إذا كان منفرداً خلف الصف لا صلاة له فكيف إذا كان منفرداً عن الصف وعن الجماعة فهذا من باب أولى أنه لا صلاة له .
وأما الذين قالوا بأنها شرط لصحة الصلاة وهو مذهب ابن حزم رحمه الله وكما قلنا هو قول قديم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :" من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر "
ومثله حديث أبي موسى .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن هذان الحديثان الصحيح أنهما لا يثبت رفعهما للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولو ثبت نقول هاذان الحديثان يدلان على وجوب صلاة الجماعة وليس أنها شرط ، لأن عندنا دليلاً دل على أنها تصح من المنفرد وهو حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يدل على أنها تصح من المنفرد .
وقوله تلزم الرجال : ظاهر كلام المؤلف رحمه الله سواء كانوا أحراراً أو أرقاء كلهم تجب عليهم الجماعة ، وهذا هو الصواب خلاف ما عليه أكثر أهل العلم أن الأرقاء لا تجب عليهم الجماعة .
والصواب في هذه المسألة : أنه لا فرق بين الأحرار والأرقاء لعموم الأدلة .
وعندنا قاعدة وهي:{ الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحظة إلا بدليل}
وقوله الرجال : يخرج النساء ، فالنساء لا تجب عليهن الجماعة لأنهن لسن من أهل المساجد ، فلا نقول أن المرأة يجب عليها أن تخرج إلى المسجد أو أن تصلي جماعة .
لكن ما حكم صلاة النساء إذا اجتمعن ، النساء إذا اجتمعن هل صلاتهن مستحبة ومشروعة أو نقول بأنها غير مشروعة ؟
العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/370)
الإمام أحمد والشافعي يقول : يستحب للنساء إذا اجتمعن أن يصلين جماعة ، هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله والشافعي .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله وهو الكراهة ، أنه يكره للنساء .
والرأي الثالث : رأي أبي حنيفة التفصيل : وأنها مستحبة للنساء في الفرائض دون النوافل
فمالك يقول بأنها مكروهة للنساء في الفريضة وفي النافلة ، وأبو حنيفة يقول بأنها مستحبة في الفرائض دون النوافل .
والإمام أحمد والشافعي يريان أنها مستحبة مطلقاً في الفرائض والنوافل ، في الفرائض هذا ظاهر والنفل لو صلينا قيام رمضان .. إلخ .
نقول : هذا مستحب .
أو مثلاً صلينا صلاة الكسوف نقول هذا مستحب لهن .
وهذا القول هو الأقرب .
الأقرب في ذلك : هو الاستحباب .
إذا اجتمعن فالأقرب في ذلك أنه يستحب أن يصلين جماعة .
وهذا أولاً دليله قول النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل فما كان أكثر فهو أحب إلى الله "
للخمس..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا نقول صلاة المرأة مع المرأة أزكى من صلاتها وحدها .
وأيضاً استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تأم أهل دارها .
وأيضاً وروده عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما بأسانيد صحيحة .
فنقول الصواب في هذا : ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي .
" للخمس " الخمس يخرج ماعدا الفرائض الخمس لكن يبقى عندنا الجمعة .
فالجمعة هذه بالإجماع كما سيأتي .
وعلى هذا نفهم أن صلاة الاستسقاء هل تجب فيها الجماعة أو لا تجب ؟
على كلام المؤلف لا تجب الجماعة ، لو صلى الاستسقاء وهو منفرد صح ذلك .
صلاة الكسوف هل تجب لها الجماعة أو لا تجب ؟
لا تجب لها الجماعة .
صلاة الجنازة لا تجب لها الجماعة .(2/371)
صلاة الوتر لا تجب لها الجماعة .
قيام رمضان لو صلى لوحده في البيت صح ذلك .
فالجماعة إنما تجب في الخمس ، يقول المؤلف رحمه الله في الخمس ، للصلوات الخمس فقط
أما ماعدا ذلك فقد تشرع لها الجماعة لكن لا تجب .
المؤداة.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" المؤداة " يخرج المقضيات ، وعلى هذا لو أن جماعة ناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، أخروا صلاة الفجر حتى طلعت الشمس وأرادوا أن يقضوا ، هل تجب عليهم الجماعة أو لا تجب ؟
على كلام المؤلف رحمه الله لا تجب الجماعة ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : أنها تجب الجماعة للمقضيات والمؤدات ، وهذا القول هو الصواب .
فعلى هذا لو أخروا صلاة الجماعة حتى خرج وقتها ، نقول يجب عليهم أن يؤدوها جماعة
ويدل لهذا حديث مالك بن حويرث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم "
فقال : إذا حضرت الصلاة ، وحضور الصلاة يشمل حضورها في وقتها وحضورها بعد وقتها .
وقوله المؤدات : هذا يشمل ما إذا كان الإنسان في الحضر أو كان في السفر وعلى هذا نفهم أن صلاة الجماعة لا تسقط في السفر ، فصلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر والنبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الجماعة في السفر ولم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه ترك الجماعة في السفر .
مع القدرة لا شرطاً وله فعلها ببيته..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لذلك حديث مالك بن حويرث رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم " وهم مسافرون ،
ومفهوم كلام المؤلف رحمه الله هو خلاف المذهب ، فالمذهب لا يرون وجوبها في السفر(2/372)
والصواب في ذلك : أنها واجبة في السفر كما أنها واجبة في الحضر .
" مع القدرة " يعني مع العجز تسقط صلاة الجماعة وسيأتينا إن شاء الله باب مستقل فيما يعذر فيه بترك الجمعة والجماعة ، فإذا كان الإنسان يعجز عن صلاة الجماعة إما لمرض أو يلحقه مشقة شديدة .. إلخ ، نقول بأن صلاة الجماعة تسقط عنه ،
للقاعدة { أن المشقة تجلب التيسير } والله عز وجل يقول :" ما جعل عليكم في الدين من حرج "
ويقول " بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا "
" لا شرطاً " يعني أن صلاة الجماعة ليست شرطاً في صحة الصلاة وهذا المؤلف رحمه الله يدفع به قول من قال بأنها شرط وكما ذكرنا أن الظاهرية يقولون بأنها شرط وذكرنا دليلهم وذكرنا الجواب عنه .
" وله فعلها ببيته " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يفعلها ببيته ، هم ذكروا أن صلاة الجماعة واجبة لكن لو أنه فعلها ببيته سقط عنه الإثم وأدى الواجب .
وأفضلها المسجد العتيق.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو أن الإنسان صلى مع أهله في البيت كفى ذلك لا حاجة إلى أن يأتي إلى المسجد ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وفي رواية ثانية عن الإمام أحمد رحمه الله : يجب أن يفعلها في المسجد وإلا ما الحكمة من بناء المساجد .
وأيضاً تنتفي الحكم الكثيرة التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة .
الشارع لا يشرع شيء إلا لمعنى فكيف أن نقول صلاة الجماعة واجبة ثم نقول افعلها في بيتك ، هنا تنتفي الحكم الكثيرة والمقاصد الشرعية التي من أجلها شرعت صلاة الجماعة .
فالصحيح في ذلك : أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد .
هم يستدلون على هذا بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " نقول صحيح الأرض مسجد مكان للسجود ، وهذا من خصائص هذه الأمة ليس كالأمم السابقة أن الصلاة لا تصح إلا في الكنائس والبيع ... إلخ .(2/373)
فالإنسان يصلي إذا كان بعيد عن المساجد يصلي في أي مكان لكن إذا كان قريباً من المساجد فإنه يصلي في المساجد .
" وأفضلها " يعني أفضل المساجد .
" المسجد العتيق " أي المساجد للإنسان أفضل أن يصلي فيها ؟
قال المؤلف رحمه الله أفضل شيء أن الإنسان يصلي في المسجد العتيق .
ثم الأكثر جماعة وأبعد أولى من أقرب................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالعتيق المقصود به : القديم ، والعلة في ذلك قالوا : لأن الطاعة فيه أسبق .
ثم بعد ذلك قال :
" ثم الأكثر جماعة " بعد العتيق لو تساويا في القدم ننظر إلى الأكثر جماعة ، ودليل ذلك ما تقدم :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل " وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم .
" وأبعد أولى من أقرب " يعني على كلام المؤلف ننظر العتيق فإن تساويا في القدم والجدة يقدم الأبعد ثم بعد ذلك يقدم الأكثر جماعة .
والدليل على أنه يقدم الأبعد قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى :" أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " وهذا رواه البخاري .
فأصبحت المراتب : الأولى : العتيق ثم بعد ذلك الأبعد ثم بعد ذلك الأكثر جماعة .
والرأي الثاني في المسألة : أن الأكثر جماعة أفضل من العتيق لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل " وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أن الأكثر جماعة أفضل من العتيق لما ذكرنا من الدليل .
والأقرب أيضاً في هذه المسألة أن يقال : إن الأفضل للإنسان أن يصلي فيما حوله من المساجد ، ويدل لهذا دليلان :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/374)
أما الدليل الأول فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما :" ليصلي أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره ".
وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن يعضد ما ذكرنا .
وثانياً : أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المساجد التي تكون قريبة من المسجد النبوي كانوا يصلون في مساجدهم ماكانوا يتركون مساجدهم ويأتون للمسجد النبوي ، ولهذا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب ويصلي بقومه في مسجدهم فهذا دليل على أن الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه .
وأيضاً دليل ثالث : أن كون الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه هذا أحرى لإجتماع أهل الحي وعدم تفرقهم ، وهذا مطلوب للشارع وهو من حكم صلاة الجماعة ، وكذلك أيضاً أن هذا لا يؤدي إلى إساءة الظن بالذي ترك مسجده وأنه لا يصلي .
ولألا يكون هناك وحشة بين الإمام وبقية المصلين وهذا المصلي ... إلخ .
فنقول الأفضل أن الإنسان يصلي في المسجد الذي يليه إلا إذا تخطاه لمسجد آخر لمعنى فيه يتعلق بذات الصلاة كأن يتخطاه إلى المسجد الحرام أو لأحد الحرمين ، أو يتخطاه إلى مسجد يكون أخشع له .. إلخ .
فهذا يظهر أنه لا بأس إن شاء الله .
وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرتبة الثانية : بعد أن يصلي الإنسان في المسجد الذي يليه ، نقول المرتبة الثانية : الأبعد لما ذكرنا من حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه :" أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى " وهذا أخرجه البخاري .
وأيضاً حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه في قصة الأنصاري الذي يأتي في الظلماء وفي الرمضاء .. إلخ . وأنه أحب أن يكتب ممشاه إلى المسجد ورجوعه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله كتب له ذلك كله .(2/375)
المرتبة الثالثة : الأكثر جماعة ، لما ذكرنا من حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده " ولأن الرحمة أقرب إلى الاجتماع .
والمرتبة الأخيرة : المسجد العتيق كما ذكر المؤلف رحمه الله .
فتكون المراتب أربع .
" وحرم أن يؤم بمسجد قبل إمامه الراتب " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يحرم أن يتقدم إماماً في مسجد له إمام راتب .
والإمام الراتب : هو من رتب سواء كان ذلك من ولي الأمر ومن ينوبه اليوم من الأوقاف ومن يعنى بشؤون المساجد أو كان ذلك من جماعة المسجد .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا يسمى إمام راتب فيحرم أن تتقدم عليه ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :" لا يؤمن الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه "
وأيضاً إذا كان هذا في البيت ففي المسجد بجامعه أن له الأحقية في كلٍ .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود :" ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " والإمام في مسجده له سلطة فيحرم أن يتقدم ، هذا من حيث الحكم التكليفي .
ومن حيث الحكم الوضعي لو تقدم ما حكم الصلاة ، هل الصلاة صحيحة أو الصلاة غير صحيحة ؟
هذا فيه رأيان للعلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : أن الصلاة باطلة ، وهذا هو المشهور من المذهب لما ذكرنا من حديث ابن مسعود :" ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ".
والرأي الثاني : أن الصلاة صحيحة وهذا ذهب إليه بعض الحنابلة كصاحب الرعاية لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه وإنما يعود إلى أمر خارج ، قد تقدم لنا في القواعد والأصول أنه إذا عاد النهي إلى أمر خارج فإنه لا يقتضي الفساد ، فنقول هنا لا يقتضي الفساد .
وهذا القول هو الصواب .(2/376)
إلا بإذنه أو مع عذره............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله الراتب : هذا يخرج الإمام غير الراتب فيؤخذ من كلام المؤلف أنه لو تقدم على إمام غير راتب أن هذا جائز ولا بأس به لأنه ليس له حق في ذلك
" إلا بإذنه " إلا بإذنه يعني استثنى المؤلف مسألتين يجوز فيها التقدم على الإمام الراتب :
المسألة الأولى : أن يأذن فإذا أذن فإن هذا جائز ولا بأس به ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة في قصة المتخلفين :" ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وآمر رجلاً فيصلي بالناس " قال : آمر رجلاً فيصلي بالناس ، هذا يدل على الإذن .
وأيضاً لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مروا أبا بكر فليصلي بالناس "
" أو مع عذره " يعني إذا كان معذوراً هذه المسألة الثانية .
المسألة الثانية : إذا كان معذوراً فإن هذا لا بأس به ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض صلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه .
ذكر المؤلف رحمه الله مسألتين : المسألة الأولى : الإذن .
المسألة الثانية : العذر .
المسألة الثالثة : إذا تأخر عن وقته المعتاد ، هل يصلى أو لا يصلى ؟
فالمشهور من المذهب : أنه إذا تأخر عن وقته المعتاد أنه يراسل بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون محله قريباً .
الشرط الثاني : عدم المشقة .
ومن صلى ثم أقيمت سن أن يعيد غير مغرب.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا إذا كان محله بعيداً فإنهم يصلون ، وإن كان هناك مشقة فإنهم يصلون .
وكذلك أيضاً إذا ظن أنه لا يكره ذلك أيضاً يصلون وهذا حال كثير من الناس اليوم أنهم لا يكرهون .
وكذلك أيضاً إذا ظن عدم حضوره يصلون .(2/377)
ويدل لهذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما تخلف النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مع المغيرة بن شعبة قدم الصحابة رضي الله تعالى عنهم عبد الرحمن بن عوف ، وصلى بهم .
وهنا تأخر النبي عليه الصلاة والسلام عن وقته المعتاد ومع ذلك ما انتظره الصحابة وأثنى عليهم بأن قال : أحسنتم .
" ومن صلى ثم أقيمت سن أن يعيد غير مغرب " إذا صلى ثم أقيمت سن أن يعيد ، إذا صلى الإنسان ثم أقيمت الصلاة فإن هذا لا يخلو من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون في المسجد والصلاة غير المغرب فإنه يعيدها كالإمام تماماَ ويدل لهذا حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صل الصلاة لوقتها فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أصلي "
الحالة الثانية : أن يكون خارج المسجد والصلاة غير المغرب ، فهذا المذهب يفصلون :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن كان في وقت النهي لا يصلي أما الحالة الأولى يصلي في وقت النهي أو في غير وقت النهي ، والحالة الثانية إذا كان خارج المسجد فإنه يعيد إلا إن كان في وقت النهي .
مثلاً : أقيمت العصر وقد صلى وهو جاء إلى المسجد والناس يصلون لايصلي معهم .
لكن لو أقيمت وهو في المسجد يصلي معهم .
الظهر لو أقيمت وهو خارج المسجد ثم جاء يصلي سواء كان في المسجد أو خارج المسجد .
والصواب : أن يعيد مطلقاً لأن إعادة الصلاة هذه من ذوات الأسباب وسبق أن ذكرنا أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
الحالة الثالثة : أن تكون المعادة صلاة المغرب ، فهذه هل يعيدها ؟ وإذا قلنا بأنه يعيدها هل يشفعها بركعة أو لا ؟
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يعيد وهذا هو الصواب .
لكن بقينا هل يشفعها بركعة أو لا ؟
هذا موضع خلاف ، فيه رأيان :(2/378)
الرأي الأول : أنه يعيد المغرب ويشفعها بركعة يأتي بركعة لألا يجتمعا وتران ، فالمغرب صلاها ثلاثاً ثم أعادها مع الإمام قالوا يشفعها بركعة فيصلي أربعاً لألا يجتمع عنده وتران
لأن المعادة تكون تطوع وهو سيوتر .
ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : ذهب إليه صاحب الفائق رحمه الله أنه لا حاجة إلى أن يشفعها وكونه تطوع بثلاث هذا جاء تبعاً والقاعدة : { أنه يثبت تبعاً ما يثبت استقلالاً } .
وهذا القول هو الصواب وعلى هذا نقول إذا دخل المسجد والناس يصلون المغرب فإنه يصلي معهم ثلاث ركعات ، هذا الصواب .
" ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة ولا فيهما لعذر " المقصود بإعادة الجماعة هنا غير إعادة الجماعة في الصورة السابقة .
إعادة الجماعة في الصورة السابقة : إنسان صلى وانتهى من الصلاة ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس يصلون فهو يشرع أن يعيد معهم .
وأيضاً ننبه أن تتبع المساجد يعني إذا جاء للمسجد لسبب لكن تتبع المساجد لإعادة الجماعة هذا ليس عليه هدي السلف .
هنا إعادة الجماعة التي ذهب إليها المؤلف رحمه الله تعالى إعادة الجماعة في الصورة الثانية : هي أن يصلي الإمام الراتب ثم بعد ذلك تأتي جماعة هل يشرع أن يصلوا جماعة أو نقول صلوا فرادى ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة المسألة : جماعة أخرى تقام في المسجد ، الإمام الراتب صلى وانتهى من الصلاة ثم دخل اثنان أو ثلاثة فاتتهم الصلاة ، هل نقول يشرع لكم أن تصلوا جماعة أو نقول صلوها فرادى ؟(2/379)
المؤلف رحمه الله يقول هذا غير مكروه إلا في مسجد مكة والمدينة فيكره ، إلا إذا كان لعذر .
فمثل مساجدنا هذه على كلام المؤلف ، هل يكره أو لا يكره إعادة الجماعة ؟
يقول لك غير مكروهة .
في الحرم المكي والحرم المدني يكره أو لا يكره ؟
يقول المؤلف رحمه الله مكروه ، وعلى هذا إذا كنت في مكة ثم جإت وقد سلّم الإمام أنت وصاحبك ما تصلون جماعة وإنما تصلون فرادى إلا إذا كان تأخركم عن الجماعة لعذر .
إذا كان تأخركم عن الجماعة لعذر فإن هذا جائز ولا بأس أن تصلوا جماعة .
فأصبح عندنا على كلام المؤلف يفصل في المساجد غير الحرمين يجوز ولا كراهة .
في الحرمين : يكره أن تعيد الجماعة إلا إذا كان لعذر .
وإعادة الجماعة يعني أن يصلي الإمام الراتب ثم تأتي جماعة أخرى هذا لها ثلاث حالات :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يكون ذلك راتباً يعني دائماً يكون في هذا المسجد جماعتان ، وهذا الآن يوجد وكان موجود في الحرم المكي مقام الحنفية ومقام الشافعية ومقام المالكية .. إلخ مقامات وكل مقام له إمام راتب يصلي به .
ثم بعد ذلك ألغي في وقت الملك عبد العزيز .
والشيخ أحمد شاكر أيضاً ذكر أنه في الأزهر وأيضاً يقول في جامع الحسين أن هناك جماعتين :
جماعة يصلون في أول الوقت والشافعية يصلون في أول الوقت والحنفية يأخرون .. إلخ .
وجعلها الشيخ أحمد رحمه الله أن هذا من الأمور المنكرة وأنه من البدع .. إلخ .
فنقول : إذا كان هناك جماعتان راتبتان في المسجد دائماً نقول بأن هذا مكروه لاشك وأن هذا من البدع وإنه خلاف مقصد الشارع من اجتماع الناس .
وهذا يوجد الآن في بعض البلاد الإسلامية التي يوجد فيها خلاف تجد أن من يذهب إلى هذا المذهب يصلون ثم يأتي من بعدهم من يخالفهم في مذهبهم يصلون صلاة أخرى إلخ .(2/380)
فنقول بأن هذا لاشك بأنه منكر وأنه بدعة وهذا خلاف ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم ، والواجب هو الإتفاق وعدم الخلاف ، هذه الصورة الأولى .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يكون المسجد مهيئاً لإقامة جماعتين أو جماعات فأكثر ، وهذا مثل مساجد الطرقات الآن توجد في الطرقات تصلي جماعة ثم تأتي جماعة .. إلخ .
فهذا لا بأس به فهذه مهيأة لإقامة أكثر من جماعة .
الحالة الثالثة : ما عدا هاتين الحالتين مثل المساجد التي لا تكون على الطرقات ولها مؤذن ولها إمام راتب مثل مساجدنا هذه ، فما حكم إقامة الجماعة مرة أخرى ؟
وهذه ألف فيها مؤلفات بعض الأخوة ألف فيها مؤلفات تشدد فيها .
وبعضهم ألف مؤلفات على النقيض من ذلك .. إلخ .
ونذكر الاختلاف على طريق الاختصار :
العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على رأيين : هل يكره أو لا يكره ؟
أكثر أهل العلم على الكراهة وأنه يكره ذلك ، قال به الشافعية والإمام مالك وأيضاً الحنفية وغير ذلك .
واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من بعض نواحي المدينة فوجدهم قد صلوا فمال إلى بيته وجمع أهله وصلى بهم .
وهذا الحديث في إسناده نظر أخرجه الطبراني في الأوسط وإن كان الشيخ الألباني رحمه الله حسنه .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً استدلوا بأثر ابن مسعود أنه وجد الناس قد صلوا فأخذ علقمة والأسود وصلى بهم .
وهذا الحقيقة الاستدلال بهذين الدليلين ليس فيهما دليل فالنبي صلى الله عليه وسلم أعاد الجماعة لأن فرض ثبوت الحديث النبي عليه الصلاة والسلام أعاد الجماعة .(2/381)
وابن مسعود رضي الله تعالى عنه أعاد الجماعة لكنهم لم يصلوا في المسجد لعله لعذر .
الرأي الثاني : المشهور من مذهب الحنابلة وذهب إليه ابن حزم رحمه الله إلى أن الجماعة تعاد ، أنه لا يكره أن تعاد الجماعة وهذا ما عليه عمل الناس اليوم ، أن الجماعة لا تكره بل الصحيح أنه مشروعة ، ويدل لهذا حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل "
لكن الحنابلة كما ذكرنا يستثنون الحرمين .
والصحيح : أنه لا يستثنى حتى الحرمان وأن إعادة الجماعة في الحرمين غير مكروهة ، هذا هو الصواب في هذه المسألة .
وعلتهم في ذلك قالوا : لأن لا يتوانى الناس عن حضور جماعة الإمام الراتب .
وهذه ليست علة للكراهة .
وذا أقيمت الصلاة لم تنعقد النافلة وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وذا أقيمت الصلاة لم تنعقد النافلة وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة " إذا أقيمت الصلاة فإنه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : ألا يكون في صلاة ، أقيمت الصلاة وهو ليس في صلاة فنقول : جمهور أهل العلم أنها لا تنعقد نافلته ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة "
والحنفية يخالفون في ذلك يستثنون سنة الفجر ، يقولون لا بأس إذا أقيمت الصلاة أن تصلي سنة الفجر مادمت أنك ستدرك التشهد مع الإمام .
واستدلوا باستثناء " إلا ركعتي الفجر " في البيهقي وهذا شاذ لا يثبت .
والصحيح : أنه لا فرق فإذا أقيمت الصلاة نقول لا صلاة إلا المكتوبة ولا تنعقد النافلة .(2/382)
الأمر الثاني : أن يكون في الصلاة ، أن تقام الصلاة وهو في الصلاة ، فقال المؤلف رحمه الله يفصل قال : وإن كان فيها أتمها إن لم يخف فوت الجماعة ، يفصل إذا أقيمت وأنت تصلي إن خفت أن تفوت الجماعة فاقطع وإن لم تخف أن تفوت الجماعة فإنك تتمها خفيفة .
ولنفرض أن إنساناً في جانب من المسجد وهو لم يعلم أن الإمام قد أقام ثم بعد ذلك علم والإمام في آخر الصلاة يخشى فوت الجماعة لأن الجماعة تدرك بأي شيء على المذهب ؟
ومن كبر قبل سلام إمام أدرك الجماعة...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأن يكبر تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى فإذا كان ما يدرك مع الإمام تكبيرة الإحرام قبل سلامه للأولى ، يقطع .
وإن كان يدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى يتمها .
والرأي الثاني : ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ، المالكية وهو التفصيل في هذه المسألة وهو إن كان صلى ركعة بسجدتيها يضيف إليها ركعة خفيفة ، وإن كان ما صلى ركعة بسجدتيها فإنه يقطعها .
وما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله هو الصواب .
ويدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
" ومن كبر قبل سلام إمام أدرك الجماعة " بما تدرك الجماعة ؟
المؤلف رحمه الله يرى أن الجماعة تدرك بتكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام الأولى ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
واستدلوا على ذلك قالوا : بأنه أدرك جزء من الصلاة فكما لو أدرك ركعة من الصلاة .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله واختيار شيخ الإسلام أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة ، وهذا القول هو الصواب .
وإن أدركه راكعاً أدرك الركعة........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/383)
ودليلهم ما سلف من حديث أبي هريرة أن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
" وإن أدركه راكعاً أدرك الركعة " إذا جاء المأموم والإمام راكع ، فعندنا ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : هل تدرك الركعة بإدراك الركوع أو لا ؟
جمهور أهل العلم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع .
والرأي الثاني : ذهب إليه ابن حزم رحمه الله والبخاري أن الركعة لا تدرك بإدراك الركوع .
ولكل منهم دليل نذكر من أدلة الجمهور : حديث أبي بكرة ماذا صنع أبي بكرة رضي الله تعالى عنه ؟
جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف .
يؤخذ من هذا أن الركعة تدرك بالركوع وإلا لما فعل ذلك أبو بكرة رضي الله تعالى عنه
كونه يركع قبل الصف هذا يريد أن يدرك الركوع لأنه يعلم أنه إذا أدرك الركوع أدرك الركعة .
وأيضاً في الحديث :" من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " وهذا يحسنه بعض أهل العلم رحمهم الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني كما قلنا رأي ابن حزم والبخاري رحمهم الله أنه إذا أدرك الركوع ما كان مدركاً للركعة واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وما فاتكم فأتموا " هنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام ما فات من الصلاة وقد فاته القيام وهو ركن وفاته أيضاً قراءة الفاتحة وهي ركن فلابد من إتمامها .
والجواب على هذا سهل : أما الفاتحة فنقول صحيح فاتت لأن محلها قد فات فتسقط تبعاً لمحلها .
وأما القيام فهذا عذر عنه الشارع .
فالصواب : أنه إذا جاء والإمام راكع فأدركه راكعاً فإنه يدرك الركعة كما هو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله .
المسألة الثانية : بما يدرك الركوع ؟
نقول يدرك الركوع إذا اجتمع مع الإمام في الركوع المجزئ .(2/384)
وما هو الركوع المجزئ ؟
هذا سبق أن بيناه وهو أن يكون إلى الركوع أقرب منه إلى القيام ، فإذا كان الإمام لا يزال يسمى راكع حتى لو تحرك الإمام وأنت ركعت والإمام لا يزال منحني حيث يسمى راكع وأنت ركعت بحيث أنك لا تزال تسمى منحني كل منكم لا يزال يسمى راكع تكون أدركت الركوع .
وأجزأته التحريمة عن تكبيرة ركوع...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثالثة : هل تكفي تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع أو نقول بأنها لا تكفي ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" وأجزأته التحريمة عن تكبيرة ركوع " وعلى هذا نقول إذا كبر تكبيرة الإحرام فإنها تغني عن تكبيرة الركوع .
والأولى أن يكبر تكبيرتين ، تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع .
ولو أنه إقتصر على تكبيرة الركوع فإن ذلك لا يجزئه عن تكبيرة الإحرام .
فأصبحت الصور ثلاث :
الصورة الأولى : أن يقتصر على تكبيرة الإحرام فقط فهذا تكفيه عن تكبيرة الركوع .
الصورة الثانية : أن يأتي بالتكبيرتين تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع فنقول هذا هو الأولى والأحوط .
الصورة الثالثة : أن يقتصر على تكبيرة الركوع نقول هذه لا تجزئه عن تكبيرة الإحرام لأنه ما انعقدت صلاته ، الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام وهذا حتى الآن لم تنعقد صلاته .
ولابد أن يأتي بتكبيرة الإحرام وهو قائم لأن محل تكبيرة الإحرام كما سلف القيام .
وعلى هذا لو أنه هوى ثم كبر وهو ينوي بها تكبيرة الإحرام فإن ذلك لا يجزئه .
بقينا في مسألة : إذا شك الإنسان هل أدرك الركوع أو لم يدرك الركوع ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه تحصل كثيراً يأتي والإمام راكع ثم يركع ثم يحصل له شك ، هل أدرك الركوع أو لم يدرك الركوع ؟
فنقول هذا له ثلاث حالات :(2/385)
الحالة الأولى : أن يغلب على ظنه أنه أدرك الركوع ، فهذا نقول يكون مدركاً للركعة ولا يأتي بزيادة لكن يسجد للسهو إن كان مسبوقاً يسجد للسهو بعد السلام لوجود الشك ، وهذا مع الشك أما مع العلم فهذا لا حاجة للسجود السهو .
الحالة الثانية : أن يغلب على ظنه أنه لم يدرك .
الحالة الثالثة : أن يتساوى المران عنده لا يدري لم يترجح عنده شيء هل أدرك أو لم يدرك ؟
فنقول في هاتين الحالتين لا يعتبر نفسه مدركاً للركوع ويأتي بالركعة التي فاتته ويسجد للسهو قبل السلام .
فأصبح عندنا الصور ثلاث :
الحالة الأولى : أن يغلب على ظنه أنه أدرك فهذا يعتبر نفسه أنه أدرك الركعة لكن يسجد لوجود الشك .
الحالة الثانية : أن يغلب على ظنه أنه لم يدرك .
الحالة الثالثة : أن يتساوى عنده الأمران .
ويتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول في الحالتين الأخريين : يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل السلام .
أما إذا علم أنه أدرك فلا حاجة للسجود يعتبر نفسه مدركاً ولا حاجة للسجود .
أو علم أنه لم يدرك لا يوجد عنده شك فهذا يأتي بركعة ولا حاجة للسجود .
" ويتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة " يقول المؤلف رحمه الله : يتحمل الإمام عن المأموم قراءة الفاتحة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يتحمل عنه قراءة الفاتحة مطلقاً سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة وسواء كانت الصلاة سرية أو جهرية ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وعلى هذا لو أتيت في صلاة الظهر ووقفت ولم تقرأ لا في الركعة الأولى ولا الثانية ولا الرابعة ، يرون أن صلاتك صحيحة ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : مذهب الشافعي رحمه الله وهو أشد المذاهب في مسألة قراءة الفاتحة .(2/386)
يرون أن الإمام لا يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة وأن المأموم يجب عليه أن يقرأها في كل ركعة ، الإمام يجب أن يقرأ في كل ركعة والمأموم أيضاً يجب أن يقرأ في كل ركعة ولا فرق بين صلاة الفريضة وصلاة النافلة ولا بين الصلاة السرية والصلاة الجهرية .
الرأي الثالث : قول الإمام مالك رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفصيل في المسألة : وأن الإمام يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة في الركعات التي يجهر فيها الإمام وأما الركعات التي يسر فيها الإمام فلابد للمأموم أن يقرأ ، وهذا القول وسط بين القولين .
وعلى هذا في الركعة الأولى والثانية من صلاتي المغرب والعشاء يجب عليه أن يقرأ أو ما يجب ؟
نقول لا يجب .
وفي صلاة الفجر ما يجب عليه أن يقرأ .
وفي صلاة التراويح لا يجب أن يقرأ .
لكن في صلاة الظهر والعصر وثالثة المغرب وثالثة ورابعة العشاء يجب عليه أن يقرأ .
وهذا القول الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسط بين الرأيين ، وهذا هو أقرب الأقوال .
قلنا أشد الأقوال : هو مذهب الشافعية رحمهم الله .
وأخفها : مذهب الحنابلة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وأشدها في التخفيف مذهب الحنفية ، لأن الحنفية يرون الكراهة ، يعني يرون أن المأموم يكره ، وبعضهم يجعلها كراهة تحريم .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني فرق بين أقوال أهل العلم هؤلاء يقولون يحرم وهؤلاء يقولون ركن إذا ما قرأتها تبطل صلاتك .
وهؤلاء يقولون إذا قرأت تأثم .(2/387)
لكن الصحيح في ذلك : هو التفصيل كما أسلفنا وهو ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله في قوله وكذلك أيضاً اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
وهذه المسألة في الحقيقة مسألة طويلة وألفت فيها مؤلفات ، البخاري رحمه الله له كتاب اسمه : جزء القراءة خلف الإمام .
وكذلك أيضاً البيهقي رحمه الله له كتاب اسمه : جزء القراءة خلف الإمام .
والبنوري من علماء الحنفية أيضاً له كتاب في هذا ... إلخ .
ولا بأس أن نذكر شيئاً من الأدلة لكل فريق على سبيل الاختصار .
فالذين قالوا أن الإمام يتحملها كما هو مذهب أحمد رحمه الله استدلوا بأدلة من أدلتهم :
قول الله عز وجل :" وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " قال : فاستمعوا له وانصتوا .
قال الإمام أحمد رحمه الله : اجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة ، وإذا كان في الصلاة يجب عليه أن ينصت ومقتضى ذلك أنه ما يقرأ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً استدلوا بالحديث المرسل وإن كان له طرق كثيرة إلا أنه على كثرة طرقه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم :" من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له "
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" وإذا قرأ فانصتوا " والإمام مسلم رحمه الله يرى أنها صحيحة .. إلخ .
والذين قالوا بأن الإمام لا يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة مطلقاً كما ذهب الشافعي رحمه الله استدلوا بأدلة من أدلتهم :
حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة :" من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج " والخداج : الناقص ، وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .(2/388)
ومن أقوى أدلتهم ما أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف بعد صلاة الصبح فقال لما ثقلت عليه القراءة قال :" لعلكم تقرأوون خلف إمامكم ، قالوا : نعم ، قال : لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وهذا مما يؤيد مذهب الشافعية رحمهم الله .وسائر الأدلة الإنسان لو يتأمل الأدلة التي استدل بها العلماء رحمهم الله سواء كانت في القرآن أو في السنة أو في آثار
.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحابة هذه كلها الجواب عنها سهل إلا هذا الحديث حديث عبادة هذا من أقوى الأدلة التي يتمسك بها الشافعية :" لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها " وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ، وهذا الحديث كما ذكرت أخرجه الإمام أحمد وأبي داود وابن حبان والدار قطني والبيهقي وغيرهم وصححه جمع من أهل العلم منهم أبو داود وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم صححوا هذا الحديث .
والذين قالوا أنه يقرأ فيما يسر به الإمام وأنه ما يجهر به الإمام لا يقرأ جمعوا بين الأدلة فقالوا : بأن قول الله عز وجل :" وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " هذا في الجهرية .
وأيضاً استدلوا على ذلك بقول الله عز وجل :" قد اجيبت دعوتكما " فالذي دعا موسى وهارون أمّن ومع ذلك لما أمّن جعله داعياً فكذلك أيضاً المأموم يأمّن ويكون قارئاً .
وكذلك أيضاً قالوا بأن حديث عبادة بن الصامت :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " وحديث أبي هريرة :" من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج " هذه تحمل على السرية.
لكن يبقى حديث عبادة الذي أشرت إليه في أبي داود ومسند الإمام أحمد والدار قطني والبيهقي وصحيح ابن حبان وغيرهم هذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله بأجوبة :(2/389)
الجواب الأول : جواب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : بأن الحديث هذا لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما الذي حصل له ذلك هو عبادة ليس النبي صلى الله
ويسن أن يقرأ في إسرار إمامه...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه وسلم ، فيجعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موقوفاً على عبادة ، هذا الجواب الأول .
الجواب الثاني : النسخ وذهب إليه بعض أهل العلم قالوا بأنه منسوخ وهذا يختاره الشيخ الألباني من المتأخرين ويستدلون على هذا بحديث أبي هريرة أيضاً في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعلكم تقرأون خلف إمامكم ، قالوا : نعم ، قال : أما إني أقول مالي أنازع القرآن ، قال : فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به الإمام " قالوا وهذا الحديث يدل على أن حديث عبادة رضي الله تعالى عنه السابق منسوخ .
ومما يؤيد القول بالتفصيل أن كون الإمام يقرأ والمأموم يقرأ فيه نوع من المشقة ، وكذلك أيضاً أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يتمكن المأمومون من قراءة الفاتحة كما نشير إليه إن شاء الله .
" ويسن أن يقرأ في إسرار إمامه " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن قراءة الفاتحة يتحملها الإمام عن المأموم مطلقاً قال : يستحب له أن يقرأ في إسرار الإمام .
وإسرار الإما في الصلاة السرية في صلاة الظهر يعني يستحب لك بدل أن تقف واقفاً بلا قراءة يستحب لك أن تقرأ ، لكن على الصحيح أنه يجب عليك أن تقرأ كما سبق .
وسكتاته...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وسكتاته " سكتاته متى ؟(2/390)
في الصلاة الجهرية إذا سكت في الصلاة الجهرية فيستحب أن تقرأ ، لكن كما تقدم لنا أنه في السرية يجب أن يقرأ وأما في الجهرية فالصحيح : أنه لا يجب عليه أن يقرأ وإنما يتحملها عنه الإمام .
وقوله في سكتاته : يفهم من كلام المؤلف أن هناك سكتات في الصلاة .
وهذه السكتات اختلف أهل العلم رحمهم الله في اثباتها وعدم اثباتها لكن المتبع في ذلك ما دل عليه الدليل .
نقول السكتت الأولى في الصلاة : هي ما بين القراءة وتكبيرة الإحرام ، هذه دل لها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، ولهذا جمهور أهل العلم على مشروعيتها خلافاً للإمام مالك رحمه الله .
فالإمام مالك رحمه الله لا يرى أنها مشروعة وسبق لنا أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن دعاء الاستفتاح غير مشروع ، لكن هذا فيه نظر كلام الإمام مالك رحمه الله وإن كان إماماً ذا جلالة فالإنسان ليس معصوماً .
فالصحيح : أن هذه السكتت مشروعة ما بين تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ودل لها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام : أرأيت
سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ قال :" أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس "
وعلى هذا تكون هذه السكتت بمقدار دعاء الاستفتاح .
السكتت الثانية : ما بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة .
السكتت الثالثة : ما بعد السورة وقبل الركوع .
هاتان السكتتان دل لهما حديث سمرة رضي الله تعالى عنه وأهل العلم رحمهم الله مختلفون في إثبات هذا الحديث .
وعلى كل حال نقول بأنهما سكتتان لطيفتان
تشرع هاتان السكتتان : السكتت الثانية :(2/391)
أولاً : لكي يفصل الإمام بين القراءة المفروضة والقراءة المستحبة .
وكذلك أيضاً لكي يتراد إليه نفسه .
لكن كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل هذه السكتت بقدر قراءة الفاتحة .
وعلى هذا نقول بأنها سكتت لطيفة .
كذلك أيضاً السكتت الثالثة : تكون بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع .
وإذا لم يسمعه لبعد أو طرش ما لم يشغل من بجنبه ويستفتح ويستعيذ ولو فيما يجهر فيه إمامه...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وكما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل الركوع بالقراءة بل يسكت سكتت لطيفة لكي يفصل بين القراءة وبين الركوع .
وكذلك أيضاً لكي يتراد إليه نفسه .
" وإذا لم يسمعه لبعد أو طرش " يعني هو قال المؤلف رحمه الله يستحب للمأموم أن يقرأ في إسرار الإمام وكذلك أيضاً يقرأ في سكتات الإمام ،
وكذلك أيضاً الموضع الثالث : قال إذا لم يسمع المأموم الإمام لكونه بعيداً منه أو لطرش ، والطرش : ثقل السمع فإذا كان المأموم ثقيل السمع ما يسمع قراءة الإمام فنقول بأنه يقرأ
" ما لم يشغل من بجنبه " يعني إذا كان ذلك يؤدي إلى أن يشغل من بجانبه ويشوش عليه الإستماع فإنه لا يقرأ ، وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله هذا فيه نظر .
والصحيح أن نقول : أنه يجب على المأموم أن يقرأ في الركعات التي يسر بها الإمام ولا يجب عليه أن يقرأ في الركعات التي يجهر بها الإمام إلا إذا حصل سكوت فإنه يقرأ خروجاً من خلاف من أوجب القراءة كالشافعية .
" ويستفتح ويستعيذ ولو فيما يجهر فيه إمامه " تقدم لنا أن الاستفتاح في الصلاة مشروع وأن الاستعاذة أيضاً مشروعة وهو ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً للإمام مالك رحمه الله فإنه لا يرى المشروعية .(2/392)
ومن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه عمداً حرم وعليه أن يرجع لمتابعته كناس ذكر فإن لم يرجع عمداً بطلت وإن ركع ورفع قبل إمامه عمداً بطلت وسهواً أو جهلاً يقضي الركعة.................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذكرنا أن الصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أها العلم رحمهم الله تعالى .
الاستفتاح والاستعاذة للإمام ظاهر أمره يستفتح ويستعيذ لكن بالنسبة للمأموم هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون الصلاة سرية كالظهر فنقول بأنه يستفتح ويستعيذ .
فإذا جاء المأموم والإمام في الركعة الأولى أو الركعة الثانية يكبر معه ويستفتح ويستعيذ حتى ولو أدركه في الثانية أو في الثالثة ... إلخ .
هذا بالنسبة إذا كانت الصلاة سرية .
الأمر الثاني : أن تكون الصلاة جهرية فنقول إن كانت الصلاة جهرية إن كان الإمام قد شرع في القراءة فإن المأموم يكبر ويستمع ويكون فاته الاستفتاح والاستعاذة .
وإن كان ما شرع في القراءة فإنه يستفتح ويستعيذ كما سلف .
" ومن ركع أو سجد ونحوه قبل إمامه عمداً حرم وعليه أن يرجع لمتابعته كناس ذكر فإن لم يرجع عمداً بطلت وإن ركع ورفع قبل إمامه عمداً بطلت وسهواً أو جهلاً يقضي الركعة " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان أحوال المأموم مع الإمام وهذه مسألة مهمة جداً ويغلط فيها كثير من المصلين .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يتعلق بأحوال المأموم مع الإمام ، نقول المأموم مع الإمام له أربع حالات :
الحالة الأولى : المسابقة .
والحالة الثانية : الموافقة .
والحالة الثالثة : التخلف .
والحالة الرابعة : المتابعة .
فهذه أربع حالات .
الحالة الأولى : المسابقة : أن يسابق الإمام ، فالمذهب إذا سابق المأموم الإمام فإنه لا يخلو من أربعة أمور :(2/393)
الأمر الأول : أن يسبقه إلى الركن ، كيف يسبقه إلى الركن ؟
يعني يركع قبله ، يسجد قبله ، يرفع قبله ، هذه المسابقة إلى الركن ، هذا الأمر الأول .
فإذا سبقه إلى الركن يقولون إن كان ذلك عالماً متعمداً فصلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع لكي يأتي بذلك مع الإمام فإن لم يفعل عالماً عمداً بطلت صلاته .
وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة .
يعني إنسان جاهل لايعلم أنه يجب عليه أن يرجع أو ناسي ولم يفعل ذلك فنقول بأن صلاته صحيحة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : المسابقة بالركن ، يعني أن يفعل الركن كله قبل الإمام يركع ويرفع قبل الإمام يسجد ويرفع قبل الإمام ، يأتي بالركن كله ، فنقول الأمر الثاني : المسابقة بالركن وهو ركن الركوع ، فهذا يقولون إذا فعل ذلك عالماً عمداً بطلت صلاته .
وإن كان ناسياً أو جاهلاً ركع ورفع ناسي ساهي مثلاً أو جاهل فإن صلاته صحيحة لكن تبطل عليه الركعة إلا إذا أتى بها مع الإمام .
يعني إنسان ركع ورفع قبل الإمام وهو جاهل ما حكم صلاته ؟
صحيحة لكن بطلت عليه الركعة إلا إذا رفع وأتى بذلك مع الإمام ، هو ركع الآن ورفع ولنفرض أنه غافل نقول صلاته صحيحة لكن الركعة بطلت عليه لابد أن يأتي بركعة إلا إذا رجع وأتى بذلك مع الإمام فصحت ركعته .
الأمر الثالث : السبق بركن غير الركوع ، مثل السجود سجد ورفع حكم هذا الأمر كحكم الأمر الأول وما هو الأمر الأول ؟
السبق إلى الركن ولا حاجة إلى أن نعود الكلام فيه .
الأمر الرابع : السبق بركنين غير الركوع ، يعني سجد ورفع وجلس ثم سجد ، هذا حكمه كحكم الأمر الثاني وهو السبق بركن الركوع .
وأوضح من ذلك الرأي الثاني وهو مذهب الظاهرية : مذهب الظاهرية يقولون أن الصلاة تبطل مطلقاً إذا كان عالماً متعمداً .(2/394)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا كان عالماً متعمداً فصلاته باطلة سبق إلى الركن سبق بالركن سبق بركن الركوع يرون أن الصلاة تبطل إذا سابق الإمام عالم متعمد ، لكن لابد أن يكون متعمد ليس ساهياً أو غافلاً ولابد أن يكون عارف الحكم .
وإن كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع ويأتي بالذي سابق به مع الإمام فإن لم يفعل عالماً عمداً بطلت وإن كان جاهلاً ناسياً فصلاته صحيحة ، وهذا ما عليه غالب الناس اليوم غالب الناس اليوم يكون جاهل ، فنقول بأن صلاته صحيحة لكن يجب عليه أن يرجع لكي يحقق المتابعة مع الإمام .
لكنت إذا ما رجع جاهل أو ناسي ، فنقول أيضاً صلاته صحيحة .
لكن إذا كان يعرف الوجوب لما كان جاهلاً أو ناسياً ولم يرجع ، فنقول بأن صلاته تبطل عليه .
وهذا القول هو الصواب يعني ما ذهب إليه الظاهرية هذا يختصر المسألة إذا كنا نقول بأن الصلاة تبطل بجميع أنواع السبق إلى الركن وبالركن سواء كان ركوع أو غيره أو ركنين أو أقل أو أكثر نقول تبطل .
ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يحول صورته صورة حمار "
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يدل على تحريم المسابقة بأنواعها وأنها تبطل عليه الصلاة ، هذا الصواب في هذه المسألة .
الصواب في هذه المسألة : هو ما أسلفنا .
والمسابقة لها ثلاث صور :(2/395)
الصورة الأولى : المسابقة بتكبيرة الإحرام هذا لا تنعقد صلاته مطلقاً فإذا سابقه بتكبيرة الإحرام ، نقول صلاته لم تنعقد مطلقاً حتى لو كان ناسياً حتى لو كان جاهل كبر قبل الإمام ، نقول صلاته ما انعقدت وإنما تكون نافلة ، تنعقد عليه نافلة .
الصورة الثانية : أن يسبقه بالسلام ، فنقول هذا إن كان لعذر لا بأس كما تقدم لنا وإن كان لغير عذر فإن صلاته تبطل عليه .
الصورة الثالثة : ما سبق أن ذكرناها من الأقسام السبق إلى الركن والسبق بالركن .. إلخ
الحالة الثانية : الموافقة .
الموافقة لها صور :
الصورة الأولى : أن يوافق المأموم الإمام في تكبيرة الإحرام يكبر معه تكبيرة الإحرام ، فنقول هذا لا تنعقد صلاته فرضاً وإنما تكون نافلة .
الصورة الثانية : أن يوافقه في التسليم يسلم مع الإمام ، فهذا صلاته صحيحة لكن يكره ذلك .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الثالثة : أن يوافقه في بقية الأقوال ، مثلاً ولنفرض أن الإمام ركع وقال سبحان ربي العظيم والمأموم ركع وقال سبحان ربي العظيم وتوافقا في قول سبحان ربي العظيم ، ما هو الحكم هنا ؟
نقول هذا لا بأس ، لو كان في بقية الأقوال نقول هذا لا بأس به .
الصورة الرابعة : أن يوافقه في الأفعال ، يعني يركع معه يرفع معه يسجد معه .. إلخ .
فهذا جمهور أهل العلم إلى أنه مكروه ، يكره انتظر حتى تحقق المتابعة كما سيأتي تتركع مع الإمام ترفع مع الإمام تسجد مع الإمام .. إلخ هذا جمهور أهل العلم يرون أنه يكره .
والحنفية يرون هذه المتابعة الصحيحة ولذلك تشوف بعض الحنفية إذا ركع الإمام يهوي معه مباشرة لأنهم يرون أن هذه المتابعة الصحيحة إنك إذا ركع الإمام تركع معه وإذا رفع ترفع معه وإذا سجد تسجد معه .(2/396)
لكن الصحيح : مال ذهب إليه جمهور أهل العلم وأن موافقة الإمام في أفعاله هذه منهي عنها ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وحديث عائشة وغير ذلك من الأحاديث :" إنما جعل الإمام ليأتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا "
وأيضاً في أبي داود :" ولا تركعوا حتى يركع ولا تسجدوا حتى يسجد "
فالصواب في ذلك : أن ذلك مكروه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثالثة : المتابعة وذكرنا ضابطها عند الحنفية ، الحنفية يرون أنك توافق الإمام والمتابعة عندهم هي الموافقة لكن الصحيح الرأي الثاني :
أن المتابعة هي أن يأتي بالركن بعد أن يتلبس به الإمام ، يعني ما تشرع في الركن حتى يتلبس به الإمام ، فمثلاً في الركوع تظل واقف حتى يتلبس الإمام بالركوع ، في السجود تظل واقف حتى يتلبس الإمام بالسجود ، هذا هو الصواب وهو الذي دلت له السنة حديث البراء بن عازب قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحني أحد منا ظهره حتى يقع النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً .
وفي لفظ : حتى يضع جبهته على الأرض .
وهذا يدل على أن المتابعة الصحيحة أن المأموم لا يشرع في الأفعال حتى يتلبس الإمام بالركن ، هذا هو الأفضل وهو الصحيح .
الحالة الرابع : التخلف ونقول بأن التخلف لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير عذر ، فإن كان لغير عذر فلا يخلو من قسمين :
القسم الأول : أن يدرك المأموم الإمام قبل أن ينفصل عن الركوع ، فنقول صلاته صحيحة لكنه خالف السنة .
السنة : أن يتابع الإمام مباشرة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا كبر فكبروا "
............................................................................................................(2/397)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثال ذلك : سجد الإمام وتخلف عنه المأموم ثم بعد ذلك سجد وأدركه في محل السجود ، فنقول بأن صلاته صحيحة لكنه خالف السنة ، لأن السنة أن يبادر بأن يأتي بالعمل بعد الإمام مباشرة .
القسم الثاني : أن ينفصل الإمام عن الركن قبل أن يدركه المأموم ، فهذا تبطل عليه صلاته
مثال ذلك : سجد الإمام ثم بعد ذلك المأموم لم يسجد وتخلف بلا عذر حتى انفصل الإمام عن السجود والمأموم لم يسجد ، فنقول بأن صلاته تبطل عليه ، هذا الأمر الأول إذا كان التخلف لغير عذر .
الأمر الثاني : أن يكون التخلف لعذر كما لو كان الإنسان لحقه سهو وغفلة ، لحقه سنة نوم يسير ، مثلاً ما يحصل الآن في الجوامع الكبيرة وقت الجمعة من انقطاع التيار الكهربائي بحيث أنه لا يتمكن من المتابعة .. إلخ .
هنا تخلف المأموم عن الإمام لعذر ، فنقول إن زال عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه فنقول يأتي بما تخلف به ويتابع الإمام .
نقول هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن يزول عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه ، فنقول هنا يأتي بما تخلف به عن الإمام ويتابع الصلاة .
وسن تطويل أولى عن ثانية...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثال هذا الأمر : إنسان مع الإمام في القيام ثم بعد ذلك حصل له غفلة فركع الإمام ورفع وسجد وجلس ثم تنبه زال الآن عذره قبل أن يدركه الإمام في موضع تخلفه وهو القيام ، فنقول يأتي بما تخلف به عن الإمام اركع وارفع واسجد والحق الإمام وصلاتك تكون تامة.(2/398)
الأمر الثاني : ألا يزول عذره حتى يدركه الإمام في موضع تخلفه هو قائم الآن مع الإمام فانقطع الكهرباء فأصبح لا يدري الإمام الآن ماذا يصنع ، فركع الإمام ورفع وسجد السجدتين ثم قام الإمام وزال العذر فالإمام الآن أدركه في موضع التخلف ، فنقول تابع الإمام الآن وتأتي بركعة تكون أنت مسبوق بركعة .
" وسن تطويل أولى عن ثانية " يعني يستحب للإمام أن يطول الركعة الأولى أكثر من الثانية ، ويدل لهذا حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وكان يطول في الركعة الأولى .
الشاهد من هذا قوله : كان يطول في الركعة الأولى .
وأيضاً يدل لهذا حديث أبي سعيد في مسلم وغيره أن صلاة الظهر كانت تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع ثم يرجع إلى أهله ويتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى .
هذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطول الركعة الأولى .
ولإمام التخفيف مع الإتمام..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن استثنى العلماء رحمهم الله مسألتين :
المسألة الأولى : إذا كان شيئاً يسيراً ، والأصل أن الإنسان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ويطول الركعة الأولى أكثر من الثانية في القراءة التي تكون بعد الفاتحة .
لكن إذا كان شيئاً يسيراً فإن هذا لا بأس به ، ومثل العلماء رحمهم الله بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم بـ "سبح " والغاشية ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ سبح ثم قرأ الغاشية والغاشية أطول من سبح .
والمسألة الثانية : في صلاة الخوف ، وسيأتي إن شاء الله يتبين هذا عندما نذكر صفات صلاة الخوف .(2/399)
" ولإمام التخفيف مع الإتمام " يقول المؤلف رحمه الله : يسن للإمام أن يخفف مع كونه يتم الصلاة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ماشاء " وهذا في الصحيحين .
قال : فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة .
لكن قال المؤلف رحمه الله مع الإتمام : يعني أن يأتي بالصلاة تامة بركوعها وسجودها وشرائطها ، يعني بأركانها وواجباتها وشرائطها .
وهل هذا التخفيف على إطلاقه أو ليس على إطلاقه ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول تخفيف الإمام ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تخفيف لازم وهذا التخفيف اللازم أن يقتدي الإمام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ويواضب عليها ، فمثلاً في صلاة الفجر يقرأ بطوال المفصل بالواقعة ونحوها من السور يقرأ بسورة الطور بالذاريات .. إلخ كما سبق لنا أن بيناه .
وفي الظهر تارة يقرأ بالطوال وتارة يقرأ بالأواسط .
وفي العصر بالأواسط
ويقرأ في فجر الجمعة في الغالب بالسجدة و بـ " هل أتى على الإنسان " وهكذا ، هذا التخفيف اللازم الذي يواضب عليه الإنسان .
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " والإمام راع على المأمومين ومسأول عنهم فلابد أن يقودهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وأيضاً كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال : بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال :" إذا أم أحدكم الناس فليخفف " ومع ذلك كان يقرأ في الفجر بالطوال ويقرأ بالظهر تارة بالطوال وتارة بالأواسط وهكذا .(2/400)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وليس المعنى أنه ينقر الصلاة وفي حديث أنس : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويأمنا بالصافات .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتخفيف كان يعلم أن وراءه ضعيف وراءه مريض ووراءه ذو حاجة ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بفجر الجمعة السجدة و " هل أتى على الإنسان " .. إلخ .
وفي هذا نعرف خطأ بعض الناس الذي لا يطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : فيهم الضعيف ، أو أن بعض الجماعة ما يتحمل ، النبي عليه الصلاة والسلام أمر بهذا وهو عارف أن عنده ضعفاء وعنده كبار وعنده من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من هو ضعيف ومنهو كبير ومنهو ذو حاجة .. إلخ .
فهذا التخفيف لازم يجتهد الإمام في معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقها .
القسم الثاني : تخفيف عارض ، والتخفيف العارض أن يخفف عن السنة لسبب يعرضه يقتضي التخفيف ، مثلاً لو طرأ على بعض المأمومين مرض ونحوه أو احتيج إلى التخفيف لإنقاذ معصوم أو لإطفاء حريق أو نحو ذلك فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به أن يخفف عما جاءت به السنة ، ويدل لهذا حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمه " فنقول هذا تخفيف عارض عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فأصبح التخفيف هنا ينقسم إلى قسمين .
وانتظار داخل إن لم يشق....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/401)
وأيضاً نص العلماء رحمهم الله على أنه يكره للإمام أن يخفف تخفيفاً يمنع المأموم عن فعل المستحب ، يعني كون الإمام يخفف تخفيف يمنع المأموم من فعل المستحب قالوا بأن هذا مكروه .
ويحرم عليه أن يخفف تخفيفاً يمنع المأموم من فعل الواجب بحيث أنه يخفف الركوع ولا يتمكن المأموم أن يقول سبحان ربي العظيم تسبيحة واحدة ، هذا واجب .
فكونه يخفف هذا التخفيف الذي يمنع المأموم من فعل الواجب قالوا بأن هذا محرم ولا يجوز .
وإذا فعل الإمام ماذا يصنع المأموم ؟
نقول للمأموم أن ينفرد عنه وتنوي أنك تصلي منفرداً واتركه .
" وانتظار داخل إن لم يشق " يعني يستحب للإمام أن ينتظر الداخل ، وقيده المؤلف رحمه الله قال : إن لم يشق .
وانتظار الإمام للداخل ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : انتظاره قبل إقامة الصلاة ، فنقول هذا الانتظار ليس مشروعاً كوننا ننتظر فلان حتى يأتي ثم نقيم الصلاة هذا نقول ليس مشروع .
المشروع أن تطبق سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالصلاة تفعل في أول وقتها تفعل في أول وقتها والتي يستحب أن تؤخر تؤخر .. إلخ .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسب ما مضى في أوقات الصلاة ولا ينتظر داخل .
واستثنى بعض أهل العلم فيما لو كان الإنسان له مكانة دينية أو دنيوية .. إلخ .
والأقرب في هذا : أنه يرجع إلى المصالح في هذه الأمور فإذا كان هذا الشخص مواضب على التقدم ثم حصل له ضرف وتأخرنا شيئاً يسيراً نقول هذا لا بأس إن شاء الله ، من باب تأليف قلبه .
القسم الثاني : انتظاره في الركوع فهذا فيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد رحمه الله :
الرواية الأولى : الاستحباب كما هو مشهور من المذهب .
والرواية الثانية : الإباحة .
والرواية الثالثة : الكراهة .
والصواب في ذلك : الاستحباب .(2/402)
من كره ذلك جعله من باب التشريك بالعبادة لأنه شرك في عبادته مخلوقاً بحيث أنه أطالها وهذا غير صحيح ، بل العز بن عبد السلام رحمه الله يقول ليس هذا من باب التشريك بالعبادة وإنما هذا من باب تحصيل عبادة أخرى .
يعني فعل عبادة لكي تحصل عبادة أخرى ، وهذا هو الصواب .
نقول الصحيح : أنه يستحب أن ينتظر الإمام المأموم في الركوع لأن المأموم يستفيد وهو إدراك الركعة وقد تكون الركعة الأخيرة وإذا فاتته تكون فاتته الجماعة فيحرم هذا الخير .
وإذا استأذنت إمرأة لمسجد كره منعها وبيتها خير لها..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما القول بأنه من باب التشريك فهذا فيه نظر كما سلف .
ويدل لهذا ما تقدم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل الصلاة وهو يريد أن يطيلها ثم يخفف إذا سمع بكاء الصبي مخافة أن يشق على أمه .
القسم الثالث : انتظار المأموم في ركن لا تدرك به الركعة كما لو كان ساجداً أو جالساً ثم سمعه دخل ، فنقول هنا لا ينتظره لأنه لا يستفيد شيئاً ولما في ذلك من التطويل على المأمومين وتغيير هيئة الصلاة .
القسم الرابع : انتظاره في التشهد قبل السلام ، فهذا أيضاً ينتظره حتى يدخل قبل أن يسلم لأنه يستفيد من ذلك بأنه أدرك الجماعة على رأي بعض أهل العلم .
" وإذا استأذنت إمرأة لمسجد كره منعها وبيتها خير لها " إذا استأذنت المرأة إلى المسجد يقول المؤلف رحمه الله : يكره منعها .
وما حكم المنع ؟
الذي نص عليه المؤلف بأنه مكروه ، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/403)
الرأي الثاني : أن منع المرأة من المسجد إذا استأذنت أنه محرم ولا يجوز ، وهذا الذي ذهب إليه عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ولهذا لما قال ابنه سالم : والله ليمنعهن ، أقبل عليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فسبه سباً ما سبه قط .
فهذا يدل من ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن منعها محرم ولا يجوز .
وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أنها إذا استأذنت أنه لا يجوز له أن يمنعها .
وخروج المرأة إلى المسجد ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : خروج مشروع وهو خروجها لصلاة العيدين فإنها مأمورة بأن تخرج ولهذا في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى ، يعني الصلاة .
فنقول : هذا الخروج مشروع ومأمور به .
القسم الثاني : خروج مكروه وهذا نص عليه العلماء رحمهم الله قالوا يكره للمرأة الشابة التي تفتن الناس أن تخرج لصلاة الاستسقاء .
القسم الثالث : خروج مباح وهذا كخروجها لصلاة الفرائض ، وهل هو مباح أو ليس مباح ؟
الإمام أحمد يرى أنه مباح .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأبو حنيفة رحمه الله يقول بأنه يكره إلا صلاة الفجر والعشاء .
والصواب : أنه خروج مباح .
خروجها لصلاة التراويح وصلاة الكسوف .. إلخ . فنقول بأن هذا خروج مباح .
القسم الرابع : خروج محرم وهي إذا خرجت مع تخلف شرط من شروط جواز الخروج كما سيأتي كما لو خرجت وهي متطيبة أو متبرجة ونحو ذلك ، فنقول بأن هذا خروج محرم .
وإذا قلنا بجواز الخروج كخروجها للصلاة المفروضة أو بمشروعيته كما في خروجها للعيدين فنقول بأن هذا حكمه جائز لكن بشروط :(2/404)
الشرط الأول : إذن وليها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " فلابد أن يأذن لها وليها .
الشرط الثاني : أن لا تخرج متبرجة أو متطيبة ونحو ذلك ودليل ذلك قول الله عز وجل :" ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" وليخرجن تفلات "
وقال :" أيما إمرأة مست بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة "
الشرط الثالث : أن تؤمن الفتنة ، يعني لألا تكون هناك فتنة في خروجها فإذا أمنت الفتنة جاز ذلك .
الأولى بالإمامة الأقرأ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الإمامة
" الأولى بالإمامة الأقرأ " من الأولى بالإمامة ؟
نقول المسجد هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون له إمام راتب ، فإذا كان له إمام راتب فنقول هو الأولى كما سيأتينا إن شاء الله ، " لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه " وإمام المسجد سلطان في مسجده ، فنقول هذا الإمام هو الأولى ولا أحد يتقدم عليه ، وسبق أن ذكرنا أن حكم التقدم هنا محرم ولا يجوز .
وهل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
ذكرنا في ذلك قولين لأهل العلم رحمهم الله .
لكن الآن عندنا مسجد ليس له إمام راتب أو جماعة خرجوا في سفر أو في نزهة أو في عمل .. إلخ .
فمن الأولى يقدم ؟
قال المؤلف رحمه الله : الأقرأ ، فيقدم الأقرأ ويدل لهذا أدلة كثيرة منها حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله "
وحديث أبي سعيد في مسلم :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرأهم "
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/405)
وأيضاً سالم مولى أبي حذيفة كما في البخاري لما قدم المهاجرون الأولون أمهم سالم وهو مولى لإمرأة من الأنصار وفيهم عمر وأبو سلمة .
وكذلك أيضاً عمرو بن سلمة أمّ قومه وله ست أو سبع سنوات لأنه كان أكثرهم قرآن .
فنقول : الأقرأ هو الأولى ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الأفقه هو الأولى .
والصحيح في ذلك أن الأقرأ هو الأولى ، ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله مع أن الرأي الثاني يذهب إليه كثير من أهل العلم واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم أبي بكر للصلاة مع أن أبي بكر فيه من هو أقرأ منه فيه أبي بن كعب ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" أقرأكم أُبي ومع ذلك قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فأكثر أهل العلم يرون أن الأفقه يقدم .
والصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المذهب وأما تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على بقية الصحابة هذا فيه إشارة على تقديمه في الخلافة .
ولسابقة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ومن كأبي بكر رضي الله تعالى عنه وهو أفضل الأمة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
لما تبين أن الراجح أن الأقرأ هو الذي يقدم ما المراد بالأقرأ ؟
في ذلك رأيان :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المشهور من المذهب أن المراد بالأقرأ هو الذي يجيد القراءة ، وما معنى يجيد القراءة ؟
يعني أنه يخرج الحروف من مخارجها ولا يلحن في قراءته ، وليس المراد التجويد المعروف يعني أن يأتي بالغنة والتشديدات في مواضعها والترقيق والترقيم .. إلخ ليس هو المراد .
المراد : أن يأتي بالقراءة حسب قواعد اللغة العربية فلا يلحن ويخرج الحروف من مخارجها ، هذا المشهور من المذهب .(2/406)
والرأي الثاني : أن المراد بالأقرأ هو الأكثر حفظاً للقرآن ، وهذا القول هو الصواب .
ويدل لذلك ما تقدم أن ذكرنا أن سالم مولى أبي حذيفة تقدم وفيهم عمر ، وعمر لاشك أنه عربي ويجيد القراءة ، لكن سالم كان أكثر منه قرآناً .
وعمر بن سلمة أيضاً قدمه قومه لأنه كان أكثرهم قرآناً .
فالصواب : أن الأكثر هو الذي يقدم ، وعلى هذا لو كان عندنا شخص يحفظ عشرين وشخص يحفظ القرآن كاملاً والذي يحفظ العشرين أجود قراءة ، من الذي يقدم ؟
الحافظ الذي حفظ القرآن كاملاً .
وإذا كان عندنا شخص يحفظ القرآن كاملاً لكنه ليس عنده من الفقه بأحكام الصلاة كشخص آخر يحفظ عشرين وأحسن منه فقهاً في الصلاة ، من الذي يقدم ؟
نقول يقدم الأقرأ هذا الصواب .
ثم الأفقه ثم الأسن.............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم الأفقه " فالمرتبة الأولى : القراءة ، ثم قال المؤلف رحمه الله : ثم الأفقه هذه المرتبة الثانية ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة "
وما المراد بالأفقه ؟
المراد به العلم بمعرفة أحكام الصلاة لأن الإمام إذا كان يعرف أحكام الصلاة كان لهذا أثر في الصلاة ، لأنه قد يحصل عليه سهو وقد يحصل عليه غفلة قد يسبقه حدث .. إلخ ، فلا يحسن التصرف إذا كان يجهل لكن إذا كان يعرف هنا يكون يحسن التصرف .
فنقول الأفقه المقصود به العلم بأحكام الصلاة .
وعلى هذا لو كان عندنا شخص يعرف أحكام الصلاة وشخص آخر يعرف أحكام البيوع ، فمن الذي يقدم ، نقول الأول الذي يعرف أحكام الصلاة .(2/407)
" ثم الأسن " هذه المرتبة الثالثة : يعني إذا اجتمع عندنا شخصان وتساويا في القراءة وتساويا في الفقه كل منهم يحفظ القرآن وكل منهم أيضاً فقيه يعرف أحكام الصلاة نقدم الأسن ، ودليل ذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليأمكم أكبركم " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وليأمكم أكبركم .
وهذا هو المذهب ومذهب الشافعية .
ثم الأسن.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وذهب إليها ابن قدامة أن المرتبة الثالثة : للأقدم هجرة ، وهذا القول هو الصواب وهو الذي دل له حديث أبي مسعود قال النبي عليه الصلاة والسلام :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة "
فالصواب في ذلك : أننا نقدم الأسبق هجرة ، فلو فرضنا أن هذين الشخصين تساويا في القراءة وتساويا في السنة وأحدهم سبق هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، فإننا نقدم الأسبق هجرة ، وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا تكون المرتبة الثالثة : الأسبق هجرة .
المرتبة الرابعة : الأسبق إسلاماً ، ما ذكرها المؤلف رحمه الله وهي في الحديث :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاماً " فنقول إذا تساويا في الأمور الثلاثة كلها القراءة والفقه والهجرة نصير إلى الإسلام فإذا كان أحدهما سبق بالإسلام فإننا نقدمه .
" ثم الأسن " فيكون المرتبة الخامسة : السن ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليله حديث مالك بن حويرث السابق :" وليأمكم أكبركم "(2/408)
ثم الأشرف...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : ذهب إليه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله أن الأتقى مقدم على الأسن ، وعلى هذا الذي يكون في المرتبة الخامسة : الأتقى .
ثم بعد ذلك يأتي الأسن .
" ثم الأشرف " الأشرف يعني المنسوب إلى قريش ، وقريش اختلف فيها النسابون فقيل بأنه فهر بن مالك وقيل بأنه النظر بن كنانة .
فيكون في المرتبة السابعة : الأشرف .
ويقولون بأن بني هاشم يقدمون على سائر قريش ، واستدلوا على ذلك في قول النبي عليه الصلاة والسلام :" قدموا قريشاً ولا تقدموها " وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" الأئمة من قريش ".
والرأي الثاني : أن النسب ليس له ميزان عند الله عز وجل ، الميزان : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ما يتعلق بالنسب لا ينظر إليه وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا تحمل هذه الأحاديث :" قدموا قريشاً ولا تقدموها "و " الأئمة من قريش " هذه تحمل في إمامة الدنيا وليست في إمامة الدين .
فالصواب في ذلك : أن النسب لا عبرة به .
ثم الأتقى ثم من قرع..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم الأتقى " ذكرنا أن الصواب أن الأتقى يكون مقدماً على الأسن ، يكون في المرتبة الخامسة .
ودليل ذلك كما تقدم قول الله عز وجل :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
والتقوى : قيل بأنها فعل الفرائض وترك المحرمات .
وقيل : بأنها امتثال الأوامر واجتناب النواهي .
وقيل : بأن لا ترى أن نفسك خيراً من أحد .
وقيل بأنها : أن تعبد الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله .
وقيل بأنها : أن تترك ما لا بأس به حذراً من ما به بأس .(2/409)
" ثم من قرع " يكون المرتبة الثامنة : القرعة ، تساووا في كل المراتب السابقة نصير إلى القرعة .
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يصار إلى اختيار الجيران ، يعني جيران المسجد فمن يختاره جيران المسجد فإنه يصار إلى ذلك ، وهذا القول صواب .
وعلى هذا تكون المرتبة التاسعة : القرعة .
وصاحب البيت وإمام المسجد أحق وإمام المسجد أحق.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمراتب أولاً : القراءة ، ثم بعد ذلك : السنة ، ثم بعد ذلك : الأقدم هجرة ، ثم الأقدم إسلاماً ، ثم الأتقى ، ثم بعد ذلك : الأسن ، ثم بعد ذلك : اختيار الجيران ، ثم بعد ذلك : القرعة .
فأصبحت المراتب ثمان أما بالنسبة للأشرف فذكرنا أن الشرف هذا ليس له إعتبار وإنما هذا في أمور الدنيا ليس في أمور الدين .
" وصاحب البيت وإمام المسجد أحق " صاحب البيت أحق إذا كان صالحاً للإمامة فإنه أحق ممن حضر ولو كان أعلم منه ولو كان أقرأ منه ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمنّ الرجل الرجل في بيته " إلا إذا تنازل وقدم من هو أعلم منه أو منهو أقرأ منه .
المهم مادام أنه صالح للإمامة ويجيد الفاتحة لا يلحن فيها لحناً يحيل المعنى ، نقول بأنه أحق بالإمامة .
إلا إذا قدم غيره فإن هذا لا بأس به .
" وإمام المسجد أحق " وإمام المسجد أيضاً أحق ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ولا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه " وإمام المسجد سلطان في مسجده .
وورد ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
فنقول هما أحق إمام المسجد وصاحب البيت أحق ممن حضر .
وحر ومقيم وبصير أولى من ضدهم........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال العلماء رحمهم الله : يستحب لهما أن يقدما من هو أفضل منهم .(2/410)
لكن يستثنى من ذلك : الإمام الأعظم ، فالإمام الأعظم نقول بأنه أحق بالإمامة من إمام المسجد إذا حضر فإنه يتولى الإمامة وأيضاً من صاحب البيت لعموم سلطانه وولايته .
ويدل لهذا حديث عتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم وصلى في بيت عتبان بن مالك .
وأيضاً حديث أنس لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته جدته مليكة تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وصلى .. إلخ .
" وحر ومقيم وبصير أولى من ضدهم " يقول المؤلف رحمه الله : الحر أولى بالإمامة من ضده ، وضده الرقيق .
فيقول : الحر أولى بالإمامة من الرقيق .
والصواب في هذا : أننا نقدم من قدمه الله ورسوله ، ولا ينظر إلى حرية أو رق .. إلخ .
أولاً : لعموم حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وهذا عام .
وأيضاً ما تقدم في صحيح البخاري سالم مولى أبي حذيفة تقدم على عمر وتقدم على أبي سلمة وتقدم على الأولين من المهاجرين والأنصار .
فالصواب في ذلك : أننا نقدم من قدمه الله ورسوله .
ومقيم وبصير أولى من ضدهم...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو صحيح إذا تساويا ، يعني ممكن أن يقال هذا إذا تساويا في القراءة وفي العلم وفي السن وفي السنة وفي الهجرة ممكن أن يقال بأن الحرية تفضل إذا كان الرقيق مشغولاً بسيده ، أما إذا كان غير مشغول فكما ذكرنا القاعدة الأصل تساوي الأحكام والأرقاء في الأمور البدنية المحظة إلا بدليل .
" ومقيم " أيضاً يقول المقيم أولى من المسافر ، إذا اجتمع عندنا مقيم ومسافر نقدم المقيم.
والصواب في ذلك : كما سلف أن نقدم من قدمه الله ورسوله ، فيتقدم الأقرأ ولو كان مسافراً والأفقه ولو كان مسافراً .. إلخ .
هم يقولون يقدم المقيم لأن المسافر ربما قصر فيفوت المأمومين بعض الصلاة .(2/411)
لكن الصواب عندنا الحديث يقدم من قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، صحيح إذا تساويا في كل الأمور ممكن أن نقول المقيم أولى من المسافر .
" وبصير أولى من ضدهم " يقول المؤلف رحمه الله : المبصر أولى من الأعمى ، وعلتهم في ذلك يقولون الأعمى ربما تخفى عليه شيء من النجاسة أو ربما لا يتوجه إلى القبلة وهذه كلها لا دليل عليها ولذلك الرأي الثاني : أن الأعمى أولى لأن البصير ربما ينشغل بالنظر فيفوته شيء من الخشوع بخلاف الأعمى .
وقيل : بأنهما سواء .
ولا تصح خلف فاسق..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب كما سلف أنه يقدم من قدمه الله ورسوله عليه الصلاة والسلام حسب المراتب السابقة وأنهما سواء فإذا فضل أحدهما نقدم الذي يفضل .
والنبي صلى الله عليه وسلم خلف إلى ابن أم مكتوم وأما الصحابة وفيهم منهو بصير .
" ولا تصح خلف فاسق " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح ، الضمير يرجع إلى الصلاة ، فالصلاة لا تصح خلف فاسق ويؤخذ من هذا الكلام أنه يشترط أن يكون الإمام عدلاً ، وعلى هذا إذا أمّ الفاسق فإن إمامته غير صحيحة .
والفسق في اللغة : الخروج ، ومنه قولهم فسقت الثمرة إذا خرجت من قطبها أو قشريها .
وأما في الاصطلاح : فهو من فعل كبيرة أو أكثر من صغيرة .
وهذا الفاسق ، هل تصح إمامته هل تصح الصلاة خلفه ؟
يقول المؤلف رحمه الله لا تصح .
والفسق ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : فسق بالأعمال .
القسم الثاني : فسق بالاعتقاد .
القسم الأول الفسق بالأعمال مثلاً إنسان سرق ، هذا الآن ارتكب كبيرة ولم يتب ، أو أنه قذف ، أو أنه يكثر من الصغائر مثلاً من التخلف عن صلاة الجماعة يستمع الغناء .. إلخ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/412)
المهم أنه يكثر من الصغائر ينظر إلى النساء ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله لا تصح إمامته وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد .
والرأي الثاني : مذهب الشافعي وأبي حنيفة وكثير من المالكية أن إمامته صحيحة .
أن الفاسق بالأعمال إمامته صحيحة .
ولكل منهم دليل أما الذين قالوا بأن إمامته لا تصح فاستدلوا بقول الله عز وجل :" أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقا "
وأيضاً حديث جابر في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تؤمنّ امرأة رجلا .. إلى أن قال عليه الصلاة والسلام ولا فاجر مؤمنا "
لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت .
والرأي الثاني : كما تبين أن أكثر أهل العلم يذهبون إليه أن إمامته صحيحة واستدلوا على ذلك بأدلة منها :
حديث أبي هريرة في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
وأيضاً حديث ضعيف :" صلوا خلف من قال لا إله إلا الله " لكن يغني عنه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما يأتينا من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فابن عمر رضي الله تعالى عنه صلى خلف الخوارج .
وأيضاً صلى خلف مروان بن الحكم .
والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما صليا خلف مروان بن الحكم .. إلخ .
فالصواب في مثل هذا : أن الفاسق بالأعمال إمامته صحيحة والصلاة خلفه صحيحة ، لكن مثل هذا لا يرتب إماماً ، يرتب الإمام العدل .
القسم الثاني : الفسق بالاعتقاد ، كما لو كان الإنسان عنده شيء من البدع سواء كانت البدع متعلقة بالأسماء والصفات أو متعلقة بتوحيد الأولوهية أو بتوحيد الربوبية .. إلخ .
عنده شيء من البدع فإن كانت البدعة مكفرة ، فهذا لا تصح إمامته .
وإن كانت البدعة مفسقة وليست مكفرة فهذا موضع خلاف .(2/413)
فأبو حنيفة والشافعي تصح إمامته .
ومالك وأحمد لا تصح إمامته .
ولكل منهم دليل أما الذين قالوا تصح إمامته كأبي حنيفة والشافعي فاستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم " .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً ما ثبت في صحيح البخاري لما حصر عثمان رضي الله تعالى عنه سئل عن الصلاة وأنه يصلي إمام فتنة ، فقال عثمان : الصلاة من أحسن ما يفعل الناس فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإن أساؤا فاجتنب إسائتهم .
فعثمان رضي الله تعالى عنه مع أنه هو الإمام وحصر وصلى بالناس إمام فتنة مع ذلك أمر بالصلاة خلف هذا الإمام .
وكذلك أيضاً يدل لهذا ما سبق أن ذكرنا من آثار الصحابة ابن عمر كان يصلي خلف الخوارج وكان يصلي خلف مروان ابن الحكم وكذلك أيضاً الحسن والحسين يصليان خلف مروان وأيضاً الصلاة خلف الحجاج .
وكذلك أيضاً ابن مسعود صلى خلف الوليد بن عقبة .
فالصواب في هذا : أن إمامته صحيحة لكن كما سلف أنه لا يرتب لن الإمامة منصب ديني لها صفاتها الشرعية التي ينبغي أن تتوفر في هذا الإمام .
ويستثنى من ذلك : ما يتعلق بصلاة الجمعة والعيدين : فإن صلاة الجمعة والعيدين تصلى خلف كل إمام وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .
فمذهب أهل السنة والجماعة أنهم يرون الصلاة مع كل إمام سواء كان براً أو فاجراً فيما يتعلق بصلاة الجمعة وصلاة العيدين .
ولا امرأة وخنثى لرجل ..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/414)
" ولا امرأة وخنثى لرجل " يعني يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة المرأة للرجل ويؤخذ منه أن من شروط صحة إمامة الرجل أ ن يكون ذكراً فالرجل لا تصح إمامة المرأة له ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن إمامة المرأة للمرأة أن هذه جائزة .
لكن إمامة المرأة للرجل ، هل هي جائزة أو ليست جائزة ؟
المؤلف يرى أنها غير جائزة ، وظاهر كلام المؤلف أنها غير جائزة مطلقاً سواء كان ذلك في الفرائض أو كان ذلك في النوافل فلا يصح للمرأة أن تؤم رجل مطلقا .
ودليلهم على ذلك حديث جابر وذكرنا أنه ضعيف :" لا تؤمنّ إمرأة رجلا "
لكن يدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها " فإذا تقدمت المرأة على الرجال فهذا ليس فيه خيرية وإذا كان ليس فيه خيرية شرعاً فإن الشارع لا يقره وينفيه ، إذ إن الشريعة مبنية على المصلحة .
وكذلك أيضاً ما ثبت في البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " والإمامة نوع من الولاية كما اسلفنا أنها منصب ديني شريف له صفاته ... إلخ .
فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله هو الصواب وإن كان بعض أهل العلم يستثني إمامتها لمحارمها .
وخنثى لرجل وصبي لبالغ....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني كونها تؤم الأجانب فيه فتنة .. إلخ ، وهذا لا يليق بقام الصلاة هذه الشعيرة العظيمة ، لكن بعض العلماء استثنى إمامة المرأة لمحارمها ، فمثلاً لو صلت بأبيها أو صلت بزوجها ونحو ذلك ، ومنهم من قيده بالنوافل في التراويح ، إذا صلت بمحرمها في التراويح ..إلخ.(2/415)
المهم الخلاصة في ذلك : أن إمامتها للأجانب هذه محرمة ولا تجوز ولا تصح هذا لا إشكال فيه ، لكن إذا أمّت لمحارمها فكما أسلفنا أن بعض أهل العلم رخص فيه ، كونها تؤم في النافلة .. إلخ .
وأما إمامة المرأة للمرأة فإن هذا جائز ولا بأس به وسبق أن تكلمنا عن ذلك وأوردنا حديث أم ورقة والآثار الوارده عن عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما .
" وخنثى لرجل " أيضاً الخنثى ما يصح أن يؤم الرجال لإحتمال أن يكون أنثى والقاعدة :
{ أنه إذا اجتمعا حاظر ومبيح فإنه يغلب جانب الحظر }.
" وصبي لبالغ " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة الصبي للبالغ ، ويؤخذ من هذا أن إمامة الصبي للصبي جائزة ، وعلى هذا نقول بأن إمامة الصبي تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : إمامة الصبي للصبي في النافلة ، فنقول هذا جائز ولا بأس به لعدم المخالفة.
القسم الثاني : إمامة الصبي للبالغ في النفل ، أيضاً هذه يجوزونها لعدم المخالفة فكل منهم يصلي نافلة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : إمامة الصبي للبالغ في الفرض ، وهذه المؤلف رحمه الله يرى عدم الصحة وهو قول أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : أنها صحيحة وهو قول الشافعي رحمه الله .
أما الذين لا يصححون ذلك فيرون الاختلاف ، هذا يصلي نافلة الصبي صلاته نافلة ليس بالغاً والبالغ يصلي فرضاً فيقولون هنا الاختلاف موجود ، وإذا كان موجوداً فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فلا تختلفوا عليه "
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وأن إمامة الصبي للبالغ في الفرائض صحيحة ويدل لهذا حديث عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه فقد أمّ قومه وهو ابن ست أو سبع سنوات لأنه كان أكثرهم قرآناً ، وعلى العموم حديث أبي مسعود البدري :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله "(2/416)
وحديث أبي سعيد :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم "
فالصواب في هذه المسألة : أن إمامته صحيحة كما هو مذهب الشافعي رحمه الله .
ومذهب الشافعية هو أحسن المذاهب فيما يتعلق بصلاة الجماعة والإمامة ، هو أحسن المذاهب من خلال الاستقراء والقراءة يتبين أن مذهب الشافعية رحمهم الله هو أحسن المذاهب وهو أقرب إلى الدليل .
ولا أخرس إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا أخرس " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة خلف الأخرس .
والأخرس : هو الذي لا يستطيع النطق ، فيقول بأن إمامته غير صحيحة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الأخرس لا تصح إمامته ولو بمثله .
ودليل ذلك ما تقدم أن الشارع إعتبر القراءة في الإمامة ، فقال :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " وهذا لا يقرأ .
" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " وكما ذكرنا أن الصحابة قدموا سالم مولى أبي حذيفة وفيهم عمر وأبي سلمة لأنه كان أقرأ .
فالشارع إعتبر القراءة ، فنقول الأخرس لا تصح إمامته لكن إذا كان بمثله المذهب أنه حتى ولو كان بمثله لا تصح إمامته .
لكن الصواب : إذا كان بمثله فإن إمامته صحيحة .
" ولا عاجز عن ركن أو شرط إلا بمثله سوى إمام الحي المرجو زوال مرضه " تكلم الآن المؤلف رحمه الله عن إمامة العاجز عن ركن أو شرط هو تكلم عن إمامة الفاسق وعن إمامة المرأة وعن إمامة الأخرس ثم بعد ذلك الآن تكلم عن إمامة العاجز عن ركن ثم بعد ذلك عن إمامة العاجز عن شرط من شرائط الصلاة .. إلخ .
فالمؤلف رحمه الله يتكلم عن أنواع الأئمة ومن الذي تصح إمامته ومن الذي لا تصح إمامته ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/417)
فنقول العاجز عن ركن من أركان الصلاة ، مثلاً عاجز عن الركوع لا يستطيع أن يركع لا يستطيع أن يسجد لا يستطيع أن يجلس .. إلخ . هو الآن عاجز عن ركن من أركان الصلاة .
إذا كان عاجز عن ركن من أركان الصلاة فهذا الركن لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الركن قياماً لا يستطيع أن يقوم .
الأمر الثاني : أن يكون غير القيام ، كالركوع كالسجود كالجلوس .. إلخ .
فإن كان قياماً فيقول المؤلف رحمه الله لا تصح إمامته إلا إمام الحي المرجو زوال مرضه .
إذا عجز الإمام عن القيام لا تصح إمامته إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون إمام الحي أي الإمام الراتب في المسجد .
الشرط الثاني : أن يرجى زوال مرضه .
ولنفرض أن الإمام الراتب في المسجد مرض ، مثلاً حصل في رجله كسر وأصبح لا يستطيع القيام وصلى بالناس وهو جالس ، ما حكم صلاته صحيحة أو ليست صحيحة ؟
صحيحة لأنه يرجى زوال مرضه .
إمام الحي كبر وأصبح لا يستطيع القيام ، ما حكم إمامته ؟
غير صحيحة لأنه لا يرجى زوال مرضه ، الكبر لا يرجى زواله .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة خرجوا في سفر والأقرأ منهم أصيب في رجله وأصبح لا يستطيع القيام هل تصح إمامته أو لا تصح إمامته ؟
لا تصح لأنه ليس الإمام الراتب إمام الحي .
فالمؤلف رحمه الله يشترط شرطين :
الشرط الأول : أن يكون الإمام الحي يعني الإمام الراتب .
والشرط الثاني : أن يرجى زوال مرضه ، فلابد أن يتوفر هذان الشرطان لكي تصح إمامته إذا كان المرض فيما يتعلق بالقيام .
الرأي الثاني : رأي الشافعية يرون أنه يصح مطلقاً .
والرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله عدم الصحة مطلقاً .
فالآراء في ذلك ثلاثة .(2/418)
والصواب في هذا : ما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله وهي الصحة مطلقاً لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام :" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ".
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد :" إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم " وهذا يشمل العاجز عن القيام وغير العاجز عن القيام.
فالصواب في هذه المسألة : من قال بصحة إمامته مطلقاً .
إذا قلنا بصحة العاجز عن القيام فكيف يصلي المأمومون ؟
ويصلون وراءه جلوساً ندباً وإن ابتدأ بهم قائماً وعجز فجلس أتموا خلفه قياماً...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا قال المؤلف رحمه الله :
" ويصلون وراءه جلوساً ندباً وإن ابتدأ بهم قائماً وعجز فجلس أتموا خلفه قياماً " الآن قلنا بأن إمامة العاجز عن القيام حكمها صحيحة سواء على حسب ما اشترط المؤلف أو قلنا بأنها تصح مطلقاً لعموم الأحاديث وهو الصواب .
بقينا في المأمومين كيف يصلون ؟
فصل لك المؤلف قال : يصلون وراءه جلوساً ندبا ، يعني إن افتتح بهم الصلاة جالساً فإنهم يصلون وراءه جلوساً .
وإن افتتح بهم الصلاة قائماً ثم أعتل صابته علة فإنهم يصلون خلفه قياماً .
هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني : أكثر أهل العلم أنهم يصلون خلفه قياماً .
لكن ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من هذا التفصيل هو الصواب وهو الذي دلت له الأحاديث .
ففي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو شاكٍ فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال :" إنما جعل الإمام ليؤتم به .. إلى أن قال : وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين "
.............................................................................................................(2/419)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة وهو جالس فيصلون جلوساً ، إذا افتتح الصلاة وهو قائم يصلون قياماً .
وأيضاً يدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه لما ألجحش& النبي صلى الله عليه وسلم وسقط عن فرسه وصلى في بيته جالساً أشار للصحابة رضي الله تعالى عنهم أن يصلوا جلوساً .
فنقول : إذا افتتح الصلاة جالساً فإنهم يصلون جلوساً لكن إذا افتتح الصلاة وهو قائم فإنهم يصلون قياماً .
والدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما مرِض مرض الموت وأمر أن ينادى أبا بكر لكي يصلي بالناس فوجد من نفسه نشاطاً فخرج وأكمل الصلاة بالصحابة وكان الصحابة يصلون قياماً .
ولماذا صلوا قياماً ؟
لأن أبا بكر افتتح بهم الصلاة وهو قائم .
فنقول الصحيح في ذلك : كما ذكر المؤلف رحمه الله خلافاً لما ذهب إليه أكثر أهل العلم ، إن افتتح الصلاة وهو قائم يصلون خلفه قياماً وإن افتتح الصلاة وهو جالس يصلون خلفه جلوساً .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن افتتح الصلاة وهو قائم يصلون خلفه قياماً وجوباً إذا أعتل ، وإن افتتح الصلاة وهو جالس يصلون خلفه جلوساً لكن قال المؤلف رحمه الله : ندباً ، والصحيح أنهم يصلون خلفه جلوساً وجوباً أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال :" إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين ".
" إذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين "
وهذا الصواب في هذه المسألة .
فيصلون خلفه جلوساً يومؤن بالركوع وأما السجود فإن استطاع الإمام أن يسجد سجوداً تاماً يسجدون خلفه سجوداً تاماً وإذا ما استطاع أن يسجد سجوداً تاماً فإن المأمومين يسجدون سجوداً تاماً .
هذا إذا عجز عن ركن القيام .
القسم الثاني : إذا عجز عن ركن غير القيام ، كالركوع كالسجود .. إلخ .(2/420)
فهل تصح إمامته أو لا تصح ؟
المشهور من المذهب أن إمامته غير صحيحة إذا عجز عن ركن ما يستطيع أن يركع ولا فرق بين إمام الحي وغيره ولا فرق بين أن يرجى زوال علته أو لا .
ولنفرض أن الإمام الراتب لم يتمكن من الركوع لألم في ظهره أو من السجود أو غير ذلك فيقولون بأن إمامته غير صحيحة .
ولا خلف محدث أو نجس يعلم ذلك.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار الشيخ السعدي ، أن إمامته صحيحة ، وهذا القول هو الصواب .
أن إمامته صحيحة وهو الصواب لعموم الأحاديث " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " .. إلخ .
ما تقدم ما يتعلق بمن عجز عن ركن من أركان الصلاة كذلك أيضاً من عجز عن شرط من شروط الصلاة ، فالمذهب أنها لا تصح إمامته ، مثل إنسان لا يتمكن من رفع الحدث عنده سلس بول فيرون أن إمامته لا تصح للصحيح .
إذا كان عنده سلس بول يرون أن إمامته لا تصح للصحيح .
إنسان لا يتمكن من استقبال القبلة لكونه مربوط إلى غير القبلة يرون أن إمامته لا تصح لمن يتمكن من استقبال القبلة ، وهذا كما أسلفنا المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : أن إمامته صحيحة لعموم الأدلة ، وهو اختيار الشيخ السعدي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا القول هو الأقرب .
" ولا خلف محدث أو نجس يعلم ذلك " يرى المؤلف رحمه الله أنه لا تصح الصلاة خلف المحدث .
والحدث : وصف يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط لها الطهارة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحدث هل تصح إمامته أو نقول بأن إمامته غير صحيحة ؟
نقول المحدث هذا ينقسم إلى أقسام :(2/421)
القسم الأول : أن لا يعلم بالحدث هو والمأمومون إلا بعد نهاية الصلاة .
إنسان صلى بالناس وقد أكل لحم جزور ولم يعلم بأنه محدث إلا بعد أن انتهت الصلاة فنقول بأن صلاة المأمومين صحيحة وأما صلاته فيعيد لأنه ترك شرطاً من شروط صحة الصلاة .
ودليل ذلك ما سبق من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
وأما الإمام فنقول بأن صلاته غير صحيحة يجب أن يعيد لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة .
ويدل لذلك أيضاً أن عمر وعثمان أن كل منهما صلى بالناس وهو جنب فأعادا ولم يأمرا الناس بالإعادة .
القسم الثاني : أن يعلم المأموم أو بعض المأمومين بحدث الإمام في أثناء الصلاة ، فالمذهب أن صلاتهم جميعاً باطلة الإمام والمأموم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : أما الإمام فصلاته غير صحيحة لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة ، وأما المأموم الذي يجهل فهذا صلاته صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
وأما المأموم الذي علم فنقول يجب عليه أن ينفرد ، إذا علم أن الإمام محدث يجب عليه أن ينفرد وأن يصلي وحده إذا لم يتمكن من تنبيه الإمام ، وإن تمكن ونبه الإمام بإشارة ونحو ذلك فإنه ينبهه لكن إذا لم يتمكن فإنه ينفرد .
فإن كان جاهلاً بالإنفراد وتابع ، نقول يعفى عن ذلك وتكون صلاته صحيحة .
القسم الثالث : أن يعلم الإمام بالحدث في أثناء الصلاة والمأمومون يجهلون ، فنقول يجب عليه أن يخرج .
المذهب : إذا علم في أثناء الصلاة تبطل صلاة الجميع ، يرون أن صلاة الجميع تبطل .(2/422)
والصواب : أن الإمام صلاته تبطل أو باطلة وأما المأمومون فنقول صلاتهم صحيحة فيستخلف الإمام من يتم بهم الصلاة ، يجب عليه أن يخرج ويستخلف من يتم بهم الصلاة أو أن المأمومين يستخلفون أو يتمونها فراداً .
والأحسن أن يستخلف كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه .
فإن عمر رضي الله تعالى عنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف فأتم بالناس الصلاة.
فنقول : يستخلف وإن لم يفعل فإن المأمومين يستخلفون أو يتمون .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن لم يستخلف واستمر بهم في الإمامة فنقول بأنه يأثم لأنه لا يجوز له أن يواصل وهو محدث ، نقول يأثم لكن بالنسبة لصلاة المأمومين نقول بأنها صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم "
هذا فيما يتعلق بصلاة المحدث .
بقينا في صلاة من عليه نجاسة أيضاً نقول هذا لا يخلو من أقسام :
القسم الأول : ألا يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة ، إمام صلى بالناس وعليه نجاسة في بدنه أو عليه نجاسة في ثوبه أو في بقعته التي يصلي عليها ولم يعلم بالنجاسة إلا بعد أن انتهى من الصلاة ، بالنسبة لصلاة المأمومين صحيحة لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
بالنسبة لصلاة الإمام أيضاً نقول بأنها صحيحة .
صلاة الجميع صحيحة وهذا فرق بين الحدث والنجاسة لأن الحدث من باب الأوامر ما يعفى فيه بالنسيان والجهل لابد أن يعيد الإمام ، وأما بالنسبة للخبث فهو من باب التروك يعذر فيه بالجهل والنسيان ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : أن يعلم المأموم أو بعض المأمومين في أثناء الصلاة ، وكما تقدم المذهب يرون أن صلاة الجميع تبطل .
فإن جهل مع مأموم حتى انقضت صحت لمأموم.......................................(2/423)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أن الإمام صلاته صحيحة لأنه معفو عنه في النسيان .
والمأمومون الذين جهلوا صلاتهم صحيحة ، والمأمومون الذين علموا إن تمكنوا أن ينبهوا الإمام ينبهوه وإن لم يتمكنوا يصلوا يواصلوا الصلاة وصلاتهم صحيحة أيضاً .
فالجميع صلاتهم صحيحة وإنما قلنا بأن صلاة المأمومين الذين علموا صحيحة لأن الإمام أصلاً صلاته صحيحة وهم الآن يقتدون بإمام صلاته صحيحة لأنه معفو عنه لكونه جهل أو نسي النجاسة .
فإذا كان معفو عنه فإئتمامهم به نقول بأنه صحيح .
القسم الثالث : أن يعلم الإمام ، فنقول المأمومون صلاتهم صحيحة والإمام يجب عليه أن يخرج ويستخلف ، وكما تقدم المذهب أن الصلاة تبطل جميعاً .
لكن الصواب : الإمام يجب عليه أنيخرج ويستخلف هذا الأحسن وإن لم يستخلف يستخلفون أو يتمونها فرادى والمأمومون صلاتهم صحيحة .
وأما بالنسبة للإمام يجب عليه أن يخرج ويعيد الصلاة .
فإن لم يخرج واستمر نقول صلاته باطلة ويأثم وصلاة المأمومين صحيحة .
" فإن جهل مع مأموم حتى انقضت صحت لمأموم " لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
ولا إمامة من لا يحسن الفاتحة أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر غير ضاد المغضوب والضالين ظاء أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا إمامة من لا يحسن الفاتحة أويدغم ما لا يدغم أو يبدل حرفاً بآخر غير ضاد المغضوب والضالين ظاء " هنا شرع المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بإمامة الأمي ، منهو الأمي الذي لا تصح إمامته ؟
الأمي في اللغة : مأخوذ من الأم ، وهو الذي لا يحسن القراءة والكتابة كأنه منسوب إلى أمه يعني على الحال التي خرج من أمه ، والإنسان إذا خرج من أمه فإنه لا يحسن القراءة والكتابة .(2/424)
وأما في الاصطلاح : الأمي فنقول ما يتضمن أربعة أمور :
قال : من لا يحسن الفاتحة ، هذا الأمر الأول :
الأمر الأول : لا يحسن الفاتحة ، وما معنى لا يحسن الفاتحة ؟
يعني لا يحفظ الفاتحة ، هذا الأمر الأول .
" أويدغم ما لا يدغم " هذا الأمر الثاني : يدغم في الفاتحة ما لا يدغم يعني حرفاً بما لا يماثله ولا يقاربه ، مثل لو أدغم هاء لفظ الجلالة براء رب العالمين ، فيقول الحمد
" أو يبدل حرفاً بآخر " الأول : يدغم ،والثاني : يبدل حرفاً بآخر وهو ما يسمى بالألثغ.
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والألثغ مثاله : الذي يبدل الراء غيناً هو الآن أبدل حرف حرفاً آخر ، رب العالمين يقول غب العالمين ، فهذا يسمى ألثغ .
الأول الذي يدغم يسمى الأرت . مثال الحمد للرب العالمين
والثاني : الذي يبدل حرفاً بآخر يسمى ألثغ ، فيبدل حرفاً بحرف آخر هنا ما أكل حرف في صورة الأرت أكل حرف ، هنا ماأكل حرف أتى بالحرف لكن قلبه إلى حرف آخر ، فمثلاص الراء يقلبها إلى غين بدلاً من أن يقول رب العالمين يقول غب العالمين ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله بأن إمامته لا تصح .
فأصبح عندنا منهو الأمي ؟
جمع واحد من أربعة أمور الأول : من لا يحفظ الفاتحة ، أو يحفظها لكن يدغم حرفاً بآخر لا يماثله ولا يقاربه ويسمى الأرت .
الثالث : يبدل حرفاً بآخر ويسمى الألثغ .
وذكرنا الفرق بينهما : أن الأول أكل الحرف والثاني الحرف موجود لكن أبدله بحرف آخر .
ومن أمثلة الألثغ كما قلنا أبدل الراء غين ومن أمثلتها يبدل الراء ياء بدلاً من أن يقول رب العالمين ، يقول يب العالمين ، وهكذا .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/425)
الرابع : أن يلحن لحناً يحيل المعنى ، مثلاً يقول : صراط الذين أنعمتُ عليهم ، هنا أحال المعنى .
إياك نعبد ، يقول إياكِ نعبد ، هنا أحال المعنى .
فإذا توفرت واحد من هذه الأمور نقول بأنه أمي لا تصلح إمامته ، لكن تصلح إمامته بمثله ، أما بغير مثله نقول لا تصح .
ودليل ذلك : ما ذكرنا من الأدلة حديث أبي مسعود البدري وكذلك أيضاً حديث أبي سعيد وغير ذلك من الأحاديث التي أشرنا إليها .
غير ضاد المغضوب عليهم ولا الضالين ظاء أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا تصح إمامة أمي .. والضالين بظاء "
تقدم تعريف الأمي في اللغة والاصطلاح ، لغة : لا يحسن القراءة ولا الكتابة كأنه منسوب إلى أمه ، أي على الحالة التي ولدته أمه ، وأمه قد ولدته وهو لا يعرف الكتابة والقراءة .
اصطلاحاً : ما وجد فيه واحد من أربعة أمور :
الأول : أن لا يحفظ الفاتحة .
الثاني : أن يدغم فيها ما لا يدغم .
الثالث : أن يبدل حرفاً بغيره .
الرابع : أن يلحن فيها لحناً يحيل المعنى .
فإذا توفر فيه واحد من هذه الأمور الأربعة فإنه أمي لا تصح إمامته .
ويدل لهذا ما تقدم من حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ).
وحديث أبي سعيد ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ).
واستثنى المؤلف رحمه الله
" غير ضاد المغضوب عليهم ولا الضالين ظاء " إذا بدل الضاد بالظاء المؤلف : لا بأس به إذا كان يعجز عن مثل هذا لتقارب المخرجين ضاد وظاء .
لا يجعله أمياً لا تصح إمامته والعلة : تقارب المخرجين .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : لا تصح إمامة أمي سواء كان بمثله أو بغيره .
والصواب : أن إمامته لا تصح بغير الأمي فلا يقدم إماماً .(2/426)
أما إمامته بمثله صحيحة .
" أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى " تقدم أنه داخل في الأمي : إذا لحن لحناً يحيل المعنى مثل ( اهْدِنا ) اهْدِنا من الهداية .
( أَهدنا ) من الهدية ، هذا أحال المعنى .
إلا بمثله وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته وتكره إمامة لحان وفأفاء..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو ( إياكِ نعبد ) يقول أنه أمي .
" إلا بمثله " ذكرنا أن المؤلف رحمه الله ظاهر كلامه في الأول أن إمامته لا تصح مطلقاً ولو بمثله لكن هنا أفاد المؤلف رحمه الله أن إمامته صحيحة بمثله .
يعني الأمي إمامته صحيحة بمثله ، وأما بغير الأمي فإن إمامته لا تصح .
" وإن قدر على إصلاحه لم تصح صلاته " إذا كان هذا الأمي يقدر على إصلاحه ـ يتعلم الفاتحة ـ ولنفرض أنه يلحن لحناً يحيل المعنى فيقدر على أن يجلس ويتعلم ، فنقول : لا تصح صلاته إذا كان يقدر لماذا ؟
لأنه مأمور بقراءة الفاتحة وإذا أحال المعنى لم يقرأ الفاتحة وإنما أتى بكلام أجنبي على القراءة .
مثلاً إذا قال : إياكِ هذا ليس من كلام الله عز وجل فيكون أسقط شيئاً من الفاتحة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )
فلا تصح صلاته إذا كان يقدر أما إذا كان يعجز عن إصلاحه فصلاته صحيحة .
مثل : بعض البادية ، وبعض كبار السن ، وبعض الأعاجم .
بعض الأعجميين لا يمكن أن تصلحه تجد أنه يدغم بعض الحروف ببعض أو يبدل حرفاً بآخر فلا يمكن أن تعلمه مهما علمتهم فلا يمكن ، فحكم صلاته صحيحة لكن لا يكن إماماً إلا بمثله .
" وتكره إمامة لحان " اللحان المراد به : اللحن الذي لا يحيل المعنى أما أن أحال المعنى فإنه أمي فإن كان لحنه لا يحيل المعنى فإمامته مكروهة .(2/427)
ويؤخذ من ذلك : أن إمامته صحيحة ولو كان ببإنسان لا يلحن .
مثال ( الحمد للهُ ربَّ العالمين )
يكره ذلك وإنما قال المؤلف يكره كما أشرنا أن القراءة معتبرة في الإمامة ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ).
( وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )
فهذا يدل على أن القراءة معتبرة في جانب الإمامة .
" وفأفاء " هو الذي يكرر الفاء .
ونحوه ومن لا يفصح ببعض الحروف وأقطع يدين ورجلين أو أحدهما أو أنف...........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ونحوه " كالتمتام وهو الذي يكرر التاء فهؤلاء تكره إمامتهم .
والدليل على ذلك : أن القراءة معتبرة .
" ومن لا يفصح ببعض الحروف " كالقاف لا يذكرها فصيحة ، أو الضاد لا يذكرها فصيحة .
المؤلف رحمه الله : إمامته مكروهة .
" وأقطع يدين ورجلين أو أحدهما " لو عندنا شخص قطعت يداه أو رجلاه أو قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه ، المؤلف : تكره إمامته .
" أو أنف " تكره إمامته ، إذا كان مقطوع الأنف تكره إمامته أو أقطع اليدين أو الرجلين أو أحدهما لماذا ؟
يقولون العلة : اختلف في صحة إمامته بعض أهل العلم يقول : لا تصح إمامته .
والمؤلف رحمه الله : تصح لكن تكره خروجاً من الخلاف .
وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام قال التعليل بالخلاف علة باطلة .
نقول الحكم مكروه لوجود الخلاف ، فما من مسألة إلا وفيها خلاف إلا ما ندر من المسائل التي أجمع عليها العلماء رحمهم الله .
فالتعليل بالخلاف علة باطلة لأنها علة حادثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم الخلاف لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم كان المرجع القرآن والسنة .
فالتعليل بالخلاف علة حادثة فلا تعلل بها الأحكام .
لا نقول هذا مكروه لأن بعض العلماء اختلفوا في ذلك .(2/428)
نقول يكره لوجود الدليل ننظر إلى خلاف ذلك العالم فإن كان له حظ من النظر نقول لوجود الدليل لأن فيه دليل ينص على كذا وكذا .
أما نقول مكروه للخلاف فهذا التعليل بالخلاف علة باطلة لأنه حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلى هذا نقول هذه العلة فيها نظر .
والصواب : لا تكره إمامتهم ويدل لذلك عمومات الدلة ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )
( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم )
وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فهذا عام وكلام المؤلف فيه نظر .
" وأن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهن " المراد بالأجنبية أي التي ليست من محارمه .
المؤلف رحمه الله : يكره أن يؤم أجنبية فأكثر لا رجل معهم .
أما أجنبية واحدة لا يجوز لأنها خلوة بامرأة محرمة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )
لكن إذا أم امرأتين أو ثلاثاً أو أربعاً وهن أجانب منه فما الحكم ؟
المؤلف رحمه الله : مكروه .
هم يقولون لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلو الرجل بالمرأة .
والصواب : لا كراهة لأنه لا خلوة هنا .
ويفرق بين السفر والحضر .
السفر هو الذي يحتاج إلى محرم ، أما الحضر فلا يحتاج إلى محرم يحتاج إلى انتفاء الخلوة ، وانتفاء الخلوة يحصل بامرأة واحدة .
لو أن رجلاً مع امرأة أجنبية وجاءت امرأة أخرى انتفت الخلوة .
مثلاً هذا المكان فيه امرأة ورجل ثم جاءت امرأة أجنبية أخرى الخلوة انتفت وليس بلازم المحرم في الحضر لا يشترط لكن لابد من انتفاء الفتنة .
فلو ركب رجل معه امرأة أجنبية وامرأة أخرى أجنبية جائز ولا بأس به .(2/429)
رجل أجنبي ورجل أجنبي مع امرأة أجنبية جائز لأن الخلوة انتفت بوجود الرجل الأجنبي الآخر .
وعلى قول المؤلف رحمه الله : يكرهأن يؤم امرأة أجنبية فأكثر ليس معهن رجل .
فيه نظر .
والصواب : عدم الكراهة ، لكن إذا كان يترتب على ذلك فتنة ومحذور شرعي يحرم.
أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها وعكسه لا مفترض بمتنفل......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو قوماً أكثرهم يكرهه بحق " يكره أن يؤم قوم أكثرهم يكرهه بحق ، ودليل ذلك حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم وذكر منهم إمام قوم وهم له كارهون ).ت . وغيره .
فقال : إمام قوم وهم له كارهون ،
وقال المؤلف رحمه الله : بحق ، أن تكون الكراهة بحق ، لأن الكراهة قد تكون بحق وقد تكون بغير حق ، وعلى هذا نقول تنقسم الكراهة إلى قسمين :
القسم الأول : أن تكون بحق كما لو كانت الكراهة لخلل في دينه ، هذا الإمام عنده خلل في دينه عنده ذنوب معاصي ، فهذه كراهة بحق .
القسم الثاني : كراهة بغير حق لهوى أو لعصبية أو لحسد ونحو ذلك ، فنقول لا تكره إمامته .
وقوله : أكثرهم ، يفيد أنه لو كانت الكراهة من البعض أن ذلك لا يضر .
والصواب : أنه يضر ما دام أنه لنقص في دينه .
" ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها " هذه المسألة وهي اختلاف الصلاتين ، إذا اختلفت الصلاتان صلاة الإمام وصلاة المأموم ، نقول هذا الاختلاف ينقسم إلى أقسام :(2/430)
القسم الأول : أن تختلف في القضاء والأداء ، هذا لا يضر ، ولهذا قال المؤلف : ويصح ائتمام من يقضي صلاة بمؤديها وعكسه ، اتفقت في الاسم واختلفت في القضاء والأداء ، فالإمام يصلي الظهر أداءً والمأموم يصلي ظهر الأمس قضاءً لا يضر.
" وعكسه " عكس المسألة الإمام يصلي الظهر قضاءً والمأموم يصلي الظهر أداءً لا يضر داخل في القسم السابق اتفقا في الاسم واختلفا في الأداء والقضاء ، كله جائز ولا بأس به .
" لا مفترض بمتنفل "
القسم الثاني : أن تختلف الصلاتان في الاسم مع اتفاقهما في الفعل .
مثاله : الإمام يصلي العصر والمأموم يقضي الظهر .
................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤلف وأكثر أهل العلم : لا يصح .
واستدلوا بحديث عائشة وأبي هريرة ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ).
وهنا اختلف عليه الإمام يصلي العصر وهذا يصلي الظهر .
والرأي الثاني : يصح وقال به الشافعي .
واستدلوا حديث معاذ رضي الله عنه الثابت في الصحيح فإن معاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم ، فهو يصلي تطوع وهم يصلون فريضة فاختلفت فهذا يدل لما ذهب إليه الشافعي رحمه الله .
وهو الصواب .
ومن أدلة ذلك : حديث أبي ذر ( إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل فلا تقل إني صليت فلا أصلي ) الإمام يصلي فرضاً والمأموم نافلة .
حديث يزيد بن الأسود ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم ) فهؤلاء نافلة وهؤلاء فريضة .
القسم الثالث : مفترض بمتنفل ، المأموم مفترض والإمام متنفل خلاف ، والخلاف السابق يأتي هنا والشافعية يجوزون هذه الصورة .(2/431)
ودليلها ما اسلفنا من حديث معاذ ويزيد بن الأسود وأبي ذر ، وهو الصواب .
فالصواب : إذا كان الإمام مفترضاً والمأموم متنفل فهذا صحيح .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام :( فلا تختلفوا عليه ) نقول المراد بذلك الاختلاف في الأفعال كما سيأتي ويفسره الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ..)
لا تخالف الإمام هذا هو المقصود ، كبر مع الإمام واركع مع الإمام واسجد مع الإمام هذا المراد بالاختلاف وافقه في ذلك لا تختلف عليه .
القسم الرابع : أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً يسيراً ، لا يضر هذا .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثاله : هذا يصلي العشاء والمأموم المغرب فيه اختلاف ، هذه أربع وتلك ثلاث فيه اختلاف لكنه يسير ، فنقول صل معه المغرب ثم بعد ذلك تنفصل وتدخل معه الركعة الأخيرة في العشاء .
أو الإمام يصلي المغرب وأنت تصلي العشاء لا يضر إذا سلم تقوم وتأتي بركعة .
هنا اختلاف في الأفعال يسير .
ومن أمثلته : الإمام يصلي صلاة العيدين والمأموم يصلي صلاة الفجر ، الصلاتان متفقتان في الأفعال إلا أن صلاة العيدين فيها زيادة التكبيرات الزوائد والفجر ليس فيها فهذا لا يمنع من الإقتداء .
القسم الخامس : أن تختلف الصلاتان في الأفعال اختلافاً كثيراً ، أكثر أهل العلم لا يصح الإقتداء .
مثاله : الإمام يصلي صلاة الجنائز والمأموم يصلي صلاة الظهر اختلاف كثير فصلاة الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود ولا جلوس والفريضة فيها ذلك .
فأكثر أهل العلم لا يصح الإقتداء به .(2/432)
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى الصحة لكن الصواب : ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا يصح .
ومثاله : الإمام يصلي الكسوف والمأموم الفجر لم يصل الفجر حتى طلعت الشمس وكسفت وصلى الإمام وجاء وهم يصلون الكسوف ودخل معهم هل يصح الإقتداء أو لا يصح ؟
لا يصح الاختلاف كثير ، الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وأما الفجر ليس لها إلا ركوع واحد ، فهذا يمنع إذا كان الاختلاف كثير .
أما إذا كان الاختلاف غير كثير فالأصل الإقتداء وهو الصواب .
ولهذا نعرف أن ما يحصل من الخلاف عند كثير من المسافرين أو في حالات الجمع يريد أن يدخل فيسأل ماذا تصلي قله ليس وارد إذا اتيت والناس يصلون صل معهم لك صلاتك ولهم صلاتهم إلا إذا عرفت أنهم يصلون الكسوف لا تصل معهم الفجر أو الجنازة لا تصل الظهر لأن الاختلاف بينهما كثير وهذه أمور نادرة ، فأنت كما قال صلى الله عليه وسلم :( إذا أتيت مسجد جماعة فصل معهم )
( إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل )
إذا جئت والناس يصلون أدخل معهم .
ولا ظهر خلف نحو عصر.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا ظهر خلف نحو عصر " تقدم إن اتفقت في الأفعال واختلفت في الاسماء الصحيح : تصح خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
يقف اثنان فأكثر خلف إمام ندباً ويصح عن يمينه وبجنبيه لا يساره فقط......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" يقف اثنان فأكثر خلف إمام ندباً "
أراد المؤلف أن يبين موقف المأموم من الإمام ، نقول المأموم لا يخلو من أمرين :(2/433)
الأمر الأول : أن يكون واحداً ، وهذا سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله .
الأمر الثاني : أن يكون أكثر من واحد فالسنة أن يقفوا خلف الإمام ، ولو وقفوا عن جانبيه لا بأس .
ولنفرض أن المأمومين ستة فوقف ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره جائز ولكنه خلاف السنة .
السنة : أن يقفوا خلف الإمام .
وكان أول الإسلام إذا كانوا ثلاثة فإنهم يقفون عن جانبيه كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه :( جعل صاحبيه عن جانبيه )
كان في أول الإسلام ثم نسخ فإذا كانوا ثلاثة فإن السنة أن يتقدم الإمام عليهما .
فأصبح الوقوف لأكثر من اثنين له حالتان :
الحالة الأولى : السنة خلفه وهذا ما استقر عليه التشريع فكان صلى الله عليه وسلم يتقدم والصحابة خلفه وهذا اجماعاً .
الحالة الثانية : عن جانبيه .
" ويصح عن يمينه وبجنبيه " يعني لو وقف المأمومين عن يمين الإمام صح ذلك ولو وقفوا بجانبيه عن يمينه وشماله صح ذلك ولكن الأفضل إذا كانوا أكثر من واحد أن يقفوا خلفه .
وذكرنا الدليل أن هذا كان موجودا في أول الإسلام وابن مسعود رضي الله عنه جعل علقمة والأسود أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ، لكن هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ .
" لا يساره فقط " ولو جعل المأموم أو المأمومين عن يساره ما الحكم ؟
المؤلف رحمه الله والمذهب : لا يصح .
أو قدامه.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس لما كبر ابن عباس عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم أداره إلى يمينه ، وكذلك أدار جابر لما كبر إلى يمينه .(2/434)
فهذا يدل على أن اليسار ليس موقفاً .
والجمهور : أنه يصح أن يقف المأموم عن يسار الإمام حتى لو كان واحد أو اثنين أو ثلاثة ، وأن يساره موقف كيمينه .
واستدلوا على ذلك : أن ابن عباس كبر وأدى جزء من الصلاة عن يساره صلى الله عليه وسلم وكذلك جابر ولم يأمرهما صلى الله عليه وسلم بالإعادة .
وهو الصواب .
لكن الأفضل عن يمينه ، وعلى هذا نقول موقف الواحد الأفضل عن يمين الإمام ولو وقف عن يساره جائز .
" أو قدامه " لا يصح أن يقف قدام الإمام وهذه المسألة فيها ثلاثة آراء :
الرأي الأول : المذهب لا تصح قدام الإمام حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم تراجع لا تصح .
الرأي الثاني : الإمام مالك رحمه الله يصح عند الضرورة كما هو في حال الزحام ونحو ذلك .
الرأي الثالث : أبو حنيفة والشافعي يصح مطلقاً .
وما ذهب إليه الإمام مالك هو الصواب يصح مع الضرورة وهو قول وسط وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ولكل منهم دليل :
المذهب لا تصح استدلوا ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) فالإمام ليؤتم به ليقتدى به وإذا تقدم لا يأتم بالإمام .
وكذلك قالوا هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم .
فما جرى عليه النبي والصحابة والإجماع أن هذا فعلهم بتقديم الإمام على المأمومين.
وأما أبو حنيفة والشافعي الجواز مطلقاً قالوا الدليل أن الإقتداء ممكن أن يتقدم وأن يقتدي بسماع التكبير ونحو ذلك .
ولا الفذ خلفه أو خلف صف.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والذين قالوا يسقط عند الضرورة قالوا : الضرورات تبيح المحظورات ، قول مالك وشيخ الإسلام وابن القيم .
وهو الصواب .(2/435)
" ولا الفذ خلفه أو خلف صف " الفذ هل تصح صلاته خلف الصف أو غير صحيحة ؟
المؤلف رحمه الله : لا تصح .
وهذه المسألة فيها ثلاثة آراء طرفان ووسط :
المشهور من المذهب : أن صلاة الفذ خلف الصف غير صحيحة مطلقاً .
الجمهور : يرون الصحة .
شيخ الإسلام والإمام مالك : لا تصح إلا مع العذر ، والعذر هو اكتمال الصف .
المذهب دليلهم حديث وابصة وعلي بن شيبان ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف )
وحديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد .
والذين قالوا بالصحة قالوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من يساره إلى يمينه فأدى ابن عباس جزء من صلاته خلف الإمام في أثناء الإدارة .
وشيخ الإسلام أنها تسقط المصافة مع العذر ، فالمصافة واجبة .
وما هو العذر ؟
هو اكتمال الصف ، فإذا كان الصف مكتملاً صحت وإن كان غير مكتمل لا تصح
وهو الصواب ، وسط بين قولين .
* فائدة : لا حاجة أن يجر أحداً أو يتقدم إلى الإمام ويصلي عن يمينه ، وقوله ( هل اجتررت أحداً ) ضعيف .
* الاستدلال بحديث منسوخ فعل ابن مسعود عندما جعل علقمة والأسود عن يمينه وعن يساره دليل على جواز هذه المصافة ، النسخ مراتب ، فالمنسوخ الاستحباب لكن يبقى الجواز .
* تحويل ابن عباس إلى يمينه يدل على أنها لم تكن صحيحة ولم يأمره بالإعاده لجهله بالحكم .
إلا امرأة خلف رجل وتقف إمامة النساء في صفهن ندباً..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حوله إلى يمينه لا يمتنع لإدراك الأفضلية وكونه لم يأمره بالإعادة دليل على صحة يساره كقصة الأعرابي قال له :( صل فإنك لم تصل )
مادام أنه في الوقت وزال جهله قال له :( صل فإنك لم تصل ) .(2/436)
ذكر السيوطي قاعدة فقهية أن الخروج من الخلاف مستحب ، المرجع إلى النص .
" إلا امرأة خلف رجل " لو أن المرأة صلت منفردة خلف الرجال أو خلف رجل فصلاتها صحيحة .
ويدل لهذا حديث أنس رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل ثم قال :( قوموا لأصلي لكم ) وفيه قال :( صففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى ركعتين ثم انصرف ).
فموقف المرأة مع الرجل أو مع الرجال في الخلف ولو كانت فذه تصح صلاتها لهذا الحديث .
ولو صلت في صف الرجال فإن صلاتها صحيحة ، وكذلك صلاة الرجال صحيحة .
هذا حكم المرأة مع الرجال .
أما بالنسبة للمرأة مع النساء فكالرجل مع الرجال وعلى هذا لو وقفت امرأة خلف امرأة أو خلف صف النساء ما الحكم ؟
لا تصح صلاتها إلا مع اكتمال الصف فإذا اكتمل صف النساء فلا بأس أن تصلي منفرده خلف الصف كالرجل مع الرجال .
وإذا صلت المرأة عن يسار المرأة مع خلو يمينها يجري فيه الخلاف السابق ،
المشهور من المذهب : لا تصح صلاتها .
والرأي الثاني : الصحة .
كذلك إذا صلت المرأة قدام إمامة النساء وقع الخلاف السابق .
" وتقف إمامة النساء في صفهن ندباً " إمامة النساء تقف في صفهن ندباً ويؤخذ من هذا أن إمامة المرأة لو تقدمت على صف النساء فهذا جائز ولا بأس به .
وعلى هذا نقول : إمامة النساء لا تخلو من أمرين :
ويليه رجال ثم صبيان ثم نساء............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الأول : أن تقف في وسطهن وهذا هو الأفضل .
الأمر الثاني : أن تتقدم عليهن وهذا جائز وهو خلاف الأفضل .(2/437)
وقول المؤلف رحمه الله : وتقف إمامة النساء في صفهن ، لأن هذا وارد عن عائشة رضي الله عنها ، ولأن أمر المرأة مبني على الستر والحشمة .
" ويليه رجال ثم صبيان ثم نساء " ويليه يعود الضمير إلى الإمام ، من يلي الإمام في الصف ؟
المؤلف رحمه الله : رجال ثم صبيان ثم نساء .
وظاهر كلامه أنه يليه الرجال كما ذكر ثم الصبيان ثم النساء ويقدم الرجال على الصبيان حتى لو سبق الصبيان ، وهذا هو المشهور من المذهب .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ).
وأيضاً قالوا وارد عن أبي بن كعب أنه أخر قيس بن عباد .
والرأي الثاني : وبه قال الشافعية أن الصبي المميز إذا سبق فإنه أحق ولا يؤخر .
واستدلوا بأن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أم قومه وهو ابن ست أ سبع سنين .
تقدم عليهم في الإمامة وليس في المصافة .
وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح :( لا يقيم الرجل أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه )
وأيضاً من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به )
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا يحمل حديث ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) على أمرين :
الأمر الأول : على ما إذا اجتمعوا الرجال والصبيان دفعة واحدة فإنه يقدم الرجال على الصبيان .
الأمر الثاني : أن المقصود بالحديث الحدث على أن يتقدم الرجال البالغون وأهل العلم والفضل .
وعلى هذا نقول : أولاً : أن يسبق أحد ، الصواب : أنه من سبق فهو أحق لما تقدم من الأدلة سواءً كان بالغاً أو صبياً مميزاً .
ثانياً : ألا يسبق أحد وإنما يأتون جملة ، فنقول هنا يقدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء.
الأفضل فالأضل كجنائزهم ومن لم يقف معه إلا امرأة..............................................(2/438)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقوله : ويليه رجال ، يقدم من الرجال الأفضل فالأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى ) أي أصحاب العقل والفضل .
ثم صبيان : يقدم من الصبيان الأفضل فالأفضل .
ثم نساء : يقدم منهن الفضلى فالفضلى .
وقوله : رجال لا فرق بين الحر والرقيق ، وهو الصواب .
لما تقدم تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية إلا بدليل .
" الأفضل فالأضل كجنائزهم " يعني إذا اجتمع عنده جنائز من يقدم إلى الإمام ؟
اجتمع نساء وصبيان ورجال من يقدم إلى الإمام ؟
نقول نقدم الرجال الأفضل فالأضل ثم الصبيان ثم النساء ، فتكون جنائز النساء إلى جهة القبلة وأما الذي يلي الإمام الرجال الأفضل فالأفضل .
" ومن لم يقف معه إلا امرأة " هذه عدة مسائل الأولى : إذا لم يقف معه في الصف إلى امرأة .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله : حكمه حكم الفذ ، وحكم الفذ على ما ذهب إليه المؤلف لا تصح صلاته ، لو صف رجل خلف الصف وصفت معه امرأة بجانبه ، المؤلف رحمه الله : حكمه حكم الفذ .
الرأي الثاني : تصح مصافة المرأة ، وعلى هذا تكون الصلاة صحيحة ، وهذا قال به كثير من أهل العلم .
والصواب في هذه المسألة : أن مصافة المرأة غير صحيحة لأن المرأة ليست من أهل الجمعة والجماعة ، وعلى هذا إذا صف مع امرأة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الصف مكتملاً فصلاته صحيحة لأنه فذ وصلاة الفذ خلف الصف حكمها الصحة مع العذر وهو اكتمال الصف .
الأمر الثاني : أن يكون الصف غير مكتمل ولم يصف معه إلا امرأة ، فنقول لا تصح مصافة المرأة فيكون فذ لما تقدم من التعليل .
ومثل هذا التفصيل لو لم يصف معه إلا كافر فإن جهل أنه كافر فصلاته صحيحة للعذر .
وإن علم كفره فنقول حسب التفصيل السابق .(2/439)
أو من علم حدثه أو نجسه.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو من علم حدثه " هذه المسألة الثالثة : يعني صف بجانب شخص يعلم أنه محدث فهذه المسألة لها صور :
الصورة الأولى : أن يعلما جميعاً بالحدث ، اثنان وقفا خلف الصف ويعلمان أن زيد منهما محدث لا تصح صلاتهما جميعاً المحدث لحدثه وغير المحدث لأنه فذ ، إلا إن كان الصف مكتملاً فتصح صلاة غير المحدث لأنه يصح أن يكون فذاً للعذر وهو اكتمال الصف .
الصورة الثانية : أن يجهلا جميعاً الحدث أما صلاة المحدث غير صحيحة لأنه محدث وأما غير المحدث فإن كان الصف مكتملاً فصلاته صحيحة وإن كان غير مكتمل فيظهر أن صلاته صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الصورة الثالثة : أن يعلم المحدث بحدثه ويجهل غير المحدث بالحدث ، فأما المحدث فصلاته غير صحيحة ، وأما من يجهل حدث صاحبه فهذا كما تقدم في الصورة السابقة فإن كان الصف مكتملاً فصلاته صحيحة وإن كان غير مكتمل فيظهر أن صلاته صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الصورة الرابعة : عكس هذه أن يجهل المحدث حدثه ويعلم من صافه أنه محدث فالمحدث صلاته غير صحيحة للحدث ومن علم بالحدث فنقول صلاته غير صحيحة إلا إن كان الصف مكتملاً .
" أو نجسه " إذا صاف من يعلم أنه تلبس بنجاسة سواءً في بدنه أو ثوبه أو بقعته التي يصلي عليها تحته صور :
الأولى : أن يعلما بالنجاسة جميعاً أما المتنجس لا تصح صلاته للنجاسة وأما من صافه لا تصح صلاته لأنه يعلم نجس صاحبه ولأنه فذ إلا إن كان الصف مكتملاً .(2/440)
الثانية : أن يجهلا جميعاً النجاسة ، فصلاتهما صحيحة من كان متنجساً وقد جهل صلاته صحيحة لأنه يعذر بالجهل في التروك والنواهي والنجاسة من باب التروك والنواهي ، ومن صافه فصلاته صحيحة لأنه ليس فذ .
الثالثة : أن يعلم المتنجس نجاسته ومن صافه يجهل ، فالمتنجس لا تصح صلاته وأما من صافه فيظهر أنها صحيحة لأنه معذور بالجهل .
الرابعة : أن يعلم من صافه بنجاسته والمتنجس يجهل نجاسته ، أما المتنجس فصلاته صحيحة للجهل ، ومن علم بالنجاسة صلاته صحيحة لأنه ليس فذ ما دامنا أننا صححنا صلاة المتنجس فليس فذ .
أو صبي في فرض ففذ ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه فإن لم يمكنه نبه من يقوم معه.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو صبي في فرض ففذ " يعني لو وقف معه صبي خلف الصف .
الرأي الأول : المؤلف رحمه الله : فذ فلا تصح صلاته ، وهو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : الشافعي رحمه الله : أن مصافة الصبي صحيحة ، وهو الصواب .
ويدل لهذا ما تقدم أن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أم قومه وهو ابن ست أو سبع سنين فإذا كان هذا في الإمامة فالمصافة من باب أولى .
" ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه " وهذا الكلام تقريع على أن الصلاة لا تصح خلف الصف ولو مع اكتماله ، فلو أن المؤلف صحح الصلاة خلف الصف مع اكتماله لا حاجة إلى هذا الكلام ، كونه يقف عن يمين الإمام يجر شخصاً ، نقول إذا جئت والصف مكتملاً فصل وإن كان غير مكتمل فأدخل في الصف .
لكن المؤلف رحمه الله يرى أن صلاة الفذ خلف الصف لا تصح ولو مع اكتمال الصف ولهذا ذكر هذه المسائل .(2/441)
" ومن وجد فرجة دخلها وإلا فعن يمين إمامه " إذا وجد فرجة يدخلها ظاهر ، وإذا لم يجد فرجة المؤلف رحمه الله : يدخل ويكون عن يمين الإمام .
يتخطى الصف وقد يكون أكثر من صف يتخطاها ويكون عن يمين الإمام ، فإن لم يمكنه أن يتخطى الصفوف .
" فإن لم يمكنه نبه من يقوم معه " يقول تأخر يا فلان وصل معي فيتأخر ويصل معه.
وهذا كله تقريع على أن الصلاة خلف الصف مع اكتماله لا تصح ولو قلنا بالصحة لا حاجة لهذا .
وأيضاً بعض العلماء قال يجذب شخصاً ، وهذا فيه نظر .
الحديث الوارد فيه ( هلا اجتررت أحداً ) ضعيف لا يثبت .
فيه اعتداء لأنه سينقله من مكان فاضل إلا مكان مفضول ، وسيؤدي إلى خلل في الصف وإلى حركة كثير من الصف فهذه كلها تترتب على مثل هذه العمل .
ومن صلى ركعة فذاً لم تصح. وإن ركع فذاً ثم دخل الصف أو وقف معه آخر قبل سجود إمامه صحت..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصحيح : لا ينبه أحد أن يقوم معه ولا يجر أحد ولا يتقدم إلى يمين الإمام .
وإذا اخذنا بإختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه يصلي خلف الصف تكون المسألة قد انتهت .
" ومن صلى ركعة فذاً لم تصح " تقدم أن المذهب والمؤلف : أن الصلاة خلف الصف لا تصح ودليل ذلك حديث وابصة بن معبد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد .
وحديث علي بن شيبان ( لا صلاة لمنفرد خلف الصف ).
" وإن ركع فذاً ثم دخل الصف أو وقف معه آخر قبل سجود إمامه صحت " إذا ركع دون الصف فهذا لا يخلو من أمرين على المذهب :(2/442)
الأمر الأول : أن يكون لعذر، والعذر عندهم خشية فوات الركعة يكون الإمام راكع ويركع قبل الصف فإن دخل في الصف قبل سجود الإمام يقولون : إن وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت وإلا لا تصح .
الأمر الثاني : أن يكون لغير عذر وذلك بأن لا يخشى فوات الركعة فهذا إن دخل معه آخر أو وقف في الصف قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع صحت وإلا لم تصح .
هذا التفصيل على المذهب .
والصواب : أن يقال في المسألة بأن من وقف دون الصف فإنه لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون الصف مكتملاً أن يكون لعذر والعذر اكتمال الصف ، فنقول صلاته صحيحة .
الأمر الثاني : أن يكون لغير عذر وهو عدم اكتمال الصف فنقول إن دخل في الصف أو دخل معه آخر قبل أن يرفع الإمام رأسه فصلاته صحيحة وإلا لم تصح .
يصح اقتداء مأموم بإمام في مسجد مطلقاً إن سمع التكبير وكذا خارجه إن رأى الإمام أو من وراءه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الإقتداء
" يصح اقتداء مأموم بإمام في مسجد مطلقاً إن سمع التكبير " اقتداء المأموم بالإمام لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون داخل المسجد ـ الإمام والمأموم ـ يصح الإقتداء مطلقاً سواءٍ كان الإمام في مقدمة المسجد والمأموم في مؤخرة المسجد ، الإمام في الأسفل والمأموم في الأعلى .
مادام في المسجد يصح مطلقاً لكن بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون معه من يزيل فذيته لأنه لا تصح صلاة الفذ خلف الصف مادام أنه لم يكتمل .
الشرط الثاني : أنه يمكنه الإقتداء بسماع التكبير فإذا حصل ذلك فصلاته صحيحة لكنه خلاف السنة ، فالسنة التقدم والتقارب كما تقدم أن من تسوية الصف التقارب .(2/443)
الأمر الثاني : أن يكون المأموم خارج المسجد كما تمتلئ المساجد خصوصاً في الجمعة أو في الحرمين ويصفون خارج المسجد بعض المأمومين فهل تصح صلاة المأموم إذا كان خارج المسجد أو لا تصح ؟
المؤلف رحمه الله :
" وكذا خارجه إن رأى الإمام أو من وراءه " المؤلف رحمه الله : تصح صلاة المأموم إذا كان خارج المسجد بشرط : أن يرى الإمام أو من وراءه ولو في بعض الصلاة جائز .
وهناك شرط آخر وهو امكان الإقتداء .
وشرط ثالث : ألا يوجد فاصل بين الإمام والمأموم كنهر تجري فيه السفن .
فعلى المذهب الشروط الثلاثة .
الشافعي : يكفي الرؤية .
الإمام مالك : يكفي الرؤية أو السماع .
أبو حنيفة : يكفي الرؤية أو السماع وعدم وجود فاصل .
ابن قدامة : لابد من الرؤية واتصال الصفوف ، فالرؤية حاصلة واتصال الصفوف وهذا هو الصواب .
ويكره علو إمام عنه ذراعاً فأكثر وصلاته في الطاق وتطوعه موضع مكتوبة بعدها إلا لحاجة.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا إذا اتصلت الصفوف في الطرقات والشوارع ونحو ذلك صح حتى لو وصلت إلى صاحب المحل وصلى في محله نقول صحيحة .
أو اتصلت إلى البيت وصلى في بيته نقول صحيحة .
أما إذا لم تصل الصفوف لا تصح الصلاة مثل ما يحصل في بعض المحلات والمساكن تجد أنه يصلي والصفوف غير متصلة ، وأهم شيء اتصال الصفوف ، لأن هذه هي الجماعة فلو كانت الرؤية غير موجودة لكن الصفوف متصلة يمكن أن يقتدي عن طريق سماع التكبير ونحو ذلك يصح .
" ويكره علو إمام عنه ذراعاً فأكثر " ودليل ذلك حديث حذيفة ( إذا أم الرجل القوم فلا يقوم في مكان أرفع من مقامهم ) فيه ضعف ولكنه وارد عن حذيفة .(2/444)
واستثنى العلماء من الارتفاع مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان مع الإمام أحد من المأمومين فلابأس به كما لو صلى الإمام في السطح ومعه بعض المأمومين وبعض المأمومين في الأسفل جائز .
المسألة الثانية : إذا كان الارتفاع لغرض التعلم والتعليم فلا بأس .
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ثم قال :( إنما فعلت ذلك لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ).
المسألة الثالثة : إذا كان الارتفاع يسيراً ، ولهذا قيده المؤلف بالذراع .
" وصلاته في الطاق " المحراب : يكره أن يصلي في المحراب ، والمراد بذلك : إذا دخل كله في المحراب .
أما إذا كان خارج المحراب ويسجد في المحراب فإن هذا جائز ولا بأس به ولا يكره .
وهذا إذا لم يكن حاجة فإذا كان هناك حاجة لضيق ونحو ذلك فلا بأس .
وقالوا هذا وارد عن ابن مسعود رضي الله عنه .
" وتطوعه موضع مكتوبة بعدها إلا لحاجة " المؤلف رحمه الله : يكره للإمام أن يتطوع ـ يتنفل ـ موضع المكتوبة في المكان الذي صلى فيه المكتوبة .
ويكره وقوف مأمومين بين سوار تقطع الصفوف................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطوع في موضع المكتوبة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون من الإمام ، فهذا يكره كما ذكر المؤلف رحمه الله .
ودليل ذلك : حديث المغيرة بن شعبة وفيه ضعف ( لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه ).د.
وقاولا وارد عن علي كما في مصنف أبي شيبة .
وأيضاً كونه يتطوع في موضع المكتوبة فيه تشويش ربما يكون فيه تشويش على المأمومين .
الأمر الثاني : تطوع المأموم في المكان الذي صلى فيه ، فهذا لا بأس به ، والأولى أن يتقدم أو يتأخر .(2/445)
ودليل ذلك حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة بصلاة حتى يتكلم أو يخرج .
واستدل بعض الهعلماء بقوله تعالى :( يومئذ تحدث أخبارها ).
قالوا من أخبارها أماكن العبادة ، لما فيه من تكثير العبادة ، لكن لا يكره كما هو في حال الإمام .
" وإطالة قعوده مستقبل القبلة بعدها إلا لحاجة " * هذا الجزء من المتن ليس من المتن ولكن من قول الشيخ *
يكره أن يطيل الإمام القعود مستقبل القبلة إلا لحاجة .
والسنة للإمام أن يجلس وهو مستقبل القبلة بمقدار أن يقول ( استغفر الله ثلاث ... والإكرام ) ثم ينحرف ماعدا ذلك لا يزيد .
والمؤلف رحمه الله يقول : يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينصرف المأموم حتى ينصرف الإمام .
فإذا قلنا أن المأموم منهي أن ينصرف حتى ينصرف الإمام هذا فيه حبس للمأموم .
إلا لحاجة فإن كان هناك نساء فلابأس أن يزيد حتى ينصرف النساء لئلا تختلط الرجال بالنساء .
" ويكره وقوف مأمومين بين سوار تقطع الصفوف "
المؤلف رحمه الله يكره أن يقف المأمومين بين السوار التي تقطع الصفوف لقول أنس رضي الله عنه ( كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ).ج .د.ت.ن.
بلا حاجة..................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" بلا حاجة " كأن يكون المسجد ضيق لا بأس والناس كثر .
وذكر بعض العلماء أن السارية التي تكره إذا كانت عرض ثلاثة رجال أما إذا كانت سارية صغيرة مثل السواري الموجودة هذه لا تقطع الصفوف .
يعذر بترك جمعة وجماعة مريض ومدافع أحد الأخبثين ومحتاج لطعام بحضرته..(2/446)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة
تقدم أن صلاة الجماعة واجبة كما هو مذهب أحمد وأبو حنيفة ، والجمعة واجبة إجماعاً .
فمتى يسقط هذا الوجوب ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" يعذر بترك جمعة وجماعة مريض " والمؤلف سيعدد جملة من الأعذار ، وهذه الأعذار كلها ترجع إلى قاعدة كلية إحدى القواعد الخمس الكبرى وهي قاعدة { المشقة تجلب التيسير }
فمتى وجد حرج ومشقة يسقط حضور الجماعة والجمعة ، وما سيذكره المؤلف هو مجرد أمثلة فقال : مريض ،
يعذر المريض بترك الجمعة والجماعة ، ولكن هل كل مريض يعذر أو خاص ؟
يرجع إلى القاعدة السابقة ( المرض الذي يترتب على حضوره للجمعة والجماعة حرج ومشقة بسببه ، فهذا يعذر .
والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن صلاة الجماعة وقال :( مروا أبا بكر فليصل بالناس ) في الصحيحين .
" ومدافع أحد الأخبثين " وهذا العذر الثاني ويرجع إلى القاعدة السابقة ، الحرج والمشقة فالمدافعة تختلف قد تكون يسيرة فهذا يصلي .
وقد تكون كثيرة ، فنقول يعذر من حضور الجمعة والجماعة يتخفف ثم بعد ذلك يصلي .
والدليل حديث عائشة ( لا صلاة بحضرة طعام يشتهيه ولا وهو يدافع الأخبثان ).
ولأن هذا يمنع من خشوع الصلاة وكمالها .
المهم { المشقة تجلب التيسير }.
" ومحتاج لطعام بحضرته " هذا العذر الثالث ويرجع للقاعدة قد يكون الطعام بحضرته ولا يحتاج إليه ولا يلحقه حرج ومشقة من تركه ، وقد يلحقه حرج ومشقة .
والدليل حديث عائشة رضي الله عنها (لا صلاة بحضرة طعام يشتهيه ).
وخائف ضياع ماله أو فواته أو ضرراً فيه أو موت قريبه أو رفيقه ومن يمرضهما أو خاف على نفسه ضرراً أو سلطاناً..............................................................................(2/447)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فلابد أن يكون الطعام حاضراً ويكون محتاجاً إليه ويكون قادراً على تناوله .
فإن كان الطعام ليس حاضراً فلا حرج ولا مشقة يصلي .
وترك الطعام لا يترتب عليه شيء .
وإذا كان غير محتاج فلا حرج ولا مشقة ، وإن كان محتاجاً والطعام حاضراً لكن لا يقدر على تناوله إما حساً ، حار أو يحتاج إلى إصلاح .
أو شرعاً كأن يكون صائم ، فهذا يصلي لأن وجود الطعام كعدمه لا يقدر عليه شرعاً .
" وخائف ضياع ماله " هذا العذر الرابع لما يترتب على ذلك من الحرج والمشقة ، يخاف ضياع ماله ،لو ذهب يصلي وترك الحيوان شرد الحيوان وضاع ماله.
أو صاحب مخبز لو ذهب يصلي احرق الطعام .
أو عامل يعمل في الاسمنت والجبس لو ذهب يصلي فسد عليه ، كله داخل في ذلك لما يترتب عليه من الحرج والمشقة تسقط عنه حضور الجمعة والجماعة .
" أو فواته " مثلاً رجل له سيارة سرقت وقيل في المكان الفلاني لو ذهب يصلي ربما لا يحصلها .
أو حيوان شرد وقيل في المكان الفلاني فلو ذهب يصلي فاته الحيوان يسقط حضور الجمعة والجماعة .
" أو ضرراً فيه " لو ذهب يصلي احترق الطعام الطباخ ، العامل وصاحب المصنع لا يستطيع ترك الصناعة ويؤدي إلى إفساد هذه الأشياء ، نقول يسقط حضور الجمعة والجماعة لما يترتب عليه من الحرج والمشقة .
" أو موت قريبه أو رفيقه ومن يمرضهما " قريبه مريض ويخشى لو ذهب للجمعة والجماعة أن يموت ، أو بدا عليه علامات الموت ولو ذهب يصلي مات .فهو بحاجة إلى أن يحضره فيعذر بترك الجمعة والجماعة ويصلي مكانه .
" أو خاف على نفسه ضرراً " يخشى على نفسه ضرر من سبع أو عدو أو لص ، أو يخشى على أهله إذا خرج ونحو ذلك فهذا فيه حرج ومشقة ، تسقط عنه حصضور الجمعة والجماعة .(2/448)
" أو سلطاناً " بأخذه السلطان بغير حق يسقط عنه حضور الجمعة والجماعة .
أو ملازمة غريمه ولا شيء معه أو فوات رفقته بسفر أو تطويل إمام أو أذى بمطر ونحوه أو غلبه نعاس وريح باردة شديدة بليلة مظلمة......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو ملازمة غريمه ولا شيء معه " إذا خرج يأتيه الغريم ويطالبه بأن يعطيه الدين الذي عليه يعذر ، لكن إن كان معه شيء يقدر على الوفاء لا يعذر يجب أن يوفي الناس حقوقهم فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :( مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته ).
وإن لم يكن معه شيء فإنه معذور يجب انظاره لقوله تعالى :( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ).
" أو فوات رفقته بسفر " إذا ذهب يصلي الجمعة أو الجماعة فاتت رفقته سواء كان هذا السفر انشاءً أو استدامة ، ومثل ذلك اليوم تفوته الطائرة لو ذهب يصلي أو فات القطار أو سيارة الأجرة ، فنقول : يعذر لأنه يترتب على ذلك حرج ومشقة .
" أو تطويل إمام " إن كان موافقاً للسنة فهذا لا يجوز له أن يتخلف لو قال يطيل في صلاة الفجر والسنة فيها الإطالة ، النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ما بين ( 60 و 100 ) فنقول هنا ليس له أن يتخلف .
لكن لو كان يخالف السنة بالتطويل الذي يلحقه معه حرج ومشقة له أن يتخلف ، ويدل لذلك قصة معاذ رضي الله عنه لما أطال وشكاه الأعرابي فأنكر صلى الله عليه وسلم على معاذ إطالته .
" أو أذى بمطر ونحوه "
" أو غلبه نعاس " لو جلس ينتظر الجماعة غلبه النوم وأدى ذلك إلى خروج الوقت ، فنقول كونه يستدرك الجماعة في وقتها ولو فاتته الجماعة أهون من فوات الوقت هذا الرجل متعب وليس له عهد بنوم ولو جلس ينتظر الجماعة أدى إلى نومه وإذا نام لا يستيقظ إلا بعد الوقت ، فنقول هنا يصلي ولو فاتته الجماعة .(2/449)
" وريح باردة شديدة بليلة مظلمة " عدد المؤلف رحمه الله أن تكون الريح باردة ، شديدة ، وبليلة مظلمة ، ثلاث شروط .
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي في الليلة المطيرة أو الباردة صلوا في رحالكم .
فإذا كان هناك ريح يلحق منا الحرج والمشقة يكون عذراً في ترك الجمعة أو الجماعة ، فالعبرة الحرج والمشقة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول المؤلف رحمه الله : ريح باردة شديدة بليلة مظلمة ، كما تقدم ينادي المنادي صلوا في رحالكم ، متى تقال هذه الجملة في حديث ابن عباس ؟
بدل أن يقول : حي على الصلاة ، يقول : صلوا في رحالكم . في مسلم .
وحديث ابن عمر في البخاري بعد نهاية الأذان .
والجمع سهل أما أن يستبدل قول حي على الصلاة بصلوا في رحالكم .
أو نقول هذا في آخر الأذان إذا انتهى الأذان ، قال : صلوا في رحالكم .
ويحصل الجمع تارة وتارة .
تلزم مكتوبة مريضاً قائماً فإن لم يستطع فقاعداً...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة أهل الأعذار
الأعذار : جمع عذر ، والمراد بأهل الأعذار : المريض والمسافر والخائف .
فالمؤلف رحمه الله يريد أن يبين كيفية صلاة المريض ، وكيفية صلاة المسافر ، وكيفية صلاة الخائف .
فبدأ المؤلف بالمريض قال :(2/450)
" تلزم مكتوبة مريضاً قائماً " هذا العذر الأول : المريض ، وتقدم لنا ضابط المرض .
وأن ضابط المرض : هو الذي يلزم فيه الحرج والمشقة ، فصلاة المريض على مراتب :
المرتبة الأولى : أن يصلي قائماً كالصحيح لحديث عمران بن حصين لما شكا به بواسير قال صلى الله عليه وسلم :( صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب )
هذا الأصل أن يصلي قائماً ولو مستنداً على جدار أو معتمداً على عصا أو منحنياً هذا جائز .
المهم إن استطاع القيام أو يقوم بعض القيام هذا واجب .
لقوله تعالى :( فاتقوا الله ما استطعتم ).
" فإن لم يستطع فقاعداً " إذا كان لا يستطيع القيام فإنه يجلس ، أو لحقه حرج ومشقة بالقيام ، فإذا قام يريد أن يجلس يريد أن يصل إلى الركوع حتى يجلس متعب مرهق ، نقول إذا لحقك حرج ومشقة انتقل إلى الجلوس .
والقعود له كيفيتان :
الأولى : كيفية مجزئة ، كيفما قعد .
الثانية : كيفية مستحبة ، وهي متربعاً في حال القيام وبقية الأفعال كحال القيام يجعل يده اليمنى على اليسرى على صدره وإذا أراد أن يكبر رفع يديه وإذا أراد أن يرفع رفع يديه .
وفي حال الجلوس : يفترش في مواضع الافتراش ويتورك في مواضع التورك .
الجلسة بين السجدتين : يفترش في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان يتورك وهكذا
وفي التشهد الأول يفترش وإذا أراد أن يركع يومئ بالركوع ، والسجود يسجد سجوداً تاماً إذا كان يستطيع .
فإن لم يستطع فعلى جنبه والأيمن أفضل وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/451)
وأما الركوع فإنه يومئ بالركوع ويجعل يديه في الركوع على ركبتيه كحال الركوع في حال القيام وهذا يترتب على قاعدة وهي :{ أن البدل له حكم المبدل }
" فإن لم يستطع فعلى جنبه " وهذه المرتبة الثالثة : إذا ما استطاع أن يصلي قاعداً أو لحقه حرج ومشقة في الصلاة قاعداً فإنه يصلي على جنبه .
ودليل ذلك حديث عمران ( فإن لم يستطع فعلى جنب ).
" والأيمن أفضل " هل الأيمن أفضل أو الأيسر أو التساوي ؟
الأفضل : أن يفعل ما هو الأسهل عليه فقد يكون الأسهل الأيسر فإن تساويا يكون على جنبه الأيمن ، لأن الجنب الأيمن هو السنة في حال النائم ، وهو السنة التي يكون عليها المسلم بعد موته ، ويومئ بالركوع والسجود برأسه إلى جهة صدره وليس إلى جهة الأرض .
ودليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الراحلة في السفر أنه كان يومئ برأسه .
" وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة " الصلاة على الظهر مستلقياً ورجلاه إلى القبلة فيها مسألتان :
المسألة الأولى : هل هي مقدمة على الصلاة على الجنب أو الجنب مقدم ؟
فيه رأيان :
الرأي الأول : الجمهور إذا ما استطاع قاعداً فإنه يصلي على جنبه .
الرأي الثاني : الحنفية إذا ما استطاع قاعداً فإنه يصلي على ظهره ورجلاه إلى القبلة .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور فحديث عمران صريح .
المسألة الثانية : هل الصلاة على الظهر مرتبة مستقلة أو داخلة مع المرتبة التي قبلها ؟
موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله .
يومئ راكعاً وساجداً ويخفضه فإن عجز أومأ بعينه..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/452)
فبعض العلماء يرى أنها مرتبة مستقلة ، أنه لا يصار إلى الصلاة مستلقياً إلا إذا عجز عن الصلاة على جنب ، فتكون المراتب :
الأولى : يصلي قائماً .
الثانية : قاعداً .
الثالثة : على جنب .
الرابعة : مستلقياً .
والرأي الثاني : ليست مرتبة مستقلة وإنما هي داخلة في المرتبة السابقة : على جنب وهو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله ولهذا قال : وتصح على ظهره وتكره مع قدرة على جنب وإلا تعين ورجلاه للقبلة .
فعلى رأيه ليست مرتبة مستقلة وإنما ثابتة وملحقة بالمرتبة السابقة لكن يكره إذا كان قادراً على جنبه أن يصلي مستلقياً ورجلاه إلى القبلة .
" يومئ راكعاً وساجداً ويخفضه " يخفض السجود يجعل إيماءه للسجود أخفض من الركوع لكي يميز بين الركوع والسجود .
" فإن عجز أومأ بعينه " هذه المرتبة الخامسة : إن عجز أومأ بعينه فقد لا يتمكن من تحريك رأسه فيه جروح أجريت له عملية جراحية في رأسه ونحو ذلك لا يتمكن .
نقول : يومئ بعينه ففي القيام يفتح عينيه فإذا أراد أن يركع أغمضهما شيئاً يسيراً فإذا رفع فتحهما فإذا سجد أغمضهما أكثر من إغماض الركوع فإذا رفع فتحهما وهكذا .
وهذه المرتبة دل لها حديث علي رضي الله عنه ولكنه ضعيف لا يثبت وعلى هذا نقول أن هذه المرتبة الصلاة بالعين بأنها غير صحيحة .
أيضاً الصلاة بالأصبع .
الصواب : غير صحيحة وغير معتبرة ولم يذكرها المؤلف ولا أصل لها .
أما الصلاة بالعين ورد لها أصل في السنة وإن كان ضعيف حديث علي في الدار قطني.
ومن عجز أو في أثنائها انتقل إلى الآخر.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/453)
لكن الصلاة بالأصبع يخفض ويرفع الأصبع لا أصل لها حتى في كلام العلماء رحمهم الله ، لا في كلام العلماء ولا في السنة فلا يصلي بإصبعه .
فأصبح عندنا مرتبتان غير صحيحة :
الصلاة بالعين غير صحيحة .
والصلاة بالأصبع لا أصل لها .
إذا عجز أن يومئ برأسه فما الحكم ؟
الجمهور : أن الصلاة لا تزال باقية وعلى هذا يصلي بقلبه ، يستحضر بقلبه الركوع والسجود والقراءة إذا لم يتمكن أن يقرأ بلسانه يستحضر بقلبه .
وهذا ما عليه الجمهور .
وعند أبي حنيفة : إذا لم يستطع على جنبه ولا أن يومئ برأسه تسقط عنه الصلاة .
والصواب : أن الصلاة لا تسقط مادام أن العقل باقي .
وعلى هذا تكون المراتب :
الأولى : يصلي قائماً .
الثانية : قاعداً .
الثالثة : على جنب .
الرابعة : مستلقياً على ظهره ورجلاه إلى القبلة .
الخامسة : بقلبه .
" ومن عجز أو في أثنائها انتقل إلى الآخر " إذا عجز في أثناء الصلاة أو قدر في أثنائها ينتقل لقول الله عز وجل :( فاتقوا الله ما استطعتم )
إنسان مريض وجد نشاطاً فقام يصلي فوجد حرج ومشقة ، نقول : يجلس .
أو كان يجد حرجاً ومشقة وصلى جالساً ثم لحقه نشاط ، نقول : انتقل إلى القيام .
صلى قاعداً ولحقه حرج ومشقة ، نقول صل على جنب .
ومن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً وبسجود قاعداً ولمريض يطيق قياماً الصلاة مستلقياً لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يصلي على جنب ولحقه نشاط ، نقول قم فصل قاعداً .
" ومن قدر على قيام وقعود دون ركوع وسجود أومأ بركوع قائماً وبسجود قاعداً " إذا كان يقدر على القيام والقعود ، نقول : يقوم مادام أنه يقدر على القيام ويقعد مادام أنه يقدر على القعود ( فاتقوا الله ما استطعتم )(2/454)
تومئ بالركوع وأنت قائم ثم تقعد وتومئ بالسجود وأنت جالس ، وهذا كما سلف للقاعدة { أن أمر الشارع يتعلق بالاستطاعة فما تستطيعه افعله وما لا تستطيعه سقط عنك } .
فهذا المريض يستطيع القيام والقعود ولا يستطيع الركوع والسجود ، يومئ بالركوع وهو قائم ويومئ بالسجود وهو جالس .
" ولمريض يطيق قياماً الصلاة مستلقياً لمداواة بقول طبيب مسلم ثقة " أراد المؤلف رحمه الله أن يبين من هو الطبيب الذي يرجع إلى قوله لأنه لما تكلم أن المريض تسقط عنه بعض العبادات كالركوع والسجود والقيام يسقط ، فمن هو الطبيب الذي نأخذ بقوله ؟
المؤلف رحمه الله قال : مسلم ، الشرط الأول : مسلم وعلى هذا إذا كان كافراً لا يأخذ بقوله .
فلو قال هذا الطبيب الكافر لا تسجد فإن السجود يمكن المرض أو يزيد في المرض يؤخر البرء ، أو لا تصلي جالساً صل مستلقياً فالصلاة جالساً تمكن المرض أو تزيده أو تؤخر البرء ، لا يأخذ بقوله .
والرأي الثاني : يأخذ بقوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بقول عبد الله بن أرقط وكان كافراً استعمله وأخذ بدلالته استأجره لكي يدله من مكة إلى المدينة وهو الصواب .
فلا فرق بين المسلم والكافر يكفي أن يكون ثقة .
فالشرط الأول : مسلم ، غير معتمد .
الشرط الثاني : أن يكون ثقة ، وما المراد بالثقة ؟
قيل : العدل .
وقيل : المراد الأمانة وإن لم يكن عدلاً وهو الصواب .
ويفطر بقوله أن الصوم يمكن العلة وتصح في سفينة إذا أتى بما يعتبر لها...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يكون أميناً على قوله ، وفي قوله لا يعرف منه التساهل وعدم المعرفة والخبرة .
أمين على قوله عنده معرفة وحذق بمهنته ولا يعرف منه التساهل والكذب وهو الصواب .(2/455)
وقوله مسلم : لا يشترط منه التعدد وأكثر من طبيب وهو الصواب يكفي قول طبيب واحد ثقة أمين .
" ويفطر بقوله أن الصوم يمكن العلة "
" وتصح في سفينة إذا أتى بما يعتبر لها " وتصح الضمير يعود على الصلاة المفروضة أما النافلة تقدم الكلام عليها في شروط الصلاة يبحثها العلماء في شرط استقبال القبلة وتقدم الكلام على ذلك .
لكن الآن الصلاة المكتوبة في المراكب في السفينة الطائرة القاطرة والسيارة ونحو ذلك ، نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون المكان واسعاً كما بعض السفن تكون كبيرة أو بعض الطائرات فيها أمكنة تمكن الإنسان أن يصلي فيها أو بعض السيارات الكبيرة ، فإذا كان المكان واسعاً ويستطيع أنيأتي بالشروط والأركان فنقول يصلي ولا ينتظر حتى ينزل لا يؤخر .
الأمر الثاني : أن يكون المكان ضيقاً كما في حال بعض الطائرات والسيارات أو القاطرات ونحو ذلك .
قد يكون المركب مزدحماً بالناس ثم يحضر وقت الصلاة ، نقول إذا كان سيقف في الوقت ، أو الصلاة تجمع لما بعدها وهو مسافر وسيقف في وقت الثانية ينتظر حتى ينزل ويصلي صلاة تامة .
وإن كان لن يقف إلا بعد خروج الوقت أو خروج الثانية التي تجمع معها ، نقول يصلي على حسب حاله .
الفجر ويخاف طلوع الشمس قبل النزول ، يغرب الشفق وينتصف الليل يصلي على حسب حاله .
إن كان يستطيع القيام نقول يتوجه وإذا لم يستطع ايصلي جالساً ويومئ بالركوع والسجود ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
وقاعداً إن عجز عن خروج منها وقيام بها وعلى راحلة خشية تأذ بوحل ونحوه لا لمرض مع قدرة نزول وركوب ويصح النفل مطلقاً..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/456)
" وقاعداً إن عجز عن خروج منها وقيام بها " لا يستطيع القيام عجز عن القيام يصلي قاعداً إن كان سيخرج الوقت قبل وقوفها ، فإن لم يستطع القيام بها وسيخرج الوقت قبل وقوفها يصلي قاعداً وعلى حسب حاله .
" وعلى راحلة خشية تأذ بوحل ونحوه " هذا الكلام كما تقدم إن كان يستطيع يخرج في الوقت أو يؤخر الصلاة التي تجمع إلى ما بعدها وينزل في وقت الثانية يفعل وإن كان لا يستطيع يصلي حسب حاله .
" لا لمرض مع قدرة نزول وركوب " يعني المريض الذي في السيارة والسيارة متوقفة ويقدر أن ينزل ويركب يجب عليه أن يصلي ينزل ويصلي صلاته تامة بما يستطيع من الاستقبال والركوع والسجود والقيام كما تقدم .
يجب على المريض في المركوب إن كان سيقف قبل خروج المكتوبة أو قبل خروج وقت الثانية يجمع إليها أن ينتظر لكي يؤديها أتم من أدائها في المركوب فقد يستطيع أن يسجد ولا يستطيعه في المركوب فيجب أن ينتظر .
" ويصح النفل مطلقاً " هذا ظاهر .
من سافر سفراً مباحاً..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة المسافر
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن صلاة المريض شرع في بيان صلاة المسافر وسبق أن ذكرنا أن أهل الأعذار في قول المؤلف باب صلاة الأعذار المراد بهم : المريض والمسافر والخائف .
تكلم المؤلف رحمه الله عن المريض والآن شرع في بيان صلاة المسافر قال :
" من سافر سفراً مباحاً " السفر لغة : مأخوذ من الاسفار وهو الخروج لأن الإنسان يسفر بعد أن كان مكنوناً .
اصطلاحاً : مفارقة محل الإقامة على وجه السفر عرفاً .(2/457)
والمسافر إذا سافر فإن سفره يترتب عليه أحكاماً لأن السفر من أسباب التخفيف في الشريعة وهذا الأحكام يتعلق بها أحكام في الصلاة الطهارة ، في الزكاة ، في الصيام ، أحكام كثيرة لكن المراد هنا ما يتعلق بأحكام الصلاة من حيث القصر والجمع .
وقوله سفراً مباحاً : اشترط المؤلف للسفر أن يشرع له الترخص :
أن يكون مباحاً وعلى هذا إذا كان السفر محرماً لا يباح فيه الترخص .
الجمهور : لا يجوز الترخص في السفر المحرم .
أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام : أن له أن يترخص في السفر المحرم .
ودليل الجمهور : لا يترخص كما لو سافر ليشرب خمراً أو دخاناً ، واستدلوا بقول الله عز وجل :( فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) فالله عز وجل أباح للمضطر أن يأكل من الميتة بشرط أن لا يكون باغياً ، والباغي :هو الذي يبغي الحرام مع قدرته على الحلال .
ولا عاد ، والعادي :هو الذي يأخذ من الحرام أكثر من حاجته ' فهو يجوز له أن يأكل من الميتة لكن بقدر ما يمسك رمقه حياته ولا يجوز له أن يأكل أكثر من ذلك.
وهذا يكون في السفر فيباح لهذا المسافر أن يأكل من الميتة بحيث لا يكون باغياً ولا عادياً وهذا في السفر ، فدل على أن الذي سافر سفراً محرماً ليس له أن يترخص برخص السفر .
مباحاً يومين فأكثر...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أبو حنيفة وشيخ الإسلام دليلهم أن الله عز وجل قال :( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وهذا يشمل كل ضرب في الأرض .
فالله عز وجل علق الترخص بجنس السفر يقطع النظر عن حكمه .(2/458)
وكذلك استدلوا أن الذي يسافر سفراً محرماً يباح له التيمم إذا لم يجد الماء بالاتفاق ، فإذا كان يباح له الترخص في التيمم كذلك يباح له أن يترخص بالقصر والجمع وغيره .
وهذا القول قوي وما ذهب إليه الجمهور أحوط من جهة تأديب هذا الذي سافر هذا السفر المحرم وزجره لأنه كما قال الجمهور الذي يسافر سفراً محرماً ليس أهلاً للترخص لأن الترخص أعانه للمسافر وتخفيف له وهذا لا يستحق الإعانة ولا التخفيف وهو الحوط لما فيه من الزجر والردع وإلا من حقق النظر إلى الدليل فما ذهب إليه أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام هو أقوى .
" مباحاً " يخرج المكروه فلو سافر سفراً مكروهاً على كلام المؤلف رحمه الله ليس له أن يترخص ، وفيه نظر لأن المكروه مباح فهو ليس في درجة المحرم .
فالصواب : أن السفر المكروه له أن يترخص .
" يومين فأكثر " هذا الشرط الثاني : المسافة ، فلابد للسفر الذي يترخص فيه من ضرب مسافة واختلف في هذه المسافة التي تبيح الترخص :
القول الأول : المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب : لابد أن تكون المسافة قدرها يومان وهي أربعة برد لأن البريد نصف يوم ، وكانوا قديماً في المراسلات السريعة التي تكون للخلفاء يجعلون بريداً بعد نصف كل يوم يجعلون فيه فارساً فيأتي البريد من الخليفة حتى يصل إلى هذا الفارس بعد نصف يوم فيعطيه الخطاب ثم ينطلق هذا الفارس إلى البريد الثاني وهكذا .
يومان أربع برد واليوم بريدان ، والبريد : أربع فراسخ .
أربع فراسخ في أربع برد تساوي ستة عشر فرسخاً ، والفرسخ الواحد بالأميال : ثلاثة أميال : 16 × 3 = 48 ميلاً مسافة القصر على ما ذهب إليه المؤلف 48 ميلاً
...............................................................................................................................(2/459)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واختلف المتأخرون في تحديدها باللكيلوات فقيل (704م 88كم ، 32، 77 كم 640م ،80 كم ) هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والجمهور .
واستدلوا على ذلك بحديث ( يا أهل مكة لا تقصروا فيما دون أربعة برد فيما بين مكة وعسفان ) حديث ابن عباس ضعيف لا يثبت .
وقالوا : ورد عن ابن عباس وابن عمر في البخاري معلقاً مجزوماً أنهما يترخصان في أربعة برد .
الرأي الثاني : رأي أبو حنيفة : ثلاثة أيام ونصف الثلث على ما ذهب إليه الجمهور .
الرأي الثالث : شيخ الإسلام أن المسافة ليست محددة شرعاً وإنما هي محددة عرفاً فيرجع ذلك إلى العرف فما دل العرف أنه سفر فهو سفر لأن ذلك لم يرد تحديده في الشرع ، وما ورد عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يترخصان في أربعة برد ، نقول الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا مختلف .
فابن عمر رضي الله عنهما ورد عنه أقوال كثيرة فمن ذلك الترخص في 96 ميلاً ، والترخص في ميل واحد ، والترخص في 30 ميلاً وفي مسيرة يوم ونحو ذلك وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما فدل ذلك على أن الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم فيها اختلاف ، وإذا كان كذلك فيرجع إلى جنس السفر ، الشارع علق الترخص على جنس السفر فمادام أنه يسمى سفراً عرفاً يرجع إليه ، إذ إنما اطلقه الشارع يرجع في تحديده إلى العرف .
وذكر شيخ الإسلام : أن المسافة القصيرة في الزمن الطويل تعتبر سفراً بدليل أن أهل مكة خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عرفات وهي قريبة منهم وإلى منى ومع ذلك ترخصوا فالمسافة عندهم قصيرة لكن المدة طويلة وهم خرجوا ولا يرجعون إلا في الغد فترخصوا بالجمع والقصر في عرفات ومنى ، وعلى هذا تكون الأقسام كما يلي :(2/460)
القسم الأول : مسافة طويلة في مدة طويلة ، سفراً يترخص فيه كما لو خرج من المدينة إلى مكة .
القسم الثاني : مسافة قصيرة في مدة قصيرة هذا ليس سفراً إلا أن دل العرف ، خرج من بريدة إلى عنيزة ، نقول هنا بأن هذا ليس سفراً وورجع في نفس اليةم هذا ليس سفراً اللهم إلا إن دل العرف فقد يدل العرف على أنه سفراً وقد لا يدل .
فله قصر رباعية ركعتين إذا فارق عامر بيوت قريته........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : مسافة قصيرة في مدة طويلة فالذين يشترطون المسافة لا يعتبرونه سفراً إذا كان دون ما اشترطوه ، لكن على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعتبر سفراً .
خرج من بريده إلى عنيزة لمدة يومين ثلاثة أيام فهذه مسافة قصيرة في مدة طويلة .
والدليل ترخص أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم .
القسم الرابع : مسافة طويلة في مدة قصيرة فهذا ليس سفراً مثل لو ضرب 80 أو 70 كيلو ورجع في نفس اليوم كما يفعل كثير من الموضفين ونحو ذلك فهذا لا يعتبر سفراً لأنه عرفاً لا يعتبر سفراً إلا إذا دل العرف.
مثل لو ذهب من مكة إلى المدينة ورجع في نفس اليوم فهذا عرفاً سفر لكن لو ضرب 90 أو 100 ورجع في نفس اليوم فهذا لا يعتبر سفراً .
" فله قصر رباعية ركعتين إذا فارق عامر بيوت قريته " الشرط الثالث من شروط الترخص : أن يفارق عامر بيوت قريته فليس له أن يترخص وهو داخل البلد وهذا ما عليه جمهور أهل العلم لابد أن يخرج خلافاً لما ورد عن بعض السلف الترخص بالأقطار داخل البلد وفيه نظر .
والصواب : لا يترخص حتى يخرج لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترخص داخل البلد وقصر في المدينة أو أقطر في المدينة لم يحفظ .(2/461)
وما ورد عن أنس وأبي بصيرة رضي الله عنهما فإن هذا إما أن يكون ليس صريحاً في الترخص داخل البلد .
وإما أن يكون صريحاً وإنما ترخص بعد مفارقة البلد وهما يريان البنيان .
وأما أن يكون صريحاً فهذا محل اجتهاد منهما للرأي فيه مجال .
لكن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يترخص إلا إذا خرج .
وقوله عامر قريته : يعني البيوت العامرة لابد أن يفارقها .
ويؤخذ من هذا أن البيوت المهجورة الخربة في أطراف البلد لا يلزم أن يفارقها .
المهم أن يفارق عامر قريته فإذا فارقها يباح له أن يترخص .
وأيضاً لا يلزم أن يقطع المسافة كما يطبقه كثير من الناس فيظن كثير من الناس أنه لكي يترخص أن يقطع مسافة القصر وهذا ليس صواباً بل إذا فارق عامر قريته جاز له أن يترخص .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله له قصر رباعية ركعتين ، له : يفهم منه الإباحة ، يباح له أن يقصر الرباعية ركعتين ، وهذا موضع خلاف حكم القصر هل هو سنة أو هو واجب أو غير مشروع ؟
فيه ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أكثر أهل العلم أنه سنة في السفر .
الرأي الثاني : أبو حنيفة يجب عليه أن يقصر .
الرأي الثالث : طوائف من السلف أنه لا يترخص بالقصر إلا إذا كان سفره حجاً أو عمرة أو غزوة ماعدا ذلك ليس له أن يترخص .
دليل الجمهور استدلوا بقول الله عز وجل :( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وهذا يشمل كل سفر حجاً أو عمرة أو غير ذلك من الأسفار المباحة وأسفار الطاعات الأخرى .(2/462)
وأيضاً حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في حجة الوداع فلم يزل يصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة .
وهكذا أنه صلى الله عليه وسلم في أسفاره لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر .
وما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر وصام وأتم وقصر .
وهذا لا يثبت بل هديه صلى الله عليه وسلم القصر .
دليل أبو حنيفة يجب عليه أن يقصر قال : هذا هو الأصل في صلاة المسافر أنها ركعتان فكونه يزيد على ركعتين هذا فيه نظر لحديث عائشة رضي الله عنها ( أول ما فرضت الصلاة ركعتان فأمرت في السفر وزيدت في الحضر ).
فالأصل أن الصلاة ركعتان فإذا زاد عن ركعتين كما لو زاد في الأربع في الحضر .
وهذا الكلام قوي وأيضاً فعله صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم في السفر .
لكن يؤيد ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن عثمان رضي الله عنه أتم .
وكذلك ورد في السنة في حديث ابن عباس أن المسافر إذا صلى خلف المقيم أنه يجب عليه أن يتم فهذا صارف ، ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله توسط في المسألة قال : السنة القصر والإتمام مكروه .
وهو أفضل من إتمام وإن مر بوطنه أو ببلد له به زوجة أو دخل عليه وقت صلاة عليه حضراً...........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو وسط بين القولين .
وأما دليل الذين قالوا لا يترخص إلا في حج أو عمرة أو غزوة قالوا هذا ورد عن ابن مسعود وهو سفر النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب : لا يقصر على هذه الأسفار فالشريعة لا تفرق بين المتماثلات فكذلك القرآن علق القصر في جنس السفر .
" وهو أفضل من إتمام "(2/463)
" وإن مر بوطنه "
لما بين المؤلف رحمه الله أنه يقصر ذكر مسائل يتم فيها :
المسألة الأولى : مر بوطنه يجب عليه أن يتم ، خرج مسافراً من بلد إلى بلد وفي أثناء سفره مر بوطنه خلال سفره مروراً فأصبح وطنه طريقاً إلى بلد يطلبه ويسافر إليه فأراد أن يصلي ، فهل يتم أو يقصر ؟
المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يتم .
" أو ببلد له به زوجة " خرج من المدينة في سفر إلى الطائف ومر بمكة في سفره وله بها زوجة ، المؤلف رحمه الله يجب أن يتم .
أو تزوج في مكة في خلال سفره يجب عليه أن يتم .
والصواب : لا يجب عليه أن يتم لأنه يعتبر مسافراً ، فالسفر مفارقة محل الإقامة وهذا فارق محل الإقامة فله أن يترخص .
" أو دخل عليه وقت صلاة عليه حضراً " أراد أن يسافر فدخل عليه وقت صلاة الظهر ثم خرج هل يترخص أم يصلي أربعاً ؟
المؤلف رحمه الله : يصلي أربع ركعات يتم ولو شرع في سفره لأنها وجبت عليه حضراً ، هذا هو المشهور من المذهب .
أو قام فيها أو ذكر صلاة حضر بسفر أو عكسه أو ائتم بمقيم.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : يترخص لأن العبرة بفعل الصلاة وحال فعل الصلاة هو مسافر والمسافر يصلي ركعتين وهو الصواب .
فإذا دخل عليه الوقت ثم خرج وصلى وهو في السفر له أن يترخص .
" أو قام فيها " الضمير في قام يعود إلى الصلاة شرع في الصلاة وهو مسافر ثم دخل البلد وأقام وهو مازال في الصلاة .
المؤلف رحمه الله : يتم لأنه اجتمع حاضر ومبيح فيغلب جانب الحضر .
شرع فيها وهو في السفينة ورسى المركوب في بلده وهو فيها ، المؤلف يتم .
والأقرب في هذه المسألة : إن صلى ركعة في السفر فإنه يصلي صلاة مسافر .(2/464)
وإن صلى أقل من ركعة فإنه يتم ، لأنه إن صلى ركعة في السفر فقد أدرك صلاة المسافر وقد قال صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
" أو ذكر صلاة حضر بسفر " هذه المسألة الرابعة التي يتم فيها : إذا ذكر صلاة حضر بسفر .
مثاله : سافر ثم تذكر أنه صلى صلاة ظهر أمس في الحضر وهو محدث .
المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يصلي تامة وهو الصواب لأنها ترتبت في ذمته تامة.
" أو عكسه " إذا ذكر صلاة سفر في حضر ، لما قدم إلى بلده تذكر أنه صلى الظهر في السفر وهو محدث وهي في السفر ركعتان .
المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يصليها في الحضر تامة لأن الإتمام هو الأصل وقد زال السبب ، سبب القصر زال ، وهذا مذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهم الله .
الرأي الثاني : الإمام مالك وأبي حنيفة أنه يترخص ويصليها قصر لأنها وجبت عليه مقصورة ،وهو الأقرب.
" أو ائتم بمقيم " مسافر صلى خلف مقيم .
المؤلف يجب عليه أن يتم لحديث ابن عباس أنه سئل المسافر إذا صلى وحده يصلي ركعتين وإذا صلى مع الإمام صلى أربعاً ، قال : تلك السنة .
إذا ائتم مسافر بمقيم فله ثلاث حالات :
أو بمن يشك فيه أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يأتم به في رباعية مثل الظهر العصر خلف العصر العشاء خلف العشاء أو العصر خلف الظهر فهذا يجب عليه الإتمام .
الحالة الثانية : أن يصلي رباعية خلف ثنائية مثل لو صلى العشاء خلف من يصلي التراويح أو صلى العشاء خلف من يصلي الفجر ، نقول يقصر .
الحالة الثالثة : أن يصلي رباعية خلف ثلاثية فهو مخير بين القصر والإتمام ، والإتمام أحوط وهو قول أكثر أهل العلم .(2/465)
إذا صلى المسافر خلف المقيم رباعية خلف رباعية هل يجب عليه أن يتم مطلقاً أو مقيد ؟
قيل يجب عليه مطلقاً أن يتم إذا صلى رباعية خلف رباعية .
وقيل لا يجب عليه أن يتم إلا إذا أدرك من صلاته ركعة لقوله صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) وعلى هذا إذا أدرك المسافر من صلاة المقيم أقل من ركعة يقصر الصلاة ، وهو القرب .
" أو بمن يشك فيه " يعني إذا صلى المسافر خلف شخص يشك فيه هل هو مسافر فيقصر معه أو مقيم فيتم؟
المؤلف رحمه الله : يتم .
لكن إذا كان هناك قرائن يرجع إلى القرائن وعلى هذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون هناك قرائن يدل على أنه مسافر مثل في المطارات بعض الأماكن كالطائرات أو غيرها تدل على أنهم مسافرون .
أو هيئة الشخص وما معه من متاع يدل على ذلك فإنه يقصر .
الحالة الثانية : فإذا لم تكن هناك قرينة على أنه مسافر نقول يتم .
" أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها " يلزمه إتمامها لكونه أتم بمقيم فالمسافر إذا ائتم بمقيم يجب عليه الإتمام ففسدت كما لو سبقه الحدث في الصلاة فذهب وتوضأ وفاتته الجماعة .
المؤلف رحمه الله : لزمه الإتمام يجب عليه أن يتم .
أو لم ينوي القصر عند إحرامه أو شك في نيته أو أخرها حتى ضاق وقتها عنها....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسافر خلف مقيم يجب عليه أن يصلي أربعاً فسدت صلاته بأن أحدث فخرج من الصلاة الآن سيعيدها فهل يعيدها تامة أو قصراً ركعتين ؟
المؤلف يعيدها أربعاً لأنه يجب عليه أن يتمها لو استمر .
والصواب : يعيدها ركعتين لأن السبب الذي من أجله وجب الإتمام زال .
وجب الإتمام للإئتمام بالمقيم وقد زال هذا فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيصلي ركعتين .(2/466)
" أو لم ينوي القصر عند إحرامه " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه يشترط للقصر أن ينوي فإذا لم ينوي أن يقصر لا يقصر .
والصحيح : لا تشترط النية لأن الأصل صلاة السفر أنها ركعتان ، وإذا كان هذا الأصل فلا يحتاج إلى نية .
فالأصل لا يحتاج أن تنويه فأنت باق على الأصل .
" أو شك في نيته " ذكرنا أن المسافر له أن يترخص وأن يقصر ، لكن هل يشترط للقصر أن ينوي القصر عند ابتداء الصلاة أو ليس شرطاً ؟
ذكرنا أن الصواب ليس شرطاً وعلى هذا من باب أولى إذا شك في النية هل نوى القصر أو لم ينوي ؟
له أن يترخص بل لو نوى الإتمام له أن يترخص ، فأصبحت الصور ثلاثة :
الصورة الأولى : أن ينوي القصر له أن يترخص .
الصورة الثانية : أن ينسى النية فهذا له أن يترخص .
الصورة الثالثة : أن يشك هل نوى القصر أم لم ينوي فهذا له أن يترخص .
الصورة الرابعة : لو نوى الإتمام له أن يترخص لأن الأصل في صلاة المسافر أنها مقصورة .
" أو أخرها حتى ضاق وقتها عنها " هذه من الصور التي يتم فيها ، فلو أخر الصلاة بدون عذر حتى ضاق الوقت وهو لا يجوز له ذلك حتى يضيق وقتها بل يجب عليه أن يبادر بفعل الصلاة لأن فعل الصلاة في وقتها شرط من شروط صحتها .
فإذا أخر الصلاة حتى ضاق وقتها بلا عذر يجب عليه أن يتم ولا يقصر .
والعلة في ذلك : أنه صار عاصياً بالتأخير بلا عذر والعاصي لا يترخص .
أو نوى إقامة فوق عشرين صلاة لزمه الإتمام.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : يتوب وله أن يترخص لأن صلاة المسافر ركعتان .(2/467)
" أو نوى إقامة فوق عشرين صلاة لزمه الإتمام " سافر فنوى أن يقيم في البلد الذي سافر إليه أكثر من عشرين صلاة ، أكثر من أربعة أيام ، فالإقامة يوم يومين ثلاثة أربعة له أن يترخص خمسة أيام ليس له أن يترخص ، وهذا هو الشرط الرابع من شروط الترخص : الزمن ، المدة ، فهل يشترط للسفر الذي يترخص له مدة أو ليس شرطاً ؟
وهذه المسألة كثر كلام أهل العلم فيها وألف فيها رسائل مستقلة وكتب وخلاصة كلام أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة :
المشهور من المذهب : إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام ينقطع في حقه حكم السفر ، وينقطع بمجرد وصوله للبلد المسافر إليه ، ولو أراد أن يقيم أربعة أيام فأقل له أن يترخص .
وقريباً من ذلك مذهب مالك والشافعي قالوا أربعة أيام لا يحسب يوم الدخول والخروج فتكون الأيام ستة.
أبو حنيفة : إن نوى إقامة خمسة عشر يوماً له أن يترخص أكثر ليس له أن يترخص .
شيخ الإسلام : له أن يترخص مادام أنه لم ينوي الإقامة المطلقة أو الإستيطان
إذا نوى إقامة مقيدة بزمن ولم ينوي الإقامة المطلقة ولا الإستيطان له أن يترخص .
فأصبحت الآراء أربعة : دليل المذهب من أدلتهم حديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم فأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة في حجة الوداع في اليوم الرابع وخرج في الثامن وكان يترخص ، هذا الدليل يبنونه على مقدمه وهذا المقدم يقولون المسافر إذا قدم البلد فإنه ينقطع عنه حكم السفر ويلحقه حكم الإقامة فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة انقطع عنه حكم السفر ومكث أربعة أيام يترخص فدل ذلك : أنه يترخص هذه الأربعة ما عداها لا يترخص مادام أنه سائر مسافر وصل البلد لا يترخص .
لكن المقدم الذي يبنون عليها الدليل غير مسلم بها .
من قال أن المسافر إذا قدم البلد اتصف بالإقامة لا عرفاً ولا لغة ، فاللغة لا تساعد على هذا وعرف الناس أيضاً فلو ذهب وأقام في المدينة (1ـ 2 ـ3 ـ5 ـ7 ) يسمى مسافر .(2/468)
أبو حنيفة : خمسة عشر يوماً ، وارد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الإمام مالك والشافعي : وارد عن عثمان رضي الله عنه.
شيخ الإسلام : مالم ينوي الاستيطان أو الإقامة المطلقة فيستدل بالعمومات ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )
والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس رضي الله عنه خرج لحجة الوداع فلم يزل يصلي النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة .
وفي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك 20 يوماً يقصر الصلاة ، وفي فتح مكة أقام 19 يوماً يقصر ـ يترخص ـ
قالوا : وارد وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم ففي أثر أبي جمرة قال لابن عباس : أنهم يطيلون المقام ، سأل ابن عباس فأفتاه ابن عباس رضي الله عنهما بالترخص ولو أقام سنتين .
كذلك أنس أقام بالشام سنتين يترخص .
وابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر يترخص .
ومثل ذلك عن عبد الرحمن بن سمرة في بعض بلاد فارس .
المهم هذه يستشهد عليها من قال له أن يترخص .
والجمهور يحملون مثل هذه الآثار على إنسان سافر وحبس عن الخروج لم يتمكن من الخروج أو إنسان أقام لحاجة ولا يدري متى تنقضي حاجته فهذا له أن يترخص .
وعلى هذا نقول أن المسافر من حيث المدة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن ينوي الإقامة المطلقة غير مقيدة بزمن فهذا ليس له أن يترخص .
مثل : السفراء ينوي الإقامة المطلقة في غير بلده غير مقيده بسنة أو سنتين .(2/469)
ومثل : الموظفين موظفي السفارات هؤلاء ينون إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن مرتبطون بأعمال ما دام أنهم يعملون لم يكن هناك سبب يقضي مفارقتهم هذه البلد فإنهم مقيمون فيها .
ومثل ذلك : العمال والموظفون التي أعمالهم ووظائفهم ليست مقيدة بزمن فهؤلاء ليس لهم حق الترخص .
القسم الثاني : أن ينوي الاستيطان فهذا لا يترخص لأنه خرج عن حد السفر .
وإن كان له طريقان فسلك أبعدها........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثالث : أن ينوي الإقامة لغرض وعمل لكنه مقيد بزمن فهذا هو موضع الخلاف .
مثلاً : شخصاً ذهب إلى بلد ليعمل لمدة شهر شهرين سنة أو سنتين ثم يرجع عمل مقيد بزمن إذا انتهى هذا الزمن سيرجع ـ عمل مقيد بزمن ـ وتقدم خلاف أهل العلم .
القسم الرابع : أن يقيم لعمل ومتى انتهى عمله رجع .
مثلاً : ذهب لمستشفى يراجع أو دائرة حكومية ليراجع ولا يدري متى ينقضي عمله يوم أو يومين أو ثلاثة ... إلخ .
له أن يترخص وحكى الإجماع عليه .
إقامته متعلقة بحاجة ولا يدري متى تنقضي ، ومتى انتهت حاجته رجع .
وتاجر يبيع ومتى انتهت بضاعته رجع ، قد يبيع ليوم أو يومين أو شهر .
المهم إقامته مربوطة بهذا العمل متى انتهى رجع يترخص .
القسم الخامس : أن يقيم لعمل مقيد بزمن سنة سنتين ثم ينتهي بعدها يرجع له أن يترخص .
ذكرنا الأقوال والأدلة .
والذي يظهر في هذه المسألة : أن التحديد بأربعة أيام أو ستة أو خمسة عشر يوماً لا دليل عليه .
لكن إن تشبه المسافر بالمقيمين استقر استأجر وتشبه بهم خرج عن حد المسافر .(2/470)
مثلاً : إذا جلس شهرين أو ثلاثة أشهر هذا تشبه بالمقيمين واستقر وتهيأ ، فنقول خرج عن حد السفر ، ويدل لهذا : أن الأعراب الذين يرتحلون وينتقلون من مكان إلى مكان فيأتون ويجلسون في هذا المكان وهم لا يتخذونه وطناً وإنما فترة ثم ينتقلون عنه ومع ذلك لا يترخصون لأنه يعد بمثابة الوطن لهم في هذه الفترة .
" وإن كان له طريقان فسلك أبعدها " هذه مسائل يقصر فيها وسبق أن ذكر مسائل يتم فيها :
إن كان له طريقان أراد أن يسافر إلى مكة وهناك طريقان إلى مكة طريق قريب لا يبلغ مسافة القصر ، وطريق بعيد يبلغ مسافة القصر .
فهنا يقول المؤلف رحمه الله : إذا سلك الطريق البعيد له أن يترخص مالم يكن تحيلاً على قصر الصلاة لأنه يصدق عليه كونه مسافر توفرت فيه شروط الترخص .
أو ذكر صلاة سفر آخر أو حبس لنحو مطر ولم ينو إقامة أو أقام لقضاء حاجة بلا نيتها قصر............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قالوا : سفر بعيد وسفر قصير .
السفر البعيد مسافته القصر فأكثر .
والقصير ما كان دون مسافة القصر .
" أو ذكر صلاة سفر آخر " فإنه يقضيها قصراً ، صلى صلاة الظهر في السفر الأول وهو محدث وتذكر ذلك وهو في السفر الآخر يجب أن يعيد ويصليها ركعتين لأن وجوب هذه الصلاة ووجودها في السفر .
" أو حبس لنحو مطر ولم ينو إقامة " كما تقدم هكذا يحملون الآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم ابن عمر ستة أشهر أقام في أذربيجان بقصر الصلاة ، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول .
فإذا كان متهيء للخروج لكنه انحبس لسبب أمطار ثلوج تعطل المواصلات ونحو ذلك .
فإذا حبس من أجل حاجة فله أن يترخص .(2/471)
" أو أقام لقضاء حاجة بلا نيتها قصر " كما سبق إذا أقام لقضاء حاجة ـ بلا نية إقامة ـ قصر ومتى انتهت الحاجة .
يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين في وقت إحداهما بسفر قصر..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" يجوز الجمع بين الظهرين " الجمع من رخص السفر وليس خاصاً بالسفر ، القصر من خصائص السفر لكن الجمع ليس من خصائصه .
ولهذا سيتكلم المؤلف رحمه الله عن الجمع في السفر والجمع في الحضر .
أوسع المذاهب في الجمع مذهب الإمام أحمد وأضيقها مذهب أبي حنيفة لأنهم لا يرون الجمع إلا في عرفات ومزدلفة مع الإمام الأعظم .
والجمع قسمان :
القسم الأول : الجمع في السفر .
القسم الثاني : الجمع في الحضر .
بدأ المؤلف رحمه الله في الجمع في السفر قال :
" يجوز الجمع بين الظهرين وبين العشائين في وقت إحداهما بسفر قصر " الجمع في السفر هل هو مطلقاً أو ليس مطلقاً ؟
هذا اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله .
الرأي الأول : قول أكثر أهل العلم وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجوز الجمع مطلقاً .
له أن يجمع جمع تقديم ، وله أن يجمع جمع تأخير ، وله أن يجمع مقيماً أو جاداً به السير .
الرأي الثاني : الإمام مالك رحمه الله لا يجمع إلا إذا جد به السير ـ سائراً ـ أما إذا كان نازلاً ليس له الجمع .
الرأي الثالث : يجوز الجمع تأخيراً ولا يجوز تقديماً .
الرأي الرابع : أبو حنيفة رحمه الله أن الجمع لا يجوز مطلقاً .
ولكل منهم دليل .
...............................................................................................................................(2/472)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دليل الرأي الأول يجوز الجمع مطلقاً استدلوا : أنه وارد في حال الجد في السير وفي حال النزول جمع التقديم وجمع التأخير كله وارد عنه صلى الله عليه وسلم حديث أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وبصحراء مكة فيه جمع التقديم وفيه الجمع والمسافر نازل .
وحديث جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم فيه أيضاً الجمع وهو نازل جمع تقديم ـ الظهر والعصر بعرفة ـ
وحديث معاذ في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك أخر الصلاة ثم خرج ثم صلى بهما ثم دخل ثم خرج فصلى بهم العشاءين
حديث ابن عمر رضي الله عنه كان إذا جد به السير أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء .
دليل الإمام مالك رحمه الله : لايجمع إلا إذا جد به السير لحديث ابن عمر رضي الله عنهما .
دليل الرأي الثالث يجوز جمع التأخير دون التقديم استدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل بعد أن ترتفع الشمس أخر الظهر حتى يصليها مع العصر ، وإذا ارتحل قبل أن ترتفع الشمس صلى الظهر ثم ركب .
والصواب : أن الجمع بصوره جائز ، جمع التقديم وجمع التأخير والجمع وهو نازل والجمع وهو جاد به السير .
لكن نعلم إذا جد به السير فالجمع سنة ، وإذا كان نازلاً فالجمع مباح .
والأفضل تركه لكن يباح له أن يجمع لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك فلا بأس يصلي الظهر ويجمع معها العصر ، ويصلي المغرب ويجمع معها العشاء .
وننبه أن الجماعة واجبة فليس له أن يؤخر إذا كان داخل البلد وحوله المساجد ليس له أن يؤخر الظهر ويصليها مع العصر فالجماعة واجبة .
أو يؤخر المغرب ويصليها مع العشاء .
لكن لا بأس أن يصلي الظهر وإذا أراد أن يجمع معها العصر .(2/473)
ويصلي المغرب وإذا أراد أن يجمع معها العشاء جمع معها العشاء .
ولمريض يلحقه بتركه مشقة...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولمريض يلحقه بتركه مشقة " ما تقدم هو الجمع في السفر ، وهنا شرع في القسم الثاني الجمع في الحضر.
الجمع في الحضر هل هو معدود أو محدود ؟
فيه خلاف :
الرأي الأول : الجمهور الجمع في الحضر معدود ، يعددون يجمع في هذا وهذا وهذا و لا يجمع في هذا ، ولهذا المؤلف رحمه الله سيعدد .
وإن كان الحنابلة رحمهم الله يرون أن الجمع في الحضر في كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة .
المهم يرون أن الجمع في الحضر محدود وليس معدود أي مضبوط بضابط .
الرأي الثاني : أن الجمع في الحضر محدود ومضبوط بضابط ، والضابط هو : كلما ترتب على عدم الجمع حرج ومشقة أبيح الجمع .
ولكل منهم دليل :
أما الذين قالوا بأنه معدود قالوا أن الآثار وردت في هذا واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر .
وفي رواية من غير خوف ولا سفر ، فسئل ابن عباس فقال : أراد أن لا يحرج أمته .
وهذا القول هو الصواب : أنه يتعلق بالحرج والمشقة .
لكن نفهم أن فعل الصلاة في وقتها شرط من شروط صحتها .
وحديث المواقيت كالجبال ليس للإنسان أن يتخطاها بمجرد أي شيء وبعض الناس يتساهل لأي أمر ولأي شيء يتخطى المواقيت .
لا يتخطاها إلا إذا كان حرج ومشقة ظاهرة فله الجمع وماعدا ذلك الأصل أن يؤدي كل صلاة في وقتها .
وقوله : ولمريض يلحقه بتركه مشقة ، أي بترك الجمع .
بدأ المؤلف رحمه الله يعدد بعض الأعذار لما ذكرنا أن الجمع في الحضر معدود على رأي الجمهور .(2/474)
فبدأ يعدد فقال : ولمريض .
فيؤخذ من هذا أن المريض له أن يجمع مطلقاً جمع تقديم أو جمع تأخير بين الظهرين والعشائين .
وبين العشائين لمطر يبل الثياب وتوجد معه مشقة...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الإمام مالك : المريض لا يجمع إلا جمع تقديم .
الشافعي : المريض لا يجمع ، يصلي كل صلاة في وقتها .
أبو حنيفة : عنده الجمع لا يصح ، ليس عنده إلا الجمع الصوري يؤخر الظهر لآخر وقتها ويصلي العصر في أول وقتها ، والمغرب يؤخرها لآخر وقتها والعشاء يصليها في أول وقتها .
واستدلوا بما في مسند الإمام أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الظهر وقدم العصر ، وأخر المغرب وقدم العشاء .
لكن هذا ليس فيه دليل على أنه فعل ذلك في آخر الوقت .
أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا الحديث بأجوبة :
الجواب الأول : ليس فيه دليل على أنه أخر في آخر الوقت وقدم في أول الوقت ، يحتمل أنه أخر الظهر في وسط وقتها وقدم العصر في وسط وقتها .
الجواب الثاني : أن هذا الجمع الصوري ، فالمراد من الجمع رفع الحرج والمشقة والجمع الصوري فيه حرج ومشقة لا يمكن للشارع عند التخفيف ينقلك من الأسهل إلى الأشق .
فالجمع الصوري فيه حرج ومشقة فالإنسان يجلس ويترقب آخر الوقت متى يخرج حتى يفعل الصلاة ثم بعد ذلك متى يدخل فيفعل الصلاة التالية هذا فيه حرج ومشقة .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الجمع للمرض جائز .
الشافعية قالوا : الجمع غير جائز لأن النبي صلى الله عليه وسلم مرض ولم يجمع ، هذا غير صواب .
فالجمع رخصة من أخذ به فله ذلك .(2/475)
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر ، وفي رواية : من غير خوف ولا سفر ، وسئل قال : أراد أن لا يحرج أمته .
فدل ذلك على أن فيه حرج ومشقة .
" وبين العشائين لمطر يبل الثياب وتوجد معه مشقة " هذا العذر الثاني : عذر المطر .
المؤلف رحمه الله يجمع بين العشائين لمطر .
ولوحل وريح شديدة باردة ولو صلى ببيته..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقيده المؤلف بين العشائين سواء تقديماً أو تأخير .
الإمام مالك رحمه الله : بين العشائين تقديماً فقط .
الشافعي : يجوز بين العشائين وبين الظهرين .
أبو حنيفة : أمره ظاهر .
والعمدة في ذلك : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير ـ خوف ولا مطر ـ ـ خوف ولا سفر ـ
والصواب في ذلك : أن في المطر إذا كان حرج ومشقة يجوز في الظهرين والعشائين تقديماً أو تأخيراً .
" ولوحل وريح شديدة باردة "
العذر الثالث : الوحل وهو الطين الرقيق لأنه يسبب الزلق .
العذر الرابع : الريح الباردة الشديدة وهذا ظاهر .
الجمهور : لا يجمع من أجل الوحل والريح الباردة الشديدة .
والصواب : كما تقدم أن العبرة بالحرج والمشقة .
" ولو صلى ببيته " بمعنى يجمع ولو صلى ببيته وهذا فيه نظر وإلا لقلنا أن المرأة تجمع .
فالصحيح : أنه لا يجمع إلا بإدراك الجماعة .
فيه حرج ومشقة ويريد أن يدرك الجماعة أما إذا كان صلى في بيته أو كان منفرداً في مزرعة أو كانوا جماعة مجتمعين في مكان ، لا يجمعون .(2/476)
لأن الجمع لكي ندرك الجماعة ، ولهذا نقول من في المسجد يجمع لأنه لو لم يجمع مع الناس فاتته الجماعة ، والذي لا تلحقه مشقة بالوصول إلى المسجد كما يقول العلماء طريقه إلى المسجد فوقه سياط لا يصيبه من أذى المطر ونحو ذلك يجمع لكي يدرك الجماعة .
أما إذا كان لا يدرك الجماعة كمن يصلي في بيته أو جماعة مجتمعين في مكان فما الفائدة من الجمع .
فوجودك في البيت كما لم يكن هناك مطر ، ووجودك مع مجتمعين في مكان مثله أيضاً ولو كان هؤلاء لهم الجمع نقول حتى المرأة لها أن تجمع .
والأفضل فعل الأرفق به فإن استويا فتأخير أفضل...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم البحث في صلاة أهل الأعذار وذكرنا أن أهل الأعذار المراد بهم المريض والمسافر والخائف وتقدم البحث في أحكام صلاة المريض ، وكذلك شرعنا في أحكام صلاة المسافر وبقي جملة من هذه الأحكام ثم صلاة الخائف ، قال المؤلف
" والأفضل " أي لمن يجمع ، الجمع تقدم أنه يشرع في السفر وذكرنا شروط السفر الذي يترخص فيه ، وكذلك تقدم أن الجمع يشرع في الحضر وأنه ليس من خصائص السفر فإذا أراد أن يجمع فهل الأفضل أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير ؟
المؤلف رحمه الله :
" فعل الأرفق به " فنقول الأفضل أن يفعل الأرفق به وبمن معه فقد يكون الأرفق أن يقدم فيقدم وقد يكون الأرفق أن يؤخر فيؤخر فيتحرى الأرفق .
ويدل لهذا : أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأرفق .
وثانياً : أن الجمع لم يشرع إلا من أجل التسهيل والرفق فإذا كان ذلك في الأصل فكذلك يكون في الوصف .
إذا كان هذا في أصل الجمع وأن الرفق ملاحظ فيه فكذلك أيضاً في وضعه .(2/477)
" فإن استويا فتأخير أفضل " وعلى هذا نقول أن الأمر لا يخلو من قسمين :
القسم الأول : أن يظهر الرفق في التقديم أو التأخير فنقول : يأخذ بالأرفق .
القسم الثاني : أن يستويا فالتأخير أفضل .
والعلة في ذلك : أنه أحوط .
وخروج من الخلاف خلاف من يقول لا جمع إلا جمع تأخير ويستثني من ذلك جمع عرفة ومزدلفة ، فجمع عرفة ومزدلفة بينته السنة .
أما جمع عرفة فالسنة فيه التقديم لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع جمع تقديم ، صلى الظهر ثم صلى العصر.
وأما جمع مزدلفة فظاهر السنة التأخير ظاهر فعله صلى الله عليه وسلم أنه جمع جمع تأخير .
ويرتب المجموعتين...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى كل حال بالنسبة لمزدلفة إذا وصلها فإن وصل في وقت العشاء كما هو ظاهر فعله صلى الله عليه وسلم فإنه سيجمع جمع تأخير ، وإن وصل في وقت المغرب فهل الأفضل أن يصلي ويجمع أو الأفضل أن يصلي المغرب في وقتها والعشاء يؤخرها إلى وقتها ؟
هذا موضع خلاف بين العلماء ويظهر والله أعلم أن الإنسان يفعل الأرفق به .
" ويرتب المجموعتين " إذا أراد الإنسان أن يجمع فلا يخلو
أما أن يجمع جمع تقديم وأما أن يجمع جمع تأخير ، فإن جمع جمع تقديم فإنه يشترط لذلك شروط قبل هذا قال المؤلف " ويرتب بين المجموعتين " أن لا يصلي العصر قبل الظهر ولا العشاء قبل المغرب .
لكن هل يسقط الترتيب بالنسيان ؟
الترتيب بين الفوائت : المذهب يسقط بالنسيان .
مثاله : إنسان فاتته صلاة الظهر والعصر ونسى وصلى العصر قبل الظهر ، صلى العصر ثم الظهر ما حكم صلاته على المذهب ؟
صلاته صحيحة .(2/478)
لكن الترتيب بين المجموعتين لو نسى يقولون صلاته غير صحيحة يفرقون بين الترتيب بين الفوائت والترتيب بين المجموعتين .
فالترتيب بين الفوائت يرونه يسقط بالنسيان .
وتقدم أن الترتيب بين الفوائت يسقط بواحد من خمسة أمور .
الأمر الأول : النسيان .
الأمر الثاني : الجهل .
الأمر الثالث : إذا خشي فوت الجماعة .
الأمر الرابع : إذا خشي فوت الجمعة .
الأمر الخامس : إذا تضايق وقت الحاضرة أو إذا خشي فوت وقت الحاضرة .
هذا بالنسبة للترتيب بين الفوائت .
وإن جمع تقديماً اشترط نية الجمع عند إحرامه وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن الترتيب بين المجموعتين يضيقون فيه ، فيقولون : أنه لا يسقط حتى ولو كان ناسياً وصلى العصر قبل الظهر يرون أن صلاته غير صحيحة .
والرأي الثاني : الذي ذهب إليه الحجاوي من الحنابلة أن الترتيب بين المجموعتين يسقط بالنسيان كما يسقط به بين الفوائت ، وهذا هو الأقرب والله أعلم .
وأن المجموعتين تلحقان بالفوائت .
" وإن جمع تقديماً اشترط نية الجمع عند إحرامه وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف " إذا جمع جمع تقديم فإنه يشترط شروط :
الشرط الأول : النية ، وانتبه إلى قوله نية الجمه لم يقل المؤلف رحمه الله تعالى نية الصلاة ، نية الصلاة شرط لصحة الصلاة وليست شرطاً لصحة الجمع ، الآن سيتكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن شروط صحة الجمع ولا يتكلم عن شروط صحة الصلاة فنية الصلاة مفروغ منها لابد منها لكن هل يشترط أنه ينوي أنه سيجمع إذا أراد أن يجمع أو نقول هذا ليس شرطاً ؟(2/479)
مثاله : مسافر وصلى الظهر ولم ينوي الجمع وبعد أن سلم من الظهر بداله أن يجمع وأن هذا أرفق به ظهر له أن يجمع فهل يصح جمعه ؟
على كلام المؤلف رحمه الله تعالى لا يصح فلابد أن تنوي أنك ستجمع قبل أن تدخل في الصلاة الأولى .
قبل أن تدخل في الصلاة الأولى يشترط نية الجمع وليست نية الصلاة ، فنية الصلاة لابد منها أن تنوي أن هذه الظهر وهذه العصر لابد منها .
ولكن هل يشترط أن تنوي أنك ستجمع أو ليس شرط ؟
المؤلف يرى أنه شرطاً ، وعلى هذا لو بدا لك أنك ستجمع بعد الأولى هل تجمع أو لا تجمع ؟
لا تجمع على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام أن هذا ليس شرطاً لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد أن النبي صلى الله عليه
وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف..................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسلم كان يخبرهم أنه إذا أراد أن يجمع أنه سيجمع لكي ينووا بل يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجمع وقد لا يجمع يصلون الظهر والعصر .. إلخ .
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا نقول : أن هذا الشرط ليس صحيحاً اشتراط نية الجمع .
وعلى هذا لو أن الإنسان صلى الأولى ثم حصل عذر أو كان العذر موجوداً ثم بداله أن يجمع فله أن يجمع .
فمثلاً لو صلى الأولى ولم يكن هناك مطر وبعد أن صلى هطلت الأمطار فهل له أن يجمع ؟
المذهب : ليس له أن يجمع .
والصواب : له أن يجمع .
" وأن لا يفرق بينهما إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف " الشرط الثاني : أن لا يفرق بين المجموعتين إلا بقدر إقامة ووضوء خفيف .(2/480)
ودليلهم : أن معنى الجمع هو المتابعة والمقارنة ولا يحصل ذلك مع التفريق الكبير ، وقريب من هذا قول الشافعية يقولون : نشترط الموالاة بين المجموعتين وأن لا يفرق بينهما إلا بتفريق يسير عرفاً .
فالتفريق بين المجموعتين إن كان طويلاً عرفاً فإنه لا يصح معه الجمع ، وإن كان يسيراً عرفاً فإنه يصح معه الجمع .
والدليل على هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع متوالياً هكذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام وأن الموالاة ليست شرطاً وعلى هذا لو صليت الظهر ثم بعد ذلك بدا لك أن تصلي العصر بعد ساعة يصح أن تجمع .
مثال : مسافر صلى الظهر ولم يبد له أن يجمع وبعد ساعة بدا له أن يجمع هل له أن يجمع ؟
على اختيار شيخ الإسلام أن الموالاة ليست شرطاً فله أن يجمع .
ويظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه الفقهاء أقرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع متوالياً ، وهذا هو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم ، وما ذهب إليه شيخ الإسلام يظهر والله أعلم أبعد عن الصواب مما ذهب
فيبطل براتبة بينهما ووجود العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليه الفقهاء لأن ما ذهب إليه الفقهاء هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه أنه فرق ، ولأنه أحوط .
" فيبطل براتبة بينهما " وهذا بناءً على اشتراط المولاة وأنه لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة أو وضوء خفيف فقط ، وعلى هذا لو صلى بين المجموعتين راتبة فإن الجمع يبطل ولا يتمكن من الجمع .
وقال بعض العلماء : أنه لا يبطل لأن الراتبة من الأمور اليسيرة وهذا هو الأظهر .
كما ذكرنا الضابط في ذلك : إذا كان الفاصل يسيراً عرفاً فإن هذا جائز ولا بأس به ولا يبطل الجمع .(2/481)
" ووجود العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى " هذا الشرط الثالث : أن يوجد العذر عند افتتاح الصلاتين يعني إذا أراد أن يجمع الظهر مع العصر يوجد العذر عند افتتاحهما وسلام الأولى عند افتتاح الظهر وعند افتتاح العصر وعند السلام من الأولى وهي الظهر أو المغرب .
مثاله : إنسان مريض وأراد أن يجمع ماذا نقول ؟
يشترط أن يكون المرض موجوداً عند افتتاح الظهر والعصر وعند السلام من الظهر الأولى .
إذا أراد أن يجمع لأجل المطر يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح المغرب والعشاء وعند السلام من المغرب ، هذا ما ذهب إليه المؤلف .
والرأي الثاني : أن يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الثانية وهو الصواب .
يكفي أن يكون العذر موجود عند افتتاح الثانية ، لأن الثانية هي محل الجمع .
وعلى هذا لو كان الإنسان غير مريض وصلى الظهر ثم جاءه مرض وأراد أن يصلي العصر نقول يجمع .
لو كان المطر غير موجود ثم هطل المطر عند افتتاح الثانية ، صلينا المغرب والمطر غير موجود ثم بدا المطر ينزل يجمع أو لا يجمع ؟
يجمع لأن العذر موجوداً عند افتتاح الثانية .
أما على كلام المؤلف رحمه الله تعالى هل نجمع ؟
يرى أننا لا نجمع ، لماذا ؟
لأنه يشترط أن يكون العذر موجوداً عند افتتاح الأولى وعند افتتاح الثانية وعند السلام من الأولى .
واستمراره إلى فراغ ثانية وإن جمع جمع تأخير اشترط نية الجمع في وقت أولى قبل ضيقه عن فعلها.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويعللون ويقولون أن افتتاح الأولى هو موضع النية ، وتقدم أن نية الجمع ليست شرطاً .(2/482)
وافتتاح وسلام الأولى وافتتاح الثانية موضع الجمع فهم يبنونه على اشتراط نية الجمع ، وتقدم أنها ليست شرطاً على الصحيح .
"واستمراره إلى فراغ ثانية " هذا الشرط الرابع من شروط صحة الجمع إذا أراد أن يجمع جمع تقديم لابد أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية .
مثاله : إنسان أراد أن يجمع وهو مريض فصلى الظهر وبدأ يصلي العصر وبعد أن صلى ركعة أو ركعتين من العصر شفي بإذن الله تعالى ما حكم الجمع على المذهب ؟
لا يصح لابد أن يستمر العذر حتى تنتهي الثانية .
مثاله : شرع يصلي المغرب لعذر المطر فلما شرع في العشاء جمع تقديم انقطعت الأمطار ولم يكن هناك عذر ما حكم الجمع عند المؤلف ؟
يقول لابد أن يستمر العذر حتى انتهاء الثانية سواء كان الجمع لمطر أو لغيره .
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى لابد أن يستمر العذر سواء كان العذر الذي جمع من أجله المطر أو غيره.
وبعض العلماء يفصل يقول : المطر سيخلفه وحل فإذا جمع لأجل المطر وانقطع المطر سيخلفه وحل فيستمر في الجمع ، لكن إذا لم يكن مطر ولا وحل الحكم يقولون : أن الجمع غير صحيح .
والأقرب في هذه المسألة أن يقال : إن صلى ركعة من الثانية يمضي ويصح الجمع وإن لم يصل ركعة فإنه لا يصح الجمع لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ). وهذا أدرك من صلاة العشاء أو العصر ركعة فقد أدركها .
فالأمر متعلق بإدراك ركعة .
" وإن جمع جمع تأخير اشترط نية الجمع في وقت أولى قبل ضيقه عن فعلها " الشروط السابقة إذا جمع جمع تقديم ، فإذا جمع جمع تأخير ماذا يشترط ؟
قال :" نية الجمع في وقت أولى " الشرط الأول : أن ينوي الجمع في وقت الأولى لماذا ؟
واستمرار عذر إلى دخول وقت الثانية...................................................................(2/483)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما هي العلة في ذلك ؟
لأن الإنسان يؤخر الصلاة عن وقتها فقد يكون التأخير هذا مشروعاً كما لو نوى الجمع وقد يكون غير مشروع كما لو لم ينوي الجمع .
أن الإنسان يؤخر الصلاة عن وقتها فلابد أن يكون هذا التأخير مشروعاً وذلك بأن ينوي الجمع .
والرأي الثاني : أن الصلاتين المجموعتين في حال العذر يكون وقتهما وقت واحد فلا حاجة إلى هذا .
نقول للمسافر أصبح عندك وقت الظهر والعصر وقت واحد تصلي في وقت الظهر أو تصلي في وقت العصر أو بين الوقتين ، فالوقت عندك واحد وحينئذ على هذا القول لا نقول إذا أخر الظهر إلى العصر وهو مسافر ولا نوى لا نقول له أنه يأثم لأنه أخر الصلاة عن وقتها ، ولابد أن ينوي الجمع .
نقول الأمر في سعة إن شاء أن يصلي في الظهر صلى وإن شاء أن يؤخر إلى العصر صلى وإن شاء أن يصلي بين الوقتين صلى .
وعلتهم في ذلك : كما تقدم كونه يؤخر الصلاة عن وقتها قد يكون التأخير مشروعاً كما لو نوى الجمع ، وغير مشروع إذا لم ينوي الجمع .
" واستمرار عذر إلى دخول وقت الثانية " هذا الشرط الثاني : أن يستمر العذر إلى وقت دخول الثانية ، لابد أن يستمر عذره إلى دخول وقت الثانية فإن انقطع العذر قبل دخول الثانية فلا يجوز له أن يؤخر ،لماذا؟
لأن السبب المبيح للتأخير قد زال
وهذه المسألة يجهلها كثير من الناس ، هذا الشرط يجهله كثير من الناس ، فتجد أن كثير من الناس يكون مسافراً وينوي جمع التأخير ويقدم إلى بلده في وقت الأولى ولنفرض أنه قدم في الظهر أو في المغرب ، فيقول أنا نويت جمع التأخير ، فيؤخر الصلاة إلى وقت صلاة العشاء ، هل هذا التأخير صحيحاً أو ليس صحيحاً ؟
غير صحيح ، لماذا ؟
لأن السبب قد زال فيجب عليك أن تبادر بفعل الصلاة في وقتها .(2/484)
ومثله لو كان الإنسان مريضاً ونوى جمع تأخير ثم شفاه الله عز وجل ، نقول : يجب عليك أن تبادر بفعل الصلاة الأولى في وقتها .
صلاة الخوف تجوز كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم.............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة الخوف
قال المؤلف " صلاة الخوف تجوز كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم "
صلاة الخوف ثابتة بالقرآن والسنة والصحابة رضي الله تعالى عنهم مجمعون عليها .
أما القرآن فقوله تعالى :( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ... الآية ).
والسنة كما في حديث سهل وحديث ابن عمر وحديث جابر في صفات صلاة الخوف التي سنذكرها بإذن الله عز وجل .
وصلاة الخوف وردت على وجوه متنوعة فبعض العلماء أوصلها إلى ثلاثة عشر وجه ، وبعضهم أوصلها إلى خمسة عشر وجهاً ، وبعضهم إلى سبعة عشر وجهاً .
وابن القيم رد هذا وذكر أن بعض العلماء إذا رأى اختلاف الرواة في صفة من صفات صلاة الخوف جعله وجهاً مستقلاً .
قال رحمه الله : هذا غير صواب ، فالوجوه التي وردت عليها صلاة الخوف ستة أصول ، قال الإمام أحمد من ستة أو سبعة ، وقد ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد ، فورد إذا كان في جهة القبلة وفي غير جهة القبلة يصلي الإمام أربع ركعات ركعتين ثم يسلم لهم وركعتين ولا يسلم لهم فيكون له أربع ركعات تارة تكون مفصولة وتارة تكون متصلة ، وأيضاً في حالة الكر والفر ....
بالنسبة لهذه الوجوه للعلماء تجاهها مسلكان :
مسلك الترجيح والاختيار ، ومسلك الجمع .
الإمام أحمد يقول من ذهب إليها كلها فحسن ويختار حديث سهل يختار صفة صلاة الخوف الواردة في حديث سهل .
والرأي الثاني : أنه يصار إلى مسلك الجمع ، وكيف مسلك الجمع ؟(2/485)
أن هذه الأنواع تختلف باختلاف الأحوال فيفعل الإمام والقائد ما هو الأصلح فقد يكون الأصلح أن يصلي هذه الصلاة ويعمل بهذه الصفة ، وقد يكون الأصلح أن يعمل بالصفة الأخرى .
ويحمل ندباً فيها ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف ولا يبطلها كر وفر لحاجة ولا حمل نجس يحتاجه....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل صلاة الخوف خاصة بعصر الصحابة أو أنها مشروعة حتى بعد عصر الصحابة ؟
فيه خلاف أكثر العلماء على أنها مشروعة حتى بعد عهد الصحابة وهذا ما عليه الأئمة .
الأئمة الأربعة يتفقون على هذا .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض أهل العلم وأن صلاة الخوف مشروعة في عهد الصحابة ، وقالوا أن أبا بكر وعمر لم يصليا صلاة الخوف .
والصواب : ما ذهب إليه جمهور العلماء واتفق عليه الأئمة وأن صلاة الخوف ليست خاصة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي عامة في عهده صلى الله عليه وسلم وفي غيره لعموم الأدلة .
كذلك صلاة الخوف هل هي خاصة في السفر دون الحضر أو شاملة ؟
الصواب : شاملة في السفر والحضر .
" ويحمل ندباً فيها ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف " المؤلف رحمه الله تعالى يندب للمقاتل أن يحمل في صلاة الخوف ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف وسكين وخنجر ونحو ذلك .
ودليل ذلك قوله تعالى :( وليأخذوا اسلحتهم ).
" ولا يبطلها كر وفر لحاجة ولا حمل نجس يحتاجه " وسيأتي أن من صفات صلاة الخوف أن يصلي حسب حاله ، كما قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ( مستقبل القبلة وغير مستقبلها ).
ومثله لو كان هارباً من سبع أو عدواً أو نار أو سيل ونحو ذلك فإنه يصلي حسب حاله يومئ قدر طاقته .(2/486)
ولو كان يكر ويفر فنقول يومئ على قدر طاقته سواء كان مستقبل القبلة أو غير مستقبلها وهذا يدل على عظم الصلاة من وجه وعلى عظم وقت الصلاة من وجه آخر لأن الإنسان يصلي وهو يكر ويفر .
* صفات صلاة الخوف :
تقدم لنا أن صلاة الخوف وردت على صفات متنوعة وأن بعض العلماء أوصلها إلى خمسة عشر وجهاً ، وبعضهم أوصلها إلى سبعة عشر وجهاً .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أن هذه الأصول ترجع إلى ستة أصول كما ذكرها ابن القيم وأن الاختلاف بين أهل العلم أشار إليه ابن القيم رحمه الله : أن بعض العلماء إذا رأى اختلاف الرواة في صفة من الصفات جعل ذلك صفة مستقلة وإنما هي صفة واحدة .
فهذه ست صفات ويزاد عليها صفة سابعة كما سيأتي بيانها إن شاء الله .
الصفة الأولى : أن يكون العدو في جهة القبلة ، وكيفيتها وردت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ، هذه الصورة واضحة .
الصفة الثانية : ثابتة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين .
وفيها يكون العدو في غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين .(2/487)
طائفة تكون مواجهة للعدو ، وطائفة تصلي مع الإمام إلى جهة القبلة ، فيبدأ بالطائفة التي معه فيكبر ويكبرون معه ويصلي بهم ركعة تامة ثم يقوم ويقومون معه وبعد القيام تنصرف الطائفة التي معه وهي مازالت في صلاتها لا تزال في صلاتها تنصرف وتواجه العدو الذي ليس في جهة القبلة وتأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو فتصف مع الإمام فيركع بها الإمام ويرفع ويسجد السجدتين ثم بعد ذلك يجلس الإمام ويتشهد ويسلم لأنه أتم ركعتين وهذه الطائفة التي معه تكمل ركعة ، الركعة الثانية التي بقي لها فتتشهد وتسلم ، والطائفة التي واجهت العدو بعد ذلك تقضي الركعة التي بقيت عليها .
قلنا أن الإمام يقسمهم إلى طائفتين طائفة تصلي معه جهة القبلة والأخرى تواجه العدو تحرس ، فيصلي بالطائفة التي معه الركعة الأولى ثم بعد ذلك يقوم وتقوم معه الطائفة الأولى وهي لا تزال في صلاتها تذهب وتقابل العدو والإمام قائم وتأتي الطائفة التي تحرس وتصف خلف الإمام فيصلي بهم ركعة ويسلم وهي تقوم وتقضي الركعة الثانية ثم التي كانت مواجهة للعدو وهي ما زالت في صلاتها تنحرف إلى جهة القبلة وتأتي بالركعة الثانية وتتشهد وتسلم .
والذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم قبل الصلاة .
الصفة الثالثة : ثابتة في الصحيحين من حديث من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فالإمام يقسمهم إلى طائفتين وهذه الصفة العدو إلى غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين ، طائفة تصلي معه إلى جهة
...............................................................................................................................(2/488)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القبلة فيقوم ويكبر بهم ويكبرون ويركع ويركعون ويسجد بهم سجدتين فيصلي بهم ركعة تامة ، ثم يظل واقفاً فتكمل الطائفة التي معه الركعة الثانية وتتشهد وتسلم ، ثم تأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو فيصلي بهم ركعة ثم يجلس الإمام للتشهد لأنه أتم ركعتين وهي تقوم وتأتي بالركعة الثانية وتلحقه في التشهد الأخير ويسلم بها .
افتتح الصلاة بالطائفة الأولى واختتمها بالطائفة الثانية .
الصفة الرابعة : وهي سهلة .
العدو يكون إلى غير جهة القبلة فيقسمهم الإمام إلى طائفتين ، يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ويقوم هو للثالثة وأما الطائفة التي معه فلا تقوم وتجلس للتشهد الأخير وتسلم وتذهب مواجهة للعدو ، ثم تأتي الطائفة التي كانت مواجهة للعدو ويصلي بها الإمام ركعتين فيكون الإمام صلى أربع ركعات وكل طائفة لها ركعتان ركعتان .
الصفة الخامسة : العدو إلى غير جهة القبلة ، وهذه واضحة .
فيقسمهم الإمام إلى طائفتين فيصلي بالطائفة الأولى ركعتين ثم يأتي بعد ذلك تذهب وتقابل العدو وتأتي الطائفة الثانية التي كانت مقابلة للعدو ويصلي بهم الإمام ركعتين .
والفرق بين هذه الصفة والصفة السابقة : التسليم ، فالصفة السابقة الإمام صلى أربع ركعات موصولة .
وفي هذه الصفة صلى الإمام أربع ركعات منفصلة فصلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين .
الصفة السادسة : العدو في غير جهة القبلة صفة سهلة .
يصلي بالطائفة الأولى ركعة وتجلس وتتشهد وهو يقوم فتكون صلت هذه الطائفة ركعة واحدة وتذهب وتقابل العدو وتأت الطائفة التي كانت مقابلة للعدو وتجد الإمام واقفاً فتصلي معه الركعة الثانية وتتشهد وتسلم معه ، فيكون للإمام ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة .(2/489)
الصفة السابعة : في حال الكر والفر والقتال ، والعدو إلى غير جهة القبلة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فمن اشتغل بالكر والفر والقتال يصلي على حسب حالته ويومئ بالركوع والسجود حسب طاقته كما قال تعالى :( فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ) قال ابن عمر رضي الله عنهما مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ومثل ذلك لو كان هارباً من سبع أو نار أو سيل ونحو ذلك يصلي حسب حالته ويومئ حسب طاقته .
وهذه الصفات تدل على عظم شأن الصلاة وأن أمرها عظيم ولهذا لم تسقط حتى في حال الخوف .
وتدل على عظم صلاة الجماعة وإلا بالامكان أن يأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يصلوا فرادى وقل يصلي إلى جهة القبلة فرادى بعضهم يحرس وبعضهم يصلي إلى جهة القبلة .
ويدل على تأكد استقبال القبلة وأن استقبالها لم يسقط حتى في الخوف .
وأيضاً يدل على تأكد الاجتماع وعدم الاختلاف فكون المقاتلون يجتمعون حتى في الصلوات يكون هذا من أعظم أسباب النصر وإيقاع الخوف والهلع في قلوب الأعداء بخلاف ما إذا كانوا متفرقين مختلفين فإن هذا من أسباب الوهن .
هذه الصفات تفعل حسب المصلحة وذكرنا أن العلماء لهم مسلكان : مسلك الجمع ، ومسلك الترجيح .
فالإمام ينظر ما هو الأصلح منه فإذا كان إذا اجتمعوا في مكان واحد يؤدي إلى قتلهم جميعاً ينظر ما هو الأصلح .
****************
...............................................................................................................................(2/490)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة الجمعة
الجمعة : قال العلماء بأنها مثلت الميم يعني ميمها فيه الضم والفتح والتسكين (الجُمعة - الجمعَة - الجمعْة)
واختلف العلماء في سبب تسميتها بهذا الاسم ، قيل لأنها تجمع الخلق الكثير ، وقيل لأن اكتمال الخلق حصل في يوم الجمعة ، وقيل لأن آدم اكتمل خلقه يوم الجمعة ، وقيل لأن سعد بن زراره رضي الله عنه كان يجمع بالأنصار يوم الجمعة ، وقيل لأن كعب بن لؤي كان يجمع قومه في الجاهلية في ذلك اليوم ويبين لهم تعظيم الحرم .
وأصوب الأقوال وقد ورد فيه بعض الآثار الموقوفة وهو الذي يميل إليه ابن حجر رحمه الله : أنها سميت بيوم الجمعة لأن خلق آدم جمع في ذلك اليوم واكتمل .
ويوم الجمعة كان يسمى في الجاهلية بيوم العروبة ويومها هو عيد الأسبوع وهو من أفضل الأيام ، بل ورد في سنن ابن ماجه ( سيد الأيام وأعظمها عند الله يوم الجمعة )
وفي مسلم ( خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه تقوم الساعة )
ومن فضل هذه الأمة ببركة نبيها صلى الله عليه وسلم أن أضل الله عن يوم الجمعة اليهود والنصارى وهدى هذه الأمة ليوم الجمعة ، فهو يوم عظيم .
وقد ذكر العلماء أنه يستحب فيه أن يتخلى الإنسان عن أعمال الدنيا وأن يتفرغ فيه للعبادة .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ( 33) خصيصة من خصائص يوم الجمعة .
والسيوطي رحمه الله أوصلها إلى ( 100) خصيصة وله رسالة اسمها ( اللمعة في خصائص يوم الجمعة )
وهذا مما يدل على عظم هذا اليوم .
وهل صلاة الجمعة صلاة مستقلة أو ظهر مقصورة ؟
موضع خلاف بين أهل العلم ، والصواب في ذلك : أن صلاة الجمعة صلاة مستقلة بذاتها وأنها ليست ظهراً مقصورة ، ولا بدلاً عن الظهر .(2/491)
ويدل على أنها صلاة مستقلة هذه الخصائص التي ذكرنا وأن السيوطي أوصلها إلى ( 100 ) خصيصة وهذا مما يستدل به كثير من العلماء أنه لا يصح الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر ، لماذا ؟
تلزم كل حر...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لأن جمع العصر إنما ورد مع الظهر والجمعة ليست ظهراً وإنما صلاة مستقلة ولم يرد فيها الجمع فلا يجمع المسافر والمريض العصر مع الجمعة من سبق من دليل .
قال المؤلف رحمه الله :
" تلزم كل حر " قوله : تلزم يدل على أن الجمعة واجبة وهذا باتفاق الأئمة وإجماع المسلمين على وجوبها بخلاف صلاة الجماعة هذه اختلف العلماء هل هي واجبة أو ليست واجبة ؟
ويدل لوجوب صلاة الجمعة قوله تعالى :( يا أيهل الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ).
أمر والأمر يقتضي الوجوب .
وفي مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم همّ أن يحرق على المتخلفين عن الجماعة بيوتهم .
وفي حديث حفصة ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم )
هذا الوجوب يشترط له شروط .
الشرط الأول : أن يكون ذكراً إجماعاً ، وعلى هذا المرأة لا تجب عليها الجمعة لكن لو حضرت الجمعة فما الحكم ؟
تصح جمعتها وتجزئها عن صلاة الظهر .
وقد ورد في ذلك حديث طارق بن شهاب وإن كان مرسل ( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة ، عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض )
لكن عندنا الإجماع منعقد على ذلك أن المرأة لا تجب عليها الجمعة .
" حر " هذا الشرط الثاني : حر وعلى هذا الرقيق هل تجب عليه صلاة الجمعة أو لا تجب عليه ؟
على كلام المؤلف رحمه الله لا تجب عليه صلاة الجمعة وهذا رأي أكثر أهل العلم .(2/492)
والرأي الثاني : الظاهرية أن صلاة الجمعة واجبة على الرقيق وهو الصواب .
وقد ذكرنا قاعدة فيما تقدم { الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحضة إلا بدليل }
مكلف مستوطن بناء ولو تفرق واسمه واحد..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" مكلف " هذا الشرط الثالث : أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً ، وعلى هذا فالصبي لا تجب عليه الجمعة والمجنون لا تجب عليه .
ويدل لهذا الحديث المشهور وإسناده حسن ( رفع القلم عن ثلاثه وذكر منهم الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق ) حديث علي وعائشة .
وتقدم حديث حفصة ( رواح الجمعة واجب على كل محتلم ).
الشرط الرابع : الإسلام وهذا ظاهر وسبق أن ذكرنا أن الكافر لا تصح منه العبادات مع أنه مكلف ومطالب بها .
" مستوطن بناء ولو تفرق واسمه واحد " هذا الشرط الخامس : أن يكون مستوطناً ، فقوله مستوطن : تخرج المسافر فالمستوطن أمره ظاهر تجب عليه الجمعة ، أما المسافر لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون منفصلاً عن أهل الجمعة كما لو كان في الطريق أو خارج البلد سائر لا تجب عليه الجمعة بل يشرع له أن يجمع ولو جمع فتجميعه بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع ومعه الصحابة رضي الله تعالى عنهم يخرج ويمكث في الطريق الأيام ما كان صلى الله عليه وسلم يجمع .
الأمر الثاني : أن يكون مقيماً بين أهل الجمعة فهذا يجب عليه أن يصلي الجمعة مع الناس لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .(2/493)
يجب عليه أن يصلي مع الناس ويدل لذلك حديث الحكم بن حزم رضي الله تعالى عنه أنه قال : وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة وشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً على قوس أو عصا ) قال : وشهدنا ، فهذا يدل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم .
قال المؤلف رحمه الله " بناءً ولو تفرق واسمه واحد " لابد أن يكون مستوطناً بناءً اسمه واحد وهذا البناء لا يشترط أن تكون مادته من نوع معين فلو كان من حجارة ، بلاستيك ، طين ، جريد النخل ، بيوت الشعر ، أو من الاسمنت أو غير ذلك فإنه إذا كان بناءً واحداً وأهله لا يظعنون عنه صيفاً ولا شتاءً فإنهم يقيمون الجمعة ويشرع لهم إذا توفرت لهم شروط إقامة صلاة الجمعة .
لا على مسافر سفر قصر أو عبد أو امرأة ومن حضرها منهم أجزأته..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لا على مسافر سفر قصر " أفاد المؤلف رحمه الله أن المسافر سفر قصر لا تجب عليه جمعة ، وتقدم أن ذكرنا أن المسافر لا يخلو من أمرين .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله سفر قصر : أنه إذا كان سفره لا تقصر فيه الصلاة بأن يكون السفر قصيراً ليس طويلاً فإنه تجب عليه الجمعة .
والصواب في ذلك : أن يقال بأن المنفصل عن البلد لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون بينه وبين الجامع أقل من فرسخ فإنه يجب عليه أن يصلي مع الناس .
الأمر الثاني : أن يكون بينه وبين الجامع فرسخ فأكثر فهذا لا تجب عليه الجمعة وإنما يصلي ظهراً .
وبهذا نعرف أن الذين يخرجون في المعسكرات أو النزهات هل يصلون الجمعة ؟
نقول : أولاً : إن كان بينهم وبين الجامع أقل من فرسخ فهؤلاء يجب عليهم أن يصلوا مع الناس .(2/494)
ثانياً : إن كان بينهم وبين الجامع فرسخ فأكثر لا تجب عليهم الجمعة ولا يشرع لهم أن يصلوا جمعة وإنما يصلون ظهراً .
ذكرنا فيما تقدم إن كان خارج البلد قدر فرسخ فأكثر فهذا لا تجب عليه الجمعة ولا تشرع منه وإنما يصلي ظهراً ، وإن كان دون فرسخ فهذا يجب عليه أن يصلي مع الناس ، نحن قلنا فرسخ فأكثر ، والصواب أن يقال : إن كان أقل من فرسخ تجب عليه الجمعة ، وإن كان أكثر من فرسخ لا تجب عليه ولا يشرع له أن يقيم جمعة ، وإن كان فرسخ يجب عليه أن يصلي مع الناس .
" أو عبد " تقدم أن الصواب بالنسبة للأرقاء أن الجمعة واجبة عليهم وذكرنا القاعدة في ذلك { الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية المحضة إلا بدليل } ويدل لهذه القاعدة عمومات أدلة الشريعة ، فإن عمومات أدلة الشريعة في إيجاب صلاة الجمعة شاملة للحر والرقيق .
" أو امرأة " المرأة لا تجب عليها الجمعة وهذا بالإجماع ولا يشرع للنساء لو اجتمعن أن يقمن صلاة الجمعة بخلاف صلاة الجماعة كما سلف لنا .
" ومن حضرها منهم أجزأته " يقول الرقيق لا تجب عليه صلاة الجمعة لكن لو حضرها فإنها تجزئه عن الظهر ولا يجب عليه أن يصلي ظهراً .
ولا يحسب من العدد ولا يؤم فيها..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثله المرأة لو حضرت وصلت مع الناس الجمعة فإنها تجزئها عن صلاة الظهر .
وكذلك المسافر الذي لا تجب عليه صلاة الجمعة أو من كان بعيداً عن الجمعة أكثر من فرسخ لو حضر وصلى مع الناس تجزئه عن صلاة الظهر .(2/495)
" ولا يحسب من العدد " يعني من حضرها من هؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة يقول : لا يحسب من العدد ، فالمرأة لو حضرت لا تحسب من العدد ، وسيأتي أن من شروط صحة صلاة الجمعة الجماعة وحد الجماعة سيأتي بيانه .
هذا العدد الذي يشترط له صلاة الجمعة هل يحسب منه المرأة ؟
المؤلف رحمه الله : لا يحسب .
فمثلاً على المذهب أن الجمعة لا تصح إلا بأربعين لو كان عندنا 39 رجلاً وامرأة يصلون ظهراً لا يصلون جمعة .
أيضاً الرقيق هل يحسب من العدد ؟
المذهب لا يحسب ، والصواب : أن الرقيق كالحر وأنه يحسب من العدد ، صحيح أن المرأة لا تحسب لأنها ليست من أهل الجمعة ولا الجماعات ، كذلك المسافر الذي لا تجب عليه الجمعة لو حضرها هل يحسب من العدد ؟
الصواب : أنه يحسب من العدد .
فأصبح الذي لا يحسب هو المرأة لأنها ليست من أهل الجمعة والجماعات ، ولهذا قام الإجماع على أنه لا تجب عليها صلاة الجمعة .
" ولا يؤم فيها " يعني هؤلاء كما أنهم لا يحسبون من العدد لا يصح أن يكون إماماً في الجمعة فالمرأة أمرها ظاهر لكن الرقيق هل يصح أن يكون إماماً فيها ؟
المذهب : لا يصح .
والصحيح : يصح لما تقدم من القاعدة .
المسافر هل يصح إمامته للجمعة ؟
ومن بخيام ونحوه تلزمه بغيره إن كان بينه وبين موضعها فرسخ فأقل..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب : لا تصح ولو جاءنا عالم كبير وقدمناه لكي يصلي بنا الجمعة ، المذهب لا يصح .
والصواب : يصح أن يؤم فيها .
" ومن بخيام ونحوه تلزمه بغيره إن كان بينه وبين موضعها فرسخ فأقل " أهل الخيام لا تشرع منهم الجمعة الذين يتنقلون يطلبون مواضع القطر والنبات فهؤلاء لا تشرع لهم الجمعة ، لماذا ؟(2/496)
لأنهم ليسوا مستوطنين ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الأعراب الذين حول المدينة أن يقيموا صلاة الجمعة ، لكن هل تجب عليهم ؟
فيه تفصيل إن كانوا قريبين مقدار فرسخ فأقل فإنه يجب أن يصلوا مع الناس ( تجب عليهم بغيرهم )
وإن كانوا بعيدين أكثر من فرسخ فإنه لا يجب عليهم أن يصلوا مع الناس وإنما يصلوا ظهراً ، لكن لو حضروا وصلوا مع الناس فإنه يجزئهم عن صلاة الظهر ويحسبون من العدد كما سلف .
قول المؤلف فرسخ فأقل : يؤخذ منه أنه إذا كان أكثر من فرسخ لا يجب .
ما هو وجه التحديد بفرسخ ؟
لماذا حدد العلماء رحمهم الله بهذه المسافة من كان فرسخ فأقل تجب عليه الجمعة وفوق الفرسخ لا تجب عليه؟
قالوا دليل ذلك قول الله عز وجل :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
فالله عز وجل أمر بالسعي إلى ذكر الله عز وجل إذا نودي بالصلاة فكل من يسمع النداء فإنه يجب عليه .
وقالوا حد النداء في العادة أنه يسمع إلى فرسخ إذا كانت الرياح ساكنة والأصوات هادئة وخلا من الحواجز والموانع فإن العادة أنه يسمع إلى فرسخ .
وما قدر الفرسخ ؟
ثلاثة أميال بالكيلو 5 كيلو وزيادة فإذا كان خارج البلد بينه وبين الجامع مقدار 5 كيلو وزيادة أو أقل يجب عليه أن يحضر وما كان فوق ذلك لا يجب عليه .
فلو أن جماعة خرجوا خارج البلد وبينهم وبين البلد عشر كيلو لا يجب عليهم أن يصلوا .
ومن صلى الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل فعلها لم تصح والأفضل لمن لا تلزمه تأخيرها حتى تصلى الجمعة.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/497)
" ومن صلى الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل فعلها لم تصح " إذا صلى الإنسان الظهر والجمعة واجبة عليه تلزمه قبل أن يجمع الإمام فنقول لا تصح ظهره لأنه ترك ما خوطب به وفعل مالم يخاطب عليه ، ويظهر هذا مالم ظن أن الإمام قد جمع ، ولنفرض أن إنساناً كان نائماً وظن أن الجمعة قد فاتته ثم صلى ثم تبين أن الإمام لم يجمع لم يصل الجمعة هل تصح ظهره ؟
نقول ظهره لا تصح ويجب عليه أن يعيد .
" والأفضل لمن لا تلزمه تأخيرها حتى تصلى الجمعة " الذي لا تلزمه الجمعة : المرأة والمسافر والرقيق على المذهب ومن معذور بمرض هؤلاء لا تلزمهم الجمعة فما الحكم بالنسبة لهم ؟
المؤلف رحمه الله بالنسبة لهؤلاء الأفضل لهم أن يؤخروا حتى يصلي الإمام الجمعة .
وعلى هذا نقول للمرأة لا تصلي حتى يصلي الإمام ، فلو فرضنا أن الأذان أو الزوال يكون في الثانية عشر والإمام ينتهي من الصلاة الساعة الثانية عشر والنصف متى تصلي المرأة ؟
تصلي بعد تجميع الإمام بعد الساعة الثانية عشرة والنصف ولا تصح في أول الوقت الساعة الثانية عشر ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وفي سؤال خارجي يقول الشيخ ويظهر والله أعلم أن العلة أن وقت الصلاة صلاة الجمعة يكون بعد الخطبتين ولا يجوز الصلاة قبل الخطبتين فلا يدخل وقت صلاة الجمعة حتى يخطب الإمام خروجاً من الخلاف لأن هناك من يقول بعدم صحة صلاتها .
والرأي الثاني : أنه يستحب لمن تلزمه الجمعة أن يصلي ظهراً في أول وقتها لعموم أدلة فضيلة أول الوقت وهذا التأخير لا دليل عليه .
فالصواب : أن يوم الجمعة كغيره من الأيام بالنسبة لمن لا تلزمه الجمعة كالمرأة والمريض والمسافر ، السنة أن يصلوا الظهر في أول وقتها .
ويحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال وقبله يكره مالم يأت بها في طريقه(2/498)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم في باب شروط الصلاة شرط الوقت أن الصلوات كلها يستحب أن تصلى في أول الوقت إلا صلاتين : صلاة الظهر في شدة الحر ، وصلاة العشاء ، فالسنة أن تؤخر إلا إذا كان الإنسان يصلي مع الجماعة فإنه يراعي أحوال الجماعة ، والأدلة على هذا كثيرة .
" ويحرم سفر من تلزمه في يومها بعد الزوال وقبله يكره مالم يأت بها في طريقه " السفر يوم الجمعة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون بعد الزوال فهذا كما قال المؤلف رحمه الله محرم ولا يجوز ولو قال المؤلف بعد النداء الثاني كان أحسن ، لأن الإنسان إذا نودي للجمعة يجب عليه أن يجيب لقوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
فإذا كان بعد النداء الثاني يحرم عليه أن يسافر لأنه يجب عليه أن يجيب ، وإذا سافر ترك الإجابة .
واستثنى المؤلف رحمه الله ما إذا كان سيأتي بها في الطريق ، يعلم أن هناك جمعة في طريقه وسيحضر الخطبة والصلاة ، لأن حضور الخطبة حكمه واجب .
الأمر الثاني : أن يكون السفر قبل الزوال ، المؤلف رحمه الله يرى أنه مكروه إلا إذا كان سيأتي بها في طريقه فستزول الكراهة .
والرأي الثاني : أنه لا يجوز .
والرأي الثالث : يجوز .
والصواب : السفر قبل الزوال الجواز مطلقاً ، وكما قال عمر رضي الله تعالى عنه ( الجمعة لا تمنع من سفر) .
شروط صحتها الوقت وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى العصر...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في شروط صحة الجمعة
قال المؤلف رحمه الله :(2/499)
" شروط صحتها الوقت " الجمعة يشترط لها شروط وهذه الشروط زائدة على الشروط العامة للصلوات فهذه شروط خاصة بها :
الشرط الأول : الوقت ، أن تفعل في وقتها وقال المؤلف رحمه الله الوقت : لأن لها وقتاً خاصاً كما سيبينه .
" وهو من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى العصر " الجمعة لها ثلاثة أوقات :
الوقت الأول : وقت الأداء .
الوقت الثاني : وقت الاستحباب .
الوقت الثالث : وقت القضاء .
وقت الأداء : ما أوله وما آخره ؟
آخره باتفاق الأئمة هو آخر وقت صلاة الظهر وهو : إذا صار ظل كل شيء مثله إلا فيء الزوال .
لكن ما هو أول وقت الأداء ؟
موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله .
الرأي الأول : أن أول وقت الأداء من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح كصلاة العيد وهذا هو المشهور من المذهب وهو من مفردات مذهب الحنابلة وخالفوا الأئمة والجمهور في هذه المسألة .
الرأي الثاني : أن أول وقت الجمعة يبدأ بزوال الشمس كصلاة الظهر وهذا ما عليه الجمهور .
الرأي الثالث : أنه يبدأ في الساعة السادسة من أول الساعة السادسة ، وهذا ذهب إليه الخرقي ، يعني قبل الزوال بمقدار ساعة .
دليل الحنابلة الذين يقولون أن أول وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح ضحى استدلوا بأثر عبد الله بن سيدان أنه قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره ، الدار قطني ضعيف .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/500)
وهناك أدلة يستدل بها الحنابلة لكنها لا تنتهض إلى ما ذهبوا إليه ، ومن ذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين الزوال ، قال : كنا نجمع ثم نذهب نريحها متى ؟ حين الزوال .
فدل أن التجميع قبل الزوال ، وهذا في مسلم .
وكذلك استدلوا بحديث سهل ( ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا يدل على أنهم قدموا الجمعة .
حديث سلمة ( كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع نتتبع الفيء وليس للحيطان ظل يستظل به ) .
وقالوا وارد عن جمع من الصحابة كابن مسعود ومعاوية وجابر وسعيد رضي الله تعالى عنهم .
وآثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم أما ضعيفة وأما غير صحيحة .
حديث جابر رضي الله تعالى عنه ( نذهب إلى جمالنا نريحها قبل الزوال ) هذا لا يدل أنها تفعل كصلاة العيد ، هذا يدل على أنها تقدم شيئاً يسيراً قبل الزوال .
ومثله حديث سلمه ( وليس للحيطان ظل يستظل به ) يدل على أنه بودر بها .
وحديث سهل ( ما كنا نقيل ولا نتغدى ...) ليس صريحاً يحتمل أنهم في يوم الجمعة يؤخرون القيلولة والغداء إلى ما بعد الجمعة ، فهذه ليست صريحة .
الجمهور بعد الزوال واستدلوا بحديث أنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع حين تميل الشمس ) البخاري .
حديث سلمه ( كانوا يجمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ) صريحة .
القول الثالث الخرقي في الساعة السادسة استدل : بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه .... ومن راح في الساعة السادسة فكأنما قرب بيضة فإذا دخل الإمام ... ) هنا قال قرب بيضة ، فقال فإذا دخل الإمام فدخوله في أول السادسة(3/1)
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والزوال نصف النهار فيكون قبله 6 ساعات لأن النهار 12 ساعة فهذا يدل على أن دخول الإمام في أول السادسة .
ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر ( أنهم يجمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهبون إلى جمالهم يريحونها حين الزوال ) فهذا مما يؤيد ما ذهب إليه الخرقي .
والأحوط : أن يسلك الإنسان مسلك الجمهور ، لكنه لو تقدم شيئاً يسيراً ( 5 _ 10 ) دقائق نقول هذا جائز .
ويدل لذلك حديث جابر وحديث أبي هريرة وحديث سلمة هذه تدل إلى ما ذهب إليه الخرقي رحمه الله وبهذا تجتمع الأدلة .
وقت الاستحباب لصلاة الجمعة هو أول الوقت حتى في شدة الحر لا يشرع الإبراد والدليل على ذلك ما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع حين تميل الشمس ).
ويدل له حديث سلمه ، ويدل لهذا أن الناس مأمورين بالتقدم لصلاة الجمعة وسيأتي متى يأتي التقدم لصلاة الجمعة .
ولو قلنا يشرع الابراد بها سيؤدي إلى مشقة عظيمة فالناس قدموا من طلوع الشمس ويبرد بها إلى قرب العصر يلحقهم مشقة وحرج .
وذهب بعض العلماء بعض الشافعية يستحب أن يبرد لصلاة الجمعة في شدة الحر واستدلوا بحديث أبي هريرة ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ) لكن هذا فيه نظر فهذا في صلاة الظهر أما الجمعة يلحق ذلك مشقة ، فإن الإبراد يكون إلى قبيل العصر هذا الإبراد المشروع .
فالصواب : أنها تفعل في أول وقتها حتى في شدة الحر .
وقت القضاء : إذا خرج وقت صلاة الظهر ولم يصلوا جمعة فإنهم يصلونها ظهراً ، وكذلك سيأتي من فاتته صلاة الجمعة ولم يدرك مع الإمام ركعة يصلي ظهراً .(3/2)
وحضور أربعين.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وحضور أربعين " الشرط الثاني : حضور أربعين من أهل وجوبها .
ومن هم أهل وجوبها ؟
تقدم أن يكون ذكراً حراً مكلفاً .
وقوله أربعين : أنه لابد من هذا العدد هذا هو المشهور من المذهب ومذهب الشافعي .
ومذهب أبي حنيفة يكفي أربعة .
وبعض السلف كالزهري وغيره يكفي اثنا عشرة .
والظاهرية يكفي اثنان .
وشيخ الإسلام يكفي ثلاثة .
أدلة المذهب والشافعية اشترط أربعين دليلهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصعب بن عمير فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين .
ووارد عن سعد بن زراره .
والجواب عن هذا : أن هذه وقعت اتفاقاً وما وقع اتفاقاً لا يكون شرعاً .
واستدلوا بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( مضت السنة في كل أربعين فما فوق جمعة واضحى ) ضعيف .
وأدلة أبي حنيفة استدلوا بحديث أم عبد الله الروسية وهو ضعيف .
والظاهرية قالوا بأن أقل الجماعة اثنان فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى وابن عباس وابن مسعود اثنان .
وبعض السلف الزهري وغيره قالوا أن الصحابة رضي الله عنهم لما قدمت العير من الشام انفضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً .
وشيخ الإسلام أن أقل الجمع ثلاثة والله عز وجل يقول :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .
اسعوا جمع وأقل الجمع ثلاثة .
مستوطنين بقرية وتصح فيما قارب البنيان فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً.......................................................................................................................(3/3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قلنا برأي الظاهرية فالخطبة يكون فيها واحد يسمع ، وعلى رأي شيخ الإسلام واحد يخطب واثنان يسمعون .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه شيخ الإسلام وأن أقل العدد الذي تنعقد به الجمعة ثلاثة ، فإذا كانوا ثلاثة يجمعون .
" مستوطنين بقرية " الشرط الثالث : أن يكونوا مستوطنين بقرية فلابد من الاستيطان وعلى هذا الذين ليسوا مستوطنين يخرج من ذلك أهل البوادي الذين يبحثون عن مواضع القطر والنبات لا يشرع لهم جمعة .
ومثلهم الذين يخرجون في النزهة وأهل المعسكرات ليسوا مستوطنين .
وقوله مستوطنين بقرية : لا يشترط في مادة البناء أن يكون بنوع معين المهم الذي يشترط أن يكونوا مستوطنين لا يظعنون لا صيفاً ولا شتاءً حتى ولو كان من الحديد أو بيوت الشعر .
" وتصح فيما قارب البنيان " يقول المؤلف رحمه الله تصح الجمعة فيما قارب البنيان ، الأصل أن تكون الجمعة داخل البلد لكن لو أن الناس خرجوا وصلوا الجمعة خارج البلد فما الحكم هنا ؟
الحكم في ذلك إن كان ذلك قريباً فإن ذلك صحيح ، وإن كان ذلك بعيداً فإن الجمعة لا تصح لأنه يشترط أن الجمعة أن يكونوا مستوطنين فإذا خرجوا عن البلد خرجوا عن حد الاستيطان .
" فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً " تقدم أنه يشترط العدد وذكرنا الخلاف في العدد فلو نقص واحد قبل إتمام صلاة الجمعة ، المؤلف رحمه الله استأنفوا ظهراً يعيدونها من جديد ظهراً .
مثاله : ولنفرض أن عددهم أربعين رجلاً وقبل أن يسلم الإمام أحدث شخصاً وحدث ثم سلم ، نقول اعيدوها ظهراً .
الرأي الثاني : إن كانوا صلوا ركعة فإنهم يتمونها جمعة وإن صلوا أقل من ركعة فإنه كما تقدم المؤلف يرى أنهم يستأنفوا ظهراً .
وهذا القول هو الصواب .(3/4)
ويدركها مسبوق بركعة مع إمامه وإن أدرك دونها أتمها ظهراً إن دخل وقته ونواه.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وقول المؤلف استأنفوا ظهراً : يؤخذ من كلامه أنهم لا يبنون على صلاتهم لا ينتقلون إلى الظهر ، لماذا ؟
لأنهم لم ينووا الظهر إنما نووا صلاة الجمعة ويكون هذا انتقال من معين إلى معين ، والانتقال من معين إلى معين لا يصح .
كما تقدم إذا انتقل من معين إلى معين بطل الذي هو فيه ولم ينعقد الثاني ، لكن الصحيح يستثنى الجمعة فلا حاجة أن يستأنفوا وإنما يبنون ويتمون ظهراً ، ولو سلموا وتمكنوا من إعادتها جمعة فإنهم يعيدونها جمعة مع اكتمال العدد ، فلو أن الذي خرج رجع مرة أخرى فهنا يتمكنون من إعادة الجمعة .
" ويدركها مسبوق بركعة مع إمامه " المسبوق يدرك صلاة الجمعة بإدراك ركعة .
القاعدة في المذهب { أن الإدراكات تتعلق بتكبيرة الإحرام }
إلا في هذا الموضع استثنوا هذه المسألة فقالوا : أن جماعة الجمعة تدرك بإدراك ركعة ، وهذا يدل لما تقدم تقريره أن الصواب : أن الإدراكات تتعلق بإدراك ركعة .
وعلى هذا إن جاء مسبوق فإن أدرك ركعة مع الإمام فإنه يضيف إليها ركعة أخرى لقوله صلى الله عليه وسلم :( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
وورد في النسائي ( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة ) وفيه ضعف .
وإن لم يدرك ركعة فما الحكم ؟
" وإن أدرك دونها أتمها ظهراً إن دخل وقته ونواه " إن أدرك أقل من ركعة يتمها ظهراً بشرطين :(3/5)
الشرط الأول : أن يكون وقت الظهر قد دخل لأنه على المذهب متى تشرع صلاة الجمعة ؟
من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح فقد يكونوا صلوا في الضحى قد يكونوا صلوا قبل الزوال .
الشرط الثاني : أن يكون نوى عند إحرامه أنها صلاة الظهر .
وإلا فنفلا وتقدم خطبتين من شرطهما حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله عليه السلام وقراءة آية والوصية بتقوى الله وحضور العدد المعتبر والجهر بحيث يسمعهم................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب في هذه المسألة : إذا أدرك أقل من ركعة فإنه ينوي ظهراً وينتقل إلى صلاة الظهر وهذه المسألة مستثناه كما سبق .
" وإلا فنفلا " يعني إذا لم تدخل صلاة الظهر فتكون نافلة .
" وتقدم خطبتين " الشرط الرابع من شروط صحة الجمعة : أن يتقدمها خطبتان ، ودليل ذلك قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) .فإذا كان حضور الخطبة واجب وهو فرع فأصل الخطبة يكون واجباً من باب أولى .
ويدل لهذا أيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والخلفاء من بعده وإجماع المسلمين على ذلك.
وقول المؤلف رحمه الله تقدم خطبتين : دليل ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
" من شرطهما حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله عليه السلام وقراءة آية والوصية بتقوى الله وحضور العدد المعتبر والجهر بحيث يسمعهم " المؤلف رحمه الله خلط بين أركان الخطبة وشروط الخطبة .
الخطبتان لهما أركان :
الركن الأول : أن يبدأهن بحمد الله عز وجل .(3/6)
الركن الثاني : أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيهما .
الركن الثالث : أن يقرأ آية في كل منهما .
الركن الرابع : أن يجهر بحيث يسمع العدد المعتبر .
الركن الخامس : الوصية بتقوى الله عز وجل .
الركن السادس : الموالاة بين الصلاة والخطبتين ، فالخطبتان لهما ستة أركان .
فيقولون لابد من هذه الأركان في الخطبتين وإلا لم تصح خطبتاه .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأدلة هذه الأركان : دليل البداءة بالحمد هذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابتدأ خطبه العارضة أو الراتبة إلا بحمد الله عز وجل.
ودليل ركن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم استدلوا قالوا بأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كالأذان .
دليل الركن الثالث قراءة آية في الخطبتين يقرأ في الخطبة الأولى ويقرأ في الخطبة الثانية استدلوا بما في مسلم من حديث جابر بن سمره ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات ويذكر الناس ).
دليل ركن الوصية بتقوى الله فلأن المقصود من الخطبة دفع الناس إلى تقوى الله عز وجل وتقدم حديث جابر بن سمره (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات ويذكر الناس ).
دليل ركن الجهر فلأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فلا يتم تبليغ الناس ودفعهم إلى تقوى الله عز وجل إلا بالجهر وإسماعهم .(3/7)
وأما دليل ركن الموالاة بين الخطبتين والصلاة فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما سبق أن ذكرنا قاعدة وهي : { أن كل عبادة مركبة من أجزاء فإنه لابد فيها من أمرين : الترتيب ، والموالاة } وإلا لم تكن كما جاء النبي صلى الله عليه وسلم .
والرأي الثاني : أن هذه الأركان بعضها سنن وليست أركان ، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يرون أنها سنة .
البدء بالحمد يرون أنها سنة .
وهذا اختيار الشيخ السعدي وأن المقتضى من الخطبة أن تشتمل على الموعظة التي تقرب الناس من الله عز وجل وترشد جاهلهم وتعلمهم أمور دينهم ولترقيق القلوب وحثها على فعل الأوامر وترك النواهي وتعليم الجاهل فإذا اشتملت الخطبة على هذا فإن هذا هو ركن الخطبة المطلوب .
وهذا القول هو الصواب .
وكذلك الموالاة لابد من الموالاة بين الخطبتين وبين الصلاة كما اشرنا من القاعدة .
لا الطهارتان وستر العورة....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثالثاً : لابد من الجهر بحيث يسمع العدد المعتبر فإنه مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
أما البدء بالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة الآيات فهذه من سنن خطبة الجمعة ، هذه أركان الخطبتين .
أما شروط الخطبتين :
الشرط الأول : الوقت ، دخول وقت صلاة الجمعة ، وتقدم أن بينا ما هو وقت صلاة الجمعة .
الشرط الثاني : النية ، لحديث عمر رضي الله تعالى عنه ( إنما العمال بالنيات ).
ولأن الخطيب قد يقوم ويتكلم ويقصد بذلك خطبة الجمعة وقد يقصد أمراً آخر .(3/8)
الشرط الثالث : حضور العدد المعتبر وسبق أن أشرنا أن المشهور من المذهب والشافعي أن العدد المعتبر في صلاة الجمعة أربعين وذكرنا اختيار شيخ الإسلام ثلاثة وعند أبي حنيفة أربعة والظاهرية اثنان .
والصواب : ما ذهب إليه شيخ الإسلام وأنه يكفي ثلاثة .
الشرط الرابع : أن تقع الخطبتان حضراً .
الشرط الخامس : أن تكون الخطبتان ممن تصح إمامته .
" لا الطهارتان " ليس من شروط صحة الخطبتين أن يكون الخطيب طاهراً فلو كان الخطيب محدثاً وخطب بالناس فإن خطبته مجزئة .
كذلك لو كان الخطيب عليه خبث في بدنه أو ثيابه نجسة وخطب الناس فإن خطبته مجزئة .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
الخطبة من ذكر الله وقالت على كل أحيانه وهذا يشمل ما إذا كان متلبساً بحدث أو كان متلبساً بخبث ، ويدل لذلك قول الله عز وجل :( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم )
وهذا يشمل جميع أحوال الإنسان .
" وستر العورة " لا يشترط أن يكون الخطيب ساتراً لعورته بخلاف الصلاة ، فلو خطب وعليه ثوب خفيف يظهر شيء من عورته من السرة إلى الركبة .
ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة وسن أن يخطب قائماً على منبر ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو هناك شق وظهر شيء من فخذه فنقول أن الخطبة صحيحة فلا يشترط ستر العورة لكن إذا سترها أكمل.
" ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة " لا يشترط أن يكون الخطيب والمصلي واحداً فلو خطب رجل وصلى آخر صحت الصلاة لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فلا يشترط أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبتين .(3/9)
" وسن أن يخطب قائماً على منبر " لما ذكر المؤلف شروط من تجب عليه صلاة الجمعة وذكر حكم صلاة الجمعة وذكر شروط صحة خطبة الجمعة شرع الآن في بيان سنن الجمعة ، وللجمعة مستحبات ويشرع الآداب وسبق أن ذكرنا أن ابن القيم ذكر أن للجمعة خصائص وأوصلها إلى ( 33 ) خصيصة ، والسيوطي أوصلها إلى ( 100 ) خصيصة فيستحب للجمعة مستحبات منها :
قال المؤلف رحمه الله : أن يخطب قائماً ، الأدب الأول : أن يخطب قائماً ولو خطب وهو جالس صحت خطبته لكن السنة أن يخطب وهو قائم لحديث ابن عمر في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
الأدب الثاني : قال : على منبر ، يستحب أن تكون خطبته على منبر فإن لم يكن فعلى شيء مرتفع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يخطب على جذع نخلة ثم بعد ذلك اتخذ المنبر من طرفاء الغابة كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه فترك الخطبة على جذع النخلة وخطب على منبر .
" ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم " الأدب الثالث : يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم ورد فيه حديث جابر ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم ).
وهذا ضعيف لا يثبت بل عده أبو حاتم موضوع ويغني عن هذا ما في مسلم قوله صلى الله عليه وسلم :( حق المسلم على المسلم خمس ـ وفي رواية ست ـ وذكر منها وإذا لقيته فسلم عليه ).
وهنا الإمام لقي المأمومين فيشرع أن يسلم عليهم .
وكذلك وارد عن الصحابة أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن الزبير وعثمان رضي الله تعالى عنهم .
ويجلس إلى فراغ الأذان وبين الخطبتين قليلاً ويعتمد على نحو سيف.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/10)
" ويجلس إلى فراغ الأذان " هذا الأدب الرابع : إذا سلم يجلس إلى فراغ الأذان ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ) صحيح .
" وبين الخطبتين قليلاً " هذا الأدب الخامس : الجلوس بين الخطبتين قليلاً ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ( كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس ).
وما هو حد الجلوس ؟
لم يرد له حداً إنما جلسة خفيفة ، وبعض العلماء اجتهد في أن يجعل له حداً لكن العبادات توقيفية ، فنقول : يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم ويخطب الخطبة الثانية .
" ويعتمد على نحو سيف " هذا الأدب السادس : أن يعتمد على نحو سيف ، والاعتماد ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول : أن يكون على سيف ، وهذا رده ابن القيم بأن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتمد على سيف ، وعلل بعض العلماء الاعتماد على سيف قالوا : أن هذا إشارة إلى أن الدين فتح به ، ورده ابن القيم بأن الدين فتح الأذان والقلوب بالسنة والقرآن .
القسم الثاني : أن يعتمد على عصا أو قوس ، وهذا هل هو سنة أو مشروع أو ليس كذلك ؟
المشهور من المذهب أن هذا مشروع وقال به كثير من أهل العلم واستدلوا بحديث الحكم قال : وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة قال ( فقام متوكئاً على قوس أو عصا )د . وغيره .
وجمع من أهل العلم يحسنون الحديث .
الرأي الثاني : أن الاعتماد على قوس أو عصا كان في أول الأمر قبل اتخاذ المنبر ، وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله فلما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر لم يحفظ عنه أنه اعتمد على قوس أو عصا .
وعلى كل حال الأمر في هذا واسع .
ويقصد تلقاء وجهه ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين...........................................(3/11)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقصد تلقاء وجهه " هذا الأدب السابع : أن يخطب يقصد تلقاء وجهه يعني لا يلتفت يمنة ولا يلتفت يسره ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولأنه إذا التفت على اليمين اعرض عن اليسار وإذا التفت إلى اليسار اعرض عن اليمين .
" ويقصر الخطبة " هذا الأدب الثامن : أن الخطيب يقصر الخطبة لحديث عمار رضي الله عنه فإنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه ـ يعني علامة على فقهه ـ فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ).
فالسنة أن يقصر الخطيب الخطبة ولا بأس أن يطيل في بعض الأحيان لمصلحة وعارض ، ويدل لهذا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة " ق " في خطبة الجمعة وإذا كان سيقرأ هذه السورة في خطبة الجمعة فلا شك أنه سيطيل لأنه سيقرؤها ويبين شيئاً من معانيها وفوائدها وأحكامها ، فيتلخص أنه لا بأس أن يطيل أحياناً لمصلحة وعارض كما لو كان الموضوع يحتاج إلى شيء من ذلك .
" ويدعو للمسلمين " هذا الأدب التاسع : أن يدعو للمسلمين ، ورد فيه حديث وهو ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة لكنه ضعيف لا يثبت ، والدليل على هذا غير هذا الحديث أن وقت الخطبة من ساعة الإجابة وإذا كان كذلك فإنه يستحب أن يدعو للمسلمين .
ودليل ثالث : أن الدعاء للمسلمين مشروع في كل وقت وإذا كان في وقت الخطبة من باب أولى لقوله تعالى :( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ).
الأدب العاشر : أن يرفع صوته بقدر الإمكان وهذا إذا لم تكن هناك مكبرات أما إن كان هناك مكبرات فإن هذه تغني فترفع بقدر ما يسمع الحاضرين .(3/12)
وهناك سنن ستأتي .
والجمعة ركعتان يقرأ جهراً ندباً في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين وفي فجرها في الأولى الم السجدة وفي الثانية هل أتى وتحرم إقامتها كعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة كضيق وفتنة...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" والجمعة ركعتان " وهذا اجماعاً على أن صلاة الجمعة ركعتان ويدل لهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم .
" يقرأ جهراً ندباً في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين " صلاة الجمعة بالنسبة للقراءة ورد فيها سنتان :
السنة الأولى : أن يقرأ في الركعة الأولى بالجمعة ، وفي الثانية بسورة المنافقين .
وهذا ثابت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسلم .
السنة الثانية : أن يقرأ بسبح والغاشية .
" وفي فجرها في الأولى الم السجدة وفي الثانية هل أتى " هذه السنة الثانية عشرة : أن يقرأ في فجر يوم الجمعة في الركعة الأولى السجدة ، وفي الثانية ( هل أتى على الإنسان )
ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ) كما في الصحيحين .
لكن هل يداوم على ذلك أو لا يداوم ؟
نقول الغالب يفعل وأحياناً يترك ، ولا تحصل السنة إلا إذا قرأ السورتين كاملتين فإن قرأ بعضاً من السورة الأولى وبعضاًَ من السورة الثانية في الركعة الثانية لم تحصل السنة ، كذلك لو اقتصر على قراءة أحدى السورتين نقول بأن السنة لم تحصل .
" وتحرم إقامتها كعيد في أكثر من موضع من البلد إلا لحاجة كضيق وفتنة " هذه المسألة تتعلق بتعدد الجمعة ، فهل الجمعة كالجماعة أو أنها أضيق من الجماعة ؟(3/13)
المؤلف رحمه الله يذهب أن الجمعة لا تعدد إلا للحاجة ، فلا يصلي في البلد الواحد أكثر من جمعة إلا عند الحاجة كما لو كان المسجد ضيقاً والناس كثيرون أو كان هناك فتنة ، أو بعد للجامع , المهم أن يكون
فإن فعلوا فالمسبوقة باطلة وإن جهل الحال صلوا ظهراً وجوباً............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هناك حاجة تقتضي تعدد الجمعة لأن الأصل أن يقام في البلد الواحد جمعة واحدة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصل إلا جمعة واحدة بالمدينة .
كذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم .
ففي عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين لم يكن هناك إلا جمعة واحدة ولم تحصل تعدد الجمعة إلا في القرن الثالث لما كبرت بغداد وتوسعت فاحتيج أن يقام جمعة شرق النهر وجمعة أخرى غرب النهر وإلا فالمسلمين كانوا يصلون في البلد الواحد جمعة واحدة .
والرأي الثاني : وقال به الشافعي يمنع من تعدد الجمعة مطلقاً لما تقدم من الدليل .
والرأي الثالث : لا بأس أن تعدد الجمعة كالجماعة قال به عطاء .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وأن الجمعة تعدد عند الحاجة .
" فإن فعلوا فالمسبوقة باطلة " إن فعلوا صلوا في البلد الواحد في موضعين أو أكثر بلا حاجة فما الحكم ؟
يقول المؤلف رحمه الله : فالمسبوقة باطلة .
المذهب يقولون : الصحيحة هي التي باشرها الإمام أو أذن فيها ، فعلى المذهب يقسمون إذا حصل تعدد الجمعة لا يخلو ذلك من أقسام :
القسم الأول : أن يكون هناك أذن في إحدى الجمعتين فالتي أذن فيها هي الصحيحة .
القسم الثاني : أن لا يكون هناك أذن في إحداهما لكن الإمام يباشر إحدى الجمعتين ، فنقول التي باشرها الإمام هي الصحيحة .(3/14)
القسم الثالث : أن لا يكون هناك أذن لم يأذن الإمام في إحدى الجمعتين أو أذن في كل منهما أوأذن في إحداهما وباشر بالأخرى تساوتا الجمعتان في الأذن ، في عدم الإذن ، أذن في إحداهما وباشر الأخرى أذن في هذه الجمعة وصلي في الجمعة الأخرى التي لم يأذن فيها ، يقول المؤلف رحمه الله : المسبوقة باطلة ، التي سبقت بتكبيرة الإحرام هي الصحيحة والثانية باطلة .
" وإن جهل الحال صلوا ظهراً وجوباً " إذا لم ندر أيها سبقت ـ جهلنا الحال ـ صلوا ظهراً وجوباً ، كذلك لو أنهما أحرما جميعاً كبرا تكبيرة الإحرام جميعاً فإنهما تبطلان .
وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأصبح تبطلان إذا جهل الحال ، وإذا علمنا أنهما كبرا للإحرام جميعاً في وقت واحد .
وتصح إحداهما التي سبقت ، هذا المذهب .
والرأي الثاني : أن الصحيحة التي في الجامع الكبير .
والرأي الثالث : اختيار السعدي رحمه الله أن كلا الجمعتين صحيحة والمأموم صلاته صحيحة لأنه فعل ما أذن له فيه وهو الصلاة والإثم على من أذن بالتعدد .
أما بالنسبة لصلاة الناس فهي صحيحة لأنهم أذن لهم { وما يترتب على المأذون غير مضمون }
ففرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي .
الحكم الوضعي : صحيح .
والحكم التكليفي : يأثم من أذن .
" وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست " وهذا من آداب وسنن الجمعة ،
الأدب الثاني عشر : أقل السنة وأكثرها .
المؤلف رحمه الله : أقلها ركعتان وأكثرها ست .
فالمذهب : الإنسان مخير إن شاء أن يصلي بعدها ركعتان أو أربعاً أو ستاً فله ذلك لأن السنة وردت في الكل .
ركعتان كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين .(3/15)
وأربع ركعات كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في مسلم .
وست ركعات في أبي داود .
الرأي الثاني : إن صلى في المسجد صلى أربعاً ، وفي البيت ركعتين ، اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
الرأي الثالث : أن هذا من باب تنوع السنن تارة يصلي ركعتين وتارة أربعاً وتارة يصلي ست فيعمل بكل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قول المؤلف أقل السنة بعدها : يؤخذ منه أنه لا سنة قبلية للجمعة وهو المشهور من المذهب وعليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
ويتنظف.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيده ابن القيم كثيراً في زاد المعاد لأنه لم يرد سنة قبلية لصلاة الجمعة الذي ورد في صلاة الظهر ولم يثبت والعبادات توقيفية .
وذهب بعض العلماء أنه لا سنة قبلية واستدلوا بقصة سليك القطفاني ( أصليت قبل أن تجيء ركعتين ) لكن هذا اللفظ غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب في ذلك : لا يشرع للجمعة سنة قبلية لكن الإنسان إذا جاء يصلي ما كتب له كما ورد ذلك في حديث سلمان ركعتان أو أربع أو ست .
" ويتنظف " ومن آداب وسنن الجمعة الأدب الثالث عشر : الإغتسال وتقدم وأن العلماء اختلفوا في غسل الجمعة إلى ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أنه سنة .
والرأي الثاني : أنه واجب .
والرأي الثالث : واجب لمن يلحقه رائحة من عرق ونحوه .
وأقربها ما ظهر إليه الظاهرية أنه واجب لحديث أبي سعيد وحديث ابن عمر وأبي هريرة ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم ).
( من جاء منكم الجمعة فليغتسل ).
( حق على كل مسلم في كل سبعة أيام أن يغسل رأسه وجسده ).
فهذه صريحة في الوجوب .(3/16)
فيظهر والله أعلم أن الأقرب أن الغسل واجب ، لكن لو لم يغتسل وصلى واقتصر على الوضوء فما الحكم؟
صلاته صحيحة لكن يأثم لأن هذا واجب للعبادة وليس واجب في العبادة .
وتقدم أن الغسل يبدأ وقته من طلوع الفجر الثاني من يوم الجمعة إلى الصلاة ، والأفضل أن يكون عند المضي إلى الصلاة لأنه أبلغ في التنظف .
قال المؤلف رحمه الله " ويتنظف " يعمل سنن الفطرة من قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الأظافر وقطع الروائح الكريهة .
ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إليها........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب والسنة الرابع عشر : التنظف ومثل هذه الأشياء فعلها يوم الجمعة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يتحرى ذلك يوم الجمعة .
وورد عن بعض السلف أن يتفقد هذه الأشياء ومن الجمعة إلى الجمعة .
لكن وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد ، وهذه الأشياء السنة أنها تفعل كلما طلب .
" ويتطيب " هذا الأدب والسنة الخامس عشر : يتطيب ، يستحب أن يتطيب يدل لهذا حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يغتر رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويمس من طيب امرأته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى ) رواه البخاري .
" ويلبس أحسن ثيابه " هذا الأدب والسنة السادس عشر : أن يلبس أحسن الثياب ويدل لهذا حديث ابن عمر أن عمر رضي الله عنه لقي حبة من استبرق تباع عند المسجد فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله لو ابتعت هذه تتجمل بها للعيد والوفد ، فقال صلى الله عليه وسلم :( هذه لباس من لا خلاق له ).(3/17)
الشاهد : ( تتجمل بها للعيد والوفد ) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على قوله (لو ابتعت هذه تتجمل بها ) لكن الذي منع من شرائها أنها من حرير والحرير لباس من لا خلاق له لباس الكفار .
الكفار يلبسون في الدنيا ويحرمونه في الآخرة .
" ويبكر إليها " هذا الأدب والسنة السابع عشر : والتبكير لصلاة الجمعة اختلف فيه أهل العلم متى ؟
قال به بعض الحنابلة أنه من بعد صلاة الفجر .
والرأي الثاني : المذهب من بعد طلوع الفجر .
والرأي الثالث : أبو حنيفة من بعد طلوع الشمس وهو الأقرب ، لأنه قبل طلوع الشمس هو مشغول بصلاة الفجر والجلوس في المصلى كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل إلى طلوع الشمس ، وعلى هذا الساعات ( من راح في الساعة الأولى ... ) تبدأ من طلوع الشمس ، فتقسم هذه الساعات من طلوع الشمس إلى الزوال حضور الإمام ويعرف الإنسان متى قدم أي الساعات قدم .
ماشياً ويدنو من الإمام وأن يقرأ سورة الكهف في يومها ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ماشياً " هذا الأدب والسنة الثامن عشر : أن يمشي ويد لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :( ومشى ولم يركب ).د.ت.ق.ج.جه.
" ويدنو من الإمام " هذا الأدب والسنة التاسع عشر : أن يدنو من الإمام لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أتى الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة من الله ببعيد .
وأيضاً وما تقدم في السنن ( وبكر وابتكر ) .
بكر : خرج مبكراً .
وابتكر : بالغ في التبكير .(3/18)
" وأن يقرأ سورة الكهف في يومها " هذا الأدب والسنة العشرون : : يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة لحديث أبي سعيد مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ). وهذا الحديث أخرجه البيهقي وغيره .
وبعض أهل العلم يصححه مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
والنسائي يرى أنه موقوف على أبي سعيد ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا إذا صح موقوفاً على أبي سعيد رضي الله عنه مثل هذا لا يقال بمقتضى الرأي ، لكن يقال الأحسن أن الإنسان لا يداوم على ذلك يترك أحياناً .
" ويكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " هذا الأدب والسنة الحادي والعشرون : الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، ويدل لهذا ما ورد في سنن أبي داود وغيره وأحمد وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أكثر علي من الصلاة يوم الجمعة ) وصححه جمع من أهل العلم كابن حبان وابن خزيمة والحاكم والذهبي وحسنه النووي لكن البخاري أشار إلى أن له علة معلول وقول الأئمة في هذا الشأن مقدم على غيرهم ، وعلى هذا يظهر أن يقال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ، نقول الإنسان يكثر من الذكر في ذلك اليوم ومن ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا على أن الصلاة وردت بخصوصها ما دام أنه لم يثبت في ذلك شيء .
ولا يتخطى الرقاب إلا الإمام أو لفرجة وحرم إقامة غيره ليجلس مكانه ورفع مصلى مفروش إلا إذا حضرت الصلاة....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/19)
" ولا يتخطى الرقاب " هذا الأدب والسنة الثاني والعشرون : لا يتخطى الرقاب لما في ذلك من الإيذاء والله عز وجل يقول :( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا مبينا ).
وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتخطى الرقاب فقال :( اجلس فقد آذيت )
" إلا الإمام " فالإمام لا بأس أن يتخطى إذا لم يكن مدخل من جهة المنبر لأنه يحتاج إلى ذلك .
" أو لفرجة " فاستثنى المؤلف رحمه الله مسألتين :
المسألة الأولى : الإمام لا بأس له أن يتخطى .
المسألة الثانية : أن يكون هناك فرجة فإذا كان يجد فرجة فلا بأس أن يتخطى إلى هذه الفرجة لأن المأمومين الذين تأخروا اسقطوا حقهم بتأخرهم عن الفرجة فالمطلوب في حقهم أن يتقدموا وأن يسدوا هذه الفرجة وكونهم تأخروا وتركوا سد هذه الفرجة اسقطوا حقهم .
والأحوط : أن لا يتخطى حتى لو كان هناك فرجة فيبقى أن نستثني الإمام .
" وحرم إقامة غيره ليجلس مكانه " هذا الأدب والسنة الثالث والعشرون : لا يجوز أن يقيم غيره ويجلس مكانه لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ) في الصحيحين .
وظاهر حتى لو كان رقيقاً أو خادماً أو ابناً لأنه من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلماً فهو أحق به .
" ورفع مصلى مفروش إلا إذا حضرت الصلاة " هذا الأدب والسنة الرابع والعشرون : يحرم أن يرفع مصلى مفروش ، وعلى هذا يرى المؤلف رحمه الله أن للإنسان أن يتقدم بنفسه وله أن يتقدم بمصلاه وإنك لو جئت وفرشت مكاناً في الصف الأول فأنت أحق به .
والرأي الثاني : ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله غير جائز لعدة أمور :
الأمر الأول : فيه تحجراً للأماكن الفاضلة في بيوت الله وهي لعموم الناس والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إيطان كإيطان الإبل .(3/20)
ومن قام لعارض ثم عاد قريباً فهو أحق بمكانه ومن دخل والإمام يخطب بمسجد صلى تحيته موجزاً وجلس.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثاني : فيه مخالفة إلى ما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم من التقدم إلى المسجد هذا يدعوا الناس أن يتكاسلوا كونه يقدم مصلاه ويبقى في البيت هذا فيه تكاسل يخالف مقصود النبي صلى الله عليه وسلم .
الأمر الثالث : فيه حرماناً للمتقدمين من الأماكن الفاضلة .
فالصواب : أنه محرم ولا يجوز ومن رأى مثل ذلك فله أن يرفع هذا المصلى .
وعلى المذهب : لو قدمته قبل يوم أو يومين يرون أن هذا جائز ولا يجوز لك أن ترفع المصلى ويقولون أن المصلى نائب عن صاحبه لكن هذا ضعيف .
" ومن قام لعارض ثم عاد قريباً فهو أحق بمكانه " عرض للإنسان عارض وهو في المسجد حبسه بول أو جاءه نعاس لحقه أذى وقام من مكانه ثم رجع فهو أحق به ويدل لذلك حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ).
ذكرنا أن مصلى المصلي أو شيئاً من متاعه يحفظ له هذا المكان غير جائز ، الأصل أن يتقدم ببدنه لا بمتاعه ولا بمصلاه ، لكن يجوز أن يضع المصلي أو شيئاً من متاعه في حالتين :
الحالة الأولى : إذا كان في المسجد لم يخرج من المسجد فيضع شيئاً من متاعه ويتأخر .
الحالة الثانية : إذا خرج لعذر ثم رجع إما لكونه يخرج ليجلس في بيته ليس له ذلك لكن لو خرج لعذر كمن حبسه بول ونحو ذلك ثم رجع فهو أحق به .(3/21)
" ومن دخل والإمام يخطب بمسجد صلى تحيته موجزاً وجلس " وهذا الأدب والسنة الخامس والعشرون : أن الإنسان إذا دخل والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد ركعتين والخطبة لا تمنع من مشروعية تحية المسجد ، ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين ).
وأيضاً يستحب أن يوجز أن يخفف هاتين الركعتين ، ويدل لذلك ما في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( وليتجوز فيهما وهاتان الركعتان من الصلوات التي يستحب تخفيفها وهناك صلوات ورد في الشرع استحباب تخفيفها مثل : ركعتي الفجر ، الطواف ، تحية المسجد والإمام يخطب ، ومنها صلاة الفرض إذا
وحرم كلام والإمام يخطب إلا له ولمن كلمه لمصلحة ويجوز قبل الخطبة وبعدها....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وجد ما يقتضي التخفيف ، سبب يقتضي التخفيف كما قال صلى الله عليه وسلم :( إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأخفف مخافة أن أشق على أمة ).
" وحرم كلام والإمام يخطب " الكلام والإمام يخطب محرم ولا يجوز ، ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب انصت فقد لغوت ).
وقوله تعالى :( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ) قال كثير من المفسرين أن المراد بذلك : خطبة الجمعة .
وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم ( من قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ).
" إلا له ولمن كلمه لمصلحة ويجوز قبل الخطبة وبعدها " الأصل أن الإنسان لا يتكلم والإمام يخطب يستثنى من ذلك :(3/22)
أولاً : كلام الإمام مع المأمومين فإن هذا لا بأس به ، ويدل لذلك ما سبق من حديث سليك القطفاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :( قم فصل ركعتين ) لما جاء وجلس ، وهنا كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع المأموم .
ثانياً : يستثنى كلام المأمومين مع الخطيب هذا مستثنى ، ويدل لذلك حديث أنس في الصحيحين في قصة الأعرابي الذي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السيل وجاع العيال فادع الله أن يغيثنا ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال :( اللهم أغثنا ) فهذا كلام المأموم مع الإمام .
وأيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من تعليم عمر لعثمان لما تأخر وكلام عثمان مع عمر .
واستثنى العلماء رحمهم الله : ثالثاً ما إذا سكت الإمام بين الخطبتين قالوا يجوز الكلام .
رابعاً : استثنوا إذا شرع الإمام في الدعاء فإن الكلام جائز .
والصواب : أنه إذا شرع في الدعاء فإن الكلام غير جائز لأنه لا يزال يخطب .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا دعا الإمام فهل يؤمن المأموم سراً أو جهراً ؟
نقول يؤمن سراً ومثل ذلك لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي سراً .
وإذا عطس فإنه يحمد الله عز وجل خفية وسراً .
وكذلك تشميت العاطس سراً ويرد السلام سراً .
************…
فرض كفاية...........................................................................................................(3/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة العيدين
العيدين : تثنية عيد وسمي بذلك لأنه يعود ويتكرر لأوقاته .
أو تفاؤلاً لكي يعود .
فهو اسم لما يعود ويتكرر مرة بعد أخرى ويعتاد مجيئه من مكان وزمان .
وأما اصطلاحاً : فهو يوم الفطر ويوم الأضحى .
ومناسبة الباب لما قبله : أن المؤلف رحمه الله لما ذكر يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع ذكر ما يتعلق بعيد الفطر وعيد الأضحى وهما العيدان الذان يشرعان .
فالفطر بعد رمضان ، والأضحى في العاشر من ذي الحجة .
فناسب أن يذكر أحكام هذين العيدين اللذين هما من أعياد المسلمين بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بيوم الجمعة وأعياد المسلمين ثلاثة :
الأول : يوم الجمعة .
الثاني : يوم الفطر .
الثالث : يوم عيد الأضحى .
وأما ما عدا ذلك من الأعياد فهذه ليست من الإسلام في شيء على اختلاف أنواعها مثل ( أعياد الميلاد ، عيد الانتصار ، الفتح ، أو غيرها من الأعياد التي غير مشروعة )
أما المشروعة فهي : عيد الجمعة والفطر والأضحى .
ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد الأنصار لهم يومان يلعبون فيهما فقال صلى الله عليه وسلم :( أن الله أبدلكم بيومين خير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى ).
" فرض كفاية " حكم صلاة العيد ؟
المؤلف رحمه الله : فرض كفاية وهو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : ما ذهب إليه مالك والشافعي أن صلاة العيد سنة .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/24)
الرأي الثالث : أنها واجبة أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام رحمه الله .
فالآراء ثلاثة .
وأدلة من قال أنها فرض كفاية المشهور من المذهب : قالوا : هاتين الصلاتين من شعائر الإسلام الظاهرة وإذا كانت من شعائر الإسلام الظاهرة فإنه يكتفى بالبعض المقصود إظهار الشعيرة ، وهذا يحصل من بعض الناس .
وأدلة من قالوا أنها سنة مالك والشافعي : استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما في بعث معاذ إلى اليمن وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ) فدل ذلك على أن الواجب خمس صلوات .
ومثله حديث طلحة بن عبد الله وفيه أن الواجب خمس صلوات .
والجواب على هذا سهل : يقال أن المراد بذلك الصلوات المتكررة في اليوم والليلة لا يجب إلا خمس صلوات أما غير ذلك فهناك صلوات تجب غير هذه الصلوات .
أما بالنسبة لما ذهب إليه أبو حنيفة أنها واجبة فاستدل بقوله تعالى :( فصل لربك وانحر ).
هنا أمر بالصلاة .
وذهب كثير من أهل العلم من المفسرين على أن المراد بالصلاة هنا صلاة الأضحى والنحر هنا التضحية .
واستدلوا بقوله تعالى :( قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى )
قالوا المراد بالزكاة هنا زكاة الفطر والصلاة صلاة عيد الفطر .
واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أمر بها النساء و أن تخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور ويعتزلن الحيض الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين .
فإذا كانت المرأة مأمورة بصلاة العيد فالرجل من باب أولى .
وهذا القول بالوجوب أقرب وأحوط .
إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام ووقتها كصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال..............................................................................................(3/25)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إذا تركها أهل بلد قاتلهم الإمام " يقاتلهم حتى يقيموها .
وهنا قال المؤلف رحمه الله : قاتلهم ولم يقل قتلهم بمعنى أنه يقاتلهم حتى يقيموا صلاة العيد فإذا أقاموها فإنه يخلي سبيلهم .
فرق بين القتل والمقاتلة ، ففي المقاتلة لا تغتنم أموالهم ولا يترفق على جريحهم ولا تسبى نساؤهم ، وإنما المراد تأديبهم وإقامتهم على أمر الله عز وجل .
قاتلهم الإمام لأنها من أعلام الدين الظاهرة .
" ووقتها كصلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبيل الزوال " متى يبدأ وقت صلاة العيد ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يبدأ وقتها من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
وعند الشافعية : يبدأ وقتها من طلوع الشمس مباشرة .
واستدل الجمهور بأدلة النهي كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه وحديث عقبة بن عامر ( ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيها موتانا ، وذكر من ذلك : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع )
فهذا يدل على أن صلاة العيد لا تفعل في وقت النهي ولأنها لا تفوت ليست من ذوات الأسباب التي تشرع في وقت النهي .
واستدل الشافعية بحديث عبد الله بن بسر أنه خرج مع الناس في يوم عيد الأضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا قد فرغنا من صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك حين التسبيح .
قالوا : قوله حين التسبيح : حين حل التسبيح بمعنى حين حل النافلة .
ومتى تحل النافلة ؟
إذا ارتفعت الشمس قيد رمح .
فدل ذلك على أن الصلاة حصلت قبل ذلك .
وتسن في صحراء قريبة وتقديم صلاة الأضحى........................................................(3/26)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب على هذا سهل فيقال : أن مراده بذلك المبالغة في التبكير .
وقوله حين التسبيح : لو كان الإمام جاء حين التسبيح لم يكن في ذلك إبطاء ولم يكن منه إنكار ، فيحمل هذا الحديث أنه أراد المبالغة في فعل الصلاة .
وأما بالنسبة لآخر وقتها : إلى قبيل الزوال لأنه ما قبل الزوال وهو وقت الاستواء وقت نهي كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .
وأما وقت الاستحباب : فيستحب أن تفعل في أول وقتها ، وأما صلاة عيد الفطر فإنها يستحب أن تؤخر عن أول الوقت يسيراً كي يتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر .
" وتسن في صحراء قريبة " يسن أن تفعل صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد عرفاً لحديث أبي سعيد في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى ) .
يستثنى من ذلك : مكة ، فإن مكة تصلى صلاة العيد في الحرم بخلاف المدينة تصلى صلاة العيد في المصلى ، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يخرج إلى المصلى ويترك المسجد ، لكن بالنسبة لمكة فإنهم يصلون في الحرم المكي .
والدليل أنهم يصلون في الحرم : أن الحرم ليس كغيره من المساجد ، الحرم يشتمل على الكعبة التي هي قبلة المسلمين فليس من المناسب أن يتركها المسلمون خلف ظهورهم ثم يتوجهون إليها مرة أخرى .
ثانياً : أن هذا ما عليه عمل المسلمين .
ثالثاً : أن مكة ليست كغيرها فقد يكون الخروج فيه شيء من المشقة ، لأن مكة بلاد جليلة قد لا يتهيأ مكان يصلي الناس فيه .
" وتقديم صلاة الأضحى " يستحب أن تقدم صلاة الأضحى في أول وقتها ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه .(3/27)
وأيضاً أنه في الأضحى يشرع له أن يمسك وأن لا يأكل حتى يذبح أضحيته وإذا كان المشروع أن يمسك فإنه يستحب أن يبادر بالصلاة لكي يبادر الناس بذبح ضحاياهم .
وعكسه الفطر وأكله قبلها عكس أضحى لمضح وتكره في جامع بلا عذر..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وعكسه الفطر " فالفطر نؤخر عن أول الوقت شيئاً يسيراً لحديث عمر بن حزم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه :( أن عجل الأضحى وأخر الفطر ) وهذا الحديث أخرجه البيهقي وهو مرسل .
ويدل لذلك : أن زكاة الفطر يستحب أن تخرج صبح يوم العيد فإذا كان كذلك يستحب أن تؤخر صلاة العيد بعد دخول وقتها شيئاً يسيراً لكي يتمكن الناس من إخراج زكاة الفطر .
" وأكله قبلها " يقول المؤلف يستحب أن يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر ، ويدل لذلك حديث بريدة قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج ليوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي ).
وقوله وأكله قبلها : يشمل ما إذا أكل تمرات أو غير تمرات ، لكن السنة أن يأكل تمرات كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه .
ويستحب أن يأكل وتراً من التمرات ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع .
ومتى يبدأ وقت الأكل ؟
يبدأ أكل التمرات من طلوع الفجر الثاني إلى الصلاة .
والحكمة من أكل التمرات : تحقيق إفطار ذلك اليوم لأن صوم ذلك اليوم محرم ولا يجوز .
" عكس أضحى لمضح " يعني أن المضحي يمسك ولا يأكل حتى يصلي العيد ويذبح أضحيته .
وقوله لمضح : يؤخذ منه أن الإنسان إذا كان لا يريد أن يضحي لا يمسك وإنما يمسك من أراد التضحية .
" وتكره في جامع بلا عذر " تكره صلاة العيد في الجامع .
وقال المؤلف رحمه الله بلا عذر : السنة أن تصلى صلاة العيد في الصحراء وفعلها في الجامع بلا عذر مكروه.(3/28)
ويؤخذ من هذا : أنه إذا كان هناك عذر فإنها لا تكره في الجامع .
وعلى هذا نقول : أن صلاة العيد في الجامع لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير عذر ، فنقول أن هذا مكروه لأن هذا خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما عليه المسلمون .
ولأن المطلوب في صلاة العيد إظهار الشعيرة وصلاتها في الجامع يمنع إظهار الشعيرة ومن هذا الوجه .
ويخرج إليها على أحسن حال يبكر مأموم..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : أن يكون لعذر كما لو كان هناك ضعفة لا يستطيعون الخروج أو كثرة الناس لا يأخذهم المصلى ونحو ذلك ، فإن هذا جائز ولا بأس به .
ويدل لهذا أن علياً رضي الله عنه خلف من يصلي بالضعفة في الجامع .
" ويخرج إليها على أحسن حال " هذا من آداب العيد وسننه : أن يتجمل ، ويدل لهذا أن يلبس أحسن ثيابه أن عمر رضي الله عنه وجد جبة من استبرق تباع عند المسجد فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :( يا رسول الله لو ابتعت هذه تتجمل بها للعيد والوفد ).
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يشمل المعتكف وغيره ، وهذا القول هو الصواب لأن بعض العلماء استثنى المعتكف فقال : المعتكف يخرج في ثياب اعتكافه ولا يبدل ثياب اعتكافه لأن ما لحق ثياب الاعتكاف من وسخ إنما هو بسبب العبادة وإذا كان ناشئاً عن عبادة فإنه لا يشرع أن يزال .
وفيه نظر لأمور :
الأول : لمخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن هذا الأذى الذي حصل في ثياب المعتكف إنما بسبب طول الإقامة .
فالصواب : يشرع للمعتكف أن يتجمل وغيره .
وهل يشرع الاغتسال يوم العيد أو ليس مشروعاً ؟(3/29)
المشهور من المذهب : يشرع له أن يغتسل يوم العيد وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد عن الصحابة كابن عمر رضي الله عنهم .
" يبكر مأموم " من سنن صلاة العيد أنه يستحب للمأموم أن يبكر .
ومتى يبدأ وقت التبكير ؟
المشهور من المذهب : يبدأ من بعد صلاة الصبح .
والرأي الثاني : الشافعي من طلوع الفجر الثاني .
والرأي الثالث : أبو حنيفة من بعد صلاة الصبح .**
ماشياً ويتأخر إمام إلى الصلاة.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مالك : لا يرى شرعية التبكير ، يرى أنه يخرج من طلوع الشمس إلا أن بعدت داره يخرج بقدر ما يدرك الجماعة .
ومثله الجمعة غريب الإمام مالك لا يرى التبكير ويستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ( مثل المهجر ) والتهجير : يكون في شدة الحر فالإمام مالك يرى أن الذهاب يوم الجمعة يبدأ في الهاجرة في الساعة السادسة إذا كان الزوال بعد الساعة السادسة يرى أن التبكير يبدأ في أول الساعة السادسة وهذا غريب من الإمام مالك رحمه الله .
فالصواب : كما سبق يشرع التبكير ليوم الجمعة وأنه يبدأ من طلوع الشمس .
ويشرع التبكير في يوم عيد الفطر والأضحى ولكن هل هو من طلوع الفجر الثاني كما ذهب الشافعي أو من بعد صلاة الفجر كما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة وأحمد ؟
الصواب : من بعد صلاة الفجر لأن ما قبل صلاة الفجر فهو مشغول بصلاة الفجر ، وهذا ما عليه السلف رحمهم الله .
" ماشياً " هذا ورد فيه حديث علي رضي الله عنه أنه قال :( من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً ) .ت.(3/30)
وبعض أهل العلم ضعف الحديث ويغني عن ذلك حديث أبي كعب في قصة الرجل من الأنصار الذي كان بعيد الدار عن المسجد فقيل له لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء والرمضاء فقال : ما أحب أن يكون بيتي إلى جنب المسجد إني أحب أن يكتب لي ممشاي ورجوعي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إن الله كتب له ذلك كله ) رواه مسلم في صحيحه .
فكونه يخرج ماشياً هذا أفضل لما ذكرنا من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم :( دياركم تكتب آثاركم ).
إلا إذا كان هناك مشقة كبعد أو مرض أو ضعف فإنه يركب .
" ويتأخر إمام إلى الصلاة " يشرع للإمام أن يتأخر إلى حصول وقت الصلاة ، ويدل لذلك حديث أبي سعيد رضي الله عنه ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة ) رواه مسلم .
ومن شرطها استيطان وعدد الجمعة ويرجع من طريق أخرى..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكونه يبدأ بالصلاة إذا وصل هذا يدل على أنه تأخر إلى مجيء وقت الصلاة .
ولأن الإمام يُنتظر ولا ينتظر .
" ومن شرطها استيطان " من شرط وجوب صلاة العيد الاستيطان .
استيطان المصلين وتكلمنا على هذا في صلاة الجمعة وذكرنا أن مقابل المستوطن المسافر ، فالمسافر لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون تبعاً للمقيمين فهذا تجب عليه صلاة العيد تبعاً لهم ، وذكرنا الدليل على ذلك حديث الحكم بن حزم رضي الله عنه .
الأمر الثاني : أن يكون منفصلاً عن الناس كما لو كان سائراً في الطريق أو نحو ذلك فهذا لا تجب عليه صلاة العيد ولا يشرع لهؤلاء المسافرين أن يصلوا صلاة العيد .(3/31)
" وعدد الجمعة " أيضاً يشترط لوجوب صلاة العيدين حصول عدد الجمعة وتقدم أن المشهور من المذهب والشافعي : أنه يشترط لصحة الجمعة أربعين رجلاً .
والرأي الثاني : اثنا عشر رجلاً .
وأبو حنيفة : أربعة .
وابن حزم : اثنان .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ثلاثة .
وذكرنا أن الصواب : ثلاثة كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .
" ويرجع من طريق أخرى "
هذا من سنن العيدين أنه إذا غدا من طريق يستحب له أن يرجع من طريق أخرى ، ويدل لهذا حديث جابر في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا خرج إلى العيد خالف الطريق ) .
واختلف العلماء رحمهم الله في الحكمة من مخالفة الطريق على أقوال :
الأول : يخالف الطريق لكي يشهد له الطريقان يوم القيامة .
الثاني : قيل لكي يسلم على أهل الطريقين .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثالث : قيل لما في ذلك من إظهار صلاة العيدين ، لأن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة ولهذا شرعت في المصلى وإذا خالف الطريق فإن هذا إظهار لهذه الشعيرة .
الرابع : قيل إغاظة لليهود والمنافقين .
الخامس : قيل الأمر تعبدي والله أعلم بالحكمة .
السادس : قيل أنه يشمل كل ما سبق ، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم أن الحكمة شاملة فتشمل كل ما سبق.
وهل تشرع المخالفة في بقية العبادات أو نقول أن المخالفة خاصة بالعيدين ؟
فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : أن المخالفة خاصة بالعيدين فقط .
الرأي الثاني : أن المخالفة ليست خاصة بالعيدين بل تشمل بقية العبادات ، فمثلاً إذا عاد مريضاً فإنه يخالف الطريق .(3/32)
وإذا ذهب ليحضر درساً فإنه يخالف الطريق .
وكذلك إذا ذهب يصلي على جنازة ، وهذا ما ذهب إليه النووي رحمه الله .
واستدلوا أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف في حجة الوداع فدخل عرفة من طريق وخرج من طريق آخر.
وكذلك خرج من المدينة من طريق ودخل من طريق آخر .
ومكة دخلها من طريق وخرج من طريق آخر .
فقالوا : أن المخالفة ليست خاصة بالعيدين .
الرأي الثالث : وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن المخالفة تكون في العيدين وفي الجمعة لأن الجمعة عيد .
والصواب : أن المخالفة يقتصر فيها على مورد النص ، فالنص إنما ورد في العيدين وما حصل من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج فهذا حصل على سبيل الاتفاق كما ذكر بعض أهل العلم لأن النبي صلى
ويصلي قبل الخطبة ركعتين................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عليه وسلم ما كان يقصد مثل هذه الأشياء وإنما حصلت على سبيل الاتفاق وما كان اتفاقاً لا يكون شرعاً .
ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصلوات الخمس ويصلي الجمعة ويعود المريض ومع ذلك ما ثبت أنه خالف أو أمر بالمخالفة .
وكما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة { أن ما وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فإن تركه هو السنة } .
" ويصلي قبل الخطبة ركعتين " بخلاف الجمعة فإن الجمعة يخطب ثم يصلي ، أما بالنسبة للعيدين يصلي ثم يخطب .
ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيد قبل الخطبة ) وهذا صريح بأن السنة أن تصلي العيد قبل الخطبة .(3/33)
وذهب بعض الشافعية وبعض الحنابلة : إلى أنه لا بأس أن يصلي بعد الخطبة يعني يخطب أولاً ثم يصلي كالجمعة .
وقالوا : ورد عن عمر وعثمان بأسانيد صحيحة .
وعمر وعثمان له سنة متبعة .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الجمهور وأن العيد الخطبة فيه بعد الصلاة .
أما ما ورد عن عمر وعثمان فإنها شاذة لأنها مخالفة لما يثبت في الصحيحين عنهما من أنهم كانوا يصلون قبل الخطبة .
ومن وجه آخر : أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب قبل الصلاة في العيد .
يكبر في الأولى بعد استفتاح وقبل تعوذ وقراءة ستاً وفي الثانية قبل قراءة خمساً.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يكبر في الأولى بعد استفتاح وقبل تعوذ وقراءة ستاً وفي الثانية قبل قراءة خمساً " هذه التكبيرات الزوائد من سنن صلاة العيدين .
ودل لهذه التكبيرات الزوائد حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وحديث عائشة رضي الله عنها وحديث ابن عمر ضي الله عنهما والأحاديث في هذا كثيرة .
لكن اختلف الأئمة في هذه التكبيرات الزوائد كم عددها ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه يكبر ست تكبيرات في الأولى غير تكبيرة الإحرام ، فيكبر تكبيرة الإحرام ثم يكبر ستاً زوائد .
وأما الركعة الثانية : يكبر فيها خمس تكبيرات زوائد .
والرأي الثاني : ما ذهب إليه الإمام الشافعي كمذهب الإمام أحمد رحمه الله إلا أن الشافعي يقول : يكبر في الأولى سبعاً زوائد غير تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمس .
الرأي الثالث : أبو حنيفة يقول : يكبر في الأولى ثلاثاً زوائد وفي الثانية : ثلاثة زوائد .(3/34)
والأصح في هذه المسألة : أما ما ذهب إليه الشافعي أو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمهما الله .
ويدل لهذا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخير ) حسن الإسناد وله شواهد يرتقي بها إلى أن يكون حسناً .
فالحنابلة : يجعلون الأولى سبع مع تكبيرة الإحرام .
والشافعية : لا يعدون تكبيرة الإحرام .
والأمر في هذا واسع ، فهم يتفقون أن التكبيرات الزوائد في الثانية خمساً .
لأن تكبيرة الانتقال لا تكون حال القيام .
فالحنابلة : يعدون تكبيرة الإحرام لأن تكبيرة الإحرام وهو قائم .
بخلاف الشافعية لا يعدونها .
يرفع يديه مع كل تكبيرة ويقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً وإن أحب قال غيره.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول الأمر في هذا واسع فلو أخذ بما ذهب إليه الإمام أحمد فهذا جائز ، ولو أخذ بما ذهب إليه الشافعي فهذا جائز ولا بأس به .
" يرفع يديه مع كل تكبيرة " يعني مع التكبيرات الزوائد في العيدين والاستسقاء يرفع يديه مع التكبير وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة .
فأبو حنيفة : لا يرى رفع الأيدي مع التكبيرات إلا مع تكبيرة الإحرام .
ويدل لما عليه أكثر أهل العلم حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير وهذا أخرجه أبو داود .
ويدخل في ذلك التكبيرات الزوائد .
وأيضاً ما ورد أن عمر رضي الله عنه ( كان يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبيرات الجنائز والعيد )(3/35)
وكذلك ورد عن زيد رضي الله عنه .
" ويقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً وإن أحب قال غيره " يعني أنه يشرع أن يقول بين كل تكبيرتين ذكراً فيقول مثلاً : الله أكبر ثم يقول الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً ثم يكبر الله أكبر ثم يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، ثم الله أكبر لا إله إلا الله ... المهم يذكر الله بين كل تكبيرتين ، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد .
ويقولون أن هذا الذكر ليس معيناً المهم بين كل تكبيرتين يذكر الله عز وجل .
والرأي الثاني : ما ذهب إليه ابن القيم أنه يسكت لأنه لم ينقل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ودليل المذهب : هذا وارد عن ابن مسعود رضي الله عنه بإسناد حسن .
وعلى هذا يقال الأمر في هذا واسع ، إن سكت بين التكبيرات فالحمد لله وإن ذكر الله عز وجل كما نص عليه الحنابلة جائز ولا بأس به .
ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية فإذا سلم خطب خطبتين كالجمعة..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقرأ بعد الفاتحة في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية " القراءة في صلاة العيد ورد لها صفتان :
الصفة الأولى : أن يقرأ في الأولى بسبح وفي الثانية بالغاشية كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى .
ويدل لهذا حديث سمره رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين بسبح وهل أتاك حديث الغاشية .(3/36)
الصفة الثانية : أن يقرأ في الركعة الأولى بـ ق والقرآن المجيد ، وفي الثانية اقتربت الساعة وانشق القمر .
وهذا من العبادات التي وردت على وجوه متنوعة وتقدم لنا أن العبادات التي وردت على وجوه متنوعة تفعل تارة وتارة .
" فإذا سلم خطب خطبتين كالجمعة " يقول المؤلف رحمه الله إذا سلم يخطب خطبتين وتقدم هل تفعل الخطبة قبل الصلاة أولاً؟
وذكرنا خلاف أهل العلم في هذه المسألة وأن الصواب : أن الخطبة تكون بعد الصلاة ولا تفعل قبلها .
وقول المؤلف رحمه الله : خطبتين كالجمعة : أحكامها كأحكام خطبتي الجمعة ، وتقدم لنا أن ذكرنا أن خطبتي الجمعة لها أركان وكذلك لها شروط .. إلخ .
وتقدم لنا أن خطبتي الجمعة يحرم الكلام فكذلك أيضاً ما يتعلق بخطبتي صلاة العيد .
وقول المؤلف رحمه الله تعالى خطبتين : هذا ما عليه الأئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة كلهم يذهبون إلى أن العيدين لهما خطبتان .
وقد ورد ما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين كما في سنن ابن ماجه وغيره لكنه ضعيف .
وظاهر الحديث في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة ويمكن الجمع بين ما ذهب إليه أهل العلم وما جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة واحدة وأيضاً خطب خطبة أخرى فإنه أتى النساء وذكرهن ووعظهن فيكون بذلك خطب خطبتين ، فنقول أن الإمام يخطب والخطبة الثانية يكثر فيها من تذكير النساء ووعظهن وإرشادهن .
يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع نسقاً والخطبتان والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/37)
" يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع نسقاً " نسقاً معناها : متتابعة لا يفصل بينهما .
والمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح خطبه الراتبة والعارضة بالحمد وكما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه افتتح شيئاً من خطبه بغير الحمد .
فالصحيح : يفتتح خطبة العيدين بالحمد لله .
وأما الحديث الوارد أنه يفتتح الخطبتين بالتكبير هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" والخطبتان والتكبيرات الزوائد والذكر بينها سنة " يقول المؤلف رحمه الله : أن الخطبتين سنة ، ودليل ذلك حديث عبد الله بن السائب قال :( شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال :( إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب ).د.ن.ه. وغيرهم .
فقوله عليه الصلاة والسلام :( فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب ) قالوا : هذا دليل على أن استماع الخطبة ليس واجباً وإذا كان الاستماع ليس واجباً يتفرع من ذلك أن الخطبة ليست واجبة .
والذي يظهر والله أعلم ما ذهب إليه بعض العلماء : أن الإمام يجب عليه أن يخطب أما المأموم لا يجب عليه أن يجلس .
وكون المأموم لا يجب عليه أن يجلس لا يلزم من ذلك ألا تكون الخطبة واجبة .
فالصواب : أن الخطبة للإمام واجبة يجب عليه أن يخطب الناس ، صحيح إذا انصرف الناس ولم يجلس أحد سقط عنه الوجوب ، لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين .
ولكي لا يتصرف الناس ومن وعظ ولا ذكر ولا توجيه .
" والتكبيرات الزوائد " أيضاً التكبيرات الزوائد سنة وعلى هذا لو صلى العيد ولم يكبر التكبيرات الزوائد ، فنقول أن صلاته صحيحة .
والدليل على أنها سنة قالوا : أنها زائدة على التكبيرات في الصلاة العادية فدل ذلك على أنها سنة وأن الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد فعل والفعل لا يقتضي الوجوب .(3/38)
والذكر بينها سنة وكره تنفله قبل الصلاة وبعدها بموضعها...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والذكر بينها سنة " تقدم أن المذهب : يستحب أن يذكر الله بين التكبيرتين .
ودليلهم أنه وارد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
وعلى هذا لو ترك الذكر نقول هذا جائز ولا بأس به .
" وكره تنفله قبل الصلاة وبعدها بموضعها " يقول المؤلف رحمه الله : يكره للإنسان أن يصلي نافلة قبل صلاة العيد أو بعدها في موضعها .
ويؤخذ من كلامه : أنه لو تنفل في غير موضع صلاة العيد فإن هذا جائز ولا يكره .
ودليلهم على ذلك : حديث ابن عباس في الصحيحين قال : ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ).
والرأي الثاني : رأي الشافعي أن التنفل مستحب وغير مكروه .
والرأي الثالث : رأي مالك : إن صلى في المصلى لا يتنفل وإن صلى في المسجد فعته روايتان .
ودليل الشافعي عدم الكراهة استدلوا أن التنفل هذا وارد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، فهو وارد عن أبي برزه وأنس وبريده وابن مسعود وسهل وأبي رافع وعلي .
وعلى هذا نقول : ما يتعلق بالتنفل قبل أو بعد صلاة العيد لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تفعل صلاة العيد في المصلى ، فنقول : إذا فعلت في المصلى لا يتنفل لأن المصلى لا يأخذ أحكام المساجد فتشرع له التحية فيأتي ويجلس فإن كان وقت النهي لا يزال باقياً فالتنفل محرم وإن زال وقت النهي فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنفل فالسنة أن يشتغل بعبادة الوقت وعبادة الوقت التكبير ، فيأتي ويجلس .
لكن لو تنفل لا ينكر عليه ، لكن الأفضل لا يتنفل وإن كان وقت النهي باقياً لا يجوز أن يتنفل لأدلة النهي ويشتغل بعبادة الوقت التكبير هذا إن كان قبل الصلاة .(3/39)
وإن كان بعد الصلاة نقول : التنفل جائز ولا بأس به لكن الأفضل أن لا يتنفل الإنسان في المصلى موضعها ولكن يتنفل في بيته فهذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ولم يصل بعدها في موضعها وإنما ورد صلاته في بيته ، هذا إذا كانت الصلاة في المصلى .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : أن تكون صلاة العيد في الجامع فيما يتعلق بالنافلة قبل الصلاة أما تحية المسجد فإنها مشروعة مطلقاً سواء كان الوقت وقت نهي أو لا لأنها من ذوات الأسباب .
وتقدم أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي وإن زال وقت النهي فالأفضل للإنسان أن يشتغل بعبادة الوقت وهي التكبير ، ولو تنفل فإن هذا جائز ولا بأس به .
والنافلة بعد الصلاة كما تقدم جائزة لكن الأفضل أن لا يصلي ولكن يصلي في بيته .
" وسن لمن فاتته قضاؤها على صفتها " *ليست في المتن *
صلاة العيد إذا فاتت هل تقضى ؟
المشهور من المذهب : تقضى .
وأبو حنيفة : لا تقضى .
الذين قالوا تقضى استدلوا على ذلك بوروده عن أنس رضي الله عنه إذا فاتته صلاة العيد ( كان يجمع أهله ثم يصلي بهم )أثر ضعيف .
واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم :( من نام عن صلاة أو نسيها فليفعلها إذا ذكرها ).
أبو حنيفة أنها لا تقضى وكذلك مالك قالوا : أن صلاة العيد شرعت على هذا الوجه من الاجتماع كصلاة الجمعة ، كما أن الإنسان إذا جاء الجمعة فإنه لا يصلي جمعة بل يصلي ظهراً فرض الوقت لا يقضى الجمعة.
فكذلك صلاة العيد شرعت على هذا الوجه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام .(3/40)
ويؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج النساء فلو كانت تشرع على غير هذا الوجه تكون مع غير الإمام لأمر النساء أن يصلين في البيوت .
فدل على أنها صلاة شرعت على هذا الوجه المخصوص ما عداه لا تشرع وهو الصواب .
وعلى هذا إذا جاء وقد صلى الناس لا يصلي فاتته صلاة العيد أو لم يدرك ركعة نقول : صلاة العيد فاتته .
وقول المؤلف على صفتها : يرون أن هذا هو الأفضل ولو صلى ركعتين كسائر النوافل جاز .
ويسن التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين وفطر آكد وفي كل عشر ذي الحجة.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن التكبير المطلق والجهر به في ليلتي العيدين وفطر آكد وفي كل عشر ذي الحجة " التكبير ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التكبير في عيد الفطر .
القسم الثاني : التكبير في عيد الأضحى .
أما التكبير في عيد الفطر يبدأ من بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان .
ويدل له قول الله عز وجل :( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ).
وإكمال العدة يكون بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان ' وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : يبدأ من حين خروجه إلى صلاة العيد وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك .
وقالوا إن كان خروجه من بعد طلوع الشمس وإلا فلا يكبر .
واستدلوا أن هذا وارد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يكبر حين الخروج .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب وأنه يبدأ من بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان لأن المسلم أنهى العدة .(3/41)
ويؤيده أن الذكر مشروع في أدبار هذه الفرائض العظيمة ، فالصلاة يشرع الذكر دبرها ، والحج يشرع الذكر دبره ، قال عز وجل :( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ).
كذلك الصيام هذا ما يؤيد ما ذهب إليه الحنابلة .
وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما هذا يدل على تأكد التكبير حين الخروج .
ومتى ينتهي ؟
المشهور من المذهب : ينتهي بفراغ الخطبة ، وعلى هذا يستمر الإنسان يكبر حتى تنتهي الخطبة لأن الإمام قد يكبر فيكبر معه المأموم .
الرأي الثاني : أن التكبير ينتهي بالإحرام بالصلاة ، وهذا قول الشافعي .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثالث : ينتهي بمجيء الإمام إلى الصلاة .
وقولهم بمجيء الإمام والإحرام هذان القولان متقاربان لأنه إذا جاء سيحرم.
فيظهر والله أعلم أنه إذا جاء الإمام إلى الصلاة فإن التكبير ينقطع لأنه الآن يشتغل بعبادة أخرى وهي صلاة العيد واستماع الخطبة .
وعلى هذا نقول : التكبير يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى مجيء الإمام لصلاة العيد .
وهل هناك تكبير مقيد أو نقول تكبير مطلق فقط ؟
المشهور من المذهب وعند الشافعي : أن التكبير مطلق فقط فليس هناك تكبير مقيد أدبار الصلوات .
وقال بعض الشافعية : أن هناك تكبير مقيد أدبار الصلوات فيكبر بعد صلاة المغرب والعشاء والفجر .
والصواب : ليس هناك تكبير مقيد وإنما هو تكبير مطلق فقط .
فيكبر في السواق والطرقات والمساجد الرجال والنساء .
ثانياً : التكبير في عيد الأضحى قسمان :(3/42)
القسم الأول :التكبير المطلق يبدأ من دخول عشر ذي الحجة الأول بطلوع الفجر من أول يوم من أيام عشر ذي الحجة .
ويدل لذلك أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهم كانا يخرجان في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ويستمر هذا التكبير المطلق .
المشهور من المذهب : إلى فراغ خطبة صلاة العيد .
وعند الشافعية إلى الإحرام بصلاة العيد .
والرأي الثالث : يستمر إلى مجيء الإمام لصلاة العيد .
والرأي الرابع : ابن حزم يستمر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهذا أوسع الأقوال .
وعلى هذا تكون أيام التكبير المطلق ثلاثة عشر يوماً وهذا القول هو أصوب الأقوال .
القسم الثاني : التكبير المقيد ، قال المؤلف رحمه الله :
والمقيد عقب كل فريضة جماعة في الأضحى من صبح يوم عرفة والمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق.......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والمقيد عقب كل فريضة جماعة في الأضحى من صبح يوم عرفة "
التكبير المقيد : يبدأ من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويستمر إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق وهذا ورد فيه حديثان ضعيفان حديث جابر وحديث عمار .
لكن يغني عن هذا أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد صحيحة ، عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم ، وحينئذ نصير إلى ما صار إليه الصحابة رضي الله عنهم .
فنقول التكبير المقيد يبدأ من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
وعلى هذا يجتمع التكبير المطلق والمقيد على المذهب : من بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى فراغ الخطبة .(3/43)
وعلى رأي ابن حزم : يجتمع التكبير المطلق والمقيد من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق .
وقلنا الصواب ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله .
" والمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر يوم من أيام التشريق " وهم يفرقون بين المحرم والمحل بالنسبة للتكبير المقيد فيقولون : المحل يبدأ من بعد صلاة فجر يوم عرفة .
المحرم : من بعد صلاة الظهر من يوم النحر .
ووجه التفريق يقولون : أن المحرم كان مشغولاً بالتلبية لا يكبر من بعد صلاة فجر يوم عرفة لماذا ؟
لأنه كان قبل ذلك مشغولاً بالتلبية .
ومتى يقطعها ؟
ضحى يوم النحر إذا شرع في رمي جمرة العقبة ، وبعد الضحى ستأتيه صلاة الظهر يبدأ بالتكبير .
فيفرقون بين المحل والمحرم في البداية فالمحل من بعد صلاة فجر يوم عرفة .
والمحرم : من بعد ظهر يوم النحر .
وكلاهما ينتهي بعد صلاة العصر .
وإن نسيه قضاه موضعه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : لا فرق بين المحل والمحرم وهذا ظاهر ، ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم .
فكلاهما على الصحيح أنهما يبدآن من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
فالخلاصة في ذلك :
أن المطلق: يبدأ من دخول العشر إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق.
والمقيد : من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
وقول المؤلف رحمه الله : عقب كل فريضة جماعة .
يؤخذ من كلامه أن التكبير عقب الفرائض إذا صلى في الجماعة أما لو صلى واحد لا يكبر ، وقالوا هذا هو الوارد عن ابن عمر وابن مسعود بأسانيد صحيحة .
كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يكبر إذا صلى وحده .(3/44)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه :( إنما التكبير على من يصلي في جماعة).
ويظهر والله أعلم أنه مشروع لأنه ما ثبت في حق الجماعة ثبت في حق الفرد إلا بدليل ، لكنه يتأكد لمن صلى في جماعة .
" وإن نسيه قضاه موضعه ما لم يحدث أو يخرج من المسجد " يقول المؤلف رحمه الله : إن نسي التكبير قضاه موضعه .
كيف قضاه موضعه ؟
يعني إذا قام يرجع ويعود ويجلس ويكبر .
مثاله : رجل صلى وقام ونسي أن يكبر ، نقول : ارجع واجلس وكبر ، هذا ما ذهب إليه المؤلف .
والصحيح : يكبر ولو كان ماشياً وليس شرط أن يكون التكبير في موضعه لكن استثنى المؤلف وقال : ما لم يحدث أو يخرج من المسجد .
يقول إذا أحدث أو خرج من المسجد أو طال الفصل سقط التكبير لأنه سنة فات محلها .
ولا يسن عقب صلاة عيد وصفته شفعاً : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح يكبر في موضعه وفي غير موضعه بشرط أن لا يطول الفصل حتى لو أحدث .
ولو خرج من المسجد فالتكبير في حقه مشروع بشرط ألا يطول الفصل .
فإذا لم يطل الفصل نقول هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .
" ولا يسن عقب صلاة عيد " صحيح لا يسن عقب صلاة العيد لأننا نقول أنه يكون بعد الفرائض من بعد صلاة فجر يوم عرفة إلى ما بعد صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق .
ولا يكبر عقب صلاة العيد لأن الذي ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في الفرائض .
ومتى يكبر ؟ هل يكبر بعد السلام مباشرة أو عقب الذكر ؟(3/45)
نقول يكبر بعد الاستغفار وقول :( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ، فيستغفر الله ثلاثاً ثم يقول :( اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ) ثم يشرع في التكبير ، يكبر ما شاء الله عز وجل ثم بعد ذلك يعود لأذكاره .
" وصفته شفعاً : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد " يعني يكرر الله أكبر مرتين.
والشافعي يقول : يكبر وتراً يكررها ثلاث مرات ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ) والأمر في هذا واسع .
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب في صلاة الكسوف
الكسوف لغة : التغير إلى سواد .
والخسوف لغة : الذهاب والنقصان .
والكسوف والخسوف في الاصطلاح : انحجاب ضوء أحد النيرين بعضه أو كله .
ويقال كسفت الشمس وخسفت الشمس ، وكسف القمر وخسف القمر .
وصلاة الكسوف ثابتة بالقرآن والسنة واتفاق الأئمة عليها .
أما من القرآن : فقوله عز وجل :( ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون ).
بعض العلماء استنبط صلاة الكسوف من هذه الآية .
أما في السنة ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وحديث عائشة رضي الله عنهم وغيرها من الأحاديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف .
والإجماع منعقد في الجملة .
وللكسوف سببان :
السبب الأول : سبب شرعي وهو تخويف العباد وزجرهم عن الذنوب ودفعهم إلى التوبة .(3/46)
وكما قال ابن المنير : أنه بمنزلة الإعلام بقرب وقوع عقوبة ، فعلى الناس أن يبادروا بالتوبة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والذكر والصدقة والعتق وغير ذلك مما يدفع أسباب العقوبات .
ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده ).
السبب الثاني : سبب كوني : بالنسبة لكسوف الشمس هو حيلولة القمر بين الشمس وبين الأرض .
وأما بالنسبة للقمر فهي حيلولة الأرض بين الشمس والقمر لأن ضوء القمر مستفاد من الشمس كما ذكر العلماء رحمهم الله قالوا : أن القمر كالمرآة والشمس كالقنديل فالقمر يأخذ من ضوء الشمس ويعكسها
تسن صلاة الكسوف إذا كسف أحد النيرين ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة ثم يركع طويلاً..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ على الأرض فإذا حالت الأرض بين الشمس والقمر حصل خسوف القمر ، لأن ضوءه مستمد من ضوء الشمس .
" تسن صلاة الكسوف إذا كسف أحد النيرين " المؤلف رحمه الله يرى أنها سنة وهذا ما عليه الجمهور .
والرأي الثاني : أن صلاة الكسوف واجبة وذهب إلى ذلك أبو عوانة رحمه الله .
ورواية عن أبي حنيفة ورواية عن الإمام مالك وابن القيم ، قوي القول بالوجوب ولكل منهم دليل .
دليل المؤلف والجمهور : بأنها سنة استدلوا بما تقدم من حديث طلحة بن عبيد الله ( هل علي غيرها ، قال : لا إلا أن تطوع )
وحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :( خمس صلوات في اليوم والليلة).
دليل من قال بالوجوب استدلوا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها ، والأصل في الأمر الوجوب .(3/47)
واستدلوا قالوا كون الإنسان يرى هذه الآية العظيمة التخويف ومع ذلك لا ينزجر ولا يرتدع هذا يدل على عدم تعظيمه لآيات الله عز وجل ، وتعظيم آيات الله عز وجل واجب .
والأحوط : الإنسان يصلي ولا يترك الصلاة لأنه يخشى أن يأثم فكونه يرى تخويف الله عز وجل وهذه الآية العظيمة وهو مصر على ترك الصلاة هذا يخشى عليه من المأثم .
" ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة ثم يركع طويلاً .. "
شرع المؤلف رحمه الله في بيان صفة صلاة الكسوف وأنها ركعتان الجملة وفي كل ركعة ركوعان ، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد .
والرأي الثاني : أبو حنيفة : وهو أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوع واحد كسائر الصلوات .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة ركعتان في كل ركعة ركوعان كما ورد ذلك من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم.
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصلاة الكسوف ورد لها صفات :
الصفة الأولى : ما ذهب إليه المؤلف وهو ما دل له حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
الصفة الثانية : أن يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاثة ركوعات .
الصفة الثالثة : أن يصلي ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وهذا في مسلم .
الصفة الرابعة : أن يصلي ركعتين في كل ركعة خمسة ركوعات .
الصفة الخامسة : أن يصلي كأحدث صلاة صلاها من المكتوبة .
فلو فرض أن حصل الكسوف بعد الظهر فإنهم يصلون كصلاة الظهر .
ولو فرض أنه حصل في الضحى فإنهم يصلون كصلاة الفجر وهكذا .(3/48)
الصفة السادسة : ما دل لها حديث عمر رضي الله عنه أن يصلي ركعة في كل ركعة ركوع واحد .
الصفة السابعة : أن يحرم بالصلاة ويرفع يديه للدعاء حتى تتجلى الشمس فإذا تجلت الشمس صلى ركعتين.
الصفة الثامنة : أن يصلي ركعتين ركعتين حتى يتجلى الكسوف .
فهذه ثمان صفات وردت لصلاة الكسوف .
والعلماء لهم تجاه هذه الصفات مسلكان :
المسلك الأول : مسلك الترجيح ، ترجح إحدى هذه الصفات على بقية الصفات ، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد ومالك والشافعي والبخاري والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كلهم رجحوا حديث عائشة وابن عباس الذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان .
المسلك الثاني : مسلك الجمع : انتصر له ابن حزم في كتاب المحلى ورأى وجوب الأخذ به وأنه لا يقتصر على صفة دون صفة أخرى وفصل هذه الصفات أغلبها يعمل في صلاة الكسوف وبعضها في صلاة الخسوف .
وذهب إلى ذلك ابن المنذر وابن خزيمة والخطابي رحمهم الله .
أخذوا بمسلك الجمع وأنه لا يقتصر على صفة بل تارة تصلى هذه الصفة وتارة هذه .. إلخ .
ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والراجح من هذين المسلكين : هو ما ذهب إليه الإمام أحمد ومالك والشافعي والبخاري والبيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهو مسلك الترجيح وأنه يرجح صفة دون بقية الصفات .
ويؤيد ذلك أمران :
الأمر الأول : أن البيهقي رحمه الله أشار إلى أن الصفات تشير إلى موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وموته كم مرة حدث ؟
مرة واحدة فإذا كان الكسوف حدث في اليوم الذي مات فيه إبراهيم هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل إلا مرة واحدة .(3/49)
الأمر الثاني : ما نقله الشيخ أحمد شاكر عن بعض الفلكيين واسمه محمود باشا الفلكي وأنه حسب الكسوف الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه حصل في السنة العاشرة من الهجرة يوم الثلاثاء الساعة الثامنة والنصف في التاسع والعشرين من شهر شوال .
الثلاثاء / 29/10/ 10هـ الساعة 2/1 8
لو كان هناك كسوف غير هذا الكسوف لذكره هذا الفلكي .
وذكر هذا الفلكي أنه حصل في السنة الرابعة من الهجرة خسوف للقمر في عهده صلى الله عليه وسلم لكن لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لخسوف القمر ويظهر أن صلاة خسوف القمر لم تكن مشروعة ، فهذا مما يؤيد أن الكسوف الذي حصل أنه لم يتعدد بل حصل مرة واحدة وإذا كان كذلك فإنه ترجح هذه الصفات على بقية الصفات .
وعلى هذا نقول : ما عدا هذه الصفة فهو شاذ ويصار إلى ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم وأنه يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان كما هو مذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد .
" ركعتين يقرأ جهراً في الأولى بالفاتحة وسورة طويلة "
سورة طويلة من غير تعيين فالنبي صلى الله عليه وسلم أطال القراءة حتى جعل الصحابة رضي الله عنهم يخرون على ركبهم من طول القراءة .
ثم يركع طويلاً ثم يرفع مسمعاً ويحمد ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى ثم يركع طويلاً دون الأول ثم يرفع ويعتدل ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في الكل....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم يركع طويلاً " أيضاً من غير تقدير .
" ثم يرفع مسمعاً ويحمد " أي يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
" ثم يقرأ الفاتحة " ثم يشرع في قراءة الفاتحة مرة أخرى .(3/50)
" وسورة طويلة دون الأولى ثم يركع طويلاً دون الأول " يعني يقصر القراءة ويقصر الركوع وهكذا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم تكون الركعة الثانية أقل من الركعة الأولى كما في حديث أبي قتادة رضي الله عنه ( يطول في الأولى ويخفف في الثانية ).
" ثم يرفع ويعتدل ثم يسجد " ويسمع ويحمد ثم يسجد مباشرة .
المشهور من المذهب ومذهب الشافعية أنه لا يطيل الاعتدال مع أنه في الاعتدال الأول أطال لأنه قرأ الفاتحة وقرأ سورة وقبل ذلك سمع وحمد فهو أطال ، أما هنا الاعتدال الثاني يرون أنه لا يطيل .
والصواب : أنه يطيل لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هكذا متناسقة ، لكن يكون هذا الاعتدال أقل من الاعتدال الأول .
وقد وردت الإطالة في صحيح مسلم ، لكنهم يرون أنه لا يطيل يسمع ويحمد ويسجد مباشرة .
" سجدتين طويلتين " يسجد السجود الأول ويطيل السجود ويكون قريباً من الركوع لأنه هكذا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم متناسقة ثم يعتدل ويجلس ، وهل يطيل الجلوس أو لا يطيل ؟
المشهور من المذهب ومذهب الشافعي : لا يطيل الجلوس .
والصواب : أنه يطيل الجلوس لأن صلاته صلى الله عليه وسلم هكذا متناسقة ، فيكون جلوسه قريباً من السجود ويكرر ( رب اغفر لي وارحمني ....)
" ثم يصلي الثانية كالأولى لكن دونها في الكل " بعد أن يسجد السجدتين ويجلس ويطيل ويكون جلوسه قريباً من سجوده يقوم ويصلي الركعة الثانية بركوعين لكن تكون الركعة الثانية أقل من الركعة الأولى لحديث أبي قتادة الذي أشرنا إليه .
ثم يستشهد ويسلم وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/51)
وعلى هذا تكون القراءة الأولى أقل من القراءة الثانية ، والقراءة الثانية أقل من القراءة الثانية والركوع الأول أقل من الركوع الأول ، والركوع الثاني أقل من الركوع الثاني .
" ثم يستشهد ويسلم " هكذا صفة صلاة الكسوف .
أما بالنسبة لصلاة الخسوف :
مذهب أحمد والشافعي : أنها تصلى جماعة هكذا .
أبو حنيفة ومالك : لا تصلى الخسوف جماعة وإنما يصلون فرادى .
والصواب : ما ذهب إليه أحمد والشافعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى الصلاة ).
فأمر صلى الله عليه وسلم بالذكر والصلاة .
وهل الجماعة لها واجبة ؟
يقولون أن الجماعة سنة في صلاة الكسوف فإذا صلى الناس جماعة هذا أفضل وإذا تجمعوا في الجوامع هذا أفضل .
وإن صلوا فرادى لا بأس .
ولهذا المرأة تصلي في بيتها وكذلك المريض خلافاً لصلاة العيد ، فصلاة العيد لا تشرع إلا على وجه مخصوص وهو الاجتماع .
وكذلك الجمعة لا تصح فرادى ، أما الكسوف تصح فرادى .
" وإن تجلى الكسوف فيها أتمها خفيفة " فلو كان يصلي ثم تجلى الكسوف أثناء الصلاة نقول : يتمها خفيفة ، ويدل لذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ).
ولأن الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً ، فقد زال سبب الصلاة فتزول الصلاة لأنها شرعت على سببها.
وقبلها لم يصل ويصح فعلها كنافلة وبثلاث ركوعات وأربع وخمس...................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عكس هذه المسألة : لو أن الصلاة انتهت ولم يتجلى الكسوف هل تعاد مرة ثانية أو لا تعاد ؟
تقدم في المسالك أن الذين يرون الجمع عندهم من الصفات أنها تعاد تصلى مرة ثانية وثالثة .(3/52)
وتقدم أن من صفاتها أنها تعاد مرة بعد مرة .
والصواب : أنها لا تعاد لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى صلاة واحدة فقط .
وكما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالدعاء فنقول : يصلي بالناس فإذا انتهت الصلاة والكسوف لم يتجلى يشرع لهم الدعاء .
فالسنة أن يدعو الله ويستغفروه ويذكروه حتى يتجلى الكسوف فيكون الإنسان في عبادة إلى أن يتجلى الكسوف ، يصلي إذا لم يتجلى يستمر في الدعاء والاستغفار إلى أن يتجلى .
" وقبلها لم يصل " إذا تجلى الكسوف قبل أن يصلي فهل يصلي أو لا يصلي ؟
نقول لا يصلي لأنه قد زال السبب وهذه صلاة شرعت على سبب وقد زال السبب .
" ويصح فعلها كنافلة وبثلاث ركوعات وأربع وخمس " فالمؤلف يختار ركعتان في كل ركعة ركوعان لكن لو صليت كنافلة ركعتين في كل ركعة ركوع واحد أو يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات أو أربع أو خمس يقول هذا جائز .
فعندهم صلاة الكسوف لها صفتان :
الصفة الأولى : صفة مستحبة أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان .
الصفة الثانية : صفة جائزة أن يصلي ركعتين في كل ركعة ركوع واحد أو ركوعان أو ثلاثة ركوعات أو خمس .
والصواب : كما تقدم يصلي ركعتين في كل ركعة ركوعان وما عدا ذلك من الصفات فإنه شاذ .
من المسائل صلاة الكسوف هل هو متصور في كل وقت أو له وقت معين ؟
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه رأيان :
الرأي الأول : أنه متصور في كل وقت ، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ممكن أن يحدث في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره .(3/53)
وقالوا : أن الله على كل شيء قدير .
الرأي الثاني : ليس متصور في كل وقت وإنما له وقت محدد فكسوف الشمس يكون في وقت الاستسرار القمر في التاسع والعشرين والثلاثين .
وخسوف القمر يكون في وقت الإبدار الرابع عشر والخامس عشر ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبعض أهل العلم وهو الذي يذهب إليه أهل هيئة الفلك وأنه لا يحدث في كل وقت .
ودليل ذلك ما تقدم من بيان السبب الكوني للكسوف وأن الله أجرى العادة أن كسوف الشمس لا يكون إلا في وقت الاستسرار .
وخسوف القمر لا يكون إلا في وقت الإبدار، هكذا سنة الله الكونية القدرية .
والجمهور استدلوا بـ ( أن الله على كل شيء قدير ).
واستدلوا بالحديث الضعيف ويبدوا أنه من وضع الرافضة قالوا : أن الشمس كسفت في اليوم الأول الذي قتل فيه الحسين 10 من محرم حتى بدت النجوم ، وأنتم تقولون أن الكسوف لا يكون إلا في وقت الاستسرار .
لكن هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا من رواية الواقدي ولا يحتج بما وصل فكيف بما أرسل .
ويترتب على هذا مسائل منها :
ما ذكره الفقهاء رحمهم الله لو خسف القمر يوم عرفة فهل يدفعون أم يصلون ؟
فهذا غير متصور .
ومن هذه المسائل التي يذكرونها وتظهر ثمرة لهذا الخلاف : إذا اجتمع الكسوف والعيد خرج الناس لصلاة العيد ثم كسفت الشمس هل يبدأون بصلاة العيد أو صلاة الكسوف ؟
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصلاً غير متصور لأنا قلنا أن الكسوف لا يكون إلا في وقت الاستسرار ، والعيد أما في أول الشهر أو في آخر الثلث الأول منه .
ومن المسائل : لو غاب القمر وهو خاسف هل يصلى أو لا يصلى ؟(3/54)
نقول هذا لا يتصور إذا قلنا بأن خسوف القمر في وقت الاستسرار نقول هذا غير متصور .
ومن المسائل : هل يلحق بالكسوف غيره من الآيات أو لا ؟
كما لو حصلت زلزلة ظلمة في النهار ، صواعق شديدة ، رياح عظيمة من الآيات التي فيها تخويف أو براكين أو فيضانات ونحو ذلك ، فهل يصلي ؟
الرأي الأول : وهو المشهور من المذهب : يصلي لزلزلة فقط ، قالوا هذا وارد عن ابن عباس وحذيفة بأسانيد صحيحة .
الرأي الثاني : أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصلي لكل آية تخويف كما سبق من الأمثلة واستمرت هذه الأشياء فإنه يصلي ، ودليلهم : قوله صلى الله عليه وسلم :( يخوف بهما عبادة ).
وقالوا ثابت عن ابن عباس وحذيفة بأسانيد صحيحة الصلاة للزلزلة .
الرأي الثالث : الإمام مالك والشافعي : أنه لا يصلي إلا الكسوف فقط ، قالوا لأن هبوب الرياح وحدوث الصواعق حصلت في عهده صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما صلى وإنما أرشد ما يتعلق بالأذكار ، فالرياح لها أذكار ... إلخ.
ويظهر : كلام المالكية والشافعية قوي ، وكلام أبو حنيفة واختيار شيخ الإسلام قوي .
ويمكن أن يجاب عن قول المالكية والشافعية : بأن يقال الأشياء التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أمور معتادة إذا حملناها على أمور معتادة وأنها ليست فيها تخويف ، ليست أمور عظيمة وأن هذه الأمور المعتادة هي التي يشرع لها الذكر ، وأما الأمور العظيمة فهذه يشرع لها صلاة الكسوف كما هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ، يكون هذا متوجه.
هناك أمور تشرع إذا حصل الكسوف غير الصلاة :
...............................................................................................................................(3/55)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ التوبة ، الاستغفار ، الذكر ، الدعاء ، الصدقة ، العتق ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالصدقة والعتق والدعاء والصلاة ، فهذه الأشياء مشروعة إذا حصل الكسوف .
* جمهور أهل العلم أن صلاة الكسوف ليس لها خطبة ، ويقابل هذا القول الشافعية فهم يرون أن صلاة الكسوف لها خطبة كخطبة الجمعة ، يخطب خطبتين كخطبة الجمعة تماماً .
أما أبو حنيفة ومالك وأحمد : لا خطبة لها .
والصواب : يتوسط في المسألة لا يقال أنها كخطبة الجمعة بل يقال : أن الإمام يخطب الناس ويعضهم ويذكرهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
* الكسوف له ندا ؟
تقدم أن ذكرنا بالنسبة للصلوات من حيث النداء والأذان ثلاث أقسام :
الأول : صلوات لها أذان .
الثاني : صلوات لها نداء .
الثالث : صلوات لا أذان ولا نداء .
*******************
وإذا ضرب جدب أرضاً وقحط مطر صلوا صلاة الاستسقاء.............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صلاة الاستسقاء
الاستسقاء لغة : استفعال وهو طلب السقيا .
وأما اصطلاحاً : فهو طلب السقيا من الله عز وجل بالصلاة على صفة مخصوصة .
وصلاة الاستسقاء سنة عند جمهور العلماء واستدلوا بحديث عبد الله بن زيد في الصحيحين ( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة ).
وهناك أحاديث أخرى كحديث عائشة وأبي هريرة وغير ذلك .(3/56)
الرأي الثاني : رأي أبو حنيفة لا تشرع الصلاة للاستسقاء وإنما هو دعاء مجرد دون الصلاة ، وهذا لا شك أنه ضعيف لأنه يخالف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة .
" وإذا ضرب جدب أرضاً وقحط مطر صلوا صلاة الاستسقاء " صلاة الاستسقاء صلاة ذات سبب لا تشرع إلا عند وجود سببها فإذا وجد السبب تكون مشروعة ، أما إذا لم يوجد السبب فليست مشروعة .
وجد السبب أجدبت الأرض ، قحط المطر ، وغارت مياه الآبار والأنهار ، فإنها تشرع صلاة الاستسقاء ، أما إذا لم يكن شيء من ذلك فنقول : ليست مشروعة .
والاستسقاء ورد في السنة على وجوه .
الوجه الأول : الاستسقاء بالصلاة كما دل لذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه ، وتكلمنا على الخلاف في هذه المسألة .
الوجه الثاني : الاستسقاء بالدعاء في خطبة الجمعة ، يدل له حديث أنس في قصة الرجل الذي دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال : يا رسول الله هلكت الأموال وجاع العيال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا ، فرفع صلى الله عليه وسلم يديه فدعا :( اللهم ....
الوجه الثالث : الاستسقاء بالدعاء المجرد دون صلاة ودون خطبة وهذا مشروع إذا حصل للمسلمين ضرر وقحط المطر وأجدبت الأرض ، نقول يشرع للناس أن يستسقوا الله ويدعونه في صلواتهم في خلواتهم ، ويتحرون مواطن إجابة الدعاء في السجود وفي غيره .
كعيد فيما تقدم..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لهذا حديث عمير .
" كعيد فيما تقدم " يعني أن صلاة الاستسقاء كصلاة العيد فيما تقدم من الحكام والوضع فعلى هذا : يشرع أن تكون صلاة الاستسقاء في المصلى لا تكون في المساجد إلا بعذر .(3/57)
ويصلي ركعتين بالتكبيرات الزوائد على المذهب ست تكبيرات ، وعند الشافعي سبع تكبيرات وفي الركعة الثانية خمساً ويتفقان في الثانية خمس تكبيرات زوائد .
وعند الإمام مالك رحمه الله لا تكون كصلاة العيد وإنما كسائر الصلوات النوافل بلا تكبيرات زوائد .
والراجح : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية .
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:( سنة الاستسقاء سنة العيدين ).
وعلى هذا يصلي ركعتين مع التكبيرات الزوائد وتكون صلاته في المصلى.
وتقدم في العيد أنه يقرأ في الركعة الأولى بسبح والثانية بالغاشية ، وتارة يقرأ بـ ق و ( اقتربت الساعة ) وكذلك في الاستسقاء .
هذا من حيث الجملة ولكن هناك فروق بين صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء:
الأول : صلاة العيدين محددة بزمن ، والاستسقاء فتشرع عند سبب ليست مشروعة دائماً وإنما عند وجود سببها .
الثاني : صلاة العيدين حكمها واجبة على الصحيح والحنابلة فرض كفاية ، والاستسقاء فهي سنة ولم يقل أحد بوجوبها ، بل إن أبا حنيفة يرى أنهم لا يصلون بل يكتفون بالدعاء ويجتمعون ويدعون ويكتفون بالدعاء .
الثالث : أن صلاة العيدين تشرع على وجه مخصوص وهو الاجتماع لا تصح فرادى ، والاستسقاء تصح فرادى وجماعة ، وعندنا الجمعة والعيدان تشرع على وجه الاجتماع ما عدا ذلك تصح فرادى .
الرابع : صلاة العيدين يشرع لها الاغتسال كما تقدم أن يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ، والاستسقاء فعلى خلاف ذلك يشرع أن يخرج متبذلاً كما سيأتي .
وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس يوماً يخرجون فيه وأمرهم بالتوبة وترك التشاحن والصيام...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(3/58)
الخامس : صلاة العيدين يشرع أن يخرج مبكراً ، والاستسقاء فإنه يخرج متخشعاً يصاحبه الخشوع والتواضع لله والرفعة والسكينة .
السادس : صلاة العيدين يشرع خروج المرأة ، والاستسقاء فالعلماء يقولون يكره خروج الشابة ويباح خروج العجوز الكبيرة .
السابع : صلاة الاستسقاء لها خطبة واحدة ، وصلاة العيدين يتفقون الأئمة أن لها خطبتان .
الثامن : صلاة العيدين الخطبة تكون بعد الصلاة ، وصلاة الاستسقاء فالسنة وردت بهذا وبهذا يصح أن يقدم الخطبة على الصلاة كالجمعة ويصح أن يؤخر الخطبة عن الصلاة كصلاة العيدين .
التاسع : ما يتعلق بموضوع الخطبة في العيدين يختلف موضوع الخطبة عن الاستسقاء .
العاشر : في الاستسقاء يشرع تحويل الرداء كما سيأتي ، والعيدين غير مشروع .
" وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس يوماً يخرجون فيه " ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في سنن أبي داود لما شكا الناس القحط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم يوماً يخرجون فيه .
ولأن صلاة الاستسقاء ليس لها وقت معين وإنما هي صلاة ذات سبب تشرع عند وجود سببها .
" وأمرهم بالتوبة وترك التشاحن " التوبة لغة : الرجوع .
واصطلاحاً : فهي الرجوع من معصية الله إلى طاعته .
والتشاحن : من الشحناء وهي العداوة .
ويدل لذلك ما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان فرفعت )
فيقول المؤلف عند الخروج يأمرهم بالتوبة ويأمرهم بترك التشاحن .
" والصيام " لأن الصائم له دعوة لا ترد وهو وسيلة إلى نزول الغيث .
والصدقة ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والمميزون..............................................................................................................(3/59)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" والصدقة " لأنها متضمنة للرحمة .
وهذه الأشياء يقول المؤلف : إذا أراد الاستسقاء يأمرهم بالتوبة وترك التشاحن والصيام والصدقة ، وهذه لم يفعلها صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بها عند الخروج ، فحينئذ لا تفعل عند الخروج لأنه صلى الله عليه وسلم ما فعلها فلا يتحرى بها الخروج لأن هذا فعل عبادة ورد سببها في عهده صلى الله عليه وسلم ولم يفعله صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ نقول : الإمام يأمر بها أمراً عاماً ليس عند الخروج .
وإذا لا حظ وجود القحط وانقطاع الأمطار وغور المياه .. إلخ فإنه يأمر بالصدقة ويأمر بالصيام ويحثهم على التوبة وترك التشاحن .
أما أن تتحرى هذه الأشياء عند الخروج لصلاة الاستسقاء فنقول : هذا يحتاج إلى دليل ، وسبق أن ذكرنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر قاعدة وهي :{ أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه هو السنة }
" ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً " ويدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متواضعاً متخشعاً متبذلاً متذللاً)
وقال بعض العلماء : قوله متواضعاً : متواضعاً ببدنه ، متخشعاً : أي بقلبه وعينيه ، متذللاً : أي في ثيابه ومتضرعاً بلسانه .
قوله متخشعاً : أي خاشعاً ، ومذللاً : أي من الذل وهو الهوان .
فيشرع أن يخرج الإنسان إلى صلاة الاستسقاء على هذه الصفة ، متواضعاً متذللاً متخشعاً تقارنه السكينة والخضوع والرقة وإنزال الحاجة بالله سبحانه وتعالى .
متبذلاً : يخرج بثياب البذلة .
" ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والمميزون "
الشيوخ : جمع شيخ ، والمراد به : كبير السن .
والمميزون : المراد به الصبي المميز .(3/60)
فيصلي بهم ركعتين كالعيد ثم يخطب واحدة....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأهل الدين : هم أهل الصلاح فيكون هذا من المترادف .
وإنما يخرج الإمام ومعه هؤلاء لسرعة إجابة دعوتهم ، لأن الصغار لا ذنوب لهم .
وقوله : ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ، يحتمل أنهم يقارنونه أثناء خروجه إلى صلاة الاستسقاء .
ويحتمل أن المراد : أنه يتأكد خروج مثل هؤلاء لأنهم أقرب إلى إجابة الدعاء .
ويدل لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ما ورد عن عمر رضي الله عنه قال :( إنا كنا نستسقي بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي بعم نبينا ـ يعني بدعائه ـ قم يا عباس فادع )
بالنسبة لخروج النساء لصلاة الاستسقاء :
الشابة : يقولون يكره خروجها .
العجوز الكبيرة : يقولون يباح خروجها .
" فيصلي بهم ركعتين كالعيد " يصلي بهم ركعتين كالعيد ويدل لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال :( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد ).د.ت.ن. وصححه الترمذي .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :( سنة الاستسقاء سنة العيدين ) فيصلي ركعتين كما يصلي في العيدين .
وتقدم أنه في صلاة العيدين على المذهب يكبر في الولى ستاً غير تكبيرة الإحرام ، والشافعي سبعاً في الأولى وفي الثانية خمساً فيتفقان في عدد التكبيرات الزوائد في الثانية .
وعند أبي حنيفة : يكبر في العيدين : ثلاثاً ثلاثاً لكن كما قلنا أن أبا حنيفة لا يرى شرعية صلاة الاستسقاء يرى أنما هو دعاء فقط .
" ثم يخطب واحدة "يؤخذ منه أن الخطبة في الاستسقاء بعد الصلاة وكصلاة العيدين ، وتقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد )
وقال :( سنة الاستسقاء سنة العيدين ).(3/61)
فيصلي كصلاة العيد ، فيصلي أولاً ثم يخطب ثانياً ، وهذا هو المشهور من المذهب أن الصلاة قبل الخطبة .
ثم يخطب واحدة يفتتحها بالتكبير كعيد........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يبدأ بالخطبة قبل الصلاة كصلاة الجمعة ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين قال :( خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول ردائه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة )
قال : ثم صلى ركعتين ، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالخطبة قبل الصلاة .
وحديث عائشة في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شكوا إليه قحط المطر وعدهم يوماً يخرجون فيه فخرج صلى الله عليه وسلم وإذا المنبر وضع له وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ثم صلى ، فهذا يدل على أنه يخطب أولاً ثم يصلي ثانياً .
وهذا من الفروق بين صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء وأن صلاة العيدين يبدأ بالصلاة ثم الخطبة وما ورد من الآثار عن عمر وعثمان أنهم بدأوا بالخطبة قبل الصلاة قلنا أنها آثار شاذة تخالف ما في الصحيحين من أنهم كانوا يصلون ثم يخطبون .
وعلى هذا نقول : صلاة الاستسقاء يشرع فيها الأمران تارة يخطب ثم يصلي وتارة يصلي ثم يخطب ، وكله وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فهذا أقرب وفيه الجمع بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
" ثم يخطب واحدة " يعني في الاستسقاء يخطب خطبة واحدة وهذا من الفروق بين صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين .
وتقدم أن الأئمة يتفقون على أنه في صلاة العيدين يخطب فيها خطبتين لكن صلاة الاستسقاء يقول المؤلف رحمه الله : يكفي فيها خطبة واحدة .(3/62)
" يفتتحها بالتكبير كعيد " يعني يفتتح هذه الخطبة بالتكبير ، وتقدم لنا في صلاة العيدين أنهم يرون افتتاح خطبة صلاة العيدين بالتكبير ، والثانية بالتكبير وذكرنا هناك أن ابن القيم ذكر أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة من خطبه الراتبة أو العارضة بغير الحمد لله .
فالصواب : أنه يفتتح خطبته بتحميد الله عز وجل .
وأما التكبير فتقدم لنا في صلاة العيدين أن الحديث الوارد في هذا ضعيف .
ويكثر فيها الاستغفار وقراءة آيات فيها الأمر به ويرفع يديه ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويكثر فيها الاستغفار وقراءة آيات فيها الأمر به " يكثر الضمير يعود على خطبة الاستسقاء ، فيكثر في خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به .
كقوله تعالى :( وقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدراراً ).
" ويرفع يديه " ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه قال :( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع يديه حتى يرى بياض أبطيه ).
قال : لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء .
وهذا في الصحيحين .
وفي مسلم ( أشار بظهورهما إلى السماء )
واختلف العلماء رحمهم الله في تفسير ( وأشار بظهور كفيه إلى السماء ) ما المراد بذلك ؟
الرأي الأول : قال بعض العلماء أن الدعاء في الاستسقاء يختلف عن غيره فيجعل ظهور كفيه إلى السماء .
والرأي الثاني : أن دعاء الاستسقاء كغيره لكن يبالغ في الرفع حتى يشير بظهر كفيه إلى السماء ، وهو الصواب .(3/63)
" ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم " والثابت عنه صلى الله عليه وسلم وإلا الفقهاء رحمهم الله يذكرون دعاء طويلاً وكثير منه غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم مثل ( هنيئاً مريئاً طبقاً مجللاً سحاً عاماً طبقاً دائماً ، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب وبلاء ولا هدم ولا غرق ، اللهم إن بالعباد والبلاد من الأداء والجهد والضنك ما لا تشكوه إلا إليك ، اللهم انبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء ، اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري واكشف عنا البلاء ما لا يكشفه غيرك ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً ...
هذا الدعاء ونحوه في سنن البيهقي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما لكنه ضعيف .
وعلى هذا الأحسن للمسلم أن يتحرى الثابت من دعائه صلى الله عليه وسلم ، مثل دعائه لما سأله الأعرابي فقال صلى الله عليه وسلم ( اللهم اغثنا ثلاث مرات )
...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسبق أن لخصنا ما ورد مما هو ثابت عنه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء .
ويشرع أن يحول رداءه كما تقدم في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حول ردائه .
وتحويل الرداء فيه مسائل :
المسألة الأولى : هل يحوله أثناء الخطبة أو بعد نهايتها ؟
فيه قولان :
القول الأول : ذهب بعض العلماء أنه يحوله أثناء الخطبة يستقبل القبلة ويحول رداءه ويدعو سراً ثم يكمل خطبته .
القول الثاني : قال بعض العلماء رحمهم الله يحول ردائه وبعد انتهاء الخطبة يستقبل القبلة ويدعو سراً ويحول رداءه .(3/64)
والأمر في هذا واسع أن يحول أثناء الخطبة أو يحول في نهايتها .
والأحسن : أن يكون هذا في نهاية الخطبة ، ولو حوله أثناءها يظهر لا بأس به .
المسألة الثانية : ما الحكمة من تحويل الرداء ؟
خلاف على رأيين :
الرأي الأول : الحكمة هي التفاؤل من تحويل الحال ، من حال الجدب والقحط إلى حال المطر .
الرأي الثاني : قال بعض العلماء رحمهم الله بأن النبي صلى الله عليه وسلم حول رداءه لكي يكون اثبت في الدعاء لأنه يحتاج لأن يرفع يديه فحول رداءه لكي يكون الرداء اثبت في الدعاء .
والصواب : ما ذهب إليه أهل الرأي الأول أنه صلى الله عليه وسلم حول تفاؤلاً بتحويل الحال من حال القحط والجدب إلى حال الرخاء والسعة بنزول المطر .
المسألة الثالثة : متى يزيل هذا التحويل ؟
يقول العلماء رحمهم الله : يتركه حتى يحتاج إلى نزعه .
ويلحق بذلك ما إذا احتاج إلى التحويل فلا بأس أن يحول .
وينادى له ككسوف الصلاة جامعة وسن وقوف في أول مطر...................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الرابعة : إذا لم يكن عليه رداء ؟
فإنه يظهر والله أعلم أن يحول أي شيء إذا كان عليه جبة يحول الجبة ـ مشلح أو عباءة ـ يحولها إذا لم يكن عليه شيء من ذلك مثل وقتنا الحاضر عليه غترة أو شماغ يحولها .
لأن المراد بذلك : هو التفاؤل بتحويل الحال .
" وينادى له ككسوف الصلاة جامعة " أي للاستسقاء ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم يقولون ينادى لصلاة الاستسقاء وصلاة العيد إلحاقاً لهما بصلاة الكسوف وهذا ضعيف .
لأن النداء عبادة والعبادات توقيفية ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى الاستسقاء ولم يثبت أنه نادى لها أو أمر منادياً أن ينادي ـ الصلاة جامعة ـ(3/65)
وتقدم أن الصلوات تنقسم بالنسبة للنداء والأذان إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يشرع لها الأذان ، مثل الصلوات الخمس مع الجمعة .
القسم الثاني : ما يشرع له النداء ، مثل صلاة الكسوف .
القسم الثالث : ما لا يشرع له أذان ولا نداء ، مثل الاستسقاء والعيدين والتراويح والجنازة .
" الصلاة جامعة " يصح أن ترفع ونقول الصلاةُ جامعةٌ على أن الصلاة مبتدأ ، وجامعة خبر المبتدأ .
وكذلك يصح النصب نقول : الصلاةَ جامعة ، فالأول ينصب على الإفراد .
والثاني : ينصب على الحال .
على الإفراد يعني الزموا الصلاة .
" وسن وقوف في أول مطر " هذه سنن حين حصول هذه الآيات الكونية القدرية إذا حصل المطر يسن الوقوف في أول المطر .
ويسن ثانياً : أن يحسر عن ثوبه ليصيبه المطر .
وإخراج متاعه ليصيبه وقوله : مطرنا بفضل الله...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لذلك : حديث أنس رضي الله عنه أنه قال :( أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر ، فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا ، قال :( لأنه حديث عهد بربه ) رواه مسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم :( لأنه حديث عهد بربه ) معناه : حديث بخلق الله له وتكوينه .
وقال من الآداب :
" وإخراج متاعه ليصيبه " وهذا لا دليل عليه ، الحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت وعلى هذا نقول : لا يشرع أن يخرج المتاع ـ رحله ـ يعني يخرج الفراش شيء من أوانيه ، نقول غير ثابت وحينئذ لا يشرع .
* هل يسن أن يتوضأ ويغتسل بماء المطر ؟
ذكره بعض الفقهاء وورد في هذا حديث أخرجه البيهقي وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ يكون الثابت أن يقف في أول المطر ويحسر شيئاً من ثوبه لكي يصيبه .(3/66)
ومن الآداب قال المؤلف رحمه الله :
" وقوله : مطرنا بفضل الله " وهذا ثابت فإذا حصلت الأمطار يستحب أن يقول : مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا اعتراف بنعمة الله عز وجل .
ويستحب أن يقال ( اللهم صيباً نافعاً ) هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا كثر المطر يستحب أن يقول ( اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر )
وإذا حصل هبوب الرياح : يستحب أن يقول : ( اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به ).
ويحرم سب الريح .
وورد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه بإسناد صحيح أنه كان إذا سمع الرعد قال :( سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته )
ويحرم بنوء كذا....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح رواه الإمام مالك والترمذي أنه إذا سمع الرعد والصواعق قال :( اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ).
" ويحرم بنوء كذا " نوء يعني الكوكب لأنه كفر بنعمة الله عز وجل فإضافة المطر إلى النوء ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يضيف المطر إلى النوء على أنه فاعل ومقدر هذا كفر أكبر مخرج من الملة لأنه أثبت له خصيصة من خصائص الله عز وجل شركه في توحيد الربوبية .
القسم الثاني : أن يضيف المطر إلى النوء إضافة سبب وأن النوء تسبب في أحداث هذا المطر وهذا المطر بخلق الله وتكوينه لكن النوء تسبب فيه فهذا كفر أصغر .(3/67)
القسم الثالث : أن يضيف النوء إلى المطر إضافة وقت مطرنا في نوء كذا يقصد في هذا الوقت وهذا الزمان ، في وقت هذا الكوكب في وقت هذا النجم هذا جائز ولا بأس به .
ولهذا قال العلماء : يحرم بنوء كذا ويجوز في نوء كذا .
فإذا كان مراده الزمن جائز .
ويدل للقسمين السابقين : حديث خالد بن زيد وفيه قوله صلى الله عليه وسلم :( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب ) وهذا في الصحيحين .
*****************
فهرس الموضوعات
كتاب الصلاة ................................................................................................ 1
فصل في الأذان والإقامة......................................................................................... 18
باب شروط الصلاة.............................................................................................. 69
باب صفة الصلاة ............................................................................................... 258
مكروهات الصلاة................................................................................................ 353
أركان الصلاة وواجباتها وسننها.................................................................................. 352
سجود السهو..................................................................................................... 371
باب صلاة التطوع وأوقات النهي................................................................................. 417
صلاة الجماعة وأحكامها وما يبيح تركها وما يتعلق بذلك.......................................................... 526(3/68)
الإمامه........................................................................................................... 584
الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة............................................................................... 636
صلاة الأعذار.................................................................................................... 640
صلاة المسافر ................................................................................................... 647
صلاة الخوف.................................................................................................... 672
صلاة الجمعة ................................................................................................... 677
شروط صحة الجمعة ........................................................................................... 685
صلاة العيدين ................................................................................................... 707
صلاة الكسوف .................................................................................................. 728
صلاة الإستسقاء ................................................................................................. 738
تم الجزء الثاني وبإذن الله الجزء الثالث
لا حول ولا قوة إلا بالله
??
??
??
??
شرح كتاب الصلاة من عمدة الطالب
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ / د . خالد بن علي المشيقح
www.Almoshaiqeh.islamlight.net(3/69)