طبقات الحنابلة
لابي يعلى الحنبلي
قال المؤلف هذا كتاب استخرنا الله تعالى في تأليفه وسألناه المعونة على تصنيفه وسطرنا فيه ما انتهى إلينا من أخبار شيوخنا أصحاب إمامنا الإمام الأفضل أبي عبد الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم
حدثنا الشيخ الإمام الحافظ حدثنا الشيخ الإمام الحافظ أبو العز عبد المغيث بن الحرث بن زهير الحربي قال حدثنا القاضي الإمام الأوحد السعيد الشهيد أبو الحسين محمد بن الحسين بن خلف الفراء الحنبلي رضي الله عنه من لفظه وكتابه وذلك في سنة أربع وعشرين وخمسمائة قال: الحمد لله العلي العظيم السميع البصير ذي الفضل الواسع والمنن التوابع والنعم السوابغ والحجج البوالغ علا فكان فوق سبع سموات ثم على عرشه استوى يعلم السر وأخفى ويسمع الكلام والنجوى أنزل القرآن بعلمه وأنشأ خلق الإنسان من تراب بيده ثم كونه بكلمته واصطفى رسوله إبراهيم بخلته ونادى كليمه موسى بلغته فقربه نجيا وكلمه تكليما وأمر نوحاً بصنعة الفلك على عينه وخبرنا أن أنثى لا تحمل ولا تضع إلا بعلمه كما أعلمنا أن كل شيء هالك إلا وجهه. وحذر عباده نفسه التي لا تشبه أنفس المخلوقين.
أحمده على ما من علي من الإيمان بجميع صفات ربي عز وجل وعلى جميع الأنبياء حمد شاكر لنعمائه التي لا يحصيها أحد سواه وأشكره شكر مقر مصدق بحسن آلائه التي لا يقف على كثرتها غيره عز وجل وأؤمن به إيمان معترف بوحدانيته راغب في جزيل ثوابه وعظيم ذخره بفضله كرمه وجوده راهب وجل خائف من أليم عقابه لكثرة ذنوبه وخطاياه وحوباته.(1/1)
وأشهد أن لا إله إلا الله إله واحد فرد صمد قاهر قادر رؤوف رحيم لم يتخذ صاحبة ولا ولداًً ولا شريكاً في ملكه العدل في قضائه الحكيم في أفعاله القائم على خلقه بالقسط الممتن على المؤمنين بفضله بذل لهم الإحسان وزين في قلوبهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وأنزل على محمد رسوله الفرقان. وعلم القرآن. فتمت نعماء ربنا جل وعلا وعظمت آلاؤه على المطيعين له فربنا جل ثناؤه المعبود موجوداً والمحمود ممجداً.
وأشهد أن محمد صلى الله عليه وسلم رسوله المصطفى ونبيه المرتضى اختاره الله تعالى لرسالته ومستودع أمانته فجعله خاتم النبيين وخير خلقه أجمعين أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون بعثه بالكتاب المسطور في الرق المنشور فبلغ عن الله عز وجل حقائق الرسالة وأنقذ به أمته من الردى والضلالة قام بما استرعاه ربه من حقه واستحفظه من تنزيله حتى قبضه على كرامته ومنزلة أهل ولايته الذين رضي أعمالهم حميداً رضياً سعيداً بما سبق له من السعادة في اللوح المحفوظ قبل أن ينشىء الله نسمته فعليه صلوات الله وسلامه حيا محمودا وميتا مفقودا أفضل صلوات وأنماها وعلى إخوانه من النبيين وآله أجمعين.
هذا كتاب استخرنا الله تعالى في تأليفه وسألناه المعونة على تصنيفه وسطرنا فيه ما انتهى إلينا من أخبار شيوخنا أصحاب إمامنا الإمام الأفضل أبي عبد الله.
أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى ابن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد ابن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليه وعلى جميع النبيين.(1/2)
هكذا أخبرنا المبارك بن عبد الجبار بن أحمد قراءة عليه قال أخبرنا أبو علي الحسن بن علي التميمي قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك حدثنا عبد الله ابن أحمد.
وقال أبو بكر بن أبي داود كان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما لم يكن في زمان قتادة مثل قتادة ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله.
وهذا النسب فيه منقبة عميمة ورتبة عظيمة من وجهين: أحدهما حيث تلاقى في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن نزاراً كان له ابنان أحدهما مضر ونبينا صلى الله عليه وسلم من ولده والآخر ربيعة وإمامنا أحمد من ولده.
والوجه الثاني أنه عربي صحيح النسب وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي هكذا ذكره ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء.
وقال الربيع بن سليمان قال لنا الشافعي أحمد إمام في ثمان خصال إمام في الحديث إمام في الفقه إمام في اللغة إمام في القرآن إمام في الفقر إمام في الزهد إمام في الورع إمام في السنة وصدق الشافعي في هذا الحصر.
أما قوله إمام الحديث فهذا ما لا خلاف فيه ولا نزاع حصل به الوفاق والإجماع أكثر منه التصنيف والجمع والتأليف وله الجرح والتعديل والمعرفة والتعليل والبيان والتأويل قال أبو عاصم النبيل يوماً من تعدون في الحديث ببغداد فقالوا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وأبا خيثمة ونحوهم فقال من تعدون بالبصرة عندنا فقالوا علي بن المديني وابن الشاذكوني وغيرهما فقال من تعدون بالكوفة قلنا أين أبي شيبة وابن نمير وغيرهما فقال أبو عاصم وتنفس ها، ها، ما أحد من هؤلاء إلا وقد جاءنا ورأيناه فما رأيت في القوم مثل ذلك الفتى أحمد بن حنبل.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام انتهى العلم إلى أربعة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وكان أحمد بن حنبل أفقههم فيه.(1/3)
ودخل الشافعي يوماً على أحمد بن حنبل فقال يا أبا عبد الله كنت اليوم مع أهل العراق في مسألة كذا فلو كان معي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إليه أحمد ثلاث أحاديث فقال له جزاك الله خيراً.
وقال الشافعي لإمامنا أحمد يوماً أنتم أعلم بالحديث والرجال فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفياً أو شاء شامياً حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً.
وهذا من دين الشافعي حيث سلم هذا العلم لأهله وقال عبد الوهاب الوراق ما رأيت مثل أحمد بن حنبل قالوا له وإيش الذي بان لك من علمه وفضله على سائر من رأيت قال رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال أخبرنا وحدثنا.
وقال إبراهيم الحربي وقد ذكر أحمد كأن الله قد جمع له علم الأولين من كل صنف يقول ما يرى ويمسك ما شاء.
وقال أبو زرعة الرازي حزرنا حفظ أحمد بن حنبل بالمذاكرة على سبعمائة ألف حديث وفي لفظ آخر قال أبو زرعة الرازي كان أحمد يحفظ ألف ألف فقيل له وما يدريك قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
وأما الخصلة الثانية وهي قوله إمام في الفقه فالصدق فيه لائح والحق فيه واضح إذ كان أصل الفقه كتاب الله وسنة رسوله وأقوال صحابته وبعد هذه الثلاثة القياس ثم قد سلم له الثلاث فالقياس تابع وإنما لم يكن للمتقدمين من أئمة السنة والدين تصنيف في الفقه ولا يرون وضع الكتب ولا الكلام إنما كانوا يحفظون السنن والآثار ويجمعون الأخبار ويفتون بها فمن نقل عنهم العلم والفقه كان رواية يتلقاها عنهم ودراية يتفهمها منهم ومن دقق النظر وحقق الفكر شاهد جميع ما ذكرته.(1/4)
وأما نقلة الفقه عن إمامنا أحمد فهم أعيان البلدان وأئمة الأزمان منهم ابناه صالح وعبد الله وابن عمه حنبل وإسحاق بن منصور الكوسج المروزي وأبو داود السجستاني وأبو إسحاق إبراهيم الحربي وأبو بكر الأثرم وأبو بكر المروزي وعبد الملك الميموني ومهنا الشامي وحرب الكرماني وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وأبو زرعة الدمشقي ومثنى بن جامع الأنباري وأبو طالب المسكاني والحسن بن ثواب وابن مشيش وابن بدينا الموصلي وأحمد بن القاسم والقاضي الرقي وأحمد بن أصرم المزني وعلى بن سعيد النسوي وأبو الصقر والبرزاطي والبغوي والشالنجي وعبدالرحمن المتطبب وأحمد ابن الحسن الترمذي وأحمد بن أبي عبدة وأحمد بن نصر الخفاف وأحمد ابن واصل المقري وأحمد بن هشام الأنطاكي وأحمد بن يحيى الحلواني وأحمد بن محمد الصائغ وأحمد بن محمد بن صدقة وهم مائة ونيف وعشرون نفساً.
وأما نقلة الحديث عنه فقد جمعت فيهم المصنفات وساقهم الأئمة الثقات وقال الأثرم قلت: يوماً ونحن عند أبي عبيد القاسم بن سلام في مسالة فقال بعض من حضر هذا قول من فقلت: من ليس بغرب ولا شرق أكبر منه أحمد بن حنبل قال أبو عبيد صدق.
وقال إسحاق بن راهويه سمعت يحيى بن آدم يقول أحمد بن حنبل إمامنا وقال أبو ثور أحمد بن حنبل أعلم من الثوري وأفقه.
وأما الخصلة الثالثة وهي قوله إمام في اللغة فهو كما قاله قال المروزي كان أبو عبد الله لايلحن في الكلام ولما نوظر بين يدي الخليفة كان يقول كيف أقول ما لم يقل.
وقال أحمد فيما رواه عنه محمد بن حبيب كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو بن العلاء وكان يسأل عن ألفاظ من اللغة تتعلق بالتفسير والأخبار فيجيب عن ذلك بأوضح جواب وأفصح خطاب.
فروى عبد الله بن أحمد سألت أبي عن حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي معشر قال يكره التكفير في الصلاة قال أبي التكفير أن يضع يمينه عند صدره في الصلاة.(1/5)
وقال عبد الله أيضاً قرأت على أبي أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عطاء قال في الوطواط ثلثي درهم سألت أبي عن الوطواط قال هو الخطاف.
وقال عبد الله أيضاً سألت أبي عن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المجبر فقال يعني ما في الأرحام.
وقال عبد الله أيضاً سئل أبي عن حبل الحبلة قال التي في بطنها إذا وضعت وتحمل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه لأنه غرر يقول: نتاج الجنين.
وقال عبد الله بن أحمد أيضاً سمعت أبي في حديث ابن مسعود كفى بالمعك ظلما قال أبي المعك المطل.
وقال عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير كان رجل يداين الناس له كاتب ومتجاز قال أبي المتجازي المتقاضي.
وقال حرب الكرماني قلت: لأحمد ما تفسير لا تقضية في ميراث إلا ما حمل القسم قال إن كان شيئاً إن قسم أضر بالورثة مثل الحمام وغير ذلك مما لا يمكن قسمه.
وأما الخصلة الرابعة وهي قوله إمام في القرآن فهو واضح البيان لائح البرهان قال أبو الحسين بن المنادي صنف أحمد في القرآن التفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً يعني حديثا والناسخ والمنسوخ والمقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى وجواب القرآن وغير ذلك.
وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يقرأ القرآن في كل أسبوع ختمتين إحداهما باليل والأخرى بالنهار.
وقد ختم إمامنا أحمد القرآن في ليلة بمكة مصلياً به.
وأما الخصلة الخامسة وهي قوله إمام في الفقر فيا لها خلة مقصودة وحالة محمودة منازل السادة الانبياء والصفوة الأتقياء.(1/6)
أنبأنا الوالد السعيد بإسناده عن أبي جعفر في قوله تعالى "أولئك يجزون الغرفة" قال الجنة "بما صبروا" قال على الفقر في الدنيا وبإسناده عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن فقراء المسلمين ليدخلون الجنة قبل أغنيائهم بمقدار أربعين خريفاً حتى يتمنى أغنياء المسلمين يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا فقراء" وبإسناده عن أبي سعيد الخدري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم توفني فقيراً ولا تتوفني غنيا وبإسناده عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر على المؤمن أزين من العذار على خد الفرس وأخبرنا بهذا الحديث جدي جابر قال أخبرنا أبو طاهر المخلص حدثنا محمد بن العباس بن الفضل المروزي أبو جعفر حدثنا أبي حدثنا إسحاق بن بشر حدثنا شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر على المؤمن أزين من العذار على خد الفرس وبإسناده عن بلال قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال فقلت: كيف لي بذلك يا رسول الله قال إذا رزقت فلا تخبأ وإذا سئلت فلا تمنع قال قلت: وكيف لي بذلك يارسول الله قال هو ذاك وإلا فهو النار.
وأما الخصلة السادسة وهي قوله إمام في الزهد فحاله في ذلك أظهر وأشهر أتته الدنيا فأباها والرياسة فنفاها عرضت عليه الاموال وفرضت عليه الأحوال وهو يرد ذلك بتعفف وتعلل وتقلل ويقول قليل الدنيا يجزى وكثيرها لا يجزى ويقول أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء ويقول إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وأيام قلائل.
وقال إسحاق بن هانىء بكرت يوماً لأعارض أحمد بالزهد فبسطت له حصيراً ومخدة فنظر إلى الحصير والمخدة فقال ما هذا قلت: لتجلس عليه فقال ارفعه الزهد لا يحسن إلا بالزهد فرفعته وجلس على التراب.(1/7)
وقال أبو عمير عيسى بن محمد بن عيسى وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال رحمه الله عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه وبالصالحين ما كان ألحقه عرضت له الدنيا فأباها والبدع فنفاها.
وأما الخصلة السابعة وهي قوله إمام الورع فصدق في قوله وبرع فمن بعض ورعه: قال أبو عبد الله السمسار كانت لأم عبد الله بن أحمد دار معنا في الدرب يأخذ منها أحمد درهما بحق ميراثه فاحتاجت إلى نفقة لتصلحها فأصلحها ابنه عبد الله فترك أبو عبد الله أحمد الدرهم الذي كان يأخذه وقال قد أفسده علي.
قلت: إنما تورع من أخذ حقه من الأجرة خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة.
ونهى ولديه وعمه عن أخذ العطاء من مال الخليفة فاعتذروا بالحاجة فهجرهم شهراً لأخذ العطاء ووصف له دهن اللوز في مرضه قال حنبل فلما جئناه به قال ما هذا قلنا دهن اللوز فأبى أن يذوقه وقال الشيرج فلما ثقل واشتدت علته جئناه بدهن اللوز فلما تبين أنه دهن اللوز كرهه ودفعه فتركناه ولم نعد له ووصف له في علته قرعة تشوى ويؤخذ ماؤها فلما جاءوا بالقرعة قال بعض من حضر: اجعلوها في تنور صالح فإنهم قد خبزوا فقال بيده لا وأبى أن يوجه بها إلى منزل صالح قال حنبل ومثل هذا كثير.(1/8)
قال حنبل وأخبرني أبي يعني إسحاق عم أحمد قال لما وصلنا العسكر أنزلنا السلطان داراً لإيتاخ ولم يعلم أبو عبد الله فسأل بعد ذلك لمن هذه الدار فقالوا هذه دار لإيتاخ فقال حولوني واكتروا لي دارا قالوا هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين فقال لا أبيت ها هنا فاكترينا له داراً غيرها وتحول عنها وكانت تأتينا في كل يوم مائدة أمر بها المتوكل فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك فما نظر إليها أبو عبد الله ولا ذاق منها شيئاً وكانت نفقة المائدة في كل يوم مائة وعشرين درهماً فما نظر إليها أبو عبد الله ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً وكان يواصل فمكث ثمانية أيام مواصلاً لا يأكل ولا يشرب فلما كان في اليوم الثامن كاد أن يطفأ فقلت: يا أبا عبد الله ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام وهذا لك اليوم ثمانية أيام فقال إني مطيق قلت: بحقي عليك فقال إن حلفتني بحقك فإني أفعل فأتيته بسويق فشرب.
وأجرى المتوكل على ولده وأهله أربعة آلاف درهم في كل شهر فبعث إليه أبو عبد الله إنهم في كفاية فبعث إليه المتوكل إنما هذا لولدك مالك ولهذا فقال له أحمد يا عم ما بقي من أعمارنا كأنك بالأمر قد نزل فالله الله فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا وإنما هي أيام قلائل لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر صبر قليل وثواب طويل إنما هذه فتنة فلما طالت علة أحمد كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب فيصف له الأدوية فلا يتعالج فدخل ابن ماسويه على المتوكل فقال له المتوكل ويحك ابن حنبل ما نجح فيه الدواء فقال له يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليست به علة في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة فسكت المتوكل.
ولما توفي أحمد وجه ابن طاهر الأكفان فردت عليه وقال عم أحمد للرسول قل له أحمد لم يدع غلامي يروحه يعني خشية أن أكون اشتريته من مال السلطان فكيف نكفنه بمالك.(1/9)
وقال ابن المنادي امتنع أحمد من التحديث قبل أن يموت بثمان سنين أو أقل أو أكثر وذلك أن المتوكل وجه يقرأ عليه السلام ويسأله أن يجعل المعتز في حجره ويعلمه العلم فقال للرسول اقرأ على أمير المؤمنين السلام وأعلمه أن علي يمينا أني لا أتم حديثا حتى أموت وقد كان أعفاني مما أكره وهذا مما أكره.
وقال المروزي سمعت أحمد يقول الخوف قد منعني أكل الطعام والشراب فما أشتهيه.
وكان أحمد يزرع داره التي يسكنها ويخرج عنها الخراج الذي وظفه عمر رضي الله عنه على السواد.
وكان أحمد إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له في ذلك فقال لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.
وقال إسحاق عم أحمد: دخلت على أحمد ويده تحت خده فقلت: له يا ابن أخي أي شيء هذا الخزن فرفع رأسه وقال طوبى لمن أخمل الله ذكره.
وقال إسماعيل بن حرب أحصي ما رد أحمد بن حنبل حين جيء به إلى العسكر فإذا هو سبعون ألفاً.
وقال صالح بن أحمد كان أبي لا يدع أحدا يستقي له الماء لوضوئه.
وأما الخصلة الثامنة وهي قوله إمام السنة فلا يختلف العلماء الأوئل والأواخر أنه في السنة الإمام الفاخر والبحر الزاخر أوذي في الله عز وجل فصبر ولكتابه نصر ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتصر أفصح الله فيها لسانه وأوضح بيانه وأرجح ميزانه لا رهب ما حذر ولا جبن حين أنذر أبان حقاً وقال صدقاً وزان نطقاً وسبقاً ظهر على العلماء وقهر العظماء ففي الصادقين ما أوجهه وبالسابقين ما أشبهه وعن الدنيا وأسبابها ما كان أنزهه جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين فهو للسنة كما قال الله في كتابه المبين "وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين".
قال علي بن المديني أيد الله هذا الدين برجلين لا ثالث لهما أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل في يوم المحنة.(1/10)
وقيل لبشر بن الحارث يوم ضرب أحمد قد وجب عليك أن تتكلم فقال تريدون مني مقام الأنبياء ليس هذا عندي حفظ الله أحمد بن حنبل من بين يديه ومن خلفه ثم قال بعد ما ضرب أحمد لقد أدخل الكير فخرج ذهبة حمراء.
وقال الربيع بن سليمان قال الشافعي من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر فقلت: تطلق عليه اسم الكفر فقال نعم من أبغض أحمد بن حنبل عاند السنة ومن عاند السنة قصد الصحابة ومن قصد الصحابة أبغض النبي ومن أبغض النبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله العظيم.
وقال أحمد بن إسحاق بن راهويه سمعت أبي يقول لولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام.
وقال عبد الوهاب الوراق أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمامنا وهو من الراسخين في العلم إذا وقفت غدا بين يدي الله تعالى فسألني بمن اقتديت أقول بأحمد وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام وقد بلى عشرين سنة في هذا الأمر.
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني قال أخبرنا محمد بن مخلد قال سمعت العباس الدروي يقول سمعت يحيى بن معين يقول أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل لا والله لا نقدر على أحمد ولا على طريق أحمد.
وحدثنا الوالد السعيد إملاء بجامع المنصور عن عبد الله بن عبد الرحمن أن عبد الله بن إسحاق المدائني حدثه قال حدثنا أبو الفضل الوراق قال حدثني أحمد بن هانىء عن صدقة المقابري قال كان في نفسي على أحمد بن حنبل قال فرأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق وأنا خلفهما أجهد نفسي في أن ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي ثم رأيت بعد كأني ألحق بهما فما أقدر فلما استيقظت ذهب مناد الصلاة جامعة فاجتمع الناس فنادى يؤمكم أحمد بن حنبل فإذا أحمد بن حنبل فصلى بالناس وكنت بعد إذا سئلت عن شيء قلت: عليكم بالإمام يعني أحمد بن حنبل.(1/11)
فهذه الثمان التي ذكرها الشافعي ويقرن بها أيضاً ثمان خصال انفرد بها.
إحداها الإجماع على أصوله التي اعتقدها والأخذ بصحة الأخبار التي اعتمدها حتى من زاغ عن هذا الأصل كفروه وحذروا منه وهجروه فانتهت إليه فيها الحجة ووقفت دونه المحجة وإن كانت كذلك مذاهب المتقدمين من أهل السنة والدين فصار إماماً متبعاً وعلماً ملتمعاً وما أشبهه بالقراءات المأثورة عن السلف ثم انتهت إلى القراء السبعة خير الخلف.
الثانية اتفاق الألسن عليه بالصلاح وإليه يشار بالتوفيق والفلاح فإذا ذكر بحضرة الكافة من العلماء على اختلاف مذاهبهم في مجالسهم أو مدارسهم قالوا أحمد رجل من أهل الحديث صالح لعمري إنهما خلتان جليلتان سأل الصلاح الأنبياء والتمسه الأصفياء قال الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام "رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين" وفي قصة سليمان "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين".
الثالثة أنه ما أحبه أحد إما محب صادق وإما عدو منافق إلا وانتفت عنه الظنون وأضيفت إليه السنن ولا انزوى عنه رفضا وأظهر له عنادا وبغضا إلا واتفقت الألسن على ضلالته وسفه في عقلة وجهالته وقد قدمنا قول الشافعي من أبغض أحمد بن حنبل فقد كفر.
وقال قتيبة بن سعيد أحمد بن حنبل إمامنا من لم يرض به فهو مبتدع.
الرابعة ما ألقى الله عز وجل له في قلوب الخلق من هيبة أصحابه ومحبيه وأهل مذهبه ومخالصيه فلهم التعظيم والإكبار والمعروف والإنكار والمصالح والأعمال والمقال والفعال بسطتهم سامية وسطوتهم عالية فالموافق التقى يكرمهم ديانة ورياسة والمنافق الشقي يعظمهم رعاية وسياسة ولما ذكر لأمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بعد موت إمامنا أحمد غفر الله لنا وله أن أصحاب إمامنا يأتون على أهل البدع حتى يكون بينهما الشر فقال لصاحب الخبر لا ترفع إلي من خبرهم شيئاً وشد على أيديهم فإنهم وصاحبهم من سادات أمة محمد صلى الله عليه وسلم.(1/12)
وقد عرف الله تعالى لأحمد صبره وبلاءه ورفع علمه أيام حياته وبعد موته أصحابه أجل الأصحاب وأنا أظن أن الله يعطي أحمد ثواب الصديقين.
الخامسة ما أحد من أصحابه المتمسكين بمعتقده قديما وحديثا تابع ومتبوع إلا وهو من الطعن سليم ومن الوهن مستقيم لا يضاف إليه ما يضاف إلى مخالف ومجانف من وسم ببدعة أو رسم بشنعة أ تحريف مقال أو تقبيح فعال.
السادسة اتفاق القول الأخير والقديم أن له الاحتياط في التحليل والتحريم يعتمد في فقهه على العزائم كما لم تأخذه في أصوله المقربة إلى الله عز وجل لومة لائم يعتمد على كتاب ناطق أو خبر موافق أو قول صحابي جليل صادق ويقدم ذلك على الرأى والقياس.
السابعة أن كلام أحمد في أهل البدع مسموع وإليه فيهم الرجوع فمن ظهر في قوله نكيره ولما يعتقده تغييره فقد ثبت تكفيره مثل ما قال في اللفظية والمرجئة والرافضة والقدرية والجهمية وأن كان قد سبق النطق بضلالهم لكن له القدم العالي في شرح فساد مذاهبهم وبيان قبيح مثالهم والتحذير من ضلالهم.
الثامنة ما أظهره الله تعالى له في حياته من المراتب ونشر له بعد مماته من المناقب ورفع له بذلك العلم بين سائر الأمم فتنافس حين موته في الصلاة عليه العلماء والكبراء والأغنياء والفقراء والصلحاء والأولياء لأنه توفي في شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع سبعون سنة فقال المتوكل على الله لمحمد بن عبد الله بن طاهر طوبى لك صليت على أحمد ابن حنبل.
وروى الأئمة الثقات والحفاظ الأثبات أن عبد الوهاب الوراق قال ما بلغنا أنه كان للمسلمين جمع أكبر منهم على جنازة أحمد بن حنبل إلا جنازة في بني إسرائيل وروى أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره بإسناده قال قال الوركاني أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس وقال الوركاني يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.(1/13)
وبإسناده عن أحمد بن شبويه قال سمعت قتيبة يقول لولا الثوري لمات الورع ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين قلت: لقتيبة تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال إلى كبار التابعين.
وبإسناده قال إسحاق بن راهويه سمعت يحيى بن آدم يقول أحمد بن حنبل إمامنا.
وبإسناده قال محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي سمعت أبي يقول أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه وبإسناده قال علي بن المديني أحمد بن حنبل سيدنا.
وبإسناده قال الميموني سمعت علي بن المديني يقول ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل قال قلت: له يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصديق قال ولا أبو بكر الصديق إن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب.
وبإسناده عن محمد بن علي بن شعيب قال سمعت أبي يقول كان أحمد بن حنبل بالذي قال النبي صلى الله عليه وسلم كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل حتى إن المنشار ليوضع على مفرق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا لكان عاراً علينا إلى يوم القيامة إن قوما سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
وأنبأنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو القاسم الأزجي قراءة أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرىء على عمر بن بشران حدثكم الزبير بن محمد قال سمعت عبد الله بن عبد السلام المكي يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول لو أن أحمد بن حنبل رضي الله عنه في بني إسرائيل كتبت له سيرة.(1/14)
روى أبو علي الحداد قرىء عليه أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يوسف بن مردة المسجدي الأصبهاني إجازة حدثنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الكريم المعروف ببكير الحراز الطرسوسي بدمشق قال سمعت أبا نصر المظفر بن أحمد بن محمد الخياط سمعت الساجي وهو زكريا بن يحيى يقول أحمد بن حنبل أفضل عندي من مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وذلك أن لهؤلاء نظراء وأحمد بن حنبل فلا نظير له.
وبإسناده عن عبد الله بن إسحاق المدائني قال سمعت أبي يقول رأيت كأن الناس قد جمعوا إلى مكة وكأن الحجر انصدع فخرج منه لواء فقلت: ما هذا فقيل لي أحمد بن حنبل بايع الله عز وجل.
وبإسناده قال عبد الوهاب لما قال النبي صلى الله عليه وسلم فردوه إلى عالمه رددناه إلى أحمد بن حنبل وكان أعلم أهل زمانه.
وبإسناده قال حرملة بن يحيى سمعت الشافعي يقول خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أروع ولا أفقه أظنه قال ولا أعلم من أحمد بن حنبل.
وبإسناده قال أحمد بن إبراهيم يعني الدورقي من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام.
وبإسناده عن سلمة بن شبيب قال كنا جلوسا عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فدق الباب وكنا قد دخلنا عليه خفية فظننا أنه قد غمز بنا فدق ثانية وثالثة فقال أحمد ادخل قال فسلم وقال أيكم أحمد فأشار بعضنا إليه قال جئت من البحر من مسيرة أربعمائة فرسخ أتاني آت في منامي فقال أئت أحمد بن حنبل وسل عنه فإنك تدل عليه وقل له إن الله عنك راض وملائكة سمواته وملائكة أرضه عنك راضون قال ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة.
وبإسناده قال أحمد بن محمد الكندي رأيت أحمد بن حنبل في المنام فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك قال غفر لي ثم قال يا أحمد ضربت في قال قلت: نعم يارب قال يا أحمد هذا وجهي فانظر إليه فقد أبحتك النظر إليه.(1/15)
وبإسناده قال محمد بن الحسين الأنماطي كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وجماعة من كبار العلماء فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله فقال رجل لا تكثروا بعض هذا القول فقال يحيى بن معين وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستكثر لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.
أخبرنا المبارك أخبرنا إبراهيم وعبد العزيز قالا أخبرنا علي بن مردك حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سمعت عبد الله بن الحسين بن موسى يقول رأيت رجلا من أهل الحديث توفي فرأيته فيما يرى النائم فقلت: له بالله عليك ما فعل الله بك قال غفر لي فقلت: بالله قال بالله إنه غفر لي فقلت: بماذا غفر لك فقال بمحبتي لأحمد بن حنبل فقلت: فأنت في راحة فتبسم وقال أنا في راحة وفرحة.
أخبرنا الوالد السعيد قراءة عن يوسف الزاهد حدثنا محمد بن شجاع المروروذي حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي حدثنا يوسف بن بختان وكان من خيار المسلمين قال لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلا فقال ما هذا فقيل له أما علمت أنه نور لأهل القبور قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم وقد كان فيهم من يعذب فرحم.
ولو ذهبنا نذكر فضائله والمنامات التي تطابقت بعد وفاته لطال بها الكتاب ولم يكن قصدنا ذكر الفضائل وإنما أردنا أن نذكر من روى عنه ومن أراد أن ينظر في فضائله فلينظر في كتابنا المجرد في فضائله رحمة الله عليه ورضوانه.
فلنذكر الآن يا أخي عمر الله مجلسك وأمتع بك مجالسك طبقات أصحابنا وتجريد ما يسر الطالب ويمتع الراغب.
وقد جعلناه ست طبقات.
الطبقة الأولى في ذكر أصحاب إمامنا أحمد ومن روى عنه حديثا أو مسألة أو حكاية وذكرنا ما انتهى إلينا من مواليدهم ووفاتهم ومصنفاتهم ومن كان منسوبا إلى بلد أو غيرها.(1/16)
والطبقة الثانية في ذكر أصحاب أصحابه وكذلك الطبقات التي بعدهم على الترتيب وجعلنا الطبقة الأولى والثانية على حروف المعجم في أوائل الأسماء وكذلك أسماء آبائهم ليسهل على من أراد أن ينظر في ترجمة منها وما بعدها من الطبقات على تقديم العمر والوفاة.
ونسأل الله المعونة والتوفيق والمغفرة برحمته فمن ذلك.
الطبقة الأولى
ممن روى عن إمامنا رحمه الله
باب الألف
ذكر من اسمه أحمد وابتداء اسم أبيه ألف
أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم أبو عبد الله العبدي المعروف بالدورقي أخو يعقوب وكان أبوه ناسكا في زمانه ومن كان يتنسك في ذلك الزمان يسمى دورقياً وقيل بل كان الناس ينسبون الدورقيين إلى لباسهم القلانس الطوال التي تسمى الدورقية وكان أحمد أصغر من أخيه يعقوب.
سمع إسماعيل بن علية ويزيد بن زريع وهشيما وغيرهم وحدث عن إمامنا أحمد بأشياء.
منها ما رواه أبو الحسين بن المنادي قال حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن إبراهيم قال سألت أحمد بن حنبل قلت: هؤلاء الذين يقولون إن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة فقال هذا شر من قول الجهمية من زعم هذا فقد زعم أن جبريل جاء بمخلوق وأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بمخلوق.
وقال عبد الله بن أحمد حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني محمد بن نوح المضروب عن المسعودي القاضي قال سمعت هارون أمير المؤمنين يقول بلغني أن بشرا المريسي يزعم أن القرآن مخلوق فلله علي إن أظفرني الله به لأقتلنه قتلة ما قتلها أحد قط.
مولده: سنة ثمان وستين ومائة ومات بالعسكر وهي سر من رأى يوم السبت لتسع بقين من شعبان سنة ست وأربعين ومائتين وقال أحمد الدورقي سمعت أحمد بن حنبل يقول نحن كتبنا الحديث من ستة وجوه وسبعة ونحوه لم نضبطه كيف يضبطه من كتبه من وجه واحد أو نحو هذا الكلام.
أحمد بن إبراهيم الكوفي(1/17)
نقل عن إمامنا أشياء منها قال إن دعا في الصلاة بحوائجه أرجو وهذا محمول على ما عاد بمصالح دينه يوضح ذلك ما نقله عنه ابن عمه حنبل لا يكون من دعائه رغبة في الدنيا.
وقال أيضاً في رواية الحسن بن محمد يدعو بما قد جاء ولا يقول اللهم أعطني كذا وقال الخرقي وإن دعا في تشهده بما ذكر في الأخبار فلا بأس.
وهذه مسألة سطرها الوالد الإمام في كتبه وقال خلافا للشافعي في قوله يجوز أن يدعو بحوائج دنياه وذكر الدلالة عليه.
أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عبداد بن عبد الله بن حسان بن عبد الله بن مغفل أبو العباس المزني
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عبد الأعلى بن حماد والصلت الجحدري وإمامنا وغيرهم وكان بصريا قدم مصر وكتب عنه وخرج عنها فتوفي بدمشق في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين ومائتين.
قال أحمد بن أصرم سألت أحمد عن رجل نسي سجدة من أربع ركعات فذكر وهو في التشهد فقال بطلت تلك الركعة ويقوم فيأتي بركعة وسجدتي السهو قال وسمعت أحمد يسأل عن الوتر فقال يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بركعة أحب إلي.
حرف الباء
أحمد بن بشر بن سعد أبو أيوب الطيالسي
سمع يحيى بن معين وسليمان بن أيوب وعبيد الله بن معاذ العنبري وإمامنا أحمد فيما ذكره أبو بكر الخلال فيمن نقل عن إمامنا أحمد ومات في شوال سنة خمس وتسعين ومائتين.
أحمد بن بشر بن سعيد الكندي البغدادي قال أبو بكر الخلال حدثنا أحمد بن بشر بن سعيد الكندي قال سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قالت رجل قرأ القرآن وحفطه وهو يكتب الحديث يختلف إلى المسجد ويقرأ ويقرىء ويفوته الحديث أن يطلبه فإن طلب الحديث فاته المسجد وإن قصد المسجد فاته طلب الحديث فما تأمره قال بذا وبذا فأعدت عليه القول مراراً كل ذلك يجيبني جواباً واحداً بذا وبذا.(1/18)
قال وسألت أحمد ما تقول في الحقنة للرجل المريض فرخص فيها وسئل أحمد إذا كان مع الرجل مال فإن تزوج به لم يبق معه فضل يحج به وإن حج خشي على نفسه قال أحمد إذا لم يكن له صبر عن لا تزوج التزوج وترك الحج.
أحمد بن بكر
ذكره أبو بكر الخلال فيمن صحب أحمد ولم يقع لنا حرف التاء والثاء ولعله يقع في المستقبل إن شاء الله تعالى.
حرف الجيم
أحمد بن جعفر أبو عبد الرحمن الضرير الوكيعي
سمع وكيع بن الجراح وأبا معاوية وإمامنا في آخرين قال زكريا بن يحيى الساجي حدثني أحمد بن محمد قال سمعت أبا نعيم يقول ما رأيت ضريرا أحفظ من أحمد بن جعفر الوكيعي وقال أبو داود كان أبو عبد الرحمن الوكيعي يحفظ العلم على الوجه وقال الدارقطني أحمد الوكيعي ثقة وابنه محمد ثقة.
أنبأنا على بن بطة أخبرنا محمد بن أيوب سمعت إبراهيم الحربي يقول قال أحمد بن جعفر الوكيعي لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله لم يقع إلينا من حديث الزهري شيء قال أحمد قد خرجت منها حديث سلم خذ حتى أمليه عليك قال إبراهيم فأملى علينا وهو جالس مغمض العينين من حفظه.
وبالإسناد قال الحربي سمعت أحمد بن حنبل يقول لأحمد الوكيعي يا أبا عبد الرحمن إني لأحبك حدثنا يحيى عن ثور عن حبيب بن عبيد عن المقدام قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه.
قال الحربي مات أحمد الوكيعي ببغداد سنة خمس عشرة يعني ومائتين وعرضت عليه مسند ابن أبي شيبة كله فكان يذكر الحديث فأسأله عنه فيقول ما سمعت هذا من محدث وإنما سمعتكم يوم الجمعة تذكرونه.
قال إبراهيم وكان الوكيعي يحفظ مائة ألف حديث ما أحسبه سمع حديثا قط إلا حفظه.
أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله أبو العباس الفارسي الاصطخري(1/19)
روى عن إمامنا أشياء منها: ما قرأت على المبارك عن علي بن عمر البرمكي قال أخبرنا أحمد بن عبد الله المالكي لفظا حدثنا أبي حدثنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوران حدثنا أبو العباس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسي الإصطخري قال قال أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل.
هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروقها المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج من الجماعة زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
فكان قولهم إن الأيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة والأيمان يزيد وينقص ويستثنى في الإيمان غير أن لا يكون الاستثناء شكا إنما هي سنة ماضية عند العلماء.
قال وإذا سئل الرجل أمؤمن أنت فإنه يقول أنا مؤمن إن شاء الله أو مؤمن أرجو أو يقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع فهو مرجىء ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص فقد قال بقول المرجئة ومن لم ير الاستثناء في الإيمان فهو مرجىء ومن زعم أن إيمانه كايمان جبريل وميكائيل والملائكة فهو مرجىء ومن زعم أن المعرفة تنفع في القلب لا يتكلم بها فهو مرجىء.(1/20)
قال والقدر خيره وشره وقليله وكثيره وظاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وآخره من الله قضاء قضاه وقدرا قدره عليهم لا يعدو واحد منهم مشيئة الله عز وجل ولا يجاوز فاءه بل هم كلهم صائرون إلى ما خلقهم له واقفون فيما قدر عليهم لأفعاله وهو عدل منه عز ربنا وجل والزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس وأكل المال الحرام والشرك بالله والمعاصي كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لأحد من الخلق على الله حجة بل لله الحجة البالغة على خلقه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وعلم الله عز وجل ماض في خلقه بمشيئة منه قد علم من إبليس ومن غيره ممن عصاه من لدن أن عصي تبارك وتعالى إلى أن تقوم الساعة المعصية وخلقهم لها وعلم الطاعة من أهل الطاعة وخلقهم لها وكل يعمل لما خلق له وصائر لما قضي عليه وعلم منه لا يعدو واحد منهم قدر الله ومشيئته والله الفاعل لما يريد الفعال لما يشاء.
ومن زعم أن الله شاء لعباده الذين عصوه الخير والطاعة وأن العباد شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أن مشيئة العباد أغلظ من مشيئة الله تبارك وتعالى فأي افتراء أكثر على الله عز وجل من هذا.
ومن زعم أن الزنا ليس بقدر قيل له أرأيت هذه المرأة حملت من الزنا وجاءت بولد هل شاء الله عز وجل أن يخلق هذا الولد وهل مضى في سابق علمه فإن قال لا فقد زعم أن مع الله خالقا وهذا هو الشرك صراحاً.
ومن زعم أن السرقة وشرب الخمر وأكل المال الحرام ليس بقضاء وقدر فقد زعم أن هذا الإنسان قادر على أن يأكل رزق غيره وهذا صراح قول المجوسية بل أكل رزقه وقضى الله أن يأكله من الوجه الذي أكله.(1/21)
ومن زعم أن قتل النفس ليس بقدر من الله عز وجل وأن ذلك بمشيئته في خلقه فقد زعم أن المقتول مات بغير أجله وأي كفر أوضح من هذا بل ذلك بقضاء الله عز وجل وذلك بمشيئته في خلقه وتدبيره فيهم وما جرى من سابق علمه فيهم وهو العدل الحق الذي يفعل ما يريد ومن أقر بالعلم لزمه الإقرار بالقدر والمشيئة على الصغر والقمأ.
ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي فنصدقه ونعلم أنه كما جاء ولا ننص الشهادة ولا نشهد على أحد أنه في الجنة بصالح عمله ولا بخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديث كما جاء على ما روي ولا ننص الشهادة.
والخلافة في قريش ما بقي من الناس اثنان ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها ولا يخرج عليهم ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والجمعة والعيدان والحج منع السلطان وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إلى الأمراء عدلوا فيها أم جاروا والانقياد إلى من ولاه الله أمركم لا تنزع يدا من طاعته ولا تخرج عليه بسيفك حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا ولا تخرج على السلطان وتسمع وتطيع ولا تنكث بيعة فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية فليس لك أن تطيعه البتة وليس لك أن تخرج عليه ولا تمنعه حقه.
والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على فتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك والله المعين.(1/22)
والكف عن أهل القبلة ولا تكفر أحدا منهم بذنب ولا تخرجه من الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديث فيروى الحديث كما جاء وكما روي وتصدقه وتقبله وتعلم أنه كما روي نحو ترك الصلاة وشرب الخمر وما أشبه ذلك أو يبتدع بدعة ينسب صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام فاتبع الأثر في ذلك ولا تجاوزه.
والأعور الدجال خارج لا شك في ذلك ولا ارتياب وهو أكذب الكاذبين.
وعذاب القبر حق يسأل العبد عن دينه وعن ربه وعن الجنة وعن النار ومنكر ونكير حق وهما فتانا القبر نسأل الله الثبات.
وحوض محمد صلى الله عليه وسلم حق ترده أمته وله آنية يشربون بها منه والصراط حق يوضع على سواء جهنم ويمر الناس عليه والجنة من وراء ذلك نسأل الله السلامة والميزان حق توزن به الحسنات والسيئات كما يشاء الله أن توزن والصور حق ينفخ فيه إسرافيل فيموت الخلق ثم ينفخ فيه الأخرى فيقومون لرب العالمين وللحساب والقضاء والثواب والعقاب والجنة والنار واللوح المحفوظ تستنسخ منه أعمال العباد لما سبق فيه من المقادير والقضاء والقلم حق كتب الله به مقادير كل شيء وأحصاه في الذكر تبارك وتعالى.
والشفاعة يوم القيامة حق يشفع قوم في قوم فلا يصيرون إلى النار ويخرج قوم من النار بشفاعة الشافعين ويخرج قوم من النار بعد ما دخلوها ولبثوا فيها ما شاء الله ثم يخرجهم من النار وقوم يخلدون فيها أبدا وهم أهل الشرك والتكذيب والجحود والكفر بالله عز وجل ويذبح الموت يوم القيامة بين الجنة والنار.
وقد خلقت الجنة وما فيها والنار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما لا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبداً.
فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل "كل شيء هالك إلا وجهه" وبنحو هذا من متشابه القرآن.(1/23)
قيل له: كل شيء مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما من الآخرة لا من الدنيا والحور العين لا يمتن عند قيام الساعة ولا عند النفخة ولا أبدا لأن الله عز وجل خلقهن للبقاء لا للفناء ولم يكتب عليهن الموت فمن قال خلاف هذا فهو مبتدع وقد ضل عن سواء السبيل.
وخلق سبع سموات بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها أسفل من بعض وبين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء.
والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه وهو يعلم ما في السموات والأرضين السبع وما ينهما وما تحت الثرى وما في قعر البحار ومنبت كل شعرة وشجرة وكل زرع وكل نبات ومسقط كل ورقة وعدد كل كلمة وعدد الحصى والرمل والتراب ومثاقيل الجبال وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم ويعلم كل شيء لا يخفى عليه من ذلك شيء وهو على العرش فوق السماء السابعة ودونه حجب من نور ونار وظلمة وما هو أعلم به.
فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" وبقوله "وهو معكم أينما كنتم" وقوله "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" إلى قوله "هو معهم أينما كانوا" ونحو هذا من متشابه القرآن.
فقل إنما يعنى بذلك العلم لأن الله تعالى على العرش فوق السماء السابعة العليا ويعلم ذلك كله وهو بائن من خلقه لا يخلو من علمه مكان.(1/24)
ولله عز وجل عرش وللعرش حملة يحملونه والله عز وجل على عرشه ليس له حد والله أعلم بحده والله عز وجل سميع لأي شك بصير لا يرتاب عليم لا يجهل جواد لا يبخل حليم لا يعجل حفيظ لا ينسى يقظان لا يسهو قريب لا يغفل يتحرك ويتكلم وينظر ويبصر ويضحك ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط ويرحم ويعفو ويفقر ويعطي ويمنع وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف يشاء "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ويوعيها ما أراد وخلق آدم بيده على صورته والسموات والأرض يوم القيامة في كفه ويضع قدمه في النار فتزوى ويخرج قوما من النار بيده وينظر أهل الجنة إلى وجهه يرونه فيكرمهم ويتجلى لهم فيعطيهم ويعرض عليه العباد يوم القيامة ويتولى حسابهم بنفسه لا يلي ذلك غيره عز وجل.
والقرآن كلام الله تكلم به ليس بمخلوق ومن زعم أن القرآن مخلوق فهم جهمي كافر ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأول ومن زعم أن ألفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم.
وكلم الله موسى تكليما من فيه وناوله التوراة من يده إلى يده ولم يزل الله عز وجل متكلما فتبارك الله أحسن الخالقين.
والرؤيا من الله عز وجل وهي حق إذا رأى صاحبها شيئاً في منامه ما ليس هو صغث فقصها على عالم وصدق فيها وأولها العالم على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف فالرؤيا حينئذ حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء عليهم السلام وحي فأي جاهل أجهل ممن يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال من الاحتلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رؤيا المؤمن كلام يكلم الرب عبده وقال إن الرؤيا من الله عز وجل وبالله التوفيق.(1/25)
ومن الحجة الواضحة الثابتة البينة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين والكف عن ذكر مساويهم والخلاف الذي شجر بينهم فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحدا منهم أو تنقصه أو طعن عليهم أو عرض بعيبهم أو عاب أحدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة.
وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ووقف قوم على عثمان وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قبل منه وإن ثبت عاد عليه بالعقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع.
ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حبهم إيمان وبغضهم نفاق ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل فإن لهم بدعة ونفاقا وخلافاً.
ومن حرم المكاسب والتجارات وطيب المال من وجهه فقد جهل وأخطأ وخالف بل المكاسب من وجهها حلال فقد أحلها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فالرجل ينبغي له أن يسعى على نفسه وعياله من فضل ربه فإن ترك ذلك على أنه لا يرى الكسب فهو مخالف وكل أحد أحق بماله الذي ورثه واستفاده أو أوصى له به أو كسبه لا كما يقول المتكلمون المخالفون.(1/26)
والدين إنما هو كتاب الله عز وجل وآثار وسنن وروايات صحاح عن الثقات بالأخبار الصحيحة القوية المعروفة يصدق بعضها بعضا حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم والتابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم من الأئمة المعروفين المقتدى بهم والمتمسكين بالسنة والمتعلقين بالآثار لا يعرفون بدعة ولا يطعن فيهم بكذب ولا يرمون بخلاف وليسوا بأصحاب قياس ولا رأي لأن القياس في الدين باطل والرأي كذلك وأبطل منه وأصحاب الرأي والقياس في الدين مبتدعة ضلال إلا أن يكون في ذلك أثر عمن سلف من الأئمة الثقات.
ومن زعم أنه لا يرى التقليد ولا يقلد دينه أحدا فهو قول فاسق عند الله ورسول صلى الله عليه وسلم إنما يريد بذلك إبطال الأثر تطيل العلم والسنة والتفرد بالرأي والكلام والبدعة والخلاف وهذه المذاهب والأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة والآثار وأصحاب الروايات وحملة العلم الذين أدركناهم وأخذنا عنهم الحديث وتعلمنا منهم السنن وكانوا أئمة معروفين ثقات أصحاب صدق يقتدي بهم ويؤخذ عنهم ولم يكونوا أصحاب بدعة ولا خلاف ولا تخليط وهو قول أئمتهم وعلمائهم الذين كانوا قبلهم.
فتمسكوا بذلك رحمكم الله وتعلموه وعلموه وبالله التوفيق.
ولأصحاب البدع ألقاب وأسماء لا تشبه أسماء الصالحين ولا العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فمن أسمائهم المرجئة وهم الذين يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل وأن الإيمان قول والأعمال شرائع وأن الإيمان مجرد وأن الناس لا يتفاضلون في إيمانهم وأن إيمان الملائكة والأنبياء واحد وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وإن الإيمان ليس فيه استثناء وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا قول المرجئة وهو أخبث الأقاويل وأضله وأبعده من الهدى.(1/27)
والقدرية وهم الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة والقدرة وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر والضر والنفع والطاعة والمعصية والهدى والضلال وأن العباد يعملون بدءاً من غير أن يكون سبق له ذلك من الله عز وجل أو في علمه وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية وهو أصل الزندقة.
والمعتزلة وهم يقولون بقول القدرية ويدينون بدينهم ويكذبون بعذاب القبر والشفاعة والحوض ولا يرون الصلاة خلف أحد من أهل القبلة ولا الجمعة إلا وراء من كان على أهوائهم ويزعمون أن أعمال العباد ليست في اللوح المحفوظ.
والنصيرية وهم قدرية وهم أصحاب الحبة والقيراط الذين يزعمون أن من اخذ حبة أو قيراطا أو دانقاً حراماً فهو كافر وقولهم يضاهي قول الخوارج.
والجهمية أعداء الله وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق وأن الله عز وجل لم يكلم موسى وأن الله ليس بمتكلم ولا يتكلم ولا ينطق وكلاما كثيراً أكره حكايته وهم كفار زنادقة أعداء الله.
والواقفة وهم يزعمون أن القرآن كلام الله ولكن ألفاظنا بالقرآن وقراءتنا له مخلوقة وهم جهمية فساق.
والرافضة وهم الذين يتبرؤون من أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم ويكفرون الأئمة الأربعة علي وعمار والمقداد وسلمان وليست الرافضة من الإسلام في شيء.
والمنصورية وهم رافضة من الروافض وهم الذين يقولون من قتل أربعين نفسا ممن خالف هواهم دخل الجنة وهم الذين يخيفون الناس ويستحلون أموالهم وهم الذين يقولون أخطأ جبريل عليه السلام بالرسالة وهذا هو الكفر الواضح الذي لا يشوبه إيمان فنعوذ بالله منهم.
والسبئية وهم رافضة وهم قريب ممن ذكرت مخالفون للأئمة كذابون وصنف منهم يقولون علي في السحاب وعلي يبعث قبل يوم القيامة وهذا كذب وزور وبهتان و الزيدية وهم رافضة وهم الذين يتبرؤون من عثمان وطلحة والزبير وعائشة ويرون القتال مع كل من خرج من ولد علي برا كان أو فاجرا حتى يغلب أو يغلب.(1/28)
والخشبية وهم يقولون بقول الزيدية وهم فيما يزعمون ينتحلون حب آل محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا بل هم المبغضون لآل محمد صلى الله عليه وسلم دون الناس إنما الشيعة لآل محمد المتقون أهل السنة والأثر من كانوا وحيث كانوا الذين يحبون آل محمد صلى الله عليه وسلم وجميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون أحدا منهم بسوء ولا عيب ولا منقصة فمن ذكر أحدا من أصحاب محمد عليه السلام بسوء أو طعن عليهم أو تبرأ من أحد منهم أو سبهم أو عرض بعيبهم فهو رافضي خبيث مخبث.
وأما الخوارج فمرقوا من الدين وفارقوا الملة وشردوا عن الإسلام وشذوا عن الجماعة فضلوا عن السبيل والهدى وخرجوا على السلطان وسلوا السيف على الأمة واستحلوا دماءهم وأموالهم وعادوا من خالفهم إلا من قال بقولهم وكان على مثل قولهم ورأيهم وثبت معهم في بيت ضلالتهم وهم يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصهاره وأختانه ويتبرؤون منهم ويرمونهم بالكفر والعظائم ويرون خلافهم في شرائع الإسلام ولا يؤمنون بعذاب القبر ولا الحوض ولا الشفاعة ولا بخروج أحد من النار ويقولون من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو في النار خالدا مخلدا أبدا وهم يقولون بقول البكرية في الحبة والقيراط وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة لا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم وهم يرون تأخير الصلاة عن وقتها ويرون الصوم قبل رؤية الهلال والفطر قبل رؤيته وهم يرون النكاح بغير ولي ولا سلطان ويرون المتعة في دينهم ويرون الدرهم بدرهمين يدا بيد ولا يرون الصلاة في الخفاف ولا المسح عليها ولا يرون للسلطان عليهم طاعة ولا لقريش عليهم خلافة وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله وكفى بقوم ضلالة أن يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم وليسوا من الإسلام في شيء.(1/29)
ومن أسماء الخوارج الحرورية وهم أصحاب حروراء والأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق وقولهم أخبث الأقاويل وأبعده من الإسلام والسنة والنجدية وهم أصحاب نجدة بن عامر الحروري والإباضية وهم أصحاب عبد الله بن إباض والصفرية وهم أصحاب داود بن النعمان والمهلبية والحارثية والخرمية كل هؤلاء خوارج فساق مخالفون للسنة خارجون من الملة أهل بدعة وضلالة والشعوبية وهم أصحاب بدعة وضلالة وهم يقولون إن العرب والموالي عندنا واحد لا يرون للعرب حقا ولا يعرفون لهم فضلا ولا يحبونهم بل يبغضون العرب ويضمرون لهم الغل والحسد والبغضة في قلوبهم وهذا قول قبيح ابتدعه رجل من أهل العراق فتابعه عليه يسير فقتل عليه.
وأصحاب الرأي وهم مبتدعة ضلال أعداء للسنة والأثر يبطلون الحديث ويردون على الرسول عليه الصلاة والسلام ويتخذون أبا حنيفة ومن قالب قوله إماما ويدينون بدينهم وأي ضلالة أبين ممن قال بهذا وترك قول الرسول وأصحابه واتبع قول أبي حنيفة وأصحابه فكفى بهذا غياً مردياً وطغياناً.
والولاية بدعة والبراءة بدعة وهم الذين يقولون نتولى فلاناً ونتبرأ من فلان وهذا القول بدعة فاحذروه.
فمن قال بشيء من هذه الأقاويل أو رآها أو صوبها أو رضيها أو أحبها فقد خالف السنة وخرج من الجماعة وترك الأثر وقال بالخلاف ودخل في البدعة وزال عن الطريق وما توفيقي إلا بالله.
وقد رأيت لأهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم والطعن عليهم والوقيعة فيهم والإزراء بهم عند السفهاء والجهال.
فأما المرجئة فإنهم يسمون أهل السنة شكاكا وكذبت المرجئة بل هم بالشك أولى بالتكذيب أشبه.
وأما القدرية فإنهم يسمون أهل السنة والإثبات مجبرة وكذبت القدرية بل هم أولى بالكذب والخلاف ألغوا قدر الله عز وجل عن خلقه وقالوا ليس له بأهل تبارك وتعالى.(1/30)
وأما الجهمية فإنهم يسمون أهل السنة المشبهة وكذبت الجهمية أعداء الله بل هم أولى بالتشبيه والتكذيب افتروا على الله عز وجل الكذب وقالوا الإفك والزور وكفروا بقولهم.
وأما الرافضة فإنهم يسمون أهل السنة الناصبة وكذبت الرافضة بل هم أولى بهذا لانتصابهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسب الشتم وقالوا فيهم بغير الحق ونسبوهم إلى غير العدل كفارا وظلما وجرأة على الله عز وجل واستخفافا بحق الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أولى بالتعبير والانتقام منهم.
وأما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة وكذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس ومن خالفهم كافر.
وأما أصحاب الرأي فإنهم يسمون أصحاب السنة نابتة وحشوية وكذب أصحاب الرأي أعداء الله بل هم النابتة والحشوية تركوا آثار الرسول صلى الله عليه وسلم وحديثه وقالوا بالرأي وقاسوا الدين بالاستحسان وحكموا بخلاف الكتاب والسنة وهم أصحاب بدعة جهلة ضلال وطاب دنيا بالكذب والبهتان.
رحم الله عبداً قال بالحق واتبع الأثر وتمسك بالسنة واقتدى بالصالحين وبالله التوفيق.
اللهم ادحض باطل المرجئة وأوهن كيد القدرية وأذل دولة الرافضة وامحق شبه أصحاب الرأي وأكفناً مؤنة الخارجية وعجل الانتقام من الجهمية.
حرف الحاء
أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد أبو عبد الله الصوفي
سمع علي بن الجعد وأبا نصر التمار ويحيى بن معين في آخرين نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال حضرت مجلس أحمد بن حنبل في شعبان من سنة سبع وعشرين ومائتين وعنده الهيثم بن خارجة فسئل عن المسح على الرأس فأومأ بيديه من مقدم رأسه وردهما إلى مؤخره ثم ردهما من مؤخره إلى مقدمه فسئل وأنا أسمع الردة بماء جديد قال بماء جديد.(1/31)
أخبرنا الوالد السعيد قراءة قال أخبرنا علي بن عمر الحربي قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال حدثنا يحيى بن معين حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن عروة عن عائشة أن رجلا من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم يقاتل معه فقال ارجع فإنا لا نستعين بأحد من المشركين هناك.
قال الوالد السعيد هذا حديث صحيح أخرجه مسلم بن الحجاج عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي.
ومات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة ست وثلاثمائة ذكره القاضي أحمد بن كامل وسئل الدارقطني عنه فقال ثقة.
أحمد بن الحسن أبو الحسن الترمذي
حدث البخاري عنه في الصحيح عن إمامنا أحمد فيما أنبأنا الوالد السعيد أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال أخبرنا أحمد بن عبد الله السرخسي قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثني أحمد بن الحسن حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال حدثنا معتمر بن سليمان عن كهمس عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشر غزوة.
ونقل عن إمامنا مسائل كثيرة.
قال أبو بكر الخلال حدثنا عنه الأكابر بخراسان بمسائلة عن أحمد منهم محمد بن المنذر قال حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال أملى علينا أبو عبد الله من فلان إلى فلان فأما ما ذكرت من قولهم إذا فرق القاضي بين الرجل وامرأته بشهادة رجلين ثم تزوج المرأة أحد الشاهدين وينبغي أن يكون شهادتهما عليه زورا فهي له حلال فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما حدثنا به يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي له بما يقول فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها.(1/32)
وقال أحمد بن الحسن الترمذي سألت أبا عبد الله وقلت: له أكتب كتب الشافعي فقال ما أقل ما يحتاج صاحب حديث إليها رواه أبو بكر الخلال في العلم عن محمد بن المنذر عن أحمد بن الحسن الترمذي.
وأنبأنا عمر بن الليث البخاري حدثنا أبو بكر الحيرى الحافظ وأبو محمد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أبي عمر والحيرى قالا حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع الحافظ قال سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي يقول سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال أصحاب الحديث قوم سوء فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه ويقول زنديق زنديق زنديق ودخل البيت.
أحمد بن الحسين بن حسان
من أهل سر من رأى صحب إمامنا أحمد وروى عنه أشياء.
منها قال سئل أحمد بن حنبل لمن تجب النفقة فقال للأخ وسئل أحمد لمن تجب النفقة قال للعم وابن العم وكل من كان من العصبة.
قال وقال رجل لأبي عبد الله أريد أن أكتب هذه المسائل فإني أخاف النسيان قال له أحمد لا تكتب شيئاً فإني أكره أن أكتب رأيي وأحس مرة بإنسان يكتب ومعه ألواح في كمه فقال لا تكتب رأيي لعلي أقول الساعة بمسألة ثم أرجع غدا عنها.
أحمد بن حميد أبو طالب المشكاني
المتخصص بصحبة إمامنا أحمد.
روى عن أحمد مسائل كثيرة وكان أحمد يكرمه ويعظمه روى عنه أبو محمد فوزان وزكريا بن يحيى وغيرهما وذكره أبو بكر الخلال فقال صحب أحمد قديما إلى أن مات وكان أحمد يكرمه ويقدمه وكان رجلا صالحا فقيرا صبورا على الفقر فعلمه أبو عبد الله مذهب القنوع والاحتراف ومات قديما بالقرب من موت أبي عبد الله ولم تقع مسائله إلى الأحداث.(1/33)
أخبرنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا أبو طالب أن أبا عبد الله قال له رجل كيف يرق قلبي قال ادخل المقبرة وامسح رأس اليتيم.
قال أبو طالب وسئل أحمد وأنا شاهد ما الزهد في الدنيا قال قصر الأمل والإياس مما في أيدي الناس.
وقال أبو طالب قال أحمد والتعريف عشية عرفة في الأمصار لا بأس به إنما هو دعاء وذكر الله عز وجل وأول من لعله ابن عباس وعمرو ابن حريث وفعله إبراهيم.
وقال في رواية أبي طالب في الرجل يحلف واليمين على غير ذلك فاليمين على نية ما يحلفه صاحبه إذا لم يكن مظلوما وإذا كان مظلوما حلف على نيته ولم يكن له من نية الذي حلفه شيء.
وقال أبو طالب سألت أحمد عن الخفاش يكون في المسجد يبول فيصيب الرجل فقال أرجو أن لا يضره قلت: إن كان كثيراً نجس قال ما أدري قلت: أليس البول قليله وكثيره يغسل قال ذاك بول الإنسان قلت: هذا لا يؤكل لحمه يغسل قال إن كان كثيراً يغسل.
وقال أبو طالب سمعت أحمد يقول إذا أخذ شعره إن شاء مسح على رأسه وإن شاء لم يمسح قلت: لا يكون مثل العمامة قال لا العمامة يمسح عليها والخف يمسح عليه فإذا خلع أعاد والشعر إذا مس بالرأس يصيبه الماء ويبلغ أصول الشعر فإذا اخذ الشعر فالماء قد أصاب ما بقي من شعره وليس هو مثل العمامة والخف.
وقال أبو طالب أخبروني عن الكرابيسي أنه ذكر قول الله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" قال لو أكمل لنا ديننا ما كان هذا الاختلاف فقال يعني أحمد بن حنبل هذا الكفر صراحةً.
مات أبو طالب سنة أربع وأربعين ومائتين ذكره ابن قانع.
أحمد بن حرب بن مسمع(1/34)
روى عن إمامنا أحمد ذكره ابن ثابت الحافظ فقال أخبرنا محمد بن الحسين الأزرق قال أخبرنا عبد الله بن إسحاق البغوي حدثنا أحمد بن حرب بن مسمع حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال امرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب.
أحمد بن حبان أبو جعفر القطيعي
ويعرف بشامط حدث عن أسود بن عامر شاذان ويحيى بن إسحاق السليحيني وإمامنا أحمد روى عنه محمد بن مخلد وذكر أنه كتب عنه في مجلس عباس الدوري سنة تسع وخمسين ومائتين.
قال أبو بكر الخلال أخبرني الحسن بن الهيثم قال سمعت أبا جعفر شامط القطيعي يقول دخلت على أبي عبد الله فقلت: أتوضأ بماء النورة فقال ما أحب ذلك قلت: أتوضأ بماء الباقلاء قال ما أحب ذلك قلت: أتوضأ بماء الورد قال ما أحب ذلك قال فقمت فتعلق بثوبي ثم قال إيش تقول إذا دخلت المسجد فسكت فقال وإيش تقول إذا خرجت من المسجد فسكت فقال اذهب فتعلم هذا.
أحمد بن أبي بكر بن حماد المقري
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال سألت أبا عبد الله عن حسين الكرابيسي فقال جهمي.
أحمد بن حفص السعدي
حدث عن إمامنا بأشياء.
منها قال قرأت على أحمد بن حنبل حدثكم أحمد الأزرق حدثنا شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم كان يسأل عن هذا الحديث ولأجله تكلم في ابن الحماني سأله أن يحدثه به فلم يفعل فحدث به عنه.
حرف الخاء
أحمد بن خالد الخلال
نقل عن إمامنا أشياء منها أن بعض القضاة أنفذ إلى أحمد يسأله عن نسب رجل قد شهد عنده به شاهد واحد وكان أحمد عارفا بذلك الرجل فقال أحمد للشاهدين هذا فلان بن فلان الفلاني أعرفه باسمه وعينه ونسبه فشهدا عند الحاكم بما قال أحمد فقال له الحاكم ثبت نسبك فقدم خصمك.
قال الوالد السعيد فاقتصر أحمد في الشهادة على النسب دون الحلية.(1/35)
مات سنة سبع وأربعين ومائتين.
أحمد بن خليل القومسي
ذكره أبو بكر الخلال فقال رفيع القدر سمع من أبي عبد الله مسائل أغرب فيها على أصحابه.
أنبأنا علي بن ابن بطة حدثنا أبو بكر بن الآجري حدثنا المروزي قال سمعت أحمد بن الخليل يقول حدثني الحسن بن عيسى قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول لابن المبارك قرأت القرآن على عاصم بن أبي النجود فكان يأمرني أن أقرأ عليه كل يوم آية لا أزيد عليها ويقول إن هذا أثبت لك فلم آمن أن يموت الشيخ قبل أن أفرغ من القرآن فما زلت أطلب إليه حتى أذن لي في خمس آيات كل يوم.
وبه حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا الحسن بن عيسى قال كان المبارك أبو عبد الله يكنى بأبي مالك وكان بزازاً وكان موسراً وكان له سبع بنات ولم يكن له ذكر غير عبد الله وكان يقول لي سبع بنات وثامنهن عبد الله لما يرى من لينه وسكونه وحيائه كأنه جارية وورث عبد الله عن أبيه حصته مائة ألف درهم.
أحمد بن الخصيب بن عبد الرحمن
ذكره أبو بكر الخلال فقال مشهور بطرسوس كان له حلقة فقه ورئيس قومه نقل عن إمامنا مسائل جيادا.
حرف الدال
أحمد بن داود أبو سعيد الحداد الواسطي
نزل بغداد وحدث بها عن حماد بن زيد وخالد بن عبد الله ومحمد بن يزيد الكلاعي وعبد الرحمن بن مهدي نقل عن إمامنا أشياء منها أنه قال دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب فقلت: له في بعض كلامي يا أبا عبد الله عليك عيال ولك صبيان وأنت معذور كأني أسهل عليه الإجابة فقال لي أحمد بن حنبل إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت.
وسئل يحيى بن معين عن أبي سعيد الحداد فقال كان ثقة صدوقاً وقال البخاري مات أبو سعيد الحداد سنة إحدى أو اثنين وعشرين ومائتين.
حرف الراء
أحمد بن الربيع بن دينار
نقل عن إمامنا أشياء منها قال قال أحمد بلغني أن الكوسج يروى عني مسائل بخراسان اشهدوا أني قد رجعت عن ذلك كله.(1/36)
قلت: أنا وقد روى أبو نعيم بن عدي الحافظ قال قلت: لصالح بن أحمد بن حنبل عندنا شيخ يروي حكاية عن أبي عبد الله أنه قال قد رجعت عما رواه إسحاق الكوسج عنه وذكرت له هذه الحكاية فقال لي صالح إني بلغني إن إسحاق بن منصور يعني الكوسج يروي بخراسان هذه المسائل التي سألك عنها ويأخذ عليها الدراهم فغضب أبي من ذلك واغتم ما أعلمته فقال يسألوني عن المسائل ثم يحدثون بها ويأخذون عليها وأنكر إنكارا شديدا فقلت: له إن أبا نعيم الفضل بن دكين كان يأخذ على الحديث فقال لو علمت هذا ما رويت عنه شيئاً قال صالح ثم إن إسحاق بن منصور قدم بعد ذلك بغداد فصار إلى أبي فأعلمته أنه على الباب فأذن له ولم يتكلم معه بشيء من ذلك.
وقال حسان بن محمد سمعت مشايخنا يذكرون أن إسحاق بن منصور بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن بعض تلك المسائل التي علقها قال فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب وحملها على ظهره وخرج راجلا إلى بغداد وهي على ظهره وعرض خطوط أحمد عليها في كل مسألة استفتاه فيها فأقر له بها ثانيا وأعجب بذلك أحمد من شأنه.
حرف الزاي
أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب بن شداد أبو بكر نسائي الأصل.
سمع منصور بن سلمة الخزاعي ومحمد بن سابق وعفان بن مسلم والفضل بن دكين وغيرهم وكان ثقة عالما متقنا حافظا بصيرا بأيام الناس راوية للأدب.
أخذ علم الحديث عن إمامنا أحمد ويحيى بن معين وعلم النسب عن مصعب الزبيري وأيام الناس عن أبي الحسن المدائني والأدب عن محمد بن سلام الجمحي وله كتاب التاريخ.
روى عنه خلق كثير منهم أبو الحسين بن المنادي فقال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثني علي بن عبد الله عن سفيان يعني ابن عيينة قال سمعت ابن أبي خالد يعني إسماعيل يقول رأيت بيد عبد الله بن أبي ضربة فقلت: له متى أصابتك هذه قال يوم أحد.(1/37)
وذكره الدارقطني فقال ثقة مأمون ومات في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين ومائتين وقد كان بلغ أربعاً وتسعين سنة.
أحمد بن زهير
ممن روى عن إمامنا فيما أخبرنا أبو محمد الخطيب الصريفي قال أخبرنا أبو القاسم بن جبابة حدثنا عبد الله البغوي قال حدثني أحمد بن زهير قال سمعنا أحمد بن حنبل يقول حدثنا يحيى بن سعيد قال قال شعبة أتاني سليمان التيمي وابن عون يعزياني بأبي.
أحمد بن زرارة المقري أبو العباس
روى عن إمامنا أحمد فيما حدثنا أحمد بن عبيد الله قال أخبرنا أبو الحسين ابن حسنون النرسي قال أخبرنا الدارقطني قال أخبرنا أحمد بن محمود السراج الأصم قال سمعت أبا العباس أحمد بن زرارة المقرىء يقول سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول من لم يربع بعلي ابن أبي الطالب في الخلافة فلا تكلموه ولا تناكحوه.
حرف السين
أحمد بن سعيد أبو العباس اللحياني
نقل عن إمامنا أشياء منها قال سألت أحمد عن النسب بأي شيء يثبت قال بإقرار الرجل أنه ابنه أو يهنأ به فلا ينكر أو يولد على فراشه.
أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبو عبد الله الرباطي
من أهل مرو سمع وكيع بن الجراح وعبيد الله بن موسى ووهب بن جرير وسعيد ابن عامر وعبد الرزاق بن همام روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين في آخرين وكان ثقة ورد بغداد وجالس إمامنا وسمع منه أشياء.
قال أحمد بن سعيد الرباطي قدمت على أحمد بن حنبل فجعل لا يرفع رأسه إلي فقلت: يا أبا عبد الله إنه يكتب عني بخراسان وإن عاملتني بهذه المعاملة رموا بحديثي فقال لي يا أحمد هل بد يوم القيامة من أن يقال أين عبد الله بن طاهر وأتباعه أنظر أين تكون أنت منه قال قلت: يا أبا عبد الله إنما ولاني أمر الرباط لذلك دخلت فيه قال فجعل يكرر على يا أحمد هل بد يوم القيامة من أين يقال أين عبد الله بن طاهر وأتباعه فانظر أين تكون أنت منه توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
أحمد بن سعيد أبو جعفر الدارمي(1/38)
نقل عن إمامنا أشياء فروى عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا زكريا بن داود بن بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال قلت: لأحمد بن حنبل أقول لك قولي وإن أنكرت منه شيئاً فقل إني أنكره قلت: له نحن نقول القرآن كلام الله من أوله إلى آخره ليس منه شيء مخلوق ومن زعم أن شيئاً منه مخلوق فهو كافر فما أنكر منه شيئاً ورضيه.
وقال محمد بن الحسين بن الترك سمعت أبا جعفر أحمد بن سعيد الدارمي يقول كتب أبو عبد الله أحمد بن حنبل لأبي جعفر أكرمه الله من أحمد بن حنبل.
أنبأنا أحمد بن الحسين بن خيرون قال أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن ابن على الصيرفي حدثنا أبو أحمد الحسيني بن علي بن محمد بن يحيى التميمي المعروف بحسينك حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر بن حريث بن محمد بن مجاهد حدثني أحمد بن سعيد الدارمي قال سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول يزيد بن زريع ريحانة البصرة.
أحمد بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
أبو إبراهيم. سمع علي بن الجعد وعلي بن بحر بن بري ومحمد بن سلام الجمحي و إسحاق بن موسى الأنصاري وإمامنا أحمد.
قال أبو بكر الخلال كانت عنده عن أبي عبد الله مسائل حسانا وذكره أبو الحسين بن المنادي في جملة من روى عن أحمد وكان مذكورا بالعلم والفضل موصوفا بالصلاح والزهد من أهل بيت كلهم علماء محدثون وتوفي في المحرم سنة ثلاث وسبعين ومائتين وقد بلغ خمسا وسبعين سنة ودفن في مقبرة التبانين.
قال أبو الحسين بن المنادي أخبرنا أبو إبراهيم الزهري حدثنا أحمد بن حنبل حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن زائدة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهر ثم تحولت القبلة بعد.
وبه قال حدثنا عبد الرزاق قال قال معمر إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل.(1/39)
وقال أحمد بن سعد الزهري سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الليث ابن سعد فقال ثقة ثبت
أحمد بن سعد الجوهري
روى عن إمامنا أشياء.
منها قال سمعت أحمد بن حنبل يقول ما أحد على أهل الإسلام أضر من الجهمية ما يريدون إلا إبطال القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن سهل أبو حامد
سمع من إمامنا فيما أنبأنا أبو الغنائم الكوفي أخبرنا محمد بن علي الحسني أخبرنا محمد بن جعفر بن هارون حدثنا ابن عقدة حدثنا أبو حامد أحمد بن سهل قال سمعت أحمد بن حنبل يقول أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث الأعمال بالنيات و الحلال بين والحرام بين و من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.
حرف الشين
أحمد بن شاذان بن خالد الهمذاني
روى عن إمامنا أشياء: منها قال سمعت أحمد يقول من قال لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي مخلد في النار خالدا فيها ثم قال وهذا شرك بالله العظيم.
أحمد بن شاذان العجلي
روى عن إمامنا أشياء منها قال سمعت أحمد يقول سافرت في طلب العلم والسنة إلى الثغور والشامات والسواحل والمغرب والجزائر ومكة والمدينة والحجاز واليمن والعراقين جميعاً وأرض حوران وفارس وخراسان والجبال والأطراف.
أحمد بن شبويه
نقل عن إمامنا أشياء منها قال قدمت بغداد على أن أدخل على الخليفة وآمره وأنهاه فدخلت على أحمد بن حنبل فاستشرته في ذلك فقال إني أخاف عليك أن لا تقوم بذلك وقال أيضاً سمعت أحمد يقول إذا كان الرجل كفوا للمرأة في المال والحسب إلا أنه يشرب المسكر فإن المرأة لا تزوج به ليس كفواً لها.
أحمد بن شاكر
نقل عن إمامنا أشياء منها قال سمعت أبا عبد الله يقول إذا لم يرفع يعني يديه في الصلاة فهو ناقص الصلاة.
أحمد بن الشهيد
نقل عن إمامنا أشياء منها قال عزاني أحمد بن حنبل فقال آجرنا الله وإياك في هذا الرجل.
حرف الصاد
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري(1/40)
طبري الأصل. سمع عبد الله بن وهب وعيينة بن خالد وعبد الله بن نافع وإسماعيل بن أبي أويس وكان أحد حفاظ الأثر عالما بعلل الحديث بصيراً باختلافه.
ورد بغداد وجالس بها الحفاظ وكتب عن إمامنا حديثا ثم رجع إلى مصر فأقام بها وانتشر عند أهلها علمه وحدث عنه محمد بن يحيى الذهلي والبخاري ويعقوب الفسوي وغيرهم.
وقال أبو داود كتب أحمد بن صالح عن سلامة بن روح وكان لا يحدث عنه وكتب عن ابن زبالة خمسين ألف حديث وكان لا يحدث عنه وحدث أحمد بن صالح ولم يبلغ الأربعين وكتب عباس العنبري عن رجل عنه.
وقال أبو زرعة الدمشقي سألني أحمد بن حنبل قديما من بمصر قلت: بها أحمد بن صالح فسر بذلك ودعا له.(1/41)
وقال أبو بكر بن زنجويه قدمت مصر فأتيت أحمد بن صالح فسألني من أين أنت قال من بغداد قال أين منزلك من منزل أحمد بن حنبل قلت: أنا من أصحابه فقال تكتب لي موضع منزلك فإني أريد أن أوافي العراق حتى تجمع بيني وبين أحمد بن حنبل فكتبت له فوافى أحمد بن صالح سنه اثنتي عشرة إلى عفان فسأل عني فلقيني فقال الموعد الذي بيني وبينك فذهبت به إلى أحمد بن حنبل فاستأذنت له فقلت: أحمد بن صالح بالباب فأذن له فقام إليه ورحب به وقر به وقال له بلغني عنك أنك جمعت حديث الزهري فتعال حتى نتذاكر ما روى الزهري عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلا يتذاكران لا يغرب أحدهما على الآخر حتى فرغا قال وما رأيت أحسن من مذاكرتهما ثم قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح تعال حتى نتذاكر ما روى الزهري عن أولاد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلا يتذاكران ولا يغرب أحدهما على الآخر إلى أن قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح عند الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يسرني أن لي حمر النعم وأن لي حلف المطيبين فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا فجعل أحمد يتبسم ويقول رواه عن الزهري رجل مقبول أو صالح عبد الرحمن بن إسحاق فقال من رواه عن عبد الرحمن فقال حدثناه رجلان ثقتان إسماعيل بن علية وبشر بن المفضل فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل سألتك بالله إلا ما أمليته علي فقال أحمد من الكتاب فقام ودخل وأخرج الكتاب وأملى عليه فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل لو لم أستفد بالعراق إلا هذا الحديث كان كثيراً ثم ودعه وخرج.
وتوفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين بمصر.(1/42)
وقد أخبرنا بهذا الحديث أبو جعفر بن المسلمة قال أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شهدت وأنا غلام مع عمومتي حلف الفضول فما أحب أن لي به حمر النعم وإني أنكثه"
وأنبأنا عاصم بن الحسن قال أخبرنا أبو عمر بن المهدي حدثنا عثمان بن أحمد بن يزيد الدقاق إملاء حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ حدثنا عفان حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شهدت وأنا غلام مع عمومتي حلف المطيبين فما أحب أن أنكته وأن لي حمر النعم".
أحمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل
نقل عن جده إمامنا أحمد فيما أخبرناه أبو بكر نزيل دمشق قراءة قال حدثني أبو القاسم الأزهري حدثنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا محمد بن أحمد بن صالح بن حنبل إملاء علينا في مجلس أبي محمد البربهارى حدثنا أبي أحمد بن صالح حدثنا جدي أحمد بن حنبل حدثنا روح بن عبادة عن مالك بن أنس عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد.
أحمد بن الصباح الكندي
نقل عن إمامنا أشياء: منها ما نقلته من كتاب السنة للخلال فقال أخبرني أحمد بن الصباح الكندي بالقلزم قال سألت أحمد بن حنبل كم بيننا وبين عرش ربنا قال دعوة مسلم يجيب الله دعوته.
حرف العين
أحمد بن عبد الله بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني
ابن عم إمامنا جالس إمامنا وسمع منه أشياء وحدث عن محمد بن الصباح الدولابي روى عنه عبد الله بن إمامنا أحمد وغيره.
أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عبد الله بن أبي عوف الزوري المعدل(1/43)
سمع سويد بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد ومحمود بن غيلان وخلقا كثيراً نقل عن إمامنا مسائل منها ما أنبأنا يوسف المهراوي قال أخبرنا محمد بن أحمد بن رزقويه قال أخبرنا حبيب القزاز حدثنا أحمد بن أبي عوف قال حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وسأله رجل خراساني إن أمي أذنت لي في الغزو وإني أريد الخروج إلى طرسوس فما ترى فقال له أغز الترك وأحسب أبا عبد الله ذهب إلى قول الله عز وجل "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار".
قال وسمعت أبا عبد الله وسئل عن بيع النرجس ممن يشرب المسكر فكرهه.
وذكره إبراهيم الحربي فقال أحد عجائب الدنيا وذكره مرة أخرى فقال ابن أبي عوف عفيف اللسان عفيف الفرج عفيف الكف وذكره الدارقطني فقال ثقة وأبوه وعمه.
وقال أبو الحسين بن المنادي مات أبو عبد الله بن أبي عوف في شوال سنة سبع وتسعين ومائتين وسنة نيف وثمانون.
سنة وفيها مات محمد بن داود الفقيه في شهر رمضان.
أحمد بن عمر بن هارون البخاري أبو سعيد.
حدث عن إمامنا فيما ذكره أحمد المؤرخ بإسناده عنه قال كنت عند أحمد بن حنبل فناوله رجل مصري كتابا وقال له يا أبا عبد الله هذه أحاديثك أرويها عنك فنظر في الكتاب وقال له إن كان عني فاروه.
أحمد بن عثمان بن سعيد بن أبي يحيى أبو بكر الأحول المعروف بكرنيب
سمع علي بن بحر القطان ومحمد بن داود الحداني وكثير بن يحيى وإمامنا أحمد في آخرين وروى عند محمد بن مخلد ومحمد بن جعفر المطيري وذكره أبو الحسين بن المنادي فقال كان أحد الحفاظ للحديث.
نقل عن إمامنا مسائل منها قال سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قلت: أبيع للجند فتبسم وقال الدرهم أين ضرب أليس في دارهم ومات سنة ثلاث وتسعين ومائتين.
أحمد بن علي بن سعيد أبو بكر
أصله من مرو وقيل أصله بغدادي ولي قضاء حمص ونزلها فحدث بها عن إمامنا أحمد وغيره روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي وغيره وذكره النسائي فقال: ثقة.(1/44)
أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس النخشبي
المعروف بالأبار. سكن بغداد وحدث بها عن مسدد وعبد الله بن محمد بن أسماء وأمية بن بسطام في آخرين وجالس إمامنا وسأله عن أشياء.
منها قال: سمعت أبا عبد الله وقال له رجل حلفت بيمين ما أدري إيش هي فقال: لشأنك إذا دريت دريت أنا وقال أحمد بن علي الأبار رأيت أبا عبد الله يقرأ في صلاة العصر خلف الإمام وسئل الدار قطني عنه فقال: ثقة.
ومات يوم الأربعاء النصف من شعبان سنة تسعين ومائتين ذكره الخطيب.
أحمد بن العباس بن الأشرس أبو العباس وقيل أبو جعفر:
سمع عمرو بن دينار الواسطي وأبا إبراهيم الترجماني وخالد بن سالم ومحمد بن قدامة الجوهري وذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد.
فنقلت: من كتاب الروايتين للوالد السعيد قال: واختلفت الرواية في الخنثى إذا مات فنقل أحمد بن أبي عبدة أنه ييمم لأنه يحتمل أن يكون ذكرا فلا تغسله النساء ويحتمل أن يكون أنثى فلا يغسله الرجال ونقل أحمد بن أشرس أنه يغسله الرجال ويصلون عليه ومعناه أنه يغسل من فوق ثوب كما قلنا في الرجل إذا مات بين النساء والمرأة بين الرجال.
ومات فجأة يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين ومائتين بالجانب الغربي بشارع باب حرب درب الشجر.
حرف الفاء
أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبو مسعود الضبي الأصبهاني
سمع يزيد بن هارون وأبا اليمان وعبد الرزاق في آخرين.(1/45)
أخبرنا الإمام عبد الرحمن بن مندة إجازة قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر يقول حكى يوسف بن محمد سمعت أبا عمران الطرسوسي يقول ما تحت أديم السماء أحد أحفظ لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي مسعود الرازي وبه قال: أخبرنا أبي رحمه الله قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم الكناني الأصفهاني حدثنا أبو مسعود الرازي قال: وروى عنه عبد الرزاق ورحل إليه أبو داود السجستاني وذكره أحمد بن حنبل رضي الله عنه بالحفظ وإظهار السنة بأصبهان.
وبه قال: أخبرنا أبي قال: وذكر العباس بن حمدان عن إبراهيم بن أرومة.
قال بقي اليوم في الدنيا ثلاثة محمد بن يحيى الذهلي بخراسان وأبو مسعود بأصبهان والحسن بن علي الحلواني بمكة فأكثرهم حديثا محمد بن يحيى وأحسنهم حديثا أبو مسعود وأرفعهم حديثا الحسن بن علي الحلواني.
وبه أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر سمعت أبا عروبة يقول أبو مسعود الرازي في عداد ابن أبي شيبة في الحفظ.
وبه أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر سمعت ابن الأصفر يقول جالست أحمد وابن أبي شيبة وعليا ونعيما وذكر عدة فما رأيت رجالا أحفظ لما ليس عنده من أبي مسعود.
نقل أبو مسعود عن إمامنا أحمد جواز عيادة المسلم للذمي ذكره والدي في كتاب الدويتين قال: ونقل جعفر بن محمد عن أحمد خلاف ذلك فقال: لا ولا كرامة قال: ووجهه قوله عليه الصلاة والسلام لا تبدؤوهم بالسلام ووجه ما نقله أبو مسعود ما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد يهودياً أو نصرانياً فقال: له كيف أنت يا يهودي أو كيف أنت يانصراني وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا عاد رجلا على غير دين الإسلام لم يجلس عنده" قال: فأما تعزية أهل الذمة فتخرج على روايتين كالعيادة.
ونقل عن إمامنا أشياء منها قال: قال أحمد من دل على صاحب رأي ليفتنه فقد أعان على هدم الإسلام.(1/46)
قال أبو مسعود وسمعت أحمد يقول من حلق قبل أن يرمي جاهلا فلا شيء عليه لأن الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ظننت وإن كان عالما فعليه دم" وقال أيضاً قال: أحمد إذا كان له عيال أعطى كل واحد منهم خمسين درهما قال: فإن نفدت من عنده أعطاه أيضا.ً وقال أيضاً قال: أحمد وإن قتل بحرم المدينة صيدا عليه الجزاء وكان ابن أبي ليلى يقول عليه الجزاء.
أخبرنا محمد بن أحمد المعدل قراءة قال: أخبرنا عبد الله الزهري قال: أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثني أبو مسعود أحمد بن الفرات قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن واصل عن أبو وائل عن حذيفة قال: المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل وكيف قال: "إنهم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم "يخفونه وهم اليوم يظهرونه" وقال أبو نعيم توفي أحمد بن الفرات في شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين.
حرف القاف
أحمد بن القاسم
صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام: حدث عن أبي عبيد وعن إمامنا بمسائل كثيرة: منها قال: قلت: يا أبا عبد الله تقر بمنكر ونكير وما يروى من عذاب القبر فقال: نعم سبحان الله نقر بذلك ونقوله قلت: هذه اللفظة منكر ونكير تقول هذا أو تقول ملكين قال: نقول منكر ونكير وهما ملكان وعذاب القبر.
وقال أيضاً سئل أبو عبد الله عن قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يلسع المؤمن من حجر وحد مرتين" قال: إنما معنى هذا المؤمن لا ينبغي له أن يعصى الله وإذا عصاه فلا ينبغي له أن يعود ثم يرجع يتوب لا يكون منه الشيء مرتين قال: يحذرهم وينهاهم.
قال وسمعت أحمد يقول في القوم بينهم الدار والأرض فيستأجرون القسام قال: الأجر على قدر الحصص.(1/47)
وقال أيضاً سألت أبا عبد الله عن مسألة في فوات الحج فقال: فيها روايتان إحداهما فيه زيادة دم قال: أبو عبد الله والزائد أولى أن يؤخذ به قال: وهذا مذهبنا في الأحاديث إذا كانت الزيادة في أحدهما أخذنا بالزيادة ولزمنا ذلك أو نحو هذا قال: لي.
أحمد بن القاسم الطوسي
حكى عن إمامنا أشياء: منها قال: كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني غمض عينيه فقيل له في ذلك فقال: لا أقدر أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه.
حرف الميم
أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز أبو بكر المروذي
كانت أمه مروذيه وأبو خوارزميا وهو المقدم من أصحاب أحمد لورعه وفضله وكان إمامنا يأنس به وينبسط إليه وهو الذي تولى إغماضه لما مات وغسله، وقد روى عنه مسائل كثيرة: منها ما أنبأنا أبو بكر المقري أخبرنا أحمد السوسنجردي أخبرنا أبو بكر بن بخيت حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو بكر المروذي قال: سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش فصححها وقال قد تلقتها الأمة بالقبول وتمر الأخبار كما جاءت.
وبه حدثنا المروذي حدثنا عبيد الله بن عمر حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش الصنعاني عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أي عرى الإيمان أوثق قال: الله ورسوله أعلم قال: "الموالاة والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله" وبه قال: المروذي قيل لأبي عبد الله ما الحب في الله قال: هو أن لا تحبه لطمع في دنياه.
وقال المروذي قال: أحمد إذا أعطيتك كتابي وقلت: لك اروه عني وهو من حديثي فما تبالي سمعته أو لم تسمعه.
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول: أما الحديث فقد استرحنا منه وأما المسائل فقد عزمت إن سألني أحد عن شيء أن لا أجيبه.
وقال أيضاً سئل أحمد عن القرآن بالألحان فقال: بدعة لا تسمع.(1/48)
وقال أيضاً قلت: لأبي عبد الله أترى يكتب الرجل كتب الشافعي قال: لا قلت: أترى أن يكتب الرسالة قال: لا تسألني عن شيء محدث قال: كتبتها قال: معاذ الله.
وقال أيضاً قال: أحمد وقال أبو عبيد لما أنكرت عليه وضع هذه الكتب قال: لم تنصحوني ولم أعلم فلو علمت أنك تكرهها ما تعرضت لها ولا وضعتها قال: أحمد قد ندم.
وقال أيضاً قال: أحمد لا تكتب كلام مالك ولا سفيان ولا الشافعي ولا إسحاق بن راهوية ولا أبي عبيد.
وقال المروذي أيضاً دخلت يوماً على أحمد فقلت: كيف أصبحت فقال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرض ونبيه يطالبه بأداء السنة والملكان يطالبانه بتصحيح العمل ونفسه تطالبه بهواها وإبليس يطالبه بالفحشاء وملك الموت يطالبه بقبض روحه وعياله يطالبونه بنفقتهم.
وقال أبو بكر الخلال خرج أبو بكر المروذي إلى الغزو فشيعته الناس إلى سامرا فجعل يردهم فلا يرجعون فحزروا فإذا هم بسامرا سوى من رجع نحو خمسين ألف إنسان فقيل له يا أبا بكر أحمد الله فهذا علم قد نشر لك قال: فبكى ثم قال: ليس هذا العلم لي إنما هذا علم أحمد بن حنبل.(1/49)
وقال أبو يحيى زكريا بن الفرج البزاز جئت يوماً إلى أبي بكر المروذي وإذا عنده عبد الله بن أحمد له أبو بكر أحب أن تخبر أبا يحيى بما سمعت من أبيك في داود الأصبهاني فقال: فقال عبد الله لما قدم داود من خراسان جاءني فسلم علي فسلمت عليه فقال: قد علمت شدة محبتي لكم وللشيخ وقد بلغه عني كلام فأحب أن تعذرني عنده وتقول له أن ليس هذا مقالتي أو ليس كما قيل لك فقلت: له لا يريد فإني قد دخلت إلى أبي فأخبرته أن داود جاء فقال: إنه لا يقول بهذه المقالة وأنكر قال: جئني بتلك الضبارة الكتب فجئه بها فأخرج منها كتابا فقال: هذا كتاب محمد بن يحيى النيسابوري وفيه أحل في بلدنا الحال والمحل وذكر في كتابه أنه قال: إن القرآن محدث فقلت: له إنه ينكر ذلك فقال: محمد بن يحيى أصدق منه لا تقبل قول العدو لله أو نحو ما قال: أبو يحيى.
وقال المروذي قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل بم نال من نال ما نال حتى ذكر به فقال: بالصدق ثم قال: إن الصدق موصول الجود.
وقال المروذي قال: أبو عبد الله رحمه الله تعالى أول شيء نزل من القرآن ( اقرأ) وآخر شيء نزل من القرآن المائدة.
وأنبأنا على البندار عن ابن بطة حدثنا أبو بكر بن الآجري حدثنا المروذي قال: وسمعت أبا عبد الله وذكر الحسن بن حي فقال: لا نرضى مذهبه وسفيان أحب إلينا وقد كان ابن حي قعد عن الجمعة وكان يرى السيف وقال قد فتن الناس بسكوته وورعه وقال لقد ذكر رجلا فلطم فم نفسه وقال ما أردت أن أذكره.
وقال أبو بكر المروذي سمعت أحمد يقول من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر.
قال: المروذي سئل أحمد أمر في الطريق فأسمع الإقامة ترى أن أصلي فقال: قد كنت أسهل فأما إذ كثرت البدع فلا تصل إلا خلف من تعرف.
وقال المروذي قرىء على أبي عبد الله " ولا تمنن تستكثر" قال: تمن بما أعطيت فتأخذ أكثر.(1/50)
وقال المروذي قال: أبو عبد الله ما اتهمت عليه البهائم فلا تتهم على أربع تعرف ربها وتعرف أنها تموت وتطلب الرزق ونسي المروذي الرابعة.
أنبأنا علي البندار عن ابن بطة حدثنا أبو بكر الآجري بمكة حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت علي بن السكن يقول حدثني أبو مروان الدقيقي قال: كنت جارا لشريك بن عبد الله بالكوفة وكانت امرأة من العرب جارة لنا رهنت طرازا لها عند قوم على أن يستأدوا الغلة ويحسبوا لها قال: فاستأدوا حتى استوفوا ما كان لهم فطالبتهم بالطراز فقالوا الطراز لنا والشراء شراؤنا فصاروا إلى شريك وشهد الشهود عند شريك بأنه شراء فوجه شريك إلى السكان أن أوقفوا الغلة حتى يأتيكم أمري قم وجه فسأل عن الشهود فعدلوهم فحكم للذي ادعى أنه شراء وحكم وكتب على المرأة بالقضية فقامت المرأة إلى شريك فقالت له أيتم الله ولدك وقطع أرزاقهم من السماء كما قطعت رزق ولدي فوقع في قلب شريك من قولها ما أزعجه وأقلقه فبعث إلى جار له يلبس خزاً وهطراً يعني الصوف والقطن فاستعار كساءه ولبسه وجاء إلى ذلك الطراز فقال: للحائك الذي فيه أتأذن لي أن أدخل أتبرد عندك فأذن له الحائك بالدخول فدخل فسأله شريك عن خبر الطراز فقال: له كنا في حديث هذا الطراز قبل دخولك إلينا وذلك أني ساكن في هذا منذ ثلاثين سنة وهو لامرأة من العرب احتاجت فرهنته عند هؤلاء القوم على أن يأخذوا من الغلة ما أعطوها ثم يطلقوا لها الطراز فحكم فيه القاضي أعمي الله قلبه وقطع الله رزقه لهؤلاء القوم الظالمين وقد علمت أن هذا الشيء لهذه المرأة المسكينة وقلت: لولدي لا يحل لي الصلاة في هذا الموضع فقم بنا نتحول فقام شريك فتوجه إلى منزله ثم وجه إلى القوم وأحضرهم وأحضر البينة فقال: البينة تفقدوا الشهادات كيف تشهدون أما أنتم فقد شهدتم بما علمتم وقد وقع إلي خبر الطراز وقال للذين حكم لهم إن استقلمتوني أقلتكم وإلا كتبت إلى أمير المؤمنين بما استقر عندي ورفعتكم مع البينة إلى(1/51)
الخليفة فيحكم بما يرى وكان المهدي فقالوا ما وقع إليك أيها القاضي فأخبرهم بالقصة التي سأل عنها فاستقالوه فأقالهم فهو لورثة المرأة إلى هذه الغاية.
وبه قال: المروذي سمعت أبا عبد الله يقول يكره للرجل أن ينام بعد العصر يخاف على عقله.
وبه قال: المروذي سمعت أبا عبد الله يقول كانوا قبل طلوع الشمس فقال: لهم هكذا أنهار الجنة.
وبه قال: المروذي سمعت بعض المشيخة يقول سمعت أبي يقول دخل شريك إلى المهدي قال: فقال: له إن في قلبي على عثمان شيئاً فقال: شريك إن كان في قلبك فأنك من أهل النار فاستوى قاعدا غضبان وقال لتخرجن مما قلت: قال: شريك أنا أوجدك ذلك في القرآن قال: الله تعالى "كزرع أخرج شطأه فآزره" قال: هو ابن عمك " فاستغلظ" أبو بكر "فاستوى على سوقه" عمر "يعجب الزراع " عثمان "ليغيظ بهم الكفار" علي قال: فتجلى الغضب أو قال: سكن عنه وقال قد سكن ما في قلبي.
وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول وقد سئل عن الحب في الله فقال: هو أن لا تحبه لطمع دنيا.
قال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول أنشدني رجل من أهل الشاش:
وكل صديق ليس في الله وده
فإني به في وده غير واثق
وبه قال: المروذي سمعت أبا عبد الله يقول ما أهون الدنيا على أوليائه.
وبه قال: المروذي سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله وذكر له الصدق والإخلاص وكان أبو عبد الله يشبهه بالأبدال فقال: أبو عبد الله بهذا ارتفع القوم.
وقال المروذي رأيت ربي في المنام وكأن القيامة قد قامت ورأيت الخلائق والملائكة حول بني آدم فسمعت الملائكة تقول قد أفلح الزاهدون اليوم في الدنيا قال: ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم وسمعته يقول يا أحمد بن حنبل هلم إلى العرض على الله عز وجل فرأيت أحمد بن حنبل والمروذي خلفه.
ولما قدم أحمد بن حنبل من سامرا جعل يقول جزى الله أبا بكر المروذي عني خيراً.(1/52)
وقال أبو محمد دوست الشيخ الصالح رأيت أحمد بن حنبل في المنام على باب بيت وعنده جماعة وليس عليه رداء فقلت: يا أبا عبد الله أين رداؤك فقال: عند المروذي.
وقال المروذي يوم جنازة فتح بن شخرف إن الخليفة انحازت عن قول لأحمد بن حنبل ما تحاشيت أن أجفوها.
ومات المروذي في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين ومائتين ودفن عند رجل قبر أحمد بن حنبل.
وأنبأنا القاضي الحسين بن المهتدي بالله عن عمر بن شاهين قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم الرواس قال: سمعت أبا بكر المروذي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول يزيد بن زريع مات أبوه وخلف له أربعين بدرة فلم يأخذ منها شيئاً وتورع عنها.
وقال أحمد في رواية المروذي وإذا أحرمت فاقطع المحمل الذي على النعل والعقب الذي يجعل للنعل وقد كان عطاء يقول فيه دم وقال أحمد في رواية المروذي أول شيء نزل من القرآن " اقرأ " وآخر شيء نزل من القرآن المائدة.
قال المصنف وقد روي عن عائشة أم المؤمنين وأبي صالح وقتادة ومجاهد ذلك ولفظ مجاهد أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرأ باسم ربك" ثم "نون" وقال أحمد في رواية المروذي: " يا أيها الذين آمنوا " بالمدينة " يا أيها الناس" بمكة نزلت وقال أربع سور نزلت بالمدينة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وقال "وما أرسلنا من قبلك من رسول " أربع آيات آخرها "تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم " هذه نزلت بمكة والباقي بالمدينة.
وقال المروذي قال: لنا أبو عبد الله عذاب القبر حق ما ينكره إلا ضال مضل.
وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول من تعاطى الكلام لا يفلح ومن تعاطى الكلام لا يخلو من بدعة.
قال المروذي قلت: لأبي عبد الله إن الكرابيسي يقول من لم يقل لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر فقال: بل هو الكافر.
وقال ثار بشر المريسي وخلفه حسين الكرابيسي وقال لي هذا قد تجهم وأظهر الجهمية ينبغي أن يحذر عنه وعن كل من اتبعه.(1/53)
وقال الخلال أخبرنا المروذي أن أبا عبد الله ذكر حارثا المحاسبي فقال: حارث أصل البلية يعني حوادث كلام جهم ما الآقة إلا حارث عامة من صحبه انبتك إلا ابن العلاف فإنه مات مستورا حذروا عن حارث أشد التحذير قلت: إن قوما يختلفون إليه قال: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته فإن قبلوا وإلا هجروا ليس للحارث توبة يشهد عليه ويجحد إنما التوبة لمن اعترف.
وأنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين ابن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا المروذي حدثنا أبو مصعب و أحمد بن إسماعيل قالا مكث مالك بن أنس ستين سنة يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان يصلي في كل يوم ثمانمائة ركعة وكان يرى صوم النذر متتابعا ولا يقطع.
وبه قال: المروذي سمعت سلمة بن شبيب يقول كنت عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فقال: قد ضربت برها أو قال: بحرها وقد قصدت إليك ولولا أن قيل لي في منامي آتيك فأخبرك ما جئت قيل لي قل له إن الله تبارك وتعالى قد باهى بك الملائكة.
روى المروذي أن أبا عبد الله قال: له قدم بي من خراسان وأنا حمل وولدت ههنا ولم أر جدي ولا أبي ولا تزوجت إلا بعد الأربعين.
أحمد بن محمد بن خالد بن شيرزاد أبو بكر المعروف بالنوراني
قاضي تكريت حدث عن أبي عمار المروذي ومحمد بن سليمان وغيرهما وكان من الأصحاب روى عنه ابن مالك القطيعي وسماه أحمد وروى عنه محمد بن المظفر ومحمد بن يزيد بن مروان وغيرهما فسمياه محمداً.
وقال أبو حفص العكبري حدثنا محمد بن يحيى الثقفي قال: حدثنا يوسف بن يعقوب وابن عبد الرحمن الجصاص قالا حدثنا أحمد بن محمد بن الفرج: قال سمعت النوراني القاضي يقول لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أزول عن مذهب أحمد بن حنبل قال: وسمعته يقول الحق ما كان المروذي عليه.
أحمد بن محمد بن خالد بن يزيد بن غزوان أبو العباس البراثي(1/54)
سمع علي بن الجعد وعبد الله بن عون الخراز وكامل بن طلحة ويحيى بن الحماني وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه إسماعيل الخطبي وحبيب القزاز وغيرهما.
أنبأنا يوسف الصوفي قال: أخبرنا الحسين بن رزقويه قال: قرأت على ابن القاسم القزاز قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن خالد البراثي قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل فقلت: له إذا فاتني أول صلاة الإمام فأدركت معه من آخر صلاته فما أعتد أنه أول صلاتي فقال: لي تقرأ فيما يقضى يعني بالحمد وسورة وفي القعود تقعد على ابتداء صلاتك.
وقال أبو العباس البراثي لما مات أبي كنت صبيا فجاء الناس عزوني وأكثروا وجاءني فيمن جاءني بشر بن الحارث فقال: لي يا بني إن أباك كان رجلا صالحا وأرجو أن تكون خلفا منه بر والدتك ولا تعقها ولا تخالفها يا بني والزم السوق فإنها من العافية ولا تصحب من لا خير فيه فلما قام بشر قام إليه رجل فقال: يا أبا نصر أنا والله أحبك فقال: وكيف لا تحبني ولست لي بجار ولا قرابة.
واختلف في وفاته فقيل سنة ثلاثمائة وقيل سنة اثنتين وثلاثمائة.
أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة أبو بكر
نقل عن إمامنا مسائل وأشياء كثيرة: منها ما أنبأنا أبو القاسم المهرواني قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: قرأت على حبيب القزاز قال: حدثنا أبو بكر بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل سئل عن السرة من العورة فقال: أسفل السرة إلى الركبة عورة قال: وسئل عن اتخاذ الخل من الخمر فقال: لا قال: فإن اتخذها قال: يهيريقها قال: وسئل كيف يعمل الخل من العصير قال: يصب على العصير من الخل حتى يعلم أنه لا يغلى قال: وسئل عن الأذان بالترجيع فقال: هو أذان أبي محذورة وأهل المدينة يؤذنون بأذان بلال ونحن إليه نذهب وكان آخر أذانه مثنى والإقامة فرداً "إلا قد قامت الصلاة".
ومات سنة ثلاث وتسعين ومائتين فيما نقلته من تاريخ ابن المنادي.(1/55)
أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة أبو الحسن الأسدي
قريب بشر بن موسى: حدث عن العباس بن الفرج الرياشي ومحمد بن عثمان بن أبي صفوان البصري ومحمد بن عبادة الواسطي ومحمد بن سليمان لوين وعبد الرحمن بن يونس الرقي في آخرين.
روى عن إمامنا حديثا واحدا روى عنه أبو بكر بن الأنباري وغيره.
قرأت في كتاب ابن ثابت البغدادي أخبرنا أبو طالب الدسكري أخبرنا أبو بكر المقري حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن شيخ بن عميرة أبو الحسن الأسدي قال: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة حدثنا سفيان الثوري عن أبي سنان عن سعيد بن جبير في قوله تعالى " وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون " قال: الصلاة في الجماعة قال: وسئل الدارقطني عنه فقال: ثقة.
ومات في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة.
أحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي
أحد أصحاب إمامنا قال: أبو بكر الخلال حدثني أنه سأل أبا عبد الله أيما أعجب إليك في القبر اللبن أو القصب فقال: القصب.
أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البرثي
ولي القضاء ببغداد بالجانب الغربي وبالشرفية وهو الكرخ في أيام المعتمد على الله ثم نقل من قضاء الغربي ومن بالشرقية إلى الجانب الشرقي وكان لما مات أبو هاشم سنة تسع وأربعين ومائتين أول ولاية البرثي ببغداد وكان قد صحب يحيى بن أكثم وكان قبل ذلك يتقلد قضاء واسط وكان دينا عفيفاً.
نقل عن إمامنا مسائل كثيرة.
منها ما أنبأنا على البندار عن أبي عبد الله بن بطة قال: حدثنا الحسين بن صفوان البرذعي قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد البرثي القاضي قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل عن بيع المدبر هل يجوز فقال: نعم فقلت: له ولم جاز عندك قال: لحديث جابر ولم أر له دافعا وعليه نعتمد.(1/56)
قال وسألته عن شهادة القاذف إذا تاب فقال: أراها جائزة فقلت: له تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة " إن تبت قبلت شهادتك " فقال: نعم وقول الله عز وجل أبين " إلا الذين تابوا من بعد ذلك " ومات سنة ثمانين ومائتين.
أحمد بن محمد بن هانىء الطائي
ويقال الكلبي الأثرم الإسكافي أبو بكر جليل القدر حافظ إمام سمع حرمي بن حفص وعفان بن مسلم وأبا بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن مسلم القعنبي وإمامنا في آخرين.
نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبواباً.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد قراءة أخبرنا إبراهيم البرمكي أخبرنا محمد بن نجيب حدثنا عمر بن محمد حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا محمد بن سيار حدثني أبو داود صاحب الطيالسة حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو الغفاري وهو الأقرع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة.
وبه قال: قلت: لأبي عبد الله فضل وضوء المرأة قال: إذا خلت به فلا يتوضأ منه إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ جميعاً .
وبه قال: سمعت أبا عبد الله سئل عن مسح الرأس كيف هو فقال: هكذا ووضع يديه كلتيهما على مقدم رأسه ثم جرهما إلى مؤخر رأسه ثم ردهما جميعاً إلى المكان الذي منه بدأ وذلك كله في مرة لم يرفعهما عن رأسه ثم قال: على حديث عبد الله بن يزيد.
وبه قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة قيل له تذهب إليه قال: نعم قال: أبو عبد الله من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وبه قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل نسي المضمضة والاستنشاق في وضوئه قال: يعيد الصلاة قلت: لأبي عبد الله يعيدهما أم يعيد الوضوء كله قال: لا بل يعيدهما ولا يعيد الوضوء قلت: لأبي عبد الله فنسي المضمضة وحدها فقال: الاستنشاق عندي أوكد.(1/57)
وبه قال: سألت أبا عبد الله عن الوضوء من القيء فقال: نعم يتوضأ قلت: له على إيجاب الوضوء قال: نعم واحتج بحديث ثوبان "أنا صببت لرسول الله وضوءه".
وقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن القراءة بالألحان فقال: كل شيء محدث فانه لا يعجبنى إلا أن يكون صوت الرجل لا يتكلفه.
وقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة قال: أرجو أن لا يكون به بأس فعله غير واحد قال: أبو عبد الله الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة.
وقال الأثرم سمعت أحمد وذكر سفيان بن عيينة فقال: ما رأينا نحن مثله وقال علي بن المديني حج سفيان بن عيينة ثنتين وسبعين حجة مات عطاء سنة خمس عشرة ومائة وحج سفيان بعد موته بسنة وهو ابن تسع سنين فلم يزل يحج حتى مات.
وقال الأثرم سألت أحمد عن مقاتل بن سليمان فقال: لي ما أقول ما رأيت أصدر أعلم بالتفسير من مقاتل بن سليمان.
وقال الأثرم كنت عند خلف البزاز يوم جمعة فلما قمنا من المجلس صرت إلى قرن الصراة فأردت أن أغتسل للجمعة فغرقت فلم أجد شيئاً أتقرب به إلى الله جل ثناؤه أكثر عندي من أن قلت: اللهم إن تحيني لأتوبن من صحبة حارث يعني المحاسبي.
وقال الأثرم كان حارث المحاسبي في عرس لقوم فجاء يطلع على النساء من فوق الدرابزين ثم ذهب يخرجه يعني رأسه فلم يستطع فقيل له لم فعلت هذا قال: أردت أن أعتبر بالحور العين.
قال الأثرم في أثناء كتاب إلى الثغر أعاذنا الله وإياكم من كل موبقة وأنقذنا وإياكم من كل مهلكة وسلمنا وإياكم من كل شبهة ومسكنا وإياكم بصالح ما مضى عليه أسلافنا وأئمتنا.(1/58)
كتابي إليكم ونحن في نعم متواصلة نسأل الله تمامها ونرغب إليه في الزيادة من فضله والعون على بلوغ رضاه إن في كثير من الكلام فتنة وبحسب الرجل ما بلغ به من الكلام حاجته ولقد حكي لنا أن فضلا كان يتلاكن في كلامه فإن في السكوت لسعة وربما كان من الأمور ما لطيق عنه السكوت وذلك لما أوجب الله من النصيحة وندب العلماء من القيام بها للخاصة والعامة ولولا ذلك لما أوجب الله من النصيحة وندب العلماء من القيام بها للخاصة والعامة ولولا ذلك كان ما دعا إليه من الخمول أصوب في دهر قل فيه من يسراح إليه ونشأ فيه من يرغب عنه ونحن في موضع انقطاع عن الأمصار فربما انتهى إلينا الخبر الذي يزعجنا فنحرص على الصبر فنخاف وجوب الحجة من العلم.
ولقد تبين عند أهل العلم عظم المصيبة بما فقدنا من شيخنا رضي الله عنه أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إمامنا ومعلمنا ومعلم من كان قبلنا منذ أكثر من ستين سنة وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وما علم عالم إنهم يتفاضلون ويتباينون بونا بعيدا فقد ظننت أن عدو الله وعدو المسلمين إبليس وجنوده قد أعدوا من الفتن أسبابا انتظروا بها فقده لأنه كان يقمع باطلهم ويزهق أحزابهم.(1/59)
وكانت أول بدعة علمتها فاشية من الفتن المضلة ومن العماية بعد الهدى وقد رأيت قوما في حياة أبي عبد الله كانوا لزموا البيت على أسباب من النسك وقلة من العلم فأكرمهم الناس ببعض ما ظهر لهم من حبهم للخير فدخلهم العجب مع قلة العلم فكان لا يزال أحدهم يتكلم بالأمر العجيب فيدفع الله ذلك بقول الشيخ جزاه الله أفضل ما جزى من تعلمنا منه ولا يكون من أحد منهم من ذلك شيء إلا كان سبب فضيحته وهتك ما مضى من ستره فأنا حافظ من ذلك لأشياء كثيرة وإنما هذا من مكايد إبليس مع جنوده يقول لأحدهم أنت أنت ومن مثلك فقل قد قال: غيرك ثم يلقى في قلبه الشيء ليس هناك سعة في علم فيزين عنده أن يبتدئه ليشمت به وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.(1/60)
وقد ظننت أن آخرين يلتمسون الشهرة ويحبون أن يذكروا وقد ذكر قبلهم قوم بألوان من البدع فافتضحوا ولأن يكون الرجل تابعا في الخير خير من أن يكون رأسا في الشر وقد قال: ابن مسعود "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل بدعة ضلالة" وقال أيها الناس "إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "البركة مع أكابركم" وقال ابن مسعود "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم" وقال ابن عمر "كل بدعة ضلالة وإن رأها الناس حسنة" وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا هلك المتنطعون " وقال الصديق رضي الله عنه أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت: في كتاب الله ما لا أعلم وقال علي ما أبردها على الكبد إذا سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم وقال أبو موسى من علمه الله علما فليعلمه الناس وإياه أن يقول مالا علم له به فيصير من المتكلفين ويمرق من الدين وقال ابن سعود إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقر ولا يستحي وروى عن االنبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أنه قال: " من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وفي بعضها لا تجوز شهادة محدث في الإسلام وفي بعضها أنه قيل يا رسول الله وما الحدث قال: من قتل نفسا بغير نفس ومن امتثل مثلة بغير قود أو ابتدع بدعة بغير سنة فقرن ذلك بقتل النفس ولعنة الله والملائكة وقال الشعبي ما حدثوك عن رأيهم فألقه في الحش.(1/61)
وقال عمر بن عبد العزيز إياك وما أحدث المحدثون فإنه لم تكن بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل عليها وعبرة منها فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة وإن السنة إنما سنها من قد علم ما جاء في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق وارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم عن علم وقفوا وببصر ناقد كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل لو كان فيها أحرى إنهم لهم السابقون فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه وإن قلتم حدث حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ولقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم مقصر ولا فوقهم محسر لقد قصر دونهم أقوام فجفوا وطمح آخرون عنهم فغلوا وإنهم مع ذلك لعلى هدى مستقيم.
وقال القاسم بن محمد لأن يعيش الرجل جاهلا خير له من أن يقول على الله مالا يعلم.
وقال ابن مسعود إن من العلم إذ سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم.
وقال ابن عمر العلم ثلاث آية محكمة وسنة ماضية ولا أدري.
وقال الشعبي "لا أدري نصف العلم".
وقال الربيع بن خثيم " إياك أن يقول الرجل حرم هذا ونهي عن هذا فيقول الله له كذبت".
وقال أحمد بن عبد الرحمن الحميري لأن أرده مغبة أحب إلى من أن أتكلفه.
وقال الشعبي والله ما أبالي سئلت عما أعلم أو عما لا أعلم
يقول إنه يسهل علي أن أقول لا أعلم.
وقال عبد الله بن عتبة بن مسعود إنك لن تخطىء الطريق ما دمت على الأثر
وقال ابن عباس عليك بالاستقامة وإياك والبدع والتبدع وقال معاذ بن جبل إياكم والتبدع والتنطع وعليكم بالعتيق.
وقال ابن عباس لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم.(1/62)
وقال إبراهيم ما جعل الله في هذه الأهواء مثقال ذرة من خير وما هي إلا زينة من الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول وقد جعل الله على الحق نورا يكشف به العلماء ويصرف به شبهات الخطأ وإن الباطل لا يقوم للحق قال: الله عز وجل " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " فهذه لكل واصف كذب إلى يوم القيامة وإن أعظم الكذب أن تكذب على الله.
وإن أبا عبد الله وإن كان قريبا موته فقد تقدمت إمامته ولم يخلف فيكم شبهة وإنما أبقاه الله لينفع به فعاش ما عاش حميداً ومات بحمد الله مغبوطاً يشهد له خيار عباد الله الذين جعلهم الله شهداء في أرضه ويعرفون له ورعه وتقواه واجتهاده وزهده وأمانته في المسلمين وفضل علمه ولقد انتهى إلينا أن الأئمة الذين لم ندركهم كان منهم من ينتهي إلى قوله ويسأله ومنهم من يقدمه ويصفه ولقد أخبرت أن وكيع بن الجراح كان ربما سأله وأن عبد الرحمن بن مهدي كان يحكي عنه ويحتج به ويقدمه في العلم ويصفه وذلك نحو ستين سنة وأخبرت أن الشافعي كانت أكثر معرفته بالحديث مما تعلم منه ولقد أخبرت أن إسماعيل بن علية كان يهابه وقال لي شيخ مرة ضحكنا من شيء وثم أحمد بن حنبل فجئنا بعد إلى إسماعيل فوجدناه غضباناً فقال: تضحكون وعندي أحمد بن حنبل وأخبرت أن يزيد بن هارون ذكره فبكى وأخبرت أن يزيد عاده في منزله وأخبرت أن أبا عاصم قال: ما جاءنا مثله.
وكم بلغنا مثل هذا وذكر تمام الرسالة بطولها.
وقال أبو بكر الخلال وذكر الأثرم فقال: جليل القدر حافظ وكان عاصم بن علي بن عاصم لما قدم بغداد طلب رجلا يخرج له فوائد يمليها فلم نجد له في ذلك الوقت غير أبي بكر الأثرم فكأنه لما رآه لم يقع منه بموقع لحداثة سنة فقال: له أخرج كتبك فجعل يقول له هذا الحديث خطأ وهذا الحديث كذا وهذا غلط وأشياء نحو هذا فسر عاصم به وأملاه قريبا من خمسين مجلسا فعرضت على أحمد بن حنبل فقال: هذه أحاديث صحاح.(1/63)
وكان يعرف الحديث ويحفظه ويعلم العلوم والأبواب والمسند فلما صحب أحمد بن حنبل ترك ذلك فأقبل على مذهب أبو عبد الله.
فسمعت أبا بكر المروذي يقول قال: الأثرم كنت احفظ يعني الفقه والاختلاف فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله.
وكان معه تيقظ عجيب حتى نسبه يحيى بن معين ويحيى بن أيوب المقابري فقال: أحد أبوي الأثرم جني.
وقال الخلال وأخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت أبا القاسم بن الجيلي قال: قدم رجل فقال: أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة قال: فقلنا له أو فقالوا ليس لك إلا أبو بكر الأثرم قال: فوجهوا إليه ورقاً فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة قال: فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.
قال وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول قدم شيخان من خراسان للحج فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث أحدهما قال: فخرج يعني إلى الصحراء فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث والمستملى وقعد الآخر ناحية قال: وقعد الأثرم بينهما فكتب ما أملاه هذا وما أملاه هذا.
قال وأخبرني عبد الله بن محمد قال: سمعت سعيد بن عتاب يقول سمعت يحيى بن معين يقول كان أحد أبوي الأثرم جنياً.
قال وأخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم بن الأصبهاني يقول أبو بكر الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.
قال وسمعت أبا بكر محمد بن علي يقول سمعت أبا بكر الأثرم يقول أحمد بن حنبل ستر من الله على أصحابه فينبغي لأصحاب أحمد أن يتقوا الله ولا يعصوه مخافة أن يعيروا بأحمد بن حنبل.
وقال أحمد في رواية الأثرم والمحرم لا يلبس نعلا لها قيد ووصف القيد سير يجعل في الزمام معترضاً.(1/64)
قال وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله مرارا يقول إذا قام من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك حتى أرى شفتيه تتحركان فلا أفهم بقية كلامه كأنه يذهب إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس روى أبو برزة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" ولم يقع لي تاريخ وفاته.
أحمد بن محمد البرني
أحد الأصحاب قال: أبو بكر الخلال أخبرني أنه سأل أبا عبد الله عن شهادة القاذف إذا تاب فقال: أراها جائزة فقلت: له تعتمد على حديث عمر في قوله لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك فقال: نعم وقول الله أبين "إلا الذين تابوا من بعد ذلك".
أحمد بن محمد أبو الحارث الصائغ
ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يأنس به وكان يقدمه ويكرمه وكان عنده بموضع جليل وروى عن أبي عبد الله مسائل كثيرة بضعة عشر جزءاً وجود الرواية عن أبي عبد الله.
أخبرنا بركة أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز قال: أخبرنا أحمد حدثنا محمد بن جعفر أبو الحارث قال: سمعت أبا عبد الله يقول الفطرة التي فطر الله العباد عليها من الشقاوة والسعادة.
وقال أبو الحارث قلت: لأبي عبد الله هؤلاء المحدثون الذين يأخذون على الحديث قال: هذه طعمة سوء.
وقال أبو الحارث وسئل أبو عبد الله عن قراءة الألحان فقال: بدعة.
وقال أبو الحارث ذكر لأبي عبد الله قراءة حمزة فقال: أنا أكرهها قيل له: وما تكرهه منها قال: هذا الإدغام والإضجاع الشديد مثل جاب وطاب وحاق.
وقال في رواية أبي الحارث سمعت أبا عبد الله وقد ذكر له قول أبي حنيفة وأصحابه في الخيل فأنكره.(1/65)
وقال أبو الحارث سمعت أبا عبد الله يقول من أحب الكلام لم يخرج من قلبه قال: وسمعته وسئل عن قول الحسين الكرابيسي فقيل له إنه يقول لفظي بالقرآن مخلوق فقال: هذا قول جهم قال: الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " فممن يسمع كلام الله أهلكهم الله.
وقال أبو الحارث سمعت أبا عبد الله يقول إنما العلم مواهب يؤتيه الله من أحب من خلقه وليس يناله أحد بالحسب ولو كان لعلة الحسب لكان أولى الناس به أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
أحمد بن محمد بن عبد ربه المروذي أبو الحارث
أحد من روى عن إمامنا أشياء منها قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول إذا عرف الرجل بالكذب فيما بينه وبين الناس ولا يتوقى في منطقه فكيف يؤتمن هذا على ما استتر فيما بينه وبين الله تعالى مثل هذا لا يكون إماما ولا يصلى خلفه يا أبا عبد الله فيعيد من يصلي خلفه قال: لاأدري ولكن أحب أن يعتزل قلت: الصلاة خلفه.
أحمد بن محمد بن مطر أبو العباس
ذكره أبو بكر الخلال فقال: عنده عن أبي عبد الله مسائل سمعتها منه وكان فيها غرائب سمع إمامنا وشريحاً ويونس وغيرهما.
أحمد بن محمد بن نصر اللباد
سمع من إمامنا أحمد رضي الله عنه فيما ذكره أبو عمرو البحتري النيسابوري في كتاب الأربعين فقال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سهل حدثنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد حدثني أحمد بن حنبل حدثني الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد ما بذلوها فإذا منعوها نزعها عنهم وحولها إلى غيرهم".
أحمد بن محمد بن يحيى الكحال
أنقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: سألت أبا عبد الله عن الأسير يخرج من بلاد الروم ومعه علج فيقول العلج أنا خرجت به ويقول الأسير أنا خرجت به قال: أولى أن يقبل قول المسلم.
أحمد بن محمد بن يزيد الوراق(1/66)
ويعرف بالإيتاخي من أهل سر من رأى قدم بغداد وروى عن إمامنا أحمد ويحيى بن معين وغيرهما وذكره أبو بكر الخلال فقال: ثقة كان عنده عن أحمد مسائل.
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط.
أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي
حدث عن إمامنا بأشياء منها قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عمن قال: القرآن مخلوق فقال: كفر وفتح الكاف.
أنبأنا بهذه الرواية جدي جابر وأحمد بن النقور قالا أخبرنا أبو حفص الكتاني حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي ابن عم أحمد بن منيع قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عمن قال: القرآن مخلوق فقال: كفر فتح الكاف.
وقال أحمد بن منيع عبر بي أحمد بن حنبل وأنا قاعد على الباب فقلت: من أين يا أبا عبد الله قال: من الكوفة فقلت: له كم يا أبا عبد الله قال: هو خير يا أبا جعفر قلت: له كم دخلت الكوفة قال: لي بضعة عشرة دخلة قلت: يجزى الرجل إذا أراد أن يتفقه بالحديث أن يكتب مائة ألف حديث قال: لا قلت: فمائتي ألف قال: لا قلت: فثلاثمائة ألف قال: لا فقلت: فأربعمائة ألف قال: لا قلت: فخمسمائة ألف قال: بيده هكذا قلبها.
قلت: أنا وقد حدث البخاري عن رجل عنه.
أحمد بن المستنير
حدث عن إمامنا أحمد بأشياء: منها قال: سئل أحمد لو أن رجلا كتب كتب وكيع كان يتفقه بها قال: لا قال: فلو كتب كتب ابن المبارك كان يتفقه بها قال: نعم.
أحمد بن منصور بن سيار الرمادي أبو بكر
سمع من عبد الرزاق بن همام وغيره وروى عنه جماعة منهم أبو بكر بن أبي داود الفقيه روى عن إمامنا أحمد أشياء منها قال: قال أحمد يؤدى الخراج والزكاة جميعاً في أرض الخراج.
ومات سنة خمس وستين ومائتين ذكره ابن المنادي وقد استكمل ثلاثاً وثمانين سنة.
أحمد بن محمود الساوي
ذكره أبو بكر الخلال في الأصحاب.(1/67)
نقلت: من كتاب الجنائز لأبي بكر الخلال قال أحمد بن محمود الساوي رأيت أبا عبد الله جاء يعزي أبا طالب فوقف بباب المسجد فقال: عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم ثم جلس ولم يقصد أحداً منهم.
أحمد بن أبي بدر المنذر بن بدر بن النضر أبو بكر المغازلي
الشيخ الصالح البغدادي وكان ثقة ويعد من الأولياء العازفين عن الدنيا لقبه بدر وهو الغالب عليه وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يكرمه ويقدمه وعنده عن أبي عبد الله جزء حديث وقع له فيه مسائل أيضاً وسمعتها منه وسمعت منه حديثا وكنت إذا رأيت منزله ورأيت قعوده شهدت له بالصلاح والصبر على الفقر وكان أحمد يخرج الشيء فيقول أين بدر ثم يقول هذه من بابتك يعني أحاديث الزهد ونحو ذلك فكان إمامنا يتعجب منه ويقول من مثل بدر قد ملك لسانه.
وقال أبو محمد الجريري كنت يوماً عند بدر المغازلي وقد باعت زوجته داراً لها بثلاثين ديناراً فقال: لها بدر نفرق هذه الدنانير في إخواننا ونأكل رزق يوم بيوم فأجابته إلى ذلك وقالت تزهد أنت ونرغب نحن هذا ما لا يكون.
ومات لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
أحمد بن أبي الحواي واسمه ميمون أبو الحسن الدمشقي
حدث عن جماعة منهم إمامنا وبين وفاته ووفاة البغوي إحدى وسبعون سنة وقال أحمد بن أبي الحواري قال أحمد بن حنبل متى مولدك قلت: سنة أربع وستين قال: وهي مولدي.(1/68)
ومات أحمد بن أبي الحواري مدخل رجب سنة ست وأربعين ومائتين وقيل إنه رمى بكتبه في البحر وقال نعم الدليل كنت والاشتغال بالدليل بعد الوصول محال وقيل إنه طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة فلما بلغ منه الغاية حمل كتبه كلها فغرقها في البحر وقال يا علم لم أفعل هذا تهاونا بك ولا استخفافاً بحقك ولكن كنت أكتب لأهتدي بك إلى ربي فلما اهتديت بك إلى ربي استغنيت عنك وقال لا دليل على الله سواه وإنما العلم يطلب لأدب الخدمة وكان الجنيد يقول أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام.
أحمد بن المكين الأنطاكي
ذكره الخلال فقال: عنده عن أبي عبد الله مسائل سمعتها منه في قدمتي الثانية إلى الثغور وكان رجلاً كما يجب إن شاء الله.
أخبرني أحمد بن المكين أن رجلا قال: لأحمد بن حنبل أوصني فقال: له أحمد أنظر إلى أحب ما تريد أن يجاورك في قبرك فاعمل به واعلم أن الله يبعث العباد يوم القيامة على ثلاث خصال محسن ما عليه من سبيل لأن الله تعالى يقول " ما على المحسنين من سبيل " وكافر في النار لأن الله تعالى يقول " والذين كفروا لهم نار جهنم " وأصحاب الذنوب والخطايا فأمرهم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر لأن الله تعالى يقول " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
وقال أبو بكر الخلال حدثني أحمد بن المكين الأنطاكي قال: سمعت أحمد بن حنبل وقال لرجل ما فعلت الوالدة قال: توفيت يا أبا عبد الله فقال: له أحمد أعظم الله أجرك.
أحمد بن ملاعب بن حبان أبو الفضل الحافظ المخرمي
سمع عفان بن مسلم والفضل بن دكين في آخرين وحدث عن إمامنا أحمد وذكره عبد الله بن أحمد فقال: ثقة وكذلك قال: الدارقطني.
وكان مولده سنة إحدى وتسعين ومائة ومات في جمادى الأولى سنة خمس وسبعين ومائتين.(1/69)
وذكره أبو بكر النجاد وأبو الحسين بن المنادي فيمن روى عن أحمد فقال: حدثنا أحمد بن ملاعب حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن إدريس عن الشيباني عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبر بعد ما دفن قال: فقلت: من حدثك قال: الثقة ابن عباس.
وقال أبو بكر الخلال أخبرني أحمد بن ملاعب المخري قال: سمعت أحمد بن حنبل مالا أحصيه وكان يكون هو المؤذن فإذا قال: الله أكبر الله أكبر قليلاً قليلاً الله أكبر الله أكبر كلما قال: كلمة قال: مثلها قليلاً قليلاً حتى يفرغ من الأذان إلى آخره.
أحمد بن المصفى الحمصي
نقل عن إمامنا أشياء: منها ما حدثنا أحمد العكبري قال: حدثنا حمدان بن سليمان بن حمدان السقطي حدثنا أبو القاسم عبيد الله بن جنيقا وهو جد الوالد السعيد لأمه حدثنا علي بن محمد المصري الواعظ الفقيه حدثنا علي بن الحسين بن عيسى المروذي حدثنا أحمد بن محمد بن صلاح الطيالسي البغدادي قال: سمعت أحمد بن المصفى يقول رحل أحمد بن حنبل إلى الشام لزيارة محمد بن يوسف الفريابي فنزل عندنا بحمص فأقام أياما يقرأ عليه ثم ورد الخبر بموت الفريابي فضاق صدره وحزن لذلك فقلت: له يا أبا عبد الله قد كتبت عن الأئمة الكبار عن سفيان فما هذا الحزن فقال: الحديث كثير إلا أني أردت أن أستخبره عن أخلاق الرجل فإنه كان أنيسا به وقد بلغني أنه كان يقترض منه وقت الحاجة ويقول له يا محمد ما أقترض منك إلا لأنك ما تقتضيني فإذا قضيتك اقترضت منك.
أحمد بن محمد بن واصل المقري أبو العباس
صحب من النخاة ابن سعدان ومن القراء خلفا وكان عنده عن أحمد مسائل حساناً.
منها قال: سمعت أحمد وقد سئل أيجوز أن يخرج الزكاة من بلد إلى بلد فقال: لا يجوز فقيل له إن كان لقرابة فقال: لا.
ومات سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
حرف النون
أحمد بن نصر بن مالك أبو عبد الله الخزاعي(1/70)
قال: أبو حفص العكبري حدثنا يحيى بن سهل الثقفي حدثنا أبو حفص الجوهري حدثنا أبو أحمد حدثنا أحمد بن إبراهيم الأنماطي قال: سمعت أحمد بن نصر الخزاعي يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله بمن نقتدي في عصرنا هذا قال: عليك بأحمد بن حنبل.
وقال أحمد بن نصر رأيت مصابا بالصرع قد وقع فقرأت في أذنه فكلمتني الجنية من جوفه فقالت يا أبا عبد الله دعني أخنقه فإنه يقول القرآن مخلوق.
وذكره يحيى بن معين فترحم عليه وقال قد ختم له بالشهادة وقتل في خلافه الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن سنة إحدى وثلاثين ومائتين وكان قد أخذه الواثق فقال: له ما تقول في القرآن فقال: كلام الله قال: أفترى ربك يوم القيامة قال: كذا جاءت الرواية به فدعا الواثق بالصمصامة وقال إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر بشد رأسه بحبل وأمرهم أن يمدوه ومشى إليه حتى ضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما وفي الجانب الغربي أياماً
قال جعفر بن محمد الصائغ بصر عيني وإلا فعميتا وسمع أذني وإلا فصمتا أحمد بن نصر الخزاعي حيث ضربت عنقه يقول رأسه لا الله إلا الله.
وقال المروذي سمعت أبا عبد الله وذكر أحمد بن نصر فقال: رحمة الله ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه.
وقال إبراهيم بن إسماعيل بن خلف كان أحمد بن نصر خلي فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن فمضيت فبت بقرب الرأس مشرفا عليها وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقول " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " فاقشعر جلدي ثم رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج فقلت: له ما فعل الله بك يا أخي قال: غفر لي وأدخلني الجنة.(1/71)
وقال أحمد بن كامل القاضي حمل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي من بغداد إلى سر من رأى فقتله الواثق في يوم الخميس ليومين بقيا من شعبان سنة إحدى وثلاثين وفي يوم السبت مستهل رمضان نصب رأسه ببغداد على رأس الجسر وأخبرني أنه رآه قال: وكان شيخا أبيض الرأس واللحية وأخبرني أنه وكل برأسه من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر وأن الموكل به ذكر أنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس بلسان طلق وأنه لما أخبر بذلك طلب فخاف على نفسه.
أحمد بن نصر أبو حامد الخفاف
ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان عنده جزء فيه مسائل حسان أغرب فيها: منها قال: سئل أحمد عن رجل أشهد على ألف درهم وكان الحاكم لا يحكم إلا في مائة ومائتين يشهد له قال: لا إلا ما أشهدت عليه.
ومنها قال: قال أبو عبد الله القاذف إذا أكذب نفسه يقول إني قد كنت قذفت فلانة أو فلانا وكذبت عليه يحد وتقبل شهادته.
وقال وسئل أحمد عن القبور مرتفعة أحب إليك أو مسنمة قال: مسنمة مثل قبر أحد مسنمة.
حرف الهاء
?أحمد بن هاشم بن الحكم بن مروان الأنطاكي
ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ جليل متيقظ رفيع القدر سمعنا منه حديثا كثيراً ونقل عن أحمد مسائل حسانا سمعناها في سنة سبعين أو إحدى وسبعين.
منها قال: سئل أحمد وأنا أسمع يشهد على الشهادة ولم ينظر في الكتاب قال: إن حفظها وإلا فليس بشيء قال: وسمعت أحمد يقول المال الضمار الذي ألبس منه.
أحمد بن هشام
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: سألت أحمد عن رجل أصاب ثوبه بول فنسي فصلى فيه فقال: يعيد الصلاة من قليل البول وكثيره قال: وابن عباس يقول في الدم إذا فحش ثم قال: إن قوماً يساوون بين البول والدم فعجب من قولهم.
حرف الياء
أحمد بن يحيى أبو جعفر الحلواني
ذكره أبو بكر الخلال في جملة الأصحاب.(1/72)
قرأت بخط أبي حفص العكبري حدثنا أبو بكر محمد بن علي حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال: سمعت أبا عبد الله وقال له رجل يصيب ثوبي البول فأخذ الرجل فجمع بعض ثيابه وقال يصب عليه الماء مرتين يفركه بأصابعه مرتين يجزيه قال: لا سبع مرات لمكان ما روى في الكلب.
ومات في جمادى الأولى سنة ست وسبعين ومائتين وسنه خمس وتسعون سنة ودفن في الشونيزية نقلته من الأوراق للصولي.
أحمد بن يحيى بن زيد أبو العباس النحوي الشيباني ثعلب
إمام الكوفيين في النحو واللغة قال ثعلب: أحببت أن أرى أحمد بن حنبل فصرت إليه فلما دخلت عليه قال لي: فيم تنظر قلت: في النحو العربية فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل: علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ما مضى
ولا أن ما تخفي عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت
ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى
ويأذن في توباتنا فنتوب
وقال ثعلب مات معروف الكرخي سنة مائتين وفيها ولدت.
ومات ثعلب في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين.
أحمد بن يحيى بن حيان الرقي
أحد من روى عن إمامنا أحمد فيما أخبرنا أحمد بن عبيد الله.
حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي حدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق إملاء سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة حدثنا أبو الحسن علي بن محمد البصري الواعظ الفقيه حدثنا أحمد بن يحيى بن حيان الرقي قال: سئل أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وأنا حاضر ما معنى وضع اليمين على الشمال في الصلاة فقال: ذل بين يدي عز.
قال أبو الحسن المصري لم يصح عندي في العلم أحسن من هذا.
أحمد بن يزيد الوراق
نقل عن إمامنا أشياء. منها: قال أبو بكر الخلال: أخبرنا أحمد بن يزيد الوراق قال: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الهمز الشديد فقال: لا يعجبني الهمز الشديد.(1/73)
قال أبو بكر الخلال وأخبرنا أحمد بن يزيد الوراق قال: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الهمز في القرآن فقال: تعجبني القراءة السهلة.
فلنذكر الآن من اسمه أحمد ولا يعرف اسم أبيه.
أحمد بن أبي عبدة أبو جعفر همداني
ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل القدر كان أحمد يكرمه وكان ورعاً نقل عن إمامنا أحمد مسائل كثيرة وتوفي قبل وفاة أحمد.
وقال إمامنا أحمد ما عبر هذا الجسر أنصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من أحمد بن أبي عبدة قال: الخلال يعني جسر النهروان.
قال أحمد بن أبي عبدة: كنت عند أبي زرعة سألته عن مسائل وكان فيما سألته عن المتشابه فقال: لي ما يقول فيها صاحبك يعني أحمد بن حنبل قلت: يذهب إلى حديث عبد الله بن مسعود الإثم حواز القلوب فقال: سبحان الله ما أشبه أحمد بن حنبل إلا بالبازي ينقض على الصيد من فوق.
قال أحمد بن أبي عبدة: سئل أحمد عن جل تصدق بثلث دار له غائبة عنه على رجل مشاعة وحد الدار وهي دار معروفة قال: هو جائز وليس كما يقول هؤلاء ليس بجائز حتى يعرف الدار.
وقال أحمد بن أبي عبدة قلت: أحمد فتجوز الصدقة غير مقبوضة قال: نعم تجوز مقبوضة وغير مقبوضة قلت: تجيزها غير مقبوضة? قال: نعم.
وقال أحمد بن أبي عبدة قيل لأبي عبد الله فالشهادة على الاستهلال قال: أحب إلى أن تكون امرأتين.
أحمد بن أبي عبيد الله(1/74)
نقل عن إمامنا أشياء منها ما حدثنا أحمد بن عبيد الله حدثنا إسماعيل بن أحمد البيهقي قال: حدثنا أبي أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السابق وكتبته من أصل سماعه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن منصور بشيراز حدثنا أبو علي أحمد بن عثمان بن أحمد الأبهري بأصبهان قال: حدثني أبو الفضل أحمد بن جعفر بن فارس قال: حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله قال: كنت في الدار يوم المحنة وأنا أنظر إلى أحمد بن حنبل والسوط قد أخذ كتفيه وعليه سراويل فيه خيط فانقطع الخيط ونزل السراويل فلحظته وقد حرك شفتيه فعاد السراويل كما كان فلما حط من الهنبارين قمت إليه وسألته عن ذلك فقال: لي لما انقطع الخيط قلت: اللهم إلهي وسيدي أو قفتني هذا الموقف فلا تهتكني على رؤوس الخلائق فعاد السراويل كما كان.
باب إبراهيم
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو إسحاق الثقفي السراج النيسابوري
أخو إسماعيل ومحمد سمع يحيى بن يحيى التميمي ويزيد بن صالح الفراء وعبد الأعلى بن حماد النرسي ومحمد بن معاوية وعبد الجبار بن عاصم ويحيى بن الحماني وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد وأبو الحسين بن المنادي وغيرهم وكان قد نزل بغداد وأقام بها إلى حين وفاته وكان إمامنا يحضره ويفطر عنده وينبسط في منزله وهو أكبر إخوته وقال الدارقطني كان ثقة.
ومات في صفر من سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشر بن عبد الله بن ديسم أبو إسحاق الحربي
ولد سنة ثمان وتسعين ومائة وسمع أبا نعيم الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وعبد الله بن صالح العجلي وإمامنا أحمد في آخرين ونقل عن إمامنا مسائل سمعناها ونحن نسوق ما تيسر منها.(1/75)
روى عنه أبو بكر بن أبي داود وأبو بكر بن الأنباري وأبو بكر النجاد وأبو عمر الزاهد في آخرين وكان إماما في العلم رأسا في الزهد عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام حافظا للحديث وصنف كتبا كثيرة منها غريب الحديث ودلائل النبوة وكتاب الحمام وسجود القرآن وذم الغيبة والنهي عن الكذب والمناسك وغير ذلك.
قال إبراهيم رأيت رجالات الدنيا فلم أر مثل ثلاثة رأيت أحمد بن حنبل يعجز النساء أن يلدن مثله ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءا عقلا ورأيت أبا عبيد كأنه جبل نفخ فيه علم.
وقال إبراهيم الحربي ما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي ولا إلى بناتي حمى قط وجدتها الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله وكان بي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحدا قط ولي عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحدا قط وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت وإلا بقيت جائعا عطشانا إلى الليلة الثانية وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة إن جاءتني به امرأتي أو إحدى بناتي أكلته وإلا بقيت جائعا عطشانا إلى الليلة الأخرى والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كان برنيا أو نيفا وعشرين إن كان دقلا ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهراً فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف ودخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف.
وأخبرنا علي البندار عن ابن بطة قال: سمعت أبا بكر بن أيوب العكبري يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول ما تزوجت ولا زوجت قط ولا أكلت من شيء واحد في يوم مرتين.(1/76)
وأنبأنا أبو بكر المقرىء عن ابن سمعون قال: قال أحمد بن سليمان القطيعي أضقت إضاقة فمضيت إلى إبراهيم الحربي لأبثه ما أنا فيه فقال: لي لا يضيق صدرك فإن الله من وراء المعونة وإني أضقت مرة حتى انتهى أمري في الإضاقة إلى أن عدم عيالي قوتهم فقالت لي الزوجة هب أني أنا وإياك نصبر فكيف نصنع بهاتين الصبيتين فهات شيئاً من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه فضننت بذلك وقلت: أقترضي لهما شيئاً وأنظريني بقية اليوم والليلة وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي فكنت أجلس فيه للنسخ وللنظر فلما كان في تلك الليلة إذا داق يدق الباب فقلت: من هذا فقال: رجل من الجيران فقلت: ادخل فقال: أطفىء السراج حتى أدخل فكببت على السراج شيئاً وقلت: ادخل فدخل وترك إلى جانبي شيئاً وانصرف فكشفت عن السراج ونظرت فإذا منديل له قيمة وفيه أنواع من الطعام كاغد فيه خمسمائة درهم فدعوت الزوجة وقلت: أنبهي الصبيان حتى يأكلوا ولما كان من الغد قضينا دينا كان علينا من تلك الدراهم وكان وقت مجيء الحاج من خراسان فجلست على بابي من غد تلك الليلة فإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وهو يسأل عن منزل الحربي فانتهى إلي فقلت: أنا إبراهيم فحط الحملين وقال هذان الحملان أنفذهما لك رجل من خراسان فقلت: من هو فقال: قد استحلفني أن لا أقول من هو.
وقال أبو عثمان الرازي جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد يسأله عن أمير المؤمنين أن يفرق ذلك فرده فانصرف الرسول ثم عاد فقال: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك فقال: عافاك الله هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته قل لأمير المؤمنين إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك.(1/77)
وقال أبو القاسم بن الختلي اعتل إبراهيم الحربي علة أشرف فيها على الموت فدخلت عليه يوماً فقال: لي يا أبا القاسم أنا في أمر عظيم مع ابنتي ثم قال: لها قومي أخرجي إلى عمك فخرجت فألقت على وجهها خمارها فقال: لها إبراهيم هذا عمك كلميه فقالت لي نحن في أمر عظيم لا في الدنيا ولا في الآخرة الشهر والدهر مالنا طعام إلا كسرا يابسة وملحا وربما عدمنا الملح وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار فلم يأخذها ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئاً وهو عليل فالتفت الحربي إليها وتبسم وقال يا بنية إنما خفت الفقر قالت نعم قال: لها أنظري إلى تلك الزاوية فنظرت فإذا كتب فقال: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبته بخطي إذا مت فوجهي في كل يوم بجزء تبيعينه بدرهم فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم ليس هو فقير.
وأنبأنا الحسن بن على الجوهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي يقول سمعت ثعلبا يقول ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة.
وقال إبراهيم الحربي ما أخذت على علم قط أجراً ولا مرة واحدة فإني وقفت على باب بقال فوزنت له قيراطا إلا فلسا فسألني عن مسألة فأجبته فقال: للغلام أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئاً فزاداني فلساً.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل كان أبى يقول أمض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقى عليك الفرائض.
ولما مات سعيد بن أحمد بن حنبل جاء إبراهيم الحربي إلى أحمد بن حنبل فقام إليه عبد الله فقال: تقوم إلى فقال: عبد الله لم لا أقوم ولله لو رآك أبى لقام إليك فقال: الحربي والله لو رأى ابن عينية أباك لقام إليه.
وقال محمد بن صالح أتقاضى لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه والزهد.(1/78)
وقال إبراهيم الحربي لجماعة عنده من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال: واحد منهم الغريب من نأى عن وطنه وقال آخر الغريب من فارق أحبابه وقال كل واحد منهم شيئاً فقال: إبراهيم الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه ثم ماتوا وتركوه.
وقال محمد بن خلف وكيع كان ل إبراهيم الحربي ابن وكان له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن ولقنه من الفقه شيئاً كثيراً قال: فمات فجئت أعزيه قال: فقال: لي كنت أشتهي موت أبي هذا قال: قلت: يا أبا إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه قال: نعم رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت وكأن صبيانا بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم وكأن اليوم يوم حار شديد حره فقلت: لأحدهم اسقني من هذا الماء قال: فنظر إلي وقال لست أبي فقلت: إيش أنتم فقال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء قال: فلهذا تمنيت موته.
وقال محمد بن عبد الله الكاتب كنت يوماً عند محمد بن يزيد المبرد فأنشد:
جسمي معي غير أن الروح عندكم
فالجسم في غربة والروح في وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا
لا روح فيه ولي روح بلا بدن
ثم قال: ما أظن قالت الشعراء أحسن من هذا قلت: ولا قول الآخر قال: هيه قلت: الذي يقول:
فارقتكم وحييت بعدكم
ما هكذا كان الذي يجب
فالآن ألقى الناس معتذراً
من أن أعيش وأنتم غيب
قال ولا هذا قلت: ولا قول خالد الكاتب:
روحان لي: روح تضمنها جسد
وأخرى حازها بلد
وأظن شاهدتي كغائبتي
بمكانها تجد الذي أجد
قال ولا هذا قلت: أنت إذا هويت الشيء ملت إليه ولم تعدل إلى غيره قال: لا ولكنه الحق فأتيت ثعلباً فأخبرته فقال: ثعلب ألا أنشدته:
غابوا فصار الجسم من بعدهم
ما تنظر العين له فيا
بأي وجه أتلقاهم
إذا رأوني بعدهم حيا
يا خجلتي منهم ومن قولهم(1/79)
ما ضرك الفقد لنا شيئاً
قال فأتيت إبراهيم الحربي فأخبرته فقال: ألا أنشدتهم:
يا حيائي ممن احب إذا
ما قال بعد الفراق: إني حييت
لو صدقت الهوى على الصحة
لما نأى لكنت تموت
قال فرجعت إلى المبرد فقال: أستغفر الله إلا هذين البيتين يعني بيتي إبراهيم الحربي.
وقال إبراهيم الحربي ما أنشدت بيتاً من الشعر إلا قرأت بعده "قل هو الله أحد" ثلاث مرات وقال عيسى بن محمد الطوماري دخلت على إبراهيم الحربي وهو مريض وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب وكان يجيء إليه ويعالجه فجاءت الجارية وردت الماء وقالت مات الطبيب فبكى ثم أنشأ يقول:
إذا مات المعالج من سقام
فيوشك للمعالج أن يموت
وقال علي بن الحسن البزار سمعت إبراهيم الحربي يقول وقد دخل عليه قوم يعودونه فقالوا كيف تجدك يا أبا إسحاق قال أجدني كما قال: الشاعر
دب في البلاء سفلا وعلواً
وأراني أذوب عضواً فعضواً
بليت جدتي بطاعة نفسي
فتذكرت طاعة الله نضواً
وذكر أبو عبد الرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن إبراهيم الحربي فقال: كان إماما وكان يقاس ب أحمد بن حنبل في علمه وزهده وورعه.
وحدث عبيد الله بن أبي الفتح عن الدارقطني قال: أبو إسحاق الحربي إمام مصنف عالم بكل شيء بارع في كل علم صدوق مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
وقال إسماعيل الخطمي مات أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمان ومائتين وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي في شارع باب الأنبار وكان الجمع كثيراً جدا وكان يوماً في عقب مطر ووحل ودفن في بيته رحمه الله.
وقال إبراهيم الحربي سئل أحمد عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة أيدعو قائما في الصلاة أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام فقال: لا بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمة قيل له فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن قال: نعم.(1/80)
وقال إبراهيم الحربي وسئل أحمد عن رجل صلى في جماعة أيؤم بتلك الصلاة قال: لا ومن صلى خلفه يعيد قيل له فحديث معاذ قال: فيه اضطراب وإذا ثبت فله معنى دقيق لا يجوز مثله اليوم
وقال إبراهيم أيضاً وسئل أحمد عن رجل حر مات وليس له وارث وله أخ مملوك تحته زوجة حرة فقال: يؤمر المملوك بأن يمسك عن وطء زوجته حتى يعلم هل بها حمل أم لا فإن بان بها حمل فهو يرث عمه الحر وإن لم يكن بها حمل كان ميراثه لبيت المال قيل له إلى كم يمسك عن وطئها قال: حتى تحيض ويتبين أنه ليس عندها حمل.
وقال إبراهيم الحربي أيضاً التابعون كلهم خير وخيرهم أحمد بن حنبل وهو عندي من أجلهم يقولون من حلف بالطلاق أن لا يفعل شيئاً ثم فعله ناسيا فكلهم يلزمونه الطلاق.
وقال إبراهيم الحربي كل شيء أقول لكم هذا قول أصحاب الحديث فهو قول أحمد بن حنبل هو ألقى في قلوبنا منذ كنا غلماناً أتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة والإقتداء بالتابعين.
وأنبأنا على البندار عن ابن بطة قال: سمعت شيخنا أبا حفص رحمه الله لا مرة ولا مرات إلا مالا أحصيه يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول يقول الناس أحمد بن حنبل بالتوهم والله ما أعرف لأحد من " لتابعين عليه مزية ولا أعرف أحدا يقدره قدره ولا نعرف من الإسلام محله ولقد صحبته عشرين سنة صيفا وشتاء وحرا وبردا وليلا ونهارا فما لقيته لقاة في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس ولقد كان يقدم أئمة العلماء من كل بلد وإمام كل مصر فهم بجلالتهم ما دام الرجل خارجا عن المسجد فإذا دخل المسجد صار غلاماً متعلماً.
وسئل إبراهيم الحربي كيف سمعت أحمد يقول في القراءة خلف الإمام فقال: إما ألف مرة إن لم أقل فقد سمعته يقول يقرأ فيما خافت وينصب فيما جهر.(1/81)
قلت: ل إبراهيم الحربي فإيش ترى أنت قال: أنا ذاك علمني وعنه أخذت وصحبته وأنا غلام وكل شيء يلقيه إلينا أخذته عنه وتمسك به قلبي فآنا عليه أقر أإذا لم أسمع وإذا جهر استمعت ومن خالفني أهونت به.
وقال إبراهيم الحربي قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدري أين هو.
إبراهيم بن أبان الموصلي عنده عن إمامنا مسائل: منها قال: سمعت أبا عبد الله وجاءه رجل فقال: إني سمعت أبا ثور يقول إن الله خلق آدم على صورة نفسه فأطرق طويلا ثم ضرب بيده على وجهه ثم قال: هذا كلام سوء هذا كلام جهم هذا جهمي لا تقربوه.
إبراهيم بن جابر المروزي ممن جالس إمامنا ونقل عنه فيما ذكره ابن ثابت البغدادي في كتابه الجامع فقال: حدثني أبو القاسم السودرجاني حدثنا علي بن بشارة حدثنا محمد بن عبد الله بن أسيد حدثنا علي بن روحان قال: حدثني إبراهيم بن جابر المروزي قال: كنا نجالس أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله قال: فنذكر الحديث ونحفظه ونتقنه فإذا أردنا أن نكتبه قال: الكتاب أحفظ قال: فيثب وثبة ويجيء بالكتاب.
إبراهيم بن جعفر
نقل عن إمامنا أشياء منها قلت: لأحمد الرجل يبغلني عنه صلاح فأذهب أصلي خلفه قال: لي أحمد انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله.
إبراهيم بن الجنيد الختلي
قال أبو بكر الخلال: عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان.
إبراهيم بن الحكم القصار
نقل عن إمامنا أحمد أشياء. منها قال: سئل أحمد بن محمد بن حنبل عن الإيمان مخلوق أم لا قال: أما ما كان من مسموع فهو غير مخلوق وأما ما كان من عمل الخوارح فهو مخلوق.
إبراهيم بن الحارث بن مصعب بن الوليد بن عبادة بن الصامت
من أهل طرسوس ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان من كبار أصحاب أبي عبد الله روى عنه الأثرم وحرب وجماعة من الشيوخ المتقدمين وكان أحمد يعظمه ويرفع قدره وعنده عن أبي عبد الله أربعة أجزاء مسائل.
منها قال: قيل لأحمد شهادة المرأة الواحدة في الرضاع تجوز قال: نعم.(1/82)
وقال أيضاً وسئل أبو عبد الله عن الهمز في القراءة فقال: الكوفيون أصحاب همز وقريش لا تهمز.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن عبسى بن أبي عزة قال سمعت الشعبي يقول الهمز في القرآن لحن.
إبراهيم بن سعيد الجوهري
صحب إمامنا حكى عنه أشياء منها قال: دخلت على أحمد بن حنبل رحمه الله أسلم عليه فمددت يدي إليه فصافحني فلما أن خرجت قال: ما أحسن أدب هذا الفتى لو انكب علينا كنا نحتاج أن نقوم.
وقال أيضاً يا أبا عبد الله إن الكرابيسي وابن الثلجي قد تكلما فقال: أحمد فيم قلت: في اللفظ فقال: أحمد اللفظ بالقرآن غير مخلوق ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي.
قال وسئل أبو عبد الله عن صدقة الفطر متى تعطى قال: قبل أن يخرج إلى الصلاة قيل له فإن خرج قال: كان ابن عمر يعطي قبل ذلك بيوم أو يومين.
إبراهيم بن سعيد الأطروش
روى عن إمامنا أشياء منها قال: سألت أحمد بن حنبل عن قتل الجهمية فقال: أرى قتل الدعاة منهم.
إبراهيم بن سويد أحد من روى عن إمامنا أحمد أشياء منها ما روى عبد العزيز بن أحمد بن فاذويه الأصبهاني أخبرنا أبو سليمان أخبرنا أبو الشيخ أخبرنا محمد بن سليمان حدثني إبراهيم بن سويد الأرمني ببيروت قال: قلت: لأحمد بن حنبل من الخلفاء قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قلت: فمعاوية قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمن علي من علي رضي الله عنه ورحم الله معاوية.
إبراهيم بن شداد
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبي قال: قال إبراهيم بن شداد صاحب أحمد بن حنبل القرآن كلام الله غير مخلوق.
إبراهيم بن زياد
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: قال أحمد من كذب بالرواية فهو زنديق.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة أبو شيبة الكوفي
عنده عن إمامنا مسائل ذكره أبو بكر الخلال ومات بالكوفة سنة خمسة وستين ومائتين فيما نقلته أنا من تاريخ ابن المنادى.
إبراهيم بن عبد الله بن مهران الدينوري(1/83)
نقل عن إمامنا أشياء. منها في لعاب الحمار والبغل إن كان كثيراً لا يعجبني قال: وسئل أبو عبد الله عن صدقة الفطر متى تعطى قال: قبل أن يخرج إلى الصلاة قال: قيل له فإن خرج قال: كان ابن عمر يعطي قبل ذلك بيوم أو يومين.
إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الرقائقي أبو إسحاق الختلي
صاحب كتاب الزهد والرقائق بغدادي سكن سر من رأى وحدث بها عن أبي سلمة التبوذكي وسليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق ويحيى بن بكر ويوسف ابن عدي وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه.
وذكره أبو الحسين بن المنادي في جملة من روى عن أحمد روى عنه أبو العباس بن مسروق الطوسي ومحمد بن القاسم ومحمد بن هارون العسكري و أحمد بن إسماعيل الأدمي وكان ثقة.
إبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني
نقل عن إمامنا أشياء. منها قال: سمعت أحمد يقول أستحب للإمام أن يقرأ أول ليلة من شهر رمضان في عشاء الآخرة "اقرأ باسم ربك الذي خلق" لأنها أول سورة نزلت من القرآن وذكره أبو محمد الخلال من جملة الأصحاب.
إبراهيم بن محمد بن الحسن
نقل إمامنا أشياء. منها ما حدثنا أحمد بن عبيد الله أخبرنا أبو على إسماعيل بن أحمد البيهقي حدثنا أبي حدثنا علي بن أبي بكر قال: أخبرني أبو نعيم حدثنا الحسين بن محمد حدثنا أبو الأسود عبد الرحمن بن الفيض قال: سمعت إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حضرت أحمد بن حنبل وقد أدخل على الخليفة وعنده ابن أبي دؤاد وأبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز الشافعي فأجلس بين يدي الخليفة فقال: لأبي عبد الرحمن أي شيء تحفظ عن الشافعي في المسح قال: ابن أبي دؤاد أنظروا رجلاً هو ذا يقدم لضرب العنق يناظر في الفقه هذا أبو عبد الرحمن كان يأخذ عن الشافعي من القديم ثم تغير وذهب إلى الاعتزال.
إبراهيم بن موسى بن آزر(1/84)
نقل عن إمامنا أشياء. منها أنبأنا المبارك عن أبي محمد الخلال حدثنا عبد الله بن عقمان الصفار حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه قال: حدثني أبي قال: حضرت أحمد ابن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية فأعرض عنه فقيل له يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه وقال اقرأ: "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت" الآية.
إبراهيم بن نصر الحذاء الكندي
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد
إبراهيم بن هانىء أبو إسحاق النيسابوري نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وكان ورعاً صالحا صبورا على الفقر قال: ابنه إسحاق كان أحمد بن حنبل مختفيا ههنا عندنا في الدار فقال: لي ليس أطيق ما يطيق أبوك يعني من العبادة وكان أحمد قد اختفى عنده في أيام الواثق ثلاثة أيام ثم رجع إلى منزله وكان أحمد يقول إن كان في البلد رجل من الأبدال فأبو إسحاق النيسابوري وقال الفتح بن شخرف قال: لي إبراهيم بن هانى النيسابوري اختفى عندي أحمد بن حنبل ثلاث ليال ثم قال: اطلب لي موضعا حتى أدور قلت: لا آمن عليك يا أبا عبد الله فقال: لي النبي صلى الله عليه وسلم اختفى في الغار ثلاثة أيام ثم دار وليس ينبغي أن نتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخاء ونتركها في الشدة قال: الفتح فحدثت به صالحا وعبد الله فقالا لم نسمع هذه الحكاية إلا منك وحدثت بها إسحاق بن إبراهيم بن هانىء فقال: ما حدثني أبي بها.
أخبرنا سعود اليوسفي أخبرنا أبو محمد الخلال حدثنا أبو عمر بن حيوية حدثنا أبو ذر الباغندي حدثنا إبراهيم بن هانىء قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب الله عز وجل في ثلاث وثلاثين موضعا قال: أحمد قال: الله عز وجل "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة".(1/85)
ومات في يوم الأربعاء لأربع خلون من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومائتين ولما حضرته الوفاة جعل يقول لابنه يا إسحاق ارفع الستر مرتين قال: يا أبت الستر مرفوع قال: أنا عطشان فجاء ابنه بماء فقال: غابت الشمس قال: لا فرده ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون ثم خرجت روحه.
حدث عن أبي عبيد الله العيشي ويعلى ومحمد ابني عبيد وغيرهم.
إبراهيم بن هاشم بن الحسين بن هاشم أبو إسحاق البيع المعروف بالبغوي
سمع أمية بن بسطام و إبراهيم بن الحجاج الشامي وأبا الربيع الزهراني وعلي بن الجعد وإمامنا أحمد في آخرين روى عند أبو بكر النجاد وعبد الباقي ابن قانع وجعفر الخلدي وإسماعيل بن علي الخطبي.
قال الخطبي: حدثنا إبراهيم بن هاشم حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حاتم بن ميمون عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة كتب الله له ألفا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين.
قال الخطبي ومات يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين.
قال إبراهيم بن هاشم البغوي سئل أحمد وأنا اسمع عن الصلاة في الثعالب يعني في جلودها فقال: لا يعجبني ولا في شيء من جلود السباع.
إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجورجاني
ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل جدا كان أحمد يكاتبه ويكرمه إكراما شديدا وقد حدثنا عنه الشيوخ المتقدمون.
وعنده عن أبي عبد الله جزءان مسائل.
وسمعت أبا زرعة الصغير يحكي عن إبراهيم بن يعقوب قال: كان أحمد بن حنبل يصلي بعبد الرزاق فسها يوماً في صلاته فسأله عبد الرزاق فأخبره أنه لم يطعم شيئاً منذ ثلاث
باب ذكر من اسمه إسماعيل
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم أبو بشر الأسدي مولاهم ويعرف بابن علية(1/86)
من أهل البصرة وأصله كوفي سمع من أبي التياح الضبعي حديثاً واحداً وروى الكثير عن عبد العزيز بن صهيب وأيوب السختياني وابن عون وسليمان التيمي وداود بن أبي هند وحميد الطويل وذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
قلت: أنا: وقد سمع منه إمامنا أحمد وابن جريج وشعبة وحماد بن زيد وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم.
وولى ابن عليه المظالم ببغداد في أيام هارون الرشيد وحدث بها إلى أن توفي وولى صدقات البصرة.
مولده سنة عشر ومائة وكان يقول من قال: ابن علية فقد اغتابني وقيل إن عليه أمه وقيل جدته أم أمه.
وقال زياد بن أيوب ما رأيت لابن عليه كتابا قط وكان يقال ابن عليه يعد الحروف وقال عبد الرحمن بن مهدي ابن عليه أثبت من هشيم.
وقال إمامنا أحمد كان حماد بن زيد لا يعبأ إذا خالفه الثقفي ووهيب وكان يهاب أو يتهيب إسماعيل بن عليه إذا خالفه.
وقال يحيى بن معين ابن علية كان ثقة مأمونا صدوقاً مسلما ورعاً تقياً.
وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول فاتني مالك فأخلف الله على سفيان بن عيينة وفاتني حماد بن زيد فأخلف الله على إسماعيل بن علية.
وقيل إنه لم يضحك منذ عشرين سنة.(1/87)
وقال علي بن المديني: بت عند إسماعيل بن عليه ليلة وكان يقرأ ثلث القرآن وما رأيته ضحك قط وكان عبد الله بن المبارك يتجر في البز ويقول لولا خمسة ما تجرت سفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ومحمد بن السماك وابن عليه وكان يخرج يتجر إلى خراسان فكلما ربح من شيء أخذ القوت للعيال ونفقة الحج والباقي يصل به إخوانه الخمسة فقدم سنة فقيل له قد ولي ابن عليه القضاء فلم يأته ولم يصله بالصرة التي كان يصله بها في كل سنة فبلغ ابن علية أن ابن المبارك قد قدم فركب إليه وتنكس على رأسه فلم يرفع به عبد الله بن المبارك رأسا ولم يكلمه فانصرف فلما كان من غد كتب إليه رقعة بسم الله الرحمن الرحيم أسعدك الله بطاعته وتولاك بحفظه وحاطك بحياطته قد كنت منتظرا لبركة صلتك أتبرك بها وجئتك أمس فلم تكلمني ورأيتك واجدا علي فأي شيء رأيت مني حتى أعتذر إليك منه.
فلما وردت الرقعة على عبد الله بن المبارك دعا بالدواة والقرطاس وقال يأبي هذا الرجل إلا أن نقشر له العصا ثم كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم
يا جاعل الدين له بازيا
يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها
بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بها بعدما
كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها
عن ابن عون وابن سيرين?
أين رواياتك في سردها
لترك أبواب السلاطين?
إن قلت: أكرهت فذا باطل
زل حمار العلم في الطين
فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات قام من مجلس القضاء فوطىء بساط هارون وقال يا أمير المؤمنين الله الله أرحم شيبتي فإن لا أصبر للخطأ.
فقال له هارون: لعل هذا المجنون أغرى بقلبك فقال: الله الله أنقذني أنقذك الله فأعفاه من القضاء فلما اتصل بعبد الله بن المبارك ذلك وجه إليه بالصرة.
وقيل لما ولي ابن عليه صدقات البصرة كتب عبد الله بن المبارك إليه هذه الأبيات فجعل ابن علية يقرأها ويبكي.(1/88)
وقال حماد بن سلمة ما كنا نشبه شمائل ابن علية إلا بشمائل يونس بن عبيد حتى دخل فيما دخل فيه وقال عفان مرة أخرى حتى أحدث.
قال عفان وكان ابن علية وهو شاب من العباد بالبصرة.
وقال إبراهيم الحربي وسأله أبو يعقوب فقال: دخل ابن علية على محمد هارون فقال: له يا ابن كذا وكذا أي شتمه إيش قلت: فقال: أنا تائب إلى الله لم أعلم أخطأت فقال: إنما كان حدث بهذا الحديث تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقتان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما قال: فقيل لابن عليه ألهما لسان قال: نعم فكيف تكلم فقيل إنه يقول القرآن مخلوق وإنما غلط.(1/89)
وقال الفضل بن زياد سالت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن وهيب وإسماعيل بن إبراهيم بن علية قلت: أيهما أحب إليك إذا اختلفا فقال: وهيب كان عبد الرحمن بن مهدي يختار وهيبا على إسماعيل قلت: في حفظه قال: في كل شيء ما زال إسماعيل وضيعا من الكلام الذي تكلم به إلى أن مات قلت: أليس قد رجع وتاب على رؤوس الناس فقال: بلى ولكن ما زال مبغضا لأهل الحديث بعد كلامه ذاك إلى أن مات ولقد بلغني أنه أدخل علي محمد بن هارون ثم قال: لي تعرف محمد بن هارون قلت: نعم أعرفه قال: فلما رآه زحف إليه وجعل محمد يقول له يا ابن عم تتكلم في القرآن قال: وجعل إسماعيل يقول جعله الله فداه زلة من عالم جعله الله فداه زلة من عالم ردده أبو عبد الله غير مرة وفخم كلامه كأنه يحكي إسماعيل ثم قال: لي أبو عبد الله لعل الله أن يغفر له بها يعني لمحمد بن هارون ثم ردد الكلام وقال لعل الله أن يغفر له لإنكاره على إسماعيل ثم قال: بعد هو ثبت يعني إسماعيل قلت: يا أبا عبد الله إن عبد الوهاب قال: لا يحب قلبي إسماعيل أبدا لقد رأيته في المنام كأن وجهه اسود فقال: أبو عبد الله عافى الله عبد الوهاب ثم قال: كان معنا رجل من الأنصار يختلف فأدخلني على إسماعيل فلما رآني غضب وقال من أدخل هذا علي فلم يزل مبغضا لأهل الحديث بعد ذاك الكلام لقد لزمته عشر سنين إلا أن أغيب ثم جعل يحرك لسانه كأنه يتلهف ثم قال: وكان لا ينصف في الحديث قلت: كيف كان لا ينصف قال: كان يحدث بالشفاعات ما أحسن الإنصاف في كل شيء.
قلت: أنا وقد روى عن ابن علية في القرآن قول أهل الحق.
أنبأنا الحسن بن علي الجرهري أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا عبد الصمد بن يزيد مردويه قال: سمعت إسماعيل بن عليه يقول القرآن كلام الله غير مخلوق.(1/90)
وأنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا المروذي حدثني أبو بكر بن أبي عون ومحمد بن هشام قالا رأينا إسماعيل بن علية إذا أقيمت الصلاة قال: ههنا أحمد بن حنبل قولوا له يتقدم.
ومات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة ودفن ببغداد.
إسماعيل بن بكر السكري
نقل عن إمامنا أشياء. منها: ما رواه أبو بكر الخلال قال: أخبرنا إسماعيل بن بكر السكري قال: سألت أبا عبد الله عن فأرة وقعت في إناء فيه ماء السكر فقال: يمكن أن تكون وقعت من السقف ويمكن أن تكون من الأرض طفرت وقعت فيه أو يمكن أن تكون أخرجتها من إناء إلى إناء فقال: اذهب إلى البصريين فإنهم أسهل عليك أو أرخص عليك شك إسماعيل.
إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران أبو بكر السراج النيسابوري
مولى ثقيف وهو أخو إبراهيم ومحمد سمع يحيى بن يحيى التميمي وعبد الله بن الجراح القهستاني وعمرو بن زرارة و إسحاق بن راهوية ومحمد بن موسى الجرشي وجبارة بن المغلس وإمامنا أحمد في آخرين.
ولد ببغداد ومات بها وحدث بها وكان له اختصاص بإمامنا أحمد روى عنه أخوه محمد ومحمد بن مخلد وأبو سهل بن زياد القطان وإسماعيل بن على الخطبي وابن قانع وغيرهم وحدث الأزهري عن الدارقطني قال: إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران النيسابوري السراج ثقة.
واختلف في وفاته فقيل سنة ست وثمانين ومائتين وقال ابن قانع مات في جمادى الآولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين.(1/91)
ونقلت: من خط أبي حفص العكبري حدثنا الحسين الزيات حدثنا أبو بكر إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران الثقفي النيسابوري المعروف بالسراج قال: سألت أحمد عن رجل يقول القرآن مخلوق فقال: كافر وسألته عمن يقول لفظي بالقرآن مخلوق قال: جهمي وسألته عن الإيمان قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وسألته عن رجل نسي المضمضة والاستنشاق في الوضوء وصلى قال: يعيد الصلاة والوضوء وسئل وأنا اسمع عن لحم الجزور أيتوضأ منه قال: نعم وسألت أحمد عن الصوم في السفر قال: الإفطار أحب إلي.
إسماعيل بن إسحاق بن الحصين بن بنت معمر بن سليمان أبو محمد الرقي
سكن بغداد وحدث عن عبد الله بن معاوية الجمحي وحكيم بن سيف الرقي وإمامنا وغيرهم.
روى عنه محمد بن العباس بن نجيح ومحمد بن المظفر وغيرهما.
واختلف في موته فقيل سنة خمس وثلاثمائة وقيل سنة ست وثلاثمائة.
إسماعيل بن الحارث ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد
إسماعيل بن سعيد الشالنجي أبو إسحاق ذكره أبو بكر الخلال فقال: عنده مسائل كثيرة ما أحسب أن أحدا من أصحاب أبي عبد الله روى عنه أحسن مما روى هذا ولا أشبع ولا أكثر مسائل منه وكان عالما بالرأي كبير القدر عندهم معروفا ولم أجد هذه المسائل عند أحد رواها عنه إلا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فإنه حدث بها عن إسماعيل بن سعيد وقد سمعت أبا زرعة الصغير يحكي عن إبراهيم بن يعقوب عن إسماعيل عن أبي عبد الله في الرجل يأخذه الشبق في رمضان للجماع فقال: أبو عبد الله يجامع ويكفر ويقضي يوماً مكانه وذلك أنه إذا أخذ الرجل هذا خيف عليه أن ينشق فرجه.(1/92)
وقال إسماعيل الشالنجي سألت أحمد عن إباحة الفروج بشهادة الزور فقال: محرم ذلك قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطعت له من حق أخيه شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار والأهل أكبر من المال وقال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد وقد سئل عمن احتال في إبطال الشفعة فقال: لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق امرىء مسلم.
وقال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن رجل حلف على زوجته أن لا يأوي عندها هذا العيد فقال: إذ عيد الناس أدخل إليها قلت: فإن قال: أيام العيد فقال: على ما يعرفه الناس ويعهدونه بينهم.
وقال الشالنجي قال: أبو عبد الله الذي يجب على الإنسان من تعليم القرآن والعلم مالا بد منه في صلاته وإقامة دينه وأقل ما يجب على الرجل من تعليم القرآن فاتحة الكتاب وسورتان.
وله كتاب ترجمه بالبيان على ترتيب الفقهاء وحدث فيه عن مروان الفزاري وسفيان وجرير وسعيد بن عامر وشبابة ويزيد بن هارون وغيرهم.
إسماعيل بن عبد الله بن ميمون أبو القاسم العجلي
نقل عن إمامنا أشياء. منها ما رواه أبو بكر الخلال عنه أن أحمد قال: في الشغار يفرق بينهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه وقال أرأيت لو تزوج امرأة أبيه أليس قال: الله تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء" وقال فكلما قصد له النبي صلى الله عليه وسلم بنهي فهو له يريد أو قاله فقام مقام الفرض.
إسماعيل بن عبد الله بن ميمون ابن عبد الحميد بن أبي الرجال أبو النصر العجلي
مروزي الأصل وهو ابن أخي نوح بن ميمون المضروب سمع عبيد الله بن موسى العبسي وعبد الرحمن بن قيس الزعفراني وأبا عبد الرحمن القرىء وخلف بن الوليد الجوهري وعبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي وإمامنا ونقل عنه مسائل كثيرة روى عنه محمد بن خلف الدوري ومحمد بن جعفر المطيري وأبو الحسن بن المنادي وغيرهم ومن جملة شعره:
تخبرني الآمال: أني معمر
وأن الذي أخشاه عني مؤخر
فكيف ومر الأربعين قضية(1/93)
علي بحكم قاطع لا يغير
إذا المرء جاز الأربعين فإنه
أسير لأسباب المنايا ومعبر
ومات ليلة الاثنين ودفن يوم الاثنين لثلاث وعشرين خلت من شعبان سنة سبعين ومائتين وقد بلغ أربعا وثمانين سنة ذكره ابن المنادي.
فلنذكر بعض مسائله: قال أبو النصر قلت: لأبي عبد الله يشترى من الزكاة رقبة كاملة قال: نعم قال: سمعت أبا عبد الله يقول في الوتر إذا فات قال: يعيده قبل أن يصلي الغداة قيل له فالوتر كم هو قال: ركعة إذا كان قبلها تطوع قلت: لأبي عبد الله فرجل طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة ثم يظاهر منها أيكون مظاهرا قال: نعم لأن هذه زوجته يرثها وترثه.
إسماعيل بن عمر السجزي ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل مقدم عالم بصير بالحديث والعلم سمع من أبي عبد الله مسائل صالحة حسانا مشبعة لم يجىء بها أحد وأغرب على أصحاب أبي عبد الله سمعتها من مكي بن عبدان الكرماني بكرمان عن إسماعيل بن عمر هذا.
إسماعيل بن العلاء
نقل عن إمامنا أشياء. منها ما أنبأنا أبو الحسين بن الأبنوسي قال: أخبرنا الدارقطني حدثنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف السايح قال: حدثني عمي محمد بن إسماعيل بن العلاء قال: حدثني أبي قال: دعاني الكلوذاني رزق الله بن موسى فقدم إلينا طعاما كثيراً وكان في القوم أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة وجماعة فقدم لوزينج أنفق عليها ثمانين درهما فقال: أبو خيثمة هذا إسراف قال: فقال: أحمد لا لو أن الدنيا جمعت حتى تكون في مقدار لقمة ثم أخذها امرؤ مسلم فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفا قال: فقال: يحيى صدقت يا أبا عبد الله.
إسماعيل بن أخت ابن المبارك
جالس إمامنا وسأله فيما أنبأنا على عن ابن بطة حدثنا أبو بكر الآجري حدثنا المروذي قال: سمعت إسماعيل بن أخت ابن المبارك يكلمه في الدخول على الخليفة فقال: له أبو عبد الله قد قال: خالك يعني ابن المبارك لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم فأنا أخاف أن لا أصدقهم.(1/94)
إسماعيل بن قتيبة
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: دخلت على أحمد بن حنبل وقد قدم أحمد بن حرب من مكة فقال لي أحمد من هذا الخراساني الذي قدم قلت: من زهده كذا وكذا ومن ورعه كذا وكذا فقال: لا ينبغي لمن يدعي ما يدعيه أن يدخل نفسه في الفتيا.
إسماعيل بن يوسف أبو علي المعروف بالديلمي
كان أحد العباد الورعين والزهاد المتقللين مع بصره بالحديث وحفظه له وتمهره في علمه جالس إمامنا أحمد ونقل عنه وعمن بعده من الحفاظ وذاكرهم وحدث عن مجاهد بن موسى روى عنه الحسن بن عبد الوهاب بن أبي العنبر والعباس بن يوسف الشكلي.
أنبأنا الحسن بن علي الجوهري أخبرنا محمد بن العباس حدثنا أبو الحسين بن المنادي قال: وإسماعيل الديلمي كان من خيار الناس وذكر لي أنه كان يحفظ أربعين ألف حديث وكان يعبر إلى الجانب الشرقي قاصدا محمد بن أشكاب الحافظ فيذاكره بالمسند وكان إسماعيل من أشهر الناس بالزهد والورع والتمسك بالصون وأما مكسبه فكان من المساهرة في الأرحاء.
وقال علي بن الأبزاري لإسماعيل الديلمي تسهر في هذه الرحا بثلث درهم وأي شيء يكفي ثلث درهم فقال: يا بني ما لم يتصل بنا عز التوكل فلا ينبغي أن نستعجل الذل بالسرف.(1/95)
وقال إسماعيل الديلمي كنت في البيت عند أحمد بن حنبل فإذا نحن بداق يدق الباب قال: فخرجت إليه فإذا أنا بفتى عليه أطمار شعر فقلت: ما حاجتك فقال: أريد أحمد بن حنبل قال: فدخلت إليه فقلت: يا أبا عبد الله بالباب شاب عليه أطمار شعر يطلبك قال: فخرج إليه فسلم عليه فقال: له يا أبا عبد الله أخبرني ما الزهد في الدنيا فقال: له أحمد حدثنا سفيان عن الزهري أن الزهد في الدنيا قصر الأمل فقال: له يا أبا عبد الله صفه لي قال: وكان الفتى قائما في الشمس والفيء بين يديه فقال: هو أن لا تبلغ من الشمس إلى الفيء قال: ثم ذهب ليولي قال: فقال: له أحمد قف قال: فدخل فأخرج له صرة فدفعها إليه فقال: يا أبا عبد الله من لا يبلغ من الشمس إلى الفيء إيش يعمل بهذه ثم تركه وولى.
وقال كردان قال: لي إسماعيل الديلمي اشتهيت حلواء وأبلغت شهوته إلي فخرجت من المسجد بالليل لأبول فإذا جنبتي الطريق إخاوين حلواء فنوديت يا إسماعيل هذا الذي اشتهيت وإن تركته خير لك فتركته.
وقبر إسماعيل وراء قبر معروف بينهما قبور يسيرة وهو بينه وبين المسجد المعروف بمسجد الخضر وقد زرته مراراً.
وقد قيل إنه كان يذاكر بتسعين ألف حديث وحدث الأزهري عن الدارقطني قال: إسماعيل الديلمي بغدادي زاهد ورع فاضل ثقة.
ذكر من اسمه إسحاق
إسحاق بن إبراهيم بن هانىء النيسابوري أبو يعقوب:
ولد أول يوم من شهر رمضان سنة ثمان عشرة ومائتين وخدم إمامنا هو ابن تسع سنين وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أخا دين ورع نقل وعن أحمد مسائل كثيرة ستة أجزاء.
من جملتها ما أخبرنا به بركة قال: أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز حدثنا جعفر بن محمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الذي يشتم معاوية نصلي خلفه قال: لا ولا كرامة.
ومات ببغداد سنة خمس وسبعين ومائتين ذكره أبو الحسين بن المنادي.(1/96)
وقال إسحاق سمعت أبا عبد الله وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم السلام "عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" الاستثناء ههنا على أي شيء وقع قال: على البقاع لا يدري أيدفن في الموضع الذي سلم عليهم فيه أم في غيره ذكرها في الشافي من كتاب الخلال.
وقال إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول أخزى الله الكرابيسي لا يجالس ولا يكلم ولا تكتب كتبه ولا يجالس من يجالسه.
وقال إسحاق مات أبو عبد الله وما خلف إلا ست قطع أو سبعا كانت في خرقة كان يمسح بها وجهه قدر دانقين.
ومن كتاب الأدب للخلال أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق بن إبراهيم حدثهم قال: سمعت أبا عبد الله يقول يروى عن ابن سابط أنه قال: أن البهايم جبلت على كل شيء إلا على أربع على أنها تعرف ربها وتخاف الموت وتعرف الذكر والأنثى وتطلب رزقها.
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبو يعقوب المعروف بابن راهوية
قيل لإسحاق بن إبراهيم من أكبر أنت أو أحمد بن حنبل قال: هو أكبر مني في السن وغيره جالس إمامنا وروى عنه أشياء منها قال: رأيت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يصلي فقال: بيده هكذا شير بإصبعيه فلما سلم قلت: يا أبا عبد الله ما قلت: في صلاتك قال: كنت على طهارة فجاء إبليس فقال: إنك على غير طهارة فقلت: شاهدين عدلين.
مولده سنة ست وستين ومائة وموته سنة ثلاث وأربعين ومائتين بنيسابوري.
وقال إسحاق بن راهوية دخلت على عبد الله بن طاهر فقال: لي ما رأيت أعجب من هؤلاء المرجئة يقول أحدهم إيماني كإيمان جبريل والله ما أستجيز أن أقول إيماني كإيمان يحيى بن يحيى ولا كإيمان أحمد بن حنبل.
إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب المعروف بالبغوي(1/97)
قرابة أحمد بن منيع يلقب لؤلؤاً: سمع إسماعيل بن علية ومحمد بن ربيعة الكلابي ووكيع بن الجراج وأبا قطن القطيعي وإسحاق الأزرق وداود بن عبد الحميد المعني وحسين ابن محمد المروذي ونقل عن إمامنا أشياء وسأله عن مسائل روى عنه قاسم بن زكريا المطرز وعبد الله بن محمد بن ياسين وإسماعيل الوراق وجعفر الصيدلي ومحمد بن مخلد الدوري.
وقال بن أبي حاتم سمعت منه ببغداد وهو صدوق ثقة وقال حمزة بن يوسف سألت الدارقطني عن إسحاق بن إبراهيم يعرف بلؤلؤ فقال: ثقة مأمون وقال محمد بن مخلد مات إسحاق بن إبراهيم لؤلؤاً في شعبان سنة تسع وخمسين يعني ومائتين.
وقال أبو بكر الخلال حدثنا عبد الرحيم بن محمد المخرمي قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم لؤلؤا يقول رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله أليس قد مت قال: بلى قلت: فما فعل الله بك قال: غفر لي لكل من صلى علي قلت: يا أبا عبد الله فقد كان فيهم أصحاب بدع قال: أولئك أجروا.
وروى الخلال بإسناده عن ابن عباس قال: أول ما يجازى به العبد المؤمن بعد موته أن يغفر لجميع من تبع جنازته.
أنبأنا الوالد السعيد عن يوسف القواس حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين قال: سمعت أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم لؤلؤاً يقول مررت في الطريق فإذا بشر المريسي والناس عليه مجتمعون فمر يهودي فأنا سمعته يقول لا يفسد عليكم كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة يعني أن أباه كان يهودياً.
إسحاق بن إبراهيم الفارسي
نقل عن إمامنا أشياء.
إسحاق بن إبراهيم الجبلي
نقل عن إمامنا أشياء.
إسحاق بن بنان
نقل عن إمامنا أشياء: منها ما نقلته من خط أبي حفص البرمكي أخبرنا علي بن عبد الله بن العباس الجوهري حدثنا إسحاق بن بيان قال: قال أحمد سمعته يقول يعني بشرا قال: إبراهيم بن أدهم ما صدق الله عبدا أحب الشهرة.
إسحاق بن بهلول الأنباري له الإسناد الحسن.(1/98)
خرج أجزاء فعرضها على أحمد وكانت مسائل جياداً يعرض على أحمد الأقاويل ويجيبه أحمد على مذهبه.
فمنها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول يصام عن الميت في النذر فأما الفريضة فالكفارة.
وكان إسحاق بن بهلول قد سمى كتابه كتاب الاختلاف فقال: له أحمد سمه كتاب السعة.
إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو يعقوب الشيباني.
وهو عم إمامنا أحمد سمع يزيد بن هارون والحسين بن محمد المروذي روى عنه ابنه حنبل ومحمد بن يوسف الجوهري وكان ثقة.
قال حنبل ومات أبي إسحاق بن حنبل سنة ثلاث وخمسين ومائتين وهو ابن أربع وتسعين ولد سنة إحدى وستين ومائة وكان بينه وبين أبي عبد الله أقل من ثلاث سنين هذا في أول السنة وهذا في آخرها وكانا يخضبان بالحناء.
قلت: أنا ينبغي أن يكون إسحاق مات وله اثنتان وتسعون سنة وكان ملازما في أكثر أوقاته مجلس أحمد ونقل عنه أشياء كثيرة.
منها ما نقلته من الثالث عشر من السنة للخلال قال: حنبل سمعت أبي يسأل أبا عبد الله عن كلام الكرابيسي وما أحدث فقال: أبو عبد الله لأبي هذا كلام الجهمية صاحب هذه المقالة يدعو إلى كلام جهم إذا قال: إن لفظه بالقرآن مخلوق فأي شيء بقي.
وأنبأنا علي عن ابن بطة حدثنا أبو بكر الآجري حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله وقال له عمه لو دخلت إلى الخليفة فإنك تكرم عليه قال: إنما غمي من كرامتي عليه.
وبه قال: المروذي سمعت إسحاق بن حنبل ونحن بالعسكر يناشد أبا عبد الله ويسأله الدخول على الخليفة ليأمره وينهاه وقال له إنه يقبل منك هذا إسحاق بن راهويه يدخل على ابن طاهر فيأمره وينهاه فقال: له أبو عبد الله تحتج علي بإسحاق فأنا غير راض بفعاله ماله في رؤيتي خير ولا لي في رؤيته خير وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول يجب علي إذا رأيته يعني الخليفة أن آمره وأنهاه.
إسحاق بن الجراح الأذني جليل القدر حدث عن يزيد بن هارون وأشكاله وذكره أبو بكر الخلال فقال: نقل عن أحمد أشياء كثيرة.(1/99)
قلت: أنا منها ما نقلته من السير للخلال قال: كنا عند أحمد فجاءه رجلان عليهما أقبية أظن أنهما جند فسألاه عن مسألة فلم يجبهما.
إسحاق بن الحسن بن ميمون بن سعد أبو يعقوب العربي سمع عفان بن مسلم وهوذة بن خليفة و أحمد بن إسحاق الحضرمي وحرمي بن حفص والقعنبي والفضل بن دكين في آخرين روى عنه أبو بكر النجاد ومحمد بن مخلد وابن قانع وأبو علي بن الصواف وغيرهم وسئل عنه إبراهيم الحربي فقال: ثقة لو أن الكذب حلال ما كذب إسحاق وسئل إبراهيم الحربي عن إسحاق الحربي هل سمع من حسين المروذي فقال: هو أكبر مني بثلاث سنين وأنا قد لقيت حسيناً لا يلقاه هو.
وذكره عبد الله بن أحمد فقال: ثقة وذكره أبو بكر الخلال فقال: نقل عن إمامنا مسائل حساناً.
أخبرنا بركة الدلال أخبرنا إبراهيم بن عبد العزيز حدثنا العباس بن المغيرة قال: سمعت إسحاق الحربي يقول سمعت أبا عبد الله وذكر عنده مسير عائشة رضي الله عنها فقال: فكرت في طلحة والزبير إنهما كانا يريدان أعدل من علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين.
وقال إسحاق الحربي سمعت أبا عبد الله يقول من أراد الحديث خدمه قلت: لأبي عبد الله كم يقنع الرجل أن يكتب من الحديث قال: لي يا إسحاق خدمة الحديث أصعب من طلبه قلت: ما خدمته قال: النظر فيه.
ومات في شوال سنة أربع وثمانين ومائتين وسئل الدارقطني عنه فقال: ثقة.
إسحاق بن حية الأعمش أبو يعقوب: ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد أنبأنا المبارك عن الحسن بن محمد الحافظ أخبرنا أبو عمر بن حيويه إجازة قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد الزهري حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن حية الأعمش قال: سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الوساوس والخطرات فقال: ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون.(1/100)
قال وسمعت أبا يعقوب الأعمش أيضاً يقول سئل أحمد عن الزكاة تخرج من بلد إلى بلد قال: لا قال: وقال لنا أبو يعقوب سمعت أحمد بن حنبل يقول يكفي لكل عضو غرفة من ماء لمن يحسن يتوضأ.
إسحاق بن حسان الكوفي نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: ماتت أهلي وتركت ولدا فكتبت إلى أحمد بن حنبل أشاوره في التزوج فكتب إلي تزوج ببكر واحرص على أن لا يكون لها أم.
إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي:
ولد بمرو ودخل إلى العراق والحجاز والشام فسمع سفيان بن عيينة ويحيى ابن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأبا أسامة والنضر بن شميل وأبا اليمان الحكم بن نافع وورد بغداد وحدث بها فروى عنه من أهلها إبراهيم بن إسحاق الحربي وعبد الله بن أحمد بن حنبل واستوطن نيسابور وبها كانت وفاته روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو زرعة وأبو عيسى الترمذي وعبد الله بن أبي داود ومحمد بن خزيمة.
وكان إسحاق عالما فقيها وهو الذي دون عن إمامنا المسائل في الفقه.
وقال حسان بن محمد سمعت مشايخنا يذكرون أن إسحاق بن منصور بلغه أن أحمد بن حنبل رجع عن تلك المسائل التي علقها عنه قال: فجمع إسحاق بن منصور تلك المسائل في جراب وحملها على ظهره وخرج راجلا إلى بغداد وهي على ظهره وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها فأقر له بها ثانيا وأعجب أحمد بذلك من شأنه.
وسئل مسلم بن الحجاج عن إسحاق بن منصور الكوسج فقال: ثقة مأمون وقال أبو عبد الرحمن النسائي إسحاق بن منصور الكوسج مروذي ثقة.(1/101)
أخبرنا عبد السلام الأنصاري قراءة قال: أخبرنا محمد بن أبي الفوارس قال: أخبرني أحمد السرخسي قال: أخبرني محمد بن جعفر الفربري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها".
وأنبأنا رزق الله عن أبي الفتح بن أبي الفوارس قال: أبو بكر بن مسلم حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال: قلت: لأحمد فسر لي المرجئة قال: المرجئة الذي يقول الإيمان قول.
قلت: لأحمد: إذا نوى الصوم بالنهار وأن يصوم غدا من قضاء شهر رمضان ثم لم ينوه من الليل قال: قد تقدمت منه النية لا باس به إلا أن يكون قد فسخ النية بعد ذلك.
قال وسألت أحمد عن الرجل يعرض عليه الإسلام عند الموت يقر ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أيرثه وارثه المسلم قال: نعم ومن يقول غير هذا هؤلاء في مذهبهم لا ينبغي أن يكون هكذا ولكن العجب أن لا يوافقوا قلت: لأحمد من يقول القرآن مخلوق قال: ألحق به كل بلية قال: قلت: كفر قال: إي والله.
قلت: لأحمد: الرجل يأتي أهله وليس له شهوة النساء أيؤجر على ذلك قال: إي والله يحتسب الولد قلت: إن لم يرد الولد إلا أنه يقول هذه امرأة شابة قال: لم لا يؤجر? ونقلت: من الثاني من الأدب تأليف أبي بكر الخلال حدثنا عبد الله بن العباس حدثنا إسحاق بن منصور قال: قلت: لأحمد يكره للمرأة أن تستلقي على قفاها قال: أي والله يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كرهه.
وقال إسحاق بن منصور رأيت أحمد محلول الإزار.(1/102)
وقال إسحاق بن منصور قال: إسحاق بن راهويه وأما قبض أرواح السباع والبهائم وسائر الدواب فإن بقية أخبرنا في حديث عن ابن عباس أنه سئل عن أرواح البهائم من يقبضها فقال: ملك الموت وقد ذكر في حديث آخر "أنها أنفاس تخرج" وكل قد جاء.
ومات يوم الخميس ودفن يوم الجمعة لعشر بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائتين بنيسابور ودفن إلى جنب إسحاق بن راهوية ومحمد بن رافع وصلى عليه محمد بن طاهر.
مفاريد
حرف الألف
إدريس بن جعفر بن يزيد بن خالد بن أبان بن شيرويه أبو محمد العطار
حدث عن أبي بدر شجاع بن الوليد ويزيد بن هارون وروح بن عبادة وعبد العزير بن أبان ونقل عن إمامنا أشياء.
روى عنه أبو عمرو بن السماك والطبراني وإسماعيل الخطبي وقال سألته عن سنه فقال: مائة وست سنين.
وقال إدريس العطار كنت على باب عفان و أحمد بن حنبل قاعد وابن سجادة أبو بكر فقال: له أحمد بن حنبل إيش أنتم من الناس لا إلى الحديث تذهبون ولا إلى القياس ولا إلى استحسان ما أدري إيش أنتم قال: فقال: له ابن سجادة فنحن إذن تاركية يا أبا عبد الله.
إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرىء
صاحب خلف بن هشام سمع خلفا وعاصم بن علي وداود بن عمر الضبي ومصعب بن عبد الله الزبيري وأبا الربيع الزهراني وإمامنا أحمد ويحيى بن معين في آخرين روى عنه أبو بكر بن الأنباري وأبو الحسين بن المنادي وأبو بكر النجاد وأبو علي الصواف وإسماعيل الخطبي ومحمد بن الحسين بن مقسم واللفظ له قال: كنت عند أبي العباس أحمد بن يحيى إذ جاء إدريس الحداد فأكرمه وحادثه ساعة وكان إدريس قد أسن فقام من مجلسه وهو يتساند فلحظه أبو العباس بعينه وأنشأ يقول
أرى بصري في كل يوم وليلة
يكل وطرفي عن مداهن يقصر
ومن يصحب الأيام تسعين حجة
يغيرنه والدهر لا يتغير
لعمري لئن أصبحت أمشي مقيداً
لما كنت أمشي مطلق القيد أكثر(1/103)
وقال أبو الحسين بن المنادي حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقرىء حدثنا حمد بن محمد بن حنبل حدثنا جرير بن عبد الحميد عن المغيرة الضبي قال: كان لعمر بن عبد العزيز سمار فكان إذا أراد أن يقوم قال: إذا شئتم.
أخبرنا القاضي أبو الحسين السمناني قال: أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا إدريس بن عبد الكريم حدثنا خلف بن هشام حدثنا المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: "لا" وقال حمزة بن يوسف سألت الدارقطني عن إدريس بن عبد الكريم الحداد فقال: ثقة وفوق الثقة بدرجة.
وقال أبو الحسين بن المنادي ومات بالجانب الغربي من مدينتنا أبو الحسن إدريس يوم الأضحى وهو يوم السبت سنة اثنتين وتسعين ومائتين وكتب الناس عنه لثقته وصلاحه وذكر الدارقطني أنه ولد سنة تسع وتسعين ومائة.
أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري أبو سليمان
وهو أخو يحيى بن إسحاق انتقل إلى الرملة فسكنها وحدث بها وبمصر عن محمد بن عبد الله الأنصاري وخالد بن محمد القطواني وموسى بن داود الضبي ومعاوية بن عمر وأبي حذيفة موسى بن مسعود وعبد الله بن رجاء وزكريا بن عدي وذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل عظيم القدر لم أسمع أنا منه شيئاً حدثني عنه محمد بن أبي هارون عن أبي عبد الله بمسائل كثيرة صالحة فيها شيء لم يروه عن أبي عبد الله غيره.
قال أيوب بن إسحاق بن سافري سئل أحمد عن التكبير أيام التشريق فقال: أذهب فيه إلى قول علي من غداة يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق خمسة أيام.(1/104)
وقال ابن أبي حاتم أيوب بن إسحاق إمام وقال ابن أبي حاتم أيوب ابن إسحاق بن إبراهيم بن سافري البغدادي كتبنا عنه بالرملة وذكرته لأبي فعرفه وقال كان صدوقاً وذكره أبو سعيد بن يونس فقال: قدم مصر وحدث بها وكان أخبارياً يقال إنه بغدادي ويقال مروذي سكن بغداد وقدم إلى دمشق فأقام بها وكان قدومه إلى مصر من دمشق وكانت في خلقه زعارة وسأله أبو حميد في شيء يكتبه عنه فكتب إليه:
أبا سليمان لا عريت من نعم
ما أصبح الناس في خصب وفي جدب
لا تجعلني كمن بانت إساءته
ليس المسيء كمن لم يأت بالذنب
فابعث إلينا بذاك الجزء ننسخه
كيما نجد لما يبقى من الكتب
وتوفي بدمشق سنة تسع وخمسين ومائتين وقيل توفي يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين.
أخبرنا أحمد بن علي نزيل دمشق قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب بأصبهان أخبرنا أبو بكر بن المقرىء حدثنا سلامة بن محمود القيسي بعسقلان حدثنا أيوب بن إسحاق بن سافري قال: سألت أحمد بن حنبل ويحيى عن أبي معاوية وجرير فقالا أبو معاوية أحب إلينا يعنيان في الأعمش.
أسود بن عامر بن عبد الرحمن المعروف بشاذان
أصله من الشام سمع سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة وحماد بن زيد والحسن بن صالح وشريك بن عبد الله وإسرائيل بن يونس وزائدة بن قدامة وأيوب بن عتبة وعبد الله بن المبارك وأبو بكر بن عياش روى عنه إمامنا وبقية بن الوليد وعلى بن المديني في آخرين وذكر في السابق واللاحق فقال: حدث عن أحمد بن حنبل أسود بن عامر شاذان وبين وفاته ووفاة البغوي مائة وسبع سنين وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول أسود بن عامر ثقة.(1/105)
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو بكر المروذي عبد الصمد بن يحيى قال: سمعت شاذان يقول أرسلت إلى أبي عبد الله أستأذنه في أن أحدث بحديث حماد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت ربي عز وجل" فقال: قل له قد حدث به العلماء حدث به وقال الفضل بن زياد سألت أبا عبد الله قلت: لأسود بن عامر عن أبي بكر بن عياش عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لم تحبس أو ترد الشمس على أحد إلا يوشع ابن نون" قال: نعم هكذا أو نحو هذا ومات أول سنة ثمان ومائتين.
أعين بن زيد الشوبي
أحد أصحاب إمامنا أحمد روى عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية قال: سمعت أعين بن زيد يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول القرآن كلام الله غير مخلوق.
باب حرف الباء
بيان بن أحمد بن خفاف
ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد.
بكر بن محمد النسائي الأصل أبو أحمد
البغدادي المنشأ ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه وعنده مسائل كثيرة سمعها من أبي عبد الله منها قال: سألت أبا عبد الله عن رجل استشهدني على شهادة وهو يبيع بالربا ثم جاءني فقال: تعال اشهد عند السلطان قال: لا تشهد له إذا كانت معاملته بالربا.
وقال بكر بن محمد عن أبيه سألت أحمد عن الرجل يكون في بلد وماله في بلد آخر فكأنه كان أحب إليه أن يؤدي زكاته حيث يكون المال قلت: فإن كان المال بعضه حيث هو وبعضه في مصر آخر قال: يؤدي زكاة كل مال حيث هو قلت: فإن كان غائبا عن مصره وأهله والمال معه قال: إن كان هذا المال يوجهه في تجارة تذهب وتجيء من هذا المصر إلى البلد الذي هو فيه فكأنه سهل فيه أن يعطي الزكاة بعضها في هذا البلد وبعضها في البلد الآخر وأما إذا كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث المال حولا تاما فكأنه لم يعجبه أن يبعث بزكاته إلى بلد آخر.(1/106)
وقال في رواية بكر بن محمد إذا حلف على شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه وقال من احتال بحيلة فهو حانث.
بقي بن مخلد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ
رحل إلى إمامنا أحمد فسمع منه ومن أبي بكر بن أبي شيبة وغيرهما ورجع إلى الأندلس فملأها علما جما وكان ذا خاصة من إمامنا أحمد ومات سنة ست وسبعين ومائتين وقيل بل سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
بديل بن محمد بن أسد
نقل عن إمامنا أشياء.
منها ما ذكره أبو نصر السجزي الحافظ رحمه الله قال: إن أبا العباس أحمد بن علي بن الحسن المقرىء كتب إلي وأدى إلى إجازته القاضي أبو الحسن ابن الصخر الأزدي حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي حدثنا أبو طاهر بن أبي عبيد الله المديني حدثني بديل بن محمد بن أسد قال: دخلت أنا و إبراهيم بن سعيد الجوهري على أحمد بن حنبل رضي الله عنه في اليوم الذي مات فيه أو مات في تلك الليلة التي تستقبل ذلك اليوم قال: فجعل أحمد يقول لنا عليكم بالسنة عليكم بالأثر عليكم بالحديث لا تكتبوا رأي فلان ورأي فلان فسمى أصحاب الرأي ثم قال: له إبراهيم بن سعيد يا أبا عبد الله إن الكرابيسي وابن الثلجي قد تكلما فقال: أحمد فيم تكلموا قال: في اللفظ فقال: أحمد اللفظ بالقرآن غير مخلوق ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي كافر قال: أبو طاهر ثم لقيت إبراهيم بن سعيد ببغداد وما دخلت عليه إلا بعد كد في داره فسألته فقلت: أخبرني بديل بن محمد أنك سألت أحمد بن حنبل عن اللفظ بالقرآن فأخبرني إبراهيم أنه سأل أحمد فقال: اللفظ بالقرآن غير مخلوق ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر ثم دخلت عليه بعد ذلك في زربة فسألته عن هذه اللفظة فأخبرني بها كما أخبرني أول مرة.
بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة بن حبان بن سراقة ابن مرثد بن حميري أبو علي الأسدي البغدادي(1/107)
وكان آباؤه من أهل البيوتات والفضل والرياسات والنبل وأما هو في نفسه فكان ثقة أمينا عاقلا ذكيا سمع من روح بن عبادة حديثا واحدا ومن حفص بن عمر العدني حديثا واحدا وسمع الكثير من هوذة بن خليفة البكراوي والحسن بن موسى الأشيب وخلاد بن يحيى وأبي عبد الرحمن المقرىء وخلف بن الوليد وأبي نعيم الفضل ابن دكين وعلي بن الجعد وغيرهم روى عنه يحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد وإسماعيل الصفار وأبو الحسين بن المنادي وأبو بكر النجاد و أحمد بن كامل وعبد الباقي بن قانع وأبو عمر الزاهد وجعفر الخلدي وإسماعيل الخطبي وأبو بكر الشافعي وأبو علي بن الصواف وأبو بكر الخلال واللفظ له فقال: جليل مشهور قديم السماع عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة وكان أبو عبد الله يكرمه وكتب له إلى الحميدي إلى مكة فكتب عنه المسائل وحديثاً كثيراً.
نقلت: أنا من خط أبي حفص البرمكي حدثنا أبو محمد الخطبي حدثنا أبو علي بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل وسألته عن التزوج فقال: أراه ورأيته يحض عليه وقال إلى رأي من يذهب الذي لا يتزوج وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له تسع نسوة وكانوا يجوعون ورأيته لا يرخص في تركه وسألته عن القنوت في الفجر فقال: أما أنا فما أفعله وسألته عن الرجل يقرأ السجدة فلا يسجدها حتى يقرأ عدة سجدات ثم يسجد لهن جميعاً فكره ذلك ومن جملة شعره قوله:
ضعفت ومن جاز الثمانين يضعف
وينكر منه كل ما كان يعرف
ويمشي رويداً كالأسير مقيداً
تدانى خطاه في الحديد ويرسف
وأنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني قال: بشر بن موسى ثقة نبيل.
وقال الخطبي توفي أبو علي بشر بن موسى الشيخ الخضيب الأسدي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سنة ثمان وثمانين ومائتين وصلى عليه محمد بن هارون بن العباس الهاشمي صاحب الصلاة ودفن في مقبرة باب التبن وكان الجمع كثيراً.(1/108)
قلت: أنا وبلغني أن مولده سنة تسع وتسعين ومائة وقيل بل في أول سنة إحدى وتسعين.
باب التاء
تميم بن محمد الطوسي أبو عبد الرحمن
حدث عن إمامنا بأشياء.
منها ما رواه البرقاني قال: قرأت على أبي العباس بن حمدان حدثكم تميم بن محمد الطوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول عليكم بمصنفات وكيع بن الجراح.
باب الجيم
جعفر بن أحمد بن أبي قايماز
وقيل نيمان الفقيه الأذني ذكره أبو بكر الخلال فقال: حافظ كثير الحديث سمعت منه مسائل وحديثاً وكان ضرير البصر وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل غرائب كلها سمعته منه.
جعفر بن محمد بن معبد المؤدب
سأل إمامنا عن أشياء.
منها ما أنبأنا أبو الحسين عاصم بن الحسين بن علي قال: أخبرنا أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق حدثنا جعفر بن محمد بن معبد المؤدب قال: رأيت أحمد بن حنبل يصلي بعد الجمعة ست ركعات ويفصل في كل ركعتين وسألت أحمد بن حنبل عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ إذا لم يجهر.
جعفر بن أحمد بن شاكر
قال: سمعت أبا عبد الله وسأله رجل ما تقول في رجل حلف على غريم له أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه ما عليه فإن أعطاه به ضمينا أو رهنا هل يخرجه ذلك من يمينه فقال: أبو عبد الله لا يخرجه قيل له ما تقول إن هرب مخاتلة هل يحنث قال: نعم.
جعفر بن محمد بن هاشم أبو الفضل المؤدب
حدث عن عفان بن مسلم نقل عن إمامنا أشياء منها قال: لما مات أبي أرادت والدتي أن تبيع دارا ورثناها فقالت لي يابني امض إلى أحمد بن حنبل وإلى بشر بن الحارث فسلهما عن ذلك فإني لا أحب أن أقطع أمرا دونهما وأعلمهما أن بنا حاجة إلى بيعها قال: فسألتهما عن ذلك فاتفق قولاهما على بيع الأنقاض دون بيع الأرض فرجعت إلى والدتي فأخبرتها بذلك فلم تبعها.
جعفر بن محمد بن أبي عثمان أبو الفضل الطيالسي(1/109)
سمع عفان بن مسلم و إسحاق بن محمد الفروي وسليمان بن حرب ومسلم بن إبراهيم وعارم ابن الفضل وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه يحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد وأبو بكر النجاد وغيرهم وكان ثقة ثبتا صعب الأخذ حسن اللفظ.
فمما روى عن إمامنا قال: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد فذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج "سيماهم التحليق والتسبيت" قال: جعفر قلت: لأحمد ما التسبيب قال: الحلق الشديد يشبه النعال السبتية وقال جعفر الطيالسي سمعت يحيى بن معين وقيل له إن حسينا الكرابيسي يتكلم في أحمد بن حنبل قال: ومن حسين الكرابيسي لعنه الله إنما يتكلم في الناس أشكالهم يبطل حسين ويرتفع أحمد قال: جعفر يبطل يعني ينزل وهو الدردي الذي في أسفل الدن.
ومات ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة النصف من شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان مشهوراً بالإتقان والحفظ والصدق ذكره أبو الحسين بن المنادي.
جعفر بن محمد النسائي الشقراني الشعراني أبو محمد
ذكره أبو محمد الخلال فقال: رفيع القدر ثقة جليل ورع أمار بالمعروف نهاء عن المنكر أخبرت أنه قتل بمكة في شيء من هذا الأمر والنهي وكان أبو عبد الله يكرمه ويقدمه ويأنس به ويعرف له حقه روى عن أبي عبد الله أجزاء صالحة ومسائل كثيرة.
قلت: أنا منها قال: سمعت أحمد سئل عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" قال: إن يقع مرة في ذنب لا يعود فيه.
قال: وسمعت أبا عبد الله سئل عن الخل يعمل من العنب فقال: يصب على العصير خل يحمض.
قال وسألت أبا عبد الله عن دية اليهودي والنصراني فقال: على نصف دية المسلم ستة آلاف ودية المسلم اثنا عشر ألفا وإذا تعمد المسلم قتل الذمي ضوعفت عليه الدية قال: وسألت أبا عبد الله عن دية المجوسي? فقال: ثمانمائة.
جعفر بن محمد بن شاكر أبو محمد الصائغ(1/110)
سمع محمد بن سابق وعفان بن مسلم وإمامنا وكان يحضر مجلسه ويسمع فتاويه وسمع من خلق كثير روى عنه موسى بن هارون ويحيى بن صاعد ومحمد بن خلف ووكيع وأبو الحسين بن المنادي وأبو بكر بن النجاد وغيرهم وكان عابدا زاهدا ثقة صادقا متقنا ضابطا ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل حدث عن يزيد بن هارون روى عن أمامنا مسائل كثيرة.
منها ما أنبأنا علي عن ابن بطة قال: حدثني أبو بكر الآجري قال: سمعت ابن أبي الطيب يقول حدثني جعفر الصائغ أنه كان في جوار أحمد بن حنبل رجل وكان ممن يمارس المعاصي والقاذورات فجاء يوماً إلى مجلس أحمد بن حنبل فسلم عليه فكأن أحمد لم يرده عليه مرداً تاماً وانقبض عنه فقال: له يا أبا عبد الله لم تنقبض عني فأني قد انتقلت: عما كنت تعهد مني برؤيا رأيتها قال: وأي شيء رأيت تقدم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وناس كثير أسفل منه جلوس قال: فيقوم رجل إليه فيقول ادع لي فيدعو له حتى لم يبق من القوم غيري قال: فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت عليه قال: فقال: لي يا فلان لم لا تقوم إلي تسألني أدعو لك قال: قلت: يا رسول الله يقطعني الحياء لقبح ما أنا عليه فقال: إن كان الحياء فقم فسلني أدعو لك فإنك لا تسب أحدا من أصحابي قال: فقمت فدعا لي قال: فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه قال: فقال: لنا أبو عبد الله يا جعفر يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه فإنه ينتفع به.
وقال جعفر بن محمد الصائغ سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول كل شيء من الخير يبادر به.
ومات لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة سنة تسع وسبعين ومائتين ودفن في مقابر باب الكوفة هذا قول ابن المنادي قال: وصلينا عليه في الشارع الكبير وكان من الصالحين أكثر الناس عنه لثقته وصلاحه بلغ تسعين سنة غير أشهر يسيرة.
جعفر بن محمد بن عبد الله بن يزيد بن المنادى(1/111)
سمع عاصم بن علي وإمامنا أحمد وعلي بن بحربن بري وسعيد بن محمد الجرمي ومحمد بن بقية الواسطي وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة ومحمد بن سليمان لوينا ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة روى عنه ابنه أبو الحسين فقال: حدثني أبي وجدي قالا حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو القاسم عن أبي الزناد قال: أخبرني إسحاق بن حازم عن ابن مقسم يعني عبيد الله عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البحر فقال: "هو الطهور ماؤه والحل ميتته" وكان ثقة.
وقال ابنه توفي أبي جعفر بن محمد يوم السبت بين الظهر والعصر ودفن يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين كتب الناس عنه في حياة جدي وبعد ذلك.
جعفر بن محمد بن علي أبو القاسم الوراق ثم المؤدب البلخي
سكن بغداد وحدث بها عن سهل بن عثمان العسكري ومحمد بن حميد الرازي وحضر مجلس إمامنا وسمع منه أشياء روى عنه محمد بن مخلد وعبد الصمد الطستي ومات سنة ثلاث وثمانين ومائتين في شهر رمضان ذكره محمد بن مخلد في تاريخه.
جعفر بن محمد بن هذيل بن بنت أبي شامة أبو عبد الله الكوفي: ذكره أبو بكر الخلال ومدحه وقال عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة منها:
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية يعني الضرير قال: قلت: له يا أبا عبد الله تحدث عن أبي معاوية وهو مرجىء قال: لم يكن داعية.
وقال جعفر سمعت أحمد يقول يكره أن يعلق في القبلة شيئاً يحول بينه وبين القبلة ولم يكره أن يضع في المسجد المصحف ونحوه.
جعفر الأنماطي
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: حضرت أبا عبد الله يوماً وهو يقرأ علينا فجاء رجل إلى رجل معه نسخة فقال: أسمع معك قال: لا وإن سمعت لم أعطك فسمع أحمد كلامه فأطبق الكتاب وطأطأ رأسه وسكت حتى ظن الرجل المانع أنه إنما فعل ذلك لكلامه فقال: له تعال اسمع معي قال: له على أني إن سمعت معك تعطيني قال: نعم أعطيك فلما سمع أحمد قوله فتح الكتاب وقرأ.
جعفر بن محمد بن معبد(1/112)
نقل عن إمامنا أشياء منها قال: رأيت أبا عبد الله مشى في الصلاة أذرعا حتى دنا إلى سترته.
الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخراز ويقال القواريري
وقيل كان أبوه قواريريا وكان هو خرازاً وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد وسمع بها الحديث ولقي العلماء وصحب جماعة من الصالحين واشتهر منهم بصحبة الحارث المحاسبي وسري السقطي ثم اشتغل بالعبادة وأسند الحديث عن الحسن بن عرفة ونقل عن إمامنا أشياء.
منها ما أنبأنا عبد الرحمن بن منده قال: أخبرنا علي بن جهضم بمكة حدثنا محمد بن علي الكرخي حدثنا أبو علي الروذباري قال: سمعت جنيداً يقول جاء رجل إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال: له من هذا قال: ابني فقال: أحمد لا تجىء به معك مرة أخرى فلما قام قيل أيد الله الشيخ رجل مستور وابنه أفضل منه فقال: أحمد الذي قصدنا إليه من هذا ليس يمنع منه سترهما على هذا رأينا أشياخنا وبه خبرونا عن أسلافهم.
وقال جعفر الخلدي قال: الجنيد ذات يوم ما أخرج الله إلى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيباً.
وقال الخلدي: بلغني عن الجنيد أنه كان في سوقه وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة.(1/113)
قال وسمعت الجنيد يقول ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة وقال الجنيد سألني السري السقطي ما الشكر فقلت: أن لا يستعان بنعمه على معاصيه فقال: هو ذاك وقال الجنيد كنت يوماً بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال: لي يا غلام ما الشكر فقلت: أن لا يعصى الله بنعمه فقال: لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال: الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي وقال الجنيد في قوله تعالى "ودرسوا ما فيه" قال: تركوا العمل به وقال الجنيد ما أخذنا التصوف عن القال والقيل ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله وأصله العزوف عن الدنيا كما قال: حارثة عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري.
وقال أبو عمرو بن علوان خرجت يوماً إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يدفن الميت في جملة الناس فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فأحجمت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين ذهبت فذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين مرة فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال: لي ادخل يا أبا عمرو أتذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد? وقال لي أبو محمد الجريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن فقلت: له يا أبا القاسم ارفق بنفسك قال: يا أبا محمد ما رأيت أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي.
وقال الخلدي رأيت الجنيد في النوم فقلت: ما فعل الله بك قال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في الأسحار.(1/114)
وأنبأنا الجوهري أخبرنا محمد بن المنادي قال: مات الجنيد ليلة النيروز ودفن من الغد وكان ذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.
جهم العكبري
صحب أمامنا أحمد وبشراً الحافي.
قال جهم أتيت يوماً أحمد بن حنبل فدخلت عليه وهو متشح قال: فوقع أحد عطفي إزاره عن منكبه فنظرت إلى موضع الضرب فدمعت عيني ففطن أحمد فرد الثوب إلى منكبه قال: ثم صرت إلى بشر بن الحرث فحدثته الحديث فقال: لي ويحك إن أحمد طار بخطامها وعنانها في الإسلام.
باب الحاء
الحسن بن أحمد بن أبي الليث الرازي
نقل عن إمامنا أشياء منها قال: دفعت إلى أحمد بن حنبل رقعة من الحسن بن الصباح فيها مسألة يسأل عنها فقال: كيف تركت أبا علي فقلت: قد أخذته ريح في ظهره وقد أحنته فقال: عافاه الله بقاؤه صالح لهذه الأمة.
قد ذكرناه فيما بعده والصواب البداية به هاهنا.
وقال الحسن بن أحمد بن الليث الرازي سمعت أحمد بن حنبل وذكر له إنسان فقال: بالري رجل يحدث يقال له أبو زرعة يكتب عنه فقال: أحمد مجيباً له كالمنكر عليه أبو زرعة أبو زرعة أستودعه الله حفظه الله أعلا الله كعبه نصره الله على أعدائه مع دعاء كثير دعا له به فذكرت ذلك لأبي زرعة بعد قدومي عليه فقال: ما وقعت بعد في بلية إلا ذكرت هذا الدعاء فيخلصني الله ويسلمني منها وأنجو ببركة دعاء أحمد لي.
الحسن بن إسماعيل بن الربعي
سمع عبد الرحمن الفهري وغيره وروى عن إمامنا أشياء(1/115)
منها ما أنبأنا المبارك قال: أخبرنا عبد العزيز الأزجي حدثنا أبو بكر المفيد حدثنا الحسن بن إسماعيل الربعي قال: قال لي أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والصابر تحت المحنة أجمع تسعون رجلاً من التابعين وأئمة المسلمين وأئمة السلف وفقهاء الأمصار على أن السنة التي توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولها الرضا بقضاء الله عز وجل والتسليم لأمره والصبر على حكمه والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه والإيمان بالقدر خيره وشره وترك المراء والجدال في الدين والمسح على الخفين والجهاد مع كل خليفة بر وفاجر والصلاة على من مات من أهل القبلة والإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والقرآن كلام الله منزل على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم غير مخلوق من حيثما تلي والصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيه من عدل أو جور وأن لا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا وأن لا نكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عملوا الكبائر والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أولاده وأزواجه وأصهاره رضوان الله عليهم أجمعين فهذه السنة الزموها تسلموا أخذها هدى وتركها ضلالة.
وبه قال: الحسن بن إسماعيل قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل وأنا أسمع كم يكفي الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي يكفيه مائة ألف قال: لا قيل مائتا ألف قال: لاقيل ثلاثمائة ألف قال: لا قيل أربعمائة ألف قال: لا قيل خمسمائة ألف قال: أرجو.
الحسن بن أيوب البغدادي(1/116)
روى عن إمامنا أشياء قال: قلت: لأحمد الرجل يتصدق على الرجل أو يهب له شيئاً من داره أو جزأين من أرض أو حانوتا من حوانيت أيجوز ذلك إذا كان مشاعاً قال: إذا كان بالثبت معلوما جاز ذلك قال: وسمعت أبا عبد الله وقيل له أحياك الله يا أبا عبد الله على الإسلام قال: والسنة.
وقال الحسن بن أيوب قال: رجل لأحمد يا أبا عبد الله وله ولد يكنى بأبي العباس اسمه زهير حدث عنه أبو سهل بشر بن أحمد المهرجاني وكل ولد أحمد ثقة صالح وعبد الله وزهير.
الحسن بن الحسين
نقل عن إمامنا أشياء.
منها في المذي يصيب الثوب يغسل ليس في القلب منه شيء.
الحسن بن ثواب أبو علي الثعلبي المخرمي
سمع يزيد بن هارون وعبد الرحمن بن عمرو بن جبلة البصري و إبراهيم بن حمزة المدني وعمار بن عثمان الحلبي في آخرين روى عنه جماعة منهم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي وجعفر بن عبد الله بن مجاشع وإسماعيل الصفار وأبو بكر الخلال وقال كان هذا شيخاً جليل القدر وكان له بأبي عبد الله أنس شديد.
قال لي كنت إذا دخلت إلى أبي عبد الله يقول لي إني أفشي إليك مالا أفشيه إلى ولدي ولا إلى غيرهم فأقول له لك عندي ما قال: العباس لابنه عبد الله إن عمر بن الخطاب يكرمك ويقدمك فلا تفشين له سرا فإن أمت فقد ذهب وإن أعش فلن أحدث بها عنك يا أبا عبد الله فيفشي إليه أشياء كثيرة وكان عنده عن أبي عبد الله جزء كبير فيه مسائل كبار لم يجىء بها غيره مشبعة يحتج عليه بقول المدنيين والكوفيين.
منها قال: سألت أحمد في السجن عن رجل صلى بقوم فلما قضى تشهده أحدث من غائط أو بول قال: يرجع فيتوضأ ويستقبل الصلاة لنفسه وتتم صلاة من خلفه قلت: فيستخلف قال: أما أنا فلا آمره أن يستخلف ولو أمرته أن يستخلف لم آمره أن يستقبل.(1/117)
قلت: فالحجامة للصائم قال: تفطره قلت: لقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" قال: نعم قلت: الغيبة فلم ير ذلك شيئاً إلا إثما وقال لو كان الفطر بالغيبة ما كان لنا صوم.
قلت: هؤلاء الذين يقولون القرآن مخلوق قال: كفار بالله العلي العظيم قلت: فابن أبي دؤاد قال: كافر بالله.
وقال البرقاني قال: لنا أبو الحسن الدارقطني الحسن بن ثواب الثعلبي بغدادي ثقة.
ومات في جمادى الأولى يوم الجمعة سنة ثمان وستين ومائتين ذكره محمد بن مخلد في تاريخه.
الحسن بن زياد
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: قلت: لمحمد بن عبده كان أبوك عبدة نازلا عندي ببغداد فجاءه أحمد بن حنبل وأهل الحلقة يسلمون عليه بقدومه فقال: أبو سعد الحداد يا أبا محمد يعني لعبدة يكون أحد يدخل في عمل السلطان يسلم من الدماء فقال: أبوك عبدة لا فقال أحمد بن حنبل ينبغي أن تكتب كلام أبي محمد نقلته من السنن للخلال.
الحسن بن الصباح بن محمد أبو علي البزار
سمع سفيان بن عيينة ومعن بن عيسى وأبا معاوية الضرير وروح بن عبادة وجعفر بن عون وحجاج بن محمد الأعور وأبا المنذر إسماعيل بن عمر وشبابة بن سوار وأبا عبد الرحمن المقري وإمامنا أحمد وروى عنه البخاري ومحمد بن إسحاق الصاغاني و إبراهيم الحربي وعبد الله بن إمامنا وأبو إسماعيل الترمذي وأبو بكر بن أبي الدنيا وآخر من روى عنه القاضي المحاملي.
وقال ابن أبي حاتم سئل أبي عنه فقال: صدوق.
وكان له جلالة ببغداد وكان إمامنا يرفع من قدره ويجله وكان من الصالحين.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه ويأنس به روى عن أبي عبد الله مسائل كثيرة لم تقع إلينا كلها ومات ولم يخرجها إلا أن الميموني يذكر في مسائله عن أبي عبد الله قال: الحسن لأبي عبد الله واحتج عليه الحسن.(1/118)
قال أخبرنا محمد بن خضر قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ما يأتي علي بن البزار يوم إلا وهو يعمل فيه خيرا ولقد كنا نختلف إلى فلان المحدث وسماه قال: كنا نقعد نتذاكر الحديث إلى خروج الشيخ وابن البزار قائم يصلي إلى خروج الشيخ وما أتى عليه يوم إلا وهو يعمل فيه الخير.
قال وأخبرني الحسن بن صالح العطار حدثنا هارون بن يعقوب الهاشمي قال سمعت أبي سأل أبا عبد الله عن الحسن البزار فقال: ثقة اكتب عنه ثقة صاحب سنة.
وحدثنا المبارك بن عبد الجبار عن لفظه وكتابه قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد أخبرنا أبو عمر بن حيوه أخبرنا موسى بن عبيد الله الخاقاني حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال: حدثنا شيخنا وسيدنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب قال: إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل قال: الخاقاني وحدثني به عبد الله بن أحمد عن أبيه عن عبد الرحمن بن مهدي مثله.
وبالإسناد قال: وحدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا الحسن بن الصباج البزار حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل شيخنا وسيدنا قال: أخبرنا بهز بن أسد حدثنا أبان بن يزيد حدثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزال جهنم تقول هل من مزيد" قال: فيدلي فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط بعزتك قال: ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقا آخر فيسكنهم إياها".(1/119)
وقال الحسن بن الصباح أدخلت على المأمون ثلاث مرات رفع إليه أول مرة أنه يأمر بالمعروف وكان نهى أن يأمر أحد بمعروف فأخذت فأدخلت عليه فقال: أنت الحسن البزار قلت: نعم يا أمير المؤمنين قال: وتأمر بالمعروف قلت: لا ولكني أنهى عن المنكر قال: فرفعني على ظهر رجل وضربني خمس درر وخلى سبيلي وأدخلت عليه المرة الثانية رفع إليه أني أشتم علي بن أبي طالب قال: فلما قمت بين يديه قال: لي أنت الحسن قلت: نعم يا أمير المؤمنين قال: وتشتم علي بن أبي طالب فقلت: صلى الله على مولاي وسيدي علي يا أمير المؤمنين أنا لا أشتم يزيد بن معاوية لأنه ابن عمك فكيف أشتم مولاي وسيدي قال: خلوا سبيله وذهبت مرة إلى أرض الروم إلى بدندون في المحنة فدفعت إلى أشناس فلما مات خلي سبيلي. قال: السراج مات الحسن بن الصباح بن محمد أبو علي الواسطي وكان لا يخضب من خيار المسلمين ببغداد يوم الاثنين لثمان خلت من ربيع الآخر سنة تسع أربعين ومائتين.
الحسن بن عبد العزيز بن الوزير أبو علي الحزامي ويعرف بالجروي
من أهل مصر: قدم بغداد وحدث بها عن يحيى بن حسان وبشر بن بكر وعبد الله بن يحيى البرلسي وغيرهم وروى عن إمامنا أحمد ذكره أبو بكر الخلال فقال: له مسائل لم يجىء بها غيره.
قلت: أنا من جملتها قال: أوصى إلي رجل بوصية وفيها ثلث وكان فيما خلف جارية تقرأ بالألحان وكانت أكثر تركته أو عامتها فسألت أحمد بن حنبل والحرث بن مسكين وأبا عبيد كيف أبيعها قالوا بعها ساذجة فأخبرتهم بما في بيعها من النقصان فقالوا بعها ساذجة.
روى عنه إبراهيم الحربي وابن أبي الدنيا وابن صاعد وآخرهم أبو عبد الرحمن المحاملي.
وكان الجروي من أهل الدين والفضل مذكورا بالورع الثقة موصوفا بالعبادة وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سئل أبي عنه فقال: ثقة.
وذكره الدارقطني فقال: لم ير مثله فضلا وزهداً.
ومن جملة كلامه قال: من لم يردعه القرآن والموت فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع.(1/120)
ومات ببغداد سنة سبع وخمسين ومائتين.
أخبرنا جدي جابر قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن دوست العلاف قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو البحتري الرزاز حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا أبو علي الجروي قال: حدثني عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبو عبدة الحكم قال: حدثني حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن الصنابحي وهو أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن معاذ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني أحبك فقل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" قال: الصنابحي قال: لي معاذ إني أحبك فقل هذا الدعاء قال: أبو عبد الرحمن وقال لي الصنابحي وإني أحبك فقل وقال عقبه قال: لي أبو عبد الرحمن وأنا أحبك فقل قال: حيوة قال: لي عقبة وأنا أحبك فقل قال: لي أبو عبدة قال: لي حيوة وأنا أحبك فقل قال: عمرو قال: لي أبو عبدة وأنا أحبك فقل قال: لي حسن وأنا أحبك فقل قال: ابن أبي الدنيا وأنا أحبكم فقولوا قال: لنا الرزاز وأنا أحبكم فقولوا.
حدثنا الجروي حدثنا الحرث ابن مسكين حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: يقال إنه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله فيقضي الله لأهل ذلك المجلس حوائجهم كلهم.
وبإسناده حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: ذكر بعض أهل العلم أن في بعض الكتب التي أنزل الله عز وجل "إن الله جل جلاله قال: بشروا عبدي المؤمن" فكان لا يأتيه شيء يحبه إلا قال: الحمد لله الحمد لله ما شاء الله قال: الله روعوا عبدي المؤمن قال: فلا تطلع عليه طليعة من طلائع المكروه إلا قال: الحمد لله فقال: الله عز وجل "إن عبدي يحمدني حين روعته كما يحمدني حين سررته ادخلوا عبدي كما يحمدني على كل حالاته الجنة".
الحسن بن علي بن الحسن بن علي الإسكافي أبو علي:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل القدر عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان كبار أغرب فيها على أصحابه.(1/121)
سمعت بعضها بعلو من محمد بن حمدان قاضي تكريت وكتب إلى بتمامها يوسف بن عبد الله الإسكافي فقال: في أثنائها حدثنا الحسن بن علي الإسكافي قال: سألت أبا عبد الله عن الهم فقال: الهم همان هم خطرات وهم إصرار قال: وسألت أبا عبد الله عن معنى الغيبة فقال: إذا لم ترد عيبا لرجل قلت: فالرجل يقول فلان لم يسمع وفلان يخطىء فقال: لوترك هذا لم يعرف الصحيح من غيره.
الحسن بن علي بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان
من أهل خوزستان الأهواز ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ جليل سمع من أحمد مسائل صالحة حسانا مشبعة وكان أحمد يكرمه سمعت منه.
الحسن بن علي الأشناني البغدادي
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد رضي الله عنه.
الحسن بن القاسم
جار إمامنا كان يحضر في مجالسه ويستفيد من مسائله حدث عن مسلم بن إبراهيم روى عنه أبو شعيب الحراني.
حدثنا الحسن بن القاسم حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبو الحتروش سلمة بن هزال عن سعد الإسكافي عن ابن أشوع عن حديث لعائشة عن الواصلة والمستوصلة فأسكتني وقال إنك لمنقر فألححت عليه فقال: قالت عائشة ليست الواصلة بالتي تعنون وما بأس أن تكون المرأة زعواء الشعر فتصل قرنا من قرونها بصوف أسود ولكن الواصلة التي تكون بغيا في شبيبتها فإذا أسنت وصلته بالقيادة.
الحسن بن الليث الرازي
صحب إمامنا وحدث عنه بأشياء منها قال: قيل لأحمد يحبك بشر يعنون بشر بن الحرث فقال: لا تعنوا الشيخ نحن أحق أن نذهب إليه قيل له نجيء به قال: لا أكره أن يجاء به إلي أو أذهب إليه فيتصنع لي وأتصنع له فنهلك.
الزعفراني
سمع سفيان ابن عيينة وعبيدة بن حميد وإسماعيل بن عليه وغيرهم روى عنه الشافعي كتابه القديم وروى عن إمامنا أحمد فيما ذكره أبو محمد الخلال حدث عنه البخاري وقاسم بن زكريا المطرز وإسماعيل الوراق وغيرهم وذكره أبو الحسين بن المنادي فقال: أحد الثقات بالجانب الغربي من مدينة السلام مات سنة ستين ومائتين.(1/122)
الحسن بن محمد الأنماطي البغدادي
ذكره أبو بكر الخلال فقال: نقل عن أحمد مسائل صالحة قال: وأخبرني أنه جاء إلى أبي عبد الله يوماً وقد انصرف من صلاة الظهر والعصر فإذا نحن بثلاثة مشايخ من أهل خراسان قد وقفوا له بالباب فقالوا يا أبا عبد الله نسألك عن مسألة قال: قد قلت: اليوم لا أجيب في مسألة ولكن ترجعون فأجيبكم إن شاء الله.
وقال الخلال سمعته يقول رأيت أبا عبد الله إذا أقيمت الصلاة رفع يديه وقد قال: "المؤذن لا إله إلا الله" فقال: أبو عبد الله لا إله إلا الله الحق المبين.
الحسن بن محمد بن الحارث السجستاني
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: قلت: لأبي عبد الله التخلي أعجب إليك فقال: التخلي على علم وقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم" ثم قال: أبو عبد الله رواية شعبة عن الأعمش ثم قال: من يصبر على أذاهم? قال وسئل أحمد عن الرجل يشتري عبدا فيبقى عنده سنة ثم يبيعه فيدعي عليه المشتري أنه أبق يحلف الرجل البائع على أنه لم يأبق قط أو يحلف على أنه لم يأبق عندي قال: يحلف على أنه لم يأبق عنده ولم ير أنه يحلف أنه لم يأبق قط قيل له إن هؤلاء يحلفونه على أنه لم يأبق قط قال: لا يحلف إلا علي عنده قال: أحمد إلا أن يكون ولد عنده فيحلف أنه لم يأبق قط.
وقال قال: أحمد ثلاثة إذا كان الطلب الخيار والحدود والشفعة يعني إذا كان قد طلبها الميت فللورثة أن يطلبوا في الحدود وفي الشفعة وفي الخيار.
الحسن بن موسى الأشيب أبو علي
سمع محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وحماد بن سلمة وغيرهم وذكر أبو محمد الخلال أنه روى عن أحمد وكذا ذكره الخطيب في السابق واللاحق.(1/123)
قلت: أنا وقد حدث عنه إمامنا وأبو خيثمة زهير بن حرب وأحمد بن منيع و أحمد بن منصور الرمادي وغيرهم وكان أصله خرسانياً وأقام ببغداد وحدث بها وولي القضاء بالموصل وحمص لهارون الرشيد ثم قدم بغداد في خلافة المأمون فلم يزل ببغداد إلى أن ولاه المأمون قضاء طبرستان فتوجه إليها ومات بالري سنة تسع أو عشر ومائتين.
وقال يحيى بن معين الأشيب ثقة لم يكن به بأس.
وأنبأنا المبارك أخبرنا أبو بكر بن بشران حدثنا الدارقطني حدثنا القاضي الحسين المحاميلي حدثنا الفضل بن سهل الأعرج حدثنا الحسن الأشيب حدثنا سفيان عن ليث عن عطاء عن عائشة رضي الله عنهما قال: وحدثنا سفيان عن ليث عن عبد الله بن عبيد بن عياض بن عروة كذا قال: عن عائشة قالت: "أفطر الحاجم والمحجوم".
قال الحسن الأشيب وحدثني أحمد بن حنبل عن هاشم بن أبي النضر عن سفيان بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا.
الحسن بن منصور الجصاص
ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد فقال: أخبرني أبو محمد الصائغ حدثنا يعقوب بن العباس الهاشمي قال: سمعت الحسن بن منصور الجصاص يقول قلت: لأحمد بن حنبل إلى متى يكتب الرجل قال: حتى يموت.
الحسن بن مخلد بن الحارث
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
الحسن بن الهيثم البزار
ذكره أبو بكر الخلال فقال: أخبرنا الحسن بن الهيثم البزار قال: قلت: لأحمد بن حنبل إني أطلب العلم وإن أمي تمنعني من ذلك تريد مني أن أشتغل بالتجارة قال: لي دارها وأرضها? ولا تدع الطلب.
الحسن بن الوضاح المؤدب
ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد.
الحسن بن عرفة
نقل عن إمامنا أشياء.(1/124)
منها قال: دخلت على أحمد بن حنبل بعد المحنة فقلت: له يا أبا عبد الله قمت مقام الأنبياء فقال: لي إسكت فإني رأيت الناس يبيعون أديانهم ورأيت العلماء ممن كان معي يقولون ويميلون فقلت: من أنا وما أنا وما أقول لربي غداً إذا وقفت بين يديه جل جلاله فقال: لي بعت دينك كما باعه غيرك ففكرت في أمري ونظرت إلى السيف والسوط فاخترتهما وقلت: إن أنا مت صرت إلى ربي عز وجل فأقول دعيت إلى أن قول في صفة من صفاتك مخلوقة فلم أقل فالأمر إليه إن شاء عذب وإن شاء رحم فقلت: وهل وجدت لأسواطهم ألما قال: لي نعم وتجلدت إلى أن تجاوزت العشرين ثم لم أدر بعد ذلك فلما حل العقابان كأني لم أجد له ألما وصليت الظهر قائما قال: الحسن فبكيت فقال: لي ما يبكيك قلت: بكيت مما نزل بك قال: أليس لم أكفر ما أبالي لو تلفت.
مولده سنة مائة وخمسين وموته سنة سبع وخمسين ومائتين.
الحسن بن الوضاح المؤدب أبو أحمد:
حدث عن إمامنا فيما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي أخبرنا على بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا الحسن ابن الوضاح حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي سهل عن سعيد بن المسيب قال: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد.
وبه حدثنا أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن يونس عن الحسن أن سعيد ابن المسيب زوج ابنته على درهمين.
ذكر من اسمه الحسين
الحسين بن إسماعيل
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: قيل لأحمد بن حنبل وأنا أسمع يا أبا عبد الله كم يكتب الرجل من الحديث حتى يمكنه أن يفتي مائة ألف قال: لا قيل له مائتي ألف قال: لا قيل ثلاثمائة ألف قال: لا قيل أربعمائة آلف قال: لا قيل خمسمائة ألف قال: أرجو.
الحسين بن إسحاق أبو على الخرقي
سأل إمامنا عن أشياء.(1/125)
منها ما نقلته من خط أبي إسحاق بن شاقلاً قال: قرأت على أبي عبد الله الحسين بن علي بن محمد المخرمي المعروف بابن شاصو حدثكم أبو علي الحسين بن إسحاق الخرقي قال: سألته يعني أحمد بن حنبل عن المسح على العمامة فقال: لا بأس ولكن إذا خلعها خلع وضوءه مثل الخفين وسألته عن المسح على الجوربين فقال: إذا استمسكا بالقدمين فلا بأس وسئل عن هؤلاء اللفظية فقال: هم الجهمية.
الحسين بن إسحاق التستري
ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ جليل سمعت منه سنة خمس وسبعين وقت خروجي إلى كرمان وكان عنده عن أبي عبد الله جزء مسائل كبار وكان رجلاً مقدماً رأيت موسى بن إسحاق القاضي يكرمه ويقدمه.
الحسين بن بشار المخرمي
قال: أبو بكر الخلال أخبرني الحسين بن بشار المخرمي قال: سألت أحمد بن حنبل عن مسألة في الطلاق فقال: إن فعل حنث فقلت: يا أبا عبد الله اكتب لي بخطك فكتب لي في ظهر الرقعة قال: أبو عبد الله إن فعل حنث قلت: يا أبا عبد الله إن أفتاني إنسان يعني أن لا يحنث فقال: لي تعرف حلقة المدنيين قلت: نعم قال: الحسين بن بشار وكانت للمدنيين حلقة عندنا في الرصافة في المسجد الجامع فإن أفتوني يدخل قال: نعم.
الحسين بن علي أبو علي
ذكره أحمد السنجي فيمن لقي إمامنا وسمع منه قال: وله كتاب مصنف في السنة ذكر فيه من قال: لفظي بالقرآن مخلوق أو القرآن بلفظي مخلوق فهو جهمي والجهمية عندنا كفار واللفظية زنادقة هذه الأمة وهم أشدهم على الناس التباساً وتشبيهاً.
الحسين بن مهران
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
ذكر مفاريد
حرف الحاء ومثانيها
حنبل بن إسحاق بن حنبل أبو علي الشيباني(1/126)
ابن عم إمامنا أحمد: سمع أبا نعيم الفضل بن دكين وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم وسعيد بن سليمان وعارم بن الفضل بن دكين وسليمان بن حرب وإمامنا أحمد في آخرين حدث عنه ابنه وقد اختلف في اسم ابنه فقوم قالوا عبيد الله وقوم قالوا عبد الله وعبد الله بن محمد البغوي ويحيى بن صاعد وأبو بكر الخلال وغيرهم وذكره الخطيب أحمد بن ثابت فقال: كان ثقة ثبتاً.
قال وأخبرنا الأزهري قال: سئل الدارقطني عن حنبل فقال كان صدوقاً.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: قد جاء حنبل عن أحمد بمسائل أجاد فيها الرواية وأغرب بغير شيء وإذا نظرت في مسائله شبهتها في حسنها وإشباعها وجودتها بمسائل الأثرم وكان حنبل رجلا فقيرا خرج إلى عكبرا فقرأ مسائله عليهم وخرج أيضاً إلى واسط فلقيته بواسط فسمعت منه مسائل يسيرة ثم سمعت مسائله بعكبرا من أصحابنا العكبريين عنه.
أنبأنا أبو القاسم بن البسري عن أبي عبد الله بن بطة حدثنا أبو حفص بن رجاء حدثنا موسى بن حمدان البزاز قال: قال حنبل بن إسحاق جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني ثانيا غيرنا وقال لنا إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من اكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة.
وقال الحسن بن علي بن مليح سمعت بعض الشيوخ بعكبرا يقول حضرنا عند حنبل بن إسحاق حين قدم إلى عكبرا فنزل في غرفة فلما اجتمع أصحاب الحديث إليه قال: لهم اكترينا هذه الغرفة لنسكنها فإذا كثر الناس حشينا أن نضر فإذا اجتمعتم خرجنا إلى المسجد.(1/127)
حدثنا خالي أبو محمد بن جابر قال: أخبرنا الحسن أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان" أخبرنا جدي جابر أخبرنا محمد بن رزقويه أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول لم يزل الله متكلما والقرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق وعلى كل جهة ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه عز وجل.
وقال حنبل حججت في سنة إحدى وعشرين فرأيت في المسجد الحرام كسوة البيت من الديباج وهي تخاط في صحن المسجد وقد كتب في الدارات " ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير" فلما قدمت سألني أبو عبد الله عن بعض الأخبار فأخبرته بذلك فقال: أبو عبد الله قاتله الله الخبيث عمد إلى كتاب الله فغيره يعني ابن أبي دؤاد يعني أزال السميع البصير.
وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول قال: النبي صلى الله عليه وسلم "يضع قدمه" نؤمن به ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال: بل نؤمن بالله وبما جاء به الرسول قال: الله عز وجل "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول ولد العباس أقوم بالصلاة وأشد تعاهدا للصلاة من غيرهم.
وقال حنبل اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبد الله في ولاية الواثق وشاوروه في ترك الرضا بإمرته وسلطانه فقال: لهم عليكم بالنكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن ضربك فاصبر" أمر بالصبر.
وقال عبد العزيز حدثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب حدثنا حنبل بن إسحاق قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول الاستطاعة لله والقوة لله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ليس كما يقول المعتزلة الاستطاعة إليهم.(1/128)
وقال حنبل بن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل والله تعالى لا يرى في الدنيا ويرى في الآخرة.
ومات حنبل بواسط في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين ومائتين ذكره أبو الحسين بن المنادي.
حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني أبو محمد وقيل أبو عبد الله
ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل حدث عنه أبو بكر المروذي على الخروج إليه وقال لي نزل ههنا عندي في غرفة لما قدم على أبي عبد الله وكان يكتب لي بخطه مسائل سمعها من أبي عبد الله وكتب لي إليه أبو بكر المروزي كتابا وعلامات كان حرب يعرفها فقدمت بكتابه إليه فسر به وأظهره لأهل بلده وأكرمني وسمعت منه هذه المسائل وكان رجلا كبيرا عنده عن أبي الوليد وسليمان بن حرب وغيرهما وكان سنه أكبر من ذلك ولكنه قال: لي كنت أتصوف قديماً فلم أتقدم في السماع وقال لي هذه المسائل حفظتها قبل أن أقدم إلى أبي عبد الله وقبل أن أقدم إلى إسحاق بن راهويه وقال لي هي أربعة آلاف عن أبي عبد الله و إسحاق بن راهويه ولم أعدها وكان رجلا فقيه البلد وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد.
أخبرنا بركة الدلال أخبرنا إبراهيم الفقيه عن عبد العزيز حدثنا أحمد الخلال حدثني حرب قال: قلت: لأحمد أنصلي خلف رجل يقدم علياً على أبي بكر وعمر قال: لا تصل خلف هذا وقال حرب قلت: لأحمد الإدغام فكرهه.
وقال حرب سألت أحمد عن قراءة حمزة فقال: لا تعجبني وكرهها كراهية شديدة والكسائي وقال حرب سمعت أحمد يكره الإمالة مثل "والضحى" و "الشمس وضحاها" وقال أكره الخفض الشديد والإدغام.
وقال حرب سمعت أحمد بن حنبل يقول الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين.
حبيشي بن سندي(1/129)
ذكره أبو بكر الخلال فقال: من كبار أصحاب أبي عبد الله ينزل القطيعة وبلغني أنه كتب عن أبي عبد الله نحوا من عشرين ألف حديث وكان رجلاً جليل القدر جداً وعنده عن أبي عبد الله جزآن مسائل مشبعة حسان جدا يغرب فيها على صحاب أبي عبد الله فمضيت إليه فأبى أن يحدثني بها وقال أنا لا أحدث بهذه المسائل وأبو بكر المروذي حي وكان يكرم أبا بكر المورذي وكان بيني وبينه كلام كثير ومضيت من عنده على أن أسأل أبا بكر المروذي يسأله أن يقرأها علي فشغلت فتوفى ولم أسمعها فوجدتها بعد ذلك عند محمد بن هارون الوراق فسمعتها وهو رجل ما شئت يالك من رجل جليل القدر كثير العلم مقدم عندهم في القطيعة.
قال حبيش بن سندي قيل لأبي عبد الله هؤلاء الذين امتحنوا نكتب عنهم قال: أما أنا فلا أروي عن أحد منهم قيل له إنه قد حكى عنك أنك تأمر بالكتاب عن القواريري فأنكر ذلك وقال أنا أقول لا أروي عن أحد منهم فآمر بالكتاب عنهم? وقال حبيش أيضاً سئل أبو عبد الله عن قراءة حمزة فقال: نعم أكرهها أشد الكراهية قيل له ما تكره منها قال: هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد إنما هي إيه وآه.
حبيش بن مبشر بن أحمد بن محمد الثقفي
الفقيه طوسي الأصل وهو أخو جعفر بن مبشر المتكلم سمع يونس بن محمد المؤدب ووهب بن جرير وبكر بن عبد الله السهمي روى عن إمامنا أشياء.
منها قال: قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون فاجمعوا أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً.
روى عنه إسحاق بن بيان الأنماطي ومحمد بن محمد الباغندي ومحمد بن مخلد الدوري وغيرهم وكان فاضلا يعد من عقلاء البغداديين وقال الدارقطني حبيش بن مبشر من الثقات.
قال ابن قانع مات حبيش بن مبشر الفقيه سنة ثمان وخمسين ومائتين يوم السبت لتسع خلون من رمضان.
الحارث بن شريح أبو عمر النقال
خوارزمي الأصل حدث عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وإمامنا أحمد وبين وفاته ووفاة البغوي إحدى وثمانون سنة.(1/130)
قال ابن قانع توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
روى عنه أحمد بن منصور الرمادي و أحمد بن أبي خيثمة و أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي وأبو بكر بن أبي الدنيا.
أنبأنا الحسن الجوهري أخبرنا محمد بن العباس حدثنا محمد بن القاسم الكوفي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن حارث النقال و أحمد بن إبراهيم الموصلي فقال: ثقتان صدوقان.
حريث بن عبد الرحمن أبو عمرو خراساني
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
حريث بن عمار
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
حاتم بن الليث بن الحارث بن عبد الرحمن أبو الفضل الجوهري
سمع عبد الله بن موسى وسعيد بن داود وإسماعيل بن أبي أويس وإمامنا أحمد فيما ذكره أبو محمد الخلال وكان ثقة ثبتاً متقنا حافظا روى عنه محمد بن مخلد ومات سنة اثنتين وستين ومائتين.
حجاج بن يوسف بن حجاج أبو محمد الثقفي ويعرف بابن الشاعر
ذكره أبو الحسين بن المنادي فيمن روى عن أحمد مولده ومنشؤه ببغداد سمع يعقوب بن إبراهيم بن سعد وأبا أحمد الزبيري وعبد الصمد بن عبد الوارث وشبابة بن سوار وعبد الرزاق بن همام في آخرين روى عنه محمد بن إسحاق الصاغاني وأبو داود السجستاني ومسلم بن الحجاج وآخر من حدث عنه المحاملي وكان ثقة فهما من الحفاظ.
قال ابن أبي حاتم كتبت عنه وهو ثقة من الحفاظ ممن يحسن الحديث وسئل أبي عنه فقال: صدوق.
قال حجاج جمعت لي أمي مائة رغيف فجعلتها في جراب وانحدرت إلى شبابة بالمدائن فأقمت ببابه مائة يوم كل يوم أجيء برغيف فأغمسه في دجله فآكله فلما نفدت خرجت.
وقال حجاج أيضاً جئت إلى أحمد بن حنبل فسألته أن يحدثني في سنة ثلاث ومائتين فأبى أن يحدثني فخرجت إلى عبد الرزاق ثم رجعت في سنة أربع وقد حدث واستوى الناس عليه وكان لأحمد في هذا اليوم أربعون سنة.
وقال حجاج قلت: لأحمد أكتب عمن أجاب في المحنة فقال: أنا لا أكتب عنهم.(1/131)
وقال عبد الله بن أحمد كان الحجاج بن الشاعر لا يحدث عمن أجاب وقال الحجاج القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال حجاج ما يسرني أني قتلت بين الصفين محتسبا صابرا بدلا من حضوري جنازة أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن علي الآجري قلت: لأبي داود سليمان بن الأشعث إيما أحب إليك الرمادي أو حجاج بن الشاعر فقال: حجاج خير من مائة مثل الرمادي.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي أبو محمد حجاج بن يوسف بغدادي ثقة.
ومات لعشر بقين من رجب سنة تسع وخمسين ومائتين ذكره ابن قانع.
الحكم بن نافع أبو اليمان
حدث عن جماعة منهم إمامنا أحمد فروى ابن ثابت في الكفاية أخبرنا محمد بن عيسى الهمداني حدثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت القاسم بن أبي صالح يقول سمعت إبراهيم بن الحسين يقول سمعت أبا اليمان الحكم بن نافع يقول قال: لي أحمد بن حنبل كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة قلت: قرأت عليه بعضه وبعضه قرأه علي وبعضه إجازة وبعضه مناولة فقال: قل في كله أخبرنا شعيب.
وهذا الحكم أحد شيوخ الحربي وقد روى البخاري عنه في الصحيح.
حميد بن الربيع بن حميد أبو الحسن اللخمي الكوفي الخزاز:
روى عن إمامنا فيما أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني.
حدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمد بن خلف العسقلاني حدثنا محمد بن أبي عتاب حدثني حميد الخزاز حدثنا أحمد بن حنبل وساق الإسناد إلى أبي بكر بن حفص قال: "كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من شعورهن كهيئة الوفرة".
قدم حميد بغداد وحدث بها عن هشيم بن بشير وسفيان بن عيينة وعبد الله بن إدريس الأودي.
سئل البرقاني عنه فقال: كان أبو الحسن الدارقطني يحسن القول فيه وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يحسن القول في حميد الخزاز وقال كان يطلب معنا الحديث ومات بسر من رأى سنة ثمان وخمسين ومائتين.
حميد بن زنجوية أبو أحمد الأذرى(1/132)
زنجويه لقب له واسمه مخلد بن قتيبة خراساني من أهل نسا: كثير الحديث قديم الرحلة فيه إلى العراق والحجاز ومصر وغير ذلك سمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وغيرهما وروى عن إمامنا أشياء.
منها قال: لما رجعنا من مصر دخلنا على أحمد بن حنبل فقال: مررتم بأبي حفص عمرو بن أبي مسلمة قال: فقلنا له وما كان عند أبي حفص إنما كان عنده خمسون حديثا للأوزاعي والباقي مناولة فقال: والمناولة كنتم تأخذون منها وتنظرون فيها? قلت: أنا وكان حميد بن زنجويه ثقة ثبتا حجة روى عنه البخاري ومسلم وعامة الخراسانيين وقدم بغداد وحدث بها.
فروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي وعبد الله بن إمامنا ويحيى بن صاعد والقاضي المحاملي ومات بمصر سنة إحدى وخمسين ومائتين.
حميد بن الصباح
مولى المنصور نقل عن إمامنا أشياء.
منها ما أخبرنا المبارك عن إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا أحمد حدثنا حميد ابن الصباح بمصر قال: سألت أحمد بن حنبل قلت: كم بيننا وبين عرش ربنا تبارك وتعالى قال: دعوة مسلم يجيب الله دعوته.
وقال حميد بن الصباح حدثني أبي قال: أراد المنصور أن يذرع الكرخ فقال: احمل لي الذراع معك فخرج وخرجت معه ونسيت أن أحمل الذراع فلما صرنا بباب الشرقية قال: لي أين الذراع فدهشت وقلت: أنسيته يا أمير المؤمنين فضربني بالمقرعة فشجني وسال الدم فلما رآني قال: أنت حر لوجه الله حدثني أبي عن أبيه عن ابن عياش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ضرب عبده في غير حد حتى يسيل دمه فكفارته عتقه".
حمدويه بن شداد
نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل وذكروا عنده أبا ثور فقال: لا تؤذوني بمجالسته.
حرمي بن يونس
نقل عن إمامنا أشياء.(1/133)
منها قال: أتيت أبا عبد الله فسألته عن حديث فقال: نعم حتى أخرجه لك قال: فلما كان في نصف النهار إذا رجل يدق علي الباب قال: فخرجت فإذا أبو عبد الله قال: فقلت: حاجة قال: نعم قلت: تدخل قال: نعم فدخل فأخرج إلي رقعة فيها أحاديث فقرأها علي ثم أبرد عندي ومضى.
وقال إمامنا أحمد لحرمي يا حرمي كم فضل الصلاة عند الناس من الفرادى إلى الجماعة فقال: حرمي خمسة وعشرون فقال: أحمد إني سمعت عبد الرزاق يقول إنها مائة صلاة من أجاب الداعي فهي خمسة وعشرون ومن صلى في الصف الأول فهي خمسون ومن صلى يمنة الإمام فهي خمسة وسبعون ومن صلى في نقرة الإمام فهي مائة صلاة.
حمدان بن ذي النون
أحد من شاهد الإمام أحمد رضي الله عنه فيما ذكره أبو ذر عبد بن أحمد الهروي.
أخبرنا أبو الحسين علي بن الحسين التميمي قال: سمعت أبا حفص البخاري يقول سمعت حمدان بن ذي النون يقول ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل في ورعه وحفظه لسانه.
باب الخاء
خطاب بن بشر بن مطر أبو عمر البغدادي المذكر
وهو أخو محمد بن بشير وكان الأكبر حدث عن عبد الصمد بن النعمان ومن بعده روى عنه أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ومحمد بن مخلد الدوري وذكر أنه مات في المحرم سنة أربع وستين ومائتين.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان رجلا صالحا يقص على الناس وقد سمعت منه حديثا وكنت إذا سمعت كلامه كأنه نذير قوم وأحسب أنه كان آخر القصاص الذين يفرح بهم ويعتد بقولهم وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان صالحة.
منها قال: سألت أحمد عن الجنابة تصيب الثوب فقال: يفركه ويغسله أي ذلك فعل أجزأه لأنهما قد رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً فقلت: له فإذا كان رطبا كيف يفركه قال: يمسحه كما قال: ابن عباس بإذخرة قال: ولو كان نجسا ما كان الفرك يطهره.
خشنام بن سعد نقل عن إمامنا أشياء.(1/134)
منها قال: سألت أحمد قلت: نكتب الحديث عمن يأخذ الدراهم على الحديث قال: لا تكتب عنه ذكر الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله في تاريخ النيسابوريين سمعت بشر بن أحمد بن بشر المهرجاني سمعت خشنام بن سعد يقول قلت: لأحمد بن حنبل أكان يحيى بن يحيى إماماً قال: كان عندي إماما ولو كانت عندي نفقة لرحلت إلى يحيى بن يحيى.
خالد بن خداش بن عجلان أبو الهيثم المهلبي: مولى آل المهلب ابن أبي صفرة الأزدي من أهل البصرة سكن بغداد وحدث بها عن مالك بن أنس وحماد بن زيد وصالح المري وغيرهم روى عنه إمامنا أحمد لأحمد الدورقي ونقل عن إمامنا أحمد أشياء.
منها قال: سألت أحمد عن نكاح المحرم فقال: كان عمر وعثمان وابن عمر يفرقون بينهما وذكروا قصة ميمونة وقول أبي رافع فقال: أبو عبد الله يزيد ابن الأصم هي خالته قال: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا وبنى بها حلالاً يذهب ذا عليهم وهي خالتهم.
وقال محمد بن المثنى انصرفت مع بشر بن الحارث في يوم أضحى من المصلى فلقي خالد بن خداش المحدث فسلم عليه فقصر بشر في رد السلام فقال: خالد بيني وبينك مودة من أكثر من ستين سنة ما تغيرت عليك فما هذا التغير فقال: بشر ما ههنا تغير ولا تقصير ولكن هذا يوم تستحب فيه الهدايا وما عندي من عرض الدنيا شيء أهدي إليك وقد روى في الحديث إن المسلمين إذا التقيا كان أكثرهما ثوابا أبشهما بصاحبه فتركتك لتكون أفضل ثواباً.
وقال عبد الخالق بن منصور سئل يحيى بن معين عن خالد بن خداش فقال: صدوق.
ومات خالد بن خداش ببغداد في جماد الآخرة سنة ثلاث وعشرين ومائتين.(1/135)
خلف بن هشام بن تغلب ويقال خلف بن هشام بن طالب ابن غراب أبو محمد البزار المقرىء سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد وأبا عوانة وشريك بن عبد الله وهشيما وغيرهم وروى عن إمامنا أحمد فيما ذكره محمد بن يحيى الكسائي قال: دخلت على خلف بن هشام البزار وقد خرج من عنده أحمد بن حنبل وزهير بن حرب أبو خيثمة ويحيى بن معين فقال: لي من رأيته خرج من عندي قلت: فلان وفلان وفلان فقال: إنه كان قدامي قنينة فيها نبيذ فلما رأتهم الجارية جاءت تشيلها فقلت: لم هذا فقالت يا مولاي جاء هؤلاء الصالحون فيرون هذا عندك فقلت: أضيف إليها أخرى يرى الله عز وجل شيئاً فأكتمه عن الناس وأردت أن أنظر إلى عقل هذا الفتى يعني أحمد فحول ظهره إليها وأقبل علي يسألني عما يرده فقلت: له لما أراد الانصراف من بين القوم كلهم أي شيء تقول في هذا يا أبا عبد الله فقال: ليس ذاك إلي ذاك إليك فقلت: كيف فقال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع في منزله ومسئول عما فيه وليس للخارج أن يغير على الداخل شيئاً قال: فلما خرج سكبت خابيتين وعاهدت الله على أن لا أذوقه حتى أعرض على الله عز وجل.
روى عنه عباس الدوري و أحمد بن أبي خيثمة و إبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم وقال أبو جعفر النفيلي خلف بن هشام كان من أصحاب السنة لولا بلية فيه شرب النبيذ.
وقال عباس الدوري وسئل عن حكاية عن أحمد بن حنبل في خلف فقال: لم أسمعها من أحمد ولكن حدثني أصحابنا أنهم ذكروا خلف البزار عند أحمد فقيل يا أبا عبد الله إنه يشرب قال: قد انتهى إلينا علم هذا عنه ولكن هو والله عندنا الثقة الأمين شرب أو لم يشرب.
وقال يحيى بن معين إنه الصدوق الثقة وقال الدارقطني أبو محمد خلف بن هشام بن تغلب البزار المقرىء كان عابدا فاضلا وآخر من روى عنه ابن منيع وقال أعدت صلاة أربعين سنة كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين.(1/136)
وقال عبد الله البغوي مات خلف بن هشام البزار في سنة تسع وعشرين ومائتين في جماد الآخرة ببغداد.
باب الدال
داود بن عمرو بن زهير أبو سليمان الضبي:
سمع عبد الله بن عمر العمري ونافع بن عمر الجمحي وداود بن عبد الرحمن وجويرية بن أسماء وحماد بن زيد وحسان بن إبراهيم وأبا الأحوص سلام بن سليم وشريك بن عبد الله ومنصور بن أبي الأسود وعبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة وإمامنا أحمد فيما ذكره الحفاظ منهم أبو محمد الخلال وابن ثابت الخطيب في السابق واللاحق فقال: حدث عن أحمد بن حنبل داود بن عمرو الضبي وبين وفاته ووفاة البغوي تسع وثمانون سنة سمع منه يحيى بن معين وحجاج بن يوسف الشاعر وأبو يحيى محمد بن عبد الرحيم لأحمد الرمادي و أحمد بن أبي خيثمة وغيرهم.
وقد روى عنه إمامنا أيضاً مات ببغداد في ربيع الأول وقيل في صفر سنة ثمان وعشرين ومائتين.
دلان أبو الفضل الرازي قال: سلمت على أحمد بن حنبل فلم يرد علي السلام وكانت علي جبة سوداء.
باب الراء
رجاء بن أبي رجاء أبو محمد المروذي وقيل السمرقندي واسم أبي رجاء مرجا بن رافع سكن بغداد وحدث بها عن النضر بن شميل وعلي بن الحسن بن شقيق والفضل بن دكين وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا وقاسم بن زكريا المطرز و أحمد بن أبي شيبة ويحيى بن صاعد والحسين والقاسم ابنا إسماعيل وكان ثقة ثبتاً إماماً في علم الحديث وحفظه والمعرفة به وقال ابن أبي حاتم سمع منه أبي بالري وبدمشق وسئل عنه فقال: صدوق.
وقال أبو بكر الخلال سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول قال: لي رجاء المروذي قلت: لأحمد بن حنبل أريد أن أعرف الحديث قال: إن أردت أن تعرف الحديث فأكثر من الكتاب.
ومات ببغداد غرة جماد الأولى سنة تسع وأربعين ومائتين ذكره محمد بن إسحاق السراج.(1/137)
الربيع بن نافع أبو توبة قال: ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن قال: سمعت أبا توبة الربيع بن نافع قال: قلت: لأحمد بن حنبل إنا قد لقينا من ضعف أهل العراق في السنة فإيش تقول فيمن زعم أن القرآن مخلوق فقال: أقول إنه كافر قال: قلت: فما تقول في دمه قال: حلال بعد أن يستتاب فقلت: أديتها عراقية قال: أبو توبة لا يستتاب ولكنه يقتل.
باب الزاي
زياد بن أيوب بن زياد أبو هاشم طوسي الأصل يعرف بدلويه سمع هشيم بن بشير وأبا بكر بن عياش ويزيد بن هارون وعباد بن العوام وزياد البكاء والقاسم بن مالك المري في آخرين وسأل إمامنا عن أشياء وحدث بها روى عنه البخاري وأبو حاتم الرازي و إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد و إسحاق بن سنين الختليان وعبد الله بن محمد البغوي في آخرين منهم عبد الله بن أبي داود واللفظ له قال: حدثنا زياد بن أيوب قال: سألت أحمد بن حنبل عن العقيقة فقال: ليست بواجبة وأشد ما سمعنا فيها حديث سليمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الغلام مرتهن بعقيقته فأميطوا عنه" وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه عق عن الحسن والحسين".
قال زياد بن أيوب وأخبرني ابنه عبد الله أنه قال: "تعطى القابلة الرجل".
وقال عبد الله بن أبي داود حدثنا زياد بن أيوب قال: سألت أحمد عن جلود الثعالب فقال: لا تعجبنا الصلاة فيها.
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول لا تعجبنا الصلاة قبل المغرب وقد روى عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: بين كل أذانين صلاة لمن شاء وقال أنس إن كان المؤذن ليؤذن فيدخل الداخل والناس يركعون قبل المغرب فإن فعل ذلك فاعل لم يبدع وقد روى عن أبي بكر وعمر عليهما السلام أنهما لم يصليا قبل المغرب.
وقال أيضاً سألت أحمد عن الوتر فقال: كان ابن عمر يسلم في الثنتين ثم يقضي الحاجة ثم يقوم فيوتر بواحدة وهذا عندنا ثبت ونحن نأخذ به.(1/138)
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول الوتر ركعة روى عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يوترون بركعة.
وقال زياد بن أيوب سأل رجل أحمد بن حنبل عن علي بن الجعد فقال: الهيثم ومثله يسأل عنه فقال: أحمد أمسك أبا عبد الله فذكره رجل بشيء فقال: أحمد وتقع في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو هاشم زياد بن أيوب كنت عند علي بن الجعد فسألوه عن القرآن فقال: القرآن كلام الله ومن قال: مخلوق لم أعنفه قال: أبو هاشم فذكرت ذلك لأحمد بن حنبل فقال: ما بلغني عنه أشد من هذا.
وأنبأنا خال أمي عن ابن بطة حدثنا أبو بكر محمد بن محمود السراج حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي دلويه حدثنا أبو نميلة يحيى بن واضح أخبرنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد بن صفوان عن ابن عمر قال: "من صلى بعد المغرب أربع ركعات كان كالمعقب غزوة بعد غزوة".
وقال زياد بن أيوب من قال: القرآن مخلوق فهو كافر لا شك فيه قيل له فمن لم يكفرهم يسمع منه قال: لا ولا كرامة قيل له فإن لي منهم قرابات أبرهم وأسلم عليهم قال: لا ولا تشهد جنائزهم ولا تعدهم.
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا أبو العباس الزبيدي الفضل بن أحمد بن منصور قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول اكتبوا عن زياد بن أيوب فإنه شعبة الصغير.
وقال زياد بن أيوب سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور فقال: لا يجالس.
وكان مولد زياد بن أيوب سنة ست وستين ومائة وذكر ابن قانع أنه مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين زاد غيره في شهر ربيع الأول.
زكريا بن يحيى بن عبد الملك بن مروان بن عبد الله أبو يحيى الناقد البغدادي سمع خالد بن خداش وفضيل بن عبد الوهاب و أحمد بن حنبل إمامنا في آخرين منهم أبو غسان الدوري قال: كنت عند علي بن الجعد فذكروا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: للحسن ابني هذا سيد فقال: ما جعله سيداً.(1/139)
وقال أبو يحيى أيضاً سمعت أبا غسان الدوري يقول كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده حديث ابن عمر كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول خير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكر فقال: علي انظروا إلى هذا الصبي هو لم يحسن يطلق امرأته يقول كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
روى عنه جماعة منهم أبو بكر الخلال وقال الورع الصالح كان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة سمعتها منه وكان مقدماً في زمانه وكان عبد الوهاب الوراق يكرمه ويوجه به في حوائجه ومهمات أموره.
أخبرني أحمد بن محمد صدقة قال: سمعت أبا بكر المروذي يقول سمعت أبا عبد الله وجاءه أبو يحيى الناقد برسالة عبد الوهاب الوراق فلما قام أبو يحيى قال: أبو عبد الله هذا رجل صالح.
وذكره الدارقطني فقال: ثقة فاضل.
وقال محمد بن جعفر بن سام لو قيل لأبي يحيى الناقد غدا تموت ما ازداد في عمله.
وقال أبو زرعة الطبري قال: أبو يحيى الناقد اشتريت من الله تعالى حوراء بأربعة آلاف ختمة فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول وفيت بعهدك فها أنا التي قد اشتريتني فيقال إنه مات عن قريب.
وقال أبو بكر الخلال أخبرني زكريا بن يحيى الناقد قال: سمعت أحمد بن حنبل وإنسان يسأله فجعل يقول له سل من يعلم سلم من يعلم.
ومات ليلة الجمعة ودفن يوم الجمعة لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين ومائتين.
زهير بن أبي زهير نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: قلت: لأحمد إن فلانا يعني أبا يوسف ربما سعى في الأمور مثل المصانع والمساجد والآبار فقال: لي أحمد لا نفسه أولى به وكره أن يبذل الرجل نفسه ووجهه.
وقال زهير أنا أول من تلقى أبا عبد الله في دار إسحاق قبل أن يخرج من الحراقة قال: فخرج وعليه الكساء الذي خلع عليه قال: فسقط قال: فجعل يجره وما سواه عليه.(1/140)
زهير بن محمد بن قمير المروذي ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد.
باب السين
سليمان بن الأشعت بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرة بن عمران الأزدي أبو داود السجستاني الإمام في زمانه وهو ممن رحل وطوف وجمع وصنف وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والبصريين.
سمع سليمان بن إبراهيم وسليمان بن حرب وأبا عمر الحوضي وأبا الوليد الطيالسي وإمامنا أحمد وخلقا سواهم روى عنه ابنه عبد الله وأبو عبد الرحمن النسائي وأبو بكر النجاد وأبو الحسين بن المنادي وأبو بكر الخلال وأبو بكر بن داود الأصفهاني في آخرين سمع منه إمامنا أحمد حديثاً واحداً وسكن البصرة وقدم بغداد غير مرة وروى كتابه المصنف في السنن بها ونقله عنه أهلها ويقال إنه صنفه قديما وعرضه على إمامنا فأجازه واستحسنه.
نقل عن إمامنا أشياء.
منها ما أخبرنا عبد الصمد الهاشمي قراءة قال: أخبرنا الدارقطني حدثنا عثمان بن إسماعيل بن بكر السكري قال: سمعت أبا داود السجستاني يقول قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة أترك كلامه قال: لا أو تعلمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة فإن ترك كلامه فكلمه وإلا فألحقه به قال: ابن مسعود المرء بخدنه قال محمد بن علي الآجري قلت: لأبي داود أيما أعلى عندك علي بن الجعد أو عمرو بن مرزوق فقال: عمرو أعلى عندنا علي بن الجعد وسم بميسم سوء قال: وما يسوءني أن يعذب الله معاوية وقال ابن عمر ذاك الصبي.
وأنبأنا محمد بن علي بن المهتدي بالله قال: أخبرنا عبيد الله بن الصيدلاني قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص العطار قال: سمعت أبا داود يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول ولد الضحاك بن مزاحم وله ثنيتان.
وقال أبو داود وكنت أرى إزار أبي عبد الله محلولة.(1/141)
أخبرنا أحمد نزيل دمشق أخبرنا البرقاني أخبرنا أحمد بن محمد بن حسنويه أخبرنا الحسين بن إدريس حدثنا أبو داود قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول كان ابن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيب قيل وأحمد خلف مثله ببلاده قال: لا ولا بغيرها يعني ابن أبي ذئب.
أخبرنا بركة المجهز أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سليمان بن الأشعث قال: سمعت أحمد بن حنبل قال: له رجل قيل مؤمن أنت قال: نعم هل على في ذلك شيء هل الناس إلا مؤمن أو كافر فغضب أحمد وقال هذا كلام الإرجاء قال: الله عز وجل "وآخرون مرجون لأمر الله".
وقال أبو داود سمعت أحمد سئل عن القراءة في فاتحة الكتاب ملك أو مالك يعني أيهما أحب إليك قال: مالك أكثر ما جاء في الحديث.
وقال أبو داود سمعت أبا عبد الله يقول من قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر.
وقال أبو بكر بن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث صحيح ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها قوله عليه الصلاة والسلام إنما الأعمال بالنيات والثاني قوله عليه الصلاة والسلام من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث قوله عليه الصلاة والسلام لا يكون المؤمنت مؤمنا حتى يرض لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع قوله عليه الصلاة والسلام الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث.
وذكر أبو سليمان حمد بن محمد البستي الخطابي وقد سئل عن تفسير كتاب السنن لأبي داود فحكى عن أبي عمر الزاهد قال: قال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود هذا الكتاب ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد.(1/142)
وقال أبو بكر بن جابر خادم أبي داود كنت مع أبي داود ببغداد فصلينا المغرب إذ قرع الباب ففتحته فإذا خادم يقول هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن فدخلت إلى أبي دامد فأخبرته بمكانه فأذن له فدخل وقعد ثم أقبل عليه أبو داود فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت فقال: خلال ثلاث فقال: وما هي قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض فتعمر بك فإنها قد خربت وانقطع عنها الناس لما جرى من محنة الزنج فقال: هذه واحدة هات الثانية قال: وتروى لأولادي كتاب السنن فقال: نعم هات الثالثة قال: وتفرد لهم مجلسا للرواية فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة فقال: أما هذه فلا سبيل إليها لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء.
قال ابن جابر وكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون في كم حيرى ويضرب بينهم وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة.
وروى أن سنن أبي داود قرئت على ابن الأعرابي فأشار إلى النسخة وهي بين يديه وقال لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عز وجل ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة.
ولد أبو داود سنة ثنتين ومائتين ومات يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين وله ثلاث وسبعون سنة وقيل إنه توفي بالبصرة.
سليمان بن المعافى بن سليمان الحراني حدث عن إمامنا فيما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي.
حدثنا علي بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا سليمان بن المعافى حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أنه قال: لجابر الجعفي لا تموت حتى تأتيهم بالكذب قال: فما مات حتى أتاهم بالكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سليمان بن داود الشاذكوني نقل عن إمامنا أشياء:(1/143)
منها ما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله قال: أخبرنا طالب بن عثمان النحوي حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار حدثنا الكديمي قال: سمعت سليمان بن داود الشاذكوني يقول علي بن المديني يتشبه بأحمد بن حنبل ما أشبه السك باللك رأيت أحمد بن حنبل أتى فاميا فرهن عنده سطلا على شيء يقوته ثم شاهدته أتاه في فكاك الرهن وقال أخرج سطلي فأتاه بسطلين وقال قد اشتبه سطلك علي فخذه منهما فقال: أنت من السطل في حل ومن الفكاك في حل وانصرف عنه فخاصمت الفامي وقلت: له لم حملته على هذا فقال: الذي ناولته هو والله سطله وأنا أعرفه ولكني أردت أن أمتحنه.
سليمان بن عبد الله السجزي نقل عن إمامنا أشياء:(1/144)
منها المحنة حدثنا أحمد بن عبيد الله قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النوسي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني قال: حدثنا علي بن صالح المصري حدثنا سليمان بن عبد الله السجزي قال: أتيت إلى باب المعتصم وإذا الناس قد ازدحموا على بابه كيوم العيد فدخلت الدار فرأيت بساطا مبسوطا وكرسيا مطروحا فوقفت بإزاء الكرسي فبينما أنا قائم فإذا المعتصم قد أقبل فجلس على الكرسي ونزع نعله من رجله ووضع رجلا على رجل ثم قال: يحضر أحمد بن حنبل فأحضر فلما وقف بين يديه وسلم عليه قال: له يا أحمد تكلم ولا تخف فقال: أحمد والله يا أمير المؤمنين لقد دخلت عليك وما في قلبي مثقال حبة من الفزع فقال: له المعتصم ما تقول في القرآن فقال: كلام الله قديم غير مخلوق قال: الله عز وجل " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " فقال: له عندك حجة غير هذا فقال: أحمد نعم يا أمير المؤمنين قول الله عز وجل " الرحمن علم القرآن " ولم يقل الرحمن خلق القرآن وقوله عز وجل " يس والقرآن الحكيم " ولم يقل يس والقرآن المخلوق فقال: المعتصم احبسوه فحبس وتفرق الناس فلما أصبحت قصدت الباب فأدخل الناس فدخلت معهم فأقبل المعتصم وجلس على كرسيه فقال: هاتوا أحمد بن حنبل فجيء به فلما أن وقف بين يديه قال: له المعتصم كيف كنت يا أحمد في محبسك البارحة فقال: بخير والحمد لله إلا أني رأيت يا أمير المؤمنين في محبسك أمراً عجبا قال: له وما رأيت قال: قمت في نصف الليل فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين فقرأت في ركعة " الحمد لله " و " قل أعوذ برب الناس " وفي الثانية " الحمد لله " و " قل أعوذ برب الفلق " ثم جلست وتشهدت وسلمت ثم قمت فكبر قرأت " الحمد لله " وأردت أن أقرأ " قل هو الله أحد " فلم أقدر ثم اجتهدت أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر فمددت عيني في زاوية السجن فإذا القرآن مسجى ميتا فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته فقال: له ويلك يا(1/145)
أحمد والقرآن يموت فقال: له أحمد فأنت كذا تقول إنه مخلوق وكل مخلوق يموت فقال: المعتصم قهرنا أحمد فهرنا أحمد فقال: ابن أبي داود وبشر المريسي اقتله حتى نستريح منه فقال: إني قد عاهدت الله أن لا أقتله بسيف ولا أمر بقتله بسيف فقال: له ابن أبي دؤاد اضربه بالسياط فقال: نعم ثم قال: أحضروا الجلادين فأحضروا فقال: المعتصم لواحد منهم بكم سوط تقتله فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين فقال: خذه إليك قال: سليمان السجزي فأخرج أحمد بن حنبل من ثيابه وائتزر بمئزر من الصوف وشد في يديه حبلان جديدان وأخذ السوط في يده وقال أضربه يا أمير المؤمنين فقال: المعتصم اضرب فضربه سوطا فقال: أحمد الحمد لله وضربه ثانياً فقال: ما شاء الله كان فضربه ثالثاً فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل ويريد أن يسقط فرفع رأسه نحو السماء وحرك شفتيه وإذا الأرض قد انشقت وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة الله عز وجل فلما أن نظر المعتصم إلى ذلك قال: خلوه فتقدم إليه ابن أبي دؤاد وقال له يا أحمد قل في أذني إن القرآن مخلوق حتى أخلصك من يد الخليفة فقال: له أحمد يابن أبي دؤاد قل في أذني إن القرآن كلام الله غير مخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل فقال: المعتصم أدخلوه الحبس قال: سليمان فحمل إلى الحبس وانصرف الناس وانصرفت معهم فلما كان الغد أقبل الناس وأقبلت معهم فوقفت بإزاء الكرسي فخرج المعتصم وجلس على الكرسي وقال هاتوا أحمد بن حنبل فجيء به فلما وقف بين يديه قال: له المعتصم كيف كنت في محبسك الليلة يا ابن حنبل قال: كنت بخير والحمد لله فقال: يا أحمد إني رأيت البارحة رؤيا قال: وما رأيت يا أمير المؤمنين قال: رأيت في منامي كأن أسدين قد أقبلا إلي وأرادا أن يفترساني وإذا ملكان قد أقبلا ودفعاهما عني ودفعا إلي كتابا وقالا لي هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل في محبسه فما الذي رأيت(1/146)
يا ابن حنبل فأقبل أحمد على المعتصم فقال: له يا أمير المؤمنين فالكتاب معك قال: نعم وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه فقال: له أحمد يا أمير المؤمنين رأيت كأن القيامة قد قامت وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد وهو يحاسبهم فبينما أنا قائم إذ نودي بي فقدمت حتى وقفت بين يدي الله عز وجل فقال: لي يا أحمد فيم ضربت فقلت: من جهة القرآن فقال: لي وما القرآن فقلت: كلامك اللهم لك فقال: لي من أين قلت: هذا فقلت: يا رب حدثني عبد الرزاق فنودي بعبد الرزاق فجيء به حتى أقيم بين يدي الله عز وجل فقال: له ما تقول في القرآن يا عبد الرزاق فقال: كلامك اللهم لك فقال: الله عز وجل من أين قلت: هذا فقال: حدثني معمر فنودي بمعمر فجيء به حتى أوقف بين يدي الله عز وجل فقال: الله عز وجل له ما تقول في القرآن يا معمر فقال: معمر كلامك اللهم لك فقال: له من أين قلت: هذا فقال: معمر حدثني الزهري فنودي بالزهري فجيء به حتى أوقف بين يدي الله عز وجل فقال: الله عز وجل له يا زهري ما تقول في القرآن فقال: الزهري كلامك اللهم لك فقال: يا زهري من أين لك هذا قال: حدثني عروة فجيء عروة فقال: ما تقول في القرآن فقال: كلامك اللهم لك فقال: له يا عروة من أين لك هذا فقال: حدثتني عائشة بنت أبي بكر الصديق فنوديت عائشة فجيء بها فوقفت بين يدي الله عز وجل فقال: الله عز وجل لها يا عائشة ما تقولين في القرآن فقالت كلامك اللهم لك فقال: الله عز وجل لها من أين لك هذا قالت حدثني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم قال: فنودي بمحمد صلى الله عليه وسلم فجيء به فوقف بين يدي الله عز وجل فقال: الله عز وجل يا محمد ما تقول في القرآن فقال: له كلامك اللهم لك فقال: الله له من أين لك هذا فقال: النبي صلى الله عليه وسلم حدثني به جبريل فنودي بجبريل فجيء به حتى وقف بين يدي الله عز وجل فقال: له يا جبريل ما تقول في القرآن قال: كلامك اللهم لك فقال: الله تعالى له من(1/147)
أين لك هذا فقال: هكذا حدثنا إسرافيل فنودي بإسرافيل فجيء به حتى وقف بين يدي الله عز وجل فقال: الله سبحانه يا إسرافيل ما تقول في القرآن فقال: كلامك اللهم لك فقال: الله له ومن أين لك هذا فقال: إسرافيل رأيت ذلك في اللوح المحفوظ فجيء باللوح فوقف بين يدي الله عز وجل فقال: له أيها اللوح ما تقول في القرآن فقال: كلامك اللهم لك فقال الله تعالى له من أين لك هذا فقال: اللوح كذا جرى القلم علي فأتى بالقلم حتى وقف بين يدي الله عز وجل فقال: الله عز وجل له ياقلم ما تقول في القرآن فقال: القلم كلامك اللهم لك فقال: الله من أين لك هذا فقال: القلم أنت نظقت وأنا جريت فقال: الله عز وجل صدق القلم صدق اللوح صدق إسرافيل صدق جبريل صدق محمد صدقت عائشة صدق عروة صدق الزهري صدق معمر صدق عبد الرزاق صدق أحمد بن حنبل القرآن كلامي غير مخلوق.دق محمد صدقت عائشة صدق عروة صدق الزهري صدق معمر صدق عبد الرزاق صدق أحمد بن حنبل القرآن كلامي غير مخلوق.
قال سليمان السجزي فوثب عند ذلك المعتصم فقال: صدقت يا ابن حنبل وتاب المعتصم وأمر بضرب رقبة بشر المريسي وابن أبي دؤاد وأكرم أحمد بن حنبل وخلع عليه فامتنع من ذلك فأمر به فحمل إلى بيته.
سليمان القصير سأل إمامنا عن أشياء:
منها ما رواه أبو بكر الخلال قال: أخبرني محمد بن عمرو بن مكرم الصفار قال: حدثني سليمان القصير قال: قلت: لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله إيش تقول في رجل ليس عنده شيء وله قرابة عندهم وليمة ترى أن يقترض ويهدي لهم قال: نعم.(1/148)
سليمان بن سافري الواسطي حضر مجلس إمامنا وحدث عنه بأشياء روى الخطيب أحمد بن ثابت أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد الأزرق حدثنا محمد بن الحسين النقاش المقرىء حدثنا مسيح بن حاتم حدثنا سليمان بن سافري الواسطي قال: كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: له رجل يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في النوم فقلت: له ما فعل الله بك قال: غفر لي ورحمني وعاتبني فقلت: غفر لك ورحمك وعاتبك قال: نعم قال: لي يا يزيد بن هارون كتبت عن حريز بن عثمان قال: قلت: يا رب ما علمت إلا خيراً قال: إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وبإسناده قال أحمد بن سنان سمعت يزيد بن هارون يقول رأيت رب العزة تعالى في النوم فقال: لي يا يزيد تكتب عن حريز بن عثمان فقلت: يا رب ما علمت عنه إلا خيرا فقال: يا يزيد لا تكتب عنه فإنه يسب عليا رضي الله عنه.
سعيد بن أبي سعيد أبو نصر الأرطائي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا سعيد بن أبي سعيد أبو نصر الأرطائي قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الصلاة خلف المبتدعة فقال: أما الجهمية فلا وأما الرافضة الذين يردون الحديث فلا.
سعيد بن محمد الرفا نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما قرأته بخط أبي إسحاق بن شاقلا حدثنا محمد بن إسحاق المقرىء حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا سعيد بن محمد الرفا قال: سألت أبا عبد الله عن أمر مكة فقال: دخلت صلحا فقلت: وأي شيء في ذلك فقال: حديث الزهري.
فاختار ابن شاقلا هذه الرواية.
قلت: أنا والرواية الصحيحة عن أحمد أنها فتحت عنوة.
سعيد بن يعقوب نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: كتب إلي أحمد بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد بن محمد إلى سعيد بن يعقوب أما بعد فإن الدنيا داء والسلطان داء والعالم طبيب فإذا رأيت الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاحذره والسلام عليك.(1/149)
سلمة بن شبيب النيسابوري ذكره أبو بكر الخلال فقال: رفيع القدر حدث عنه شيوخنا الأجلة وكان عنده عن عبد الرزاق والشيوخ الكبار وكان سلمة قريبا من مهنا و إسحاق بن منصور.
قلت: أنا ومن جملة ما نقل عن إمامنا ما أنبأنا علي عن ابن بطة قال: سمعت أبا بكر بن أيوب قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول وسئل عن فسخ الحج إلى العمرة فقال: سلمة بن شبيب لأحمد كل شيء منك حسن غير خلة واحدة قال وما هي قال: تقول بفسخ الحج إلى العمرة قال: أحمد كنت أرى لك عقلا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا أتركها لقولك.
وقال سلمة بن شبيب سألت أحمد قلت: يا أبا عبد الله نكتب عن هؤلاء الذين يأخذون الدراهم ويحدثون قال: لا تكتب عنهم ولا كرامة.
أنبأنا المبارك عن أبي إسحاق البرمكي حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق حدثنا علي بن محمد قال: حدثني أحمد بن محمد بن مهران حدثنا أحمد بن عصمة النيسابوري حدثنا سلمة بن شبيب قال: عزمت على النقلة إلى مكة فبعت داري فلما فرغتها وسلمتها وقفت على بابها فقلت: يا أهل الدار جاورناكم فأحسنتم جوارنا جزاكم الله خيراً وقد بعنا الدار ونحن على النقلة إلى مكة وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قال: فأجابني من الدار مجيب فقال: وأنتم فجزاكم الله خيراً ما رأينا منكم إلا خيرا ونحن على النقلة أيضاً فإن الذي اشترى منكم الدار رافضي يشتم أبا بكر وعمر والصحابة رضي الله عنهم.
وقال أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن بشر حدثني سلمة بن شبيب حدثني أحمد الحفار قال: دخلت المقابر يوم الجمعة فما انتهيت إلى قبر إلا وسمعت فيه قراءة القرآن.(1/150)
أنبأنا رزق الله عن أبي الفتح بن أبي الفوارس حدثنا محمد بن العباس حدثنا محمد بن حفص حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عتاب حدثنا سلمة بن شبيب قال: كنا عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فدق الباب وكنا قد دخلنا عليه خفيا فظننا أنه قد غمز بنا فدق ثانية وثالثة فقال: أحمد أدخل قال: فدخل فسلم وقال أيكم أحمد فأشار بعضنا إليه قال: جئت من البحر من مسيرة أربعمائة فرسخ أتاني آت في منامي فقال: ائت أحمد بن حنبل وسل عنه فإنك تدل عليه وقل له إن الله عنك راض وملائكة سمواته عنك راضون وملائكة أرضه عنك راضون قال: ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أحمد بن إبراهيم الأهوازي قال: سألت سلمة بن شبيب بمكة عن القرآن فقال: من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العلي العظيم ثلاثاً.
قلت: حدث عن سلمة بن شبيب جماعة منهم مسلم في الصحيح.
سليمان بن عبد الله أبو مقاتل حدث عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ههنا رجل خلقه الله لهذا الشأن يظهر الكذابين يعني يحيى بن معين.
سفيان بن وكيع بن الجراح ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد.
قال أبو بكر الخلال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: سمعت سفيان بن وكيع يقول أحفظ عن أبي عبد الله مسألة منذ نحو من أربعين سنة سئل عن الطلاق قبل النكاح فقال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن علي وعن ابن عباس وعلي بن حسين وسعيد بن المسيب ونيف وعشرين من التابعين لم يروا به بأساً فسألت أبي عن ذلك وأخبرته بقول سفيان فقال: صدق كذا قلت.
سعدان بن يزيد نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سئل أحمد عن شراء السماد وبيعه فقال: سبحان الله نأمر بهذا ونأذن فيه كالمستعظم له.
وقال سعدان حدثني أحمد بن حنبل قال: دخل الثوري والأوزاعي على مالك فلما خرجا من عنده قال: مالك أحدهما أوسع حديثا وأخير للإمامة.(1/151)
سندي أبو بكر الخواتيمي البغدادي قال: أبو بكر الخلال هو من جوار أبي الحارث مع أبي عبد الله فكان داخلا مع أبي عبد الله ومع أولاده في حياة أبي عبد الله سمع من أبي عبد الله مسائل صالحة.
قلت: أنا منها قال: سئل أبو عبد الله عن حلق العانة وتقليم الأظفار كم يترك قال: أربعين للحديث الذي يروى فيه وقد بلغني عن الأوزاعي أنه قال: للمرأة خمسة عشر وللرجل عشرون وأما الشارب ففي كل جمعة لأنك إذا تركته بعد الجمعة يصير وحشاً.
وقال سندي أيضاً سأل رجل أبا عبد الله قال: إن أبي يأمرني أن أطلق امرأتي قال: لا تطلقها قال: أليس عمر أمر ابنه عبد الله أن يطلق امرأته قال: حتى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه.
وقال سندي رأيت أبا عبد الله قام له رجل من موضعه فأبى أن يقعد فيه وقال للرجل ارجع إلى موضعك فرجع الرجل إلى موضعه وقعد أبو عبد الله بين يديه.
باب الشين
شجاع بن مخلد أبو الفضل البغوي سكن بغداد وحدث بها عن هشيم وإسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة ووكيع وأبي عاصم النبيل وغيرهم روى عنه محمد بن عبيد الله بن المنادي و إبراهيم الحربي وغيرهما وسئل يحيى بن معين عنه فقال: أعرفه ليس به بأس نعم الشيخ أو نعم الرجل ثقة.
وقال إبراهيم الحربي حدثني شجاع بن مخلد ولم نكتب عن أحد أخير منه قال: لقيني بشر بن الحارث وأنا أريد مجلس منصور بن عمار فقال: لي وأنت أيضاً يا شجاع وأنت أيضاً يا شجاع إرجع إرجع فرجعت.
وسمع من إمامنا أشياء منها قال: قال لي أحمد إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وإنها أيام قلائل.
وقال المروذي سمعت شجاع بن مخلد يقول قال: لي أبو الوليد ما بالمصرين رجل أحب إلي من أحمد بن حنبل.(1/152)
وقال محمد بن عبد الله الحضرمي سنة خمس وثلاثين ومائتين فيها مات شجاع بن مخلد وقال الحسن بن فهم شجاع بن مخلد من أبناء أهل خراسان من الصين وهو ثقة ثبت وتوفي ببغداد لعشر خلون من صفر سنة خمس وثلاثين ومائتين وحضره بشر بن كثير ودفن في مقبرة باب التبن ومولده سنة خمسين ومائة هكذا ذكره موسى بن هارون عن أبيه.
شاهين بن السميذع أبو سلمة العبدي نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما قرأته بخط أبي حفص البرمكي قال: قرأت على أبي مردك حدثك على بن سعيد الخفاف حدثنا شاهين بن السميذع قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول الواقفة شر من الجهمية ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر قال: وسمعت أبا عبد الله يقول إسحاق بن إسرائيل واقفي مشئوم قال: وسألت أبا عبد الله عمن يقول أنا أقف في القرآن تورعاً قال: ذاك شاك في الدين إجماع العلماء والأئمة المتقدمين على أن القرآن كلام الله غير مخلوق هذا الدين الذي أدركت عليه الشيوخ وأدرك من كان قبلهم على هذا.
قال وسألت أبا عبد الله قلت: أصلي خلف الجهمي قال لا تصلي خلف الجهمي ولا خلف الرافضي.
وأنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا شاهين بن السميذع قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول الحسين الكرابيسي عندنا كافر.
وقال سمعت أبا عبد الله يقول من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر وقال سمعت أبا عبد الله يقول من قال: القرآن مخلوق فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر.
وقال سمعت أبا عبد الله يقول الإيمان قول وعمل قول باللسان وعمل بالأركان.
وقال سمعت أبا عبد الله يقول من قدم عليا على أبي بكر فقد أزرى على المهاجرين الأولين.(1/153)
وقال سألت أبا عبد الله عمن يبطل الرؤية ويقول إن الله تبارك وتعالى لا يرى في القيامة فقال: هذا من الجهمية من زعم أن الله لا يرى في القيامة فقد أبطل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
باب الصاد
صالح بن إمامنا أحمد أبو الفضل أكبر أولاده.
سمع أباه أحمد وعلي بن الوليد الطيالسي و إبراهيم بن الفضل الزارع روى عنه ابنه زهير وأبو القاسم البغوي ومحمد بن جعفر الخرائطي ويحيى بن صاعد وعبد الرحمن بن أبي حاتم وسئل عنه فقال: كتبت عنه بأصبهان وهو صدوق ثقة وأبو الحسين بن المنادي وأبو الحسين بن بشار وأبو بكر الخلال وقال سمع من أبيه مسائل كثيرة وكان الناس يكتبون إليه من خراسان ومن المواضع يسأل لهم أباه عن المسائل فوقعت إليه مسائل جياد وكان أبو عبد الله يحبه ويكرمه وكان معيلا بلي بالعيال على حداثته وكان أبو عبد الله يدعو له وكان سخيا يطول ذكر سخائه أن يرسم في كتاب.
وأخبرني الحسن بن علي الفقيه بالمصيصة قال: كان صالح قد اقتصد فدعا إخوانه وأنفق في ذلك اليوم نحوا من عشرين دينارا في طيب وغيره.(1/154)
وأخبرني محمد بن العباس قال: حدثني محمد بن علي قال: سمعت صالح بن أحمد يقول قال: أبي أنا أدعوك وأبعث خلفك إذا جاءنا رجل متقشف لتنظر إليه رجاء أن يرسخ في قلبك إذا نظرت إلى مثله قال: فلما صار صالح إلى أصبهان وكنت معه أخرجني هو سمعته لما دخل أصبها بدأ بمسجدها الجامع فدخله وصلى ركعتين واجتمع الناس والشيوخ عليه وجلس وقرىء عليه عهده الذي كتب له الخليفة جعل يبكي بكاء حتى غلبه فبكى الشيوخ الذين قربوا منه فلما فرغ من قراءة العهد جعل المشايخ يدعون له ويقولون ما في بلدنا أحد إلا وهو يحب أبا عبد الله ويميل إليك فقال: لهم تدرون ما الذي أبكاني ذكرت أبي رحمه الله أن يراني في مثل هذا الحال قال: وكان عليه السواد قال: كان أبي يبعث خلفي إذا جاءه رجل زاهد متقشف لأنظر إليه يحب أن أكون مثلهم أو يراني مثلهم ولكن الله يعلم ما دخلت في هذا الأمر إلا لدين غلبني وكثرة عيال أحمد الله تعالى.
وقال لي صالح غير مرة إذا انصرف من جلس الحكم يترك سواده ويقول لي تراني أموت وأنا على هذا.
وأخبرني محمد بن علي حدثنا صالح قال: أبي لا يشهد رجل عند قاض جهمي وفي لفظ آخر سئل أبي عن رجل يكون قد شهد شهادة فدعوه إلى القاضي يذهب إليه والقاضي جهمي قال: لا يذهب إليه قال: قلت: فإن استعدي عليه فذهب به فامتحن قال: لا يجيب ولا كرامة يأخذ كفا من تراب يضرب به وجهه.
وذكره أبو حفص البرمكي في المجموع فقال: روى صالح عن أبيه أنه قال: عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل.
وأنبأنا أحمد بن عبد القادر قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن إبراهيم قال:(1/155)
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمرويه بن علم قال: قال لي صالح بن أحمد عزم أبي على الخروج إلى مكة ليقضي حجة الإسلام ورافق يحيى بن معين فقال: نمضي إن شاء الله فنقضي حجتنا ونمضي إلى عبد الرزاق إلى صنعاء غير واضحة منه وكان يحيى بن معين يعرف عبد الرزاق وقد سمع منه فوردنا مكة وطفنا طواف الورود فإذا عبد الرزاق في الطواف يطوف فطاف وخرج إلى المقام فصلى ركعتين وجلس فتممنا طواقنا أنا لأحمد وجئنا وعبد الرزاق جالس عند المقام فقلت: لأحمد هذا عبد الرزاق قد أراحك الله من مسيرة شهر ذاهباً وجائياً ومن النفقة فقال: ما كان الله يراني وقد نويت له نية أفسدها ولا أتمها.
وأنبأنا أبو الحسين الخطيب عن عمر بن شاهين حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرويه قال: قال صالح بن أحمد بن حنبل قال: لي أبي يا بني اعلم أن إبليس موكل بالمسلمين معه خرج فيه رقاع حوائج بني آدم كلهم فإذا وقفوا للصلاة أخرجها فعرضها عليهم ليخرج المصلي من حد الصلاة فيشغل قلبه واعلم أنه قد وكل بي فإذا وقفت لصلاة وقف بحذائي فإذا صليت ركعتين قال: لي يا أحمد قد صليت ثلاثة فأقول له بيدي لا بلا كلام فلا يزال يقول كذلك حتى أقضي الصلاة.
قلت: أنا وكان صالح قد ولى القضاء بطرسوس قبل ولاية القضاء بأصبهان.
حدثنا الوالد السعيد إملاء من لفظه وأصله بجامع المنصور عن أبي الفتح القواس أن أبا عبد الله بن علم حدثهم قال: قال لي صالح حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحيته فجعل يعرق ثم يضيق ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا لا بعد لا بعد ثلاث مرات فقلت: يا أبت إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت قال: يا بني ما تدري قلت: لا قال: إبليس لعنه الله قائم بحذائي عاضا على أنامله يقول يا أحمد فتني فأقول لا حتى أموت.(1/156)
ومات صالح بأصبهان ودفن إلى قرب قبر حممة بن أبي حممة الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة ست وستين ومائتين وله ثلاث وستون سنة وله أولاد منهم زهير لأحمد، وكان مولد صالح سنة ثلاث ومائتين.
قال أبو نعيم مات صالح سنة خمس والتاريخ الأول أصح.
ذكر أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن خاقان في الجزء الثامن من كتاب مذاهب أهل العلم في أخذهم بالسماع فقال: حدثني عبد الله بن أحمد حدثني أخي صالح حدثنا علي بن عبد الله قال: سمعت يحيى يعني ابن سعيد يقول قال: لي سفيان بن حبيب إن ابن جريح يصحح هذا الحديث عن الزهري أن ناسا من يهود غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحيى فقلت: لابن جريج: سمعت هذا من ابن شهاب? قال: أو قرأته.
صالح بن أحمد الحلبي ذكره أبو بكر الخلال في أخلاف أحمد فقال: أخبرنا صالح بن أحمد الحلبي قال: سمعت أحمد بن حنبل يجهر بآمين في الصلاة يمد بها صوته خلف الإمام
صالح بن إسماعيل ذكره أبو بكر الخلال فقال: عنده عن أحمد مسائل صالحة وكذلك ذكره ابن ثابت.
صالح بن زياد السوسي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أبا عبد الله عن الإمام يخاف أن يمتحن على الإمامة قال: يتركها قلت: فالمؤذن يخاف أن يمتحن على الأذان قال: يتركه قلت: فالمقرىء يخاف أن يمتحن على القراءة قال: لا يتركها ليس كل الناس يحفظ القرآن.
وقال فتح بن شخرف سمعت صالح بن زياد السوسي يقول سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يكون له الزرع القائم وليس له عدة يحصده أيأخذ من الزكاة قال: نعم يأخذ.
صالح بن علي النوفلي من آل ميمون بن مهران ذكره أبو بكر الخلال فقال: سمعنا منه في سنة سبعين بحلب وسمعنا منه عن أبي عبد الله أيضاً مسائل وكان مقدما على أهل حلب.
صالح بن علي الهاشمي ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
صالح بن علي الحلبي نقل عن إمامنا أشياء:(1/157)
منها قال: سئل أي التسليمتين أرفع قال: الأولى وهو اختبار الخلال وأبي حفص العكبري.
صالح بن عمران بن حرب أبو شعيب الدعاء وقيل صالح بن عمران بن عبد الله بخاري الأصل سمع إمامنا أحمد وسعيد بن داود الزبيري وأبا نعيم الفضل بن دكين في آخرين روى عنه القاضي أحمد بن كامل والخطبي وابن صاعد في آخرين ومات في يوم السبت لتسع بقين من ذي القعدة سنة خمس وثمانين ومائتين.
صالح بن موسى بن حيدرة أبو الوجيه ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد
أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين ابن أخي ميمي أخبرنا على ابن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا أبو الوجيه صالح بن موسى بن حيدرة حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال: حدثنا عفان بن مسلم حدثنا يحيى بن سعيد قال: سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن رجل لا يحفظ أويتهم في الحديث فقالوا جميعاً بين أمره.
قال أبو الوجيه وسمعت أبا عبد الله يقول ومن يفلت من التصحيف لا يفلت أحد منه.
صدقة بن موسى بن تميم بن ربيعة بن ضمرة مولى علي بن أبي طالب روى عن إمامنا أشياء:
منها حدثنا أحمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما فرض عليكم الصلاة والصيام والحج والزكاة فمن أبغض واحدا منهم فلا صلاة ولا حج ولا زكاة ويحشر يوم القيامة من قبره إلى النار ".
صفدي بن الموفق أبو ميمون السراج ذكره أبو بكر الخلال وأبو أحمد المؤرخ فيمن روى عن أحمد.
من ذلك قال: حدثنا أحمد حدثنا عبد الرزاق قال: قدم علينا سفيان الثوري صنعاء وطبخت له قدر سكباج فأكل ثم أتيته بزبيب الطائف فأكل ثم قال: يا عبد الرزاق اعلف الحمار وكده ثم قام يصلي حتى الصباح.(1/158)
وأنبأنا أبو الحسين الخطيب عن أبي الحسين بن أخي ميمي أخبرنا علي بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا أبو ميمون صفدي بن الموفق السراج حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضى الله عز وجل في رضى الوالد وسخط الله في سخط الوالد ".
وبه حدثنا صفدي حدثنا بشر بن الحارث حدثنا عبد الله بن داود حدثنا سويد مولى عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث قال: سمعت علياً على المنبر يقول خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
باب الطاء
طيب بن إسماعيل أبو حمدون المقرىء سأل إمامنا عن أشياء منها قال: قلت: له ما تكره من قراءة حمزة قال: الكسر والإدغام فقلت: له بسم الله الرحمن الرحيم أين الألف واللام فقال: إن كان هكذا فلا بأس.
طاهر بن محمد بن نزار أبو الطيب أحد الأصحاب قال: حدثنا أحمد بن حنبل في السجن والقيد في رجله قال: حدثني بعض أصحابنا عن الأشجعي عن سفيان في قوله تعالى " إنا جعلناه قرآناً عربياً " قال: وصفناه.
طالب بن حرة الأذني:
قال أبو بكر الخلال أخبرنا طالب بن حرة الأذني قال: حضرت أحمد بن حنبل فقال علامة المريد قطيعة كل خليط لا يريد ما تريد.
طلحة بن عبيد الله البغدادي الأصل من ساكني مصر حدث عن إمامنا قال: وافق ركوبي ركوب أحمد في السفينة فكان يطيل السكوت فإذا تكلم قال: اللهم أمتنا على الإسلام والسنة.(1/159)
طاهر بن محمد بن الحسين التميمي الحلبي قال: أبو بكر الخلال جليل عظيم القدر سمعت أبا بكر بن صدقة يذكره بذكر جميل ويرفع قدره وسمع منه أصحابنا الذين سمعنا منهم وكلهم يذكره بالحفظ والجلالة وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة فيها غرائب حدثنا عنه محمد بن القاسم الأذني منها قال: أحمد في اللقطة إن كانت ذهبا أو فضة عرفها سنة وهي له وإن كانت غير ذلك عرفها أبداً واختاره عبد العزيز.
ومنها سألت أحمد عن الماء الذي يسقى في السبيل هل يجوز للأغنياء الشرب منه قال: لا بأس.
باب الظاء
ظليم بن حطيط قال: أبو بكر التمار ذكر لي أبو صالح السوسي أنه كان ببخارى يروى عن أبي عبد الله كتاب الإيمان.
باب العين
ذكر من اسمه عبد الله
عبد الله بن إمامنا أحمد أبو عبد الرحمن:
حدث عن أبيه وعن عبد الأعلى بن حماد وكامل بن طلحة ويحيى بن معين وأبي بكر وعثمان ابني أبي شبيبة وشيبان بن فروخ وعباس بن الوليد النرسي وأبي خيثمة زهير بن حرب وسويد بن سعيد وأبي الربيع الزهراني وعلي بن حكيم الأودي ومحمد بن جعفر الوركاني ويحيى بن عبد ربه وزكريا بن يحيى بن حموية وعبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ومحمد بن أبي بكر وسفيان بن وكيع بن الجراح وسلمة بن شبيب وداود بن عمرو الضبي في خلق كثير من أمثال هؤلاء روى عنه أبو القاسم الباغوي وعبد الله بن إسحاق المدائني ومحمد بن خلف وكيع ويحيى بن صاعد وعبد الله النيسابوري والقاضيان المحاملي و أحمد بن كامل والخطبي والكاذي وأبو علي بن الصواف وأبو بكر النجاد وأبو الحسين بن المنادي ومحمد بن مخلد وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان ثبتا فهما ثقة.
ولد في جماد الأولى سنة ثلاث عشرة ومائتين.(1/160)
أنبأنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو القاسم الأزجي قراءة أخبرنا عبد العزيز بن جعفر إجازة أخبرنا أبو بكر الخلال أخبرنا محمد بن أحمد بن الريان قال: سمعت عبد الله بن أحمد يقول كنت أعرض الحديث على أبي رضي الله عنه فأرى في وجهه التغير ويقول كأنك تطلب ما لم أسمعه فتركته.
وبالإسناد أخبرنا عبد العزيز بن جعفر إجازة حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن كوثر حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال لي الحسن بن محمد الزعفراني كل كتاب قرأت على الشافعي كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل حاضرا فإذا قال: الشافعي حدثني الثقة يعني أباك أحمد بن حنبل.
وذكره أبو حفص البرمكي في المجموع قال: روى عبد الله عن أبيه أنه قال: في زيارة الرجل القبر يجيء ويسلم ويدعو.
وروى عبد الله عن أبيه أنه قال: قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نسمة المؤمن إذا مات طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه".
وذكر الوالد السعيد في المعتمد قال: روى عبد الله عن أبيه قال: "أرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء ولا نقول إنهما يفنيان بل هما على علم الله باقيان".
قال الوالد السعيد: وظاهر هذا إن الأرواح تعذب وتنعم على الانفراد وكذلك الأبدان إن كانت باقية أو إلى الأجزاء التي استحالت ولا يمتنع أن يخلق الله في الأبدان إدراكاً كما تحس به النعيم والعذاب كما خلق في الجبل لما تجلى له رؤية حتى رأى ربه ثم دكه بعد الرؤية وجعله قطعا علامة لموسى في أنه لايراه في الدنيا.
قلت: أنا ولأنه لما لم يستحل نطق الذراع المشوية لم يستحل عذاب الجسد البالي وإيصال الألم إليه بقدرة الله تعالى.(1/161)
أنبأنا القاضي عبيد الله بن أبي أحمد قال: أخبرني بكران بن أحمد الخصيب قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل وهو يحدث أبا بكر عبد الله بن يوسف أخا القاضي أبي عمر بزبالة وقد بتنا بها ليلة في طريق مكة قال: سمعت أبي يقول لما قدمت صنعاء اليمن أنا ويحيى بن معين في وقت صلاة العصر فسألنا عن منزل عبد الرزاق فقيل لنا بقرية يقال لها الرمادة فمضيت لشهوتي للقائه وتخلف يحيى بن معين وبينها وبين صنعاء قريب حتى إذا سألت عن منزله قيل لي هذا منزله فلما ذهبت أدق الباب قال: لي بقال تجاه داره مه لا تدق فإن الشيخ مهوب فجلست حتى إذا كان قبل صلاة المغرب خرج للصلاة فوثبت إليه وفي يدي أحاديث قد انتقيتها فقلت: له سلام عليكم تحدثني بهذه رحمك الله فإنني رجل غريب فقال: لي ومن أنت فقلت: أنا أحمد بن حنبل فتقاصر ورجع وضمني إليه وقال بالله أنت أبو عبد الله ثم أخذ الأحاديث فلم يزل يقرأها حتى أشكل عليه الظلام فقال: للبقال هلم بالمصباح حتى خرج وقت صلاة المغرب وكان يؤخرها.
قال عبد الله فكان أبي إذا ذكر أنه نوه باسمه عند عبد الرزاق بكى.
أنبأنا رزق الله عن أبي الفتح محمد بن أحمد الحافظ أن أبا الحسن محمد بن العباس أخبرهم حدثنا أبو الحسين بن المنادي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قيل لأبي لم كتبت عن عبيد الله بن موسى ثم تركت الرواية عنه وكتبت عن عبد الرزاق ورويت عنه وهما على مذهب واحد فقال: أما عبد الرزاق فما سمعنا منه مما قيل عنه شيئاً ولم يبلغنا أنه كان يدعو إلى مذهبه وأما عبيد الله فإنه كان يدعو إلى مذهبه ويجاهر به فتركت الرواية عنه لذلك.
وأنبأنا الخطيب أبو الحسين عن أبي حفص بن شاهين حدثنا إسماعيل بن علي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن الرافضي قال: الذي يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.(1/162)
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقرأ عليه كثيراً وكان ربما غاب صالح فأقول له إن صالحا مشغول بعياله فاقرأ عليه فكان لا يفعل قال: فلما كثر ذلك عليه وعلم كثرة شغله وتخلفه عن السماع كان أبي يقرأ علي إذا غاب صالح ويدعه.
وكان عبد الله رجلا صالحا صادق اللهجة كثير الحياء.
سمعت أبا بكر المروذي يقول لما حلف أبو عبد الله أن لا يحدث التفت إلى عبد الله ابنه فقال: وإن كان هذا يحب من الحديث ما يحب.
وسمعت حر بالكرماني يقول خرج أبو عبد الله ليقرأ علي قال: أحسبه قال: كتاب الأشربة قال: فجاء عبد الله ابنه فقال: أليس وعدتني أن تقرأ علي وهو إذ ذاك غلام قال: فجعل أبو عبد الله يصبره قال: فبكى عبد الله قال: فقال: لي أبو عبد الله أصبر لي حتى أدخل أقرأ عليه قال: فدخل أبو عبد الله فقرأ عليه وخرج فلما قدمت من كرمان سألني عبد الله عن حرب وعما عنده من المسائل والأحكام والعلل وجعل يسألني عما جمعت من مسائل أبي عبد الله فقال: لي أنت أحوج إلى ديوان يعني لكثرتها.
فوقع لعبد الله عن أبيه مسائل جياد كثيرة يغرب منها بأشياء كثيرة في الأحكام فأما العلل فقد جود عنه وجاء عنه بما لم يجىء به غيره.
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي متى يجوز سماع الصبي في الحديث قال: إذا عقل وضبط.
وسمعت أبي وسئل عن القراءة بالألحان فقال: محدث.(1/163)
وقرأت في كتاب أبي الحسين بن المنادي وذكر عبد الله وصالح فقال: كان صالح قليل الكتاب عن أبيه فأما عبد الله فلم يكن في الدنيا أحد روى عن أبيه أكثر منه لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفاً سمع منها ثمانين ألفاً والباقي وجادة وسمع الناسخ والمنسوخ والتاريخ وحديث شعبة والمقدم والمؤخر في كتاب الله وجوابات القرآن والمناسك الكبير والصغير وغير ذلك من التصانيف وحديث الشيوخ وما زلنا نرى الأكابر من شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى والمواظبة على طلب الحديث ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك حتى إن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث عن أبيه وكان فيما بلغني يكره ذلك وما أشبهه فقال: يوماً فيما بلغني كان أبي رحمه الله يعرف ألف ألف حديث يرد بذلك على قول المسرفين الذين يفضلونه في السماع على أبيه.
وقال عبد الله كل شيء أقول قال: أبي فقد سمعته مرتين وثلاثا وأقله مرة.
أنبأنا محمد بن أبي الصقر حدثنا هبة الله الشيرازي حدثنا علي بن طلحة أخبرنا سليمان الطبراني حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي قال: قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة فساق أهل السنة أولياء الله وزهاد أهل البدعة أعداء الله.
مولد عبد الله بن أحمد في جماد الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين وموته في جماد الآخرة سنة تسعين ومائتين فيكون سنه سبعا وسبعين سنة.
أخبرنا أبو الحسن بن الطيوري إجازة إن لم يكن سماعاً أخبرنا أبو إسحاق البرمكي حدثني أبي حدثنا أبو محمد القاسم بن الحسن الباقلاوي بسر من رأى قال: سمعت أبا بكر بن أبي حامد الفقيه صاحب بيت المال يقول سمعت عبد الله بن أحمد يقول قلت: لأبي رحمه الله لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إليه.(1/164)
وبه حدثنا القاسم بن الحسن قال: سمعت أبا الحسن بن عبيد الحافظ يقول سمعت أبا عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل يقول خرج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث.
أخبرنا بركة أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا حنبل قال: سمعت أبا عبد الله قال: الاستطاعة لله ما شاء الله كان من ذلك ومالم يشاء لم يكن ليس كما يقول هؤلاء المعتزلة الاستطاعة إليهم.
وقال عبد الله قال: أبي حديث أم الدرداء عن أبي الدرداء أنه كان يقول لولا ما يدخل بيت مالكم من هذا الغلول ما وسعته البيوت.
وقال عبد الله قال: أبي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وسلست فيه الشياطين وغلقت أبواب جهنم" قلت: لأبي قد نرى المجنون يصرع في رمضان فقال: هكذا الحديث ولا تكلم في هذا وروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقال عبد الله بن أحمد كان أبي يضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ويقول روى هذا الحديث عن أبيه عن عطاء عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث لا يفطرن الصائم القيء والاحتلام والحجامة" وقال العمري عن نافع عن ابن عمر إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإن استقاء فعليه القضاء وقال أبي من أصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" حديث شداد بن أوس وثوبان لأن شيبان جمع الحديثين جميعاً.
وقال عبد الله قال: أبي عن عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، يريد الأجر والمغنم.
وقال عبد الله بن أحمد رأيت أبي عند موته ينظر قلت: يا أبت إلى أي شيء تنظر قال: هذا ملك الموت قائم بحذائي يقول إني بكل سخي رفيق.(1/165)
وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن قوم يقولون لما كلم الله موسى لم يتكلم بصوت فقال: أبي تكلم الله تبارك وتعالى بصوت وهذه الأحاديث نرويها كما جاءت وقال أبي حديث ابن مسعود إذا تكلم الله بالوحي سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان قال: أبي والجهمية تنكره قال: أبي وهؤلاء كفار.
وقال عبد الله بن أحمد حدثني محمد بن بكار حدثنا أبو معشر عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: "مكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين".
أنبأنا يوسف المهرواني قال: أخبرنا على بن بشران حدثنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال: وأخبرني السياري قال: أخبرني أبو العباس بن مسروق الصوفي قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كنت بين يدي أبي جالسا ذات يوم فجاءت طائفة من الكرخيين فذكروا خلافة أبي بكر وخلافة عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم فأكثروا وذكروا خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وزادوا فطالوا فرفع أبي رأسه إليهم فقال: يا هؤلاء قد أكثرتم القول في علي والخلافة على أن الخلافة لم تزين عليا بل علي زينها قال: السياري فحدثت بهذا الحديث بعض الشيعة فقال: لي قد أخرجت نصف ما كان في قلبي على أحمد بن حنبل من البغض.
وأنبأنا المبارك عن ابن العشاري عن أحمد بن الجندي قال: سمعت علوان بن الحسين أبا البشر يقول سمعت عبد الله بن أحمد يقول سئل أبي لم لا تصحب الناس قال: لوحشة الفراق.(1/166)
وقال عبد الله كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء إنسان يريد أبي أن يخلو معه أجلسه على الدكان وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلمه فلما كان ذات يوم جاءنا إنسان فقال: لي قل لأحمد أبو إبراهيم السائح فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان فقال: لي أبي سلم عليه فإنه من كبار المسلمين أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال: له أبي حدثني يا أبا إبراهيم فقال: خرجت من الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منعتني من الحركة فقلت: في نفي لو كنت بقرب الدير الفلاني لعل فيه من الرهبان من يداويني فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوي حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقا حتى ألقاني عند باب الدير فنظر الرهبان إلى حالي مع السبع فأسلموا كلهم وهم أربعمائة راهب ثم قال: أبو إبراهيم لأبي حدثني يا أبا عبد الله فقال: له إني كنت قبل الحج بخمس ليال أو أربع فبينما أنا نائم إذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لي يا أحمد فانتبهت ثم أخذني النوم فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أحمد حج فانتبهت وكان من شأني إذا أردت سفرا جعلت في مزود لي فتيتا ففعلت ذلك فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة فلما انقضى بعض النهار إذا أنا بالكوفة فدخلت مسجدها الجامع فإذا أنا بشاب حسن الوجه طيب الريح فقلت: سلام عليكم ثم كبرت أصلي فلما فرغت من صلاتي قلت: له رحمك الله هل بقي أحد يخرج إلى الحج فقال: لي انتظر حتى يجيء أخ من إخواننا فإذا أنا برجل في مثل حالي فلم نزل نسير فقال: له الذي معي رحمك الله إن رأيت أن ترفق بنا فقال: له الشاب إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا فوقع في نفسي أنه الخضر فقلت: للذي معي هل لك في الطعام فقال: كد مما تعرف وآكل مما أعرف فإذا أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا ثم رجع بعد فراغنا فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة.(1/167)
وقال عبد الله بن أحمد قال أبي: قال عبيد الله: من السنة أن يكبر الإمام على المنبر في العيدين تسعا قبل الخطبة وسبعاً بعدها.
ونقلت: من خط أبي على البرداني حدثني أحمد بن علي الحافظ قال: أنبأنا أبو سعيد الماليني حدثنا إسماعيل بن عمر بن الحسن المقرىء بمكة قال: سمعت محمد بن صالح بن محمد الخولاني قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول ليحيى بن معين يا أبا زكريا بلغني أنك تقول حدثنا إسماعيل بن علية فقال: يحيى نعم أقول هكذا قال: أحمد فلا تقله قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه قال: يحيى لأبي قد قبلنا منك يا معلم الخير.
ومات عبد الله بن أحمد في يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جماد الآخرة سنة تسعين ومائتين ودفن في مقابر باب التبن وصلى عليه زهير بن صالح بن أحمد وكان الجمع كثيراً فوق المقدار وكان يصبغ بالحمرة كث اللحية وكان يلي القضاء بطريق خراسان في خلافة المكتفي وكان سنه يوم مات سبع وسبعون سنة قيل له وقد أوصى أن يدفن بالقطيعة بباب التبن لم قلت: ذاك فقال: قد صح عندي أن بالقطيعة نبياً مدفوناً وأن أكون في جوار نبي أحب إلي من أكون في جوار أبي.
عبد الله بن بشر الطالقاني نقل عن إمامنا أشياء منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول يحيى بن سعيد أثبت الناس قال: أحمد وما كتبت عن مثل يحيى بن سعيد يعني التاجر.
عبد الله بن جعفر المكنى بأبي بكر روى عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا هناد قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الغنجار ببخارى قال: سمعت أبا صالح خلف بن محمد يقول سمعت أبا بكر عبد الله بن جعفر يعني التاجر يقول سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الرجل يكتب الحديث فيكثر قال: ينبغي أن يكثر العمل به على قدر زيادته في الطلب ثم قال: سبيل العلم مثل سبيل المال إن المال إذا زاد زادت زكاته.
عبد الله بن شبويه ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.(1/168)
عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ذكره ابن ثابت التمار فيمن روى عن أحمد رضي الله تعالى عنه.
عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان القرشي الكوفي المعروف بمشكدانة نقل عن أمامنا أشياء
منها قال: سألت أبا عبد الله عن القرآن فقال: كلام الله عز وجل وليس بمخلوق ومات سنة تسع وثلاثين ومائتين وبين وفاته ووفاة البغوي ثمان وسبعون سنة.
الرازيين وكان من الورعين عارفا بآفات النفوس وكان كثير المقام ببغداد وكان من أقران ذي النون المصري روى عن إمام الدنيا أبي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه فيما ذكر أبو صالح المؤذن النيسابوري.
أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو نصر عبد الله بن علي الطوسي حدثنا محمد بن أحمد بن حسن الرازي حدثنا يوسف بن الحسين حدثنا عبد الله بن حاضر حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا روح عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
عبد الله بن العباس الطيالسي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أحمد بن حنبل ما يقول الرجل بين التكبيرتين في العيد قال: يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم صلى على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد واغفر لنا وارحمنا وكذلك يروى عن ابن مسعود.
عبد الله بن محمد بن شاكر أبو البحتري العنبري ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد سمع يحيى بن آدم ومحمد بن بشر العبدي وغيرهما روى عنه يحيى بن صاعد وأبو عبد الله المحاملي وأبو الحسين بن المنادي وإسماعيل الصفار وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت منه مع أبي وهو صدوق.
وذكره الدارقطني فقال: صدوق ثقة.
قلت: وكان أبو البحتري من أهل الكوفة فاستوطن بغداد إلى حين وفاته وله شعر من جملته:
يمنعني من عيب غيري الذي
أعرفه عندي من العيب
عيبي لهم بالظن مني لهم
ولست من عيبي في ريب
إن كان عيبي غاب عنهم فقد
أحصى عيوبي عالم الغيب(1/169)
فكيف شغلي بسوى مهجتي
أم كيف لا أنظر في جيبي?
لو أنني أقبل من واعظ
إذن كفاني عظة الشيب
ومات سنة سبعين ومائتين في يوم الجمعة قبل التروية وكان كبير السن هكذا ذكره أبو الحسين بن المنادي وقال كتبنا عنه في جانبنا بالرصافة.
عبد الله بن محمد بن صالح بن شيخ بن عميرة أبو بكر الأسدي ابن عم بشر بن موسى حدث عن إمامنا أحمد وخالد بن خداش في آخرين روى عنه أبو الحسن أحمد بن محمد الأسدي.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم كتبت عنه وقد كتب عنه أبي وأبو زرعة ورويا عنه وسئل أبي عنه فقال: صدوق.
عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور أبو القاسم ابن بنت أحمد بن منيع بغوي الأصل ولد ببغداد سنة ثلاثة عشرة ومائتين وقيل سنة أربع عشرة.
سمع علي بن الجعد وخلف بن هشام ومحمد بن عبد الله الحارثي وأبا الأحوص محمد بن حبان البغوي وعبيد الله بن محمد التميمي وأبا نصر التمار وداود بن عمرو وإمامنا وعلي بن المديني ويحيى بن معين في آخرين حدث عنه يحيى بن صاعد وعلي بن إسحاق المادارئي وعبد الباقي بن قانع وابن مالك وأبو عمر بن حيويه والدار قطني وأبو حفص بن شاهين والكتاني وابن أخي ميمي وغيرهم.
قيل لابن أبي حاتم يدخل أبو القاسم البغوي في الصحيح قال: نعم.
وقال الدارقطني كان أبو القاسم بن منيع قلما يتكلم على الحديث فإذا تكلم كان كلامه كالمسمار في الساج.
وسأل أبو عبد الرحمن السلمي الدارقطني عن البغوي فقال: ثقة جليل إمام من الأئمة ثبت أقل المشايخ حظاً.
قلت: أنا صنف العجمين الكبير والصغير وحدث عن داود بن رشيد الذي حدث عنه إمامنا وروى عن إمامنا كتاب الأشربة وجزءاً من الحديث وكان يقدم ذلك الجزء على كل ما سمعه تشرفاً لأحمد وذكره أبو بكر الخلال فقال: له مسائل صالحة وفيه غرائب.
قلت: أنا سمعت جميع المسائل من ابن الطيوري عن أبي محمد الخلال عن ابن حيوية عن البغوي.
منها قال: سئل أحمد وأنا أسمع أصوم في السفر قال: لا.(1/170)
وقال أبو الطيب قال: لي أبو القاسم البغوي قال: لي أحمد بن حنبل خرجت أشيع الحاج إلى أن صرت في ظهر القادسية فوقع في نفسي شهوة الحج ففكرت فقلت: بماذا أحج وليس معي إلا خمسة دراهم أو قيمة ثيابي خمسة شك الراوي فإذا أنا برجل قد عارضني وقال يا أبا عبد الله اسم كبير ونية ضعيفة عارضك كذا وكذا فقلت: كان ذاك فقال: تعزم على صحبتي فقلت: نعم فأخذ بيدي وعارضنا القافلة فسرنا بسيرها إلى وقت الرواح وهو بين العشاء والعتمة ونزلنا فقال: تعزم على الإفطار فقلت: ما آبى ذلك فقال: لي قم فابصر أي شيء هناك فجىء به فأصبت طبقا فيه خبز حار وبقل وقصعة فيها عراق يفور وزق فيه ماء فجئت به وهو قائم يصلي فأوجز في صلاته فقال: يا أبا عبد الله كل فقلت: فأنت فقال: كل ودعني أنا فأكلت وعزمت على أن أدخر منه فقال: لي يا أبا عبد الله إنه طعام لا يدخر فكان هذا سبيلي معه كذلك فقضينا حجنا وكان قوتي مثل ذلك حتى وافينا إلى الموضع الذي أخذني منه فودعني وانصرف فقال: أبو الطيب للبغوي أتعرف الرجل فقال: أظنه الخضر عليه السلام.
أخبرنا جدي لأمي جابر بن ياسين رحمه الله قراءة قال: أخبرنا أبو حفص الكتاني حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أحمد بن حنبل وعبيد الله القواريري قالا حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثنا أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير يشق علي القيام فمرني بليلة لعل الله أن يوفقني فيها لليلة القدر قال: "عليك بالسابعة".
وأنبأنا يوسف بن محمد المهرواني حدثنا عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي قال: سمعت المطيع الخليفة على المنبر يقول يوم عيد سمعت شيخي عبد الله بن محمد البغوي يقول سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول إذا مات أصدقاء الرجل ذل.(1/171)
وأخبرنا الوالد السعيد قراءة حدثنا عيسى بن محمد بن علي قال: سمعت عبد الله بن محمد يقول سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول قد روى الحسن عن علي بن أبي طالب ومات البغوي ليلة الفطر من سنة سبع عشرة وثلاثمائة ودفن بمقبرة باب التبن التي دفن بها عبد الله بن إمامنا أحمد وقد استكمل مائة سنة وثلاث سنين وشهراً واحداً وعلى الرواية الأخرى مائة وأربع سنين.
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس أبو بكر القرشي مولى بني أمية المعروف بابن أبي الدنيا صاحب الكتب المصنفة ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد سمع سعيد بن سليمان الواسطي و إبراهيم ابن المنذر الحزامي وداود بن عمرو الضبي في آخرين روى عنه الحارث ابن أبي أسامة ومحمد بن خلف وكيع وأبو بكر النجاد وغيرهم.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم كتبت عنه مع أبي وسئل أبي عنه فقال: بغدادي صدوق.
أخبرنا جدي جابر قال: أخبرنا أحمد بن دوست قال: أخبرنا أبو جعفر ابن الرزاز حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا أخبرنا الحسن بن الصباح حدثنا عمر ابن يونس حدثنا عيسى بن عون الحنفي عن حفص بن الفرافصة الحنفي عن عبد الملك بن زرارة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد من نعمة في أهل ومال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت".
أنبأنا القاضي الشريف الخطيب أبو الحسين عن أبي الحسين بن أخي ميمي حدثنا الحسين بن صفوان البردعي قال: قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا سألت أحمد بن حنبل متى يصلى على السقط فقال: إذا كان لأربعة أشهر صلي عليه وسمي.
وقد حدث في عدة من تصانيفه عن رجال عن أحمد حدث في كتاب الجائعين وفي كتاب القناعة وفي كتاب إصلاح المال وفي كتاب البكاء عن البرجلاني عن أحمد وفي كتاب مداراة الناس وفي كتاب المنام عن الحسن بن الصباح البزار عن أحمد وحدث في كتاب الأضاحي عن أبي بكر الأثرم عنه.(1/172)
أخبرنا جدي قراءة أخبرنا أحمد بن دوست أخبرنا محمد بن عمرو البحري حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا حدثنا على بن الجعد قال: سمعت سفيان بن سعيد وذكر داود عليه السلام فقال: قال: "الحمد لله حمداً كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله" فأوحى الله إليه "يا داود أتعبت الملائكة".
وبه قال: حدثني حمزة بن العباس حدثنا عبدان بن عثمان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال: "يا رب ما الشكر الذي ينبغي لك" قال: "يا موسى لا يزال لسانك رطباً من ذكري".
وبه حدثنا أبو علي المدائني حدثنا إبراهيم بن الحسن عن شيخ من قريش يكنى أبا جعفر عن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض الكتب إن الله تعالى يقول "يا ابن آدم خيري ينزل إليك وشرك يصعد إلي وأتحبب إليك بالنعم وتتبغض إلي بالمعاصي ولا يزال ملك كريم قد عرج إلي منك بعمل قبيح".
أخبرنا جدي قال: أخبرنا أحمد قال: أخبرنا محمد حدثنا عبد الله حدثني أبو عبد الله التيمي حدثنا أبو شريح العابد قال: سمعت يحيى بن حبيب الجمال وهو مولى لبني وديعة بن عبد الله بن لؤي قال: كنا بطريق مكة فأصابنا عطش شديد فاكترينا دليلا يخرج بنا إلى موضع ذكر لنا أن فيه ماء فبينما نحن نسير نبادر الماء بعد طلوع الفجر إذا صوت نسمعه وهو يقول ألا تقولون ما قال: يحيى فأجبته فقلت: وما قال: قال اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو عافية أو كرامة في دين أو دنيا جرت علينا فيما مضى أو هي جارية علينا فيما بقي فإنها منك وحدك لا شريك لك فلك الحمد بذلك علينا ولك المن ولك الفضل ولك الحمد عدد ما أنعمت به علينا وعلى جميع خلقك من لدنك إلى منتهى علمك لا إله إلا أنت ثم قال: هذا من البدء إلى البقاء.(1/173)
ذكر أبو الحسين بن علي بن محمود المروذي الصوفي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن القاسم بن الصلت قراءة أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر بن حمويه المعروف بابن مشكان حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي قال: سألت أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ما أقول بين التكبيرتين في صلاة العيد قال: تحمد الله عز وجل وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومات ابن أبي الدنيا في سنة إحدى وثمانين ومائتين.
عبد الله بن محمد بن المهاجر أبو محمد يعرف بفوزان حدث عن شعيب بن حرب ووكيع وأبي معاوية و إسحاق بن سليمان الرازي وإمامنا في آخرين روى عنه عبد الله بن أمامنا وأبو القاسم البغوي ويحيى بن صاعد وغيرهم.
وقال البرقاني قال: لنا الدارقطني فوزان نبيل جليل كان أحمد يجله.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان من أصحاب أبي عبد الله الذين يقدمهم ويأنس بهم ويخلو معهم ويستقرض منهم ومات أبو عبد الله وله عنده خمسون دينارا أوصى أبو عبد الله أن تعطى من غلته فلم يأخذها فوازان بعد موته وأحله منها.
وقال أبو بكر المطوعي حدثنا فوزان قال: دخل السجن على أبي عبد الله شاب بعد ضربه ومعه قارورة فيها ماء رائحته رائحة المسك وقد هاج عليه الضرب في اليوم الثالث وصعب قال: فأتاه الشاب فقال: أقسمت عليك بالله إلا مكنتني من علاجك فتركه أبو عبد الله فصب عليه ذلك الماء ومسحه فهدأ الضرب وسكن فلما رأى ذلك السجان تبع الشاب فقال: لو أعطيتني من هذا الماء فقال: إن ذلك لا يستقيم إنه من ماء الجنة أنزله لعقبة آدم بأرض الهند وأنا من سكان ذلك المكان من الجن ثم غاب عن عينه فأقبل السجان مذعوراً.(1/174)
وقال أبو محمد فوزان جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال: له نكتب عن محمد بن منصور الطوسي فقال: إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعمن يكون ذلك مرارا فقال: له الرجل إنه يتكلم فيك فقال: أحمد رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل? وقال فوزان: انقطع شسعي فسألت أحمد أصلحه في ضوء نفاطة على باب إسحاق بن إبراهيم قال: لا ذكره في كتاب السنة.
وقيل لفوزان أنت لم تجمع من هذه المسائل عن أبي عبد الله فقال: هذا الجزء ثم جعل يقول أبو عبد الله أهيب وأجل في صدري من أن أسأله وإنما هذه المسائل بلوى.
ومن جملة مسائله قال: سمعت أحمد يقول إذا اختلط المال وكان فيه حلال وحرام فالزهري ومكحول قالا إذا اختلط الحلال والحرام فكل هذا عندي من مال السلطان كما قال: علي رحمه الله بيت المال يدخله الخبيث والطيب فمال السلطان يدخله الحلال والحرام فيوصل إلى الرجل فيؤكل منه فأما إذا كان حلالاً وحراماً من ميراث أو أفاد رجل مالاً حراماً وحلالاً فإنه يرد على أصحابه فإن لم يعرفهم ولم يقدر عليهم تصدق به فإن لم يعلم كم الحلال والحرام يتصدق بقدر ما يرى أن فيه من الحرام ويأكل الباقي.
ومات في نصف رجب من سنة ست وخمسين ومائتين ذكره ابن قانع وغيره.
عبد الله بن محمد بن الفضل الصيداوي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: قال لي أحمد إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال: النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".
عبد الله بن محمد أبو محمد اليمامي يعرف بابن الرومي سكن بغداد وحدث بها عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي والنضر بن محمد الجرشي وعمر بن يونس اليمامي وعبد الرزاق وعبدة بن سليمان وأبي أسامة وأبي معاوية الضرير وغيرهم ونقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: كنت عند أحمد بن حنبل فجاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله انظر في الأحاديث فإن فيها خطأ فقال: عليك بأبي زكريا فإنه يعرف الخطأ.(1/175)
روى عنه جماعة منهم أبو حاتم الرازي وقال هو صدوق وسئل يحيى بن معين عن ابن الرومي فقال: مثل أبي محمد يسأل عنه إنه مرضي.
ومات في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ومائتين.
عبد الله بن يزيد العكبري نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت رجلا يسأل أحمد بن حنبل فقال: ما تقول في القراءة بالألحان فقال: أبو عبد الله ما اسمك فقال: محمد قال: فيسرك أن يقال لك ياموحاماد، ممدوداً.
ذكر من اسمه عبد الله ولم يعرف اسم أبيه
عبد الله بن أبي عوانة الشاشي أبو محمد
شيخهم الإمام الذي على مذهبه أهل الشاش ذكر أبو بكر التمار أنه من جملة أصحاب أحمد.
ذكر من اسمه عبيد الله
عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله ابن أخي الإمام الحلبي أبو عبد الرحمن ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل جداً كبير القدر سمع عبيد الله ابن عمرو الرقي ولا أدري هو أكبر من أحمد بن حنبل أم لا إلا أن شيوخنا الكبار حدثونا عنه.
سمع من أحمد التاريخ سنة أربعة عشر وكانت عنده مسائل كبار جدا غرب بها على أصحاب أحمد لم أكتبها عن غيره سمعتها من رجل بطرسوس عنه.
قال عبيد الله الحلبي سمعت أبا عبد الله وسأله رجل عن حديث من حديث بشر بن نمير فقال: لا تذكر الكذابين.
قال وسألت أحمد عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع قال: توبته فيما بينه وبين الله تعالى لا يكتب عنه حديث أبداً.
قال وسمعت أبا عبد الله وسئل عن رجل يقيم ببلده وينزل في الحديث درجة قال: ليس يطلب العلم هكذا لو طلب العلم هكذا مات العلم إنما يؤخذ العلم عن الأكابر.
ونقلت: من الرابع من كتاب الروشنائي قال: عبيد الله بن أحمد الحلبي سمعت أحمد قال: على الجهمية لعنة الله.
عبيد الله بن إبراهيم بن يعقوب الحلبي نقل عن إمامنا.
عبيد الله بن سعد الزهري ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
عبيد الله بن سعيد بن يحيى بن برد السرخسي أبو قدامة حدث عنه الشيوخ الكبار المتقدمون منهم البخاري ومسلم وأخرجا عنه في صحيحيهما.(1/176)
وذكره أبو بكر الخلال فقال: روى عن أحمد مسائل حسانا لم يروها عن أبي عبد الله أحد غيره وهو أرفع قدراً من عامة أصحاب أبي عبد الله من أهل خراسان.
أخبرنا محمد بن المسلمة قراءة أخبرنا أبو الفضل الزهري حدثنا أبو جعفر الفريابي حدثنا أبو قدامة السرخسي حدثنا مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت الحسن يقول والله ما أصبح ولا أمسى مؤمن إلا وهو يخاف النفاق على نفسه.
ومات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
النيسابوري نزل بغداد وحدث عن إمامنا أحمد ويحيى بن يحيى التميمي و إسحاق بن راهويه وسعيد بن محمد الجرمي وسليمان بن سلمة الخبائري ويحيى بن عثمان الحمصي وأيوب بن محمد الرقي و أحمد بن صالح وأبي الطاهر المصريين روى عنه أبو حامد بن الشرقي النيسابوري ومحمد بن عبد الله الصفار الأصبهاني.
عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ أبو زرعة الرازي مولى عباس بن مطرف القرشي سمع خلاد بن يحيى وأبا نعيم وقبيصة بن عقبة ومسلم بن إبراهيم وأبا الوليد الطيالسي وأبا سلمة التبوذكي والقعنبي وأبا عمر الحوضي و إبراهيم بن موسى الفراء ويحيى بن بكير وغيرهم وقدم بغداد دفعات وجالس إمامنا واستفاد منه أشياء.
وقال أبو بكر الخلال أبو زرعة وأبو حاتم خال أبي زرعة إمامان في الحديث رويا عن أبي عبد الله مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غرائب وكانا عالمين بأحمد بن حنبل يحفظان حديثه كله.
أخبرني محمد بن موسى العطار عن رجل سماه من أهل الري سمع أبا زرعة يقول كان أحمد بن حنبل يحفظ سبعمائة ألف حديث قال: فقلت: له وكيف علمت قال: كنا نتناظر في الحديث والمسائل وكان جوابه جواب من يحفظ هذا القدر.
روى عنه جماعة منهم عبد الله بن أحمد و إبراهيم الحربي وابن جرير في آخرين.(1/177)
أنبأنا خال أمي أبو القاسم عن أبي عبد الله بن بطة حدثنا أبو حفص بن رجاء قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي فكان كثير المذاكرة له سمعت أبي يوماً يقول ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
قرأت على المبارك قلت: له حدثك محمد الصوري حدثنا أبو بكر بن الخصيب المصيصي قال: سمعت أحمد بن صالح يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة: فلا تشك أنه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي فلا تشك أنه مرجىء، واعلم ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك فلا تشك أنه أن هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل لأن مامنهم أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا برء له.
أخبرنا أبو بكر المؤرخ قراءة أخبرنا أبو طالب بن بكير أخبرنا أبو مخلد ابن جعفر قال: وأخبرنا أبو القاسم الأزهري قال: حدثني أبو جعفر أحمد بن أبي طالب الكاتب قالا حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري حدثني عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي حدثنا ثابت بن محمد حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن طاووس عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل مكشوفة فخذه فقال: "له غط فخذك فإن فخذ الرجل من العورة".
وروى بإسناده قال: قال عبد الله بن أحمد قلت: لأبي يا أبت من الحفاظ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا قلت: من هم يا أبت قال: محمد بن إسماعيل ذاك البخاري وعبيد الله بن عبد الكريم ذاك الرازي وعبد الله بن عبد الرحمن ذاك السمرقندي والحسن بن شجاع ذاك البلخي.
وبإسناده قال: أبو زرعة كتبت عن رجلين مائتي ألف حديث عن إبراهيم الفراء مائة ألف وعن ابن أبي شيبة مائة ألف حديث.
وبإسناده عن عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه ولا أحفظ من أبي زرعة الرازي.(1/178)
وبإسناده قيل لأبي بكر بن أبي شيبة من أحفظ من رأيت قال: ما رأيت أحدا أحفظ من أبي زرعة الرازي.
وبإسناده قال: أبو زرعة في شيء ما كتبته منذ خمسين سنة ولم أطالعه منذ كتبته وإني أعلم في أي كتاب هو? في أي ورقة هو? في أي سطر هو?.
وبإسناده قال أحمد بن حنبل صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسور وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ ستمائة ألف.
وبإسناده قال: إسحاق بن راهويه كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل.
وبإسناده قال: قدم حمدون البردعي على أبي زرعة لكتابة الحديث فرأى في بعض داره أواني وفرشاً كثيرة قال: وكان ذلك لأخيه فهم أن يرجع ولا يكتب عنه فلما كان من الليل رأى كأنه على شط بركة ورأى ظل شخص في الماء فقال: أنت الذي زهدت في أبي زرعة أعلمت أن أحمد بن حنبل كان من الأبدال فلما أن مات أبدل الله مكانه أبا زرعة.
وبإسناده قال: أبو حاتم الرازي أبو زرعة إمام.
وبإسناده قال: حفص بن عبيد الله اشتهيت أن أرحل إلى أبي زرعة الرازي فلم يقدر لي فدخلت إلى الري بعد موته فرأيته في النوم يصلي في السماء الدنيا بالملائكة فقلت: عبيد الله بن عبد الكريم قال: نعم قلت: بم نلت هذا قال: كتبت بيدي ألف ألف حديث أقول فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً".
وبإسناده قال: أبو العباس المرادي رأيت أبا زرعة في المنام فقلت: يا أبا زرعة ما فعل الله بك قال: لقيت ربي فقال: لي يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي تبوأ من الجنة حيث شئت.(1/179)
وقال أبو زرعة الأخبار التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤية وخلق آدم على صورته والأحاديث التي في النزول ونحو هذه الأخبار المعتقد من هذه الأخبار مراد النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم بها حدثني أبو موسى الأنصاري قال: قال سفيان بن عيينة ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه في كتابه فقراءته تفسيره ليس لأحد أن يفسره إلا الله.
وقال أبو زرعة القرآن كلام الله غير مخلوق والذي يقف فيه على الشك هو والذي يقول مخلوق شيء واحد أحمد بن حنبل يقول تفرقت الجهمية على ثلاث أصناف صنف قالت الفرآن مخلوق وصنف وقفت وصنف قالت لفظنا بالقرآن مخلوق.
قال أبو زرعة الإيمان عندنا قول وعمل يزيد وينقص ومن قال: غير ذلك فهو مبتدع مرجىء.
قيل لأبي زرعة من الذي شهد على علي بن أبي طالب بتفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما قال: أبو زرعة روى ذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو موسى وأبو هريرة وعمرو بن حريث وأبو جحيفة ومن التابعين محمد بن الحنفية وعبد خير وعلقمة وأبو هلال العلي.
قال أبو زرعة الجمعة والجهاد عندنا مع البر والفاجر ممن يتولى ذلك من الولاة.
قال أبو زرعة قال: يزيد بن ميسرة لا يكون الرجل حكيماً كاملاً حتى يدع شهوات الجسد كلها.
قال أبو زرعة كان إبراهيم التيمي لا يأكل الشهر والشهرين شيئاً وكان ابن أبي نعيم يواصل خمس عشرة وابن الزبير يواصل سبعا وقال سفيان الثوري بت عند الحجاج ابن فرافضة ثلاث عشرة ليلة فلم أره أكل ولا شرب ولا نام.
وقال أبو زرعة ترك النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا وهو واجد لها وقد ذمها وقد عرضت عليه مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فأبى ذلك صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لو شئت لسارت معي جبال الدنيا ذهباً وفضة ".(1/180)
وروى ابن ثابت في ترجمة علي بن الجعد بإسناده عن سعيد بن عمرو البردعي قال: سمعت أبا زرعة يقول كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتاب عن علي بن الجعد ولا سعيد بن سليمان ورأيتهما في كتابه مضروباً عليهما.
ونقلت: من خط أخي أبي القاسم وسماعه بإسناده سئل أبو زرعة عن داود بن المحبر فقال: ضعيف الحديث وسئل عن الواقدي فقال: ترك الناس حديثه.
وقال أبو زرعة قال: عبد الرحمن بن مهدي لأحمد بن حنبل بين إسحاق بن أبي إسرائيل ومحمد بن جابر قرابة فقال: أحمد لا فقال: عبد الرحمن لأبي عبد الله إذا ذكرته تغير وجهك فقال: لأنه رحل إليه.
وقال أبو زرعة سألت أحمد بن حنبل عن حديث أسباط عن الشيباني عن إبراهيم قال: سمعت ابن عباس قال: عن ابن عباس فقلت: إن أسباطا هكذا يقول فقال: قد علمت ولكن إذا قلت: عن فقد خلصته وخلصت نفسي أو نحو هذا المعنى.
وسئل أبو زرعة عن مولده فقال: ولدت سنة مائتين.
ومات بالري آخر يوم من ذي الحجة سنة أربع وستين ومائتين.
عبيد الله بن محمد الفقيه المروزي الأصل الرقي البلد ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل حافظ للفقه بصير باختلاف الفقهاء جليل القدر عالم بأحمد بن حنبل عنده عن أبي عبد الله مسائل كبار لم يشركه فيها أحد سمعت منه منها في أول خرجتي إلى الشام وفي الخرجة الثانية بعد لقاء الميموني وذكر لي أن عنده شيئاً صلاحاً فلما رجعت إلى بغداد خرجت إليه قاصداً إلى الرقة لا لحاجة غيره فأخرج إلي نحوا من عشرة مسائل أيضاً وذكر أنه لا يقدر على الباقي فكتبتها عنه ورجعت إلى بغداد إلا أنها مسائل كبار جداً.
قلت: ومن جملة ما وجدت في مسائله لإمامنا أحمد قال: سألت أحمد عن الرجل يشتري من رجل جارية ويشترط عليه أن تخدمه فقال: البيع جائز والشرط فاسد فإن شرط أن تخدمه وقتا معلوما فإن البيع فاسد ولا يجوز في الوقت المعلوم.
عبيد الله بن يحيى بن خاقان نقل عن إمامنا أشياء:(1/181)
منها أنه قال: سمعت أحمد يقول أنزه نفسي عن مال السلطان وليس بحرام.
وقال أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان حدثني أبي عن أبيه قال: حضرت الحسن بن سهل وجاءه رجل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال: له الحسن بن سهل علام تشكرنا نحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة ثم أنشأ يقول:
فرضت علي زكاة ماملكت يدي
وزكاه جاهي: أن أعين وأشفعا
فإذا ملكت فجد فإن لم تستطع
فاجهد بوسعك كله أن تنفعا
ذكر من اسمه عبد الرحمن
عبد الرحمن بن إبراهيم أبو سعيد الدمشقي المعروف بدحيم:
قرأت في السابق واللاحق لابن ثابت قال: حدث عن أحمد بن حنبل عبد الرحمن المعروف بدحيم وبين وفاته ووفاة البغوي اثنتان وسبعون سنة وتوفي دحيم بالرملة في شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائتين ولى القضاء بالرملة وحدث عنه البخاري في صحيحه وقال المروزي سمعت أحمد بن حنبل يثني على دحيم ويقول هو عاقل ركين.
عبد الرحمن بن زاذان بن يزيد بن مخلد الرازي أبو عيسى روى عن إمامنا أشياء:(1/182)
منها ما أنبأنا المبارك أخبرنا محمد بن عبد الملك القندي أخبرنا أبو بكر بن شاذان حدثنا عبد الرحمن بن زاذان قال: كنت في المدينة بباب خراسان وقد صلينا ونحن قعود و أحمد بن حنبل حاضر فسمعته يقول اللهم من كان على سوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو على الحق فرده إلى الحق حتى لايضل به من هذه الأمة أحد اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ولا تجعلنا في رزقك خولا لغيرك ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ولا ترانا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أعزنا ولا تذلنا أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعاصي قال: وجاء إليه رجل فقال: له شيئاً لم أفهمه فقال له: اصبر فإن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا ثم قال: سمعت عفان بن مسلم يقول أخبرنا همام عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والنصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً ".
وبه حدثنا أبو بكر بن شاذان سألته عن مولده فقال: سنة إحدى وعشرين ومائتين وسألته في أي سنة مات أحمد بن حنبل قال: سنة إحدى وأربعين ومائتين وصليت عليه مرتين صلى عليه عم كان له فصليت معه وجاء عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم صلى عليه فصليت معه.
عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان البصري أبو زرعة الدمشقي ذكره أبو بكر الخلال فقال: إمام في زمانه رفيع القدر حافظ عالم بالحديث والرجال وصنف من حديث الشام مالم يصنفه أحد وحدثنا عن أبي مسهر وغيره من شيوخ الشام والحجاز والعراق وجمع كتابا لنفسه في التاريخ وعلل الرجال سمعناه منه وسمعنا منه حديثا كثيراً وكان عالماً بأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وسمع منهما سماعا كثيراً وسمع من أبي عبد الله خاصة مسائل مشبعة محكمة سمعتها منه وقال لي اكتب اسمك على الجزء فكتبت اسمي بخطي على ظهر جزء المسائل واسم أبي ومن لي ببغداد وخرجت إلى مصر.
قلت: أنا ووقع لي جزء من مسائله سمعته من ابن الطيوري.(1/183)
وأنبأنا به علي عن ابن بطة قال: قرأت على أبي القاسم علي بن يعقوب بدمشق قلت: له حدثك أبو زرعة قال: سألت أبا عبد الله عن المضمضة والاستنشاق في الوضوء والجنابة واحد يعيد لهما الصلاة فقال: هما في الوضوء والجنابة واحد يعيد لهما الصلاة قلت: لما ذكر فيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم.
وسألت أبا عبد الله عن المحرم يراجع زوجته قال: لا قلت: فإنه يخاف أن تنقضي العدة قبل أن يحل قال: فما الحيلة? وسمعت أبا عبد الله وسئل عن الكافر يسلم ويخاف الختان قال: إن كان يخاف عليه من الختان فلا بأس عليه أن لا يختتن اسلم ناس من أهل البصرة فختنوا فمات بعضهم.
وسألت أبا عبد الله قلت: تذهب إلى حديث ثوبان أفطر الحاجم والمحجوم قال: إليه أذهب قلت: هو صحيح عندك قال: هو صحيح وحديث شداد بن أوس أيضاً مثله قلت: فإن احتجم رجل في شهر رمضان نهارا تأمره بالإعادة قال: نعم يقضي يوماً بدل ذلك اليوم لا بد منه ولم لا يقضي والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أفطر الجاجم والمحجوم".
توفي عبد الرحمن البصري في سنة ثمانين ومائتين فيما قرأته في تاريخ ابن المنادي وفي تاريخ ابن ثابت في سنة إحدى وثمانين ومائتين.
عبد الرحمن بن مهدي بن حسان أبو سعيد روى عن أحمد فيما أخبرنا المبارك عن إبراهيم وعبد العزيز قالا أخبرنا علي بن مردك حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول كان أحمد بن حنبل عندي فقال: ناظرنا فيما يخالفكم فيه وكيع أو فيما خالف وكيع فيه الناس فإذا كلامه في نيف وستين حرفاً.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم هذه رواية عبد الرحمن بن مهدي عن أحمد بن حنبل.
وقال أبو بكر الخلال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول خالف وكيع ابن مهدي في نحو من ستين حديثا من حديث سفيان فقلت: هذا لعبد الرحمن بن مهدي وكان يحكيه عبد الرحمن عني.(1/184)
وقال الخلال أخبرنا المروذي قال: سمعت بعض المشيخة يقول سمعت إبراهيم بن شماس يقول كنا عند عبد الرحمن بن مهدي فإذا أحمد بن حنبل قد قام أو قال: أقبل فقال: عبد الرحمن من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري فلينظر إلى هذا.
سمع عبد الرحمن الثوري ومالكا وشعبة والحمادين وغيرهم روى عنه عبد الله بن المبارك وإمامنا ويحيى بن معين وعلي بن المديني و إسحاق بن راهويه وهو بصري قدم بغداد.
مولده سنة خمس وثلاثين ومائة ومات سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا حدث عبد الرحمن بن مهدي عن رجل فهو حجة.
عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان أبو علي سأل إمامنا عن أشياء منها قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن ابن الثلجي فقال: مبتدع صاحب هوى قال: وسألته عن يعقوب بن شيبة فقال: مبتدع صاحب هوى وسألته عن سوار بن عبد الله القاضي فقال: ما بلغني عنه إلا خيراً وسألته عن يحيى بن أكثم فقال: ماعرفناه ببدعة.
وقال مزاحم الخاقاني سمعت عمي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان يقول سألت أحمد بن حنبل أيما أحب إليك جامع سفيان أو موطأ مالك قال: لا ذا ولا ذا عليك بالأثر.
قال أبو مزاحم وكان عمي عبد الرحمن قد رزق من الولد لصلبه مائة وستة.
عبد الرحمن أبو الفضل المتطبب وقيل أبو عبد الله البغدادي:
ذكره أبو محمد الخلال فقال: كانت عنده مسائل حسان عن أبي عبد الله وكان يأنس به أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث ويختلف إليهما.
نقلت: من كتاب أبي بكر الخلال أخبرني جعفر بن محمد العطار قال: سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن أبي الورد يقول كان عبد الرحمن المتطبب عندي فقال: دخلت على أبي عبد الله فقلت: ما تقول في قراءة الألحان قال: بدعة بدعة.
قال الخلال وأخبرني المروذي قال: سمعت عبد الرحمن المتطبب يقول قلت: لأبي عبد الله في قراءة الألحان فقال: يا أبا الفضل اتخذوه أغانيا اتخذوه أغانياً.(1/185)
قال الخلال وأخبرني محمد بن أبي هارون الوراق قال: سمعت عبدان الحذاء قال: سمعت عبد الرحمن المتطبب قال: سألت أبا عبد الله عن هذه الألحان فقال: اتخذوه أغانيا لا تسمع من هؤلاء.
وقال عبد الرحمن المتطبب قلت: لأحمد إني صليت اليوم خلف من يقرأ قراءة حمزة فأعدت الصلاة قال فقال: لي ما عليك مأثم.
وقال أبو العباس محمد بن أحمد بن الصلت سمعت عبد الرحمن المتطبب يعرف بطبيب السنة يقول دخلت على أحمد بن حنبل أعوده فقلت: كيف تجدك فقال: أحمد الله إليك أنا بعين الله ثم دخلت على بشر بن الحرث فقلت: كيف تجدك فقال: أحمد الله إليك أجد كذا أجد كذا فقلت: أما تخشى أن يكون هذا شكوى فقال: حدثنا المعافى بن عمران عن سفيان بن سعيد عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود قالا سمعنا عبد الله بن مسعود يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك" فدخلت على أحمد بن حنبل فحدثته فكان إذا سألته قال: أحمد الله إليك أجد كذا وكذا.
ذكر مفاريد العبادلة
عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري أبو بكر الصنعاني:
قال أحمد بن ثابت المؤرخ في السابق واللاحق حدث عن أحمد بن حنبل عبد الرزاق بن همام الصنعاني وبين وفاته ووفاة البغوي مائة وست سنين.
قال أحمد المؤرخ أخبرنا أبو طالب يحيى بن علي الطبيب لفظا بحلوان قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم السهمي بجرجان قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم قال: حدثنا مهدي بن الحرث حدثنا أبو عبد الله العطار قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا أحمد بن حنبل عن الوليد يعني ابن مسلم عن زيد بن واقد قال: سمعت نافعاً مولى ابن عمر يقول إن ابن عمر كان إذا رأى مصليا لا يرفع يديه في الصلاة حصبه وأمره أن يرفع.(1/186)
قلت: أنا أخبرنا المبارك أخبرنا محمد أخبرنا ابن حيوية حدثنا عبد الله المروذي قال: سمعت أحمد بن منصور الرمادي يقول سمعت عبد الرزاق وذكر أحمد بن حنبل فدمعت عيناه فقال: بلغني أن نفقته نفدت فأخذت بيده فأقمته خلف هذا الباب وأشار إلى بابه وما معي ومعه أحد فقلت: إنه لا يجتمع عندنا الدنانير وإذا بعنا الغلة شغلناها في شيء وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها فأرجو أن لا تنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء قال: فقال: لي يا أبا بكر لو قبلت شيئاً من الناس قبلت منك.
وروى أبو محمد الحسن الخلال حدثنا محمد بن عمر الدقاق حدثنا جعفر الصندلي حدثنا الهيثم بن خلف حدثنا سعيد بن محمد المصيصي قال: سمعت عبد الرزاق قال: لأحمد بن حنبل وأما أنت فجزاك الله عن نبيك خيراً.
ومات عبد الرزاق سنة إحدى عشرة ومائتين.
عبد الوهاب بن عبد الحكم ويقال ابن الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق نسائي الأصل صحب إمامنا أحمد وسمع منه ومن يحيى بن سليم الطائفي وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ومعاذ بن معاذ العنبري وأنس بن عياض وغيرهم روى عنه ابنه الحسن وأبو داود السجستاني وابنه عبد الله وأبو بكر بن أبي الدنيا وأبو القاسم البغوي وخطاب بن بشر ويحيى بن صاعد والقاضي المحاملي وكان صالحا ورعاً زاهدا وذكره أبو الحسين بن المنادي فقال: كان يسكن الجانب الغربي ببغداد وحدث بألوف وكان من الصالحين العقلاء.
وقال ابنه الحسن كان أبي عبد الوهاب إذا وقعت منه قطعة فأكثر لا يأخذها ولا يأمر أحدا أن يأخذها فقلت: له يوماً يا أبت الساعة سقطت منك هذه القطعة فلم لا تأخذها فقال: قد رأيتها ولكني لا أعود نفسي أن آخذ شيئاً من الأرض كان لي أو لغيري.
وقال ابنه أيضاً ما رأيت أبي ضاحكا قط إلا متبسما وما رأيته مازحا قط ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي فجعل يقول صاحب قرآن يضحك هذا الضحك وإنما كنت مع أمي.(1/187)
قرأت على المبارك قلت: له حدثك محمد الصوري أخبرنا أبو الحسين القسامي قال: أملي علينا أحمد بن محمد بن الحجاج المرعشي الأنطاكي حدثنا محمد بن منصور الحربي حدثنا محمد بن جعفر الراشدي قال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول ما رأيت مثل أحمد بن حنبل قيل له وإيش الذي بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا.
وأنبأنا الوالد السعيد نور الله ضريحه عن إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا أحمد حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول أبو عبد الله إمامنا وهو من الراسخين في العلم إذا وقفت غدا بين يدي الله تعالى فسألني بمن اقتديت أقول بأحمد بن حنبل وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام وقد بلي منذ عشرين سنة في هذا الأمر.
قال وقال إسحاق بن داود بن صبيح نحن نقتدي بمن مات أحمد بن حنبل إمامنا وهو من الراسخين في العلم وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام.
قال وسمعت أبا الحسن علي بن مسلم الطوسي وذكر أبا عبد الله فقال: ما أعلم أحدا بلي بمثل ما بلي به فصبر وهو قدوة وحجة لأهل هذا العصر ومن يجيء بعدهم.
وأنبأنا الوالد السعيد حدثنا عبيد الله بن أحمد حدثنا محمد بن العباس حدثنا جعفر الصندلي سمعت خطاب بن بشر يذكر عن عبد الوهاب الوراق قال: لما قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "فردوه إلى عالمه" رددناه إلى أحمد بن حنبل.
ورواه الخطيب فقال: رددناه إلى أحمد بن حنبل وكان أعلم أهل زمانه.
وروى أيضاً بإسناده قال: قال عبد الوهاب ما بلغنا أنه كان للمسلمين جمع أكثر منهم على جنازة أحمد بن حنبل إلا جنازة في بني إسرائيل.
وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول عبد الوهاب الوراق رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق.(1/188)
وقال مثنى الأنباري ذكرت عبد الوهاب لأحمد فقال: إني لأدعو الله له وفي لفظ آخر قال: أحمد ومن يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب? وقال عبد الوهاب الوراق رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أقبل فقال: مالي أراك محزونا فقلت: وكيف لا أكون محزونا وقد حل بأمتك ما قد ترى فقال: لي لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن جعفر سألت عبد الوهاب عن أبي ثور فقال: أتدين فيه بما حدثني به أبو طالب عن أبي عبد الله أنه سأله عنه ففال يجفى ويجفى من أفتى برأيه.
وقال زكريا بن الفرج سألت عبد الوهاب غير مرة عن أبي ثور فأخبرني أن أبا ثور جهمي وذلك أنه قطع بقول أبي يعقوب الشعراني حكى أنه سأل أبا ثور عن خلق آدم على صورته فقال: إنما هو على صورة آدم ليس هو على صورة الرحمن.
قال زكريا فقلت: بعد ذلك لعبد الوهاب ما تقول في أبي ثور فقال: ما أدين فيه إلا بقول أحمد بن حنبل يهجر أبو ثور ومن قال: بقوله.
قال زكريا وقلت: لعبد الوهاب مرة أخرى وقد تكلم قوم في هذه المسألة خلق الله آدم على صورته فقال: من لم يقل إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فهو جهمي.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبي قال: قال عبد الوهاب الوراق القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر هو والله زنديق.
وقال منصور الحريب وغيره إنه رأى بشر بن الحرث يعني في المنام قال: فقلت: له ما فعل أبو نصر التمار وعبد الوهاب الوراق قال: تركتهما الساعة بين يدي الله عز وجل يأكلان ويشربان قلت: فأنت قال: علم الله قلة رغبتي في الأكل والشرب فأعطاني النظر إليه سبحانه وتعالى.
واختلف في وفاة عبد الوهاب فقيل سنة خمسين ومائتين وقيل سنة إحدى وخمسين ومائتين وهو أثبت وصلى عليه الأمير الموفق بن المتوكل على الله ودفن بباب البردان.
وقال عبد الوهاب قال أحمد بن حنبل أحب القراءات إلي نافع فإن لم فعاصم.(1/189)
عبد الملك بن عبد الحميد بن مهران الميموني الرقي أبو الحسن سمع من ابن عليه وأبي معاوية وعلي بن عاصم و إسحاق الأزرق ويزيد بن هارون في آخرين.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: الإمام في أصحاب أحمد جليل القدر كان سنه يوم مات دون المائة فقيه البدن كان أحمد يكرمه ويفعل معه ما كان يفعله مع غيره.
قال لي صحبت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين.
قال وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم عليه الوقت بعد الوقت قال: وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما أسأله ويقول لي ما أصنع بأحد ما أصنع بك.
وعنده عن أبي عبد الله مسائل في ستة عشر جزءاً منها جزأين كبيرين بخط جليل مائة ورقة إن شاء الله أو نحو ذلك لم يسمعه منه أحد غيري فيما علمت من مسائل لم يشركه فيها أحد كبار جياد تجوز الحد في عظمتها وقدرها وجلالتها.
وكان أبو عبد الله يسأله عن أخباره ومعاشه ويحثه على إصلاح معيشته ويعتني به عناية شديدة وقدمت عليه ثلاث مرات وسمعته يقول ولدت سنة إحدى وثمانين ومائتين.(1/190)
أخبرنا بركة أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا الخلال حدثني الميموني قال: قلت: يا أبا عبد الله تفرق بين الإسلام والإيمان قال: نعم قلت: بأي شيء تحتج قال: عامة الأحاديث تدل على هذا ثم قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن وقال الله تعالى: " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا " وحماد بن زيد كان يفرق بين الإسلام والإيمان قال: حدثنا أبو سلمة الحراني قال: قال مالك بن أنس وذكر قولهم وقول حماد بن زيد فرق بين الإسلام والإيمان قال: ابن حنبل لو لم يجئنا في الإيمان إلا هذا كان حسنا قلت: لأحمد فتذهب إلى ظاهر الكتاب مع السنن قال: نعم قلت: فإذا كانت المرجئة تقول الإسلام هو القول قال: هم يصيرون هذا كله واحداً ويجعلونه مسلماً مؤمناً واحداً على إيمان جبريل مستكمل الإيمان قلت: فمن ههنا حجتنا عليهم قال: نعم.
وقال الميموني سألت أبا عبد الله عن مسائل فكتبتها فقال: إيش تكتب يا أبا الحسن فلولا الحياء منك ما تركتك تكتبها وإنه علي لشديد والحديث أحب إلي منها.(1/191)
قلت: إنما تطيب نفسي في الحمل عنك أنك تعلم منذ مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لزم أصحابه قوم ثم لم يزل يكون للرجل أصحاب يلزمونه ويكتبون قال: من كتب قل أبو هريرة قال: وكان عبد الله بن عمرو يكتب ولم أكتب فحفظ وضيعت فقال: لي هذا الحديث فقلت: له فما المسائل إلا حديث ومن الحديث تشتق قال: لي اعلم أن الحديث نفسه لم يكتبه القوم قلت: لم لا يكتبون قال: لا إنما كانوا يحفظون ويكتبون السنن إلا الواحد بعد الواحد الشيء اليسير منه فأما هذه المسائل تدون وتكتب في ديوان الدفاتر فلست أعرف فيها شيئاً وإنما هو رأي لعله قد يدعه غدا وينتقل عنه إلى غيره ثم قال: لي أنظر إلى سفيان ومالك حين أخرجا ووضعا الكتب والمسائل كم فيها من الخطأ وإنما هو رأي يرى اليوم شيئاً وينتقل عنه غدا والرأي قد يخطىء فإذا صار إلى هذا الموضع دار هذا الكلام بيني وبينه غير مرة.
وقال لي أبو عبد الله وأنا أكتب عنه المسائل يا أبا الحسن ما كنت أكتب من هذا شيئاً إلا شيئاً يسيراً عن عبد الرحمن ربما كتبت المسألة.
قال أبو بكر الخلال وفي مسائل الميموني شيء كثير يقول فيها قرأت على أبي عبد الله كذا وكذا فأملى علي كذا يعني الجواب.
وقال الميموني سألت أحمد أيما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث قال: لا بالقرآن القرآن قلت: أعلمه كله قال: إلا أن يعسر عليه فتعلمه منه ثم قال: إذا قرأ أو لا تعود القراءة ولزمها. وقال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول بعد التسليم من الصلاة سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
وقال الميموني صليت خلف أبي عبد الله وكنت أسبح في الركوع والسجود عشر تسبيحات وأكثر.
قلت: لأحمد اجتمع عيدان في يوم أيكفي أحدهما من الآخر قال: أما الإمام فيجمعهما جميعاً ومن شاء ذهب في الآخر ومن شاء قعد.
قلت: لأحمد من قتل نفسه يصلي عليه الإمام قال: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه ولا على من غل قلت: فالمسلمون قال: يصلون عليهما.(1/192)
قلت: لأحمد تحج المرأة من مكة إلى منى بغير محرم قال: لا يعجبني قلت: لم قال: لأن مذهبنا لا تسافر امرأة سفرا إلا مع ذي محرم.
وسمعت أحمد يقول يجهر بالقراءة في كسوف الشمس والقمر.
وقال أحمد يقطع الصلاة الكلب الأسود فأما المرأة فأرجو أن لا تنقطع.
وسمعت أحمد يقول إذا دخل في اليهودية وهو نصراني رددته إلى النصرانية ولم أدعه على اليهودية.
وقال الميموني سألت أبا عبد الله عمن حلف على يمين ثم احتال لإبطالها فقال: نحن لا نرى الحيلة.
وأنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري الفقيه حدثنا أبو عروبة الحسين بن محمد الحراني قال: سمعت الميموني يقول سمعت أحمد بن حنبل وقيل له إلام تذهب في الخلافة? فقال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قال: فقيل له كأنك تذهب إلى حديث سفينة قال: أذهب إلى حديث سفينة وإلى شيء آخر رأيت علياً في زمن أبي بكر وعمر وعثمان لم يسم أمير المؤمنين ولم يقم الجمع والحدود ثم رأيته بعد قتل عثمان قد فعل ذلك فقلت: إنه قد وجب له في ذلك الوقت مالم يكن قد وجب له قبل ذلك قال: الميموني ما رأيت أبا عبد الله قط مرخى الكمين يعني في المشي.
وقال الميموني رأيت أبا عبد الله يوماً صائفا وعليه قميص مشدود الإزار.
وقال الميموني سمعت أبا عبد الله يقول العلم كثير وربما انقطع منه القليل وهو أمر إن لم تقطعه لم ينقطع وله مسائل كثيرة وفيما ذكرناه مقنع.
عبد الملك بن محمد بن عبد الله أبو قلابة الرقاشي البصري ذكره أبو الحسين بن المنادي فقال: حدثنا أبو قلابة الرقاشي حدثنا أحمد بن حنبل حدثني أبو المغيرة الحمصي حدثنا عثمان بن عبيد الدوسي عن عبد الرحمن بن عائذ الثمالي عن عمرو بن عبسة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب".(1/193)
وقد حدث الرقاشي عن يزيد بن هارون ومالك بن أنس وروح بن عبادة وعلي بن عاصم في آخرين روى عنه أبو بكر النجاد وابن السماك وأبو سهل ابن زياد القطان وغيرهم.
ومات سنة ست وسبعين ومائتين في شوال وصلي عليه في المصلى العتيق ودفن خارج باب السلام نقلت: أنا ذلك من تاريخ ابن المنادي.
عبد الكريم بن الهيثم بن زياد بن عمران أبو يحيى القطان العاقولي ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل كبير عنده جزءان صغيران مسائل حسان مشبعة وأخبرني أنه قال: كنت مع أحمد فجعلت أتأخر عنه في الصف إجلالا له فوضع يده على يدي فقدمني إلى الصف.
قال وسمعت أحمد يقول في الكفار إذا أحرقوا غلتنا فعلنا بهم ذلك لأنهم يكافئون على أفعالهم وإلا فلا تحرق بيوتهم ولا يقطع شجرهم وكذا في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه "ولا تحرقوا نخلاً " وذلك أنه إذا قطع الشجر وحرق لم يجدوا في الموضع الذي أحرق ما يأكلون ففيه مضرة فلهذا كره.
قال وسألت أبا عبد الله عن التعريف بهذه القرى مثل جرجراي ودير العاقول فقال: قد فعله ابن عباس بالبصرة وعمر بن حريث بالكوفة وهو دعاء قيل له يكثر الناس قال: وإن كثروا هو دعاء وخير وقد كان يفعله محمد بن واسع وابن سيرين والحسن وذكر جماعة من البصريين.
وذكره ابن ثابت فقال: سافر إلى بغداد وواسط والبصرة والكوفة والشام ومصر وسمع مسلم بن إبراهيم الأزدي وسليمان بن حرب والفضل ابن دكين وغيرهم.
ومات بدير العاقول في شعبان سنة ثمان وسبعين وكان ثقة ثبتا حدث عنه جماعة منهم أبو بكر بن داود الفقيه.
عبد السلام نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: قلت: لأبي عبد الله إن بطرسوس رجلا قد سمع رأي عبد الله بن المبارك يفتي به قال: هذا من ضيق علم الرجل يقلد دينه رجلا لا يكون واسعا في العلم.
عبد الصمد بن أبي سليمان بن أبي مطر روى عن إمامنا أشياء:(1/194)
فيما قرأته في كتاب عمر العكبري بخطه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا محمد بن نعيم حدثنا عبد الصمد بن سليمان بن أبي مطر قال: بت عند أحمد بن حنبل فوضع لي صاخرة ماء قال: فلما أصبحت وجدني لم أستعمله فقال: صاحب حديث لا يكون له ورد بالليل قال: قلت: مسافر قال: وإن كنت مسافرا حج مسروق فما نام إلا ساجداً.
عبد الصمد بن يحيى نقل عن إمامنا أشياء:
فيما أنبأنا محمد بن المهتدي بالله عن محمد بن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي قال: أخبرنا موسى بن محمد الغساني قال: حدثني أبو بكر المروذي قال: حدثني عبد الصمد بن يحيى قال: قال لي شاذان اذهب إلى أبي عبد الله فقل ترى لي أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيت ربي عز وجل في صورة شاب قال: فأتيت أبا عبد الله فقلت: له فقال: لي قل له تحدث به قد حدث به العلماء.
عبد الصمد بن محمد العباداني نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها سمعت أحمد بن حنبل يقول دخلت عبادان سنة ست وثمانين في العشر الأواخر وكنت دخلت إلى المعتمر في تلك السنة وكان بها رجل يتكلم قلت: له هداب قال: نعم وكان بها أبو الربيع فكتبت عنه قلت: الأعرج قال: الواسطي.
عبد الصمد بن الفضل نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن عمر بن شاهين أخبرنا أبو عبد الله ابن معمر البلخي حدثنا عبد الصمد بن الفضل قال: سئل أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي فقال: أحمد من أوله إلى آخره كذب فقيل له فيحل النظر فيه? فقال: لا.
عبد الخالق بن منصور حدث عن إمامنا بأشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتي به فهو كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم.
ذكر من اسمه عمر
عمر بن حفص السدوسي أبو بكر ذكره أبو بكر الخلال في جملة الأصحاب.(1/195)
أخبرنا المبارك أخبرنا إبراهيم أخبرنا الحسن بن حامد أخبرنا حبيب القزاز قال: سمعت أبا بكر عمر بن حفص السدوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل وسأله رجل من أهل أرمينية فقال: نحن بأرض غصب ولي بها عيال قال: إن خرجوا معك وإلا فاخرج أنت.
قال ورأيت أحمد يمشي أمام الجنازة ورأيته يكبر على الجنازة أربعاً ورأيته لما بلغ المقابر خلع نعليه ورأيته لما حثا التراب على الميت انصرف ولم يجلس.
عمر بن صالح البغدادي ذكره أبو بكر الخلال من جملة الأصحاب وقال أخبرني أن أحمد بن حنبل قال: يأتي على المؤمن زمان إن استطاع أن يكون حلسا فليفعل قلت: ما الحلس قال: قطعة مسح في البيت ملقى.
وقال سمعت أحمد أيضاً يقول قل لمن لا يصدق لا تتبعنا.
وقال عمر بن صالح سألت أبا عبد الله بم تلين القلوب فأبصر إلي ثم أبصر إلي ثم أطرق إلي ساعة فقال: بأي شيء بأكل الحلال فذهبت إلى أبي نصر بشر فقلت: له يا أبا نصر بأي شيء تلين القلوب فقال: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " فقلت: له فإني قد سألت أبا عبد الله فتهلل وجهه لذكري لأبي عبد الله قال: سألته قلت: نعم قال: هيه قلت: قال: لي بأكل الحلال قال: جاءك بالأصل كما قال: قال فذهبت إلى عبد الوهاب فقلت: يا أبا الحسن بم تلين القلوب فقال: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب " فقلت: قد سألت أبا عبد الله فاحمر وجهه من فرحه بأحمد فقال: سألت أبا عبد الله قلت: نعم قال: هيه قلت: قال: لي بأكل الحلال فقال: لأصحابه أما تسمعون أجابه بالجوهر أجابه بالجوهر الأصل كما قال: الأصل كما قال.
عمر بن سليمان أبو حفص المؤدب صحب إمامنا وروى عنه أشياء:
منها قال: صليت مع أحمد بن حنبل في شهر رمضان التراويح وكان يصلي به ابن عمير فلما أوتر رفع يديه إلى ثدييه وما سمعنا من دعائه شيئاً ولا من أحد ممن كان في المسجد وكان في المسجد سراج على الدرجة لم يكن فيه قنديل ولا حصير ولا خلوق.
عمر بن عبد العزيز جليس بشر بن الحارث:(1/196)
ذكره أبو محمد الخلال في جملة الأصحاب.
عمر بن مدرك أبو حفص القاص نقل عن إمامنا أشياء:
قال أبو بكر الخلال سمعته يقول قدمت من خراسان فقال: لي أحمد بن حنبل أبطأت في رحلتك قلت: أقمت على كتب ابن المبارك فقال: حسبك بها ولا تبالي أن تسمع غيرها.
عمر بن بكار القافلاني نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول إن لم يكن أصحاب الحديث الأبدال فمن
عمر الناقد نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: لما قدم سليمان الشاذكوني بغداد قال: لي أحمد بن حنبل اذهب بنا إلى سليمان نتعلم منه نقد الرجال.
وقال عمر الناقد ما كان في أصحابنا أحد أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل ولا أسرد للحديث من ابن الشاذكوني ولا أعلم بالإسناد من يحيى ما قدر أحد أن يقلب عليه إسناداً قط.
ذكر من اسمه عثمان
عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني أبو سعيد
ذكره أبو محمد الخلال في الأصحاب.
عثمان بن صالح بن عبد الله وقيل ابن عبد ربه بن حرذاذ الأنطاكي:
قال أبو بكر الخلال جليل القدر وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل سمعناها منه يغرب فيها.
قال عثمان رأيت لأحمد بن حنبل مطهرة من خزف مخمرة بقطعة بارية بالنهار.
عثمان بن أحمد الموصلي صحب إمامنا وروى عنه أشياء:
منها ما نقلته من المجموع لأبي حفص البرمكي قال: كان أبو عبد الله أحمد بن حنبل في جنازة فلما انتهى إلى القبر رأى رجلا يقرأ على قبر فقال: أقيموه وقائم إلى جنبه محمد بن قدامة الجوهري فقال: له يا أبا عبد الله كيف مبشر بن إسماعيل عندك فقال: ثقة فقال: فإنه حدثنا عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي إني إذا أنا مت فوضعتني في لحدي فسو قبري واقعد عند قبري واقرأ فاتحة سورة البقرة وخاتمتها فإني رأيت عمر يفعل ذلك فقال: أبو عبد الله ابعثوا إلى ذلك فردوه.
عثمان بن الحارثي النخاس نقل عن إمامنا أشياء:(1/197)
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول أفضل التابعين سعيد بن المسيب فقال: له رجل فعلقمة والأسود فقال: يعيد بن المسيب وعلقمة والأسود.
ذكر من اسمه علي
علي بن أحمد الأنماطي نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها قال: سئل أحمد بن حنبل ما يقول الرجل بين التكبيرتين في العيدين قال: يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكيد اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وارحمنا وكذلك يروى عن ابن مسعود.
علي بن أحمد بن بنت معاوية بن عمرو أبو الحسن البغدادي: ذكره ابن ثابت التمار من جملة الأصحاب وقيل يكنى بأبي غالب مدفون عند رجل أحمد وهو الأشهر نقل عن إمامنا أشياء منها قال: سئل أحمد وأنا أسمع عن أبي حذيفة البصري فقال: كان كثير الغلط وقال بيده هكذا.
علي بن أحمد بن النضر الأزدي أبو غالب ذكره أبو محمد الخلال من جملة الأصحاب.
علي بن حجر سأل إمامنا عن أشياء:
منها عن المسح على أعلى الخف أو أسفله فقال: أحمد نحن نرى أعلاه.
علي بن زكريا التمار نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سئل أحمد عن الرجل يكون له البنات وليس له ولد ذكر فيتصدق بماله عليهن فقال: لا يعجبني هذا يفر من العصبة.
علي بن الحسن الهسيجاني الرازي محدث جليل روى عن أحمد التاريخ.
علي بن الحسن المصري نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أحمد عن العود والطنبور والطبل يراه الرجل مكشوفا قال: يكسره قال: وسألته عن رجل يكون له والد يكون جالسا في بيت مفروش بالديباج يدعوه ليدخل عليه قال: لا يدخل عليه قلت: يأبى عليه والده إلا أن يدخل قال: يقلب البساط من تحت رجله ويدخل.
علي بن الجهم سأل إمامنا عن أشياء:(1/198)
منها ما نقلته من كتاب القدر لعبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي وسأله علي بن الجهم عمن قال: بالقدر يكون كافراً قال: أبي إذا جحد العلم إذا قال: إن الله لايعلم أو لم يكن عالماً حتى خلق علما فعلم فجحد علم الله فهو كافر.
علي بن الحسن بن زياد:
قال كان أبي صديقاً لأحمد بن حنبل فركبه الدين فوجه بي إلى أحمد بن حنبل فقال: قل له يا أبا عبد الله قد ركبني الدين فترى لي أن اعمل مع هؤلاء بقدر ما أقضي ديني قال: فقال: لي قل له لا يموت بدينه ولا يعمل معهم قل له يلقى الله عز وجل ولا يعمل معهم.
ذكره الخلال في كتاب السير.
علي بن حرب الطائي ذكره أبو محمد الخلال في جملة الأصحاب.
قلت: أنا وقد حدث عن سفيان بن عيينة ويزيد بن هارون ومن في طبقتهما روى عنه جماعة منهم ابنه محمد و أحمد بن سليمان العباداني وغيرهما.
علي بن سعيد بن جرير النسوي أبو الحسن ذكره أبو بكر الخلال فقال: كبير القدر صاحب حديث كان يناظر أبا عبد الله مناظرة شافية روى عن أبي عبد الله جزأين مسائل وقد كنت تعبت فيها سمعت بعضها بنزول.
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد النيسابوري حدثنا زنجويه بن محمد بن الحسن بن اللباد الرجل الصالح بنيسابور حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد بن جرير النسوي سنة ست وخمسين ومائتين حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يزيد بن هارون عن أيوب عن ابن العلاء عن قتادة عن شهر بن حوشب عن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم".
وبه قال: وسئل أحمد وأنا أسمع أي الحديث أثبت في هذا الباب فقال: حديث ثوبان رواه غير واحد فقيل له حديث رافع فقال: إنما رواه عبد الرزاق وحده فقيل له إن احتجم قال: عليه القضاء فقلت: على الحاجم والمحجوم قال: نعم هكذا جاء الحديث.
قال وسمعت أحمد وسئل إن جامع ناسيا قال: عليه الكفارة.(1/199)
وسمعت أحمد يقول وسئل عن القصر في السفر والإفطار عندك واحد قال: القصر أوكد وقد صام بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر آخرون في غزوة حنين فلم يعب بعضهم على بعض ولا أعلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدا كان يتم إلا أن تكون عائشة والإفطار أعجب إلينا.
وسألت أحمد عن المرأة تتزوج بغير ولي قال: يفرق بينهما أو يستقبلوا النكاح وسألت أحمد عن الرجل يتزوج المرأة وهو وليها قال: لا ولكن يولي أمرها رجلا وتولي هي أيضاً فيزوجه ذلك الرجل.
وسمعت أحمد وسئل عن الرجل يعرف بكذبة واحدة هل يكون في موضع العدالة قال: لا الكذب أشد من ذلك فقيل له فإذا تاب عنه بعد ذلك وطال عليه الأمر قال: إن كان قد تاب وظهرت منه التوبة وعرف منه الرجوع الكذب شديد.
وسألت أبا عبد الله عن القراءة بالألحان فقال: لا يعجبني هو محدث.
علي بن سهل بن المغيرة البزار أبو الحسن النسائي:
ذكره أبو بكر الخلال من جملة الأصحاب البغداديين.
نقلت: من التاريخ قال: أبو بكر الخلال أخبرنا علي بن سهل بن المغيرة البزار قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن خلف بن سالم فقال: لا يشك في صدقه.
ونقلت: من تاريخ ابن المنادي قال: مات سنة إحدى وسبعين ومائتين وكان صاحب عفان.
علي بن شوكر ذكره أبو محمد الخلال من جملة الأصحاب.
قال الأبار حدثنا علي بن شوكر قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول كان عمرو بن الأزهر يضع الحديث.
وقلت: أنا أخبرنا عم وهو ابن سعيد العتلي بصري الأصل سكن واسطا ثم انتقل إلى بغداد في آخر عمره فاستوطنها.
أبو الحسن الحافظ المبرز بصري الدار حدث عن حماد بن زيد وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وإمامنا أحمد.
قال أبو بكر نزيل دمشق في السابق واللاحق حدث عن أحمد بن حنبل أبو الحسن علي بن عبد الله المديني وبين وفاته ووفاة البغوي ثلاث وثمانون سنة.(1/200)
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن زياد حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن عبد الله هو ابن المديني حدثنا أحمد بن محمد هو ابن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد عن رباح عن عمر بن حبيب عن عمرو بن دينار عن طاووس عن حجر بن قيس المدري عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الرقبى فمن أرقب شيئاً فهو له".
وبه حدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا عبد الله بن محمد بن علي البلخي حدثنا أبو بكر الأعين حدثنا علي بن المديني حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى العصر ويصليهما جميعاً إذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب وصلاها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء وصلاها مع المغرب".
وبه حدثنا عبد المؤمن بن خلف الخصيب عن سهل بن المتوكل قال: سألت علي بن المديني عن حديث فلم يحدثني به وقال نهاني سيدي أحمد بن حنبل أن أحدث إلا من كتاب.
وقال علي بن المديني قال: لي أحمد بن حنبل إني لأحب أن أصحبك إلى مكة فما يمنعني إلا أني أخاف أن أملك أو تملني فلما ودعته قلت: يا أبا عبد الله توصيني بشيء قال: نعم ألزم التقوى قلبك واجعل الآخرة أمامك.
أنبأني الحسن بن علي الجوهري قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا محمد بن يونس بن موسى حدثنا علي بن المديني قال: قال لي أحمد بن حنبل إني أحب أن أصحبك إلى مكة وما يمنعني من ذلك إلا أني أخاف أن أملك أو تملني قال: فلما ودعته قلت: يا أبا عبد الله توصيني بشي قال: نعم ألزم التقوى قلبك وانصب الآخرة أمامك.(1/201)
وأنبأنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسن بن محمد بن الشاة التميمي قال: سمعت أحمد بن سعيد البغدادي يقول سمعت صعصعة بن الحسن يقول سمعت أبا شعيب الحراني يقول سمعت علي بن المديني يقول قال: لي سيدي أحمد بن حنبل لا تحدث إلا من كتاب.
وقال إبراهيم الحربي: قد سمع على بن المدين من أحمد وكان في كتبه سمعت أحمد وقال لي أحمد وحدثنا أحمد.
قرأت في كتاب الخطيب أخبرنا أبو نعيم حدثنا سليمان بن الطبراني حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: سمعت على بن المديني يقول أحمد بن حنبل سيدنا.
قال الخطيب: وأخبرنا محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد الصوفي في مجلس ابن مالك قال: حدثنا أبو يعلى الموصلي وأنا أسمع قال: سمعت علي بن المديني يقول إن الله عز وجل أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث أبو بكر الصديق يوم الردة و أحمد بن حنبل يوم المحنة.
قال الخطيب وحدثت عن عبد العزيز بن جعفر قال: سمعت أبا بكر الخلال يقول حدثني الميموني قال: سمعت علي بن المديني يقول ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل قال: قلت: له يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصديق قال: ولا أبو بكر الصديق لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب و أحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب.
أنبأنا المبارك عن إبراهيم عن عبد العزيز أخبرنا أحمد الخلال أخبرنا محمد بن الحسن بن حيدرة البزاز حدثنا محمد بن الحسن بن الأعرابي قال: سمعت علي بن المديني يقول لإن أسأل أحمد بن حنبل عن مسألة فيفتيني أحب إلي من أن أسأل أبا عاصم النبيل وابن داود إن العلم ليس بالسن إن العلم ليس بالسن.(1/202)
أخبرنا أبو الحسين المحدث أخبرنا محمد الحريري أخبرنا ابن حيوية حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروذي قال: سمعت محمد بن عبد ربه الزراع قال: سمعت علي بن المديني يقول وذكر أحمد بن حنبل فقال: هو عندي أفضل من سعيد بن جبير في زمانه لأن سعيداً كان له نظراء وإن هذا ليس له نظير.
قلت: أنا قدم علي بن المديني بغداد فحدث بها فروى عنه يحيى بن معين وصالح بن أحمد بن حنبل وحنبل بن عم أحمد والبخاري و إبراهيم الحربي في آخرين.
قرأت في كتاب أحمد بن علي بن ثابت بإسناده قال: أبو عبيد انتهى العلم إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة أسردهم له و أحمد بن حنبل أفقههم فيه وعلى بن المديني أعلمهم به ويحيى بم معين أكتبهم له.
أخبرنا أحمد نزيل دمشق أخبرنا أبو حازم عمر بن أحمد قال: سمعت محمد بن محمد بن العباس يقول سمعت جدي أحمد بن عبد الله يقول سمعت جدي محمد بن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني.
ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين بسر من رأى.
علي بن عبد الله الطيالسي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: مسحت يدي على أحمد بن حنبل ثم مسحت يدي على بدني وهو ينظر فغضب غضباً شديدا وجعل ينفض نفسه ويقول عمن أخذتم هذا وأنكره إنكاراً شديداً.
علي بن عبد الصمد الطيالسي البغدادي ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان يسكن قطيعة الربيع وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة.
أخبرنا عبد الله بن إسماعيل قال: سمعت علي بن عبد الصمد الطيالسي يقول رأيت أحمد بن حنبل إذا سئل عن مسألة يقول قال: إبراهيم قال: الشعبي قال: فلان قال: فلان كذا كأنه سيل ينزل من السماء ومن حضور جوابه والفهم والحفظ.
وقال أبو بكر الخلال أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي قال: سألت أحمد بن حنبل عن الصلاة خلف من يقرأ بقراءة حمزة فقال: أكرهه قلت: يا أبا عبد الله إذا لم يدغم ولم يكسر قال: إذا لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به.(1/203)
علي بن عبد الصمد المكي:
قال أبو بكر الخلال أخبرني أنه قال: لأحمد في مجلس سمع فيه الحديث وأنا لا أنظر في النسخة فأقول حدثنا مثل الصك إذا لم ينظر فيه فيشهدون فقال: لو نظرت في الكتاب كان أطيب لنفسك.
علي بن عثمان بن سعيد بن نفيل الحراني ورع عنده عن إمامنا أشياء: سمع منه أبو بكر الخلال وغيره قال سمعت أبا عبد الله يقول شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها ولا يعتمد عليها.
قال وقلت: لأحمد إن أبا قتادة كان يتكلم في وكيع وعيسى بن يونس وابن المبارك فقال: من كذب أهل الصدق فهو الكاذب.
علي بن الفرات الأصبهاني نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت علي بن الفرات الأصبهاني يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول القرآن كلام الله غير مخلوق.
علي بن محمد المصري نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول يؤكل الطعام لثلاث مع الإخوان بالسرور ومع الفقراء بالإيثار ومع أبناء الدنيا بالمروءة.
علي بن محمد القرشي نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أخبرنا أحمد بن عبيد الله قال: حدثنا إسماعيل البيهقي قال: حدثنا علي بن الشيخ الصالح قال: أخبرني أبو نعيم حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن القاص قال: حدثني أبو عبد الله الجوهري قال: حدثني يوسف بن يعقوب بن الفرج قال: سمعت علي بن محمد القرشي يقول لما قدم أحمد بن حنبل ليضرب بالسياط أيام المحنة كنت حاضرا وقد جرد فبينا هو يضرب إذ انحل السروال فجعل يحرك سفتيه ثلاث مرات فرأيت يدين خرجتا من تحته وهو يضرب فشدتا سرواله فلما فرغوا من الضرب وحطوه قمت إليه وقلت: يا أبا عبد الله ما كنت تقول حين انحل السروايل قال: قلت: يا من لا يعلم العرش أين هو إلا هو إن كنت تعلم إني على الحق فلا تبد عورتي.(1/204)
علي بن موفق أبو الحسن العابد حدث عن منصور بن عمار و أحمد بن أبي الحواري روى عنه أحمد بن مسروق الطوسي وعباس بن يوسف الشكلي في آخرين وهو عزيز الحديث وكان ثقة.
أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا عبد العزيز الأزجى حدثنا علي بن جهضم حدثنا محمد بن الحسين بن عبد الله حدثنا العباس بن يوسف حدثني علي بن الموفق قال: كنت ليلة في المسجد الحرام فقلت: يا سيدي كم تردني وكم تتعبني اقبضني إليك وأرحني فبينا أنا نائم إذ رأيت رب العزة عز وجل في النوم يقول لي يا علي بن الموفق أرأيت لو أنك بنيت دارا من كنت تدعو إليها من تحب أم من تكره فقلت: لا يارب بل من أحب فقال: عز وجل يا علي بن موفق قد دعوناك إلى دارنا.
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سئل أحمد عن الصلاة خلف من يشرب النبيذ الذي يلقى فيه الذاذي والاكثوف واللوز المر فقال: أحمد لا تصلي خلف من يشرب هذا ولا خلف من يجلس إلى من يشرب هذا.
قرأت في بعض الكتب أنه حج ستين حجة وقال اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعا في جنتك فاحرمنيها وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لك وشوقا إلى وجهك الكريم فأبحنيه مرة واصنع بي ما شئت.
ونقلت: من كتاب المكي قال: حدثت عن علي بن موفق قال: رأيت في النوم كأني أدخلت الجنة فرأيت رجلاً قاعداً على مائدة وملكان عن يمينه وشماله يلقمانه من جميع الطيبات وهو يأكل ورأيت رجلا قائما على باب الجنة يتصفح وجوه قوم فيدخل بعضا ويرد بعضا قال: ثم جاوزتهما إلى حظيرة القدس فرأيت في سرادق العرش رجلا قد شخص بصره ينظر إلى الله عز وجل لا يطرق فقلت: لرضوان من هذا فقال: هذا معروف الكرخي عبد الله عز وجل لا خوفا من ناره ولا شوقا إلى جنته بل حبا له فأباحه النظر إليه عز وجل وذكر الآخرين بشر بن الحارث و أحمد بن حنبل.(1/205)
وقال علي بن موفق خرجت يوماً لأؤذن فأصبت قرطاسا فأخذته ووضعته في كمي فأذنت وأقمت وصليت فلما صليت قرأته فإذا مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن موفق تخاف الفقر وأنا ربك.
ونقلت: من حلية الأولياء لأبي نعيم بإسناده قال: علي بن موفق حججت نيفا وخمسين حجة فجعلت ثوابها للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ولأبوي وبقيت حجة فنظرت إلى أهل الموقف بعرفات وضجيج أصواتهم فقلت: اللهم إن كان في هؤلاء أحد لم تقبل حجته فقد وهبت له هذه الحجة ليكون ثوابها له قال: فبت تلك الليلة بالمزدلفة فرأيت ربي عز وجل في المنام فقال: لي يا علي بن موفق علي تتسخى قد غفرت لأهل الموقف ومثلهم وأضعاف ذلك وشفغت كل رجل منهم في أهل بيته وخاصته وجيرانه وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة.
وبإسناده قال: علي بن الموفق حججت سنة من السنين في محمل فرأيت رجالة فأحببت المشي معهم فنزلت وأقعدت واحدا منهم في محملي ومشيت معهم فتقدمنا إلى البريد وعدلنا عن الطريق فنمنا فرأيت في منامي جواري معهن طسوت من ذهب وأباريق من فضة يغسلن أرجل المشاة فبقيت أنا فقالت إحداهن لصاحبتها ليس هذا منهم هذا له محمل فقالت بلى هو منهم لأنه أحب المشي معهم فغسلت رجلي فذهب عني كل تعب كنت أجده.
وقرأت في تاريخ الحسين بن المنادي قال: ومات في سنة خمس وستين ومائتين بمدينتنا على بن موفق وكان من الزاهدين المذكورين.
وقال الفتح بن شخرف وقد رأى الأزر تطرح على جنازة علي بن موفق فضحك وقال ما أحسن هذه المزاحمات لو كانت على الأعمال.
وقال أحمد بن عبد الله الحفار رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك قال: حباني وأعطاني وقربني وأدناني قال: قلت: علي بن الموفق ما صنع الله به قال: الساعة تركته في زلال يريد العرش.
علي بن المكري المعبراني روى عن أمامنا أحمد أشياء:(1/206)
منها ما سمعته من أحمد بن عبد الله قال: سمعت أبا الحسن علي بن أحمد بن علي بن المكري المعبراني قدم علينا في ذي القعدة من سنة اثنتين وخمسين قال حدثني أبي عن جدي قال: كنت في مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية فأخرج له أحمد نعل خشب بشراك خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له تمضي إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له يقول لك أحمد أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو أصفع الآخر بهذه النعل فمضى إليه وقال له مثل ما قال: أحمد فقال: المارد على لسان الجارية السمع والطاعة لو أمرنا أحمد أن لا نقيم في العراق ما أقمنا به إنه أطاع الله ومن أطاع الله أطاعه كل شيء وخرج من الجارية وهدأت وزوجت ورزقت أولادا فلما مات أحمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه الحال فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك أحمد بن حنبل أطاع الله فأمرنا بطاعته.
وبه قال: خرجت أنا والصبيان ولي سبع سنين أو ثمان سنين نبصر أحمد ابن حنبل كيف يضرب .
علي بن أبي خالد نقل عن إمامنا أشياء:(1/207)
منها قال: قلت: لأحمد إن هذا الشيخ لشيخ حضر معنا هو جاري وقد نهيته عن رجل ويحب أن يسمع قولك فيه حرث القصير يعني حارثا المحاسبي كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة فقلت: لي لا تجالسه ولا تكلمه فلم أكلمه حتى الساعة وهذا الشيخ يجالسه فما تقول فيه فرأيت أحمد قد احمر لونه وانتفخت أوداجه وعيناه وما رأيته هكذا قط ثم جعل ينتفض ويقول ذاك فعل الله به وفعل ليس يعرف ذاك إلا من خبره وعرفه أويه أويه أويه ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم هلكوا بسببه فقال: له الشيخ يا أبا عبد الله يروى الحديث ساكن خاشع من قصته ومن قصته فغضب أبو عبد الله وجعل يقول لا يغرك خشوعه ولينه ويقول لا تغتر بتنكيس رأسه فإنه رجل سوء ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره لا تكلمه ولا كرامة له كل من حدث بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مبتدعاً تجلس إليه لا ولا كرامة ولا نعمى عين وجعل يقول ذاك ذاك.
علي بن أبي صبح السواق حكى عن إمامنا أشياء:
منها قال: كنا في وليمة فجاء أحمد بن حنبل فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه صورة فخرج فلحقه صاحب المنزل فنفض يده في وجهه وقال زي المجوس زي المجوس وخرج.
علي بن الخواص نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أحمد قلت: ختن لي زوج أختي يشرب من هذا المسكر أفرق بينهما قال: الله المستعان.
قلت: أنا وقد نقل المروذي عن أحمد أنه قال: لرجل سأله عن مثل هذا فقال: حولها إليك.
ذكر من اسمه عباس
عباس بن أحمد اليماني المستملي من طرسوس ممن نقل عن إمامنا:
قال أبو بكر الخلال حدثنا العباس بن أحمد اليماني قال: سئل أبو عبد الله عن الرجل يسمع النفير وتقام الصلاة قال: يصلي ويخفف قال: له الرجل يخفف الركوع والسجود قال: لا ولكن يقرأ سوراً صغاراً ويتم الركوع والسجود.
وقال أيضاً سئل أبو عبد الله عن سبي عمورية فكرهه وقال ماسمعت بمثل ما صنعوا في تلك الغزاة.(1/208)
قال العباس اليماني وكان المعتصم لما فتح عمورية فرق الغنيمة على القواد فكره أبو عبد الله أن يشتري ما فرق.
العباس بن عبد الله بن العباس يعرف بالنخشبي ذكره الخطيب فقال: حدث بمصر عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين سمع منه عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى المصري.
العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل أبو الفضل العنبري البصري.
سمع يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومعاذ بن هشام وعبد الرزاق بن همام وإمامنا أحمد في آخرين.
قال حنبل سمعت أبا عبد الله وسأله رجل عن رفع اليدين في الصلاة فقال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عن غير واحد وعن أصحابه أنهم فعلوه "إذا افتتح الصلاة وإذا أراد أن يركع وإذا رفع رأسه من الركوع" قلت: له فبين السجدتين قال: لا قلت: فإذا أراد أن ينحط ساجدا قال: لا فقال: له العباس العنبري يا أبا عبد الله أليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله قال: هذه الأحاديث أقوى وأكثر.
أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن الحسين بن أخي ميمي حدثنا علي بن محمد الموصلي حدثنا محمد بن موسى الغساني حدثنا المروذي قال: قال لي العباس العنبري والله لمخالفتي يونس وابن عون أسهل علي من خلافي أحمد بن حنبل ثم قال: إن عبد الرحمن بن عون قال: بلينا بفتنة الضراء فصبرنا وبلينا بفتنة السراء فلم نصبر وأبو عبد الله قد بلي بالفتنتين جميعاً فصبر.
روى عنه أبو حاتم الرازي ومسلم بن الحجاج وأبو داود وغيرهم وقدم بغداد وجالس إمامنا واستفاد منه أشياء وجالس أبا عبيد وبشر بن الحارث فسمع منه ببغداد محمد بن يوسف الجوهري وأبو بكر الأثرم.
قال البخاري ومات سنة ست وأربعين ومائتين.
عباس بن علي بن الحسن بن بسام أبو الفضل ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
العباس بن غالب الهمداني الوراق سأل إمامنا عن أشياء:(1/209)
منها قال: قلت: لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله أكون في المجلس ليس فيه من يعرف السنة غيري فيتكلم مبتدع فيه أرد عليه فقال: لا تنصب نفسك لهذا أخبره بالسنة ولا تخاصم فأعدت عليه القول فقال: ما أراك إلا مخاصماً.
قلت: أنا وجه قول إمامنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بقوم شراً ألقى بينهم الجدل وخزن عنهم العمل"، وقيل للحسن البصري نجادلك فقال: لست في شك من ديني وقال مالك بن أنس كلما جار رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجد وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة"، وقال الأوزاعي عليك بأثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول فليحذر كل مسئول ومناظر من الدخول فيما ينكره على غيره وليجتهد في اتباع السنة واجتناب المحدثات كما أمر.
العباس بن محمد بن حاتم أبو الفضل الدوري مولى بني هاشم بغدادي سمع شبابة بن سوارد وأبا النضر هاشم بن القاسم وعبد الوهاب بن عطاء ويونس بن محمد ويعقوب بن إبراهيم بن سعيد وعفان بن مسلم في آخرين حدث عنه يعقوب بن سفيان وعبد الله بن إمامنا وجعفر الفريابي وأبو عبد الرحمن النسائي وأبو القاسم البغوي وأبو الحسين بن المنادي وغيرهم.
وذكره أبو بكر الخلال فيمن صحب إمامنا فقال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول ربما كنا عند أحمد بن حنبل أيام الحج فيجيئه أقوام من الحجاج فيقبل عليهم ويحدثهم فربما قلنا له في ذلك فيقول هؤلاء قوم غرباء وإلى أيام يخرجون.(1/210)
قال وسمعت أحمد بن حنبل وهو شاب على باب أبي النضر فقيل له يا أبا عبد الله ما تقول في موسى بن عبيدة وفي محمد بن إسحاق فقال: أما محمد فهو رجل يسمع منه ويكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وأما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس ولكنه روى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أحاديث مناكير فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا أقواما هكذا قال: العباس وأرانا بيده قال: أبو بكر الخلال وأرانا العباس فعل أبي عبد الله قبض كفيه جميعاً وأقام إبهاميه.
وقال أبو الحسين بن المنادي حدثنا العباس بن محمد قال: قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل وذكر صفوان بن عيسى البصري فقلت: له حدثونا عن صفوان بن عيسى عن ثور بن يزيد عن أبي عون الأعور وهو الأنصاري الشامي ويقال له ابن أبي عبد الله عن أبي إدريس الخولاني قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وكان قليل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً أو يقتل مؤمناً عمداً"، فقال أحمد بن حنبل حدثناه صفوان.
وأخبرنا الوالد السعيد قال: أخبرنا علي بن معروف البزار قال: حدثنا يزيد ابن المسلمة حدثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يونس عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه" قال: فقام فصفنا عليه وإني في الصف الثاني فصلى عليه.(1/211)
أخبرنا القاضي أبو المظفر هناد بن إبراهيم النسفي إجازة قال: سمعت أبا القاسم عبد الله بن الحسن النيسابوري يقول سمعت الحاكم أبا عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا العباس بن محمد الأصم يقول سمعت العباس بن محمد يقول انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ستة نفر من الصحابة رضي الله عنهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت فهؤلاء طبقات الفقهاء وأما الرواة فستة نفر أيضاً أبو هريرة وأنس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وعائشة رضي الله عنهم وأما طبقات أصحاب الأخبار والقصص فسنة نفر عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه وطاوس اليماني ومحمد بن إسحاق بن يسار ومحمد بن عمر الواقدي وأما طبقات التفسير فستة أيضاً عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك بن مزاحم والسدي وأما طبقات خزان العلم فالأعمش ومالك بنأنس وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي والثوري ومسعر بن كدام وشعبة وأما طبقات الحفاظ فستة نفر أحمد بن محمد أبن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وأبو زرعه الرازي ومحمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج.
قال عباس الدوري سمعت أحمد بن حنبل يقول وسئل عن الدقاقين فقال: إن أموالاً جمعت من عموم المسلمين إنها لأموال سوء.
وقال عباس الدوري سمعت أحمد بن حنبل يقول عجب لأصحاب الحديث تنزل بهم المسألة فيها عن الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس حتى عد عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي فيسألونهم ألا ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به? قلت: أنا وأنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني أخبرنا محمد بن مخلد قال: سمعت العباس الدوري قال: سألت أحمد بن حنبل ما تقول فيمن احتجم وهو صائم قال: أرى أن يصوم يوماً مكانه.(1/212)
قال وسئل أحمد وأنا أسمع ما تقول في الركعتين قبل المغرب فجعل يقول سعيد عن موسى السلاني عن أنس والمختار بن فلفل عن أنس قال: "كان اللباب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري" وذكر اللباب ونحو هذه الأحاديث فقال: له الرجل أنت يا أبا عبد الله كيف تفعل قال: ما صليتها قط حيث يراني الناس قال: لنا العباس الدوري فظننا أنه كان إذا سمع المؤذن يؤذن بالمغرب صلى الركعتين ثم خرج.
قال وسمعت أحمد يقول أبو عبيد عندنا ممن يزداد كل يوم خيراً قلت: للعباس من أبو عبيد قال: القاسم بن سلام.
مولده سنة خمس وثمانين ومائة وموته في يوم الأربعاء لست عشرة خلت من صفر سنة إحدى وسبعين ومائتين وقد بلغ ثمانيا وثمانين سنة ذكره ابن المنادي.
عباس بن محمد بن موسى الخلال بغدادي:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان من أصحاب أبي عبد الله الأولين الذين كان أبو عبد الله يعتد بهم وكان رجلا له قدر وعلم وعارضة وصعب علي طلب مسائله ثم وقعت لي بعلو ويقول في مسائله قبل الحبس وبعده.
أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار حدثنا العباس بن محمد بن موسى الخلال قال: ذكر أبو عبد الله أن أنسا جمع أهله ثم أمر مولى له يخطب يعني إذا فاتته صلاة العيد في جماعة وإنما حملنا هذا على أن أنسا فعله بأرض له خارج البصرة.
وقال أحمد في رواية عباس بن محمد الخلال إذا نضب الماء عن جزيرة إلى فنائها فلا يبنى فيها فإن فيه ضررا على غيره لأن الماء يرجع.
عباس بن مشكويه الهمداني نقل عن إمامنا أشياء:(1/213)
منها ما أخبرنا أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أبي حدثنا أبو مسعود أحمد بن محمد بن عبد الله الرازي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم الهمداني بمكة حدثنا أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد ببغداد قال: قرىء على ابن أبي العوام الرياحي وأنا أسمع قال: سمعت عباس بن مشكويه الهمداني قال: كنت يوم الدار يوم ضرب أحمد فلما ضرب السوط الثامن اضطرب المئزر في وسطه فرأيته وقد رفع رأسه إلى السماء وحرك شفتيه فما استتم الدعاء حتى رأيت كفا من ذهب قد خرج من تحت مئزره فرد المئزر إلى موضعه بقدرة الله فضجت العامة وهموا بالهجوم على دار السلطان فأمر بحلة فدخلت عليه فقلت: يا أبا عبد الله أي شيء كان تحريك شفتيك عند اضطراب المئزر فقال: رفعت رأسي إلى السماء وناديت يا غياث المستغيثين يا إله العالمين إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة فاستجاب الله دعائي عند اضطراب المئزر.
عباس بن محمد بن عيسى الجوهري نقل عن إمامنا أشياء:
منها سمعت أحمد بن حنبل يقول من الكبائر قاص يقص على قصاص.
وحدث عن يحيى بن أيوب المقابري وداود بن رشيد وشريح بن يونس روى عنه يحيى بن محمد المصري وأبو بكر الشافعي وسليمان الطبراني وأبو بكر الجعاني والإسماعيلي وكان ثقة.
ومات سنة تسع وتسعين ومائتين.
ذكر من اسمه عبدوس
عبدوس بن عبد الواحد أبو السري:
قال أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن موسى عن حمدان بن علي قال: قال أبو السرى عبدوس بن عبد الواحد كنت آتي أبا عبد الله فجاءه شاب فسأله عن شيء وكان للشاب هيئة وسمت وخشوع فأجابه فلما قام قال: أبو عبد الله يجيئني مثل هذا فلا أجيبه? وقال عبدوس سألت أبا عبد الله قلت: رجل حج من الديوان أترى له أن يعيد قال: نعم.(1/214)
عبدوس بن مالك أبو محمد العطار ذكره أبو بكر الخلال فقال: كانت له عند أبي عبد الله منزله في هدايا وغير ذلك وله به أنس شديد وكان يقدمه وله أخبار يطول شرحها وقد روى عن أبي عبد الله مسائل لم يروها غيره ولم تقع إلينا كلها مات ولم تتخرج عنه ووقع إلينا منها شيء أخرجه أبو عبد الله في جماع أبواب السنة مالو رحل رجل إلى الصين في طلبها لكان قليلا أخرجه أبو عبد الله ودفعه إليه.
قرأت على المبارك قلت: له أخبرك عبد العزيز الأزجى أخبرنا علي بن بشران أخبرنا عثمان المعروف بابن السماك حدثنا الحسن بن عبد الوهاب حدثنا سليمان بن محمد المنقري حدثني عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة وترك الخصومات وترك الجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال والخصومات في الدين والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم والسنة تفسر القرآن وهي دلائل القرآن وليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول ولا الأهواء إنما هو الإتباع وترك الهوى ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها يؤمن بها لم يكن من أهلها الإيمان بالقدر خيره وشره والتصديق بالأحاديث فيه والإيمان بها لا يقال لم ولا كيف إنما هو التصديق والإيمان بها ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كفي ذلك وأحكم له فعليه بالإيمان به والتسليم له مثل حديث الصادق المصدوق وما كان مثله في القدر ومثل أحاديث الرؤية كلها وإن نبت عن الأسماع واستوحش منها المستمع فإنما عليه الإيمان بها وأن لا يرد منها حرفا واحدا وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات وأن لا يخاصم أحدا ولا يناظر ولا يتعلم الجدال فإن الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه لا يكون صاحبه إن أصاب بكلامه السنة(1/215)
من أهل السنة حتى يدع الجدال ويسلم ويؤمن بالآثار والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ولا يضعف أن يقول ليس بمخلوق وأن كلام الله ليس ببائن منه وليس شيء منه مخلوق وإياك ومناظرة من أحدث فيه وقال باللفظ وغيره ومن وقف فيه فقال: لا أدري مخلوق أو ليس بمخلوق وإنما هو كلام الله فهو صاحب بدعة مثل من قال: هو مخلوق وإنما هو كلام الله وليس بمخلوق والإيمان بالرؤية يوم القيامة كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحاح وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح قد رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس والحديث عندنا على ظاهره كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم والكلام فيه بدعة ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا نناظر فيه أحدا والإيمان بالميزان يوم القيامة كما جاء "يوزن العبد يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة وتوزن أعمال العباد" كما جاء في الأثر والإيمان به والتصديق والإعراض عمن رد ذلك وترك مجادلته وأن الله يكلم العباد يوم القيامة ليس بينه وبينهم ترجمان والإيمان به والتصديق به والإيمان بالحوض وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترد عليه أمته عرضه مثل طوله مسيرة شهر آنيته عدد نجوم السماء على ما صحت به الأخبار من غير وجه والإيمان بعذاب القبر وأن هذه الأمة تفتن في قبورها وتسأل عن الإيمان والإسلام ومن ربه ومن نبيه ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله وكيف أراد والإيمان به والتصديق به والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ويقوم يخرجون من النار بعد ما احترقوا وصاروا فحما فيؤمر بهم إلى نهر على باب الجنة كما جاء الأثر كيف شاء الله وكما يشاء إنما هو الإيمان به والتصديق به والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوب بين عينيه كافر والأحاديث التي جاءت فيه والإيمان بأن(1/216)
ذلك كائن وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لد والإيمان قول وعمل يزيد وينقص كما جاء في الأثر، "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً"، و " من ترك الصلاة فقد كفر"، وليس من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة من تركها فهو كافر وقد أحل الله قتله وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان نقدم هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا في ذلك ثم بعد هؤلاء الثلاثة كما قدمهم أصحاب الشورى الخمسة علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص كلهم يصلح للخلافة وكلهم إمام ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر كنا نعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأصحابه متوافرون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت ثم بعد أصحاب الشورى أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة أولا فأولا ثم أفضل الناس من هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر أليه فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه ولو لقوا الله بجميع الأعمال كما هؤلاء الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل بصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ممن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به ومن خرج عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر لا يترك وقسمة الفيء وإقامة الحدود إلى الأئمة ماض ليس لأحد أن يطعن عليهم ولا ينازعهم ودفع الصدقات إليهم جائزة نافذة ومن دفعها إليهم أجزأت عنه براً كان أو فاجراً وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولى جائزة(1/217)
تامة ركعتان من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل جمعتة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم فالسنة أن يصلى معهم ركعتين ويدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شك ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا والغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ولا يحل قتل السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنهما بكل ما يقدر وليس له إذا فارقوه وتركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه بالمعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أمرت بقتاله ولم تأمر بقتله ولا اتباعه ولا يجهز عليه إن صرع أو كان جريحا وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله ومن لقي الله بذنب تجب له به النار تائبا غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه والله يقبل التوبة عن عباده ويفعو عن السيئات ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ومن لقيه كافرا عذبه ولم يغفر له والرجم حق(1/218)
على من زنى وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمت الأئمة الراشدون ومن انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساويه كان متبدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً والنفاق هو الكفر أن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه فهو منافق هذا على التغليظ" نرويها كما جاءت ولا نفسرها وقوله "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" ومثل "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ومثل "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ومثل "من قال: لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ومثل "كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق" ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم نعلم تفسيره ولا نتكلم فيه ولا نجادل فيه ولا نفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت لا نردها إلا بأجود منها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت قصراً ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا" فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار ولا نترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيراً أمره إلى الله عز وجل.خلفه وخلف من ولى جائزة تامة ركعتان من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة ليس له من فضل جمعتة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم فالسنة أن يصلى معهم ركعتين ويدين بأنها تامة لا يكن في صدرك من ذلك شك ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له(1/219)
بالخلافة بأي وجه كان بالرضا والغلبة فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية ولا يحل قتل السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله فله أن يقاتل عن نفسه وماله ويدفع عنهما بكل ما يقدر وليس له إذا فارقوه وتركوه أن يطلبهم ولا يتبع آثارهم ليس لأحد إلا الإمام أو ولاة المسلمين إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك وينوي بجهده أن لا يقتل أحدا فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه بالمعركة فأبعد الله المقتول وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشهادة كما جاء في الأحاديث وجميع الآثار في هذا إنما أمرت بقتاله ولم تأمر بقتله ولا اتباعه ولا يجهز عليه إن صرع أو كان جريحا وإن أخذه أسيرا فليس له أن يقتله ولا يقيم عليه الحد ولكن يرفع أمره إلى من ولاه الله فيحكم فيه ولا نشهد على أحد من أهل القبلة بعمل يعمله بجنة ولا نار نرجو للصالح ونخاف عليه ونخاف على المسيء المذنب ونرجو له رحمة الله ومن لقي الله بذنب تجب له به النار تائبا غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه والله يقبل التوبة عن عباده ويفعو عن السيئات ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ومن لقيه كافرا عذبه ولم يغفر له والرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمت الأئمة الراشدون ومن انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساويه كان متبدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً والنفاق هو(1/220)
الكفر أن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه فهو منافق هذا على التغليظ" نرويها كما جاءت ولا نفسرها وقوله "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" ومثل "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ومثل "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ومثل "من قال: لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ومثل "كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق" ونحو هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ فإنا نسلم له وإن لم نعلم تفسيره ولا نتكلم فيه ولا نجادل فيه ولا نفسر هذه الأحاديث إلا بمثل ما جاءت لا نردها إلا بأجود منها والجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخلت الجنة فرأيت قصراً ورأيت الكوثر واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء واطلعت في النار فرأيت كذا وكذا" فمن زعم أنهما لم تخلقا فهو مكذب بالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحسبه يؤمن بالجنة والنار ومن مات من أهل القبلة موحدا يصلى عليه ويستغفر له ولا يحجب عنه الاستغفار ولا نترك الصلاة عليه لذنب أذنبه صغيرا كان أو كبيراً أمره إلى الله عز وجل.
ذكر مفاريد
حرف العين ومثانيها
عصمة بن أبي عصمة أبو طالب العكبري روى عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أبا عبد الله عمن قال: لعن الله يزيد بن معاوية فقال: لا تتكلم في هذا قال: النبي صلى الله عليه وسلم لعن المؤمن كقتله وقال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم وقد كان يزيد فيهم فأرى الإمساك أحب إلي.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان صالحاً صحب أبا عبد الله قديما إلى أن مات وروى عنه مسائل كثيرة جيادا وأول مسائل سمعت بعد موت أبي عبد الله مسائله.(1/221)
وقال أبو حفص العكبري بلغني أن عصمة رأى ابنا له وقد خرج من الحمام وكان وضىء الوجه فحبسه في منزله حتى خرج الشيب في لحيته وقال هذا إذا كان صبياً فتن الرجال وإذا كان له لحية فتن النساء ولم يكن يتركه يخرج إلا إلى الجمعة والجماعات وحدث عنه جماعة منهم أبو حفص عمر بن رجاء ومات سنة أربعة وأربعين ومائتين ذكره ابن قانع.
عصمة بن عصام نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أبا عبد الله قال: لا تقتل النساء في دار الحرب إلا من قاتل منهن فإذا قاتلن وحاربن قوتلن ولا يقتلن صبراً يستأنى بهن.
عقبة بن مكرم قال: سألت أبا عبد الله قلت: هؤلاء الذين يأكلون قليلا ويقللون مطعمهم فقال: ما يعجبني سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض.
عمرو بن الأشعث الكندي سمع من إمامنا رضي الله عنه أشياء.
عمرو بن تميم سمع من إمامنا أشياء.
عمرو بن معمر أبو عثمان روى عن إمامنا أشياء:
منها ما ذكره أبو بكر الخلال في كتاب العلم أخبرني سعيد بن مسلم الطوسي حدثنا محمد بن الهيثم قال: سمعت أبا عثمان عمرو بن معمر قال: قال أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله إذا رأيت الرجل يجتنب أبا حنيفة ورأيه والنظر فيه ولا يطمئن إليه ولا إلى من يذهب مذهبه ممن يغلو ولا يتخذه إماماً فأرجو خيره.
عمار بن رجاء سمع من إمامنا أشياء.
علان بن عبد الصمد سمع من إمامنا أشياء.
عيسى بن جعفر أبو موسى الوراق الصفدي نقل عن إمامنا أشياء.
منها قال: سألت أبا عبد الله قلت: الرجل له الضيعة يغل منها ما يقوته ثلاثة أشهر من أول السنة يأخذ من الصدقة قال: إذا نفدت.
وقال أيضاً سألت أحمد أيما أفضل عندك العمل بالسيف والرمح والفروسية أو الصلاة التطوع قال: إذا كان ههنا يعني ببغداد فينال من هذا وهذا وإذا كان بالثغر فاشتغاله بذلك أفضل من التطوع لأن الله تعالى يقول " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ".(1/222)
سمع عيسى بن جعفر وشبابة بن سوار وشجاع بن الوليد وغيرهما روى عنه يحيى بن صاعد والقاضي المحاملي ومحمد بن مخلد وأبو الحسين بن المنادي وقال كان أبو موسى عيسى بن جعفر الوراق من أفاضل الناس وشجعان المجاهدين مع ورع وعقل ومعرفة وحديث كثير عال وصدق وفضل.
ومات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين ومائتين.
وقال عيسى سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان فقال: أذهب فيه إلى قول الله عز وجل " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين، محلقين رؤوسكم" فقد علم أنهم داخلون واستثنى وإلى قوله عز وجل " ادخلوا مصر إن شاء الله " وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "سلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لاحق بهم واستثنى.
عيسى بن فيروز الأنباري أبو موسى سمع من إمامنا أشياء:
منها ما رواه ابن ثابت الخطيب أخبرني علي بن أحمد بن البزاز أخبرنا علي بن محمد بن سعيد الموصلي حدثنا أبو موسى عيسى بن فيروز الأنباري حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد قال: كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وقبيصة بن ذؤيب وعروة بن الزبير وعبد الملك بن مروان.
أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي أخبرنا علي بن محمد الموصلي حدثنا أبو موسى عيسى بن فيروز الأنباري حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية قال: كان دهاة العرب المغيرة بن شعبة وزياد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.
وبه قال: عيسى سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول الإيمان قول وعمل.(1/223)
عسكر بن الحصين أبو تراب النخشبي الصوفي قدم بغداد غير مرة وكان يحضر مجلس إمامنا قال: عبد الله بن أحمد جاء أبو تراب النحشبي إلى أبي رضي الله عنه فجعل أبي يقول فلان ضعيف فلان ثقة فقال: أبو تراب يا شيخ لا تغتاب العلماء فالتفت أبي إليه وقال له ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة.
وقيل مات في البادية نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين.
عارم أبو النعمان البصرة سأل إمامنا عن أشياء:
منها قال: قلت: له يا أبا عبد الله بلغني أنك رجل من العرب فمن أي العرب أنت فقال: لي يا أبا النعمان نحن قوم مساكين وما نصنع بهذا?
باب حرف الفاء
الفضل بن أحمد بن منصور بن الذيال أبو العباس الزبيدي المقرىء روى عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا المبارك أخبرنا العتيقي قال: سمعت محمد بن عبد الله بن المطلب يقول سمعت الفضل بن أحمد يقول سمعت أحمد بن حنبل وقد أقبل أصحاب الحديث بأيديهم المحابر فأومأ إليها وقال هذه سرج الإسلام يعني المحابر.
وأنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا أبو العباس الزبيدي قال: سمعت أبا عبد الله يقول اكتبوا عن زياد بن أيوب فإنه شعبة الصغير.
الفضل بن الحباب أبو خليفة الجمحي البصري حدث عن أبي الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير ومحمد بن سلام الجمحي وحكى عن إمامنا أشياء:
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو محمد سهل بن أحمد الديباجي حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري حدثنا أبو الوليد ومحمد بن كثير حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً وقال ابن كثير أوصى رجلا فقال: إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللهم وجهت وجهي إليك وأسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك وفوضت أمري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت" قال: "فإن مات مات على الفطرة".(1/224)
وأنبأنا المبارك أخبرنا أبو الحسين المعدل أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك قال: سمعت أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة يقول قدم علينا أحمد بن حنبل البصرة ليسمع من أبي الوليد الطيالسي سنة اثنتي عشرة إن شاء الله فاستشرف له أهل البصرة فلقيه أبي وكان بينهما صحبة قديمة فسأله أن يضيفه فأجابه فأقام عندنا ثلاثة أيام فكنت أذاكره بالليل كثيراً فقلت: له يا أبا عبد الله سمعت شعبة بن الحجاج يقول إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم فهل أنتم منتهون قال: فأطرق ساعة ثم قال: أما نحن فلا نعرف هذا من أنفسنا فإن كان شعبة يعرف من نفسه شيئاً فهو أعلم.
وأنبأنا عبد الرحمن بن منده أخبرنا محمد بن عبد العزيز الشيرازي بها أخبرنا أبو علي الحسين بن أحمد بن محمد بن الليث الصفار الشيرازي حدثنا علي بن أحمد بن جعفر قال: حضر رجل مجلس أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي فذكر أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه فقال: أبو خليفة على أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضوان الله فهو إمامنا ومن قتدي به ونقول بقوله الواعي للعلم المتقن لروايته الصادق في حكايته القيم بدين الله عز وجل المستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين والناصح لإخوانه من المؤمنين فقال: له الرجل يا أبا خليفة ما تقول في قوله القرآن كلام الله غير مخلوق فقال: صدق والله مقالته وقمع كل بدعي بمعرفته قوله الصواب ومذهبه السداد هو المأمون على كل الأحوال والمقتدى به في جميع الفعال فقال: له الرجل يا أبا خليفة فمن قال: القرآن مخلوق قال: ذاك الرجل ضال مبتدع ألعنه ديانة وأهجره تقربا إلى الله عز وجل بذلك قام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه مقاما لم يقمه أحد المتقدمين ولا من المتأخرين فجزاه الله عن الإسلام وعن أهله أفضل الجزاء ومات سنة سبع وثلاثمائة.(1/225)
الفضل بن زياد أبو العباس القطان البغدادي ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان من المتقدمين عند أبي عبد الله وكان أبو عبد الله يعرف قدره ويكرمه وكان يصلي بأبي عبد الله فوقع له عن أبي عبد الله مسائل كثيرة جياد وحدث عن جماعة منهم يعقوب بن سفيان الفسوي والحسن بن أبي العنبر وأحمد الأدمي وجعفر الصندلي و أحمد بن عطاء في آخرين.
أخبرنا أحمد المؤرخ أخبرنا أبن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان حدثني الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل قال: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكا لم يأخذ بحديث البيعان بالخيار فقال: يستتاب في الخيار فإن تاب وإلا ضربت عنقه ومالك لم يرد الحديث ولكن تأوله على غير ذلك فقال: شامي من أعلم مالك أو ابن أبي ذئب فقال: ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك وابن أبي ذئب أصلح في بدنه وأورع ورعاً وأقوم بالحق من مالك عند السلطان وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يمهله أن قال: له الحق قال: له الظلم فاش ببابك وأبو جعفر أبو جعفر وقال حماد بن خالد كان يشبه ابن أبي ذئب بسعيد بن المسيب وما كان ابن أبي ذئب ومالك في موضع عند السلطان إلا تكلم ابن أبي ذئب بالحق والأمر والنهي ومالك ساكت وإنما كان يقال ابن أبي ذئب وسعد بن إبراهيم أصحاب أمر ونهي فقيل له ما تقول في حديثه قال: كان ثقة في حديثه صدوقاً رجلا صالحا ورعاً قال: يعقوب ابن أبي ذئب قرشي ومالك يماني.
أنبأنا رزق الله عن محمد بن أبي الفوارس حدثنا أبو عمر بن حيويه حدثنا جعفر بن محمد الصندلي و أحمد بن الأدمي قالا أخبرنا الفضل بن زياد قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل غير مرة يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
وبه أخبرنا الفضل حدثنا أبو عبد الله حدثنا نوح بن ميمون حدثنا بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " قال: هو على العرش وعلمه معهم قال: أبو عبد الله هذه السنة.(1/226)
وبه قال: الفضل جالس أحمد الشافعي بمكة فأخذ عنه التفتيق وكلام قريش وأخذ الشافعي عن أحمد معرفة الحديث وكل شيء في كتاب الزعفراني سفيان بن عيينة إسماعيل بن علية بلا حدثنا فهو عن أحمد بن حنبل أخذه.
وأخبرنا عبيد الله بن البقال أخبرنا أبو محمد الخلال أخبرنا عمر الواعظ أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل حدثنا الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن الحديث الذي روى إن السنة قاضية على الكتاب فقال: أحمد ما أجسر على هذا أن أقوله ولكن السنة تفسر الكتاب وتبينه.
وقال الفضل سألت أبا عبد الله قلت: أختم القرآن أجعله في الوتر أو في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين كيف أصنع قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام قلت: بم أدعو قال: بما شئت ففعلت كما أمرني وهو خلفي يدعو قائما ورفع يديه.
قال الفضل وسألت أبا عبد الله عن حديث ابن شبرمة عن الشعبي في رجل نذر أن يطلق امرأته فقال: له الشعبي أوف بنذرك أترى ذلك فقال: لا والله.
قال الفضل وسمعت أبا عبد الله وذكر يحيى بن سعيد القطان فقال: لا والله ما أدركنا مثله قال: وسمعته سئل عن الرجل يجعل أمر امرأته بيدها فقال: أذهب فيه إلى قول عثمان القضاء ما قضت.
وقال الفضل بلغه يعني أحمد عن رجل أنه قال: إن الله لا يرى في القيامة فقال: لعنه الله من كان من الناس أليس الله يقول: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " وقال " كلا، إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون".
وقال الفضل سمعت أحمد بن حنبل يقول أكذب الناس السؤال والقصاص.
فضل بن سهل الأعرج حدث عن جماعة منهم زيد بن الحباب ومن في طبقته ونقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يقولان من لم يهب الحديث وقع فيه.
حدث عنه البخاري ومسلم في الصحيحين.(1/227)
أنبأنا القاضي الخطيب أبو الحسين قال: أخبرنا الشريف أبو الفضل بن المأمون حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي حدثنا الفضل بن سهل حدثنا زيد بن الحباب حدثنا فضيل بن مرزوق حدثنا أبو إسحاق عن زيد بن يثيع الهمداني الكوف عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تستخلفوا أبا بكر تجدوه مسلماً أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا تأخذه في الله لومة لائم" قال: "وإن تؤمروا علياً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق".
وبه حدثنا الفضل بن سهل حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا الأسود بن عامر حدثنا عبد الحميد بن أبي جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
الفضل بن عبد الله الحميري روى عن إمامنا فيما أنبأنا المبارك عن ابن غيلان حدثنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المكي حدثنا عبد الواحد بن محمد بن سعيد أبو أحمد حدثنا إبراهيم بن علي حدثني الفضل بن عبد الله الحميري قال: سألت أحمد بن حنبل عن رجال خراسان فقال: أما إسحاق بن راهويه فلم ير مثله وأما الحسين بن عيسى البسطامي فثقة وأما إسماعيل بن سعيد الشالنجي ففقيه عالم وأما أبو عبد الله القطان فبصير بالعربية والنحو وأما محمد بن أسلم فلو أمكنني زيارته لزرته.
الفضل بن عبد الصمد الأصفهاني أبو يحيى:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل جليل لزم طرسوس إلى أن مات في الأسر قدمت طرسوس سنة سبعين أو إحدى وسبعين وكان أسيرا في بلاد الروم ثم قدمت بغداد فأخبرت أنه فودي ثم أسر أيضاً فمات أسيرا في آخر الأسرين وكان له جلالة عندهم بطرسوس مقدما فيهم وعنده جزء مسائل عن أبي عبد الله.(1/228)
أخبرنا عبد الرحمن بن داواد أن الفضل بن عبد الصمد حدثهم قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن القرعة فجعل يقوي أمرها ويقول في كتاب الله في موضعين قال الله تعالى: "فساهم فكان من المدحضين" وقال " إذ يلقون أقلامهم " ثم قال: أبو عبد الله قوم جهال الذين يقولون القرعة قمار والنبي صلى الله عليه وسلم أقرع بين نسائه وأقرع النبي صلى الله عليه وسلم في ستة مملوكين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "استهما".
وقال الفضل بن عبد الصمد قيل لأبي عبد الله المهاجرون الأولون من هم قال: الذين صلوا إلى القبلتين.
وقال الفضل بن عبد الصمد سمعت أحمد يقول لا أحب أن يأخذ الزوج من زوجته إذا اختلعت أكثر مما أعطاها.
الفضل بن مضر نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سئل أحمد وأنا حاضر متى يجوز للحاكم أن يقبل شهادة الرجل فقال: إذا كان يحسن يتحمل الشهادة يحسن يؤديها.
الفضل بن مهران أبو العباس من جملة الأصحاب نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أحمد قلت: إن عندنا قوما يجتمعون فيدعون ويقرؤون القرآن ويذكرون الله فما ترى فيهم فقال: لي أحمد يقرأ في المصحف ويذكر الله في نفسه ويطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: فأخ لي يفعل هذا فأنهاه قال: نعم قلت: فإن لم يقبل قال: بلى إن شاء الله فإن هذا محدث الاجتماع والذي تصف.
الفضل بن نوح نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها قال: قلت: لأحمد أريد الخروج إلى الثغر وإني أسأل عن هذين الرجلين عن الكرابيسي وأبي ثور فقال: احذرهما.
الفرج بن الصباح البرزاطي نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أخبرنا على البندار قراءة عن ابن بطة حدثنا عمر بن رجاء حدثنا محمد بن داود البصري حدثنا الفرج بن الصباح البرزاطي قال: سألت أحمد عن الرجل يزوج ابنه ويضمن الصداق فيموت الأب قال: يخرج يعني الصداق من ماله ثم يرجع الورثة على هذا يعني الابن في نصيبه.(1/229)
وبه قال: سألت أحمد عن رجل أحرق حلاله في ضيعة له فطارت النار فوقعت في زرع قوم فأحرقته فقال: لا شيء عليه.
الفتح بن أبي الفتح شخرف بن داود بن مزاحم أبو نصر كان أحد العباد السائحين ثم سكن بغداد وحدث بها عن رجاء بن مرجا المروذي كتاب السنن عن أبي شرحبيل عيسى بن خالد بن أبي اليمان الحمصي وجعفر بن عبد الواحد الهاشمي وغيرهم وصحب إمامنا أحمد وجالسه وسأله عن أشياء كثيرة.
منها ما أنبأنا أبو بكر بن الخياط قال: أخبرنا أبو الحسين السنجردي أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت حدثنا أبو نصر محمد بن عيسى بن الوليد حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت فتح بن أبي الفتح العابد وكان قد ختم القرآن أربعين ألف ختمة أقل أو أكثر وذاك أن عبيد بن بزيع قال: قال لي الفتح بن أبي الفتح أترى يعذب الله رجلا ختم القرآن أربعين ألف ختمة فسمعته يقول لأبي عبد الله من نسأل بعدك فقال: سلوا عبد الوهاب مثله يوفق لإصابة الحق.
روى عنه أبو بكر النجاد وأبو محمد البربهاري.
قال البربهاري سمعت الفتح بن شسخرف يقول رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم فقال: يا فتح احذر ألا آخذك على غرة قال: فتهت في الجبال سبع سنين وقال محمد بن المسيب قال: الإمام أحمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل الفتح بن شخرف.
ومات يوم الثلاثاء النصف من شوال سنة ثلاث وسبعين ومائتين وصلى عليه بدر المغازلي.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانىء لما مات فتح بن شخرف ببغداد صلى عليه ثلاث وثلاثون مرة أقل قوم كانوا يصلون عليه يعدون خمسة وعشرين ألفا إلى ثلاثين ألفاً.
أخبرنا المبارك أخبرنا محمد بن عبد الواحد أخبرنا ابن حيويه حدثنا عبد الله بن محمد المروذي سمعت أبا بكر المروذي يوم جنازة فتح بن شخرف يقول لو أن الخليقة انحازت عن قول أحمد بن حنبل ما تحاشيت أن أجفوها.
باب القاف
قتيبة بن سعيد أبو رجاء البغلاني(1/230)
حدث عن إمامنا فيما أنبأنا محمد الكوفي أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني حدثنا محمد بن علي بن عبد الله بن الحكم الهمداني أخبرنا محمد بن عمار القطان حدثنا عبيد الله بن أحمد المروزي السلمي حدثنا عبدان بن محمد المروزي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبيد الله بن طلحة بن كريز عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص "أنه دعى إلى ختان فأبى" وقال كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نأتي الختان ولا ندعي إليه.
أنبأنا محمد الصيرفي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو بكر المروذي قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول لما مات الثوري مات الورع ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين قال: قلت: لقتيبة يا أبا رجاء تضم أحمد إلى التابعين قال: إلى كبار التابعين.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة قال: سمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول من قال: القرآن مخلوق فهو زنديق كافر بالله العلي العظيم لا أصلي خلفه ولا أتبع جنازته ولا أعوده.
وحدث عن قتيبة بن سعيد أبو عيسى الترمذي ثم إنه حدث عن ستة أنفس عنه وكان قصده الجمال بإمامنا وبمن نقل عنه من الأئمة فقال: أبو عيسى أخبرنا عبد الله بن سليمان عن زكريا بن يحيى اللؤلؤي عن أبي بكر الأعين عن يحيى بن معين عن علي بن المديني عن أحمد بن حنبل عن قتيبة بن سعيد.
القاسم بن محمد المروزي أحد من روى عن إمامنا أحمد.
ذكر أبو القاسم سعد الزنجاني أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسن الناقد أخبرنا الحسن بن رشيق أخبرنا أبو بشر الدولابي حدثنا القاسم بن محمد المروزي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لم يكن بين الحسن والحسين إلا الحمل.(1/231)
قاسم بن محمد المروزي ذكره أبو بكر الخلال فقال: من أصحاب أبي عبد الله المتقدمين سمع من أبي عبد الله التاريخ قديما وقد كان قدم ههنا وحدث عنه أبو بكر المروذي.
القاسم بن نصر المخرمي سأل إمامنا عن أشياء:
منها ما ذكره الخطيب أحمد بن ثابت في ترجمة سليمان الشاذكوني فقال: جالس حماد بن زيد وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع وذكر جماعة فما نفعه الله بواحد منهم.
القاسم بن نصر بصري ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد رضي الله عنه
القاسم بن عبد الله البغدادي أحد من روى عن إمام الدنيا أحمد بن حنبل رضي الله عنه فيما ذكره محمد بن يوسف البناء الصوفي الأصبهاني عن أبي الحسن بن الحكم وعثمان بن عبد الله جميعاً عن القاسم.
وقال القاسم بن عبد الله سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وقد سأله رجل عن زيادته ونقصانه يعني الأيمان فقال: يزيد حتى يبلغ أعلى السماوات السبع وينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع.
قاسم بن الفرغاني:
قال سئل أحمد بن حنبل عن رجل له بسامرا دين يخرج يقتضيه قال: لا قلنا فكيف يصنع قال: يوكل رجلا من ثم فيقتضي دينه.
القاسم بن سلام أبو عبيد كان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة ويحكى أن سلاما خرج يوماً وأبو عبيد مع ابن لمولاه في الكتاب فقال: للمعلم علمي القاسم فإنها كيسة.
سمع إسماعيل بن جعفر وشريكا وإسماعيل بن عياش وهشيم بن بشير وسفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم وكان يقصد إمامنا أحمد ويحكي عنه أشياء.(1/232)
منها ما رواه أبو بكر بن أبي الدنيا قال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام زرت أحمد بن حنبل فلما دخلت عليه بيته قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه فقلت: يا أبا عبد الله أليس يقال صاحب البيت أو المجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه قال: نعم يقعد ويقعد من يريد قال: فقلت: في نفسي خذ إليك أبا عبيد فائدة ثم قلت: يا أبا عبد الله لو كنت آتيك على حق ما تستحق لأتيتك كل يوم فقال: لا تقل ذاك فإن لي إخوانا ما ألقاهم في كل سنة إلا مرة أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم قال: قلت: هذه أخرى يا أبا عبيد فلما أردت القيام قام معي قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله قال: فقال: قال: الشعبي من تمام زيارة الزائر أن يمشى معه إلى باب الدار ويؤخذ بركابه قال: قلت: يا أبا عبد الله من عن الشعبي قال: ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي قال: قلت: يا أبا عبيد هذه ثالثة.
أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله حدثنا عبيد الله بن حبابة حدثنا القاضي أبو الحسين عمر بن الحسن بن الأشناني حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي وحدثنا عمر بن عامر التمار حدثنا جعفر بن سليمان بن علي الهاشمي قال: حدثني أبي عن أبي قلابة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له" وقال الشعبي أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنا هكذا نصنع بالعلماء".
وقال ابن الجعابي قال: أبو عبيد قلت: لأحمد بن حنبل كيف تصنع بمنازلك ببغداد قال: أؤدي عن مسكني وغلتي عن كل جريب قفيزاً أو درهماً قال: فقلت: له المسكن لا شيء فيه قال: قد أذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهم أن يسكنوا ولكن أؤدي عما فضل عن مسكني عن كل جريب قفيزاً أو درهماً.(1/233)
وقال الأثرم كنت عند أبي عبيد القاسم بن سلام وهم يذكرون المسائل فجرت مسألة فأجبت فيها قال: فقام رجل منهم من قال: هذا قلت: رجل لا أعلم بالمشرق ولا بالمغرب أكبر منه أحمد بن حنبل قال: أبو عبيد صدق.
قلت: أنا قد أقام ببغداد ثم ولي القضاء بطرسوس ثماني عشرة سنة وخرج بعد ذلك إلى مكة فسكنها حتى مات بها.
قال أبو الحسين بن المنادى وأبو عبيد القاسم بن سلام كان ينزل بدرب الريحان ثم خرج إلى مكة في سنة أربع وعشرين ومائتين.
وذكره ابن درستويه النحوي فقال: وممن جمع صنوفا من العلم وصنف الكتب في كل فن من العلوم والآداب أبو عبيد القاسم بن سلام وكان مؤدبا لابن هرثمة وصار في ناحية عبد الله بن طاهر وكان ذا فضل ودين وسنن ومذهب حسن روى عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي واليزيدي وغيرهم من البصريين وروى عن ابن الأعرابي وأبي زياد الكلابي وعن الأموي وأبي عمرو الشيباني والكسائي والفراء وروى الناس من كتبه المصنفة بضعة وعشرين كتابا في القرآن والفقه وغريب الحديث وغريب المصنف والأمثال ومعاني الشعر وغير ذلك وبلغنا أنه كان إذا ألف كتاباً أهداه إلى عبد الله بن طاهر فيحمل إليه مالا خطيراً استحساناً لذلك.
وقال الفسطاطي كان أبو عبيد مع ابن طاهر فوجه إليه أبو دلف يستهديه أبا عبيد مدة شهرين فأنفذ إليه أبا عبيد فأقام شهرين فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها وقال أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره ولا آخذ ما فيه علي نقص فقال: له أيها الأمير قد قبلتها منك ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا وأوجه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوافرا على الأمير ففعل.
ولما عمل أبو عبيد كتاب غريب الحديث عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال إن عقلا بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب لحقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر.(1/234)
وقال محمد بن وهب قال: أبو عبيد كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في موضعها من هذا الكتاب فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر وخمسة أشهر فيقول قد أقمت الكثير.
وقيل أول من سمع هذا الكتاب من أبي عبيد يحيى بن معين.
وقال جعفر بن محمد بن علي بن المديني سمعت أبي يقول خرج أبي إلى أحمد بن حنبل يعوده وأنا معه قال: فدخل إليه وعنده يحيى بن معين وذكر جماعة من المحدثين قال: فدخل أبو عبيد القاسم بن سلام فقال: له يحيى بن معين اقرأ علينا كتابك الذي عملته للمأمون غريب الحديث فقال: هاتوه فجاءوا بالكتاب فأخذه أبو عبيد فجعل يبدأ يقرأ الأسانيد ويدع تفسير الغريب قال: فقال: له أبي يا أبا عبيد دعنا من الأسانيد نحن أحذق بها منك فقال: يحيى بن معين لعلي بن المديني دعه يقرأ على الوجه يقرأ على الوجه فإن ابنك محمدا معك ونحن فنحتاج أن نسمعه على الوجه فقال: أبو عبيد ما قرأته إلا على المأمون فإن أحببتم أن تقرؤوه فاقرؤوه قال: فقال: له علي بن المديني إن قرأته علينا وإلا فلا حاجة لنا فيه ولم يعرف أبو عبيد علي بن المديني فقال: ليحيى بن معين من هذا قال: علي بن المديني فالتزمه وقرأه علينا فمن حضر ذلك المجلس جاز أن يقول حدثنا وغير ذلك فلا يقول.
وقال أبو عبيد المتبع للسنة كالقابض على الجمر وهذا اليوم أفضل عندي من ضرب السيف في سبيل الله عز وجل.
وقال عباس بن محمد سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو عبيد القاسم بن سلام ممن يزداد عندنا كل يوم خيراً.
واختلف في وفاته فقال: البخاري مات أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقال غيره سنة ثلاث وعشرين بمكة وقيل سنة اثنتين وعشرين في خلافة المعتصم.
باب الميم
محمد بن أحمد بن الجراج أبو عبد الرحيم الجوزجاني:(1/235)
قرأت في كتاب أبي بكر الخلال قال: هو ثقة رجل جليل القدر في نحو إبراهيم بن يعقوب كان أبو عبد الله يكاتبه أيضاً فكتب إليه في أشياء لم يكن يكتب إلى أحد بمثلها في السنة والرد على أهل الخلاف والكلام.
وقد حدثنا عنه الشيوخ قديما أبو بكر المروزي قال: رأيت أبا عبد الرحيم الجوزجاني عند أبي عبد الله وقد كان ذكره أبو عبد الله فقال: كان أبوه مرجئا أو قال: صاحب رأي وأما أبو عبد الرحيم فأثنى عليه.
قال أبو عبد الرحيم سمعت أحمد بن حنبل وذكر إسحاق فقال: لا أعلم أو لا أعرف ل إسحاق بالعراق نظيراً.
محمد بن أحمد بن علي بن رزين نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت ابنا للعلاء بن عبد الجبار عند سفيان وكان كيسا محمد بن أحمد بن المثنى أبو جعفر نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: أتيت أحمد بن حنبل فجلست على بابه أنتظر خروجه فلما خرج قمت إليه فقال: لي أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار" فقلت: له إنما قمت إليك ولم أقم لك فاستحسن ذاك.
وقال أبو جعفر قلت: لأحمد ما تقول في بشر فقال: سألتني عن رابع سبعة من الأبدال أو عامر بن عبد قيس ما مثله عندي إلا مثل رجل ركز رمحا في الأرض ثم قعد منه على السنان فهل ترى ترك لأحد موضعاً يقعد فيه?
محمد بن أحمد بن واصل أبو العباس المصري: سمع أباه ومحمد بن صالح الخياط ومحمد بن سعدان النحوي وخلف بن هشام البزار وإمامنا في آخرين روى عنه أبو مزاحم الخاقاني وأبو الحسن بن شنبوذ وغيرهم.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان قال: أبو بكر الخلال سمعته يقول سمعت أبا عبد الله سئل عن الرأي فرفع صوته وقال لا تكتب شيئاً من الرأي.
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول عمرة في شهر رمضان تعدل حجة فإن أدرك يوماً من رمضان فقد أدرك عمرة في رمضان.(1/236)
أخبرنا أحمد بن علي البغدادي قال: أخبرنا علي السمسار قال: أخبرنا عبد الله الصفار حدثنا ابن قانع أن محمد بن أحمد بن واصل مات في جمادى الآخرة سنة ثلاثة وسبعين ومائتين.
محمد بن أحمد المروروذي: ذكره أبو بكر الخلال فقال: روى عن أبي عبد الله مسائل لم تقع إلى غيره ثقة من أهل مرو الروذ سمعت عنه من بطل ثقة من أهل أصبهان وذكره بجميل.
حدثني الحسن بن مهران بن الوليد الأصبهاني قال: سمعت محمد بن أحمد المروروذي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي ثلاث مرات وقل هو الله أحد ثم قولوا اللهم فضله لأهل المقابر.
وروى أبو بكر في الشافي قال: محمد بن أحمد المروروذي سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول إذا دخلتم المقابر فاقرؤا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قولوا اللهم إن فضله لأهل المقابر وروى أبو بكر في الشافي قال: قال محمد بن أحمد المروروذي سمعت أحمد بن حنبل يقول إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا بفاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم.
محمد بن إبراهيم بن سعيد بن موسى بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن البوشنجي ذكره أبو بكر الخلال في جملة الأصحاب نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد يقول تقربوا إلى الله تعالى ببغض أهل الإرجاء فإنه من أوثق الأعمال إلينا.
وقال أيضاً سمعت أبا عبد الله يقول أبو زيد اسمه قيس بن سكن بن زعورا وقال أيضاً سمعته يقول قال: محمد بن المنهال ما كتبت حدثنا قط قال: أبو عبد الله لأنه كان ضريرا حافظا متقنا أمينا وكان عنده ستة آلاف حديث عن زيد بن زريع.
ومات البوشنجي في جمادى الأولى سنة تسعين ومائتين يوم النيروز.(1/237)
وقال البوشنجي وذكر أحمد بن حنبل عنده فقال: هو عندي أفضل من سفيان الثوري وذلك أن سفيان لم يمتحن في الشدة والبلوى بمثل ما امتحن به أحمد بن حنبل ولا علم سفيان ومن تقدم من فقهاء الأمصار كعلم أحمد لأنه كان أجمع للعلم وأبصر بمتقنهم وغالطهم وصدوقهم وكذوبهم ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال: قام أحمد مقام الأنبياء وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء وتداوله أربعة خلفاء بعضهم بالضراء وبعضهم بالسراء فكان فيها مستعصماً بالله عز وجل تداوله المأمون والمعتصم والواثق بعضهم بالضرب والحبس وبعضهم بالإخافة والترهيب فما كان في هذا الحال إلا سليم الدين غير تارك له من أجل ضرب ولا حبس ثم امتحن أيام المتوكل بالتكريم والتعظيم وبسط الدنيا عليه وإفاضتها عنده فما ركن إليها ولا انتقل من حاله الأولى رغبة في الدنيا ولا رغبة في الذكر فهذه الحالات لم يمتحن بمثلها سفيان ولقد حكي عن المتوكل أنه قال: إن أحمد يمنعنا من بر ولده فرحمة الله عليه في قصة طويلة ذكرها المتوكل.
وقال البوشنجي حضر يوماً عند أحمد جماعة من أصحاب الحديث من إخوانه فاشترى لهم بما كان عنده من النفقة وأطعمهم وصبر على مقدار ربع سويق ثمانية عشر يوماً بعسكر المتوكل مكتفيا بذلك حتى أتته النفقة من بغداد لا يذوق من مائدة المتوكل شيئاً.
محمد بن إبراهيم بن مسلم بن سالم أبو أمية: سكن طرسوس فقيل له الطرسوسي وهو بغدادي سمع عمر بن يونس اليمامي وعمر بن حبيب القاضي ويعقوب بن إسحاق الحضرمي وعثمان بن عمر بن فارس وأبا عاصم النبيل ومكي بن إبراهيم والفضل بن دكين وإمامنا في آخرين روى عنه أبو حاتم الرازي والقاضي وكيع ويحيى بن صاعد والحسين والقاسم ابنا إسماعيل المحاملي في آخرين.(1/238)
أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو الحسن الأهوازي حدثنا القاضي المحاملي حدثنا محمد بن إبراهيم الطرسوسي حدثنا إسحاق بن منصور السلولي حدثنا إسرائيل عن جابر عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصيب عبد بعد ذهاب دينه بأشد من ذهاب بصره وما ذهب بصر عبد فصبر إلا دخل الجنة".
سئل أبو داود عن أبي أمية فقال: ثقة.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: رجل رفيع القدر جدا سمعنا منه حديثا كثيراً وكان إماماً في الحديث في زمانه متقدما وكان عنده مسائل صالحة عن أبي عبد الله وغرائب سمعتها منه ومن قوم عنه.
أخبرني أبو أمية الطرسوسي قال: سألت أحمد بن حنبل عن رجل سمع معي وهو يرى رأي الخوارج أعطيه سماعه قال: نعم أعطه لعل الله ينفعه به.
وتوفي بطرسوس سنة ثلاث وسبعين ومائتين ذكره ابن المنادي.
محمد بن إبراهيم بن يعقوب ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد رضي الله عنه.
محمد بن إبراهيم الأنماطي أبو جعفر المعروف بمربع: صاحب يحيى بن معين كان أحد الحفاظ الفهماء وحدث عن أبي سلمة التبوذكي وأبي حذيفة النهدي وأبي الوليد الطيالسي وأبي بكر بن أبي الأسود و أحمد بن يونس في آخرين ونقل عن إمامنا أشياء: روى عنه محمد التمتام وقاسم بن زكريا المطرز ويحيى بن صاعد والحسين المحاملي ومحمد بن مخلد الدوري.
أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو عمر بن مهدي أخبرنا محمد بن مخلد حدثنا محمد بن إبراهيم مربع حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سعيد بن زيد حدثنا عمر بن مصعب بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس".
أخبرنا أحمد المؤرخ حدثني الحسن بن أبي طالب حدثنا محمد بن عبد الله بن المطلب حدثنا الحسن بن محمد بن شعبة حدثني محمد بن إبراهيم بن مربع قال: كنت عند أحمد بن حنبل وبين يديه محبرة فذكر أبو عبد الله حديثا فاستأذنته أن أكتب من محبرته فقال: اكتب يا هدا فهذا ورع مظلم.(1/239)
أخبرنا أبو بكر الحافظ أخبرنا علي السمسار أخبرنا عبد الله الصفار حدثنا عبد الباقي بن قانع أن محمد بن إبراهيم مربعا مات سنة ست وخمسين ومائتين.
محمد بن إبراهيم أبو الفضل السمرقندي روى عن إمامنا أشياء:
منها ما ذكره الخطيب قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري قال: سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن يوسف الخطيب ببخارى قال: سمعت أبا القاسم عمر بن محمد الأنصاري السمرقندي قال: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر عبد الله بن عبد الرحمن فقال: هو ذاك السيد ثم قال: أحمد عرض علي الكفر فلم أقبل وعرض عليه الدنيا فلم يقبل.
محمد بن إبراهيم القيسي نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما رواه الأثرم قال: حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت: لأحمد بن حنبل يحكى عن ابن المبارك أنه قيل له كيف نعرف ربنا عز وجل قال: في السماء السابعة على عرشه يحد فقال: أحمد هكذا هو عندنا.
محمد بن إبراهيم الماستوي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته.
محمد بن إبراهيم أبو حمزة الصوفي كان يتكلم في جامع الرصافة ثم انتقل إلى جامع المدينة وكان عالما بالقراءات جالس إمامنا واستفاد منه أشياء وجالس بشر بن الحارث وأبا نصر التمار وسريا السقطي وسافر مع أبي تراب النخشبي حكى عنه محمد بن علي الكتاني وخير النساج وغيرهما.
أخبرنا أحمد نزيل دمشق أخبرنا أبو عبد الرحمن الحميري أخبرنا محمد بن الحسين السلمي سمعت محمد بن الحسن البغدادي يحكى عن ابن الأعرابي قال: قال أبو حمزة كان الإمام أحمد بن حنبل يسألني في مجلسه عن مسائل ويقول ما تقول فيها يا صوفي? قلت: أنا أراد والله أعلم بسؤاله إن أصاب أقره عليه وإن أخطأ بينه له.(1/240)
أخبرنا الخطيب أخبرنا أبو نعيم حدثنا أحمد بن محمد بن مقسم حدثني أبو بدر الخياط الصوفي قال: سمعت أبا حمزة يقول سافرت سفرة على التوكل فبينا أنا أسير ذات ليلة والنوم في عيني إذ وقعت في بئر فرأيتني قد حصلت فيها فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها فجلست فيها فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان فقال: أحدهما لصاحبه نجوز ونترك هذه في طريق السابلة والمارة فقال: الآخر فما نصنع قال: نطمها فبدرت نفسي أن أقول أنا فيها فنوديت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إلى سوانا فسكت فمضيا ثم رجعا ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطوها به فقالت لي نفسي أمنت طمها ولكن حصلت مسجونا فيها فمكنث يومي وليلتي فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه تمسك بي شديدا فمددت يدي فوقعت على شيء خشن فتمسكت به فعلاها فطرحني فتأملت فوق الأرض فإذا هو سبع فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق من مثله فهتف بي هاتف يا أبا حمزة استنقذناك من البلاء بالبلاء وكفيناك ما تخاف بما تخاف.
ومات سنة تسع وستين ومائتين ودفن بباب الكوفة.
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم أبو الحسين المروزي المعرف بابن راهويه:
ولد بمرو ونشأ بنيسابوري وكتب ببلاد خراسان وبالعراق والحجاز والشام ومصر سمع أبا إسحاق بن راهويه وعلى بن حجر الموزيين ومحمد بن رافع القشيري ومحمد بن يحيى الذهلي وإمامنا أحمد وعلي بن المديني في آخرين وحدث ببغداد فروى عنه من أهلها محمد بن مخلد الدوري وإسماعيل الخطبي وعبد الباقي بن قانع وأبو الحسين بن المنادي وكان عالما بالفقه جميل الطريقة مستقيم الحديث.
قال محمد بن إسحاق دخلت على أبي عبد الله فقال: أنت ابن أبي يعقوب قلت: بلى قال: أما إنك لو لزمته كان أكثر لفائدتك فإنك لم تر مثله.
وتوفي مرجعه من الحج سنة أربع وتسعين ومائتين قتلته القرامطة ذكره ابن المنادي.(1/241)
محمد بن إسحاق بن جعفر وقيل ابن محمد أبو بكر الصاغاني: سكن بغداد أحد الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين واشتهار بالسنة واتساع في الرواية ورحل في طلب العلم وكتب عن أهل بغداد والبصرة والكوفة والمدينة ومكة والشام ومصر وسمع يعلى بن عبيد الطنافسي وجعفر بن عون العمري وعبيد الله بن موسى العبسي ومحاضر بن المورع ويزيد بن هارون وروح بن عبادة وإمامنا وخلقا كثيراً حدث عنه موسى بن هارون وأبو بكر بن داود الأصبهاني في كتابه وأبو بكر بن أبي الدنيا وعبد الله بن إمامنا وأبو الحسين بن المنادي ومسلم بن الحجاج وأبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي ومحمد بن خزيمة في آخرين.
وقال أبو مزاحم الخاقاني كان الصاغاني يشبه يحيى بن معين في وقته، وذكره الدارقطني فقال: كان ثقة وفوق الثقة وذكره أبو بكر الخلال في جملة الأصحاب.
أنبأنا محمد بن أحمد الصيرفي عن الدارقطني أخبرنا محمد بن مخلد حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير بن حازم عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: سألت عما يذكرون من وصية النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه وبحثت عن ذلك فلم أجد له أصلاً.
وروى أبو الحسين بن المنادي حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال: حدثني نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته ويوتر عليها ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات يوم الخميس لتسع خلون من صفر سنة تسعين ومائتين.(1/242)
محمد بن إسحاق من جملة من نقل عن إمامنا فيما أنبأنا الوالد السعيد قال: أخبرنا أبو الحسين على بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن عبد الله الجبائي بدمشق سنة خمس عشرة وأربعمائة قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل الطرسوسي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عيسى الطرسوسي الحنبلي قال: حدثني أبو الحسن علي بن السندي قال: حدثنا محمد بن الحسن بن معاوية حدثنا أبو شعيب صالح بن عمران الأنصاري قال: حدثني يعقوب عن محمد بن إسحاق قال: رأيت كأن القيامة قد قامت ورأيت رب العزة اسمع الكلام وأرى النو فقال: ما تقول في القرآن قلت: كلامك يا رب العالمين فقال من أخبرك فقلت: أحمد بن حنبل فقال: أحمد ثقة فدعي بأحمد فقيل له ما تقول في القرآن فقال: كلامك يا رب العالمين فقال: ومن أين علمت فصفح أحمد ورقتين فإذا في إحدى الورقتين شعبة عن المغيرة وفي الأخرى عطاء عن ابن عباس فدعى شعبة فقال: الله ما تقول في القرآن فقال: كلامك يا رب العالمين فقال: عز وجل ومن أين علمت فقال: أخبرنا عطاء عن ابن عباس فلم يدع عطاء ودعى ابن عباس فقال: الله ما تقول في القرآن فقال: كلامك يا رب العالمين فقال: ومن أين علمت قال: أخبرنا محمد رسولك فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله ما تقول في القرآن قال: كلامك يا رب العالمين قال: ومن أخبرك قال: جبريل عنك فقال: الله صدقت وصدقوا.
محمد بن إسحاق أبو الفتح المؤدب ذكره ابن ثابت فقال: حدث عن أحمد بن حنبل روى عنه عبد الصمد بن علي الطستي.
وتوفي في محرم سنة اثنتين وتسعين ومائتين حكاه ابن قانع.
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة أبو عبد الله الجعفي البخاري صاحب الجامع الصحيح والتاريخ وغيرهما من التصانيف.(1/243)
رحل في طلب العلم إلى أكثر محدثي الأمصار سمع مكي بن إبراهيم البلخي وعبدان بن عثمان المروزي وعبيد الله بن موسى العبسي وأبا عاصم الشيباني وأبا بكر الحميدي ويحيى بن معين وعلي بن المديني وإمامنا أحمد وحدث عن رجل عنه وقد تقدم ذكره وورد بغداد دفعات وحدث بها فروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي وعبد الله بن محمد بن ناجية في آخرين وآخر من حدث عنه ببغداد الحسين بن إسماعيل المحاملي.
أخبرنا أحمد نزيل دمشق قراءة قال: أخبرنا أبو عمر ابن مهدي حدثنا القاضي الحسين المحاملي إملاء حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي بردة قال: أخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ،وشبك بين أصابعه،" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً إذ جاءه رجل أو طالب حاجة فأقبل علينا بوجهه فقال: "اشفعوا فلتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء".
أنبأنا الوالد السعيد أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس أخبرنا أحمد السرخسي أخبرنا محمد الفربري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس أن أبا بكر لما استخلف كتب له فكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر "محمد" سطر "ورسول" سطر، "والله" سطر.
قال أبو عبد الله يعني البخاري وزادني أحمد يعني ابن حنبل قال: حدثنا الأنصاري حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بعد أبي بكر قال: فلما كان عثمان جلس ببئر أريس قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به فسقط قال: فاختلفنا ثلاية أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده.(1/244)
وبه حدثنا أبو عبد الله البخاري في كتاب النكاح في باب ما يحرم من النساء وما لا يحرم وقال لنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا حبيب عن سعيد عن ابن عباس حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ " حرمت عليكم أمهاتكم ".
ذكر أبو إسحاق الحبال المضري رحمه الله أخبر عبد الغني الحافظ حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن المسور الحميري حدثنا أبو بكر عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أيحتج به فقال: رأيت أحمد بن حنبل وعلى بن المديني والحميدي و إسحاق بن راهويه يحتجون به ما يكون ما تركه أحد من المسلمين وصدقة وأبو عبيد وعامة أصحابنا لا أعلم تركه أحد.
وبه أخبرنا عبد الغني الحافظ المصري حدثني إبراهيم بن محمد الرعيني حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا أبو محمد الجارودي وهو عبد الله بن علي حدثني محمد ابن إسماعيل الصائغ قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول اجتمع علي ابن المديني ويحيى بن معين وأحمد وأبو خيثمة وشيوخ من شيوخ العلم فتذاكروا حديث عمرو بن شعيب فثبتوه وذكروا أنه حجة.(1/245)
أخبرنا محمد بن أحمد الأصفهاني أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عمرو بن أبي عمرو البحتري النيسابوري قدم علينا قال: أخبرنا عمي أبو عثمان سعيد بن محمد النيسابوري إجازة قال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين بن أحمد بن حمويه الوراق حدثنا أبو حامد أحمد بن حمدون بن رستم قال: سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل ما بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله حدثك محمد بن سلام حدثنا محمد بن يزيد الحراني قال: أخبرنا ابن جريج قال: حدثنا موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو حامد وحدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة قالوا حدثنا حجاج ابن محمد عن ابن جريح قال: حدثني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكفارة في المجلس: "إذا قام من مجلسه سبحانك ربنا وبحمدك فهو كفارته" قال: محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل قال: حدثنا وهيب قال: حدثني سهيل عن عون بن عبد الله بن علية قوله قال: محمد بن إسماعيل أولى ولا يذكر لموسى بن عقبة سماعا من سهيل وهو سهيل بن ذكوان مولى جويرية وهم إخوة سهل وسهيل وعثمان وصالح بنو أبي صالح وهو من أهل المدينة.
أنبأنا خال أمي علي بن البسري عن ابن بطة قال: سمعت الحسين بن إسماعيل المحاملي يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول إنما الناس بشيوخهم فإذا ذهب الشيوخ تودع من العيش?(1/246)
أخبرنا أحمد البغدادي حدثني علي بن أحمد الأصبهاني قال: سمعت أبا الهيثم الكشميهني يقول سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول قال: لي محمد بن إسماعيل البخاري ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
أخبرنا أبو بكر المؤرخ قال: أخبرنا القاضي أبو بكر الحيرى قال: سمعت إبراهيم بن أحمد الفقيه البلخي يقول سمعت أحمد بن عبد الله الصفار البلخي يقول سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المتملى يروي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول سمع كتاب الصحيح لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه عنه غيري.
أخبرنا أحمد بن ثابت الخطيب البغدادي أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني بأصبهان من لفظه حدثنا علي بن محمد بن الحسين الفقيه حدثنا خلف هو ابن صالح الختام سمعت أبا محمد المؤذن عبد الله بن محمد ابن إسحاق السمسار سمعت شيخي يقول ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ولكثرة دعائك قال: فأصبح وقد رد الله عليه بصره.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت المحدث قال: كتب إلي علي بن أبي حامد محمد الأصفهاني يذكر أن أبا أحمد محمد بن أحمد بن مكي الجرجاني حدثهم قال: سمعت السعداني يقول سمعت بعض أصحابنا يقول قال: محمد بن إسماعيل أخرجت هذا الكتاب يعني الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث.(1/247)
وجدت عن يوسف التفلري الزنجاني حدثنا أحمد بن علي حدثنا أبو سعد الماليني حدثنا عبد الله بن عدي الحافظ حدثني محمد بن أحمد القومسي قال: سمعت محمد بن حمدويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح أخبرنا أحمد بن مهدي أخبرنا أبو سعد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي قال: سمعت الحسن بن الحسين البخاري سمعت إبراهيم بن معقل يقول سمعت محمدا البخاري يقول ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطوال.
أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرني الحسن بن محمد بن علي الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارى أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرىء قال: سمعت أبا حسان مهيب بن سليم يقول سمعت جعفر بن محمد القطان إمام الجامع بكر مينية يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول كتبت عن ألف شيخ وأكثر ما عندي حديث إلا أذكر إسناده.
أخبرنا أحمد بن ثابت المؤرخ أخبرنا الحسن بن محمد البلخي أخبرنا محمد بن أبي بكر الحافظ ببخارى حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقرىء حدثنا بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول منذ ولدت ما اشتريت من أحد بدرهم شيئاً قط ولا بعت من أحد بدرهم شيئاً فسألوه عن شراء الحبر والكواغد فقال: كنت آمر إنساناً يشتري لي.
أخبرنا أبو بكر البغدادي أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي أخبرنا محمد بن خالد المطوعي حدثنا مسيح بن سعيد قال: كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمه عند الإفطار كل ليلة يقول عند كل ختم دعوة مستجابة.(1/248)
أخبرنا الخطيب أخبرني أبو الوليد الدرنبدي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ حدثنا أحمد بن محمد بن عمر المقرىء قال سمعت بكر بن منير يقول كان محمد بن إسماعيل البخاري يصلي ذات يوم فلسعته الزنبور سبع عشرة مرة فلما قضى صلاته قال: انظروا إيش هذا الذي آذاني في صلاتي فنظروا فإذا الزنبور قد ورمه في سبعة عشر موضعاً ولم يقطع صلاته.
أخبرنا المؤرخ أبو بكر أخبرنا الحسين بن محمد الأشقر أخبرنا محمد بن أبي بكر البخاري الحافظ حدثنا أحمد بن محمد المقرئ سمعت بكر بن منير سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.
أخبرنا أحمد المؤرخ حدثنا أبو الوليد الدربندي سمعت محمد بن الفضل سمعت أبا إسحاق الزنجاني سمعت بعبد الرحمن بن رساس البخاري يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول صنفت كتابي الصحيح لست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى.
أخبرنا أحمد الحافظ أخبرنا أبو الوليد أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ حدثنا محمد ابن سعيد التاجر حدثنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن أبي حاتم سمعت حاشد بن إسماعيل يقول كان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يختلف معنا إلى مشايخ الحديث في البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما معناك فيما تصنع فقال: لنا بعد ستة عشر يوماً إنكما قد أكثرتما علي وألححتما فأعرضا علي ما كتبتما فأخرجنا ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه ثم قال: أترون أني اختلف هدرا وأضيع أيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد قال: وكان أهل المعرفة من أهل البصرة يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه قال: وكان عند ذلك شاباً لم يخرج وجهه.(1/249)
أخبرنا أحمد بن علي أخبرني الحسن بن محمد أخبرنا محمد بن أبي بكر حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن موسى البزار قال: سمعت أبا بكر عبد الرحمن بن محمد ابن علوية الأبهري يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري.
أخبرنا أحمد بن ثابت أخبرنا أبو حازم العبدوي قال: سمعت محمد بن محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر يقول سمعت جدي محمد بن يوسف يقول سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول دخلت بغداد آخر ثمان مرات كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال: لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان قال: البخاري فأنا الآن أذكر قوله.
أخبرنا أحمد البغدادي أخبرنا الحسن بن محمد الأشقر أخبرنا محمد بن أبي بكر حدثنا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا عمر أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول كنا يوماً عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال: محمد بن نصر سمعته يقول من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله فقلت: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه فقال: ليس إلا ما أقول لك وأحكي لك عنه قال: أبو عمر الخفاف فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه فقلت: يا أبا عبد الله ههنا أحد يحكي عنك أنك قلت: هذه المقالة فقال: يا أبا عمر احفظ ما أقول لك من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمدان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني يلم أقل هذه المقالة.(1/250)
أخبرنا أحمد بن مهدي أخبرني أبو الوليد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل بن حمدويه حدثنا أبو العباس الفضل بن بسام قال: سمعت إبراهيم بن محمد يقول أنا توليت دفن محمد بن إسماعيل لما أن مات بخرتنك أردت حمله إلى مدينة سمرقند أن أدفنه بها فلم يتركني صاحب لنا فدفناه فيها فلما أن فرغنا ورجعت إلى المنزل الذي كنت فيه قال: لي صاحب القصر سألته أمس فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول في القرآن فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق قال: فقلت: له إن الناس يزعمون أنك تقول ليس في المصاحف قرآن ولا في صدور الناس قرآن فقال: أستغفر الله أن تشهد علي بشيء لم تسمعه مني أقول لك كما قال: الله تعالى: " والطور وكتاب مسطور " أقول في المصاحف قرآن وفي صدور الناس قرآن فمن قال: غير هذا يستتاب فإن تاب وإلا فسبيله سبيل الكفر.
أخبرنا أحمد بن ثابت أخبرنا أبو سعد الماليني سمعت الحسن بن الحسين البزار ببخارى يقول رأيت محمد بن إسماعيل شيخا نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر يوم السبت غرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين عاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً.
وقال محمد بن إسماعيل البخاري قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل أنا رجل مبتلى قد ابتليت أن لا أقول لك ولكن أقول فإن أنكرت شيئاً فردني عنه القرآن من أوله إلى آخره كلام الله ليس شيء منه مخلوق ومن قال: إنه مخلوق أو شيء منه مخلوق فهو كافر ومن زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو جهمي كافر قال: نعم.(1/251)
محمد بن إسماعيل بن يوسف أبو إسماعيل الترمذي سمع محمد بن عبد الله الأنصاري والفضل بن دكين والحسن بن سوار و إسحاق بن محمد الفروي وقبيصة بن عقبة وأيوب بن سليمان بن بلال وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي وعبد الله بن مسلمة القعنبي في أمثالهم من الشيوخ وكان فهماً متقناً مشهوراً بمذهب السنة وسكن بغداد وحدث بها.
فروى عنه أبو عيسى الترمذي وأبو عبد الرحمن النسائي وأبو بكر بن أبي الدنيا وموسى بن هارون وجعفر البرقاني ويحيى بن صاعد والقاضي المحاملي ومحمد بن مخلد وأبو بكر النجاد وابن جرير الطبري.
ذكره أبو بكر الخلال فقال: صاحبنا وقد سمعنا منه حديثا كثيراً وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان وفيها ما أغرب به على أصحاب أبي عبد الله وهو رجل معروف ثقة كثير العلم يتفقه أخبرنا أحمد البغدادي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي أخبرنا محمد بن مخلد العطار حدثنا محمد إسماعيل الترمذي حدثنا مخلد بن مالك أبو محمد الحراني حدثنا حفص أبو عمر حدثنا زيد بن أسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله أنا عند ظن عبدي وأنا معه حين يذكرني والله لله أفرح بتوبة أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً، تقربت منه باعاً ومن جاءني يمشي جئته أهرول".
أنبأنا محمد بن علي الحنبلي المقرىء أخبرنا عبيد الله الفرضي أخبرنا القاضي أحمد بن كامل حدثنا محمد بن جرير الطبري حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول اللفظية جهمية يقول الله تعالى: " حتى يسمع كلام الله " ممن يسمع.(1/252)
وأنبأنا عمر بن الليث البخاري قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد العزيز الحيرى الحافظ وأبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أبي عمرو البحتري قالا حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع الحافظ قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي يقول سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول كنت أنا و أحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فقال: له أحمد بن الحسن يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه وقال زنديق زنديق زنديق ودخل البيت.
أخبرنا أحمد قال: قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال: مات أبو إسماعيل التمرمذي في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين ودفن عند قبر أحمد بن حنبل.
محمد بن إدريس بن العباس أبو عبد الله الشافعي الإمام:
ولد بغزة من بلاد الشام وقيل بعسقلان وقيل باليمن ونشأ بمكة وكتب العلم بها وبمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدم بغداد مرتين وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته.
سمع مالك بن أنس و إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وغيرهم واجتمع مع إمامنا أحمد وسمع منه وذاكره ونقل عنه وحاضره ذكر ذلك الأئمة الحفاظ.
منهم أبو حاتم الرازي فيما أخبرنا المبارك أخبرنا إبراهيم أخبرنا علي بن مردك حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول أحمد بن حنبل أكبر من الشافعي تعلم الشافعي أشياء من معرفة الحديث من أحمد بن حنبل وكان الشافعي فقيها ولم تكن له معرفة بالحديث فربما قال: لأحمد هذا الحديث قوي محفوظ فإذا قال: أحمد نعم جعله أصلا وبنى عليه.(1/253)
ومنهم إسحاق بن حنبل ابن عم إمامنا أحمد فيما أخبرنا المبارك عن إبراهيم عن أبي بكر عبد العزيز قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا حنبل قال: سمعت أبي إسحاق بن حنبل يقول كان الشافعي يأتي أبا عبد الله عندنا ههنا عامة النهار يتذاكران الفقه وما أخرج الشافعي في كتبه يعني عن أبي عبد الله حدثني بعض أصحابنا عن إسماعيل وأبي معاوية والعراقيين فهو عن أبي عبد الله كان يأخذه.
ومنهم الفضل بن زياد فيما أنبأنا رزق الله عن محمد بن أبي الفوارس أخبرنا أبو عمر بن حيويه حدثنا أبو الفضل الصندلي إملاء حدثنا فضل بن زياد عن أحمد أنه جالس الشافعي بمكة فأخذ عنه التفتيق وكلام قريش وأخذ الشافعي منه معرفة الحديث قال: فضل وكل شيء في كتابكم يعني كتاب الزعفراني سفيان بن عيينة إسماعيل بن علية بلا حدثنا فهو عن أحمد بن حنبل أخذه.
ومنهم أبو بكر الأثرم فيما كتب به إلي المروذي فقال: في أثنائه وأن أبا عبد الله وإن كان قريباً موته فقد تقدمت إمامته ولم يخلف فيكم شبهة وإنما أبقاه الله لينفع به فعاش ما عاش حميداً ومات بحمد الله مستوراً مغبوطاً يشهد له بذلك خيار عباد الله الذين جعلهم الله شهداءه في أرضه ويعرفون له ورعه وتقواه وزهده وأمانته في المسلمين وفضل علمه ولقد انتهى إلينا أن الأئمة الذين لم ندركهم كان فيهم من ينتهي إلى قوله ويسأله ومنهم من يقدمه ويصفه بالعلم لقد أخبرت أن وكيع بن الجراح كان ربما سأله وأن عبد الرحمن ابن مهدي كان يحكي عنه ويحتج به ويقدمه في العلم ويصفه به ونحو ذلك منذ نحو ستين سنة وأخبرت أن الشافعي كانت أكثر معرفته بالحديث مما تعلم منه.(1/254)
ومنهم عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما أخبرنا المبارك عن إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عبد الله بن أحمد قال: قال لي أبي قال: لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني إن شاء أن يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً قال: عبد الله وسمعت أبي وذكر الشافعي فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدنا منه قال: عبد الله وكل شيء في كتاب الشافعي عن هشيم وغيره فهو عن أبي.
ومنهم أبو الحسن الدارقطني فيما أنبأنا المبارك أخبرنا عبد الكريم المحاملي أخبرنا الدارقطني قال: أخبرني عبيد الله بن محمد بن خلف أن عبد الله ابن محمد بن جعفر حدثهم قال: أخبرني عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال: حدثنا الشافعي قال: أخبرنا الثقة عن غندر عن شعبه عن الربيع بن الركين بن الربيع عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: مر بنا ناس ينطلقون فقلنا أين تريدون قالوا بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يأتي امرأة أبيه أن نقتله وأراه قال: ونأخذ ماله قال: الشافعي وقد روى هذا الحديث عن عدي بن ثابت من طرق شتى مثل هذا المعنى وأبين لفظا فيه أن نقتله ونأخذ ماله.
قال الدارقطني هذا حديث معروف برواية غندر عن شعبة وقد حدث به أحمد بن حنبل عن غندر هكذا والله أعلم عمن أخذه الشافعي ذكر الدارقطني هذا الحديث فقال: حديث الشافعي عن غندر محمد بن جعفر أو عن أحمد بن حنبل عن غندر.
ومنهم أبو محمد الخلال ومنهم أبو بكر الخطيب فقال: في أول كتاب السابق واللاحق حدث عن أحمد بن حنبل أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي وأبو القاسم البغوي وبين وفاتيهما مائة وثلاث عشرة سنة مات الشافعي سنة أربع ومائتين ومات البغوي سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
حدث عن الشافعي جماعة منهم الكرابيسي والزعفراني وأبو يحيى العطار وأبو ثور وغيرهم.(1/255)
أخبرنا المؤرخ قراءة قال: أخبرنا أبو عمر بن مهدي قال: أخبرنا الحسين بن يحيى بن عياش القطان حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءوه فقالوا يا رسول الله إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: "اقتلوه".
وقال ابن عبد الحكم لما أن حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظيته فتأوله أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في سائر البلدان.
وقال الربيع بن سليمان كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة فإذا كان في شهر رمضان ختم في كل ليلة ختمة وفي كل يوم ختمة فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
وقال الميموني سمعت أحمد بن حنبل يقول ستة أدعو لهم سحراً أحدهم الشافعي فلنذكر الآن معتقده.(1/256)
قرأت على المبارك قلت: له أخبرك محمد بن علي بن الفتح قال: أخبرنا علي بن مردك قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا يونس ابن عبد الأعلى المصري قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول وقد سئل عن صفات الله وما ينبغي أن يؤمن به فقال: لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته لا يسمع أحداً من خلق الله قامت عليه الحجة أن القرآن نزل به وصح عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه العدل فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو بالله كافر فأما قبل ثبوت الحجة عليه من جهة الخبر فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والفكر ونحو ذلك أخبار الله سبحانه وتعالى أتانا أنه سميع وأن له يدين بقوله " بل يداه مبسوطتان " وأن له يميناً بقوله " والسموات مطويات بيمينه " وأن له وجهاً بقوله " كل شيء هالك إلا وجهه " وقوله " ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " وأن له قدماً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " حتى يضع الرب فيها قدمه " يعني جهنم وأنه يضحك من عبده المؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي قتل في سبيل الله "إنه لقي الله وهو يضحك" إليه وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأنه ليس بأعور بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذ ذكر الدجال فقال: إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور " وأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون القمر ليلة البدر وأن له إصبعاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل" فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم مما لا يدرك حقيقته بالفكر والروية فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته(1/257)
والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلي الرازي:
كان أحد الأئمة الحفاظ سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا زيد النحوي وعثمان بن الهيثم المؤذن وهوذة بن خليفة وإمامنا أحمد في آخرين وكان أول كتبه الحديث سنة تسع ومائتين روى عنه يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان المصريان وهما أكبر سنا منه وأقدم سماعاً وأبو زرعة الرازي وأبو زرعة الدمشقي ومحمد بن عوف الحمصي وقدم بغداد وحدث بها. فروى عنه من أهلها أحمد بن منصور الرمادي و إبراهيم الحربي وغيرهما وذكره أبو بكر الخلال فقال: إمام في الحديث روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غرائب.
قال أبو حاتم الرازي سألت أحمد بن حنبل عن أبي يوسف الزمي فأثنى عليه.
أخبرنا أحمد البغدادي حدثنا أحمد بن الصلت حدثنا القاضي المحاملي إملاء حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا داود بن عبد الله الجعفري حدثنا حاتم عن شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم إن لقيتني بملء الأرض ذنوباً لا تشرك بي شيئاً لقيتك بملئها مغفرة".
وقال أبو حاتم أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ما مشيت على قدمي ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى لما زاد على ألف فرسخ تركته.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ودعا لهما وقال بقاؤهما صلاح للمسلمين.
وقال أبو حاتم اكتب أحسن ما تسمع واحفظ أحسن ما تكتب وذاكر بأحسن ما تحفظ وأنشد أبو حاتم:
تفكرت في الدنيا فأبصرت رشدها
وذللت بالتقوى من الله حدها
أسأت بها ظناً فأخلفت وعدها
وأصبحت مولاها وقد كنت عبدها(1/258)
أخبرنا خالي علي بن البسرى عن ابن بطة حدثني أبو القاسم حفص بن عمر قال: قرأ علينا أبو حاتم هذا الكلام وقال لنا هذا مذهبنا واختيارنا وما نعتقده وندين الله به ونسأله السلامة في الدين والدنيا أن الإيمان قول وعمل وتصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان مثل الصلاة والزكاة لمن كان له مال والحج لمن استطاع إليه سبيلاً وصوم شهر رمضان وجميع فرائض الله التي فرض على عباده العمل بها من الإيمان والإيمان يزيد وينقص والقرآن كلام الله وعلمه وأسماؤه وصفاته وأمره ونهيه ليس بمخلوق بجهة من الجهات ومن زعم أنه مخلوق مجعول فهو كافر كفرا ينتقل به عن الملة ومن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر ومن كان جاهلاً علم فإن أذعن بالحق بتكفيره وإلا ألزم الكفر والواقفية واللفظية جهمية جهمهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل إمامنا وإمام المسلمين واتباع الآثار عن رسول الله وعن أصحابه وعن التابعين بعدهم بإحسان وترك كلام المتكلمين وترك مجالستهم وهجرانهم وترك من وضع الكتب بالرأي بلا آثار والنظر في موضع بدعتهم والتمسك بمذاهب أهل الأثر مثل أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وذكر الاعتقاد بطوله.
ومات في شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين.
محمد بن أبان أبو بكر حدث عن إمامنا أحمد بأشياء:
منها قال: كنت و أحمد بن حنبل و إسحاق عند عبد الرزاق وكان إذا استفهمه واحد منا قال: أنا لا أحدثكم فيسأل أحمد حتى يستفهمه فيجيبنا احتشاماً لأحمد.
محمد بن بشر بن مطر أبو بكر أخو خطاب بن بشر نقل عن إمامنا أحمد مسائل سمعها منه أبو بكر الخلال سمع عاصم بن علي و أحمد بن حاتم الطويل ومحمد بن عبد الله بن نمير ويحيى بن يوسف الزمي وشيبان بن فروخ وطبقتهم روى عنه موسى بن هارون ويحيى بن صاعد وأبو بكر " وقال إبراهيم الحربي أخو خطاب صدوق لا يكذب.
ومات في سنة خمس وثمانين ومائتين في شهر رمضان.(1/259)
محمد بن بندار السباك الجرجاني أبو بكر: أحد من روى عن الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل فيما أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسين بن سكينة إجازة أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس حدثنا علي بن أحمد الناقد حدثنا أبو بكر محمد بن داود النيسابوري حدثنا أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن سلمة النيسابوري قال: سمعت محمد بن بندار السباك الجرجاني يقول قلت: لأحمد بن حنبل رضي الله عنه إني ليشتد علي أن أقول فلان ضعيف فلان كذاب قال: أحمد إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم?
محمد بن جعفر الوركاني أبو عمران نقل عن إمامنا أشياء:
وقد سمع منه إمامنا أحمد قال: عبد الله بن أحمد كان أبي يسمع من محمد بن جعفر الوركاني فمر على حديث شريك عن سماك عن عكرمة "أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهودياً ويهودية" فقال: أبي يا أبا عمران إنما هذا عن شريك عن سماك عن جابر بن سمرة فلعل شريكا سبقه لسانه فقال: الوركاني قد نظر يحيى بن معين في هذا فقال: أبي وما يدري يحيى بن معين فكل شيء يعرفه يحيى اضرب عليه فضرب عليه.
أخبرنا المبارك قال: أخبرنا إبراهيم الفقيه وعبد العزيز الأزجي قالا أخبرنا علي بن مردك قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثني أبو بكر محمد بن عباس النكتي قال: سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل قال: أسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس.
محمد بن جعفر القطيعي روى عن إمامنا أشياء:(1/260)
منها قال: دخلت على أحمد بن حنبل أنا وأبي وكان أحمد يأنس بأبي قال: فتحدثا فأطالا الحديث قال: أحمد لأبي تغد اليوم عندي قال: فأجابه قال: فقدم كشكية وقلية قال: فجعلت آكل وفي انقباض لموضع أحمد قال: فقال: لي كل ولا تحتشم قال: فجعلت آكل قالها ثلاثا أو مرتين ثم قال: في الثالثة يا بني كل ولا تحتشم فإن الطعام أهون مما يحلف عليه وقال قال: الخليل بن أحمد الناس على ثلاثة أوقات وقت مضى عنك فلن يعود ووقت أنت فيه فانظر كيف يخرج عنك ووقت أنت منتظره وقد لا تبلغ إليه.
محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا أبو جعفر الموصلي سكن بغداد وحدث بها عن إمامنا أحمد بن عبدة الضبي في آخرين روى عنه أبو بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز وإسماعيل الخطبي وغيرهم وسئل الدارقطني عنه فقال: لا بأس به ما علمت إلا خيراً.
أخبرنا المبارك أخبرنا عبد العزيز الأزجى قال: أخبرنا أحمد بن عبد العزيز بن يحيى بن صبيح حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقلت: له يا أبا عبد الله أنا رجل من أهل الموصل والغالب على أهل بلدنا الجهمية ومنهم أهل سنة نفر يسير يحبونك وقد وقعت مسألة الكرابيسي ففتنهم قول الكرابيسي لفظي بالقرآن مخلوق فقال: لي أبو عبد الله إياك وإياك وهذا الكرابيسي لا تكلمه ولا تكلم من يكلمه أربع مرار أو خمساً إلا أن في كتابي أربعاً فقلت: يا أبا عبد الله فهذا القول عندك وما شاعت منه يرجع إلى قول جهم قال: هذا كله من قول جهم.
وبه قال: سألت أبا عبد الله عن الشهادة للعشرة فقال: أنا أشهد للعشرة بالجنة.(1/261)
وبه قال: سألت أبا عبد الله عن الاستثناء في الإيمان فقال: نعم قد استثني ابن مسعود وغيره وهو قول الثوري استثناء على غير شك مخافة واحتياطا للعمل قال: أبو عبد الله قال: الله تعالى: " لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " قال: أبو عبد الله قال: النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله".
ورأيت أبا عبد الله يصلي ركعتي المغرب وركعتي الفجر في منزله ولم أر أبا عبد الله يتطوع شيئاً في المسجد إلا يوم الجمعة فإني رأيته يتطوع في مسجد الجامع فلما انتصف النهار أمسك عن الصلاة.
ورأيت أبا عبد الله إذا مشى في طريق يكره أن يتبعه أحد.
وسمعت أبا عبد الله وسأله رجل فقال: يا أبا عبد الله أثبت عندك حديث ابن عباس أو حديث عبد الله بن عكيم في جلود الميتة.
وحضرت أبا عبد الله وسئل عن مشط العاج فقال: هو ميتة وكيف يستعمل? وسمعت أبا عبد الله وسأله رجل فقال: يا أبا عبد الله أتوضأ من لحوم الغنم قال: لا قال: أتوضأ مما غيرت النار قال: لا قال: أتوضأ من لحوم الجزور قال: نعم.
وبه حدثنا سعيد بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الله بن الوليد عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتوضأ من لحوم الغنم قال: لا قال: أتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم".
وبه حدثنا أبو بكر الأثرم قال: قلت: لأبي عبد الله وحديث الوضوء من لحوم الإبل صحيح هو فقال: نعم صحيح قال: أبو عبد الله فيه حديثان صحيحان حديث البراء بن عازب وحديث جابر بن سمرة.
وبه حدثنا أبو بكر بن الطباع حدثنا هشيم حدثنا الشيباني عن الشعبي أنه كان يقول ليس لذمي شفعة.(1/262)
وبه حدثنا أبو بكر بن الطباع حدثنا هشيم حدثنا الشيباني عن الشعبي أنه كان يقول سألت أبا عبد الله عن الرجل يكون بينه وبين الذمي الدار فيبيع المسلم نصيبه فيطلب الذمي الشفعة فقال: أما أنا فلا أرى له شفعة قيل له ولم قال: لأنه ليس له مثل المسلمين حق ليس له حرمة المسلمين.
وبه قال: أبو جعفر بن بدينا حضرت أبا عبد الله وسئل عن المسح على الجوربين والخفين والعمامة عندك منزلة واحدة فقال: نعم إذا كان يمشي فيهما ويبيت فيهما.
قال وسألت أبا عبد الله عمن قال بخلق القرآن وقال إن الله لم يكلم موسى أكافر هو فذهب إلى أنه كافر.
وتوفي ابن بدينا سنة ثلاث وثلاثمائة في شوال.
محمد بن الحسين أبو جعفر البرجلاني صاحب التصانيف:
قرأت في السابق واللاحق للخطيب البغدادي قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني محمد بن الحسين حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لجبريل "لم تأتيني وأنت صار بين عينيك? قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار".
قال الخطيب حدث محمد هذا والبغوي عن أحمد وبين وفاة البرجلاني والبغوي تسع وتسعون سنة.
قال وبلغني عن ابن أبي الدنيا أنه قال: مات محمد بن الحسين البرجلاني سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
محمد بن حمدان البغدادي العطار أبو عبد الله نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها ما رأيته بخط الوالد السعيد قال: روى ابن بطة بإسناده قال: قال أبو عبد الله محمد بن حمدان العطار البغدادي سئل أبو عبد الله وأنا أسمع متى يجب على العبد الصلاة من قعود قال: إذا أخذ جميع مايملكه فوضعه في كوة في جدار وقعد تحته وجاء ليأخذه لم يكن معه من الاستطاعة ما يقوم يتناوله.(1/263)
قال وسئل أبو عبد الله عن رجل دخل يوم الجمعة الجامع ليصلي مع الإمام الجمعن فحين صعد الإمام المنبر ضغطته بولة فصلى وهو حاقن إيش تقول في صلاته فسمعت أبا عبد الله يقول يعيد الظهر ويعيد الصلاة فإذا صلى يصلي أربع ركعات لا يصلي ركعتين كما يصلي الإمام.
وقال أيضاً سمعت أبا عبد الله وقد صلى في مسجد باب التبن فنظر التبانون إليه فصلى خلفه جماعة فسمعت رجلاً من الصف الثاني أو الثالث وهو قاعد يقول تصدقوا علي فسمعته وهو يقول أيها الشاب قم قائماً عافاك الله حتى يرى أخوانك ذل المسألة في وجهك فيكون لك عذر عند الله عز وجل.
قال الوالد السعيد فظاهر هذا أن المسكين إذا امتنع عن المسألة فمات أثم ذكره في الرواية.
محمد بن حماد بن بكر بن حماد أبو بكري المقرىء صاحب خلف بن هشام سمع يزيد بن هارون وعبد الله بن بكر السهمي وسليمان بن حرب وخلف بن هشام وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه القاضي وكيع ومحمد بن أحمد بن أبي الثلج و أحمد بن محمد بن شاهين ومحمد بن مخلد العطار في آخرين وكان أحد القراء المجودين ومن عباد الله الصالحين.
قال إبراهيم الحربي أبو بكر بن حماد المقرىء في أصحابه مثل أبي عبيد في أصحابه وكان يسكن الجانب الغربي من بغداد.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان جميل الوجه في وجهه النور عالما بالقرآن وأسبابه وكان أحمد يصلي خلفه في شهر رمضان وغيره نقل عن أبي عبد الله مسائل جماعة لم يجىء بها أحد غيره.
أخبرنا أحمد المؤرخ حدثني محمد بن أبي الحسن أخبرنا عبد الرحمن التجيبي أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي قال: أخبرني أبو بكر بن حماد قال: قيل ليزيد بن هارون لم تحدث بفضائل عثمان ولا تحدث بفضائل علي قال: إن أصحاب عثمان مأمونون على علي وأصحاب علي ليسوا بمأمونين على عثمان.
وقال أبو الحسين بن المنادي في كتاب أفراح القراء وكان أبو بكر بن حماد أحد القراء الصالحين الذين لزموا الاستقامة على الخير وضبط الحروف.(1/264)
ومات بالجانب الغربي من مدينة السلام يوم الجمعة لأربع خلون من ربيع الآخر سنة سبع وستين ومائتين ودفن بعد العصر في مقابل التبانين.
محمد بن حمدان أبو عبد الله العطار البغدادي روى عن إمامنا أشياء:
منها قال: سئل أبو عبد الله عن رجل اشترى ثوباً من السوق يتهيأ له الصلاة فيه من غير أن يغسله فقال: جائز.
محمد بن حسنويه صاحب الأدم نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا القاضي الشريف أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الموصلي قال: حدثنا محمد بن حسنويه صاحب الأدم قال: حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل قال: متى يجد العبد طعم الراحة قال: عند أول قدم يضعها في الجنة ثم قال: أبو عبد الله يا صالح يا صالح فلم يكن حاضراً فقام أبو عبد الله إلى سلة له فأخرج له رغيفين فدفعهما إليه فقال: الخراساني أما منك يا أبا عبد الله فنعم وأما أنهما زادي إلى الرقة.
وبه قال: وحدثنا محمد بن حسنويه قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول الفجر يطلع بليل ولكن تستره أشجار جنان عدن.
محمد بن حبيب أبو عبد الله البزار ذكره الخطيب فقال: سمع أحمد بن حنبل وشجاع بن مخلد روى عنه الحسن بن أبي العنبر وغيره.
قال وحدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي أخبرنا أبو بكر الخلال قال: ومحمد بن حبيب البزار عنده عن أبي عبد الله جزء مسائل حسان ولم أكن عرفته قديما فذكرها لي أبو الطيب المؤدب فسمعتها منه عن محمد بن حبيب وكانت عند أبي محمد بن أبي العنبر أيضاً عن محمد بن حبيب وهو رجل معروف جليل من أصحاب أبي عبد الله.(1/265)
وقال محمد بن البزار كنت مع أبي عبد الله أحمد بن حنبل في جنازة فأخذ بيدي وقمنا ناحية فلما فرغ الناس من دفنه وانقضى الدفن جاء إلى القبر وأخذ بيدي وجلس ووضع يده على القبر فقال: اللهم إنك قلت: في كتابك الحق: " فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم، وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين، وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم " إلى آخر السورة، اللهم وأنا أشهد أن هذا فلان بن فلان ما كذب بك ولقد كان يؤمن بك وبرسولك عليه السلام اللهم فاقبل شهادتنا له ودعا له وانصرف.
وقال محمد بن حبيب قال: أحمد كتبت من العربية أكثر مما كتب أبو عمرو بن العلاء.
ومات يعني محمد بن حبيب سنة إحدى وتسعين ومائتين.
محمد بن حبيب الأندراني نقل عن إمامنا أشياء:(1/266)
منها رسالة في السنة فقال: سمعت أحمد بن حنبل يقول صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة من يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأقر بجميع ما أتت به الأنبياء والرسل وعقد عليه على ما أظهر ولم يشك في إيمانه ولم يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب وأرجأ ما غاب عنه من الأمور إلى الله عز وجل وفوض أمره إلى الله عز وجل ولم يقطع بالذنوب العصمة من عند الله وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره والخير والشر جميعاً ورجا لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتخوف على مسيئهم ولم ينزل أحداً من أمة محمد جنة ولا ناراً بإحسان اكتسبه ولا بذنب اكتسبه حتى يكون الله عز وجل الذي ينزل خلقه حيث يشاء وعرف حق السلف الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وقدم أبا بكر وعمر وعثمان وعرف حق علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل على سائر الصحابة فإن هؤلاء التسعة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حراء فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" والنبي صلى الله عليه وسلم عاشرهم وترحم على جميع أصحاب محمد صغيرهم وكبيرهم وحدث بفضائلهم وأمسك عما شجر بينهم وصلاة العيدين والخوف والجمعة والجماعات مع كل أمير بر أو فاجر والمسح على الخفين في السفر والحضر والقصر في السفر والقرآن كلام الله وتنزيله وليس بمخلوق والإيمان قول وعمل يزيد وينقص والجهاد ماض منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصبة يقاتلون الدجال لا يضرهم جور جائر والشراء والبيع حلال إلى يوم القيامة على حكم الكتاب والسنة والتكبير على الجنائز أربعا والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح ولا تخرج عليهم بسيفك ولا تقاتل في فتنة والزم بيتك والإيمان بعذاب القبر والإيمان بمنكر ونكير والإيمان بالحوض والشفاعة والإيمان أن أهل الجنة يرون ربهم تبارك وتعالى والإيمان أن(1/267)
الموحدين يخرجون من النار بعد ما امتحشوا كما جاءت الأحاديث في هذه الأشياء عن النبي صلى الله عليه وسلم نؤمن بتصديقها ولا نضرب لها الأمثال هذا ما اجتمع عليه العلماء في جميع الآفاق.
محمد بن الحكم أبو بكر الأحول:
قال أبو بكر الخلال كان قد سمع من أبي عبد الله ومات قبل موت أبي عبد الله بثمان عشرة سنة ولا أعلم أحدا أشد فهما من محمد بن الحكم فيما سئل بمناظرة واحتجاج ومعرفة وحفظ وكان أبو عبد الله يبوح بالشيء إليه من الفتيا لا يبوح به لكل أحد وكان خاصا بأبي عبد الله وكان له فهم سديد وعلم وكان ابن عم أبي طالب وبه وصل أبو طالب إلى أبي عبد الله وتوفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
قال محمد بن الحكم سمعت أحمد يقول إذا حج عن رجل فيقول أول ما يلبي عن فلان ثم لا يبالي أن يقول بعد.
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول والعمرة عندي واجبة قال الله تعالى: "وأتموا الحج والعمرة لله" وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنها واجبة وفي حديث أبي رزين "حج عن أبيك واعتمر" وحديث يرويه سعد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني فقال: "تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم وتحج وتعتمر فالعمرة واجبة" ومالك يقول ليست بواجبة وابن عباس وابن عمر أكبر ويروى عن عائشة أنها اعتمرت في السنة مراراً وتكون العمرة في الشهر مراراً وقال عكرمة يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره وإذا اعتمر الرجل فلا بد له من أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس.
وقال أيضاً سمعت أحمد يقول إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى رجع فإنه لا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر فإن وطئ فحجه ماض ولا شيء عليه.
وقال في رواية محمد بن الحكم إذا طاف طواف الزيارة أقل من سبع ناسيا ثم ذكر بعد ما بلغ منزله فإنه يعود فيطوف سبعاً لا يجزئه قال الله تعالى: " وليطوفوا بالبيت العتيق " فلا يكون الطواف أقل من سبع.(1/268)
محمد بن خالد بن يزيد الشيباني روى عن إمامنا أشياء:
محمد بن داود بن صبيح أبو جعفر المصيصي أخو إسحاق:
قرأت في كتاب أبي بكر الخلال قال: فيه كان من خواص أبي عبد الله ورؤسائهم وكان أبو عبد الله يكرمه ويحدثه بأشياء لا يحدث بها غيره.
وقال أبو بكر المروذي قلت: لأبي عبد الله حديث ابن جريج في الضحك قد حدثت به فقال: ما أعلم أني حدثت به إلا لمحمد بن داود.
وعنه عن أبي عبد الله مسائل كثيرة مصنفة على نحو مسائل الأثرم ولكن لم يدخل فيها حديثا وسمعتها من الحسين بن الحسن الوراق بطرسوس عن محمد بن داود وقد حدث عنه أبو بكر الأثرم في مسائله فقال: حدثني محمد بن داود المصيصي عن أبي عبد الله.
قلت: أنا وحدث عنه أبو عبد الرحمن النسائي فيما حدثنا محمد بن أبي منصور القارئ قال: قرأت على أبي نصر بن أبي منصور الحافظ أخبركم أحمد بن أبي الربيع قال: أخبرنا علي بن عمر الهمداني حدثنا أحمد بن محمد الدينوري الحافظ حدثنا أبو عبد الرحمن يعني النسائي حدثنا محمد بن داود المصيصي قال: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو عبيدة عبد الواحد بن واصل عن خلف بن مهران عن عامر الأحول عن صالح بن بيان عن عمرو بن الشريد قال: سمعت الشريد يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفوراً عبثاً عج إلى الله عز وجل يوم القيامة يقول: يا رب إن فلانا قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة".
قرأت في كتاب أبي إسحاق البرمكي بخطه قال: الشيخ أبو عبد الله بن حامد وجدت في مسائل أبي جعفر محمد بن داود المصيصي سمعت أبا عبد الله وقيل له في الذي يمسح على خفيه ثم يخلع إذا غسل قدميه وصلى ولم يتوضأ أتجزئه صلاته قال: أرجو إن كان قد صلى أرجو.(1/269)
وأنبأنا محمد بن أحمد بن الأبنوسي قال: أخبرنا الدارقطني قال: حدثنا دعلج بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال: حدثنا أبو عامر النسائي الحافظ قال: سمعت محمد بن داود المصيصي يقول كنا عند أحمد بن حنبل وهم يذكرون الحديث فذكر محمد بن يحيى النيسابوري حديثاً فيه ضعف فقال: له أحمد لا نذكر مثل هذا فكأن محمد بن يحيى دخله خجلة فقال: له أحمد إنما قلت: هذا إجلالا لك يا أبا عبد الله.
محمد بن رافع نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس هو بحديث.
محمد بن روح العكبري قال: الدارقطني وكان صديقاً لأحمد بن حنبل كان أحمد بن حنبل إذا خرج إلى عكبراء ينزل عليه.
نقل عن إمامنا أشياء: منها ما رواه أبو بكر نزيل دمشق قال: أخبرنا البرقاني أخبرنا محمد الأدمي قال: حدثنا محمد بن علي الإيادي حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن روح قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول لو أن رجلاً ولي القضاء ثم حكم برأي أبي حنيفة ثم سئلت عنه لرأيت أن أزد أحكامه.
ذكر أبو سعيد أحمد بن إبراهيم بن موسى بن أبي شمس المقرئ النيسابوري في كتاب الأربعين حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الأخرم حدثنا يحيى بن محمد ومحمد بن رجاء قالا حدثنا أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين"، رواه مسلم عن أحمد بن حنبل هكذا.
محمد بن زهير أبو جعفر نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: أتيت أبا عبد الله في شيء أسأله عنه فأتاه رجل فسأله عن شيء أو كلمه في شيء فقال: له جزاك الله عن الإسلام خيرا فغضب أبو عبد الله وقال له من أنا حتى يجزيني الله عن الإسلام خيراً بل جزى الله الإسلام عني خيراً.(1/270)
محمد بن سهل بن عسكر نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول آدم بن أبي إياس من الستة أو السبعة الذين كانوا يضبطون الحديث عن شعبة.
وقال محمد بن سهل سمعت أحمد بن حنبل يقول يحيى بن العلاء الرازي كذاب رافضي يضع الحديث وبشر بن نمير أسوأ حالا منه.
محمد بن سليمان الباوزي بغدادي ذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد.
محمد بن شداد الصفدي أبو جعفر أحد من روى عن إمامنا فيما وجدت بخط أبي نصر الساجي.
أخبرنا أبو محمد حاتم بن أبي حاتم بهراة قال: وجدت فيما صنفه جدي أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن يعقوب الحافظ الفقيه الهروي حدثنا محمد بن المنذر حدثنا أبو مثنى الطرسوسي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن شداد الصفدي بالرقة يقول سمعت أحمد بن حنبل وتذاكرنا أمر القرآن فقال: هو من حيث تصرف غير مخلوق واللفظ بالقرآن من قال: هو مخلوق فهذا من قول جهم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل" وقال الله "حتى يسمع كلام الله" قال: وقال أحمد لا يجالس من قال: لفظي بالقرآن مخلوق ولا يصلى خلفه فإن هذا من قول جهم.
محمد بن سعيد بن صبيح نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: حضرت أبا عبد الله على طعام فجاءوا بأرز فقال: أبو عبد الله الأرز إن أكل في أول الطعام أشبع فإن أكل في آخر الطعام هضم.
محمد بن طارق البغدادي سأل إمامنا عن أشياء:
منها قال: كنت جالسا إلى جنب أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله أستمد من محبرتك فنظر إلي وقال لم يبلغ ورعي ورعك هذا.
محمد بن قدامة الجوهري نقل عن إمامنا أشياء:
منها القراءة عند القبور واحتج بحديث ابن عمر.
محمد بن طريف أبو بكر الأعين سأل إمامنا عن أشياء:
منها قال: قلت: لأحمد بن حنبل من أحب إليك في حديث الأعمش قال: سفيان قلت: شعبة قال: لا سفيان.(1/271)
أخبرنا عبد الله الصريفيني قال: أخبرنا أبو القاسم بن حبابة حدثنا عبد الله البغوي حدثنا محمد بن طريف أبو بكر الأعين قال: حدثنا قراد أنه سمع شعبة يقول كل شيء ليس في الحديث سمعت فهو خل وبقل.
وبه حدثنا محمد بن طريق حدثنا أبو جعفر المدائني عن ورقاء قال: قلت: لشعبة لم تركت حديث أبي الزبير فقال: رأيته يزن فاسترجح في الميزان فتركته.
محمد بن عبد الله بن سليمان أبو جعفر الحضرمي الكوفي مطين أحد الحفاظ والأذكياء الأيقاظ صنف المسانيد ذكره أبو بكر الخلال فقال: سمعنا منه أحاديث ومسائل عن أبي عبد الله حساناً جياداً.
أنبأنا المبارك قال: أخبرنا أبو الفرج الطناجيري وأنبأنا محمد بن علي الكوفي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق بن قدويه قالا أخبرنا علي بن عبد الرحمن البكائي أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي حدثنا أحمد بن محمد ابن حنبل حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثني أبي عن أبي إسحاق قال: أخبرني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام منهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال: عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج قال: إن أتم الحج والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحج فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت كان أفضل فإن الله قد وسع لكم في الخير فقال: له علي عمدت إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورخصة رخصها الله للعباد في كتابه تضيق عليهم فقال: عثمان وهل نهيت عنها إنما كان شورى شرت به فمن شاء أخذ ومن شاء ترك.
أخبرنا أحمد بن ثابت قراءة أخبرنا البرقاني حدثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي حدثنا الحضرمي يعني مطينا قال: سألت أحمد بن حنبل عن الطفاوي يعني محمد بن عبد الرحمن فقال: كان يدلس.(1/272)
محمد بن عبد الله بن ثابت أحد من روى عن إمامنا أحمد فيما أنبأنا المبارك بن عبد الجبار عن القاضي أبي الحسين حدثنا أبو بكر أحمد بن عمر البرجوري حدثنا أبو بكر المعروف بباطويه الحلواني حدثنا أبو إسحاق القافلاني المعدل حدثنا محمد بن عبد الله بن ثابت حدثنا أحمد بن حنبل الشيباني حدثنا وكيع عن شعبة بن الحجاج عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هبط علي جبريل وعليه طنفسة متخلل بها فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي فقال: إن الله أمر الملائكة أن تتخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض".
محمد بن عبد الله بن عتاب أبو بكر الأنماطي يعرف بالمربع:
سمع عاصم بن علي و أحمد بن يونس وسنيد بن داود ويحيى بن معين وإمامنا أحمد فيما ذكره أبو بكر الخلال روى عنه محمد بن مخلد والقاضي أحمد بن كامل وأبو بكر الشافعي.
أخبرنا أبو بكر نزيل دمشق قال: قرأت على الحسين بن أبي بكر عن أحمد بن كامل أن محمد بن عبد الله بن عتاب بن المربع مات في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين ومائتين قال: أبو بكر وكان ثقة.
محمد بن عبد الله بن جعفر الزهري جار إمامنا أحمد سمع عنه أشياء وكان أحد الصالحين مات سنة خمس وستين ومائتين كان يصلي فخر ميتاً.
محمد بن عبد الله أبو جعفر الدينوري سأل إمامنا عن أشياء منها قال: سألت أحمد عن الصلاة في جلود الثعالب فقال: لا يعجبني.
محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادي:
سمع أبا بدر شجاع بن الوليد وحفص بن غياث وأبا أسامة ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم في آخرين حدث عنه البخاري وأبو داود وعبد الله البغوي وابن ابنه أبو الحسين ومحمد بن داود الفقيه وإسماعيل الصفار فيما أخبرنا الحسن الفقيه.(1/273)
حدثنا علي المعدل إملاء حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا معتمر بن سليمان عن يحيى بن يعمر قال: قلت: لابن عمر "يا أبا عبد الرحمن إن قوماً يزعمون أن ليس قدر قال: هل عندنا منهم أحد قال: لا قال: فأبلغهم عني إذا لقيتهم إن ابن عمر بريء إلى الله عز وجل منكم وأنتم ثاء إلى الله عز وجل منه سمعت عمر بن الخطاب قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سيما سفر وليس من البلد يتخطى حتى برك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام فقال: الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال: نعم قال: صدقت يا محمد قال: وما الإيمان قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: فإن فعل هذا فأنا مؤمن قال: نعم قال: صدقت يا محمد قال: ما الإحسان قال: أن تعمل لله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك قال: فإذا فعلت هذا فأنا محسن قال: نعم قال: صدقت قال: فمتى الساعة قال: سبحان الله ما المسئول عنها بأعلم بها من السائل قال: إن شئت أنبأتك بأشراطها قال: أجل قال: إذا رأيت العالة الحفاة العراة يتطاولون في البناء وكانوا ملوكاً فقال ما العالة الحفاة العراة قال: الغريب وإذا رأيت الأمة تلد ربها وربتها فذلك من أشراط الساعة قال: ثم نهض فولى قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بالرجل قال: فطلبناه فلم نقدر عليه فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تعلمون من هذا هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم فخذوا عنه فو الذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل(1/274)
مرتي هذه وما عرفته حتى ولى".
قال الحسين قال: أبو الفتح بن أبي الفوارس هذا حديث صحيح من حديث معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن يحيى بن يعمر أخرجه مسلم عن الحجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد عن معتمر عن أبيه عن يحيى بن يعمر وقع إلينا عالياً.
وقال ابن أبي حاتم الرازي سمعت منه يعني محمد بن المنادي مع أبي وسئل أبي عنه فقال: صدوق كان يسكن المخرم.
نقل عن إمامنا أحمد مسائل وغيرها وذكره أبو بكر الخلال فيمن روى عن أحمد بن حنبل.
أخبرنا المؤرخ قراءة أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباسي أخبرنا أحمد بن محمد بن موسى القرشي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي حدثني أبو النضر هاشم بن القاسم حدثني رجل عن عمر بن ذر الهمداني أنه كان يقول: اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك شهادة أن لا إله إلا أنت ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك الشرك فاغفر لنا ما بينهما.
قال أبو الحسين قال: لي جدي حضرت جنازة فذكرت هذا الحديث لقوم معي فجذبني رجل من خلفي فالتفت فإذا هو يحيى بن معين فسلمت عليه فقال: يا أبا جعفر حدثني هذا عن أبي النضر فإني ما كتبته عنه فامتنعت من ذلك إجلالاً لأبي زكريا فما تركني حتى أجلسني في ناحية من الطريق وكتبه عني في ألواح كانت معه.
أخبرنا ابن ثابت قراءة أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد بن عبيد الله بن أبي داود حدثنا روح حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرئك القرآن أو أقرأ عليك القرآن قال: أبي وسماني لك قال: نعم قال: وقد ذكرت عند رب العالمين قال: نعم فذرفت عيناه.
أخبرنا ابن ثابت قراءة أخبرنا البرقاني أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني محمد بن أحمد بن القاسم حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أبو جعفر بن المنادي بنحوه.(1/275)
قال ابن ثابت روى البخاري هذا الحديث في صحيحه عن ابن المنادي إلا أنه سماه أحمد فسمعت هبة الله بن الحسن الطبري يقول إنه اشتبه على البخاري فجعل محمدا أحمد وقيل كان لمحمد أخ بمصر اسمه أحمد وهذا القول الآخر عندنا باطل ليس لأبي جعفر أخ فيما نعلم ولعله اشتبه على البخاري كما قيل أو كان يرى أن محمداً وأحمد شيء واحد كما أخبرنا ابن ثابت أخبرنا أبو حازم العبدري قال: سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول كان عبد الله بن ناجية يملي علينا فيقول حدثنا أحمد بن الوليد البسري فقيل إنما هو محمد فقال: محمد وأحمد واحد أخبرنا ابن ثابت أخبرنا محمد حدثنا محمد بن العباس قال: قرىء على ابن المنادي وأنا اسمع وتوفي جدي أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن يزيد ليلة الثلاثاء في السحر ودفن يوم الثلاثاء لست بقين من شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائتين وصام فيما قال: لنا اثنتين وتسعين رمضانا واثني عشر يوماً من الشهر الذي مات فيه وله حينئذ مائة سنة وسنة واحدة وأربعة أشهر واثني عشر يوماً وليلة لأنه ولد فيما قال: للنصف من جمادى الأولى سنة إحدى وسبعين ومائة قال: وكان أبو عبد الله أحمد بن حنبل أكبر مني بسبع سنين.
وقال محمد بن عبيد الله بن المنادي سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المصحف.
محمد بن عبد العزيز البيوردي أبو عبد الله:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: جليل روى عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسانا أغرب فيه مقدم عندهم.
قال وأخبرني محمد بن يحيى بن خالد قال: حدثني محمد بن عبد العزيز البيوردي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ابن سيرين أحسن حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الحسن.(1/276)
محمد بن عبد الرحمن أبو بكر الصيرفي روى أبو يوسف يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال: قال لي أحمد بن حنبل كان يحيى بن سعيد لا يعيد حديث شعبة عن هشام ولا حديث شعبة عن قتادة وكان إذا سمع الحديث عن واحد منهم لم يعده عن الآخر.
محمد بن عبد الرحمن الشامي أبو عبد الله روى عن إمامنا أشياء: منها ما رواه دعلج بن أحمد قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشامي قال: سئل أحمد بن حنبل وأنا حاضر عن إسحاق بن إبراهيم فقال: من مثل إسحاق بن إبراهيم مثل إسحاق يسأل عنه?
محمد بن عبد الرحمن الدينوري روى عن إمامنا أشياء.
محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير البزار أبو يحيى مولى آل عمر بن الخطاب يعرف بصاعقة وأصله فارسي ثقة أمين حافظ متقن.
سمع عبد الرحمن بن عطاء وعبيد الله بن موسى بن عبادة وسعيد بن سليمان في آخرين حدث عنه الأئمة أبو داود وابنه عبد الله وعبد الله بن إمامنا أحمد والبخاري في الصحيح.
قال أبو بكر الخلال عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان لم يجىء بها غيره وقيل إنما سمي صاعقة لجودة حفظه وقيل وهو المشهور إنما لقب بهذا لأنه كان كلما قدم بلدة للقاء شيخ إذا به قد مات بالقرب.
أخبرنا عبد السلام الأنصاري أخبرنا محمد بن أبي الفوارس أخبرنا أحمد أخبرنا محمد الفربري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا محمد بن عبد الرحيم أخبرنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن عون عن ابن سيرين عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره".
مولده سنة خمس وثمانين ومائة ومات في شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وله سبعون سنة.
محمد بن عبد الملك بن زنجويه أبو بكر:(1/277)
سمع إمامنا فيما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي بالله عن ابن أخي ميمي أخبرنا علي بن محمد الموصلي حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا أبو بكر المروزي حدثني أبو بكر بن زنجويه قال: قدم علينا أبو عبد الله ونحن عند أبي المغيرة قال: واجتمع الناس على أبي عبد الله أكثر مما اجتمعوا على أبي المغيرة وكنت فيمن كتب عنه.
محمد بن عبد الملك الدقيقي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: صلى بنا أحمد العصر فسبحت خلفه في الركوع والسجود أربع تسبيحات خمس تسبيحات.
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق:
أنبأنا محمد المقرىء أخبرنا أبو أحمد الفرضي أخبرنا القاضي أحمد بن كامل حدثنا محمد بن جرير الطبري حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل عن الإيمان في معنى الزيادة والنقصان فقال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عمر بن حبيب قال: الإيمان يزيد وينقص قيل وما زيادته ونقصانه فقال: إذا ذكرنا الله فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه.
محمد بن علي أبو جعفر الجوزجاني سأل إمامنا عن أشياء منها قلت: لأبي عبد الله الرجل يوم الجمعة يقدر على الدخول داخل المسجد يصلي في الرحبة قال: إذا كان ذلك من علة من الحر أرجو أن لا يضره.
قال وسمعت أبا عبد الله يقول إذا تزوج الحر الأمة فأولاده عبيد وإذا تزوج العبد الحرة فأولاده أحرار.
محمد بن علي بن داود أبو بكر الحافظ يعرف بابن أخت غزال نزل مصر وحدث بها عن سعيد بن داود الزبيري ومحمد بن عبد الله البتنوني و أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في آخرين روى عنه أبو جعفر الطحاوي وغيره.(1/278)
أخبرنا الخطيب قراءة أخبرنا القاضي أبو العلاء أخبرنا محمد بن المظفر الحافظ حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بمصر قالا حدثنا محمد بن علي بن داود قال: حدثنا سعيد بن داود الزبيري عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من هراقة دم".
وقرأت في تاريخ أبي بكر نزيل دمشق في ترجمة يحيى بن سعيد قال: محمد ابن علي بن داود سمعت أحمد بن حنبل يقول ما رأيت في هذا الشأن مثل يحيى بن سعيد.
نقلت: من خطا أبي القاسم في الأول من كتاب الضعفاء عن أبي زرعة الرازي حدثنا سعيد حدثنا محمد بن علي بن داود سمعت أحمد بن حنبل يقول عبد المنعم بن إدريس يكذب على وهب بن منبه.
وتوفي في قرية من أسفل أرض مصر في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائتين.
محمد بن علي بن شعيب حدث عن جماعة منهم إمامنا أحمد.
قال سمعت أحمد بن حنبل يقول سمعت من عبد الرازق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يفطر على رطبات فإن لم يجد فتمرات فإن لم يجد حسا حسوات من ماء".
محمد بن علي بن عبد الله بن مهران بن أيوب أبو جعفر الوراق الجرجاني الأصل البغدادي المنشأ يعرف بحمدان:
سمع عبيد الله بن موسى وأبا غسان مالك بن إسماعيل وأبا نعيم معلى بن أسد وعبد الله بن رجاء وإمامنا أحمد في آخرين حدث عنه عبد الله البغوي ومحمد بن داود الفقيه وأبو الحسين بن المنادي وأبو بكر الخلال وأبو العباس بن سريج وغيرهم.
قال أبو بكر الخلال لما ذكره رفيع القدر كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان سمعت منه حديثا وسمعت مسائلة بنزول.(1/279)
أخبرنا أبو بكر المصنف أخبرني محمد بن الحسين بن الفضل القطان أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان المقرىء المعروف بابن ثوبان حدثنا محمد بن علي الوراق ويعرف بحمدان حدثنا السمتي محمد بن حسان حدثنا سيف بن محمد بن أخت سفيان عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين بن علي العرني الكوفي عن علي بن أبي طالب قال: "بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جبر لأبي طالب أشرف علينا أبو طالب فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ألا تنزل فتصلي معنا قال: يا ابن أخي إني لأعلم أنك على حق ولكني أكره أن أسجد فيعلوني استي ولكن انزل يا جعفر فكن جناح ابن عمك فقال: أما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك".
أخبرنا محمد الدلال أخبرنا إبراهيم الفقيه عن عبد العزيز حدثنا العباس بن المغيرة وغير واحد قالوا حدثنا حمدان بن علي الوراق قال: سمعت أحمد بن حنبل وذكر عنده المرجئة فقلت: إنهم يقولون إذا عرف الرجل ربه عز وجل بقلبه فهو مؤمن فقال: المرجئة لا تقول هذا الجهمية تقول بهذا.
أنبأنا الملطي أخبرنا محمد بن فارس أخبرنا أبو الحسين بن المنادي في أثناء مطيب سكني مدينة السلام في ترجمة من كان بها قاطنا من الصلحاء والفقهاء والمحدثين وأهل القرآن فذكر منهم حمدان بن علي فقال: مشهود له بالصلاح والفضل بلغنا أنه قال: وهو في علة الموت ما لصق جلدي بجلد ذكر ولا أنثى قط.
وتوفي في المحرم سنة اثنتين وسبعين ومائتين وذكر ابن مهدي في تاريخه أنه مات سنة إحدى وسبعين ومائتين ودفن بمقبرة إمامنا.(1/280)
وقال حمدان سألت أبا ثور عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته" فقال: على صورة آدم وكان هذا بعد ضرب أحمد بن حنبل والمحنة فقلت: لأبي طالب قل لأبي عبد الله فقال: أبو طالب قال: لي حمد بن حنبل صح الأمر على أبي ثور من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه? ونقلت: من خط أبي إسحاق بن شاقلا قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن علي بن الفضل بن محمد بن نجاح قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن مخلد العطار حدثنا حمدان بن علي الوراق أبو جعفر قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل عن عبد الله بن محرر فقال: ترك الناس حديثه وسألته عن خالد بن رباح فقال: ليس به بأس وسمعت أبا عبد الله يقول عمرو بن دينار مولى ولكن الله تبارك وتعالى شرفه وسئل عن عمرو بن شعيب فقال: ربما احتججنا بحديثه وربما هجس في القلب منه شيء قال: قلت: لأبي عبد الله حديث زهير عن أبي الزبير "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ السجدة وتبارك" قال: حسبك بزهير إذا جاءك بالشيء هو وقفه وإنما ذاك ليث رواه.
ثم قال: أبو عبد الله زهير وزائدة قلت: زائدة يقوم عندك مقامه قال: نعم قلت: لأبي عبد الله يقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب قال: نعم.
محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي أبو جعفر:
قرأت في كتاب الخلال قال: إنه حافظ إمام في زمانه معروف بالتقدم في العلم والمعرفة على أصحابه سمع من أبي المغيرة وأهل الشام والعراق وكان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك ويقبل منه ويسأله عن الرجال من أهل بلده وسمع منه أحمد بن حنبل فيما بلغني عن أبيه حديث الهزار.(1/281)
أخبرنا محمد بن عوف حدثني أبي حدثنا سفيان مولى العباس بن الوليد قال: سمعت الهزار وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول للعباس بن الوليد ورأى إسرافه في خبر السميد وغيره لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز بر حتى فارق الدنيا وسمعت منه أيضاً حديثا كثيراً.
وكانت عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة في العلل وغيرها ويغرب فيها أيضاً بأشياء لم يجىء بها غيره.
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر المسلمين.(1/282)
ونقلت: من خط أحمد الشنجي بإسناده قال: سمعت محمد عوف يقول أملي علي أحمد بن حنبل جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لقي الله بذنب يجب له به النار تائب منه غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته" كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إذا توفي على الإسلام والسنة ومن تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساويه كان مبتدعا خارجا عن الجماعة حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم بأجمعهم سليما والنفاق هو الكفر بالله أن يكفر بالله ويعبد غيره ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أظهر منهم الكفر قتل وليس بمثل هذه الأحاديث التي جاءت "ثلاث من كن فيه فهو منافق" هذا على التغليظ وتروى كما جاءت لا يجوز لأحد أن يفسرها وقوله "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" ومثل قوله "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" ومثل قوله "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ومثل قوله "من قال: لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ومثل قوله "كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق" ونحوه هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ فأنا نسلم لها وإن لم نعلم تفسيرها ولا نتكلم فيها ولا نجادل فيها ولا نفسرها ولكنا نرويها كما جاءت ونؤمن بها ونعلم أنها حق كما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسلم بها ولا نردها ولا نترك الصلاة على أحد من أهل القبلة بذنب أذنبه صغيراً أو كبيراً إلا أن يكون من أهل البدع الذين أخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم من الإسلام القدرية والمرجئية والرافضة والجهمية فقال: "لا تصلوا معهم ولا تصلوا عليهم" وكما جاء الحديث عن رسول الله صلى(1/283)
الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه فإنه مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم بن أبان العدوي عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس الإيمان بذلك والتصديق به وأن أهل الجنة يرون الله عز وجل عياناً وأن العباد يوزنون بأعمالهم فمنهم من لا يزن جناح بعوضة وأن الله تبارك وتعالى يكلم العباد ليس بينه وبينهم ترجمان وأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً آنيته أكثر من عدد نجوم السماء والإيمان بعذاب القبر وبفتنة القبر يسأل العبد عن الإيمان والإسلام ومن ربه وما دينه ومن نبيه ويمنكر ونكير والإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقوم يخرجون من النار والإيمان بشفاعة الشافعين وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً " ورأيت الكوثر "و " اطلعت في النار فرأيت أهلها" فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن كافر بالجنة وبالنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل وأنه إذا لم يبق لأحد شفاعة قال الله تعالى: " أنا أرحم الراحمين " فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها مالا يحصيه غيره ولو شاء أخرجهم كلهم وحديث عبد الرحمن بن عامر الحضرمي فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي " و " جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يأتيها الرب تبارك وتعالى فيضع قدمه فيها فتزوي فتقول قط قط حسبي حسبي" هكذا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ننزل أحدا من أهل القبلة جنة ولا نارا إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأن آدم صلى الله عليه وسلم خلق على صورة الرحمن كما جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم(1/284)
رواه ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن" و "كلتا يديه يمين الإيمان" بذلك فمن لم يؤمن بذلك ويعلم أن ذلك حق كما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأن الخبر قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله لما خلق آدم ضرب بيده شق آدم الأيمن ثم ضرب بيده الأخرى وكلتا يديه يمين على شق آدم الأيسر فقال: في الأولى من أهل الجنة وفي الأخرى من أهل النار" والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان قول وعمل يزيد وينقص ينقص بقلة العمل ويزيد بكثرة العمل والقرآن كلام الله غير مخلوق من حيثما سمع وتلي منه بدا وإليه يعود وخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فقلت: له يا أبا عبد الله فإنهم يقولون إنك وقفت على عثمان فقال: كذبوا والله علي فقلت: له إنما حدثتهم بحديث ابن عمر كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا تخايروا بعد هؤلاء بين أحد ليس لأحد في ذلك حجة فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي فهو على غير السنة يا أبا جعفر. قتل لأن الخبر قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله لما خلق آدم ضرب بيده شق آدم الأيمن ثم ضرب بيده الأخرى وكلتا يديه يمين على شق آدم الأيسر فقال: في الأولى من أهل الجنة وفي الأخرى من أهل النار" والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان قول وعمل يزيد وينقص ينقص بقلة العمل ويزيد بكثرة العمل والقرآن كلام الله غير مخلوق من حيثما سمع وتلي منه بدا وإليه يعود وخير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فقلت: له يا أبا عبد الله فإنهم يقولون إنك وقفت على(1/285)
عثمان فقال: كذبوا والله علي فقلت: له إنما حدثتهم بحديث ابن عمر كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا تخايروا بعد هؤلاء بين أحد ليس لأحد في ذلك حجة فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي فهو على غير السنة يا أبا جعفر.
محمد بن عيسى الجصاص شيخ زاهد نقل عن إمامنا فيما ذكره أبو بكر الخلال سمع يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وغيرهما.
محمد بن عبدوس بن كامل أبو أحمد السلمي السراج وقيل اسم أبيه عبد الجبار ولقبه عبدوس سمع علي بن الجعد وداود بن عمر الضبي وأبا بكر بن أبي شيبة وإمامنا في آخرين روى عنه عبد الله البغوي وأبو بكر النجاد وغيرهما.
قرأت على إبراهيم أخبرك عبد المحسن أخبرنا محمد المعروف بابن الطفال أخبرنا القاضي محمد بن أحمد بن عبد الله بن أسامة حدثنا أبو أحمد محمد بن عبدوس بن كامل السراج حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد بن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن سراقة عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فجلاه بحلية لا أحفظها قالوا يا رسول الله فكيف قلوبنا يومئذ قال: "كاليوم أو خير".
ومات في شعبان سنة ثلاث وتسعين ومائتين.
محمد بن عمران الخياط أبو جعفر كان من خيار الناس كان إمام مسجد في مربعة الخرشي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل في منزله يقول بلغني عن أخي منصور بن عمار أنه كان يقول اللهم قد أحاطت بنا الشدائد وأنت ذخر لها فلا تعذبنا وأنت على العفر قادر سيدي قد أريتنا قدرتك ولم تزل قادرا فأرنا عفوك ولم تزل تعفو.(1/286)
فإن اعترض معترض بأن إمامنا أحمد محفوظ عنه النهي عن كتب كلام منصور والاستماع للقصاص بها قيل إنما رأى إمامنا أحمد الناس لهجين بكلامه قد اشتهروا به حتى دونوه وفصلوه مجالس يتحفظونها ويلقنونها ويكثرون فيما بينهم دراستها فكره لهم أن يلهوا بذلك عن كتاب الله تعالى ويشتغلوا به عن حفظ السنة وأحكام الملة لا غير.
محمد بن عبدك القزاز:
أنبأنا الحسن بن أحمد أخبرنا أبو محمد الخلال حدثنا محمد بن عبيد الله الفقيه الزاهد حدثنا عثمان بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد القزاز قال: سألت أحمد عمن احتجم في شهر رمضان قال: إن كان بلغه الخبر فعليه القضاء والكفارة وإن لم يبلغه الخبر فعليه القضاء.
ومات سنة ست وسبعين ومائتين.
محمد بن العباس النسائي نقل عن إمامنا أشياء.
محمد بن غسان العلائي حدث عن إمامنا بأشياء:
منها قال: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت معمرا يقول سمعت إبراهيم بن الوليد يسأل الزهري وعرض عليه كتابا من علم فقال: آخذ هذا عنك يا أبا بكر قال: نعم فمن يحدثكموه غيري قال: معمر ورأيت أيوب السختياني يعرض عليه العلم فيجيزه قال: معمر وكان منصور بن المعتمر لا يرى بالعرض بأساً.
محمد بن العباس المؤدب أبو عبد الله الطويل:
قال سئل أحمد بن حنبل عن التقصير إلى سامري فأظهر التبسم وقال إنما التقصير في سفر طاعة نقلته من كتاب السير للخلال.
محمد بن الفضل العتابي حكى عن إمامنا أشياء.
محمد بن قدامة الجوهري نقل عن إمامنا أشياء:
منها العزاء عند القبور واحتج بحديث ابن عمر.
محمد بن محمد بن إدريس الشافعي الإمام أبو عثمان سمع أباه وسفيان بن عيينة وسأل إمامنا عن أشياء.(1/287)
منها ما أنبأنا المبارك أخبرنا إبراهيم حدثنا محمد بن العباس حدثنا جعفر الصندلي قال: أخبرنا خطاب بن بشر قال: أتينا أحمد بن حنبل في النصف من رجب سنة ثلاث وثلاثين ومائتين أنا وأبو عثمان ابن الشافعي فذكر له ابن الشافعي أمر مالك وما كان يذهب إليه من ترك أحاديث رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له أمر ابن أبي ذئب وأثنى عليه فقال: كان ابن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيب في خشونته ومذهبه وذكر أتباعه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كان يقول في مالك وفي تركه الحديث يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له البيعان بالخيار مالم يتفرقا وترك مالك الأخذ به حتى يبلغ به يعني القتل وذكر كلاما لأبي جعفر ورأيته يترحم عليه كثيراً وقال كان يحضر هو ومالك عند السلطان فلا يزال يتكلم ومالك ساكت وذكر له ابن الشافعي عن الحديث الذي يرويه مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه فقال: هذا تخليط.
وسأله ابن الشافعي عن الحديث الذي يرويه مالك وابن أبي ذئب في مذهب أهل المدينة في إتيان النسائي في أدبارهن فقال: ما أدري أي شيء هذا الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في خلاف هذا كثيرة وهو الحق عندنا قال: الله عز وجل " فائتوا حرثكم أنى شئتم " الحرث لا يكون إلا موضع الولد أو شبهه بهذا.
وسأله ابن الشافعي عن جلود الميتة فقال: لا ينتفع منها بأهاب ولا عصب إلى هذا أذهب ثم قال: كيف يكون الدباغ ذكاة يعقل هذا العرب أرأيت لحم الميتة يذكيه الدباغ إنما الدباغ قرظ وما أشبهه فقال: له ابن الشافعي ليس يعقل هذا في اللغة ولكن الخبر الذي روي فيه فقال: دع الخبر الخبر فيه اضطراب كلهم لا يذكرون فيه الدباغ إلا ابن عيينة وحده وقد خالفه مالك وغيره والذين ذهبوا إلى هذا الخبر ذهبوا إلى الانتفاع به غير مدبوغ وهكذا يروى عن ابن شهاب أنه يرى الانتفاع بالجلد وإن لم يدبغ والخبر مضطرب بعضهم يقول شاة لميمونة وبعضهم يقول لسودة.(1/288)
وذلك الخبر صحيح وقد سمعت أبا عبد الله الشافعي ورجل يناظره فيه وقال يذهب إلى الدباغ فيه أنه يطهره فقال: للذي يناظره وقد أضجره وجلدك أيضاً إن دبغ انتفع به? وذكر أحمد حديث لابن وعلة عن ابن عباس أيما إهاب دبغ فقد طهر وذكر ابن وعلة فضعفه فقال: له أبو عثمان ابن الشافعي لا يزال الناس بخير ما من الله عليهم ببقائك وكلاماً من هذا النحو كثيراً فقال: لا تقل هذا يا أبا عثمان.
وسأله ابن الشافعي وأنا أسمع عن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقال: لا يجهر بها هكذا جاء الحديث ولكن يخفيها في نفسه وهي آية من كتاب الله.
وسئل أحمد عن القراءة خلف الإمام فقال: لا يقرأ فيما يجهر ويقرأ فيما أسر في الركعتين الأوليين بالحمد وسورة وفي الركعتين الأخريين بالحمد فقال: له رجل فإن كان للإمام سكتة فيما يجهر يقرأ فقال: إن كان يمكنه أن يقرأ يقرأ ولا أحب أن يقرأ والإمام يجهر وجعل يعجب ممن يذهب إلى هذا وقال أليس يدرك الإمام راكعا فيركع معه ولا يقرأ وهذا أبو بكرة قد جاء والإمام راكع فركع دون الصف فاحتسب بها فقال: له ابن الشافعي الذي يذهب إلى هذا يذهب إلى الحديث "لا صلاة لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فقال: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".
وتوفي أبو عثمان ابن الشافعي في سنة إحدى وثمانين ومائتين.
محمد بن محمد بن أبي الورد أحد أصحاب إمامنا:
قال أبو بكر الخلال أخبرنا هارون بن يوسف قال: سمعت محمد بن محمد بن أبي الورد يقول قلت: لأحمد يا أبا عبد الله الماء يسخن فيغتسل ويفضل من الماء الحار فضلة أترى للغاسل أن يغتسل بها قال: لا قلت: فإنه ليس له ماء غيره قال: يتركه حتى يبرد.
قال الخلال وأخبرنا هارون قال: سمعت محمد بن محمد بن أبو الورد قال: قال رجل لأحمد بن حنبل قيل لنا إنك كتبت من كتب الشافعي فقال: ما كتبت منها شيئاً.
محمد بن منصور بن داود بن إبراهيم أبو جعفر العابد المعروف بالطوسي:(1/289)
سمع إسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة وعفان بن مسلم وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه عبد الله البغوي ويحيى بن صاعد وغيرهما.
وذكره الخلال فقال: روى عن أحمد أشياء لم يروها غيره وكان يجالس لصلاحه معروفا وغيره.
وذكره ابن ثابت فقال: حدثت عن عبد العزيز بن جعفر حدثنا أبو بكر الخلال أخبرني المروذي قال: سألت أبا عبد الله وهو أحمد بن حنبل عن محمد بن منصور الطوسي فقال: لا أعلم إلا خيرا صاحب صلاة قلت: له كان يختلف معك إلى عفان قال: وقبل ذلك قلت: سمعته يقول كنت عند معروف فقال: لي بعد عشاء الآخرة قد كلمت ههنا رجلا يتعشى عنده فأتيت عليه فلما كان في السحر جاءني بسفرجلة فجعل يقول ترى من أين له سفرجلة في ذلك الوقت فقال: أبو عبد الله كفاك بأبي جعفر.(1/290)
قال ابن ثابت أخبرنا بحكايته مع معروف أبو عمر الحسن بن عثمان الواعظ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي حدثنا العباس بن يوسف الشكلي حدثنا سعيد بن عثمان قال: كنا عند محمد بن منصور الطوسي يوماً وعنده جماعة من أصحاب الحديث وجماعة من الزهاد وكان ذلك اليوم يوم الخميس فسمعته يقول صمت يوماً وقلت: لا آكل إلا حلالا فمضى يومي ولم أجد شيئاً فواصلت اليوم الثاني واليوم الثالث والرابع حتى إذا كان عند الفطر قلت: لأجعلن فطري الليلة عند من يزكي الله طعامه فصرت إلى معرف الكرخي فسلمت عليه وقعدت حتى صلى المغرب وخرج من كان معه في المسجد فما بقي إلا أنا وهو ورجل آخر فالتفت إلي وقال يا طوسي قلت: لبيك فقال: لي تحول إلى أخيك فتعش معه فقلت: ما بي من عشاء فتركني ثم رد علي القول فقلت: ما بي من عشاء ثم فعل ذلك الثالثة فقلت: ما بي من عشاء فسكت عني ساعة ثم قال: تقدم إلي فتحاملت وما بي من تحامل من شدة الضعف فقعدت عن يساره فأخذ كفي اليمنى فأدخلها إلى كمه الأيسر فأخذت من كمه سفرجلة معضوضة فأكلتها فوجدت طعم كل طعام طيب واستغنيت بها عن الماء قال: فسأله رجل كان معنا حاضرا أنت يا أبا جعفر قال: نعم وأزيدك أني ما أكلت منذ ذلك حلواً ولا غيره إلا أصبت فيه طعم تلك السفرجلة.
أنبأنا أبو القاسم علي بن البسري عن أبي عبد الله الفقيه حدثنا ابن مخلد حدثنا عباس الدوري حدثنا محمد بن أشرس الحربي حدثنا محمد بن منصور الطوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله كل ما روي عنك أبو هريرة حق قال: نعم.(1/291)
وقال محمد بن منصور الطوسي سمعت أحمد بن حنبل يقول من زعم أنه كان في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خير من أبي بكر فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد افترى على رسوله صلى الله عليه وسلم وكفر بأن زعم أن الله يقر المنكر بين أنبيائه في الناس فيكون ذلك إضلالا لهم وأنبأنا أبو الحسين بن الأبنوسي قال: أخبرنا عمر بن إبراهيم الكتاني قال: حدثنا أبو الحسين بن عمر بن الحسن القاضي الأشناني حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال: حدثني محمد بن منصور الطوسي قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول ما روى لأحد من الفضائل أكثر مما روي لعلي بن أبي طالب.
قال وسمعت محمد بن منصور يقول كنا عند أحمد بن حنبل فقال: له رجل يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن علياً قال: "أنا قسيم النار" فقال: وما تنكرون من ذا أليس روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق" قلنا بلى قال: فأين المؤمن قلنا في الجنة قال: وأين المنافق قلنا في النار قال: فعلي قسيم النار.
وروى ابن ثابت بإسناده قال: قيل لمحمد بن منصور الطوسي يا أبا جعفر أليس اليوم عندك قد شك الناس فيه يوم عرفة هو أو غيره فقال: اصبروا فدخل البيت ثم خرج فقال: هو عندي يوم عرفة فاستحيوا أن يقولوا له من أين لك ذلك فعدوا الأيام والليالي فكان اليوم الذي قال: محمد بن منصور يوم عرفة فقال: له أبو بكر بن سلام من أين علمت أنه يوم عرفة قال: دخلت البيت فسألت ربي فأراني الناس في الموقف.
ومات سنة أربع وخمسين ومائتين وله ثمان وثمانون سنة وقيل مات سنة ست وخمسين.
محمد بن مصعب أبو جعفر الدعاء:(1/292)
قرأت في كتاب ابن ثابت أخبرنا محمد بن رزق أخبرنا أبو علي بن الصواف حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي ذكر محمد بن مصعب الدعاء فقال: كان رجلا صالحا وكان يقص ويدعو قائما في المسجد ثم قال: ربما كان ابن علية يجلس إليه في المسجد يسمع دعاءه قال: عبد الله بن أحمد قال: أبي جاءني فكتب عني أحاديث وجلس في مجلسك هذا في الصفة ثم قال: في بعض ما يقول رب أخبئني تحت عرشك.
أخبرنا أبو بكر المؤرخ قراءة حدثنا الأزهري حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن مخلد حدثنا محمد بن محمد بن عمر بن الحكم قال: سمعت محمد بن مصعب الزاهد يقول من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة فهو كافر بوجهك لا يعرفك أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات ليس كما يقول أعداؤك الزنادقة.
وبإسناده قال: نصر بن منصور الصائغ سمعت محمد بن مصعب العابد وكان مجاب الدعوة وما رأيت أحداً أحسن تلاوة لكتاب الله منه سمعت ابن المبارك يذكر عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر من عصيت? قال الصائغ كان المأمون قد أمر بمحمد بن مصعب إلى الحبس فقال: وقد ذهب به إلى الحبس ورفع رأسه إلى السماء أقسمت عليك أن تحبسني عندهم الليلة فأخرج في جوف الليل فصلى الغداة في منزله.
ومات ببغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين.
محمد بن ماهان النيسابوري جليل القدر له مسائل حسان:
أنبأنا بها أحمد بن محمد المعروف بابن حمدويه أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم بن الحارث القطان حدثنا محمد بن ماهان سنة تسع وأربعين ومائتين قال: سألت أحمد سنة تسع وعشرين ومائتين عن المرأة إذا كانت ظالمة لزوجها أيؤخذ منها الولد قال: أحمد ابن كم الولد قلت: ابن ثلاث سنين قال: لا يؤخذ منها الولد.(1/293)
وسئل أحمد وأنا أسمع عن رجل غاب غيبة منقطعة وله بنت هل يزوجها ابن عمها من رجل كفء قال: نعم إذا غاب الأب غيبة منقطعة فلا بأس أن يزوجها ابن عمها.
وسئل أحمد وأنا اسمع عمن رأى الهلال قبل الزوال أيفطر قال: لا يفطر إذا رأى قبل الزوال أو بعد الزوال على حديث عمر بن الخطاب "إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا".
وسئل أحمد وأنا اسمع عن الصوم في السفر أحب إليك أن تصور أو تفطر قال: أحب إلي أن أفطر.
وسألت أحمد عن رجل طلق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها فعفا أبوها لزوجها عن نصف الصداق قال: لا يجوز عفو الأب.
وسمعت أحمد يقول التيمم ضربة للوجه والكفين مرة واحدة.
وسألت أحمد قلت: الرجل يحج أيما تختال له الإفراد أو القرآن قال: أختار التمتع قلت: يسعى سعيين ويطوف طوافين قال: نعم قال: أحمد إذا دخل متمتعا يكون شبه قارن.
قلت: لأحمد ما تقول في اللسان إذا قطع قال: على قدر الحروف قال: ويجعل في ذلك أمير نفسه قال: على قدر ما يتبين من الكلام قلت: هو أمير نفسه قال: لا أدري.
سئل أحمد وأنا أسمع يتوضأ بفضل وضوء المرأة قال: نعم إلا أن تكون خلت هي بالإناء وحدها فلا يتوضأ بفضل وضوئها وإذا اغترفا من الإناء فلا بأس به قلت: نفقة الحامل المطلقة ثلاثاً قال: لا نفقة ولا سكنى.
ومات في جمادى الآخرة من سنة أربع وثمانين ومائتين.
محمد بن المسيب حكى عن إمامنا أشياء:
منها قال: قال الإمام أحمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل الفتح بن شخرف.
محمد بن موسى بن مشيش البغدادي ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان يستملي لأبي عبد الله كان من كبار أصحابه روى عن أبي عبد الله مسائل مشبعة جيادا وكان جازه وكان يقدمه ويعرف حقه.(1/294)
منها ما أنبأنا المبارك عن ابن نعيم عن عبد العزيز أخبرنا أحمد حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن موسى بن مشيش قال: قلت: لأحمد فأهل البادية الذين ليس لأحدهم تمر قال: فأقط ويروى عن الحسن صاع لبن لأن الأقط ربما ضاق وقال عبد العزيز فعلى هذا أعتمد والله أعلم.
قال وسمعت أحمد يقول لا بأس أن يتزوج الرجل ربيبته.
قلت: أنا لأنه لا نسب بينهما ولا سبب فصارا كالأجانب.
وقال ابن مشيش قال: أحمد العلم مواهب من الله ليس كل أحد يناله.
محمد بن مقاتل العباداني صحب إمامنا وكان يراسله في بعض الأوقات قال: المروذي قال: لي محمد بن مقاتل قلت: لأبي عبد الله رق على هذا الخلق واجعلهم في حل فقد وجبت نصرتك فقلت: لأبي عبد الله فجعل يقول هذا رجل عاقل قال: المروذي معنى كلام عبد الله أي لم يستحلني أحد من العلماء غيره.
وقال المروذي قلت: لأحمد وقال لي عبد الوهاب الوراق لولا أن أبا عبد الله صبر حتى ضرب بالسياط لخفت على الناس فقال: أبو عبد الله صدق.
محمد بن موسى بن أبي موسى النهرتيري البغدادي أبو عبد الله:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان عنده عن أبي عبد الله جزء مسائل كبار جياد فسألته عنها فقال: قدم رجل من خراسان ومعه مسائل فأملى أبو عبد الله الجواب وكتبناها نحن من الخراساني.
وذكره الدارقطني فقال: شيخ لأهل بغداد جليل وذكره الخطيب فقال: كان ثقة فاضلا جليلا ذا قدر كبير ومحل عظيم وكان مقربا وهو صاحب ابن سعدان وكان ينزل الحربية روى عنه جماعة منهم أبو الحسين بن المنادي.
ونقلت: أنا من جملة مسائله قال: قيل لأحمد وأنا أسمع يا أبا عبد الله يستثنى في الإيمان قال: نعم.
وسمعته يسأل عن حديث عبد الله بن عكيم أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر في الميتة فقال: إليه أذهب لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب.(1/295)
وسمعته يسأل عن رجل اشترى من رجل قطعة باقلا أو شيئاً من الأشياء فغرقت ثم نضب الماء عنها فصار فيها سمك لمن السمك? قال: لصاحب الأرض.
وسمعت أبا عبد الله وسأله رجل من خراسان عن الوضوء من لحم الجزور فقال: نعم يتوضأ منه قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
محمد بن مسلم المعروف بابن وارة أبو عبد الله الرازي الحافظ سأل إمامنا عن أشياء
منها قال: قلت: يا أبا عبد الله لم قطعت الحديث والناس محتاجون فمن فعل هذا فقال: فعله رباح بن زيد حدث ثم قطع وحيان أبو حبيب حدث ثم قطع.
وقال أيضاً سألت أحمد عن القرآن فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق حيثما تصرف.
ومات بالري سنة خمس وستين ومائتين ذكره ابن المنادى نقلته أنا.
محمد بن المصفى:
أخبرنا المبارك إبراهيم أخبرنا علي بن مردك أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا أحمد بن حنبل بحمص حدثنا روح بن عبادة عن شعبة عن سيار أبي الحكم عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تناجشوا ولا تصروا الإبل والبقر" الحديث.
وأنبأنا خال أمي عن ابن بطة حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا محمد بن المصفى قال: قال بعض العقلاء إن الرجل ليجفوني فإذا ذكرت استغنائي عنه وجدت لجفائه بردا على كبدي.
محمد بن هبيرة البغوي أحد الأصحاب.
قال سألت أحمد أليس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه واحد قال: نعم إلا أن نهيه أشد قلت: له ففعله قال: فعله ليس عليك بواجب وذاك أنه كان يقوم حتى ترم قدماه ويفعل أفعالا لا تجب عليك.
محمد بن الهيثم المقرئ حدث عن إمامنا بأشياء:
منها قال: سألت أحمد ما تكره من قراءة حمزة قال: الكسر والإدغام فقلت: له حدثنا خلف بن تميم قال: كنت أقرأ على حمزة فمر به سفيان الثوري فجلس إليه وسأله عن مسألة فقال: له يا أبا عمارة أما القرآن والفرائض فقد سلمناها لك قال: أحمد أنتم أهل القرآن وأنتم أعلم به.(1/296)
قال الوالد السعيد في نقل القرآن ونظمه فظاهر هذا الرجوع عن الكراهة والذي عليه أصحابنا الكراهة وكراهته ليس يخرجها عن أن تكون قراءة مأثورة لكن غيرها من اللغات أفصح وأظهر ومثل هذا اختلاف الناس في حج النبي صلى الله عليه وسلم وكل مروي عنه والاختيار التمتع وكذلك الاختلاف في التشهد والاستفتاح وكل مروي عنه والاختيار تشهد ابن مسعود واستفتاح عمر ونحو ذلك.
وأنبأنا المبارك عن إبراهيم البرمكي حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق قال: حدثني أبي قال: حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا منصور بن زاذان عن قتادة عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "كفارة سنتين" وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: "كفارة سنة".
محمد بن نصر بن منصور نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما رواه الخلال قال: أخبرنا محمد بن نصر بن منصور الصائغ قال: سمعت أحمد بن حنبل وقد شيعته إلى البردان وهو يخرج إلى المتوكل فلما ركب المحمل التفت إلينا فقال: انصرفوا مأجورين إن شاء الله.
محمد بن هارون الجمال نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: قال أحمد السواد كله خراج والمقاسمة لم تكن إنما هي شيء أحدث.
محمد بن يوسف بن الطباع نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت رجلا سأل أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد الله أصلي خلف من يشرب المسكر قال: لا قال: فأصلي خلف من يقول القرآن مخلوق فقال: سبحان الله أنهاك عن مسلم تسألني عن كافر?
محمد بن يونس بن موسى الكديمي القرشي روى عن إمامنا أشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول قال: لي يحيى بن سعيد القطان اكتب عن أبي الوليد حديث شعبة وعن سليمان حديث حماد بن زيد فجئت أنا وعلي بن المديني إلى سليمان فقلنا يا أبا أيوب حدثنا بحديث حماد بن زيد من الكتاب قال: ليس إلى الكتاب سبيل أنا كتبت كتابي من حفظي وحفظي أصح من كتابي.(1/297)
محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي أبو عبد الله حدث عن إمامنا بأشياء:
منها ما أنبأنا الشريف أبو الحسين عن عمرو بن شاهين حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا يونس بن سليم قال: أملى علي يونس الأيلي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل" وذكر الخبر.
وروى الخطيب قال: أخبرنا القاضي أبو بكر الحرشي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن معقل أبو علي الميداني قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق عن إبراهيم بن معقل عن وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشر فقال: "من الشيطان".
محمد بن يوسف البيكندي فيمن روى عن إمامنا أحمد.
محمد بن يس بن بشر بن أبي طاهر البلدي أحد الأصحاب.
قال أبو بكر الخلال سمعته يقول سألت أبا عبد الله عن النظر في الرأي فقال: عليك بالسنة فقلت: له يا أبا عبد الله صاحب حديث ينظر في الرأي إنما يريد أن يعرف رأي من خالفه فقال: عليك بالسنة.
محمد بن يحيى بن أبي سمينة روى عن إمامنا أحمد فيما ذكره الخطيب في السابق واللاحق فقال: وحدث عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل محمد بن يحيى بن أبي سمينة البغدادي وبين وفاته ووفاة البغوي ثمان وسبعون سنة قال: وتوفي ابن أبي سمينة سنة سبع وثمانين ومائتين.
محمد بن يحيى الكحال أبو جعفر البغدادي المتطيب:
قال أبو بكر الخلال كانت عنده عن أبي عبد الله مسائل كثيرة حسان مشبعة وكان من كبار أصحاب أبي عبد الله وكان يقدمه ويكرمه.
أخبرني محمد بن يحيى الكحال أن أبا عبد الله قال: ليس في الصوم رياء قلت: رمضان وغيره قال: كل الصوم وقال كيف يكون الرياء إنما يترك أكل الخبز وشرب الماء.(1/298)
وقال محمد بن يحيى الكحال قلت: لأبي عبد الله كل مولود يولد على الفطرة ما تفسيرها قال: هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها شقي أو سعيد وقال أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال هذا الحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كان النصف من شعبان فلا تصوموا" ليس هو محفوظ والمحفوظ الذي يروى عن أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصوم شعبان ورمضان".
محمد بن يحيى النيسابوري سأل إمامنا أحمد عن أشياء:
منها قال: قلت: لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم وذكرت له خطأه فقال: أحمد كان حماد بن سلمة يخطئ وأومأ أحمد بيده خطأ كثيراً ولم ير بالرواية عنه بأساً.
محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني أبو عبد الله الحافظ نقل عن إمامنا أحمد فيما ذكره أبو نصر السجزي الحافظ في كتاب الإبانة في الرد على الأشعرية قال: وروى محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني جد أبي عبد الله الحافظ عن أحمد أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
محمد بن يزيد الطرسوسي أبو بكر المستملي قال أبو بكر الخلال:
انحدر مع أبي عبد الله من طرسوس أيام المأمون وكان المروذي يذكر له ذلك ويشكره ويقول مرضت فكان يحملني على ظهره وعنده عن أبي عبد الله مسائل حسان وقعت إلينا متفرقة.
أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قال: سمعت محمد بن يزيد المستملي يقول سأل رجل أحمد بن حنبل فقال: أكتب كتب الرأي قال: لا تفعل عليك بالآثار والحديث فقال: له السائل إن عبد الله بن المبارك قد كتبها فقال: له أحمد ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق.
قال وسألت أحمد عن عبد الرزاق كان له فقه فقال: ما أقل الفقه في أصحاب الحديث.
محمد بن يونس السرخسي نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها مقدمة في صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة.(1/299)
حدثنا أحمد بن عبيد الله العكبري قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمود الزوزني قال: حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاه التميمي المرورذي قال: حدثنا أبو معاذ بن أبي عصمة عن عسكر الصراف الزنجابي الهروي قال: حدثني أبو مسعود سعيد بن خشنام بن محمد السمرقندي مولى بني هاشم قال: أخبرنا محمد بن يونس السرخسي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول:
صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة من يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأقر بجميع ما أتت به الأنبياء والرسل وعقد قلبه على ما أظهر من لسانه ولم يشك في إيمانه ولا يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب وإرجاء ما غاب عنه من الأمور إلى الله عز وجل وفوض أمره إلى الله تعالى ولم يقطع بالذنوب العصمة من عند الله وعلم أن كل شيء بقضاء الله وقدره والخير والشر جميعاً ورجا لمحسن أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتخوف على مسيئهم ولم ينزل أحدا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة بالإحسان ولا النار بالذنب اكتسبه حتى يكون الله تعالى هو الذي ينزل خلقه حيث يشاء وعرف حق السلف الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عنهم وعرف حق علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل على سائر الصحابة فإن هؤلاء التسعة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حراء فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" وكانوا هؤلاء التسعة والنبي صلى الله عليه وسلم عاشرهم وترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم وحدث بفضائلهم وأمسك عما شجر بينهم وصلاة العيدين وعرفات والجمعة والجماعات مع كل بر وفاجر والمسح على الخفين في السفر والحضر والقصر في السفر والقرآن كلام الله عز وجل منزل وليس بمخلوق والإيمان قول(1/300)
وعمل يزيد وينقص والجهاد ماض منذ بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة يقاتلون الدجال لا يضرهم جور جائر والشراء والبيع حلال إلى يوم القيامة على حكم الكتاب والسنة والتكبير على الجنائز أربعاً والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح ولا تخرج عليهم بسيفك ولا تقاتل في فتنة وتلزم بيتك والإيمان بعذاب القبر والإيمان بمنكر ونكير والإيمان بالحوض والشفاعة والإيمان بأن أهل الجنة يرون ربهم عز وجل والإيمان بأن الموحدين يخرجون من النار بعد ما امتحشوا كما جاءت الأحاديث في هذه الأشياء عن النبي صلى الله عليه وسلم نؤمن بتصديقها ولا نضرب بها الأمثال هذا ما اجتمع عليه العلماء في الآفاق.
ذكر من عرف باسمه محمد وكنية أبيه
محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: ورع يعالج الصبر جليل القدر كان أحمد يكاتبه ويعرف قدره ويسأل عن أخباره عنده عن أبي عبد الله مسائل مشبعة كنت سمعتها منه يقول سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يفتي بغير علم قال: يروى عن أبي موسى قال: يمرق من دينه.
وقال أبو عبد الله يكون عند الرجل سنة عن نبيه صلى الله عليه وسلم ويفتي بغيرها وشدد في ذلك.
محمد بن أبي عتاب أبو بكر الأعين نقل عن إمامنا أشياء:(1/301)
منها قال: أتيت آدم العسقلاني فقلت: له عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد يقرئك السلام قال: لا تقرئه مني السلام فقلت: له لم قال: لأنه قال: القرآن مخلوق قال: فأخبرته بعذره وأنه أظهر الندامة وأخبر الناس بالرجوع فقال: فأقرئه مني السلام فقلت: له بعد إني أريد أن أخرج إلى بغداد فلك حاجة قال: نعم إذا أتيت بغداد فائت أحمد بن حنبل فأقرئه مني السلام وقل له يا هذا اتق الله وتقرب إلى الله بما أنت فيه ولا يستفزنك أحد فإنك إن شاء الله مشرف على الجنة وقل له حدثنا الليث بن سعد حدثنا محمد بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أرادكم على معصية الله فلا تطيعوه" فأتيت أحمد بن حنبل في السجن فدخلت عليه فسلمت عليه وأقرأته السلام وقلت: له هذا الكلام والحديث فأطرق أحمد إطراقة ثم رفع رأسه فقال: رحمه الله حيا وميتا فلقد أحسن في النصيحة.
محمد بن أبي عبد الله الهمداني يعرف بمنونة: قال أبو بكر الخلال وقد ذكره جمع مسائل أحمد وغيرها سبعين جزءاً.
محمد بن أبي السري البناء أبو جعفر البغدادي ذكره أبو بكر الخلال في جملة من صحب إمامنا فقال: الإمام العبد الصالح.
محمد بن أبي صالح المكي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: لما أردت الخروج إلى بغداد قال: لي حسين بن حسن أو حسن بن حسين صاحب ابن المبارك إذا قدمت بغداد فالق أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل له علي دين فترى لي أن أقدم إلى بغداد قال: فقلت: لأحمد فقال: عليه السلام وقل له لأن تلقى الله وعليك دين أحب إلى من أن تقدم بغداد.
ذكر من اسمه موسى
موسى بن سعيد الدنداني:
قرأت في كتاب أبي بكر الخلال قال: سمعنا منه حديثا صالحا عن القعنبي ومحمد بن كثير وغيرهما ثقة رفيع القدر من أهل الثغر، كانت عنده مسائل حسان سمعتها من رجل بطرسوس عنه قال: أحمد فيما رواه عنه موسى بن سعيد الدنداني لا يجوز شيء من الحيل.(1/302)
وقال الخلال أخبرنا محمد بن أحمد القاضي القحطي حدثنا موسى بن سعيد الدنداني قال: قال أبو عبد الله في الكلب ست خصال ثمنه وسؤره وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها وتقطع الصلاة ويقتل الكلب الأسود البهيم إن كان لصاحب ماشية فلا بأس بقتله.
موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان أبو مزاحم وكان أبوه وزيرا للمتوكل على الله
ذكره أبو بكر الخلال فقال: أخبرني أنه سأل أحمد بن حنبل عن المعروف بأبي ثور فقال: ما بلغني عنه إلا خير إلا أنه لا يعجبني الكلام الذي صيروه في كتبهم قال: أبو بكر الخلال قال: أحمد هذا القول قبل أن يبلغه عنه ما بلغه ثم ذمه.
ومات في ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
موسى بن عيسى الموصلي نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: قال أحمد في مشرك قذف مسلما يضرب.
موسى بن عيسى الجصاص البغدادي:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: ورع متخل زاهد سمع يحيى القطان وابن مهدي ونحوهما وكان لا يحدث إلا بمسائل أبي عبد الله وشيء سمعه من أبي سليمان الداراني في الزهد والورع وكانت عنده مسائل كثيرة عن أبي عبد الله فحدثني بشيء صالح منها الحسن بن أحمد الوراق وقال إن الباقي ضاع مني فمضيت إلى الحربية إلى منزل ابنته قلنا لعلنا نجد الأصول وحرصنا على ذلك فلم نقدر منها على شيء.
وقد حدث عنه بشيء من المسائل أبو بكر المطوعي وأبو بكر بن حماد وهو رجل رفيع القدر جداً.
قال موسى بن عيسى قلت: لأحمد هل يقرأ الجنب شيئاً من القرآن قال: لا والتسبيح رخصة فيه وأما أن يتعمد الآية أو السورة فلا يعجبني.
وقال سألت أحمد هل يخلل لحيته إذا توضأ قال: إي والله.
موسى بن هارون الحمال أبو عمران جار إمامنا أحمد حدث عن إمامنا بأشياء:(1/303)
منها قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الوليد بن أبي هشام عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وهو قاعد فإذا أراد أن يركع قام بقدر ما يقرأ الإنسان أربعين آية".
قال موسى بن هارون سمعت أبا عبد الله ذكر أن يونس بن عبيد روى عن الوليد بن أبي هشام قال: وسمعت أبا عبد الله قال: هو ثقة يعني الوليد بن أبي هشام.
وقال أبو عمران سمعت أحمد يقول لا تجالس أصحاب الكلام وإن ذبوا عن السنة ومات سنة أربع وتسعين ومائتين يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شعبان وله نيف وثمانون سنة ودفن إلى جنب قبر أحمد ذكره ابن مهدي.
ونقلت: من خط أبي إسحاق بن شاقلا أخبرنا أبو القاسم حبيب بن الحسن القزاز حدثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبد الله بن مروان البزاز حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا رباح عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض مسنداً ظهره إلي قالت فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده مسواك فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت السواك فطيبته ثم دفعته إليه فجعل يستن به فثقلت: يده وثقل علي وهو يقول اللهم في الرفيق الأعلى اللهم في الرفيق الأعلى اللهم في الرفيق الأعلى قالت: ثم قبض وهو بين سحري ونحري".
موسى بن معمر أبو عمران حدث عن إمامنا بأشياء:
منها قال: سألت أحمد بن حنبل عن مسألة فقال: من أين أنت فقلت: من خراسان فقال: كتبت عن إسحاق بن راهويه عليك بإسحاق وابن نمير.
ذكر مفاريد حرف الميم ومثانيها
ميمون بن الأصبغ نقل عن إمامنا أشياء:(1/304)
منها قال: سمعت المعتصم يوم المحنة يقول لأحمد بلغني أنك تقول إن القرآن كلام الله غير مخلوق فقال: له أصلح الله أمير المؤمنين البلاغات تزيد وتنقص فقال: له أمير المؤمنين فإيش تقول قال: أقول غير مخلوق على أي الحالات كان قال: ومن أين قلت: فقال: حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كلام الله الذي اختص به موسى مائة ألف كلمة وثلاثمائة وثلاثة عشر كلمة" فكان الكلام من الله والاستماع من موسى إلى أن قال: قال أحمد قال: الله تعالى " ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " فإن يكن القول من الله فالكلام كلام الله.
وقال ميمون بن الأصبغ لما ضرب أحمد سوطا قال: بسم الله فلما ضرب الثاني قال: الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فضربوه تسعة وعشرين سوطا وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزلت السراويل إلى عانته فرمى بطرفه نحو السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع أن بقي السراويل فلم ينزل وذكر الكلام إلى أن قال: فدخلت إلى أحمد بعد سبعة أيام من ضربه وهو يقرأ في مصحف بين يديه فقلت: يا أبا عبد الله رأيتك يوم ضربوك وقد انحل سراويلك فرفعت طرفك نحو السماء ورأيتك تحرك شفتيك فإيش قلت: قال: قلت: اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي ستراً.
منصور بن محمد بن قتيبة بن يعمر أبو نصر وراق أبي ثور روى عن إمامنا أحمد.
منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك أبو نصر القزويني ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد.
مبارك بن سليمان ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد.(1/305)
مثنى بن جامع أبو الحسن الأنباري حدث عن سعيد بن سليمان الواسطي ومحمد بن الصباح الدولابي وعمار بن نصر الخراساني وشريح بن يونس وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه أحمد بن محمد بن الهيثم الدوري ويوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول في آخرين.
قرأت كتاب أبي بكر الخلال قال: كان مثنى ورعاً جليل القدر عند بشر بن الحارث وعند عبد الوهاب الوراق يقال إنه كان مستجاب الدعوة وكان مذهبه أن يهجر ويباين أهل البدع وكان أبو عبد الله يعرف قدره وحقه ونقل عنه مسائل حساناً.
أنبأنا علي عن ابن بطة حدثنا محمد بن حميد حدثنا محمد بن الحسين بن شهريار حدثنا مثنى بن جامع قال: سألت أحمد بن حنبل عما أخذ هؤلاء من الزكاة فرأى أن أحتسب به يعني السلطان.
قال وسئل عن رجل قرأ في صلاة الفرض " ضرب الله مثلا للذين كفروا " فقال: "للذين آمنوا" وأراد أن يقرأ في الآية الأخرى " ضرب الله مثلا للذين آمنوا " فقرأ "للذين كفروا" فلم ير عليه إعادة قلت: فإن قرأ آية رحمة أو آية عذاب فهل يعيد فلم ير عليه إعادة إذا لم يتعمد.
وسئل عن الرجل يكون له الجاه عند السلطان فسد له الماء فاستقى منه إذا لم يكن ترك له يرد على من قد سد عنه أو نحوا مما قلت: له فأجاز لي ذلك إذا أخذت بقدر حاجتي.
وسئل عن الرجل يكون وصيا للرجل فيكون له في يديه الطعام أو الشيء يريد بيعه أو نحوا مما قيل له فلم ير ذلك.
وسألته عن الرجل يموت وعليه من شهر رمضان مما قد فرط فيه فرأى أن يطعم منه وفي النذر أن يصام عنه.
وسمعته يذكر عن وهب بن منبه ترك المكافآت من التطفيف.
قرأت في بعض كتب أبي بكر الخلال سمعت علي بن بشار يقول حدثني من سمع مثنى الأنباري يقول لا تكونوا بالمضمون مهمومين فتكونوا للضامن متهمين ولقسمته غير راضين.(1/306)
وقال مثنى سألت أبا عبد الله أيهم أفضل رجل أكل فشبع وأكثر الصلاة والصيام أو رجل أقل الأكل فقلت: نوافله فكان أكثره نكرة فذكر ما جاء في الفكرة "تفكر ساعة خير من قيام ليلة" أو كما قال: فرأيت هذا عنده أكثر يعني الفكرة.
مسلم بن الحجاج بن مسلم أبو الحسين القشيري النيسابوري أحد الأئمة من حفاظ الأثر وهو صاحب المسند الصحيح.
رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر سمع يحيى بن يحيى النيسابوري وقتيبة بن سعيد و إسحاق بن راهويه وعلي بن الجعد وإمامنا أحمد وعبيد الله القواريري وخلف بن هشام وشريح بن يونس وقدم بغداد غير مرة وحدث بها فروى عنه من أهلها يحيى بن صاعد ومحمد بن مخلد وآخر قدومه بغداد كان في سنة تسع وخمسين ومائتين.
قرأت في كتاب الخطيب بإسناده عن أحمد بن سلمة قال: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.
وبإسناده قال: مسلم صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
أنبأنا رزق الله عن أبي الفتح بن أبي الفوارس حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا مكي بن عبدان حدثنا مسلم بن الحجاج قال: قيل لأحمد حديث بشير بن إسماعيل عن سيار أبي الحكم عن طارق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نزلت به فاقة" قال: إنما هو سيار أبو حمزة وليس هو سيار أبو الحكم سيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق بشيء وبالإسناد حدثنا مسلم حدثنا أحمد حدثنا عبد الرزاق عن بشر بن إسماعيل عن سيار أبي حمزة فذكر هذا الحديث بعينه.
وبالإسناد حدثنا مسلم حدثنا أحمد حدثنا حسين بن حسن الأشقر عن أبي بكر بن عياش عن عاصم قال: كان يحيى بن أبي وائل قد ولي قضاء الكناسة قال: وكان أبو وائل يقول لجاريته يا فلانة دعيني ولا تطعميني شيئاً يجيء به يحيى.(1/307)
قلت: أنا وحدثنا الحسن بن أحمد الفقيه لفظا قال: حدثنا محمد بن أبي الفوارس حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن مسلم قال: حدثنا عمر بن محمد بن عيسى الجوهري قال: حدثنا صالح بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثني حسين الأشقر حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: استعمل يحيى بن أبي وائل على قضاء الكناسة فقال: أبو وائل لجاريته يا بركة لا تطعميني شيئاً مما يجيء به يحيى من الكناسة.
أخبرنا أحمد نزيل دمشق قراءة قال: أخبرنا علي بن محمد الطرازي بنيسابور أخبرنا أحمد بن علي بن حسنويه المقرئ حدثنا مسلم بن الحجاج حدثنا محمد بن عباد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن فقال: يسراً وبشراً وعلماً ولا تنفرا وأراه قال: تطاوعا فلما ولي أبو موسى قال: يا رسول الله إن لهم شراباً من العسل يطبخ حتى يعقد والمز من الشعير فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر عن الصلاة فهو حرام فلما قدما اليمن نزلا بيتا فتناظر قيام الليل فقال: أبو موسى أنا أقوم أول الليل وأنام آخره فقال: معاذ وأنا أنام أول الليل وأقوم آخره فأحتسب نومي كما أحتسب قيامي قال: وجاء معاذ وعند أبي موسى رجل فقالوا هذا كان كافرا فأسلم ثم ارتد فقال: معاذ لا أنزل أو لا أجلس حتى يقتل قال: فقتل".
مات مسلم عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين.
معاذ بن المثنى بن معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان أبو المثنى العنبري البصري من جملة الأصحاب سكن بغداد وحدث بها عن محمد بن كثير العبدي ومسدد والقعنبي وغيرهم ونقل عن أحمد أشياء:
منها قال: قيل لأحمد الرجل يترك الوتر متعمدا قال: هذا رجل سوء يترك سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: هذا ساقط العدالة إذا ترك الوتر متعمداً.
مولده سنة ثمان ومائتين وموته سنة ثمان وثمانين ومائتين.(1/308)
محمود بن خداش أبو محمد الطالقاني روى عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن سعيد بن زكريا فقالا لي هو ثقة.
ومات سنة خمسين ومائتين.
وقال يعقوب الدورقي لما مات محمود بن خداش كنت فيمن غسله ودفناه فرأيته في المنام فقلت: يا أبا محمد ما فعل بك ربك قال: غفر لي ولجميع من تبعني قلت: فأنا قد تبعتك فأخرج رقا من كمه فيه مكتوب يعقوب بن إبراهيم بن كثير.
محمود بن خالد الخانقيني أبو أحمد قال: عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو أحمد محمود بن خالد الخانقيني قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول القرآن كلام الله وليس بمخلوق ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر.
محمود بن غيلان أبو أحمد المروزي روى عن إمامنا أشياء:
منها قال: قلت: لأبي عبد الله ما تقول فيمن أجاب في المحنة فقال: أما أنا فما أحب أن آخذ عن أحد منهم فقلت: له فإن يحيى بن يحيى قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر لا يكلم ولا يجالس ولا يناكح فقال: أحمد ثبت الله قوله.
وقال المروزي سألت أحمد عن محمود بن غيلان فقال: ثقة أعرفه بالحديث صاحب سنة قد حبس بسبب القرآن.
واختلف في موته فقيل سنة تسع وثلاثين ومائتين وقيل سنة تسع وأربعين ومائتين.
روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين.
وقال محمود بن غيلان سمع مني إسحاق بن راهويه حديثين.
سمع الفضل بن موسى السيناني وسفيان بن عيينة وغيرهم.(1/309)
أخبرنا جدي قراءة قال: أخبرنا أحمد بن دوست أخبرنا محمد بن عمرو بن البحتري حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أسامة حدثني خالد بن محدوج أبو روح قال: سمعت أنس بن مالك يقول إن داود نبي الله ظن في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه أفضل مما مدحه وأن ملكا نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جنبه فقال: يا داود افهم ما يصوت به الضفدع فأنصت داود فإذا الضفدع يمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود فقال: له الملك كيف ترى يا داود أفهمت ما قالت قال: داود نعم قال: ماذا قالت قال: قالت سبحانك وبحمدك منتهى علمك يا رب قال: داود لا والذي جعلني نبيه إني لم أمدحه بهذا.
المفضل بن غسان بن المفضل أبو عبد الرحمن الغساني البصري سكن بغداد وحدث بها عن أبيه وعبد الله بن داود الجويني وعبد الرحمن بن مهدي وإمامنا أحمد في آخرين روى عنه جماعة منهم أبو بكر بن أبي الدنيا وكان ثقة.
مسدد بن مسرهد بن مسربل البصري حدث عن أبي سعيد يحيى بن سعيد القطان وبشر بن المفضل وحماد بن زيد في آخرين روى عنه البخاري وغيره.
أخبرنا عبد السلام الأنصاري قراءة أخبرنا أبو الفتح بن أبي الفوارس أخبرنا أحمد أخبرنا محمد حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل حدثني قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".(1/310)
أنبأنا علي عن ابن بطة حدثني علي بن أحمد المقري المراغي بالمراغة حدثنا محمد بن جعفر بن محمد السونديني حدثنا علي بن محمد بن موسى الحافظ المعروف بابن المعدل حدثنا أحمد بن محمد التميمي الزرندي قال: لما أشكل على مسدد بن مسرهد بن مسربل أمر الفتنة وما وقع الناس فيه من الاختلاف في القدر والرفض والاعتزال وخلق القرآن والإرجاء كتب إلى أحمد بن حنبل اكتب إلي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ورد كتابه على أحمد بن محمد بكى وقال إنا لله وإنا إليه راجعون يزعم هذا البصري أنه قد أنفق على العلم مالا عظيما وهو لا يهتدي إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى وينهونه عن الردى يحيون بكتاب الله تعالى الموتى وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والردى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن آثارهم على الناس ينفون عن دين الله عز وجل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الضالين الذين عقدوا ألوية البدع وأطلقوا عنان الفتنة يقولون على الله وفي الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وفي كتابه بغير علم فنعوذ بالله من كل فتنة مضلة وصلى الله على محمد.
أما بعد وفقنا الله وإياكم لما فيه طاعته وجنبنا وإياكم ما فيه سخطه واستعملنا وإياكم عمل العارفين به الخائفين منه إنه المسئول ذلك.(1/311)
أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ولزوم السنة فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل ليدخل العبد الجنة بالسنة يتمسك بها" فآمركم أن لا تؤثروا على القرآن شيئاً فإنه كلام الله عز وجل وما تكلم الله به فليس بمخلوق وما أخبر به عن القرون الماضية فغير مخلوق وما في اللوح المحفوظ وما في المصاحف وتلاوة الناس وكيفما قرئ وكيفما يوصف فهو كلام الله غير مخلوق فمن قال: مخلوق فهو كافر بالله العظيم ومن لم يكفره فهو كافر ثم من بعد كتاب الله سنة النبي صلى الله عليه وسلم والحديث عنه وعن المهديين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتصديق بما جاءت به الرسل واتباع سنة النجاة وهي التي نقلها أهل العلم كابرا عن كابر واحذروا رأي جهم فإنه صاحب رأي وكلام وخصومات فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أن الجهمية افترقت ثلاث فرق فقالت طائفة منهم القرآن كلام الله مخلوق وقالت طائفة القرآن كلام الله وسكتت وهي الواقفة الملعونة وقال بعضهم ألفاظنا بالقرآن مخلوقة فكل هؤلاء جهمية كفار يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وأجمع من أدركنا من أهل العلم أن من هذه مقالته إن لم يتب لم يناكح ولا يجوز قضاؤه ولا تؤكل ذبيحته.(1/312)
والإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وأما المعتزلة الملعونة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم يكفرون بالذنب ومن كان منهم كذلك فقد زعم أن آدم كان كافرا وأن إخوة يوسف حين كذبوا أباهم يعقوب كانوا كفارا وأجمعت المعتزلة أن من سرق حبة فهو كافر تبين منه امرأته ويستأنف الحج إن كان يحج فهؤلاء الذين يقولون بهذه المقالة كفار لا يناكحون ولا تقبل شهادتهم وأما الرافضة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا إن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر الصديق وأن إسلام علي كان أقدم من إسلام أبي بكر فمن زعم أن علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر فقد رد الكتاب والسنة لقول الله عز وجل " محمد رسول الله والذين معه " فقدم الله أبا بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن الله قد اتخذ صاحبكم خليلاً ولا نبي بعدي" فمن زعم أن إسلام علي أقدم من إسلام أبي بكر فقد كذب لأن أول من أسلم عبد الله بن عثمان عتيق ابن أبي قحافة وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة وعلي ابن سبع سنين لم تجر عليه الأحكام والفرائض والحدود ونؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره وأن الله خلق الجنة قبل الخلق وخلق لها أهلا ونعيمها دائم ومن زعم أنه يبد من الجنة شيء فهو كافر وخلق النار قبل خلق الخلق وخلق لها أهلا وعذابها دائم وأن أهل الجنة يرون ربهم لا محالة وأن الله يخرج أقواما من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وأن الله كلم موسى تكليما واتخذ إبراهيم خليلا الصراط حق والميزان حق والأنبياء حق وعيسى بن مريم رسول الله وكلمته والإيمان بالحوض والشفاعة(1/313)
والإيمان بمنكر ونكير وعذاب القبر والإيمان بملك الموت يقبض الأرواح ثم ترد في الأجساد في القبور فيسألون عن الإيمان والتوحيد والإيمان بالنفخ في الصور والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل وأن القبر الذي بالمدينة قبر محمد صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر وعمر وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن والدجال خارج في هذه الأمة لا محالة وينزل عيسى بن مريم فيقتله بباب لد وما أنكرت العلماء من الشبهة فهو منكر واحذروا البدع كلها ولا عين نظرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولا بعد أبي بكر عين نظرت خيراً من عمر ولا بعد عمر عين نظرت خيراً من عثمان ولا بعد عثمان بن عفان عين نظرت خيراً من علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين قال: أحمد هم والله الخلفاء الراشدون المهديون وأن نشهد للعشرة بالجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري وأبو عبيدة بن الجراح ومن شهد النبي صلى الله عليه وسلم له بالجنة شهدنا له بالجنة ورفع اليدين في الصلاة زيادة في الحسنات والجهر بآمين عند قول الإمام " ولا الضالين " والصلاة على من مات من أهل هذه القبلة وحسابهم على الله عز وجل والخروج مع كل إمام في غزوة وحجة والصلاة خلفهم صلاة الجمعة والعيدين والكف عن مساوئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثوا بفضائلهم وأمسكوا عما شجر بينهم ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك ولا ترافقه في سفرك ولا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل والمتعة حرام إلى يوم القيامة ومن طلق ثلاثاً في لفظ واحد فقد جهل وحرمت عليه زوجته ولا تحل له أبداً حتى تنكح زوجا غيره والتكبير على الجنائز أربع فإن كبر خمسا فكبر معه قال: ابن مسعود كبر ما كبر إمامك قال: أحمد خالفني الشافعي وقال إن زاد على أربع تكبيرات أعاد الصلاة واحتج علي بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر عليه أربع تكبيرات(1/314)
والمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوماً وليلة وإذا دخلت المسجد فلا تجلس حتى تركع ركعتين تحية المسجد والوتر ركعة والإقامة فرادى.
أحبوا أهل السنة على ما كان منهم أماتنا الله وإياكم على السنة والجماعة ورزقنا الله وإياكم اتباع العلم ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.
بكر الخلال فقال: كان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة كلها غرائب وهو رجل معروف مشهور.
مهنا بن يحيى الشامي السلمي أبو عبد الله حدث عن بقية بن الوليد وسمرة بن ربيعة ومكي بن إبراهيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وإمامنا أحمد وبشر في آخرين روى عنه حمدان الوراق و إبراهيم النيسابوري وعبد الله بن إمامنا أحمد وسهل التستري في آخرين.
قرأت في كتاب أبي بكر الخلال وقد ذكر مهنا فقال: من كبار أصحاب أبي عبد الله روى عن أبي عبد الله من المسائل ما فخر به وكان أبو عبد الله يكرمه ويعرف له حق الصحبة ورحل معه إلى عبد الرزاق وصحبه إلى أن مات ومسائله أكثر من أن تحد من كثرتها وكتب عنه عبد الله بن أحمد مسائل كثيرة بضعة عشر جزءاً مسائل جياداً عن أبيه لم تكن عند عبد الله عن أبيه ولا عند غيره وكان عبد الله يرفع قدره ويذكره كثيراً وحدث عنه بأشياء كثيرة عن أبيه وغيره.
وأخبرني عمر بن إبراهيم أبو بكر قال: سمعت مربعاً قال: رأيت أحمد بن حنبل يكرم مهنا الشامي.
وقرئ على عبد الله بن أحمد وأنا أسمع أن أباه قال: مهنا كان معنا تلك السنة يعني عند عبد الرزاق وكنت أرى مهنا يسأل أبي حتى يضجره ويكرر عليه جداً حتى ربما قام وضجر وكنت أشبهه بابن جريج حين كان يسأل عطاء.
قال عبد الله قال: مهنا لزمت أبا عبد الله ثلاثاً وأربعين سنة واتفقنا عند عبد الرزاق ورأيته بمكة عند سفيان بن عيينة سنة ثمان وتسعين.(1/315)
قال عبد الله سمعت مهنا يقول صحبت أبا عبد الله فتعلمت منه العلم والأدب واكتسبت به مالا قال: قلت: كيف اكتسبت به مالاً قال: فقال: ولي أبو موسى الأنصاري على الصدقات فكتب العلماء فمضوا وأخذوا قال: وجاء إلى أبي عبد الله فعرض عليه في القول فخرج منه فلما كان بعد ذلك ضقت فجئت إلى أبى عبد الله فقلت: له اكتب لي إلى أبي موسى في الغارمين فلم يفعل وقال لو بقي الإنسان على كذا وكذا لشيء يذكره ما كان ينبغي له أن يفعل هذا قال: فسكت عنه مدة قال: ثم عادوته الكلام فسكت عني قال: فسكت عنه مدة قال: ثم عاودته الكلام فقال: لن أفعل ولا أفعل قال: فلما قال: لا أفعل علمت أنه لا يفعل فسكت عنه مدة ثم أتيته فقلت: يا أبا عبد الله لي عليك حقوق حق الجوار وحق الصحبة وجعلت أذكر له حقوقي عليه وقد قلت: لا أفعل فأكتب عن لسانك كتابا قال: فقال: لي افعل أنت أعلم قال: فكتبت عن لسانه فلما جئت بالكتاب إلى أبي موسى أنكره وقال أحمد لا يكتب في مثل هذا فهذا خطه قال: فحدثته بالقصة فقلت: إن شئت قبلت وإن شئت وجهت إليه وسألته قال: واختبرني وكتب لي إلى البصرة بأربعة آلاف قال: وأحسب قال: كتب لي مرة أخرى قال: فاشتريت وبعت قال: عبد الله وكان ينسى قال: فاكتسبت نحوا من ثلاثين ألفاً.
أخبرني بركة الدلال أخبرنا إبراهيم بن عبد العزيز حدثنا محمد بن علي حدثنا مهنا قال: سألت أحمد عن معاوية بن أبي سفيان فقال: له صحبة فقلت: ومن أين هو قال: مكي قطن الشام.
حدثنا مهنا قال: سألت أحمد عن يزيد بن معاوية فقال: هو الذي فعل بالمدينة ما فعل قلت: وما فعل قال: نهبها قلت: فيذكر عنه الحديث قال: لا تذكر عنه الحديث ولا ينبغي لأحد أن يكتب عنه حديثا قلت: ومن كان معه بالمدينة حين فعل ما فعل قال: أهل الشام قلت: وأهل مصر قال: لا إنما كان أهل مصر في أمر عثمان.(1/316)
أنبأنا محمد بن الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة حدثنا مهنا بن يحيى حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومكم هذا في شهركم هذا إلى يوم القيامة ألا فمن تركها استخفافاً بها أو تهاوناً بها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له ألا ولا صلاة له ألا ولا يؤمن فاجر براً.
قال: الدارقطني هذا حديث غريب من حديث سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان تفرد به زيد بن أبي الزرقاء وتفرد به مهنا بن يحيى سئل الدارقطني عن مهنا بن يحيى فقال: ثقة نبيل.
قال مهنا سألت أحمد عن رجل مات وترك كتبا كثيرة من كتب الرازي وترك عليه دينا فقلت: له فأي شيء يصنع بالكتب قال: تدفن.
وسألت أحمد عن الرجل يحفظ الشيء ويكون في الكتاب شيء أيهما أحب إليك قال: الكتاب.
وسألت أحمد عن الرجل يجد في كتابه الشيء فيقول له الناس خلاف ما في كتابه قال: يقول في كتابي كذا وكذا ويقول الناس كذا.
وسألت أحمد عن هشيم فقال: ثقة إذ لم يدلس فقلت: له والتدليس عيب هو قال: نعم قلت: لأبي عبد الله سمعت عبد الرزاق يقول قال: بعض أصحابنا لسفيان الثوري يا أبا عبد الله حدثنا كما سمعت قال: والله ما إليه سبيل وما هو إلا المعاني فقال: أحمد هو ذاك.
وسألت أحمد عن الإقعاء في الصلاة قلت: ما تقول أنت فيه قال: أليس يروى عن العبادلة أنهم كانوا يفعلون ذلك قلت: ومن العبادلة قال: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص قلت: لأحمد وابن مسعود قال: ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة.
أخبرنا المبارك قراءة أخبرنا إبراهيم أخبرنا أبو عمر أخبرنا طيب أخبرنا أحمد القطان الهيتي حدثنا سهل التستري قال: قرأ علينا مهنا بن يحيى الشامي:
رسالة الصلاة:(1/317)
هذا كتاب في الصلاة وعظم خطرها وما يلزم الناس من تمامها وأحكامها يحتاج إليه أهل الإسلام لما قد شملهم من الاستخفاف بها والتضييع لها ومسابقة الإمام فيها كتبه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إلى قوم صلى معهم بعض الصلوات.
أي قوم إني صليت معكم فرأيت من أهل مسجدكم من سبق الإمام في الركوع والسجود والرفع والخفض وليس لمن سبق الإمام صلاة بذلك جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" وفي رواية "صورة كلب" وذلك لإساءته صلاته لأنه لا صلاة له ولو كانت له صلاة لرجي له الثواب ولم يخف عليه العقاب أن يحول الله رأسه رأس حمار وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الإمام يركع قبلكم ويسجد قبلكم ويرفع قبلكم" وجاء عن البراء بن عازب قال: "كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا انحط من قيامه للسجود لا يحني أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبثون خلفه قياما حتى ينحط النبي صلى الله عليه وسلم ويكبر ويضع جبهته على الأرض وهم قيام ثم يتبعونه" وجاء الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوي قائماً وإنا لسجود بعد وجاء الحديث عن ابن مسعود أنه نظر إلى من سبق الإمام فقال: لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت والذي لم يصل وحده ولم يقتد بإمامه فذلك لا صلاة له وجاء الحديث عن ابن عمر أنه نظر إلى من سبق الإمام فقال: له لا صليت وحدك ولا صليت مع الإمام ثم ضربه وأمره أن يعيد الصلاة ولو كانت صلاة عند عبد الله بن عمر ما أوجب عليه الإعادة وجاء عن حطان بن عبد الله الرقاشي أنه قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاة فلما كان عند القعدة قال: رجل من القوم أقرت بالبر(1/318)
والزكاة فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم انصرف فقال: أيكم القائل هذا الكلمات فأرم القوم ثم سألهم فأرموا فقال لعلك يا حطان قلتها قال: قلت: والله ما قلتها ولقد خفت أن تبكعني بها فقال: رجل من القوم أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير فقال: أبو موسى الأشعري أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وما تقول فيها قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا" وإذا قال: " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا "آمين" يجبكم الله. وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم وقولوا اللهم ربنا لك الحمد يسمع الله لكم وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا وإذا رفع رأسه فكبر فارفعوا رؤوسكم وكبروا قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا كان في القعدة فليكن من أول قول أحدكم التحيات لله والصلوات والطيبات حتى تفرغوا من التشهد".(1/319)
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر فكبروا" معناه أن تنتظروا الإمام حتى يكبر ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته ثم تكبرون بعده والناس يغلطون في هذه الأحاديث ويجهلونها مع ما عليه عامتهم من الاستخفاف بالصلاة والاستهانة بها فساعة يأخذ الإمام في التكبير يأخذون معه في التكبير وهذا خطأ لا ينبغي لهم أن يأخذوا في التكبير حتى يكبر الإمام ويفرغ من تكبيره وينقطع صوته وهكذا قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر الإمام فكبروا" والإمام لا يكون مكبراً حتى يقول "الله أكبر" لأن الإمام لو قال: الله ثم سكت لم يكن مكبرا حتى يقول الله أكبر فيكبر الناس بعد قوله الله أكبر وأخذهم في التكبير مع الإمام خطاء وترك لقول النبي صلى الله عليه وسلم، لأنك لو قلت: إذا صلى فلان فكلمه معناه أن تنتظره حتى إذا صلى وفرغ من صلاته كلمه وليس معناه أن تكلمه وهو يصلي فكذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كبر الإمام فكبروا" وربما طول الإمام في التكبير إذا لم يكن له فقه والذي يكبر معه ربما جزم التكبير ففرغ من التكبير قبل أن يفرغ الإمام فقد صار هذا مكبرا قبل الإمام ومن كبر قبل الإمام فليست له صلاة لأنه دخل في الصلاة قبل الإمام وكبر قبل الإمام فلا صلاة له.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كبر وركع فكبروا واركعوا" معناه أن ينتظروا الإمام حتى يكبر ويركع وينقطع صوته وهم قيام ثم يتبعونه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "فإذا رفع رأسه وقال سمع الله لمن حمده فارفعوا رؤوسكم وقولوا اللهم ربنا لك الحمد" معناه أن ينتظروا الإمام ويثبتوا ركعا حتى يرفع الإمام رأسه ويقول "سمع الله لمن حمده" وينقطع صوته وهم ركع ثم يتبعونه فيرفعون رءوسهم ويقولون "اللهم ربنا لك الحمد".(1/320)
وقوله "إذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا" معناه أن يكونوا قياما حتى يكبر وينحط للسجود ويضع جبهته على الأرض وهم قيام ثم يتبعونه وكذلك جاء عن البراء بن عازب وهذا كله موافق لقول النبي صلى الله عليه وسلم "الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا رفع رأسه وكبر فارفعوا رءوسكم وكبروا" معناه أن يثبتوا سجودا حتى يرفع رأسه فيكبر وينقطع الإمام صوته وهم سجود اتبعوه فرفعوا رؤوسهم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم "فتلك بتلك" يعني انتظاركم إياه قياماً حتى يكبر ويرفع وأنتم قيام ثم تتبعونه وانتظاركم إياه ركوعاً حتى يرفع رأسه ويقول سمع الله لمن حمده وأنتم ركوع فإذا قال: "سمع الله لمن حمده" وانقطع صوته وأنم ركوع اتبعتموه فرفعتم رءوسكم وقلتم "اللهم ربنا لك الحمد" وقوله "فتلك بتلك" في كل رفع وخفض وهذا تمام الصلاة فأعقلوه وأبصروه وأحكموه.
واعلموا أن أكثر الناس اليوم ما يكون لهم صلاة لسبقهم الإمام بالركوع والسجود والرفع والخفض وقد جاء الحديث قال: يأتي على الناس زمان يصلون ولا يصلون وقد تخوفت أن يكون هذا الزمان لو صليت في مائة مسجد ما رأيت أهل مسجد واحد يقيمون الصلاة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رحمة الله عليهم فاتقوا الله وانظروا في صلاتكم وصلاة من يصلي معكم.(1/321)
واعلموا أن لو أن رجلا أحسن الصلاة فأتمها وأحكمها ثم نظر إلى من أساء في صلاته وضيعها وسبق الإمام فيها فسكت عنه ولم يعلمه في إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها ولم ينهه عن ذلك ولم ينصحه شاركه في وزرها وعارها فالمحسن في صلاته شريك المسيء في إساءته إذا لم ينهه ولم ينصحه وجاء الحديث عن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها وإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة لتركهم ما لزمهم وما وجب عليهم من التغيير والإنكار على من ظهرت منه الخطيئة وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه" فلولا أن تعليم الجاهل واجب على العالم لازم وفريضة وليس بتطوع ما كان له الويل في السكوت عنه وفي ترك تعليمه والله تعالى لا يؤاخذ من ترك التطوع إنما يؤاخذ من ترك الفرائض فتعليم الجاهل فريضة فلذلك كان له الويل في السكوت عنه وترك تعليمه.
فاتقوا الله تعالى في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة واتقوا الله في تعليم الجاهل فإن تعليمه فريضة واجب لازم والتارك لذلك مخطئ آثم.
وأمروا أهل مسجدكم بإحكام الصلاة وإتمامها وأن لا يكون تكبيرهم إلا بعد تكبير الإمام ولا يكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم وخفضهم إلا بعد تكبير الإمام وبعد ركوعه وسجوده ورفعه وخفضه.
واعلموا أن ذلك من تمام الصلاة وذلك الواجب على الناس واللازم لهم كذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رحمة الله عليهم.(1/322)
ومن العجب أن يكون الرجل في منزله فيسمع الأذان فيقوم فزعا يتهيأ ويخرج من منزله يريد الصلاة ولا يريد غيرها ثم لعله يخرج في الليلة المطيرة المظلمة ويتخبط في الطين ويخوض الماء وتبتل ثيابه وإن كان في ليالي الصيف فليس يأمن العقارب والهوام في ظلمة الليل ولعله مع هذا أن يكون مريضا ضعيفا فلا يدع الخروج إلى المسجد فيتحمل هذا كله إيثارا للصلاة وحبا لها وقصدا إليها لم يخرجه من منزله غيرها فإذا دخل مع الإمام في الصلاة خدعه الشيطان فيسابق الإمام في الركوع والسجود والرفع والخفض خدعا من الشيطان له لما يريد من إبطال صلاته وإحباط عمله فيخرج من المسجد ولا صلاة له.
ومن العجب أنهم كلهم يستيقنون أنه ليس أحد ممن خلف الإمام ينصرف من صلاته حتى ينصرف الإمام وكلهم ينتظرون الإمام حتى يسلم وهم كلهم إلا ما شاء الله يسابقونه في الركوع والسجود والرفع والخفض خدعا من الشيطان لهم واستخفافا بالصلاة منهم واستهانة بها وذلك حظهم من الإسلام وقد جاء الحديث قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة فكل مستخف بالصلاة مستهين بها هو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصلاة.
فاعرف نفسك يا عبد الله واعلم أن حظك من الإسلام وقدر الإسلام عندك بقدر حظك من الصلاة وقدرها عندك واحذر أن تلقى الله عز وجل ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة عمود الإسلام" ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد فكذلك الصلاة من الإسلام.(1/323)
فانظروا رحمكم الله واعقلوا وأحكموا الصلاة واتقوا الله فيها وتعاونوا عليها وتناصحوا فيها بالتعليم من بعضكم لبعض والتذكير من بعضكم لبعض من الغفلة والنسيان فإن الله عز وجل قد أمركم أن تعاونوا على البر والتقوى والصلاة أفضل البر وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة وليصلين أقوام لا خلاق" لهم وجاء الحديث أن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت صلاته رد سائر عمله فصلاتنا آخر ديناً وهي أول ما نسأل عنه غداً من أعمالنا فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام فكل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه فتمسكوا رحمكم الله بآخر دينكم.
وليعلم المتهاون بصلاته المستخف بها المسابق الإمام فيها أنه لا صلاة له وأنه إذا ذهبت صلاته فقد ذهب دينه فعظموا الصلاة رحمكم الله وتمسكوا بها واتقوا الله فيها خاصة وفي أموركم عامة.
واعلموا أن الله عز وجل قد عظم خطر الصلاة في القرآن وعظم أمرها وشرفها وشرف أهلها وخصها بالذكر من بين الطاعات كلها في مواضع من القرآن كثيرة وأوصى بها خاصة.(1/324)
فمن ذلك أن الله تعالى ذكر أعمال البر التي أوجب لأهلها الخلود في الفردوس فافتتح تلك الأعمال بالصلاة وختمها بالصلاة وجعل تلك الأعمال التي جعل لأهلها الخلود في الفردوس بين ذكر الصلاة مرتين قال: الله تعالى " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون " فبدأ من صفتهم بالصلاة عند مديحه إياهم ثم وصفهم بالأعمال الطاهرة الزاكية المرضية إلى قول الله عز وجل " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " فأوجب الله عز وجل لأهل هذه الأعمال الشريفة الزاكية المرضية الخلود في الفردوس وجعل هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين ثم عاب الله عز وجل الناس كلهم وذمهم ونسبهم إلى اللؤم والهلع والجزع والمنع للخير إلا أهل الصلاة فإنه استثناهم منهم فقال: الله عز وجل " إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً " ثم استثنى المصلين منهم فقال: " إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " ثم وصفهم بالأعمال الزاكية الطاهرة المرضية الشريفة إلى قوله " والذين هم بشهاداتهم قائمون " ثم ختم بثنائه عليهم ومدحهم بأن ذكرهم بمحافظتهم على الصلاة فقال: " والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون " فأوجب لأهل هذه الأعمال الكرامة في الجنة وافتتح ذكر هذه الأعمال بالصلاة وختمه بالصلاة فجعل ذكر هذه الأعمال بين ذكر الصلاة مرتين ثم ندب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الطاعة كلها جملة وأفرد الصلاة بالذكر من بين الطاعة كلها والصلاة هي من الطاعة فقال: عز وجل " أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة " ففي تلاوة الكتاب فعل جميع الطاعات واجتناب جميع المعصية فخص الصلاة بالذكر فقال: " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " وإلى الصلاة خاصة ندبه الله عز وجل فقال: " وأمر أهلك(1/325)
بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقاً نحن نرزقك " فأمره أن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها ثم أمر الله تعالى جميع المؤمنين بالاستعانة على طاعته كلها بالصبر ثم خص الصلاة بالذكر من بين الطاعة كلها فقرنها مع الصبر بقوله " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " فكذلك أمر الله تعالى بني إسرائيل بالاستعانة بالصبر والصلاة على جميع الطاعة ثم أفرد الصلاة من بين الطاعة فقال: " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " ومثل ذلك ما أخبر الله عز وجل به من حكمه ووصيته خليله إبراهيم ولوطا و إسحاق ويعقوب فقال: " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم " إلى قوله " ونجيناه ولوطاً " إلى قوله " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة " إلى قوله " وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة " فذكر الخيرات كلها جملة وهي جميع الطاعات واجتناب جميع المعصية وأفرد الصلاة بالذكر وأوصاهم بها خاصة ومثل ذلك ما ذكر عن إسماعيل في قوله "وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً " فبدأ بالصلاة ومثل ذلك عن نجيه موسى عليه السلام في قوله " هل أتاك حديث موسى إلى قوله إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري " فأجمل الطاعة واجتناب المعصية في قوله لموسى " فاعبدني " وأفرد الصلاة وأمر بها خاصة وقال الله عز وجل " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة " والتمسك بالكتاب يأتي على جميع الطاعة واجتناب جميع المعصية ثم خص الصلاة بالذكر فقال: " وأقاموا الصلاة " وإلى تضييع الصلاة نسب الله عز وجل من أوجب له العذاب قبل المعاصي فقال: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً" فمن اتباع الشهوات ركوب جميع المعاصي فنسبهم الله عز وجل إلى جميع المعصية في تضييع الصلاة.(1/326)
فهذا ما أخبر الله تعالى به من آي القرآن من تعظيم الصلاة وتقديمها بين يدي الأعمال كلها وإفرادها بالذكر من بين جميع الطاعات والوصية بها دون أعمال البر عامة فالصلاة خطرها عظيم وأمرها جسيم.
وبالصلاة أمر الله تبارك وتعالى رسوله أول ما أوحي إليه بالنبوة قبل كل عمل وقبل كل فريضة وبالصلاة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من الدنيا فقال: الله الله في الصلاة وفيما ملكت أيمانكم في آخر وصيته إياهم وجاء الحديث أنها آخر وصية كل نبي لأمته وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يجود بنفسه ويقول الصلاة الصلاة الصلاة".
فالصلاة أول فريضة فرضت عليهم وهي آخر ما أوصى به أمته وآخر ما يذهب من الإسلام وهي أول ما يسأل عنه العبد من عمله يوم القيامة وهي عمود الإسلام وليس بعد ذهابها دين ولا إسلام فالله الله في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة فتمسكوا بها واحذروا تضييعها والاستخفاف بها ومسابقة الإمام فيها وخداع الشيطان أحدكم عنها وإخراجه إياكم منها فإنها آخر دينكم ومن ذهب آخر دينه فقد ذهب دينه كله فتمسكوا بآخر دينكم.(1/327)
وأمر يا عبد الله الإمام أن يهتم بصلاته ويعنى بها ويتمكن ليتمكنوا إذا ركع وسجد فإني صليت يومئذ فما استمكنت من ثلاث تسبيحات في الركوع ولا ثلاث في السجود وذلك لعجلته لم يمكن ولم يستمكن وعجل فأعلمه أن الإمام إذا أحسن الصلاة كان له أجر صلاته ومثل أجر من يصلي خلفه وإذا أساء كان عليه وزر إساءته ووزر من يصلي خلفه وجاء الحديث عن الحسن البصري أنه قال: التسبيح التام سبع والوسط من ذلك خمس وأدناه ثلاث تسبيحات وأدنى ما يسبح الإمام في الركوع سبحان ربي العظيم ثلاث مرات وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات وإذا سبح في الركوع والسجود ثلاثاً ثلاثاً فينبغي له أن لا يعجل بالتسبيح ولا يسرع فيه ولا يبادر وليكن بتمام من كلامه ولسانه ويمكن فإنه إذا عجل بالتسبيح وبادر به لم يدرك من خلفه التسبيح وصاروا مبادرين إذا بادر وسابقوه ففسدت صلاتهم فكان عليه مثل وزرهم جميعاً وإذا لم يبادر الإمام وتمكن وأتم صلاته وتسبيحه أدرك من خلفه ولم يبادروا فيكون الإمام قد قضى ما عليه وليس عليه إثم ولا وزر.(1/328)
وأمره إذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده أن يثبت قائما معتدلا حتى يقول ربنا ولك الحمد وهو قائم معتدل من غير عجلة في كلامه ولا مبادرة وإن زاد على ذلك فقال: ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض كان أحب إلي لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع رأسه فقال: "ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وهذا لا يكاد يطمع فيه اليوم من الناس وجاء عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رفع رأسه من الركوع يقوم حتى يقال قد نسي " وما في هذا مطمع من الناس اليوم ولكن ينبغي للإمام أن لا يبادر إذا رفع رأسه من الركوع ولا يعجل بقوله ربنا ولك الحمد وليكن ذلك بتمام من كلامه وتمكن وتأن من غير عجلة ولا مبادرة حتى يدرك الناس معه وإذا سجد ورفع رأسه من السجود فليعتدل جالسا وليثبت بين السجدتين شيئاً بقدر ما يقول "رب اغفر لي" من غير عجلة حتى يدركه الناس قبل أن يسجد الثانية ولا يبادر فساعة يرفع رأسه من السجدة الأولى يعود ساجداً فيبادر الناس لمبادرته ويقعون في المسابقة فتذهب صلاتهم ويلزم الإمام وزر ذلك وإثمه فإن الناس إذا علموا أنه يثبت ثبتوا ولم يبادروا وقد جاء الحديث "أن كل مصل راع ومسئول عن رعيته" وقد قيل إن الإمام راع لمن يصلي بهم فما أولى بالإمام النصيحة لمن يصلي خلفه وأن ينهاهم عن المسابقة في الركوع والسجود وأن لا يركعوا ويسجدوا مع الإمام بل يأمرهم بأن يكون ركوعهم وسجودهم ورفعهم وخفضهم بعده وأن يحسن أدبهم وتعليمهم إذ كان راعياً لهم وكان غداً مسئولاً عنهم وما أولى بالإمام أن يحسن صلاته ويتمها ويحكمها وتشتد عنايته بها إذ كان له مثل أجر من يصلي خلفه إذا أحسن وعليه مثل وزرهم إذا أساء.(1/329)
ومن الحق الواجب على المسلمين أن يقدموا خيارهم وأهل الدين والفضل منهم وأهل العلم بالله تعالى الذين يخافون الله عز وجل ويراقبونه وقد جاء الحديث "إذا أم بالقوم رجل وخلفه من هو أفضل منه لم يزالوا في سفال " وجاء الحديث: "اجعلوا أمر دينكم إلى فقهائكم وأئمتكم قراؤكم" وإنما معناه الفقهاء والقراء أهل الدين والفضل والعلم بالله والخوف من الله عز وجل الذين يعنون بصلاتهم وصلاة من خلفهم ويتقون ما يلزمهم من وزر أنفسهم ووزر من خلفهم إن أساءوا في صلاتهم.
ومعنى القراء ليس على الحفظ للقرآن فقد يحفظ القرآن من لا يعمل به ولا يعبأ بدينه ولا بإقامة حدود القرآن وما فرض الله عز وجل عليه فيه وقد جاء الحديث "إن أحق الناس بهذا القرآن من كان يعمل به وإن كان لا يقرأ" فالإمامة بالناس المقدم بين أيديهم في الصلاة بهم على الفضل فليس للناس أن يقدموا بين أيديهم إلا أعلمهم بالله وأخوفهم له ذلك واجب عليهم ولازم لهم فتزكو صلاتهم وإن تركوا ذلك لم يزالوا في سفال وإدبار وانتقاص من دينهم وبعد من الله ومن رضوانه ومن جنته.
فرحم الله قوما عنوا بصلاتهم وعنوا بدينهم فقدموا خيارهم واتبعوا في ذلك سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وطلبوا بذلك القربة إلى ربهم عز وجل.
وأمر يا عبد الله الإمام أن لا يكبر أول ما يقوم مقامه للصلاة حتى يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى الصف معوجا والمناكب مختلفة أمرهم أن يسووا صفوفهم وأن يحاذوا مناكبهم فإن رأى بين كل رجلين فرجة أمرهم أن يدنو بعضهم من بعض حتى تتماس مناكبهم.(1/330)
واعلم أن اعوجاج الصفوف واختلاف المناكب ينقص من الصلاة وأن الفرجة التي تكون بين كل رجلين تنقص من الصلاة فاحذروا ذلك وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رصوا الصفوف وحاذوا المناكب وسدوا الخلل لا يقوم بينكم مثل الحذف يعني أولاد الغنم الصغار من الشياطين" وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا قام مقامه للصلاة لم يكبر حتى يلتفت يميناً وشمالاً فيأمرهم بتسوية مناكبهم ويقول لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه التفت يوماً فرأى رجلا قد خرج صدره من الصف فقال: لتسون مناكبكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" فتسوية الصفوف ودنو الرجال بعضهم من بعض من تمام الصلاة وترك ذلك نقص في الصلاة وجاء الحديث عن عمر أنه كان يقوم مقام الإمام ثم لا يكبر حتى يأتيه رجل قد وكله بإقامة الصفوف فيخبره انهم قد استووا فيكبر وجاء عن عمر بن عبد العزيز مثل ذلك وروي: "أن بلالاً كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة حتى يستووا".(1/331)
قال بعض العلماء وقد يشبه أن يكون هذا من بلال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند إقامته قبل أن يدخل في الصلاة لأن الحديث عن بلال جاء أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً واحداً إذ أتى مرجعه من الشام ولم يكن للناس عهد بأذانه حينا فطلب إليه أبو بكر وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن فلما سمع أهل المدينة صوت بلال ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم بعد طول عهدهم بأذان بلال وصوته جدد ذلك في قلوبهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وشوقهم أذانه إليه حتى قال: بعضهم بعث النبي صلى الله عليه وسلم شوقاً منهم إلى رؤيته ولما هيجهم بلال عليه بأذانه وصوته فرقوا عند ذلك وبكوا واشتد بكاؤهم عليه صلى الله عليه وسلم حتى خرج العواتق من بيوتهن شوقاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعن صوت بلال وأذانه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولما قال: بلال "أشهد أن محمداً رسول الله" امتنع بلال من الأذان فلم يقدر عليه وقال بعضهم سقط مغشياً عليه حبا للنبي صلى الله عليه وسلم وشوقا إليه فرحم الله بلالا والمهاجرين والأنصار وجعلنا وإياكم من التابعين لهم بإحسان.
فاتقوا الله يا معشر المسلمين وأحكموا صلاتكم وألزموا فيها سنة نبيكم وأصحابه صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين فإن ذلك هو الواجب عليكم واللازم لكم وقد وعد الله تعالى من اتبعهم رضوانه والخلود في جنته قال: الله عز وجل " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم "، فاتباع المهاجرين والأنصار واجب على الناس إلى يوم القيامة.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان له سكتتان سكتة عند افتتاح الصلاة وسكتة إذا فرغ من القراءة" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسكت إذا فرغ من القراءة قبل أن يركع حتى يتنفس وأكثر الأئمة على خلاف ذلك.(1/332)
فأمره يا عبد الله إذا فرغ من القراءة أن يثبت قائما وأن يسكت حتى يرجع إليه نفسه قبل أن يركع ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع.
وخصلة قد غلب عليها الناس في صلاتهم إلا من شاء الله من غير علة وقد يفعلها شبابهم وأهل القوة والجلد منهم ينحط أحدهم من قيامه للسجود ويضع يديه على الأرض قبل ركبتيه وإذا نهض من سجوده أو بعدما يفرغ من التشهد يرفع ركبتيه من الأرض قبل يديه وهذا خطأ وخلاف ما جاء عن الفقهاء وإنما ينبغي له إذا انحط من قيامه للسجود أن يضع ركبتيه على الأرض ثم يديه ثم جبهته وإذا نهض رفع رأسه ثم يديه ثم ركبتيه بذلك جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأمروا بذلك وانهوا عنه من رأيتم يفعل خلاف ذلك وأمروه أن ينهض إذا نهض على صدور قدميه ولا يقدم إحدى رجليه فإن ذلك مكروه وقد جاء عن عبد الله بن عباس وغيره أن تقديم إحدى الرجلين إذا نهض يقطع الصلاة.
ويستحب للمصلي أن يكون بصره إلى موضع سجوده ولا يرفع بصره إلى السماء ولا يلتفت فاحذروا الالتفات فإنه مكروه وقد قيل يقطع الصلاة وإذا سجد يضع أصابع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وهو ساجد ويضم أصابعه ويوجهها نحو القبلة ويبدي مرفقيه وساعديه ولا يلزقهما بجنبيه جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا سجد لو مرت بهمة تحت ذراعيه لنفذت وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وضبيعة" وجاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى بين ضبعيه فأحسنوا السجود رحمنا الله وإياكم ولا تضيعوا شيئاً" فقد جاء في الحديث إن العبد يسجد على سبعة أعطاء فأي عضو منها ضيعه لم يزل ذلك العضو يلعنه.(1/333)
وينبغي له إذا ركع أن يلقم راحتيه ركبتيه ويفرق بين أصابعه ويعتمد على ضبعيه وساعديه ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا ينكسه فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان إذا ركع لو كان قدح من ماء على ظهره ما تحرك من موضعه وذلك لاستواء ظهره ومبالغته في ركوعه صلى الله عليه وسلم".
فأحسنوا صلاتكم رحمكم الله وأتموا ركوعها وسجودها وحدودها فإنه جاء الحديث "إن العبد إذا صلى فأحسن الصلاة صعدت ولها نور فإذا انتهت إلى أبواب السماء فتحت لها أبواب السماء وتشفع لصاحبها وتقول حفظك الله كما حفظتني وإذا أساء في صلاته فلم يتم ركوعها وسجودها وحدودها صعدت ولها ظلمة فتقول ضيعك الله كما ضيعتني فإذا انتهت إلى أبواب السماء غلقت أبواب السماء دونها ثم لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها".(1/334)
وينبغي للرجل إذا جلس للتشهد أن يفترش رجله اليسرى فيجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويوجه أصابعه نحو القبلة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ويوجه أصابعها نحو القبلة ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويشير بإصبعه التي تلي الإبهام ويحلق الإبهام والوسطى ويعقد الباقين فإذا صلى إلى سترة فليدن منها فإن ذلك مستحب ولا يمر أحد عليها فإن ذلك يكره جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها" ومما يتهاون به الناس في أمر صلاتهم تركهم المار بين يدي المصلي وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "درأ المار فإن أبى فادرأه فإن أبى فالطمه فإنما هو شيطان" فلو كان للمار بين يدي المصلي رخصة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلطمه وإنما ذلك لعظم المعصية من المار بين يدي المصلي والمعصية من المصلي إذا لم يدرأه وجاء الحديث قال: "لو يعلم أحدكم ما عليه في ممره بين يدي أخيه في صلاته لانتظر أربعين خريفاً" وجاء الحديث "أن أبا سعيد الخدري كان يصلي فأراد ابن أخي مروان بن الحكم أن يمر بين يديه فمنعه أبو سعيد فذهب ابن أخي مروان إلى مروان وهو يومئذ والي المدينة فشكى إليه ما صنع أبو سعيد وجاء أبو سعيد بعد ذلك فدخل فقال: له مروان ما يذكر ابن أخي أنك لطمته وكان منك إليه فقال: أبو سعيد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندرأ المار فإن أبى درأناه فإن أبى لطمناه فإنما هو شيطان وإنما لطمت شيطاناً".(1/335)
ويستحب للرجل إذا خرج لصلاة الغداة أن يصلي الركعتين في منزله ثم يخرج ويستحب له ذكر الله فيما بين الركعتين وبين صلاة الغداة ومن الجفاء الكلام بينهما إلا كلاما واجبا لازماً من تعليم الجاهل ونصيحته وأمره ونهيه فإن ذلك واجب لازم والواجب اللازم أعظم أجراً من ذكر الله تطوعا والتطوع لا يقبل حتى يؤدي الواجب اللازم وقد جاء الحديث "لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة".
ويستحب للرجل إذا أقبل إلى المسجد أن يقبل بخوف ووجل وخشوع وخضوع وأن يكون عليه السكينة والوقار فما أدرك صلى وما فاته قضى بذلك جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم "وأنه كان يأمر بإثقال الخطى يعني قرب الخطى إلى المسجد" ولا بأس إذا طمع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يسرع شيئاً مالم يكن عجلة تقبح جاء الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أنهم كانوا يعجلون شيئاً إذا تخوفوا فوات التكبيرة الأولى وطمعوا في إدراكها".(1/336)
فاعلموا رحمكم الله أن العبد إذا خرج من منزله يريد المسجد إنما يأتي الله الجبار الواحد القهار العزيز الغفار وإن كان لا يغيب عن الله حيث كان ولا يعزب عنه تبارك وتعالى مثقال حبة من خردل ولا أصغر من ذلك ولا أكبر في الأرضين السبع ولا في السماوات السبع ولا في البحار السبعة ولا في الجبال الصم الصلاب الشوامخ البواذخ وإنما يأتي بيتا من بيوت الله ويريد الله ويتوجه إلى الله تعالى وإلى بيت من البيوت التي " أذن الله أن ترفع، ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" فإذا خرج أحدكم من منزله فليحدث لنفسه تفكرا وأدبا غير ما كان عليه وغير ما كان فيه من حالات إلينا الدنيا وأشغالها وليخرج بسكينة ووقار فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وليخرج برغبة ورهبة وبخوف ووجل وخضوع وتواضع لله عز وجل فإنه كلما تواضع لله عز وجل وخشع وخضع وذل لله تعالى كان أزكى لصلاته وأحرى لقبولها وأشرف للعبد وأقرب له من الله وإذا تكبر قصمه الله ورد عمله وليس يقبل من المتكبر عملاً.(1/337)
جاء الحديث عن إبراهيم خليل الله عز وجل "أنه أحيا ليلة فلما أصبح أعجب بقيام ليلته فقال: نعم الرب رب إبراهيم ونعم العبد إبراهيم فلما كان من الغد لم يجد أحداً يأكل معه وكان يحب أن يأكل معه غيره فأخرج طعاما إلى الطريق ليمر به مار فيأكل معه فنزل ملكان من السماء فأقبلا نحوه فدعاهما إبراهيم إلى الغداء فأجاباه فقال: لهما تقدما بنا إلى هذه الروضة فإن فيها عينا وفيها ماء فنتغدى عندها فتقدموا إلى الروضة فإذا العين قد غارت وليس فيها ماء فاشتد ذلك على إبراهيم عليه السلام واستحيى مما قال: إذ رأى غير ما قال: فقالا له يا إبراهيم أدع ربك واسأله أن يعيد الماء في العين فدعا الله عز وجل فلم ير شيئاً فاشتد ذلك عليه فقال: لهما ادعوا الله أنتما فدعا أحدهما فرجع وإذا هو بالماء في العين ثم دعا الآخر فأقبلت العين فأخبراه أنهما ملكان وأن إعجابه بقيام ليلته رد دعاءه عليه ولم يستجب له".
فاحذروا رحمكم الله تعالى من الكبر فليس يقبل مع الكبر عمل وتواضعوا بصلاتكم فإذا قام أحدكم في صلاته بين يدي الله عز وجل فليعرف الله عز وجل في قلبه بكثرة نعمه عليه وإحسانه إليه فإن الله عز وجل قد أوقره نعما وأنه أوقر نفسه ذنوبا فليبالغ في الخشوع والخضوع لله عز وجل.
وقد جاء الحديث "إن الله أوحى إلى عيسى بن مريم إذا قمت بين يدي فقم مقام الحقير الذليل الذام لنفسه فإنها أولى بالذم فإذا دعوتني فادعني وأعضاؤك تنتفض" وجاء الحديث "أن الله أوحى إلى موسى نحو هذا" فما أحقك يا أخي وأولاك بالذم لنفسك إذا قمت بين يدي الله عز وجل.(1/338)
وجاء الحديث عن محمد بن سيرين أنه كان إذا قام في الصلاة ذهب دم وجهه خوفا من الله عز وجل وفرقا منه وجاء عن مسلم أنه كان إذا دخل في الصلاة لم يسمع حساً من صوت ولا غيره تشاغلا بالصلاة وخوفا من الله عز وجل وجاء عن عامر العنبري الذي كان يقال له عامر بن عبد قيس في حديث هذا بعضه أنه قال: "لأن تختلف الخناجر بين كتفي أحب إلي من أن أتفكر في شيء من أمر الدنيا وأنا في الصلاة" وجاء عن سعيد بن معاذ أنه قال: ما صليت صلاة قط فحدثت نفسي فيها بشيء من أمر الدنيا حتى أنصرف وجاء عن أبي الدرداء أنه قال: في حديث هذا بعضه "وتعفير وجهي لربي عز وجل في التراب فإنه مبلغ العبادة من الله تعالى".
فلا يتقين أحدكم التراب ولا يكرهن السجود عليه فلا بد لأحدكم منه ولا يتقي أحدكم المبالغة فإنه إنما يطلب بذلك فكاك رقبته وخلاصها من النار التي لا تقوم لها الجبال الصم الشوامخ البواذخ التي جعلت للأرض أوتادا ولا تقوم لها السموات السبع الطباق الشداد التي جعلت سقفا محفوظاً ولا تقوم لها الأرض التي جعلت للخلق دارا ولا تقوم لها البحار السبع التي لا يدرك قعرها ولا يعرف قدرها إلا الذي خلقها فكيف بأبداننا الضعيفة وعظامنا الدقيقة وجلودنا الرقيقة نستجير بالله من النار نستجير بالله من النار نستجير بالله من النار.
فإن استطاع أحدكم رحمكم الله إذا قام في صلاته أن يكون كأنه ينظر إلى الله عز وجل فإنه إن لم يكن يراه فإن الله يراه فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أوصى رجلا فقال: له في وصيته اتق الله كأنك تراه فإن لك تكن تراه فهو يراك" فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم للعبد في جميع حالاته فكيف بالعبد في صلاته إذا قام بين يدي الله عز وجل في موضع خاص ومقام خاص يريد الله ويستقبله بوجهه ليس موضعه ومقامه وحاله في صلاته كغير ذلك من حالاته.(1/339)
جاء الحديث "إن العبد إذ افتتح الصلاة استقبله الله عز وجل بوجهه فلا يصرفه عنه حتى يكون هو الذي ينصرف أو يلتفت يميناً وشمالاً. وجاء الحديث قال: "إن العبد ما دام في صلاته فله ثلاث خصال البر يتناثر عليه من عنان السماء إلى مفرق رأسه وملائكة يحفون به من لدن قدميه إلى عنان السماء ومناد ينادي لو يعلم العبد من يناجي ما انفتل".
فرحم الله من أقبل على صلاته خاشعاً خاضعاً ذليلاً لله عز وجل خائفاً داعياً راغباً وجلاً مشفقاً راجياً وجعل أكبر همه في صلاته لربه تعالى ومناجاته إياه وانتصابه قائما وقاعداً وراكعاً وساجداً وفرغ لذلك قلبه وثمرة فؤاده واجتهد في أداء فرائضه فإنه لا يدري هل يصلي صلاة بعد التي هو فيها أو يعاجل قبل ذلك فقام بين يدي ربه عز وجل محزونا مشفقا يرجو قبولها ويخاف ردها فإن قبلها سعد وإن ردها شقي.(1/340)
فما أعظم خطرك يا أخي في هذه الصلاة وفي غيرها من عملك وما أولاك بالهم والحزن والخوف والوجل فيها وفيما سواها مما افترض الله عليك إنك لا تدري هل يقبل منك صلاة قط أم لا ولا تدري هل يقبل منك حسنة قط أم لا وهل غفر لك سيئة قط أم لا ثم أنت مع هذا تضحك وتغفل وينفعك العيش وقد جاءك اليقين أنك وأرد النار ولم يأتك اليقين أنك صادر عنها فمن أحق بطول البكاء وطول الحزن منك حتى يتقبل الله منك ثم مع هذا لا تدري لعلك لا تصبح إذا أمسيت ولا تمسي إذا أصبحت فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار وإنما ذكرتك يا أخي لهذا الخطر العظيم إنك لمحقوق أن لا تفرح بأهل ولا مال ولا ولد وإن العجب كل العجب من طول غفلتك وطول سهوك ولهوك عن هذا الأمر العظيم وأنت تساق سوقاً عنيفاً في كل يوم وليلة وفي كل ساعة وطرفة عين فتوقع يا أخي أجلك ولا تغفل عن الخطر العظيم الذي قد أظلك فإنك لا بد ذائق الموت ولاقيه ولعله ينزل بساحتك في صباحك أو مسائك أشد ما تكون عليها إقبالا وكأنك قد أخرجت من ملكك كله فإما إلى الجنة وإما إلى النار انقطعت الصفات وقصرت الحكايات عن بلوغ صفتهما ومعرفة قدرهما والإحاطة بغاية خبرهما أما سمعت يا أخي قول العبد الصالح عجبت للنار كيف نام هاربها وعجبت للجنة كيف نام طالبها فو الله لئن كنت خارجاً من الطلب والهرب لقد هلكت وعظم شقاؤك وطال حزنك وبكاؤك غدا مع الأشقياء المعذبين وإن كنت تزعم أنك هارب طالب فاغد في ذلك على قدر ما أنت عليه من عظم الخطر ولا تغرنك الأماني.(1/341)
واعلموا رحمكم الله أن الإسلام في إدبار وانتقاص واضمحلال ودروس جاء في الحديث ترذلون في كل يوم وقد يسرع بخياركم وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً" كما بدأ وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والآخر شر إلى يوم القيامة" وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأصحابه "أنتم خير من أبنائكم وأبناؤكم خير من أبنائهم وأبناء أبنائكم خير من أبنائهم والآخر شر إلى يوم القيامة" وجاء عنه صلى الله عليه وسلم "يأتي زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه" وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً قال: كيف نهلك ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم قال: ثكلتك أمك أوليس اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل قال: بلى يا رسول الله قال: فما أغنى ذلك عنهم قال: لا شيء يا رسول الله".
وقد أصبح الناس في نقص عظيم شديد من دينهم عامة ومن صلاتهم خاصة فأصبح الناس في صلاتهم ثلاثة أصناف صنفان لا صلاة لهم.
أحدهما الخوارج والروافض والمشبهة وأهل البدع يحقرون الصلاة في الجماعات ولا يشهدونها مع المسلمين في مساجدهم بشهادتهم علينا بالكفر وبالخروج من الإسلام.
والصنف الثاني من أصحاب اللهو واللعب والعكوف على هذه المجالس الرديئة على الأشربة والأعمال السيئة.(1/342)
والصنف الثالث هم أهل الجماعة الذين لا يدعون حضور الصلاة عند النداء بها ومشاهدتها مع المسلمين في مساجدهم فهؤلاء خير الأصناف الثلاثة وهؤلاء مع خيرهم وفضلهم على غيرهم قد ضيعوها ورفضوها إلا ما شاء الله لمسابقتهم الإمام في الركوع والسجود والخفض والرفع أو مع فعله وإنما ينبغي لهم أن يكونوا بعد الإمام في جميع حالاتهم ولقد أخبرنا من صلى في المسجد الحرام أيام الموسم قال: رأيت خلقا كثيراً فيه يسابقون الإمام وأهل الموسم من كل أفق من خراسان وأفريقية وأرمينية وغيرها من البلاد إلا ما شاء الله وقد رأينا تصديق ذلك ترى الخراساني يقدم من خراسان حاجا يسبق الإمام إذا صلى معه وترى الشامي كذلك والإفريقي والحجازي وغيرهم كذلك قد غلبت عليهم المسابقة وأعجب من ذلك أقوام يسبقون إلى الفضل ويبكرون إلى الجمعة طلبا للفضل في التبكير ومنافسة فيه فربما صلى أحدهم الفجر بالمسجد الجامع حرصا على الفضل وطلبا له فلا يزال مصليا وراكعاً وساجداً وقائما وقاعدا وتاليا للقرآن وداعيا لله عز وجل وراغباً وراهباً وهذه حاله إلى العصر ويدعو إلى المغرب وهو مع هذا كله يسابق الإمام خدعا من الشيطان لهم واستيلاء يخدعهم عن الفريضة الواجبة عليهم اللازمة لهم فيركعون ويسجدون معه ويرفعون ويخفضون معه جهلا منهم وخدعا من الشيطان لهم فهم يتقربون بالنوافل التي ليست بواجبة عليهم ثم يضيعون الفرائض الواجبة عليهم وقد جاء الحديث لا يقبل الله نافلة حتى تؤدى الفريضة وإنما يطلب الفضل في التبكير إلى الجمعة غير المضيع للأصل لأنه قد يستغنى بالأصل عن الفضل ولا يستغنى بالفضل عن الأصل فمن ضيع الأصل فقد ضيع الفضل ومن ضيع الفضل وتمسك بالأصل وأحكمه كفي به واستغنى عن الفضل وإنما مثلك في طلب الفضل وتضييعك الأصل كمثل تاجر اتجر فجعل ينظر في الربح ويحسبه ويرح به قبل أن يرفع رأس المال فلم يزل كذلك يفرح بالربح ويغفل عن النظر في رأس المال فلما نظر إلى رأس ماله رآه(1/343)
قد ذهب وذهب الربح فلم يبق رأس مال ولا ربح.
فرحم الله رجلا رأى أخاه يسبق الإمام فيركع أو يسجد معه أو يصلي وحده فيسيء في صلاته فينصحه ويأمره وينهاه ولا يسكت عنه فإن نصيحته واجبة عليه لازمة له وسكوته عنه إثم ووزر فإن الشيطان يريد أن تسكتوا عن الكلام بما أمركم الله وأن تدعوا التعاون على البر والتقوى الذي أوصاكم الله به والنصيحة التي عليكم من بعضكم لبعض لتكونوا مأثومين مأزورين ولا تكونوا مأجورين ويضمحل الدين ويذهب وأن لا تحيوا سنة ولا تميتوا بدعة.
فأطيعوا الله فيما أمركم به من التناصح والتعاون على البر والتقوى ولا تطيعوا الشيطان فإن الشيطان لكم عدو مضل مبين بذلك أخبركم الله عز وجل فقال: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً " وقال تعالى " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ".(1/344)
واعلموا أنما جاء هذا النقص في الصلاة من المنسوبين إلى الفضل المبكرين إلى الجمعات ممن بالمشرق والمغرب من أهل الإسلام لسكوت أهل العلم والفقه والبصر عنهم وتركهم ما لزمهم من النصيحة والتعليم والأدب والأمر والنهي والإنكار والتغيير فجرى أهل الجهالة على المسابقة للإمام وجرى معهم كثير ممن ينسب إلى العلم والفقه والبصر والفضل استخفافا منهم بالصلاة والعجب كل العجب من اقتداء أهل العلم بأهل الجهالة ولمجراهم معهم في المسابقة للإمام والسجود والرفع والخفض وفعلهم معهم وتركهم ما حملوا وسمعوا من الفقهاء والعلماء وإنما الحق الواجب على العلماء أن يعلموا الجاهل وينصحوه ويأخذوا على يده فهم فيما تركوه آثمون عصاة خائنون لجريانهم معهم في ذلك وفي كثير من مساويهم من الغش والنميمة ومحقرة الفقراء والمستضعفين وغير ذلك من المعاصي مما يكثر تعداده وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه" فتعليم الجاهل واجب على العالم لازم له لأنه لا يكون الويل للعالم من تطوع تركه لأن الله لا يؤاخذ على ترك التطوع إنما يؤاخذ على ترك الفرائض وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:(1/345)
أنه قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" والمضيع لصلاته الذي يسابق الإمام فيها ويركع ويسجد معه أو لا يتم ركوعه ولا سجوده إذا صلى وحده فقد أتى منكرا لأنه سارق وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "شر الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها" فسارق الصلاة قد وجب الإنكار عليه ممن رآه والنصيحة له أرأيت لو أن سارقا سرق درهما ألم يكن ذلك منكرا يجب الإنكار عليه ممن رآه فسارق الصلاة أعظم سرقة من سارق الدرهم وجاء الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من رأى من يسيء في صلاته فلم ينهه شاركه في وزرها وعارها" وجاء في الحديث عن بلال بن سعد أنه قال: الخطيئة إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة وإنما تضر العامة لتركهم ما يجب عليهم من الإنكار والتغيير على الذي ظهرت منه الخطيئة فلو أن عبدا صلى حيث لا يراه الناس فضيع صلاته ولم يتم الركوع ولا السجود كان وزر ذلك عليه خاصة وإذا فعل ذلك حيث يراه الناس فلم ينكروه ولم يغيره كان وزر ذلك عليه وعليهم.(1/346)
فاتقوا الله عباد الله في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة وأحكموها في أنفسكم وانصحوا فيها إخوانكم فإنها آخر دينكم فتمسكوا بآخر دينكم ومما أوصاكم به ربكم من بين الطاعات التي افترضها الله عامة وتمسكوا بما عهد إليكم نبيكم صلى الله عليه وسلم خاصة من بين عهوده إليكم فيما افترض عليكم ربكم عامة وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان آخر وصيته لأمته وآخر عهده إليهم عند خرودجه من الدنيا أن اتقوا الله في الصلاة وفيما ملكت أيمانكم" وجاء الحديث "أنها آخر وصية كل نبي لأمته وآخر عهده إليهم عند خروجه من الدنيا" وهي آخر ما يذهب من الإسلام ليس بعد ذهابها إسلام ولا دين وهي أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله وهي عمود الإسلام وإذا سقط سقط العمود الفسطاط فلا ينتفع بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة إذا ذهبت فقد ذهب الإسلام.
وقد خصها الله بالذكر من بين الطاعات كلها ونسب أهلها إلى الفضل وأمر بالاستعانة بها وبالصبر على جميع الطاعات واجتناب جميع المعصية.
فأمروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها وعاتبوهم إذا تخلفوا عنها وأنكروا عليهم بأيديكم فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم واعلموا أنه لا يسعكم السكوت عنهم لأن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم أخالف إلى قوم في منازلهم لا يشهدون الصلاة في جماعة فأحرقها عليهم" فتهددهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق منازلهم فلولا أن تخلفهم عن الصلاة معصية كبيرة عظيمة لما تهددهم النبي صلى الله عليه وسلم بحرق منازلهم وجاء الحديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وجار المسجد الذي بينه وبين المسجد أربعون داراً.
فالصلاة أول فريضة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي آخر ما أوصى به أمته عند خروجه من الدنيا وهي آخر ما يذهب من الإسلام ليس بعد ذهابها إسلام ولا دين.(1/347)
جاء الحديث قال: "من سمع المؤذن فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر". وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "أنه فقد رجلاً في الصلاة فأتى منزله فصوت به فخرج الرجل فقال: ما حبسك عن الصلاة قال: علة يا أمير المؤمنين ولولا أني سمعت صوتك ما خرجت أو قال: ما استطعت أن أخرج فقال: عمر لقد تركت دعوة من هو أوجب عليك إجابة مني منادي الله إلى الصلاة" وجاء عن عمر أنه فقد أقواما في الصلاة فقال: ما بال أقوام يتخلفون عن الصلاة فيتخلف لتخلفهم آخرون ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجأ في رقابهم ثم يقول احضروا الصلاة احضروا الصلاة وجاء الحديث عن عبد الله بن أم مكتوم أنه قال: "يا رسول الله إني شيخ ضرير البصر ضعيف البدن شاسع الدار بيني وبين المسجد نخل وواد فهل لي من رخصة إن صليت في منزلي فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم أتسمع النداء قال: نعم قال: أجب" ولم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ضرير البصر ضعيف البدن شاسع الدار بينه وبين المسجد نخل وواد في التخلف عن الصلاة فلو كان لأحد عذر في التخلف لرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيخ ضعيف البدن ضرير البصر شاسع الدار بينه وبين المسجد نخل وواد.
فأنكروا على المتخلفين في الصلاة فإن ذنوبهم في تخلفهم عظيمة وأنتم شركاؤهم في عظيم تلك الذنوب إن تركتم نصيحتهم والإنكار عليهم وأنتم تقدرون على ذلك.
وجاء عن أبي الدرداء عن ابن مسعود "إن الله تبارك وتعالى سن لكل نبي سنة وسن لنبيكم فمن سنة نبيكم هذه الصلوات الخمس في جماعة وقد علمت أن لكل رجل منكم مسجدا في بيته ولو صليتم في بيوتكم لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم".
فاتقوا الله وأمروا بالصلاة في جماعة من تخلف وإن لم تفعلوا تكونوا آثمين ومن أوزارهم غير سالمين لوجوب النصيحة لإخوانكم عليكم ولوجوب إنكار المنكر عليكم بأيديكم فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم.(1/348)
وقد جاء الحديث "يجيء الرجل يوم القيامة متعلقا بجاره فيقول يا رب هذا خانني فيقول يا رب وعزتك ما خنته في أهل ولا مال فيقول صدق يا رب ولكنه رآني على معصية فلم ينهني عنها" والمتخلف عن الصلاة عظيم المعصية فاحذر تعلقه بك غداً وخصومته إياك بين يدي الجبار ولا تدع نصيحته اليوم إن شتمك وآذاك وعاداك فإن معاداته لك اليوم أهون من تعلقه بك غداً وخصومته إياك بين يدي الجبار ودحضه حجتك في ذلك المقام العظيم فاحتمل الشتمة اليوم لله وفي الله لعلك تفوز غدا مع النبيين والتابعين لهم في الدين.
فإن رأيتم اليوم من يصلي تطوعا ولا يقيم صلبه بين الركوع والسجود فقد وجب عليكم أمره ونهيه ونصيحته فإن لم تفعلوا كنتم شركاءه في الإساءة والوزر والإثم والتضييع.
واعلموا أن مما جهل الناس أن أحدهم يصلي متطوعاً ولا يتم الركوع ولا السجود ولا يقيم صلبه لأنه تطوع فيظن أن ذلك يجزيه وليس يجزيه ذلك عن التطوع لأنه من دخل في التطوع فقد صار واجبا عليه لازما له يجب عليه إتمامه وإحكامه كما أن الرجل لو أحرم بحجة تطوعاً وجب عليه قضاؤها وإن أصاب فيها صيداً وجبت عليه الكفارة وكما أن الرجل لو صام يوماً تطوعا ثم أفطر عند العصر وجب عليه قضاء هذا اليوم وكما أن الرجل لو تصدق بدرهم على فقير ثم أخذه منه وجب عليه رد ذلك الدرهم على الفقير فكل تطوع دخل فيه لزمه ووجب عليه أداؤه تاما محكما لأنه حين دخل فيه فقد أوجبه على نفسه ولو لم يدخل فيه لم يكن عليه شيء فإذا رأيتم من يصلي تطوعا أو فريضة فأمروه بتمام ذلك وإحكامه إن لا تفعلوه تكونوا آثمين عصمنا الله وإياكم.(1/349)
وقد قال: بعض أهل الجهل ليس على من سبق الإمام ساهيا شيء تأويلا منهم للحديث الذي جاء "ليس على من خلف الإمام سهو" وقد جاء الحديث بذلك ولكنهم أخطئوا معناه وتأويله إنما معناه من قام ساهيا فيما ينبغي له أن يجلس فيه أو جلس ساهيا فيما ينبغي له أن يقوم فيه أو سها فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً أو ترك بعض التكبيرات ساهيا فليس عليه سهو وليس ذلك فيمن سبق الإمام لم يجىء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن المهاجرين والأنصار بيان لمن سبق الإمام ساهيا أو غير ساه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما يخاف الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" لم يقل إلا أن يكون ساهياً ولم يأمره بسجدتي السهو وقول ابن مسعود "لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت لم يقل إلا أن تكون ساهياً ولم يأمره بسجدتي السهو" وقول ابن عمر "لا صليت وحدك ولا صليت مع الإمام لم يقل إلا أن تكون ساهياً ولم يأمره بسجدتي السهو ولكن ضربه وأمره بالإعادة" وقول سلمان الذي يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله ناصيته بيد الشيطان يخفضه ويرفعه ولم يقل إلا أن يكون ساهياً ولم يأمره بسجدتي السهو.(1/350)
وقد سها النبي صلى الله عليه وسلم وسها عمر وسها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من سها وترك القراءة في الركعتين الأوليين ثم قرأ في الأخريين ومنهم من سها فقام فيما ينبغي له أن يجلس فيه وجلس فيما ينبغي أن يقوم فيه ففي هذا كله وفيما أشبهه سجدنا السهو بذلك جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم وذلك هو السنة فأما سبق الإمام فإنما جاء عنهم أنه لا صلاة له على ما فسرت لك من قولهم من سبق الإمام فلا صلاة له ساهيا كان أو غير ساه وليس للسهو ههنا موضع يعذر فيه صاحبه وكيف يجوز السهو ههنا وهو إذا رأى الإمام قد هوى من قيامه بادره فسجد قبله أو ينظر إلى الإمام ساجدا بعد وهو قد رفع رأسه أو ينظر إليه يريد أن يسجد فيبادر السجود قبله أو ساعة يفرغ الإمام من القراءة يبادر فيركع قبله من قبل أن يكبر الإمام فيركع وإنما ينبغي في هذا كله أن ينتظر حتى يركع أو يسجد أو يرفع أو يخفض وينقطع تكبيره في ذلك كله ثم يتبعه بعد فعل الإمام وبعد انقطاع تكبيره ليس للسهو ههنا موضع يعذر به صاحبه ولم يعذره النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ولا أمروه بسجدتي السهو ولكن أمروه بالإعادة وخوفه النبي صلى الله عليه وسلم أن يحول الله رأسه رأس حمار وإنما ذلك لاستخفافه بالصلاة واستهانته بها وصغر خطرها في قلبه.
فليحذر جاهل أن يعذر نفسه فيما لا عذر له فيه فيحمل وزر نفسه ووزر من يفتنه بحجة مدحوضة لم يحتج بها أحد من الأبرار.(1/351)
فاعتنوا عباد الله بصلاتكم فإنها آخر دينكم وليحذر امرؤ أن يظن أنه قد صلى وهو لم يصل فإنه جاء الحديث "أن الرجل يصلي ستين سنة وماله صلاة قيل وكيف ذلك قال: يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع" وجاء الحديث عن حذيفة "أنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوعه ولا سجوده" فقال: حذيفة منذ كم تصلي هذه الصلاة قال: منذ أربعين سنة قال: حذيفة ما صليت ولو مت لمت على غير الفطرة وجاء الحديث عن عبد الله بن مسعود أنه بينما يحدث أصحابه إذ قطع حديثه فقالوا له مالك يا أبا عبد الرحمن قطعت حديثك قال: إني أرى عجبا أرى رجلين أما أحدهما فلا ينظر الله إليه وأما الآخر فلا يقبل الله صلاته قالوا من هما فقال: أما الذي لا ينظر الله إليه فذلك الذي يمشي يختال في مشيته وأما الذي لا يقبل الله صلاته فذلك الذي يصلي ولا يتم ركوعه ولا سجوده.
وجاء الحديث "أن رجلا دخل المسجد فصلى ثم جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم صليت يا فلان قال: نعم يا رسول الله قال: ما صليت قم فأعدها فأعادها ثم جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: صليت يا فلان قال: نعم يا رسول الله قال: ما صليت قم فأعدها فأعادها فلما كانت الثالثة أو الرابعة علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فصلى كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم".
فرحم الله امرءاً احتسب الأجر والثواب فبث هذا الكتاب في أقطار الأرض فإن أهل الإسلام محتاجون إليه لما قد شملهم من الاستخفاف بصلاتهم والاستهانة بها والله أعلم بالصواب.
وقال مهنا قلت: لأحمد بن حنبل ما أفضل الأعمال قال: طلب العلم قال لمن صحت نيته قلت: وأي شيء تصحيح النية قال: ينوي يتواضع فيه وينفي عنه الجهل.(1/352)
مضر بن محمد بن خالد بن الوليد بن مضر أبو محمد الأسدي سمع الإمام أحمد حنبل ويحيى بن معين وغيرهما روى عنه يحيى بن صاعد وأبو بكر بن مجاهد ومحمد بن مخلد وغيرهم وقال الدارقطني هو ثقة قال: علي بن عمر الحافظ مضر بن محمد الأسدي القاضي بغدادي ولى قضاء واسط وكان راويا القراءات حدثنا عنه جماعة من شيوخنا.
قال: أبو بكر الشافعي ومات أبو محمد الأسدي سنة سبع وسبعين ومائتين.
معروف بن الفيرزان أبو محفوظ العابد المعروف بالكرخي:
منسوب إلى كرخ بغداد وكان أحد المشهورين بالزهد والعزوف عن الدنيا يغشاه الصالحون ويتبرك بلقائه العارفون وكان يوسف بأنه مجاب الدعوات وحكى عنه كرامات وأسند أحاديث يسيرة عن بكر بن حبيش والربيع بن صبيح وغيرهما روى عنه خلف بن هشام البزاز وزكريا بن يحيى المروذي ويحيى بن أبي طالب في آخرين وحكى عن إمامنا أحمد حكاية وهي: ما أنبأ الوالد السعيد عن محمد بن فارس المعروف بابن الغوري قال: حدثنا أحمد بن المنادي قال: حدثنا أبو بكر عمر بن إبراهيم قال: حدثنا يحيى بن أكثم القاضي قال: سمعت معروفاً وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رأيت أحمد بن حنبل فتى عليه آثار النسك سمعته يقول كلاما جمع فيه الخير سمعته يقول من علم أنه إذا مات نسي أحسن ولم يسىء.
وروى هذا الحكاية عن معروف أيضاً أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز التميمي قال: سمعت أبي يقول قيل لأبي محفوظ معروف الكرخي هل رأيت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل قال: نعم رأيته وسمعت منه كلمتين أزعجتاني سمعته يقول من علم أنه إذا مات نسي أحسن ولم يسىء.
وذكر أبو سعيد بن الأعرابي أن أحمد بن حنبل كان يقول معروف الكرخي من الأبدال وهو مجاب الدعوة وذكر في مجلس أحمد معروف الكرخي فقال: بعض من حضره هو قصير العلم قال: أحمد أمسك عافاك الله وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف.(1/353)
وقال المعافى بن زكريا الجريري حدثت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: قلت: لأبي هل كان مع معروف شيء من العلم فقال: لي يا بني كان معه رأس العلم خشية الله تعالى.
وحكى إسماعيل بن شداد قال: قال لنا سفيان بن عيينة من أين أنتم قلنا من أهل بغداد قال: ما فعل ذلك الحبر الذي فيكم قلنا من هو قال: أبو محفوظ معروف قال: قلنا بخير قال: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم.
وقال إمامنا أحمد للمروذي إذا أخبرت عن معروف بشيء من أخبار السماء فاقبله.
ومعروف كان أستاذ سري السقطي وصحب معروف داود الطائي، وقال إبراهيم الحربي قبر معروف الترياق المجرب.
وقال عبد الله بن العباس الطيالسي قال: لي ابن أخي معروف قال: لي عمي معروف إذا كان لك إلى الله حاجة فتوسل إليه بي.
وقال عبد الوهاب الوراق ما رأيت أحداً أخوف لله عز وجل من معروف الكرخي وعن واضحة معرف كلام العبد فيما لا يغنيه خذلان من الله له.
وقال محمد بن منصور مضيت يوماً إلى معروف ثم عدت إليه من غد فرأيت في وجهه أثر شجة فهبت أن أسأله عنها وكان عنده رجل آخر أجرأ عليه مني فقال: يا أبا محفوظ كنا عندك البارحة ومعنا محمد بن منصور فلم نر في وجهك هذا الأثر فقال: له معروف خذ فيما نحن فيه وما تنتفع به فقال: له أسألك بالله فانتفض معروف وقال له ويحك وما حاجتك إلى هذا مضيت البارحة إلى البيت الحرام فصليت ثم عشاء الآخرة ثم صرت إلى زمزو فشربت منه فزلت قدمي فنطح وجهي الباب فهذا الذي تراه من ذلك.
وقال رجل لمعروف أوصني. فقال: توكل على الله، وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره، واعلم أن الشفاء من البلاء إذا نزل بك: كتمانه، وأن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، ولا يعطونك ولا يمنعونك.(1/354)
وقال معروف: إذا كان يوم القيامة أنبت الله عز وجل لأقوام من المؤمنين أجنحة في قبورهم فإذا نفخ في الصور طاروا من قبورهم فصاروا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون لهم من أنتم فيقولون نحن المؤمنون نحن من أمة محمد نحن من أمة القرآن فيقولون لهم هل رأيتم الصراط فيقولون لا فيقولون هل رأيتم الجمع فيقولون لا فيقولون هل رأيتم الجليل عز وجل فيقولون قد رأينا نوره.
فيقولون لهم ما كانت أعمالكم في الدنيا قالوا عبدناه ولم نرد غيره ولم يعطنا من الدنيا شيئاً نحاسب عليه فيدخلون الجنة قبل الناس بسبعين عاماً.
وكان من دعاء معروف إلهي لا الذي أطاعك استغنى عنك ولا عن فضلك ولا الذي عصاك غلبك ولا استبدل بشيء دونك سيدي كيف لي بالنجاة ولا توجد إلا لديك وكيف لي بالحياة ولا توجد إلا عندك بك عرفتك لا إله إلا أنت جل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك اللهم إني أعوذ بك من طول أمل يمنع خير العمل.
وقال خلف بن هشام البزاز سمعت معروفا يقول كان يقال هذا الدعاء للفقراء وقال خلف للدين شك خلف يقول العبد في السحر خمسا وعشرين مرة لا إله إلا الله الله أكبر كبيراً سبحان الله والحمد لله كثيراً اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد سواك.
قال وسمعت معروفاً يقول "جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: له النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل علمني دعاء أدعو به فقال: جبريل لأعلمنك دعاء لم أعلمه أحداً قبلك قل اللهم استرني بالعافية في الدنيا والآخرة قال: فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فقالوا يا رسول الله أفلا نقول أللهم أسترنا قال: فقال: النبي صلى الله عليه وسلم ذاك أفضل".
وقال معروف إني لأجد ألم الندم بعد الموت الساعة.
وقال معروف إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد بعبد شرا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل.(1/355)
وقال معروف من أدام النظر في المصحف متعه الله ببصره وخفف عن والديه العذاب ولو كانا كافرين.
وقال خليل الصياد هرب ابني فمكث ثلاثة أيام أو أكثر فجعلت أمه تبكي عليه وتقول اخرج خلفه فقلت: ليس يدري أين هو أين أخرج خلفه فجئت إلى معروف فقلت: ابني قد فقدته وأمه تبكي عليه تقول اخرج في طلبه وليس أدري أين هو قال: فجعل يقول اللهم لك ما في السماء وما في الأرض وما بينهما لا يزيد على هذا فانصرفت من عنده فلما بلغت باب البصرة إذا أنا بابني قائم قال: فقلت: محمد فقال: أبتي أين أنا قال: قلت: ببغداد بباب البصرة فقال: الساعة كنت بالأنبار.
وقال معروف من سر أخاه المؤمن خلق الله من ذلك السرور يوم القيامة خلقا فيأخذ بيده حتى يدخله الجنة.
وقال معروف من قال: حين يستيقظ من النوم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: الله عز وجل لجبريل أقض حاجة عبدي وجبريل هو الموكل بحوائج بني آدم.
وقال أبو ثابت قعدت مرة خلف معروف في مسجد الجامع فلم يزل يقول واغوثاه يا الله فأظنه قالها عشرة آلاف مرة.
قال وكان يقول أوجب الدعاء الاستغاثة يقول الله عز وجل " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " وقال عيسى أخو معروف دخل رجل على معروف في مرضه الذي مات فيه فقال: يا أبا محفوظ أخبرني عن صومك قال: كان عيسى صلى الله عليه وسلم يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: كان داود يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم كذا قال: أخبرني عن صومك قال: أما أنا فكنت أصبح دهري كله صائما فإن دعيت إلى طعام أكلت ولم أقل إني صائم.
وقال معروف من قال: الحمد لله رب العالمين خمس مرات نظر إليه الله ومن قال: الحمد لله كثيراً ضحك الله إليه وإذا قال: العبد الحمد لله أبداً قال: الله عز وجل اكتبوها أبداً.(1/356)
وقال معروف ودع رجل البيت فقال: اللهم لك الحمد عدد عفوك عن خلقك ثم حج من قابل فقالها فسمع صوتاً ما أحصيناها منذ قلتها عام أول.
وقال معروف قال: بكر بن حبيش من قال: اللهم لك الحمد أضعاف ما سبحك جميع خلقك فقد سبح الله تسبيح أهل السماوات والأرض.
وقال معروف ثلاث تعدادهن شكر وتركهن كفر الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئاً والحمد لله الذي علمني ولم أعلم شيئاً والحمد لله الذي رزقني ولم أملك شيئاً.
وقال أسود بن سالم حدثنا معروف قال: بلغني أنه من لعن إماما حرم عدله.
وقال معروف من صلى ست ركعات بعد المغرب غفر له ذنوب أربعين سنة.
وقال معروف من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله قضى الله دينه ومن قرأها خمس مرات إذا دخل بيته أغناه الله.
وقال أسود بن سالم حدثني معروف قال: حدثني أخي الخضر قلت: له رأيته قال: فقال: لي قد أخبرني أنه أتاك.
وقال أسود بن سالم قلت: لمعروف طلبت العلم قال: فقال: لي معروف كيف يخاف الله من لم يعلم كيف يخاف الله من لم يعلم.
وقال معروف من اشترى وباع لو برأس المال بورك فيه كما يبارك في الزرع بماء المطر.
وقال عبد الوهاب الوراق قال: لنا معروف مرة أعظكم بوقف عبد بين يدي الله عز وجل يوم القيامة فيقول له عبدي كيف تركت عيالك قال: أغنياء قال: أما إني قد أفقرتهم بعدك انطلقوا به إلى النار ثم قال: أعظكم يوقف عبد بين يدي الله عز وجل فيقول له كيف تركت عيالك قال: فقراء قال: أما إني قد أغنيتهم بعدك انطلقوا به إلى الجنة.
وقال بعض السادات رأيت فيما يرى النائم معروفا فقلت: يا أبا محفوظ إيش حالك قال: صرت إلى كل خير ولكن خرجت من الدنيا بحسرة خرجت منها وأنا أعزب.
وقال معروف من الإيمان كتمان المصائب.
وقال صدقة المقابري رأيت معروفا في النوم وكأن أهل القبور جلوس وهو يختلف بينهم بالريحان فقلت: يا أبا محفوظ أليس قدمت فقال:
موت التقي حياة لا نفاد لها
قد مات قوم وهم في الناس أحياء(1/357)
أنبأنا الوالد السعيد قدس الله روحه قال: أخبرنا على العكبري قال: قرأت على الحسن بن شهاب قال: أخبرنا يحيى الخصيب إجازة حدثنا أبو بكر العسكري أخبرنا الحسن بن خليل بن أحمد المصري حدثنا محمد بن علي البصري الصفار عن بعض الصالحين من أهل عبادان وحلفني أن لا أخبر باسمه أنه قدم إلى بغداد سنة أربعين وثلاثمائة شوقا منه إلى زيارة قبر أحمد بن حنبل وقبر معروف وأنه زار قبر معروف في يوم السبت قال: ففرحت فرحا شديدا لما رأيت من كثرة الناس وجمعهم وإظهار السنة فلما قضيت زيارتي ومضيت من وقتي إلى قبر أحمد لم أصادف عند قبره إلا الواحد بعد الواحد فاغتممت عند ذلك غماً شديداً ثم إني رأيت إنساناً وكأن قلبي أنس إليه دون الجماعة ممن حضر فأطلعته على ما في نفسي من جهة قبر معروف وقبر أحمد بن محمد بن حنبل فقال: إن زيارة هذا القبر يوم الاثنين قال: فرجعت إليه يوم الاثنين فلم أر عند قبره عشر الذي رأيته عند قبر معروف ولقيت ذلك الرجل بعينه فعاودته بسبب الزيارة فقال: إن قبر أحمد بعيد وليس ينشط إليه كل إنسان فكأن قلبي سكن إلى ذلك من كلامه ورجعت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة إلى عبادان فبينما أنا ذات ليلة قائم في وردي لأقضيه إذ حملتني عيناي فنمت وأنا جالس فرأيت رجلاً جميلاً عليه ثياب بيض وحوله جماعة من الشيوخ يعظمونه فقلت: من هذا فقالوا هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل فدنوت منه فسلمت عليه وأردت أن أسأله عن زيارة قبره وقبر معروف فقال: لي يا فلان كأني بك تريد أن تسألني عن زيارة قبري وقبر معروف فقلت: قد كان ذلك يا أبا عبد الله فقال: لي إن أخي معروفا رحمه الله كان أشد الناس بغضاً لليهود عليهم لعنة الله وكان قد ألزم نفسه أن يصلي في كل يوم سبت مائة ركعة يقرأ في كل ركعة عشر مرات " قل هو الله أحد " إلى أن يعلم أن اليهود قد انصرفوا من كنائسهم غيرة لله عز وجل وتعظيما وتنزيها قال: فلذلك نشر الله له هذا العلم الذي رأيت كل سبت ثم(1/358)
قال: يا فلان تعرفه فقلت: لا والله.
قال فالتفت عن يميني فإذا برجل أنضر الناس عليه ثياب بياض فقال: هذا معروف فسلم عليه فسلمت عليه وخلوت به فقال: يا فلان لا اكبر في عينيك لما رأيت من كثرة الزيارة عند قبري ولا يصغر أبو عبد الله في عينيك لما رأيت من قلة الناس عند قبره فإنه ما من يوم وليلة إلا ويدخل الله بركته الجنة مالا يحصى من الناس كثرة ثم سلمت مودعا فقال: لي أحمد قم يرحمك الله لا يفوتك وردك فانتبهت والحمد لله.
ومات معروف سنة مائتين وقيل سنة أربع ومائتين.
مراد بن أحمد أبو أحمد حدث عن إمامنا بأشياء:
منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول الحميدي عندنا إمام و إسحاق ابن راهويه عندنا إمام.
معاوية بن صالح أبو عبيد الله صاحب كتاب التاريخ في معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة الضعفاء والثقات يروى عن يحيى بن معين وأقرانه قال: سألت أحمد عن المقرىء فقال: ثقة صحيح السماع من ابن لهيعة.
قلت: أنا والمقرىء هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء.
قال وسئل أحمد بن محمد بن سابق فقال: قد كتبنا عنه.
حدث بن ثابت قال: حدثنا يوسف بن رباح البصري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس حدثنا أبو بشر الدولابي حدثنا أبو عبيد الله معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله قال: الهيثم بن خارجة قال: أحمد يعني أحمد بن حنبل أكتب عنه فقد كتبت عنه.
مقاتل بن صالح الأنماطي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قلت: لأحمد صليت على بارية شرب عليها المسكر قال: المسكر حرام أعد صلاتك قلت: كنت أقوم وأقعد عليها وأسجد على الأرض قال: أعد صلاتك.
المبارك بن سليمان نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سئل أحمد بن حنبل عن قوم من المشركين بيننا وبينهم كتاب أن لا يغزونا ولا نغزوهم ولا يقتلوا لنا تاجرا ولا نقتل لهم ويعطونا على ذلك الرهائن ثم إنهم نكثوا وقتلوا فما تقول في الرهائن قال: ليس عليهم شيء.
ميمون بن الأصبغ النصيبي حدث عن إمامنا بأشياء:(1/359)
منها قال: حضرت أحمد بن حنبل في دار المعتصم في يوم المحنة فضرب ستة أسواط فمن شدة الضرب انقطعت تكته وانحلت سراويله فرأيت أحمد قد لحظ السماء بطرفه وحرك شفتيه بشيء لا أدري ما هو فعاد سراويله إلى ما كان فبكى الحاجب حتى بل دمعه الأرض وكان رجلاً من أهل طوس.
مجاهد بن موسى سأل إمامنا عن أشياء:
منها ما رواه أبو بكر الخلال أخبرنا المروذي أن مجاهد بن موسى دخل على أحمد يعوده فقال: له أوصني يا أبا عبد الله فأشار أبو عبد الله إلى لسانه.
باب النون
نوح بن حبيب القوميس حدث عن إمامنا بأشياء وقال رأيت أحمد بن حنبل في مسجد الخيف سنة ثمان وتسعين وابن عيينة حي وهو يفتي فتيا واسعة.
نصر بن عمران ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
نعيم بن ناعم أبو حاتم نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما قرأته بخط عمر البرمكي بإسناده قال: أبو نعيم سألت أحمد بن حنبل قلت: النفير يجيء أيخرج الرجل من غير أن يأذن له أبواه قال: إذا صح عنده أنهم قد جاءوا يخرج فيغيث المسلمين قال: وسألت أحمد عن أسير في أيدي العدو فجاء العدو عدو لهم يقاتل معهم قال: إن خاف على نفسه أو قالوا له إن قاتلت معنا نخلي سبيلك يقاتل معهم قلت: لم يخف ولم يقولوا له نخلي سبيلك قال: في نفسي منه شيء قال: وسألت أحمد كم يتزوج العبد اثنتين قال: اثنتين قال: وسألت أحمد أيضع الرجل الكتب تحت رأسه قال: أي كتب قال: كتب الحديث قال: إذا خاف أن تسرق فلا بأس وأما أن يتخذها وسادة فلا.
نعيم بن طريف نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا رزق الله عن أبي الفتح بن أبي الفوارس قال: كتب إلينا يحيى بن رشيق حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس حدثنا أحمد بن عبد الرحمن القطان عن نعيم بن طريف عن أحمد بن حنبل في تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً" قال: هم أصحاب الحديث.
باب الواو(1/360)
وكيع بن الجراح بن مليح سمع إسماعيل بن أبي خالد وهشام بن عروة وسليمان الأعمش في آخرين روى عن عبد الله بن المبارك ويحيى بن آدم وقتيبة بن سعيد وإمامنا أحمد وقد روى وكيع عن إمامنا أحمد فيما ذكره الثقات منهم أبو محمد الخلال.
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو بكر المروذي حدثني أبو بكر الأعين سمعت إبراهيم بن شماس يقول سألنا وكيعا عن خارجة بن مصعب يحدثنا عنه قال: لست أحدث عنه نهاني أحمد بن حنبل أن أحدث عنه.
قال الدارقطني حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبو بكر الأعين حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سئل وكيع عن حديث الخارجة فقال: دعوه إن أحمد بن حنبل نهاني عنه.
وقد حدث عن وكيع يحيى بن معين وعلي بن المديني.
مولده سنة تسع وعشرين ومائة وأراد الرشيد أن يوليه القضاء فامتنع وجاء إليه رجل فقال: له إني أمت إليك بحرمة قال: وما حرمتك قال: كنت تكتب من محبرتي في مجلس الأعمش فوثب وكيع فدخل منزله فأخرج له صرة فيها دنانير وقال اعذرني فإن لا أملك غيرها.
وقيل لإمامنا أحمد إن أبا قتادة كان يتكلم في وكيع وعيسى بن يونس وابن المبارك فقال: من كذب على أهل الصدق فهو الكذاب.
وقال يحيى بن أكثم صحبت وكيعاً في السفر والحضر فكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة.
وقال يحيى بن معين والله ما رأيت أحداً يحدث لله تعالى غير وكيع بن الجراح وما رأيت أحداً قط أحفظ من ووكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه.
وقال يحيى بن معين وذكر وكيعا فقال: ثقات الناس أو أصحاب الحديث أربعة وكيع ويعلى بن عبيد والقعنبي و أحمد بن حنبل.
ومات يوم عاشوراء ودفن بفيد راجعاً من الحج سنة سبع وتسعين ومائة وقيل بل سنة ثمان وتسعين ومائة بالبطن.
وريزة بن محمد الحمصي سأل إمامنا عن أشياء:(1/361)
منها ما أنبأنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن عثمان بن بكران العطار قال: أخبرنا أبو يعلى عثمان بن الحسن بن علي بن محمد بن عروة بن ديلم الطوسي قال: حدثنا محمد بن داود بن سليمان قال: حدثنا وريزة بن محمد الحمصي قال: دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل حين أظهر التربيع بعلي رضي الله عنه فقلت: له يا أبا عبد الله إن هذا لطعن على طلحة والزبير فقال: بئسما ما قلت: وما نحن وحرب القوم وذكرها فقلت: أصلحك الله إنما ذكرناها حين ربعت بعلي وأوجبت له الخلافة وما يجب للأئمة قبله فقال: لي وما يمنعني من ذلك قال: قلت: حديث ابن عمر فقال: لي عمر خير من ابنه قد رضي عليا للخلافة على المسلمين وأدخله في الشورى وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قد سمى نفسه أمير المؤمنين فأقول أنا ليس للمؤمنين بأمير فانصرفت عنه.
باب الهاء
هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي مولى بأهلة من أهل البصرة:
مولده سنة ثلاث وثلاثين ومائة سمع الحمادين ابن زيد وابن سلمة وحدث عنه جماعة منهم إمامنا أحمد وذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد.
أنبأنا محمد عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا المروذي حدثني شجاع بن مخلد سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول ما بالمصرين رجل أكرم علي من أحمد بن حنبل ومات بالبصرة يوم الجمعة في صفر ويقال غرة شهر ربيع سنة سبع وعشرين ومائتين وهو ابن أربع وتسعين وقد قيل سنة تسع وعشرين كانت وفاته وليس بمحفوظ.(1/362)
الهيثم بن خارجة أبو أحمد خراساني الأصل سمع الليث بن سعد ويعقوب القمي والجراح بن مليح النهرواني وإسماعيل بن عياش روى عنه أمامنا أحمد ومحمد بن إسحاق الصاغاني وغيرهما وكان صاعقة يكنى الهيثم أبا يحيى وكناه الناس أبا أحمد وقال هشام بن عمار وذكر الهيثم بن خارجة فقال: كنا نسميه شعبة الصغير وقال صالح بن محمد كان أحمد بن حنبل يثني على الهيثم بن خارجة وكان يتزهد وكان سيء الخلق مع أصحاب الحديث وأصله من مروالروذ وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل كان أبي إذا رضي عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي فحدثنا عن الحكم بن موسى وهو حي وعن هيثم بن خارجة وأبي الأحوص وشجاع وهم أحياء.
قلت: أنا وقد سأل الهيثم بن خارجة إمامنا أحمد عن أشياء: منها قال: الحسن بن ثواب قال: الهيثم بن خارجة لأحمد يا أبا عبد الله أهل الثغر يقولون إذا سبى وهو بين أبويه فهو على الإسلام وإذا سبي وليس معه أبواه فمات كفن وصلي عليه ودفن فإذا كان معه أبواه لم يصل عليه فضحك أحمد ثم ذكر قول الأوزاعي إن كان من القسم الذي ذكره الله عز وجل فهو حيث هو.
وقال الهيثم بن خارجة لأحمد أنا رأيت رجلا مسكينا كانت له في غنم شاتان فجاء المصدق فأخذ إحداهما فقال: أبو عبد الله فما تصنع هذا عمل صاحبك الأوزاعي.
ومات ببغداد في المحرم سنة ثمان وعشرين ومائتين وقيل في ذي الحجة سنة سبع وعشرين ومائتين.
هشام بن منصور أبو سعيد ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عنه أحمد.
قلت: أنا من ذلك أنه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول تدري ما قال: لي يحيى بن آدم قلت: لا قال: الرجل ممن أبغضه وأكره مجيئه فاقرأ عليه كل شيء معه حتى أستريح منه ويجيء الرجل الذي أوده فأردده حتى يرجع إلي.(1/363)
هلال بن العلاء بن هلال الباهلي الرقي أبو عمر ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد. أخبرنا أحمد بن عبيد الله قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد عبد العزيز العكبري أخبرنا أبو سهل محمود بن عمر العكبري حدثنا أبو حفص عمر بن محمد العكبري الخطيب قال: حدثنا أبو عمر هلال بن العلاء بن هلال الباهلي قال: حدثني أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبد الله بن محيريز قال: الأوزاعي وكان سيد أهل الشام من الصالحين المبرزين قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فشا الزنا وظهر الربا وتمرد القضاة على ربهم واتخذوا إلههم هواهم يأخذون المال من غير حقه وحكموا بغير حكم الله رماهم الله عز وجل بالغلاء والوباء ووصل ذلك لهم بعذاب النار".
هيدام بن قتيبة يعرف بالمروذي ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن أحمد سمع سليمان بن حرب وعاصم بن عدي وأبا بلال الأشعري في آخرين روى عنه عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزار وعبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي وأبو بكر النجاد في آخرين وكان ثقة عابدا ومات سنة أربع وسبعين ومائتين.
هارون بن سفيان المستملي المعروف بمكحلة قال: أبو بكر الخلال وقد ذكره في كتابه فقال: رجل قديم مشهور ومعروف عنده عن أبي عبد الله مسائل كثيرة ومات لم يحدث بها وأخرج ابنه سفيان بخط أبيه عن أبي عبد الله مسائل صالحة وذكر أنه يخرج الباقي أيضاً.
قال هارون المستملي قال: أبو عبد الله في الرجل يدفن في بيت من داره لا بأس أن يبيعه الورثة أو يدخلوه في الدار إن شاء الله ما لم يبيحوا للمسلمين فيدفنون فيه إذا أباحوه فليس لهم أن يرجعوا فيه وأما إذا كان هكذا فلا بأس أن يبيعوه أو يدخلوه في الدار.(1/364)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا يوسف بن إسحاق بن الحجاج قال: هارون المستملي من قال: القرآن فهو مخلوق فهو والله كافر.
ومات ببغداد سنة سبع وأربعين ومائتين.
هارون بن سفيان بن بشر أبو سفيان مستملي يزيد بن هارون يعرف بالديك حدث عن يزيد بن هارون ومعاذ بن فضالة نقل عن إمامنا أحمد أشياء:
منها قال: سألت عن أحمد عن الرجل يصلي في قميص واحد قال: إذا كان صفيقا فلا بأس به.
هارون بن يعقوب الهاشمي سمع من إمامنا أشياء: منها قال: سمعت أبي سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن القراءة بالألحان قال: هو بدعة ومحدثة قلت: تكرهه يا أبا عبد الله قال: نعم إلا ما كان من طبع كما كان أبو موسى الأشعري فأما من تعلمه فألحان مكروهة.
هارون بن عبد الله بن مروان بن موسى البزاز يعرف بالحمال أبو موسى.
ذكر عبد الغني بن سعيد الحافظ في كتاب المؤتلف قال: كان بزازا فلما تزهد خمل وكان له ولد يقال له أبو عمران موسى بن هارون الحافظ حدث عن دعلج وغيره.
حدث عن هارون الحمال البخاري والبغوي وعبد الله بن أحمد وابن بدينا وأبو بكر الأثرم فقال: ولقد حدثني عن أحمد الثقة هارون بن عبد الله البزاز رحمه الله فقد كان من الإسلام بمنزل رفيع أنه قال له: أليس القرآن غير مخلوق في كل حال فقال: بلى وحكى عنه الإنكار الشديد على من قال: إن لفظه بالقرآن كذا وكذا كما قال: الشراك الضال المضل.
قلت: أنا وقرأت في كتاب أبي بكر الخلال فقال: في حقه رجل كبير السن قديم السماع وكان أبو عبد الله يكرمه ويعرف حقه وقدمه وجلالته وله أخبار كثيرة يطول شرحها وهي متفرقة في الكتب وكان عنده عن أبي عبد الله جزء كبير مسائل حسان جدا وأخبرنا المروذي أنه قال: سألت أبا عبد الله عن هارون الحمال فقلت: أكتب عنه فقال: إي والله.(1/365)
قال هارون الحمال قلت: لأبي عبد الله من له قرابة بالقرب من بغداد على خمس فراسخ وأقل وأكثر قال: يبعث إلى قرابته بزكاة ماله لا بأس أن يعطيهم ما لم يكن سفراً تقصر فيه الصلاة.
وقال أيضاً قيل لأبي عبد الله تجارة في المصيصة يجهز إليها وهو مقيم ببغداد فترى أن يعطي زكاة ماله ببغداد قال: لا أرى بأسا أن يعطيها ببغداد.
أخبرنا الخطيب قراءة أخبرنا علي بن عبد العزيز الظاهري أخبرنا عيسى بن حامد حدثنا محمد بن علي بن العباس النسائي حدثنا هارون بن عبد الله الحمال حدثنا أبي عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء".
أخبرنا المبارك قراءة أخبرنا إبراهيم حدثنا أبو عبد الله بن حامد حدثنا أبو بكر النجاد حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا هارون بن عبد الله الحمال حدثني محمد بن أبي كبشة قال: سمعت هاتفا هتف في البحر ليلا فقال: لا إله إلا الله كذب المريسي على الله ثم هتف ثانية فقال: لا إله إلا الله على ثمامة والمريسي لعنة الله وكان معنا في المركب رجل من أصحاب بشر المريسي فخر ميتاً.
أخبرنا عبد الله حدثنا أبو القاسم الأزجي حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن صبيح الصريفيني حدثنا محمد بن بدينا الموصلي قال: سمعت أبا موسى هارون عبد الله السمسار يقول مرض شاب فوصف له الترفق دواء يصب عليه من هذا المسكر فامتنع الشاب أن يشرب وكانت له معرفة فحلف عليه أبوه وقال أمه طالق ثلاثا إن لم يشربه قال: أبو موسى فجاءوني فأتيت أبا أبا عبد الله أسأله عن هذه المسألة فسألته فالتفت إلي مغضبا ثم قال: تريد مني أن أرخص له في شرب الحرام? لا يشربه.
وقال هارون الحمال القرآن كلام الله ليس بمخلوق على كل حال وعلى كل جهة ومن زعم أن أسماء الله مخلوقة فهو عندي كافر ثم قرأ " قل هو الله أحد " إلى آخر السورة.
ومات هارون الحمال سنة ثلاث وأربعين ومائتين.(1/366)
هارون بن عبد الرحمن أبو موسى العكبري نقل عن إمامنا أشياء:
منها ما أخبرنا سعود اليوسفي أخبرنا أبو محمد الخلال حدثنا علي بن العباس بن عثمان البرداني حدثنا يحيى بن محمد بن سهل الخطيب العكبري حدثنا هارون بن عبد الرحمن العكبري قال: سألت أحمد لما قدم عكبرا في خان مليح قلت: يا أبا عبد الله القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود قال: منه بدأ علمه وإليه يعود حكمه.
هارون بن عيسى أبو حامد الخياط ذكره ابن ثابت فقال: سمع أحمد بن حنبل روى عنه ابن مخلد قال: وأخبرني محمد بن طلحة الكتاني حدثنا محمد بن العباس الحراز أخبرنا محمد بن مخلد حدثنا هارون بن عيسى أبو حامد الخياط قال: سئل أحمد وأنا شاهد عن رجل حلف بالطلاق ثلاثاً أن لا يتزوج ما دامت أمه في الأحياء قال: إن كان قد تزوج آمره أن يطلق وإن كان لم يتزوج لم آمره أن يتزوج ما دامت أمه في الأحياء وسأله ما تقول في المسكر قال: لا آمرة أن يشرب مسكرا قال: ابن مخلد قال: لي هارون بن عيسى الذي سأل أبا عبد الله من عمتك ومات سنة ست وتسعين ومائتين.
هارون الأنطاكي قال: كان أحمد بن حنبل ربما أخرج إلي من أحاديث السلطان قال: فيقول لي يا أبا جعفر هذه خيط رقبتي فانظر كيف يعني لا تشهرها.
باب الياء
يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي يكنى أبا زكريا مات بفم الصلح في النصف من شهر ربيع الآخر ويقال في النصف من شهر ربيع الأول سنة ثلاث ومائتين وصلى عليه الحسن بن سهل ويقال مات سنة عشر ومائتين.
حدث عنه جماعة أحدهم إمامنا أحمد وذكره الدارقطني وأبو محمد الخلال أنه ممن روى عن أحمد.
أخبرنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت من حضر بطرسوس يقول سمعت إسحاق بن راهويه يقول سمعت يحيى بن آدم يقول أحمد بن حنبل إمامنا.(1/367)
وبه قال: المروذي حدثني أبو عبد الله النيسابوري قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول كلمت يحيى بن آدم في "البيعان بالخيار مالم يتفرقا" قال: من قال: به فقال: قال: به سفيان بن عيينة وقال به ابن المبارك وقال به أحمد بن حنبل قال: إسحاق ما قلت: له أحمد بن حنبل إلا لأكسره فقاف لي قاله أحمد قلت: نعم.
يحيى بن أيوب أبو زكريا العابد المعروف بالمقابري البغدادي:
سمع شريكاً وإسماعيل بن جعفر وسعيد بن عبد الرحمن الحجمي وأبا إسماعيل المؤدب وغيرهم وذكره أبو الحسين بن المنادي فيمن نقل عن إمامنا أحمد وقد روى عنه إمامنا أحمد وابنه عبد الله ومسلم بن الحجاج وغيرهم.
مولده سنة سبع وخمسين ومائة وقال عبد الرحمن الأشهلي مررت يوماً بالمقابر فسمعت همهمة فاتبعت الأثر فإذا يحيى بن أيوب في حفرة من تلك الحفر وإذا هو يدعو ويبكي ويقول يا قرة عين المطيعين ويا قرة عين العاصين ولم لا تكون قرة عين المطيعين وأنت مننت عليهم بالطاعة ولم لا تكون قرة عين العاصين وأنت سترت عليهم الذنوب قال: ويعاود البكاء قال: فغلبني البكاء ففطن بي فقال: لي تعال لعل الله إنما بعث بك لخير.
أنبأنا الجوهري حدثنا محمد بن العباس أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب حدثنا الحسين بن قهم قال: يحيى بن أيوب يكنى أبا زكريا وكان ينزل عسكر المهدي وكان ثقة ورعاً مسلما يقول بالسنة ويعيب على من يقول قول جهم وبخلاف السنة وتوفي يوم الأحد لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة أربع وثلاثين ومائتين.(1/368)
أخبرنا الوالد السعيد قراءه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين بن أخي ميمي قراءة قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قراءة قال: حدثنا يحيى بن أيوب العابد المعروف بالمقابري أبو زكريا قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني محمد يعني ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله عز وجل في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى نصف الليل الآخر أو ثلث الليل الآخر فيقول من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له حتى الفجر وينصرف القارئ من صلاة الصبح"
يحيى بن خاقان كان ينفذه المتوكل على الله إلى إمامنا كثيراً ويسأله عن أشياء قال: المروزي قال: لي أبو عبد الله قد جاءني يحيى بن خاقان ومعه شوى فجعل يقلله أبو عبد الله قلت: له قالوا إنه ألف دينار وقال هكذا قال: فرددتها عليه فبلغ الباب ثم رجع فقال: إن جاءك أحد من أصحابك بشيء تقبله قلت: لا قال: إنما أريد أن أخبر الخليفة بهذا قلت: لأبي عبد الله أي شئ كان عليك لو أخذتها فقسمتها فكلح وجهه وقال إذا أنا قسمتها أي شئ كنت أكون له قهرماناً.
يحيى بن زكريا المروزي صاحب إسحاق بن راهوية:
قال أبو بكر الخلال عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان أخبرنا بها الحسن بن الحسين بطرسوس عنه عن أحمد وحدث عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم فقال: حدثنا يحيى بن زكريا بن عيسى قال: سألت أحمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول القرآن مخلوق فقال: كافر ولم يتعتع في الجواب.
يحيى بن سعيد نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: سألت عبد الله عن الرجل الذي لا يحسن العربية يدعو في الصلاة بالفارسية قال: لا.
يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن ميمون بن عبد الرحمن بن ميمون أبو زكريا الحماني الكوفي:(1/369)
قدم بغداد وحدث بها عن سليمان بن بلال و إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وأبي بكر بن عياش وغيرهم روى عنه حمدان بن علي الوراق و أحمد بن يحيى الحلواني وأبو بكر بن أبي الدنيا وعبد الله البغوي في آخرين حدث عنه إمامنا ذكره الخطيب في السابق واللاحق فقال: حدث يحيى الحماني عن أحمد بن حنبل وبين وفاته ووفاة البغوي تسع وثمانون سنة.
ومات يحيى بن الحماني بسر من رأى في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين ومائتين.
قال أبو حاتم الرازي سألت يحيى بن معين عن الحماني فأجمل القول فيه وقال عثمان الدارمي سمعت يحيى بن معين يقول ابن الجعابي صدوق مشهور بالكوفة مثل ابن الحماني.
يحيى بن صالح الوحاظي حدث عن إمامنا أحمد فقال: قدم علينا أحمد بن حنبل ههنا يعني حمص فكتب عن الصبيان وترك المشايخ وذلك أنه لما قدم حمص وجه إلى يحيى إن تركت الرأي أتيتك وذلك أن يحيى كان يسمع كتب أهل الرأي وكان يذهب مذهبهم فلم يأته أحمد وكنت عند يحيى يوماً فسمعته تكلم بشئ من الإرجاء فتركت الإختلاف إليه فلذلك لم أكتب عنه.
وهذا يحيى هو أبو سليمان الجوزجاني الذي إمتنع إمامنا من إتيانه.
وقال الوحاظي: كنت عند أبي سليمان فجاءه كتاب أحمد بن حنبل يذكر فيه لو تركت رواية كتب أبي حنيفة أتيناك فسمعنا كتب عبد الله بن المبارك.
عبد الرحمن وقيل يحيى بن معين بن غياث بن زياد بن عون بن بسطام أبو زكريا المري مرة غطفان: سمع عبد الله بن المبارك وهشيما وعيسى بن يونس وسفيان بن عيينة وغندراً ومعاذ بن معاذ ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ووكيعاً وأبا معاوية وإمامنا أحمد فيما ذكره أبو الحسين بن المنادى روى عنه أبو خيثمة زهير بن حرب ويعقوب وأحمد الدورقيان والبخاري وأبو داود وعبد الله بن أحمد وغيرهم وكان إمامنا عالماً حافظاً.(1/370)
أنبأنا محمد بن داود وعبد الله بن أحمد الأبنوسي عن الدارقطني حدثنا علي بن محمد بن عبيد الحافظ حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال: قيل ليحيى بن معين إن أحمد بن حنبل قال: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان لم أعنفه يعني في التفضيل فقال: يحيى خلوت بأحمد على باب عفان فقلت: ما تقول فقال: أقول أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
أنبأنا محمد بن الأبنوسي عن الدارقطني أخبرنا محمد بن مخلد قال: سمعت العباس الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل لا والله لا نقدر على أحمد ولا على طريق أحمد.
قرأت في تاريخ الخطيب أخبرنا أبو نعيم حدثنا سليمان الطبراني حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي قال: كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خثيمة زهير بن حرب وجماعة من كبار العلماء فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله فقال: رجل لا تكثروا بعض هذا القول فقال: يحيى بن معين وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستكثر لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.
وبإسناده قال: أبو حاتم الرازي إذا رأيت البغدادي يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيته يبغض يحيى بن معين فاعلم أنه كذاب.(1/371)
وبإسناده قال: يحيى بن معين كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزا نضيجا وبإسناده عن إدريس بن عبد الكريم قال: رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة ومصعب بن الزبير ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وعثمان بن أبي شيبة وعبد الأعلى بن حماد النرسي ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وعلي بن المديني وعبد الله بن عمر القواريري وأبي خيثمة زهير بن حرب وأبي معمر القطيعي ومحمد بن جعفر الوركاني و أحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازلي ومحمد بن بكار وعمرو بن يحيى الناقد ويحيى بن أيوب المقابري وشريح بن يونس وخلف بن هشام البزار وأبي الربيع الزهراني فيما لا أحصيهم من أهل العلم والفقه يعظمون أحمد بن حنبل ويوقرونه ويبجلونه ويقصدونه للسلام عليه.
أخبرنا الوالد السعيد قراءة أخبرنا علي السكري حدثنا الحسن بن علي بن عبد الجبار الصوفي الكبير حدثنا يحيى بن معين حدثنا محمد بن جعفر غندر حدثنا شعبة عن زيد بن محمد قال: سمعت نافعا يحدث عن ابن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين".
أنبأنا الوالد السعيد أخبرنا إبراهيم وجدت بخط أبي أخبرنا عبد العزيز الحربي قال: سمعت أبا الفرج الهندباني سمعت أبا بكر المروذي يقول جاء يحيى بن معين فدخل على أحمد بن حنبل وهو مريض فسلم فلم يرد عليه السلام وكان أحمد قد حلف بالعهد أن لا يكلم أحد ممن أجاب حتى يلقى الله فما زال يعتذر ويقول حديث عمار وقال الله تعالى " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان " فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر فقال: يحيى لا تقبل عذرا فخرجت بعده وهو جالس على الباب فقال: إيش قال: أحمد بعدي قلت: قال: يحتج بحديث عمار وحديث عمار مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني وأنتم قيل لكم نريد أن نضربكم فسمعت يحيى بن معين يقول مر يا أحمد غفر الله لك فما رأيت والله تحت أديم سماء أفقه في دين الله منك.(1/372)
قال يحيى ولدت في خلافة أبي جعفر سنة ثمان وخمسين في آخرها.
وكان يحيى من قرية نحو الأنبار يقال لها نقيا ويقال إن فرعون كان من أهل نقيا وكان أبوه كاتبا لعبد الله بن مالك ثم صار على خراج الري فمات فخلف لابنه يحيى ألف ألف درهم وخمسين ألف درهم فأنفقه كله على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسه.
وقال علي بن المديني انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين.
وقال أبو عمرو سمعت أحمد بن حنبل يقول السماع مع يحيى بن معين شفاء لما في الصدور.
وقد قال أحمد بن عقبة سألت يحيى بن معين كم كتبت من الحديث يا أبا زكريا قال: كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث.
وقال أحمد بن عقبة وإني أظن أن المحدثين قد كتبوا له ستمائة ألف وستمائة ألف.
وخلف يحيى بن معين من الكتب مائة قمطر وأربعة عشر قمطرا وأربعة سرائية مملوءة كتباً.
وقال يحيى أخطأ عفان في نيف وعشرين حديثا ما أعلمت بها أحدا وأعلمته فيما بيني وبينه ولقد طلب إلي خلف بن سالم فقال: قل لي أي شئ هي فما قلت: له وما رأيت على رجل قط خطأ إلا سترته وأحببت أن أزين أمره وما استقبلت رجلا في وجهه بأمر يكرهه ولكن أبين له خطأه فيما بيني وبينه.
وقال أبو داود السجستاني سمعت يحيى بن معين يقول أكلت عجينة خبز وأنا ناقه من علة.
أنبأنا عبد الصمد بن المأمون أخبرنا علي بن عمر السكري حدثنا أبو القاسم عيسى بن سليمان القرشي قال: أنشدني داود بن رشيد قال: أنشدني يحيى بن معين:
المال يذهب حله وحرامه
طراً وتبقى في غد آثامه
ليس التقي بمتق الإلهه
حتى يطيب شرابه وطعامه
ويطيب ما يحوى ويكسب كفه
ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنابه عن ربه
فعلى النبي صلاته وسلامه(1/373)
ذكر أبو نصر بن أبي بكر النيسابوري أخبرنا أبو علي بن أبي سعيد الغزال أخبرنا عبد الله بن يوسف حدثنا أبو الطيب المظفر بن سهل حدثنا أبو أيوب الطيالسي قال: سمعت يحيى بن معين يقول كان في أحمد بن حنبل ست خصال ما رأيتها في عالم قط كان محدثا وكان حافظا وكان عالما وكان ورعاً وكان زاهداً وكان عاقلاً.
وقال يحيى الأحول تلقينا يحيى بن معين عند قدومه من مكة فسألناه عن الحسين بن حيان فقال: أحدثكم أنه لما كان بآخر رمق قال: لي يا أبا زكريا أترى ما هو مكتوب على الخيمة قلت: ما أرى شيئاً قال: بلى أرى مكتوبا يحيى بن معين يقضى أو يفضل بين الظالمين ثم خرجت نفسه.
وقال عباس الدوري مات يحيى بن معين بالمدينة أيام الحج قبل أن يحج وهو يريد مكة سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين وصلى عليه والي المدينة فكلم الخزامي الوالي فأخرج له سرير النبي صلى الله عليه وسلم فحمل عليه وصلى عليه الوالي ثم صلى عليه مراراً ومات يحيى وسنه سبع وسبعون سنة إلا أياماً وقيل مات وقد إستوفى خمساً وسبعين سنة ودخل في الست وهو الصحيح ودفن بالبقيع.
وقال الخطيب أخبرني الأزهري حدثنا محمد بن الحسن الصيرفي حدثنا أبو أحمد بن المهتدي بالله حدثني الحسين بن الخصيب حدثني حبيش بن مبشر قال: رأيت يحيى بن معين في النوم فقلت: ما فعل الله بك قال: أدخلني عليه في داره وزوجني ثلاثمائة حوراء ثم قال: للملائكة انظروا إلى عبدي كيف تطرى وحسن? وروى أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن بشر قال: سمعت يحيى بن معين يقول حدثني حفار مقابرنا قال: أعجب ما رأيت في هذه المقابر أني سمعت أنينا من قبر كأنين المريض وسمعت مؤذنا يؤذن وهو يجاب من قبر كما يقول المؤذن أو كما قال: يحيى.
قال أبو بكر الخلال وأخبرني محمد بن مبشر قال: حدثني سلمة بن شبيب قال: حدثني حماد الحفار قال: دخلت المقابر يوم الجمعة فما إنتهيت إلى قبر إلا سمعت فيه قراءة القرآن.
يحيى بن محمد بن يحيى وهو الذهلي النيسابوري:(1/374)
سمع إمامنا فيما ذكر أبو سعيد أحمد بن إبراهيم بن موسى بن أبي شمس النيسابوري في كتاب الأربعين.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد الشيباني أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا محفوظ بن أبي ثوبة في آخرين قالوا حدثنا علي بن عياش قال: أبو سعد هذا وأخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله الشيباني أخبرنا محمد بن يعقوب بن يوسف حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا علي بن عياش واللفظ لمحفوظ حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلا وجبت له شفاعتي يوم القيامة" رواه البخاري عن علي بن عياش.
يحيى بن المختار بن منصور بن إسماعيل النيسابوري أبو زكريا:
ذكره أبو بكر الخلال فقال: شيخ ثقة كبير السن سمع معنا الحديث وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل كلها غرائب سمعتها منه سكن بغداد وحدث بها عن سليمان بن سلمة الحمصي والحسن بن محمد بن عمر الشامي وعيسى الرملي والقاسم بن محمد ومحمد بن مكي المروزيين روى عنه محمد بن مخلد وأبو الحسين بن المنادى وأبو بكر الشافعي وغيرهم وكان صدوقاً.
وتوفي يحيى بن المختار بن منصور بن إسماعيل أبو زكريا النيسابوري سنة ثلاث وثمانين ومائتين في صفر هكذا ذكره محمد بن مخلد في تاريخه وروايته بخطه.
وقال يحيى بن المختار سمعت أحمد يقول في غلام سبي وهو صغير فلما أدرك عرض عليه الإسلام فأبى فقال: أبو عبد الله يقهر عليه قال: كيف يقهر قال: يضرب، فحكى مهنا عن الأوزاعي قال: يغط في الماء حتى يرجع إلى الإسلام فرأيت أبا عبد الله يستعيذ منها قال: كيف قال: الأوزاعي وجعل يتبسم.
يحيى بن المختار البغدادي سمع إمامنا أحمد وبشر بن الحارث روى عنه أحمد بن مروان المالكي هكذا ذكره ابن ثابت في تاريخه.(1/375)
يحيى بن نعيم روى عن إمامنا أشياء:
منها ما أنبأنا محمد بن المهتدي بالله عن ابن شاهين قال: حدثنا شعيب بن محمد الذراع قال: حدثنا يحيى بن نعيم قال: لما أخرج أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه إلى المعتصم يوم ضرب قال: له العون الموكل به ادع على ظالمك قال: ليس بصابر من دعا على ظالم.
قلت: تأول في ذلك ما أنبأنا الوالد السعيد قال: أخبرنا محمد بن أخي ميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا محمد بن زياد بن فروة البلدي قال: حدثنا أبو الأحوص عن ميمون عن أبي منصور كذا قال: محمد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "من دعا على من ظلمه فقد انتصر".
وبه إلى البغوي قال: حدثنا مخلد بن خلاد الباهلي قال: حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد أن سلطانا ضربه فجعلت امرأته تدعو عليه فقال: لا تدعي عليه فإن الدعاء قصاص.
يحيى بن هلال الوراق صحب إمامنا وسأله عن أشياء وقال جئت إلى أحمد بن حنبل فأخرج إلي أربعة دراهم أو خمسة دراهم وقال لي هذا جميع ما أملك.
يحيى بن يزداد الوراق أبو الصقر ذكره أبو عمر بن حمدان النيسابوري حدثنا علي بن سعيد بن عبد الله العسكري حدثنا يحيى بن يزداد أبو الصقر وراق أحمد بن حنبل.
وذكره أبو بكر الخلال فقال: كان مع أبي عبد الله بالعسكر وعنده جزء مسائل حسان في الحمى والمساقاة والمزارعة والصيد واللقطة وغير ذلك.(1/376)
وأخبرني محمد بن أبي هارون أن أبا الصقر سأل أبا عبد الله عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الفتن ثم قال: "خير الناس مؤمن معتزل في شعب من الشعاب" هل على الرجل بأس أن يلحق بجبل مع أهله وولده في غنيمة له ينتقل من ماء إلى ماء يقيم صلاته ويؤدي زكاته ويعتزل الناس يعبد الله حتى يأتيه الموت وهو على ذلك هذا عندك أفضل أو يقيم بمصر من الأمصار وفي الناس ما قد علمت وفي العزلة من السلامة ما قد علمت فقال: إذا كانت الفتنة فلا بأس أن يعتزل الرجل حيث شاء وأما إذا لم تكن فتنة فالأمصار خير.
وقال أبو الصقر قال: أحمد إذا ساح رجل عينا تحت أرض فانتهى حفرة إلى أرض لرجل أو بستان أو دار فمنعه صاحب البستان أو الدار أن يحفر في داره أو في أرضه فليس له أن يمنعه من ظهر الأرض ولا بطنها إذا لم يكن عليه مضرة وفيه حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره" فهذا الجار القريب لا يمنع.
وقال أبو الصقر قال: أحمد إذا أحيى رجل أرضا ميتة وأحيى آخر إلى جنبه أرضا وبقيت بين القطعتين رقعة فجاء رجل فدخل بينهما ليحيى هذه الرقعة فليس لهما أن يمنعاه إلا أن يكونا أحيياها وإذا كانت أرض بين قريتين ليس فيها مزارع ولا عيون ولا أنهار لأهل القريتين ويزعم أهل كل قرية أنها لهم في حرمهم فإنها ليست لهؤلاء ولا لهؤلاء حتى يعلم أنهم أحيوها فمن أحياها فهي له.
نصر منصور ابن الحسن بن منصور سمع حبان بن موسى وسويد بن نصر و إسحاق بن راهويه وعلي بن حجر وإمامنا أحمد وعلي بن المديني في آخرين وذكره ابن ثابت روى عنه من أهل بلده وقدم بغداد فحدث بها فروى عنه من أهلها أبو عمرو بن السماك وعبد الصمد الطستي وإسماعيل الخطبي وأبو بكر الشافعي. وكان ثقة حافظاً صالحاً وتوفي بهراة في شعبان سنة سبع وثمانين ومائتين.
يحيى بن زكريا بن يحيى أبو زكريا الأحول حدث عن إمامنا بأشياء:(1/377)
منها قال: جئت يوماً و أحمد بن حنبل يملي فجلست أكتب فاستمددت من محبرة إنسان فنظر إلي أحمد فقال: يا يحيى استأمرته.
وسمع من الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وغيرهما روى عن محمد بن مخلد وقال مات سنة خمس وستين ومائتين.
يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان من ولد أكثم بن صيفي يكنى أبا محمد وهو مروزي سمع عبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة ووكيعا وخلقا كثيراً وحدث عن إمامنا أحمد بأشياء:
منها قال: ذاكرت أحمد بن حنبل يوماً بعض إخواننا وتغيره علينا فأنشأ أبو عبد الله يقول:
وليس خليلي بالملول ولا الذي
إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلي من يدوم وصاله
ويحفظ سري عند كل دخيل
روى عن يحيى بن أكثم محمد بن إسماعيل البخاري وأبو حاتم الرازي و إسماعيل بن إسحاق القاضي وأخوه حماد بن إسحاق وغيرهم وكان عالماً بالفقه بصيراً بالأحكام وولاه المأمون قضاء القضاة ببغداد وقال علي بن المديني خرج سفيان بن عيينة إلى أصحاب الحديث وهو ضجر فقال: أليس من الشقاء أن أكون جالست ضمرة بن سعيد وجالس أبا سعيد الخدري وجالست عمرو ابن دينار وجالس جابر بن عبد الله وجالست عبد الله بن دينار وجالس ابن عمر وجالست الزهري وجالس أنس بن مالك حتى عدد جماعة ثم أنا أجالسكم فقال: له حدث في المجلس أنتصف يا أبا محمد قال: إن شاء الله قال: له والله لشقاء من جالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بك أشد من شقائك بنا فأطرق وتمثل بشعر أبي نواس:
خل جنبيك لرام
وامض عنه بسلام
مت بداء الصمت خي
ر لك من داء الكلام
فسأل من الفتى فقالوا يحيى بن أكثم فقال: سفيان هذا الغلام يصلح لصحبة هؤلاء يعني السلطان وكتب يحيى بن أكثم إلى صديق له:
جفوت وما فيما مضى كنت تفعل
وأغفلت من لم تلفه عنك يغفل
وعجلت قطع الوصل في ذات بيننا
بلا حدث أو كدت في ذاك تعجل
وأصبحت لولا أنني ذو تعطف
عليك بودي صابر متجمل
أرى جفوة أو قسوة من أخي ندى
إلى الله فيها المشتكى والمعول(1/378)
فأقسم لولا أن حقك واجب
علي وأني بالوفاء موكل
لكنت عزوف النفس عن كل مدبر
وبعض عزوف النفس عن ذاك أجمل
ولكنني أرعى الحقوق وأستحي
وأحمل من ذي الود ما ليس يحمل
فإن مصاب المرء في أهل وده
بلاء عظيم عند من كان يعقل
وقال الفضل بن محمد الشعراني سمعت يحيى بن أكثم يقول القرآن كلام الله غير مخلوق فمن قال: مخلوق يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل ذكر يحيى بن أكثم عند أبي فقال: ما عرفت فيه بدعة فبلغت يحيى فقال: صدق أبو عبد الله ما عرفني ببدعة قط.
قال وذكر له ما يرميه الناس به فقال: سبحان الله سبحان الله ومن يقول هذا وأنكر ذلك أحمد إنكاراً شديداً.
وولي قضاء البصرة وسنه عشرون أو نحوها فاستصغره أهل البصرة فقال: له أحدهم كم سن القاضي فعلم أنه قد استصغره فقال: أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل مكة يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً على أهل اليمن وأنا أكبر من كعب بن ثور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على أهل البصرة وبقي سنة لا يقبل بها شاهداً فتقدم إليه والد أبي حازم القاص وكان أحد الأمناء فقال: له أيها القاضي قد وقفت الأمور وتريثت قال: وما السبب فقال: في ترك القاضي قبول الشهود قال: فأجاز في ذلك اليوم شهادة سبعين شاهداً.
ولقي رجل يحيى بن أكثم وهو على قضاء القضاة فقال: له أصلح الله القاضي كم آكل قال: فوق الجوع ودون الشبع قال: فكم أضحك قال: حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك قال: فكم أبكي قال: لا تمل البكاء من خشية الله قال: فكم أخفى من عملي قال: ما استطعت قال: فكم أظهر منه قال: ما يقتدى بك البر الخير ويؤمن عليك قول الناس.
ومات بالربذة منصرفه من الحج يوم الجمعة لخمس عشرة خلت من ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين ومائتين وسنه ثلاث وثمانون سنة.(1/379)
قال أبو العيناء حدثنا أحمد بن أبي دؤاد قال: كنا مع المأمون في طريق الشام فأمر فنودي بتحليل المتعة فقال: يحيى بن أكثم لي ولمحمد بن منصور بكرا غدا إليه فإن رأيتما للقول وجها فقولا وإلا فاسكتا إلى أن أدخل قال: فدخلنا إليه وهو يستاك ويقول وهو مغتاظ متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما ومن أنت يا أحول حتى تنهى عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فأومأت إلى محمد بن منصور رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول نكلمه نحن فأمسكنا وجاء يحيى فجلس وجلسنا فقال: المأمون ليحيى مالي أراك متغيراً فقال: هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام قال: وما حدث فيه قال: النداء بتحليل الزنا قال: الزنا قال: نعم المتعة زنى قال: ومن أين قلت: هذا قال: من كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم قال: الله تعالى " قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون " إلى قوله " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين قال: لا قال: فهي الزوجة التي عنى الله عز وجل ترث وتورث ويلحق بها الولد ولها شرائطها قال: لا قال: فقد صار متجاوز هذين من العادين وهذا الزهري يا أمير المؤمنين روى عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد عن علي بن أبي طالب قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها بعد أن كان أمر بها فالتفت إلينا المأمون فقال: أمحفوظ هذا من حديث الزهري فقلنا نعم يا أمير المؤمنين رواه جماعة منهم مالك فقال: أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة فنادوا بها.
ذكر من اسمه يعقوب(1/380)
يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم أبو يوسف العبدي المعروف بالدورقي وهو أخو أحمد بن إبراهيم وكان الأكبر رأى الليث بن سعد وسمع إبراهيم بن سعد الزهري وعبد العزيز الدراوردي وسفيان بن عيينة وغيرهم وجالس إمامنا وسأله عن أشياء رواها عنه.
من ذلك ما قرأته في كتاب أبي بكر الخلال قال: أخبرني علي بن الحسن بن هارون قال: حدثني محمد بن أبي هارون الوراق قال: سمعت يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: سألت أحمد بن حنبل عن أبي ثور وحسين الكرابيسي فقال: متى كان هؤلاء من أهل العلم متى كان هؤلاء من أهل الحديث متى كان هؤلاء يضعون للناس الكتب وقال يعقوب الدورقي سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن مخلوق فقال: كنت لا أكفرهم حتى قرأت آيات من القرآن " ولئن اتبعت أهواءهم من بعدك ما جاءك من العلم " وقوله " بعد الذي جاءك من العلم " وقوله " أنزله بعلمه" فالقرآن من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر ومن زعم أنه لا يدري علم الله مخلوق أو ليس بمخلوق فهو كافر أشر ممن يقول القرآن مخلوق.
وقال يعقوب الدورقي سألت أبا عبد الله عن الرجل يحضر في المسجد يوم عرفة قال: لا بأس أن يحضر المسجد فيحضر دعاء المسلمين قد عرف ابن عباس بالبصرة فلا بأس أن يأتي الرجل المسجد فيحضر دعاء المسلمين لعل الله أن يرحمه إنما هو دعاء.
وقال يعقوب رأيت يحيى بن معين عشية عرفة في مسجد الجامع قد حضر مع الناس ورأيته يشرب ماء ولم يكن بصائم .
وقال يعقوب الدورقي قلت: لأبي عبد الله معك اليوم أحد على هذا الأمر الذي أنت عليه يعني من المجانبة والإنكار فقال: معي عبد الوهاب.
روى عن يعقوب الدورقي أخوه أحمد ومحمد بن إسحاق الصغاني والبخاري ومسلم وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وغيرهم وآخر من حدث عنه محمد بن مخلد.
صنف المسند ومولده سنة ست وستين ومائة وموته سنه اثنتين وخمسين ومائتين?
يعقوب بن إسحاق بن بختان أبو يوسف(1/381)
سمع مسلم بن إبراهيم وإمامنا أحمد روى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا وجعفر الصندلي و أحمد بن محمد بن أبي شيبة وكان أحد الصالحين الثقات.
أنبأنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي حفص بن شاهين حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يعقوب بن بختان حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبو خالد عن أبي العالية قال: إذا اشتريت شيئاً فاشتر أجوده.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا أبو يوسف بن بختان كان من خيار المسلمين وذكره أبو محمد الخلال فقال: كان جار أبي عبد الله وصديقه وروى عن أبي عبد الله مسائل صالحة كبيرة لم يروها غيره في الورع ومسائل صالحة في السلطان.
وقال يعقوب بن بختان سئل أحمد عن رجل نسي التشهد حتى قام قال: يعود فيقعد ثم يتشهد ثم يسلم ويسجد قيل له فإن خرج قال: يرجع ما كان في المسجد فإن خرج فتكلم أعاد.
أخبرنا ابن المبارك عن إبراهيم البرمكي عن عبد العزيز قال: أخبرنا أبو بكر الخلال حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا يعقوب بن بختان قال: سئل أبو عبد الله عمن زعم أن الله عز وجل لم يتكلم بصوت قال: بلى يتكلم سبحانه بصوت.
وقال أيضاً سمعت أحمد وسئل عن التوكل فقال: هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق فقيل له ما الحجة فقال: إبراهيم لما وضع في المنجنيق ثم طرح إلى النار فاعترضه جبريل فقال: يا إبراهيم ألك حاجة فقال: أما إليك فلا قال: فقال: له سل من لك إليه حاجة فقال: أحب الأمرين إليه أحبهما إلي.
وقال أيضاً سألت أحمد عن مسألة فقال: يقال إن العلم خزائن والمسألة تفتحه دعني حتى أنظر فيها.
وقال أيضاً سئل أحمد عن رجل له فناء دار إلى زقاق فيه أبواب لجماعة له أن يفتح في حائطه بابا قال: نعم يفتح ليس لهم أن يمنعوه من فتحه ولكن ليس له أن يستطرقه إلا برضاهم وإن كان له باب معهم وأراد سده وفتح باب غيره دون ذلك كان له وإن أراد فتحه فوق ذلك لم يجز له إلا برضاهم لأنه طريق لهم.
يعقوب بن سفيان أبو يوسف سمع من إمامنا أشياء:(1/382)
روى ابن ثابت عن عبد الله بن إسحاق النهاوندي قال: سمعت يعقوب بن سفيان يقول كتبت عن ألف شيخ حجتي فيما بيني وبين الله رجلان قيل له يا أبا يوسف من حجتك وقد كتبت عن الأنصاري وحيان بن هلال والأجلة فقال: حجتي أحمد بن حنبل و أحمد بن صالح المصري.
يعقوب بن شيبة الحافظ
ذكره أبو محمد الخلال فيمن روى عن إمامنا أحمد رضي الله عنه.
يعقوب بن العباس الهاشمي قال: أبو بكر الخلال عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان مشبعة سأل عنها أبا عبد الله وقد كنت سألت ابن هارون غير مرة وكان يعدني ثم خرجت إلى طرسوس فسمعتها من الحسن بن صالح العطار عنه عن أبيه وقدمت وقد مات هارون.
يعقوب بن يوسف بن أيوب أبو بكر المطوعي سمع إمامنا أحمد و أحمد بن جميل المروزي ومحمد بن بكار الريان ومنصور بن أبي مزاحم وعلي ابن المديني وغيرهم روى عنه أبو بكر النجاد وغيره.
وذكره الدارقطني فقال: ثقة فاضل.
أنبأنا الوالد السعيد عن عبد العزيز الوراق قال: سمعت علي بن عبد الله بن الحسن الهمداني بمكة يقول سمعت جعفر الخلدي يقول سمعت أبا بكر المطوعي يقول كان وردي في شبيبتي في كل يوم وليلة أقرأ فيه " قل هو الله أحد " إحدى وثلاثين ألف مرة أو إحدى وأربعين ألف مرة شك جعفر، وقال جعفر ، غلام أبي بكر المطوعي، جاءوا إلى أستاذي بثوبين، فقالوا له: أعطنا خير هذين الثوبين. فذرعهما وقلبهما، فلما فرغ منهما قال: هذا شر من هذا.
وذكره أبو بكر الخلال في جملة أصحاب إمامنا البغداديين فقال: كانت له مسائل صالحة حسان مولده سنة ثمان ومائتين.
ومات في رجب سنة سبع وثمانين ومائتين ودفن بباب البردان.
يعقوب بن يوسف أبو السرى الحربي نقل عن إمامنا أشياء:
منها قال: أبو عبد الله وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس فيصلوا يذكروا ما أنعم الله عليهم كما قالت الأنصار.
يعقوب بن أخي معروف الكرخي سأل إمامنا عن أشياء:(1/383)
منها ما أنبأنا أبو الحسين بن المهتدى بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي قال: حدثنا موسى بن محمد الغساني قال: حدثني المروذي قال: قال لي يعقوب بن أخي معروف الكرخي قلت: لأبي عبد الله عندنا رجل يهودي قد أسلم وله ابنة قد زوجها من يهودي وقد اجتمع اليهود واجتمع المسلمون على أن يتحاكموا وقد اجتمعوا ورضوا بأن يسألوك هل يجوز أن يزوجها يهودي أم لا قال: أبو عبد الله يفرق بينهما هي مسلمة.
ذكر من اسمه يوسف
يوسف بن الحسين بن علي أبو يعقوب الرازي من مشايخ الصوفية كان كثير الأسفار وصحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي وأبا سعيد الخراز وحكى عن ذي النون وسمع إمامنا أحمد ورد بغداد وسمع منه بها أبو بكر النجاد.
أنبأنا الوالد السعيد عن أبي محمد الخلال حدثني عبد الواحد بن علي حدثنا أحمد بن سليمان قال: سمعت يوسف بن الحسين قال: سمعت ذا النون المصري قال: من جهل قدره هتك ستره.
وذكر أبو صالح المؤذن النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الله الرازي بدمشق حدثني يوسف بن الحسين الرازي الصوفي حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل حدثنا مروان بن معاوية حدثني هلال بن سويد أبو المعلى عن أنس بن مالك قال "أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طوائر ثلاث فأكل طيراً واستخبأ خادمه طيرين فرده عليه من الغد فقال: النبي صلى الله عليه وسلم ألم أنهك أن ترفع شيئاً لغد إن الله يأتي برزق كل غد" قال: يوسف كنت أتيت أحمد بن حنبل في أول أيام المتوكل فسألني عن بلدي فقال: لي ما حاجتك وفي أي شيء جئت إلي فقلت: لتحدثني فقال: أما بلغك أني قد أمسكت عن التحديث فقلت: بلى ولكن حدثني بشيء أذكرك به وأترحم عليك به فحدثني بهذا الحديث ثم قال: هذا من بابتك يا صوفي حدث به أبو أحمد العسال الأصبهاني عن يوسف عن أحمد بن حنبل ولم يذكر الكلام.(1/384)
قرأت في كتاب ابن ثابت حدثنا أبو سعد الماليني أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين بن حمزة الصوفي حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد القرشي حدثنا يوسف ابن الحسين الزراي قال: قلت: لأحمد بن حنبل حدثني فقال: ما تصنع بالحديث يا صوفي فقلت: لا بد حدثني فقال: حدثنا مروان الفزاري عن هلال أبى العلاء كذا قال: الماليني وإنما هو أبو المعلى عن أنس قال: "أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم طائران فقدم إليه أحدهما فلما أصبح قال: هل عندكم من غداء فقدم إليه الآخرة فقال: من أين ذا فقال: بلال خبأته لك يا رسول الله فقال يا بلال: لا تخف من ذي العرش إقلالاً إن الله يأتي برزق كل غد".
وبإسناده قال: يوسف بن الحسين كنت في أيام السياحة في أرض الشام أمسك بيدي عكازة مكتوب عليها:
سر في بلاد الله سياحاً
وابك على نفسك نواحاً
وامش بنور الله في أرضه
كفى بنور الله مصباحاً
وبإسناده قال: كان ليوسف بن الحسين مخلاة مكتوب عليها:
لايومك ينساك
ولا رزقك يعدوكا
ومن يطمع في النا
س يكن للناس مملوكا
فليكن سعيك لل
ه فإن الله يكفيكا(1/385)
وبإسناده قال: قال يوسف بن الحسين قيل لي إن ذا النون المصري يعرف اسم الله الأعظم فدخلت مصر فذهبت إليه فبصر بي وأنا طويل اللحية ومعي ركوة طويلة فاستشنع منظري ولم يلتفت إلي فلما كان بعد أيام جاء إلى ذي النون رجل صاحب كلام فناظر ذا النون فلم يقم ذو النون بالحجج عليه قال: فاجتذبته إلي وناظرته فقطعته فعرف ذو النون مكاني فقام إلي وعانقني وجلس بين يدي وهو شيخ وأنا شاب وقال اعذرني فلم أعرفك فعذرته وخدمته سنة واحدة فلما كان على رأس السنة قلت: له يا أستاذ إني قد خدمتك وقد وجب حقي عليك وقيل لي إنك تعرف اسم الله الأعظم وقد عرفتني ولا تجد له موضعا مثلي فأحب أن تعلمني إياه قال: فسكت عني ذو النون ولم يجبني وكأنه أومأ إلى أنه يخبرني قال: فتركني بعد ذلك ستة أشهر ثم أخرج إلي من بيته طبقاً ومكبة مشدودة في منديل وكان ذو النون يسكن في الجيزة فقال: تعرف فلاناً صديقنا من الفسطاط قلت: نعم فقال: أحب أن تؤدي إليه هذا قال: فأخذت الطبق وأنا متفكر فيه مثل ذي النون يوجه إلى فلان بهدية ترى إيش هي فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر فحللت المنديل وشلت المكبة فإذا فأرة نفرت من الطبق ومرت قال: فاغتظت غيظاً شديداً وقلت: ذو النون يسخر بي ويوجه مع مثلي فأرة إلى فلان فرجعت على ذلك الغيظ فلما رآني عرف ما في وجهي وقال يا أحمق إنما جربناك ائتمنتك على فأرة فخنتني أفأئتمنك على اسم الله الأعظم وقال مر عني فلا أراك شيئاً آخر.
ومات سنة أربع وثلاثمائة ورؤي في المنام بعد موته فقيل له ماذا فعل الله بك قال: غفر لي ورحمني فقيل بماذا فقال: بكلمة أو بكلمات قلتها عند الموت قلت: اللهم إني نصحت قولا وخنت نفسي فعلا فهب خيانة فعلي لنصيحة قولي.
يوسف بن بحر
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول جلس شعبة ببغداد وليس في مجلسه أحد يكتب إلا آدم بن أبي إياس وهو يستملي ويكتب وهو قائم.
يوسف بن موسى العطار الحربي(1/386)
كان ينزل في مربعة الخرسي روى عن إمامنا أشياء: حدث عنه أبو بكر الخلال وأثنى عليه ثناءاً حسناً وكان يوسف هذا يهوديا أسلم على يدي أبي عبد الله أحمد بن حنبل وهو حدث فحسن إسلامه ولزم العلم وأكثر من الكتاب ورحل في طلب العلم وسمع من قوم أجلة ولزم أبا عبد الله حتى كان ربما يتبرم به من كثرة لزومه له.
حدثنا يوسف بن موسى قال: قيل لأبي عبد الله عذاب القبر حق قال: نعم.
يوسف بن موسى بن راشد أبو يعقوب القطان الكوفي
أصله من الأهواز ومتجره بالري ثم سكن بغداد وحدث بها عن جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عيينة وغيرهما روى عنه البخاري و إبراهيم الحربي وسئل يحيى بن معين عنه فقال: صدوق وكتب يحيى بن معين عنه ونقل عن إمامنا أشياء: منها قال: قال أحمد إذا أراد الرجل أن يحج عن أبويه فليبدأ بالأم إلا أن يكون الأب قد وجب عليه.
وقال يوسف بن موسى أيضاً سمعت أحمد بن حنبل يقول صلاة الجمعة والعيدين جائزة خلف الأئمة البر والفاجر ما داموا يقيمونها.
وقال أيضاً قيل لأبي عبد الله والله تعالى فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان قال: نعم على عرشه لا يخلو شيء من علمه.
ومات في صفر سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
اليمان بن عباد
أحد من روى عن إمامنا أشياء: منها قال: أبو بكر الخلال أخبرنا أبو طالب عبد العزيز بن أحمد بن بكار حدثنا اليمان بن عباد البصري بصنعاء قال: دخلت على أحمد بن حنبل وقد أذن المؤذن فقلت: يا أبا عبد الله صليتم فقال: لا.
ذكر من اسمه يزيد
يزيد بن جمهور أبو الليث
ذكره أبو محمد الخلال في جملة أصحاب الإمام أحمد رحمة الله عليه.
يزيد بن خالد بن طهمان أبو خالد البادا
ذكره أبو محمد الخلال في الأصحاب.
يزيد بن هارون أبو خالد
سمع يحيى بن سعيد الأنصاري وحميدا الطويل والحمادين مولده سنة ثمان عشرة ومائة أحد شيوخ إمامنا أحمد وكان سأل إمامنا عن أشياء:(1/387)
منها ما أنبأنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي قال: حدثنا موسى بن محمد الغساني قال: حدثنا أبو بكر المروذي قال: قال لي ابن زنجويه رأيت يزيد بن هارون يسأل أبا عبد الله إيش تقول في العارية فقال: أبو عبد الله مؤداة فقال: له يزيد حدثنا حجاج عن الحكم أن علياً لم يضمن العارية فقال: أبو عبد الله أليس النبي صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعاً فقال: أغصب يا محمد فقال: بل عارية مؤداة فسكت يزيد.
وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله أحمد وقيل له يزيد بن هارون له فقه فقال: نعم ما كان أفطنه وأذكاه وأفهمه فقيل له فابن علية فقال: كان له فقه إلا أني لم أخبره خبري يزيد بن هارون ما كان أجمع من يزيد بن هارون صاحب صلاة حافظ متقن للحديث في صرامة وحسن مذهب.
وقال عاصم بن علي كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس يعني ابن الربيع سنة إحدى وستين فأما يزيد فكان إذا صلى العتمة لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة وأما قيس فكان يقوم ويصلي وينام وأما أنا فكنت أصلي أربع ركعات وأقعد أسبح.
ومات ضريراً سنة ست ومائتين وقيل مولده سنة سبع عشرة ومائة وقيل سنة ثمان عشرة ومائة.
ياسين بن سهل أبو القاسم القلاس
ذكره أبو محمد الخلال في جملة الأصحاب: أنبأنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي بالله عن أبي الحسين بن أخي ميمي قال: أخبرنا علي بن محمد الموصلي قال: حدثنا موسى بن محمد الغساني حدثنا ياسين ابن سهل أبو القاسم القلاس قال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: ثلاث من أخلاق النبوة وهو نافع من البلغم الصيام والسواك والصلاة من آخر الليل.
وبه حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن آدم عن مفضل بن مهلهل عن مغيرة قال: سمعت الشعبي يقول كان الحارث الأعور من أكذب الكذابين.(1/388)
وبه حدثنا ياسين قال: حدثنا أحمد بن حنبل عن أبي نعيم قال: ذكر الحسن بن صالح عند الثوري فقال: ذاك رجل يرى السيف على هذه الأمة قال: فحدث ذلك الحسن فقال: فأين الورع? فأين الورع?
باب الكنى
ذكر من عرف بكنيته ولم يذكر لنا اسمه أو ذكر على اختلاف ولم يتضح الصواب فمن ذلك:
أبو داود الكاذي
قال: أبو بكر الخلال أخبرني محمد بن العباس حدثنا أبو موسى بن أبي الدور الفقيمي قال: سمعت أبا داود الكاذي يقول كنت عند أبي عبد الله فجاءه رجل فقال: له يا أبا عبد الله أغسل ثوبي فقال: له أما للناس فلا وقال أيضاً كنت عند أبي عبد الله وجاءه رجل فقال: له الرجل يكون عطشانا وهو بين الناس فلا يستسقي فأظنه قال: في الورع ما يكون أحمق.
أبو بكر الأحول
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يترك الوتر فقال: لا يكون عدلاً.
أبو بكر الطيراني
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول الإسناد من الدين.
أبو داود الخفاف
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول لم يعبر الجسر مثل إسحاق.
أبو محمد بن أخي بن عبيد بن شريك البرار
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: سألت أحمد وذكرت له شيئاً من أمر العدول فقال أحمد بن حنبل ينبغي للعدل أن يكون فيه ست خصال فقيها عالما زاهدا ورعاً عفيفا بصيرا بما يأتي بصيراً بما يذر.
أبو ثابت الحطاب:
قلت: لأحمد رجل أجازه إسحاق بن إبراهيم بألف درهم قال: لا تسمين أحداً قال: فقلت: رجل أجازه السلطان بألف درهم وآخر عامل السلطان بألف درهم فربح عليه ألف درهم أيهما أحب إليك قال: كلاهما أكرهه إلا أن الذي أجازه أحب إلي من الذي عامله ذكره الخلال في السر.
أبو بكر بن عنبر الخراساني سكن بغداد وحدث عن إمامنا بأشياء:(1/389)
منها قال: تبعت أحمد بن حنبل يوم الجمعة إلى مسجد الجامع فقام عند قبة الشعراء يركع والأبواب مفتحة فكان يتطوع ركعتين ركعتين فمر بين يديه سائل فمنعه منعاً شديداً وأراد السائل أن يمر بين يديه فقمنا إليه فنحيناه.
أبو عبد الله بن أبي هشام
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال: كنت يوماً عند أحمد فذكروا الكتاب ودقة ذهنهم فقال: إنما هو التوفيق.
أبو عبد الله السلمي
حدث عن ضمرة بن ربيعة وأبي داود الطيالسي و إبراهيم بن عيينة وإمامنا أحمد روى عنه عبد الله بن أحمد.
أنبأنا المبارك عن محمد بن محمد بن غيلان حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبو عبد الله السلمي حدثني أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن زائدة عن الشيباني عن عبد الملك بن ميسرة قال: كنت بالمدينة فشهد رجل أنه رأى الهلال فأمر ابن عمر أن يجيزوا شهادته قلت: لأحمد من روى عن زائدة قال: معاوية بن عمرو.
أبو السرى المقلب
سمع إمامنا أحمد ويحيى بن معين.
أبو عبد الله النوفلي
روى عن إمامنا أحمد فيما روى الخطيب حدثنا محمد بن يوسف القطان النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ سمعت أبا زكريا العنبري يقول سمعت أبا العباس أحمد بن محمد السجزي يقول سمعت النوفلي يعني أبا عبد الله يقول سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الحلال والحرام شددنا في الأسانيد وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال ومالا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد.
أبو محمد الشغراني
نقل عن إمامنا أشياء: منها قال سمعت أبا عبد الله يقول كان إبراهيم بن أدهم يبيع ثيابه وينفقها على أصحابه وكانت الدنيا أهون عليه من ذاك العود.
أبو عمران الصوفي
نقل عن إمامنا أشياء منها قال رأى أحمد بن حنبل أصحاب الحديث وقد خرجوا من عند محدث والمحابر بأيديهم فقال أحمد إن لم يكن هؤلاء الناس فلا أدري من الناس?
أبو ثابت المشرف(1/390)
قال سألت أحمد بن حنبل عن هذه الأحاديث يعني أحاديث الآيات وأحاديث أم أيمن إن دلي دلو من السماء دلي إليه وما كان من نحو هذه الأحاديث صحاح أو كما قال.
أبو ثابت الخطاب
سأل إمامنا عن أشياء: منها قال تزوجت امرأة فكنت إذا أردت أن أدنو منها أنزلت فوصفت ذلك لإنسان فقال لي احتقن فأتيت أحمد بن حنبل فسألته قلت إيش ترى قال: احتقن.
ذكر النساء
المذكورات بالسؤال لإمامنا أحمد
ميمونة بنت الأقرع
المتعبدة كتبت عن إمامنا أحمد أشياء فيما أنبأنا علي بن عبيد الله حدثنا أبو بكر الآجري أخبرنا المروذي قال وذكر لأبي عبد الله ميمونة بنت الأقرع المتعبدة فقلت له إنها أرادت أن تبيع غزلها فقالت للغزال إذا بعت هذا الغزل فقل إني ربما كنت صائمة فأرخى يدي فيه ثم ذهبت ورجعت فقالت رد علي الغزل أخاف أن لا يبين الغزال هذا فترحم أبو عبد الله عليها وقال قد جاءتني وكتبت لها شيئاً في غسل الميت.
خديجة أم محمد
ذكرها ابن ثابت فقال كانت تغشى أبا عبد الله وتسمع منه وحدثت عن يزيد بن هارون وإسحاق بن يوسف الأزرق وأبي النضر هاشم بن القاسم روى عنها عبد الله بن أحمد بن حنبل.
أنبأنا المبارك عن الحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثتني خديجة أم محمد سنة ست وعشرين ومائتين وكانت تجيء إلى أبي وتسمع منه ويحدثها قالت حدثنا إسحاق الأزرق قال حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله قال كنا نجلس إلى أم الدرداء نذكر الله عندها فقالوا لعلنا قد أمللناك قالت تزعمون أنكم قد أمللتموني فقد طلبت العبادة في كل شيء فما وجدت شيئاً أشفى لصدري ولا أحرى أن أصيب به الذي أريد من مجالس الذكر.
مخة أخت بشر بن الحارث(1/391)
وكان له أختان غيرها إحداهما مضغة والأخرى زبدة وكان الثلاث أخوات مذكورات بالعبادة والورع وأكبرهن مضغة وهي أكبر من بشر وكانت زبدة تكنى بأم علي وقيل لما ماتت مضغة توجع عليها بشر توجعاً شديداً وبكى بكاءاً شديداً فقيل له في ذلك فقال قرأت في بعض الكتب أن العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه أنيسه وهذه كانت أنيستي من الدنيا.
وقال إبراهيم الحربي إن بشراً قال هذا يوم ماتت أخته مخة.
وقال عبد الله بن أحمد جاءت مخة أخت بشر بن الحارث إلى أبي فقالت له إني امرأة رأس مالي دانقين أشتري القطن فأردنه فأبيعه بنصف درهم فأتقوت بدانق من الجمعة إلى الجمعة فمر ابن طاهر الطائف ومعه مشعل فوقف يكلم أصحاب المصالح فاستغنمت ضوء المشعل فغزلت طاقات ثم غاب عني المشعل فعلمت أن لله في مطالبة فخلصني خلصك الله فقال لها تخرجين الدانقين وتبقين بلا رأس مال حتى يعوضك الله خيراً.
قال عبد الله: فقلت لأبي يا أبت لو قلت لها لو أخرجت الذي أدركت فيه الطاقات فقال يا بني سؤالها لا يحتمل التأويل ثم قال من هذه قلت مخة أخت بشر بن الحارث فقال من ههنا أتيت.(1/392)
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل أيضاً كنت مع أبي يوما من الأيام في المنزل فدق داق الباب قال لي أخرج فانظر من بالباب قال فخرجت فإذا امرأة قالت لي استأذن لي على أبي عبد الله يعني أباه قال فاستأذنته فقال أدخلها فدخلت فجلست فسلمت عليه وقالت له يا أبا عبد الله أنا امرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفىء السراج فأغزل في القمر فعلى أن أبين غزل القمر من غزل السراج قال فقال لها إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك قال قالت له يا أبا عبد الله أنين المريض شكوى قال أرجو أن لا يكون شكوى ولكنه اشتكاء إلى الله قال فودعته وخرجت قال فقال لي يا بني ما سمعت قط إنسانا يسأل عن مثل هذا اتبع هذه المرأة فانظر أين تدخل قال فاتبعتها فإذا هي قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث وإذا هي أخته قال فرجعت فقلت له فقال محال أن تكون مثل هذه إلا أخت بشر.
وقال أبو عبد الله القحطبي كانت لبشر أخت صوامة قوامة وقال بشر تعلمت الورع من أختي فإنها كانت تجتهد أن لا تأكل ما للمخلوق فيه صنع.
وقالت زبده أخت بشر دخل بشر علي ليلة من الليالي فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارج وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح فلما أصبح قلت له فيماذا تفكر طول ليلتك فقال تفكرت في بشر النصراني وبشر اليهودي وبشر المجوسي ونفسي واسمي بشر فقلت ما الذي سبق منك إليه حتى خصك فتفكرت في تفضله على أن جعلني من خاصته وألبسني لباس أحبابه.
عباسة بنت الفضل
زوجة إمامنا أحمد وأم ابنه صالح كان أحمد يثني عليها وسمعت منه أشياء وماتت في حياته.
قال زهير بن صالح بن أحمد تزوج جدي أم أبي عباسة بنت الفضل وهي من العرب من الربض ولم يولد له منها غير أبي ثم توفيت وقال أحمد أقامت أم صالح معي عشرين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة.
ريحانة بنت عمر(1/393)
عم إمامنا أحمد زوجته وأم ابنه عبد الله لم يولد له منها غيره قال أبو بكر الخلال أخبرنا أحمد بن محمد البراثي قال حدثني أحمد بن عنبر قال لما ماتت أم صالح بن أحمد بن حنبل قال أحمد لامرأة تكون عندهم أذهبي إلى فلانة بنت عمها فاخطبيها لي من نفسها فأتتها فأجابته فلما رجعت إليه قال أختها كانت تسمع كلامك قال وكانت بعين واحدة فقالت له نعم قال فاذهبي فاخطبي تلك التي بفرد عين فأتتها فأجابته وهي أم عبد الله ابنه فأقام معها سبعا ثم قالت له كيف رأيت يا ابن عمي أنكرت شيئا قال لا إلا نعلك هذه تصر.
وقال خطاب بن بشر قالت امرأة أحمد بن حنبل لأحمد بعد ما دخلت عليه بأيام هل تنكر مني شيئاً? فقال لا إلا هذا النعل الذي تلبسينه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فباعته واشترت مقطوعا فكانت تلبسه.
وقال أبو بكر الخلال وهي هذه المرأة.
سمعت ريحانة أم عبد الله من إمامنا أشياء.
حسن جارية اشتراها إمامنا بعد موت زوجته أم ابنه عبد الله ولدت منه أم علي واسمها زينب ثم ولدت الحسن والحسين تؤماً وماتا بالقرب من ولادتهما ثم ولدت أيضاً الحسن ومحمداً فعاشا حتى صارا من السن إلى نحو الأربعين سنة ثم ولدت بعدهما سعيدا قال حنبل ولد سعيد قبل موت أحمد بنحو من خمسين يوماً.
نقلت حسن عن إمامنا أشياء منها ما رواه أبو بكر الخلال أخبرنا محمد بن علي قال سمعت حسن أم ولد أبي عبد الله تقول جاءتني امرأة من جيراننا فقالت قد جمعت مالا من القلف وأريد أن أحج فقال أبو عبد الله لا تحج به وليس ههنا أحل من الغزل.
وقالت حسن خبزت يوما لمولاي وهو وجع في مرضه الذي توفي فيه فقال أين خبزتيه قلت في بيت عبد الله قال ارفعيه ولم يأكل منه.
وقالت أيضا لما ولدت حسنا أعطى مولاي كرامته امرأة تخدم حسن درهما وقال لها اذهبي إلى ابن شجاع جار لنا قصاب يشتري لك بهذا رأساً قالت فاشترى لنا رأساً وجاءت به فأكلنا فقال لي يا حسن ما أملك غير هذا الدرهم.(1/394)
وقالت أيضاً كان إذا لم يكن عند مولاي أبي عبد الله شيء فرح.
تم طبع الجزء الأول من طبقات الفقهاء الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء المتوفى سنة 527.
وكان طبعها وتصحيحها بمطبعة السنة المحمدية إحياء لذكرى الأمير الشاب الصالح منصور بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله وغفر له وأمطر على قبه سحائب رضوانه وأسكنه بصالح أعماله فسيح جناته.
وقد قمت بتصحيحها وضبطها جهد الطاقة على نسختين خطيتين إحداهما أعطانيها متفضلا السلفى الصالح الشيخ محمد بن حسين نصيف عمدة السلفيين في جدة جزاه الله خير الجزاء وهي نسخة رديئة جدا تدل على منتهى جهل ناسخها والأخرى نقلت صورتها الفوتوغرافية من الإدارة الثقافية التابعة لجامعة الدول العربية وهي مجودة صحيحة كتبها أمام باب الكعبة المشرفة الشيخ عبد القادر بن عبد الوهاب بن عبد المؤمن القرشي الحنفي فرغ من كتابتها في السابع من شهر شعبان سنة أربع وسبعين وثمانمائة وقد ساعدني على تصويرها الأستاذ رشاد بن عبد المطلب الموظف بالإدارة الثقافية.
وقد استعنت كذلك على الضبط والتصحيح بتاريخ بغداد للخطيب الذي يسميه المؤلف تارة بابن ثابت وتارة بالمؤرخ وتارة بالخطيب وبمختصر الطبقات الذي طبعه الأخ أحمد أفندي عبيد وبتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني وبغيره من كتب التاريخ والرجال.
والله المستعان والموفق لإتمام الجزء الثاني منها وأوله ذكر الطبقة الثانية.
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الطبقة الثانية
باب الألف
أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو الحسين بن المنادي(1/395)
سمع جده محمداً وأباه جعفراً ومحمد بن إسحاق الصاغاني وعباس الدوري وزكريا بن يحيى المروذي ومحمد ابن عبد الملك الدقيقي وأبا داود السجستاني والمروذي ويعقوب المطوعي وعبد الله بن أحمد وأكثر الرواية عنه وغيرهم وكان ثقة أميناً ثبتاً صدوقا ورعاً حجة فيما يرويه محصلاً لما يحكيه صنف كتباً كثيرة وجمع علوماً جمة قيل: إن مصنفاته نحواً من أربعمائة مصنف ولم يسمع الناس من مصنفاته إلا أقلها .
روى عنه المتقدمون كأبي عمر بن حيويه ونحوه وكان الجد الوالد السعيد لأمه منه إجازة وآخر من حدث عنه محمد بن فارس الغوري .
قال ابن ثابت: حدثني أبو الفضل عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال: كان أبو الحسين بن المنادي صلب الدين خشن الطريقة شرس الأخلاق فلذلك لم تنتشر الرواية عنه .
قال: وقال لي أبو الحسين بن الصلت: كنا نمضي مع ابن قاج الوراق إلى ابن المنادي لنسمع منه فإذا وقفنا ببابه خرجت إلينا جارية له وقالت: كم أنتم ? فنخبرها بعددنا ويؤذن لنا في الدخول فيحدثنا فدخل معنا مرة إنسان علوي وغلام له فلما استأذنا قالت الجارية: كم أنتم ? فقلنا: نحو ثلاثة عشر وما كنا حسبنا العلوي ولا غلامه في العدد فدخلنا عليه فلما رآنا خمسة عشر نفساً قال لنا: انصرفوا اليوم فلست أحدثكم فانصرفنا وظننا أنه عرض له شغل ثم عدنا إليه مجلساً ثانياً فصرفنا ولم يحدثنا فسألناه بعد ذلك عن السبب الذي أوجب ترك التحديث لنا ? فقال: كنتم تذكرون عددكم في كل مرة للجارية وتصدقون ثم كذبتم في المرة الأخيرة ومن كذب في هذا المقدار لم يؤمن أن يكذب فيما هو أكبر منه فاعتذرنا إليه وقلنا: نحن نتحفظ فيما بعد فحدثنا أو كما قال .
مولده: لثمان عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ومائتين وقيل: سنة سبع وخمسين ومائتين وحج سنة ثلاث وسبعين ومائتين .(1/396)
أنبأنا الملطي قال: أخبرنا محمد بن فارس عن أبي الحسين بن المنادي حدثني جدي محمد قال: قال لي أحمد بن حنبل: أنا أذرع هذه الدار التي أسكنها فأخرج الزكاة عنها في كل سنة ذهب في ذلك إلى قول عمر بن الخطاب في أرض السواد
وبه حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل قال: ذكر أبي حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن جرير بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل تجبى إليها كنوز الأرض ويجتمع إليها كل لسان فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة" فقال: كان المحاربي جليساً لسيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وكان سيف كذاباً فأظن المحاربي سمعه منه قال عبد الله: فقيل لأبي: فإن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان الثوري عن عاصم الأحول ? فقال أبي: كل من حدث بهذا الحديث عن سفيان الثوري فهو كذاب قال عبد الله: فقلت له: إن لويناً حدثناه عن محمد بن جابر الحنفي ? فقال: كان محمد بن جابر ربما ألحق في كتابه الحديث ثم قال أبي: هذا الحديث ليس بصحيح أو قال: كذب .
وبه: حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرجسي الحمصي حدثنا بقية بن الوليد حدثني جبير بن عمرو القرشي حدثنا أسعد الأنصاري عن أبي يحيى من آل الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيراً فأقم".
قال ابن المنادي: حدثنا جدي قال: ضرب أبو عبد الله سبعة وثلاثين سوطاً معلقاً بينه وبين الأرض قبضة وإنما قطع الضرب عنه لأنه غشي عليه فذهب عقله واصفر واسترخى ففزع لذلك المعتصم وقال: حلوا القيود عنه واحملوه إلى منزله .(1/397)
قال: وحدثني أبي وجدي رحمهما الله قالا: كان ضرب أبي عبد الله أحمد بن حنبل بالسياط بمدينة السلام في دار المعتصم يوم الأربعاء لست بقين من شهر رمضان سنة عشرين ومائتين وبينه وبين الأرض مقدار قبضة .
وقال: قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: لما دخلنا طرسوس أقمنا أياماً ومات المأمون فظننت أني قد استرحت من الغم الذي كنت فيه والقيد والضيق فدخل علينا رجل فذكر أنه صار مع أبي إسحاق رجل يقال له: ابن أبي دؤاد وقد أمر أن تحدروا إلى بغداد فجاءني غم آخر فنالني من الغم والأذى أمر عظيم قال حنبل: فلما قدم أبو عبد الله حبس في إسطبل لمحمد بن إبراهيم ابن أخي إسحاق بن إبراهيم وذلك في دار عمارة ومرض في شهر رمضان والقيد في رجله ثم حول إلى سجن العامة بالبغويين فمكث هناك نحواً من ثلاثين شهراً .
قال ابن المنادي: وكانت وفاة المعتصم في روايتنا عن آبائنا وغيرهم من شيوخنا رحمهم الله أجمعين يوم الخميس لإحدى عشرة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين ثم بويع ابنه هارون وسمي الواثق يوم مات المعتصم وكان على مذهب المعتصم والمأمون في خلق القرآن إلا أنه لم ينبسط في الامتحان غير أن الناس كانوا يقرعونه سيما أن عبد الرحمن بن إسحاق كان قاضيه وهو الذي أشار عليه بقتل أحمد بن نصر الخزاعي .
فلنذكر بعض اختياراته : اختار إيجاب غسل اليدين عند القيام من نوم الليل واختار تنجيس أسآر جوارح الطيور واختار تحريم الوضوء من آنية الذهب والفضة مع الحكم بصحة الطهارة .
ومات يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ست وثلاثين وثلاثمائة ودفن في مقبرة الخيزران .
أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي(1/398)
كان يسكن قطيعة الدقيق وإليها ينسب سمع إبراهيم بن إسحاق وإسحاق بن الحسن الحربيين وبشر بن موسى الأسدي وأبا العباس الكديمي وأبا مسلم الكجي وعبد الله ابن إمامنا أحمد روى عنه المسند والزهد والتاريخ والمسائل وغير ذلك وقيل: إن عبد الله ابن إمامنا كان يقعده في حجره وهو يقرأ عليه الحديث فيقال له: يؤلمك فيقول: إني أحبه .
مولده: يوم الاثنين لثلاث خلون من المحرم سنة أربع وسبعين ومائتين روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وأبو حفص بن شاهين ومن دونهم: ابن رزقوية ومحمد بن أبي الفوارس وأبو نعيم الأصبهاني وعبد الملك بن بشران وابن المذهب والجوهري .
سئل ابن مالك عن الإيمان ? فقال: قول وعمل ثم قال: وهل يشك فيه ?.
وقال أبو الحسن بن الفرات: كان ابن مالك القطيعي مستوراً صاحب سنة كثير السماع من عبد الله بن أحمد ومن غيره .
وقال محمد بن أبي الفوارس: كان أبو بكر بن مالك مستوراً صاحب سنة .
وقال أبو بكر البرقاني: كنت شديد التنفير عن حال ابن مالك حتى ثبت عندي: أنه صدوق لا يشك في سماعه .
وقال ابن ثابت: لم نرى أحداً امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به .
أنبأنا الحسن الجوهري أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك حدثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم السلولي عن أبي الجوزاء عن الحسن بن علي قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت فإنك تقضي ولا يقضى عليك تباركت ربنا وتعاليت".
وتوفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثمان وستين وثلاثمائة ودفن بقرب قبر إمامنا أحمد .
أحمد بن الحجاج أبو العباس السيوطي البزار
كانت عنده مسائل الفضل بن زياد القطان لأحمد بن حنبل سمعها من الفضل .
وتوفي يوم الأحد لثمان ليال خلون من شهر رمضان سنة خمس وثلاثمائة .(1/399)
أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس أبو بكر النجاد
العالم الناسك الورع كان له في جامع المنصور حلقتان قبل الصلاة للفتوى على مذهب إمامنا أحمد وبعد الصلاة لإملاء الحديث اتسعت رواياته وانتشرت أحاديثه ومصنفاته سمع الحسن بن مكرم ويحيى بن أبي طالب وأحمد بن ملاعب وأبا داود السجستاني وإبراهيم الحربي وعبد الله بن إمامنا أحمد وهارون الهاشمي ومعاذ بن المثنى ومحمد بن إسماعيل السلمي وأبا يحيى الناقد ويعقوب المطوعي وبشر بن موسى وغيرهم .
روى عنه ابن مالك وعمر بن شاهين وابن بطة وصاحبه أبو حفص العكبري وأبو عبد الله بن حامد وأبو الفضل التميمي .
قال أبو علي بن الصواف: كان أحمد بن سلمان النجاد يجيء معنا إلى المحدثين إلى بشر بن موسى وغيره ونعله في يده فقيل له: لم لا تلبس نعلك ? قال: أحب أن أمشي في طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حاف فلعله ذهب إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأخف الناس يعني حساباً يوم القيامة بين يدي الملك الجبار: المسارع إلى الخيرات ماشياً على قدميه حافياً أخبرني جبريل: أن الله عز وجل ناظر إلى عبد يمشي حافياً في طلب الخير" .
وقال أبو إسحاق الطبري: كان النجاد يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف ويترك منه لقمة فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف وأكل تلك اللقم التي استفضلها .
قلت أنا: وكان إذا أملى الحديث في جامع المنصور يكثر الناس في حلقته حتى يغلق البابان من أبواب الجامع مما يليان حلقته وكان يملي في حلقة عبد الله ابن إمامنا وفيها كان يملي ابن مالك .(1/400)
وقال أبو بكر النجاد: ضقت وقتاً من الزمان فمضيت إلى إبراهيم الحربي فذكرت له قصتي فقال: اعلم أنني ضقت يوماً حتى لم يبق معي إلا قيراط فقالت الزوجة: فتش كتبك وانظر ما لا تحتاج إليه فبعه فلما صليت العشاء الآخرة جلست في الدهليز أكتب إذ طرق على الباب طارق فقلت: من هذا ? فقال: كلمني ففتحت الباب فقال لي: أطفىء السراج فطفيتها فدخل الدهليز فوضع فيه كارة وقال لي: اعلم أننا أصلحنا للصبيان طعاماً فأحببنا أن يكون لك وللصبيان فيه نصيب وهذا أيضاً شيء آخر فوضعه إلى جانب الكارة وقال: تصرفه في حاجتك وأنا لا أعرف الرجل وتركني وانصرف فدعوت الزوجة وقلت لها: أسرجي فأسرجت وجاءت وإذا الكارة منديل له قيمة وفيه خمسون وسطاً في كل وسط لون من الطعام وإلى جانب الكارة كيس فيه ألف دينار قال النجاد فقمت من عنده ومضيت إلى قبر أحمد فزرته ثم انصرفت فبينما أنا أمشي على جانب الخندق إذ لقيتني عجوز من جيراننا فقالت لي: يا أحمد فأجبتها فقالت: ما لك مغموم ? فأخبرتها فقالت لي: اعلم أن أمك أعطتني قبل موتها ثلاثمائة درهم فقالت لي: أخبئي هذه عندك فإذا رأيت ابني مضيقاً مغموماً فأعطيه إياها فتعال معي حتى أعطيك إياها فمضيت معها فدفعتها إلي .
حدثنا جدي لأمي جابر رحمنا الله وإياه قال: أخبرنا خالي الحسن بن عثمان قال: أخبرنا أحمد بن سلمان النجاد .(1/401)
وحدثنا عبد الله بن أبي الدنيا قال: حدثنا أبو خيثمة وإسحاق بن إسماعيل قالا حدثنا جرير عن ليث عن عثمان بن أبي حميد عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة البيضاء فيها كالنكتة السوداء فقلت: ما هذا في يدك? قال: هذه الجمعة قلت: وما الجمعة ? قال: لكم فيها خير قلت: وما لنا فيها ? فقال: تكون عيداً لك ولأمتك من بعدك وتكون اليهود والنصارى تبعاً لك قال: ولكم فيها ساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله خيراً هو له قسم إلا أعطاه إياه ويتعوذ بالله من شر ما هو عليه مكتوب إلا فك عنه من البلاء ما هو أعظم منه قال: وهو عندنا سيد الأيام ونحن نسميه يوم القيامة: يوم المزيد - وذكر الخبر" .
وأنبأنا علي عن ابن بطة حدثنا أبو بكر النجاد حدثني هارون بن العباس حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي حدثنا أبو يحيى القتات عن مجاهد .
قال النجاد: وحدثنا معاذ بن المثنى حدثنا خلاد بن أسلم قال حدثنا محمد بن فضل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عز وجل "عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" قال: "يجلسه معه على العرش" .
قال النجاد: وسألت أبا يحيى الناقد ويعقوب المطوعي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وجماعة من شيوخنا فحدثوني بحديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد وسألت أبا الحسن العطار عن ذلك ? فحدثني بحديث مجاهد ثم قال: سمعت محمد بن مصعب العابد يقول هذا حتى ترى الخلائق منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى وكرامته لديه ثم ينصرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى غرفه وجناته وأزواجه ثم ينفرد عز وجل بربوبيته .
قال النجاد: ثم نظرت في كتاب أحمد بن الحجاج المروزي وهو إمامنا وقدوتنا والحجة لنا في ذلك فوجدت فيه ما قد ذكره من رد حديث عبد الله بن سلام ومجاهد وذكر أسماء الشيوخ الذين أنكروا على من رد ذلك أو عارضه .(1/402)
قال النجاد: فالذي ندين الله تعالى به ونعتقده: ما قد رسمناه وبيناه من معاني الأحاديث المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاله عبد الله بن العباس ومن بعده من أهل العلم وأخذوا به كابراً عن كابر وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا في تفسير قوله تعالى عسى أن يبعثك مقاماً محموداً أن المقام المحمود: هو قعوده صلى الله عليه وسلم مع ربه على العرش وكان من جحد ذلك وتكلم فيه بالمعارضة: إنما يريد بكلامه في ذلك: كلام الجهمية يجانب ويباين ويحذر عنه وكذلك أخبرني أبو بكر الكاتب عن أبي داود السجستاني أنه قال: من رد حديث مجاهد فهو جهمي .
وحدثنا محمد بن صهيب وجماعة من شيوخنا عن محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: سمعت هذا الحديث منذ خمسين سنة ما سمعت أحداً ينكره إنما يكاذبه الزنادقة والجهمية .
قال النجاد: وذكر لنا أبو إسماعيل السلمي أمر الترمذي الذي رد فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وصغر أمره وقال: لا يؤمن بيوم الحساب .
قال النجاد: وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فإنهم منكرون على من رد هذه الفضيلة ولقد بين الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام فتلقاه الناس بالقبول فلا أحد ينكر ذلك ولا ينازع فيه .
قال النجاد: فبذلك أقول: ولو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم معه على العرش واستفتاني في يمينه لقلت له: صدقت في قولك وبررت في يمينك وامرأتك على حالها فهذا مذهبنا وديننا واعتقادنا وعليه نشأنا ونحن عليه إلى أن نموت إن شاء الله فلزمنا الإنكار على من رد هذه الفضيلة التي قالها العلماء وتلقوها بالقبول فمن ردها فهو من الفرق الهالكة .(1/403)
قرأت بخط الوالد السعيد قال: حكى القاضي أبو علي بن أبي موسى عن أبي بكر النجاد أنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل إحدى عشرة مرة منها بالسنة تسع مرات: في ليلة المعراج حين كان يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه عز وجل يسأله أن يخفف عن أمته الصلاة فنقص خمسة وأربعين صلاة في تسع مقامات ومرتين بالكتاب
وقال أبو علي بن الصواف: حدثنا محمد بن علي بن حبيش أن رجلاً من أهل القرآن رأى في المنام في مسجد نهر طابق: كأنه بأبي محمد الجنيد وبأبي الحسن بن بشار وهما في المسجد إذ أقبل إليهما رجل شاب كان يصلي معهما في المسجد فسلم عليهما واحتضنهما إليه ثم قام يصلي وهو مكتئب حزين يبكي ويتضرع في سجوده إلى الله عز وجل قلت للخلدي: من هذا? فقال لي: النبي صلى الله عليه وسلم يبكي ويتضرع فأقبلت على الخلدي فقلت له: قل لي ما هم فيه حتى أخبرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر الخلدي: قل للرجل يقول لأمتي : يمضون إلى أبي بكر أحمد بن سلمان الفقيه النجاد ليخرج بهم وقل: أيها الرجل للإمام يعني الخليفة يجيء إليه فيستنهضه من منزله ويخرج معه ليدعو للمسلمين من قبل أن ينزل بهم الأمر الذي هو واقع بهم لا بد لهم منه أو يقلعوا عن الزنى واللواط وشرب الخمر ونقض العهود وعن الربا وسب أصحابي فإن لم يفعلوا ذلك ويقلعوا ويتوبوا حل بهم الأمر قال الرجل: يا معشر المسلمين هي أمانة لله عز وجل لازمة لي وقد أخرجتها من عنقي إلى أعناقكم وأنتم المقلدون لها قد أديت إليكم فاعملوا عليه بحسبة .
والرؤيا في ليلة أحد لثلاث عشرة مضت من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة والقصد إلى أبي بكر النجاد في ذلك .
وتوفي وقد كف بصره ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ودفن صبيحة تلك الليلة عند قبر بشر بن الحارث وعاش خمساً وتسعين سنة .
وقال ابن أبي الفوارس: يقال: إن مولد أبي بكر النجاد سنة ثلاث وخمسين ومائتين .(1/404)
أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر المعروف بالخلال
له التصانيف الدائرة والكتب السائرة من ذلك: الجامع والعلل والسنة والطبقات والعلم وتفسير الغريب والأدب وأخلاق أحمد وغير ذلك .
وسمع الحسن بن عرفة وسعدان بن نصر ومحمد بن عوف الحمصي ومن في طبقتهم وبعدهم وصحب أبا بكر المروذي إلى أن مات وسمع جماعة من أصحاب إمامنا مسائلهم لأحمد منهم: صالح وعبد الله ابناه وإبراهيم الحربي والميموني وبدر المغازلي وأبو يحيى الناقد وحنبل ابن عم إمامنا والقاضي البرتي وحرب الكرماني وأبو زرعة الدمشقي وإسماعيل بن إسحاق الثقفي ويوسف بن موسى القطان الحربي ومحمد بن بشر وأبو النضر العجلي ومحمد بن يحيى الكحال وعمر بن صالح البغدادي وطالب بن حرة الأذني والحسن بن ثواب ومحمد بن الحسن بن حسان وأبو داود السجستاني وأحمد بن هاشم الأنطاكي وعثمان بن صالح بن خرزاذ وأحمد بن المكين الأنطاكي ومن يكثر تعدادهم ويشق إحصاء أسمائهم سمع منهم مسائل أحمد ورحل إلى أقاصي البلاد في جمع مسائل أحمد وسماعها ممن سمعها من أحمد وممن سمعها ممن سمعها من أحمد فنال منها وسبق إلى ما لم يسبقه إليه سابق ولم يلحقه بعده لاحق وكان شيوخ المذهب يشهدون له بالفضل والتقدم .
قال أبو بكر عبد العزيز: سمعت الشيخ أبا الحسن بن بشار الزاهد وأبو بكر الخلال بحضرته في مسجده وقد سئل عن مسألة فقال: سلوا الشيخ هذا يعني أبا بكر الخلال إمام في مذهب أحمد سمعته يقول هذا مراراً .
وقال أبو بكر عبد العزيز: سمعت أبا بكر الخلال يقول: من لم يعارض لم يدر كيف يضع رجله .
حدث عنه جماعة: منهم: أبو بكر عبد العزيز ومحمد بن المظفر والحسن بن يوسف الصيرفي .(1/405)
وقال أبو بكر الخلال: ينبغي لأهل العلم أن يتخذوا للعلم المعرفة له والمذاكرة به ومع ذلك كثرة السماع وتعاهده والنظر فيه فقد كان أول من عني بهذا الشأن: شعبة بن الحجاج ثم كان بعده يحيى القطان وتعاهد الناس العلم بعد ذلك بتعاهدهما ثم كان بعد هذين ثلاثة لم يكن لهم رابع: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني .
فأما علي بن المديني: فأفسد نفسه وخرج عن الحد وتابع ابن أبي دؤاد على أشياء لا يسمح بذكرها عنه وإعادتها فمات أمره البتة وقد كان أحمد يذكره عند مذاكرة الأحاديث فقال: كان يتهادم ويقعد يذاكر ونحن نسمع ونفوته وكتب عن أحمد بن حنبل شيئاً كثيراً من حديث شعبة وغيره ومات أمره بما أحدث من أمر إجابته .
وأما يحيى بن معين: فأخطأ كما يخطأ الناس وقال: تريدون منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل? لا والله ما نقوى على طريقة أحمد بن حنبل .
وسئل أبو بكر الخلال عن طير وقع في قدر? فقال: إن كانت القدر تغلي فاللحم وما فيها يجتذب النجاسة فيهراق كله وإن كانت قد هدأت غسل اللحم وما فيها وأهريق المرق .
أخبرنا بركة أخبرنا إبراهيم عن عبد العزيز أخبرنا أبو بكر الخلال حدثنا إسماعيل بن إسحاق الثقفي النيسابوري أن أبا عبد الله سئل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه? قال: لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه .
وبه قال: حدثني يوسف بن موسى قال: قيل لأبي عبد الله والشقاء والسعادة مقدران على العباد ? قال: نعم قيل له: والناس يصيرون إلى مشيئة الله عز وجل فيهم من حسن أو سيئ? قال: نعم .
وبه: حدثنا أبو بكرالمروذي قال: قيل لأبي عبد الله: نقول إنا مؤمنون? قال: لا ولكن نقول: إنا مسلمون .
وقال الخلال: بلغني أن أحمد سئل عن الزاهد: يكون زاهداً ومعه دينار? قال: نعم على شريطة إذا زادت لم يفرح وإذا نقصت لم يحزن .
قال: وبلغني أن أحمد قال: قال سفيان: حب الرياسة أعجب إلى الرجل من الذهب والفضة ومن أحب الرياسة طلب عيوب الناس أو عاب الناس أو نحو هذا .(1/406)
قال الخلال: وأخبرنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي قال: سمعت سفيان يقول: ما ازداد رجل علماً فازداد من الدنيا قرباً إلا ازداد من الله بعداً .
وقال الخلال أيضاً: أخبرني يزيد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا إسماعيل بن يزيد الأصبهاني قال حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل يقول: علامة الزهد في الناس: إذا لم يحب ثناء الناس عليه ولم يبال بمذمتهم وإن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك أن لا تعرف وما عليك أن لا يثنى عليك وما عليك أن تكون مذموماً عند الناس إذا كنت محموداً عند الله ومن أحب أن يذكر لم يذكر ومن كره أن يذكر: ذكر .
وكانت حلقة أبي بكر الخلال بجامًع المهدي .
وتوفي يوم الجمعة ليومين خليا من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة ودفن إلى جنب قبر المروذي عند رجل أحمد .
قال أبو بكر عبد العزيز: رأيت أبا بكر الخلال في المنام فسألته عما يأكل فقال: ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ أما علمت أن طعام الجنة لا ينفد ? .
أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي المقرىء أبو بكر
حدث عن الفضل بن زياد القطان صاحب أبي عبد الله إمامنا .
فيما أنبأنا رزق الله عن أبي الفتح بن الفوارس أخبرنا محمد بن حيويه حدثنا أبو بكر الأدمي المقرىء حدثنا الفضل بن زياد القطان صاحب أبي عبد الله أحمد بن حنبل قال سمعت أبا عبد الله يقول: من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة .
وبه: حدثنا الفضل قال سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرجل يسأل عن الشيء من المسائل فيرشد صاحب المسألة إلى رجل يسأله عنها: هل عليه شيء في ذلك ? فقال: إذا كان الرجل متبعاً أرشده إليه فلا بأس قيل له: فيفتي بقول مالك وهؤلاء ? قال: لا إلا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وما روي عن أصحابه فإن لم يكن روى عن أصحابه شيء فعن التابعين .(1/407)
وبه: أخبرنا الفضل حدثنا أبو طالب -إملاء علي- قال أبو عبد الله: إنما على الناس اتباع الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحها من سقيمها ثم يتبعها إذا لم يكن لها مخالف ثم بعد ذلك قول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر وأئمة الهدى يتبعون على ما قالوا وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يخالفون إذا لم يكن قول بعضهم لبعض مخالفاً فإذا اختلفوا نظر في الكتاب: بأي قولهم كان أشبه بالكتاب أخذ به أو كان أشبه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ به فإن لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نظر في قول التابعين فأي قولهم كان أشبه بالكتاب والسنة أخذ به وترك ما أحدث الناس بعدهم .
ذكر من اسمه إبراهيم
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب أبو الحسن السيرجي الخصيب
المتخصص بصحبة أبي بكر المروذي له تصانيف .
حدث عن عباس الدوري وعلي بن داود القنطري ويحيى بن أبي طالب .
حدث عنه أبو الحسن الدارقطني ذكر ابن الثلاج: أنه سمع منه .
وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة .
أبو الفرج الهندباني
صحب المروذي وروى عنه أشياء .
منها قال: سمعت المروذي يقول: سئل أحمد: إيش قلت لما انقطع سراويلك ? قال :قلت: سبحانك يا من لا يعلم كنا عظمة ما هو فيه إلا هو
باب الجيم
جعفر بن محمد بن أحمد بن الوليد القافلائي أبو الفضل: حدث عن محمد بن إسحاق الصاغاني وعلي بن داود القنطري وأحمد بن الوليد الفحام وعيسى بن محمد الإسكافي وعبد الله بن روح المدائني وأحمد بن أبي خيثمة في آخرين وصحب ممن صحب إمامنا جماعة منهم: إسحاق بن إبراهيم فيما قرأته في كتاب أبي بكر بن عبد العزيز صاحب الخلال بخطه. قال: حدثنا جعفر بن محمد القافلائي حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: سألت أحمد عن الخنثي: من يغسله إذا مات ? قال: ما كان له خمس سنين أو سبع سنين فلا بأس كل من غسله .(1/408)
وروى عنه أبو بكر بن مالك القطيعي وأبو الفضل عبيد الله الزهري ومحمد بن المظفر الحافظ وأبو بكر بن شاذان وأبو حفص بن شاهين ويوسف بن عمر القواس -واللفظ ليوسف القواس- قال: حدثنا أبو الفضل جعفر القافلائي سمعت منه في جامع المدينة وكان من الثقات وتوفي سنة خمس وعشرين وثلاثمائة .
جعفر بن محمد بن يعقوب أبو الفضل الصندلي: سمع إبراهيم بن محشر الكاتب وإسحاق بن إبراهيم البغوي والحسن بن محمد الزعفراني وعلي بن حرب الطائي ومحمد بن إسماعيل الحساني ومحمد بن المثنى السمسار وصحب من أصحاب إمامنا: الفضل بن زياد وخطاب بن بشر وغيرهما .
حدث عنه عبد العزيز جعفر بن الخرقي وأبو عمر بن حيويه ويوسف بن القواس .
وذكره ابن ثابت فقال: كان ثقة صالحاً ديناً يسكن باب الشعير .
قال: وأخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال: حدثنا يوسف القواس قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي الأطروش سنة سبع عشرة وثلاثمائة ومات فيها وكان يقال: إنه من الأبدال.
قال ابن ثابت: هذا وهم في وفاته والصحيح: ما أخبرنا السمسار -يعني ابن قشيش- قال أخبرنا الصفار قال حدثنا ابن قانع: أن جعفر الصندلي مات في شهر ربيع الآخر من سنة ثمان عشرة وثلاثمائة .
وقرأت أنا في الجزء الأول من كتاب الزكاة رواية عمر بن حيوية: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال: أخبرنا الفضل بن زياد القطان قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن زكاة الحلى ? فقال: يروى فيه عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يرون في الحلى زكاة .
باب الحاء من الطبقة الثانية
الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري: شيخ الطائفة في وقته ومتقدمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد واللسان وكان له صيت عند السلطان وقدم عند الأصحاب وكان أحد الأئمة العارفين والحفاظ للأصول المتقين والثقات المؤمنين .(1/409)
صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد منهم المروذي وصحب سهل التستري قال البربهاري: سمعت سهلاً يقول: إن الله خلق الدنيا وجعل فيها جهالاً وعلماء وأفضل العلم ما عمل به. والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل به هباء إلا ما صح وما صح: فلست أقطع به إلا باستثناء ما شاء الله .
قرأت على علي القرشي عن الحسن الأهوازي قال: سمعت أبا عبد الله الحمراني يقول: لما دخل الأشعري إلى بغداد جاء إلى البربهاري فجعل يقول: رددت عل الجبائي وعلى أبي هاشم ونقضت عليهم وعلى اليهود والنصارى والمجوس وقلت لهم وقالوا وأكثر الكلام في ذلك فلما سكت قال البربهاري: ما أدري مما قلت قليلاً ولا كثيراً ولا نعرف إلا ما قاله أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال: فخرج من عنده وصنف كتاب "الإبانة" فلم يقبله منه ولم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها .
وصنف البربهاري مصنفات منها: شرح كتاب السنة ذكر فيه : واحذر صغار المحدثات فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها فعظمت وصارت ديناً يدان به فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر: هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء ? فإن أصبت فيه أثراً عنهم: فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر فيه شيئاً فتسقط في النار.
واعلم أن الخروج عن الطريق على وجهين أما أحدهما: فرجل قد زل عن الطريق وهو لا يريد إلا الخير فهو لا يقتدى بزلله فإنه هالك ورجل عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين فهو ضال مضل شيطان في هذه الأمة حقيق على من عرفه أن يحذر الناس منه ويبين لهم قصته لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك .(1/410)
واعلم -رحمك الله- أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعاً مصدقاً مسلماً فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم وكفى بهذا فرقه فطعن عليهم فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه .
واعلم -رحمك الله- أنه ليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تتبع فيها الأهواء وهو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ولا يقال: لم ? ولا: كيف? فالكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب وإن أصاب صاحبه الحق والسنة .
واعلم أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو جل ثناؤه: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ربنا أول بلا متى وآخر بلا منتهى يعلم السر وأخفى وهو على عرشه استوى وعلمه بكل مكان لا يخلو من علمه مكان ولا يقول في صفات الرب تعالى: لم? ولا كيف? إلا شاك في الله تبارك وتعالى والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره وليس مخلوقاً لأن القرآن من الله وما كان من الله فليس بمخلوق . وهكذا قال مالك بن أنس والفقهاء قبله وبعده والمراء فيه كفر .
والإيمان بالرؤية يوم القيامة يرون الله عز وجل بأعين رؤوسهم وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان .
والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفتان وله لسان .
والإيمان بعذاب القبر ومنكر ونكير والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل نبي حوض إلا صالح عليه السلام فإن حوضه ضرع ناقته .
والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة وعلى الصراط ويخرجهم من جوف جهنم وما من نبي إلا وله شفاعة وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء والخروج من النار بعدما أحرقوا وصاروا فحماً.(1/411)
والإيمان بالصراط على جهنم يأخذ الصراط من شاء الله ويجوز من شاء الله ويسقط في جهنم من شاء الله ولهم أنوار على قدر إيمانهم .
والإيمان بالأنبياء والملائكة والإيمان بالجنة والنار: أنهما مخلوقتان الجنة في السماء السابعة وسقفها العرش والنار تحت الأرض السابعة السفلى وهما مخلوقتان قد علم الله تعالى عدد أهل الجنة ومن يدخلها وعدد أهل النار ومن يدخلها لا يفنيان أبداً بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين ودهر الداهرين .
وآدم عليه السلام كان في الجنة الباقية المخلوقة فأخرج منها بعدما عصى الله عز وجل .
والإيمان بالمسيح الدجال والإيمان بنزول عيسى بن مريم عليه السلام ينزل فيقتل الدجال ويتزوج ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم ويموت ويدفنه المسلمون .
والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص يزيد ما شاء الله وينقص حتى لا يبقى منه شيء .
وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي يسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ثم أفضل الناس بعد هؤلاء طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر ابن الجراح وكلهم يصلح للخلافة ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار وهم من صلى القبلتين ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أو شهراً أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر نترحم عليهم ونذكر فضلهم ونكف عن زللهم ولا نذكر أحداً منهم إلا بالخير لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا" وقال سفيان بن عيينة: من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" .(1/412)
والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى ومن ولي الخلافة بإجماع عليه ورضاهم به: فهو أمير المؤمنين لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام براً كان أو فاجراً والحج والغزو مع الإمام ماض وصلاة الجمعة خلفهم جائزة ويصلى بعدها ست ركعات يفصل بين كل ركعتين هكذا قال أحمد بن حنبل .
والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار وميتته ميتة جاهلية .
ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري: "اصبر وإن كان عبداً حبشياً" وقوله للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وليس في السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين .
ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أموالهم وأنفسهم وأهليهم وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم ولا يجهز على جريحهم ولا يأخذ فيهم ولا يتبع مدبرهم واعلم أن لا طاعة لبشر في معصية الله عز وجل .
ومن كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بعمل خير ولا شر فإنك لا تدري بما يختم له عند الموت ترجو له رحمة الله وتخاف عليه ذنوبه لا تدري ما سبق له عند الموت إلى الله من الندم وما أحدث الله في ذلك الوقت إذا مات على الإسلام ترجو له الرحمة وتخاف عليه ذنوبه وما من ذنب إلا وللعبد منه توبة والرجم حق والمسح على الخفين سنة وتقصير الصلاة في السفر سنة والصوم في السفر: من شاء صام ومن شاء أفطر ولا بأس بالصلاة في السراويل.
والنفاق: أن يظهر الإسلام باللسان ويخفي الكفر بالضمير .
واعلم بأن الدنيا دار إيمان وإسلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها مؤمنون مسلمون في أحكامهم ومواريثهم وذبائحهم والصلاة عليهم ولا نشهد لأحد بحقيقة الإيمان حتى يأتي بجميع شرائع الإسلام فإن قصر في شيء من ذلك كان ناقص الإيمان حتى يتوب .(1/413)
واعلم أن إيمانه إلى الله تعالى: تام الإيمان أو ناقص الإيمان إلا ما أظهر ذلك من تضييع شرائع الإسلام .
والصلاة على من مات من أهل القبلة سنة والمرجوم والزاني والزانية والذي يقتل نفسه وغيره من أهل القبلة والسكران وغيرهم: الصلاة عليهم سنة ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام فإذا لم يفعل شيئاً من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة .
وكل ما سمعت من الآثار شيئاً لم يبلغه عقلك نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل" وقوله: "إن الله ينزل إلى سماء الدنيا وينزل يوم عرفة وينزل يوم القيامة" و "أن جهنم لا يزال يطرح فيها حتى يضع عليها قدمه جل ثناؤه" وقول الله تعالى للعبد: "إن مشيت إلي هرولت إليك" وقوله: "خلق الله آدم على صورته" وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن صورة" وأشباه هذه الأحاديث: فعليك بالتسليم والتصديق والتفويض والرضا ولا تفسر شيئاً من هذه بهواك فإن الإيمان بهذا واجب فمن فسر شيئاً من هذا بهواه ورده فهو جهمي ومن زعم أنه يرى ربه في دار الدنيا فهو كافر بالله عز وجل .
والفكرة في الله: بدعة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الله" فإن الفكرة في الرب تقدح الشك في القلب .
واعلم أن الهوام والسباع والدواب كلها مأمورة نحو الذر والذباب والنمل مأمورة ولا يعملون شيئاً إلا بإذن الله تعالى .
والإيمان بأن الله قد علم ما كان من أول الدهر وما لم يكن وما هو كائن ثم أحصاه وعده عداً ومن قال: إنه لا يعلم إلا ما كان وما هو كائن: فقد كفر بالله العظيم .(1/414)
ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وصداق قل أو كثر ومن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً فقد حرمت عليه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ولا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان أو مرتد بعد إيمان أو قتل نفس مؤمنة بغير حق فيقتل به وما سوى ذلك: فدم المسلم على المسلم حرام أبداً حتى تقوم الساعة .
وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى إلا الجنة والنار والعرش والكرسي والصور والقلم واللوح ليس يفنى شيء من هذا أبداً ثم يبعث الله الخلق على ما أماتهم عليه يوم القيامة ويحاسبهم بما شاء: فريق في الجنة وفريق في السعير ويقول لسائل الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً .
والإيمان بالقصاص يوم القيامة من الخلق كلهم وبين بني آدم والسباع والهوام حتى الذرة من الذرة حتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض لأهل الجنة من أهل النار ولأهل النار من أهل الجنة ولأهل الجنة بعضهم من بعض ولأهل النار بعضهم من بعض .
وإخلاص العمل لله والرضا بقضاء الله والصبر على حكم الله والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها .
والإيمان بما قال الله قد علم الله ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون لا يخرجون من علم الله ولا يكون في الأرضين والسماوات إلا ما علم الله تعالى وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولا خالق مع الله عز وجل .
والتكبير على الجنائز أربع وهو قول مالك بن أنس وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأحمد ابن حنبل والفقهاء وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والإيمان بأن مع كل قطرة ملك ينزل من السماء حتى يضعها حيث أمره الله عز وجل .
والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القلب يوم بدر- أي المشركين- كانوا يسمعون كلامه .(1/415)
والإيمان بأن الرجل إذا مرض آجره الله على مرضه والشهيد يأجره الله على شهادته .
والإيمان بأن الأطفال إذا أصابهم شيء في دار الدنيا يألمون وذلك أن بكر ابن أخت عبد الوهاب قال: لا يألمون وكذب .
واعلم أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ولا يعذب الله أحداً إلا بذنوب بعد ذنوب ولو عذب أهل السماوات والأرض: برهم وفاجرهم عذبهم غير ظالم لهم لا يجوز أن يقال لله عز وجل: إنه ظلم وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له والله له الخلق والأمر والخلق خلقه والدار داره لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يقال: لم? وكيف? ولا يدخل أحد بين الله وبين خلقه .
وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتهمه على الإسلام فإنه رجل رديء المذهب والقول وإنما يطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه لأنا إنما عرفنا الله وعرفنا رسوله وعرفنا القرآن وعرفنا الخير والشر والآخرة بالآثار وأن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن .
والكلام والجدل والخصومة في القدر منهي عنه عند جميع الفرق لأن القدر سر الله ونهى الرب جل اسمه الأنبياء عن الكلام في القدر ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخصومة في القدر وكرهه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وكرهه العلماء وأهل الورع ونهوا عن الجدال في القدر فعليك بالتسليم والإقرار والإيمان واعتقاد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة الأشياء واسكت عما سوى ذلك .
والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء وصار إلى العرش وسمع كلام الله ودخل الجنة واطلع في النار ورأى الملائكة وسمع كلام الله عز وجل وبشرت به الأنبياء ورأى سرادقات العرش والكرسي وجميع ما في السموات وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة ورجع إلى مكة ليلته وذلك قبل الهجرة .(1/416)
واعلم أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل تحت العرش وأرواح الفجار والكفار في بئر برهوت وهي في سجين والإيمان بأن الميت يقعد في قبره وترسل فيه الروح حتى يسأله منكر ونكير عن الإيمان وشرائعه ثم تسل روحه بلا ألم ويعرف الميت الزائر إذا زاره ويتنعم المؤمن في القبر ويعذب الفاجر كيف شاء الله .
والإيمان بأن الله هو الذي كلم موسى بن عمران يوم الطور وموسى يسمع من الله الكلام بصوت وقع في مسامعه منه لا من غيره فمن قال غير هذا: فقد كفر بالله العظيم .
والعقل مولود أعطى كل إنسان من العقل ما أراد الله يتفاوتون في العقل مثل الذرة في السماوات ويطلب من كل إنسان من العمل على قدر ما أعطاه من العقل وليس العقل باكتساب إنما هو فضل الله .
واعلم أن الله فضل العباد بعضهم على بعض في الدين والدنيا عدلاً منه لا يقال: جاد ولا حابى فمن قال: إن فضل الله على المؤمن والكافر سواء فهو صاحب بدعة فضل الله المؤمن على الكافر والطائع على العاصي والمعصوم على المخذول عدل منه هو فضله يعطيه من يشاء ويمنعه من يشاء .
ولا يحل أن تكتم النصيحة أحداً من المسلمين برهم وفاجرهم في أمر الدين فمن كتم فقد غش المسلمين ومن غش المسلمين فقد غش الدين ومن غش الدين فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
والله سميع بصير عليم يداه مبسوطتان قد علم أن الخلق يعصونه قبل أن يخلقهم علمه نافذ فيهم فلم يمنعه علمه فيهم أن هداهم للإسلام ومن عليهم كرماً وجوداً وتفضلاً فله الحمد .
واعلم أن البشارة عند الموت ثلاث بشارات يقال: أبشر يا حبيب الله برضى الله والجنة ويقال: أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الانتقام ويقال: أبشر يا عدو الله بغضب الله والنار هذا قول ابن عباس .(1/417)
واعلم أن أول من ينظر إلى الله تعالى في الجنة الأضراء ثم الرجال ثم النساء بأعين رؤوسهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته" والإيمان بهذا واجب وإنكاره كفر .
واعلم أنها لم تكن زندقة ولا كفر ولا شكوك ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين: إلا من الكلام وأهل الكلام والجدل والمراء والخصومة وكيف يجترىء الرجل على المراء والخصومة والجدال والله يقول: ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فعليك بالتسليم والرضى بالآثار والكف والسكوت والإيمان بأن الله يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل والنار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم وذلك أن الجهمية منهم هشام الفوطي قال: إنما يعذب الله عند النار رداً على الله ورسوله .
واعلم أن الصلاة الفريضة خمس صلوات لا يزاد فيهن ولا ينقص في مواقيتها وفي السفر ركعتان إلا المغرب فمن قال: أكثر من خمس فقد ابتدع ومن قال: أقل من خمس فقد ابتدع لا يقبل الله شيئاً منها إلا لوقتها إلا أن يكون نسيان فإنه معذور يأتي بها إذا ذكرها أو يكون مسافراً فيجمع بين الصلاتين إن شاء .
والزكاة من الذهب والفضة والحبوب والدواب على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قسمها فجائز وإن دفعها إلى الإمام فجائز والله أعلم .
واعلم أن أول الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن ما قال الله كما قال ولا خلف لما قال وهو عند ما قال .
والإيمان بالشرائع كلها واعلم أن الشراء والبيع حلال إذا بيع في أسواق المسلمين على حكم الكتاب والسنة من غير أن يدخله ظلم أو غدر أو خلاف للقرآن أو خلاف للعلم .(1/418)
واعلم أن ينبغي للعبد أن تصحبه الشفقة أبداً ما صحب الدنيا لأنه لا يدري على ما يموت وبما يختم له وعلى ما يلقي الله عز وجل? وإن عمل كل عمل من الخير وينبغي للرجل المسرف على نفسه: أن لا يقطع رجاءه عند الموت ويحسن ظنه بالله ويخاف ذنوبه فإن رحمه الله فبفضل وإن عذبه فبذنب .
والإيمان بأن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته إلى يوم القيامة.
واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة قيل: من هم يا رسول الله? قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي" هكذا كان الدين إلى خلافة عمر بن الخطاب الجماعة كلها وهكذا في زمن عثمان: فلما قتل عثمان رضي الله عنه: جاء الاختلاف والبدع وصار الناس فرقاً فمن الناس من ثبت على الحق عند أول التغيير وقال به وعمل به ودعا إليه وكان الأمر مستقيماً حتى كانت الطبقة الرابعة: انقلب الزمان وتغير الناس جداً وفشت البدع وكثر الدعاة إلى غير سبيل الحق والجماعة ووقعت المحنة في كل شيء لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ودعوا إلى الفرقة وقد نهى الله عز وجل عن الفرقة وكفر بعضهم بعضاً وكل دعاء إلى رأيه وإلى تكفير من خالفه فضل الجهال والرعاع ومن لا علم له وأطمعوا الناس في شيء من أمر الدنيا وخوفوهم عقاب الدنيا فاتبعهم الخلق على خوف في دنياهم ورغبة في دنياهم فصارت السنة وأهل السنة مكتومين وظهرت البدعة وفشت وكفروا من حيث لا يعلمون من وجوه شتى ووضعوا القياس وحملوا قدرة الرب وآياته وأحكامه وأمره ونهيه على عقولهم وآرائهم فما وافق عقولهم قبلوه وما خالف عقولهم ردوه فصار الإسلام غريباً والسنة غريبة وأهل السنة غرباء في جوف ديارهم .
واعلم أن المتعة متعة النساء والاستحلال: حرام إلى يوم القيامة .(1/419)
واعرف لبني هاشم فضلهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعرف فضل قريش والعرب وجميع الأفخاذ واعرف قدرهم وحقوقهم في الإسلام ومولى القوم منهم واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وآل الرسول فلا تسبهم واعرف فضلهم وكراماتهم من أهل المدينة .
واعلم أن أهل العلم لم يزالوا يردون قول الجهمية حتى كان في خلافة بني العباس: تكلمت الرويبضة في أمر العامة وطعنوا على آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذوا بالقياس والرأي وكفروا من خالفهم فدخل في قولهم الجاهل والمغفل والذي لا علم له حتى كفروا من حيث لا يعلمون فهلكت الأمة من وجوه وكفرت من وجوه وتفرقت وابتدعت من وجوه إلا من ثبت على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يتخط واحد ولم يجاوز أمرهم ووسعه ما وسعهم ولم يرغب عن طريقتهم ومذهبهم لأنهم على الإسلام الصحيح والإيمان الصحيح فقلدهم دينه واستراح .
واعلم أن الدين إنما هو التقليد والتقليد لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قال: لفظه بالقرآن مخلوق: فهو جهمي ومن سكت ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق: فهو جهمي هكذا قال أحمد بن حنبل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ" .
واعلم أنه إنما جاء هلاك الجهمية: من أنهم فكروا في الرب عز وجل فأدخلوا: لم? وكيف? وتركوا الأثر ووضعوا القياس وقاسوا الدين على رأيهم فجاءوا بالكفر عياناً لا يخفى إنهم كفروا وكفروا الخلق واضطرهم الأمر إلى أن قالوا بالتعطيل .(1/420)
قال بعض العلماء منهم أحمد بن حنبل الجهمي كافر ليس من أهل القبلة حلال الدم لا يرث ولا يورث لأنه قال: لا جمعة ولا جماعة ولا عيدين وقالوا: من لم يقل القرآن مخلوق فهو كافر واستحلوا السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم وخالفوا من كان قبلهم وامتحنوا الناس بشيء لم يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه وأرادوا تعطيل المساجد والجوامع وأوهنوا الإسلام وعطلوا الجهاد وعملوا في الفرقة وخالفوا الآثار وتكلموا بالمنسوخ واحتجوا بالمتشابه فشككوا الناس في أديانهم واختصموا في ربهم وقالوا: ليس هناك عذاب قبر ولا حوضاً ولا شفاعة والجنة والنار لم يخلقا وأنكروا كثيراً مما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحل من استحل تكفيرهم ودماءهم من هذا الوجه لأنه من رد آية من كتاب الله: فقد رد الكتاب كله ومن رد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد رد الأثر كله وهو كافر بالله العظيم فدامت لهم المدة ووجدوا من السلطان في ذلك معونة ووضعوا السيف والسوط على ذلك فدرس علم السنة والجماعة وأوهنوهما فصاروا مكتومين لإظهار البدع والكلام فيها ولكثرتهم فاتخذوا المجالس وأظهروا آراءهم ووضعوا فيها الكتب وأطغوا الناس وطلبوا لهم الرياسة فكانت فتنة عظيمة لم ينج منها إلا من عصم الله فأدنى ما كان يصيب الرجل في مجالستهم: أن يشك في دينه أو يتابعهم أو يرى رأيهم على الحق ولا يدري أنهم على حق أو على باطل فصار صاكاً شاكاً فهلك الخلق حتى كانت أيام جعفر الذي يقال له المتوكل فأطفأ الله به البدع وأظهر به الحق وأظهر أهل السنة وطالت ألسنتهم مع قلتهم وكثرة أهل البدع إلى يومنا هذا .
فالرسم والبدع وأهل الضلالة قد بقي منهم قوم يعملون بها ويدعون إليها لا مانع يمنعهم ولا حاجز يحجزهم عما يقولون ويعملون .(1/421)
واعلم أنه لم تجيء زندقة قط إلا من الهمج الرعاع وأتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح فمن كان هكذا فلا دين له قال الله عز وجل: فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم وهم علماء السوء أصحاب الطمع .
واعلم أنه لا يزال الناس في عصابة من أهل الحق والسنة يهديهم الله ويهدي بهم ويحيي بهم السنن وهم الذين وصفهم الله تعالى مع قلتهم عند الاختلاف فقال: وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغياً بينهم ثم استثناهم فقال: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي ما يشاء إلى صراط مستقيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال عصابة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون" .
واعلم أن العلم ليس بكثرة الرواية والكتب ولكن العالم: من اتبع العلم والسنة وإن كان قليل العلم والكتب ومن خالف الكتاب والسنة فهو صاحب بدعة وإن كان كثير الرواية والكتب .
واعلم أنه من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأوله من غير حجة من السنة والجماعة فقد قال على الله ما لا يعلم ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين والحق ما جاء من عند الله عز وجل والسنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والجماعة ما اجتمع عيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والجماعة: فلج على أهل البدعة كلهم واستراح بدنه وسلم له دينه إن شاء الله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستفترق أمتي" وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية منها فقال: "ما أنا عليه وأصحابي" فهذا هو الشفاء والبيان والأمر الواضح والمنار المستقيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بدينكم العتيق" .(1/422)
واعلم أن الدين العتيق: ما كان من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف فتحاربت الأمة وافترقت واتبعت الطمع والهوى والميل إلى الدنيا .
وليس لأحد رخصة في شيء أخذ به مما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون رجل يدعو إلى شيء أخذ به من قبله أو من قبل رجل من أهل البدع فهو كمن أحدثه ممن زعم ذلك وقال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة وأباح الهوى وهو أشر على هذه الأمة من إبليس ومن عرف ما ترك أهل البدع من السنة وما فارقوا منها فتمسك به: فهو صاحب سنة وجماعة حقيق أن يتبع وأن يعاون ويحفظ وهو ممن أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلموا أن أصول البدع أربعة أبواب يتشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى ويصير كل واحد من البدع يتشعب حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة كلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة وهو من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك فهو صاحب سنة وهو ناج إن شاء الله تعالى .
واعلم أن الناس لو وقفوا عند محدثات الأمور ولم يجاوزوها بشيء ولم يولدوا كلاماً مما لم يجيء فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه: لم تكن بدعة .
واعلم أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمناً حتى يكون كافراً: إلا أن يجحد شيئاً مما أنزل الله أو يزيد في كلام الله أو ينقص أو ينكر شيئاً مما قال الله عز وجل أو شيئاً مما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاتق الله وانظر لنفسك وإياك والغلو في الدين فإنه ليس من شرط الحق في شيء .
وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب: فهو عن الله تعالى وعن رسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع .(1/423)
فاتق الله يا عبد الله وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضى بما في هذا الكتاب ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة فعسى الله أن يرد به حيران من حيرته أو صاحب بدعة من بدعته أو ضالاً عن ضلالته فينجو به .
فاتق الله وعليك بالأمر الأول العتيق وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب .
فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به فإنه دين الله ودين رسوله وإنه من استحل شيئاً خلافاً لما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين وقد رده كله كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله عز وجل إلا أنه شك في حرف: فقد رد جميع ما قال الله وهو كافر كما أن شهادة أن لا إله إلا الله: لا تقبل من صاحبها إلا بصدق النية وخالص اليقين وكذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض ومن خالف ورد من السنة شيئاً فقد رد السنة كلها فعليك بالقبول ودع عنك المحال واللجاج فإنه ليس من دين الله في شيء وزمانك خاصة زمان سوء فاتق الله .
فإذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك وفر من جوار الفتنة وإياك والعصبية وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة فاتق الله وحده لا شريك له ولا تخرج فيها ولا تقاتل فيها ولا تهوى ولا تشايع ولا تمايل ولا تحب شيئاً من أمورهم فإنه يقال: من أحب فعال قوم خيراً كان أو شراً كان كمن عمله .
وفقنا الله وإياكم لمرضاته وجنبنا وإياكم معاصيه .
وأقل من النظر في النجوم إلا بما تستعين به على مواقيت الصلاة واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة .
وإياك والنظر في الكلام والجلوس إلى أصحاب الكلام وعليك بالآثار وأهل الآثار وإياهم فاسأل ومعهم فاجلس ومنهم فاقتبس .
واعلم أنه ما عبد الله بشيء مثل الخوف من الله وطريق الخوف والحذر والشفقات والحياء من الله واحذر أن تجلس مع من يدعو إلى الشوق والمحبة ويخلو مع النساء وطريق المذهب فإن هؤلاء كلهم على ضلالة .(1/424)
واعلم أن الله تعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته ومن من بعد ذلك على من يشاء بالإسلام تفضلاً منه .
والكف عن حرب علي ومعاوية وعائشة وطلحة والزبير رحمهم الله أجمعين ومن كان معهم لا تخاصم فيهم وكل أمرهم إلى الله تعالى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني" وقال: "إن الله تعالى نظر إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" .
واعلم أنه لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه لا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرد على أربابها فأخذت حراماً والمكاسب مطلقة ما بان لك صحته مطلق إلا ما ظهر فساده فإن كان فاسداً يأخذ من الفاسد ممسكة نفسه ولا تقول أترك المكاسب وآخذا ما أعطوني لم يفعل هذا الصحابة ولا العلماء إلى زماننا هذا وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس" .
والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهمياً فإنه معطل وإن صليت خلفه فأعد صلاتك وإن كان إمامك يوم الجمعة جهمياً وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد صلاتك .
والإيمان بأن أبا بكر وعمر رحمة الله عليهما في حجرة عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دفنا هنالك معه فإذا أتيت القبر فالتسليم عليهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إلا من خفت سيفه وعصاه والسلام على عباد الله أجمعين .
ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع والعذر: المريض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد أو خوف من سلطان ظالم وما سوى ذلك فلا عذر لك ومن صلى خلف إمام لا يقتدى به فلا صلاة له .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان والقلب بلا سيف فالمستور من المسلمين من لم يظهر منه ريبة .(1/425)
وكل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب ولا في السنة فهو بدعة وضلالة لا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه .
وأي امرأة وهبت نفسها لرجل: فإنها لا تحل له يعاقبان إن نال منها شيئاً إلا بولي وشاهدي عدل وصداق .
وإذا رأيت الرجل يطعن على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب هوى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا". فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون منهم من الزلل بعد موته فلم يقل فيهم إلا خيراً وقال: "ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيراً" ولا تحدث بشيء من زللهم ولا خبرهم ولا ما غاب عنك علمه ولا تسمعه من أحد يحدث به فإنه لا يسلم قلبك إن سمعته .
وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع .
واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم جوره على نفسه وتطوعك وبرك معه تام إن شاء الله تعالى -يعني الجماعة والجمعة- والجهاد معهم وكل شيء من الطاعات فشاركهم فيه .
وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى وإذا سمعت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله يقول فضيل بن عياض: لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن جاروا وظلموا لأن جورهم وظلمهم على أنفسهم وعلى المسلمين وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين.
ولا تذكر أحداً من أمهات المسلمين إلا بخير .
وإذا رأيت الرجل يتعاهد الفرائض في جماعة مع السلطان وغيره فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى وإذا رأيت الرجل يتهاون بالفرائض في جماعة وإن كان مع السلطان فاعلم أنه صاحب هوى .
والحلال: ما شهدت عليه وحلفت عليه: أنه حلال وكذلك الحرام ما حاك في صدرك فهو شبهة .(1/426)
والمستور من بان ستره والمهتوك من بان هتكه وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي وإذا سمعت الرجل يقول: فلان مشبه أو فلان يتكلم بالتشبيه فاعلم أنه جهمي وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد واشرح لي التوحيد فاعلم أنه خارجي معتزلي أو يقول: فلان مجبر أو يتكلم بالإجبار أو تكلم بالعدل فاعلم أنه قدري لأن هذه الأسماء محدثة أحدثها أمن الأهواء وقال عبد الله بن المبارك: لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً ولا عن أهل خراسان في الإرجاء شيئاً ولا عن أهل مكة في الصرف ولا عن أهل المدينة في الغناء لا تأخذوا عنهم في هذه الأشياء .
وإذا رأيت الرجل يحب مالك بن أنس ويتولاه فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله .
وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة وأسيداً فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله وإذا رأيت الرجل يحب أيوب وابن عون ويونس بن عبيد وعبد الله بن إدريس الأودي والشعبي ومالك بن مغول ويزيد بن زريع ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ومالك بن أنس والأوزاعي وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل والحجاج بن المنهال وأحمد بن نصر وذكرهم بخير وقال بقولهم فاعلم أنه صاحب سنة.
وإذا رأيت الرجل يجلس مع أهل الأهواء فاحذره واعرفه فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى .
وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا تشك أنه رجل قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه .
واعلم أن الأهواء كلها ردية تدعو إلى السيف وأردؤها وأكفرها: الرافضة والمعتزلة والجهمية فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة .(1/427)
واعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وقد آذاه في قبره وإذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع فاحذره فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر وإذا رأيت الرجل رد من الطريق والمذهب فاسقاً فاجراً صاحب معاص ظالماً وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنه ليس تضرك معصيته وإذا رأيت الرجل عابداً مجتهداً متقشفاً محترفاً بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني من أين خرجت? قال: من عند عمرو بن عبيد قال: يا بني لأن أراك خرجت من بيت هيتي أحب إلى من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان ولأن تلقى الله زانياً سارقاً فاسقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء .
أفلا تعلم أن يونس قد علم أن الهيتي لا يضل ابنه عن دينه وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره ? .
فاحذر ثم احذر أهل زمانك خاصة وانظر من تجالس وممن تسمع ومن تصحب? فإن الخلق كلهم في ضلالة إلا من عصم الله منهم وإذا رأيت الرجل يذكر المريسي أو ثمامة وأبا الهذيل وهشام الفوطي أو واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة وإن هؤلاء كانوا على الردة واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير منزلتهم .
والمحنة في الإسلام بدعة وأما اليوم فيمتحن بالسنة لقوله: "إن هذا العلم دين فانظروا ممن تأخذون دينكم ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته" فانظر إن كان صاحب سنة له معرفة صدوق كتبت عنه وإلا تركته .(1/428)
وإذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب وكفى به قبولاً فتهلك وما كانت قط زندقة ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة إلا من الكلام والجدال والمراء والقياس وهي أبواب البدع والشكوك والزندقة .
فالله الله في نفسك وعليك بالآثار وأصحاب الأثر والتقليد فإن الدين إنما هو التقليد يعني للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومن قبلنا لم يدعونا في لبس فقلدهم واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر وقف عند متشابه القرآن والحديث ولا تفسر شيئاً ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع فإنك أمرت بالسكوت عنهم فلا تمكنهم من نفسك أما علمت أن محمد بن سيرين مع فضله لم يجب أحداً من أهل البدع في مسألة واحدة ولا سمع منه آية من كتاب الله عز وجل فقيل له: فقال: أخاف أن أعرفها فيقع في قلبي شيء .
وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة وهو يزعم أنه يعظم الله ويتزهد إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره أفليس قد رد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: إنا نحن نعظم الله: أن ينزل من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره فاحذر هؤلاء فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذه الحال وحذر الناس منهم وإذا سألك الرجل عن مسألة في هذا الباب وهو مسترشد فكلمه وأرشده وإذا جاءك يناظرك فاحذره فإن في المناظرة المراء والجدال والمغالبة والخصومة والغضب وقد نهيت عن جميع هذا وهو يزيل عن طريق الحق ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا وعلمائنا أنه جادل أو ناظر أو خاصم وقال الحسن: الحكيم لا يمارى ولا يدارى في حكمته أن ينشرها إن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله .(1/429)
وجاء رجل إلى الحسن فقال: أنا أناظرك في الدين قال الحسن: أنا قد عرفت ديني فإن كان دينك قد ضل منك فاذهب فاطلبه .
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على باب حجرته يقول أحدهم :"ألم يقل الله كذا?" ويقول الآخر :"ألم يقل الله كذا?" فخرج مغضباً فقال :"أبهذا أمرتكم? أم بهذا بعثت إليكم: أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض? فنهاهم عن الجدال" وكان ابن عمر يكره المناظرة ومالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا وقول الله عز وجل أكبر من قول الخلق قال الله تعالى ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا .
وسأل رجل عمر بن الخطاب فقال: "ما الناشطات نشطاً? فقال: لو كنت مخلوقاً لضربت عنقك" وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"المؤمن لا يماري ولا أشفع للمماري يوم القيامة دعوا المراء لقلة خيره ".
ولا يحل لرجل أن يقول: فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة فلا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها .(1/430)
وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى: أربعة أهواء فمن هذه الأربعة الأهواء تشعبت الاثنان وسبعون هوى: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم: فقد خرج من التشيع أوله وآخره ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها يضل من يشاء ويهدي من يشاء فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره وهو صاحب سنة وكل بدعة ظهرت فهي كفر بالله العظيم ومن قال بها فهو كافر بالله لا شك فيه والذين يؤمنون بالرجعة ويقولون: علي بن أبي طالب حي وسيرجع قبل يوم القيامة ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر ويتكلمون في الإمامة وأنهم يعلمون الغيب فاحذرهم فإنهم كفار بالله العظيم .
قال طعمة بن عمر وسفيان بن عيينة: من وقف عند عثمان وعلي: فهو شيعي لا يعدل ولا يكلم ولا يجالس ومن قدم علياً على عثمان: فهو رافضي قد رفض آثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قدم الأربعة على جميعهم وترحم على الباقين وكف عن زللهم: فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب .
والسنة أن نشهد للعشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة أنهم من أهل الجنة لا شك فيه ولا نصلي على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله فقط ونعم أن عثمان قتل مظلوماً ومن قتله كان ظالماً .(1/431)
فمن أقر بما في هذا الكتاب وآمن به واتخذه إماماً ولم يشك في حرف منه ولم يجحد حرفاً منه فهو صاحب سنة وجماعة كامل قد كملت فيه الجماعة ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب أو شك في حرف منه أو شك فيه أو وقف: فهو صاحب هوى ومن جحد أو شك في حرف من القرآن أو في شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقي الله مكذباً.
فاتق الله واحذر وتعاهد إيمانك .
ومن السنة أن لا تطيع أحداً في معصية الله ولا الوالدين والخلق جميعاً ولا طاعة لبشر في معصية الله ولا يحب عليه أحداً وأكره ذلك كله لله .
والإيمان بأن التوبة فرض على العباد وأن يتوبوا إلى الله عز وجل من كبير المعاصي وصغيرها .
ومن لم يشهد لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فهو صاحب بدعة وضلالة شاك فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال مالك بن أنس: من لزم السنة وسلم منه أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مات: كان مع الصديقين والشهداء والصالحين وإن قصر في العمل .
وقال بشر بن الحرث: السنة هي الإسلام والإسلام هو السنة .
وقال الفضيل بن عياض: إذا رأيت رجلاً من أهل السنة فكأنما رأيت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت رجلاً من أهل البدعة فكأنما رأيت رجلاً من المنافقين .
وقال يونس بن عبيد: العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة وأعجب منهم المجيب إلى السنة .
وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة السنة وإياكم والبدع حتى مات .
وقال أحمد بن حنبل: مات رجل من أصحابي فرئي في المنام فقال: قولوا لأبي عبد الله: عليك بالسنة فإن أول ما سألني ربي عز وجل عن السنة .
وقال أبو العالية: من مات على السنة مستوراً فهو صديق والاعتصام بالسنة نجاة .
وقال سفيان الثوري: من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها يعني إلى البدع .(1/432)
وقال داود بن أبي هند: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم .
وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة .
وقال الفضيل بن عياض: لا تجلس مع صاحب بدعة فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة .
وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله علمه وأخرج نور الإسلام من قلبه.
وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة في طريق فجز في طريق غيره .
وقال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع .
وقال الفضيل بن عياض: آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد .
وقال الفضيل بن عياض: إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة: غفر له وإن قل عمله ولا يكن صاحب سنة يمالىء صاحب بدعة إلا نفاقاً ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيماناً ومن انتهر صاحب بدعة أمنه الله يوم الفزع الأكبر ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة فلا تكن صاحب بدعة في الله أبداً .
أنبأنا علي عن ابن بطة قال: سمعت البربهاري يقول: المجالسة للمناظرة تغلق باب الفائدة قال: وسمعت البربهاري يقول: لما أخذ الحاج: يا قوم إن كان يحتاج إلى معاونة بمائة ألف دينار ومائة ألف دينار ومائة ألف دينار -خمس مرات- عاونته قال ابن بطة: لو أرادها معاونة لحصلها من الناس .
وقال ابن بطة: اجتاز بعض المحبين للبربهاري ممن يحضر مجلسه من العوام وهو سكران على بدعي فقال البدعي: هؤلاء الحنبلية قال: فرجع إليه وقال: الحنبلية على ثلاثة أصناف صنف زهاد يصومون ويصلون وصنف يكتبون ويتفقهون وصنف يصفعون لكل مخالف مثلك وصفعه وأوجعه .(1/433)
وسمعت أخي القاسم -نضر الله وجهه- يقول: لم يكن البربهاري يجلس مجلساً إلا ويذكر فيه أن الله عز وجل يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم معه على العرش .
ونقلت من خط الوالد السعيد رضي الله عنه قال: نقلت من خط أبو حفص البرمكي قال: ذكر أبو الحسن بن بشار قال: تنزه البربهاري من ميراث أبيه عن سبعين ألف درهم .
وقال البربهاري مثل أصحاب البدع مثل العقارب يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم فإذا تمكنوا لدغوا وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون .
وقال أيضاً: الناس في خداع متصل .(1/434)
وكانت للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغيطون قلب السلطان عليه ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في خلافة القاهر ووزيره ابن مقلة تقدم بالقبض على البربهاري فاستتر وقبض على جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة وعاقب الله تعالى ابن مقلة على فعله ذلك بأن أسخط عليه القاهر وهرب ابن مقلة وعزله القاهر عن وزارته وطرح في داره النار فقبض على القاهر بالله يوم الأربعاء لست من شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وحبس وخلع وسملت عيناه في هذا اليوم حتى سالتا جميعاً فعمى ثم تفضل الله تعالى وأعاد البربهاري إلى حشمته وزادت حتى إنه لما توفي أبو عبد الله بن عرفه المعروف بنفطويه وحضر جنازته أماثل أبناء الدنيا والدين كان المقدم على جماعتهم في الإمامة: البربهاري وذلك في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وفي هذه السنة ازدادت حشمة البربهاري وعلت كلمته وظهر أصحابه وانتشروا في الإنكار على المبتدعة فبلغنا أن البربهاري اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمته أصحابه فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة وهو في روشنه فسأل عن الحال? فأخبر بها فاستهولها ولم تزل المبتدعة ينقلون قلب الراضي على البربهاري فتقدم الراضي إلى بدر الحرسي صاحب الشرطة بالركوب والنداء ببغداد: أن لا يجتمع من أصحاب البربهاري نفسان فاستتر وكان ينزل بالجانب الغربي بباب محول فانتقل إلى الجانب الشرقي مستتراً فتوفي في الاستتار في رجب سنة تسع وعشرين وثلاثمائة .(1/435)
حدثني محمد بن الحسن المقري قال: حكى لي جدي وجدتي قالا: كان أبو محمد البربهاري قد اختبأ عند أخت توزون بالجانب الشرقي في درب الحمام في شارع درب السلسلة فبقي نحواً من شهر فلحقه قيام الدم: فقالت أخت توزون لخادمها لما مات البربهاري عندها مستتراً: انظر من يغسله فجاء بالغاسل فغسله وغلق الباب حتى لا يعلم أحد ووقف يصلي عليه وحده فطالعت صاحبة المنزل فرأت الدار ملأى رجالاً عليهم ثياب بيض وخضر فلما سلم لم تر أحداً فاستدعت الخادم وقالت: يا حجام أهلكتني مع أخي فقال: يا ستي رأيت ما رأيت? فقالت: نعم فقال: هذه مفاتيح الباب وهو مغلق فقالت: ادفنوه في بيتي فإذا مت فادفنوني عنده في بيت القبة فدفنوه في دارها فماتت بعده بزمان فدفنت في ذلك المكان ومضى الزمان عليها وصارت تربة وهو بقرب دار المملكة بالمخرم .
الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو علي الخرقي: والد أبي القاسم الخرقي صاحب المختصر صحب جماعة من أصحاب أحمد منهم حرب وأكثر من صحبة المروذي وكان يدعى خليفة المروذي حدث عن أبي عمر الدوري المقرىء وعمرو بن علي البصري والمنذر بن الوليد الجارودي الكوفي ومحمد بن مرداس الأنصاري وغيرهم روى عنه ابنه أبو القاسم وأبو بكر الشافعي وأبو علي بن الصواف وأبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن خاقان وأبو بكر عبد العزيز وغيرهم .(1/436)
روى أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد الأصبهاني -وقرىء عليه- أخبرنا أبو العباس أحمد محمد بن يوسف بن مردة المسجدي الأصبهاني -إجازة- حدثنا عبد الوهاب بن جعفر بن علي الميداني حدثنا أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد الكريم المعروف ببكير الخراز الطرسوسي -بدمشق- قال: سمعت أبا نصر المظفر بن محمد بن أحمد بن محمد الخياط حدثنا الحسين بن عبد الله الخرقي وعبدة قالا: حدثنا أبو بكر المروذي قال: قرأت على أبي عبد الله: حدثكم شاذان حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "رأيت ربي عز وجل شاب أمرد جعد قطط عليه حلة حمراء" قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: إنهم يقولون ما رواه إلا شاذان فغضب وقال :من قال هذا? ثم قال: أخبرني عفان حدثنا عبد الصمد بن كيسان حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت :"ربي عز وجل" قال المروذي: فقلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون: ما روى قتادة عن عكرمة شيئاً فقال: من قال هذا? أخرج خمسة ستة أحاديث أو سبعة عن قتادة عن عكرمة .
وروى أبو مزاحم الخاقاني: قرأت على أبي علي الحسين بن عبد الله الخرقي عن أبي حفص الصيرفي قال: ليث بن سعد صدوق وسماعه من الزهري قراءة .
قرأت في كتاب أحمد المؤرخ قال: أخبرنا محمد بن القاسم النرسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم حدثنا أبو علي الحسين بن عبد الله الخرقي حدثنا أبو عمر حفص بن عمر الدوري حدثنا عمرو بن جميع عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إن لكل مسيء توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا وقع في شر منه".
وقال علي بن كامل: توفي أبو علي الحسين بن عبد الله الخرقي الحنبلي خليفة المروذي يوم الخميس يوم الفطر من سنة تسع وتسعين ومائتين .(1/437)
قلت أنا: وبلغني انه دفن بقرب قبر أحمد وذكره ابن مهدي في تاريخه فقال: كان رجلاً صالحاً من أصحاب أبي بكر المروذي وكتب الناس عنه وكان قد صلى عيد الفطر فانصرف إلى أهله فتغدى ونام فوجده أهله ميتاً ودفن بالقرب من قبر أحمد بن حنبل وتبعه خلق عظيم من الناس سنة تسع وتسعين ومائتين .
الحسين بن علي بن محمد المخرمي المعروف بابن شاصو أبو عبد الله: حدث عن أبي علي الحسين بن إسحاق الخرقي قال: سألت أحمد: متى يقصر المسافر الصلاة? قال: إذا عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام وصلاة إحدى وعشرين صلاة حدث عنه أبو إسحاق بن شاقلا .
حبيب بن الحسن بن داود بن محمد بن عبد الله أبو القاسم القزاز :سمع أبا مسلم الكجي وعمرو بن حفص السدوسي ومحمد بن يحيى المروذي وموسى بن إسحاق الأنصاري والحسن علوية القطان ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن الليث الجوهري وخلف بن عمر العكبري وأبا العباس البراثي وابن أبي عوف البزوري .
روى عنه الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وأبو الحسن بن رزقويه والحسين بن الحسن المخزومي وأبو الحسن الحماني وعلي بن المظفر الأصبهاني وشيخ الوالد أبو عبد الله بن حامد .
وقد روينا في ترجمة ابن أبي عوف والبراثي وعمر السدوسي بعض ما روي عنهم حبيب القزاز من مسائل أحمد .
وقال أبو الحسن بن الفرات: كان حبيب القزاز ثقة مستوراً دفن في الشونيزية وذكر أن قوماً من الرافضة أخرجوه من قبره ليلاً وسلبوه كفنه إلى أن أعاد له ابنه كفناً وأعاد دفنه .
وقال محمد بن أبي الفوارس: توفي حبيب بن الحسن القزاز يوم الأحد في جمادى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وكان ثقة مستوراً حسن المذهب .
باب الخاء من الطبقة الثانية
خضر بن مثنى الكندي: نقل عن عبد الله بن إمامنا أحمد رضي الله عنه أشياء .(1/438)
منها الرد على الجهمية فيما قرأته على المبارك بن عبد الجبار عن إبراهيم عن عبد العزيز أبو بكر الخلال أخبرني خضر بن مثنى الكندي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال أبي: بيان ما أنكرت الجهمية: أن الله تعالى كلم موسى فقلنا لهم: لم أنكرتم ذلك ? قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم إنما كون شيئاً فعبر عن الله عز وجل وخلق صوتاً فأسمع .
وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان .
فقلنا: هل يجوز لمكون أو غير الله أن يقول لموسى: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى أو: إني أنا ربك فمن زعم كما زعمت الجهمية: أن الله كون شيئاً كان يقول ذلك المكون: يا موسى إني أنا الله رب العالمين لا يجوز أن يقول: إني أنا الله رب العالمين وقال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليماً وقال: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه وقال: واصطنعتك لنفسي وقال: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي .
فهذا منصوص القرآن .
وأما ما قالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم فكيف بحديث الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم الطائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان".
وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان: أليس قال الله تعالى للسماوات والأرض: ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا: أتينا طائعين أتراها أنها قالت بجوف وشفتين ولسان? والجوارح إذا شهدت على الكفار فقالوا: لم شهدتم علينا? قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أتراها أنها نطقت بجوف وفم ولسان وشفتين? ولكن الله أنطقها كيف شاء وكذلك تكلم الله كيف شاء من غير أن يقول جوف ولا فم ولا شفتان ولا لسان وذكر الرسالة بطولها .
باب الزاي من الطبقة الثانية
زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل: حدث عن جماعة منهم والده صالح .
قرأت في كتاب أحمد الحافظ قال: سئل الدارقطني عن زهير بن صالح? فقال: قد حدث وهو ثقة .(1/439)
روى عن زهير جماعة منهم ابن أخيه محمد بن أحمد بن صالح وأبو بكر النجاد وأبو بكر الخلال.
فيما أنبأنا المبارك عن إبراهيم عن عبد العزيز قال أخبرنا أبو بكر الخلال قال حدثني زهير بن صالح قال حدثنا أبي قال: قلت لأبي الصلوات بوضوء واحد أحب إليك أم يتوضأ لكل صلاة? قال: إن قوي بوضوء واحد ما بأس به ليت أنا قوينا عليه ما أروحه.
أخبرنا الخلال قال أملى علينا زهير بن صالح قال: تزوج جدي رحمه الله أم أبي عباسة بنت الفضل من الربض من العرب لم يولد منها غير أبي ثم توفيت وتزوج بعدها امرأة من العرب يقال لها ريحانة فولدت له عمي عبد الله لم يولد له منها غيره ثم توفيت فاشترى حسن فولدت منه أم علي واسمها زينب ثم ولدت الحسن والحسين توأمين ماتا بقرب من ولادتهما ثم ولدت الحسن ومحمداً فعاشا من السن نحو الأربعين سنة ثم ولدت بعدهما سعيداً.
وقال حنبل: ولد سعيد قبل موت أبيه أحمد بنحو من خمسين يوماً.
وقال ابن برهان: ولي سعيد قضاء الكوفة.
وقال أحمد بن كامل: ومات زهير بن صالح بن أحمد سنة ثلاث وثلاثمائة .
باب السين من الطبقة الثانية
سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الطبراني أبو القاسم ابن أبي ذر: وافى أصبهان وسكن بها سمع من جماعة من أصحاب إمامنا أبا زرعة الدمشقي وعبد الله بن أحمد ومن غيرهما ابن أبي مريم وإسحاق الديري وابن يونس وإبراهيم بن بزة وإدريس بن جعفر البغدادي ومحمد بن يحيى بن منده جد أبي عبد الله بن مندة.
وكان أحد الأئمة والحفاظ في علم الحديث وله تصانيف مذكورة وآثار مشهورة من جملتها المعجم الكبير والأوسط والأصغر.
مولده بعكا سنة ستين ومائتين ومات بأصبهان سنة ستين وثلاثمائة ودفن بباب مدينة أصبهان عند قبر حممة الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربة واحدة.(1/440)
قال أبو الحسين بن فارس اللغوي سمعت الأستاذ ابن العميد يقول ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرياسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة الطبراني والجعاني بحضرتي فكان الطبراني يغلب الجعاني بكثرة الحفظ وكان الجعاني يغلب الطبراني بفطنة وذكاء أهل بغداد حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجعاني: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال: هاته فقال الطبراني: حدثنا أبو خليفة حدثنا سليمان بن أيوب وحدث بالحديث فقال الطبراني أخبرنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة فاسمعه مني حتى يعلو إسنادك فإنك تروي عن أبي خليفة عني فخجل الجعاني وغلبه الطبراني قال ابن العميد فوددت في مكان الوزارة والرياسة ليتها لم تكن لي وكنت الطبراني وفرحت مثل الفرح الذي فرح به الطبراني لأجل الحديث.
وروى عنه جماعة منهم أبو خليفة الفضل بن الحباب وعبدان وجعفر الفريابي ومن بعدهم أبو العباس بن عقدة الحافظ وأبو عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني.
قال الطبراني سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قال الشافعي: يا أبا عبد الله إذا صح الحديث عندكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرونا نرجع إليه.
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار قال: سمعت محمد بن يحيى النيسابوري حين بلغه وفاة أحمد بن حنبل يقول: ينبغي لأهل كل دار ببغداد أن يقيموا على أحمد بن حنبل النياحة في دورهم.
باب العين من الطبقة الثانية(1/441)
عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق أبو بكر بن أبي داود السجستاني: رحل به والده من سجستان فطوف به شرقاً وغرباً وأسمعه من علماء ذلك الوقت سمع بخراسان والجبال وأصبهان وفارس والبصرة وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والشام ومصر والجزيرة والثغور واستوطن بغداد وصنف المسند والسنن والتفسير والقراءات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك وكان فهما عالماً حافظاً وحدث عن علي بن خشرم المروزي وأبي داود سليمان ابن معبد السنجي وسلمة بن شبيب ومحمد بن يحيى الذهلي وأحمد بن الأزهر النيسابوري وإسحاق بن منصور الكوسج ومحمد بن بشار بندار ومحمد بن المثنى وعمرو بن علي ونصر بن علي البصريين وإسحاق بن إبراهيم النهشلي وزياد بن أيوب ومحمد بن عبد الله المخرمي ويعقوب الدورقي ويوسف بن موسى القطان ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وخلق كثير من أمثالهم.
روى عنه أبو بكر بن مجاهد المقرىء وعبد الباقي بن قانع ودعلج بن أحمد وأبو بكر الشافعي ومحمد بن المظفر الوراق والدارقطني وأبو حفص بن شاهين وأبو القاسم بن جبابة والمخلص وأبو عبد الله بن بطة وعيسى بن علي الوزير وكان عيسى يشير إلى موضع في داره فيقول: حدثنا أبو القاسم البغوي في ذلك الموضع وحدثنا يحيى بن صاعد في ذلك الموضع وحدثنا أبو بكر بن مجاهد في ذلك الموضع وذكر غير هؤلاء فيقال له: لا تزال تذكر أبا بكر بن أبي داود فيقول: ليته إذا مضينا إلى داره كان يأذن لنا في الدخول إلى داره والقراءة عليه? ونصب له السلطان المنبر فحدث عليه لفضله ومعرفته.(1/442)
وقال الأزهري: سمعت أحمد بن إبراهيم بن شاذان يقول أخرج أبو بكر بن أبي داود إلى سجستان في أيام عمرو بن الليث فاجتمع إليه أصحاب الحديث وسألوه أن يحدثهم فأبى وقال ليس معي كتاب فقالوا له: ابن أبي داود وكتاب? قال أبو بكر: فأثاروني فأمليت عليهم ثلاثين ألف حديث من حفظي فلما قدمت بغداد قال البغداديون مضى ابن أبي داود إلى سجستان ولعب بالناس ثم فيجوا فيجاً اكتروه إلى سجستان ليكتب لهم النسخة فكتبت وجيء بها إلى بغداد وعرضت على الحفاظ فخطئوني في ستة أحاديث منها ثلاثة حدثت بها كما حدثت وثلاثة أحاديث أخطأت فيها.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سألت الدارقطني عن أبي بكر بن أبي داود فقال: ثقة.
أخبرنا الوالد السعيد قراءة قال: أخبرنا موسى بن عيسى السراج قال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال: حدثنا وهب بن بيان وعبد الله بن محمد بن المسور وموسى بن عامر المري قالوا: حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صور صورة كلف أن ينفخ فيها ولن يفعل ومن تحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ومن استمع حديث قوم لم يحبوا أن يسمع حديثهم صب في أذنيه الآنك" أنبأنا أبو الحسين من ولد المهتدي بالله عن عمر بن شاهين قال سمعت أبا بكر ابن أبي داود يقول دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مداً باقلاً وكنت آكل منه مداً وأكتب عن أبي سعيد الأشج ألف حديث فلما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث.
أنبأنا علي المحدث عن عبيد الله الفقيه قال أنشدنا أبو بكر بن أبي داود من حفظه لنفسه:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
ولا تك بدعياً لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التي
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
وقل غير مخلوق كلام مليكنا
بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تغل في القرآن بالوقف قائلاً
كما قال أتباع لجهم وأسجحوا
ولا تقل القرآن خلقاً قرأته
فإن كلام الله باللفظ يوضح
وقل يتجلى الله للخلق جهرة(1/443)
كما البدر لا يخفى وربك أوضح
وليس بمولود وليس بوالد
وليس له شبه تعالى المسبح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
بمصداق ما قلنا: حديث مصرح
رواه جرير عن مقال محمد
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح
وقد ينكر الجهمي أيضاً يمينه
وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة
بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله
فتفرج أبواب السماء وتفتح
يقول ألا مستغفر يلق غافراً
ومستمنح خيراً ورزقاً فأمنح
روى ذاك قوم لا يرد حديثهم
ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
وقل إن خير الناس بعد محمد
وزيراه قدما ثم عثمان الأرجح
ورابعهم خير البرية بعدهم
علي حليف الخير بالخير منجح
وإنهم والرهط لا ريب فيهم
على نجب الفردوس في الخلد تسرح
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة
وعامر فهر والزبير الممدح
وقل خير قول في الصحابة كلهم
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح
فقد نطق الوحي المتين بفضلهم
وفي الفتح آي في الصحابة تمدح
وبالقدر المقدور أيقن فإنه
دعامة عقد الدين والدين أفيح
ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً
ولا الحوض والميزان إنك تنصح
وقل يخرج الله العظيم بفضله
من النار أجساداً من الفحم تطرح
على النهر في الفردوس تحيي بمائه
كحبة حمل السيل إذ جاء يطفح
فإن رسول الله للخلق شافع
وقل في عذاب القبر حق موضح
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
وكلهم يعصي وذو العرش يصفح
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه
مقال لمن يهواه يردي ويفضح
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه
ألا إنما المرجي بالدين يمرح
وقل إنما الإيمان قول ونية
وفعل على قول النبي مصرح
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة
بطاعته ينمى وفي الوزن يرجح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
فقول رسول الله أزكى وأشرح
ولا تك من قوم تلهوا بدينهم
فتطعن في أهل الحديث وتقدح
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه
فأنت على خير تبيت وتصبح(1/444)
قال ابن بطة: قال أبو بكر بن أبي داود: هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل وقول من أدركنا من أهل العلم ومن لم ندرك ممن بلغنا عنه فمن قال غير هذا فقد كذب.
مولده سنة ثلاثين ومائتين قال وأول ما كتبت سنة إحدى وأربعين عن محمد بن أسلم الطوسي وكان بطوس وكان رجلاً صالحاً وسر بي أبي لما كتبت عنه وقال لي أول ما كتبت كتبت عن رجل صالح ورأيت جنازة إسحاق بن راهويه ومات إسحاق سنة ثمان وثلاثين وكنت مع ابنه في الكتاب.
وتوفي عبد الله بن أبي داود وهو ابن ست وثمانين سنة وستة أشهر وأيام وصلى عليه مطلب الهاشمي ثم أبو عمر حمزة بن القاسم الهاشمي وقيل صلي عليه ثمانون مرة حتى أنفذ المقتدر بالله بنازوك فخلصوا جنازته ودفنوه يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثلاثمائة في مقبرة باب البستان.
وقيل: صلى عليه زهاء ثلاثمائة ألف إنسان وأكثر وأخرج بعد صلاة الغداة ودفن بعد صلاة الظهر وقيل مات وله سبع وثمانون سنة قد مضى له منها ثلاثة أشهر وخلف ثمانية أولاد أبو داود ومحمد وأبو معمر وعبيد الله وأبو أحمد عبد الأعلى وخمس بنات أكبرهن فاطمة وحدثت.
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي أبو محمد الإمام ابن الإمام الحافظ أبو حاتم:
سمع صالح بن أحمد وأحمد بن أصرم وأبا زرعة وأباه وأحمد بن سنان القطان وأحمد بن منصور الرمادي ويونس بن حبيب الأصبهاني وغيرهم.
ورحل في طلب الحديث إلى البلاد مع أبيه وبعده وصنف التصانيف من جملتها كتاب السنة والتفسير وكتاب الرد على الجهمية وفضائل إمامنا أحمد وغير ذلك.
قرأت في كتاب الرد على الجهمية حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي رضي الله عنه يقول قال الله تعالى ألا له الخلق والأمر فأخبرنا بالخلق ثم قال: والأمر فأخبر أن الأمر غير الخلق.(1/445)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أحمد بن سنان الواسطي يقول: قد ميز الله بين الخلق والأمر فسمى هذا أمراً وسمى هذا خلقاً وفرق بينهما فقال ألا له الخلق والأمر وكل مخلوق داخل في الخلق وبقي الأمر والأمر ليس بمخلوق قال الله تعالى ذلك أمر الله أنزله إليكم فأنزل كلامه غير مخلوق.
أخبرنا الشيخ الإمام عبد الرحمن بن منده فيما كتب إلينا قال أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن قال أخبرنا أبو محمد بن حبان أبو الشيخ قال في تاريخه مات أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
عمر بن محمد بن بكار القلافلائي أبو جعفر:
حدث بمسائل أبي إسحاق إبراهيم بن هانىء النيسابوري فيما أنبأنا الوالد السعيد عن ابن شهاب أخبرنا أبو علي أخبرنا عمر بن بدر المغازلي أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن بكار حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هانىء النيسابوري قال: سمعت أبا عبد الله يقول: بلغ ابن أبي ذئب أن مالك بن أنس قال: ليس البيعان بالخيار فقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وبه قال: سمعت أبا عبد الله وسئل عن رجل قدم مكة من بلد بعيد تاجراً فدخل مكة بغير إحرام قال: يرجع إلى الميقات فيهل بعمرة إن كان في غير أيام الحج فإن كان في أيام الحج أهل بالحج.
وبه قال: سئل أبو عبد الله عن البراءة من كل عيب? قال: لا إلا أن يسمى العيب.
وبه قال: سئل عن مسجد بني على الطريق قال: يقلع ويرد الطريق إلى ما كان.
عمر بن محمد بن رجاء أبو حفص العكبري:
حدث عن عبد الله بن إمامنا أحمد وقيس بن إبراهيم الطوابيقي وموسى بن حمدون العكبري وعصمة بن أبي عصمة وغيرهم وكان عابداً صالحاً.
روى عنه جماعة منهم أبو عبد الله بن بطة وقال: إذا رأيت العكبري يحب أبا حفص بن رجاء فاعلم أنه صاحب سنة.(1/446)
وقال محمد بن عبد الله الخياط: كان أبو حفص بن رجاء لا يكلم من يكلم رافضياً إلى عشرة وقال أبو علي بن شهاب: كان لأبي حفص بن رجاء صديق صيرفي فبلغه أنه قد اتخذ دفتراً للحساب فهجره لأن الصرف المباح يداً بيد ولما اتخذ داراً فإنما يعطى نسيئة.
وقرأت في بعض كتب أصحابنا أن ابن رجاء كان إذا مات بعكبرى رجل من الرافضة فبلغه أن بزازاً باع له كفناً أو غاسلاً غسله أو حاملاً حمله هجره على ذلك.
أنبأنا أبو القاسم البندار عن ابن بطة حدثنا أبو حفص بن رجاء حدثنا عصمة ابن أبي عصمة حدثنا العباس بن الحسين القنطري حدثنا محمد بن الحجاج قال: كتب عني أحمد بن حنبل كلاماً قال العباس فأملاه علينا قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتوى حتى يكون فيه خمس خصال أما أولها فأن تكون له نية فإنه إن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور وأما الثانية فيكون عليه حلم ووقار وسكينة وأما الثالثة فيكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته وأما الرابعة فالكفاية وإلا مضغه الناس والخامسة معرفة الناس.
فأقول أنا والله العالم لو أن رجلاً عاقلاً أنعم نظره وميز فكره وسما بطرفه واستقصى بجهده طالباً خصلة واحدة في أحد من فقهاء وقتنا والمتصدرين للفتوى أخشى أن لا يجدها والله نسأل صفحاً جميلاً وعفواً كثيراً.
وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.
علي بن محمد بن بشار أبو الحسن الزاهد العارف: حدث عن أبي بكر المروذي وصالح وعبد الله ابني إمامنا أحمد وغيرهم.
روى عنه أبو الحسن أحمد بن مقسم المقري وعلي بن محمد بن جعفر البجلي وعلي بن أحمد بن ممويه الحلواني المؤدب وأبو علي النجاد وغيرهم.
أنبأنا أبو بكر المقري عن الحسن بن حمكان قال: سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول وكان إذا أراد أن يخبر عن نفسه شيئاً قال: أعرف رجلاً حاله كذا وكذا فقال ذات يوم: أعرف رجلاً منذ ثلاثين سنة ما تكلم بكلمة يعتذر منها.(1/447)
قال: سمعت أبا الحسن بن بشار أيضاً يقول أعرف رجلاً منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك ما يشتهي فما يجد شيئاً يشتهى.
وأنبأنا أبو مسلم الكشي حدثنا إسماعيل الصابوني حدثنا إسحاق بن إبراهيم العدل حدثنا محمد بن أحمد بن حماد الوراق حدثنا أبو الحسن القناد الصوفي حدثنا أبو الحسن بن بشار العبد الصالح حدثني عبد الله بن أحمد قال: مرت بنا جنازة ونحن قعود على مسجد أبي فقال أبي ما كانت صنعة صاحب الجنازة قالوا كان يبيع على الطريق قال في فنائه أو فناء غيره قالوا في فناء غيره قال: عز علي عز علي إن كان فناء يتيم أو غيره فقد ذهبت أيامه عطلاً ثم قال: قم نصلي عليه عسى الله أن يكفر عنه سيئاته قال: فكبر عليه أربع تكبيرات ثم حملناه إلى قبره ودفناه ونام أبي تلك الليلة وهو مغتم به فإذا نحن بامرأة من بعض جيراننا جاءت إلى أبي فقالت: يا أبا عبد الله ألا أبشرك بشارة? فقال لها: قولي يا مباركة أنت امرأة صالحة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت معه وهو يجري في الجنة جرياً وعليه حلتان خضراوان فقلت له: ما فعل الله بك قال غضبان علي وقت خروج روحي فصلى علي أحمد بن حنبل فغفر ذنوبي ومتعني بالجنة.
وأنبأنا علي المحدث عن أبي عبد الله الفقيه أنه قال: إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهاري فاعلم أنه صاحب سنة.
قلت أنا: وكان قد سمع جميع مسائل صالح لأبيه أحمد من صالح وحدث بها فسمعها من ابن بشار جماعة منهم أبو حفص بن بدر المغالي وأحمد البرمكي وغيرهم وكان شيوخ طائفتين يقصدونه ويعظمونه أبو محمد البربهاري وأبو بكر الخلال وأبو بكر عبد العزيز وأشكالهم.
وكان ابن بشار يقول في دعائه: اللهم صل على أبينا آدم الذي خلقته بيدك وأنحلته صورتك وأسجدت له ملائكتك وزوجته حواء أمتك فسبق عليه قضاؤك وقدرك فأكل من الشجرة فأهبطته إلى الأرض.(1/448)
وقال أحمد البرمكي: سألت أبا الحسن بن بشار عن حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس في الرؤية فقال: صحيحان فعارض رجل فقال: هذه الأحاديث لا تذكر في مثل هذا الوقت فقال ابن بشار: فيدرس الإسلام منكراً على من منع السؤال عن الخبرين.
وقرأت بخط الوالد السعيد قدس الله روحه قال: رأيت في كتب أبي حفص البرمكي عن أبي بكر الخلال أو صاحبه سمعت ابن بشار يقول: من زعم أن الكفار يحاسبون يستحي من الله ثم قال: من صلى خلف من يقول هذه المقالة يعيد.
ومن خطه: قال أحمد البرمكي: سمعت ابن بشار يقول لست أشهد لأحد بالولاية ولا بالبداية حتى تجتمع فيه أربع خصال: قطع كل علاقة تقطع عن السباق وترك كل لذة فيها حساب والتبرم بالصديق والعدو وخفة الحال وقلة الادخار.
قال: وسمعته يقول وقد سئل من أين المطعم? فقال قد أكثر الناس فقوم يقولون له هاون في العطارين وكل هاون لي صدقة وكل عقار وقف وقال قوم آخرون يأكل من مغزل أخته قال ابن بشار فعجبت من ذلك قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء ولم يقل النساء قوامون على الرجال هو لا يضيع الجاثليق وهو كافر يضيعني أنا من رغيف آكله وأنا مسلم? ثم قال: يا أهل المجلس من قال لكم من أهل الأرض إنه يعرف مطعم ابن بشار منذ أربعين سنة فقد كذب ومن قال لكم إن لابن بشار حاجة إلى مخلوق منذ أربعين سنة فقد كذب أو قال لكم أحد من أهل الأرض إن ابن بشار سأل مخلوقاً حاجة منذ أربعين سنة فقد كذب.
قال وسأله رجل عن الأنس بالله عز وجل قال: لا يتكلم في الأنس إلا من انقطع عن قلبه حس وساوس الأنس ثم قال: أما ترون هذه الجارية التي يقال لها ناسي وتخدرم هي بني أخته? قلنا: بلى قال: هي في الدار منذ أربع عشرين سنة اشك في الكلمة الثانية أني كلمتها.(1/449)
قال: وكان يفتتح مجلسه إذا أراد أن بتكلم بقوله عز وجل وإنك لتعلم ما نريد فقام إليه رجل فقال له رضي الله عنك وما الذي تريد? فقال له: وما حملك على المسألة عن ذلك وأنا أقول ذلك منذ أربعين سنة فما سألني أحد عنه فأقسم عليه فقال: هو يعلم أني ما أريد في الدنيا والآخرة سواه.
وقال ابن عليك الزيات: أضقت في بعض الأوقات ضيقة شديدة فجلست في غرفتي مغموماً مفكراً فإذا الشيخ يناديني يا عبد الله وكان من غرفة ابن بشار إلى غرفته طريق قال فأجبته فقال تعال فمضيت إليه فقال: إيش هذا الغم الشديد على الدنيا أنت مضيق أنت مضيق على الدنيا وليس معك شيء? قلت: نعم قال فمن لم يكن معه شيء يغتم هذا الغم فقال لي خذ عليك ما تحتاج إليه والبس نعلك وامش على الشط إلى أن يلقاك رزقك فخذه واذكر الله. قال: فبقيت مفكراً في قوله إلا أنه لم يمكني مخالفته فخرجت أذكر الله ولزمت الشط إلى أن وصلت إلى الجسر الفوقاني فإذا برجل يناديني: يا عبد الله فأجبته فدفع إلي أربعين درهماً وورقاً فقال انسخ لي كتاباً سماه وأجلسني في سمارية ورجعت فلما صعدت ناداني بشار يا عبد الله قلت: لبيك قال: أخذت أربعين درهماً ومن الورق كذا وكذا وقال لك: انسخ الكتاب الفلاني? قلت: نعم قال: لو صبرت لجاءك إلى الباب.
وقال أحمد البرمكي: سمعته يوماً وقد قام من المجلس الأول إلى المجلس الثاني لأهل القلوب وقد تحرك سره فقال: قوموا بنا إلى الجنة ثم صبر قليلاً ثم قال: أو إلى النار أو يعفو الله فقال له رجل من أهل المجلس: هبك أنت رضي الله عنك مستوجب لذلك نحن إيش? فقال: دعوا عنكم كل أهل مذهب يجمع الله محسنهم ومسيئهم في دار واحدة.(1/450)
وحضرت مجلسه في يوم الأربعاء وجلست في أقصى الدار وكان يختم مجلسه يقول: لا إله إلا الله وذا النون اذهب مغاضباً الآية ويقول أسألك بما سألك به عبدك الصالح ذو النون إذ حبسته في بطن الحوت فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فقلت وقولك الحق فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين اللهم فاستجب لنا كما استجبت له ونجنا كما نجيته وخلصنا كما خلصته برحمتك إنك أنت أرحم الراحمين ثم يقول في أثر ذلك يا رب عشر مرات فكان كلما قال يا رب قلت أنا في نفسي يا رب أوسع علي واصنع لي وفرج عني مراراً فإذا هو قد أنصت إلى السماء ساعة وهو يقول: ها ها كالمستمع ما يقال له ثم أقبل نحوي فقالك ويحك ما تستحي الجبار قد أقبل عليك لتسأله الجنة فيعطيك فيغنيك وأنت تسأله الدنيا فتقول أوسع علي واصنع لي سله ويحك الجنة ليعطيك فيغنيك فبقيت كالخجل إذ لم يطلع على سري إلا الله فسألت الله الجنة كما أمرني قال وكنت يوماً واقفاً بين يديه بعد العصر وكان يوم الثلاثاء وبيدي جزء من مسائل صالح لأقرأه عليه فنظرت إلى وجهه يضيء كالقمر فقلت في نفسي غداً المجلس وأحسب أن أستاذنا قد حلق رأسه وأسخن له الماء فاغتسل وتنظف فلذلك وجهه قد أضاء فلما أسررت ذلك في نفسي قال: إيش هذا الأدب? وبادر فكشف رأسه فإذا هو لم يحلق ثم قال: أحسنوا الظن واحفظوا أسراركم فخجلت إذ كاشفه الله بأمري.
قال: وسمعته يقول: إن لله عباداً سمت هممهم على همم الخلق فاستطلعوا على ما في ضمائرهم.
قال: وسمعته يقول: إن الذين اتزروا مآزر الحذر أقاموا على نفوسهم سوط الغضب واتبعوا الكلال وحثو الجد بالارتحال فعند هؤلاء تحط الرحال إلا بقرب ذي الجلال والإكرام.(1/451)
قال: وحضرت مجلسه يوم الأربعاء وقد جاء رجل صارخ مستغيث فوسع له فدخل إليه وهو صارخ ويده على رأسه فقال له الشيخ: ما لك? فقال: يدي يريدون أن يقطعوها لأن الأكلة قد أكلتها قد أيأسني الأطباء وقالوا ليس غير قطعها فرفع الشيخ رأسه إلى السماء وقال إلهي إن عبيدك قد أيأسوا عبدك فلا تؤيسه أنت ثم قال له: تقدم فتقدم فقرأ عليه فلما كان في المجلس الآخر حضر ويده في عافية والحمد لله.
قال: وسمعت أبا محمد البربهاري في مسجده في درب الرواشين وقد ذكر أبا الحسن بن بشار بعد وفاته فذكر من فضله وما هيأه الله له فقال البربهاري: إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن ابن بشار.
قال أحمد البرمكي صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال وأبا الحسن كان من المستخلفين والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيين عليهم السلام لأنه يدعو الخلق إلى الله فبركته عائدة عليه وعلى كافة الخلق وبركة البدل عائدة على نفسه.
قال أحمد البرمكي: وسمعت ابن بشار يقول: إن كان لا بد من الأكل والنوم فنم نوم الوسنان وكل أكل المبرسم.
قال: وسمعته يقول: ما ينبغي لمن عصا الله أن يستكثر نقم الله.
قال: وسمعته يقول: وذكر الأولياء فقال: سقاهم بكأس الوداد ونشر أعلامهم في البلاد.
قال: وقيل له: كيف الطريق إلى الله? فقال: كما عصيت الله سراً تطيعه سراً حتى يدخل إلى قلبك طرائف البر.
ودخل أبو محمد بن أخي معروف الكرخي على ابن بشار وعليه جبة صوف فقال له ابن بشار: يا أبا محمد صوفت قلبك أو جسمك? صوف قلبك والبس القوهي على القوهي.
وقال أبو علي النجاد: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول: ما أعيب على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها.(1/452)
وتوفي لسبع خلون من شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة ودفن بالعقبة قريباً من النجمي وقبره الآن ظاهر يتبرك الناس بزيارته.
باب الميم من الطبقة الثانية
محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله أبو علي المعروف بابن الصواف:
سمع إسحاق بن إبراهيم الحربي وبشر بن موسى بن عبد الله الأسدي وأبا إسماعيل الترمذي الترمذي وعبد الله بن إمامنا أحمد في آخرين.
روى عنه الدارقطني وأبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسن بن بشران ومحمد ابن أبو الفوارس وغيرهم.
أخبرنا أحمد الخطيب قراءة قال: سمعت محمد بن أحمد بن أبي الفوارس يقول: سمعت الدارقطني يقول: ما رأت عيناي مثل أبي علي بن الصواف ورجل آخر بمصر لم يسمه أبو الفتح.
وبه قال: سمعت أبا بكر الزماني يقول: توفي ابن الصواف في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.
وبه قال ابن أبي الفوارس: توفي ابن الصواف لثلاث خلون من شعبان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وله يوم مات تسع وثمانون سنة لأن مولده في شعبان سنة سبعين ومائتين وكان ثقة مأموناً من أهل التحرز ما رأيت مثله في التحرز.
محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل يكنى أبا جعفر:
حدث عن عم أبيه عبد الله بن أحمد وعن أبيه أحمد بن صالح وعن عمه زهير بن صالح وعن إبراهيم بن خالد الهجستاني وعمر بن مرداس الرونقي وإبراهيم بن سعدان الأصبهاني في آخرين.
روى عنه جماعة منهم أبو القاسم عبد الله بن إبراهيم الأسندوني ومحمد بن إسماعيل الوراق والدارقطني سمع إملاءه في مجلس أبي محمد البربهاري.
أخبرنا أبو بكر المؤرخ حدثنا أبو القاسم الأزهري إملاء في مجلس البربهاري حدثنا أبي أحمد بن صالح حدثنا جدي أحمد بن حنبل حدثنا روح بن عبادة عن مالك بن أنس عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة قالت: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد".(1/453)
قرأت في كتاب أبي جعفر محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل حدثني عمر زهير بن صالح قال: قرأ علي أبي صالح بن أحمد هذا الكتاب وقال هذا كتاب عمله أبي رضي الله عنه في مجلسه رداً على من احتج بظاهر القرآن وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل على معناه وما يلزم من إتباعه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رحمة الله عليهم قال أبو عبد الله إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث محمداً نبيه صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأنزل عليه كتابه الهدى والنور لمن اتبعه وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم الدال على معنى ما أراد من ظاهره وبالسنة وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وما قصد له الكتاب.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه شاهده في ذلك أصحابه من ارتضاه الله لنبيه واصطفاه له ونقلوا ذلك عنه فكانوا هم أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أخبر عن معنى ما أراه الله من ذلك بمشاهدتهم ما قصد له الكتاب فكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جابر بن عبد الله: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا. فقال قوم: بل نستعمل الظاهر وتركوا الاستدلال برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبلوا أخبار أصحابه وقال ابن عباس للخوارج: أتيتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وعليهم نزل القرآن وهم أعلم بتأويله منكم وليس فيكم منهم أحد وذكر تمام الكتاب بطوله.
وقال أبو جعفر: حدثنا عمي عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال أبي رأيت البارحة في النوم علي بن عاصم فأولت ذلك علياً علواً وعاصم عصمه الله.(1/454)
وقال أبو جعفر حدثنا أبو حفص عمر بن معبد الأصبهاني وأبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم الأصبهاني قالا: حدثنا محمد بن إدريس قال سمعت أبا حفص عمرو بن علي الفلاس قال: شكوت إلى أبي عاصم النبيل رجلاً فقلت: إذا أنا كلمته أثمت وإذا تركته استرحت فأنشدني أبو عاصم:
وفي الأرض منجاة وفي الصوم راحة
وفي الناس أبدال سواك كثيرة
ثم قال: حدثتني زينب بنت أبي طليق أم الحصين العابسية قالت: حدثتني الصحيحة قالت: قلت لعائشة رحمها الله: إنه في جيراني قوم يكرموني ولي قرابات يهينوني فقالت أكرمي من أكرمك وأهيني من أهانك.
أخبرنا أحمد المصنف قال: حدثني عبيد الله بن أبي الفتح عن طلحة بن محمد ابن جعفر أن محمد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبل مات سنة ثلاثين وثلاثمائة رحمهم الله.
محمد بن حمدان بن حماد أبو بكر الصيدلاني: سمع أبا بكر المروذي وأبا الأشعث أحمد بن المقدام العجلي وفضل بن يعقوب الرجامي وعبد الله ابن روح المدائني.
روى عنه محمد بن خلف بن حبان الخلال ومحمد بن المظفر وأبو القاسم ابن النحاس المقري وأبو عمر بن حيويه.
وذكره ابن ثابت في كتابه فقال: كان ثقة بنفقة على مذهب أحمد بن حنبل.
أخبرنا أحمد المؤرخ قراءة أخبرني أبو القاسم الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخراز حدثنا محمد بن حمدان بن حماد أبو بكر الصيدلاني حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام حدثنا فضيل بن عياض حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " يعلم السر وأخفى" قال: :يعلم ما تسر في نفسك ويعلم ما تعمل غداً".
وبه قال: أخبرنا البرقاني أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن حبان الخلال قال أبو بكر: محمد ابن حمدان الصيدلاني حنبلي ثقة.(1/455)
قرأت في كتاب الخطيب: أخبرنا محمد بن عمر بن بكير أخبرنا إسماعيل بن علي الفحام حدثنا أبو بكر الصيدلاني حدثنا أبو بكر المروذي حدثنا الحسين بن شبيب الآجري وكان هذا من النساك المذكورين حدثنا أبو حمزة الأسلي بطرسوس حدثنا وكيع حدثنا أبو إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الكرسي الذي يجلس عليه الرب ما يفضل منه إلا قدر أربعة أصابع وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد" قال أبو بكر المروذي: قال لي علي بن شبيب قال لي أبو بكر بن أبي مسلم العابد حين قدمنا إلى بغداد أخرج ذاك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن مسلم بخطه وسمعناه جميعاً فقال أبو بكر بن أبي مسلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه.
قال أبو بكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروذي وعلى أبي بكر بن أبي مسلم العابد.
قرأت في كتاب الوالد السعيد أنه مات سنة عشرين وثلاثمائة.
محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم أبو عمر اللغوي الزاهد المعروف بغلام ثعلب:
سمع إبراهيم الحربي وأحمد بن عبيد الله النرسي وموسى بن إسماعيل سهل الوشا في آخرين روى عنه أبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسن بن بشران وأبو على بن شاذان وغيرهم.
أخبرنا أحمد البغدادي قراءة أخبرنا عبد الصمد بن محمد الخطيب حدثنا الحسن بن الحسين الهمذاني الفقيه قال: سمعت أبا الحسن بن المرذبان يقول: كان ابن ماسي من دار كعب ينفذ إلى أبي عمر بغلام ثعلب وقتاً بعد وقت كفايته لما ينفق لنفسه فقطع عنه ذلك مدة لعذر ثم أنفذ إليه بعد ذلك جملة ما كان في رسمه وكتب إليه رقعة يعتذر إليه من تأخر ذلك عنه فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته أكرمتنا فملكتنا ثم أعرضت عنا فأرحتنا.(1/456)
أخبرنا أبو بكر البغدادي أخبرني عامر بن عمر الكلوذاني قال: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلب يقول ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة وفي قضاء حقوقهم رفعة فاحمدوا الله على ذلك وسارعوا إلى قضاء حوائجهم ومسارهم تكافؤا عليه.
أخبرنا أحمد نزيل دمشق قال: سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمر الزاهد أن الأشراف والكبار وأهل الأدب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها وكان له جزء قد جمع فيه الأحاديث التي تروى في فضائل معاوية فكان لا يترك معاوية واحد منهم يقرأ عليه شيئاً حتى يبدأ بقراءة ذلك الجزء ثم يقرأ بعده ما قصد له.
وبه حدثنا علي بن أبي علي عن أبيه قال: ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم أبو عمر محمد بن عبد الواحد غلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف.
وبه قال سمعت أبا القاسم عبد الواحد بن برهان الأسدي يقول: لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد قال: وله كتاب غريب الحديث صنفه على مسند أحمد بن حنبل وجعل نسخته حداً.
أنبأنا أبو الحسين بن النقور قال: أخبرنا أبو القاسم الصيدلاني قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد قال: أخبرني أبو علي القاضي قال: سمعت علي بن الموفق يقول: كان لي جار مجوسي اسمه شهريار فكنت أعرض عليه الإسلام فيقول: نحن على الحق فمات على المجوسية فرأيته في النوم فقلت له: ما الخبر? فقال: نحن في قعر جهنم قال: قلت: تحتكم قوم? قال: نعم قوم منكم قال: قلت: من أي الطوائف منا? قال الذين يقولون القرآن مخلوق.(1/457)
أنبأنا علي البندار عن أبي عبد الله بن بطة قال: سالت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره" فقال: الحديث معروف وروايته سنة والاعتراض بالطعن عليه بدعة وتفسير الضحك تكلف وإلحاد فأما قوله: "وقرب غيره" فسرعة رحمته لكم وتغيير ما بكم من ضر.
وتوفي سنة خمس وأربعين وثلاثمائة في ذي القعدة ومولده سنة إحدى وستين ومائتين.
محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر بن الأنباري النحوي:
كان من أعلم الناس بالنحو والأدب وأكثرهم حفظاً له سمع من إسماعيل بن إسحاق القاضي وأحمد بن الهيثم بن خالد البزار وإبراهيم الحربي وكان صدوقاً فاضلاً ديناً خيراً من أهل السنة وصنف كتباً كثيرة في علوم القرآن والشكل والوقف والابتداء والرد على من خالف مصحف العامة وغريب الحديث وغير ذلك.
وروى عنه أبو عمر بن حيويه والدارقطني وابن سويد وأبو عبد الله بن بطة وكتب عنه ووالده حي وكان يملي في ناحية المسجد ووالده في ناحية أخرى قرأت على المبارك قلت له: أخبرني إبراهيم الفقيه أخبرنا أبو عبد الله بن بطة قال: سئل أبو بكر بن الأنباري عن الاستثناء في الإيمان? فقال: نحن نستثني فنقول نحن مؤمنون إن شاء الله فراجعه السائل في ذلك وعلل عليه الجواب فأجابه أبو بكر وتراجعا في الكلام فقال له أبو بكر بن الأنباري: هذا مذهب إمامنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
قال ابن بطة: فرأيت الخراساني انصرف وهو يقول: استعدى الشيخ.
قال البرمكي: وسمعت هذه الحكاية من أبي أحمد السراج النحوي أيضاً وذكر انه سمعها من ابن الأنباري.
قرأت في كتاب الخطيب بإسناده قال: أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن.
وقال حمزة بن طاهر الدفاق: كان أبو بكر بن الأنباري على كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفاسير والأشعار كل ذلك من حفظه.(1/458)
قال حمزة: وحدثني أبي عن جدي أن أبا بكر بن الأنباري مرض فدخل عليه أصحابه يعودونه فرأوا من انزعاج ابنه وقلقله عليه أمراً عظيماً فطيبوا نفسه ورجوه عافية أبي بكر فقال لهم: كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما ترون وأشار لهم إلى خيبري مملوءاً كتباً.
وقال محمد بن جعفر التميمي النحوي: قال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنباري عند الراضي على الطعام وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر فكان يسوي له قلية يابسة قال فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه وهو يعالج تلك القلية ثم فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها شيئاً وقام وقمنا إلى الحيس وقمنا نحن إلى حيس ماء فشربه ولم يشرب ماء إلى العصر فلما كان من العصر قال للغلام الوظيفة فجاءه بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج فغاظني أمره فصحت صيحة فأمر أمير المؤمنين بإحضاري وقال: ما قصتك? فأخبرته وقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها لا يحسن عشرتها قال: فضحك وقال له في هذا لذة وقد جرت به العادة فصار إلفاً فلن يضره ثم قلت: يا أبا بكر لم تفعل هذا بنفسك? فقال أبقي على حفظي فقلت له: قد أكثر الناس في حفظك فكم تحفظ? قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً.
وقال محمد بن جعفر التميمي النحوي: وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله ولا بعده وكان أحفظ الناس للغة ونحو وشعر وتفسير وقرآن فحدثت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.
وقال لنا أبو العباس بن يونس: كان آية من آيات الله في الحفظ.
وقال لنا أبو الحسين العروضي: كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي فكان يوماً من الأيام وقد سألته جارية عن شئ من تفسير الرؤيا فقال: أنا حاقن ثم مضى فلما كان من غد عاد وقد صار معبراً للرؤيا وذاك أنه مضى من يومه وقد درس كتاب الكرماني وجاء.(1/459)
قال: وكان ابن الأنباري يأخذ الرطب يشمه ويقول: أما إنك لطيب وكان أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم.
قال محمد بن جعفر: ومات ابن الأنباري ولم نجد من تصنيفه إلا شيئاً يسيراً وذاك أنه كان يملي من حفظه وقد أملى كتاب غريب الحديث قيل إنه خمس وأربعون ألف ورقة وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة وكتاب الهاءات وهو نحو ألف ورقة وكتاب الأضداد وما رأيت أكبر منه وكتاب المشكل أملاه وبلغ إلى سورة طه وما أتمه والجاهليات تسعمائة ورقة والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه وعمل رسالة المشكل رداً على ابن قتيبة وأبي حاتم وتقصاً لقولهم.
وحدثت عنه أنه مضى يوماً إلى النخاسين وجارية تعرض حسنة كاملة الوصف قال: فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي فقال لي: أين كنت إلى الساعة? فعرفته فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي فجئت فوجدتها فعلمت الأمر كيف جرى فقلت لها: كوني فوق إلى أن أستبرئك وكنت أطلب مسألة قد اختلت علي فاشتغل قلبي عن علمي فقلت للخادم: خذها امضي بها إلى النخاسين فليس قدرها أن يشتغل بها قلبي عن علمي فأخذها الغلام فقالت: دعني أكلمه بحرفين فقالت: أنت رجل لك محل وعقل فإذا أخرجتني ولم تبين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس بي ظناً قبيحاً فعرفنيه قبل أن تخرجني فقلت لها: مالك عندي عيب إنك شغلتني عن علمي فقالت: هذا سهل عندي قال فبلغ الراضي أمره فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل.
قرأت في بعض التواريخ أن أبا بكر بن الأنباري أكل في علة موته كل ما كان يشتهي وقال: هي علة الموت.
أخبرنا علي البندار عن أبي عبد الله بن بطة قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا أحمد عن الهيثم بن خالد حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بمسبحته والوسطى".(1/460)
وبه قال: حدثنا الحرث حدثنا يعلى بن عبد الحكم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الركوع والسجود والله إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي" ومات أبو بكر بن الأنباري ليلة النحر من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
ومولده سنة إحدى وسبعين ومائتين.
ومن جملة كلامه: اللهم إنك خلقت الخلائق بعلمك واخترت منهم صفوتك فجعلتهم أمناء على وحيك وخزنة على أمرك ونطقاء وسفراء بينك وبين خلقك ودعاة إلى الإسلام الذي اتخذته ديناً لإظهار حقك وإيضاح سبيلك ديناً رضيته لنفسك وأمرت به ملائكتك وأنزل فيه وحيك ودعوت إليه جميع خلقك فأكرمت به من دخل فيه وعصمت به من لجأ إليه لا تقبل ديناً غيره ولا ترضى عملاً إلا من أهله فمضت رسلك في الأمم مبلغين رسالاتك طائعين لأمرك حتى انتهت نبوتك وأفضت كرامتك ورحمتك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فانتخبته واختصصته وائتمنته على وحيك وأرسلته يا رب في أشرف زمان وخير أوان بالمنهاج الواضح والمتجر الرابح والميزان الراجح والعمل الصالح والسعي ورمي الجمار والتأني والوقار والشهادة والإقرار ومعاندة الكفار وبغض الأشرار واجتناب الفجار ومرافقة الأبرار ومواصلة الأخيار ومناسلة الأطهار والعود النضير والفقه الكثير والبحر الغزير والاسم الكبير والحق الظاهر والعز القاهر والنجم الزاهر والثوب الطاهر والكتاب الناطق والوعد الصادق والشهاب المتألق والفرع الباسق وإغاثة الملهوف والقلب الرؤوف والأمر بالمعروف والأمان والأدب والشرف والحسب والصلاة المفروضة والزكاة المقبوضة والهرولة والهجرة والقلائد والعمرة والمداراة والمتعة والنرس والنجيب والبردة والقضيب والفضل المشهور والعلم المنشور والبهاء والنور والرحمة والحبور والسمت والطهور والسنن والبيان وشهر رمضان والإقامة والأذان والمثاني والقرآن والبر والإحسان وشرائع الإيمان والصفا والمروة وخاتم النبوة والصلاة والطاعة والجمعة والجماعة(1/461)
والقبلة والشفاعة على حين فترة من الرسل وطموس من السبل وفضلته بالعز والبهاء ومن الدرجات بالعلى ومن المراتب بالعظمى فأخمد الله به نار الضلالة ومحا به رسم الجهالة فصلى الله عليه من مضجع معقود ومن محمود وعلى أهل بيته السادة الطاهرين وعلى أصحابه المنتخبين الخيرين الفاضلين وعلى أزواجه الطاهرات أمات المؤمنين وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
محمد بن مخلد بن حفص أبو عبد الله الدوري العطار:
صحب جماعة من أصحاب إمامنا أحمد وحدث عنهم منهم: صالح بن إمامنا أحمد وأبو داود السجستاني وأبو بكر المروذي وزكريا بن يحيى الناقد وغيرهم. سمع أبا التائب سالم بن جنادة ويعقوب الدورقي والفضل بن يعقوب الرخامي وعلياً ومحمداً ابني إشكاب ومحمد بن عثمان بن كرامة والحسن بن عرفة ومسلم بن الحجاج في آخرين.
حدث عنه أبو عبد الله بن بطة ومحمد بن الحسين الآجري وأبو العباس ابن عقدة والدارقطني وأبو حفص بن شاهين ومن في طبقتهم وبعدهم وذكره ابن ثابت وأثنى عليه.
ومولده سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
وكان ينزل في الدور وهي محلة في آخر بغداد بالجانب الشرقي في أعلى بغداد فقال له يوماً بعض أصحاب الحديث: لو زدتنا في القراءة فإن موضعك بعيد ويشق علينا المجيء إليك في كل وقت فقال ابن مخلد: من هذا الموضع كنت أمضي إلى المحدثين فأسمع منهم أو كما قال.
أخبرنا الخطيب أخبرنا محمد بن عبد العزيز البردعي أخبرنا محمد بن أحمد بن عمران حدثنا أبو عبد الله بن مخلد العطار قال: ماتت والدتي فأردت أن أدفنها في مقبرة درب الريحان فنزلت ألحدها أنا فانفرجت لي فرجة عن قبر بلزقها فإذا رجل عليه أكفان جدد على صدره طاقة ياسمين رطبة فأخذتها فشممتها فإذا هي أذكى من المسك وشمها جماعة كانوا معي في الجنازة ثم رددتها إلى موضعها وشددت الفرجة.
سئل الدارقطني عنه فقال: ثقة مأمون.(1/462)
ومات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وقد استكمل سبعاً وتسعين سنة وثمانية أشهر وأحد وعشرين يوماً.
أول الطبقة الثالثة
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البرمكي:
صحب جماعة ممن صحبوا من صحب إمامنا أحمد وتخصص لصحبة أبي الحسن بن بشار وحكى عنه أشياء قد ذكرنا بعضها في أخبار أبي الحسن بن بشار ونذكر الآن في هذه الترجمة ما أغفلناه هناك.
من ذلك قال: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول اقبل مني ما أقول لك انظر إن اشتهيت باقلاً حاراً أو بارداً فلا تسأل سوى الله فإنه يقضي حاجتك ولا تسأل سواه.
قال وسمعته يقول: بلغني عن المتوكل رحمه الله أنه كان ذات يوم جالساً وولدان له يلعبان بين يديه فضرب أحدهما الآخر فقال: خذها مني وأنا الهاشمي العباسي ثم إنهما لعبا فضربه الآخر ثم قال خذها منى وأنا الغلام الحنبلي فسر بذلك المتوكل وأقطعه.
قال: وسمعته في مجلسه يذكر أبناء الإخوة وينعتهم وهو يقول إن حضروا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفقدوا ثم قال: جرابه بطنه والله ذخره.
قال: وكنت أسمعه يقول في دعائه إذا دعا: أعطيت فأجزلت العطاء وعافيت فصرفت البلاء وكثرت علينا منك اللألاء والنعماء فأي أياديك نذكر? أم أي نعمائك نشكر? جميل ما ظهرت أم قبيح ما سترت? نطيعك فتشكر ونعصيك فتستر ونسأل فتعطي ونستكفي فتكفي فلك الحمد على جميل ما أظهرت ولك الحمد على قبيح ما سترت عجباً لمن عرفك كيف يألف غيرك? من ذا الذي عرفك حق معرفتك? أم من ذا الذي قدرك حق قدرك? سبحانك.
إبراهيم بن إسحاق الشيرجي:
صاحب المروذي حدث عنه ابن الجندي والمخلص ومات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وصلى عليه حمزة بن القاسم الهاشمي.
عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو القاسم الخرقي(1/463)
قرأ العلم على من قرأه على أبي بكر المروذي وحرب الكرماني وصالح وعبد الله ابني إمامنا له المصنفات الكثيرة في المذهب لم ينتشر منها إلا المختصر في الفقه لأنه خرج عن مدينة السلام لما ظهر سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأودع كتبه في درب سليمان فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب ولم تكن انتشرت لبعده عن البلد.
قرأ عليه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو عبد الله بن بطة وأبو الحسين التميمي وأبو الحسين بن شمعون وغيرهم.
قرأت بخط أبي إسحاق البرمكي: أن عدد مسائل المختصر ألفان وثلاثمائة مسألة.
وقرأت بخط أبي بكر عبد العزيز على نسخة مختصر الخرقي يقول عبد العزيز: خالفني الخرقي في مختصره في ستين مسألة ولم يسمها فتتبعت أنا اختلافها فوجدته في ثمانية وتسعين مسألة.
المسألة الأولى قال الخرقي: وإذا كان معه في السفر أتان نجس وطاهر واشتبها عليه أراقهما وتيمم وهي منصوصة وبه قال أبو حنيفة ووجهها: أن معه ماء طاهراً بيقين فلم يجز التيمم مع وجوده كما لو كان عالماً به وفيه رواية ثانية لا تجب الإراقة اختارها أبو بكر ووجهتها أن وجود الماء الطاهر إذا تعذر استعماله فبقاؤه لا يمنع التيمم كالماء الذي يحتاج إلى شربه.
المسألة الثانية قال الخرقي: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة فإن فعل أجزأه وبه قال أكثرهم ووجهها: أن النهي عن استعمالها لا يختص بالطهارة لأنه عام في الأكل والشرب والطيب والوضوء فلم يؤثر في فساد العبادة وقال أبو بكر: الوضوء باطل وهو أصح لقوله عليه الصلاة والسلام من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ولأنه توضأ من إناء محرم فلم يصح كما لو توضأ من جلد ميتة لم يدبغ.(1/464)
المسألة الثالثة قال الخرقي والسواك سنة ثم عقب ذلك بغسل اليدين عند القيام من نوم الليل وبه قال أكثرهم لأنه قيام من النوم فلا يوجب غسل اليدين كالقيام من نوم النهار وقال أبو بكر: يجب غسلهما وهي الرواية الصحيحة لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده".
المسألة الرابعة ذكر الخرقي عقيب ذلك: التسمية وأنها سنة في الطهارة وبها قال أكثرهم لأنه لما لم يجب الذكر في آخرها: لم يجب في أولها كالصيام.
وقال أبو بكر التسمية واجبة وهي الرواية الصحيحة لما روى أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
المسألة الخامسة قال الخرقي: والخشب والخرق وكل ما أنقى به فهو كالأحجار وبه قال أكثرهم. لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد أو ثلاثة أحجار أو ثلاثة حثيات من الماء".
وقال أبو بكر: لا يجزي إلا الأحجار وبه قال أبو داود لما روى البخاري بإسناده عن عبد الله قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار" والأمر على الوجوب ولأنها عبادة تتعلق بالأحجار فلا يقوم غيرها مقامها دليله رمي الجمار.
المسألة السادسة قال الخرقي: والحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام الثلاثة الأحجار لأن القصد تجفيف النجاسة بضرب من العدد وهذا المعنى موجود في الحجر الكبير كما لو وجد بثلاثة صغار.
وقال أبو بكر: لا بد من ثلاثة أحجار وهي الرواية الثابتة عن أحمد لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: "ائتني بثلاثة أحجار" ولم يفرق.(1/465)
المسألة السابعة قال الخرقي: وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل وهو المنصوص لما روى أحمد بإسناده :"أن قيس بن عاصم لما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل" والأمر على الوجوب وذكر الوالد السعيد: أنا أبا بكر قال: يستحب الغسل إذا لم يكن جنباً في حال كفره وبه قال أكثرهم لأنه معنى يحقن به الدم فلم يوجب الغسل دليله: عقد الذمة .
وقد رأيت أنا في كتاب التنبيه لأبي بكر: إيجاب الغسل .
المسألة الثامنة أوجب الخرقي طلب الماء في حق المتيمم وهي الرواية الصحيحة وبها قال مالك والشافعي لأن كل أصل وجب طلبه إذا غلب على الظن وجوده وجب وإن لم يغلب كالنص في الأحكام.
والرواية الثانية: لا تجب اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة لأنه غير عالم بموضع الماء فله التيمم كما لو طلب فلم يجد .
المسألة التاسعة قال الخرقي: ولو أحدث مقيماً ثم مسح مقيماً ثم سافر: أتم على مسح مقيم ثم خلع وهي الرواية الصحيحة وبها قال الشافعي لأنها عبادة يختلف قدرها بالحضر والسفر فإذا تلبس فيها الحضر ثم سافر: غلب حكم الحضر كالصلاة .
والثانية: يمسح مسح مسافر وبها قال أبو حنيفة اختارها أبو بكر وأستاذه الخلال وقال الخلال: رجع أحمد عن الأولى لأن السفر موجود مع بقاء المدة فجاز أن يمسح مسح مسافر كما لو أنشأ المسح في السفر .
المسألة العاشرة قال الخرقي: إذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر وفي الحضر البياض لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فيظن أنها قد غابت فإذا غاب البياض فقد تيقن ووجبت عشاء الآخرة فذكر الخرقي وجه ما قال .
وقال أبو بكر في التنبيه: يصلى المغرب إذا غابت الشمس إلى أن يغيب الشفق وهو الحمرة في الحضر والسفر وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي وقال أبو حنيفة هو البياض حضراً أو سفراً .
وجه قول أبي بكر: ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق فقد وجبت الصلاة" .(1/466)
المسألة الحادية عشرة قال الخرقي: إذا اشتد الخوف وهو مطلوب ابتدأ الصلاة إلى القبلة وصلى إلى غيرها راجلاً وراكباً يومىء إيماء على قدر الطاقة ويجعل سجوده أخفض من ركوعه وسواء كان مطلوباً أو طالباً يخشى فوات العدو وهي الرواية الصحيحة لأن المقصود الاحتراز والنكاية في العدو فإذا جاز تركها للتحرز كذلك النكاية والثانية لا يجوز اختارها أبو بكر وبها قال أكثرهم لقوله تعالى: فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فشرط الخوف في ذلك وهو في هذه الحالة آمن .
???المسألة الثانية عشرة اختلفت الرواية عن أحمد في حد الرفع: على ثلاث روايات إحداها: إلى المنكبين وبها قال مالك والشافعي وإسحاق والثانية: حتى يحاذي أذنيه اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة والثالثة: الكل سواء اختارها الخرقي وأبو حفص العكبري وجه الأدلة اختارها الوالد السعيد ما روى أحمد بإسناده عن ابن عمر قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع ولا يرفع بين السجدتين" قال: لا يعدل بحديث ابن عمر شيئاً وأخرجه البخاري ووجه الثانية أن في رواية وائل بن حجر ومالك بن الحويرث "أنه رفع يديه إلى حيال أذنيه" وروى:"إلى فروع أذنيه" ووجه الثالثة: أن الكل مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن الجميع سواء .
المسألة الثالثة عشرة
قال الخرقي: ويستحب لأم الولد أن تغطي رأسها في الصلاة وقال أبو بكر: أم الولد كالحرة في وجوب الستر وجه قول الخرقي: أنها تضمن بالقيمة فهي كالأمة القن ووجه قول أبي بكر: أنه قد استقرت الحرية فيها .(1/467)
المسألة الرابعة عشرة قال الخرقي: ويقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إلا أن يشق ذلك عليه فيعتمد بالأرض وهو أصح الروايتين وبه قال أبو حنيفة لما روي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض من الصلاة على صدور قدميه" والثانية: يجلس على إليتيه ثم يقوم اختارها أبو بكر وشيخه قال شيخه: رجع أحمد عن الأدلة ووجه الثانية: ما روى طاووس قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين فقال: "هي سنة نبيك" وهذا يدل على أنه مسنون .
المسألة الخامسة عشرة قال الخرقي: ومن ذكر صلاة وهو في أخرى: أتمها وقضى المذكورة وأعاد التي كان فيها إذا كان الوقت مبقي فإن خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها وقد أجزأته ويقضي التي كانت عليه وهي الرواية الصحيحة وبها قال أبو حنيفة ووجهها: أنا لو أوجبنا الترتيب مع ضيق الوقت أفضى إلى فوات الوقت فيهما فلأن يفوت في إحداهما ويستدرك في الأخرى: أولى وأجرى مجرى قضاء شهر رمضان إذا أدرك من عليه صومه: قدم صوم شهر رمضان على الصوم الفائت لهذه المزية .
والثانية: يجب الترتيب اختارها أبو بكر وشيخه وبه قال مالك .
ووجهه: أنهما صلاتان فكان الترتيب فيهما مستحقاً .
دليله: لو كان الوقت واسعاً .
المسألة السادسة عشرة قال الخرقي: وسجود القرآن أربع عشرة سجدة في الحج منهما اثنتان .
فعلى هذه الرواية: ليس في سورة ص سجدة وبه قال الشافعي لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"سجدها نبي الله داود توبة ونسجدها نحن شكراً .
والثانية: أنها من عزائم السجود اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة ومالك لأنها لو كانت تسجد شكراً لقطعت الصلاة بفعلها .(1/468)
المسألة السابعة عشرة قال الخرقي: ومن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير عامداً: بطلت صلاته لأنه لا يمتنع أن يكون الشي واجباً ويسقط بالسهو كالإمساك في الصوم والوقوف بعرفة والتسمية على الذبيحة والطهارة .
وعن أحمد روايتان غير ما ذكر الخرقي أصحهما: أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن لا يسقط بالسهو اختارها الوالد وشيخه وابن شاقلا وأبو حفص العكبري وبه قال الشافعي لما روى النجاد بإسناده عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة لمن لم يصل على محمد .
والرواية الأخرى: أنها سنة اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة ومالك وداود .
ووجهها: أنه جلوس موضوع للتشهد فلا يجب فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالجلوس عقيب الركعتين من الصلاة الرباعية .
المسألة الثامنة عشرة قال الخرقي: ومن كان إماماً فشك فلم يدر: كم صلى? تحرى فبنى على أكثر وهمه ثم سجد بعد السلام كما روي عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر دليل قوله .
وفي رواية ثانية: يبنى على اليقين كالمنفرد ويسجد قبل السلام اختارها أبو بكر والوالد السعيد وبها قال أكثرهم لما روى أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى? فليبن على اليقين حتى إذا استيقن: أن قد تم فليسجد سجدتين قبل أن يسلم فإنه إن كانت صلاته وتراً: صارت شفعاً وإن كانت شفعاً: صار ذينك ترغيماً للشيطان".
المسألة التاسعة عشرة قال الخرقي: ومن تكلم عامداً أو ساهياً: بطلت صلاته إلا الإمام خاصة فإنه إذا تكلم لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته لأن بالإمام حاجة إلى الكلام لأنه يطرقه السهو فلا يمكنه معرفة الصواب إلا بالسؤال عنه .(1/469)
وعن أحمد روايتان سوى ما ذكره الخرقي أصحهما: تبطل الصلاة بكلام الإمام اختارها أبو بكر والوالد السعيد وبها قال أكثرهم لأنه كلام آدمي لغير النبي صلى الله عليه وسلم على وجه العمد فأبطلها كما لو لم يكن لمصلحتها مثل رد السلام وتشميت العاطس.
والرواية الأخرى: يجوز في حق الإمام والمأموم وبها قال مالك .
ووجهها: أن هذا من مصلحة صلاتهما فلم يبطلها كما لو نبه الإمام على سهوه .
المسألة العشرون
قال الخرقي: والمني طاهر وهي الرواية الصحيحة اختارها الوالد السعيد وصححه وبها قال الشافعي وداود لما روى ابن عباس قال:" سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب? فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة" .
ونقل الخرقي رواية أخرى: أنه كالدم .
وقال أبو بكر في التنبيه: إن كان رطباً غسل وإن كان يابساً فرك فمتى لم يفعل ذلك وصلى فيه: أعاد الصلاة وبه قال أبو حنيفة وقال مالك: يغسل بكل حال .
وجه اختيار أبي بكر: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل المنى من الثوب إذا كان رطباً وبفركه إذا كان يابساً" وأمره على الوجوب .
المسألة الحادية والعشرون قال الخرقي: ومن لم ينو القصر في وقت دخوله إلى الصلاة لم يقصر وبه قال الشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى " وهذا لم ينو القصر . وقال أبو بكر في الخلاف: يصح القصر بغير نية .
ووجهه: أن المصلي على ضربين: متم ومقصر ثم المتم: لا يحتاج إلى نية الإتمام كذلك المقصر .
المسألة الثانية والعشرون قال الخرقي: ومن صلى الظهر يوم الجمعة ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام: أعادها ظهراً وبه قال الشافعي .
وقال أبو بكر في كتاب التنبيه: لا يجوز للمسافر ولا للمريض ولا من هو مخاطب بالجمعة وغير مخاطب: أن يصلي ظهراً قبل صلاة الإمام الجمعة ومن صلى لم يجزه وعليه الإعادة.(1/470)
وجه قول الخرقي: أنه غير مخاطب بها فجاز له فعلها قبل فراغ الإمام منها لأنه لا مأثم عليه في ترك إتيانها فلم يلزمه تأخير فعلها إلى فراغهم من الجمعة .
ووجه قول أبي بكر: أنه لو حضر الجمعة لصحت منه وسقط عنه فرض الظهر فلم يجز له فعلها قبل فراغهم منها .
دليله: من يجب عليه حضورها .
المسألة الثالثة والعشرون قال الخرقي: ومن فاتته صلاة العيد: صلى أربع ركعات كصلاة التطوع يسلم في آخرها لأنه مذهب علي وابن مسعود .
وفيه رواية ثانية: يصلي كما يصلي الإمام ركعتين اختارها أبو بكر في التنبيه .
ووجهها: أن أنس بن مالك "كان إذا لم يشهد العيد مع الناس بالبصرة جمع أهله وولده وصلى ركعتين" .
وعن أحمد رواية ثالثة: أنه مخير بين الأربع والركعتين لأنها قد أخذت شبهاً من صلاة الجمعة بدليل الخطبة والجهر وعدد الركعات وشبهاً من صلاة الفجر لأنها أصل في نفسها فلهذا خيرناه .
المسألة الرابعة والعشرون قال الخرقي: وإن كبر الإمام في الصلاة على الميت خمساً: كبر المأموم بتكبيره وبه قال زفر لما روى عن زيد بن أرقم:" أنه كان يكبر على الجنائز أربعاً وأنه كبر على جنازة خمساً فسألوه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها" أخرجه مسلم وأبو داود .
وفيه رواية ثانية -وهي الصحيحة يتابع الإمام إلى سبع اختارها أبو بكر وابن بطة وأبو حفص العكبري والوالد السعيد لما روى عن عبد الله بن مسعود قال:" ما حفظنا التكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كبر أربعاً وخامساً وسبعاً فما كبر إمامك فكبر".
وفيه رواية ثالثة: لا يتابع في الخامسة وبها قال أبو حنيفة والشافعي .
ووجهها: أن عمر جمع الناس على أربع كأطول الصلاة .
المسألة الخامسة والعشرون قال الخرقي: والشهيد إذا مات في موضعه لم يغسل ولم يصل عليه ودفن وهي الرواية الصحيحة وبها قال الشافعي لأن من لم يجب غسله مع الإمكان لم تجب الصلاة عليه كالسقط إذا ألقته ولما يتصور .(1/471)
والثانية: يصلى عليه اختارها أبو بكر في التنبيه فقال: والناس كلهم يغسلون إلا الشهداء إذا ماتوا في المعركة لم يغسلوا ويصلى عليهم كفعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل أحد فذكر حجته واختار ذلك شيخه وبه قال أبو حنيفة ومالك .
وفيه رواية ثالثة: أنه مخير في الصلاة وتركها .
ووجهها: أن ابن مسعود قال:" لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد" وروى غيره الصلاة فتعارضا فلهذا خيرناه .
المسألة السادسة والعشرون قال الخرقي: ومن فاته شيء من التكبير فضاه متتابعاً وإن سلم مع الإمام ولم يقض: فلا بأس به .
وفي رواية أخرى: إن لم يقض لم تصح صلاته اختارها أبو بكر وبها قال أكثرهم .
وجه الأولة - وهي مذهب ابن عمر والحسن البصري وأيوب السختياني والأوزاعي: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت:" يا رسول الله أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير? فقال: ما سمعت فكبري وما فاتك فلا قضاء عليك".
ووجه الثانية: أن كل تكبيرة قائماً مقام ركعة ولهذا لا يجوز الاقتصار على أقل من أربع تكبيرات ولو فاته بعض الركعات قضاه كذلك التكبيرات .
المسألة السابعة والعشرون قال الخرقي في زكاة الإبل: إذا بلغت إحدى وتسعين: ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين: بنت لبون وفي كل خمسين: حقة .
قال الولد السعيد: فظاهر هذا: أن زيادة الواحدة على عشرين ومائة تغير الفرض فيكون في كل أربعين: بنت لبون وفي كل خمسين: حقة فيكون فيها ثلاث بنات لبون واختاره وبه قال الشافعي وداود .
ووجهه: ما روى ابن عمر قال:" وجدنا في كتاب عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صدقة الإبل -وذكر الخبر- إلى أن قال: إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففي كل أربعين: ابنة لبون وفي كل خمسين: حقة طروقة الفحل فيكون فيها ثلاث بنات لبون".(1/472)
وفيه رواية ثانية: لا يتغير الفرض إلا بزيادة عشر فتكون الحقتان في إحدى وتسعين إلى مائة وتسعة وعشرين فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون اختارها أبو بكر في كتاب الخلاف وبها قال أبو عبيد وعن مالك: كالروايتين .
وجه الثانية: ما رواه ابن بطة -بإسناده- عن الزهري قال:"هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كتب في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب وذكر الخبر إلى أن قال فإذا كانت إحدى وتسعين: ففيها حقتان طروقتا الفحل حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها حقة وبنتا لبون وذكر الخبر".
المسألة الثامنة والعشرون قال الخرقي في زكاة الغنم: في أربعين: شاة فإذا صارت مائة وإحدى وعشرين: فشاتين فإذا صارت مائتين وشاة: ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا زادت: ففي كال مائة شاة وهي الرواية الصحيحة وبها قال أكثرهم .
ووجهها: ما روى ثمامة بن عبد الله بن أنس أن جده أنساً حدثه:" أن أبا بكر الصديق كتب له لما وجهه إلى البحرين وذكره ثم قال: وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة: شاة فإذا زادت إلى أن تبلغ مائتين: ففيها شاتان فإذا زادت على المائتين إلى ثلاثمائة: ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة: ففي كل مائة شاة" أخرجه البخاري .
وفيه رواية أخرى: إذا زادت على ثلاثمائة شاة: ففيها أربع شياه ثم كذلك كلما زادت على المائة واحدة: ففيها شاة اختارها أبو بكر .
ووجهها: أنه لما حد الوقص بهذا الحد: دل على أن الفرض يتعلق بالزيادة إذ لو كان الفرض لا يتعلق بالزيادة على الثلاثمائة: لم يحد الوقص بهذا الحد .
المسألة التاسعة والعشرون قال الخرقي: وإن أعطاها كلها في صنف منها: أجزأه إذا لم يخرجه إلى الغنى وهو المنصوص عن أحمد .
ووجهه: أنه مذهب عمر وعلي وحذيفة ومعاذ وابن عباس وبه قال من الفقهاء: أبو حنيفة ومالك .(1/473)
وقال أبو بكر: لا يدفع إلا في الثمانية وبه قال الشافعي ووجهه: أنه لما لم يجز الاقتصار في خمس الخمس على بعض الأصناف كان كذلك في الزكاة .
المسألة الثلاثون قال الخرقي: ولا زكاة في دون المائتي درهم إلا أن يكون في ملكه ذهب أو عروض للتجارة فيتم به وكذلك ما كان دون ا لعشرين مثقالاً فإذا تمت ففيها: ربع العشر وهي الرواية الصحيحة اختارها الخلال والوالد وبها قال أبو حنيفة ومالك.
ووجهها: أن الدراهم والدنانير: أثمان الأشياء وقيم المتلفات ويكمل بعضها بما يكمل به الآخر وهو عروض التجارة فيضم بعضها إلى بعض كالسود والبيض والمكسرة والصحاح .
وفيه رواية أخرى: لا تضم اختارها أبو بكر وبها قال الشافعي وداود لأنهما جنسا يجري فيهما الربا فلا يضم بعضهما إلى بعض كالتمر والزبيب .
المسألة الحادية والثلاثون قال الخرقي: وإذا ملك جماعة عبداً: أخرج كل واحد منهم في صدقة فطره صاعاً اختارها الوالد السعيد لأن من لزمه أن يخرج صدقة الفطر عن غيره لزمه صاع كامل .
دليله: إذا انفرد بملكه وطرده: إذا لزم اثنين نفقة ابنهما .
وفي رواية أخرى: يخرجان على قدر الملك وبها قال مالك والشافعي اختارها أبو بكر في التنبيه فقال: ويعطى السيدان عن عبدهما صاعاً يؤدي كل واحد منهما نصفه مثل ما يزكيان ثمنه فذكر حجته .
المسألة الثانية والثلاثون قال الخرقي: فإن أعطى أهل البادية الأقط أجزأهم إذا كان قوتهم وبه قال أبو حنيفة .
ووجهه: أنه مخلوق من حيوان فلا يجوز إخراجه كاللحم .
وفيه رواية ثانية: يجوز إخراج الأقط في صدقة الفطر وإن لم يكن قوتهم اختارها أبو بكر والوالد وبها قال مالك وعن الشافعي كالروايتين .
وجه الثانية: ما روى أبو سعيد الخدري قال:" كنا نخرج زكاة الفطر -إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط- وذكر الخبر" أخرجه البخاري ومسلم .(1/474)
لمسألة الثالثة والثلاثون قال الخرقي: وإذا رأي الهلال نهاراً قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة لأنه مروي عن علي وابن عمرو وابن مسعود .
وقال أبو بكر في التنبيه: فإن أخبرونا عن رؤية الهلال قبل الزوال وبعده للإفطار والصيام قيل: إذا رآه قبل الزوال فهو لأمسه وإذا كان بعد الزوال فهو لغده وهو مذهب الثوري وأبي يوسف لأن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص وإلى أهل جلولاء:" إذا رأيتم الهلال في الصوم في آخر النهار: فلا تفطروا وإذا رأيتموه في أول النهار بالأمس: فأفطروا فإنه كان بالأمس".
المسألة الرابعة والثلاثون قال الخرقي: ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه رد ما أخذ وكانت الحجة عن نفسه واختارها ابن حامد وبه قال الشافعي ووجهه: أن أكثر ما فيه عدم التعيين وذلك غير معتبر في الإحرام .
الدليل عليه: لو أحرم مطلقاً انصرف إلى الفرض كذلك إذا نواه عن غيره يجب أن ينصرف إلى نفسه .
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: إن الإحرام لا ينعقد جملة ويقع باطلاً ووجهه: أنه لم ينوه عن نفسه ونواه عن غيره وقد قلنا: لا ينعقد عن الغير .
المسألة الخامسة والثلاثون قال الخرقي: ومن طاف وسعى محمولاً لعلة: أجزأه قال الوالد في كتاب الروايتين وغيره: فظاهر هذا المنع إذا كان لغير علة وأنه لا يجزئه وسواء كان راكباً دابة أو يحمله آدمي وهي الرواية التي نصرها الوالد .
ووجهها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة غير أن الله أحل لكم فيه النطق" .
وقوله:"الطواف صلاة" معناه: مثل صلاة فحذف المضاف فكان بمنزلة الصلاة إلا ما استثناه وهو إباحة النطق .
وفيه رواية ثانية: يجزيه ولا دم عليه اختارها أبو بكر في زاد المسافر وابن حامد وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة ومالك: إذا طاف راكباً لغير عذر: كره له وقيل له: أعد فإن لم يعد: أجزأه وعليه دم .
وجه الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً .(1/475)
المسألة السادسة والثلاثون قال الخرقي: وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد إلا أن عليه دماً وهي الرواية الصحيحة وبه قال مالك والشافعي لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قرن بين حجته وعمرته: أجزأه لهما طواف واحد".
وقال أبو حنيفة: يطوف طوافين ويسعى سعيين وقد أجزأه لهما .
وعن أحمد رواية أخرى: لا يجزىء القارن عن عمرته بل يجب عليه عمرة مفردة اختارها أبو بكر وأبو حفص .
فعلى هذه الرواية: يحتاج إلى إحرامين وعلى قول أبي حنيفة يجزئه ذلك بإحرام واحد .
ووجه الثانية: أن الأفعال إذا ترادفت من جنس فإنما تتداخل إذا اتفقا في المقدار كالغسل من الجنابة والحيض والوضوء من البول والنوم فأما إذا اختلفا في المقدار فإنه يؤتى بكل واحد منهما كحد الزنا وشرب الخمر .
وطرده: الطهارة الصغرى والكبرى لا تتداخل على إحدى الروايتين .
المسألة السابعة والثلاثون قال الخرقي: وسائر اللحمان جنس واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض رطباً ويجوز إذا تناهى جفافه مثلاً بمثل وبه قال الشافعي في أحد قوليه .
ووجهه: لحم بهيمة الأنعام فلم يجز بيع بعضه ببعض متفاضلاً.
دليله: اختلاف أنواعه مثل لحم البخت والعراب والضأن والماعز .
وعن أحمد رواية أخرى -وهي الصحيحة- أن اللحوم أجناس تختلف باختلاف أصولها وكذلك الألبان اختار ذلك أبو بكر والوالد السعيد وبها قال أبو حنيفة .
ووجهها: أنها فروع لأصول وهي أجناس فكانت أجناساً في أنفسها كالأدقة والأخباز .
وعن أحمد رواية ثالثة: أنها أربعة أجناس: لحم الأنعام صنف ولحم الوحوش صنف ولحم الطير صنف ولحم دواب الماء صنف يجوز بيع كل واحد بخلافه متفاضلاً ولا يجوز ببعضه إلا متماثلاً وبه قال مالك .
ووجهها: أن الإبل والبقر من بهيمة الأنعام ومن ذوات الأربع فلم يجز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً كأنواع الإبل وأنواع البقر .(1/476)
المسألة الثامنة والثلاثون اختار الخرقي: إذا وجد أحد المتصارفين عيباً بعد التفرق وكان العيب من جنسه: له البدل وهي الرواية الصحيحة واختارها أبو بكر الخلال لأن البدل قائم مقام المبدل والقبض قد حصل في المبدل .
والرواية الثانية: ليس له البدل اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة .
فعلى هذا: يبطل العقد فيه ولا يجوز أن يكون القبض في عين من الأعيان قبضاً في عين أخرى فإذا بطل الصرف في قدر المردود فهل يبطل في نفسه? على روايتين بناء على تفريق الصفقة .
المسألة التاسعة والثلاثون قال الخرقي: والإقالة فسخ .
وعن أبي عبد الله رواية أخرى: الإقالة بيع اختارها أبو بكر في التنبيه .
وجه الأولة وهي الصحيحة وبها قال الشافعي: أن الإقالة في اللغة موضوعة لرفع الشيء يقال: أقال الله عثرتك يعني رفعها وإذا كان كذلك: وجب أن يكون رفعاً للعقد وفسخاً له .
ووجه الثانية وهي مذهب مالك: أن الفسخ في العقود ما كان عن غلبة دون ما وقع عن اختيار وتراض دليله: سائر العقود .
المسألة الأربعون قال الخرقي: وإذا اشترى أمة ثيباً فأصابها واستغلها ثم ظهر فيها على عيب: كان مخيراً بين أن يردها ويأخذ الثمن كاملاً لأن الخراج بالضمان -والوطء كالخدمة- وبين أن يأخذ ما بين الصحة والعيب وإن كانت بكراً فأراد ردها: كان عليه ما نقصها إلا أن يكون البائع قد دلس فيلزمه رد الثمن كاملاً وكذلك سائر المبيع وهي الرواية الصحيحة وبها قال مالك: لأن الوطء معنى لو حصل من الزوج لم يمنع من الرد بالعيب فإذا حصل من المشتري: لم يمنع الاستخدام .
وفيه رواية ثانية: إذا وجد الوطء لم يملك الرد فيهما اختارها أبو بكر وبها قال الثوري وأبو حنيفة .
وقال الشافعي: إن كانت بكراً لم يملك الرد .(1/477)
فالدلالة لما اختاره أبو بكر: أنه لو ردها بالعيب لا نفسخ العقد من أصله وعادت الجارية إلى البائع على حكم الملك الأول كأنه لم يكن بينهما بيع ويحصل وطء المشتري في ملك الغير والوطء في ملك الغير: لا يخلو من إيجاب حد أو مهر واتفقوا: أنه لا يجب عليه حد ولا مهر وجب أن لا يرد .
والدلالة على قول الشافعي: أنه لما لم يمنع الزوج من الرد بالعيب في حق البكر فكذلك في حق البائع .
المسألة الحادية والأربعون قال الخرقي: وإذا اشترى شيئاً مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسداً فإن لم يكن له مكسوراً قيمة -كبيض الدجاج- رجع بالثمن على البائع وإن كانت له مكسوراً قيمة -كجوز الهند- فهو مخير في الرد ويأخذ الثمن وعليه أرش الكسر أو يأخذ ما بين صحيحه ومعيبه .
وعن أحمد رواية أخرى: له الأرش دون الرد اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة والشافعي .
وجه الأولة: ما روى الخلال -بإسناده- عن عثمان بن عفان في رجل اشترى ثوباً فلبسه ثم رأى به عيباً "يرده وما نقصه" .
ووجه قول أبي بكر: أن في إثبات الرد إثبات ضرر على البائع لأنكم تقولون: إذا كان البائع قد دلس العيب فتصرف المشتري: ملك الرد ولا بغرم الأرش وهذا ضرر لأنه أخذه صحيحاً من الإتلاف ورده متلفاً من غير ضمان .
المسألة الثانية والأربعون قال الخرقي: وإذا باع شيئاً واختلفا في ثمنه: تحالفا وإن شاء المشتري أخذه بعد ذلك بما قال البائع وإلا انفسخ البيع بينهما وإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها إلا أن يشاء المشتري أن يعطي الثمن على ما قال البائع .
وفيه رواية ثانية: القول قول المشتري مع يمينه ولا يتحالفان وهي اختيار أبي بكر وبها قال أبو حنيفة .
وجه الأولة: ما روى الدارقطني -بإسناده- عن عبد الله بن مسعود قال:"إذا اختلف البيعان -والمبيع مستهلك- فالقول قول البائع" ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا نص في إثبات التحالف بعد الهلاك .(1/478)
ووجه الثانية: أنه معنى يوجب فسخ البيع مع بقاء السلعة فوجب أن لا يثبت حكمه بعد هلاكها كالرد بالعيب والإقالة وخيار الشرط على إحدى الروايتين .
المسألة الثالثة والأربعون قال الخرقي: وبيع الفهد والصقر المعلم جائز وكذلك بيع الهر وكل ما فيه منفعة وبه قال الشافعي وقال أبو بكر: لا يصح بيعهما .
وجه الأولة: أنه حيوان ينتفع به ويجوز اقتناؤه على الإطلاق فجاز بيعه كبهيمة الأنعام .
ووجه قول أبي بكر ما روى جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"نهى عن ثمن الكلب والسنور".
المسألة الرابعة والأربعون قال الخرقي: ومن أونس منه رشد: دفع إليه ماله إذا كان قد بلغ وكذلك الجارية وإن لم تنكح وبه قال أبو حنيفة والشافعي لأنها بالغة رشيدة فيدفع إليها مالها كما لو تزوجت وولدت ولداً.
وقال أبو بكر: لا يدفع إلى الجارية مالها تتصرف فيه حتى تلد ولداً فإن حفظها لولدها أكثر من حفظها لنفسها وهو قول عمر بن الخطاب وهذا منصوص أحمد واختاره الوالد السعيد قال: ويحول عليه الحول .
ووجه الثانية: ما روى أبو بكر بإسناده عن شريح قال:"عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحل في بيت زوجها حولاً أو تلد ولداً" ولا يعرف له مخالف في الصحابة.
المسألة الخامسة والأربعون قال الخرقي: ومن أقر بشيء واستثنى من غير جنسه: كان استثناؤه باطلاً إلا أن يستثنى عيناً من ورق أو ورقاً من عين .
وقال أبو بكر: لا يصح استثناء الورق من العين ولا العين من الورق .
وجه قول الخرقي: أنهما قد أجريا مجرى الجنس الواحد في قيم المتلفات وأرش الجنايات وضم بعضهما إلى بعض في الزكوات فكذلك في الاستثناء .
ووجه قول أبي بكر أنه استثناء من غير الجنس فهو كما لو استثنى طعاماً أو ثياباً أو حيواناً.
المسألة السادسة والأربعون قال الخرقي: ومن أقر بشيء فاستثنى منه الأكثر وهو أكثر من النصف أخذ بالكل وكان استثناؤه باطلاً .(1/479)
فظاهره: أنه يصح استثناء النصف هكذا فسره الوالد السعيد .
ووجهه: أنه لم يستثن الأكثر فصح كما لو استثنى الثلث .
وقال أبو بكر: لا يصح استثناء النصف .
ووجهه: أنه إنما لم يجز استثناؤه الكثير لأنه لم ينقل عن أهل اللغة وهذا موجود في النصف لأنه لم ينقل عنهم وإنما نقل عنهم فيما دونه فيجب أن يمنع من ذلك كما منع في الكثير .
المسألة السابعة والأربعون قال الخرقي: ولا يجوز أن يأخذ رهناً ولا كفيلاً من المسلم به .
ووجهه: أن هلاك الرهن على وجه العدوان يصير مستوفياً للمسلم فيه فيصير كأنه استوفى الرهن بدلاً عن المسلم فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم :"من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره".
وفيه رواية ثانية: يجوز ذلك اختارها أبو بكر وبها قال أكثرهم .
وجهها: أنه أحد نوعي المبيع فجاز أخذ الرهن بما ثبت في الذمة منه كالثمن في المبيع .
المسألة الثامنة والأربعون اختلفت الرواية: بم يضمن المغرور أولاده? على ثلاث روايات .
أصحها: بمثلهم من العبيد اختارها الخرقي .
والثانية: المغرور بالخيار بين المثل أو القيمة اختارها أبو بكر في المقنع .
والثالثة: يفديهم بالقيمة وبها قال أكثرهم .
وجه الأولة: ما روى عن عمر:" مكان كل غلام بغلام ومكان كل جارية بجارية".
ووجه الثانية: أنه بدل حر فدخله التخيير بين الحيوان والأثمان دليله: غيره من الأحرار .
ووجه الثالثة: أنه لا يمكن الرجوع إلى المثل لأنه إن ساواه في القدر: خالفه في الصفة واللون.
المسألة التاسعة والأربعون قال الخرقي: إذا غصب جارية وباعها فوطئها المشتري وأولدها وهو لا يعلم: ردت الجارية إلى سيدها ومهر مثلها وهو مذهب عمر .
وفيه رواية ثانية: لا يرجع بالمهر اختارها أبو بكر وهي مذهب علي وبها قال أبو حنيفة .
وجه الأولة: أن البائع ضمن له بعقد البيع سلامة الوطء كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد كذلك يرجع عليه بالمهر .
وطرده: أجرة الخدمة إذا غرمها .(1/480)
ووجه الثانية: أن المهر بدل منفعة قد حصلت له فيجب أن لا يرجع به على غيره .
المسألة الخمسون
قال الخرقي: فإن وقعت الإجارة على كل شهر بشيء معلوم: لم يكن لواحد منهم الفسخ إلا عند تقضي كل شهر وبه قال أبو حنيفة ومالك لأن الشهر الأول معلوم لأنه عقيب العقد وقد ذكر له قسطاً من الأجرة معلوماً فصح في الشهر الأول وبطل فيما بعده كما لو قال في الشهر الأول: بعشرة وما بعده من الشهور: بحسابه ولا تلزم عليه الشهر الثاني والثالث لأنه لو صح فيهما لوجب أن يصح في جميع الشهور ولو صح في جميعها: أدى إلى الجهالة .
وفي رواية ثانية: الإجارة فاسدة اختارها أبو بكر وبها قال الشافعي: لأن العقد إذا وقع على جملة مجهولة: بطل فيها وفي أبعاضها كلها وإن كانت أبعاضها معلومة كما لو قال: أجرتك هذه الدار وداراً أخرى بعشرة .
المسألة الحادية والخمسون قال الخرقي: إذا وقف على قوم وأولادهم وعقبهم: فهو وقف على من وقف عليه وأولاده الذكر والأنثى من أولاد البنين بينهم بالسوية إلا أن يكون الواقف فضل بعضهم على بعض وبه قال مالك ومحمد بن الحسن .
ووجهه: أن المال إذا أضيف إلى الولد على الإطلاق: لم يدخل فيه ولد البنات كالميراث وهو قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين .
وقال أبو بكر في التنبيه: وإذا وقف على ولده وولد ولده: دخل فيه ولد البنت وولد الابن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن ابني هذا سيد" وهو ابن ابنته فإذا قال ولده لصلبه: لم يدخل فيهم ولد البنت واختاره ابن حامد وبه قال أبو يوسف والشافعي .
ووجهه: ما تقدم من احتجاج أبي بكر بالخبر .
المسألة الثانية والخمسون قال الخرقي: وإذا أوصى له بسهم من ماله: أعطي السدس .
وقد رويت عن أبي عبد الله رواية أخرى: يعطى سهماً مما تصح منه الفريضة .
وهذه الرواية الثانية: اختارها أبو بكر وشيخه .(1/481)
قال الوالد السعيد: الرواية الأولة: له السدس إلا أن تعول المسألة فيعطى سدساً عائلاً فإن كانت المسألة من ثمانية: كان له السبع قال: وهو مذهب ابن مسعود وإياس بن معاوية قال: ومحمل الثانية: له سهم مما تصح منه الفريضة وإن كان أقل من السدس فإن زاد على السدس: أعطي السدس وقال أصحاب الشافعي: الخيار للورثة يعطون ما شاءوا .
وجه قول الخرقي: ما روى عن عبد الله قال في رجل قال:" لرجل سهم من مالي -في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم- فتوفي الموصي فلم يدر ما يعطي الموصى له? فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها? لجعل له سدساً من ماله" .
ووجه الثانية: أن اسم السهم يقع على ذلك وهو متحقق وما زاد عليه مشكوك فيه .
?المسألة الثالثة والخمسون قال الخرقي: والعمة بمنزلة الأب وقد روى عن أبي عبد الله رضي الله عنه أنه جعلها بمنزلة العم.
ووجه الأولى وهي مذهب عمر وابن مسعود والنخعي والثوري وغيرهم ما روى أحمد بإسناده عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب والخال بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم" ووجه الثانية اختارها أبو بكر وبها قال الشعبي وعن علي كالروايتين: أنه إذا أنزلناها منزلة أب أسقطت من هو أقرب منها وهو ولد الأخوات وبنات الأخوة لأنهم ولد الأب وهي من ولد الجد ولا يجوز أن يسقط الأبعد والأقرب.
المسألة الرابعة والخمسون قال الخرقي ومن زوج غلاماً غير بالغ أو معتوهاً لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج وهي الصحيحة وبها قال الحسن وحماد ومالك لأنها ولاية ثابتة للأب في حال حياته فملك نقلها بالإيصاء عند مماته كولاية المال.
وفيه رواية ثانية لا يستفاد النكاح بالوصية اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة والشافعي لأنها ولاية في حق غيره وقد كانت تنتقل إلى عصبته لو لم يوص فلم يجز أن يسقط حقه عنها كالوصية في المال إذا كان ورثته كباراً.(1/482)
المسألة الخامسة والخمسون قال الخرقي: وإذا زوج ابنته البكر فوضعها في كفاءة فالنكاح ثابت وإن كرهت صغيرة كانت أو كبيرة وليس هذا لغير الأب وهي الرواية الصحيحة اختارها الوالد السعيد في جميع مصنفاته وبها قال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وإسحاق لأن من لم يفتقر نكاحها إلى نطقها مع القدرة عليه لم يفتقر إلى رضاها في تزويج الأب.
وعن أحمد رواية أخرى: إذا بلغت تسع سنين: لم تجبر على النكاح اختارها أبو بكر وقال أبو حنيفة: إذا بلغت لم تجبر.
وجه الثانية: أنها بلغت سناً تحدث فيه الشهوة فلم تجبر على النكاح كالثيب.
المسألة السادسة والخمسون قال الوالد السعيد في المجنون إذا كان جنونه مطبقاً في جميع الأوقات وكان محتاجاً إلى النكاح فقال الخرقي يجوز للولي تزويجه لأنه محتاج إلى ذلك وليس له إذن في الحال ولا يرجى له أذن في الثاني فجاز تزويجه بغير إذنه وقال أبو بكر في الخلاف لا يجوز للأب تزويجه إذا كان بالغاً.
ووجهه: أنه بالغ محجورا عليه أشبه المحجور عليه لسفه.
المسألة السابعة والخمسون قال الخرقي: وأحق الناس بتزويج المرأة الحرة أبوها ثم أبوه ثم ابنها وابنه ثم أخوها لأبيها وأمها والأخ للأب مثله وهو المنصوص عن أحمد.
ووجهه أنهما أخوان يزوج كل واحد منهما على الانفراد فإن اجتمعا تساويا كما لو كانا لأبوين أو لأب.
وقال أبو بكر: الأخ للأبوين أولى وبه قال أبو حنيفة ومالك والجديد للشافعي.
ووجهه أن الأخ من الأبوين قد ساوى الأخ من الأب في التعصيب وانفرد بمزية الرحم من جهة الأم فكان أولى كما قلنا في باب الميراث وهكذا الحكم في تحمل العقل والصلاة على الجنازة.(1/483)
المسألة الثامنة والخمسون قال الخرقي: إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين بعد الدخول فإن أسلم الآخر قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت العدة بانت منه منذ اختلف الدينان وبه قال الشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم "رد هنداً إلى أبي سفيان" وقد كان تأخر إسلامها.
وفيه رواية أخرى بتعجيل الفرقة كما لو كان قبل الدخول اختارها أبو بكر وشيخه لأنه اختلاف دين فأوجب الفرقة دليله: قبل الدخول.
المسألة التاسعة والخمسون قال الخرقي: ولو كانت الأمة لنفسين فأعتقها أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسراً لأنه إنما يثبت للأمة الخيار إذا كان زوجها عبداً لأنها صارت كاملة في نفسها كاملة في أحكامها وهذا لا يوجد فيما إذا أعتق بعضها لأن أحكامها لم تكمل بل هي في حكم الأمة القن.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: تملك وروى ذلك عن أحمد.
ووجهها أنها أكمل منها بما حصل فيها من الحرية ولهذا يقول: إنها ترث وتورث وتحجب على قدر ما فيها من الحرية فيجب أن تملك الفسخ كما لو عتق جميعها.
المسألة الستون قال الخرقي في العنين: إذا أجله الحاكم سنة فإن جب قبل الدخول كان لها الخيار في وقتها لأننا لا نتتظر به تمام الحول ليرجى منه الدخول وبالجب أيس منه الدخول فلا معنى للتربص فلهذا ملكت الفسخ في الحال.
وقال الوالد السعيد: فإن حدث بأحد الزوجين بعد النكاح عيب يوجب الفسخ لم يثبت الخيار في قول أبي بكر وابن حامد وهو مذهب مالك لأن البضع في حكم المقبوض بدليل أن البدل يستقر بالموت وإن لم يحصل من جهتها تسليم وكذلك نصف الصداق يستقر بالطلاق قبل الدخول فجرى مجرى الإقالة والإقالة توجب رد جميع العوض وإذ كان في حكم المقبوض لم يوجب الفسخ كالمبيع إذا حدث به عيب بعد القبض.(1/484)
المسألة الحادية والستون قال الخرقي في باب العنين: وإن كانت ثيباً وادعى أنه يصل إليها أخلى معها وقيل له أخرج ماءك على شيء فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني وبطل قولها وقد روى عن أبي عبد الله قول آخر القول قوله مع يمينه.
وجه الأولة وهي قول عطاء اختارها أبو بكر في التنبيه: أن ذلك مما يستدل به على صدق الزوج وكذبه لأن العنين يضعف عن الإنزال فإذا أنزل تبينا أنه كان صادقاً في دعواه فهو كما لو شهد القوابل أنها عذراء حكمنا بصحة قولها.
ووجه الثانية وبها قال أكثرهم: أن المرأة تدعي على زوجها العنة وتريد أن ترفع النكاح وتفسخه والزوج ينكر ذلك ويقول لست بعنين ليبقى النكاح على حاله والأصل بقاء النكاح.
وعن أحمد رواية ثالثة: القول قول الزوجة لأن الزوج يدعي الوطء والزوجة تنكره والأصل: أن لا وطء .
وذكر الوالد السعيد عن أبي بكر: أنه يزوج امرأة من بيت المال لها دين فإن ذكرت أنه يقر بها كذبت الأولى وكانت الثانية بالخيار إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته ويكون الصداق في بيت المال وإن كذبت فرق بينه وبين الأولى والثانية وكان صداقها في بيت المال وهو مذهب سمرة وقال الأوزاعي: تدخل مع زوجها وتقعد امرأتان فإذا فرغا نظرا في فرجها فإن كان فيه المنى فهو صادق وإلا فهو كاذب.
المسألة الثانية والستون قال الخرقي: وإذا قال الخنثى المشكل أنا رجل لم يمنع من نكاح النساء ولم يكن له أن ينكح لغير ذلك بعده وكذلك لو سبق فقال أنا امرأة لم ينكح إلا رجلاً.
ووجهه أن من هذه صفته فالأصل فيه مشكوك وهو أعرف بطبعه من غيره فيرجع إليه في ذلك كالعدة لما لم يتوصل إلى معرفتها من غير المرأة قبل قولها في انقضاء عدتها.
وقال أبو بكر: لا يجوز للخنثى المشكل التزوج وحكى ذلك عن أحمد.
وقال أبو بكر: لأن من هذه صفته لا يقطع على كونه رجلاً ولا امرأة وإنما يحكم من طريق الظاهر وغلبة الظن والفروج لا تباح بغلبة الظن.(1/485)
المسألة الثالثة والستون قال الخرقي: والنثار مكروه لأنه شبيه النهبة وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحب الدار منه وبه قال مالك والشافعي لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن النهبة وقال: من انتهب فليس منا".
وفي رواية ثانية: لا يكره اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بدنة وخلى بينها وبين المساكين وقال: "من شاء اقتطع" والنثار في هذا المعنى.
المسألة الرابعة والستون قال الوالد فأما بنته من الرضاعة من لبن ثاب بوطء زنا: هل يحرمها أم لا? اختلف أصحابنا.
فقال أبو بكر في كتاب المقنع: تحرم عليه كما يحرم المولود قال: وظاهر كلام الخرقي أنها لا تحرم لأنه قال: وإذا جعلت ممن يلحق نسب ولدها به فثاب لها لبن فأرضعت به: حرمت.
فشرط في التحريم أن يكون ممن يلحق نسب ولدها به.
وجه قول أبي بكر اختاره الوالد السعيد أن الرضاع يثبت التحريم كالولادة ثم ثبت أن الولادة من الزنا تثبت التحريم كذلك الرضاع من لبن نزل عن وطء زنا.
ووجه قول الخرقي أن الرضاع تحريمه معتبر بثبوت النسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب" والنسب غير ثابت فهذا الوطء كذلك ما هن معتبر به وتحريم العقد لا يقف على ثبوت النسب بدليل الرضاعة.
المسألة الخامسة والستون قال الخرقي: ولو طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه كان أيضاً للسنة وكان تاركاً للاختيار وبه قال الشافعي.
وقال أبو بكر: يكون للبدعة وهو المنصوص عن أحمد وبه قال أبو حنيفة ومالك وداود وهو مذهب عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وعمران ابن حصين وأبي موسى.
ووجهه أنه ذو عدد اعتبر فيه السنة من حيث الوقت فاعتبر فيه التفريق كرمي الجمار.
ووجه قول الخرقي: أنه طلاق في عدة من غير نية فكان مباحاً كالطلقة الواحدة.(1/486)
المسألة السادسة والستون قال الخرقي: إذا قال لها أنت طالق إذا قدم فلان فقدم به مكرهاً أو ميتاً لم تطلق لأن القدوم لم يوجد منه وإنما قدم به فلهذا لم تطلق لعدم الصفة.
وقال أبو بكر: إذا قدم به ميتاً حنث لأن العين التي علق الصفة بها قد قدمت فوقع الطلاق كما لو قدم حياً.
المسألة السابعة والستون قال الخرقي: ولو آلى منها واختلف في مضي الأربعة الأشهر فالقول قوله أنها لم تمض مع يمينه لأنهما لو اختلفا في قبض المهر كان القول قولها مع يمينها كذلك ههنا يجب أن يكون القول قوله مع يمينه.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: لا يحلف اختاره الوالد السعيد لأن اختلافهما في بقاء المدة هو اختلاف في بقاء النكاح وزواله وبدل النكاح لا يصح فلم يستحلف فيه كما لو ادعت نكاحه وأنكر أو ادعى نكاحها وأنكرت فإنه لا يمين.
المسألة الثامنة والستون قال الخرقي: والمراجعة أن يقول لرجلين من المسلمين: اشهدا أني قد راجعت امرأتي بلا ولي يحضره ولا صداق يزيده .
وقد رويت عن أبي عبد الله رواية أخرى تدل على أنه تجوز الرجعة بلا شهادة اختارها أبو بكر والوالد وبها قال أبو حنيفة ومالك.
وجه قول الخرقي اختاره ابن شاقلا وهو المشهور من قول الشافعي: أن الشهادة اعتبرت في النكاح ليثبت بها عند التجاحد احتياطاً للبضع وهذا المعنى موجود في الرجعة.
وجه الثانية: أن الرجعة حق للزوج بدلالة قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن فلا يفتقر في استيفائه إلى الإشهاد كسائر الحقوق.
المسألة التاسعة والستون قال الخرقي: والفيئة: الجماع إلا أن يكون له عذر من مرض أو إحرام أو شيء لا يمكن معه الجماع فيقول متى قدرت جامعتها فيكون ذلك من قوله فيئة للعذر فمتى قدر فلم يفعل أمر بالطلاق وهو قول الشافعي.
ووجهه أن عليه الفيئة بحسب القدرة فإذا فعل هذا فقد فعل ما قدر عليه فإذا زال عذره خرج عن حال العاجز فلهذا أمر بالجماع أو الطلاق إذا لم يجامع.(1/487)
وقال أبو بكر: إذا فاء بلسانه حال العذر سقط الإيلاء ولم تلزم الفيئة بالجماع عند القدرة عليه اختاره الوالد وبه قال أبو حنيفة.
ووجهه أنه قد وجد منه الفيئة المانعة من الطلاق فصار كالفيئة بالوطء.
المسألة السبعون قال الخرقي: ولو ظاهر من زوجته وهي أمة ولم يكفر حتى ملكها انفسخ النكاح ولم يطأها حتى يكفر.
وقال أبو بكر: يسقط يمين الظهار بفسخ النكاح فإن وطئها كان عليه كفارة يمين فعلى قوله يجوز له وطؤها قبل الكفارة.
وجه قول الخرقي اختاره الوالد: أنا لا نجد في الأصول أن يمين الظهار ينقلب حكمها إلى حكم اليمين بالله تعالى.
ووجه قول أبي بكر: أن الكفارة تجب بالعود والعود هو العزم على الوطء وههنا قد عاد في غير زوجته فلهذا لم تجب عليه كفارة الظهار.
المسألة الحادية والسبعون قال الخرقي: والكفارة عتق رقبة مؤمنة وبه قال مالك والشافعي.
وعن أحمد رواية أخرى ليس بشرط فيها الإيمان ولا في كفارة اليمين والجماع في رمضان والرقبة في الكفارة المنذورة اختارها أبو بكر وبها قال أبو حنيفة.
وجه قول الخرقي: أنه تحرير رقبة عن كفارة فكان من شرطه الإيمان كالعتق في كفارة القتل ووجه اختيار أبي بكر: أنها رقبة تامة الملك سليمة الخلق لم يحصل عن شيء منها عوض فجاز عتقها في كفارة الظهار كالمسلمة.
المسألة الثانية والسبعون قال الخرقي في باب الكفارات: وإن شاء أعتق رقبة مؤمنة قد صلت وصامت لأن الإيمان قول وعمل.
قال الوالد السعيد في شرحه: ظاهر كلام الخرقي: أنه إن كان طفلاً لم يصح منه فعل العبادات وهو أن يكون له دون السبع سنين فلا يجزىء.
ووجهه: أنه لا يجزىء في الغرة كذلك الكفارة.
وقال أبو بكر في المقنع: يجوز عتق الصغير في الجملة وهو قول الشافعي.
ووجهه: أن عدم البلوغ لا يمنع عتقه. دليله: من له سبع سنين فصاعداً.
المسألة الثالثة والسبعون قال الخرقي: وإن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه.(1/488)
ووجهه: أن النصف من العبدين بمنزلة العبد الخالص المفرد بدليل أن عليه فيهما الفطرة كما لو كان عبداً مفرداً وعليه زكاة نصف ثمانين شاة كما لو كان له أربعون شاة منفردة فإذا كانت الأنصاف في هذا الأصل كالكامل كذلك العتق.
وقال أبو بكر: لا يجزيه اختاره ابن حامد وهو قول جماعة من الشافعية.
ووجهه: أنه لو جاز عتق عبد من عبدين عن كفارة جاز أن يصوم أربعة أشهر كل شهرين عن كفارة.
المسألة الرابعة والسبعون قال الخرقي: فإن كان في اللعان ذكر الوالد فإذا قال أشهد بالله لقد زنت وما هذا الولد ولدي وتقول هي أشهد بالله لقد كذب وهذا الولد ولده.
ووجهه أن كل من سقط حقه باللعان كان ذكره شرطاً فيه كالزوجة.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: ليس عليه ذلك.
ووجهه: أن نفى الولد إنما يكون تبعا لزوال الفراش والفراش يزول بلعانهما جميعاً ونفي النسب تبعاً له فلم يكن عليه ذكره.
المسألة الخامسة والسبعون قال الخرقي: ولو جاءت امرأته بولد فقال لم تزن ولكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم ولا حد عليه لها.
ووجهه: أنه إذا لاعن يحتاج أن يقول: أشهد بالله إنني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا فإذا لم يقذفها لم يمكنه اللعان ثبت أنه لا يلاعن حتى يقذف.
وفيه رواية أخرى: له اللعان اختارها أبو بكر وابن حامد والوالد.
وجهها: أنه قذف بزنا لو أتت منه بولد لحقه فكان له نفيه باللعان كما لو قذفهما جميعاً.
المسألة السادسة والسبعون
قال الخرقي والسعوط كالرضاع وكذلك الوجور.
وقال أبو بكر في التنبيه: ولا يحرم الوجور ولا السعوط لأن ذلك ليس برضاع وبه قال داود.
ووجهه: أن اللبن وصل في جوفه من غير إرضاع فلا يتعلق به التحريم كما لو وصل من جرح في بدنه وكالحقنة.(1/489)
ووجه قول الخرقي وهو أصح وهو قول أكثر الفقهاء قوله عليه الصلاة والسلام: "الرضاعة من المجاعة" وقوله عليه الصلاة والسلام: "الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم" وهذه المعاني توجد في الوجور كوجودها في المص من الثدي.
المسألة السابعة والسبعون قال الخرقي: ولو رمى وهو مسلم عبداً كافراً فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية مسلم إذا مات من الرمية.
قال الوالد في شرحه: إنما لم يجب القود خلافاً لأبي حنيفة وأبي بكر من أصحابنا وهو أن يجب القود هو أن الاعتبار بالقصد إلى تناول نفس مكافئة حين الجناية بدليل أنه لو قطع كافر يد كافر ثم أسلم القاطع ومات المقطوع كان عليه القصاص وهكذا لو قطع عبد يد عبد فأعتق القاطع ثم مات المقطوع فعليه القطع اعتباراً بالمماثلة حين الجناية والتكافؤ غير موجود حينئذ فلا قصاص.
ووجه قول أبي بكر أنها رمية محظورة أوجبت دية مسلم حر فأوجبت القصاص كما لو كان حين الرمية مسلماً حراً وإذا سقط القصاص كما لو كان حين الرمية على قول الخرقي تجب دية حر مسلم لأن الجناية إذا وقعت مضمونة اعتبر قدرها حال الاستقرار بدليل أنه لو قطع يدي مسلم ورجليه لزمه ديتان فلو سرى إلى نفسه لزمه دية واحدة.
المسألة الثامنة والسبعون قال الخرقي: وإذا جنى العبد فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمة العبد لم يكن على السيد أن يفديه بأكثر من قيمته وهي الرواية الصحيحة.
ووجهها: أن الحق تعلق برقبة العبد بدليل أنه لو سلمه لم يلزمه زيادة على قيمته فإذا لم يسلمه لم تلزمه زيادة على القيمة كما لو غصب عبداً فأتلفه لم يلزمه زيادة على قيمته.
وفي رواية ثانية أن السيد بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغاً ما بلغ أو يسلمه للبيع. اختارها أبو بكر.
ووجهها: أنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذاك القدر أو أكثر فإذا حبسه على نفسه فقد فوت على المجني عليه ذلك القدر فلهذا لزمه.(1/490)
المسألة التاسعة والسبعون قال الخرقي: وإن كان القتل شبه العمد فالدية على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها لأنه قتل لا يجب به قود بحال فكانت الدية فيه على العاقلة مؤجلة دليله: دية الخطأ المحض.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: هي من مال القاتل لأنها دية مغلظة فكانت في ماله كالعمد المحض.
المسألة الثمانون قال الخرقي: والعاقلة: هم العمومة وأولادهم وإن سلفوا في إحدى الروايتين والرواية الأخرى الأب والابن والإخوة وكل العصبة من العاقلة.
وجه قول الخرقي وبه قال الشافعي: أنها قرابة يستحق بها النفقة ومع اختلاف الدين فلم تتحمل العاقلة بها كأب الأم.
ووجه الثانية: اختارها أبو بكر والوالد السعيد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك: أن العاقلة إنما تحمل العقل نصرة للقاتل والأب أحق بنصرته من غيره.
المسألة الحادية والثمانون قال الوالد السعيد: اختلفت الرواية في قاتل العمد: هل تجب عليه الكفارة? على روايتين. أصحهما: لا كفارة. وبها قال أبو حنيفة ومالك واختارها أبو بكر وابن حامد والوالد السعيد لأن الكفارة حق في مال فلا تجب عليه مع القود كالدية.
وفيه رواية ثانية: تجب اختارها الخرقي وبها قال الشافعي.
ووجهها أنه لو قتله خطأ وجبت الكفارة فإذا قتله عمداً وجبت الكفارة قياساً على قتل الصيد.
المسألة الثانية والثمانون قال الخرقي: وإذا قذف أمه وهي ميتة مسلمة كانت أو كافرة حد القاذف إذا طلب الابن وكان مسلماً حراً اختاره الوالد.
ووجهه: أن هذا القذف حصل قدحاً في نسب حي فيجب أن يملك المطالبة به لما عليه من المعرة.
وقال أبو بكر في كتاب الخلاف: ليس له المطالبة قال لأنه قذف لميتة فلم يملك الوارث المطالبة به كما لو كان المقذوف حياً ثم مات فإن وارثه لا يملك المطالبة به على أصلنا كذلك ههنا.
المسألة الثالثة والثمانون قال الخرقي: وما أوجب من الجنايات المال دون القود: قبل فيه رجل وامرأتان ورجل عدل مع يمين الطالب.(1/491)
قال الوالد السعيد: ومثل ذلك قتل الخطأ والجائفة والمأمومة وقتل العبد ونحو ذلك.
وقال أبو بكر: لا يقبل فيه النساء.
وجه قول الخرقي: أنها شهادة على مال أشبه سائر الأموال.
ووجه قول أبي بكر: أنها شهادة على قتل فلم تثبت بالنساء بدليل قتل العمد.
المسألة الرابعة والثمانون قال الخرقي: ولا يقطع وإن اعترف أو قامت بينة حتى يأتي مالك المسروق يدعيه.
وقال أبو بكر: يقطع ولا يحتاج فيه إلى مطالبة.
وجه قول الخرقي اختاره الوالد السعيد: أنه يحتمل أن يكون المالك أباح هذه العين لمن أخذها أو وقفها عليه وهو لا يعلم أو كانت ملكاً للسارق عنده ولا تعلم به البينة فأسقطنا القطع عنه للاحتمال والشبهة.
ووجه قول أبي بكر: أنه حق لله فلا يفتقر في إقامته إلى مطالبة آدمي كالزنا وشرب الخمر وعكسه حد القذف لأنه حق لآدمي.
المسألة الخامسة والثمانون قال الخرقي: ومن شرب مسكراً قل أو كثر حد ثمانين جلدة وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال أبو بكر: يحد به أربعين وبه قال الشافعي.
وجه الأولة اختارها الوالد السعيد ما روى ابن بطة بإسناده عن علي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد رجلاً من بني الخزرج من الأنصار في الخمر ثمانين".
ووجه الثانية: أن الحدود ترتبت باختلاف الأجرام فحد الزنا: مائة لأنه هتك حرمته وحرمتها وربما أفسد النسب وحد القذف: أدون لأنه هتك به حرمة آدمي فكان ثمانين وحد الخمر هتك حرمة واحدة في حق الله تعالى فكان أخف من غيره فكان حده أربعين.
المسألة السادسة والثمانون قال الخرقي: والمأخوذ منهم الجزية على ثلاث طبقات فيأخذ من أدونهم اثني عشر درهماً ومن أوسطهم أربعة وعشرين ومن أيسرهم ثمانية وأربعين.
وفيه رواية ثالثة: أنها غير مقدرة الأقل والأكثر وهي إلى اجتهاد الإمام.
وفيه رواية ثالثة: أنها مقدرة الأقل غير مقدرة الأكثر فيجوز للإمام أن يزيد على ما قدره عمر ولا يجوز أن ينقص عنه وهو اختيار أبي بكر.(1/492)
وجه الأول: أن عمر لما مضى إلى الشام ضرب الجزية على أهل الكتاب على الغني ثمانية وأربعين درهماً وعلى المتوسط أربعة وعشرين درهماً وعلى المتحمل اثني عشر درهماً.
ووجه الثانية: أن المأخوذ من المشرك على الأمان ضربان هدنة وجزية فلما كان المأخوذ هدنة إلى اجتهاد الإمام كان كذلك المأخوذ جزية.
ووجه الثالثة: أن في النقصان من ذلك إضراراً ببيت المال وفي الزيادة حظاً للمسلمين إذا كان فيه رأي وإصلاح.
المسألة السابعة والثمانون قال الخرقي: ومن قتل منا أحداً منهم مقبلاً على القتال فله سلبه غير مخموس قال ذلك الإمام أو لم يقل وبه قال الشافعي وداود لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه".
وفيه رواية ثانية: لا يستحقه إلا بشرط الإمام اختارها أبو بكر وبه قال أبو حنيفة لأنه مال مستحق بالتحريض على القتال فافتقر استحقاقه إلى شرط الإمام كالنفل.
ورأيت أنا في التنبيه: قد اختار أبو بكر مثل اختيار الخرقي.
المسألة الثامنة والثمانون ذكر الوالد السعيد في كتاب الجهاد من المجرد وإذا قسمت الغنائم في دار الحرب جاز بيعها هناك بعضهم من بعض.
قال أحمد: هو أنفع للمسلمين لأنها إذا قسمت وبيعت خفت المؤنة وكان ذلك أحفظ لها وإذا بيعت في دار الحرب وحصل القبض ثم غلب عليها الكفار فهل تكون من ضمان البائع أو المشتري? فيه روايتان.
إحداهما: هي من ضمان المشتري وهي اختيار أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز لأنه قد حصل القبض فأشبه دار الإسلام.
والثانية: هي من ضمان البائع وهي اختيار الخرقي لأنها دار خطر وغرر لأنه لا يؤمن من كرة المشركين فهو بمثابة الثمرة المعلقة إذا خلي بينها وبين المشتري لم يزل الضمان عن البائع.(1/493)
المسألة التاسعة والثمانون قال الخرقي: وإن ترك التسمية على الذبيحة عامداً لم تؤكل وبه قال أبو حنيفة لقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجزور والبقرة يوجد في بطنها الجنين? فقال: "إذا سميتم على الذبيحة فذكاته ذكاة أمه" فقوله: "إذا سميتم" يدل على أنه شرط في الذبيحة.
وفيه رواية ثانية: تباح اختارها أبو بكر وبها قال مالك والشافعي لأنه ذكر لو تركه ناسياً لم يمنع من أكلها كذلك إذا تركه عامداً كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة التسعون قال الخرقي: والعضب ذهاب أكثر من نصف الأذن أو القرن وهو مذهب سعيد بن المسيب لأن الأذن غير مستطاب وإنما يستطاب أصولها فإذا قطع الأقل لم يؤثر فإذا قطع زيادة على النصف فقد ذهب بجزء مستطاب فجاز أن يؤثر.
وقال أبو بكر في التنبيه: والمقطوعة الأذن والمكسورة القرن لا يضحى بها إذا كان الكسر والقطع الثلث فصاعداً لأنها العضباء التي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووجهها: أن الثلث في حد القلة وما زاد عليه في حد الكثرة ولهذا جاز للمريض التصرف في الثلث فما دون.
المسألة الحادية والتسعون قال الخرقي: ومن اضطر إلى الميتة فلا يأكل منها إلا ما يأمن معه الموت وبه قال أبو حنيفة لأن الإباحة معلقة بشرط الضرورة بدلالة قوله تعالى إلا ما اضطررتم إليه فإذا أكل منها ما يمسك رمقه زالت الضرورة فزالت الإباحة لعدم الشرط.
وفيه رواية ثانية: يجوز الشبع منها اختارها أبو بكر وعن مالك والشافعي كالروايتين وكذلك الحكم عندهم في طعام الغير.
وجه الثانية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الميتة حلال لكم ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا". فأباحها على الإطلاق.(1/494)
المسألة الثانية والتسعون قال الخرقي: وإذا نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول يوم من شهر رمضان أجزأه صيامه لرمضان عن نذره وبه قال أبو يوسف لأنه وافق نذره زمانا يستحق صومه فلم يلزمه القضاء.
دليله لو نذر أن يصوم شهر رمضان أو نذر أن يصوم يوم يقدم فلان أبدا فقدم يوم اثنين من أثانين شهر رمضان لا تدخل تحت نذر نص عليه.
وفيه رواية ثانية: يصوم رمضان ثم يقضي النذر اختاره أبو بكر والوالد السعيد لأن رمضان يتكرر على مر السنين فلا يكاد يتفق رمضان يوم قدومه فإذا كان مما يمكنه الوفاء به غالباً انعقد نذره.
المسألة الثالثة والتسعون قال الخرقي: ويشهد على من سمعه يقر بحق وإن لم يقل للشاهد اشهد علي وتجوز شهادة المستخفي إذا كان عدلاً وبه قال أكثرهم.
وفيه رواية أخرى: لا يشهد فيها اختاره أبو بكر وبه قال شريح القاضي والشعبي وإبراهيم النخعي.
وجه الأولة: أن عمرو بن حريث أجاز شهادة المختبىء وكذلك يفعل بالخائن أو الفاجر ولأن الشاهد إنما يصير متحملاً للشهادة بأن يقع له العلم بما شهد به وقد وقع له فإنه شاهد المقر وسمع إقراره.
ووجه الثانية. قوله صلى الله عليه وسلم من حدث بحديث ثم التفت فهي أمانة قيل معناه أنها أمانة أن تذكر عنه لالتفاته وحذره من قوله بها ولأن شاهدي الفرع لو سمعا شاهدي الأصل يقولا أشهدنا فلان على فلان بكذا وكذا لم يجز لشاهدي الفرع أن يشهدا به.
المسألة الرابعة والتسعون قال الخرقي: والعقيقة سنة وبه قال أكثرهم لما روى أحمد بإسناده عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة وذكر الخبر إلى أن قال: "من ولد له منكم مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل".(1/495)
وقال أبو بكر في التنبيه: إن سأل سائل عن العقيقة: أواجبة هي? قيل له هي واجبة والدلالة على وجوبها: ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكراناً كن أم إناثاً" وروى عنه أنه قال: "المؤمن مرتهن بعقيقته" وأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه فالعقيقة واجبة بهذه السنن فهذا دليل أبي بكر.
المسألة الخامسة والتسعون قال الخرقي: وإذا قال له: يا لوطي سئل عما أراد? فإذا قال: أردت أنك من قوم لوط فلا شيء عليه وإذا قال: أردت أنك تعمل عمل قوم لوط فهو كمن قذف بالزنا وكذلك من قال: يا معفوج.
قال أبو بكر: هذه المسألة رواها المروذي وهي قول قديم والعمل على ما رواه مهنا: أن عليه الحد.
وجه قول الخرقي: أنه إنما لم يكن هذا اللفظ صريحاً لأنه يحتمل أن يرد بذلك أنه يعمل عمل قوم لوط فيكون قذفاً صريحاً ويحتمل أنه من قوم لوط أو مؤمن بلوط فلهذا رجع به إليه فيه وكذلك قوله يا معفوج يحتمل يا مفلوج ويحتمل مفعول به فلهذا رجع إلى تفسيره أو دلالة حاله ووجه قول أبي بكر أن من أصلنا أن التعريض بالقذف يوجب الحد فأدنى أحواله ههنا أن يكون تعريضاً.
المسألة السادسة والتسعون قال الخرقي في باب المكاتب: ولا يبيعه سيده درهماً بدرهمين.
وقال أبو بكر في الخلاف: قد أخبرنا أحمد عن نفسه: أنه ليس بين المكاتب وبين سيده ربا لأنه عبد ما بقي عليه درهم فلو باعه درهماً بدرهمين لم يكن ربا ولا يمنع من ذلك.
وجه اختيار أبي بكر قوله صلى الله عليه وسلم: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" فإذا ثبت أنه عبد فليس بين العبد وبين سيده ربا ولأنه يجوز بيعه عندنا ولو سرق من مال سيده لأقطع عليه نص عليه في رواية ابن منصور.
ووجه قول الخرقي وهو اختيار الوالد السعيد أن المكاتب مالك لما في يده ألا ترى أنه يجوز له أن يشتري من مولاه ويبيع منه ويستحق عليه أخذ الملك بالشفعة? وهذا معدوم في العبد القن.(1/496)
المسألة السابعة والتسعون قال الخرقي: وإذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد كان تصدق عليه فهو لسيده.
وقال أبو بكر: يجعل في المكاتبين وهو اختيار الوالد السعيد.
ووجهه أنه إنما دفع إليه لينتفع به العتيق وما وقع فهو كما لو دفع إلى الغارم ليقضي دينه والغازي ليغزو به فلم يفعلا لزمهما الرد.
ووجه قول الخرقي: أنه لما دفع إلى المكاتب ملكه وقد ثبت أن جميع ما في يده يكون لسيده فكذلك هذا المال.
المسألة الثامنة والتسعون قال الخرقي: ومن شرب مسكراً حد إذا شربها مختاراً لشربها.
وفيه رواية أخرى: يجب الحد على المكره على الشرب وهو اختيار أبي بكر قال الوالد السعيد: وكذلك الحكم في الإكراه على السرقة.
وجه قول الخرقي: قوله صلى الله عليه وسلم: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ووجه قول أبي بكر: أن الشرب فعل والإكراه عليه لا يمنع موجبه.
دليله: الإكراه على القتل والإحبال والرضاع.
وطرده: الإكراه على الزنا والسرقة.
وعكسه: الإكراه على الكفر والطلاق والبيع وغير ذلك من العقود.
تمت المسائل وقال أبو عبد الله بن الفقاعي: وجدت بخط شيخنا أبي حفص العكبري قال: سمعت الشيخ أبا عبد الله بن بطة يقول توفي الشيخ أبو القاسم الخرقي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ودفن بدمشق وزرت قبره.
إسحاق بن أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو الحسن الكاذي
كان يقدم من قريته كاذة إلى بغداد فيحدث بها
روى عن محمد بن يوسف بن الطباع وأبي العباس الكديمي وعبد الله بن إمامنا أحمد في آخرين.
حدث عنه جماعة منهم أبو الحسن بن رزقويه وأبو الحسن بن بشران وكان ثقة زاهداً.
ومات يوم الأربعاء لثلاث من شعبان سنة ست وأربعين وثلاثمائة وبكاذة قريته مات.
إسماعيل بن علي بن إسماعيل أبو محمد الخطبي
سمع عبد الله بن إمامنا أحمد والحارث بن أبي أسامة وغيرهما.
روى عنه الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وغيرهما.
وكان فهماً عارفاً بأيام الناس وأخبار الخلفاء وصنف تاريخاً كبيراً.(1/497)
سئل الدار قطني عنه فقال: ثقة.
ومولده: في محرم سنة تسع وستين ومائتين.
وموته: في جمادى الآخرة سنة خمسين وثلاثمائة.
وقال الخطبي: وجه إلي الراضي بالله ليلة عيد الفطر فحملت إليه راكباً على بغلة ودخلت عليه وهو جالس في الشموع فقال لي: يا إسماعيل إني قد عزمت في غد على الصلاة بالناس في المصلى فما الذي أقول إذا انتهيت في الخطبة إلى الدعاء لنفسي?.
فقلت: تقول رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه الآية فقال لي: حسبك.
ثم أمرني بالانصراف وأتبعني بخادم فدفع إلي خريطة فيها أربعمائة دينار وكانت الدنانير خمسمائة فأخذ الخادم منها لنفسه مائة دينار أو كما قال.
عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف أبو بكر المعروف بغلام الخلال
حدث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وموسى بن هارون ومحمد بن الفضل الوصيفي وسعيد بن عجب الأنباري وأبي خليفة الفضل بن الحباب البصري وعلي ابن طيغور النسوي وجعفر الفريابي وأحمد بن محمد بن الجعد وإبراهيم ابن محمد بن الهيثم القطيعي ومحمد بن محمد الباغدني وقاسم بن زكريا المطرز والحسين بن عبد الله الخرقي وأبي القاسم البغوي ومحمد بن الحسن بن هارون بن بدينا وعبد الله بن أحمد وأبي بكر بن أبي داود في آخرين.
روى عنه أحمد بن علي بن عثمان بن الجنيد الخطبي وبشر بن عبد الله الفاتني وجماعة من شيوخنا أبو إسحاق بن شاقلا وأبو عبد الله بن بطة وأبو الحسن التميمي وأبو حفض العكبري وأبو حفص البرمكي وأبو عبد الله ابن حامد وحدث عنه بمسائل الأثرم وصالح وعبد الله وغير ذلك.
وكان أحد أهل الفهم موثوقاً به في العلم متسع الرواية مشهوراً بالديانة موصوفاً بالأمانة مذكوراً بالعبادة.
له المصنفات في العلوم المختلفات: الشافي، المقنع، تفسير القرآن، الخلاف مع الشافعي، كتاب القولين، زاد المسافر، التنبيه، وغير ذلك.(1/498)
أخبرنا بركة أخبرنا أحمد بن إبراهيم عن عبد العزيز حدثنا أبو الطيب النعمان ابن نعيم القاضي حدثنا السري بن عاصم حدثنا محمد بن مصعب الجزري حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن".
وبه حدثنا جعفر بن محمد بن سليمان الخلال حدثنا محمد بن عوف الحمصي قال: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن التفضيل? فقال من قدم علياً على أبي بكر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر ومن قدمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعلي وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار.
وبه حدثنا العباس بن المغيرة قال: سمعت إسحاق بن الحسن الحربي يقول سمعت محمد بن المنصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما روي في فضائل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيد الصحاح ما روي عن علي ابن أبي طالب.
وبه حدثنا محمد بن الحسن بن هارون بن بدينا قال سالت أبا عبد الله عن الاستثناء في الأيمان? قال: نعم الاستثناء على غير معنى الشك مخافة واحتياطاً للعمل وقد استثني ابن مسعود وغيره وهو مذهب الثوري.
فلنذكر الآن طرفاً من اختياراته التي خالف فيها اختيارات شيخه أبي بكر الخلال.
اختار عبد العزيز: أنه يجب غسل جميع الذكر والأنثيين في خروج المذي وهو الذي نصره الوالد السعيد.
واختار الخلال: أنه يغسل منه ما يغسل من البول.
واختار عبد العزيز: أن الصلاة في الثوب المغصوب باطلة وهي الرواية الصحيحة.
واختار الخلال: أنها صحيحة.
واختار عبد العزيز: أن المرأة إذا وقفت إلى جانب الرجل بطلت صلاة من يليها من الرجال.
واختار الخلال وابن حامد والوالد: أنها لا تبطل.
واختار عبد العزيز: أنه إذا شرب الماء في صلاة التطوع بطلت صلاته وهو الذي نصره الوالد.
واختار الخلال: أنه لا تبطل صلاته.(1/499)
واختار عبد العزيز: أنه إذا أحرم مع الإمام بالجمعة ثم زحم عن الركعتين: أنه يستقبل الصلاة واختاره الوالد السعيد.
واختار الخلال: أنه يصلي الركعتين.
واختار عبد العزيز: أنه لا يضم الذهب إلى الورق في إكمال النصاب.
واختار الخلال: الضم وهو الذي نصره الوالد والخرقي.
واختار عبد العزيز: إذا وجد أحد المتصارفين عيباً بعد التفرق وكان العيب من جنسه ليس له البدل.
واختار الخلال والخرقي والوالد: له البدل.
واختار عبد العزيز: أن الكفر ملل وهو الذي اختاره الوالد.
واختار الخلال: أن الكفر ملة واحدة.
واختار عبد العزيز: أن كل جناية لها أرش مقدر في الحر من الدية يقتدر من العبد في القيمة وهو اختيار الخرقي والوالد.
والرواية الثانية: يضمن العبد بما نقص اختارها الخلال وغير ذلك.
وذكر الوالد السعيد في الانتصار لعبد العزيز فقال: كان ذا دين وأخا ورع علامة بارعاً في علم مذهب أحمد بن حنبل.
وذكر تصانيفه وذكر تعظيمه في النفوس وتقدمه عند السلطان.
ولقد حكى لي بعض الشيوخ عن والده وكان له صحبة بأبي بكر فذكر أن أبا بكر ذكر عند أخت معز الدولة بسوء وأنه يغض من علي بن أبي طالب فاستدعته وجمعت من المتكلمين لمناظرته فكان صوته عليهم وحجته ظاهرة لديهم والأخت بحيث تسمع كلامه حتى شهدت له بالفضل وكان منها الإنكار عليهم فيما كذبوه عليه وأضافوه إليه وبذلت له شيئاً من المال فامتنع من قبوله مع خفة حاله وقلة ماله زهداً وورعاً.(1/500)
قال: وحكى لنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الحجري المعروف بابن سكينة الأزجي قال: حكى لنا الشيخ أبو الفضل بن التميمي قال: حكى لي شيخ كان يسافر في طلب الحديث أنه وقع لي في خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب". وقال فسافرت كذا وكذا بلداً أسأل هل هناك زيادة على هذا العدد فما زادني أحد وكل يقول هكذا سمعنا فدخلت مدينة البصرة وسألت عن ذلك فما زادني أحد فلما كان ذات يوم نمت وأنا تعب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت قدمه فقال لي يا فلان قد تعبت في هذا الخبر الذي سمعته عني فقلت له: إي والله يا رسول الله فقال لي: امض إلى بغداد إلى جامع الخليفة سترى رجلاً واسع الجبين جهوري الصوت فسله عن هذه المسألة يعني أبا بكر عبد العزيز فإنه يجيبك قال: فلم يحملني القعود حتى جئت إلى بغداد قال: فقلت في نفسي: لا سألت أحداً عن هذا الرجل حتى أدخل الجامع وأنظر إلى الصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت يوم الجمعة الجامع فسمعت صوته فإذا هو بالصفة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفت حداءه فقلت: أيها الشيخ مسألة. قال: أوسعوا للشيخ موضعاً إلى أن وصلت بين يديه فقال لي: اجلس فجلست فقال لي سراً: ألست الرجل الذي بعث بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت علي الرعدة فقلت: نعم وأمسكت ثم قال لي: أيها الشيخ هات مسألتك فسألته عن الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب" فقال لي: يا أبله أنت والذين سألتهم حدثنا فلان عن فلان وذكر الإسناد أنه إذا كان يوم القيامة وحصل أهل الموقف يقول الله سبحانه هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ثلاث مرات ويحثني ثلاث حثيات فمن قبضته أربع عشرة سماء والأرض في يده كحبة خردل في أرض فلاة: كم مرة سبعون ألفاً?.(2/1)
قال: وحكى لنا أيضاً هذا الشيخ عن الحسن بن خيرون صاحب أبي بكر عبد العزيز أنه قال: قال لي أبو بكر عبد العزيز: كنت مع أستاذي يعني أبا بكر الخلال وأنا غلام مشتد فاجتمع معه جماعة يتذاكرون بعد عشاء الآخرة فقال بعضهم لبعض: أليس مقبل يعني رجلاً أسود كان ناطوراً بباب حرب لنا مدة ما رأيناه فقاموا يقصدونه وقال لي أستاذي يعني أبا بكر الخلال لا تبرح احفظ الباب فتركتهم حتى مضوا وأغلقت الباب وتبعتهم فلما بلغنا بعض الطريق قال لي أستاذي يعني الخلال هو ذا أرى وراءنا شخصاً فوقفوا فقال لي: أنت من? فأمسكت فزعاً من أستاذي فجاءني واحد منهم وأخذ بيدي وقال بالله عليك إلا تركته فإن النجابة بين عينيه فتركني ومضيت معه فدخلنا إلى قراح فيه باذنجان مملوءاً والأسود قائم يصلي فسلموا وجلسوا إلى أن سلم وسلم بعضهم على بعض فأخرج كساء فيه كسر يابسة وملح جريش وقال: كلوا فتحدثوا فأخذوا يذكرون كرامات الصالحين وهو ساكت يعني الأسود فقال واحد من الجماعة: يا مقبل قد زرناك فما تحدثنا بشيء? فقال: إيش أنا? وأي شئ عندي أحدثكم? أنا أعرف رجلاً لو سأل الله أن يجعل هذا القراح الباذنجان ذهباً لفعل فو الله ما استتم الكلام حتى رأينا القراح يتقد ذهباً.
فقال له أستاذي يعني أبا بكر الخلال: يا مقبل لأحد سبيل أن يأخذ من هذا القراح أصلاً واحداً? فقال له: خذ وكان القراح مسقياً فأخذ الأصل فقلعه بعروقه والأصل والورق والباذنجان الذي فيه ذهب فوقعت من ذلك باذنجانة صغيرة وشئ من الورق فأخذته وبقاياه معي إلى يوم حدثه. قال: ثم صلى ركعتين وسأل الله فأعاد القراح كما كان وعاد موضع ذلك الأصل أصل باذنجانة.(2/2)
قال: وحكى لنا هذا الشيخ قال: لما مات أبو بكر عبد العزيز اختلف أهل باب الأزج في دفنه فقال بعضهم: يدفن في قبر أحمد وقال بعضهم: يدفن عندنا وجردوا السيوف والسكاكين فقال المشايخ: لا تقتتلوا نحن في حريم السلطان يعنون المطيع لله فما يأمر نفعل قال فلفوه في النطع مشدوداً بالشوارف خوفاً أن يمزق الناس أكفانه وكتبوا رقعة إلى الخليفة فخرج مثل هذا الرجل لا نعدم بركاته أن يكون في جوارنا وهناك موضع يعرف بدار الفيلة وهو ملك لنا ولم يكن فيه دفن فدفن فيه رحمه الله.
قال: وحكى لنا أيضاً قال: حكى لي أبو العباس بن أبي عمرو الشرابي وكان على باب يعرف بباب الخاصة مما يلي باب الأزج يقارب قبر أبي بكر عبد العزيز قال: كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها ثم إني خرجت منها نومة الناس وغلق البوابون خلفي الباب وتوجهت إلى داري بباب الأزج فرأيت عمود نور من جو السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفاً أن يغيب عني إلى أن وصلت حذاء قبر أبي بكر عبد العزيز فإذ أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر فبقيت متحيراً ومضيت وهو على حاله.
وحكى لنا هذا الشيخ عن أبي سعد السقاء وهو من باب الأزج قال: جئت يوماً أصب راوية ماء في حب مقبرة فرأيت رجلاً خراسانياً على قبر أبي بكر عبد العزيز يترحم عليه ويتضرع فصاح بي وقال لي: تعالى يا سقاء هذا الرجل في هذا الموضع لا يبنى عليه مشهد? هذا رجل حديثه عندنا ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول: من زار قبر عبد العزيز غلام الخلال يعني غفر له.
قال: وكان مع ما ذكرنا من التصانيف في الفروع والأصول له قدم في تفسير القرآن ومعرفة معانيه.(2/3)
ولقد وجدت عنه: أن رافضياً سأله عن قوله تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به من هو?. فقال له: أبو بكر الصديق فرد عليه وقال: بل هو علي ابن أبي طالب فهم به الأصحاب فقال: دعوه ثم قال إقرأ ما بعدها لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله أسوأ الذي عملوا وهذا يقتضي أن يكون هذا المصدق ممن له إساءة سبقت وعلى قولك أيها السائل لم يكن لعلي إساءة فقطعه.
وهذا استنباط حسن لا يعقله إلا العلماء فدل على علمه وحلمه وحسن خلقه فإنه لم يقابله على جفائه بجفاء وعدل إلى العلم.
وقد امتدحه بعضهم بأبيات قال فيها:
فعبد العزيز له مقام بعلم
حين يفتي كالصوارم
يزين الحنبلية حين يفتي
ويطري الشافعي بلا دراهم
وأقسم بالذي ناجى لموسى
لقد أضحى يشرف كل عالم
ولو عاش ابن حنبل كي يراه
لأيقن أنه حصن المحارم
فرحمة ربنا تسرى وتعلو
على قبر ابن حنبل بالمكارم
وتوفي في شوال لعشر بقين منه سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وتوفي في يوم الجمعة بعد الصلاة.
وفي رواية أخرى قال أبو بكر عبد العزيز في علته: أنا عندكم إلى يوم الجمعة وذلك في شوال سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فقيل له: يعافيك الله أو كلاماً هذا معناه فقال: سمعت أبا بكر الخلال يقول: سمعت أبا بكر المروذي يقول: عاش أحمد بن حنبل ثماناً وسبعين سنة ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة وعاش أبو بكر المروذي ثماناً وسبعين سنة ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة وعاش أبو بكر الخلال ثماناً وسبعين سنة ومات يوم الجمعة ودفن بعد الصلاة وأنا عندكم إلى يوم الجمعة ولي ثمان وسبعون سنة فلما كان يوم الجمعة مات ودفن بعد الصلاة.
وهذه كرامة حسنة له فإنه حدث بيوم موته وكان يوم موته يوماً عظيماً لكثرة الجمع.
وهاجر من داره لما ظهر سب السلف إلى غيرها وهذا يدل على قوة دينه وصحة عقيدته رحمه الله.(2/4)
قلت أنا: قرأت بخط بعض أصحابنا قال: حكى لنا أبو القاسم الأزجي: أن عبد العزيز بن جعفر أضاق في بعض الأوقات فأخذ رقعة وكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم فلان بن فلان محتاج قال: فأخذتها وخرجت إلى باب الخليفة وألقيت الرقعة من يدي فحملتها الريح وعدت إلى منزلي فما كان إلا يسيراً فإذا الباب يطرق فخرجت وإذا شيخ لا أعرفه فدفع إلي قرطاساً ثقيلاً فأخذته ودخلت فاعتبرته فإذا هو خمسمائة درهم وإذا رقعتي القرطاس وفيها مكتوب: يا صاحب هذه الرقعة بعدها أحسن الأدب في الطلب.
وقرأت بخط أبي حفص البرمكي قال: سمعت أبا بكر عبد العزيز بن جعفر يقول: سمع مني الخلال نحو عشرين مسألة وأثبتها في كتابه.
قال: وحكى لنا عن الخلال: أنه قال: من لم يعارض لم يدر كيف يضع رجله.
وقال: رأيت الخلال في المنام فسألته عما يأكل? فقال: ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ وقال: أما علمت أن طعام الجنة لا ينفد?.
وقال: قال رجل للخلال: إنما جئتك أسألك عن مسألة فقال له: أنت طرقي.
وقال: ما دخلت إلى مجلس فرفعت فيه إلا أخذت دون حقي فيه.
قال البرمكي: الغالب أنه حكى هذا عن نفسه.
وقال: سمعت ابن بشار يقول: من زعم أن الكفار يحاسبون ما يستحي من الله ثم قال: من صلى خلف من يقول هذه المقالة يعيد.
وقال: تنزه ابن البربهاري عن ميراث أبيه عن سبعين ألف درهم.
قال: وسئل الخلال: يكتفي الرجل بكتاب العلل عن المبسوط? قال: إذا كان له قريحة.
ضرار بن أحمد بن ثابت أبو الطيب الحنبلي
صحب جماعة من شيوخ المذهب: أبو علي الخرقي. قال: سمعته يقول: حدثني أبو بكر المروذي قال: سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل وأنا أسمع عن الحقنة? فقال: أكرهها لأنها تشبه اللواط.
عمر بن بدر بن عبد الله أبو حفص المغازلي(2/5)
سمع من ابن بشار مسائل صالح ومن عمر القافلائي مسائل إبراهيم بن هانىء حدث عنه ابن شاقلا وأبو حفص البرمكي وغيرهما له تصانيف في المذهب واختيارات منها اختيار جواز صلاة الجمعة في الوقت الذي يصلى فيه العيد واختيار إذا صلى إمام الحي جالساً وصلى من خلفه قائماً لم تبطل صلاته واختيار إذا نذر ذبح ولده وجب عليه ذبح كبش وغير ذلك.
إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا أبو إسحاق البزار
جليل القدر كثير الرواية حسن الكلام في الأصول والفروع.
سمع من أبي بكر الشافعي وأبي بكر أحمد بن آدم الوراق ودعلج بن أحمد ومحمد بن القاسم المقري وعبد العزيز بن محمد اللؤلؤي وابن مالك وابن الصواف وأحمد بن القاسم بن دوست وأبي بكر السلماني وأبي بكر عبد العزيز وحاضره وأبي عبد الله الحسين بن علي بن محمد المخرمي المعروف بابن شاصو.
قال ابن شاقلا: وقرأت عليه في جامع الخليفة: حدثكم أبو علي الحسين بن إسحاق الخرقي قال: وسأله يعني أحمد بن محمد بن حنبل عن رجل مسافر إذا عزم على إقامة: في كم يتم الصلاة? قال: أربعة أيام? قلت له فحديث عمران بن حصين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يقصر الصلاة" فقال: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد حنيناً.
وروى عنه أبو حفص العكبري وأحمد بن عثمان الكبشي وعبد العزيز غلام الزجاج.
قرأت بخط الوالد السعيد قال: نقلت من خط أبي بكر بن شاقلا قال: أخبرنا أبو إسحاق بن شاقلا قراءة عليه قال: قلت لأبي سليمان الدمشقي: بلغنا أنك حكيت فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج وقوله في الخبر: "وضع يده بين كتفي فوجد بردها وذكر الحديث".
فقال لي: هذا إيمان ونية لأنه أريد مني روايته وله عندي معنى غير الظاهر قال: وأنا لا أقول مسه.
فقلت له: وكذا تقول في آدم لما خلقه بيده? قال: كذا أقول. إن الله عز وجل لا يمس الأشياء.(2/6)
فقلت له: سويت بين آدم وسواه فأسقطت فضيلته وقد قال الله تعالى يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي قلت له: هذا رويته لأنه أريد منك على رغمك وله عندك معنى غير ظاهره وإلا سلمت الأحاديث التي جاءت في الصفات ويكون لها معاني غير ظاهرها أو ترد جميعها?.
فقال لي: مثل أي شيء? فقلت له: مثل الأصابع والساق والرجل والسمع والبصر وجميع الصفات التي جاءت في الأخبار الصحاح حتى إذا سلمتها كلمناك على ما ادعيته من معانيها التي هي غير ظاهرها?.
فقال لي منكراً لقولي: من يقول رجل?.
فقلت: أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من عن أبي هريرة? فقلت: همام فقال: من عن همام? فقلت: معمر فقال: من عن معمر? فقلت: عبد الرزاق فقال لي: من عن عبد الرزاق? فقلت له: أحمد بن حنبل فقال لي: عبد الرزاق كان رافضياً.
فقلت له: من ذكر هذا عن عبد الرزاق? فقال لي: يحيى بن معين.
فقلت له: هذا تخرص على يحيى إنما قال يحيى: كان يتشيع ولم يقل رافضياً فقال لي: الأعرج عن أبي هريرة: بخلاف ما قاله همام.
قلت له: كيف? قال: لأن الأعرج قال: "يضع قدمه".
فقلت له: ليس هذا ضد ما رواه همام وإنما قال هذا "قدم" وقال هذا "رجل" وكلاهما واحد. ويحتمل أن يكون أبو هريرة سمع من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين وحدث به أبو هريرة مرتين فسمع الأعرج منه في إحدى المرتين ذكر "القدم" وسمع منه همام ذكر "الرجل".
فقال لي: همام غلط فقلت له: هذا قول من لا يدري.
ثم قال لي: والأصابع في حديث ابن مسعود تقول به? فقلت له: حديث ابن مسعود صحيح من جهة النقل رواه الناس ورواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله.
فقال لي: هذا قاله اليهودي.
فقلت له: لم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله قد ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقوله فأنكر أن يكون هذا اللفظ مرويا من أخبار ابن مسعود.(2/7)
فقلت له: بلى هذا رواه منصور والأعمش جميعا عن إبراهيم عن أبي عبيدة "أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله عز وجل يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والخلائق على إصبع والشجر على إصبع وروى: والثرى على إصبع ثم يقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لما قال الخبر" هكذا رواه الثوري وفضيل بن عياض.
فقال لي: قد نزل القرآن بالتكذيب لا بالتصديق فقال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره فقلت له: قد نزل القرآن بالتصديق لا بالتكذيب بدلالة قوله تعالى في سياق الآية والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ثم نزه نفسه عز وجل عما يشرك به من كذب بصفاته فقال سبحانه وتعالى عما يشركون وقوله وما قدروا الله حق قدره لا يمنع من إثبات الأصابع صفة له كما ثبتت صفاته التي لا أختلف أنا وأنت فيها ومع هذا فما قدروا الله حق قدره كذلك أيضاً نثبت الأصابع صفة لذاته تبارك وتعالى وما قدروا الله حق قدره فلما رأى ما لزمه قال: هذا ظن من ابن مسعود أخطأ فيه.
فقلت له: هذا قول من يروم هدم الإسلام والطعن على الشرع لأن من زعم أن ابن مسعود ظن ولم يستيقن فحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم على ظنه: فقد جعل إلى هدم الإسلام مقالته هذه بأن يتجاهل أهل الزيغ فيتهجموا على كل خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوافق مذهبهم فيسقطونه بأن يقولوا هذا ظن من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا فرق بين ابن مسعود وسائر الصحابة رضي الله عنهم وهذا ضد ما أجمع عليه المسلمون وقد أكذب القرآن مقالة هذا القائل في الآية التي شهد فيها لابن مسعود بالصدق في جملة الصحابة.(2/8)
ثم قلت له: و "الأصابع" قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أصحابه منهم أنس بن مالك في حديث الأعمش عن أبي سفيان عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قال: قلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا? قال: نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل يقلبها".
ثم قال لي: تروي حديث أبي هريرة: "خلق آدم على صورته" ويومىء إلى أنه مخلوق على صورة آدم.
فقلت له: قال أحمد بن حنبل: من قال إن آدم خلقه عز وجل على صورة آدم: فهو جهمي وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه?.
فقال لي: قد جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورة آدم".
فقلت له: هذا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: بلى قد جاء في الحديث: "طوله ستون ذراعاً" على أنه آدم.
فقلت له: قد رد هذا وليس هو الذي ادعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنك قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورة آدم" ثم استدللت بقوله: "ستون ذراعاً" على أنه آدم وهذا خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين. فأبو الزناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته" وروى جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن" قال أبو إسحاق: وهذا الحديث يذكر عن إسحاق بن راهويه: أنه صحيح مرفوع وأما أحمد بن حنبل فذكر أن الثوري أوقفه على ابن عمر فكلاهما الحجة فيه على من خالفه فإن كان رفعه صحيحاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد سقط العذر وإن كان ابن عمر القائل له: فقد اندحض بقول ابن عمر تأويل من حمل قوله: "على صورته".
قال أبو إسحاق: وهذا لم يجر بيني وبينه وإنما بينته لأصحابي ليفهموه.(2/9)
ثم قلت له: قوله: "خلق آدم على صورته" لا يتأول لآدم على صورة آدم لما قاله أحمد: "وأي صورة كانت لآدم قبل خلقه?" فقد فسد تأويلك من هذا الوجه وفسد أيضاً بقول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن تبارك وتعالى".
وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "طوله ستون ذراعاً" فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فكان قوله: "خلق آدم على صورته" فتم الكلام ثم قال:" طوله ستون ذراعاً" إخباراً عن آدم بذلك على حديث الثوري عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله عز وجل خلق آدم على صورته" ذكرت بدلالة حديث ابن عمر رضي الله عنهما وما ذكرته عن أحمد.
فقال لي جواباً عن حديث أنس: "إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها" إنما هما نعمتان.
فقلت له: هذا الخبر يقول: "إن الأصبعين نعمتان?" واليدين صفة للذات ولم يتقدمك بهذا أحد إلا عبد الله بن كلاب القطان الذي انتحلت مذهبه ولا عبرة في التسليم للأصابع والتأويل لها على ما ذكرت: إن القلوب بين نعمتين من نعم الله عز وجل.
ثم قال لي: وهذا مثل روايتكم عن ابن مسعود في قوله عز وجل يوم يكشف عن ساق إن الله عز وجل يكشف عن ساقه يوم القيامة?.
فقلت له هذا رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأنكره عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا من كلام ابن مسعود وقد روي عن ابن عباس أنه قال: "الشدة".
فقلت له: إنما نذكر ما جاء عن الصحابة إذا لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: تحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم?.(2/10)
قلت: نعم. هذا رواه المنهال ابن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام وذكر الحديث بطوله وقال فيه: فيأتيهم الله تبارك وتعالى فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس? فيقولون: لنا إله فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه? فيقولون: نعم بيننا وبينه علامة إن رأيناها عرفناه قال: فيقول: ما هي? فيقولون: يكشف عن ساقه. قال: فعند ذلك يكشف عن ساقه قال: فيخر من كان بظهره طبق ويبقى قوم ظهورهم كأنها صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون. وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون" في حديث فيه طول وقد روي أيضاً من طريق أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري? فقلت له: هذا في صحيح البخاري فليس من شرطه أبو هارون العبدي لضعفه عنده وعند أئمة أهل العلم ولم يحضرني إسناده في وقت كلامي له وأخرجته من صحيح البخاري كما ذكرته: أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد ابن زياد المقرئ يعرف بالنقاش قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا آدم قال: حدثنا الليث عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا تبارك وتعالى عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد له في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً".
ثم قال لي: وتقول بحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي".
فقلت له: رواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال لي: حماد بن سلمة ضعيف فقلت: من ضعفه?.
فقال لي: يحيى القطان.(2/11)
فقلت له: هذا تخرص على يحيى لم يقل يحيى هذا وإلا فمن حدثك? فلم يقل من حدثه.
وقال لي: أيما أثبت عندك حماد بن سلمة أو سماك? قلت: حماد بن سلمة أثبت وسماك مضطرب الحديث.
فنازعني في هذا والذي أجبته به: بأن حماد بن سلمة ثقة وسماك مضطرب الحديث هو جواب أحمد فيهما ولم أدر ما أراد بسماك? وخرجنا من ذلك ولم أسأله.
ثم قلت له: هذه الأحاديث تلقاها العلماء بالقبول فليس لأحد أن يمنعها ولا يتأولها ولا يسقطها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان لها معنى عنده غير ظاهرها لبينه ولكان الصحابة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن معنى غير ظاهرها فلما سكتوا وجب علينا أن نسكت حيث سكتوا ونقبل طوعاً ما قبلوا.
فقال لي: أنتم المشبهة فقلت: حاشا لله المشبه الذي يقول: وجه كوجهي ويد كيدي فأما نحن فنقول: له وجه كما أثبت لنفسه وجها وله يد كما أثبت لنفسه يداً وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ومن قال هذا فقد سلم.
ثم قلت له: أنت مذهبك أن كلام الله عز وجل ليس بأمر ولا نهي ولا متشابه ولا ناسخ ولا منسوخ ولا كلامه مسموع لأن عندك الله عز وجل لا يتكلم بصوت وأن موسى لم يسمع كلام الله عز وجل بسمعه وإنما خلق الله عز وجل في موسى فهماً فهم به.
فلما رأى ما عليه في هذا من الشناعة قال: فلعلي أخالف ابن الكلاب القطان في هذه المسألة من سائر مذهبه.
ثم قلت له: ومن خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في سندها ولا جرح في ناقليها وتجرأ على ردها فقد تهجم على رد الإسلام لأن الإسلام وأحكامه منقولة إلينا بمثل ما ذكرت.
فقال لي: الأخبار لا توجب عندي علماً.(2/12)
فقلت له: يلزمك على قود مقالتك أنك لو سمعت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وسعداً وسعيداً وعبد الرحمن بن عوف وأبا عبيدة بن الجراح يقولون: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا أنك لا تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ذلك شيئاً لقولهم: "سمعنا".
فلم ينكر من ذلك شيئاً غير الشناعة.
ثم قال لي: أخبار الآحاد في الصفات اغسلها وهي عندي والتراب سواء ولا أقول منها إلا بما قام في العقل تصديقه.
قلت له: فلم أتعبت نفسك في كتبها وسعيت إلى الشيوخ فيها وأنصبت نفسك وأتعبتها وأسهرت ليلك بما لا تدين الله عز وجل به ولا تزداد به علماً?.
فأجابني بأن قال: كتبته حتى أتمم به الأبواب إذا أردت تخريجها.
فقلت له: تخرج للمسلمين ما لا تدين به?.
فقال: نعم لأعرفه فقلت له: تعني المسلمين على قود مقالتك والحق في غير ما ذكرت?.
ثم قلت له: خرقت الإجماع لأن الأمة بأسرها اتفقت على نقلها ولم يكن نقل ذلك عبثاً ولا لعباً ولو كان نقلهم لها كترك نقلهم لها: لكانوا عابثين وحاشا لله من ذلك ومن كانت هذه مقالته فقد دخل تحت الوعيد في قوله عز وجل: ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ولما كانت أخبار الآحاد في الصفات لا توجب عملاً: دل على أنها موجبة للعلم فسقط بهذا ما ادعاه من لم ينتفع بعلمه وتهجم على إسقاط كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولاً إليه: برأيه وظنه.(2/13)
ثم ذكرت حساب الكفار: فقال لي: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الكافر ليحاسب حتى يقول: أرحني ولو إلى النار فهلا قلت به? فقلت له: ليس يحل ما روى صحيحاً أو سقيماً أن نقول به وإنما تعبدنا بالصحيح دون السقيم والصحيح معلوم عند أهل النقل بعدالة ناقليه متصلاً إلى المخبر عنه والسقيم معلوم بجرح ناقليه وهذا الخبر الذي رويته رواه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار يعني وهو متروك الحديث ضعيف عند أهل العلم وليس مثل هذا مما تقوم به حجة.
فقال لي: فأي شئ معك في أنهم لا يحاسبون?.
فقلت له: إن شئت من كتاب الله وإن شئت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئت من قول صحابته رضي الله عنهم.
فقال لي: منكراً لقولي في الصحابة من قال هذا?.
فقلت: نعم قرأت على أبي عيسى يحيى بن محمد بن سهل الخصيب العكبري بعكبرا قال: حدثنا محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال: حدثنا محمد بن هناد بن السري قال: حدثنا معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حوسب دخل الجنة يقول الله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً ويقول للآخرين يعني الكفار فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام .
فقال لي: قد سمعت هذا الحديث من أبي علي الصواف قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو الحسين عبد الوهاب الوراق عن أبي معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بمثل معناه يعني: "من حوسب دخل الجنة" فقال لي: هو المسلم المحترم.
فقلت له: جمعت بين ما فرق الله عز وجل لأن الله عز وجل يقول أفنجعل المسلمين كالمجرمين? مالكم كيف تحكمون(2/14)
قال أبو إسحاق: وكان عندنا: أن أبا سليمان يقول إن الكافر والمؤمن يحاسبان فعلى قوله إن المؤمن لا يحاسب وإن الكافر يحاسب وهذه عصبية للكافر خرج بها عن جملة أهل العلم.
قلت له: أنت تتكلم على المسلمين فتحشوا أسماعهم بكلام الكلبي الكذاب فيما يخبر عن مراد الله تعالى عن الأمم الخالية التي لم يشاهدها فلا يكون عندك هذيان ثم تجيء إلى مثل حديث إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله حديث الخبر فتقول: هذا هذيان وهذا قول من تقلده خرج عندي من الدين وسلك غير طريق المسلمين.
وهذا ما جرى بيننا إلا ما أخللت به فلم أتيقن حفظه والله سبحانه الموفق لإدراك الصواب.
وقال أبو إسحاق بن شاقلا: حدثنا عبد العزيز بن جعفر قال: سمعت أبا محمد البخاري وكان عبداً صالحاً وكان من أصحاب المروذي قال: غسلت ميتاً فمضى الذي يصب الماء علي في حاجة ففتح عينيه وقبض على زندي وقال لي: يا أبا محمد أحسن الاستعداد لهذا المصرع وعاد إلى حاله.
وقال: وسئل الشيخ يعني أبا بكر عن المصلوب هل تضغطه الأرض? فقال: قدرة الله لا يتكلم عليها أرأيت رجلاً لو قطعت يده أو رجله أو لسانه في بلد ومات في بلد آخر هل ينزل الملكان على الكل منه وهذا في القدرة واليد في معنى التبع.
قال: وسأل رجل شيخنا أبا بكر عن قول الله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقال الله قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم وقال تعالى توفته رسلنا فقال ملك الموت يعالجها فإذا بلغت منتهاها قبضها الله عز وجل فقيل له: قد استوى في ذلك الفاضل والكافر والمسلم فما فضله عليه فقال لما لم يكن بينهما فرق في ابتداء الخلق في نفخ الروح فكذلك في الانتهاء في قبضها وكذلك لم يكن بينهما فرق في التكوين في الابتداء وكذلك في الموت في الانتهاء وهذا معنى ما قال.(2/15)
وكانت لأبي إسحاق بن شاقلا حلقتان إحداهما بجامع المنصور والحلقة الثانية بجامع القصر وحج سنة تسع وأربعين ومات سنة تسع وستين قيل في سلخ جمادى الآخرة وقيل في مستهل رجب وكان له ابنان علي وحسن وكان سنه يوم مات أربع وخمسون سنة وغسله أبو الحسن التميمي.
إبراهيم بن ثابت الحنبلي أبو إسحاق
كان على غاية من العلم والزهد. قال القاضي أبو علي بن أبي موسى: لما مات إبراهيم بن ثابت الحنبلي كان الزمان شديد الحر وكان رمضان فأفطر ذلك اليوم خلق كثير من شدة ما لحقهم من الجهد والعطش وعظم الخلق الذين كانوا معه.
توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة.
عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الحسن التميمي
حدث عن أبي بكر النيسابوري ونفطويه والقاضي المحاملي وغيرهم وصحب أبا القاسم الخرقي وأبا بكر عبد العزيز.
وصنف في الأصول والفروع والفرائض.
صحبه القاضيان أبو علي بن أبي موسى وأبو الحسين بن هرمز.
وكان له أولاد: أبو الفضل وأبو الفرج وغيرهما.
وقيل إنه حج ثلاثاً وعشرين حجة.
ومولده سنة سبع عشرة وثلاثمائة وموته في ذي القعدة من سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
إبراهيم بن جعفر أبو القاسم يعرف بابن الساجي المتخصص بصحبة أبي بكر عبد العزيز
سمع إسماعيل الصفار وعلي بن محمد المصري وأبا عمرو بن السماك في آخرين.
روى عنه أبو القاسم الزجي وأثنى عليه خيراً.
وصنف كتاب البيان على من خالف القرآن وما جاء فيه من صفات الرحمن وما قامت عليه أدلة البرهان.
وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة ودفن في مقبرة عبد العزيز بالجانب الشرقي.
الحسن بن يحيى بن قيس أبو بكر المقرئ
سمع مختصر أبي القاسم الخرقي منه وحدث بهذا المختصر جماعة أحدهم أبو عبد الله بن حامد وأبو طالب العشاري.
الحسين بن عبد الله أبو علي النجاد
كان فقيهاً معظماً إماماً في أصول الدين وفروعه.(2/16)
صحب من شيوخ المذهب لأبي الحسن بن بشار وأبي محمد البربهاري ومن في طبقتهما وصحبه جماعة أبو حفص البرمكي وأبو حفص العكبري وأبو الحسن الجزري وعبد العزيز غلام الزجاج وأبو عبد الله بن حامد.
قال أبو حفص: سمعته يقول: سئل ابن بشار لم صار الإمساك عن فضل الكلام أشد من الإمساك عن فضل الطعام? فقال: إن الكلام تبقى مدحته بعده والطعام تزول منفعته بزواله أو كما قال.
قال: وسمعته يقول: سمعت أبا محمد البربهاري يقول: ذو النون المصري وصف لي رجل بتاهرت فمضيت إليه فلما رآني ولى عني فناديته: بالذي وهب لك ما وهب إلا وقفت فلست أطول عليك كيف كان بدء أمرك مع ربك تبارك وتعالى? قال لي: يا فتى كنت إذا عملت بمعصيته صبر علي وتأنى بي فإذا عملت بطاعته زادني وأعطاني وإذا أقبلت عليه قربني وأدناني وإذا وليت عنه صوت بي وناداني وإذا وقفت لفترة رغبني ومناني فمن أكرم من هذا مأمولاً? انصرف عني لا تشغلني.
قال: وسمعت أبا علي بن النجاد يقول: بينا أنا ذات يوم إذ دخل رجل من أهل البدع ومعه مصحف فجعل يقرأ فيه في سورة الأحزاب فلما انتهى إلى هذه الآية وقرن في بيوتكن أطبق المصحف وقال: إيش نعمل في هذا وعائشة قد خرجت? قلت: إنها لم تخرج من بيتها.
قال: وكيف ذاك? قلت: لأن بيوت أبنائها بيتها.
قال: وسمعته يقول: جاءني رجل وقد كنت حذرت منه أنه رافضي فاخذ يتقرب إلي ثم قال: لا نسب أبا بكر وعمر بل معاوية وعمرو بن العاص.
فقلت له: ومال معاوية? قال: لأنه قاتل علياً.
قلت له: إن قوماً يقولون إنه لم يقاتل علياً وإنما قاتل قتلة عثمان.
قال: فقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: "تقتلك الفئة الباغية".(2/17)
قلت: إن أنا قلت إن هذا لم يصح وقعت منازعة ولكن قلت قوله عليه الصلاة والسلام تقتلك الفئة الباغية يعني به الطالبة لا الظالمة لأن أهل اللغة تسمي الطالب باغياً ومنه بغيت الشيء تقول طلبته ومنه قوله تعالى قالوا يا أبانا ما نبغي وقوله وابتغوا من فضل الله ومثل ذلك كثير فإنما يعني بذلك الطالبة لقتلة عثمان رضي الله عنه.
وقال أبو حفص العكبري: سمعت أبا علي النجاد يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول: ما أعيب على رجل يحفظ لأحمد بن حنبل خمس مسائل أن يستند إلى بعض سواري المسجد ويفتي الناس بها.
أبو الحسن البرتي
ذكره الوالد السعيد فقال: كان شيخاً يجتمع عنده المشايخ ويتذاكرون عنده.
يوسف بن عمر بن مسرور أبو الفتح القواس سمع أبا القاسم البغوي وأبا بكر بن أبي داود ويحيى بن صاعد وخلقاً كثيراً.
حدثنا عنه أبو الحسين بن المهتدي بالله قال: حدثنا يوسف القواس إملاء قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي إملاء قال: حدثنا طالوت بن عباد قال: حدثنا هلال عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن مرة البهزي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ستكون فتن كأنها صياصى بقر فمر بنا رجل متقنع فقال: هذا وأصحابه على الحق فذهبت ونظرت إليه فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه".
ولد يوسف القواس أول يوم من ذي الحجة سنة ثلاثمائة وأول سماعه من البغوي سنة ست عشرة.(2/18)
قال القواس: وحضرت مجلس القاضي المحاملي وكان له أربع مستملين يستملون عليه وكنت لا أكتب في مجلس الإملاء إلا ما أسمعه من لفظ المحدث فقمت قائماً لأني كنت بعيداً عن المحاملي بحيث لا أسمع لفظه فلما رآني الناس أفرجوا لي وأجازوني حتى جلست مع المحاملي على السرير فلما كان من الغد جاءني رجل فسلم علي وقال لي: أسألك بالله أن تجعلني في حل فقلت له: مماذا? قال: رأيتك أمس قمت في المجلس وتخطيت رقاب الناس فقلت في نفسي: إنك قصدت القيام لخطي رقاب الناس لا لسماع الحديث فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول لي من أراد سماع الحديث كأنه يسمعه مني فليسمعه كسماع أبي الفتح القواس.
أنبأنا الخطيب عن يوسف القواس قال: قرأت على محمد بن مخلد قلت له حدثكم أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني قال: سمعت أحمد بن حنبل رضي الله عنه سئل عن المعتم تحت الحنك فقال: ما نعرف العمامة تحت الحنك ورأيت أحمد يعتم بعمامة بيضاء يجعلها تحت الحنك ورأيت أحمد يعتم على قلنسوة.
قرأت في كتاب ابن ثابت قال: سمعت علي بن محمد بن الحسن السمسار يقول: ما أتيت يوسف القواس قط إلا وجدته يصلي.
قال: وسمعت البرقاني والأزهري وذكرا أبا الفتح القواس فقالا: كان من الأبدال.
وقال الأزهري: كان أبو الفتح مجاب الدعوات.
وقال الدارقطني: كنا نتبرك بأبي الفتح القواس وهو صبي.
وقال أبو ذر: كنت عند القواس وقد أخرج جزءاً من كتبه فوجد فيه قرض الفأرة فدعا الله على الفأرة التي قرضته فسقطت من سقف البيت فأرة ولم تزل تضطرب حتى ماتت.
وقال العتيقي: سنة خمس وثمانين وثلاثمائة فيها توفي الشيخ الصالح أبو الفتح القواس يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر وصلى عليه في جامع الرصافة وحمل إلى قبر أحمد بن حنبل وكان مستجاب الدعوات.(2/19)
ورأيت بخط أبي علي البرداني: سمعت قاسم الحفار يقول: سمعت جدي يقول: لما نزلت في قبر القواس حتى ألحده وأخذته على يدي حتى أنزله اللحد سمعته وهو يضحك ودفن بالقرب من أحمد بن حنبل.
عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن سعد بن عتبة بن فرقد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله العكبري المعروف بابن بطة
سمع عبد الله بن محمد البغوي وأبا محمد بن صاعد وإسماعيل بن العباس الوراق وأبا بكر النيسابوري وأبا طالب أحمد بن نصر الحافظ وأبا ذر ابن الباغندي ومحمد بن محمود السراج ومحمد بن مخلد العطار ومحمد بن ثابت العكبري وجعفر القافلائي وأبا القاسم الخرقي وأبا بكر عبد العزيز وغيرهم من الغرباء فإنه سافر الكثير إلى مكة والثغور والبصرة وغير ذلك من البلاد.
سمعه جماعة من شيوخ المذهب: أبو حفص العكبري وأبو حفص البرمكي وأبو عبد الله ابن حامد وأبو علي بن شهاب وأبو إسحاق البرمكي في آخرين.
ولما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير في سوق ولا رئي مفطراً إلا في يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق.
وقال ابن ثابت: حدثني عبد الواحد بن علي العكبري قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة.
قال: وحدثني القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي قال: لما رجع أبو عبد الله ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير يوماً منها في سوق ولا رئي مفطراً إلا في يوم الأضحى والفطر وكان أماراً بالمعروف ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره أو كما قال.
قال: وأخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاثمائة: فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم وكان شيخاً صالحاً مستجاب الدعوة.(2/20)
قلت أنا: وأنبأنا أبو محمد الجوهري قال سمعت أخي أبا عبد الله يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنان فقلت له: يا رسول الله أي المذاهب خير? أو قال: قلت على أي المذاهب أكون? فقال: ابن بطة ابن بطة ابن بطة فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم الجمعة فقصدت إلى الشيخ أبي عبد الله بن بطة إلى الجامع فلما رآني قال لي ابتداء: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق رسول الله أو كما قال.
وقرأت بخط أخي عبيد الله قال: نقلت من خط أبي القاسم الدمياني في آخر الجزء الأول من المعجم قال الشيخ أبو عبد الله: ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلاثمائة قال: وولد ابن منيع سنة أربع عشرة ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
وقال الشيخ أبو عبد الله: كان لأبي رضي الله عنه ببغداد شركاء وكان فيهم رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث بابنك إلى بغداد ليسمع الحديث فقال: إنه صغير فقال أبو بكر: أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث فقال لي بعضهم: سل الشيخ أن يخرج إليك معجمه لتقرأه عليه ولم أعلم أن له معجماً فسألت ابنه أو ابن ابنته في باب المعجم فقال: إنه يريد دراهم كثيرة فقلت لأمي طاق ملحم فآخذه منها وأبيعه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة.
قال الشيخ أذكره وقد قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني سنة أربع وعشرين ومائتين فقال المستملي: خذوا هذا قبل أن يولد كل محدث على وجه الأرض اليوم.
قال: وسمعت المستملي واسمه أبو عبد الله بن مهران يقول له: متى ذكرت يا ثلث الإسلام?.(2/21)
وقرأت بخط أخي أبي القاسم رحمه الله: سمعت الشيخ أبا الحسن علياً بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم الزاهد إملاء سمعت أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ أحد أولاد أبي بكر الإسماعيلي يقول: أحببت الحنبلية مذ رأيت أبا عبد الله بن بطة.
قال: وسمعت أبا علي بن شهاب يقول: كنت بمكة فوقفت على بعض أولاد أبي بكر الإسماعيلي فذكر كتاب المعجم وقال: في أثناء كلامه بخط وراق له يعني لأبي عبد الله بن بطة فقلت له: هو الذي يكلمك.
قال: وسمعت أبا علي بن شهاب يقول: سمعت أبا عبد الله بن بطة يقول أستعمل عند منامي أربعين حديثاً رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وسمعت أبا علي بن شهاب يقول: رأيت أبا عبد الله بن بطة وقد صلى صلاة الجمعة ببغداد أو في جامع المنصور وخرج بعد الصلاة فمشى في الصحن الذي يلي المنبر فقال الناس في الرواق وما يليه ابن بطة فرأيت الناس يهرعون إليه.
قال: وسمعت نصر بن الفرج البزار يقول: دخلت على أبي عبد الله ابن بطة وهو صائم في يوم شديد الحر فرأيته وقد وضع صدره على طوابق مغسولة يتبرد بذلك.
قال: وسمعت أبا علي بن شهاب يقول دخلت على أبي عبد الله بن بطة بين العشاءين وهو متوار فقال لي: إنني أشرب ماء البئر وكان قد اختفى لأمر طغا وأظنه من سلطان ودفع إلي كتاب العزلة.
قال: وسمعت من يذكر أنه كان يجلس في مجلسه يوم الجمعة متوجهاً إلى القبلة والناس بين يديه وكان يتطيلس بإزار مربع على رأسه فربما استنكر شيئاً يظهر من حلقته من حديث أو نحوه فيومىء فيقول أحسنوا الأدب فيحتشم الناس ذلك وينكفوا.
قال: وسمعت أبا علي بن شهاب يقول حضرت مجلس أبي عبد الله وقد حضره مؤدبي أبو إسحاق الضرير فقال له: لو اشتغلت بشيء من العربية أو كلاماً هذا معناه فقال: هذا مسند أحمد يأخذ أحدكم جزء شاء ويقرأ علي الإسناد لأذكر المتن أو المتن لأذكر الإسناد فاحتشمناه أن نقول له ذلك أو كما قال.(2/22)
قال أخي أبو القاسم رحمه الله: وذكر أن أبا عبد الله بن بطة كان يسرد الصوم وكان بعينه ناصور وقد وصف وفد وصف له ترك العشاء فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا ينام حتى يصبح وكان عالماً بمنازل الفجر والقمر.
قلت أنا: وحكى لي أبو الفتح العكبري قال: وجدت بخط أبي قال اجتاز الشيخ أبو عبد الله بن بطة بالأحنف العكبري فقام له فشق ذلك عليه فأنشأ يقول:
لا تلمني على القيام فحقي
حين تبدو أن لا أمل القياما
أنت من أكرم البرية عندي
ومن الحق أن أجل الكراما
فقال ابن بطة لابن شهاب تكلف له جواب هذه فقال:
أنت إن كنت لا عدمتك ترعى
لي حقاً وتظهر الإعظاما
فلك الفضل في التقدم والعل
م ولسنا نحب منك احتشاما
فاعفني الآن من قيامك أولاً
فسأجزيك بالقيام قياما
وأنا كاره لذلك جداً
إن فيه تملقا وأثاما
لا تكلف أخاك أن يتلقاه
بما يستحل فيه الحراما
فإذا صحت الضمائر منا
اكتفينا أن نتعب الأجساما
كلنا واثق بود مصا
فيه ففيما انزعاجنا وعلاما?
أنبأنا علي عن ابن بطة قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الوراق قال: حدثنا بشر بن الوليد الكندي قال حدثنا سهل أخو حزم عن أبي عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ".
وبه قال حدثنا محمد بن دعلج حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا سعيد ابن منصور قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن آية من كتاب الله? فقال: أية ارض نقلني وأية سماء تظلني وأين أذهب أو كيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها.
وبه قال: حدثنا دعلج حدثنا محمد بن علي حدثنا سعيد بن منصور حدثنا يزيد ابن هارون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر وفاكهة وأبا فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب قال ثم رجع إلى نفسه فقال لعمرك إن هذا لهو التكلف يا عمر.(2/23)
قلت أنا: حسبك لشيخي الإسلام وإمامي الهدى وخليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاديين الراشدين وتوقفهما وإحجامهما عن تفسير آية من كتاب الله جل وعز وهما أعلم الخلق بالله عز وجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسوله وبكتاب الله وتأويله فماذا عسى أن نقول في جسارة المعتزلة والأشاعرة وبقية المتكلمين الضالين في تأويل صفات الرحمن عز وجل التي نطق بها القرآن ونقلها الأئمة الأثبات والعلماء الثقات.
وبه قال: حدثنا جعفر القافلائي حدثنا الحسن بن محمد بن أبي معشر قال: حدثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه على المنبر: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين سمعت هؤلاء الكلمات من نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وبه قال حدثنا شعيب بن محمد الراحبان حدثنا علي بن حرب حدثنا الحسين بن علي الجعفي حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال: الفقيه من يخاف الله عز وجل.
وبه قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي سهل الحربي حدثنا أبو العباس بن مسروق الطوسي حدثنا موسى بن خاقان النحوي.
قال: وحدثنا أحمد بن عثمان الأدمي حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم حدثنا بكر بن حبيش عن ليث بن أبي سليم عن أبي هريرة الأنصاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يرخص له في معاصي الله ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره وذكر الكلام بطوله".
وبه قال: حدثنا أبو شيبة حدثنا محمد بن إسماعيل الحساني حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله ابن مسعود: "كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً".(2/24)
وبه قال: حدثنا أبو الحسين الحربي قال: حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا يحيى بن الحربي قال: حدثنا أحمد بن مسروق قال: حدثنا الحسين بن حفص حدثنا وكيع عن محمد بن أبي علقمة الليثي قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى إن الفقه ليس بسعة الهدر وكثرة الرواية وإنما الفقه خشية الله.
وبه قال: حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا يحيى بن أيوب العابد حدثنا عبد الرحمن بن عمر العمري قال: قال أبو حازم لا يكون العالم عالماً حتى يكون فيه ثلاث خصال لا يحقر من دونه في العلم ولا يحسد من فوقه ولا يأخذ على علمه دنيا.
وبه قال: حدثنا ابن صاعد قال: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا سيار قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا مطر الوراق قال: سألت الحسن عن مسألة فقال فيها: فقلت: يا أبا سعيد يأبى عليك الفقهاء يخالفونك فقال الحسن: ثكلتك أمك انظر وهل رأيت فقيهاً قط وهل تدري من الفقيه? الفقيه: الورع الزاهد المقيم على سنة محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا يسخر من أسفل منه ولا يهزأ بمن فوقه ولا يأخذ على علم علمه الله حطاماً.
وبه قال: حدثنا إسحاق الكاذي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا عمرو بن الهيثم قال حدثنا أبو حرة عن الحسن قال: الفقيه المجتهد في العبادة والزاهد في الدنيا المقيم على سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وبه قال: حدثنا أبو عمارة حمزة بن القاسم خطيب جامع المنصور حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا أبو عبد الله قال حدثنا سفيان بن عيينة سمعت أيوب سمعت الحسن يقول: ما رأيت فقيهاً قط يداري ولا يماري إنما ينشر حكمته فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله.
قال: وسمعت الحسن يقول: ما رأيت فقيها قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة الدائب على العبادة المتمسك بالسنة.(2/25)
وبه قال: حدثني أبو صالح حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا إبراهيم بن نصر الصائغ قال: سمعت الفضيل بن عياض قال: إنما الفقيه الذي أنطقته الخشية وأسكتته الخشية إن قال قال بالكتاب والسنة وإن سكت سكت بالكتاب والسنة وإن اشتبه عليه شيء وقف عنده ورده إلى عالمه.
قلت أنا: هذا والله المحمود صفة إمامنا أحمد ومن سلك طريقه وقليل ما هم فيا ويح من يدعي مذهبه ويتحلى بالفتوى عنه وهو سلم لمن حاربه عون لمن خالفه الله المستعان على وحشة هذا الزمان.
وبه قال: حدثنا محمد بن مخلد حدثنا المروذي حدثني بن مسلم سئل ابن المبارك: هل للعلماء علامة يعرفون بها? قال: علامة العالم من عمل بعلمه واستقل كثير العمل من نفسه ورغب في علم غيره وقبل الحق من كل من أتاه به وأخذ العلم حيث وجده فهذه علامة العالم وصفته.
قال المروذي: فذكرت ذلك لأبي عبد الله فقال هكذا هو.
وبه قال: حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا المروذي قال: قلت لأبي عبد الله قيل لابن المبارك كيف تعرف العالم الصادق? فقال: الذي يزهد في الدنيا ويقبل على أمر آخرته فقال: نعم هكذا يريد أن يكون.
وبه قال: حدثنا أبو الحسين الكاذي حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا عفان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل.
وبه قال: حدثني أبو حفص بن شهاب قال: حدثني أبي قال: حدثنا الأثرم قيل لأبي عبد الله في حديث عمرو: لا يحل لواحد منهما أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله يرويه ابن عجلان قال أبو عبد الله: وفي حديث عبد الله بن عمرو: إبطال الحيل.
وبه قال: حدثني أبو محمد صالح بن أحمد قال: حدثنا أبو حفص محمد بن داود حدثنا أبو الحارث الصائغ سمعت أبا عبد الله قال: هذه الحيل التي وضعها هؤلاء أبو حنيفة وأصحابه عمدوا إلى السنن فاحتالوا في نقضها أتوا الذي قيل لهم: إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه.(2/26)
وقال الميموني قلت: يا أبا عبد الله من حلف على يمين ثم احتال لإبطالها: هل تجوز تلك الحيلة? قال: لا نحن لا نرى الحيلة.
وبه قال: حدثنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر قال حدثنا أحمد بن محمد بن هارون حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد حدثنا بكر بن محمد بن الحكم قال: قال أبو عبد الله إذا حلف على شيء ثم احتال بحيلة فصار إليها فقد صار إلى ذلك الذي حلف عليه بعينه قال أبو عبد الله ما أخبثهم يعني أصحاب الحيل وقال: قال أبو عبد الله ومن احتال بحيلة فهو حانث.
وبه قال: حدثنا إبراهيم بن حبيب العطار قال: حدثنا أبو داود السجستاني سمعت أبا عبد الله وذكر الحيل من أصحاب الرأي فقال: يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلنذكر الآن بعض مصنفاته: الإبانة الكبيرة والإبانة الصغيرة السنن المناسك الإمام ضامن الإنكار على من قصر بكتب الصحف الأولى الإنكار على من أخذ القرآن من الصحف النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الفجر تحريم النميمة صلاة الجماعة منع الخروج بعد الأذان والإقامة لغير حاجة إيجاب الصداق بالخلوة فضل المؤمن الرد على من قال الطلاق الثلاث لا يقع صلاة النافلة في شهر رمضان بعد المكتوبة ذم البخل تحريم الخمر ذم الغناء والاستماع إليه التفرد والعزلة وغير ذلك.
وقيل إنها تزيد على مائة مصنف.
فلنذكر السنة التي توفي فيها وكانت وفاته في يوم عاشوراء سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ودفن بعكبرا وزرت قبره ورثاه ابن شهاب تلميذه فقال:
هيهات ليس إلى السلو سبيل
فليكتفنك تفجع وعويل
موت ابن بطة ثلمة لا يرتجى
لمسدها شكل له وعديل
فمضى فقيداً ماله خلف ولا
منه وإن طال الزمان بديل
أما المحاسن بعده فدوارس
والعلم ربع مقفر وطلول
أما القبور فإنهن أوانس
بحلوله وعلى الديار محول
من للخصوم اللد إن هم شعوا
وعناهم التمويه والتأويل?
من للقران وكشف مشكل آية
حتى يقوم عليه منك دليل?
من للحديث وحفظه برواية
منقولة إسنادها منقول?(2/27)
يا ليت شعري عن لسان كان كالس
يف الصقيل وليس فيه فلول
مات الذي آثاره وعلومه
مدروسة مسطورها منقول
الشيخ مات أم البسيطة زلزلت
أم صار في البدر المنير أفول
من للفرائض في عويص حسابها
في الجد أو في الرد حيث تعول
من للشروط وحفظ حكم فروعها
إذ أحكمت قبل الفروع أصول
من فعله الثبت السديد موافق
للقول منه حيث صار يقول
من لا يهاب إذا الحقوق تعاورت
من فيه دولات الزمان تدول
هيهات أن يأتي الزمان بمثله
إن الزمان بمثله لبخيل
الله حسبي بعده وهو الذي
في كل ما أرجوه منه وكيل
أجبر مصيبتنا وأحسن عوضنا
منه فأنت لما تشاء تنيل
عمر بن أحمد بن إبراهيم أبو حفص البرمكي
كان من الفقهاء والأعيان النساك الزهاد ذو الفتيا الواسعة والتصانيف النافعة من ذلك المجموع وشرح بعض مسائل الكوسج.
حدث عن ابن الصواف والخطبي وابن مالك في آخرين.
صحب عمر بن بدر المغازلي وأبا علي النجاد وأبا بكر عبد العزيز وغيرهم.
قال عمر بن البرمكي: سمعت أبا علي النجاد يقول في وقوف الجنازة ورجوعها يحتمل متى كثرت الملائكة بين يديها رجعت أوقفت ومتى كثرت خلفها أسرعت ويحتمل أن يكون بلوم النفس للجسد ولوم الجسد للنفس يختلف حالها تارة وتارة تقدم الدليل عليه قوله تعالى لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة ويحتمل أن يكون بقاؤها في حال رجوعها ليتم أجلها لأن الإنسان له أجلان أجل في الدنيا تعلم مدته وأجل عنده لا يعلمه إلا هو قال الله تعالى هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده فنحن نعلم كم مدة أجله من حين يولد إلى أن يدفن في قبره ولا نعلم كم مدة مكثه في قبره لأنه سمي عنده تبارك وتعالى.
قال أبو علي: سئلت عن خفة الجنازة وثقلها فقلت: إذا خفت فصاحبها شهيد لأن الشهيد حي والحي أخف من الميت قال الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون .(2/28)
وقال أبو حفص البرمكي: سمعت شيخنا أبا بكر عبد العزيز يقول: حدثنا أبو يحيى الساجي بالبصرة حدثنا الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول: لأن أتكلم في العلم فأخطىء فيقال لي أخطأت خير من أن أتكلم في الكلام فأخطىء فيقال لي كفرت.
قال أبو حفص البرمكي: وأخبرنا علي الجوهري حدثنا محمد الأزدي قال حدثنا الفتح بن شخرف حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن بشار قال: قال لي إبراهيم بن أدهم: فروا من الناس فراركم من السبع الضاري ولا تتخلفوا عن الجمعة والجماعات.
وبإسناده قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من خاف الله عز وجل لم يشف غيظه ومن اتقى الله عز وجل لم يصنع ما يريد ولولا يوم القيامة كان غير ما ترون.
وبإسناده قال بشر بن الحارث: رئي إبراهيم بن أدهم مقبلاً من الجبل قيل له: من أين أقبلت? قال: من أنس الله عز وجل ثم قال:
اتخذ الله مؤنساً
ودع الناس جانبا
وتشاغل بذكره
إن في ذكره الشفا
وارض منه بما قضى
إن في ذلك الغنا
قال: وسمعت أبا محمد المصري شيخنا يقول: سمعت أبا بكر بن أبي الثلج قال: حدثنا حسين بن فهم الكاتب قال: كنا نعرف علة معروف بسكوته وصحته بأنينه.
وقال لنا شيخنا أبو محمد: سألت ابن مجاهد عن قوله عز وجل سنفرغ لكم أيها الثقلان فقال لي في معناه سنقبل وأنشدنا:
الآن فرغت إلى تميم
فهذا حين صرت لها عذابا
قال البرمكي: وأخبرنا شيخنا أبو محمد قراءة عليه عن أبي عمر سنقصد لكم أيها الثقلان يعني الجن والإنس.
قال: وقال لنا أبو عمر: ألظوا بياذ الجلال والإكرام.
وقال: إنما سمي العيد عيداً لأنه يعود في كل سنة بفرح.
ومات أبو حفص البرمكي في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ودفن بمقبرة إمامنا أحمد وكان له أولاد إبراهيم وأحمد وعلي.
محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عيسى بن إسماعيل أبو الحسن المعروف بابن سمعون
كان واحد دهره وفريد عصره في الكلام على علم الخواطر والإشارات دون الناس حكمه وجمعوا كلامه.(2/29)
قرأ مختصر أبي القاسم الخرقي عليه وسمعه منه جماعة أحدهم الشيخ الزاهد أبو الحسين القزويني وحدث به القزويني جماعة أحدهم المبارك بن عبد الجبار وحدث به.
وسمع ابن سمعون من عبد الله بن أبي داود السجستاني ومحمد بن مخلد الدوري وأبي محمد بن صاعد ومحمد بن جعفر المطيري وابن زياد الدمشقي في آخرين.
حدث عنه القاضي أبو علي بن أبي موسى وأبو محمد الخلال وعبد العزيز الأرجي.
وحدثنا عنه أحمد بن محمد المقرىء يعرف بابن حمدويه قال: حدثنا أبو الحسين بن سمعون إملاء يوم الثلاثاء لخمس خلون من رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي حمد بن أبي سليمان قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا يعقوب بن محمد قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثني الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك وكان قد شهدر بدراً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرم الله على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله عز وجل".
أخبرنا ابن ثابت حدثني الحسن بن أبي طالب قال: سمعت أبا الحسين بن سمعون يقول: ولدت في سنة ثلاثمائة.
قال: وأخبرنا البرقاني قال: قلت لأبي الحسين بن سمعون أيها الشيخ تدعو الناس إلى الزهد في الدنيا والترك لها وتلبس أحسن الثياب وتأكل أطيب الطعام فكيف هذا? فقال: كل ما بصلحك لله فافعله إذا صلح حالك مع الله بلبس لين الثياب وأكل طيب الطعام فلا يضرك.
قال: وحدثنا أبو محمد الخلال قال: قال لي أبو الحسين بن سمعون: ما اسمك? فقلت: حسن فقال: قد أعطاك الله الاسم فسله أن يعطيك المعنى.
قال: وحدثنا عبد الواحد بن عمر قال: وسمعت ابن سمعون يقول: رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة.(2/30)
قال: وحدثنا محمد الطاهري قال: سمعت أبا الحسين بن سمعون يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قاصداً بيت المقدس وحمل في صحبته تمراً صيحانياً فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه ثم طالبته نفسه بأكل الرطب فأقبل عليها بالملامة وقال: من أين لنا في هذا الموضع رطب فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطباً صيحانياً فلم يأكل منه شيئاً ثم عاد إليه من غد عشية فوجده تمراً على حالته الأولى فأكل منه أو كما قال.
قال: وسمعت أبا الحسن بن البادا يقول: سمعت أبا الفتح القواس يقول لحقني إضافة وقتاً من الزمان فنظرت فلم أجد في البيت غير قوس وخفين كنت ألبسهما فأصبحت وقد عزمت على بيعهما وكان يوم مجلس ابن سمعون فقلت في نفسي: أحضر المجلس ثم أنصرف فأبيع الخفين والقوس فحضرت المجلس فلما أردت الانصراف ناداني أبو الحسن يا أبا الفتح لا تبع الخفين ولا تبع القوس فإن الله سيأتيك برزق من عنده أو كما قال.
وبه قال: حدثني علي بن الحسن حدثني أبو طاهر بن العلاف قال: حضرت أبا الحسين بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم وكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس فنام فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك فقال: نعم فقال أبو الحسين لذلك أمسكت عن الكلام خوفاً أن تنزعج وتنقطع عما كنت فيه أو كما قال.(2/31)
وبه أخبرنا علي بن الحسن الوزير قال: حكى أبو علي بن أبي موسى الهاشمي قال حكى لي وحي مولى الطائع لله قال أمرني الطائع أن أوجه إلى ابن سمعون فأحضره إلى دار الخلافة ورأيت الطائع على صفة من الغضب وكان يتقي في تلك الحال لأنه كان ذا حدة فبعثت إلى ابن سمعون وأنا مشغول القلب لأجله فلما حضر أعلمت الطائع حضوره فجلس مجلسه وأذن له في الدخول فدخل وسلم عليه بالخلافة ثم أخذ في وعظه فأول ما بدأ به أن قال: روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وذكر عنه خبراً ولم يزل يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع لله وسمع شهيقه وابتل منديل بين يديه بدموعه فأمسك ابن سمعون حينئذ ودفع إلي الطائع درجاً فيه طيب وغيره فدفعته إليه وانصرف وعدت إلى حضرة الطائع فقلت: يا مولاي رأيتك على صفة من شدة الغضب على ابن سمعون ثم انتقلت إلى تلك الصفة عند حضوره فما السبب فقال: رفع إلي عنه أنه ينتقص علي ابن أبي طالب فأحببت أن أتيقن ذلك لأقابله عليه إن صح ذلك عنه فلما حضر بين يدي افتتح كلامه بذكر علي بن أبي طالب والصلاة عليه وأعاد وأبدى في ذلك وقد كان له مندوحة في الرواية عن غيره وترك الابتداء به فعلمت أنه وفق لما تزول به عنه الظنة وتبرأ ساحته ولعله كوشف بذلك أو كما قال.(2/32)
وقرأت بخط أخي أبي القاسم قال: قال شكر العضدي: لما دخل عضد الدولة إلى بغداد وقد هلك أهلها قتلاً ونهباً وحرقاً وخوفاً للفتن التي اتصلت بين السنة والشيعة فقال: الآفة القصاص هم. فنادى في البلد أن لا يقص أحد في جامع ولا طريق فرفع إليه أن أبا الحسين بن سمعون جلس على كرسيه في يوم الجمعة بجامع المنصور وتكلم على الناس فأمرني بأن أنفذ إليه من يحصله عندي ففعلت فدخل علي رجل له هيبة وعلى وجهه نور فلم أملك أن قمت إليه وأجلسته إلى جانبي فلم ينكر ذلك وجلس غير مكترث وأشفقت والله أن يجري عليه مكروه على يدي فقلت: أيها الشيخ إن هذا الملك جبار عظيم وما كنت أوتر لك مخالفة أمره والآن فأنا موصلك إليه وكما تقع عينك عليه فقبل التراب وتلطف في الجواب إذا سألك واستعن بالله فعساه أن يخلصك منه فقال: الخلق والأمر لله عز وجل فمضيت به إلى حجرة في آخر الدار قد جلس الملك فيها منفرداً خيفة أن يجري من أبي الحسين بادرة بكلام فيه غلظ فتسير به الركبان فلما دنوت من باب الحجرة وقفته وقلت له: إياك أن تبرح من مكانك حتى أعود فأدخلك وإذا سلمت فليكن بخشوع وخضوع فدخلت لأستأذن له فالتفت فإذا هو واقف إلى جانبي قد حول وجهه نحو دار بختيار وقرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ثم حول وجهه نحو الملك وقرأ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعلمون وأخذ في وعظه فأتى بالعجب فدمعت عين الملك وما رأيت ذلك منه قط وترك كمه على وجهه فتراجع أبو الحسين فخرج ومضى إلى حجرتي فقال الملك: امض إلى بيت المال وخذ ثلاثة آلاف درهم وإلى خزانة الكسوة وخذ منها عشرة أثواب وادفع الجميع إليه فإن امتنع فقل فرقها في فقراء أصحابك فإن قبلها فجئني برأسه فاشتد جزعي وخشيت أن يكون هلاكه على يدي ففعلت وجئته بما أمر وقلت له: قال لك: استعن بهذه الدراهم في نفقتك والبس هذه الثياب فأبى فقلت: فرقها في أصحابك فقال: أصحابه إلى هذا أفقر من(2/33)
أصحابي فعدت فأخبرته فقال: الحمد لله الذي سلمنا منه وسلمه منا أو كما قال.
فلنذكر الآن شذرة من كلامه: ألا مصف لإخلاصه من شخصيته ألا مصف لعقده من قصده ألا غيور على صيانته من شهوته ألا مستشعر لمراقبته في خلوته ألا لابس حلة ذلته ألا فهم عنه ما أراد في مخاطبته ألا تائب من حوبته ألا غيور على وده من بذلته ألا باك على سآمته وفترته ألا معتذر إلى ربه من تقصيره عن موافقته ألا هارب إلى أمنه من مخافته ألا باك من قلبه العليل ألا نادب قبل الرحيل ألا كاتم ضره والغليل ألا ساع على أثر الدليل ألا باك من مرض الخلل ألا فرغ من الزلل ألا حذر من الملل ألا تائب من الخطل ألا مجتهد في العمل ألا منتظر لقدوم الأجل ألا باك في الخلوات ألا هاجر للشهوات ألا تارك للعادات ألا ناظر لما هو آت ألا حاذر من الريب ألا فار من العيب ألا مسلم للغيب بلا عيب ألا مستذكر لما ستر عن الملا ألا ذاكر لما سبق له من سيده من الهدى ألا حذر من تحكم المنايا في الأعضا ألا راث لجسده من البلا ألا آسف على ما فات من أوقات المنى ألا زاهد في الأولى ألا ساع في طلب الأخرى ألا غيور على الصفا من الهوى ألا مناج لربه في حفظ عقد الولا ألا معتنق للتقوى ألا تارك أذكار الورى ألا مستهتر بذكر ربه ألا طالب لقربه ألا فهم عن ربه حكم ربه ألا ناظر في صحيفته ألا طالب دواء لعلته ألا معد زاداً لسفرته ألا طالب فضلاً لمعرفته ألا متعلق بأذيال أيمته ألا باك على غربته ألا منفرد بمعاملته ألا طالب سراجاً لظلمته ألا طالب أنساً لوحشته ألا طالب ضياء لحفرته ألا طالب أنساً لوحشته ألا طالب خليلاً لوحدته ألا عبد يلبس لربه لبسة الذليل ألا ذاكر لنزعه حين الرحيل ألا كاتم لضره والغليل ألا متذكر خشونة المقيل ألا باك على مضي أيامه وانقضاء مدته ألا محدث إلى ربه توبة من غفلته ألا مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ألا خائف من الدخول بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته(2/34)
ألا مجمع على طهارة زوجته ألا هارب من المعاصي راج لشفاعته ألا متزود من حياته لمنيته.
وكلام كثير وفيما ذكرناه فائدة.
ومات يوم النصف من ذي القعدة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ودفن بداره بشارع العنانيين فلم يزل هناك حتى نقل في يوم الخميس الحادي عشر من رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة فدفن بمقبرة إمامنا أحمد.
وقيل: إن أكفانه لم تكن بليت بعد.
وقال أبو الحسن البرداني: لما حضرت ابن سمعون الوفاة قال لهم: إني أدفن ثم أنبش فلما فرغ من غسله ظن الناس أنهم يحملونه إلى الجامع يصلون عليه فاجتمع الخلق في الجامع فصلوا عليه في باب الشام ودفنوه فمضى الخبر إلى أهل الجامع أنه قد دفن وكان متقدمهم أبو الفضل التميمي فقال: من دفنه? قوموا معي فقام والخلق معه حتى أتى الدار التي قد دفن فيها فنبشه وحمله إلى الجامع فصلي عليه ثم رده ودفنوه.
وكان يحضر مجلسه أبو حامد الإسفرائيني وأبو إسحاق بن شاقلا وأبو حفص البرمكي وعلق من كلامه وكان يملي كل يوم ثلاثاء فإذا فرغ من الإملاء صعد الكرسي وتكلم.
قال العشاري: سأله أبو حامد الإسفرائيني يوماً أن يجيز له شيئاً قد فاته فقال له: يا أبا حامد لو قنعنا بالإجازة ما سفرنا الأسفار البعيدة.
وقال أبو علي الغضائري: سئل ابن سمعون عن قوله تعالى والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه فقال مشتبه الأوراق مختلف المذاق هذا جلاء للظلام وهذا شفاء للسقام.
وكان يوماً جالساً على الكرسي يتكلم فعرق فرمى إليه بمروحة فأخذها وأنشأ يقول:
ما فيك من دفع كرب
لهائم القلب صب
فهبك روحت جسمي
فمن يروح قلبي(2/35)
وقال أبو طالب بن حمامة مات ابن سمعون يوم الخميس لأربع عشرة خلت من ذي القعدة سنة سع وثمانين وثلاثمائة ودفن يوم الجمعة وغسله أبو نصر صاحب ابن مرحب وأبو عبد الله بن حامد الفقيه الحنبلي وصلى عليه بباب داره صلى عليه الصلاة الأولة أخوه الحسن ثم صلى عليه أبو الفضل التميمي ودفن في بيت منها ثم هاج الناس وقيل: لم يصلي عليه في باب داره كما يفعل بأهل البدع وهو رجل إمام فأخرج من القبر بعد ما استقر فيه وحمل إلى الجامع وتبع الجنازة خلق عظيم وصلي عليه في الجامع صلى عليه أبو إسحاق الطبري المقري المعدل ثم رد إلى داره فدفن في ذلك الموضع.
وقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى: رأيت أبا الحسين بن سمعون حين دفن ورأيته حين أخرج وأكفانه كما هي جدد بحالتها ما تغيرت وكان إخراجه من داره الدفعة الثانية في سنة سبع وعشرين وأربعمائة ودفن بمقبرة أحمد وسمعه جماعة يقول إني أموت وأدفن ثم أخرج بعد دفني.
محمد بن الحسن بن قشيش أبو بكر السمسار
سمع إسماعيل الصفار وأبا عمرو بن السماك وأبا بكر النجاد وجعفر الخلدي.
وذكره ابن ثابت فقال: كان صدوقاً من أهل القرآن وينتحل في الفقه مذهب أحمد بن حنبل وحدثني عنه ابنه علي.
وسمعته يقول: توفي أبي في أول يوم من المحرم من سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
محمد بن سيما بن الفتح أبو بكر الحنبلي بغدادي
ذكره ابن ثابت فقال: سمع عبد الله بن إسحاق المدائني وعبد الله بن محمد البغوي ويحيى بن صاعد.(2/36)
أخبرنا الخطيب حدثنا أبو نعيم الحافظ حدثنا محمد بن الفتح الحنبلي حدثنا عبد الله البغوي حدثنا داود بن رشيد حدثنا محمد بن ربيعة حدثنا يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلمين مخرجاً فخلوا سبيلهم فإن الإمام أن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة" قال لنا الخطيب: وكان ابن سيما صدوقاً.
عمر بن إبراهيم بن عبد الله أبو حفص العكبري يعرف بابن المسلم
معرفته بالمذهب المعرفة العالية له التصانيف السائرة المقنع وشرح الخرقي والخلاف بين أحمد ومالك وغير ذلك من المصنفات.
سمع من أبي علي الصواف وأبي بكر النجاد وأبي محمد بن موسى وأبي عمرو بن السماك ودعلج.
رحل إلى الكوفة والبصرة وغيرهما من البلدان وسمع من شيوخهما وصحب من فقهاء الحنابلة عمر بن بدر المغازلي وأبا بكر عبد العزيز وأبا إسحاق بن شاقلا وأكثر ملازمة ابن بطة له الاختيارات في المسائل المشكلات.
منها أن كل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته فبأمر الله واحتج لذلك بما رواه بإسناده عن ابن بطة قال: أصاب الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال: "لا يسألني الله عن سنة أحدثتها فيكم لم يأمرني الله بها" وبقوله تعالى وما ينطق عن الهوى .
والذي اختاره الوالد السعيد وابن بطة أنه قال: كان يجوز لنبينا صلوات الله وسلامه عليه الاجتهاد فيما يتعلق بأمر الشرع.
فالدليل لهما وأنه قد كان بغير وحي وأنها كانت بآرائه واختياره أنه قد عوتب على بعضها ولو أمر بها لما عوتب عليها.(2/37)
ومن ذلك حكمه في أسارى بدر وأخذه الفدية فنزل قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ومنه إذنه في غزوة تبوك للمتخلفين بالعذر حتى يختلف من لا عذر له فأنزل الله عز وجل عفا الله عنك لم أذنت لهم ومنه قوله تعالى وشاورهم في الأمر ولو كان وحياً لم يشاور فيه.
وقال أبو حفص: سمعت أبا إسحاق بن شاقلا قال: لما جلست في جامع المنصور رويت عن أحمد أن رجلاً سأله فقال: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيهاً? قال: لا قال: فمائتي ألف? قال: لا قال: فثلاثمائة ألف? قال: لا قال: فأربعمائة ألف حديث? قال: فقال بيده هكذا وحرك يده فقال لي رجل: فأنت هو ذا تحفظ هذا المقدار حتى هو ذا تفتي الناس? فقلت عافاك الله إن كنت أنا لا أحفظ هذا المقدار فإني هو ذا أفتى بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.
وقال أبو حفص العكبري: المواضع التي يستحب إذا صلى الرجل ركعتين خففهما فأول ذلك ركعتا الفجر قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يخففهما حتى أقول هل قرأ فيهما بشيء من القرآن أم لا وركعتان يستفتح بهما الرجل صلاة الليل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين" وركعتا الطواف والركعتين عند الخطبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين خفيفتين" وركعتان تحية المسجد.
قال أبو حفص العكبري: سألني سائل عن رجل حلف بالطلاق الثلاث أن معاوية رحمه الله في الجنة فأجبته إن زوجته لم تطلق فليقم على نكاحه وذكرت له أن أبا بكر محمد بن عسكر سئل عن هذه المسألة بعينها فأجاب بهذا الجواب.
قال: وسئل شيخنا ابن بطة عن هذه المسألة بحضرتي فأظنه ذكر جواب محمد بن عسكر فيها.(2/38)
وسمعت الشيخ ابن بطة يقول: سمعت أبا بكر بن أيوب يقول: سمعت إبراهيم الحربي وسئل عن هذه المسألة فقال: لم تطلق زوجته فليقم على نكاحه قال: والدليل على ذلك ما روى العرباض بن سارية أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية بن أبي سفيان: "اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب" فالنبي مجاب الدعاء فإذا وقى العذاب فهو من أهل الجنة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: "ما تزوجت ولا زوجت إلا من أهل الجنة" وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم وبين أيدينا رطب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ويلقمنا فقلت: يا رسول الله تأكل وتلقمنا فقال: نعم هكذا نفعل في الجنة يلقم بعضنا بعضاً.
وروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: يا أهل الكوفة إن في رقبتي عهداً أريد أن أخرجه من رقبتي إلى رقابكم ألا إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم قال: والله ما قلت ذلك من تلقاء نفسي ثم قال: يا أهل الكوفة إن في رقبتي شيئاً أريد أن أخرجه من رقبتي وأجعله في رقابكم اعلموا أني كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده معاوية فنزل عليه الوحي فأخذ القلم من يدي فوضعه في يد معاوية فو الله ما وجدت من ذلك في نفسي لأني علمت أن الله أمره بذلك ألا إن المسلم من سلم من قصتي وقصته.
وسئل ابن عباس عن معاوية فقال: معاوية عندي مثل موسى بن عمران عليه السلام قال الله عز وجل في موسى استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ونزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا محمد إن الله عز وجل يأمرك أن تستكتب معاوية إن خير من استكتبت القوي الأمين.
وقال أبو حفص: سمعت عبد العزيز غلام الخلال يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كلمة السوء تطأطأ لها تجوز.(2/39)
وقال أبو حفص: سمعت عبد العزيز غلام الخلال يقول: سمعت أبا بكر بن مليح يقول بلغني عن أحمد رحمه الله أنه قال: إذا أراد الرجل أن يزوج رجلاً فأراد أن تجتمع له الدنيا والدين فليبدأ فيسأل عن الدنيا فإن حمدت سأل عن الدين فإن حمد فقد اجتمعا فإن لم يحمد كان فيه رد الدنيا من أجل الدين ولا يبدأ فيسأل عن الدين فإن حمد سأل عن الدنيا فإن لم يحمد كان فيه رد الدين لأجل الدنيا.
ومات أبو حفص في جمادى الآخرة في يوم خميس ضحوة لثمان خلون منه سنة سبع وثمانين وثلاثمائة هكذا نقلته من خط علي ابن أخي نصر.
قال: وجدت على ظهر كتاب محاسبة النفس والجوارح تصنيف أبي حفص العكبري بخط ابنه الحسين بن عمر يقول: مات والدي أبو حفص عمر بن المسلم رحمه الله: يوم الخميس لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
أبو الحسين محمد بن عبد الله بن هارون بن أخي ميمى
سمع من خلق كثير منهم أبو القاسم البغوي وكان رفيق جد الوالد السعيد في السماع من المشايخ.
وتوفي يوم الجمعة ودفن فيه لليلتين بقيتا من شعبان سنة سبعين وثلاثمائة ودفن عند أحمد بن حنبل بالقرب من قبر أبي بكر النجاد ذكره ابن الأبنوسي المحدث المتقدم.
أبو الطيب عثمان بن عمرو بن المنتاب إمام جامع المدينة
توفي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة في ربيع الآخر ودفن عن يسار أحمد بن حنبل.
محمد بن إسحاق بن محمد أبو عبد الله بن منده الأصبهاني
سمع عم أبيه عبد الرحمن بن يحيى بن منده الأصبهاني بأصبهان وأبا العباس الأصم بنيسابور والهيثم بن كليب الشاشي ببخارى وخيثمة بن سليمان بإطرابلس وأبا سعيد بن الأعرابي بمكة وحمزة الكتاني بمصر وابن حذلم بدمشق.
وبلغني عنه أنه قال: كتبت عن ألف شيخ وسبعمائة شيخ.
وقال: طفت الشرق والغرب مرتين فلم أتقرب إلى كل مذبذب ولم أسمع من المبتدعين حديثاً واحداً.
ومولده سنة عشر وثلاثمائة.
وموته سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.(2/40)
وآخر من مات ممن سمع منه ولده عبد الوهاب وتوفي عبد الوهاب سنة نيف وسبعين وأربعمائة وولده أبو زكريا يحيى الذي قدم علينا.
أبو الحسن الجزري البغدادي: كان له قدم في المناظرة ومعرفة الأصول والفروع
صحب جماعة من شيوخنا وتخصص بصحبة أبي علي النجاد وكانت له حلقة بجامع القصر وأحد تلامذته: أبو طاهر بن الغباري.
ومن جملة اختياراته أنه لا مجاز في القرآن وأنه يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنة بالقياس وأن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر وأن المني نجس وغير ذلك.
أحمد بن عثمان بن علان بن الحسن الكبشي ويعرف بابن شكاثا أبو بكر الحنبلي
صحب جماعة من شيوخنا أبو إسحاق بن شاقلا وأبو عبد الله بن بطة وأبو حفص البرمكي وغيرهم.
عبد العزيز بن أحمد بن يعقوب أبو القاسم الحربي الواعظ الحنبلي ويعرف بغلام الزجاج
حدث عن محمد بن الحسين الآجري المقيم كان بمكة.
وذكره الخطيب في تاريخه فقال: حدثنا عنه أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه وأبو محمد الخلال وذكر لي أبو طالب إنه سمع منه في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
قال: وسألت عنه الخلال فقال كان أمياً لا يكتب وكان قد جالس أهل العلم ولقي الشيوخ فحفظ عنهم.
أحمد بن محمد بن الحسن أبو الفتح الفقيه الحنبلي يعرف بابن أخي حبيب
حدث عن أبي علي بن الصواف هكذا ذكره الخطيب وقال حدثني عنه عبد العزيز الأزجي
إبراهيم بن الحسين أبو إسحاق البناء الحنبلي
هكذا ذكره الخطيب فقال: حدث عن محمد بن إسحاق المقري المعروف بساموح حدثني عنه عبد العزيز الأزجي.
أحمد بن عبد الله بن الخضر بن مسرور أبو الحسين المعدل المعروف بابن السوسنجردي البغدادي :
سمع محمد بن عمرو الرزاز وأبا عمرو بن السماك وإسماعيل الخطبي وأبا بكر النجاد في آخرين.
وذكره الخطيب فقال: كتب الناس عنه بانتخاب محمد بن أبي الفوارس.
حدثني عنه عبد العزيز الأزجي وكان ثقة مأموناً ديناً مستوراً حسن الاعتقاد شديداً في السنة.(2/41)
وسمعت من يذكر عنه: أنه اجتاز يوماً في سوق الكرخ فسمع سب بعض الصحابة فجعل على نفسه أن لا يمشي قط في الكرخ.
وكان يسكن باب الشام: فلم يعبر قنطرة الصراة حتى مات.
وحدثني الحسن بن محمد الخلال وعبد العزيز بن علي الوراق: أن ابن السوسنجردي مات في رجب سنة اثنتين وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب .
ومولده: في جمادى الآخرة من سنة خمس وعشرين وثلاثمائة .
قال: وحدثني علي بن الحسين العكبري قال: سمعت عبد القادر بن محمد بن يوسف يقول: رأيت أبا الحسن الحمامي في المنام فقلت له: ما فعل الله بك? فقال: أنا في الجنة قلت: وأبي قال: وأبوك معنا فقلت: وجدنا? يعني أبا الحسين بن السوسنجردي فقال: في الحظيرة قلت: حظيرة القدس? قال: نعم أو كما قال .
قلت أنا: وكان قد صحب ابن بطة وأبا حفص البرمكي .
عثمان بن عيسى أبو عمرو الباقلاني :
كان أحد الزهاد المتعبدين منقطعاً عن الخلق ملازماً للخلوة وكان يقول: إذا كان وقت غروب الشمس أحسست بروحي كأنها تخرج يعني لاشتغاله في تلك الساعة بالإفطار عن الذكر .
حدثنا عنه محمد بن علي بن المهتدي بالله قال: أخبرنا عثمان بن عيسى الزاهد المعروف بالباقلاني قال: حدثني الحسين بن أبي النجم قال: حدثني لؤلؤ بن عبد الله قال: حدثني محمد بن سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري حدثنا معاذ بن عيسى عن الحكم بن أبي فروة القسملي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا جاء ملك الموت إلى ولي الله سلم عليه وسلامه عليه أن يقول: السلام عليك يا ولي الله قم فاخرج من دارك التي خربتها إلى دارك التي عمرتها.وإذا لم يكن ولياً لله قال له: قم فاخرج من دارك التي عمرتها إلى دارك التي خربتها".(2/42)
حدثنا محمد قال: أخبرنا عثمان بن أبي النجم حدثنا أبو مزاحم حدثني محمد بن عمرو بن مكرم قال: حدثنا محمد بن زنبور حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل عن أبيه عن عرفجة وعاصم عن زر عن عبد الله قال:"من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر يؤتى من عند رأسه فتقول: لا تستطيعونه كان والله يقوم كل ليلة بي فليس لكم إليه سبيل ثم قال: كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها المانعة وإنها في كتاب الله نور من قرأها كل ليلة فقد أكثر وأطيب".
حدثنا محمد قال: أخبرنا عثمان قال: حدثنا ابن أبي النجم حدثني يحيى بن حبيب العطار قال: بلغني أن رجلاً من العلماء قال: كتبت أربعمائة حديث فما انتفعت منها إلا بأربعة أحاديث وما انتفعت من الأربعة أحاديث إلا بأربع كلمات .
فأول كلمة:"اعمل لله على قدر حاجتك إليه".
والكلمة الثانية:"واعمل للآخرة على قدر إقامتك فيها".
والكلمة الثالثة: "واعمل للدنيا بقدر القوت".
والكلمة الرابعة: "واعص ربك على قدر جلدك على النار" ومات في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعمائة ودفن بمقبرة الجامع .
وقال ابن جدا: سمعت عرسا الخباز يقول لما دفن عثمان الباقلاني رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره فقلت له: كيف فرحكم بجوار عثمان? فقال: وأين عثمان? لما جيء به سمعنا قائلاً يقول: الفردوس الفردوس أو كما قال .
الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي :
إمام الحنبلية في زمانه ومدرسهم ومفتيهم له المصنفات في العلوم المختلفات له الجامع في المذهب نحواً من أربعمائة جزء وله شرح الخرقي وشرح أصول الدين وأصول الفقه .
سمع أبا بكر بن مالك وأبا بكر بن الشافعي وأبا بكر النجاد وأبا علي بن الصواف وأحمد بن سالم الختلي في آخرين .(2/43)
قرأت في بعض تصانيفه قال: اعلم أن الذي يشتمل عليه كتابنا هذا من الكتب والروايات المأخوذة من حيث نقل الحديث والسماع منها: كتاب الأثرم وصالح وعبد الله وابن منصور وابن إبراهيم وأبو داود والميموني والمروذي والحارث وأبو طالب وحنبل وعبد الله بن سعيد ومهنا وأبو النضر وأبو الصقر ويعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانىء ومحمد بن علي وجعفر بن محمد النسائي وعبد الكريم بن الهيثم القطان وأحمد بن القاسم وزكريا بن الفرج ومحمد بن الحكم وابنه بكر وحرب الكرماني ويوسف بن موسى وأحمد بن أصرم المري ومحمد بن يحيى الكحال وابن مشيش وأبو زرعة ومسلم بن الحجاج والمشكاني وإبراهيم الحربي وأحمد بن هشام وكتاب الخرقي .
فأما كتاب الخرقي: فقرأته على أحمد بن سالم الختلي قال: حدثنا أبو حفص عمر الشرابي قال: حدثنا الأثرم عن أبي عبد الله .
وعبد العزيز بن جعفر عن أحمد بن محمد بن خلف القاضي عن الأثرم عنه .
وأما عبد الله: فأخبرنا ابن مالك وابن الصواف في الإجازة عنه .
وأخبرنا ابن جعفر عن محمد بن عبد الله بن العباس السواق عن عبد الله.
وأما صالح: فعن عبد العزيز عن أبي المغيرة الجوهري عن صالح.
وأما ابن منصور: فأخبرنا ابن سالم قال: حدثنا الطيالسي عن ابن منصور عنه.
وأما عبد العزيز أيضاً: فعن الطيالسي عنه.
وأما أبو داود: فأخبرناه ابن حيوية الخزاز عن ابن مخلد عنه وعبد العزيز ابن جعفر عن القنطري عن أبي داود عنه.
وأما أبو الحارث: فعن عبد العزيز قال: حدثنا الخلال عن الراشدي عن أبي الحارث عنه.
وأما الميموني: فأخبرناه ابن حيوية الخزاز عن المدائني عن الميموني عنه.
وعبد العزيز بن جعفر عن الخلال والمدائني عنه.
وأما إسحاق بن إبراهيم: فأخبرناه عبد العزيز بن جعفر القافلائي عن إسحاق عنه.
وأما المروزي: فقرأته على أحمد بن سالم قال حدثنا ابن عبد الخالق عن المروزي عنه.
وأخبرنا عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا أحمد بن القسم عن المروزي عنه.(2/44)
وأما حنبل: فأخبرني بالبعض منها العباس بن العباس بن المغيرة قال: حدثني العباس بن المغيرة قال: حدثنا حنبل وعبد العزيز بن جعفر عن عبد الله بن أحمد بن عتاب وحمزة بن القاسم الهاشمي عن حنبل عنه.
وأما مهنا: فأخبرنا عبد العزيز بن جعفر عن الخلال وأحمد بن محمد بن علي عن مهنا عنه.
وأما علي بن سعيد: فأخبرناه أبو إسحاق المزكي قال: حدثنا زنجويه عن محمد عن علي بن سعيد عنه.
وأخبرنا عبد العزيز بن جعفر عن الخلال عن منصور بن الوليد عن علي بن سعيد عنه.
وأما أبو الصقر: فعن عبد العزيز بن جعفر عن الخلال عن محمد بن أبي هارون عن أبي الصقر عنه.
وأما يعقوب بن بختان وإبراهيم بن هانىء ومحمد بن علي فأخبرناه عبد العزيز بن جعفر عن الخلال قال: حدثنا الحسن بن عبد الوهاب عن محمد بن هارون عنهم.
وأما جعفر بن محمد النسائي: فأخبرناه ابن حزام عن النجاد عن الفلاس عن النسائي عنه.
وأخبرنا عبد العزيز بن جعفر قال: حدثنا الخلال عن منصور بن الوليد عن النسائي عنه.
وأما عبد الكريم بن الهيثم فأخبرناه عبد العزيز قال: حدثنا الخلال قال: حدثنا أبو بكر القنطري عن عبد الكريم بن الهيثم عنه.
وأما أحمد بن القاسم: فأخبرناه عبد العزيز قال: حدثنا الخلال حدثنا زكريا ابن الفرج عن أحمد بن القاسم عنه.
وأما محمد بن الحكم: فأخبرناه عبد العزيز قال: حدثنا الخلال عن عبد الله بن أحمد عن بكر بن محمد عن أبيه عن محمد بن الحكم عنه.
وأما حرب الكرماني: فأخبرناه عبد العزيز عن الخلال عن حرب عنه.
وأما يوسف بن موسى وأحمد بن أصرم ومحمد بن يحيى الكحال: فأخبرناه عبد العزيز بن جعفر عن الخلال عنهم.
وأما أبو طالب: فأخبرناه عبد العزيز بن جعفر عن محمد بن علي عن أبي يحيى الناقد عن أبي طالب عنه.
وأما ابن مشيش: فأخبرناه ابن بطة قال: حدثنا أبو علي الحسن بن الهيثم بن الخلال بن ثوبة عن أبي جعفر محمد بن موسى بن مشيش عنه.(2/45)
وأما رواية مسلم بن الحجاج: فأخبرناه أبو إسحاق المزكي قال: حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان بن محمد بن بكر عن مسلم بن الحجاج عنه.
وأما أبو زرعة الرازي: فأخبرنا أبو عبد الله بن بطة قال: حدثنا ابن أبي العقب عن أبي زرعة عنه.
وأما المشكاني: فأخبرناه ابن بطة قال: حدثنا أبو حفص عمر بن محمد قال: حدثنا علي بن الحسن الشهرزوري قال: حدثنا أبو يحيى الناقد عن المشكاني عنه.
وأما إبراهيم الحربي: فأخبرناه أبو عبد الله قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أيوب بن المعافى عن إبراهيم الحربي عنه.
وأما أحمد بن هشام: فأخبرناه الحسن بن علي بن الحسن المعروف بابن الصفار قال: حدثنا أبو الحسن بن إسحاق قال: حدثني عمي إبراهيم بن أحمد بن هشام عنه.
وأما كتاب الخرقي: فأخبرناه أبو بكر الحسن بن يحيى بن قيس المقرىء عنه.
قال أبو عبد الله بن حامد: اعلم عصمنا الله وإياك من كل زلل أن الناقلين عن أبي عبد الله رضي الله عنه ممن سميناهم وغيرهم أثبات فيما نقلوه وأمناء فيما دونوه وواجب تقبل كل ما نقلوه وإعطاء كل رواية حظها على موجبها ولا تعل رواية وإن انفردت ولا تنفي عنه وإن عزبت ولا ينسب إليه في مسألة رجوع إلا ما وجد ذلك عنه نصاً بالصريح: وإن نقل كنت أقول به وتركناه وإن عرى عن حد الصريح في الترك والرجوع: أقر على موجبه واعتبر حال الدليل فيه لاعتقاده بمثابة ما اشتهر من روايته.
وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يلين القول في كتاب إسحاق ابن منصور ويقول إنه يقال إن أبا عبد الله رجع عنه وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحداً من أصحابنا قال بما ذكره ولا أشار إليه.(2/46)
وكتاب ابن منصور أصل بداية حاله تطابق نهاية شأنه إذ هو في بدايته سؤالات محفوظة ونهايته أنه عرض على أبي عبد الله فاضطرب لأنه لم يكن يقدر أنه لما يسأله عنه مدون فما أنكر عليه من ذلك حرفاً ولا رد عليه من جواباته جواباً بل أقر على ما نقله أو وصف ما رسمه واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه فاتخذه الناس أصلاً إلى آخر أوانه.
واختلف أصحابه في كتبه: أيقال: فيها قديم لا حكم له?.
فقال الخلال في كتاب العقيقة إن ما رواه مهنا قال: سألت أبا عبد الله عن رجل يختن ابنه لسبعة أيام فكرهه وقال هذا فعل اليهود وقال لي أحمد بن حنبل: كان الحسن يكره أن يختن الرجل ابنه لسبعة أيام إن ذلك قديم والعمل على ما رواه حنبل وغيره.
ولفظ حنبل أن أبا عبد الله قال: إن ختن يوم السابع فلا بأس وإنما كرهه الحسن لئلا يتشبه باليهود وليس في هذا شيء.
وقال عبد العزيز بن جعفر في مسألتين إحداهما: من كتاب ابن منصور والأخرى: في كتاب المروذي ما يطابق ما قاله الخلال.
فقال عبد العزيز في الإيمان في الحدود: وما رواه ابن منصور قديم والعمل على ما رواه حرب وصالح لا يمين في شيء من الحدود وأن ما رواه المروذي في القائل يا لوطي إنه يسأل عما أراد فإن قال: أردت أنك من قوم لوط لا حد قول قديم والعمل على ما رواه مهنا وغيره أن عليه الحد.
وهذا القول متميز أن يكون كتاب الكوسج ومسائله وكتاب مهنا ومسائله وكتاب المروذي وما جاء به تترك لأنها قديمة هذا عندي لا ينبغي أن يعول عليه وإثباتها قديماً وجديداً إلا أن يكون من حيث الاستدلال لضعف مسألة في كتاب عند طائفة لعلها قوية عند غيرها ومع ذلك فما قدم وحدث في هذا الباب سواء إذ لا مزية لما حدث على ما قدم إلا بمقارنة صريح فيترك له ما كان من قبله قديماً ومهما لم يوجد ذلك بطل أن يكون القديم دون الجديد.(2/47)
وليست جوابات إمامنا في الأزمنة والأعصار إلا بمثابة ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الآثار لا يسقط نهايتها موجبات بدايتها إلا بأمر صريح بالنسخ أو التخفيف فإذا عدم ذلك كان على موجبات دعايته فكذلك في جواباته إذ العلماء قد أنكروا على أصحاب الشافعي من حيث الجديد والعتيق وأنه إذا ثبت القول فلا يرد إلا باليقين فكذلك في جوابات إمامنا ورأيت طائفة من أصحابنا في مسائل الفروع والأصول يسلكون الوقف وأنه لا يفتي بشيء إلا ما سبق به وإلا وجب السكوت في ذلك.
وطائفة ثانية فصلت فقالت: ما كان من الأصول فإنه لا يجيب في شيء إلا ما كان القول من الأئمة فيه سابقاً وعملوا فيه على ما نقله أبو طالب عن أبي عبد الله في الإيمان أن من قال مخلوق فهو جهمي ومن قال أنه غير مخلوق فقد ابتدع وأنه يهجر حتى يرجع أن ذلك وعيد على مخالفة أمر لا يسع الجواب فيهما.
وإن كان من الفروع في الفقه فإنه يسع الجواب وإن كان به منفرداً.
والأشبه عندي: أن سائر الفقه والأصول سواء وأن له إيقاع الجواب عند الاضطرار ونزول الحادثة أن يجتهد فيما يوجبه الدليل ويفتي بذلك وإن كان بالقول منفرداً كما أن إمامنا صار في الأصول إلى ظاهر التنزيل.
وقد بين إمامنا أحمد في القرآن أنه لا يشك ولا يقف وأن القائلين بالحكاية والمحكي واللفظ والملفوظ والتلاوة والمتلو: زنادقة.
ويكفي أبا عبد الله بن حامد فخراً: أن الوالد السعيد صاحبه ونشر الله العظيم تصانيفه وتلامذته في البلاد وانتفع به الخلق الكثير من العباد.
وكان من أصحابه أيضاً أبو إسحاق وأبو العباس البرمكيان وأبو طاهر بن القطان وأبو عبد الله بن الفقاعي وأبو القاسم المروقي وأبو القاسم طالب بن العشاري وأبو بكر بن الخياط.
وله المقام المشهود في الأيام القادرية رضوان الله عليهما.(2/48)
وقد ناطر أبا حامد الإسفرائيني في وجوب الصيام ليلة الغمام في دار الإمام القادر بالله بحيث يسمع الخليفة الكلام فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين فردها مع حاجته إلى بعضها فضلاً عن جميعها تعففاً وتنزهاً.
وبلغني أنه كان يبتدأ مجلسه بإقراء القرآن ثم بالتدريس ثم ينسخ بيده ويقتات من أجرته فسمي ابن حامد الوراق.
وبلغني أنه كان في كثير من أوقاته إذا اشتهت نفسه الباقلاء لم يأكل معه دهناً وإذا كان دهن لم يجمع بينه وبين الباقلاء.
وكان كثير الحج فعوتب في كثرة سفره وحجه مع كبر سنه فقال: لعل الدرهم الزيف يخرج مع الدراهم الجيدة.
قال أبو بكر بن الخياط: سألت أبا عبد الله بن حامد إمام الحنبلية في وقته عند خروجه إلى الحج في سنة اثنتين وأربعمائة فقلت: على من ندرس وإلى من نجلس فقال: إلى هذا الفتى وأشار إلى القاضي الإمام أبي يعلى.
وحكى أن إنساناً من الحاج جاءه بقليل ماء وهو مستند إلى حجر وقد أشرف على التلف فأومأ إلى الجائي له بالماء من أين هو وأي شيء وجهه فقال له: هذا وقته? فأومأ أن نعم هذا وقته عند لقاء الله تعالى: أحتاج إلى أن أدري ما وجهه? أو كما قال.
وتوفي راجعاً من مكة بقرب واقصة سنة ثلاث وأربعمائة.
الحسين بن أحمد بن جعفر أبو عبد الله المعروف بابن البغدادي الزاهد الورع
سمع عبد الله بن إسحاق البغوي وطبقته.
سمع منه الوالد السعيد وخرج عنه في مصنفاته.
وذكره الخطيب فقال: كان صدوقاً وديناً عابداً زاهداً ورعاً.
قال: وسمعت بعض الشيوخ الصالحين يقول: كان أبو عبد الله بن البغدادي لا يزال يخرج علينا وقد انشق رأسه وانتفخت جبهته فقيل له: وكيف ذاك قال: كان لا ينام إلا عن غلبة ولم يكن يخلو أن يكون بين يديه محبرة أو قدح أو شيء من الأشياء موضوعاً فإذا غلبه النوم سقط على ما يكون بين يديه فيؤثر في وجهه أثراً.(2/49)
قال: وكان لا يدخل الحمام ولا يحلق رأسه لكن يقص شعره إذا طال بالجلم وكان يغسل ثيابه بالماء حسب من غير صابون وكان يأكل خبز الشعير فقيل له في ذلك فقال الشعير والحنطة عندي سواء.
قال: وحدثني أبو محمد الخلال قال: مات أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر البغدادي يوم الثلاثاء الثالث عشر من شعبان سنة أربع وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب.
أنبأنا الوالد السعيد قال: قرأ على أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن جعفر البغدادي وأنا أسمع في سنة ثلاث وأربعمائة قال: قرأ على أحمد بن جعفر وأنا حاضر عنده حدثكم عبد الله هو ابن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض? فإنه لم يغض ما في يمينه. قال: وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض".
أحمد بن سعيد أبو العباس الشامي يعرف بالشيحي
سكن بغداد وحدث بها عن عبد المنعم بن غلبون المقريء وله كتب مصنفة في الزوال وعلم مواقيت الصلاة وغير ذلك.
وذكره ابن ثابت فقال: حدثنا عنه محمد بن علي بن الفتح الحربي وكان ثقة صالحاً ديناً حسن المذهب وشهد عند القضاة وعدل ثم ترك الشهادة تزهداً.
ومات في ذي القعدة من سنة ست وأربعمائة ودفن بباب حرب.
وصاحب جماعة من شيوخنا وأكثر مصاحبة عمر البرمكي.
عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد أبو الفضل التميمي
كان قد عني بعلوم وأملى الحديث بجامع المنصور بانتقاء أبي الفتح بن أبي الفوارس.
حدث عن أبي بكر النجاد وأحمد بن كامل في آخرين وكانت له حلقة في جامع المدينة للوعظ والفتوى.
وخرج إلى خراسان في الأيام القادرية وكانت بينه وبين أبي حامد الإسفرائيني مفارقة ولم يظفر به.(2/50)
وتوفي يوم الاثنين غرة ذي الحجة سنة عشر وأربعمائة ودفن في يومه وصلى عليه أخوه عبد الوهاب ودفن بين قبر إمامنا أحمد وقبر أبيه.
أحمد بن موسى بن عبد الله بن إسحاق أبو بكر الزاهد المعروف بالروشناني
من أهل مصراثا وهي قرية تحت كلوذاي.
سمع أبا بكر بن مالك القطيعي وأبا محمد بن ماسي وأحمد بن محمد بن المفيد.
قال الخطيب: كتبت عنه في قريته ونعم العبد كان فضلاً وديانة وصلاحاً وعبادة وكان له بيت إلى جنب مسجده يدخله ويغلقه على نفسه ويشتغل فيه بالعبادة ولا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة.
قال: وكان شيخنا أبو الحسين بن بشران يزوره في الأحيان ويقيم عنده العدد من الأيام متبركاً برؤيته ومستروحاً إلى مشاهدته.
قلت أنا: صحب ابن بطة وابن حامد وغيرهما من شيوخ مذهبنا ورأيت مصنفاً له بخط أبي القاسم الأزجي ترجمته المختصر في أصول الدين من كتاب أبي عبد الله بن حامد اختصار أبي بكر الروشناني قال بعد تحميده وصلاته على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وآله: اختصرت هذا الكتاب من كتاب أبي عبد الله الحسن بن حامد الفقيه الحنبلي نضر الله وجهه في أصول الدين وشرح مذاهب المسلمين من أهل السنة المرضيين من المتقدمين والمتأخرين ذكرت فيه أقوال المخالفين لتعرف المحقين من المبطلين على أصول إمام المسلمين في عصره ومن بعده إلى يوم الدين الإمام أبي عبد الله أحمد ابن محمد بن حنبل الشيباني في العراقيين ومن وافقه على ذلك من أئمة المسلمين.
وتوفي بمصراثا في ليلة السبت التاسع والعشرين من رجب سنة إحدى وأربعمائة وخرج الناس من بغداد حتى حضروا الصلاة عليه وكان الجمع عليه كثيراً ودفن في قريته رضي الله عنه.
أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث التميمي المعلم
إمام مسجد بن زغبان.
حدث عن ابن السماك والنقاش.
مات سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.(2/51)
قرأت بخط أبي عبد الله البرداني: سمعت شيخنا أبا يعلى يعني الوالد السعيد يقول: قال لي أبو عبد الله التميمي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وكأني في طاقات باب البصرة فقلت: يا رسول الله ألست بالمدينة? قال: بلى فقلت: من أين جئت? فقال: من عند أحمد رضي الله عنه.
قال البرداني: وسمعت شيخنا يعني الوالد السعيد يترحم عليه ويثني عليه.
الخضر بن تميم بن مزاحم أبو القاسم التميمي الحنبلي
هكذا ذكره ابن ثابت فقال: لقيناه في مجلس أحمد بن الباد وروى لنا حديثاً من لفظه وكان ضريراً.
وتوفي في ذي الحجة من سنة خمس عشرة وأربعمائة.
الحسين بن أحمد بن السلال أبو عبد الله المؤدب الحنبلي
كان يسكن في شهار سرج الفرس عند دار أبي الحسين بن سمعون بشارع العتابيين.
قال ابن ثابت: وحدث عن عبد الله بن قانع.
سمع منه أبو الفضل محمد بن عبد العزيز بن المهدي وقال: مات في شوال من سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
أبو الحسن على بن يوسف بن الزهبية
الزاهد الورع. توفي في يوم الجمة لست بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
الطبقة الرابعة
عبد السلام بن الفرج أبو القسم المزرفي صاحب ابن حامد
له تصانيف في المذهب وكان له حلقة بجامع المدينة.
وتوفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
محمد بن هرمز أبو الحسين القاضي العكبري
كانت له رياسة وجلالة وتوفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة.
الحسين بن موسى أبو عبد الله المعروف بابن الفقاعي
صاحب فتوى ونظر وكانت حلقته بجامع المدينة وله تصانيف في الأصول والفروع وتزوج ببنت شيخه ابن حامد.
وتوفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة.
أحمد بن إبراهيم القطان أبو طاهر :
صاحب التعليق والتحقيق والفرائض والأصول وهو أحد أصحاب ابن حامد.
وتوفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة.
عبد الوهاب بن عبد العزيز أبو الفرج التميمي :
جلس بعد موت أخيه أبي الفضل للفتوى والوعظ.(2/52)
توفي عشية الاثنين ودفن يوم الثلاثاء الخامس من شهر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وأربعمائة ودفن إلى جنب أبيه أبي الحسن فصار أبو الحسن بين ابنيه وصلى عليه ولده أبو محمد.
محمد بن أحمد بن أبي موسى أبو علي الهاشمي القاضي :
عالي القدر سامي الذكر له القدم العالي والحظ الوافي عند الإمامين القادر بالله والقائم بأمر الله سمع الحديث من جماعة منهم أبو محمد بن مظفر في آخرين.
صنف الإرشاد في المذهب وشاهدت أجزاء بخطه من شرحه لكتاب الخرقي وكانت حلقته بجامع المنصور يفتي ويشهد.
وصحب لأبي الحسن التميمي وغيره من شيوخ المذهب.
قرأت على المبارك بن عبد الجبار من أصله في حلقتنا بجامع المنصور قلت له: حدثك القاضي الشريف أبو علي قال: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات.
حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان: أن الله تعالى واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وأنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير علي كبير ولي نصير قوي مجير ليس له شبيه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير سبق الأشياء فهو قديم لا كقدمها وعلم كون وجودها في نهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكيفه ولم تدركه الأبصار فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأبين ولم يقدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أراد ما الخلق فاعلوه ولو عصمهم لما خالفوه ولو أراد أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا سمي له في أرضه وسماواته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء.(2/53)
كذلك سئل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن قوله عز وجل ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا فقال: علمه.
والقرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته غير مخلوق ولا محدث كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي أسماع السامعين وأكف الكاتبين وملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزه باهر.
وأن الله عز وجل كلم موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً هشيماً وأنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها.
والإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن مع كل عبد رقيباً وعتيداً وحفيظاً وشهيداً يكتبان حسناته ويحصيان سيئاته وأن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته.
وأن منكراً ونكيراً إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الأديان وأن المؤمن يخبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب بالعذاب الأليم وأنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور.
وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الله جل اسمه يعيد خلقهم كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفائح القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور.
وأن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وانه يخرج أقواماً من النار فيسكنهم الجنة دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار.
وأن الميزان حق توضع فيه أعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من النار ومن خفت موازينه أدخل جهنم وبئس القرار.
وأن الصراط حق يجوزه الأبرار وأن حوص رسول الله صلى الله عليه وسلم حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفار.
وأن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان وإخلاص بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.(2/54)
وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأمته خير الأمم أجمعين وأفضلهم القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وأفضل القرن الذي صحبوه أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر إذ نصروه وأفضلهم أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام وأفضل القرون القرن الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم.
وأن نتولى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأسرهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحسن الذكر لهم.
وأن نتولى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على ما كان فيهم من علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم ولا ندخل فيما شجر بينهم إتباعاً لقول رب العالمين والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وذكر أبو علي بن شوكة قال: اجتمعنا جماعة من الفقهاء فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي فذكرنا له فقرنا وشدة ضرنا فقال لنا: اصبروا فإن الله سيرزقكم ويوسع عليكم وأحدثكم في مثل هذا بما تطيب به قلوبكم: أذكر سنة من السنين وقد ضاق بي الأمر شيء عظيم حتى بعت رجل داري ونفد جميعه ونقضت الطبقة الوسطى من داري وبعت أخشابها وتقوت بثمنها وقعدت في البيت فلم أخرج وبقيت سنة فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة: الباب يدق فقلت لها افتحي الباب ففعلت فدخل رجل فسلم علي فلما رأى حالي لم يجلس حتى أنشدني وهو قائم:
ليس من شده تصيبك إلا سوف تمضي
وسوف تكشف كشفا
لا يضق ذرعك الرحيب فإن
النار يعلو لهيبها ثم تطفا
قد رأينا من كان أشفى على الهلا
ك فوافت نجاته حين أشفى(2/55)
ثم خرج عني ولم يقعد فتفاءلت بقوله فلم يخرج اليوم عني حتى جاءني رسول القادر بالله ومعه ثياب ودنانير وبغلة بمركب ثم قال لي: أجب أمير المؤمنين وسلم إلي الدنانير والثياب والبغلة فغيرت عن حالي ودخلت الحمام وصرت إلى القادر بالله فرد إلي قضاء الكوفة وأعمالها وأثرى حالي أو كما قال.
سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبي علي فرأيته يقبل رجل القبر فقلت له: في هذا أثر فقال لي: أحمد في نفسي شيء عظيم وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا أو كما قال.
وقال لي أيضاً: حضرته وهو في مرض موته فقال لي: اسمع مني الاعتقاد ولا تشك في عقلي فما رأيت الملكين بعد.
مولده في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.
ووفاته في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بقرب قبر إمامنا أحمد.
الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب أبو علي العكبري :
له الفقه والأدب والإقراء والحديث والشعر والفتيا الواسعة.
لازم أبا عبد الله بن بطة إلى حين وفاته.
ولد بعكبرا في المحرم سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وقيل سنة إحدى وثلاثين وسمع الحديث على كبر السن من أبي على بن الصواف وأحمد بن يوسف بن خلاد وأبي علي الطوماري في آخرين.
أخبرنا أحمد البغدادي قراءة قال: أخبرنا أبو علي بن شهاب الدين الحنبلي بعكبرا قال: أخبرنا يوسف حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضع الرجل رجليه إحداهما على الأخرى وهو متكىء.
وقال الخطيب: سمعت البرقاني وذكر بحضرته ابن شهاب فقال: ثقة أمين.
وقال ابن شهاب: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية وكنت أشتري كاغذاً بخمسة دراهم فأكتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله بمائة وخمسين درهم.(2/56)
قرأت بخط أبي القاسم قال: سمعت أبا الحسن الزاهد يقول: سمعت أبا علي ابن شهاب يقول: أقام أخي أبو الخطاب معي في الدار عشرين سنة ما كلمته وأشار إلى أنه ينسب إلى الرفض له المصنفات في الفقه والفرائض والنحو.
وتوفي في رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بعكبرا وزرت قبره.
وقال الأزهري: أخذ السلطان من تركة ابن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار وكان قد أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة فلم يعطوا شيئاً.
وقيل إنه صلى سبعين سنة التراويح.
وقد رثاه علي بن الفرج العكبري فقال:
يا عين ما فيض الدماء بعاب
فأبكي أربعة على ابن شهاب
علم من الأعلام غيب في الثرى
فثوى رهين جنادل وتراب
يا موت كم أسكنت في دار البلى
من سيد وغلبت من غلاب?
لهفي على من كان أفصح ناطق
وأجل معتمد لأخذ جواب
لو كان يدري القبر من في لحده
لرقى إلى العلياء في الأنساب
يا عكبراء لقد فجعت بسيد
جم المحاسن طاهر الأثواب
فلقد فقدت به مصابيح الدجى
من بين أشياخ وبين شباب
إن كان شخص أبي علي قد مضى
فحديثه باق على الأعقاب
ونقلت من خط الوالد السعيد رضي الله عنه أبياتاً لا بن شهاب لما عاون عرب طور سيناء على بناء البيعة بعكبرا:
أردتكم حصناً حصيناً لتدفعوا
نبال العدى عني فكنتم نصالها
فيا ليت إذ لم تحفظوا لي مودتي
وقفتم فكنتم لا عليها ولا لها
فيا سيف دين الله لا تنب عن هدى
ودولة آل هاشم وكمالها
أعيذك بالرحمن أن تنصر الهوى
فتلك لعمري عثرة لن تقالها
أفي حكم حق الشكر إنشاء بيعة الن
صارى لتتلو كفرها وضلالها
يشيد موذينا الدمشقي بيعة
بأرضك تبنيها له لينالها
وينفق فيها مال حران والرها
وتفتيحها قسراً وتسبي رجالها
وترغم أنف المسلمين بأسرهم
وتلزمهم شنآنها ووبالها
أبى ذاك ما تتلوه في كل سورة
فتعرف منها حرمها وحلالها
ويركب في أسواقنا متبختراً
بأعلاج روم قد أطالت سبالها
فخذ ماله واقتله واستصف حاله
بذا أمر الله الكريم وقالها(2/57)
ولا تسمعن قول الشهود فإنهم
طغاة بغاة يكذبون مقالها
ويوفون دنياهم بإتلاف دينهم
ليرضوك حتى يحفظا منك مالها
محمد بن أحمد بن محمد أبو طاهر الغباري :
له النبل والفضل صحب جماعة من شيوخنا وتخصص بصحبة أبي الحسن الجزري وكانت له حلقتان إحداهما بجامع المنصور والأخرى بجامع الخليفة.
وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وله ثمانون سنة.
القاضي الموقر الحنبلي :
كان رجلاً جليل القدر عالي الأمر ظاهر الصلاح يحضره شيوخ المذهب مثل ابن الفقاعي وابن الغباري وأبي طالب بن البقال.
وكان يقضي بين عسكر بغداد نحو أربعة آلاف غلام تمضي قضاياه بهم أبلغ من قضاة المقدم عليه وهو أبو عبد الله بن ماكولا لما كان له في نفوسهم من الدين ولا يبرم الأحكام بينهم إلا على مذهب إمامنا.
وتوفي في جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد.
محمد بن حامد المعروف بابن جبار الحنبلي :
وكان ينزل بإسكاف وله قدم في أنواع العلوم والآداب والفقه وكان يشار إليه بالصلاح والزهد.
هبة الله بن محمد بن أحمد أبو الغنائم بن الغباري :
أنقده والده أبو طاهر إلى الوالد السعيد فدرس عليه وأنجب وأفتى وناظر وجلس بعد موت أبيه في حلقته.
ومات سنة تسع وثلاثين وأربعمائة.
أحمد بن عبد الله بن سهل أبو طالب المعروف بابن البقال :
صاحب الفتيا والنظر والمعرفة والبيان والإفصاح واللسان.
وسمع أبا العباس عبد الله بن موسى الهاشمي وأبا بكر بن شاذان في آخرين ودرس الفقه على أبي عبد الله بن حامد وكانت له حلقة بجامع المنصور ومنزله بباب البصرة ومسجد بباب الطاقات.
له المقامات المشهودة بدار الخلافة.
من ذلك قوله بالديوان والوزير ابن صاحب النعمان الخلافة بيضة والحنبليون أحضانها ولئن انفقشت البيضة لتنفقشن عن مح فاسد الخلافة خيمة والحنبليون أطنابها ولئن سقطت الطنب لتهوين الخيمة وغير ذلك.(2/58)
وتوفي في شهر ربيع الأول سنة أربعين وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد.
أحمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو العباس البرمكي :
سمع أبا حفص بن شاهين وأبا القاسم بن حبابة.
قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقاً سألته عن مولده? فقال: في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
ومات في ليلة الخميس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد صحب أباه وقرأ على أبي عبد الله بن حامد.
إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو إسحاق البرمكي :
قيل: إن سلفه كانوا يسكنون قرية تسمى البرمكية فنسبوا إليها وكان ناسكاً زاهداً فقيهاً مفتياً قيماً بالفرائض وغيرها.
حدث عن أبي بكر بن بخيت وابن مالك القطيعي وابن ماسي في آخرين.
وله إجازة من أبي بكر عبد العزيز.
وصحب ابن بطة وابن حامد وعلق عنهما.
حدثني عنه جماعة منهم شيخنا الشريف أبو جعفر القاضي وأبو علي يعقوب ابن المبارك بن عبد الجبار واللفظ له قال: أخبرنا إبراهيم البرمكي قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز بن مردك قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: وذكر يوماً يعني عند أبيه رجل فقال: يا بني الفائز من فاز غداً ولم يكن لأحد عنده تبعة.
ولد في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلاثمائة وتوفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعين وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا وكانت له حلقة بجامع المنصور.
الحسين بن عثمان بن الحسين أبو عبد الله البرداني :
صاحب الوالد السعيد وكان له التحقيق وأنهى معظم التعليق وله المعرفة بالأدب وخرج إلى ميافارقين وجلس هناك مدرساً ومفتياً.
وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة.
عبد الوهاب بن حزور أبو بكر الوراق :
ذكره أبو محمد بعبد العزيز بن أحمد الكتاني الدمشقي في تصنيفه قال: ورد نعي أبي بكر عبد الوهاب بن حزور الوراق في شعبان سنة خمسين وأربعمائة من تنيس.(2/59)
حدث بشيء يسير عن تمام وأبي ياسر.
وجد له بلاغ وكان فيه خير.
كان يعطي أصحاب الحديث الورق وكان يذهب إلى مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين.
محمد بن علي بن الفتح بن محمد بن الفتح أبو طالب العشاري :
حدث عن جماعة منهم أبو بكر محمد بن يوسف العلاف وأبو بكر محمد بن أحمد بن محمى اللؤلؤي وأبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن غيلان السمسار والدارقطني والمخلص وابن أخي ميمى في جماعة سواهم.
حدثنا عنه جماعة منهم شيخنا أبو جعفر بن أبي موسى.
فقال: أخبرنا أبو طلب محمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن يوسف العلاف قال: حدثنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا هدبة بن خالد قال: حدثنا أبان بن يزيد قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن أبا قلابة حدثه أن ثابت بن الضحاك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على ملة غير ملة الإسلام كاذباً فهو كما قال وليس على رجل نذر فيما لا يملك".
وكان العشاري من الزهاد صحب أبا عبد الله بن بطة وأبا حفص البرمكي وأبا عبد الله بن حامد.
وحكى لي بعض أصحاب الحديث قال: قرىء كتاب الرؤيا للدارقطني على أبي طالب العشاري في جامع المنصور في حلقته فلما بلغ القارىء إلى حديث أم الطفيل وحديث ابن عباس قال القارىء وذكر الحديث فقال له ابن العشاري: أقرأ الحديث على وجهه فلهذين الحديثين رجال مثل هذه السواري.
وحكى أبو الحسين بن الطيوري قال: قال لي بعض أهل البادية: إذا قحطتنا استسقينا بابن العشاري فنسقى.
وذكر لي أيضاً قال: كنا نمشي في قراءة الحديث فيبقى من الجزء بقية فنحرص لنتمه فيقول: أنا لا أقوله لكم حتى تمسوا عندي علموا على الموضع بلسانه ما ليس في نفسه.(2/60)
وقال لي أيضاً: لما قدم عسكر طغرلبك لقي بعضهم لابن العشاري في يوم الجمعة فقال له: إيش معك يا شيخ? فقال: ما معي شيء ونسي أن في جيبه نفقة ثم ذكر فنادى بذلك القائل له وأخرج ما في جيبه وتركه بيده وقال: هذا معي فهابه ذلك الشخص وعظمه ولم يأخذه.
وله كرامات كثيرة.
مولده سنة ست وستين وثلاثمائة.
وموته يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد بجنب أبي عبد الله بن طاهر وكان كل واحد منهما زوج أخت الآخر.
أبو علي بن الحسين بن مبشر الكتاني الدمشقي المقرىء :
وذكر أبو محمد الكتاني الدمشقي: توفي أبو علي الحسين بن مبشر الكتاني المقرىء الدمشقي: عشية يوم الأحد الخامس عشر من ذي القعدة ودفن يوم الاثنين وقت الظهر سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وكان في عشر التسعين وأقام خمسين سنة يقرأ في الجامع.
وحدث بكتاب المعاني لابن النحاس وبالناسخ والمنسوخ له أيضاً وحدث به عن ابن سري العطار عن ابن أبي الزمزام الفرائضي عنه.
وحدث بشيء يسير عن أستاذه الإسكاف المقرىء وغيره.
وكان من أهل الدين والستر ثقة فيما روى وكان يذهب مذهب أحمد بن حنبل.
أبو بكر محمد بن علي الحداد الشيخ الصالح :
كان يتردد إلى الوالد السعيد كثيراً توفي سنة سبع وخمسين وأربعمائة.
الطبقة الخامسة
تتضمن طرفاً من أخبار الوالد السعيد ومولده ووفاته وهو :
محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء أبو يعلى :(2/61)
كان عالم زمانه وفريد عصره ونسيج وحده وقريع دهره وكان له في الأصول والفروع القدم العالي وفي شرف الدين والدنيا المحل السامي والخطر الرفيع عند الإمامين: القادر والقائم رضي الله عنهما وأصحاب الإمام أحمد رضي الله عنه له يتبعون ولتصانيفه يدرسون ويدرسون وبقوله يفتنون وعليه يعولون والفقهاء على اختلاف مذهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون ولمقاله يسمعون ويطيعون وبه ينتفعون وبالاهتمام به يقتدون وقد شوهد له من الحال ما يغني عن المقال لا سيما مذهب إمامنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل واختلاف الروايات عنه ومما صح لديه منه مع معرفته بالقرآن وعلومه والحديث والفتاوي والجدل وغير ذلك من العلوم مع الزهد والورع والعفة والقناعة وانقطاعه عن الدنيا وأهلها واشتغاله بسطر العلم وبثه وإذاعته ونشره .
وكان والده أبو عبد الله: أحد شهود الحضرة بمدينة السلام حضر عنده في داره: محمد بن صبير قاضي الإمام الطائع لله فشهد عنده في خلافة الطائع لله ولم نسمع أن أحداً قصده من يشهد بين يديه فشهد عنده في داره سواه ولم يكن يومئذ قاضي قضاة وكان ابن معروف معزولاً وقد أهل ابن صبير لقضاء القضاة وقد شوهد ذلك في درج بخط ابن صاحب النعمان لما ذكر شهود باب الطاق .
وكان جدي أبو عبد الله قد درس على أبي بكر الرازي مذهب أبي حنيفة وغير خاف محل أبي بكر الرازي وأن المطيع لله ومعز الدولة خاطباه ليلي قضاء القضاة فامتنع وكان محل جدي أبي عبد الله منه: أنه مرض مائة يوم فعاده أبو بكر الرازي خمسين يوماً يعبر إليه من الجانب الغربي بالكرخ من درب عبدة إلى باب الطاق بالجانب الشرقي فلما عوفي وحضر عنده في مجلسه قال له أبو بكر الرازي: يا أبا عبد الله مرضت مائة يوم فعدناك خمسين يوماً وذاك قليل في حقك .
وتوفي في سنة تسعين وثلاثمائة .(2/62)
وكان سن الوالد في ذلك الوقت: عشر سنين إلا أيام وكان وصيه رجل يعرف بالحربي يسكن بدار القز فنقل الوالد السعيد من باب الطاق إلى شارع دار القز وفيه مسجد يصلى فيه شيخ صالح يعرف بابن مفرحة المقرىء يقرىء القرآن ويلقن من يقرأ عليه العبارات من مختصر الخرقي فلقن الوالد السعيد ما جرت عادته بتلقينه من العبادات فاستزاده الوالد السعيد فقال له ذلك الشيخ: هذا القدر الذي أحسنته فإن أردت زيادة عليه فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد فإنه شيخ هذه الطائفة ومسجده بباب الشعير فمضى الوالد إليه وصحبه إلى أن توفي ابن حامد في سنة ثلاث وأربعمائة وتفقه عليه وبرع في ذلك وكان ذلك من لطف الله تعالى به وإرادته تعالى حفظ هذا المذهب .
وقد ذكرنا في أخبار ابن حامد سؤال محمد بن علي المقرىء له عند خروجه إلى الحج سنة اثنتين وأربعمائة: على من ندرس? وإلى من نجلس? فقال له: إلى هذا الفتى وأشار إلى القاضي أبي يعلى .
وقد كان لابن حامد أصحاب كثيرون فتفرس في الوالد السعيد ما أظهره الله تبارك وتعالى عليه روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل".
فأما مولده: فولد لتسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة ثمانين وثلاثمائة.
وأما شيوخه: فأول سماعه للحديث: سنة خمس وثمانين وثلاثمائة .
وسمع من أبي الحسين السكري عن أحمد بن عبد الجبار الصوفي عن يحيى بن معين وغيره.
وسمع أيضاً من جماعة عن البغوي وقد حدث عن البغوي عن أحمد بن حنبل .
وسمع من أبي القاسم موسى بن عيسى السراج عن البغوي وغيره .
ومن أبي الحسن علي بن معروف عن البغوي وابن صاعد وابن أبي داود وغيرهم .
ومن أبي القاسم بن حبابة عن البغوي عن علي بن الجعد عن شعبة وغيره .
ومن أبي الطيب بن المنار عن البغوي وابن صاعد وغيرهما .
ومن أبي طاهر المخلص عن البغوي وابن صاعد وغيرهم .(2/63)
ومن أبي القاسم عيسى بن علي الوزير عن البغوي وغيره .
ومن أبي القاسم بن سويد عن ابن مجاهد وابن الأنباري وغيرهما .
ومن أبي القاسم الصيدلاني عن ابن صاعد وغيره .
ومن أم الفتح بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل .
ومن جده لأمه أبي القاسم بن حنيفا .
ومن أبي عبد الله عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم السوسي وغيره .
ومن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن مالك البيع بانتقاء ابن أبي الفوارس .
ومن القاضي أبي محمد الأكفاني .
ومن أبي نصر بن الشاة .
ومن أبي عبد الله النيسابوري .
ومن أبي الحسن الحمامي ومن أبي الفتح بن أبي الفوارس .
وسمع بمكة ودمشق وحلب في آخرين .
وابتدأ بالتصنيف والتدريس بعد وفاة شيخه ابن حامد .
وحج سنة أربع عشرة وأربعمائة وعاد إلى تدريسه وتصنيفه في الفروع والأصول والآداب وانقطاعه عن الدنيا وما يؤول إلى الذهاب .
ومن بحث عن أخلاقه وطرائقه وأخباره: لم يخف عليه موضعه ومحله ولو بالغنا في وصفه لكنا إلى التقصير فيما نذكره من ذلك أقرب إذ انتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله سوى ما يضاف إلى ذلك من الجلالة والصبر على المكاره واحتماله لكل جريرة إن لحقته من عدو وزلل إن جرى من صديق وتعطفه بالإحسان على الكبير والصغير واصطناع المعروف إلى الداني والقاصي ومداراته للنظير والتابع جارياً على سنن الإمام أحمد رضي الله عنهما حذو القذة بالقذة .(2/64)
ولم يزل على طول الزمان يزداد جلالة ونبلاً وعلماً وفضلاً قصده القاضي الشريف أبو علي ابن أبي موسى دفعات إحداها: في جمادى الأولى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين وأربعمائة ليشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله بن ماكولا ويكون ولد القاضي أبي علي أبو القاسم الملقب بزين الدين له تابعاً ومتبركاً بشهادته فأبى عليه الوالد السعيد أشد الإباء فمضى ابن أبي موسى إلى أبي القاسم بن بشران وسأله أن يشهد مع ولده وقد كان ابن بشران قد ترك الشهادة قبل ذلك فأجابه إلى ذلك فشهد ابن بشران ومعه زين الدين بديوان الخلافة .
وكانت وفاة القادر بالله في حادي عشر من ذي الحجة من هذه السنة ثم توفي القاضي أبو علي سنة ثمان وعشرين .
وكان من قضاة الله وقدره: أن تكررت سؤالات قاضي القضاة أبي عبد الله ابن ماكولا للشيخين: أبي منصور بن يوسف وأبي علي بن جرادة يسألان الوالد السعيد: أن يشهد عنده لعلمه بمحبتهما له واعتقادهما بمذهبه وانضاف إلى ذلك خطاب رئيس الرؤساء نوبة بعد أخرى فأجاب إلى ذلك وشهد عنده مع كراهته للشهادة .
وكان ابن ماكولا معظماً له ومبجلاً ومكرماً ما لم يكن يفعله لغيره.
وقد كان حضر الوالد السعيد قدس الله روحه في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة في دار الخلافة في أيام القائم بأمر الله رضوان الله عليه مع الجم الغفير والعدد الكثير من أهل العلم وكان صحبته الشيخ الزاهد أبو الحسن القزويني لفساد قول جرى من المخالفين لما شاع قراءة كتاب "إبطال التأويلات" فخرج إلى الوالد السعيد من الإمام القائم بأمر الله رضوان الله عليهم: الاعتقاد القادري في ذلك بما يعتقد الوالد السعيد .
وكان قبل ذلك قد التمس منه حمل كتاب "إبطال التأويلات" ليتأمل فأعيد إلى الوالد وشكر له تصانيفه .(2/65)
وذكر بعض أصحاب الوالد السعيد: أنه كان حاضراً في ذلك اليوم قال: رأيت قارىء التوقيع الخارج من القائم بأمر الله رضوان الله عليه قائماً على قدميه والموافق والمخالف بين يديه ثم أخذت في تلك الصحيفة خطوط الحاضرين من أهل العلم والفقهاء على اختلاف مذاهبهم وجعلت كالشرط المشروط .
فأول من كتب: الشيخ الزاهد القزويني: هذا قول أهل السنة وهو اعتقادي وعليه اعتمادي ثم كتب الوالد السعيد بعده وكتب القاضي أبو الطيب الطبري وأعيان الفقهاء من بين موافق ومخالف .
فبلغني: أن أبا القاسم عبد القادر بن يوسف قال بعد خروجه عن ذلك المجلس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" فلما أرادوا النهوض من ذلك المجلس: التفت ابن القزويني الزاهد إلى الوالد السعيد فقال له: كما في نفسك?.
فقال له الوالد السعيد: الحمد لله على ما تفضل به من إظهار الحق .
فقال له ابن القزويني الزاهد: لا أقنع بهذا وأنا أحضر بجامع المنصور وأملي أحاديث الصفات فحضر القزويني الزاهد جمعاً مترادفات بجامع المنصور وأملى أخبار الصفات ناصراً لما سطره الوالد السعيد .
ثم توفي ابن القزويني ليلة الأحد الخامس من شعبان سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وصلى عليه بين الحربية والعتابيين مما يلي الخندق وحضره عالم كثير وجرى تشغيب بين أصحابنا وبين المخالفين لنا في الفروع .
فحضر الوالد السعيد سنة خسس وأربعين في دار الخلافة مجلس أبي القاسم على بن الحسن رئيس الرؤساء ومعه جم غفير وعدد كثير من شيوخ الفقهاء وأماثل أهل الدين والدنيا .
فقال رئيس الرؤساء في ذلك اليوم على رؤوس الأشهاد: القرآن كلام الله وأخبار الصفات تمر كما جاءت وأصلح بين الفريقين ففاز الوالد السعيد بخير الدارين إن شاء الله .
ولو تتبعنا هذه المقامات لطالت الحكايات .(2/66)
وكان من قضاء الله تعالى: أن توفي قاضي القضاة ابن ماكولا فتبين للإمام القائم بأمر الله احتياج الحريم إلى قاض عالم زاهد فراسل رئيس الرؤساء بالشيخ أبي منصور بن يوسف وبغيره إلى الوالد السعيد وخوطب ليلي القضاء بدار الخلافة والحريم أجمع فامتنع من ذلك فكرر عليه السؤال فلما لم يجد بداً من ذلك اشترط عليهم شرائط .
منها: أنه لا يحضر أيام المواكب الشريفة ولا يخرج في الاستقبالات ولا يقصد دار السلطان وفي كل شهر يقصد نهر المعلى يوماً وباب الأزج يوماً ويستخلف من ينوب عنه في الحريم. فأجيب إلى ذلك .
وقد كان ترشح لولاية القضاء بالحريم القاضي أبو الطيب الطبري فعدل عنه إلى الوالد السعيد وقلد القضاء في الدماء والفروج والأموال ثم أضيف إلى ولايته بالحريم: قضاء حران وحلوان واستناب فيهما فأحيا الله بالوالد السعيد من صناعة القضاء ما أميت من رسومها ونشر ما طوي من أعلامها فعاد الحكم بموضعه جديداً والقضاء بتدبيره رشيداً .
وكان كما قال فيه تلميذه علي بن نصر العكبري لما ولي الوالد القضاء
رفع الله راية الإسلام
حين ردت إلى الأجل الإمام
التقى النقي ذي المنطق الصا
ئب في كل حجة وكلام
خائف مشفق إذا حضر الخصما
ن يخشى من هول يوم الخصام
لم يزده القضاء فخراً ولكن
قد كسا الفخر سائر الأحكام
بك يا ابن الحسين شدت عرى الد
ين وقامت دعائم الإسلام
رحمة من مدبر الخلق للخل
ق أظلت إذ قمت في ذا المقام
تمم الله للخليفة ما أع
طاه من نعمة مدى الأيام
فلقد قلد القضاء رفيع القد
ر ذا رأفة على الأيتام
قد حوى من رعاية الدين
ما يعصمه من مواقف الآثام
وصل الله ما حباه من النع
ماء بنعماه في جنان المقام
فلم يزل جارياً على سديد القضاء وإنفاذ الحكم والأوصياء إلى أن توفي .(2/67)
وكان الوالد السعيد قد رد القضاء بباب الأزج إلى الجيلي وجعل صاحبه أبا علي يعقوب مشرفاً عليه فلما تبين له من حال الجيلي الاختلال عزله ثم رد النظر في عقد الأنكحة والمداينات بباب الأزج إلى تلميذه أبي علي يعقوب .
واستناب أبا عبد الله بن البقال في النظر في العقار بباب الأزج .
واستنانب بدار الخلافة ونهر المعلى أبا الحسن السيبي .
ولو ذهبت أشرح قضاياه السديدة: لكانت كتاباً قائماً بنفسه .
ومعلوم ما خص الله سبحانه هذا الوالد السعيد من النعم الدينية والرتب السامية العلية وكونه إمام وقته وفريد دهره وقريع عصره لا يعرف في شرق الأرض وغربها شخص يتقدم في علم مذهبه عليه أو يضاف في ذلك إليه .
هذا مع تقدمه في هذه البلدة على فقهاء زمانه بقراءته للقرآن بالقراءات العشر وكثرة سماعه للحديث وعلو إسناده في المرويات .
ولقد حضر الناس مجلسه وهو يملي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الجمعة بجامع المنصور على كرسي عبد الله بن إمامنا أحمد رضي الله عنه وكان المبلغون عنه في حلقته والمستملون ثلاثة أحدهم: خالي أبو محمد جابر والثاني: أبو منصور بن الأنباري والثالث: أبو علي البرداني .
وأخبرني جماعة من الفقهاء ممن حضر الإملاء: أنهم سجدوا في حلقة الإملاء على ظهور الناس لكثرة الزحام في صلاة الجمعة في حلقة الإملاء .
وما رأى الناس في زمانهم مجلساً للحديث اجتمع فيه ذلك الجم الغفير والعدد الكثير
وسمعت من يذكر: أنه حزر العدد بالألوف وذلك مع نباهة من حضر من الأعيان وأماثل هذا الزمان من النقباء وقاضي القضاة والشهود والفقهاء وكان يوماً مشهوداً والناس إذ ذاك يسمعون والكتبة يكتبون وبالنظر إليه يتبركون وبفضله يقرون ويشهدون .
وحضرت أنا أكثر أماليه بجامع المنصور .
وأجاز لي إجازة ولأخي أبي حازم حفظه الله سأله الإجازة لنا: خالنا أبو محمد بن جابر فأجاز لنا في مرضه لفظاً .(2/68)
حدثنا الوالد السعيد إملاء من لفظه وأصله يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع المنصور في التاسع والعشرين من ذي القعدة سنة ست وخمسين وأربعمائة قال: حدثنا أبو الحسين بن أخي ميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا أبو روح محمد بن زياد بن فروة البلدي قال: حدثنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم عز وجل عياناً كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وقرأ: فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب .
قال لنا الوالد السعيد: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري عن يوسف بن موسى عن عاصم بن يوسف اليربوعي عن ابن شهاب وكأني سمعته من البخاري .
وقد امتدح بعض أهل العلم الوالد السعيد بأبيات منها:
الحنبليون قوم لا شبيه لهم
في الدين والزهد والتقوى إذا ذكروا
أحكامهم بكتاب الله مذ خلقوا
وبالحديث وما جاءت به النذر
إن الإمام أبا يعلى فقيههم
حبر عروف بما يأتي وما يذر
صلى فاقتدر فلك المسطور إن فخروا
ما نائم مثل يقظان به سهر
ومعلوم ما كان عليه شيوخ عصره وعلماء وقته من بين موافق ومخالف من توقيرهم له في حداثة سنه وسالف دهره وأنه كان إذ ذاك معدوداً من الأماثل والأعيان وشيوخ العلماء وذوي الأسنان الذين قد شح بهم الزمان وذلك عند معرفتهم بعلمه وديانته وتقدمه في النظر والتحقيق وتخصصه بسلوك أحسن طريق وإنما يعرف الفضل لأهله من كان في نفسه فاضلاً ويشهد بالعقل لأهله من كان في نفسه عاقلاً وقد قيل: نقد الجوهر أشد عوزاً من الجوهر .(2/69)
كان الوالد السعيد متميزاً بالزهادة على كافة أهل العلم قلماً ونقل في طلبه قدماء كما قال عمر لسلمان عليهما السلام حين دون الدواوين "مع من تريد أن أكتبك? قال: مع الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً".
كان في قناعته كما قال أبو حمزة الصوفي: كنت إذا أصابتني فاقة قلت في نفسي: إلى من أهدي هذه الفاقة? ثم فكرت فلم أجد أحق بها مني فطويتها والأبيات مشهورة في المعنى
إذا شئت أن تستقرض المال منفقاً
على شهوات النفس في زمن العسر
فسل نفسك الإقراض من كيس صبرها
عليك وإنظاراً إلى زمن اليسر
فإن فعلت كنت الغنى وإن أبي
ت فكل نوع عندها واسع العذر
وقال: كتب أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي الحافظ من مكة حياها الله كتاباً ذكر فيه أبياتاً جواباً عن كتابه فقال :
كتابك سيدي لما أتاني
سررت به وجدد لي ابتهاجا
وذكرك بالجميل لنا جميل
يقلدنا ولم نمزج مزاجا
جللت عن التصنع في وداد
فلم نر في توددك اعوجاجا
وقد كثر المداجي والمرائي
فلا تحفل عن راءي وداجا
حييت معمراً وجزيت خيراً
وعشت لدين ذي التقوى سراجا
وناهيك بأبي نصر السجزي مع علمه ودينه وزهده .
ولعمري لقد حاز الوالد السعيد من الفضل ما عسى أن يعجز عنه كثير من الأقران وعدد من ذوي الأسنان: من ضبط العلوم بحسن بصيرة وإتقان وتدقيقاً في الكشف عن غوامض المذهب وخافيه والبيان عن معانيه وهو مع ذلك إلى حين وفاته مع كبر السن مجتهد دائب على التصنيف والتدريس مواظب ثم إصغاؤه مع هذا العلم الكثير إلى كلمة تستفاد من صغير أو كبير ولو قصد قاصد تعداد كتبه ومصنفاته وتأمل ما قرره من الأدلة على غوامض مذهبه ومسائل مفرداته لعسى أن تلحقه السآمة في حسابه والمشقة في استيعابه ولو اقتصر من يقصد العدل والإنصاف على النظر في كتابه الذي صنفه في مسائل الخلاف: لدله على منزلته من العلم دليل كاف .(2/70)
ومعلوم ما خصه الله تعالى به مع موهبة العلم والديانة من التعفف والصيانة والمروءة الظاهرة والمحاسن الكثيرة الوافرة مع هجرانه لأبواب السلاطين وامتناعه على ممر السنين: أن يقبل لأحد منهم صلة وعطية ولم تزل ديانته ومروءته لما هذا سبيله أبية .
وكان يقسم ليله كله أقساما فقسم للمنام وقسم للقيام وقسم لتصنيف الحلال والحرام .
ولقد نزل به ما نزل بغيره من النكبات التي استكان لها كثير من ذوي المروءات وخرج بها عن مألوفات العادات فلم يحفظ عليه أنه خرج عن جميل عاداته ولا طرح المألوف من مروءاته .
ومن شاهد ما كان عليه من السكينة والوقار وما كسا الله وجهه من الأنوار مع السكون والسمت الصالح والعقل الغزير الراجح: شهد له بالدين والفضل ضرورة واستدل بذلك على محاسنه الخفية المستورة .
هذا مع الأناة والحلم الذي به يزان العلم وحمله للأذى في جنب الإيمان والتصديق بالأحاديث التي هي عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم مروية وكم قصده من أعداء المروءة والدين من قاصد باغ ومبتدع طاغ جامع في إزعاجه ومنفر عن منهاجه فعاد خاسئاً ذليلاً وبحسرة الظفر قتيلاً سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً .
وقد أنشد بعض الشعراء في مثله :
تلك المكارم لا قعبان من لبن
شيباً بماء فعادا بعد أبوالا
فأما عدد أصحابه الذين سمعوا منه الحديث: فالعدد الكثير والجم الغفير .(2/71)
منهم أحمد بن علي بن ثابت وعبد العزيز العاصمي النخشبي وعمر بن أبي الحسن الدهستاني الخياط وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي وإسحاق بن عبد الوهاب بن منده الحافظ المقرىء ومكي بن نجير الهمداني وعمر الإرموي وأحمد بن الحسن بن خيرون وأبناء خاله: أبو طاهر وأبو غالب وأبو الحسين بن الطيوري وأبو علي البرداني وأبو الغنائم بن النرسي الكوفي وأبو بكر القطان المقدسي وأبو منصور الخياط وأبو منصور القرميسيني وأبو منصور بن الأنباري ومحمد بن عمارة العكبري ومحمد بن أحمد بن أحمد بن مردين وأبو العباس المخلطي وأحمد ابن العلثي وأبو بكر وأبو الحسين ابنا ابن يوسف وابنا عمهما أبو محمد وأبو الحسن بن رضوان وابنا عمه: أبو نصر وأبو الحسين وأبو جعفر الأصفهاني وأبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي وأخوه أبو عبد الله بن الدباس وأبو طاهر وأبو القاسم ابنا البلدي وأبو نصر ياسر وأبو العز العكبريان في آخرين .
فأما الذين تفقهوا وعقلوا وسمعوا الحديث: فأبو الحسين البغدادي والشريف أبو جعفر وأبو الغنائم بن الغباري وأبو الغنائم بن زبيبا وأبو علي بن البناء وأبو الوفا بن القواس والقاضي أبو علي البرديني والقاضي أبو الفتح بن جلبة وعلي بن عمرو الضرير الحراني وأبو ياسر بن الحصري وأبو عبد الله الأنماطي والحسين بن البرداني وأبو الحسن النهري أبو الفتح وأبو البركات بن شبلي وأبو محمد شافع وأبو الوفاء بن عقيل وطلحة العاقولي ومحفوظ الكلوذاني وأبو الحسن بن ظفر العكبري وأبو الفرج المقدسي وأبو الحسن بن زفر العكبري وأبو عبد الله البرداني وأبو الحسن بن ركاب وأبو عبد الله الباجسرائي وأبو يعلي بن الكيال وجعفر الدريحاني والأخ أبو القاسم وغيرهم ممن يشق إحصاء أسمائهم.
فأما عدد مصنفاته فكثيرة فنشير إلى ذكر ما يتيسر منها .(2/72)
فمن ذلك: أحكام القرآن ونقل القرآن وإيضاح البيان ومسائل الإيمان والمعتمد ومختصر المعتمد والمقتبس ومختصر المقتبس وعيون المسائل والرد على الأشعرية والرد على الكرامية والرد على الباطنية والرد على المجسمة والرد على ابن اللبان وإبطال التأويلات لإخبار الصفات ومختصر إبطال التأويلات والانتصار لشيخنا أبي بكر والكلام في الاستواء والكلام في حروف المعجم والقطع على خلود الكفار في النار وأربع مقدمات في أصول الديانات وإثبات إمامة الخلفاء الأربعة وتبرئة معاوية والرسالة إلى إمام الوقت وجوابات مسائل وردت من الحرم وجوابات مسائل وردت من تنيس وجوابات مسائل وردت من ميافارقين وجوابات مسائل وردت من أصفهان والعدة في أصول الفقه ومختصر العدة والكفاية في أصول الفقه ومختصر الكفاية والأحكام السلطانية وفضائل أحمد ومختصر في الصيام وإيجاب الصيام ليلة الإغمام ومقدمة في الأدب وكتاب الطب وكتاب اللباس والأمر بالمعروف وشروط أهل الذمة والتوكل وذم الغناء والاختلاف في الذبيح وتفضيل الفقر على الغنى وفضل ليلة الجمعة على ليلة القدر وتكذيب الخيابرة فيما يدعونه من إسقاط الجزية وإبطال الحيل والفرق بين الآل والأهل والمجرد في المذهب وشرح الخرقي وكتاب الروايتين وقطعة من الجامع الكبير فيها الطهارة وبعض الصلاة والنكاح والصداق والخلع والوليمة والطلاق والجامع الصغير وشرح المذهب والخصال والأقسام وفيه يقول بعضهم:
قد نظرنا مصنفات الأنام
وسبرنا شريعة الإسلام
ما رأينا مصنفاً جمع العلم
مع الاختصار والإفهام
مثل ما صنف الإمام أبو يع
لى كتاب الخصال والأقسام
ومن مصنفاته: الخلاف الكبير .
ومن نظر في تصانيفه حقيقة النظر: علم أن ما وراءه مراماً ولا مقالاً إلا ما يدخل على البشر من التقصير عن الكمال ويخرج به العالم عن منازل الأنبياء ويتميز به المتأخر عن مراتب أهل التقدم من العلماء .(2/73)
فلقد حمل الناس عنه علماً واسعاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأصول والفروع .
وهو مستغن باشتهار فضله عن الإطناب في وصفه لأنا رأينا البلغاء قد وصفوا فقصروا والعلماء قد مدحوا فأكثروا وكل يطلب أمده فيعجزون .
إذ كان الله عز وجل قد رزقه حفظ القرآن والقراءة بالعشر والعلم بالحلال والحرام والأحكام والفرائض وعلم الأصول والفروع ورزقه من شرف الأخلاق وكرم الأعراق والمجد المؤثل والرأي المحصل والفضل والفهم والإصابة والعزيمة الصافية والمعرفة الشافية والتفرد بكل فضيلة والسمو إلى كل درجة رفيعة من محمود الخصال والزهد والكمال: ما يطول شرحه حتى لم يكن له شبيه في وقته ولا نظير في فهمه ولا يجارى في حكمه ولم تقع أبصار أهل زمانه على مثله لأن طينته حرة وعرقه كريم وغرسه طيب ومنشؤه محمود .
وكانت أفعاله كأخلاقه وأخلاقه كأعراقه وأوله كآخره لا يمتنع عليه معرفة المبهم الغامض من الأمور ولا يتلجلج اشتباه المشكل الصعب في الصدور ولا يعرف الشك ولا العي ولا الحصر عند مناظرة المخالفين والموافقين ومجادلة المتكلمين وسائر الفقهاء المختلفين .
وقد كان يحضر مجلس أبي جعفر اليماني في منزله ويحضره شيوخ الفقهاء والمتكلمين المتباينين في الأصول والفروع فتحضر صلاة الظهر والعصر فيتأخر الكل و يأتون بصلاته.
فلنذكر الآن تبيين منهج السلف وما أمروا بأدائه إلى الخلف وهو الذي درج عليه الوالد السعيد قدس الله روحه وأرواحهم لبعضهم بمعونة الله وتجتنب ما ذم أخل البدع بسببه راجين بذكره جزيل الثواب متوقين الخروج عن الصواب بعد تعريفك ما عسى أن تلقاه من ذوي الخلاف والعناد من الأذى إذا تحققوا معرفتك لما هم عليه من الفساد والمحق مأمور بالصبر لينال به جزيل الأجر .
وقدمناه أولاً في نكتتين من أتقنهما ولزمهما أدرك سعادة الدارين وما نذكره بعدهما إنما نريد به شرحهما .
إحداهما: ترك ما تراه لما أمرت به مع تبيين الأمر المتمسك بموجبه .(2/74)
والثانية: قلة الاكتراث بكثر المبطلين وتهجينهم ما درج عليه الوالد السعيد والسلف الصالح الرشيد مع سخاء النفس عما قالوه من قبول عند أمثالهم ووصول إلى بعض آمالهم .
فإذا ألزمت نفسك الأخذ بهاتين النكتتين: عوضت عما تركت سكوناً إلى ما عرفت والثقة بنيل ما به وعدت وهابك مخالفك وإن كنت وحيداً وكنت عند الله سبحانه وتعالى ثم عند صالحي عبيده حميداً .
فلنذكر الآن البيان عن اعتقاد الوالد السعيد ومن قبله من السلف الحميد في أخبار الصفات .
فاعلم زادنا الله وإياك علماً ينفعنا الله به وجعلنا ممن آثر الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة على آراء المتكلمين وأهواء المتكلفين .
أن الذي درج عليه صالحو السلف وانتهجه بعدهم خيار الخلف: هو التمسك بكتاب الله عز وجل واتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم ما روى عن الصحابة رضوان الله عليهم ثم عن التابعين والخالفين لهم من علماء المسلمين .
والإيمان والتصديق بما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله مع ترك البحث والتنفير والتسليم لذلك من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تفسير ولا تأويل وهي الفرقة الناجية والجماعة العادلة والطائفة المنصورة إلى يوم القيامة فهم أصحاب الحديث والأثر والوالد السعيد تابعهم هم خلفاء الرسول وورثة علمه وسفرته بينه وبين أمته بهم يلحق التالي وإليهم يرجع العالي وهم الذين نبذهم أهل البدع والضلال وقائلو الزور والمحال: أنهم مشبهة جهال ونسبوهم إلى الحشو والطغام وأساءوا فيهم الكلام .
فاعتقد الوالد السعيد وسلفه قدس الله أرواحهم وجعل ذكرنا لهم بركة تعود علينا في جميع ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلم: أن جميع ذلك صفات الله عز وجل تمر كما جاءت من غير زيادة ولا نقصان وأقروا بالعجز عن إدراك معرفة حقيقة هذا الشأن .(2/75)
اعتقد الوالد السعيد ومن قبله ممن سبقه من الأئمة: أن إثبات صفات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد لها حقيقة في علمه لم يطلع الباري سبحانه على كنه معرفتها أحداً من إنس ولا جان .
واعتقدوا: أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ويحتذى حذوه ومثاله وكما جاء .
وقد أجمع أهل القبلة: أن إثبات الباري سبحانه: إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وكيفية هكذا اعتقد الوالد السعيد ومن قبله ممن سلفه من الأئمة: أن إثبات الصفات للباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وكيفية وأنها صفات لا تشبه صفات البرية ولا تدرك حقيقة علمها بالفكر والروية .
والأصل الذي اعتمدوه في هذا الباب اتباع قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون: آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب وقال تعالى: ولا يحيطون به علماً وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً .
فاعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى: فرد الذات متعدد الصفات لا شبيه له في ذاته ولا في صفاته ولا نظير ولا ثاني وسمعوا قوله عز وجل: آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب فآمنوا بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً للقدرة وتصديقاً للرسل وإيماناً بالغيب .
واعتقدوا: أن صفات الباري سبحانه معلومة من حيث أعلم هو غيب من حيث انفرد واستأثر كما أن الباري سبحانه معلوم من حيث هو مجهول ما هو .
واعتقدوا: أن الباري سبحانه استأثر بعلم حقائق صفاته ومعانيها عن العالمين وفارق بها سائر الموصوفين فهم بها مؤمنون وبحقائقها موقنون وبمعرفة كيفيتها جاهلون لا يجوز عندهم ردها كرد الجهمية ولا حملها على التشبيه كما حملته المشبهة الذي أثبتوا الكيفية ولا تأولوها على اللغات والمجازات كما تأولتها الأشعرية .(2/76)
فالحنبلية لا يقولون في أخبار الصفات بتعطيل المعطلين ولا بتشبيه المشبهين ولا تأويل المتأولين مذهبهم: حق بين باطلين وهدى بين ضلالتين: إثبات الأسماء والصفات مع نفي التشبيه والأدوات إذ لا مثل للخالق سبحانه مشبه ولا نظير له فيجنس منه فنقول كما سمعنا ونشهد بما علمنا من غير تشبيه ولا تجنيس على أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وفي رد أخبار الصفات وتكذيب النقلة: إبطال شرائع الدين من قبل أن الناقلين إلينا علم الصلاة والزكاة والحج وسائر أحكام الشريعة: هم ناقلوا هذه الأخبار والعدل مقبول القول فيما قاله ولو تطرق إليهم والعياذ بالله التخرص بشيء منها: لأدى ذلك إلى إبطال جميع ما نقلوه وقد حفظ الله سبحانه الشرع عن مثل هذا .
وقد أجمع علماء أهل الحديث والأشعرية منهم على قبول هذه الأحاديث فمنهم من أقرها على ما جاءت وهم أصحاب الحديث ومنهم من تأولها وهم الأشعرية وتأويلهم إياها قبول منهم لها إذ لو كانت عندهم باطلة لاطرحوها كما اطرحوا سائر الأخبار الباطلة .
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أمتي لا تجتمع على خطأ ولا ضلالة" .
وما ذكرناه من الإيمان بأخبار الصفات من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تفسير ولا تأويل هو قول السلف بدءاً وعوداً وهو الذي ذكره أمير المؤمنين القادر رضوان الله عليه في الرسالة القادرية قال فيها: "وما وصف الله سبحانه به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو صفات الله عز وجل على حقيقته لا على سبيل المجاز" .
وعلى هذا الاعتقاد: جمع أمير المؤمنين القائم بأمر الله رضوان الله عليه من حضره مع الوالد السعيد من علماء الوقت وزاهدهم: أبو الحسن القزويني سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وأخذ خطوطهم باعتقاده .(2/77)
وقد قال الوالد السعيد رضي الله عنه في أخبار الصفات: المذهب في ذلك: قبول هذه الأحاديث على ما جاءت به من غير عدول عنه إلى تأويل يخالف ظاهرها مع الاعتقاد بأن الله سبحانه بخلاف كل شيء سواه وكل ما يقع في الخواطرمن حد أو تشبيه أو تكييف: فالله سبحانه وتعالى عن ذلك والله ليس كمثله شيء ولا يوصف بصفات المخلوقين الدالة على حدثهم ولا يجوز عليه ما يجوز عليهم من التغير من حال إلى حال ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض وأنه لم يزل ولا يزال وأنه الذي لا يتصور في الأوهام وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وأما كتابه قدس الله روحه في إبطال التأويلات لأخبار الصفات: فمبني على هذه المقدمات وأن إطلاق ما ورد به السمع من الصفات: لا يقتضي تشبيه الباري سبحانه بالمخلوقات .
وذكر رحمة الله عليه كلاماً معناه: أن التشبيه إنما يلزم الحنبلية أن لو وجد منهم أحد أمرين: إما أن يكونوا هم الذين ابتدأوا الصفة لله عز وجل واخترعوها أو يكونوا قد صرحوا باعتقاد التشبيه في الأحاديث التي هم ناقلوها .
فأما أن يكون صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم هو المبتدىء بهذه الأحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم حجة يسقط بها ما يعارضها وهم تبع له ثم يكون الحنبلية قد صرحوا بأنهم يعتقدون إثبات الصفات ونفي التشبيه فكيف يجوز أن يضاف إليهم ما يعتقدون نفيه? .
وعلى أنه قد ثبت أن الحنبلية إنما يعتمدون في أصول الدين على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ونحن نجد في كتاب الله وسنة رسوله ذكر الصفات ولا نجد فيهما ذكر التشبيه فكيف يجوز أن يضاف إليهم ما يعتقدون نفيه? .(2/78)
ومما يدل على أن تسليم الحنبلية لأخبار الصفات من غير تأويل ولا حمل على ما يقتضيه الشاهد وأنه لا يلزمهم في ذلك التشبيه: إجماع الطوائف من بين موافق للسنة ومخالف أن الباري سبحانه ذات وشيء وموجود ثم لم يلزمنا وإياهم إثبات جسم ولا جوهر ولا عرض وإن كانت الذات في الشاهد لا تنفك عن هذه السمات وهكذا لا يلزم الحنبلية ما يقتضيه العرف في الشاهد في أخبار الصفات .
يبين صحة هذا: أن البارىء سبحانه موصوف بأنه: حي عالم قادر مريد والخلق موصوفون بهذه الصفات ولم يدل الاتفاق في هذه التسمية على الاتفاق في حقائقها ومعانيها هكذا القول في أخبار الصفات ولا يلزم عند تسليمها من غير تأويل إثبات ما يقتضيه الحد والشاهد في معانيها.
وبهذا ونظيره استدل الوالد السعيد رحمة الله عليه في كتابه "أبطال التأويلات لأخبار الصفات".
فأما الرد على المجسمة لله: فيرده الوالد السعيد بكتاب وذكره أيضاً في أثناء كتبه فقال: لا يجوز أن يسمى الله جسماً .
قال أحمد: لا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه .
قال الوالد السعيد: فمن اعتقد أن الله سبحانه جسم من الأجسام وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال: فهو كافر لأنه غير عارف بالله عز وجل لأن الله سبحانه يستحيل وصفه بهذه الصفات وإذا لم يعرف الله سبحانه: وجب أن يكون كافراً .
وهذا الكتاب عدة أوراق .
واعلم أن الله سبحانه اصطفى رسلاً من خلقه فبعثهم بالدعاء إليه والصبر على ما نالهم من جهلة خلقه وامتحنهم من المحن بصنوف من البلاء وضروب من المحن واللأواء وكل ذلك تكريماً لهم غير تذليل وتشريفاً غير تخسير ولا تقليل .(2/79)
وكان أرفع رسله عنده منزلة: أشدهم اجتهاداً وأخذاً في إمضاء أمره مع البلية بأهل دهره قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وقال تعالى: واصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود وقال عز وجل له صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله? ألا إن نصر الله قريب وقال عز وجل: ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا: آمنا وهم لا يفتنون? ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين .
فلم يخل جل ثناؤه أحداً من مكرمي رسله وأنبيائه ومقربي أصفيائه وأوليائه من محنة في عاجلته دون آجلته يستوجب بصبره عليها ما أعد له من الدرجات التي قسم مصيره إليها وجعل سبحانه علماء الأمم الماضين خلفاء أنبيائهم المرسلين والقوام بما جاءوا به من الدين يرخصون عن أحكامه ويحامون عن حدوده وأعلامه يدفعون عنه كيد الشيطان ويحرسونه من الترك والنسيان لا يصدهم عن التمسك بالحق ولا يثنيهم عن التعطف على الخلق: سوء ما به ينالون توخياً لثواب الله الذي له يطلبون وفيه يرغبون .
ثم جعل سبحانه علماء هذه الأمة أفضل علماء الأمم قسماً وأوفرهم من الخيرات حظاً أعد لهم الكرامات وقسم لهم المنازل والدرجات مع ابتلائه سبحانه لمؤمنيهم بالمنافقين ولصادقيهم بالمكذبين ولخيارهم بالأشرار ولصالحيهم بالفجار وللأماثل الرفعاء بأوضع السفهاء فلم يكن يثني العلماء ما يلقونه من الأذى عن القيام بحقوق الله تعالى في عباده وإظهار الحق في بلاده.(2/80)
ولقد كان الوالد السعيد -نضر الله وجهه- ممن سلك به هذه الطريق عندما ابتلي به من أذية هذا الفريق وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"طوبى للغرباء طوبى للغرباء قيل: يا رسول الله من الغرباء? قال: ناس صالحون قليل بين ناس سوء كثير من يبغضهم أكثر ممن يطيعهم" رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .
ومن تظاهر بإنكار البدع: فسبيله أن يصبر على أذية المخالفين محتسباً عند الله عز وجل وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن موكل به أربعة: مؤمن يحسده وفاسق يبغضه وكافر يقاتله وشيطان يكيده" .
وقال الحسن البصري:"ما كان مؤمن قط فيما مضى ولا يكون مؤمن فيما بقي إلا إلى جنبه منافق يؤذيه" .
وروى خباب بن الأرت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيها الناس اتقوا الله فوالله إن كان الرجل من المؤمنين من قبلكم ليوضع المنشار على رأسه فيشق بنصفين وما يرده عن دينه فاتقوا الله فإن الله فاتح عليكم وصانع لكم" .
وروى أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس أحد أصبر على أذى يسمعه من الله يدعون له ولداً ويجعلون له صاحبة وهو يرزقهم ويعافيهم" أخرجه البخاري.
وإذا كان البارىء عز وجل يصبر على ما يقول فيه الجاحدون والمشركون مع قدرته على إهلاكهم وإفنائهم ومنعهم مما يتفوهون به لما سبق في علمه من الإملاء لهم ليزدادوا إثماً والأنبياء عليهم السلام قد صبروا على ما أوذوا به والصالحون قد تأسوا بهم في ذلك .
فالواحد منا مع علمه بتقصيره في كل معنى: لا ينبغي له أن يقلق لكلمة تسوءه وإذا كان القيام بالذب عن أهل الحق ديناً واحتساباً فالصبر على ما يصيبه هو من تمام الاحتساب وقد جاء في الحديث:" إن الرجل ليعطى كتابه يوم القيامة منشوراً فينظر فيه حسنات لم يعملها فيقول: يا رب أي شيء هذا? فيقول الله عز وجل: هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر" .(2/81)
ويروى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال:" لولا أني أكره أن يعصى الله عز وجل لسرني أن لا يبقى في المصر أحد إلا اغتابني وأي شيء أشهى من حسنة يجدها المرء في صحيفته لم يعملها" .
وذكر أن شقيقاً البلخي فاته ورده في السحر فقال له أهله: فاتك قيام الليلة فقال: إن فات ذلك فقد صلى لي من أهل بلخ أكثر من ألف نفس قالت: كيف? قال: باتوا يصلون فإذا أصبحوا اغتابوني .
وعن بعض السلف أنه قال: إنك إذا لم تنك عدوك إلا بما يثلم به دينك فبنفسك .
وقال بشر بن الحارث: لا تعبأ بكلام من يتكلم فيك إلا أن يكون تقياً والتقي لا يقول ما يعرف فكيف مالا يعرف .
وروى عن عطاء بن أبي ميمونة أنه اجتاز بخشبة سعيد بن جبير فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب حلمك عن الظالمين فتت قلوب المظلومين قال: فغشيه الكرى فرأى كأن سعيد بن جبير في الجنة والحور حوله وكأن قائلاً يقول له: يا عطاء حلمنا عن الظالمين أورث المظلومين هذا المقام أو كما قال .
وما ذكرته من أوصاف الوالد السعيد فهو كالإشارة إلى ما وراءه وأرجو أن لا يكون ذلك على سبيل التمادح لكنه على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد عن أعراض علماء المسلمين وحماية المؤمنين من المنافقين .
قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من اغتيب عنده أخوه المسلم فلم ينصره وهو يستطيع نصره أذله الله في الدنيا والآخرة" .
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من حمى عرض أخيه في الدنيا بعث الله عز وجل ملكاً يحمي لحمه عن النار" .(2/82)
وقال عليه الصلاة والسلام:" ما من مسلم يعني يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتهك فيه عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب نصرته وما من مسلم ينصر امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" وقال عليه الصلاة والسلام:"لمقام أحدكم في الدنيا يتكلم بكلمة حق يرد بها باطلاً أو يحق بها حقاً: أفضل من هجرة معي .
وقال:"لأن يهدي الله بهداك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس" .
وقال المروذي: قلت لأبي عبد الله -يعني إمامنا أحمد- ترى للرجل أن يشتغل بالصوم والصلاة ويسكت عن الكلام في أهل البدع ? فكلح وجهه وقال: إذا هو صام وصلى واعتزل الناس أليس إنما هو لنفسه? قلت: بلى قال: فإذا تكلم كان له ولغيره يتكلم أفضل .
فلنذكر الآن وفاة الوالد السعيد .
توفي ليلة الاثنين بين العشاءين تاسعة عشر رمضان من سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وصلى عليه أخي أبو القاسم يوم الاثنين بجامع المنصور .
وقيل: إنه لم ير في جنازة بعد جنازة أبي الحسن القزويني الزاهد الجمع الذي حضر جنازته فلما أصحر المشيعون لجنازته إلى حفرته بمقبرة إمامنا أحمد: لحقهم الحر الشديد فأفطر جماعة لم يسمحوا بالرجوع وكان قد حضره عالم كثير جداً يفوت الإحصاء .
وقد روى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما من رجل يموت فتصلي عليه أمة من الناس يبلغون المائة فيشفعون فيه إلا شفعوا" .
وروى أبو أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"المقة من الله عز وجل والصيت في السماء فإذا أحب الله عبداً قال: يا جبريل إن ربك يحب فلاناً فأحبه فينادي جبريل فينزل له المقة على الأرض".
فلقد انتقض السؤدد بمصابه وانثلم المذهب بذهابه فهو كما قيل:
اليوم مات نظام الفهم واللسن
ومات من كان يعديني على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت
شمس المكارم في غيم من الكفن
وكما قيل:
وليس نسيم المسك رشح حنوطه(2/83)
ولكنه ذاك الثناء المخلف
وليس صرير النعش ما تسمعونه
ولكنها أصلاب قوم تقصف
وكما قيل:
للموت كم يبلى بجدته
في كل يوم حكيماً ما له خلف
أصاب قصداً هلالاً في تكامله
وبحر منطقه ما ليس يغترف
لم يبله الدهر ما دامت بدائعه
تطوى على جمعها الأحشاء والصحف
ومن نظر في تصنيفه قدس الله روحه ممن له فهم وتيقن وعلم وتدين: علم أنه يعجز عنه من يروم تصنيف مثله ويفضح فيه من يتعاطى حذو قوله إذ كلامه السحر الحلال والعذب الزلال والسهل الممتنع والقريب المستصعب إذ هو نسيج وحده زهداً وأدباً ورواية وأرباً وفريد عصره سؤدداً ونبلاً وفقهاً وجدلاً فهو كما قيل:
مات البديع وغارت درة الفطن
واستدرج الموت بحر الفضل في كفن
لله در المنايا ما صنعن به
وما تضمنت الأكفان من بدن
وكما قيل:
تقصت بشاشات المجالس بعده
وودعنا إذ ودع الإنس والعلم
وقد كان نجم العلم فينا حياته
فلما انقضت أيامه أفل النجم
وكما قيل:
عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى
في الناس منه ولا من علمه خلفا
وقال تلميذه علي بن أخي نصر يرثيه:
أسف دائم وحزن مقيم
لمصاب به الهدى مهدوم
مات بحل الفراء أم رجت الأر
ض أم البدر كاسف والنجوم?
لهف نفسي على الإمام حوى الفض
ل وهو بالمشكلات عليم
خلق طاهر ووجه منير
وطريق إلى الهدى مستقيم
كان للدين عدة ولأهل الدي
ن عدة في النائبات خل حميم
من يكن للدرس بعدك أم
من لجدال المخالفين يقوم?
من لفهم الحديث والطرق يس
توضح منه صحيحه والسقيم?
من لفصل القضاء إن أشكل الحك
م وضجت بالنازلات الخصوم?
درست بعده المدارس فالعل
م طريد وحبله مصروم
وهكذا يذهب الزمان ويفنى العل
م فيه ويجهل المعلوم
إن قبراً حواك يا أيها الطو
د عجيب رحب الفناء عظيم
إن يكن شخصه محته يد الده
ر فذكراه في الدهور مقيم
فنحيا بذكره كل وقت
ومحياه في التراب رميم
آمري بالسلو مهلاً ففي القل
ب غرام مبرح ما يريم
كلما رمت سلوة هيج الحز
ن صنيع له وفعل كريم
غير أن القضاء جار على الخلق(2/84)
قضاء من ربهم محتوم
فعلى الشامتين خزي مقيم
وعليه الصلاة والتسليم
فلنذكر الآن ما رواه الصالحون في المنام للوالد السعيد من الحباء والإكرام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهبت النبوة فلا نبوة بعدي وبقيت المبشرات قالوا: وما المبشرات? قال: رؤيا المسلم الحسنة يراها المسلم أو نرى له" رواه حذيفة.
وسأل عبادة بن الصامت رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له".
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة إن الشيطان لا يتمثل بي".
سمعت سعود الحبشي الصوفي يقول: لم أدرك الصلاة على القاضي الإمام أبي يعلى بن الفراء فبقيت ضيق الصدر فلما كان أول جمعة أتت على موته وأنا مصعد في الدجلة قرب الزاهر إذ دخل شيخ هناك عليه آثار النسك فقال لي: السلام عليك ثم قال: أنت سعود مولى ابن يوسف? قلت: نعم قال إن ألقي إليك شيء تلقيه إلى صاحبك? قلت: نعم قال: رأيت البارحة وهي ليلة الجمعة كأني بائت في رباط الزوزني مقابل جامع المنصور وقد أقبل عشرة أنفس من نحو باب الشام يقدمهم شخص لم أر كهيئته ونوره فقلت لأحدهم: من أنتم? فقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن العشرة فقلت: ما الذي جاء به صلى الله عليه وسلم وبكم فقال: سل نبيك فقلت: يا رسول الله أنت بالمدينة فما الذي جاء بك? فقال: جئت وأصحابي صليت على أبي يعلى بن الفراء فقلت له: من أقول لصاحبي الذي رأى هذه الرؤيا? فقال: ما عليك هذا لفظه أو كما قال.(2/85)
وسمعت أحمد بن العلثي الزاهد يقول: رأيت القاضي أبا يعلى بعد وفاته في الشهر الذي توفي فيه في إحدى ليالي القدر وقد ازداد حسناً إلى حسنه ونوراً إلى نوره وكأنه ميت وهو ملقى على ظهره فقلت: ما أحسن ما قد صار القاضي وقد جاءوه بماء أو ماء ورد فأخذ بإحدى يديه فأمرها على الجانب الآخر وأخذ بيده الأخرى فأمرها على الجانب الآخر فعجبت من ذلك ثم جاءوه بكفن من حرير لم أر مثل حسنه فأدرج فيه وحفر له بركة عرضها شبه عرض باريتين ودفن في تلك البركة وخلق عظيم على رأس تلك البركة فنظرت إذا بالقرب من تلك البركة سبائك وعليه نعش وعلى النعش ميت مكفن بكفن أبيض لم أر مثل بياضه فعرفت من ذلك الخلق صاحباً للقاضي أبي يعلى أعجمياً يدعى بأبي حكيم فقلت له: من هذا الذي على النعش على السبايك? فقال: القاضي أبو يعلى فقلت له: يا أبا حكيم أليس قد دفن القاضي في هذه البركة? فقال: ذاك المدفون في البركة يزوره الخلق وهذا رفعناه مكاناً علياً أو كما قال.
وسمعت محمد بن مواهب يقول: سمعت أبا الحسن بن جدا يقول: كنت نائماً في داري ليلة مات القاضي أبو يعلى فهتف لي هاتف وقال:
ما العيش بعدك مستطاب
هيهات أن يغشى لمثلك باب
فانتبهت فلما أسفر الفجر سمعت منادياً ينادي من أراد الصلاة على القاضي الإمام أبي يعلى فعلمت أن الهاتف والبيت الشعر لأجله.
قال ابن جدا: سالت الله تعالى بعد موت القاضي الإمام أبي يعلى أن أراه في النوم فرأيته فقلت: ما فعل الله بك? فقال لي: يا أبا الحسين وحقك لقد هدينا لأمر عظيم.
قال ابن جدا: وسألت الله أن أرى القاضي أبا يعلى في النوم دفعة أخرى فقلت: يا سيدي كيف المذهب ثم? فقال لي: يا أبا الحسن المذهب بيننا وبين جهنم سد من حديد.
قلت أنا: وقال ابن سيرين:"ما حدثك الميت بشيء في النوم فهو حق لأنه في دار حق".(2/86)
وسمعت بعض أصحابنا يقول: رأيت ابن بكير العكبري في النوم بعد موته فقلت له: ما فعل الله بك? فقال: أنا عند القاضي أبي يعلى فقلت له: تقد علمت أنك قريب من تربته فقال: أنا عنده في الجنة أو كما قال.
وسمعت أحمد بن علي الحنبلي يقول: حكى لي سعيد بن جعفر قال: كنت عند بعض شيوخي فدخل بعض أصحابي فقال: رأيت كأني في جامع باكرما وهي قرية على نهر ملك وجمع مجتمع فدخلت إلى الجامع فرأيت ثلاثة أشخاص على المنبر فقلت لبعض من كان بقربي: من هؤلاء? فقال لي: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقلت: يا رسول الله بمن الاقتداء فأومأ إلى شيخ قاعد على المرقاة التحتانية من المنبر فقلت: لمن كان بقربي من هذا الشيخ? فقال لي: هذا أبو يعلى بن الفراء أو كما قال.
قال: وقرأت بخط شيخنا الشريف أبي جعفر قال: رأيت شيخنا يعني الوالد السعيد قي المنام وهو في أحسن صورة رأيته في دار الدنيا وكأنه شاب في لحيته طاقات بياض يسيرة جداً وهو بمسجده بباب الشعير فتقدمت لأسلم عليه فقال: سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة.
وكتب إلي علي بن محمد بن المسبح قال: حدثني أبي قال: أريت في منامي كأن قائلاً يقول لي: مات في هذه الليلة أحمد بن حنبل فارثه فانتبهت مرعوباً وقلت: لعله بدعة تظهر وسنة تموت فو الله ما كان إلا أيام قلائل فوصلتني مكاتبة القاضي أبي علي يعقوب بوفاة الإمام أبي يعلى في الليلة التي رأيت فيها المنام.
قال: وذكرت قول القائل: ارثه فقلت: ما لم أرضه وما زلت حتى قلت هذه الأبيات:
مات السدى والندى والمجد والكرم
والعالم اليقظ المستبصر العلم
مات الإمام أبو يعلى الذي ندبت
لفقده الكعبة الغراء والحرم
يا أيها العالم الحبر الذي كسفت
شمس الهدى بعده بل عادها الظلم
لولاك ما كان للدنيا وساكنها
معنى ولا عرفت طرق الهدى الأمم
ولا روى عن رسول الله مأثرة
ولا قضى بصحيح عبر فيك فم
لم يبلغ الحنبلي الحبر مرتبة
إلا على رأسها من جسمك القدم(2/87)
أوضحت سبل الهدى من بعد ما درست عن الورى فقدتك العرب والعجم
مادت بنا الأرض وارتجت بساكنها
لما قبرت وكاد الدين ينهدم
فلنذكر الآن شذرة من آدابه وورعه.
سمعت أبا الحسن النهري قال: كنت في بعض الأيام أمشي مع القاضي والدك فالتفت فقال لي: لا تلتفت إذا مشيت فإنه ينسب فاعل ذلك إلى الحمق.
قال النهري: وقال لي والدك يوماً آخر وأنا أمشي معه: إذا مشيت مع من تعظمه أين تمشي منه? فقلت: لا أدري فقال: عن يمينه تقيمه مقام الإمام في الصلاة وتخلي له الجانب الأيسر إذا أراد أن يستنثر أو يزيل أذى جعله في الجانب الأيسر .
وقال النهري أيضاً: لما قدم الوزير ابن دراست عبرت أبصره ففاتني درس ذلك اليوم فلما حضرت قلت: يا سيدنا تتفضل وتعيد لي الدرس? فقال: أين كنت في أمسنا? فقلت: مضيت أبصرت ابن دارست فأنكر علي ذلك إنكاراً شديداً وقال: ويحك تمضي وتنظر إلى الظلمة? وعنفني على ذلك وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"النظر إلى الظالمين يطفىء نور الإيمان" أو كما قال .
قال: وكان ينهانا دائماً عن مخالطة أبناء الدنيا والنظر إليهم والاجتماع بهم ويأمرنا بالاشتغال بالعلم ومخالطة الصالحين .(2/88)
وسمعت خالي عبد الله يقول: حضرت مع القاضي الإمام والدك في دار رئيس الرؤساء بعد مجيء طغرلبك وقد أنفذ إليه غير مرة ليحضر فلما حضر قربه رئيس الرؤساء وزاد في إكرامه وإعظامه وأجلسه حتى مس بعضه بجنب المخدة وقال له: ما سمعه أهل المجلس لم يزل بيت المسلمة وبيت الفراء ممتزجين مختلطين فما هذا الانقطاع? فقال له القاضي الإمام: يروى عن شيخنا إبراهيم الحربي: أنه استزاره المعتضد وقربه وأجازه فرد جائزته فقال له: اكتم مجلسنا ولا تخبر بما فعلنا بك وبما قابلتنا به فقال له الحربي: لي إخوان لو علموا باجتماعي معك هجروني فقال له رئيس الرؤساء كلاماً أسره إليه ومد كمه إليه فتأخر القاضي الإمام عنه وسمعته يقول: أنا في كفاية ودعة فقلت له: يا سيدنا ما قال لك? قال: قال لي: معي شيء من بقية ذلك الإرث المستطاب وليس مما قد تلوثنا به من الدنيا فأحب أن تأخذه وتصرفه في بعض حوائجك فقلت له: أنا في كفاية ودعة أو كما قال .
وسمعت بعض أصحابنا يحكى أنه لما حصب الإمام القائم بالله -رضوان الله عليه- وعوفي: حضر الشيخ أبو منصور بن يوسف عند الوالد السعيد وقال له: لو سهل عليك أن تمضي إلى باب القربة لتهنىء الإمام بالعافية? فمضى إلى هناك فخرج إليه محمد الوكيل ومعه جائزة سنية وعرفه شكر الإمام لسعيه وتبركه بأدعيته ويسأله قبول ذلك قال: فوالله ما مسها ولا قبلها فروجع في ذلك فأبي أو كما قال .(2/89)
وسمعت جماعة من أهل يحكون: أن في سنة إحدى وخمسين وأربعمائة لما وقع النهب ببغداد بالجانب الغربي منها وانتقل الوالد السعيد من درب الدبرج إلى باب البصرة وكان في داره بدرب الدبرج خبز يابس فنقله معه وترك نقل رحله لتعذر من يحمله واختار حمل الخبز اليابس على الرحل النفيس وكان يقتات منه ويبله بالماء وقال: هذه الأطعمة اليوم نهوب وغصوب ولا أطعم من ذلك شيئاً فبقي ما شاء الله يتقوت من ذلك الخبز اليابس المبلول ويتقلل من طعمه إلى أن نفد ولحق الوالد السعيد من ذلك الخبز اليابس المبلول مرض وكان قد مرض.
وكان الوالد السعيد في كل ليلة جمعة يختم الختمة في المسجد بعد صلاة العشاء الآخرة ويدعو ويؤمن الحاضرون على دعائه ما أخل بهذا سنين عديدة إلا لمرض أو لعذر مستفيض سوى ما كان يختمه في غير تلك الليلة .
فهذا القدر الذي ذكرته إشارة إلى بعض مناقب الوالد السعيد .
ولقد أجمع الفقهاء والعلماء وأصحاب الحديث والقراء والأدباء والفصحاء وسائر الناس على اختلافهم على صحة رأيه ووفور عقله وحسن معتقده وجميل طريقته ولطف نفسه وعلو همته وورعه وتقشفه ونزاهته وعفته .
وكان ممن جمعت له القلوب فإنه روى عن محمد بن واسع أنه قال:" إذا أقبل العبد بقلبه إلى الله تعالى إليه أقبل إليه بقلوب المؤمنين" .
فلنختم الآن أخبار الوالد السعيد الذي من الله الكريم عليه بعلم الفقه وتعليمه وتدريسه وتصنيفه أفضل العلوم وأجزلها للثواب المقسوم وأولاها بصرف الفكر إليه ووقف الرأي الصائب عليه فإنه العروة الوثقى والحجة المثلى الدالة على طاعة الله جل ذكره وأداء مفترضاته والتمييز به بين محرماته محللاته والوقوف على حدوده ومعالمه وشروطه ومراسمه وإن ربحه الجنة وخسرانه النار .(2/90)
روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العلماء أمناء الرسل على عباده ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل فاعتزلوهم واحذروهم .
وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" .
وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أفضل العبادة: الفقه قليل الفقه خير من كثير العبادة" .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين: الفقه" .
وقال أبو هريرة:"لأن أجلس ساعة فأتفقه: أحب إلي من أن أحيي ليلة إلى الغداة" .
وروى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الأنبياء قادة والعلماء سادة ومجالستهم عبادة".
وسئل عبد الله بن عباس عن الجهاد فقال للسائل:"ألا أدلك على أفضل الجهاد? قال: بلى قال: تبني مسجداً وتعلم فيه القرآن والفقه والسنة" .
قلت أنا: ولفضيلة الفقه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس بالفقه في الدين فقال:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" فأجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم فوفر فقهه وزكاه وثمره ونماه وجعله نوراً يستضاء به وحجة باقية في عقبه .
فالحمد لله الذي أنعم علينا بأن وفقنا لاتباع الوالد السعيد في أصوله وفروعه وجنبنا مخالفته وجعلنا من ذريته وأهل محبته وشغلنا بعلومه وما أتعب نفسه في جمعه في ليله ونهاره وسفره وحضره وشبابه وكبره من أتباعه السنن الشرعية والشعائر الدينية الفارقة بين الأبرار والفجار والحاجزة بين الجنة والنار .
أنشدني بعض أصحابه وتلامذته:
من اقتنى وسيلة وذخراً
يرجو بها مثوبة وأجرا
فحجتي يوم أوافى الحشرا
معتقدي لمذهب ابن الفراء(2/91)
قلت أنا: ومعتقدنا ومعتقد الوالد السعيد ومن تقدمه من أئمتنا: مبني على حرفين: السكوت عن "لم?" في أفعاله عز وجل وعن "كيف"? في أوصافه تبارك وتعالى .
نسأل الله الكريم أن يزهدنا فيما زهد الوالد السعيد فيه فإنه كان يذم الدنيا ويأمر بالتقلل منها.
أنبأنا أحمد بن علي الخطيب حدثنا عبد الرحمن بن المهتدي بالله حدثنا الحسين بن أبي معشر أخبرنا وكيع عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مالي وللدنيا ? إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها" .
وروى أبو ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من زهد في الدنيا أدخل الله عز وجل الحكمة قلبه وأنطق بها لسانه وبصره داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سليماً إلى دار السلام" .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الزهد في الدنيا يريح القلب والجسد" .
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كانت نيته طلب الآخرة: جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه أمره ولا يأتيه منها إلا ما كتب له" .
وروى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت:"يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم? قال: المرء مع من أحب".
وكان الوالد السعيد -نور الله ضريحه- قد اجتمع فيه ما رواه ابن عباس قال: قيل:"يا رسول الله أي مجلسنا خير? قال: من ذكركم بالله رؤيته وزاد في عملكم منطقه وذكركم الآخرة بعلمه".
وهذا بعض مناقبه وفضائله وما هو شائع له بين الناس من زهده وعلمه أكثر فأغنانا عن أن نسطره ولولا أن أكثر من رآه وعاصرة وحضر مجلسه وناظره قد درج وانقرض: لما ذكرنا هذه الشذرات من مناقبه إذ كانت تتضمن مدحنا والإنسان لا يمدح نفسه .(2/92)
ولعل ناظراً في هذا الذي أوردناه وسطرناه يقول: كيف استجاز مدح والده على لسانه وهو الأصل ومدح الأصل مدح للفرع ?.
فنقول: إنما حملنا على ذلك كثرة قول المخالفين وما يلقون إلى تابعيهم من الزور والبهتان ويتخرصون على هذا الإمام من التحريف والعدوان وكان لنا في ذلك رخصة قد سبق إليها الأنبياء والأولياء رضوان الله عليهم وسلامه .
فقد قيل: إذا اضطر الإنسان إلى مدح نفسه فلا بأس بذلك قال الله تعالى في قصة يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الخليل عليهم السلام: قال: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا سيد ولد آدم ولا فخر ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر" .
قيل في معناه قولين أحدهما: يعني ولا فخر أعظم من هذا وقيل: أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له".
وروي عن بعض أصحابه نحو هذا الكلام من المدح للنفس في بعض المواضع التي احتاج فيها إلى ذلك .
فروي أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال للخارجين عليه حين ادعوا عليه ما هو بريء منه فقال لهم عثمان:"لولا أنكم قلتم لما قلت إني رابع أربعة في الإسلام وزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه وحفرت بئر رومة وجهزت جيش العسرة وزدت في المسجد وما بغيت ولا تمنيت ولا مسست فرجى بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا مرت بي جمعة إلا وأنا أعتق فيها نسمة إلا أن لا أجد في تلك الجمعة نسمة فأعتق في الجمعة الأخرى نسمتين" .(2/93)
وأخبرنا الوالد السعيد -قراءة- قال: أخبرنا علي بن عمر الحربي قال: حدثنا حامد بن بلال البخاري حدثنا محمد بن عبد الله البخاري قال: حدثنا يحيى بن النضر حدثنا غنجار عن قيس بن الربيع عن عمرو بن عبيد الله -يعني أبا إسحاق السبيعي- عن عاصم بن ضمرة قال: سمعت الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول على هذا المنبر:"إن علياً لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ليبتاع بها خادماً والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدفع إليه الراية فيقاتل عن يمينه جبريل وعن يساره ميكائيل فما يرجع حتى يفتح عليه" .(2/94)
وأخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد المعدل قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أبو عبد الله الطوسي قال: أخبرنا الزبير بن بكار الزبيري قال: حدثني رجل عن عبد الرحمن بن موسى بن عبد الله قال: حدثني محمد بن القاسم -مولى بني هاشم- قال:"بلغ عائشة رضي الله عنها: أن ناساً يتناولون أبا بكر فبعثت إلى أزفلة منهم فلما حضروا أسدلت أستارها فحمدت الله وأثنت عليه وصلت على نبيها صلى الله عليه وسلم وعذلت وقرعت ثم قالت: أبيه وما أبيه? أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وفرع مديد هيهات هيهات كذبت الظنون أنجح والله إذا كذبتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد فتى قريش ناشئاً وكهفها كهلاً يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعثها حتى حلته قلوبها ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيي فيه ما أمات المبطلون وكان رضي الله عنه غزير الدمعة وقيذ الجوانج شجي النشيج فانقصفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها وفوقت له سهامها وانتثلوه غرضاً فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومر على سيسائه حتى ضرب الدين بجرانه وألقى بركبتيه وأرست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجاً ومن كل فرقة أشتاتاً وأرسالاً اختار الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ما عنده فلما قبض الله نبيه: نصب الشيطان رواقه ومد طنبه ونصب حبائله وأجلب بخيله ورجله فظنت رجال: أن قد تحققت أطماعهم -ولات حين الذي يرجون- وأنى? والصديق بين أظهرهم فقام حاسراً مشمراً فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الإسلام على غرته ولم شعثه بطبه وأقام أوده بثقافه فامذقر النفاق بوطأته وانتاش الدين بثقافه فلما أراح الحق على أهله وقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها أتته منيته فسد ثلمته بنظيره في المرحمة وشقيقه في السيرة والمعدلة ذاك: ابن(2/95)
الخطاب لله أم حفلت له ودرت عليه لقد أوحدت به ففنخ الكفرة وديخها وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها ولفظت خبأها ترأمه ويصدف عنها وتصدى له ويأباها ثم وزع فيها فيأها وودعها كما صحبها فأروني ما تربئون فأي يومي أبي تنقمون? أيوم إقامته إذ عدل فيكم? أو يوم ظعنه وقد نظر لكم? وأستغفر الله لي ولكم" .
وقد روي عن إسحاق بن راهويه أنه قال:"سألني أحمد بن حنبل عن حديث الفضل بن موسى -حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يلحظ في صلاته ولا يلوي عنقه خلف ظهره" قال: فحدثته فقال رجل: يا أبا يعقوب رواه وكيع بخلاف هذا فقال له أحمد بن حنبل: اسكت إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به .
قلت أنا: فهذا إسحاق بن راهويه يمدح نفسه وهذا أحمد قد جعله أمير المؤمنين يعني في الحديث .
فأولى لنا أن نذكر والدنا ونذكر طرفاً من فضائله ومناقبه وعلومه وورعه فهذه خاصة في مدح الإنسان نفسه إذا احتاج إلى ذلك .
ولولا أن الذين قد جمعوا التواريخ حملتهم عصبيتهم وأهواؤهم على ترك فضائله ونشر مناقبه: لما ذكرنا ما ذكرناه فلما رأينا الذين قد رأوه وحفظوا ما سمعوه من فضائله من الشيوخ وشاهدوا بعض الذين ينقرضون والمؤرخون الذين أرخوا قصروا في نشر فضائله لأجل من يهوى هواهم من المخالفين: آثرنا ذكر بعض ما انتهى إلينا من فضائله فليعذرنا من وقف عليه ولا ينسبنا من الذين يتشبعون بما لم يعطوا وليسأل من يثق به من أهل الثقة والمعرفة والخبرة بالقاضي الإمام رضي الله عنه ولا يلتفت إلى قول مخالف ومباين بالبدعة فيعلم أن الذي سطرناه ما استعرنا منه ذلك إذ كان فيه أضعاف ما ذكر من الفضل والعلم والزهد .
فنسأل الله أن يحيينا على الإسلام والسنة وأن يميتنا عليهما ولا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا بمنه وكرمه إنه سميع الدعاء .
الطبقة السادسة
وهم أصحاب الوالد رضي الله عنهم(2/96)
أبو الغنائم علي بن طالب بن محمد المعروف بابن زبيبا:
أحد أصحاب الوالد السعيد وكان يدرس في الحريم في المسجد المقابل لباب بدر وللمسجد بابان وكانت له حلقة بجامع المهدي .
وكان أحد من قرأ عليه أبو تراب بن البقال وأبو الحسن المقرىء المعروف بابن الفاعوس وغيرهما .
ونسخ من الخلاف -تصنيف الوالد السعيد- نسختين بخطه ونسخ غيره من تصنيفات الوالد السعيد من ذلك: العدة وأحكام القرآن والجامع الصغير وغير ذلك .
وهو أول من توفي من أصحاب الوالد السعيد بعد موته وكان بين موته وموت الوالد السعيد: أقل من سنة .
ودفن إلى جنب تربة الوالد السعيد .
أبو منصور علي بن الحسن القرميسيني:
أحد من علق عن الوالد من الخلاف والمذهب وسمع منه الحديث وزوج ابنته لأبي علي بن البناء وأولدها أبا نصر .
وكانت وفاته: في رجب من سنة ستين وأربعمائة .
ودفن بمقبرة إمامنا أحمد رضي الله عنه .
أبو طاهر عبد الباقي بن محمد بن عبد الله البزاز المعروف بصهر هبة الله المقرىء:
وكان يلازم حلقة الوالد السعيد إلى حين موته .
وسمع منه الحديث وحضر تدريسه .
وكان شيخاً صالحاً معدلاً .
وتوفي ليلة الجمعة لعشرين من صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة .
ودفن في يوم الجمعة في مقبرة إمامنا أحمد وكان مدة شهادته عشرة أشهر .
وكان مولده: سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة .
أبو بكر بن علي بن محمد بن موسى الخياط المقرىء:
البغدادي الشيخ الصالح أحد الحنابلة الأخيار .
قرأ القرآن على المشايخ منهم: أبو أحمد الفرضي وبكر بن شاذان وأبو الحسين السوسنجردي وأبو الحسن الحمامي .(2/97)
وسمع الحديث من جماعة منهم: بكر بن شاذان فيما أخبرنا عنه بقراءة أخي أبي القاسم قال له: أخبركم بكر بن شاذان قال: أخبرنا علي الأخباري قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: قرأت على محمد بن سعدان قلت له: حدثك عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرؤه يتعتع فيه وهو عليه شاق: فله أجران اثنان" .
وقرأت عليه ختمتين لنافع .
إحداهما من طريق الحلواني وأبي نشيط وأخبرنا أنه قرأ طريق الحلواني على الحمامي وأخبره الحمامي: أنه قرأ بها على أبي بكر النقاش وقرأ النقاش على الحسين بن العباس الرازي وقرأ الرازي على أحمد بن يزيد وابن قالون وقرأ جميعاً على قالون وقرأ قالون على نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم قارىء المدينة .
وطريق أبي نشيط: على أبي أحمد الفرضي وأخبره أبو أحمد: أنه قرأ بها على أبي الحسين أحمد بن عثمان بن جعفر المعروف بابن بويان وأخبره أبو الحسين أنه قرأ بها على أبي حسان أحمد بن محمد بن الأشعب وقرأ أبو حسان بها على أبي نشيط محمد بن هارون وقرأ أبو نشيط على قالون عيسى بن مينا النحوي الزهري وقرأ قالون على نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم قارىء المدينة وذلك بجزم الميم من "عليهم" و "لديهم" و "إليهم" وإشباعها .
وكان ختمي عليه في ذي الحجة سنة أربع وستين وأربعمائة وكان شيخي قرأ بها في المحرم سنة أربعمائة .
والختمة الثانية: من طريق إسماعيل بن جعفر: بضم الميمات في جميع القرآن وأخبرني أنه قرأ بها على أبي الحسين السوسنجردي في سنة أربعمائة .
وكان شيخي السوسنجردي قرأ بها على أبي القاسم زيد بن أبي بلال .(2/98)
وأخبره زيد: أنه قرأ بها على أبي جعفر أحمد بن فرج وأخبره ابن فرج: أنه قرأ بها على أبي عمرو الدوري وأخبره الدوري: أنه قرأ بها على إسماعيل بن جعفر وأخبره إسماعيل: أنه قرأ بها على نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم .
وكان فراغي من هذه الختمة: في المحرم سنة خمس وستين وأربعمائة .
وكان شيخاً خيراً أديباً ثقة .
وكان يتردد إلى الوالد السعيد الدفعات الكثيرة ويسمع درسه ويحضر أماليه بجامع المنصور وغيره .
وكان هو -أعني ابن الخياط- ثقة ديناً يقرأ عليه القرآن والحديث في كل يوم في بيته وفي مسجده وفي جامع المنصور ويكثر عنده الناس .
وكان من شدة تحنبله: أنه كان إذا كتب إجازة أو سماعاً أو قراءة: كتب في آخر نسبه "الحنبلي".
وكان قد شاهد ابن حامد .
قرأت بخط أخي أبي القاسم رحمه الله تعالى: سألت أبا بكر بن الخياط عن مولده? فقال: في سنة ست وسبعين وثلاثمائة سنة الحنبلية .
وتوفي في جمادى الأولى سنة سبع وستين وأربعمائة .
ودفن في مقبرة الجامع يوم الخميس رابع جمادى الأولى .
أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي: أحد الفقهاء الفضلاء والمناظرين والأذكياء .
سمع الحديث من جماعة منهم: أبو القاسم بن بشران وأبو إسحاق البرمكي وأبو الحسين بن الحراني وأبو علي بن المذهب والوالد السعيد .
ودرس الفقه على الوالد السعيد وأجلس في حلقة النظر والفتوى بجامع المنصور في الموضع الذي كان يجلس فيه شيخ الوالد ابن حامد ولم يزل على ذلك: يدرس ويفتي ويناظر إلى أن خرج من بغداد سنة خمسين وأربعمائة إلى ثغر آمد -حماه الله- لما جرى على الإمام القائم بأمر الله -رضوان الله عليه- واستوطنها ودرس بها .
وكان له الأصحاب بها وبرع منهم: أبو الحسن بن الغازي .
ورحل إليه أخي أبو القاسم إلى آمد وعلق عنه من الخلاف والمذهب ثم عاد الأخ إلى بغداد لأجل الوالد .(2/99)
ومات بآمد سنة سبع أو ثمان وستين وأربعمائة وقبره هناك يقصد ويتبرك به وكان يدرس في مقصورة بجامع آمد .
أبو الحسن على بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم العكبري المعروف بابن جدا:
سمع الحديث من أبي علي بن شهاب وأبي القاسم هبة الله الطبري وأبي القاسم بن بشران وأبي علي بن شاذان وأبي علي بن المذهب وغيرهم .
وقرأ الفقه على الوالد السعيد وله مصنف في الأصول .
وكان شيخاً صالحاً ديناً كثير الصلاة حسن التلاوة للقرآن وكان ذا لسن وفصاحة في المجالس والمحافل .
وتوفي فجأة في الصلاة في شهر رمضان سنة ثمان وستين وأربعمائة وصلى عليه بجامع المنصور ودفن في مقابر إمامنا رضي الله عنه .
أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن الحسين الفراء: أخي الأكبر الشاب العالم الورع الصالح.
ولد يوم السبت السابع من شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة .
هكذا قرأت بخط الوالد السعيد .
سمع الحديث من أبي محمد الجوهري والوالد السعيد وجده لأمه جابر بن ياسين وأبي الحسين بن المهتدي وأبي الحسين بن الأبنوسي وأبي الحسين بن النقور وأبي جعفر بن المسلمة وأبي الغنائم بن المأمون ومحمد بن وشاح وأحمد بن ساوس وعلي الملطي وعبد الله بن هزارمرد الصريفيني في خلق كثير .
ورحل في طلب العلم والحديث إلى البلاد: واسط والبصرة والكوفة وعكبرا والموصل والجزيرة وآمد وغير ذلك .
وقرأ بآمد على تلميذ والده: أبي الحسن البغدادي قطعة صالحة من الخلاف والمذهب .
وكان قد علق قبل سفرته عن تلميذ والده الشريف أبي جعفر .
وكان حضر قبل ذلك درس والده السعيد وعلق عنه .
وكان يحضر مجالس النظر في الجمع وغيرها ويتكلم في المسائل مع شيوخ عصره .
وكان الوالد السعيد يأتم به في صلاة التراويح إلى أن توفي رحمة الله عليه .
وهو الذي تولى الصلاة على الوالد السعيد بجامع المنصور وتقدم على شيوخ الطوائف .
وكان ذا عفة وديانة وصيانة .
وكان له معرفة بالجرح والتعديل وأسماء الرجال والكنى وغير ذلك .(2/100)
وقرأ القرآن بالروايات الكثيرة على الشيوخ الذين انتهى الإسناد إليهم مثل: ابن الخياط وابن البنا وأبي الخطاب الصوفي وأحمد بن الحسن اللحياني .
ولما ظهرت البدع في سنة تسع وستين وأربعمائة هاجر من بلدنا إلى حرم الله .
وكانت وفاته في مضيه إلى مكة بموضع يعرف بمعدن النقرة في أواخر ذي القعدة من هذه السنة .
فتوفي وله ست وعشرون سنة وثلاثة أشهر ونيف وعشرون يوماً تقريباً .
وكان رحمه الله حسن التلاوة للقرآن كثير الدرس له مع معرفته بعلومه وعلوم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكان حسن الخط صحيحاً فهماً لقراءة الحديث .
رحمه الله وبارك له فيما صار إليه ونفعه بما كتب وقرأ وسمع وسعى واجتهد وعوضه بشبابه الجنة آمين .
?أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد البرداني :
صحب الوالد السعيد وتردد إلى مجالسه في الفقه وسماع الحديث .
وكان رجلاً صالحاً .
وتوفي ليلة الجمعة الثالثة من ذي الحجة سنة تسع وستين وأربعمائة .
وحمل إلى جامع المنصور وصلى عليه ابنه أحمد .
ودفن في مقبرة إمامنا أحمد إلى جنب أبي الحسن بن الرهنية الزاهد .
وكان مولده: سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة .
ثم شيخنا وأستاذنا الشريف الزاهد الورع العابد:
أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أحمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب :
ولد سنة إحدى عشرة وأربعمائة .
سمع الحديث من أبي القاسم بن بشران وأبي الحسين الحراني وأبي علي بن المذهب وأبي إسحاق البرمكي وأبي طالب بن العشاري والوالد السعيد .(2/101)
أخبرنا شيخنا الشريف أبو جعفر -قراءة- قال: حدثنا أبو القاسم بن بشران -إملاء يوم الجمعة بعد الصلاة لسبع خلون من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة- قال: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان قال: حدثنا محمد بن الفضل بن جابر أسقطي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن حفص الصفار قال: حدثنا محمد بن سواء عن هشام بن حسان عن الجارود عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كسا مسلماً على عري كساه الله عز وجل من خضر الجنة ومن سقاه على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ومن أطعمه على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة" .
وبدأ يدرس الفقه على الوالد السعيد من سنة ثمان وعشرين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسين يقصد إلى مجلس الوالد السعيد ويعلق الدرس ويعيد في الفروع وأصول الفقه.
وبرع في المذهب ودرس وأفتى في حياة الوالد السعيد .
وكان مختصر الكلام مليح التدريس جيد الكلام في المناظرة عالماً بالفرائض وأحكام القرآن والأصول .
صنف رؤوس المسائل وشرح من المذهب: الطهارة وبعض الصلاة وسلك فيه طريق الوالد السعيد في الجامع الكبير .
وكان يدرس في مسجد سكة الخرقي وبجامع المنصور ثم انتقل إلى الجانب الشرقي فدرس في المسجد المعروف به مقابل دار الخلافة .
وبدأت أنا بالتعليق عنه والدرس عليه في أول سنة خمس وستين وأربعمائة وصحبته إلى أن توفي رضي الله عنه .
وكان يحضر معنا مجلسه جماعه من الأصحاب .
وكان إذا بلغه منكر قد ظهر عظم عليه ذلك جداً وعرف فيه الكراهة الشديدة .
وكان شديد القول واللسان في أصحاب البدع والقمع لباطلهم ودحض كلمتهم وإبطالها .
ولم تزل كلمته عالية عليهم وأصحابه متظاهرين على أهل البدع لا يرد يدهم عنهم أحد .
وكان حسن الصيانة عفيفاً نزهاً .
وكان أحد الشهود المذكورين شهد عند قاضي القضاة أبي علي عبد الله الدامعاني في يوم الثلاثاء الثاني من شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة .(2/102)
وشهد بعده القاضي أبو علي يعقوب وأبو الحسن المبارك بن عمر الخرقي وتولى تزكيتهم الوالد السعيد .
ولم يزل يشهد سنين كثيرة إلى أن ترك الشهادة قبل وفاته بسنين كثيرة تورعاً .
ولم يزل على الطريقة الحسنة المرضية سالكاً نهج الوالد السعيد والسلف الصالح الرشيد.
ثم انتقل في سنة ست وستين إلى باب الطاق وسكن درب الديوان من الرصافة لأجل ما لحق نهر المعلى من الغرق .
ودرس بجامع المهدي وبالمسجد الذي على باب درب الديوان وكنت أمضي إليه في طلب العلم إلى هناك أنا وجماعة من الأصحاب فكان له مجلس للنظر في كل يوم اثنين ويقصده جماعة من الفقهاء المخالفين ويتكلم في بعض الأوقات تارة مبتدئاً وتارة مستدلاً إلى سنة تسع وستين.
فوصل إلى مدينة السلام بالجانب الشرقي ولد القشيري وأظهر على الكرسي مقالة الأشعري ولم تكن ظهرت قبل ذلك على رؤوس الأشهاد لما كان يلحقهم من أيدي أصحابنا وقمعهم لهم فعظم ذلك عليه وأنكره غاية الإنكار وعاد إلى نهر المعلى منكراً لظهور هذه البدعة وقمع أهلها فاشتد أزر أهل السنة وقويت كلمتهم وأوقعوا بأهل هذه البدعة دفعات وكانت الغلبة لطائفتنا: طائفة الحق .
فلما أدحض الله تعالى مقالتهم وكسر شوكتهم عظم ذلك على رؤسائهم وأجمعوا للهرب والخروج عن بلدنا إلى خراسان .
فبلغ ذلك وزير الوقت فقال: ما الذي حملكم على ذلك? فأظهروا الشكاية مما قد تم عليهم فوعدهم بأن يكف عنهم ذلك واجتمعوا ودبروا على حضور شيخنا الشريف عندهم فأنفذ إليه وزير الوقت فقال: قد عرض أمر لا بد من مشاورتك فيه فلما دخل إلى باب العامة عدلوا به إلى دار في القرية قد أفردت له ومنع معظم الأصحاب من الدخول عليه وكانوا قد تخرصوا عليه ورفعوا إلى إمام الوقت الكذب والزور والبهتان في أشياء لا يحتمل كتابنا ذكرها قد نزه الله تعالى مذهبنا وشيخنا عنها .(2/103)
ولم يزل عندهم مدة أشهر وكانوا قد عرضوا عليه أشياء من دنياهم فلم يقبلها ولم يأكل لهم طعاما مدة مقامه عندهم وداوم الصيام في تلك الأيام .
ودخلت عليه ذات يوم من تلك الأيام فرأيته يقرأ في المصحف فقال لي: قال الله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة تدري ما الصبر? فقلت: لا فقال: هو الصوم ولم يفطر حتى بلغ منه المرض نهايته .
وكان يكثر الدرس للقرآن فلما ثقل مرضه وضج الناس من حبسه أخرج إلى الحريم الظاهري بالجانب الغربي فمات هناك .
وكان الوالد السعيد -في مرضه الذي مات فيه- قد أوصى بأن يغسله الشريف أبو جعفر فحضر وتولى ذلك بنفسه وعرف ذلك الإمام القائم بأمر الله .
فلما حضرت القائم بأمر الله الوفاة قال: يغسلني الذي غسل ابن الفراء: ابن أبي موسى وعدل عن جميع أهل العلم والقضاة والأشراف ففعل وكان ذلك في يوم الخميس ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة فصعد باب الغرفة وأدخل من هناك إلى حجرة الإمام القائم بآمر الله وهو ميت مسجى فيها فغسله وعاونه في غسله من صب ماء وغيره عفيف وصافي وسلامة ومسعود .
وتنزه أن يأخذ مما هناك شيئاً فقيل له: قد أوصى لك أمير المؤمنين بأشياء كثيرة من المال والثياب وهي حاضرة هناك لها قيمة فأبى أخذها فقيل له: فقميص أمير المؤمنين تتبرك به فأخذ فوطة نفسه فنشف بها الإمام القائم بأمر الله وقال: قد لحق هذه الفوطة وهي ملكي بركة أمير المؤمنين ولم يأخذ القميص .
فقلت له بعد اجتماعي معه: أين سهمنا مما كان هناك? فقال: أحييت حال شيخنا والدك الإمام أبي يعلى يقال: هذا غلامه تنزه عن هذا القدر الكثير فكيف لو كان الوالد السعيد? .
ولو ذهبت أشرح طريقته وزهده وورعه لما احتمله هذا الموضع .
وحاله أشهر وأمره أظهر من ذلك .(2/104)
ولقد بلغ من قدره ومحله عند الإمام المقتدي بأمر الله: أنه لما فرغ شيخنا الشريف من غسل الإمام القائم بأمر الله: لم يأذن له بالمسير إلى منزله حتى بايع الناس الإمام المقتدي بأمر الله على الإجماع واستدعاه لبيعته مفرداً مخلياً به فبايعه ثم قال له شيخنا الشريف في جملة كلامه له:
إذا سيد منا مضى قام سيد
قؤول بما قال الكرام فعول
ثم أذن له بالمضي إلى منزله بعد بيعته .
وانتهى إليه في وقته الرحلة بطلب مذهب إمامنا أحمد .
وتوفي يوم الخميس النصف من صفر سنة سبعين وأربعمائة وأخرجت جنازته في غداة يوم الجمعة وحضرت الجنازة وكان يوماً مشهوداً لكثرة الخلق وعظم الحزن والبكاء وكان جمعاً لم أر مثله لجنازة بعد جنازة الوالد السعيد .
وتقدم للصلاة عليه أخوه أبو الفضل بجامع المدينة وحفر له بجنب قبر إمامنا أحمد فدفن فيه وأخذ الناس من تراب قبره الكثير تبركاً به .
ولزم الناس قبره ليلاً ونهاراً مدة طويلة ويقرأون ختمات ويكثرون الدعاء .
ولقد بلغني أنه ختم على قبره في مدة شهور ألوف ختمات .
وكثرت المنامات من الصالحين بالرؤى الصالحة له .
فمن جملة ما رئي له في المنام بعد وفاته: أن الرائي له حكى: أنه قال له: ما فعل الله بك? فقال: لما وضعت في قبري رأيت قبة من درة بيضاء لها ثلاثة أبواب وقائل يقول: هذه لك أدخل من أي أبوابها شئت .
ورآه إنسان آخر في المنام فقال له: ما فعل الله بك? فقال: التقيت بأحمد بن حنبل فقال لي: يا أبا جعفر لقد جاهدت في الله حق جهاده وقد أعطاك الله تعالى الرضا .
ورآه أبو بكر المعروف بابن القيمة في المنام فقال له: ما فعل الله بك? فقال له: مات الناس وكنت آخرهم أو كما قال .
عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني أبو القاسم:
رحل في طلب العلم وكتب وصنف تصانيف كثيرة .
وكان قدوة أهل السنة بأصبهان وشيخهم في وقته .
وكان مجتهداً متبعاً آثار النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض الناس عليها .(2/105)
وكان شديداً على أهل البدع مبايناً لهم وما كان في عصره وبلده مثله في ورعه وزهده وصيانته وحاله أظهر من ذلك .
وكانت بينه وبين الوالد السعيد مكاتبات .
مولده: سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وفيها ولد جدي لأمي جابر .
ومات ابن منده في شوال سنة سبعين وأربعمائة فيما بلغنا .
سمع والده وإبراهيم بن حرشبة في آخرين كثيرين .
أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد الرزاز المقرىء المعروف بابن حمدوه :
سمع الحديث من جماعة منهم أبو الحسين بن سمعون ومن بعده .
وتفقه على الوالد السعيد في السنة التي تفقه فيها شيخنا الشريف أبو جعفر وكانا يصطحبان إلى مجلس الوالد السعيد .
وكان كثير القراءة للقرآن والإقراء له وختم ختمات كثيرة .
وذكره ابن ثابت فقال: كتبت عنه وكان صدوقاً .
قال: وسألته عن مولده? فقال: ولدت في يوم الأربعاء لثمان عشرة خلت من صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة .
قلت أنا: وسمعت منه ما كان عنده عن ابن سمعون .
أخبرنا أبو بكر بن حمدوه قال: حدثنا أبو الحسين بن سمعون -إملاء- قال: حدثنا أبو الحسن الكاتب قال: حدثنا أبو حفص عمر بن الربالي قال: حدثنا يحيى بن ميمون بن عطاء القرشي قال: حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خطبنا أبو بكر الصديق فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول في مثل هذا الشهر في مثل هذا اليوم في مثل هذه الساعة ثم استعبر ثم عاد فاستعبر ثم عاد فاستعبر حتى فاضت عيناه فقال له عمر بن الخطاب وكان قريباً من المنبر: ما شأنك يا خليفة رسول الله? قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته: أيها الناس سلوا الله العفو والمعافاة" .
توفي ابن حمدوه في ليلة السبت ودفن في يوم السبت الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة سبعين وأربعمائة في مقبرة إمامنا أحمد رحمه الله تعالى .
أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله المعروف بابن البنا:(2/106)
سمع الحديث من هلال الحفار وأبي القاسم الغوري وأبي محمد السكري وأبي الحسين وأبي القاسم ابني بشران وأبي الفتح بن أبي الفوارس وأبي الحسن الحمامي في آخرين .
وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي بالقراءات وعلى غيره من الشيوخ وتفقه على الوالد السعيد وعلق عنه المذهب والخلاف ودرس في الجانب الشرقي بدار الخلافة في حياة الوالد السعيد وبعد وفاته .
وصنف كتباً في الفقه والحديث والفرائض وأصول الدين وفي علوم مختلفات وكان متقناً في العلوم .
ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة .
وكان له حلقتان إحداهما: في جامع المنصور والأخرى: في جامع القصر للفتوى والوعظ وقراءة الحديث .
سمعت منه الحديث وكان أديباً شديداً على أهل الأهواء .
حدثنا الحسن بن أحمد بن البناء قال: أنبأنا أحمد بن علي المعروف بالبادي قال: حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا جبريل بن شجاع قال: حدثنا محمد بن عمرو السويفي البلخي قال: سمعت عبد المجيد بن عبد العزيز عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الجود من جود الله فجودوا يجد الله لكم ألا إن الله خلق الجود وخلقه في صورة رجل وجعل أسه راسخاً في أصل شجرة طوبى وشد أغصانها بأغصان سدرة المنتهى وتدلى بعض أغصانها إلى الدنيا فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة ألا إن السخاء من الإيمان والإيمان في الجنة: وخلق البخل من مقته وجعل أسه في أصل شجرة الزقوم وتدلى بعض أغصانها إلى الدنيا فمن تعلق بغصن منها أدخله النار ألا إن البخل من الكفر والكفر في النار" .
ومات أبو علي بن البناء في يوم السبت الخامس من رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وصلى عليه بجامع القصر وجامع المدينة .
ودفن بمقبرة إمامنا أحمد رضي الله عنه .
أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن أحمد يعرف بابن القواس:
تفقه على الوالد السعيد وكانت له حلقة بجامع المنصور يفتي ويعظ .(2/107)
وكان يقرأ القرآن ويدرس الفقه في مسجده بباب البصرة .
وكان قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وغيره .
وسمع الحديث من هلال الحفار وأبي نصر بن النرسي وأبي الحسين بن بشران وغيرهم .
وكان ثقة صالحاً أماراً بالمعروف ملازماً لمسجده وأقام فيه خمسين سنة تقريباً.
ولد سنة تسعين وثلاثمائة وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة وصلى عليه بجامع المنصور بالمدينة ودفن في يوم الجمعة بجنب شيخنا الشريف أبي جعفر.
القاضي أبو الفتح عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جاكارتي:
قدم بغداد من ثغر حران قاصداً لمسجد الوالد السعيد وطالباً لدرس الفقه فتفقه عليه وكتب كثيراً من مصنفاته .
وكان يلي القضاء بحران من قبل الوالد السعيد كتب له عهداً بولاية القضاء بحران .
وكان ناشراً لمذهبنا داعياً إليه في تلك الديار .
وكان مفتيها وواعظها وخطيبها ومدرسها .
وسمع الحديث من أبي علي بن شاذان ومن البرقاني ومن أبي علي بن شهاب ومن الوالد السعيد في آخرين .
واختار الله العظيم له الشهادة علي يدي ابن قريش العقيلي في سنة ست وسبعين وأربعمائة عند اضطراب أهل حران على ابن قريش لما أظهر سب السلف بها .
أبو عبد الله بن عمر بن الوليد الباجسرائي الحنبلي:
كانت له حلقة بجامع المنصور وتردد إلى مجلس الوالد السعيد الزمان الطويل وسمع منه الحديث والدرس ومات سنة سبع وستين وأربعمائة وكان قد بلغ من السن خمساً وتسعين سنة.
أبو بكر عمر الحنبل الطحان:
حضر درس الوالد السعيد وعلق عنه .
ومات في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة .
القاضي أبو علي يعقوب بن إبراهيم بن سطور البرزيني: قرية من قرى عكبرا .
دخل بغداد سنة نيف وثلاثين وصحب الوالد السعيد وقرأ عليه الفقه وبرع فيه ودرس في حياة الوالد السعيد وبعد وفاته بالجانب الشرقي بباب الأزج .
وصنف كتباً في الأصول والفروع وكان له غلمان كثيرون .(2/108)
وكان مبارك التعليم لم يدرس عليه أحد إلا أفلح وصار فقيهاً.
وكانت حلقته بجامع القصر .
وشهد في اليوم الذي شهد فيه شيخنا الشريف أبو جعفر زكاهما الوالد السعيد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني .
وولي القضاء بباب الأزج من قبل الوالد السعيد في محرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة .
ورفع يده عن القضاء والشهادة في يوم الثلاثاء مستهل ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة .
ثم عاد إلى القضاء والشهادة في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة .
وكان ذا معرفة ثاقبة بأحكام القضاء وإنفاذ السجلات وشهد على إنفاذه في داره جماعة من الشهود في قضية تتعلق بالوكلاء أجلهم الله تعالى وفي قضية تتعلق ببيت ابن زريق تعرف بقرية ابن إسحاق ثم سجل بها .
وكان متشدداً في السنة متعففاً في القضاء .
وسمع الحديث من جماعة بعكبرا وببلدنا منهم: الوالد السعيد .
وتفقه عليه أخي أبو حازم حفظه الله وعنه علق الفقه وقد بارك الله له في صحبته إياه .
ومات وهو على القضاء بباب الأزج في شوال من سنة ست وثمانين وأربعمائة .
وكان عمره سبعاً وسبعين سنة وصلى عليه أكبر أولاده بجامع القصر .
وحضر جنازته خلق كثير من أرباب الدين والدنيا وأصحاب المناصب ونقيب العباسيين ونقيب الأشراف الطالبيين وحجاب السلطان وجماعة من الشهود وغيرهم .
ودفن في مقبرة أبي بكر عبد العزيز بباب الأزج في يوم الأربعاء ثالث عشرين شوال .
أبو محمد شافع بن صالح بن حاتم الحنبلي:
ورد بغداد بعد الثلاثين وأربعمائة وصحب الوالد السعيد وتفقه عليه وقرأ عليه الأصول والفروع وسمع منه الحديث الكثير ومن غيره وكتب معظم مصنفاته في الأصول والفروع . وكان أخا دين وتعفف وصلاح وتقشف .
ودرس في الجانب الشرقي من الحرم الشريف بالمسجد الذي درسنا فيه الفقه على شيخنا الشريف أبي جعفر مقابل دار الخلافة ولم يزل مقيماً به إلى أن توفي سنة ثمانين وأربعمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد رضي الله عنه .(2/109)
أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الهروي الأنصاري:
كان يدعى شيخ الإسلام وكان إمام أهل السنة بهراة ويسمى خطيب أعجم لتبحر علمه وفصاحته ونبله .
وكان شديداً على الأشعرية وكان بينه وبين عبد الرحمن بن منده مكاتبة .
سمع من أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي وأخذ منه علم الحديث وأبي زكريا يحيى بن عمار السجزي المفسر الحنبلي وأخذ منه علم التفسير .
ورحل إلى نيسابور وسمع من أصحاب أبي العباس الأصم وغيره .
روى عنه خلق كثير وكان له أولاد .
أحدهم: عبد الهادي والآخر جابر .
فأما عبد الهادي فقتلته الباطنية سنة نيف وتسعين وأربعمائة على ما انتهى إلينا .
أنشدنا محمد بن أحمد بن أحمد الأصفهاني قال: حدثنا محمد بن علي الهمذاني بها قال: أنشدنا عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي الحنبلي شيخ الإسلام لنفسه من قصيدة له في السنة:
أنا حنبلي ما حييت فإن أمت
فوصيتي ذاكم إلى إخواني
إذ دينه ديني وديني دينه
ما كنت إمعة له دينان
وتوفي عبد الله الأنصاري على ما بلغنا سنة إحدى وثمانين وأربعمائة .
أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المعروف بالمقدسي:
صحب الوالد السعيد من سنة نيف وأربعين وتردد إلى مجلسه سنين عدة .
وعلق عنه أشياء في الأصول والفروع ونسخ واستنسخ من مصنفاته .
وسافر إلى الرحبة والشام وحصل له الأصحاب والأتباع والتلامذة والغلمان .
وكانت له كرامات ظاهرة ووقعات مع الأشاعرة وظهر عليهم بالحجة في مجالس السلاطين ببلاد الشام .
ويقال: إنه اجتمع مع الخضر عليه السلام دفعتين .
وكان يتكلم في عدة أوقات على الخاطر كما كان يتكلم ابن القزويني الزاهد .(2/110)
فبلغني أن تتشاً لما عزم على المجيء إلى بغداد في الدفعة الأولى لما وصلها السلطان: سأله الدعاء فدعا له بالسلامة فعاد سالماً فلما كان في الدفعة الثانية استدعاه السلطان وهو ببغداد لأخيه تتش فرعب وسأل أبا الفرج الدعاء له فقال له: لا تراه ولا تجتمع به فقال له تتش: هو مقيم ببغداد وقد برزت إلى عنده ولا بد من المسير إليه فقال له: لا تراه فعجب من ذلك وبلغ هيت فجاءه الخبر بوفاة السلطان ببغداد فعاد إلى دمشق وزادت حشمة أبي الفرج عنده ومنزلته لديه .
وبلغني أن بعض السلاطين من المخالفين كان أبو الفرج يدعو عليه ويقول: كم أرميه ولا تقع الرمية به? فلما كان في الليلة التي هلك ذلك المخالف فيها قال أبو الفرج لبعض أصحابه: قد أصبت فلاناً وقد هلك فأرخت تلك الليلة فلما كان بعد بضعة عشر يوماً ورد الخبر بوفاة ذلك الرجل في تلك الليلة التي أخبر أبو الفرج بهلاكه فيها .
وكان أبو الفرج ناصراً لاعتقادنا متجرداً في نشره مبطلاً لتأويلات أخبار الصفات .
وله تصنيف في الفقه والوعظ والأصول .
وتوفي بدمشق سنة ست وأربعمائة .
أبو الحسن علي بن عمرو بن علي الحراني الحنبلي الصالح التقي صاحب الوالد السعيد:توفي بسروج في شعبان من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة .
وحكى لي ابنه خليفة قال: حكى لي رجل من أهل سروج من الصالحين: أنه رأى في تلك الليلة قائلاً يقول له: يا فلان إلى متى تنام? قم قد انهدم ربع الإسلام قال: فانتبهت وانزعجت ثم عدت نمت فرأيت القائل يقول لي: كم تنام قم قد انهدم ربع الإسلام قال: فقعدت واستغفرت الله فقلت: إيش هذا? قال: ثم نمت فقال لي: يا فلان قم قد انهدم ربع الإسلام قد مات علي بن عمرو قال: فأصبحت وقد مات .
أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرث بن أسد التميمي:
أحد الحنابلة المشهورين في الحنبلية هو وأبوه وعمه وجده .
وكان حسن العبادة مليح الإشارة فصيح اللسان .(2/111)
وكان يجلس في حلقة أبيه بجامع المنصور للوعظ والفتوى إلى سنة خمسين وأربعمائة ثم انقطع عن المضي إلى جامع المنصور وانتقل إلى دار الخلافة بباب المراتب وكان يمضي في السنة أربع دفعات: في رجب وشعبان إلى مقبرة إمامنا ويعقد هناك مجلساً للوعظ ويجتمع عنده الخلق الكثير والجم الغفير لاستماع كلامه ويحضر بين يديه ابنه أبو الفضل عبد الواحد ينهض بعد كلامه على قدميه ويورد فصولاً مجموعة .
قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وسمع الحديث من أبي عمر بن مهدي وأبي الحسن الحمامي وأحمد بن علي بن البادي وأبي الحسين وأبي القاسم ابني بشران وأبي علي بن شاذان.
وتفقه على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي .
وقرأ على الوالد السعيد قطعة من المذهب وكان يفتي في المسائل المشهورة .
وكان إمام العصر يراسل به في بعض مهماته إلى أمراء الأطراف لأنه كان له قبول عند الأمراء والوزراء فلما ورد أصفهان كتب الناس عنه الحديث .
وشهد عند قاضيي القضاة: أبو عبد الله ابن ماكولا وابن الدامغاني فقبلا شهادته .
قرأت على أبي محمد رزق الله قلت له: أخبرك أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي قال: أخبرنا أبو عبد الله بن مخلد قال: حدثنا محمد بن عثمان بن كرامة قال: حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقال آذنني بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني عبدي لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه" أخرجه البخاري عن ابن كرامة .
مولده سنة أربعمائة وقيل: سنة إحدى وأربعمائة .(2/112)
ومات ليلة النصف من جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة .
ودفن في داره بباب المراتب ثم نقل بعد ذلك إلى مقبرة إمامنا لما توفي ابنه سنة إحدى وتسعين وأربعمائة .
قال أبو محمد التميمي: أنفذ الخليفة المطيع لله بمال عظيم ليبني على قبر أحمد بن حنبل قبة فقال له جدي وأبو بكر عبد العزيز: أليس تريد أن تتقرب إلى الله تعالى بذلك? فقال: بلى فقالا له: إن مذهبه أن لا يبنى عليه شيء فقال: تصدقوا بالمال على من ترونه فقالا له: بل تصدق به على من تريد أنت فتصدق به .
وقال أيضاً: لما توفي أبو الفرج تحرجت أن أدفنه في الدكة مع أحمد ثم دفنته فلما كان الليل: رأيته في النوم فقال لي: يا محمد ضيقت على الإمام فقلت: تحب أنبشك وأدفنك في موضع آخر? فقال: إذا نقلتني عن هذا الرجل فبمن أتبرك? .
أبو إسحاق إبراهيم الخزاز:
كان صالحاً مقرئاً ديناً وسمع من الوالد السعيد وحضر بعض أماليه .
ومات يوم السبت تاسع ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وأربعمائة وصليت عليه إماماً بجامع المنصور .
أبو يعلى بن الكيال: كان رجلاً صالحاً وتردد إلى الوالد السعيد زماناً متواصلاً.
وسمع منع علماً واسعاً وكان عبداً صالحاً وقيل: إنه كان يحفظ الاسم الأعظم .
أبو الحسن علي بن المبارك النهري :
ولد بدرب النهر من الكرخ فعرف بالنهري .
وتفقه على الوالد السعيد في حياته وبعد مماته.
وكان كثير الذكاء قيماً بالفرائض .
سمع من الوالد السعيد الحديث الكثير .
وتوفي في ذي القعدة سنة نيف وثمانين وأربعمائة .
وسألني ولده الكبير الصلاة على أبيه إماماً بجامع المنصور ففعلت ودفن في مقبرة الجامع .
أبو محمد عبد الله بن جابر بن ياسين خالي:
سمع من الوالد السعيد الكثير وكان أحد من يستملي له بجامع المنصور وعلق عنه قطعة من المذهب والخلاف وكتب أشياء من تصانيفه .
وسمع من خلق كثير منهم أبو علي بن شاذان وأبو القاسم بن بشران في آخرين .
وحدث وسمع منه جماعة وسمعت منه عدة أجزاء .(2/113)
وكان صادق اللهجة حسن الوجه مليح المحاضرة كثير القراءة للقرآن مليح الخط حسن الحساب .
مولده: سنة تسع عشرة وأربعمائة .
وموته: يوم الأربعاء العشرين من شوال سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وصليت عليه إماماً .
ودفن في تربة والده قريباً من قبر إمامنا رضي الله عنهم .
أبو عبد الله محمد بن الحسن الراداني :
صحب الوالد السعيد وكان زاهداً ورعاً عالماً بالقراءات وغيرها .
مات يوم الأحد رابع عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعين وأربعمائة .
أبو الحسن بن زفر العكبري :
صحب الوالد السعيد وسمع درسه .
وكان صالحاً كثير التلاوة والتلقين للقرآن .
وبلغني أنه سرد الصوم خمساً وسبعين سنة .
ومات وسنه تسعون سنة .
وكانت وفاته قبل وفاة أبي عبد الله الراداني بأيام لا أحفظ عددها .
2 - أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني : سمع درس الوالد السعيد سنين وسمع منه الحديث الكثير وكان أحد المستملين على الوالد السعيد بجامع المنصور.
وتوفي عشية يوم الأربعاء لعشر من شوال سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ودفن في يوم الخميس .
أبو القاسم الغوري
كان شيخاً صالحاً مقرئاً ديناً .
أبو منصور محمد بن أحمد بن علي الخياط المقرىء:
الشيخ الصالح الثقة الدين .
قرأ القرآن على أبي نصر بن مسرور المقرىء وغيره ولم يزل يقرىء ويلقن إلى حين وفاته. وكان حسن التلقين والتلاوة .
وسمع من عبد الغفار المؤدب وأبي القاسم بن بشران وأبي عبد الله أخي الخلال وأبي منصور بن السواق وأبي الحسن بن القزويني وأبي القاسم بن الدمناني في آخرين .
وتفقه على الوالد السعيد وكان الوالد إذا جلس للحكم بنهر المعلى يقصد الجلوس للحكم في مسجده ويصلي خلفه .
فسمعته يقول: أول يوم جلس والدك القاضي الإمام للقضاء واجتمع الناس: حضرت صلاة الظهر فتأخرت وقلت: يا سيدنا نتجمل بالصلاة وراءك فقال لي: تقدم يا أبا منصور جمالك صلاتي وراءك .
فغرس له في قلوب العامة والخاصة نباهة وجلالة .(2/114)
وكان كثير الصيام ومداومة القيام .
ولد سنة إحدى وأربعمائة .
وتوفي في المحرم سنة تسع وتسعين وصلى عليه سبطه أبو محمد في جامع القصر وصلى عليه في جامع المنصور .
وكان الخلق على جنازته متوفرون .
ودفن بجنب قبر أبي الوفاء بن القواس بينه وبين قبر إمامنا أحمد قبران .
أقرأ القرآن بضعاً وستين سنة ولقن أمماً وكان رحيماً بالغرباء والأمراء الذين يعلمهم القرآن وكان له ورد بين العشاءين يقرأ فيه سبعاً من القرآن قائماً وقاعداً .
ولقد رئي له من المنامات الصالحة في حياته وبعد وفاته عدة منامات .
أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد العلثي:
أحد المشهورين بالصلاح والزهد.
صحب الوالد السعيد سنين يسمع درسه والحديث منه فعادت بركته عليه فصار عالماً زاهداً عابداً فظهر له في الناس القبول والمحبة وإجابة الدعاء .
وكان في حداثته يعمل صنعة الجص والاسفيداج ويتنزه من عمل الصور والنقوش وينهى الصناع عن ذلك .
وحكى لي: أنه لما دخل إلى دار بعض السلاطين مكرها مع جملة من الصناع أنه أدخل إلى بيت في دار تعمر وكان في البيت صور من الاسفيداج مجسمة فقيل له: تعمل في هذا البيت? فقال: نعم فلما خرجوا عنه وخلا بنفسه أخذ الفأس وعمد إلى الأداة التي تكون للصناع للعمل وكسر الصور كلها بها فلما جاء العرفاء ورأوا ما فعل: استعظموا ذلك منه وقيل له: كيف أقدمت على فعل هذا في دار هذا السلطان وقد أنفق على هذه مالاً? فقال: هذا منكر والله أمر بكسره والآن قد فعلت ما تعين علي من الإنكار أو كلاماً هذا معناه فانتهى أمره إلى السلطان وقيل له: هذا رجل صالح مشهور بالديانة وهو من أصحاب ابن الفراء فقال: يخرج ولا يتكلم ولا يقال له أي شيء يضيق به صدره ولا يجاء به إلى عندنا فلما أخرج ترك عمل الجص ولازم المسجد يقرىء القرآن ويؤم الناس وكان له عقار قد ورثه عن أبيه فكان يبيع منه شيئاً فشيئاً يتقوت به .(2/115)
وكان عفيفاً لا يأخذ من أحد شيئاً ولا يطلب ولا يسأل أحداً حاجة لنفسه من أمر الدنيا مقبلاً على نفسه وشأنه مشتغلاً بعبادة ربه كثير الصوم والصلاة .
وكان يذهب بنفسه في كل ليلة إلى دجلة ويحمل في كوز له الماء ليفطر عليه وبان من كراماته غير قليل .
أخبرني من أثق به من أصحابي: أنه كان لبعض أهله صبي صغير وأنه ظهر به وجع في حلقه ورقبته وخافوا على الصبي منه وأنه أخذه وحمله إلى هذا الشيخ الصالح أحمد رحمه الله فقرأ شيئاً عليه من القرآن ونفث عليه من ريقه فزال ما كان بالصبي بإذن الله تعالى بعد يوم أو يومين ولم يحتج إلى علاج بعد هذا .
وكان هذا الشيخ ممن نفعه الله تعالى بصحبة الوالد السعيد .
وكان متواضعاً يحمل ما يحتاج إليه من الخبز وغيره من حوائجه بنفسه ولا يستعين بأحد ممن يعرفه مسارعاً إلى قضاء حوائج المسلمين عند الناس أجمعين .
وحج مراراً وزار النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كان في شوال من سنة ثلاث وخمسمائة: خرج عازماً على الحج فبلغنا في يوم الأحد ثامن عشر المحرم من سنة أربع وخمسمائة أنه وصل إلى عرفات يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسمائة وكان قد وقع عن الجمل في الطريق دفعتين وكان معه بقية ألم من الوقوع وأنه شهد عرفة محرماً يوم الأربعاء فتوفي عشية ذلك اليوم على جبال عرفات محرماً فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت ودفن في يوم النحر وهو يوم الخميس بمقبرة أهل مكة عند قبر الفضيل بن عياض الزاهد .
فكفاك بهذه الوفاة فضيلة وشرفاً .
فلما صح ذلك عندنا: حصل النداء عليه وخصوا المسجد الجامع للصلاة عليه صلاة الغائب فحضر الناس وأصحاب دولة الإمام المستظهر بالله أمير المؤمنين أدام الله توفيقه وتقدم بعض أصحاب الوالد السعيد إماماً للصلاة عليه وصليت أنا عليه في مسجدي بباب المراتب لعذر وصلى معي جماعة وكذلك صلى عليه في المسجد الجامع من الجانب الغربي .(2/116)
وحكى لي أنه كان إذا حج زار القبور بمكة ويجيء إلى عند قبر الفضيل بن عياض ويخطط بعصاه الأرض ويقول: يا رب ههنا يا رب ههنا فاستجاب الله له رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين .
أبو الفتح محمد بن علي بن محمد الحلواني :
كان قد شاهد الوالد السعيد وتفقه على صاحبيه القاضي أبي علي والشريف أبي جعفر ودرس في المسجد الذي كان يدرس فيه الشريف أبو جعفر .
ومات في ذي الحجة سنة خمس وخمسمائة .
جعفر بن الحسن المقرىء الدرزيجاني :
كان زاهداً أماراً بالمعروف .
وشاهد الوالد السعيد وتعلم منه أشياء وتعلم من تلميذه الشريف أبي جعفر وختم القرآن لخلق كثير وكان مداوماً للقيام والتهجد بالليل وله ختمات كثيرة يختم كل ختمة منها في ركعة .
وكانت وفاته على ما حكي لي في الصلاة وهو ساجد في شهر ربيع الآخر من سنة ست وخمسمائة .
ودفن بداره بدرزيجان ومضيت إلى هناك وصليت على قبره .
علي بن محمد بن علي أبو منصور بن الأنباري :
تفقه على الوالد السعيد وسمع منه الحديث الكثير .
وكان أحد الشهود العدول .
شهد عند قاضي القضاة محمد بن علي بن محمد الدامغاني ومحمد بن المظفر الشامي وعلي بن محمد الدامغاني وولي القضاء بربع باب الطاق .
وكان يعظ بجامع المنصور وجامع القصر ويشهد ويحكم وكان ينشر السنة في مجالسه .
وحدث عن الوالد السعيد بكثير من سماعاته ومصنفاته .
ومات في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسمائة وصليت عليه إماماً بجامع المنصور في المقصورة وشيعته إلى مقبرة إمامنا أحمد رحمة الله عليه .
أبو العباس أحمد بن الحسن بن أحمد المعروف بابن المخلطي :
سمع من الوالد السعيد الحديث الكثير وحدث عنه .
وكتب الخلاف وغيره من مصنفات الوالد .
وقرأ القرآن على ابن الصلحي وكان ثقة صالحاً.
ومات في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسمائة وصليت عليه إماماً وشيعته إلى مقبرة إمامنا أحمد رحمة الله عليه .
الشيخ أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني :(2/117)
كان مولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة .
ومات في جمادى الآخرة سنة عشر وخمسمائة .
أبو القاسم يحيى بن عثمان بن الشوا :
سمع من الوالد السعيد الحديث وحضر درسه ونسخ معظم كتبه وصليت عليه إماماً في المصلى يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة ودفن في مقبرة إمامنا أحمد رضي الله عنه .
أبو سعد المبارك بن علي المخرمي :
سمع الوالد السعيد وابن المهتدي وجدي جابراً وابن المأمون وابن النقور وغيرهم .
ودرس الفقه على صاحبي الوالد الإمام أبي علي يعقوب وأبي جعفر عبد الخالق .
ودرس وأفتى وقبلت شهادته وولي قضاء باب الأزج .
كانت سيرته جميلة وعشرته مليحة .
وقيل: إن مولده سنة ست وأربعين وأربعمائة .
وكان بيني وبينه امتزاج واجتمعنا في مجلس الشريف أبي جعفر للدرس غفر الله له وختم القرآن لخلق كثير .
وكان مداوماً للصيام والتهجد بالليل .
وتوفي في ليلة الجمعة ثانية عشر محرم سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وصلى عليه في عدة مواضع دفعتان بجامع القصر الشريف كنت أنا الإمام في إحداها ودفن بالقرب من قبر إمامنا أحمد رحمة الله عليه وكان دفنه قبل صلاة الجمعة في يوم الأحد ثاني عشر الشهر المقدم ذكره.
وكان مليح المناظرة .
قاضي القضاة علي بن محمد بن عقيل: الفقيه البغدادي
كان مولده سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة .
ومات في يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة .
وهو أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي .
أبو البركات طلحة بن أحمد بن طلحة :
قرأ على الوالد الخصال وسمع منه الحديث الكثير ومن الجوهري ومن بعده وحضر درس الفقه وقال لي: أقرأ في كل أسبوع ختمتين .
ودفن في يوم الأربعاء ثالث شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وصليت عليه إماماً في المصلى ودفن في مقبرة عبد العزيز .(2/118)
فنضر الله وجهه إمامنا أحمد ووالدنا محمد وسلفنا الذي سلكوا مسلكهما وألبسهما التبجيل وحلل الإكرام وبحبحهم وجميع أئمة المسلمين من أهل السنة والدين جنات الفردوس من دار السلام وصان في الدنيا أقدار إخوانهم وأحبابهم الماثلين إليهم من جميع أوليائهم ووراثهم ومن علينا وعليهم بمرافقة الأنبياء والأولياء والحلول في أعالي درجات أفنيتهم مع المنعم عليهم من الصديقين والعلاة القدر من الصالحين والشهداء .
وإياه أسأل أن يتطول علي وعلى والدي وإخواني ومن كان على اعتقادي في طلب مرضاته: بدوام النشاط وفي الاعتماد على حقائق موافقته بتواتر الاغتباط وأن يهب لي ولهم اتصال الجد في السعي إلى يوم الورود واللقاء وحلول دار السرور والبقاء في جوار المصطفى من صفوة المخلصين المجتبى من خيار العظماء محمد نبينا أفضل السفراء وأوجه المستحفظين الأمناء صلوات الله عليه وعلى آله وعلى سائر ملائكته والمصطفين من أهل ولايته .
والحمد لله رب العالمين وولي المؤمنين كما ينبغي لعظمة جلاله وعزه وبهاء جماله والسلام على من اتبع الهدى وآثر ضياء الرشد على ظلم الردى .
وصل الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .
انتهت كتابته بمكة المكرمة تجاه باب الكعبة المعظمة على يد الفقير إلى عفو الله والملتجئ إلى حرم الإله عبد القادر بن عبد الوهاب بن عبد المؤمن القرشي عفا الله عن زلاته وتجاوز عن سيئاته وعفا عنه وعن والديه ومشايخه وأحبابه وإخوانه في الله وأودائه وعصمه وإياهم من الخطأ والخطل والزيغ والزلل والخلق الغبي والتعصب المذهبي .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وعترته وحزبه وحسبنا الله ونعم الوكيل في 7 شعبان المكرم سنة 874 أحسن الله تقضيها .(2/119)
وأصل هذه الصورة الفوتوغرافية موجود بمكتبة يني جامع باستانبول تحت رقم 000000 وكان بيدنا نسخة أخرى جديدة الكتب تكرم به السلفي الصالح الشيخ محمد نصيف الناشر لعلم السلف قد اتخذناها مسودة لأن كاتبها العصري تركي لا يفقه في العلم شيئاً حتى كان يحرف البديهيات.
وكان الفراغ من طبعه في ختام شهر شوال سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطبعة السنة المحمدية وقد حرصت على إبرازها على أدق ما أمكنني من التحقيق والتصحيح.
وهذه الطبقات تعطي صورة لما كان عليه تفكير الناس في هذا العصر الذي يعتبر من أول عصور الانحلال في المسلمين بسبب ما غلب عليهم من التقليد والعصبية المذهبية وما شاع فيهم من أوهام الصوفية حتى كان من أبرز ما يعتمدون عليه المنامات والرؤى والأخبار التي يتلقفونها من أفواه العامة وأشباههم بدون تحقيق ولا تمحيص ذلك أن رؤوسهم لم تكن بالقوة والاتزان الذي كان عند الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ولا عند جهابذة المحققين من المتأخرين أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم رحمهما الله فلقد كان لذلك الضعف في التفكير ولهذا التقليد والعصبية المذهبية آثار ستلمسها في ثنايا هذه الطبقات إذا حرصت على الاستمساك بالميزان العادل من كتاب الله وسننه الكونية وهدى رسول صلى الله عليه وسلم.
وفقنا الله وإياك لذلك وغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان وطهر قلوبنا من كل غل على أحد من المؤمنين الحاضرين والسابقين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله أجمعين .
انتهى الكتاب
مكتبة شبكة مشكاة الإسلامية
??
??
??
??
طبقات الحنابلة لأبي يعلى الحنبلي مكتبة شبكة مشكاة الإسلامية
7(2/120)