عربية يعتبر خطوة مهمة في هذا الإطار، وبخاصة أنه يوفر الإطار المناسب لتشجيع القطاع الخاص على الإسهام في تمويل مشاريع التنمية العربية وبرامجها(3).
ثانيا:- مجالات الاستثمار في الوطن العربي
ويمكن حصر أهم مجالات الاستثمار المتاحة في الوطن العربي فيما يلي:
1- مجالات الاستثمار المالي والنقدي:
مجالات الاستثمار النقدي المتاحة في البلدان العربية كثيرة ومتنوعة نذكر منها ما يلي:
__________
(1) www.islamoline.net/economics/article04.، ورغم الخلاف حول حجم العربية في الخارج، التي تقدر بحوالي 800 مليار دولار، سنة2002.
(2) إن مؤتمر القمة العربي الحادي عشر الذي عقد في عمان 1980، طلب بتوجيه المدخرات والموارد العربية نحو مجالات الاستثمار الإنتاجية داخل الوطن العربي، وأكد على أن مستقبل الاقتصاد العربي يعتمد بشكل كبير على حسن توجيه الموارد العربية المتاحة، وهذا يتطلب توفير الإطار المناسب لتشجيع انتقال رؤوس الأموال في المنطقة العربية.
(3) الدجاني برهان، الأبعاد الاقتصادية لمؤتمر القمة العربي الحادي عشر، دراسات في التنمية والتكامل الاقتصادي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أيلول،1983،ص197 وص198.(1/201)
1-1- مجال الاستثمار في شراء الديون الخارجية للبلدان العربية: وهذا النوع من الاستثمار يحقق أرباحا لرؤوس الأموال العائدة من الخارج، ويجنب أصحابها القيود التي يمكن أن تفرض على سحب أموالهم من البنوك الأجنبية. إذ أنه يمكن لأصحاب هذه الأموال القيام بعملية شراء هذه الديون بأموالهم وهي في الخارج دون الحاجة إلى سحبها وإعادتها إلى البلاد العربية، وبذلك تتحول الديون الخارجية العربية إلى ديون عربية ـ عربية. يمكن أن يتم ذلك تحت إشراف بعض المؤسسات المالية العربية(1).
1-2-مجال الاستثمار في أذون الخزانة: يعتبر الاستثمار في أذون خزانة مسحوبة على الحكومات العربية بدلا من أذون الخزانة الأمريكية، أكثر أمانا حتى إن كان أقل عائدا من الاستثمار في أذون الخزانة الأمريكية. ضف إلى ذلك، مساهمة هذا الاستثمار في تنمية مصالح اقتصادية مشتركة جديدة بين الحكومات والشعوب العربية، وهو ما يبعد هذه البلدان العربية المدينة عن قبضة مؤسسات التمويل الدولية.
1-3-إيداع الأموال لدى المصارف العربية الرسمية بالعملات الوطنية: إيداع الأموال العائدة في صورة ودائع لدى المصارف العربة الرسمية بالعملات العربية؛ حيث إن أسعار الفائدة على هذه الودائع أعلى بكثير من أسعار الفائدة على الدولار(2). أو القيام بإقراض الحكومات العربية من خلال إحدى المؤسسات المالية العربية، بضمانها.
__________
(1) وعلى سبيل المثال صندوق النقد العربي بأبو ضبي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار بالكويت.
(2) مغاوري شلبي، فرص استعادة استثماراتنا http://www.islaonline.net/arabic/economics(1/202)
2- مجالات الاستثمار العيني أو المباشر: من الصعب حصر المجالات العينية في البلدان العربية التي يمكن للاستثمارات العائدة أن تعمل بها بصورة مباشرة، وذلك لأنها كثيرة ومتنوعة. قد يكون من المفيد إعطاء بعض الأمثلة مستندين في ذلك، كلما أمكن، إلى أرقام وإحصائيات الجهات العربية الرسمية. إن من أهم هذه المجالات مايلي:
2-1- الاستثمار في مشروعات البنية الأساسية العربية: في ظل برامج الإصلاح الاقتصادي، أصبح الاستثمار في مجال البنية التحتية متاحا أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي في معظم البلاد العربية. وهناك التجارب المصرية والتونسية والمغربية والجزائرية والخليجية في استثمار القطاع الخاص في مشروعات البنية الأساسية. علما أن هناك مشروعات عربية ضخمة مزمع إنشاؤها خلال السنوات القادمة، مثل مشروع إنشاء سكة حديدية بالسعودية، ومشروعات خطوط الغاز والكهرباء المشتركة في إطار برنامج الربط بين الشبكات العربية...الخ. في تقديرنا فإنه من باب أولى استخدام الأموال العربية العائدة بدلا من الاقتراض لتمويل هذه المشروعات.
2-2- مساهمة الأموال العربية العائدة في المشروعات صناعية لتحل محل رؤوس الأموال الأجنبية، لا سيما وأن المنظمة العربية للتنمية الصناعية تشير إلى أن إجمالي الاستثمارات الأجنبية في الصناعة العربية يصل إلى حوالي 5.2 مليار دولار(1).
2-3- اقتناء المشروعات العربية العامة التي يتم بيعها في إطار برامج الخوصصة في العديد من البلاد العربية من قبل المستثمرين العرب بدلا من سيطرة رأس المال الأجنبي على هذه المشروعات. وعلى سبيل المثال هناك فرص مربحة عديدة ومتنوعة في الكثير من البلدان العربية مثل: الجزائر، مصر، الأردن، تونس، المغرب، وبعض دول الخليج العربي.
__________
(1) نفس المرجع السابق.(1/203)
2-4- الاستثمار في قطاع الطاقة بمكوناته المختلفة، كالكهرباء،والغاز، والبترول: وفقا لتقديرات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول"أوبك". تحتاج البلدان العربية إلى استثمارات ضخمة في قطاع البترول والغاز وصناعة البتر وكيماويات.
2-5- الاستثمار في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني: هناك فرص كبيرة وجد مربحة في مجال الزراعة؛ إذ هناك بعض المشروعات العربية الكبيرة في السودان وفي بعض الدول العربية الأخرى. بكل تأكيد فإن الاستثمار في هذه المشروعات سيكون مربحا جدا؛ ومن شأنه أن يسد جزء كبير من الفجوة الغذائية العربية.
2-6- إنشاء شركات للتأمين وإعادة التأمين الضخمة والمشتركة؛ حيث أثبتت تجربة11 سبتمبر وما تبعها من تداعيات أن البلاد العربية في حاجة ماسة إلى مثل هذه النوعية من الشركات الضخمة القادرة على إعادة التأمين على المخاطر المختلفة.
هذه بعض الأمثلة التي تعكس توفر الفرص الجيدة والمتنوعة في البلاد العربية لاستيعاب الاستثمارات العربية العائدة من الخارج في ظل الظروف الراهنة. ورغم هذه الفرص الواعدة المتاحة أمام رؤوس الأموال العربية، فإن حلم عودة هذه الأموال يحتاج لتضافر جهود كل من الحكومات العربية والقطاعات الخاصة.
ثالثا: تعزيز دور صندوق النقد العربي
يعتبر صندوق النقد العربي من أهم مؤسسات العمل العربي المشترك، والذي أنشئ عام 1976 كمنظمة عربية متخصصة ومستقلة. وهو يضم في عضويته جميع أعضاء جامعة الدول العربية باستثناء جيبوتي. ويقع مقره في مدينة "أبو ظبي" بالإمارات العربية المتحدة.
لقد جاء تأسيس الصندوق من قبل الدول الأعضاء، ورغبة منها في إرساء المقومات النقدية للتكامل الاقتصادي العربي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في جميع البلدان العربية.
وقد حددت المادة الرابعة من اتفاقية الصندوق أهدافه وأغراضه في ثلاثة مجموعات رئيسية هي:
1 ـ مساندة الدول العربية مالياً وفنياً في تصحيح الاختلالات الاقتصادية.(1/204)
2 ـ بلورة سياسات وأساليب التعاون والتنسيق في المجالين المالي والنقدي على المستويات الوطنية والإقليمية العربية والدولية، وتهيئة الظروف لإنجاز التكامل النقدي بين البلدان الأعضاء.
3 ـ تطوير الأسواق المالية العربية من خلال تعزيز وتنمية حركة المبادلات التجارية، وانتقال رؤوس الأموال بين البلدان العربية.
وحتى يتسنى للصندوق تحقيق هذه الأهداف والأغراض تم تحديد الوسائل التي يمكن للصندوق استخدامها في هذه المجالات وهي:
ـ تقديم المعونات الفنية للأجهزة النقدية والمصرفية في البلدان العربية.
ـ تنسيق السياسات النقدية للبلدان الأعضاء، وتطوير التعاون بين السلطات النقدية.
ـ القيام بالدراسات اللازمة لتحقيق الأهداف العامة للصندوق.
قام الصندوق بإنشاء معهد للسياسات الاقتصادية في عام 1988، على غرار معهد السياسات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي، وذلك ليكون هذا المعهد وسيلة فعالة للمساهمة في تحقيق أغراض الصندوق، ويركز هذا المعهد في عمله على الآتي:
ـ تطوير وتعزيز قدرة الكوادر الفنية العربية المشاركة في دراسة ورسم ومتابعة تنفيذ السياسات من خلال الدورات التدريبية المتخصصة.
ـ بلورة فكر اقتصادي عربي بإجراء البحوث التطبيقية في مجال السياسات الاقتصادية.
ـ تبادل الآراء حول موضوعات الساعة التي تهم صانعي السياسات من خلال الندوات والمؤتمرات.(1/205)
وقد أكدت المادة الخامسة من اتفاقية الصندوق هدف الإسهام في تمويل العجز في موازين المدفوعات. وقد نصت الفقرة (أ) على اعتماد الصندوق في تحقيق هذا الهدف وسيلة تقدير التسهيلات ذات الآجال القصيرة والمتوسطة للدول الأعضاء في تمويل العجز الكلي في موازين مدفوعاتها. وحددت الاتفاقية بأن العجز الناجم عن تبادل السلع والخدمات ومبالغ التحويلات وانتقال رؤوس الأموال. ويعتمد الصندوق في تمويل العجز على رأس ماله واحتياطه العام، وما ينشأ من احتياطات أخرى ومن القروض والتسهيلات التي يحصل عليها، ومن أية موارد أخرى يقررها مجلس المحافظين.
أ- أنشطة الصندوق ودوره
لقد بدأ صندوق النقد العربي نشاطه منذ عام 1978. وبلغ إجمالي القروض المقدمة من طرفه إلى البلدان العربية ذات العجز ما بين الفترة 1978 ولغاية 1994 حوالي 647 مليون دينار حسابي، أي ما يعادل نحو (2.86) مليار دولار أمريكي.(1)استفادت من هذه القروض إحدى عشرة دولة من الدول الأعضاء. وهي الدول نفسها التي تعاني من عجز في موازين مدفوعاتها.
__________
(1) صندوق النقد العربي، التقرير السنوي 1994، 1995، ص52.(1/206)
إلي جانب الدور الأساسي للصندوق، ومن أجل تنشيط التجارة بين الدول العربية، قام الصندوق بإنشاء برنامج عرف ببرنامج تمويل التجارة العربية، وذلك في عام 1989. ومن من أجل دفع القطاع الخاص للمساهمة في تنشيط التجارة العربية البينية قام الصندوق بتخصيص خطوط ائتمان لتمويل الصادرات في العديد من البنوك العربية بشروط معين. وفى عام 2000، أعلن الرئيس التنفيذي لبرنامج تمويل التجارة العربية أنه تم تخصيص 20% من رأسمال البرنامج المدفوع والبالغ 500 مليون دولار لتمويل صادرات الدول العربية من البترول، بعد أن كانت قاصرة على الصادرات غير البترولية. كما تم توسيع نشاط البرنامج ليقوم بتمويل الصادرات العربية للعالم الخارجي، بعد أن كان التمويل قاصراً على الصادرات البينية العربية. وإلي جانب تمويل التجارة العربية، قام الصندوق في عام 1997 بإنشاء أول مشروع في مجال تقييم الجدارة الائتمانية للمؤسسات المالية مثل الشركات والبنوك وغيرها، وهو ما يطلق عليه Rating Agency وذلك بالتعاون مع ثالث أكبر مؤسسة عالمية في هذا المجال، وهي مؤسسة "فتش إيبكا". لقد تم ذلك بدعم من مؤسسة التمويل الدولية IFC وهذا المشروع أطلق عليه "الشركة العربية لتقييم الملاءة الائتمانية".
وفي هذا المجال يشير خبراء صندوق النقد العربي إلى أن عام 1999 شهد تحسناً في مختلف جوانب الاقتصاد العربي. وهو الأمر الذي ارتبط بمعاودة ارتفاع الأسعار العالمية للنفط منذ أواخر ربيع عام 2000 من جهة، واستمرار العديد من الدول العربية في تطبيق برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي من جهة أخرى، وذلك بغرض تحسين معدلات النمو لتنعكس بالتالي على تحسين مستويات المعيشة للمواطن العربي.(1/207)
ورغم وجاهة هذه الآراء لخبراء صندوق النقد العربي فإنه لا يمكن إغفال حقيقة في غاية الأهمية كشفت عنها التطورات الأخيرة في الاقتصاديات العربية، وهي أن أداء هذه الاقتصاديات العربية قد تأثر صعوداً وهبوطاً بمدى توفر ظروف خارجية مواتية، وخاصة فيما يتعلق بتغير الأسعار العالمية لعدد من السلع الأولية وخاصة النفط. وهذا يعني أن الاقتصاديات العربية ما زالت غير ذاتية التنمية، وأنها عرضة للتأثر الشديد بالتغيرات والأحداث الخارجية؛ لأن الاقتصاديات العربية ليس لديها قاعدة إنتاجية وتصديرية واسعة ومتنوعة. وفى ضوء العديد من التحديات التي ما زالت البلدان العربية تواجهها، يرى الخطاب العربي الموحد، أن البلدان العربية بحاجة إلى مزيد من التعاون مع المؤسستين الدوليتين خاصة في مجالات تخفيف حدة الفقر، وإنجاز مزيد من الإصلاحات الهيكلية، وتحقيق مزيد من التحديث لزيادة القدرة التنافسية للاقتصاديات العربية. ومن هنا تأتي المطالب العربية من صندوق النقد والبنك الدوليين.
ب- برنامج عمل الصندوق في مجال الأسواق المالية العربية
أولى صندوق النقد العربي منذ إنشائه أهمية خاصة للمساهمة في تطوير أسواق الأوراق المالية في الدول العربية، استناداً إلى ما أولته اتفاقية إنشائه من مسؤوليات في هذا المجال، وانطلاقاً من الدور الهام الذي تلعبه هذه الأسواق في حشد المدخرات وتوجيهيها لمجالات الاستثمار المتنوعة وتوفير مصادر التمويل للمشروعات الاقتصادية المختلفة. ولتحقيق ذلك، سعى الصندوق لبذل الجهود على عدة محاور، نذكرها في مايلي:(1/208)
المحور الأول: يتعلق بالمعلومات والبيانات المتعلقة بأنشطة هذه الأسواق. ففي هذا المجال، ونظراً لندرة البيانات وعدم رواج المعلومات الوافية عن أسواق الأوراق المالية في الدول العربية، أنشأ الصندوق قاعدة بيانات لأسواق الأوراق المالية العربية لتقوم بجمع المعلومات والبيانات الرسمية والموثوقة عن أوضاع ونشاطات هذه الأسواق، ومعالجتها بصورة منسقة وعلمية. وكذلك إعداد مؤشرات أدائها باستخدام منهجية موحدة ثم نشرها بصورة دورية ومنتظمة. وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات العاملة على إدارة هذه الأسواق تصدر نشرات دورية قيمة، إلا أن بعض هذه النشرات محدودة التوزيع ولا يمكن مقارنة البيانات الواردة فيها، سواء فيما بينها أو مع مثيلاتها في الأسواق المالية الناشئة أو المتطورة. وفي ضوء ذلك، عمل الصندوق على إنشاء القاعدة لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها:
1- المساعدة على تنمية الوعي الاستثماري العربي، والإعلام بنشاط أسواق الأوراق المالية العربية، وإبراز دورها كمورد لتمويل المشروعات الإنتاجية، ومجال لاستثمار المدخرات، وكذلك بصفتها آلية فعالة لعمليات تخصيص المشروعات المملوكة من قبل الحكومات ومؤسسات القطاع العام.(1/209)
2- ضمان استمرارية النشر وتدفق المعلومات عن أوضاع ونشاط هذه الأسواق بصورة دورية ومنتظمة، وذلك بعد إعدادها على أسس موحدة لتيسير المقارنة بينها مع إجراء التحليلات المالية اللازمة واحتساب المؤشرات التي تبين اتجاهات التداول والأسعار في كل منها. لقد انطلقت القاعدة في بداية عام 1995، بالتعاون مع ستة من أسواق الأوراق المالية في البلدان العربية وهي أسواق الأردن والبحرين وتونس وسلطنة عُمان والكويت والمغرب. ثم انضمت إليها أسواق كل من السعودية ولبنان ومصر. وخلال الربع الأول من عام 2002 انضمت إلى القاعدة أسواق كل من أبو ظبي ودبي وقطر. ومنذ ذلك الوقت، استمر الصندوق في إصدار النشرة الفصلية حول التطورات في الأسواق العربية المشاركة في القاعدة، والتي تشمل تحليلات لأنشطة هذه الأسواق خلال الفترة المعنية وكذلك التطورات الاقتصادية ذات العلاقة بأنشطة هذه الأسواق. وفي سبيل التعريف بأسواق الأوراق المالية العربية المشاركة بصورة أكبر، تضمنت النشرة منذ صدور عددها الأول، فصلاً خاصاً عن أحد هذه الأسواق يتناول نشأته وتطوره بما في ذلك المعلومات التي تتعلق بإجراءات الاستثمار في الأوراق المتداولة فيه لتكون بمثابة دليل للمستثمرين. وبعد استكمال هذه الفصول حول الأسواق المشاركة أصدر الصندوق عدداً خاصاً حول هذه الأسواق.
المحور الثاني: يتعلق بالأبحاث والدراسات والمسوحات الميدانية للأسواق المالية العربية للتعرف على أوضاعها والخروج بتوصيات عملية لتطويرها وزيادة التنسيق فيما بينها. وفي هذا الصدد، أجرى الصندوق بالتعاون مع بعض المؤسسات والخبرات العربية والأجنبية دراسات ومسوحات ميدانية في معظم الدول الأعضاء تم عرض نتائجها على البلدان المعنية في حينه.(1/210)
يقوم الصندوق بإعداد الدراسات والأبحاث حول التطورات في هذه الأسواق بصورة مستمرة، كما يعمل على التنظيم والمشاركة في الندوات والمؤتمرات المتعلقة بها وذلك من أجل زيادة الوعي بأهمية دور هذه الأسواق والبحث عن سبل تطويرها بما يتماشى مع المستجدات مع التغيرات المتواصلة في بيئة عملها.
المحور الثالث: يتعلق هذا المحور بتوفير المعونة الفنية اللازمة للبلدان الأعضاء لإنشاء وتطوير أسواقها المالية. ويأتي هذا الاهتمام ضمن برنامج تسهيل التصحيح الهيكلي الجديد الذي أقره مجلس محافظي الصندوق في عام 1997، بهدف توفير الدعم المالي والفني للدول الأعضاء ومساعدتها في ترسيخ وتعزيز مقومات الاستقرار الاقتصادي الكلي والانتقال إلى مرحلة متقدمة في مسيرة التصحيح الاقتصادي التي تتطلب تعميق وتعزيز الإصلاحات الهيكلية في القطاع المالي والمصرفي وقطاع مالية الحكومة.
إلي جانب الدور الأساسي، فإن الصندوق يقوم بدور كبير في تكوين قاعدة بيانات عربية واسعة لجميع المؤشرات الاقتصادية، كبيانات موازين المدفوعات والموازنات العامة وأسعار الصرف والحسابات القومية والتجارة الخارجية والدين العام والسكان وغيرها. وتعتبر هذه القاعدة من البيانات مرجعاً هاماً لكل صانعي القرار والباحثين الاقتصاديين في العالم العربي. ويقوم الصندوق بتوفير هذه البيانات لكل من يطلبها من المتخصصين في العالم العربي.
وعلى الرغم من زيادة حجم القروض المقدمة من قبل الصندوق، فإن دوره في تقديم القروض والتسهيلات الميسرة اللازمة لسد العجز في موازين المدفوعات مازال دون المستوى المطلوب. بل(1/211)
ومقيدا بسبب الربط بين حجم التسهيلات المعطاة وبين حجم الاكتتاب للدول الأعضاء في رأس مال الصندوق. فهذا الأمر يحد من فاعلية الصندوق في مساعدة البلدان التي تحتاج إلى الموارد المالية بسبب ضآلة حجم اكتتابها من ناحية وبسبب الاتجاه المتنامي لحجم العجز الذي تحققه. ويحد من فاعلية الصندوق للإقراض أيضا عوامل أخرى، أهمها:
ـ ضآلة رأسماله الذي لا يتعدى 250 مليون دينار عربي حسابي.
ـ عدم حصول الصندوق عل موارد إضافية كافية، وهذا ما أحبط قدرة الصندوق في التوسع في الإقراض رغبة منه بالمحافظة على توازن موارده.
التوسع في الإقراض رغبة منه بالمحافظة على توازن موارده.
لهذا نجد أنه من الضروري العمل على تدعيم دور صندوق النقد العربي، وذلك ليتمكن من مساعدة البلدان العربية في الحصول على التسهيلات والقروض الميسرة بدلا من أن تلجأ إلى المصادر الأجنبية؛ وبالتالي تتجنب هذه الدول التعرض لمخاطر الضغوط التي تواجهها في تعاملها مع تلك المصادر. وبالطبع فإن دعم دور الصندوق يعتبر أحد أهم المحاور للعمل العربي المشترك في مجال مواجهة مشكلة المديونية الخارجية العربية، وهذا يتطلب العمل على تحقيق عدة أمور أهمها:
1) العمل على زيادة موارد الصندوق بشكل مخطط ومستمر ليتناسب مع حاجة البلدان العربية المتنامية.
2) تعزيز وتطوير دور مؤسسة ضمان الاستثمار العربية مما يؤدي إلى زيادة إمكانياتها التأمينية، وتعديل نظامها بما يسمح بتوسيع دائرة نشاطها لتشمل جميع أنواع الاستثمارات، إضافة إلى دورها في تقديم ضمانات لسداد القروض والفوائد بمواعيدها المستحقة. وهذا ما يشجع الدول العربية ذات الفائض على إيداع احتياطاتها الرسمية لتعزيز موارد الصندوق وتدعيم قدرته على الإقراض، ولزيادة دوره في إعادة تدوير الموارد والفوائض العربية داخل الوطن العربي.(1/212)
3) قيام البلد العربي المدين بتهيئة المناخ الاستثماري الملائم لانسياب رؤوس الأموال العربية إليه، كتوفير حرية تحويل رأس المال وعوائده، وضمان استقرار القوانين المعمول بها.
4) تشجيع عقد اتفاقية عربية شاملة حول تشجيع انتقال رؤوس الأموال العربية وضمان حريتها بين الأقطار العربية، ورفع كافة القيود الإدارية والإجرائية أمام استثمارات البلدان العربية من قبل البلدان العربية التي ترغب في استضافة هذه الاستثمارات ومعاملتها معاملة المستثمر المحلي.
وقد أتينا هنا على إبراز دور صندوق النقد العربي باعتباره أحد أهم المؤسسات العربية التي تسعى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي. ولكن هناك العديد من المؤسسات المالية العربية المتخصصة في تمويل عمليات التنمية في الوطن العربي وباقي البلدان النامية، ومنها المؤسسات الإقليمية على مستوى الوطن العربي، والمؤسسات القطرية، وأهم هذه المؤسسات الإقليمية والقطرية:
×?البنك الإسلامي للتنمية
×?الصندوق العربي الإنماء الاقتصادي والاجتماعي
×?المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا
×?صندوق الأوبك
×?الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية
×?صندوق أبو ظبي للتنمية الاقتصادية
×?الصندوق السعودي للتنمية
×?الصندوق العراقي للتنمية
وقد بلغ إجمالي القروض التي قدمتها هذه المؤسسات منذ البدء في عملها ولغاية نهاية عام 1993 حوالي 39 مليار دولار، بلغت حصة الدول العربية منها حوالي 23 مليار دولار، أي ما نسبته 59( من مجمل هذه القروض. أما باقي القروض فكانت من نصيب البلدان النامية الأخرى المدينة. انظر الجدول رقم (V-2).
الجدول رقم (V-2)
المجموع التراكمي للعمليات التمويلية لمؤسسات التمويل العربية
في 31/12/2004
البنك الإسلامي ... صندوق أبو ظبي ... صندوق الأوبك ... الصندوق السعودي ... الصندوق العربي ... الصندوق الكويتي ... صندوق النقد العربي ... المصرف العربي ... المجموع ... حصص مجموع الدول %(1/213)
المجموع التراكمي الكلي ... .3 ... .8 ... .0 ... .9 ... .4 ... .4 ... .0 ... .0 ... .8 ... .0
حصص المؤسسات% ... .3 ... .6 ... .4 ... .6 ... .0 ... .0 ... .9 ... .2 ... .0
مجموعة الدول العربية ... .2 ... .6 ... .3 ... .7 ... 15923.4 ... 6965.1 ... 4293.0 ... 9.6 ... .9 ... .4
مجموعة الدول الافريقية ... .6 ... .0 ... .7 ... .6 ... .0 ... .5 ... .0 ... .4 ... .8 ... .4
مجموعة الدول الأسيوية ... .7 ... .0 ... .4 ... .8 ... .0 ... .0 ... .0 ... .0 ... .9 ... .2
مجموعة دول أمريكا اللاتينية ... .5 ... .0 ... .0 ... .9 ... .00.0 ... .5 ... .0 ... .0 ... .9 ... .4
مجموعة الدول الأخرى ... .3 ... .2 ... .6 ... .9 ... .0 ... .3 ... .0 ... .0 ... .3 ... .6
المصدر: صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2005، ص 372.
على الرغم من أن هذه المؤسسات أسهمت في تمويل العديد من المشاريع التنموية في الوطن العربي، فإن الأموال التي قدمتها تشكل فقط جزء من متطلبات التنمية في البلدان العربية المدينة ما عدا الصندوق العربي وصندوق النقد العربي فكانت قيمة المقدمة لمجموعة الدول العربية يساوي نفسها المجموع التراكمي الكلي. نحن نعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى ضعف المؤسسات القائمة على هذا المجال، والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية غير الملائمة في العديد من البلدان العربية وعدم التنسيق بينها. فتعزيز دور هذه المؤسسات التمويلية يتطلب مايلي:
·?توفير المناخ الاستثماري المناسب لتشجيع الاستثمارات المشتركة بين الدول العربية
·?و كذلك العمل على تطوير الأسواق المالية العربية
·? توجيه الأموال العربية نحو الاستثمارات العربية المنتجة.
رابعا: تطوير الأسواق المالية العربية: ...
... قبل أن نتطرق إلى الأسواق المالية العربية من المفيد التمييز بين أنواع الأسواق المالية التي تعمل فيها عادة المؤسسات المالية(1).
__________
(1) أحمد أبو الفتوح الناقة، نظرية النقود والبنوك والأسواق المالية، جامعة الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1995، من ص20 إلى ص22.(1/214)
أ ـ سوق النقد وسوق رأس المال: ويرتكز هذا التمييز حسب أجل استحقاق الأصول المالية المتداولة في السوق. ففي سوق النقد يتم تداول أدوات الدين قصيرة الأجل أي التي تقل مدته عن سنة. أما سوق رأس المال فيتم فيه تداول أدوات الدين وحقوق الملكية طويلة الأجل، والتي تقوم المؤسسات المالية بالتوسط بطرحها نيابة عن وحدات العجز.
ب ـ أسواق أدوات الدين وأسواق أدوات الملكية: تصدر وحدات العجز عادة نوعين من الأصول المالية إما السندات أو الأسهم. فالسندات أداة تتعهد بمقتضاها وحدات العجز التي أصدرتها بأن تدفع لحائز السند مبلغا نقديا ثابتا عبارة عن فوائد، وذلك عند نهاية كل فترة زمنية حتى تاريخ استحقاق السند. وعندما تكون فترة الاستحقاق أقل من سنة تسمى هذه السندات أذون خزانة، أما عندما تزيد فترة استحقاق هذه السندات عن السنة وتمتد لفترة عشر سنوات أو أكثر فتعتبر أدوات دين متوسطة أو طويلة الأجل. أما الأسهم العادية فهي أصول مالية تمثل خصوما تعطي حاملها حق المشاركة في الدخل الصافي للشركة. وتعطي أدوات الملكية عادة حاملي الأسهم الحق في الحصول على مبالغ دورية تسمى بتوزيعات متغيرة المقدار حسب أرباح المشروع.(1/215)
ج ـ السوق الأولى والسوق الثانوي: تعمل المؤسسات المالية في السوق الأولى وفي السوق الثانوي، والسوق الأولى هو السوق الذي يتم فيه بيع إصدارات الأسهم والسندات الجديدة، وذلك عندما تقوم الحكومة أو قطاع الأعمال بطرح السندات أو بيع الأسهم للحصول على موارد مالية لتمويل الاستثمار الثابت، وعادة ما تقوم المؤسسات المالية وبخاصة البنوك بطرح هذه الأوراق المالية، كما أن السوق الأولى هو السوق الذي تحصل فيه الشركة على الموارد المالية لتمويل استثمارها عندما تطرح أصولها المالية، ولذلك تعتبر السوق الأولى سوق الاستثمار الحقيقي للشركة، وسوق الاستثمار المالي للشخص الذي اشترى الورقة المالية، وغالبا لا تكون السوق الأولى معروفة للجمهور لأن بيع الأوراق المالية الجديدة يتم خلف أبواب مغلقة.
أما السوق الثانوي فهو السوق الذي يتم فيها عادة بيع الأوراق المالية التي سبق إصدارها، أي أن تداول الأوراق المالية يتم في السوق الثانوي، وهو عادة "البورصة"، فعندما يقوم الشخص أو الشركة مثلا التي اشترت الورقة المالية ببيعها بعد ذلك في السوق الثانوي نجد أنه لا يوجد استثمار حقيقي، وإنما يوجد استثمار مالي للمشتري الجديد للورقة المالية المباعة. وعلى هذا فليس كل استثمار مالي يتم لتمويل استثمار حقيقي، وذلك لأن السوق الثانوي هو سوق للاستثمار المالي، وليس الاستثمار الحقيقي. ولكن وجود الأسواق الثانوية مهم لأنها تجعل بيع الأصول المالية سهلا، إضافة إلى أن سعر الورقة المالية المصدرة في السوق الأولى تحدد بناء على أسعار السوق الثانوي لأن من يقوم بشراء الورقة المالية في السوق الأولى سيدفع فقط السعر الذي يعتقد أن السوق الثانوي سيحدده للورقة.(1/216)
بعد هذه الفكرة البسيطة عن الأسواق المالية وأنواعها لابد من التطرق إلى الأسواق المالية العربية. بدأت الأسواق المالية تظهر في العديد من البلدان العربية حديثا مع اختلاف في طبيعة الموارد التي تعتمد عليها هذه الأسواق، وطبيعة التوجه لنشاطها. فبلدان مثل مصر والمغرب وتونس والأردن تعتمد أسواقها المالية على الخارج نظرا لعدم توفر السيولة الكافية. بينما أسواق دول الخليج العربي لديها موارد فائضة تتوجه للأسواق المحلية والخارجية معا. وهذا يتطلب العمل على تنسيق الجهود والتعاون بين الدول العربية ليتم نقل الفوائض المالية من الدول ذات الفائض إلى الدول ذات العجز التي تكون بأمس الحاجة إلى هذه الموارد لتمويل الاستثمارات الإنتاجية المختلفة التي تتطلبها عملية التنمية، وبشكل يحق النفع المشترك للطرفين ويخدم أهداف التكامل الاقتصادي العربي وتحقيق التنمية الاقتصادية العربية بالاعتماد على الذات.
وللأسف فإن درجة الارتباط بين الأسواق المالية العربية والأسواق المالية أكبر بكثير من درجة الترابط بين الأسواق المالية العربية فيما بينها، فكما لاحظنا سابقا فإن أحد أسباب أزمة المديونية يكمن في الفوائض النفطية الضخمة التي حققتها الدول النفطية وبخاصة الدول العربية الخليجية عقب ارتفاع أسعار النفط في سنتي 1973 و1979، والتي اتجهت بمعظمها إلى الأسواق المالية العالمية، في الوقت الذي كانت فيه العديد من الأقطار العربية المدينة تحصل على حاجتها من القروض من خلال سوق العملات الأوروبية التي كانت قد نجحت في اجتذاب الفوائض العربية إليها.
لعل أبرز الدلائل على ضعف الترابط المباشر بين الأسواق المالية العربية نجده في حجم العمليات الاقراضية التي تمت ولا تزال تتم لصالح المقترضين العرب بواسطة الأسواق المالية الدولية.(1/217)
وتشير الإحصاءات(1)أن حجم الاقتراض العربي من سوق السندات الدولية خلال الفترة 1972-1982 كانت حوالي 34 مليار دولار، معظمها قروض متوسطة الأجل وبالفائدة العائمة لتمويل عجوزات الموازنات العامة وموازين المدفوعات. بينما تقدر الودائع المصرفية فقط للحكومات العربية في الأسواق الدولية بحوالي135 مليار دولار مع نهاية عام 1982؛ وهذا يعني أن الاستثمار العربي في الأسواق المالية الدولية يكفي لتغطية الطلب العربي على الاقتراض من هذه الأسواق. ويرجع ضعف تدفق الفوائض المالية العربية داخل الوطن العربي عبر الأسواق المالية العربية إلى مايلي:
1- تدني حجم التجارة العربية البينية، بل ضعف العلاقات الاقتصادية بشكل عام بين البلدان العربية؛
2- اعتماد هذه الفوائض على الموارد الحكومية، والتي عادة ما يتخذ استثمارها الطابع الثنائي الرسمي، أما فوائض القطاع الخاص فغالبا ما يتجه نحو العقارات والأراضي؛
3- عدم توفر المعرفة وقنوات الاتصال بين مراكز الفائض ومراكز العجز على مستوى العالم العربي؛
4- عدم وجود أسواق ثانوية تتمتع بكثافة المعاملات؛ وهذا الأمر يجعل الكثير من المستثمرين العرب يحجمون عن استثمار أموالهم في الأوراق المالية لإدراكهم صعوبة تحويلها إلى سيولة نقدية حينما يحتاجها؛
5- عدم توفر التشريعات والبنية الاقتصادية المشجعة على جذب الاستثمارات المحلية والعربية؛
6- عدم وجود سوق منظمة للأوراق المالية الدولية؛
7- منافسة البنوك الأجنبية والأسواق المالية الدولية.
__________
(1) صندوق النقد العربي، تقرير أسواق رأس المال في الدول العربية، واقعها ومجالات تطويرها، 1984، ص18وص19.(1/218)
على الرغم من إنشاء العديد من الأسواق المالية في الآونة الأخيرة في العديد من البلدان العربية، فإن التدفقات الاستثمارية العربية داخل الوطن العربي كما لاحظنا لازالت دون المستوى المطلوب. علما أن إقامة الأسواق المحلية لكافة الدول العربية تعتبر خطوة مفيدة وضرورية نحو إنشاء سوق مالية عربية موحدة، وذلك لأن أسواق رأس المال لا يمكن خلقها من فراغ، ولكنها تنشأ وتتطور استجابة للمتطلبات المحلية.
إن أهمية قيام سوق مالية عربية موحدة(1)تنبع أن سيكون من شأنها تعزيز العمل العربي المشترك وتقوم بدور كبير في تمويل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا وأن الإمكانيات العربية متوفرة من حيث رأس المال والعمالة ومصادر الطاقة إضافة، إلى استقرار الأوضاع السياسية وقيام العديد من البلدان العربية بتهيئة البيئة القانونية والاقتصادية لجذب الاستثمارات المحلية والعربية. ومما يشجع على ذلك تعرض الفوائد العربية في الخارج لتقلبات حادة في البورصات العالمية نتيجة التضخم العالمي وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي. كذلك لقد تعرضت الاستثمارات العربية في العقارات في الخارج للعديد من الخسائر؛ هذا فضلا عن الخطر السياسي المتمثل في تجميد الأموال المستثمرة في الخارج. وعلى الرغم من الإمكانيات الاقتصادية الضخمة المتوفرة في الوطن العربي، وبعض الخطوات التي تمت في سبيل تهيئة المناخ الاستثماري الملائم، فإن هذه المحاولات لا تزال محلية ولا ترقى إلى مستوى العمل العربي المشترك،. إن العديد من العقبات التي تقف أمام تدفق الاستثمارات داخل الوطن العربي وتعزيز العمل العربي المشترك تقتضي العمل على:
1) تشجيع وتنمية التجارة العربية البينية.
2) تنمية وتطوير الأسواق المالية العربية داخل كل بلد عربي.
__________
(1) كما حدث مع الدول الأوروبية.(1/219)
3) ضرورة وجود مؤسسات ريادية مصرفية ومالية من كافة التخصصات لتؤدي دورها في ترويج المشاريع والتوسط بين المدخرين والمستثمرين من جهة وأصحاب فرض الاستثمار والمقرضين من جهة ثانية.
4) ضرورة وجود أدوات متنوعة للاستثمار المالي(أسهم، سندات وغيرهما) وذات مزايا مختلفة تغري المزيد من المدخرين بالتعامل في السوق المالية. الأمر الذي من شأنه أن يؤمن عمقا للسوق ويتيح المجال لقيام أسواق ثانوية راسخة تساعد بدورها على حماية وزيادة سيولة السوق المالية وتوسع من جاذبيتها للمدخرين، فتزداد السوق المالية توسعا وفعالية.
5) العمل على تشجيع قيام شركات المساهمة العربية، التي يمكن أن تقيم مشاريع إنتاجية ذات جدوى اقتصادية وربحية مجزية.
6) خلق المناخ الملائم لتنمية وتشجيع الاستثمار العربي داخل كل بلد، وتوفير الضمانات المختلفة للأموال المستثمرة.
إن العمل العربي المشترك أسفر في السنوات الأخيرة عن خلق بعض الأطر والمؤسسات والإجراءات التي من شأنها تسهيل حركة الفوائض المالية داخل الوطن العربي. والمطلوب هو استمرار التعاون والتطوير في هذه المجالات، وتذليل الصعوبات. لأنه بقدر ما ينجح العمل العربي في مجال تنمية وتكامل الأسواق المالية العربية، بقدر ما ستنجح البلدان العربية من التحرر من أعباء الديون الخارجية، وتحقيق التنمية العربية المستقلة.
خامسا: تشجيع وتطوير المشاريع العربية المشتركة
إن تشجيع وتطوير المشاريع العربية المشتركة أمر مهم جدا للتخفيف من حدة مشكلة المديونية الخارجية للبلدان العربية، فالمشروعات الحيوية على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تضمن سد جانب من فجوة الموارد المحلية بموارد ذاتية غير مقترضة.(1/220)
فضلا عن ذلك، فإن إقامة المشاريع العربية المشتركة يعني التحرك نحو التكامل الاقتصادي العربي، وذلك في إطار الاعتماد على الذات. وأكثر من طلك فهو يمثل أسلوبا عقلانيا، بل وعلميا لإعادة تدوير الفوائض المالية العربية داخل اقتصاد الوطن العربي، وبما يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيه.
1 ـ أهمية المشروعات الاقتصادية العربية
تعتبر المشروعات الاقتصادية العربية صورة من صور التعاون الاقتصادي بين البلدان العربية. فمن خلالها يتم تحريك بعض رؤوس الأموال العربية للاستثمار في بلدان عربية أخرى، كما تؤدي إلى تعاون المال العربي مع الموارد الطبيعية العربية والعناصر البشرية الفنية وغير الفنية من دول عربية مختلفة. ولمعرفة الإنجازات والمشروعات الاقتصادية العربية وأهميتها في العمل الاقتصادي العربي المشترك لابد أن نتذكر الملاحظتين التاليتين:
·?قلة توفر البيانات الضرورية لقياس ربحية المشروعات وآثارها التكاملية في الاقتصاد العربي (تقارير عامة دون تحليل).
·?حداثة المشروعات العربية وتفاعلها مع أطر محدودة الأبعاد ومخصصات مالية ضئيلة(1).
تحتاج هذه المشروعات إلى المزيد من الأموال العربية المستثمرة، والمزيد من الزمن والتجارب لتظهر آثارها التكاملية في الاقتصاد العربي. وتكمن أهمية هذه المشروعات العربية المشتركة بمايلي:
1) تحقيق نوع من التكامل المالي بين البلدان العربية من خلال مجموعة المشروعات المشتركة الاستثمارية التي تعمل على استثمار أموالها في الدول العربية، وفي مشروعات إنتاجية في شتى القطاعات، وفي دول عربية مختلفة. من الأمثلة على ذلك: الشركة العربية للاستثمارات البترولية، والشركة العربية للاستثمار، والشركة العربية للإستثمارات الصناعية وغيرها)؛
__________
(1) مسعود سميح، مصدر سبق ذكره،ص111.(1/221)
2) تعزيز الجهاز المصرفي والمالي العربي بإنشاء العديد من المصارف والبنوك والتوسع في الأعمال المصرفية العربية على المستوى الدولي؛
3) قيام بعض المصارف العربية المشتركة الضخمة من أبرزها المؤسسة المصرفية العربية (ABC)و البنك الخليج الدولي(GIB)؛
4) إقامة مجموعة من المشروعات الصناعية العربية المشتركة في شتى فروع الصناعة ومجالاتها المختلفة؛
5) إقامة مشروعات مشتركة في مجال الثروة الحيوانية تساهم بها مجموعة من الشركات العربية المشتركة، أهمها الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية التي تم إنشاؤها في عام 1974، ومقرها الكويت؛
6) إقامة مشروعات مشتركة في النقل والمواصلات تتبلور في مجموعة من الشركات العربية المشتركة؛
7) إقامة مشروعات مشتركة في الزراعة، ومن أهمها الهيئة العربية للإستثمار والإنماء الزراعي التي اكتمل إنشاؤها في السودان 1976 كنتيجة لجهود الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في سبيل تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، وهي التنمية والتكامل الاقتصادي على المستوى الوطن العربي؛
8) قيام جهود عربية مشتركة لتطوير الخبرات والكفاءات الفنية اللازمة للأقطار العربية، وذلك من خلال المعاهد العربية ذات المستوى العالي. كمثال على ذلك معهد النفط العربي للتدريب الذي تم إنشاؤه في عام 1977؛
9) تدعيم القدرة الذاتية وتنميتها في مجال الخدمات النفطية التي تعتبر حكرا على الشركات النفطية العالمية الكبرى؛ ومحاولة إنشاء شركات متخصصة في فرع واحد أو أكثر من فروع الخدمات النفطية.
بعد عرض هذه النقاط التي تبين أهمية المشروعات العربية المشتركة، نأتي إلى النقطة الثانية، والتي سنحاول من خلالها عرض دور المشروعات العربية المشتركة ودعمها للتكامل الاقتصادي العربي.
2- دور المشروعات العربية المشتركة ودعمها للتكامل الاقتصادي العربي(1/222)
على الدول العربية أن تستفيد من تجارب الاتحاد الأوروبي ومن غيره من تكتلات إقليمية ناجحة. فعصرنا هو عصر التكتلات الإقليمية والانفتاح على الاقتصاد العالمي. ولا شك أن الانفتاح بقوة إقليمية كبيرة أفضل وأجدى بكثير من الانفتاح بقوة دولة واحدة. وقد تبين لجميع البلدان والشعوب العربية، أن الدولة القطرية لا تستطيع أن تصمد بمفردها مهما كانت كبيرة وقوية. والذي يبعث على التفاؤل، هو هذا التحرك نحو إعادة هيكلة جامعة الدول العربية على أساس أفضل، وهذا التحرك نحو إعادة تقييم ثم تقويم العمل العربي المشترك، وهو ما يشجع المشروعات الاقتصادية العربية المشتركة باعتبارها أداة فعالة من أدوات العمل الاقتصادي العربي المشترك بقطاعاته المختلفة: الزراعية والصناعية والخدمية والتجارية.
كما تولي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية(1)الاقتصادية الموحدة أهمية خاصة لإنشاء ودعم المشروعات المشتركة فيما بينها لتحقيق التكامل الاقتصادي على أسس اقتصادية سليمة، كما تقوم الدول الأعضاء بإتحاد التدابير اللازمة لدعم وتمويل وإقامة المشروعات الخاصة والعامة بما في ذلك(2):
??تبنى سياسات اقتصادية تكاملية بين دول المجلس في مشروعات البنية التحتية والخدمات الأساسية كالنقل والاتصالات والكهرباء والمعلوماتية(تقنية المعلومات) والمشروعات الصحية وصناعة النفط والغاز.
??تأسيس المشروعات المشتركة على أسس تراعي المزايا النسبية لبلدان مجلس التعاون الخليجي.
??توفير حوافز إضافية للقطاع الخاص لإقامة المشروعات المشتركة التي تؤدي إلى ربط المصالح الاقتصادية للمواطنين في دول المجلس.
__________
(1) نص الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية1981.
(2) مجلس التعاون لدول الخليج، الأمانة العامة، نص الاتفاقية الموقعة في 31/12/2001، المادة 12.(1/223)
??إزالة المعوقات الإجرائية التي تتعرض لها المشروعات المشتركة ومعاملتها معاملة المشروعات الوطنية كحد أدنى.
تعتبر المشروعات المشتركة من أهم صيغ التعاون والتكامل، وأداة من أدوات الإسراع بالتنمية الاقتصادية في العالم النامي بصفة عامة، وفي العالم العربي بصفة خاصة.
كما يعتبر مجلس التعاون الخليجي أنجح نموذج للتكامل شبه الإقليمي في العالم العربي، المجلس الذي عرف النور عام 1981(1). والهدف النهائي للمجلس هو الوحدة الاقتصادية الكاملة. إن من أهم إنجازات هذا المجلس ما يلي:
×?في مارس 1983 تم إلغاء التعريفات الجمركية التجارية على المواد الزراعية والحيوانية والصناعية والموارد الطبيعية ذات المنشأ الوطني.
×?في عام 1988، وخطوة نحو إنشاء اتحاد جمركي، اتفقت الدول الأعضاء على حصر التعريفات الجمركية بين4 ( و20 (، كتعريفة خارجية موحدة تفرض على باقية دول العالم. وأشارت أحدث البيانات عن اقتصاديات هذه الدول إلى حدوث طفرة كبيرة في المشروعات المشتركة بين دول المجلس. بحيث وصل رأس المال المستثمر حوالي 30 مليار دولار موزع على 405 مشروع. والجدول التالي يبين توزيع هذه المشاريع المشتركة.
الجدول رقم(V-3)
توزيع المشروعات المشتركة حسب القطاع
التجارة ... الصناعة ... المقاولات ... الخدمات ... المال ... الزراعة
167
المصدر:علي الدين عبد الرحمن،إسلام أون لاين،.نت،القاهرة،2001.
ويمكن تمثيل المشروعات المشتركة في شكل دائري كما هو موضح في الشكل البياني التالي تحت رقم (V-1):
الرسم البياني رقم (V-1)
توزيع المشروعات العربية على القطاعات
... ...
المصدر:من إعداد الباحثة
__________
(1) قد صادقت على ميثاق إنشائه،في ماي 1981ن الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية.(1/224)
من البيانات السابقة، نلاحظ أن قطاع التجارة استحوذ على 41( من مجموع المشروعات المشتركة. يأتي في المرتبة الأخيرة قطاع الزراعة، حيث حصل على 5 مشروعات فقط. وقد أدت هذه الطفرة في مجال المشروعات المشتركة إلى زيادة ملحوظة في التجارة الخارجية والبينية لدول المجلس، حيث بلغ إجمالي التجارة الخارجية 191مليار دولار، في حين بلغت التجارة البينية 11.9 مليار بنسبة 6.2(. ويمكن توزيع الاستثمارات العربية البينية(1). أي الاستثمارات التي تم التصديق عليها خلال عام 2001 حسب القطاع بنسب مئوية(()، كما هو مبين في الجدول رقم (V-2).
الجدول رقم (V-2)
توزيع الاستثمارات العربية البينية حسب القطاع بالنسبة (%) للسنة 2001
الصناعة ... الزراعة ... الخدمات
الأردن ... .6 ... .4
الإمارات ... .5 ... .5
تونس ... .1 ... .1 ... .8
الجزائر ... .0
السعودية ... .7 ... .3
السودان ... .0 ... .1 ... .9
سوريا ... .5 ... .5
قطر ... .5 ... .5
لبنان ... .5 ... .5
ليبيا
مصر ... .3 ... .7
المغرب ... .4 ... .5
اليمن ... .4 ... .1 ... .5
المصدر:نشرة(ضمان الاستثمار)، العدد165مارس 2002.
من الجدول السابق نلاحظ أن نسب التجارة العربية البينية منخفضة جدا بالنسبة لقطاع الزراعة. إن تطوير المشروعات المشتركة بزيادة الاستثمارات العربية البينية في قطاع الزراعة يعني ضمان ولو جزئيا الأمن الغذائي لهذه البلدان. ويبين تحليل بنية التبادل بين البلدان العربية أن المواد الرئيسية التي يتم تبادلها هي النفط الخام والأقمشة الخيوط والمواد الغذائية.
3- دور العمل العربي المشترك في إقامة المشروعات المشتركة
__________
(1) تصدر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار،العدد165مارس 2002. syinvest@mail.sy(1/225)
إن دور العمل العربي المشترك في مجال إقامة المشروعات المشتركة كبير ومهم جدا للتخفيف من حدة مشكلة المديونية الخارجية للبلدان العربية؛ لأنه يضمن سد جانب من فجوة الموارد المحلية بموارد ذاتية غير مقترضة. وفضلا عن ذلك، فإن إقامة المشاريع العربية المشتركة يعني التحرك نحو التكامل الاقتصادي العربي، وذلك في إطار الاعتماد على الذات، وهو يمثل أسلوبا علميا لإعادة تدوير الفوائض المالية العربية داخل الوطن العربي، وبما يخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوطن.
من أولويات إنجاز المشاريع العربية المشتركة تلك المشاريع الاقتصادية التي تسهل معالجة مشكلة قطاع المواد الأولية من جهة، وتساهم في خلق القيمة المضافة من جهة أخرى؛ وكما تعزز التشابك الاقتصادي بين اقتصاديات البلدان العربية.
3-1- ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك: إن تفعيل العمل العربي المشترك يتطلب التنسيق بين الخطط الاقتصادية العربية، وكذلك دراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لكافة المشاريع المقترحة. وبالطبع فإن الاستثمارات المباشرة والمشاركة في رأس مال المشاريع هو أفضل الطرق لنجاح هذه المشاريع؛ مع استمرار تدفق القروض العربية من المؤسسات والصناديق العربية لتمويل مشاريع البنية التحتية التي تدعم وتشجع المشاريع الإنتاجية.
3-2- ضرورة قيام سوق عربية مشتركة: إن قيام سوق عربية مشتركة بات من الأمور الضرورية لمواجهة المتغيرات الدولية، وتأسيس قاعدة اقتصادية صلبة للأمة العربية، تهدف إلى الحماية من الضغوط الدولية، وزيادة الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية، وتحقيق التنمية العربية المنشودة بالاعتماد على الذات لتتمكن من تحقيق التكامل العربي، الذي بات ضرورة قومية تتطلبها الظروف الدولية والإقليمية الراهنة.(1/226)
3-3- ضرورة التكامل اقتصادي العربي: كما رأينا فإن الإمكانيات الاقتصادية متوفرة، والتكامل العربي ضرورة اقتصادية واجتماعية وقومية، وما تحتاج إليه هو الإرادة الحقيقية، التي تعمل على توظيف وتوجيه الإمكانيات العربية الضخمة لبناء اقتصاد عربي قوي ومتين من شأنه السماح بالتعامل مع التجمعات العالمية على قدم المساواة. وبالتالي يكون له دوره في وضع معالم النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
المطلب الثاني: حلول مقترحة لمعالجة إشكالية المديونية العربية
شهد حجم المديونية الخارجية العربية تطورا ملحوظا عندما بدأت معظم البلدان العربية برسم برامجها التنموية من خلال الاقتراض الخارجي، استجابة لنظريات التنمية التي سادت عقدي الستينيات والسبعينيات. وكان حجم الديون العربية في بداية السبعينات لا يتجاوز 4.6 مليار دولار أميركي، ليتطور فيما بعد ليبلغ حوالي 128.7 مليار دولار في نهاية عام 2000، ثم وصل إلى حوالي 147,7 مليار دولار في نهاية عام2003. وقفز أخيرا ليبلغ حوالي مليار دولار في عام 2004(1). ولعل تفاقم المديونية الخارجية هذا يعود إلى مايلي:
أ. الخلل في سياسات الاقتصاد الكلي العربية الناجمة عن الدعم السعري الكبير للإنتاج والاستهلاك إضافة إلى زيادة الواردات والاقتراض من المؤسسات النقدية الدولية.
ب-إن القروض لم توجه إلى استثمارات منتجة من شأنها تحقيق عائدات بالعملة الصعبة تسمح بخدمة الدين الخارجي. ولم تفلح إدارات القطاعات العامة في الكثير من البلدان العربية في اختيار مشروعات ناجحة والتعامل مع القروض التي كانت تهدف لزيادة الإنتاج السلعي.
__________
(1) عن التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ص350.(1/227)
ج- السياسات التصحيحية والإجراءات المالية الصارمة التي اتبعتها البلدان الصناعية المتقدمة لمواجهة ارتفاع أسعار النفط العالمية بعد 1973، والزيادات غير المتوقعة في أسعار الفائدة على الاقتراض، إضافة إلى الآثار السلبية للسياسات التجارية الحمائية التي اتبعتها هذه الدول لحماية منتجاتها الصناعية والزراعية في السوق التجارية الدولية.
لهذا الأسباب جميعا وغيرها جاءت المحصلة النهائية في الوقت الحاضر تتمثل في تعثر التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية. وهذه إحدى أهم المشاكل التي جعلت من البلدان العربية تتوجه نحو سياسات اقتصادية داخلية تقشفية للتقليل من آثار المديونية على النشاط الاقتصادي والتطلع لتجريب سياسات الخصخصة كاستمرار لسياسات الإصلاح الاقتصادي السابقة التي يروج لها صندوق النقد الدولي. فخلال عقد الثمانينات كانت مختلف الدراسات تعتبر إشكالية المديونية الخارجية على أنها أزمة سيولة. وظهرت نتيجة لذلك العديد من الاقتراحات والحلول التي تناولها في المبحث الأول من الفصل السابق. ومع بلوغ مديونية البلاد النامية سنة 2002 حوالي 2500 مليار دولار، إذا ما أضفنا إليها مديونية دول شرق أوروبا الناشئة.(1) علما أن حجم المديونية لا زال مستمرا في الارتفاع، وأن الاكراهات لا زالت مستمرة في الضغط على الأوضاع الاقتصادية للبلدان العربية.ومع استمرار الفقر في الانتشار والتوسع، بدأت المؤسسات المالية الدولية تغير بعض الشيء من فلسفتها؛ وخصوصا مع ظهور حركات المجتمع المدني المناهضة للعولمة الليبرالية.
__________
(1) راجع الفصل الثاني من الأطروحة.(1/228)
وللإشارة فإن أغلبية البلدان العربية لا تعتبر معنية بمبادرة الدول الفقيرة الأكثر مديونية لأن معيار تحديد هذه الدول يقوم على نصيب الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو 800 دولار في السنة، بينما يتراوح هذا النصيب في قطر 42.676 دولار في السنة و451 دولار في السنة لموريتانيا وبالنسبة ترتيب الدول العربية المدينة تعتبر عمان في الترتيب الأول ب(1)10.964 دولار في نفس السنة.
أما بالنسبة لتقنية تحويل الديون إلى استثمارات أجنبية مع بعض الدول الدائنة، فقد ثم اعتماد ذلك مع بعض الدول الدائنة كما هو الحال بالنسبة للمغرب والجزائر. وفي هذا الإطار تم الاتفاق مع السلطات الفرنسية على تخصيص مبلغ إجمالي يقدر ب 630 مليون أورو لتخفيف خدمات الدين، إضافة إلى تحويل مبلغ 105 مليون أورو إلى استثمارات فرنسية بالمغرب. لكن ألا تعني السياسات المتبعة حاليا في مجال تدبير المديونية أن هناك محاولة للتخلص من مشكلة الديون عبر خلق مشكلة أخرى تتمثل في فتح المجال أمام سيطرة الشركات الأجنبية الخاصة ـ خاصة المتعددة الجنسيات ـ على قدرات بلادنا الاقتصادية. وبالتالي حرمانها من استقلالية اتخاذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية الملائمة ؟
نحاول الإجابة على هذه الأسئلة في مايلي:
أولا: حلول ملائمة لمواجهة إشكالية الديون الخارجية
إن للديون الخارجية أثر سلبي على أداء اقتصاديات البلدان العربية المدينة، بما في ذلك الأنظمة الإنتاجية والاستثمارات، وبالتالي على النمو الاقتصادي والتنمية. وبهذا الصدد، يجب التركيز على عبء خدمة الدين وحجم المديونية. كما يستلزم إدماج تنظيم إدارة المديونية ضمن إدارة اقتصاد البلدان العربية، ووضع قواعد المالية الدولية في الاعتبار والعمل على تنميتها.
__________
(1) عن التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، ص17.(1/229)
تخلت بعض البلدان المدينة ومنها العربية عن إمكانية اللجوء إلى إعادة جدولة الديون واعتمدت إدارة نشطة لمديونيتها عن طريق بدائل أخرى مثل تحويل الديون إلى استثمارات. وعلى الرغم مما تتيحه تقنية تحويل الديون من مساهمة في تنمية الاستثمارات، وفي تحقيق النمو، إلا أنها تظل مع ذلك محدودة بفعل طبيعتها السياسية، وبحكم الحاجة إلى ضرورة تعبئة موارد أخرى تهدف إلى تفادي التضخم وإقصاء المستثمرين المحليين.
لا شك أن إشكالية إيجاد الحل المناسب للمديونية الخارجية أمر يتعلق أساسا بالتنمية الاقتصادية، الذي ينبغي العمل على الربط بين تأمين التنمية المستدامة والقدرة على مواجهة المديونية على المدى البعيد من خلال وضع وصياغة الحلول والاستراتيجيات الملائمة،. وهذا ما نحاول تبيانه فيما يلي:
1- إقامة روابط بين المديونية وتنمية الاستثمارات
بشأن إمكانية معالجة شاملة للمديونية الخارجية يجب الربط بين المديونية والاستثمار مع ضرورة تبني أفكار جديدة أثناء تناول الإشكالية.
1-1- تحويل الديون إلى استثمارات: يعد تحويل الديون إلى مساهمات في رأسمال المؤسسات الإنتاجية الوطنية وتحويل ديون لأجل التنمية من بين أهم فئات تحويل الديون إلى استثمارات، سواء تعلق الأمر باستثمارات مباشرة أو غير مباشرة في إطار عملية الخوصصة. كما يعتبر تحويل الديون إلى تشجيع التنمية، تبادلا للديون على أساس لا يهدف إلى الربح، بل إلى تشجيع التنمية.(1/230)
تختلف الآثار المترتبة عن تحويل الديون إلى استثمارات من تخفيض الديون، وتنمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومخاطر التضخم إلى هروب رؤوس الأموال وتعديل توازن ميزان المدفوعات. وتختلف هذه الآثار باختلاف الوضعيات والأحوال في البلدان المعنية والمضمون الدقيق لتحويلات الديون. كما يجب توضيح الهدف من تحويل الديون لأجل معرفة ما إذا كانت هذه التقنية تهدف إلى إنعاش وإعادة دفع عجلة الاستثمارات أو الخوصصة، والطرق التي قد يساهم من خلالها هذا التحويل في الزيادة في الصادرات الوطنية من السلع والخدمات.
1-2- تنمية الاستثمارات: عمل أصحاب القرار في بعض البلدان العربية، ومنها الجزائر في مجال تنمية الاستثمارات، على تكييف سياساتهم على المستوى القانوني بما يتماشى مع ضرورة توفير إطار مشجع للاستثمارات الأجنبية المباشرة. إلا أن هذه البلدان لم تستفد بما يكفي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويختلف مدى نجاح الإجراءات التشجيعية للاستثمارات الأجنبية المباشرة المتخذة في المنطقة. ويعتبر هذا النجاح متوسطا نسبيا، إذ أنه يتوقف على عوامل خارجية. وبالتالي، فان النجاح النسبي في عمليات استقطاب الاستثمارات من طرف البلدان العربية، يعزى في جانب منه، إلى نتيجة الاقتصاد الكلي والسياسي، وإلى بعض الآثار السلبية التي ميزت قطاع الأعمال. أما فيما يتعلق ببعض الدول العربية كسوريا وليبيا والسودان فقد أفرزت العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها انعكاسات سلبية.(1/231)
تفاديا للوقوع مستقبلا في مشكلات مرتبطة بالديون الخارجية، ينبغي العمل على تنفيذ سياسة نشطة تهدف إلى استقطاب رؤوس الأموال من جهة، وتطبيق سياسة رشيدة في إدارة الديون مع تنمية الاستثمارات والتجارة الخارجية من جهة ثانية. وبهذا الصدد، تبرز أهمية وضع آليات تتيح تقليص التكاليف بالنسبة للمستثمرين، مع تنمية وتطوير الأسواق المالية الوطنية والعربية(1). وفيما يلي بعض التجارب لمجموعة من البلدان العربية المدينة، بشأن إمكانية معالجة شاملة لإشكالية الديون الخارجية.
ثانيا: بعض تجارب البلدان العربية بشأن إمكانية معالجة شاملة لإشكالية الديون الخارجية
بشأن إمكانية معالجة شاملة للمديونية الخارجية عوضا عن معالجة جزئية ومنفردة لهذه المديونية، وإيجاد حلول واستراتيجيات جديدة للتخفيف من المديونية الخارجية، والواجب تطبيقها من قبل بلدان العربية المدينة. فيما يلي نتطرق لتجارب بعض الدول العربية المدينة، مثل: الجزائر، المغرب، تونس، ، مصر والسودان. وهذا حتى يتسنى لنا معرفة تجربة كل دولة ومحاولة استخلاص الدروس من هذه التجارب.
1- الجزائر
__________
(1) للمزيد من التفاصيل أنظر المبحث الثاني النقطة الرابعة من هذا الفصل.(1/232)
1-1- إدارة المديونية الخارجية: لقد كان الدين الخارجي الطويل الأجل ما بين 1995 و1998 يفوق 30 مليار دولار؛ وبلغ 33.2 مليار دولار نهاية 1996.(1)وتم حل أزمة المديونية التي شاهدتها الجزائر بصفة مؤقتة عن طريق تقنية إعادة الجدولة خلال عامي 1994 و1995. وتعتبر النتائج المحصل عليها في السنوات الأخيرة واسترجاع التوازنات المالية والاقتصادية الكلية؛ كما يتواصل القائم من الديون الخارجية الطويلة الأجل لسنة 2004 باتجاه الانخفاض الحاصل منذ 1997. وبعد ما كان عند مستوى 33.2 مليار دولار سنة 1996(2)، وصل مستوى الديون الخارجية الطويل الأجل إلى 21.4 مليار دولار نهاية سنة 2004. ويبقى الدين قصير الأجل، مستقرا ولا يزيد عن 0.41 مليار دولار.
__________
(1) محمد لكصاسي، نفس المرجع السابق ص14.
(2) نفس المرجع السابق، ص13.(1/233)
خلال سنة 2004، انخفضت نسبة خدمة الديون إلى الصادرات إلى 12.6 %. وفي نهاية سنة 2004، يبرز هيكل الدين الخارجي المتوسط والطويل الأجل، أهمية القروض المعاد جدولتها في إطار نادي باريس ونادي لندن. تمثل هذه القروض 53.1 % من المجموع مقابل 52.8 % في سنة 2003. ويتعلق الأمر هنا بالعنصر الإيجابي لهيكل الديون المعاد جدولتها. أما بالنسبة لخدمة الديون، فإن أصل الدين خارج التسديد السابق للدين، يمثل 78.2 %، أي ما يعادل3.47(1)مليار دولار. والمدفوعات من الفوائد 21.8 %، أي ما يعادل 0.97 مليار دولار. وبهذا تكون الجزائر قد سددت خلال الفترة الممتدة مابين1985 ـ 2005 ما يعادل 117.9 مليار دولار، منها 34 مليار مدفوعات فوائد. وكل عمليات التسديد المسبق للديون، هي مبرمجة ما بين 31 ماي 2006 و30 نوفمبر2006، وذلك وفق التوقيع على الاتفاقيات الثنائية بين الجزائر ونادي باريس بمبلغ يعادل 7.9 مليار دولار. ويبقى الآن من بين أمور أخرى، إدارة مخزون الديون الخارجية بواسطة سياسة حيوية تحويل الديون مقابل تفويت أصول سعيا لتحقيق خوصصة ذات جودة، ردا لاعتبار النسيج الصناعي وإنجاز تخفيض في نسبة القروض الخارجية، وهو الحل الوحيد والمستديم.
1-2- سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد في الجزائر: بعد النتائج الكلية الجد ايجابية المسجلة في عام 2000، سواء على مستوى ميزان المدفوعات أو فيما يخص التطور المسجل في الاقتصاد الكلي خلال 2001 و2003، قد أبرز تعزيز الاستقرار المالي، إضافة إلى استمرار التحسن المدعم للوضع المالي الخارجي، عنصرا جد حاسما بالعودة للنمو في لجزائر.
__________
(1) نفس المرجع السابق.(1/234)
كما تميزت سنة 2004، بوجود فائض في الادخار على الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 2.5 %. وإذا نظرنا إلى خمس سنوات من الفائض المهم المسجل في الحساب الجاري الخارجي، ويشهد كل من تعزيز قابلية استمرار ميزان المدفوعات وتدعيم مؤشرات الدين الخارجي، وعلى وجه الخصوص، انخفاض نسبة خدمة الدين إلى 12.6 % في 2004 مقابل 47.5 % في 1998، وهذا ما يؤكد تحسن الوضعية المالية الخارجية للجزائر. وبالرغم من الارتفاع الكبير المسجل في الوردات من السلع والخدمات في 2004، وتميز التجارة الخارجية للجزائر بتبعية قوية لقطاع المواد النفطية(1)، فيتعين إذن تنويع الصادرات التي تكمن قوتها من خلال إنتاج أدوات التجهيز كأجهزة النقل واللوازم الإلكترونية ومواد البناء والأشغال العمومية ومواد الصناعة الكيماوية والصيدلية والتجميل، وغيرها. ... وقد اتخذت ونفذت إجراءات قصد دعم عملية التنويع، يمكن أن نذكر من بين أهمها ما يلي:
?إحداث مكتب جزائري لتنمية التجارة الخارجية،
?إنشاء صندوق جزائري لضمان الصادرات،
?إحداث صندوق خاص لتنمية الصادرات،
?إنشاء آلية (Trade point)،
? إحداث شبابيك خاصة بالصادرات لدى البنوك،
?تسهيل عمليات التخليص الجمركي التي يمكن أن تتم في موقع الإنتاج،
?تمويل عقود التصدير،
?الإعفاءات الجبائية.
__________
(1) للمزيد من التفاصيل أنظر الملحق رقم (12) والملحق (13)(1/235)
... كما سجل قطاع التجارة الخارجية انتعاشا في الصادرات الزراعية، ومع ذلك يبقى مستواها ضعيفا لا تتجاوز نسبة 44.1 %، أي ما قيمته 666 مليون دولار بالنسبة لسنة 2004(1). ويعتبر ذلك إذن تحسنا في إجراءات تشجيع الصادرات ومساعدة أحسن وتدبير لتكاليف الإنتاج التي ستمكن من إنجاح برنامج التنويع بغض النظر عن المواد النفطية. هذا ومن شأن كل من توقيع الجزائر على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي انضمام الجزائر المنتظر إلى المنظمة العالمية للتجارة المساعدة على تحقيق تنوع في الصادرات.
ضف إلى ذلك التوقيع على الأمر رقم 06-08 بتاريخ 15 جويلية 2006 المكمل للقانون رقم 01-03 بتاريخ 20 أوت 2001 والمتضمن تنمية الاستثمار في الجزائر.
2- المغرب
2-1- إدارة المديونية الخارجية: في سنة 1993، وبعد عقد من التقويم الهيكلي وإعادة الجدولة، نجح المغرب في أن يحسن بشكل كبير توازناته الاقتصادية والمالية الكلية، وأن يخرج بذلك من دائرة إعادة الجدولة. ومع ذلك، ظل ثقل الديون الخارجية مرتفعا. ومن أجل التخفيف من هذا الثقل، انتهج المغرب منذ 1996، بالموازاة مع السياسة الحذرة للمديونية، سياسة إدارة مديونية خارجية فعالة. ونتيجة لذلك تمكن من تحسين مؤشرات المديونية الخارجية. فنسبة مخزون الدين على الناتج الوطني الإجمالي انخفضت إلى حوالي 52.4 في المائة، في 1998 مقابل 80 في المائة في 1992، و122 في المائة في 1985. أما خدمة المديونية الخارجية على الواردات الحالية لميزان الأداءات فكان 23.8 في المائة في 1998، في مقابل 34 في المائة في 1992.
__________
(1) نفس المرجع السابق، تدخل محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي، أمام المجلس الشعبي الوطني، التطورات الاقتصادية والنقدية في الجزائر لسنة2004، بتاريخ 14 نوفمبر 2005، ص11.(1/236)
ـ تحسين طرق لإدارة المديونية الخارجية من خلال تغيير الشروط الضرورية لتحسين التحكم في المديونية، وذلك من خلال الإجراءات الرئيسية التي تم القيام بها في هذا الإطار وهي كالتالي:
×?إعادة تنظيم وتفعيل الهيئة المكلفة بإدارة المديونية الخارجية،
×?تحسين طرق جمع المعلومات المتعلقة بالمديونية الخارجية،
×?تطوير نظام معلوماتي يمكن من تحسين جودة إدارة الديون ومعالجة المعطيات.
ـ أهم إجراءات الإدارة الفعالة للمديونية الخارجية التي تم القيام بها في المغرب هي:
أ- تحويل الديون إلى استثمارات: يشتري الممول، الذي رخصت السلطات المغربية لمشروعه، دينا مغربيا من الدائن. وتقوم الخزينة المغربية بتسديد مقابل 56 في المائة من المبلغ الاسمي للدين الذي أعيد شراؤه بالعملة المحلية لفائدة المستثمر في حسابه المفتوح لدى بنك من البنوك المغربية،
ب- تحويل الديون إلى استثمارات عمومية: تنازل الدائن عن الديون مقابل استعمال قيمته بالعملة المحلية في تمويل مشاريع تنموية عمومية،
ج- إعادة تمويل الديون العالية الكلفة: استبدال ديون جديدة تم اقتراضها بنسب فائدة لصالح ديون موجودة تم اقتراضها بشروط عالية الكلفة،
د -إعادة التفاوض بشأن نسب الفائدة العالية قصد تحسين بنية المديونية الخارجية بالعملة الأجنبية بما يجعلها تتلاءم مع المبادلات الخارجية بالعملة الأجنبية.
2-2- سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد في المغرب(1/237)
أ ـ تنمية الاستثمارات: في هذا الإطار، قام المغرب بإدخال إصلاحات مهمة لتطهير مجال الاقتصاد الكلي وتحسينه لجعله يحظى بثقة أكبر وقابل للتقدير وملائم لأوساط الأعمال: ونقصد هنا الإصلاحات التي تم إدخالها في إطار برنامج التعديل الهيكلي، والنصوص القانونية الجديدة المتضمنة للقانون التجاري، وقانون الشركات، وإحداث محاكم الشركات، والإصلاحات الجارية، كقانون الجمارك وقانون الشغل والقانون المتعلق تنافسية الأسعار، والقانون المتعلق بحماية الملكية الفكرية والصناعية التي تم وضعها خلال التسعينات بهدف الإسراع باستقطاب للمستثمرين.
إلى جانب هذه الإجراءات الهادفة إلى التقليل من الأخطار المرتبطة بالاستثمارات، ينبغي الإشارة إلى أن وضع إجراءات مهمة تهدف إلى التقليص من التكاليف المرتبطة بالاستثمارات، وهي :
- ميثاق الاستثمارات المعمول به منذ عام 1996،
- ضمان حسن استقبال المستثمرين ومساعدتهم من طرف مديرية الاستثمارات الخارجية،
- إجراءات تحفيزية جديدة.
إن تأهيل التشريعات المغربية وجعلها ملائمة للمستثمر الأجنبي وخاصة الأوربي منه، يعود لموقعه الجغرافي وقربه من أوربا. وبذلك يكون المغرب لم يتوان في استقطاب التدفقات المهمة للاستثمارات الخارجية. وبهذا الصدد، يحاول المغرب أن يستغل هذا المكسب ويعرف بنفسه كأرض لاستقبال الاستثمارات سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الإقليمي؛ أي باعتباره محطة لرؤوس الأموال قبل تصديرها نحو بلدان افريقية أخرى.
3- تونس(1/238)
3-1- إدارة المديونية الخارجية: لا تشكل تعبئة القروض الخارجية التكميلية للادخار الوطني والتي تعد أداة من أدوات سياسة التنمية المحددة للبلد في إطار مخططات التنمية، مشكلة بالنسبة لإدارة المديونية، لأنها كانت تشمل بالأساس وحتى سنة 1987 عمليات التمويل الممنوحة من قبل حكومات أجنبية. ونظرا للمستوى المرتفع الذي وصل إليه الناتج الداخلي الإجمالي لكل فرد، بدأت القروض المترتبة عن مصدر التمويل هذا في التراجع. ولمواجهة هذا المنحى الذي أدى بخاصة إلى تغيير بنية المديونية مما سيجعلها تتلاءم مع مواصفات السوق المالية الدولية، تقرر معالجة إدارة المديونية بالحاسوب. وشمل الديون العمومية الخارجية التي تمثل أهم جزء من الديون الخارجية ككل. وقد تم تطبيق وتوسيع هذا المشروع من قبل وزارة المالية المكلفة بتسديد هذه الديون في عام 1994، ليشمل الديون الخارجية الخاصة، أي الممنوحة لفائدة المقاولات الخاصة والمضمونة من قبل الدولة. ويسمح هذا المشروع المعد من قبل خبراء محليين بتحقيق ما يلي:
- توفير قاعدة للبيانات وإعداد إحصائيات تشمل فترات عن الماضي والمستقبل لمتابعة وتقييم قدرة البلد على تحمل عبء المديونية،
- الإدارة النشطة للمديونية لتنفيذ تقنيات مقايضة الدين.
تجدر الإشارة إلى أن نظام إدارة فعال للمديونية الخارجية يعد بالفعل وسيلة أساسية للمتابعة والتحكم فيها. ومع ذلك، تظل إشكالية المديونية مطروحة ما لم يكن هناك اقتصاد متين ومتنوع ومزود بالوسائل قصد تحقيق نمو مستديم.
3 ـ 2 ـ سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد في تونس: يمكن أن نأخذه من ناحية تنمية التجارية الخارجية التونسية، شهدت التجربة في إطار تنمية المبادلات التجارية الخارجية بمواءمة مع المحيط الوطني والدولي مرورا بمختلف المراحل الحاسمة المعبرة عن الانشغال الدائم بملائمة متطلبات الفاعلين وتحركات التجارة الدولية، وتتلخص المراحل الرئيسية فيما يلي:(1/239)
×?تشجيع التصنيع وفتح الاستثمار في وجه الإسهامات الأجنبية وإنعاش التجارة الخارجية وتشجيع الصادرات، من خلال البحث عن الأسواق والدراسات والمعارض، وغيرها.
×?تنويع العرض التونسي القابل للتصدير مع إقامة صناعات تحويلية واتخاذ إجراءات ووسائل ذات الصلة.
3 ـ 3 ـ تحرير التجارة الخارجية وتبني قواعد جديدة: بحيث تنظم هذه القواعد الجديدة المبادلات التجارية وتعطي الأولوية لقطاع التصدير الذي يعتبر القوة الدافعة للتنمية. وبذلك استفاد قطاع التصدير من عدة إجراءات تشجيعية توجت بإحداث المجلس الأعلى للتصدير تحت الرئاسة المباشرة لرئيس الدولة. ... يتدخل المجلس على مستوى عالي لاتخاذ قرارات في إطار إعداد ونتهاج سياسة وطنية لتشجيع الصادرات. ولقد كان لمجموع الإجراءات والأعمال التشجيعية ذات الصلة، وقعا إيجابيا على الصادرات التونسية.
4 - مصر
4-1 تسيير المديونية الخارجية: اختارت السلطات المصرية عملية تحويل الديون Debt Conversion من خلال تحويلها إلى أشخاص أو مؤسسات غالبا ما تكون مصرية، ويعتبر أفضل من مقايضة الديون مثلا بأسهم وسندات. فمنذ عام 1989 وافقت الحكومة المصرية على هذه العملية، على أن تتم دراسة كل حالة على حدة، ومن أهم مزايا هذه العملية أن أغلب المشاركين فيها هم مصريون يرغبون في إعادة أموالهم المحتفظين بها في الخارج إلى مصر. ومن أهم عناصر عملية شراء الدين في مصر ما يلي:
(أ ) تشكيل لجنة لإقرار القواعد المتعلقة ببرنامج شراء الديون بالجنيه المصري،
(ب ) تتم دراسة الطلبات المقدمة في إطار برنامج تسوية الديون حسب القواعد المعمول بها،
(ج) ... إتاحة الفرصة لجميع الأفراد للتقدم بطلبات لتسوية الديون بالجنيه المصري، سواء لصالح المستفيدين من البرنامج أو عن طريق وسطاء شريطة تضمين أي موافقة تحديد الاستخدام في أحد المجالات المتعلقة بالاستثمار أو الصادرات الخدمية كالسياحة مثلا أو سداد المديونية المحلية.(1/240)
4-2- سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد المصري: نأخذه من جانب تنمية التجارة الخارجية
أ ـ تنمية التجارة الخارجية:اتخذت الحكومة المصرية إجراءات لدعم نشاط التصدير، كان أهم ما تضمنته:
×?إلغاء الحظر الذي كان مفروضا على تصدير بعض السلع باستثناء الجلود الخام فقط؛
×?إلغاء جميع الرسوم التي كانت مفروضة على العمليات التصديرية؛
×?دعم إمكانات شركات التسويق الخارجي، ربط استيراد الأجهزة الحكومية بتسديد جزء من قيمتها عن طريق صادرات مصرية توفير تمويل للمصدرين قدره 10 ملايين جنيه لمواجهة جزء من أعباء الشركات لضمان مخاطر الصادرات في البلاد عالية المخاطر، وكذلك توفير تمويل للمصدرين بشروط ميسرة؛
×?تشجيع شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص العاملة في مجال المقاولات بهدف توسيع أنشطتها خارج الجمهورية؛
×?استرداد الضرائب الجمركية عن الدر وباك والتاكس ريبيت Tax Rebate، وكذا ضريبة المبيعات على المواد الخام التي تدخل في إنتاج السلع المصدرة وذلك من خلال قوائم نمطية؛
×?تشجيع ومساندة المتطلبات الخدمية للعملية التصديرية، مثل تسيير خطوط طيران منتظمة وكذا خطوط بحرية للأسواق المستهدفة، وإقامة معرض دائم لعينات التصدير مجانا بأرض المعارض بمدينة نصر بالقاهرة، وإيفاد البعثات الترويجية للصادرات المصرية في الأسواق المستهدفة، وتوفير المعلومات عن تلك الأسواق مجانا. ونفس الشيء بالنسبة للصادرات الخدمية؛
×?إعفاء المصدرين من كافة أنواع الضرائب والرسوم بما فيها الضرائب على الأرباح التجارية.
ب ـ تنمية الاستثمار: تبنت الحكومة المصرية سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد على منهج أساس قوامه برامج مرحلية للإصلاح تهدف أساسا إلى زيادة دور القطاع الخاص والأخذ بآليات السوق. وقد أصبح لمصر وضع متميز وجاذب للاستثمار، وأهم ملامحه كانت هي :(1/241)
?سوق محلية قوامها 65 مليون نسمة بالإضافة إلى انضمام مصر إلى مجموعة دول الكوميسا COMESA(1)، التي يقدر تعداد سكانها بحوالي 360 مليون نسمة. ويزمع إلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية فيما بينها في أكتوبر عام 2000.
?بنية أساسية حديثة وممتدة في كافة أنحاء البلاد وتشمل مطارات وموانئ ومرافق من مياه وكهرباء وطرق ومواصلات واتصالات.
?اقتصاد يعتمد على آليات السوق وينمو بمعدل متزايد وصل 5.7 بالمائة عام 1998 مع معدل تضخم منخفض يقدر في السنة الأخيرة بحوالي 4 بالمائة.
?هياكل إنتاجية متنوعة مع توافر الصناعات الأساسية من حديد وصلب وإسمنت.
?توافر عوامل الإنتاج من أراضي مجهزة بمرافق وعمالة مدربة بأسعار تنافسية.
?برنامج طموح للخصخصة.
?مشروعات عملاقة مثل مشروع قناة توشكي وشرق لعوينات ومشروع ترعة السلام وشرق بور سعيد ومشروع شمال قناة السويس.
5 ـ السودان
5-1- إدارة الدين الخارجي: بدأ السودان الاقتراض في أواخر الخمسينات. وقد زادت مديونيته الخارجية من المنظمات الدولية والإقليمية ودول التعاون الثنائي ومؤسساتها المتعددة والمصارف التجارية وتسهيلات للموردين. ووصل إجمالي التدفق خلال الفترة 1983 ـ 1992 إلى حوالي 8ر6 مليار دولار حسب تقدير الأونكتاد. وقد نتج عن تدفق المنح والقروض التي ازدياد الاعتماد عليها بشكل كبير. وفي الثمانينات تكشفت حقائق تعثر عمليات السداد وتوقفت القروض حتى بالنسبة للمشروعات التي بدأ تنفيذها.
__________
(1) The COMESA( Common Market for Eastern and Southern Africa(1/242)
... استمرت حسابات الديون في الارتفاع بالتراكم، وفي بداية التسعينات بلغت حوالي 14 مليار دولار ووصلت في عام 1996 إلى حوالي 21.7 مليار دولار. وبلغ حجم الفوائد وحدها حوالي 1ر13 مليار دولار من جملة الديون. وتبلغ نسبة الدين الخارجي حوالي 2800 في المائة من صادرات السودان، وتصل إلى حوالي 200 في المائة من إجمالي الدخل القومي. وقد أصبح سدادها يعادل صادرات عشرين سنة. ولم تتوفر فرصة في السودان لدراسة عن إدارة الدين الخارجي وآثار التمويل؛ إلا أن أزمة الديون الحالية وعدم المقدرة على السداد تؤكد أن هناك عوامل أدت إلى الأزمة الحالية، منها عوامل داخلية وأخرى خارجية، وهي على التوالي:
أ ـ داخلياً فإن الاقتراض لم يرتبط باستراتيجية وسياسة تضع في الاعتبار التأثير على ميزان المدفوعات والميزانية وسياسة الاستثمار.
ب ـ أما خارجياً فان ارتفاع أسعار البترول في السبعينات وتدهور موازين المدفوعات بالدول النامية المستوردة له وتوفر فرص الاقتراض في نفس الفترة بسبب تراكم الفوائض المالية لدى بعض البنوك التجارية والدول حدا بهذه البنوك إلى أن تقوم بتصريف فوائضها بالإقراض الذي لم يسبقه تدقيق كافي للقدرة على سداد الأصل والفوائد. والقروض المستلمة لم تمكن السودان من توليد دخل وتحقيق عائد كافي حتى لتغطية تكاليفه. ويتضح ذلك من الأمثلة التالية:
ـ على الصعيد الكلي، وحسب مؤشرات اقتصادية كالصادرات والواردات، فإن إنتاج السلع النقدية كالحبوب الزيتية والقطن تذبذب بدون اتجاه تصاعدي ثابت في الفترة من1970 – 1990، بينما تصاعدت الواردات نسبة لنمو السكان في نفس الفترة، علما بأن القطاع الزراعي قد حظي بنسبة كبيرة من القروض.
ـ على المستوى الجزئي، استحوذت بعض المشروعات، على قدر كبير من القروض ولم يطرأ عليها تحسن كبير. كما نالت مشروعات أخرى حظا من القروض ولم تظهر إلى حيز الوجود.(1/243)
عندما بدأت الأزمة تلقى بظلالها على الاقتصاد العالمي بدأ التفاوض لإيجاد وسيلة لحلها، وكان أقصى ما تم التوصل إليه مع الدائنين هو إعادة جدولة الديون. وكان السودان من أوائل الدول الإفريقية التي أعادت جدولة ديونها في الأعوام 1979، و1982، و1983، و1984. وقد خرج السودان من تجربة إعادة الجدولة بنتيجة واحدة هي أن هذه المعالجة لا تؤدي إلى تخفيض الدين بل تنحصر في تمديد الفترة الزمنية لسداد القروض المستحقة، ولكن المهلة نفسها تمنح بمقابل أن ترسمل الفوائد وتتحول بذلك إلى مزيد من الديون تترتب عنها مستحقات فوائد جديدة. هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة وقصر مداها.
5 ـ 2 ـ سياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد السوداني: انتهجت الدول ومن بينها السودان سياسات ترمى إلى تثبيت الاقتصاد وإصلاح هياكله بغية تخفيض الديون؛ إلا أن عبئها لا يزال ثقيلا. القد ظهرت مبادرات كانت ترمي إلى معالجتها. كان أهمها مبادرة مجموعة السبع G7 التي تبناها صندوق النقد الدولي لإعفاء أصحابها من الفوائد وجزء من الأصول وفق معايير، منها: شروط ونسب متعلقة بالإيرادات والصادرات والناتج القومي الإجمالي. وباستيفاء الشروط تتأهل الدولة الفقيرة للاستفادة من المبادرة. وقد تأهل إلى حد الآن ما يقارب من الستة دول للمعالجة. وبالرغم من أن السودان قد أوفى بمتطلبات التأهيل فنيا إلا أنه لم يتم تأهيله.(1/244)
تعليقا عن التجارب الوردة أعلاه، نرى ضرورة عدم تسييس موضوع الديون وعدم اللجوء لعامل الانتقائية في مساعي إيجاد الحلول. فالحل الناجع يكمن في زيادة المساعدات المالية للبلدان الفقيرة كالسودان، لأنه هو الأكثر تضررا من التأثر السلبي بالمقارنة مع الدول المدينة الأخرى نتيجة لقرار الحظر الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة وكذلك تجميد استحقاقاته في اتفاقية لومي، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، تقديم المساعدات للدول المدينة الأخرى، والتي بذلت الكثير من أجل تحسين سياساتها في إدارة الدين الخارجي وسياسات إصلاح وتحرير الاقتصاد؛ وذلك من أجل تطبيق المشروطية المفروضة عليها من المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. ومن أجل تحسين وضعية هذه الدول المدينة، على هذه المؤسسات المالية، أن تقدم المزيد من المساعدات الفنية وفرص الاستثمار حتى تتمكن الدول المذكورة ، مواكبة التغييرات الدولية وتجاوز الآثار السالبة للديون.
ثالثا- بعض الاستراتيجيات المقترحة لمجابهة إشكالية الديون
إن أزمة المديونية الخارجية للبلدان العربية تعبر عن واقع التبعية والاعتماد على الغير. وعيه فإنه ينبغي العمل على الحد من علاقات التبعية الخارجية والاعتماد على الذات، والاتجاه نحو إستراتيجية تصحيحية تهدف إلى رفع معدل الصادرات، وكذلك العمل على تحرير تجاري ومالي عربي كشكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي. التحرير الذي يمكن رسمه وتنفيذه على ثلاثة مستويات: الأول عالمي والثاني إقليمي والأخير محلي.(1/245)
أ ـ على المستوى العالمي: فعلى المستوى العالمي، يجب تكوين نادي دولي يشمل جميع المدينين، لمواجهة أندية الدائنين. وذلك للدفاع عن مصالحهم وحماية جهودهم التنموية وتطلعاتهم المشروعة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. مثل هذا النادي، تناقش فيه أزمة المديونية العالمية برمتها، والبحث عن سبل حلها. كما يجب أن يتسع هذا النادي ليشمل كل المدينين، صغيرهم وكبيرهم، وأن يتوصل إلى مجموعة من المعايير المناسبة لحل إشكالية المديونية، حيث يجب فرض مايلي:
·?تجميد الديون لفترة متفق عليها وتخفيف أعبائها، وإلغاء بعضها، وتعديل طرق سدادها مثل الدفع بالصادرات.
·?وضرورة إشراك الدائنين في تحمل عبء الأزمة.
وعندما يتكون مثل هذا النادي، وهي مهمة صعبة ومعقدة يجب أن تلعب فيها الشعوب والمنظمات غير الحكومية الدور الأساسي، يمكن حينذاك المطالبة بعقد مؤتمر دولي، تناقش فيه أزمة المديونية العالمية برمتها، وسبل تسهيل حلها.
ب ـ على المستوى الإقليمي: يمكن العمل على تعميق ودعم أوجه التعاون بين التكتلات الاقتصادية الإقليمية الموجودة بين البلدان العربية وبين مختلف مجموعات دول العالم السائرة في طريق النمو ومناقشة أزمة الديون الخارجية، وسبل تسهيل حلها. ويمكن تنسيق أشكال التعاون بين هذه المجموعات الإقليمية في المجالات التالية مثلا:
·?تشجيع التبادل التجاري فيما بين هذه الدول دون أن يمر عبر وسيط ثالث.
·?تشجيع ودعم اتحادات المنتجين للمواد الأولية التي تنتجها هذه الدول للحصول على أسعار مجزية لصادراتها ودعم قوتها الشرائية في السوق الرأسمالي العالمي.
·?تشجيع حركة تدفق رؤوس الأموال من دول الفائض النفطية التي تنتمي لدول العالم الثالث نحو دول العجز، في إطار صيغ محددة ومتطورة تعود بالنفع على أطراف التعاون.
·?تبادل التكنولوجيا والمعارف والخبرات العلمية الموجودة في هذه الدول بعيدا عن وساطة وسيطرة الشركات متعددة الاستيطان.(1/246)
ج ـ على المستوى المحلي: لمعالجة مشكلة الديون الخارجية على المستوى المحلي يجب الإسراع بتبني السياسات المستعجلة التصحيحية لمحاصرة هذه الديون وحماية الجهد التنموي، ومن بين ما تتضمنه هذه السياسات:
·?وضع سياسة رشيدة للاقتراض الخارجي تستهدف وضع حد لنمو الديون الخارجية القصيرة الأجل، وأن تكون الديون الجديدة من طبيعة إنتاجية وليست استهلاكية، وتنويع مصادر الإقراض الخارجي وعدم الاقتصار على دولة أو كتلة اقتصادية معينة مع مراعاة الشروط المقدمة.
·?محاربة الاستهلاك غير الضروري، سواء في القطاع العام أو الخاص.
·?محاربة الاستيراد الترفي وفرض عليه رسوم كبيرة وضمان تمويل الحد الأدنى الضروري للواردات لدعم قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية.
·?عند التعاقد على قروض جديدة، وبخاصة ما كان منها طويل الأجل، يجب أن يحرص المسؤولون على أن لا تقل فترة السماح عن فترة تفريخ الاستثمار حتى لا تأتي مواعيد السداد في أوقات غير ملائمة، لا تكون فيها المشروعات الجديدة قد بدأت في الإنتاج.
·?تحاشي عمليات إعادة الجدولة، والحرص على دفع الأعباء في مواعيدها حتى يمكن تجنبها.
·?الاستمرار في التنمية ورفع مستوى معيشة المواطنين، دون حاجة إلى الاعتماد بشكل أساسي على الموارد الخارجية، حيث يمكن بناء نموذج ذاتي للتراكم، يدفع نفسه بنفسه من داخل إطار الاقتصاد المحلي وإمكاناته، ودون أن يؤدي ذلك إلى الانغلاق أو عدم التعامل مع الخارج.
ويمكن أن يتحقق هذا الهدف من خلال:
1 ـ تعبئة الفائض الاقتصادي الممكن من خلال مايلي:
ـ تشجيع الادخار المحلي، من خلال مختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقدية،
ـ التقليل من الاستهلاك الترفي ومن استيراد السلع الكمالية،
ـ الحد من الاكتناز ولتشجيع على الاستثمار،
ـ محاربة السوق السوداء ورسملة القطاع الغير رسمي.(1/247)
2 ـ تبني إستراتيجية إشباع الحاجات الأساسية: وهي إستراتيجية التنمية المتجهة نحو إشباع الحاجات الأساسية للسكان، فترتكز على فكرة الاعتماد على الذات، أي على تعبئة الفائض الاقتصادي الممكن، وعلى صياغة نموذج تنموي يتجه أساسا إلى الداخل وليس إلى الخارج. أي إلى إشباع الحاجات الأساسية للسكان من الطعام، السكن، وتوفير وتطوير البنية التحتية، خاصة منها المواصلات وخدمات الصحة والثقافة، وبشكل خاص التعليم بأطواره. إن هذه الإستراتيجية تتطلب تحقق ثلاثة شروط أساسية، هي:
??تخطيط الموارد واستخداماتها؛
??توفير الحماية للصناعات المحلية.
??توسيع السوق الداخلي من خلال عدالة التوزيع.
يعتبر الاعتماد المتزايد على الخارج في استيراد المواد الغذائية سمة جوهرية في معظم الدول المدينة، الشيء الذي استغلته الرأسمالية العالمية في إخضاع هذه الدول والضغط عليها. فإذ أنه لا يمكن التخلص من فخ المديونية وعدم الوقوع فيها مستقبلا إلا بالتصدي الواعي لقضية الأمن الغذائي، الأمر الذي يتطلب تحقيق الثورة الزراعية ودعم التعاون بين دول العالم عربي والعالم الثالث في هذا المجال.
فعلى البلدان العربية المثقلة بالديون، أن تراجع سياساتها بدلا من الاعتماد على الدائنين، إذ أنه توجد في أغلب البلدان العربية مجالات واسعة لتنمية الصادرات وتقليص النفقات، وخاصة منها المصروفات العسكرية.
خلاصة الفصل الخامس(1/248)
سمحت لنا دراسة هذا الفصل، التعرض إلى مختلف الحلول المقترحة من طرف الدائنين والمدينين والحكماء في هذا التخصص. ويمكن القول أن إشكالية الديون الخارجية من أخطر وأعقد القضايا التي واجهتها اقتصاديات الدول النامية عامة والعربية خاصة. فقد انعكست سلبا على عمليات التنمية في معظم هذه البلدان المدينة التي كانت في الأصل تطمح إلى تحقيق تنميتها المنشودة عن طريق الاعتماد على التمويل الخارجي. كما ينبغي العمل على الحد من علاقات التبعية الخارجية والاعتماد على الذات، والاتجاه نحو إستراتيجية تصحيحية تهدف إلى رفع معدل الصادرات وكذلك العمل على تحرير تجاري ومالي عربي كشكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي، يمكن رسمها على ثلاثة مستويات، الأول عالمي والثاني إقليمي والأخير محلي.
إن معالجة إشكالية تفاقم الديون الخارجية ينبغي أن تبدأ من الجذور، بمعنى البحث عن الأسباب المحلية الأساسية التي كانت وراء هذه المشكلة والعمل على القضاء عليها. وهذا يعني إعادة النظر في إستراتيجية التنمية التي اتبعها كل بلد خلال العقود الماضية، وتبني إستراتيجية الاعتماد على الذات، تلك الإستراتيجية التي تحقق التنمية الاقتصادية المستقلة التي تنفي التبعية للخارج بشكل توجه فيه الاستثمارات نحو المشاريع الإنتاجية التي تخدم التنمية المنشودة وتوسع السوق المحلي وتحقيق رفاهية السكان.
من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة لابد من إستراتيجية تقوم على التوظيف الرشيد للموارد الاقتصادية والبشرية والمالية محليا ودعم المشاريع المشتركة في كافة مجالات التعاون مع البلدان العربية.
الخاتمة العامة:(1/249)
إن إشكالية الديون الخارجية من أخطر وأعقد القضايا التي واجهتها اقتصاديات الدول النامية عامة والعربية خاصة؛ فقد انعكست سلبا على عمليات التنمية في معظم هذه البلدان المدينة، التي كانت في الأصل تأمل تحقيق تنميتها المنشودة عن طريق الاعتماد على التمويل الخارجي. في حين أنه كان ينبغي العمل على الحد من علاقات التبعية الخارجية، والاعتماد على الذات والاتجاه نحو إستراتيجية تصحيحية تهدف إلى رفع معدل الصادرات؛ وكذلك العمل على تحرير تجاري ومالي عربي كشكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي. يمكن رسمها على ثلاثة مستويات، الأول عالمي والثاني إقليمي والأخير محلي.
كما تجدر الإشارة إلى أن معالجة إشكالية تفاقم الديون الخارجية من جذورها تبدأ بالبحث عن الأسباب المحلية الأساسية التي كانت وراء هذه المشكلة، ثم العمل على القضاء عليها. وهذا يعني إعادة النظر في إستراتيجية التنمية التي اتبعها كل بلد عربي خلال العقود الماضية؛ وتبني إستراتيجية الاعتماد على الذات. تلك الإستراتيجية التي تحقق التنمية الاقتصادية المستقلة والتي تنفي التبعية للخارج بشكل تُوَجهُ فيه الاستثمارات نحو المشاريع الإنتاجية التي تخدم التنمية المنشودة؛ والتي من شأنها توسيع السوق المحلي وتحقيق رفاهية السكان.(1/250)
عالجنا من خلال هذه الدراسة إشكالية الديون الخارجية وآثارها على عملية التنمية في البلدان العربية ومقارنتها بالدول المدينة الأخرى، التي تعتبر فيها هذه الأزمة من أخطر وأعقد القضايا التي تعترض التنمية الاقتصادية. وبعد أن تناولنا بالدراسة والتحليل جميع المبادرات والإجراءات الدولية المختلفة لمعالجة أزمة المديونية الخارجية، كان لابد لنا أن نتساءل عما إذا كانت هذه المبادرات قد استطاعت إيجاد حل ناجع لأزمة المديونية الخارجية العربية؛ أم أنها كانت عبارة عن مسكنات وحلول جزئية وعرضية تصب في مصلحة الجهات الدائنة؟ للإجابة عن هذا التساؤل نستعرض أهم النتائج والمقترحات التي توصلنا إليها من خلال بحثنا هذا.
أولا: النتائج
1- عقب الحرب العالمية الثانية بدأت معظم بلدان العالم عهدا جديد من البناء والتعمير، وذلك على أنقاض الدمار الذي حل خاصة بالبلدان الرأسمالية المتقدمة. وفعلا شهد الاقتصاد العالمي خلال عقدي الخمسينيات والستينيات عصرا مزدهرا. حيث ارتفعت معدلات تراكم رأس المال، ومعدلات النمو الاقتصادي. وقد اقترن ذلك باستقرار في النظام الاقتصادي الدولي الذي كان يعتمد على آليتين رئيسيتين هما:
- نظام "بريتون وودز" الذي قام على أساس قابلية تحويل الدولار إلى ذهب، وتثبيت أسعار الصرف.
- اتفاقية "الجات" التي تدعو إلى حرية التجارة وتخفيف القيود عليها. وقد سمح ذلك بتسريع نمو حجم التجارة الخارجية الدولية، وكذا حركة رؤوس الأموال الدولية خاصة منذ منتصف السبعينيات من القرن المنصرم.(1/251)
2- منذ مطلع الستينيات وبعد أن نالت معظم البلدان العربية استقلالها السياسي، أرادت هذه الأخيرة تعزيز ذلك بالسعي إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي؛ وذلك من خلال تبني برامج تنمية اقتصادية واجتماعية طموحة قصد التخلص من التخلف الاقتصادي والاجتماعي الموروث عن الحقبة الاستعمارية. غير أن تلك الدول الحديثة الاستقلال السياسي آنذاك اعترضها العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها ندرة رؤوس الأموال الوطنية، أو عدم كفايتها لتمويل عمليات التنمية المنشودة.
3- إن مشكلة انخفاض معدلات الادخار المحلي، تعني عدم كفاية الموارد المحلية المتوفرة لتمويل عملية التنمية المنشودة. وهذا يعني أن هناك فجوة في الموارد المحلية، يقابلها فجوة مناظرة في التجارة الخارجية وهذا ما جعل العديد من البلدان العربية، يعتمد على التمويل الخارجي لمواجهة حاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون تعبئة الفائض الاقتصادي الممكن.
4- لجأت البلدان العربية المدينة إلى الاقتراض الخارجي من مصادر دولية عديدة، وشجعها على ذلك توافر الفوائض المالية لدى بعض الدول الدائنة، وبالتالي توفر إمكانيات الاقتراض المختلفة. إضافة إلى استقرار الاقتصاد العالمي في ذلك الوقت ونموه الملحوظ. كما أن تراكم أحجام هائلة من السيولة في البنوك التجارية نتيجة الفوائض الضخمة النفطية؛ إضافة إلى سهولة شروط الاقتراض في ذلك الوقت، أسهم في تشجيع معظم البلدان العربية على الإفراط في الاقتراض الخارجي. وفعلا استطاعت هذه البلدان خلال فترة الستينيات التحكم نسبيا في المصاعب التي اعترضتها، دون وجود أية صعوبة فيما يخص سداد أعباء الديون الخارجية.
5- في بداية السبعينيات بدأ الاقتصاد العالمي يعاني من أزمة هيكلية حادة ما زالت أثارها مستمرة حتى الآن، ومن أهم معالم هذه الأزمة هي:
- إيقاف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب بقرار منفرد من الرئيس الأمريكي.(1/252)
- تعويم أسعار الصرف، وذلك ما شجع عمليات المضاربة على الذهب، وأدى بالتالي إلى اضطراب في الأسواق النقدية والمالية الدولية.
- ظهور التضخم متزامن مع البطالة، أي ما يعرف بأزمة الكساد ـ التضخمي.
إضافة إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والنقدية التي بدأت تهدد استقرار النظام الاقتصادي العالمي برمته. وذلك ما سبب انخفاض معدلات الربح، وبالتالي معدلات النمو؛ التي انعكست سلبيا على البلدان العربية. فقد انخفضت حصيلة صادراتها، وارتفعت أسعار وارداتها نتيجة ارتفاع تكاليف المواد المصنعة في الدول الصناعية. وبالتالي اتجهت موازين مدفوعاتها نحو تسجيل مزيد من العجز. ونتيجة لذلك تعرضت مستويات المعيشة والإنتاج والاستثمار والعمالة لضغوط عديدة، فأصبحت مواجهة هذه المشاكل مرتبطة بمدى القدرة على تمويل العجز المتفاقم في موازين المدفوعات.
6- نتيجة لنمو حجم الديون الخارجية بمعدلات كبيرة ازدادت أعباء خدمات هذه الديون بشكل كبير جدا، يفوق معدلات نمو صادرات تلك الدول. وبذلك أصبحت أعباء هذه الديون تستحوذ على جزء هام من حصيلة الصادرات( فمثلا بلغت بالنسبة للجزائر 86 % في عام 1993). وبالتالي تناقصت القدرة الذاتية لتلك البلدان على الاستيراد وتدهورت أسعار الصرف وانخفض حجم التدفقات الصافية للموارد، وأصبحت المديونية الخارجية الضخمة وأعباء خدماتها تشكل أحد العوامل الهامة في اختلال موازين المدفوعات. مما أدى إلى المزيد من الاقتراض وبالتالي تتفاقم أزمة النقد الأجنبي.(1/253)
7- انفجرت أزمة المديونية الدولية في شهر أوت عام 1982، حينما أعلنت المكسيك عجزها عن دفع أعباء ديونها الخارجية. ثم تبعتها كل من البرازيل والأرجنتين ودول أخرى. وهذا ما أوقع النظام المصرفي الدولي وبخاصة المصارف التجارية الأمريكية في مأزق كبير، باعتبار أن توقف كبرى الدول المدينة عن الدفع هو بمثابة إفلاس هذه البنوك؛ وإحداث توتر شديد في النظام المالي العالمي. ولهذا بدأت هذه البنوك بتقييد الائتمان المصرفي، خصوصا ذلك الموجه للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون. ولم تعد توافق على منح القروض إلا بعد إذعان هذه البلدان لتوصيات صندوق النقد الدولي، وإتباعها برامج إصلاح وتكييف، لكي تتمكن من توجيه اقتصادياتها بشكل يضمن سداد الديون المستحقة عليها.
8- ظهور العديد من المبادرات والإجراءات الدولية للتخفيف من أعباء الديون الخارجية للبلدان النامية بما فيها العربية، سواء منها المبادرات التي تعمل على تأجيل السداد، أو الإجراءات المتخذة قصد إلغاء جزء من الديون الخارجية لبعض البلدان؛ وذلك مقابل تطبيق برامج إصلاح اقتصادي، تشرف عليها المنظمات الدولية، وبخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولكن تجارب هذه الدول أثبتت فشل تلك الإجراءات المتبعة للتخفيف من أزمة المديونية انطلاقا من إعادة جدولة الديون وصولا إلى جميع المبادرات التي اقترحت تأجيل السداد أو التخفيف من حجم المديونية الخارجية للبلدان النامية. على الرغم من إتباع العديد من البلدان المدينة برامج تصحيح اقتصادي قاسية، انعكست أثارها سلبا على مستويات معيشة المواطنين. رغم ذلك فإن الأزمة لا تزال قائمة؛ إذ لا يزال العديد من البلدان المدينة يعاني من زيادة العجز في ميزان المدفوعات، وانخفاض معدل النمو.(1/254)
9- إن تبني البلدان المدينة برامج إصلاح اقتصادي قاسية انعكس سلبيا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خصوصا في العديد من البلدان النامية، قد أدى إلى ظهور العديد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية. بهذا الصدد، يرى البعض أن التطرف الذي ظهر في أكثر من بلد يرجع إلى سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها. ولهذا ظهر العديد من المبادرات التي تمثل وجهة نظر المدينين، وما يميزها أنها مبادرات أمان غالبا ما لا يؤخذ بها، وأنها محلية أو إقليمية، ولا تستطع البلدان النامية الوصول إلى صيغة موحدة تدافع عن مصلحتها.
10- إن جميع المبادرات التي اقترحتها الدول الدائنة والمنظمات المالية الدولية لمعالجة أزمة المديونية الخارجية، انطلقت في تحليلها باعتبار أن أزمة الديون هي مجرد أزمة نقص سيولة. أي عدم كفاية وملائمة وسائل الدفع والاحتياطات الدولية اللازمة لمواجهة أعباء المديونية الخارجية. لكن عندما أصبحت هذه الأعباء ضخمة وتجاوزت طاقة هذه الدول على السداد، وتوقف العديد منها عن السداد؛ تعامل كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مع هذه الأزمة على أنها أزمة إفلاس. وبالتالي بدأت المبادرات التي تروج لتحويل جزء من الديون إلى أصول إنتاجية تتملكها أو تشارك في ملكيتها الجهات الدائنة. ونعتقد أن هذا الحل يعتبر من أسوأ وأخطر أنواع الحلول المقترحة لمعالجة أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية بما فيها العربية.
11- إن تفاقم أزمة المديونية الخارجية في البلدان العربية المدينة، تعود بشكل كبير إلى عدم وجود إستراتيجية واضحة للاقتراض الخارجي. فقد دلت الوقائع على أن هذه الدول لم يكن لديها جهة مركزية تشرف على إدارة الديون الخارجية. وبالتالي لم يكن هناك تصور واضح ودقيق عن كيفية إدارة الدين الخارجي، وعدم توفر متخصصين ذوي خبرة في مجال الاقتراض من أجل التفاوض والحصول على أفضل الشروط من الدائنين.(1/255)
12- إن قسما معتبرا من القروض الخارجية التي حصلت عليها البلدان العربية في عقد الثمانينيات كانت تخصص لشراء السلع الاستهلاكية وأحيانا لشراء الأسلحة والعتاد الحربي. وحتى القروض التي مولت المشاريع الإنتاجية كانت في معظمها موجهة نحو مشاريع البنية التحتية التي تتميز بكون مردوديتها بسيطة على المدى القصير. مما انعكس سلبا على تفاقم العجز في موازين المدفوعات.
13- إن النتائج التي استعرضناها فيما يخص البلدان النامية تنطبق كذلك على حالة اقتصادات البلدان العربية. غير أن ما تتميز به هذا الأخيرة أنها اقتصاديات دائنة للعالم الخارجي؛ إذا ما أخذت كوحدة متكاملة لأن بعض البلدان تتمتع بفائض مالي كبير. إن الفائض الذي وظف ويوظف في الأسواق المالية والبنوك الأجنبية، يعاد تحويله إلى البلدان النامية منها العربية المدينة في شكل قروض.
14-إن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي ليس بالضرورة سلبيا أو إيجابيا وإنما يتوقف ذلك على كيفية تخصيص الموارد المالية المتأتية عن هذا الاقتراض والنتائج المترتبة عنه. إذ أثبت العديد من الدراسات والبحوث أن الدول التي تعرضت لأزمات مديونية حادة قد خصصت الأموال المقترضة فيها لتمويل الاستهلاك والاستثمارات غير المنتجة.
ثانيا: الاقتراحات
تعتبر أزمة المديونية الخارجية للبلدان العربية من أصعب القضايا التي واجهتها اقتصاديات هذه البلدان، فقد انعكست هذه الأزمة سلبيا على عمليات التنمية في معظم بلدانها التي كانت في الأصل تحلم في تحقيق تنميتها المنشودة عن طريق الاعتماد على التمويل الخارجي.(1/256)
إن كافة المبادرات والاقتراحات التي طرحها الدائنون والمنظمات والمؤسسات المالية الدولية لمعالجة هذه الأزمة لم تكن سوى مسكنات لها، ومن أجل المحافظة على النظام المالي العالمي من الانهيار. أما المبادرات التي طرحها المدينون عادة ما كانت حبرا على ورق، وكان يغلب عليها طابع الترجي والأماني. ولم تتمكن الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة من إيجاد الحلول الدائمة والشاملة لمشكلة المديونية في البلدان المدينة. إلى جانب عجز هذه الأخيرة عن فرض وتنفيذ قراراتها، وفي مقدمتها القرار الخاص بإقامة نظام اقتصادي دولي جديد. من خلال ما تقدم، وعلى ضوء التطورات الاقتصادية الدولية الراهنة، نؤكد أن النظام الاقتصادي العالمي هو وراء أزمة المديونية وتكريس التبعية والتخلف في المقام الأول؛ ومن ثم تأتي الاستراتجيات التنموية الخاطئة التي اتبعتها البلدان العربية.
وعلى أساس النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا هذا، نوصي بالاقتراحات التالية:
1- على البلدان العربية أن تعيد النظر في استراتجياتها التنموية على النحو الذي يؤهلها لبناء تنمية مستقلة معتمدة على الذات، تمكنها من تحسين وضعها في النظام الاقتصادي العالمي. ولهذا نرى ضرورة العمل على مواجهة أزمة المديونية على كافة الأصعدة؛ ابتدءا بمبادرة القيام بإصلاحات عميقة لرفع مقدرتها على التمويل المحلي، وتقليل اعتمادها على الاقتراض الخارجي. وذلك من خلال الاعتناء أكثر بالطاقات الإنتاجية، وتطوير ما هو قائم، ومعالجة ما هو معطل. بمعنى ضرورة علاج مشكلة الطاقات العاطلة بالقطاعات والصناعات التي تنتج إنتاجا يحل محل الواردات، أو إنتاجا موجه للتصدير، الأمر الذي يساعد على زيادة موارد البلد من النقد الأجنبي.(1/257)
2- لتلافي أخطاء الماضي لابد من وضع سياسة رشيدة للاقتراض الخارجي، وذلك من خلال وضع معايير دقيقة وواضحة تتعلق بأسس وشروط القروض الخارجية من ناحية، وبكيفية استخدامها من ناحية ثانية. وذلك على النحو الذي يكفل التخفيف من أعباء المديونية الخارجية ويسمح بزيادة فاعلتها في التنمية الاقتصادية. كما يجب أن يحرص المسؤولون عند التعاقد مع الدائنين أن تكون فترة السماح كافية وتتمشى مع البداية الحقيقية للاستثمار حتى لا تكون مواعيد السداد غير ملائمة.
3- يجب رفع قدرة الدولة المدينة على سداد ديونها الخارجية، مع الاستمرار في التنمية الاقتصادية، من خلال تحديد للاستهلاك المحلي ومراقبته باستمرار، وخاصة الضغط على الاستهلاك الكمالي وغير الضروري، المتمثل في السلع والخدمات الكمالية، التي يستهلكها أصحاب الدخول العالية. فالضغط على هذا النوع من الاستهلاك سوف يزيد من جزء معتبر من النقد الأجنبي، الأمر الذي يدعم قدرة الدولة المدينة على تمويل واردتها الضرورية.
4- إن مشكلة المديونية باتت مسألة دولية، وهي تنعكس سلبا على المدنين، وذا لم تتم معالجتها من الجذور فإن انعكاساتها السلبية ستشمل الجميع. وباعتبار أن الحديث يجري حاليا عن النظام العالمي الجديد وعن الديمقراطية، وعن مكافحة الفقر والتخلف، فإنه ينبغي على المجتمع الدولي البحث عن حلول طويلة الأجل ودائمة لمشكلة المديونية ولكافة المشاكل التي تعاني منها البلدان النامية عموما بما فيها العربية. وأن يتحمل الدائنون مسؤولياتهم في علاج هذه الأزمة، والعمل في هذا الإطار على اتفاق جميع الدائنين على الالتزام بتعهداتهم وإلغاء بعض الديون الخارجية التي تطرقت إليها بعض المبادرات. بل وينبغي تعميمها على جميع البلدان النامية المدينة، وليس على نطاق منطقة واحدة، أو دول منفردة.(1/258)
5- تعميق أوجه التعاون للتكتلات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بين مختلف مجموعات دول العالم النامي عامة والعربية خاصة. ومن أهم أشكال التعاون نذكر منها: تشجيع التبادل التجاري وتطويره بين هذه البلدان بصورة مباشرة، تشجيع حركة تدفق رؤوس الأموال، تشجيع الاستثمار المباشر على أسس تجارية، ودعم وتشجيع روابط واتحادات منتجي المواد الأولية من أجل تحسين أسعارها.
6- إن العامل الأهم في تجسيد محاولات التكامل الاقتصادي العربي يرتبط أساسا بالإرادة السياسية للقادة العرب، وفي ظل غياب هذه الإرادة السياسية يصعب على الدول العربية أن تخطو جديا نحو طريق الوحدة الاقتصادية والتي أصبحت الخيار الأهم في مواجهة تداعيات العولمة ومخاطرها.
7- يعتبر العون الإنمائي العربي جانبا مهما من جوانب التعاون الاقتصادي بين البلدان العربية، من جهة، وباقي الدول النامية من جهة أخرى. وينبغي أن يتميز هذا العون بشروط ميسرة، تتمثل في انخفاض سعر الفائدة وطول فترتي السماح والسداد، وبالتالي ارتفاع عنصر المنحة فيه. ويكتسب العون الإنمائي العربي، دلالات مهمة ذات أبعاد تنموية، وقد بلغت المساعدات العربية الإنمائية الميسرة المقدمة من البلدان العربية عام 2004 حوالي 2.4 مليار دولار؛ وبذلك يبلغ إجمالي ما قدمته البلدان العربية من مساعدات إنمائية ميسرة خلال الفترة 1970-2004 حوالي 123.9 مليار دولار. وبلغت نسبة العون الإنمائي العربي إلى الناتج القومي للمانحين الرئيسيين لعام 2004 حوالي 0.5 في المائة.(1/259)
وفيما يخص المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة للبلدان العربية، فقد بلغ إجمالي هذه المساعدات حوالي 8.3 مليار دولار عام 2003، بزيادة نسبتها 21.8 في المائة عن عام 2002؛ من إجمالي العون المقدم للدول النامية الذي بلغ 70.1 مليار دولار عام 2003. وقد شملت المساعدات الإنمائية المقدمة من البلدان العربية دعم المشروعات الإنتاجية ومشروعات البنية التحتية، ودعم إجراءات وبرامج الإصلاح الاقتصادي ومشاريع التنمية الاجتماعية، ومشاريع إعادة التأهيل، والدعم الفني والمؤسسي، وغير ذلك من المشروعات والأنشطة التي تؤدي إلى تطوير وتحديث الأجهزة الإدارية؛ وكل هذا من أجل تحسين فاعلية هذه المساعدات. ومنه يمكن الاستفادة أكثر بالنسبة للبلدان العربية المدينة إذا توجهت إلى هذه المؤسسات والصناديق العربية.
8- وقد أوجدت المديونية الخارجية وما رافقها من تعاظم لدور الشركات المتعددة الجنسية واقعا جديدا يفرض على الدول العربية التعامل معه. ويتجلى هذا الواقع في تراجع مكانة العلاقات بين الحكومات لصالح هذه الشركات والمستثمرين. وهو ما يحتم تعزيز قدرتنا التفاوضية كعرب مع هذه الجهات والبحث عن اللغة التي تفهمها هذه الأطراف بعيدا عن العواطف. وعناصر هذه اللغة هي حجم السوق المحلية والأداء الاقتصادي والمالي الجيد والمستقر ورأس المال البشري المؤهل، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي والتشريعات والنظم المحكمة. كما أثبتت التجارب في الوطن العربي أن الاستثمارات الأجنبية لم تسهم بصورة حقيقية في رفع مستوى المدخرات والفائض الاقتصادي بما يمكن هذه البلدان المقترضة من التعامل الفعال مع مشكلة ديونها الخارجية.(1/260)
9- إن أزمة المديونية العربية يمكن علاجها من خلال توسيع مساحة العمل العربي المشترك، مع الاستفادة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وتفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتجسيد اتفاقية السوق العربية المشتركة، والتوسع في الاتفاقيات الثنائية لمناطق التجارة الحرة بين البلدان العربية.
وفي الأخير نتمنى أننا من خلال عملنا هذا قد حققنا أهدافنا المتواضعة التي سطرناها وأصبنا جانبا ولو بسيط من جوانب الموضوع الشاسع والمعقد، كما نتمنى أن تشكل تلك الجوانب إشكاليات لدراسات مستقبلية.
قائمة المراجع
أولا:- المراجع باللغة العربية:
أ- الكتب:
1. رمزي زكي، الديون والتنمية، الطبعة الأولى، دار المستقبل العربي،مصر، 1985
2. رمزي زكي، أزمة الديون الخارجية، رؤية من العالم الثالث، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 1978.
3. رمزي زكي، أزمة القروض الدولية الأسباب والحلول المطروحة مع مشروع صياغة لرؤى عربية، دار المستقبل العربي، 1987.
4. رمزي زكي، محنة الديون وسياسات التحرير في دول العلم الثالث، دار العالم الثالث، القاهرة، 1991.
5. رمزي زكي، مشكلة الادخار مع دراسة خاصة عن البلاد النامية، دار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1966.
6. رمزي زكي، الديون والاستقلال مع دراسة عن الوضع الراهن لمديونية مصر،مطبوعات مكتبة مدبولي، القاهرة، 1986.
7. رمزي زكي، فكر الأزمة دراسة في أزمة علم الاقتصاد الرأسمالي والفكر التنموي الغربي، مطبوعات مكتبة مدبولي، القاهرة، 1987.
8. رمزي زكى، التضخم والتكييف الهيكلي في الدول النامية، دار المستقبل العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1996.
9. رمزي زكى، العولمة المالية الاقتصاد السياسي لرأس المال المالي الدولي رؤية من البلاد النامية، دار المستقبل العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1999.(1/261)
10. حميد الجميلي، مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك1945-1995، بيت الحكمة، بغداد 2001.
11. راضي فاخر عبد النبي، النمو الديموغرافي في الأقطار العربية وتأثيراته على المستوى التشغيل، منظمة العمل العربية، 2003.
12. يوسف عبد الله صايغ، مقررات التنمية الاقتصادية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985.
13. يوسف عبد الله صايغ، الاقتصاد العربي، منجزات الماضي وآفاق المستقبل، ترجمة عزالدين حبوني، دمشق سوريا 1990.
14. أحمد أبو الفتوح الناقة، نظرية النقود والبنوك والأسواق المالية، جامعة الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1995.
15. محمد محمود شهاب، الاتجاهات الدولية لمواجهة أزمة الديون الخارجية بالتطبيق على بعض الدول العربية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، مصر، 1998.
16. محمد لبيب شقير، العلاقات الاقتصادية الدولية. مكتبة النهضة، مصر القاهرة، الطبعة الثانية، 1958.
17. لبيب شقير ، مفهوم التنمية في ضوء الفكر التنموي المعاصر، صندوق النقد العربي،1981.
18. الخضيري محسن أحمد، الديون المتعثرة، الظاهرة-الأسباب-العلاج، القاهرة مصر، 1996.
19. جورج قرم، التبعية الاقتصادية، مأزق الاستدانة في العالم الثالث في المنظار التاريخي، دار الطليعة بيروت، الطبعة الأولى، 1980.
20. إيف بينوت، ما هي التنمية، ترجمة أبو الحسين، دار الحقيقة، بيروت، تاريخ الدخول 1985.
21. أدريانو بينايون، العولمة نقيض التنمية، ترجمة جعفر علي حسين السوداني، بيت الحكمة، بغداد، الطبعة الأولى، 2002.
22. حسين عمر، الإستثمار والعولمة، دار الكتاب الحديث، مصر، الطبعة الأولى، 2000.
23. علي كنعان، إقتصاديات المال والسياستين المالية والنقدية، منشورات دار الحسنين، دمشق، الطبعة الأولى، 1998.
24. محمود خالد المسافر، العولمة الاقتصادية هيمنة الشمال والتداعيات على الجنوب، بيت الحكمة، بغداد، الطبعة الأولى، 2002.(1/262)
25. محمد لخضر بن حسين، الأزمات الإقتصادية فعلها ووظائفها في البلدان الرأسمالية المتطورة والبلدان النامية، ترجمة أحمين شفير، الجزائر، 1995.
26. عبد الستار عبد الحميد سلمي، تقييم سياسات صندوق النقد الدولي للتثبيت الاقتصادي في مصر، دار الكتب المصرية، طبعة 2000/2001.
27. الهادى خالدى، المراة الكاشفة لصندوق النقد الدولى، دار الهومة للنشر، 1996.
28. .
29. يوسف عبد الله صابغ، مقررات التنمية الاقتصادية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985
30. صبحي محمد قنوص، أزمة التنمية، دراسة تحليلية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدان العالم الثالث، الطبعة الثانية، القاهرة، الدار الدولية للنشر والتوزيع، 1999.
31. محمد عبد العزيز عجيمة وإيمان عطية ناصف، التنمية الاقتصادية دراسات نظرية وتطبيقية، الإسكندرية، مصر، 2003.
32. طارق الحاج، علم الاقتصاد ونظرياته، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1998.
33. سمير أمين وآخرون، العرب والنظام الاقتصادي الدولي الجديد، دار المشرق والمغرب، بيروت، الطبعة الأولى، 1983.
.
34. محمد حافظ عبده الرهوان، معالم علي طريق التنمية الاقتصادية في دول العالم الثالث، القاهرة، 1994.
35. عبد الوهاب الأمين، التنمية الاقتصادية-المشكلات والسياسات المقترحة مع إشارة إلى البلدان العربية، دار حافظ للنشر والتوزيع،الطبعة الأولى، 2000.
36. سعد طه علام، دراسات في الاقتصاد والتنمية، دار طيبة للنشر والتوزيع والتجهيزات العلمية، القاهرة، 2003.
37. إسماعيل العربي، التعاون الاقتصادي للتنمية في نطاق المنظمات الدولية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1979.
38. مروان عطون، الأسواق النقدية والمالية، الجزء الأول والجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2004.(1/263)
39. محمد بلقاسم حسن بهلول، سياسة تخطيط التنمية وإعادة تنظيم مسارها، الجزء الأول والجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،2004.
40. صبحي محمد قنوص، أزمة التنمية، دراسة تحليلية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدان العالم الثالث، الطبعة الثانية، القاهرة، الدار الدولية للنشر والتوزيع، 1999.
41. محمد عبد العزيز عجيمة وإيمان عطية ناصف، التنمية الاقتصادية دراسات نظرية وتطبيقية، الإسكندرية، مصر، 2003.
42. طارق الحاج، علم الاقتصاد ونظرياته، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1998.
43. ستيغليتز جوزيف، خيبات العولمة، ترجمة ميشال كرم، دار الفارابي، 2003.
44. سمير محمد عبد العزيز، التمويل العام-المدخل الادخاري، الضريبي، المدخل الإسلامي، المدخل الدولي، الطبعة الثانية، الإسكندرية مصر، 1998.
45. هيلان رزق الله، المديونية، حصان طروادة للاستعمار الجديد في البلدان النامية، مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، دمشق، 1987.
46. عبد القادر الدبوني، أسس توحيد القوانين العربية، بيت الحكمة، بغداد، 2001.
47. خليل اسماعيل الحديثي، النظام العربي وإصلاح جامعة الدول العربية، بيت الحكمة، بغداد 2001.
ب-الر سائل والأطروحات:
رسائل الماجستير:
48. عبد الله بلوناس، أزمة الديون الخارجية في الدول النامية وخيار إعادة الجدولة، معهد العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر، 1996.
49. أمنية أمين حلمي حسن، دور صندوق النقد الدولي في البلاد النامية مع الإشارة للتجربة المصرية، رسالة الماجستير جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم الاقتصاد، 1988.
50. مسعود مجيطنة، الدين والمديونية في الرأسمالية وانعكاساتها على البلدان النامية، معهد العلوم الاقتصادية، جامعة الجزائر،1990-1991.
أطروحات الدكتوراه:(1/264)
51. محمد لبيب شقير، دور المشروعات العربية المشتركة في التكامل الاقتصادي، أطروحة دكتوراه، كلية الاقتصاد، القاهرة،1981.
52. قدور بوزيدي، التكامل الاقتصادي العربي، أطروحة دكتوراه دولة، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر،1999.
53. راتول محمد، سياسات التعديل الهيكلي ومدى معالجتها للاختلال الخارجي، التجربة الجزائرية أطروحة الدكتوراه ، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر،2000.
54. مسعود مجيطنة، أزمة المديونية العالمية، أطروحة دكتوراه دولة، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر،2004-2005.
ج- البحوث:
55. إسماعيل صبري عبد الله "العرب والعولمة: العولمة والاقتصاد والتنمية العربية" بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000.
56. خلاف خلف الشاذلي "آفاق التنمية العربية وتداعيات العولمة المعاصرة على مشارف الألفية الثالثة" شؤون عربية، العدد 105، مارس، 2001.
57. محمد الأطرش "العرب والعولمة : ما العمل؟" بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000.
58. رمزي زكي " الاقتصاد العربي تحت الحصار" مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولي، 1989.
59. نعوم إبراهيم عبود، إدارة الدين الخارجي، بحث مقدم في إطار ندوة نظمها البك الإسلامي في دمشق، حول إدارة الديون الخارجية، 1993.
60.
61. عبد الفتاح علي الرشدان، "رؤية في التنمية العربية: نحو الحد من التبعية وتحقيق التنمية المستقلة" شؤون عربية، 98، يونيو 1999.
62. سمير المقدسي، "التكتل الاقتصادي العربي والعولمة على مشارف القرن الحادي والعشرين"، شؤون عربية، 103، سبتمبر2000.
63. عبد الله رمضان الكندري "الدول النامية وأزمة الديون الخارجية" معهد البحوث والدراسات العربية، سلسلة الدراسات الخاصة، رقم 26, القاهرة،1987.(1/265)
64. الدجاني برهان ، الأبعاد الاقتصادية لمؤتمر القمة العربي الحادي عشر، دراسات في التنمية والتكامل الاقتصادي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أيلول،1983.
65. حسين الشرع تسويق النفط، التاريخ والأهمية والمستقبل، ندوة الثلاثاء الاقتصادية السابعة، دمشق 1992.
66. عصام خوري، النمو الاقتصادي والتحولات السكانية في سورية، ندوة الثلاثاء الاقتصادية العاشرة، دمشق، 1995.
67. عصام خوري، د.مصطفى العبد الله الكفري، قضايا حول السكان والتنمية في الوطن العربي، وزارة الثقافة دمشق، 1992
68. أسامة عبد المجيد العاني" مستقبل الاقتصاد العربيفي ظل الشركات المتعددة الجنسية"، شؤون عربية 108, ديسمبر/ كانون الأول، 2001.
69. يسوف بطرس غالي، الهيكل المؤسسي لإدارة الدين الخارجي، بحث مقدم في إطار ندوة إدارة الدين الخارجي، القاهرة، تموز 1992.
70. أثر الدين الخارجي على الاستثمار، إعداد: إدوارد ويورينشتاين، بحث مقدم في إطار (ندوة إدارة الديون الخارجية)، البنك الإسلامي، دمشق، 1993.
71. إسماعيل صبري عبد الله، "العرب والعولمة" -العولمة والاقتصاد والتنمية العربية- بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000
د-النشرات والدوريات ومجلات علمية
72. تقرير البنك الدولي، 2000.
73. مؤتمر الأمم المتحدة للتعاون الاقتصادي والتنمية "تقرير الاستثمار العالمي 2001.
74. مؤتمر الأمم المتحدة للتعاون الاقتصادي والتنمية،"تقرير الاستثمار العالمي، 2001.
75. البنك الدولي، التقرير السنوي، واشنطن، لعام 1987و لعام 1989.
76. الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تقرير عن أقل البلدان نوما، جنيف، 1995.
77. البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1984.
78. صندوق النقد العربي، التقرير الموحد، 1987.
79. البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم، واشنطن، 1983.(1/266)
80. البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم، واشنطن، 1987.
81. الأمم المتحدة، أعمال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، المجلد الثالث، نيويورك، 1989..
82. الأمم المتحدة، تقرير التنمية البشرية لعام 1994، نيويرك، جامعة أكسوفرد، 1994.
83. الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، تقرير أقل البلدان نموا 1989، نيويورك، 1990.
84. صندوق النقد العربي، الاقتصادي العربي الموحد، 1993.
85. صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد. 1987،.
86. البنك الدولي، جداول الديون العالمية،1993-1994،
87. عبد الوهاب كرمان (محافظ بنك الجزائر) في تصريح لوكالة أنباء الجزائرية يوم 12 أفريل 1994
88. محمد لكصاسي، التطورات الاقتصادية والنقدية في الجزائرسنة2004، نوفمبر 2005.
89. بنك الجزائر، تقرير 2004، الصادر في 2005.
90. *صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمبر1996.
91. صندوق النقد العربي، التقرير الاقتصادي العربي الموحد سبتمبر/ أيلول 2001 وسنة 2000.
92. جامعة الدول العربية، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، عام 1998 و2001.
93. صندوق النقد الدولي، مجلة التمويل والتنمية، واشنطن، 1986حزيران1986.
94. صندوق النقد الدولي، مجلة التمويل والتنمية، واشنطن، سبتمبر/أيلول 1991.
95. صندوق النقد الدولي، مجلة التمويل والتنمية، شن الهجوم على الفساد، واشنطن، يونيو 2000.
96. صندوق النقد الدولي، مجلة التمويل والتنمية، الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقال، سبتمبر 2000.
97. صندوق النقد الدولي تقرير لسنة 1994.
98. جامعة الدول العربية، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1987 و2000.
99. المنظمة العربية للتنمية الزراعية، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في الوطن العربي، 2000.(1/267)
100. صندوق النقد العربي، معهد السياسات الاقتصادية، "سياسة وإدارة الدين العام في البلدان العربية"، أبو ظبي، مارس/آذار 1998.
101. المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، "تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية"، 2000.
102. عشرت حسين ومانويل تروكو، البك الدولي، نموذج للإدارة الناجحة للمديونية الخارجية،بحث مقدم في إطار ندوة نظمها معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث حول إدارة الديون، دار السلام، (15-21) كانون الثاني، 1990.
103. إسماعيل صبري عبد الله، "العرب والعولمة" -العولمة والاقتصاد والتنمية العربية- بحوث ومناقشات، ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000.
104. بشير الزعبي "الاقتصاديات العربية وتحديات العولمة" مائدة مستديرة، جامعة ناصر الأممية، ليبيا، 1999.
105. خلاف خلف الشاذلي، "آفاق التنمية العربية وتداعيات العولمة المعاصرة على مشارف الألفية الثالثة"، شؤون عربية 105، مارس/ آذار 2001.
106. رمزي زكي، الاقتصاد العربي تحت الحصار، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولي، 1989.
107. عبد الله رمضان الكندري، الدول النامية وأزمة الديون الخارجية، معهد البحوث والدراسات العربية، سلسلة الدراسات الخاصة، رقم 26، القاهرة،1987.
108. عبد الفتاح علي الرشدان، رؤية في التنمية العربية- نحو الحد من التبعية وتحقيق التنمية المستقلة، شؤون عربية، 98، يونيو، 1999.
109. سمير المقدسي، التكتل الاقتصادي العربي والعولمةعلى مشارف القرن الحادي والعشرين، شؤون عربية، 103, سبتمبر ، 2000.
110. أسامة عبد المجيد العاني" مستقبل الاقتصاد العربي في ظل الشركات المتعددة الجنسية" شؤون عربية 108, ديسمبر/ كانون الأول 2001.
111. إسماعيل صبري عبد الله "العرب والعولمة: العولمة والاقتصاد والتنمية العربية" بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, الطبعةالثالثة,2000.(1/268)
112. خلاف خلف الشاذلي "آفاق التنمية العربية وتداعيات العولمة المعاصرة على مشارف الألفية الثالثة" شؤونعربية 105, مارس/ آذار 2001.
113. رمزي زكي " الاقتصاد العربي تحت الحصار" مركزدراسات الوحدة العربية, بيروت, الطبعة الأولي, 1989.
114. محمد الأطرش "العرب والعولمة : ما العمل؟" بحوث ومناقشات ندوة فكرية لمركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, الطبعة الثالثة, 2000.
115. مؤتمر الأمم المتحدة للتعاون الاقتصادي والتنمية"تقرير الاستثمار العالمي 2001".
116. عبد الله رمضان الكندري "الدول النامية وأزمة الديون الخارجية" معهد البحوث والدراسات العربية,
117. سلسلة الدراسات الخاصة, رقم 26, القاهرة 1987.
118. عبد الفتاح علي الرشدان "رؤية في التنمية العربية" نحو الحد من التبعية وتحقيق التنميةالمستقلة" شؤون عربية 98, يونيو/ حزيران 1999
119. سمير المقدسي "التكتل الاقتصادي العربي والعولمة على مشارف القرن الحادي والعشرين" شؤون عربية103, سبتمبر/ أيلول 2000.
120. أحمد الكواز: النظام الجديد للتجارة العالمية، مجلة جسر التنمية،المعهد العربي للتخطيط بالكويت،العدد 36،ديسمبر/كانون الأول 2004.
121. عادل محمد خليل: منظمة التجارة العالمية إنشاؤها وآلية عملها، مجلة جسر التنمية،المعهد العربي للتخطيط بالكويت،العدد 37 يناير/كانون الثاني 2005.
122. حسان خضر: الاستثمار الأجنبي المباشر-تعاريف وقضايا- مجلة جسر التنمية،المعهد العربي للتخطيط بالكويت،العدد 33 ،سبتمبر/أيلول 2004.
123. أحمد الكواز: النظام الجديد للتجارة العالمية، مجلة جسر التنمية،المعهد العربي للتخطيط بالكويت،العدد 36،ديسمبر/كانون الأول 2004.
124. عادل محمد خليل: منظمة التجارة العالمية إنشاؤها وآلية عملها، مجلة جسر التنمية،المعهد العربي للتخطيط بالكويت،العدد 37 يناير/كانون الثاني 2005.
125. المنظمات الدولية، البعد العالمي، مركز المعلومات القومي، سورية، 2001.(1/269)
126. المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي ، تقرير حول المديونية لبلدان جنوب الأبيض المتوسط- عائق أمام التنمية الأوروة-متوسطية، الدورة العامة الخامسة عشرة، ماي 2000.
مراجع باللغة اللاتينية:
1-المراجع باللغة الفرنسية:
127. ARNAUD-P, la dette du tiers-monde , la découverte, Paris, 1984.
128. Arezki IGUEMAT , la crise de l’endettement des PVD, ENAP , Alger, 1990.
129. BELHIMER Amar, la dette extérieure de l’Algérie une analyse critique des politiques d’emprunts et d’ajustement , Casbah édition, 1998.
130. Benbitour Ahmed, L’Algérie au troisième millinaire, défis et potentialités, éditions Marinoor, Algérie, 1998.
131. BOUZIDI Abdemadjid, comprendre la mutation de l’économie Algérienne, les mots clés , Anep, Alger, 1992.
132. Rachid Sekkak la dette extérieure des pays maghrébins, ceneap, Alger, 1991.
133. Charles P. Kindleberger, les mouvements internationaux de capitaux, traduit de l’anglais par Henri Bernard, éditions Dunod, Paris, 1990.
134. Gilbert Joseph, Appel des économistes pour sortir de la pensée unique, les pièges de la finance mondiale « diagnostics et remèdes, Syros, France, 2000.
135. Susan George, jusqu’au cou enquête sur la dette du tiers monde, traduit de l’anglais par Pierre Saint-Jean et William Desmond, éditions la découverte, Paris, 1988.
136. Boukrami Sid Ali, les mécanismes monétaires et financiers internationaux, Enap, Algérie, 1986.
137. Mohamed El Hocine BENISSAD, Economie internationale, OPU, Alger.1981.
138. G.Debernis et Bye, Relations économiques internationales. Dalloz, Paris, 1977.(1/270)
139. J. C. Sanchez Arnau, Dette et Developpement, éditions publisud, Paris, 1982.
140. Banque mondiale. “Rapport sur le développement dans le monde”,Washington 1998.
141. MOSSAD Ahmed, et SUMMERS Lawrence, le point sur la crise de la dette, deux ans aprés, finances et développement, Septembre 1992.
142. DEMBINSKI Pawel, L’endettement international, Edition Que sais-je,PUF,1989.
143. BAHRAN NAWZAD, « leçons d’une décennie d’endettement, revue et développement, volume 27, N° 1 , mars 1990.
144. Benissad Hocine, L’ajustement structurel- objectifs et expériences, éditions Alim, Algérie,1993.
145. BERTHELEMY Jean Claude, les nouvelles stragtégies d’allégement de la dette des PVD, , Revue d’économie politique, N° 101, juillet et août 1991
146. FMI , le traitement de la dette, Finance et développement, Septembre, 1988.
147. Jean- Claude BERTHELEMY , et Ann VOURC’h ,Allégement de la dette et la croissance, OCDE, Paris, 1994.
148. Salah MOUHOUBI, l’Algérie et le tiers monde face à la crise , Edition ATTARIK ; Alger, 1990.
149. Joseph C WHEELER, Rapport sur la Coopération pour le développement dans les années 1990, OCDE 1989.
150. CNUCED, une gestion efficace de la dette, 1990.
151. H.Benissad, proceeding colloque des sciences économiques, Le Développement économique : théories et politiques en Afrique, OPU
152. Media bank, le journal interne de la banque d’Algérie, Publication bimestrielle, N°30, Juin/Juillet 1997.
153. Banque d’Algérie,Rapport 2004, évolution économique et monétaire en Algérie, juillet 2005.(1/271)
154. Banque d’Algérie, évolution de la dette extérieure de l’Algérie 1993-2003.
155. Salles Pierre, problèmes économiques généraux, 6 éditions, Dunod, Bordas Paris,1986.
156. Rapport , coopération pour le développement dans les années 1990, OCDE, Paris, 1989.
2- المراجع باللغة الإنجليزية:
157. Weisskopf, Thomas E, The Impact of Foreign Capital Inflow on Domestic Saving in Uderdeveloped Contries, Published in Journal of International Economics ,February 1972.
158. Harazi Bharat R, Foreign aid, Conspicuous Consumption and Doestic Savings, Some theoretical Observations, Published in The Journal of Development Studies, vol 12, N°2January 1976.
159. El –Imam Mohamed Mahmoud , Foreign Loans and Economic Development, Memo .N° 1156, published in the Institute of National Planning, Cairo, 1976.
160. World Bank. World Debt Tables. External Debt of Developing Countries. Washington. 1980/1981/1982.
161. World Bank, « World Development Indicators, CD-ROM ,2000.
162. World Bank. World Debt Tables. External Debt of Developing Countries. Washington. 1999/2000.
163.
164. UN. United Nations for Development Programme. World Report 2001.
165. Bulletin du FMI , Août 1993.
166. External contingency facility (ECF) and compensatory financing facility (CFF).
167. World Bank « World Development Indicators 2000.
168. Internationanal Monetary Fund (FMI), World Economic out Book, Washington,D-C 1989.
169. .
170. Dragoslov Avramovic,Economic Growth andxternal debt,economic departemrnt inernetional bank for reconstruction and departement, the Jhon hopkins press, baltimore,1966
مواقع على الإنترنيت(1/272)
المواقع الالكترونية:
171. http:// www.bank-of-algeria.dz/docs2.htm du 29/10/2006
172. http:// www.oecd.org
173. http:// www.sceco.UNIV-montp 1
174. http:// www.une.
175. www.wto.org
176. www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/namaa12-2-00/namaa2.asp(1/273)