مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم النبيين :
سيدنا محمد رسول الله , الصادق الأمين , وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين .
وبعد.. فإن من أنسب كتب الفقه , وأقربها بالنسبة للمبتدئين من الطلاب في دراسة مذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه : كتاب ((عمدة الطالب لنيل المآرب)) للإمام الفقيه : منصور بن يونس البُهوتي الحنبلي رحمه الله ونظرًا لقلة من خدم هذه الرسالة فقد قام الشيخ الفقيه : خالد بن علي المشيقح حفظه الله بشرحه لطلابه , فقد جمع هذا الشرح بين الإختصار , وسهولة العبارة , الشرح اللطيف , والتقسيم الشريف نفعنا الله به إنه ولي ذلك وهو حسبي ونعم الوكيل .
* استعمال الألوان :
اللون الأحمر للسؤال0…
اللون الأصفر الداكن للمثال0
اللون الأزرق للشرح0
اللون البني للرأي المرجوح0…
اللون القرنفلي للتقسيم0
اللون الأزرق الداكن للقول الراجح0
إعداد : محمد بن عبدالله الشنو.
عمدة الطالب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
هذا الكتاب كتاب عمدة الطالب لمؤلفه الشيخ منصور بن يونس البهوتي ، والشيخ منصور رحمه الله يعتبر من علماء الحنابلة المحققين المتأخرين .
ولادته :
ولد رحمه الله سنة ألف للهجرة في بلاد مصر في قرية بُهوت ، ولهذا ينسب إليها، فيقال : منصور بن يونس البهوتي .
طلبه للعلم :
تعلم العلم منذ صغره وخصوصاً ما يتعلق بفقه الحنابلة ، فإن الشيخ منصور رحمه الله كان مرجعاً في فقه الحنابلة ، ومن شيوخه المحققين ، ولهذا رحل إليه طلاب العلم في أخذ فقه الحنابلة عنه ، وعلى صغر عمره فإن الله عز وجل بارك في عمره ، فإنه لم يعمر إلا إحدى وخمسين سنة ، ولد سنة ألف للهجرة ، وتوفي سنة ألف وإحدى وخمسين للهجرة ، وهذا ما هو عليه أكثر المترجمين له ، وذكر بعض المترجمين أنه توفي سنة اثنتين وخمسين وألف للهجرة .
مؤلفاته :(1/1)
ألف مؤلفات ، أصبحت مرجعاً لكثير من فقهاء الحنابلة ، ومن أراد أن يتتلمذ على مذهب الحنبلي ، ومن أشهر مؤلفاته (الروض المربع في شرح مختصر المقنع) شرح مختصر زاد المستقنع ، ومن مؤلفاته أيضاً من أشهرها وأهمها وهو كتاب كبير لابد لطالب العلم أن يقتنيه (كشاف القناع في شرح الإقناع) الإقناع : للشيخ موسى الحجاوي ، جاء الشيخ منصور رحمه الله وشرحه في كتاب اسمه
(كشاف القناع في شرح الإقناع) ، وقد طبع قديماً هذا الكتاب ، أيضاً من مؤلفاته (الملح الشافيات في شرح المفردات) ، يعني شرح مفردات الإمام أحمد رحمه الله ، نظم المفردات ما انفرد به الإمام أحمد رحمه الله عن بقية الأئمة الثلاثة ، نظمت هذه المفردات فجاء الشيخ منصور رحمه الله ، فشرح هذه المفردات في كتاب اسمه (الملح الشافيات في شرح المفردات) ، وكذلك أيضاً من مؤلفاته (حاشية الإقناع ) له شرح اسمه (كشاف القناع ) وله حاشية على الإقناع
ومن مؤلفاته أيضاً (شرح منتهى الإرادات) ومنتهى الإرادات للنجار ، وهو يعتبر العمدة عند المتأخرين ، فشرحه الشيخ منصور رحمه الله في ثلاث مجلدات ، وله أيضاً (حاشية على المنتهى الإرادات) ، ومن مؤلفاته أيضاً (منسك في الحج) ، ومن مؤلفاته : (إعلام الأعلام لحرمة القتال في البلد الحرام ) ومن مؤلفاته : هذا المتن وهو (عمدة الطالب لنيل المآرب) .
يقول المؤلف رحمه الله (بسم الله الرحمن الرحيم) ابتدأ المؤلف رحمه الله كتابه بالبسملة واقتداءً بكتاب الله عز وجل ، فإنه مبدوء بالبسملة ، واقتداءً بسنة النبي ( فإن النبي ( كان يبدأ كتبه بالبسملة .
(البا) حرف جر (اسم) اسم مجرور ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف ، هذا المحذوف يقدره العلماء فعلاً مؤخراً مناسباً للمقام ، وإنما قدر فعلاً لأن الأصل في العمل هو الأفعال .(1/2)
وقدر مؤخراً تبركاً بالبداءة باسم الله عز وجل وقدر مناسباً للمقام لأنه أدل على المراد ، فإذا أراد الإنسان أن يقرأ يقول باسم الله أي اقرأ ، هذا أدل على المراد ، من قوله (ابتدئ) وإذا أراد أن يذبح يقول باسم الله أي أذبح ، وإذا أراد أن يكتب يقول باسم الله ، أي أكتب ، وقوله (الله) أصلها الإله حذفت الهمزة وأدغمت اللام باللام فقيل (الله) .
و (الله) معناه ذو الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين ، و (الرحمن) أي ذو الرحمة الواسعة ، وهو اسم خاص بالله عز وجل ، وكذلك أيضاً (الله) اسم خاص بالله عز وجل ، و(الرحيم) ذو الرحمة الواصلة .
(الحمد لله رب العالمين) " الحمد" : اختلف في تفسيره ، وأحسن التفاسير ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن " الحمد" هو وصف المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيماً .
وقوله (الله) سبق تفسيره "الله " أنه ذو الألوهية والربوبية على خلقه أجمعين ، وهذا إذا أفرد ، لكن إذا قيل : الله ورب : تفسير لفظ الجلالة بتوحيد الألوهية ، ولفظ الربوبية بتوحيد الربوبية ، "فالله" هنا معناه الذي تألهه القلوب ، تحبه وتعظمه ، وتعبده و"رب" الرب هو الخالق المالك المتصرف المدبر الرازق ، وغير ذلك من أسماء الربوبية "والعالمين" جمع عالم ، وهو كل من سوى الله عز وجل فيدخل في ذلك الإنس والجن .
"والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم أجمعين " .
الصلاة : اختلف في تفسيرها وأحسن التفاسير ما ذكره أبو العالي : أنها الثناء على النبي ( في الملأ الأعلى"والسلام" الدعاء بالسلامة ، إذا قلت "السلام" يطلق على معاني منها : التحية ، ومنها : الأمان ، ومنها أنه اسم من أسماء الله عز وجل ، لكن إذا قلت السلام عليك أيها النبي يعني تدعو له بالسلامة .(1/3)
و "السلام" قد تكون حسية وقد تكون معنوية ، حسية : بأن يسلم الله عز وجل نبيه في حياته ، يسلم بدنه ، وبعد مماته يسلمه يوم القيامة ، فإن الرسل يجثون على ركبهم ، ويقولون : اللهم سلم سلم .
فأما السلام المعنوية : فهو يسلم سنته من تأويل الغالين وتحريف المبطلين .
وقوله " على سيدنا " السيد : هو ذو السؤدد ، أي الشرف والرفعة ، ولاشك أن النبي ( سيد ولد آدم ، فإن النبي ( قال " أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ،
والسيادة تنقسم إلى قسمين :
1 - سيادة مطلقة : وهذه خاصة بالله عز وجل .
2 - سيادة مقيدة : وهذه تكون للمخلوق ، ومن ذلك النبي ( ،
وقوله "محمد" محمد اسم من أسماء النبي ( ، ومعناه : من يحمد أي : المحمود ، والنبي ( يحمد ويكرر حمده بكثرة خصاله الحميدة ،
"وعلى آله" آل النبي ( اختلف في تفسيره ، فقيل : بأن آله أتباعه على دينه ، وقيل : بأن آله أقاربه المؤمنون به ، وقيل بأن آله هم أهل بيته ، والصحيح في ذلك أنه يختلف باختلاف المقام ، إذا ذكر الصحب وذكر التابع ، فالمراد بالآل هم : أقاربه المؤمنون به .
أما إذا قيل : اللهم صلي على محمد وعلى آله ، ولم يقل ومن تبعه ، فالمراد بالآل هم : أتباعه على دينه .
" وصحبه " الصحب : جمع صاحب : وهو من اجتمع مع النبي ( مؤمناً به ومات على ذلك ، وقال بعض العلماء : من رأى النبي ( مؤمناً به ومات على ذلك ،
وقوله " وتابعيهم " جمع تابع والتابع هو : من اجتمع بالصحابي مؤمناً بالنبي ( ومات على ذلك ،
قال " وبعد " هذه الكلمة : ظرف على الزمان مبني على الضم، واختلف العلماء رحمهم الله في أول من تكلم بها ، وأقرب الأشياء عن ذلك أنه داود كما ذكر ابن حجر رحمه الله ، واختلف العلماء رحمهم الله في الفائدة منها ، فقيل الفائدة : أنه يؤتى بها للانتقال من المقدمة إلى صلب الموضوع ، وقال بعض العلماء : الفائدة أنه يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر ، والصواب في ذلك هو الرأي الأول .(1/4)
"فهذا مختصر في الفقه" المختصر هو ما قل لفظه وكثر معناه ، وقوله " في الفقه" الفقه في اللغة : الفهم ، وأما في الاصطلاح : فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية الفرعية بأدلتها التفصيلية .
"على مذهب الإمام الأمثل أحمد بن محمد بن حنبل" في هذا بيان بطريقة تأليف هذا الكتاب وأن هذا المتن إنما ألف على مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وعلى هذا ما فيه من المسائل هذه كلها هي المذهب .
"نشد إليه حاجة المبتدئين" هذا الكتاب الذي ألفه المؤلف يتميز بميز :
1 - أن عبارته سهلة وظاهرة للمبتدئين .
2 - أنه شامل لأبواب الفقه كلها .
3 - أنه كتاب نافع للمبتدئين .
وذكر المؤلف رحمه الله سبب تأليف الكتاب وأنه سبب تأليف الكتاب أن بعض الناس سأله أن يؤلف هذا الكتاب ، وهكذا يذكر العلماء رحمهم الله في مقدمات كتبهم .
"جعله الله خالصاً لوجهه الكريم .. "
كتاب الطهارة
المياه ثلاثة : طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ وهو الباقي على خلقته................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطهارة في اللغة : النظافة والنزاهة .
وأما في الاصطلاح : فهي رفع الحدث وزوال الخبث .
ما هو الحدث ؟ الحدث : وصف يقوم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها ، مما يشترط له الطهارة .
فمثلاً : إنسان إذا أحدث خرج منه مثلاً بول ، الآن إلتحق هذا الوصف الذي يمنعه من الصلاة وغيرها مما يشترط له الطهارة ، فكونه يتوضأ هذه طهارة رفع الحدث وزوال الخبث : الخبث هي النجاسة ، كونه يزيل الخبث يطهر بدنه أو ثوبه أو بقعته التي يصلي عليها ، وهذا نقول حكمه : طهارة ، فالطهارة اشتملت من أمرين :
1 - رفع الحدث . …2 - زوال الخبث .(1/5)
"المياه ثلاثة :طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ وهو الباقي على خلقته" . يقول المؤلف رحمه الله المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، هذا مشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، والعلماء رحمهم الله يختلفون في تقسيمات المياه ، لكن المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه ثلاثة أقسام ،
والرأي الثاني :وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، أنه قسمان وهذا القول هو الصواب .
............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الذين قالوا أنه ثلاثة أقسام استدلوا بأدلة من أدلتهم ، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( سئل : إنا نركب البحر ونأخذ معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر ؟ فقال النبي ( " هو الطهور ماءه الحل ميتته1" ، كون الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي ( : أنتوضأ بماء البحر ، هذا يدل على أن هناك ماء لا يتوضأ به - انقدح في أذهانهم أن هناك ماء لا يتوضأ به - وأن هناك ماء يتوضأ به ، فكونه ينقدح في أذهانهم أن هناك ماء لا يتوضأ به ، هذا يدل على أن هناك قسماً اسمه الطاهر .
والذين قالوا بأنه ينقسم إلى قسمين ، كما اختار شيخ الإسلام :
1 - طهور . ……2 - نجس .
استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " ، والله عز وجل يقول :( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } فدل على أن الماء مطهر ، خرج عن كونه مطهر بأي شيء ؟ بالإجماع والحديث.(1/6)
والعلماء مجمعون على أن الماء إذا تغير بنجاسة تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فإنه يكون نجساً ، وأيضاً حديث أبي سعيد " إن الماء طهور لا ينجسه شيء 2" فحكم على أن الماء طهور ، ولا يخرج عن الطهورية إلا بالنجاسة ، وقوله "لا ينجسه شيء" ، دل على أن الماء طهور ، والإجماع دل على أن هناك قسماً نجساً،فتلخص من هذا أن الماء ينقسم إلىقسمين:طهور ونجس
وهو الباقي على خلقته ولو حكماً كمتغير بمكثه أو طحلب.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : "طهور يرفع الحدث ويزيل النجس الطارئ" قوله "الطارئ" يعني عندنا النجاسة تنقسم إلى قسمين :
1 - نجاسة عينية : وهي التي تكون عين الشيء وذاته نجسة ، مثل : العذرة ، مثل البول ، العذرة ذاتها نجسة ، عينها نجسة ، البول : ذاته نجس ، روث الحمار ذاته نجسة ، الكلب : عينه نجس ، ذاته نجسة ،
2 - نجاسة الطارئ : هي التي وردت على محل طارئ ، مثلاً : عندك ثوب طاهر ثم وقعت عليه نجاسة ، فهذه النجاسة تسمى الطارئة ، ويسميها العلماء أيضاً حكمياً .
فيقول المؤلف : إن الماء لا يرفع إلا النجاسة الطارئة ، أما النجاسة العينية : هذه ما يطهرها الماء ، ولو جئت بالكلب وغسلته بماء البحر ما طهر ، لكن النجاسة العينية تطهر في الاستحالة : إذا انقلبت من عين إلى عين أخرى طهرت ،
قال: " وهو الباقي على خلقته " يعني الماء الطهور الباقي على خلقته من حرارة أو برودة أو ملوحة أو عذوبة
قوله :"ولو حكماً كمتغير بمكثه" ، يعني : إذا كان عندنا ماء تغير بطول مكثه ويسمى : الماء الآجن ، فهذا حكمه أنه طهور ، لأن الأصل في المياه الطهارة,
قوله: " أو طحلب" الطحلب : هي عبارة عن خضرة تعلو الماء الآجن أو الذي طالت إقامته,(1/7)
أو ورق شجر أو ممره ، ونحوه ، أو بمجاور نجس وكره منه شديد حرٍ أو بردٍ ومسخنٍ بنجسٍ لم يحتج إليه.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو ورق شجر أو ممره ، ونحوه ، أو بمجاور نجس " ، هذه كلها أنواع من أنواع الطهور ، تغير بمكثه تغير بالطحلب ، تغير بأوراق الشجر : سقطت عليه أوراق أشجار ، تغير بممره على شيء وهو يجري ، مر على شيء ثم تغير ، تغير بمجاورة نجسة ، هذه كلها من أنواع الماء الطهور ، هكذا عرف المؤلف الماء الطهور ، والصحيح أن يقال في تعريف الماء الطهور: الماء الطهور هو الماء الذي لم يتغير بنجاسة أو بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق .
فإذا تغير بنجاسة يسمى نجساً ، فإذا تغير بشيء طاهر لكن نقله عن اسمه المطلق هذا لا يسمى ماءً ، فنقول : الذي لم يتغير بنجاسة : طهور ، الذي لم يتغير بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق هذا أيضاً : طهور ، فالطهور ما توفر فيه هذان الأمران.
القسم الثاني : النجس وهو الذي تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة .
قوله: " وكره منه شديد حر أو برد " يكره من الماء الطهور إذا كان شديد الحرارة ، كون الإنسان يتوضأ شديد الحرارة أو شديد البرودة ، يقول : يكره ، وإذا كان يضر الإنسان ، فإنه يحرم .
قوله:"ومسخن بنجس لم يحتج إليه " مثلاً : سخنت الماء بروث حمار ، فإنه يكره ، والصواب أنه لا يكره لأن النجاسة العينية تطهر بالاستحالة .
أو بغير ممازج كدهن وقطع كافور أو بملح مائي لا مسخن بشمس أو طاهر..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/8)
" أو بغير ممازج كدهن" هذا يكره ، لو أتيت بدهن وصبيت في الماء فالدهن ما يمازج الماء بل يطفو على الماء ، والصحيح أنه لا يكره ،
"وقطع كافور" الكافور : نوع من أنواع الطيب يستخدم منه قطع ويستخدم منه مسحوق فإذا أتيت بقطعة كافور ووضعته في الماء تغير طعمه ، يقول المؤلف بأنه يكره لأنه تغير بممازجة أو بمجاورة ؟ أنه جاوره ولم يمازجه وإذا كان مسحوقاً ووضعته بالماء فإنه مازجه لكن تغير الماء بالدهن تغير الماء بقطع الكافور هذا عن مجاورة ، ولهذا يقولون بأنه طهور مكروه ، لكن لو كان يتغير عن ممازجة يعتبرونه طاهر .
"أو بملح مائي " الملح : إما أن يكون مائياً ، وإما أن يكون معدنيا ، الملح المائي: هو الذي أصله الماء يصب الماء في بعض البقاع ، تجد يحفر الحفرة في بعض البقاع ويصب الماء تأتي بعد فترة تجد هذا الماء قد تجمد ملحاً ، فلو أتيت بملح مائي ووضعته في الماء يعتبرونه طهور مكروه ،لماذا ما حكم بأنه طاهر ؟ لأن الملح هذا أصله الماء ، والصحيح أنه طهور غير مكروه ، مثله أيضا ًالتراب ، مثلاً : أتيت بالماء ووضعت التراب فيه ، أصبح لونه أصفر ، أو فتح صنبور وخرج عليه ماء أصفر ، نقول : هذا الماء طهور ، لأن التراب أحد الطهورين ، فالإنسان يتطهر بالماء إذا لم يجد الماء يتطهر بالتراب
قوله: "لا مسخن بشمس أو طاهر" لو سخنت الماء بشمس ما يكره ، أو سخنت بطاهر مثل خشب أو غاز أو بنزين ، لا يكره طهور غير مكروه .
وإن خلت مكلفة بيسير لطهارة كاملة عن حدث لم يرفع حدث الرجل....................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإن خلت مكلفة" يعني امرأة مكلفة ، المكلفة : هي البالغة العاقلة .(1/9)
"بيسير" أي قليل ، وهو ما كان دون القلتين ، والكثير : ما كان القلتين فأكثر، مثلاً عندنا الآن امرأة خلت الماء ، ومعنى الخلوة هنا : لما يشاهدها مميز فما فوقها ، أي : ليس عندها مميز فما فوقها ، لو كان عندها غير مميز مثلاً ، عندها طفل لكنه سنة أو سنتان غير مميز نقول خلت ، لكن لو كان عندها مميز طفل له سبع سنوات لم تخل ، عندها بالغ لم تخل ، فالخلوة : لم يكن عندها مميز فما فوقها ، لو كان عندها أقل من مميز يعتبر خلوة
"لطهارة كاملة" أي توضأت وضوء كاملاً ، لو غسلت الوجه فقط ، أو تمضمضت أو استنشقت هذه ليست طهارة كاملة ،
"عن حدث" لو كان عن زوال خبث يجوز للرجل أن يتوضأ به ، فالشروط أربعة :
1 - الخلوة . …2 - أن يكون الماء يسيراً . 3 - أن تكون طهارة كاملة .
4 - أن يكون عن حدث .
إذا توافرت الشروط الأربعة لم يرفع حدث الرجل ، وعلى هذا لو أن مجنونة خلت بالماء وتوضأت به ، يرفع حدث الرجل .
لو أن صغيرة ليست بالغة خلت بالماء وتوضأت به يرفع حدث الرجل ، لو أن مكلفة خلت بماء طهور كثير ، يرفع حدث الرجل ، لو أنها خلت به لكن ليس عن طهارة كاملة يرفع حدث الرجل ، لو أنها خلت به لإزالة الخبث "النجاسة" يرفع حدث الرجل .
الثاني : طاهر : وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر غير ما مر,.................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو المشهور من المذهب .(1/10)
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم ، وأنه يرفع حدث الرجل حتى لو خلت امرأة مكلفة لطهارة كاملة بيسير عن حدث ، والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي ( اغتسل بفضل بعض أزواجه 3" ، اغتسل النبي ( بفضل ميمونة 4، وقالت : إني كنت جنباً ، فقال : الماء لا يجنب " ، والصحيح في ذلك أنه حتى ولو خلت المرأة بماء يسير عن حدث وهي مكلفة لطهارة كاملة أنه يرفع حدث الرجل .
وقوله : " لم يرفع حدث الرجل " يؤخذ منه أنه يرفع حدث المرأة ، ويؤخذ منه أيضاً أنه
يزيل خبث الرجل .
قوله"الثاني : طاهر : وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه بطاهر غير ما مر" .
الطاهر : هذا على إثبات على القول بثبوت قسم وهو يسمى الطاهر ، فالطاهر هذا : إذا تغير كثير من لونه أو ريحه بطاهرٍ ، والصحيح لا نسميه ماءً ، فإذا كان عندك ماء وصبيت عليه زعفران تغير طعمه ولونه ، هذا ما يسمى ماءً ، أو صبيت عليه حبر ، فهذا نقول : لا يسمى ماءً ، أو وضعت عليه شاي ، تغير طعمه أو لونه لا نسميه ماءً ، المهم الصواب في ذلك : أنه إذا انتقل عن اسم الماء المطلق لا نسميه ماءً ، فالماء طهور ما لم يتغير بنجاسة أو ينتقل عن اسم الماء المطلق بحيث لا يسمى ماءً.
أو رفع بقليله حدث أو غمس فيه كل يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/11)
قال : " أو رفع بقليله حدث " .. مثلاً توضأت غسلت الوجه الماء المتساقط ، فهذا مستعمل في رفع الحدث ، غسلت اليدين المتساقط هذا مستعمل في رفع الحدث ، تمضمضت أو استنشقت ، غسلت الرجلين ، إذا تجمع هذا الماء ، هذا يسمونه : طاهر ، لأنه قليل استعمل في رفع الحدث ، ومن الأمثلة على ذلك : لو أن انسان عنده ماء قليل وهو جنب ثم انغمس فيه بقصد الاغتسال رفع الحدث ، فهذا طاهر على المذهب ، فهو قليل استعمل في رفع الحدث .
وقوله " أو رفع بقليله الحدث " لو أن القليل استعمل لكن ليس رفع الحدث : مثلاً الغسلة الأولى هذه في رفع الحدث ، الغسلة الثانية ليست في رفع الحدث ، جمعنا الماء المتساقط
من الغسلة الأولى ، وجمعنا الماء المتساقط من الغسلة الثانية فالماء المتساقط من الغسلة الأولى يسمى : طاهر ، والماء المتساقط من الغسلة الثانية يسمى : طهور ، لأن المتساقط من الغسلة الثانية لم يستعمل في رفع الحدث ، وإنما استعمل في طهارة مستحبة ، والصحيح أنه لا فرق بين الغسلتين ، وأن كُلاً منهما : طهور .
قوله : " أو غمس فيه كل يد مسلم مكلف قائم من نوم ليل " .
هذا أيضاً من أنواع الطاهر ، وانظر الشروط ، الشرط الأول : لكي يكون الماء طاهراً :
1 - أن يكون الماء قليلاً : أي دون القلتين .
2 - أن تغمس كل اليد .
أو كان آخر غسلة زالت به النجاسة وانفصل غير متغير....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- أن تكون اليد لمسلم .
4 - أن يكون بالغاً عاقلاً .
5 - أن يكون قائماً من نوم الليل .(1/12)
لو جاء كافر وغمس يده ، فالماء يكون طهوراً ، لو جاء المجنون وغمس يده فهو طهور ، لو غمس بعض يده ، غمس الأصابع فقط فهو طهور ، لو أنه قائم من نوم النهار وليس من نوم الليل فهو طهور ، فلابد توفر الشروط هذه ، وهذا المشهور من المذهب ، والجمهور على خلاف ذلك فهم يقولون بأنه طهور ، حتى ولو غمست فيه يد مسلم مكلف قليل الماء قائم من نوم ليل الناقض للوضوء ،
ودليل الحنابلة في ذلك : حديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي ( قال : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده 5" ،
والجمهور يستدلون بأن الأصل في ذلك الطهورية ، وهذا القول هو الصواب .
النبي ( لم يتعرض لحكم الماء ، وإنما تعرض في الغمس ، قال : لا تغمس ، وما قال بأن الماء أصبح طاهراً وانتقل من الطهورية ، فالصواب في ذلك: أن الماء طهور.
قال : " أو كان آخر غسلت زالت بها النجاسة وانفصل غير متغير " .
الثالث:نجس : وهو ما تغير بنجس ، ويسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير..............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النجس على المذهب لابد من غسله سبع مرات ، الغسلة السابعة : يقولون بأن حكمها
حكم الطاهر ، إذا انفصلت غير متغيرة بالنجاسة ، إذا انفصلت وهي متغيرة بالنجاسة فهو نجس ، والصحيح أنها إذا انفصلت غير متغيرة فهي : طهور ، وإن انفصلت وهي متغيرة فهي نجس ، ويأتينا إن شاء الله أنه لا يشترط أن تغسل الأشياء النجسة سبع مرات ، هذا ليس شرطاً .
قوله:" الثالث:نجس : وهو ما تغير بنجس ، ويسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير".
يقول المؤلف الثالث من أقسام المياه : هو النجس، والنجس يشتمل على أمرين ،ذكر المؤلف :
1 - ما تغير بنجاسة ، وهذا ظاهر ، وهذا بالإجماع .(1/13)
2 - يسير لاقى نجاسة لا بمحل تطهير . اليسير : أقل من القلتين .
مثلاً : عندنا الآن إناء ، وقعت فيه نقطة بول ، على المذهب أنه نجس ، ما دام أنه وقعت فيه نقطة بول ، قالوا : أنه نجس ، لأنه إذا كان أقل من القلتين بمجرد ملاقات النجاسة ينجس
على المذهب حتى وإن لم يتغير ، والصحيح في ذلك كما تقدم أننا ذكرنا أنه إن تغير بالنجاسة فهو نجس ، وإن لم يتغير بالنجاسة فهو طهور
"لا بمحل تطهير" قول المؤلف : " لا بمحل تطهير " يخرج ما إذا كان التغير بمحل التطهير ، مثلاً : على الثوب نجاسة ، وأتيت بالماء وصبيت عليه ، الآن الماء هذا لاقى النجاسة ، هل نقول بأنه ينجس أو لا ينجس ؟ ، إذا قلنا بأنه ينجس فما استطعنا نطهر الماء هذا أصبح كل الثوب
ويطهر بإضافة كثير والكثير بزوال تغيره بنفسه وبنزح يبقى بعده كثيراً............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نجس . فهذا لا نحكم بأنه نجس .
قوله : " ويطهر بإضافة كثير والكثير بزوال تغيره بنفسه وبنزح يبقى بعده كثيراً " .
ذكر المؤلف رحمه الله بما يطهر الماء ، لما ذكر النجس ، ذكر كيف نطهر الماء النجس : فقال المؤلف رحمه الله : يطهر إن كان قليلاً أو دون قلتين ، بإضافة كثير ، وإن كان كثيراً يطهر بأمرين :
1 - يزوال تغيره بنفسه ، مثلاً عندنا ماء قلتين فأكثر ونجس ، تركناه لما مضى أسبوع أو أسبوعان ، إذا هو قد تغير فإذا زالت عنه الرائحة الكريهة من النجاسة ، فإنه يطهر .
2 - وبنزح يبقى بعده كثير : يعني نأخذ منه حتى تزول النجاسة ويبقى بعد ذلك كثير ، يعني : قلتين فأكثر .(1/14)
والصواب في ذلك أن : نقول بأن الماء يطهر بأي مطهر (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً) سواءً بالنزح ، أو بالإضافة ، بتغيره بنفسه ، بالطبخ ، بالمعالجات ، كما يوجد الآن معالجة مياه المجاري ، حيث أنه يعود إلى طبيعته ، المهم إذا عولج بأي طريق فإنه يطهر ، والدليل على ذلك : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، فإذا زالت بأي مزيل طهر المحل ،
" فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً " .
فإن بلغ الماء قلتين ، وهما أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري لم ينجس إلا بالتغير.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : " فإن بلغ الماء قلتين ، وهما أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري " .
يترتب على قول المؤلف رحمه الله أن الماء ينقسم من حيث الكثرة والقلة إلى قسمين :
1 - كثير . 2 - يسير .
فالكثير عنده ما بلغ قلتين ، والقلتان تثنية قلة : وهي : الجره العظيمة .
والقلتان هما : أربعمائة رطل وستة وأربعون وثلاثة أسباع رطل مصري .
الأرطال الآن غير موجودة ، لكن العلماء ذكروا وزن رطل بالمثاقيل ووزن بالجرامات ، فالرطل الواحد يساوي تسعين (90) مثقالاً .(1/15)
المثقال الواحد حده العلماء وزنه في الزمن السابق ، بحب الشعير ، ولكن الآن ضبط وزنه بالجرامات ، فاختلف المتأخرون وحد المثقال بالجرامات ، فقال بعض العلماء : بأن وزن المثقال بالجرامات يساوي 3.5 ، وقال بعضهم يساوي 4.5 وقال بعضهم يساوي 3036 إلى آخره، وأقرب الأقوال في ذلك أن المثقال الواحد يساوي بالجرامات 4,5 وهذا هو مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وعلى هذا هذه الأرطال تحولها إلى مثاقيل ثم بعد ذلك تحول المثاقيل إلى جرامات ثم بعد ذلك تحول الجرامات إلى كيلوات ، وهذه الطريقة أنت إذا فهمت وزن الأرطال بالمثاقيل والمثقال كم يساوي بالجرامات أيضاً نستطيع أن نخرج كم .
لم ينجس إلا بالتغير..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر الصاع النبوي ،وكم قدر المد ، إلى آخره،وتعرف نصاب الذهب وتعرف نصاب الفضة .
قال : لم ينجس إلا بالتغير ، مثال إذا كان عندك ماء يسير وقعت فيه : نقطة من البول "دون القلتين" أو نقطة من الدم المسفوح ، يقولون : ينجس بمجرد الملاقاة وإن لم يتغير ، إذا كان كثيراً (قلتين فأكثر ) ووقعت فيه نقطة من البول يقولون : بأنه طهور إلا إذا تغير ، والصواب في ذلك : أنه لا حاجة في تقسيم الماء إلى قليل وكثير إلى آخره ، وأن الماء طهور ، مالم يتغير بنجاسة أو بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق ، فالماء طهور ، وعلى هذا إذا كان عندك ماء ووقعت فيه النجاسة ننظر هل تغير أو لم يتغير ؟ ، فإن تغير فهو نجس ، وإن لم يتغير فهو طهور .(1/16)
ما هو دليلهم على هذا التقسيم : استدلوا بحديث ابن عمر : " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث 6" ، فيفهم منه أن دون القلتين يحمل الخبث وأنه ينجس بمجرد الملاقات ، وهذا الجواب عنه من وجوه ، وقد أطال ابن قيم رحمه الله في الجواب عن هذا الحديث في كتابه " تهذيب السنن سنن أبي داود" ، فالجواب عن هذا الحديث :
1- أن هذا الحديث ضعيف لا يثبت ، وأنه مضطرب وضعفه كثير من أهل العلم منهم : عبد البر والمجد وغيرهما من أهل العلم ضعفوا هذا الحديث .
2- أنه دل بمفهومه على أن ما دون القلتين يحمل الخبث ، ونقول : عندنا أحاديث أخرى
وإن شك في تنجس ماء أو غيره بنى على اليقين وإن اشتبه طهور بنجس لم يتحر ويتمم لعدم غيرهما..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دلت بمنطوقها على أن الماء طهور لا ينجسه شيء،وإذا تعارض المنطوق والمفهوم يقدم المنطوق
3 - نقول:صحيح يحمل الخبث- على فرض ثبوت الحديث- لكن متى يحمل الخبث؟
إذا تغير ، فإذا تغير طعمه أو لونه ، أو ريحه بالنجاسة ، فنقول يحمل الخبث .
قال : " وإن شك في تنجس ماء أو غيره بنى على اليقين " .
إذا شك في نجاسة ماء أو غيره ، مثلاً : إذا كان عندك ماء ، ثم وجدت في هذا الماء روث ، لا تدري هل هو روث حمار ـ نجس ـ أو روث بعير، فالأصل في هذا : الطهارة ، وهذا ينبني على قاعدة (اليقين لا يزول بالشك) ، وهذه القاعدة : في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه " أن النبي ( شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال ( : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً 7" .(1/17)
"تنجس ماء أو غيره " تنجس ماء تنجس ثياب تنجس بقعة يصلي عليها تنجس تراب إلى آخره .
نقول : إنه يبنى على اليقين وأن الأصل في ذلك : الطهارة .
"وإن اشتبه طهور بنجس لم يتحر ويتمم لعدم غيرهما " إذا كان الإنسان عنده إناءان ، إناء وقع فيه روث حمار وغيره ، وإناء وقع فيه روث بعير وتغير ، ولا يزال يسمى ماء ، فهذا
وإن اشتبه بطاهر توضأ وضوءاً واحداً من كل غرفة..............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طهور وهذا نجس ، اشتبه عليه ، لا يدري أيهما الطهور من النجس يقول المؤلف " لم يتحر " يعني ما ينظر،ما يستعمل القرائن ، ما يستعمل غلبة الظن،بل يتيمم إذا لم يكن غير هذان الماءان
الرأي الثاني : في هذه المسألة : قال به الشافعي رحمه الله ، أنه يتحر إذا أمكن التحر ، وكان عنده غلبة الظن "قرائن" تؤيد أن هذا النجس أو أن هذا الطهور ، فإنه يعمل القرائن والدليل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي ( قال : " فليتحر الصواب ، ثم ليبن عليه 8" ، فالصواب في هذه المسألة أنه يعمل القرائن إذا أمكن ، وإن أمكن أن يطهر أحدهما بالآخر ، بحيث أنه يضيف أحدهما إلى الآخر ويزول التغير منهما عمل ، لكن إذا لم يمكن يعمل بالقرائن ، إذا لم يمكن القرائن ، فإنه يتمم كما ذكر المؤلف .(1/18)
" وإن اشتبه بطاهر توضأ وضوءاً واحداً من كل غرفة .. " يعني : عندنا طهور، وطاهر هذا الإناء طهور ، وعندنا إناء آخر غمس فيه يد مكلف مسلم قائم من نوم الليل الذي ينقض الوضوء ، وعلى كلام العلماء رحمهم الله هذا الماء الذي غمس فيه يد مسلم مكلف ، يكون طهور ، فاشتبه طهور بطاهر ، يقول المؤلف : يتوضأ وضوءاً واحداً لا نقول : يتوضأ من الطهور وضوء ومن الطاهر وضوء لا ، بل يتوضأ من كل منهما غرفة من الطهور غرفة ومن الطاهر غرفة أي : يأخذ من الأول غرفة ويتمضمض ، ومن الثاني غرفة ويتمضمض ، غرفة ويغسل وجهه وغرفة ويغسل وجهه غرفة ويغسل يده اليمنى غرفة ، ويغسل يده اليسرى وهكذا ...
وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا نقول له توضأ من هذا وضوءاً ، ومن هذا وضوءاً ، وتوضأ من هذا وضوءاً ومن
هذا وضوءاً لأنه يقيناً توضأ بماء طهور ، لماذا لا نقول له ذلك ؟ لأنه في أثناء توضئه من هذا يتردد هل الطهور أو الطاهر ، فلا يكون هناك جزم بالنية والنية لابد من الجزم بها . أما لو توضأ أخذ من هذه غرفة وتمضمض واستنشق ثم أخذ غرفة وتمضمض واستنشق ، فهو يجزم جزم أنه تمضمض واستنشق ، وهذا التفريق كله كما تقدم بناءً على إثبات الطاهر ، وإذا قلنا أن الطاهر أصلا لا وجود له لا ترد عندنا هذه المسألة .
" وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة" .(1/19)
مثال : يعني عندنا عشرة ثياب طاهرة ، وعشرة ثياب أصابها بول (نجسة) ، يقول المؤلف رحمه الله يصلي بعدد النجسة ، فإذا كان عنده عشرة نجسة وعشرة طاهرة ، يصلي إحدى عشرة صلاة ، لأنه إذا صلى بعدد النجسة وزاد صلاة يكون يقيناً صلى بثوب طاهر ، لأنه يحتمل أن الصلاة الأولى تكون بثوب نجس والثانية بثوب نجس والثالثة والرابعة .. إلى العاشرة كل العشرة يحتمل تكون في ثوب نجس ، لكن إذا زاد الحادي عشرة ، فنقول : قطعاً يقيناً أن الصلاة الحادي عشرة تكون بالثوب الطاهر ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى .
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن هذا فيه مشقة ، قد تكون ثياب نجسة مائة ، والله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها ، فالصواب في هذه المسألة أنه يتحر ويصلي صلاة واحدة ، ودليل على ذلك كما تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه " أن النبي ( قال : فليتحر
وكذا أمكنة ضيقة ويصلي في واسعة بلا تحر....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب ثم ليبن عليه 9" .
" وكذا أمكنة ضيقة ويصلي في واسعة بلا تحر " .
الأمكنة لا تخلوا من أمرين : 1 - أن تكون ضيقة . 2 - أن تكون واسعة .
فإن كانت واسعة مثل الصحراء ، مثال : إنسان في صحراء ، وجاء شخص وبال في هذه الصحراء ، نقول : في أي مكان يصلي بلا تحر ، لكن الأقرب في ذلك : أنه إذا كانت النجاسة ربما أنه يصلي فيها لكونها قريبة منه فإنه يتحر .(1/20)
وإذا كانت ضيقة ، يعني هناك مكان طاهر ، ومكان نجس ، مثلاً : حجرة ضيقة جانبها نجس أو ثلاثة من جوانبها نجسة ، والجانب الرابع طاهر ، فإنه يصلي بعدد النجسة ويصلي ثلاث صلوات بعدد النجسة ، ويزيد صلاة رابعة ، فيصلي في جانب الأول والثاني والثالث والرابع ، فإذا صلى هذه الصلوات فإنه يقيناً صلى في مكان طاهر ،
والصواب في هذه المسألة كلها سواء كانت الأمكنة أو الثياب أو الماء إلى آخره أنه يتحر ، والدليل على ذلك : كما أسلفنا حديث ابن مسعود ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
ويباح كل إناء ولو ثميناً.....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
قوله " ويباح كل إناء ولو ثميناً " .
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام المياه شرع في أحكام الآنية ، لأن الماء جوهر سيال ، يحتاج إلى إناء يحفظ فيه ، والآنية لها مناسبتان :
1 - مناسبة في باب الأطعمة . 2 - مناسبة في باب المياه .
والشيء إذا كان له مناسبتان فإن العلماء رحمهم الله يذكرونه في أول المناسبتين ، لأن لا تفوت فائدة ذكره في المناسبة الأولى .
قال : " ويباح كل إناء " أفاد المؤلف رحمه الله في هذه الجملة أن الأصل في الآنية الإباحة ، فالأصل في الأواني الإباحة فلا يحرم من الأواني إلا ما حرمه الشارع ، سواء كانت الأواني من الخشب أو من الحديد أو من الصفر ، أو من النحاس إلى آخره ، والأصل في الأواني الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الشارع ، ويدل على ذلك قوله تعالى ( وهو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً } وأيضاً قول الله عز وجل ( والأرض خلقها للأنام } والنبي ( توضأ من تور من صفر10 ، وأيضاً من مزادة امرأة مشركة11 وغير ذلك .(1/21)
" ولو ثميناً " حتى ولو كان ثميناً ، مثل : الآن بعض الأواني تكون من الألماس ، أو تكون آنية من أحجار كريمة ، ونحو ذلك ،
غير إناء ذهب أو فضة ونحو مطلي بها..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول : الأصل في ذلك الحل حتى ولو كان ثميناً .
قوله: " غير إناء ذهب أو فضة ونحو مطلي بها .. " .
يقول المؤلف رحمه الله إلا إناء الذهب والفضة ، فإن هذين الإناءين غير جائزين، وكلام المؤلف رحمه الله في قوله " غير إناء ذهب أو فضة " يشمل استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب ويشمل استعمال إناء الذهب والفضة في غير الأكل والشرب ويشمل الاتخاذ دون الاستعمال ، فالمسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب ، فهذا محرم ولا يجوز ، وما ورد من خلاف في ذلك فهو ضعيف مردود ، ولا حاجة لذكر الخلاف في ذلك ، ويدل لهذا قول النبي ( " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة12 " ، وأيضاً قول النبي ( " الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم يوم القيامة13 " فهذان الحديثان وغيرهما دالان على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة .
" ونحو مطلي بهما " الطلاء يؤتى بقطع "بصحيفة" من الذهب والفضة وتوضع على الإناء ، يقول المؤلف لا يجوز الأكل والشرب في إناء الذهب والفضة سواء كان مسمتاً ، أي خالص من الذهب والفضة ، أو كان غير خالص ، يعني : مموه ، مطلي ، مطعم ، والتطعيم يحفر في
......................................................................................................................(1/22)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإناء حفرة يوضع فيها قطعة من الذهب وقطعة من الفضة ، مكفت - التكفيت : يوضع في الإناء على شكل الجدول الماء ، ثم يؤتى بخيوط من ذهب أو فضة وتوضع فيه ، هذه كلها محرم أيضاً ، وورد في الحديث " أو في شيء منهما14 " ، وهذه اللفظة بعض أهل العلم يثبتها وبعضهم ينفيها لكن ولو كانت هذه اللفظة منفية
عندنا قاعدة " أن النهي يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه " ، إذا نهاك الشارع عن شيء ، فإنه يشمل كل أفراد المنهي عنه يتعلق بأفراده ، ودليل على ذلك قول النبي ( " وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه15 " ، ولا يتحقق الإجتناب حتى يجتنب كله ، مثال : قال الله عز وجل بالنسبة للمحرم " ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " هنا نهى الله عز وجل عن حلق الرأس ، فنقول : يحرم على الإنسان أن يحلق رأسه كله ، ويحرم عليه أن يحلق شعرة واحدة ، لأن النهي هنا يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه ، فأيضاً هنا الشارع نهاك عن أن تأكل في آنية الذهب أو الفضة ، فنقول بأن هذا يحرم على الإنسان أن يأكل في المسمت أو يأكل فيه شيء من آنية الذهب والفضة حتى ولو كان فيه شيء يسير .
القسم الثاني : استعمالها في غير الأكل والشرب مثل استعمالها في الوضوء أو استعمالها في الغسل أو استعمالها في حفظ الأشياء ، استعمالها كأن تكون مكحلة ، أو كأن تكون دلاة توضع فيه الحبر ، وغير ذلك من الاستعمالات ، فهذا موضع خلاف : فالرأي الأول : رأي
..............................................................................................................................................(1/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمهور أهل العلم : أن هذا غير جائز ، ويستدلون بالحديث الذي سبق " أن النبي ( قال : "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة16 "
وقالوا : بأن سائر الاستعمالات تقاس على الأكل والشرب .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض أهل العلم ومنهم : الشوكاني ، والصنعاني ،وغيرهما قالوا : بأن استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب أن هذا جائز ، اقتصاراً على ما ورد النص ، فإن النبي ( لم ينه إلا عن الأكل والشرب ، وأيضاً استدلوا : " أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها جلجل من فضة أي : إناء صغير من فضة ، تحتفظ فيه بشعرات من شعر النبي ( 17" وهذا القول قوي ، ومع ذلك الأحوط للمسلم أن يجتنب الاستعمال حتى ولو كان في غير الأكل والشرب .
القسم الثالث : اتخاذ آنية الذهب والفضة .
والاتخاذ هو : عدم مباشرة الانتفاع . فيتخذ مثلاً : إبريقاً من الذهب أو إبريقاً من الفضة ، أو ملاعق من الذهب أو من الفضة ، ونحو ذلك قد يتخذ من هذه الأغراض التجمل ، أو حفظ الثمن أو نحو ذلك .
الرأي الأول : جمهور أهل العلم قالوا محرم ولا يجوز ، وقالوا بأن ما حرم استعماله حرم
إلا مضبباً بيسير من فضة لحاجة وتصح طهارة من إناء محرم................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتخاذه .(1/24)
والرأي الثاني : قالوا بأن الاتخاذ جائز وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله ، والأصل في ذلك الحل والجواز ، والنهي إنما ورد عن الأكل والشرب وهذا ليس أكلاً ولا شرباً .
" إلا مضبباً بيسير من فضة لحاجة ..18 " لما قال المؤلف رحمه الله يحرم استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب سواء كان خالصاً أو فيه شيء من الذهب والفضة ، استثنى الضبة اليسيرة : فلا بأس أن تستخدم إناءً من حديد فيه ضبة من فضة في الأكل والشرب ، ما هي الضبة : الضبة هي عبارة عن خيط من الفضة أو غيرها يربط به طرفي الإناء المنكسر ، فإذا كانت الضبة في إناء من حديد أو صفر ونحو ذلك يجوز للإنسان أن يأكل ويشرب فيه بشروط .
1 - أن تكون ضبة . 2 - أن يكون ذلك لحاجة .
3 - أن تكون من فضة . ……4 - أن تكون يسيراً .
" وتصح طهارة من إناء محرم " ، يقول المؤلف رحمه الله : تصح طهارة من إناء محرم ، فعندنا حكم تكليفي وحكم وضعي ، لا تلازم بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ، فهذا الإناء على رأي جمهور أهل العلم يحرم استعماله في الوضوء لأنه من فضة أو من ذهب ، لكن إذا جاء شخص وتوضأ منه ، فإن حدثه يرتفع مع كونه آثماً ، لأن النهي هنا لا يتعلق بذات.
وتباح آنية كفار وثيابهم إن جهل حالها ولا يطهر جلد ميتة بدبغٍ..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالمنهي عنه ، وإنما يتعلق بالشرط على وجه لا تعلق له
" وتباح آنية كفار وثيابهم إن جهل حالها " ، الأصل في آنية الكفار الإباحة ، فلك أن تأكل فيها وأن تتوضأ فيها إلى آخره ، وأيضاً الأصل في ثياب الكفار الإباحة والطهارة فلك أن تصلي فيها وأن تلبسها إلى آخره ، والدليل على ذلك عموم قول الله عز وجل ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً }.(1/25)
وذلك إذا كنا لا ندري حالها أهي طاهرة أم نجسة ، فإن الأصل في ذلك الطهارة ، كما تقدمت القاعدة : " اليقين لا يزول بالشك " ، لكن إن علمنا حالها وأنها نجسة فإنه يجب أن تغسل ، وحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل النبي ( : أنهم يأتون أرض أهل كتاب ، وأنهم لا يجدون إلا آنيتهم أفيأكلون في آنيتهم ، فقال النبي ( : " لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها19 " ،فالجواب عن هذا جوابان :
1 - أن هذا محمول على آنية عرفت نجاستها .
2 - أن المراد بذلك التنزه .
" ولا يطهر جلد ميتة بدبغٍ.. " الميتة : هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية .
جلد الميتة هل يطهر بالدبغ أو لا يطهر ؟
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا فيه خلاف
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله : أن جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ولا فرق عنده بين الميتة التي تؤكل إذا ذكيت وبين التي لا تؤكل
فيقول المؤلف : لا تطهر جلود الميتة بالدبغ ،
والدبغ هو : إزالة النتن والرطوبة من الجلد بمواد خاصة .(1/26)
وهذه المادة تختلف باختلاف الزمان ، أمور الدبغ في الزمن السابق ، النبي ( قال :" يطهرها الماء والقرَظ20 " أما الآن بسبب تقدم الصناعات فهناك أشياء خاصة والآن تستطيع أنها تدبغ الجلد وتزيل عنه رطوبته ونتنه إلى آخره ، المهم لو كان عندنا ميتة - شاة ماتت - أو بقرة ماتت أو عنز أو بعير مات ، فأخذنا جلدها فدبغناه ، يقول المؤلف رحمه الله : لا يطهر جلد ميتة بدبغ حتى ولو كانت مأكولة ، وهذا هو المشهور من المذهب ، واستدلوا بحديث عبدالله بن عكيم " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب21 " قوله بإهاب ، يشمل كل الميتات وهذا الحديث ضعيف لا يثبت ، والجواب عنه جوابان :
الأول : أنه ضعيف .
الثاني : أن المراد بالإهاب الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنتفاع به هو الجلد قبل دبغه ، وهذا ليس فيه محل خلاف .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : أن جلد الحيوان إذا كان الحيوان مأكولاً يطهر جلده بالدبغ ، وإن كان غير مأكول لا يطهر بالدبغ ، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستدلوا بحديث : شاة ميمونة رضي الله عنها " أن النبي ( مر بشاة يجرونها ، فقال النبي (: هل انتفعتم بإهابها ، فقالوا : إنها ميتة ، فقال:يطهرها الماء والقرظ22 " ، وأيضاً استدلوا بقول النبي ( : " دباغ الأديم ذكاته23 " جعل النبي ( الدبغ بمنزلة الذكاة ، فإذا كانت الذكاة تطهر الحيوان وتحله ، فكذلك أيضاً دبغ الجلد يطهره ويحله .(1/27)
الرأي الثالث : أن جلد الحيوان الطاهر في حال حياته ، هذا هو الذي يطهر ، يعني : لا يقيد بالمأكول هذا أعم ، وإنما يقولون : جلد الحيوان إذا كان الحيوان طاهراً في حال الحياة .وهذا رجحه شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية
الرأي الرابع : أنه يطهره كل جلد الميتة إلا جلد الإنسان والخنزير ، وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
الرأي الخامس : أنه يطهر كل جلد الميتة إلا الكلب والخنزير وهذا قال به مالك رحمه الله
ودليلهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أيهما إهاب دبغ فقد طهر24 " ، وهذا يشمل كل جلد .
ويباح استعماله بعده في يابس إن كان من طاهر في حياة................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأقرب الأقوال في هذه المسألة قولان :
1 - إما أن نقول الذي يطهر هو جلد الحيوان المأكول .
2 - أو تقول كل جلد وهذا القول يظهر أنه أقرب .
لكن عندنا فرق بين طهارة الجلد وبين استعماله فجلود السباع التي تفترس هذا نهى النبي ( عن استعماله ، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن افتراش جلود السباع25 ، ونهى عن ركوب النمار26 ، إلى آخره ، فجلد النمر والأسد والذئب والكلب وغير ذلك مع القول بأنها تطهر لكن استعمالها شيء ثاني ، هذا نهى عنه النبي ( .
" ويباح استعماله بعده في يابس إن كان من طاهر في حياة " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ، قال : ويباح استعماله بعد الدبغ لكن بشرطين :
1 - أن يكون في اليابس . 2 - أن يكون من حيوان طاهر(1/28)
فقولنا يستعمل في يابس ويخرج استعماله في المائعات ، فمثلاً : دبغنا جلد شاة ميتة على كلام المؤلف لا يطهر ، لكن يباح أن يستعمل في اليابسات ، نستعمل لحفظ البر ، لحفظ الأرز ، لحفظ الأواني ، لحفظ الملابس ، ولا يجوز استعمالها في المائعات ، في حفظ الماء نجعله قربة ، أو لحفظ السمن أو العسل ، فلا يجوز ذلك على قول المؤلف ، والصحيح أنه يطهر ما دام أنه جلد حيوان مأكول أو نقول ما دام أنه جلد حيوان دبغ أنه يطهر ، لكن إذا كان من جلود
من حيوان طاهر في حال الحياة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السباع لا يجوز استعماله .
من حيوان طاهر في حال الحياة : وعلى هذا إذا كان الجلد الذي دبغ من حيوان غير طاهر في حال الحياة ، فإنه لا يجوز استعماله حتى في اليابسات ، ما هو الحيوان الطاهر في حال الحياة ؟ هذا يشمل أموراً : الأمر الأول : الآدمي ، هذا طاهر سواءً كان مسلماً أو كافراً صغيراً أو كبيراً ذكر أو أنثى ويدل لذلك حديث أبي هريرة في الصحيحين ، أن النبي ( قال
" إن المؤمن لا ينجس27 " وأيضاً قال الله عز وجل " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فأباح الله عز وجل المحصنة من أهل الكتاب فهذا يدل على طهارتها ، لأن المسلم إذا تزوج يهودية أو نصرانية ، سيخالط هذه اليهودية أو النصرانية ، وإذا أجيز له أن يخالطها دل على طهارتها .
والجواب عن قول الله عز وجل ( إنما المشركون نجس} أن المراد نجاسة معنوية وليست حسية ، نجاسة الشرك والكفر بالله عز وجل .(1/29)
الأمر الثاني : الحيوان المأكول كل حيوان مأكول فهو طاهر في حال الحياة لكن إذا مات فهو نجس ، مثل : الشاة ، البقرة ، الإبل ، الطيور المأكولة إلى آخره .
الأمر الثالث : حيوان البحر فهذا طاهر في حال الحياة وفي حال الممات .
الأمر الرابع : ما يشق التحرز عنه ، مثل الفارة ، عرقها طاهر ، شعرها طاهر ، ريقها
وكل أجزاء الميتة ولبنها نجس غير شعر وصوف...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طاهر ، سؤرها - بقية الطعام - طاهر ، مخاطها طاهر ، لكن بولها وروثها ودمها نجس ، ومنيتها نجس ، وكذلك مثل : الهرة ، الحمار , البغل ، الذي يشق التحرز عنه لكثرة طوافه يطوف على الناس نقول أنه طاهر
الأمر الخامس : ما لا نفس له سائلة من الحشرات ، والهوام ، مثل الذباب والبعوض ، والخنفسة ، والعقرب ، والجعل ، والصراصير ، والنمل ، فهذه طاهرة في حال الحياة وفي حال الممات ، كل شيء إذا قتل لا يخرج منه دم يسيل فهو طاهر في حال الحياة وحال الممات .
" وكل أجزاء الميتة ولبنها نجس غير شعر وصوف .. " ، كل أجزاء الميتة نجسة لقول الله عز وجل ( حرمت عليكم الميتة} ، وحديث جابر " إن الله حرم بيع الميتة28 " وأيضاً في قصة شاة ميمونة رضي الله عنها : أن النبي ( قال : هلا انتفعتم بإهابها29 " فدل ذلك على أن ما عدا الإهاب أنه لا ينتفع به ، وأيضاً قول النبي ( "يطهرها الماء القرظ30 " ، يدل على أن الإهاب تنجس لكن يطهره الماء والقرظ ، من باب أولى أيضاً الحيوان حصل له النجاسة
لكن قول النبي ( " يطهره الماء والقرظ " بالنسبة للجلد دل على أن ما عداه نجس . نقول أن الميتة نجسة ،
لكن يستثنى من ذلك أشياء :(1/30)
1 - ما لا تحله الحياة ، الذي ليس له دم يسيل ، مثل : الشعر ، والصوف ، والوبر ،
وما أبين من حي كميتته......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والريش ، والقرون ، والأظلاف ، وألحق شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله بهذه الأشياء ، العظام ، فهذه الأشياء لا تنجس ، لأنه ليس فيها دم يسيل ولأن التذكية لإخراج الدم السائل ، هذه الأشياء لا تحتاج إلى التذكية فهو طاهر ، وقال الله عز وجل (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } فامتن الله عز وجل علينا بهذه الأصواف والأوبار والأشعار ، ومقضتى المنة أن تكون مباحة .
2 - الجلد إذا دبغ : إذا دبغ فإنه يطهر ، تقدم الكلام في ذلك .
3 - لبن الميتة : شيخ الإسلام يرى أن لبن الميتة إذا لم يتغير أنه طاهر ، لأن القاعدة عند شيخ الإسلام " أن المائعة لا تنجس إلا بالتغير " فلو كان عندنا شاة وماتت فسارعنا وحلبناها ، أو بقرة وحلبناها ، ننظر إن كان تغير فهو نجس ، وإن لم يتغير فهو طاهر .
4 - الإنفحة : وهذا سيأتي الكلام عليه في النجاسات إن شاء الله .
" وما أبين من حي كميتته " ويدل لهذا ما أخرجه الترمذي بإسناد حسن من حديث أبي وقاد الليثي أن النبي ( قال : " ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة31 " .
مثلاً : إذا قطعنا رجل شاة ، فهي نجسة ، لأن ميتة الشاة نجسة ، عندنا غزال قطعنا رجلها أو يدها فهي نجسة لأن ميتة الغزال نجسة ، عندنا حوت قطعنا رجله ، فهي طاهرة ، لأن ميتته حلال ، فالقاعدة في ذلك : أنه ينظر إلى ميتته ، هل هو طاهر أو نجس ، فإن كان طاهراً فما(1/31)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبين منه فهو طاهر ، وإن كان نجساً فما أبين منه فهو نجس .
يستثني العلماء رحمهم الله في ذلك :
1 - المسك وفأرته : المسك هذا مبان من حيوان طاهر في حال الحياة - مأكول- العلماء يقولون فيه غزلان تسمى بغزلان المسك ، وهذه الغزلان تجرى ، أي تجعل تجري بسرعة ، ثم بعد ذلك ينزل من عند السرة دم ، هذا الدم الذي تجمع عن السرة يربط بخيط بقوة ، ثم بعد فترة من شدة ربطه بالخيط ينفصل هذا الدم الذي انفصل يكون رائحته مسك ، هذا يسميه العلماء رحمهم الله : المسك وفأرته : وفأرته : وعائه . فهذا طاهر مع أنه منفصل من حيوان ميتة نجسة .
2 - الطريدة : أي المطرودة ، وذلك بأن يهرب الحيوان فيلحقه القوم ، هذا يقطع يده ، وهذا رجله إلى آخره ، فهذه اليد أو الرجل فهي طاهرة حلال .
3 - الولد والبيضة : فالولد والبيضة المنفصل من الحيوان فهو طاهر مع أن ميتته نجسة .
4 - ما لا تحله الحياة : الصوف والوبر والشعر أيضاً فهو طاهر .
باب الاستنجاء : يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله.................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الاستنجاء
" باب " الباب في اللغة : ما يدخل منه إلى المقصود .
وأما في الاصطلاح : فهو اسم لجملة من العلم يشتمل على فصول ومسائل غالباً .(1/32)
" الاستنجاء " مأخوذ من قولهم : نجوت الشجرة ، إذا قطعتها ، فكأن المتخلي يقطع الأذى بالاستنجاء .
وأما في الاصطلاح : فهو إزالة الخارج من السبيل بماء أو حجر ونحو ذلك : مثل المناديل والخرق والتراب وغير ذلك .
" يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث.."
قدم المؤلف رحمه الله الاستنجاء على الوضوء وسننه ، لأن هذا هو هدي النبي ( ولأن التخلية قبل التحلية ، الإنسان يتخلى من الأذى قبل أن يتحلى بالطهارة ، ولأن من العلماء من يرى أن مس الفرج ينقض الوضوء ، قد يحتاج المتخلي إلى مس فرجه .
الاستنجاء له آداب قولية وفعلية ، جاءت بها السنة ، وهذا يدل على كمال الشريعة وحسنها ، فإنها أتت بما يصلح العباد ، حتى في أمور قضاء الحاجة .
" يستحب عند دخول خلاء قول : بسم الله " هذا الأدب الأول ، أنه يستحب عند دخول الخلاء أن يقال " بسم الله " ، والخلاء : هو المكان المعد لقضاء الحاجة ، فإن كان يقضي حاجته في الصحراء فمتى يقول البسملة ؟ قال العلماء يقول البسملة عند رفع ثوبه ، ودليل هذا الأدب حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً " ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا
أعوذ بالله من الخبث والخبائث , وعند خروجه : الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني وتقديم يسرى رجليه دخولاً ....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل الكنيف أن يقول : باسم الله32 "،(1/33)
" أعوذ بالله من الخبث والخبائث " الخبْث بإسكان الباء : أي الشر : والخبائث : أي الشياطين ، وهذا أقرب ، فكأنه استعاذ من الشر وأهله ، ويدل لهذا حديث أنس رضي الله عنه أن النبي ( كان إذا دخل الخلاء قال : أعوذ بالله من الخبث والخبائث33 " وهو الأدب الثاني .
" وعند خروجه : الحمد الله الذي أذهب عني الأذى وعافاني " ، هذا الأدب الثالث لكنه ضعيف ، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه " كان النبي ( إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني 34".
وقد ضعفه أكثر أهل العلم ، وعلى هذا لا يشرع أن يقول هذا الذكر ، لأن العبادات توقيفية ، لكن يقول كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها " غفرانك 4"، وعلى هذا نقول بدل من هذا الذكر ، نستبدله بما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها وهو صحيح .
ومناسبة هذا القول " غفرانك " كما ذكر ابن القيم رحمه الله ، أن المتخلي لما تخفف من أذية الجسم فإنه تذكر أذية الإثم ، فسأل الله عز وجل أن يغفر له أذية الإثم وأن يخفف له . " وتقديم يسرى رجليه دخولاً " دخولاً : منصوب على الحال أي : داخلاً ، هذا الأدب
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/34)
الرابع ، إذا أراد أن يدخل بيت الخلاء فإنه يستحب أن يقدم رجله اليسرى دخولاً ، لأن اليسرى تقدم للخبائث واليمنى تقدم للطيبات ، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله ، وترجله ، وطهوره وفي شأنه كله " هذا في الصحيحين ، وأيضاً ما ثبت في الصحيحين " أن الإنسان إذا انتعل فليبدأ برجله اليمنى ، وإذا خلع فليبدأ باليسرى 4" وعلى هذا نقول ما يتعلق بتقديم اليمين واليسار هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما كان من قبيل الطيبات ، فهذا يقدم فيه اليمنى رجلاً أو يداً ، كالأكل والشرب ، واللبس ، لبس السروال ، أو ثوب أو فانيلا ، يقدم اليمين ، الوضوء الغسل تقدم اليمين .
القسم الثاني : ما كان من قبيل الخبائث : تقدم فيه اليسرى ، كالاستنجاء والاستجمار خلع النعل ، خلع الثوب ، أو خلع السروال ، يبدأ بجانبه الأيسر ، ولهذا يدل حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيحين " أن النبي ( قال : و لا يتمسح من الخلاء بيمينه 35" ، وقال " لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول 36" وإنما يمسك بيساره .
القسم الثالث : ما كان متردداً بين الأمرين : أي لم يظهر فيه التكريم ولم يظهر فيه الإهانة . فالأصل تقديم اليمنى ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كان يعجبه التيمن " وقالت " وفي شأنه كله 37" هذا مما يدل على أن ما كان متردداً فإن الأصل أن يقدم
واعتماده عليها جالساً, و اليمنى خروجاً عكس مسجد ونحوه عكس مسجد ونحوه وبعده في فضاء واستتاره..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه اليمنى .(1/35)
" واعتماده عليها جالساً " ، الأدب الخامس : يعني أثناء قضاء الحاجة يعتمد على رجله اليسرى ، ودليل ذلك حديث سراقة قال " أمرنا رسول الله ( أن نتكأ على اليسرى وأن ننصب اليمنى 38" وأيضاً قالوا : بأن هذا أسهل لخروج الخارج ، وعلى كل حال الإنسان يفعل ما هو أسهل له ، أما الاعتماد على هذا الحديث ، فهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، ولكن إذا ثبت أن هذا أسهل لخروج الخارج ، فنقول : الإنسان يفعل ما هو أسهل له
" واليمنى خروجاً عكس مسجد ونحوه " الأدب السادس : إذا أراد الإنسان أن يخرج من الخلاء فإنه يقدم اليمنى كما تقدم أنه يقدم اليسرى عند الدخول .
" عكس مسجد ونحوه " المسجد إذا أراد أن يخرج منه فإنه يقدم اليسرى ، وإذا أراد أن يدخل يقدم اليمنى " ونحوه " مثل المنزل ، إذا أردت أن تخرج من منزلك تقدم اليسرى ، وإذا أردت أن تدخل منزلك تقدم اليمنى ومثل ذلك أيضاً : لبس الثوب والنعل وإذا أردت أن تلبس الثوب تقدم اليمنى وإذا أردت أن تخلع تقدم اليسرى وعلى هذا فقس .
" وبعده في فضاء " الأدب السابع يستحب للإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته أن يبتعد في الفضاء بحيث لا يراه أحد ليس المقصود هنا ستر العورة ، المقصود : أن لا يرى أحداً شيئاً من جسمه ، هذا هو السنة ، ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة ، وفيه بعد النبي ( ،
وطلب مكان رخوٍ لبوله ومسح ذكره بيسرى يديه إذا فرغ من دبره إلى رأسه ثلاثاً..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث جابر " أن النبي ( كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد 39" ،
" واستتاره " الأدب الثامن . ستر العورة ينقسم إلى قسمين :
1 - استتار واجب : وهو حفظ العورة ، وهذا واجب ويدل لذلك قول الله عز وجل(1/36)
(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}وأيضاً قول النبي ( ، حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك 40" .
2 - استتار مستحب : وهو أن لا يرى شيئاً من جسمه كما تقدم من حديث المغيرة ، وحديث جابر رضي الله عنهما .
" وطلب مكان رخوٍ لبوله " الأدب التاسع : إذا أراد أن يبول يطلب مكاناً رخواً لبوله أي : هشاً لينا ليس صلباً ، لأن الحجارة الصلبة هذه تؤدي إلى أن يرتد إليه شيء من البول ، والدليل على ذلك : سائر الأدلة في التنزه من البول مثل :
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين : " أن النبي ( مر بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما : فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله 41" وأيضاً قول البني ( "
ونتره كذلك وتحوله ليستنجى إن خشي تلوثاً..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه 42" ، وأيضاً في سنن أبي داود " إذا بال أحدكم
فليرد لبوله 43" .
" ومسح ذكره بيسرى يديه إذا فرغ من دبره إلى رأسه ثلاثاً " .
الأدب العاشر: إذا انتهى الإنسان من بوله يقوم بالمسح من الدبر إلى رأس الذكر .
وما هلي العلة في ذلك ؟ قالوا : العلة في ذلك لكي يخرج ما قد تبقى من البول ، وهذا المسح(1/37)
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يرى أنه بدعة ، ولم يثبت فيه شيء عن النبي ( ، وهذا يؤدي إلى السلل ، والذكر كالضرع إن حلبته در وإن تركته قر إذا كان الإنسان يمسح هذا يؤدي إلى أن يدر البول يخرج منه ، وإن تركه الإنسان فإنه يقر البول فالصواب في ذلك أن هذا المسح ليس من الآداب ، بل هو كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأنه بدعة .
" ونتره كذلك " الأدب الحادي عشر : قال بعض العلماء نتره بالنفس ، يعني بنفسه حتى يخرج بقية البول ، وهذا كما تقدم لنا ، أن شيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه بدعة ، وما ثبت فيه شيء صحيح عن النبي ( .
" وتحوله ليستنجى إن خشي تلوثاً " الأدب الثاني عشر : أنه يتحول ، يعني إذا قضى حاجته فأراد أن يستنجي بالماء يتحول ، لأنه ربما يسكب الماء على شيء من النجاسة ، فتعود هذه النجاسة إلى نفس المستنجي ، وهذا دليلها كما أسلفنا ، سائر الأدلة التنزه من البول لكن الآن
ويكره دخوله بمافيه ذكر الله بلا حاجة.............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في أماكن قضاء الحاجة في الحمامات ، فهذه الأشياء تذهب ، لكن إذا كان في غير
الحمامات مثل دورة المياه وغيرها فهذا صحيح ممكن .
" ويكره دخوله بما فيه ذكر الله بلا حاجة " ، الأدب الثالث عشر : دخوله بما فيه ذكر أنه ينقسم إلى قسمين :
1 - دخوله بالمصحف ، وهذا ينص العلماء رحمهم الله على أنه محرم ولا يجوز ، ولو كان محفوظاً في الجيب ونحو ذلك ، اللهم إلا إذا خشي عليه من السرقة ونحو ذلك(1/38)
2 - دخوله بما فيه ذكر الله غير المصحف ، والمراد : مطلق الذكر ليس خصوص لفظ الجلالة ، يعني بما فيه شيء من أسماء الله أو صفاته ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه مكروه .
" بلا حاجة " يعني إن كان هناك حاجة لا بأس مثلاً : كأوراق يصعب عليه أن يتركها خارج بيت الخلاء أو مثلاً نقود يخشى عليها من السرقة ونحو ذلك فهو يحتاج إلى أن يجعلها في جيبه فيقول المؤلف رحمه الله بأنه يكره إلا إذا كان هناك حاجة فإن الحاجة تبيح المكروه .
والرأي الثاني : عدم الكراهة ،
ولكل منهما دليل : أما من قال بالكراهة فاستدلوا بأن النبي ( إذا أراد دخول الخلاء نزع خاتمه ، وخاتم النبي ( كان مكتوباً فيه " محمد رسول الله " وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه وهو ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، وإذا كان ضعيفاً لا يثبت فنقول الأصل في ذلك الحل ،
ورفع ثوبه قبل دنوه من أرض.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا الرأي الثاني : قالوا عدم الكراهة ، قالوا بأن الأصل في ذلك الحل ، وهذا هو الأقرب
ولأنه قد يشق على الناس ، كون الإنسان معه نقود ومعه أوراق ربما إذا دخل بيت الخلاء تضيع منه هذه الأوراق أو ينساها أو تؤخذ إذا كان في مكان عام ونحو ذلك ، وعلى
هذا نقول الصحيح أنه لا يكره لكن هذا أولى ، يعني إن أخرجها الإنسان فهذا هو الأولى ، لكن نحكم عليه بالكراهة هذا فيه نظر مع أن ثبوت الحديث فيه نظر .
" ورفع ثوبه قبل دنوه من أرض " هذا الأدب الرابع عشر : يقول المؤلف رحمه الله :(1/39)
يكره أن يرفع ثوبه قبل دنوه من الأرض ، يعني : إذا أراد أن يقضي حاجته : فإنه لا يستعجل في رفع الثوب حتى يدنو من الأرض ، فإذا دنى من الأرض يرفع ثوبه ، وهذا دليله : الأمر بحفظ العورة ، كما في قول الله عز وجل ( والذين هم لفروجهم حافظون . إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ، وأيضاً حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي ( قال : " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك 44" ، وهذا ما ذكره الفقهاء رحمهم الله يدل على دقة العلماء رحمهم الله وامتثالهم بالأمر في حفظ العورة ، حتى ولو كان الإنسان في بيت الخلاء فإن الإنسان لا يتعمد رفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، وهذا كله من العلماء رحمهم الله في المحافظة على حفظ العورات ، وهذا بخلاف ما عليه اليوم كثير من الناس ، فإن كثير من الناس اليوم يتساهل في ستر العوره " كشف العورة" ، تجد عند اللعب ،
وكلامٍ فيه.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى في غير اللعب تجد أنهم يتساهلون في حفظ العورات ، وهذا كله من الخطأ ، يعني إذا كان الإنسان سيقضي حاجته وهو في بيت الخلاء ، العلماء يقولون لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ، وهذا كله من تمام حفظ العورة الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم وأن ما عليه كثير
من الناس اليوم من الذكور والإناث تساهل في حفظ العورات هذا خلاف ما دعت إليه الشريعة .
" وكلام فيه " الأدب الخامس عشر : من أراد أن يتخلى يكره أن يتكلم ، كلامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - الكلام حال قضاء الحاجة ، فهذا ظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه مكروه ، ودليلهم(1/40)
على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجلاً مر بالنبي ( فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه السلام 45" ، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن الكلام حال قضاء الحاجة أنه لا يجوز ، وقالوا بأن ظاهر الحديث كون النبي ( ترك
رد السلام وهو واجب ظاهره أنه لا يجوز الكلام ، لأن رد السلام واجب ولا يترك الواجب إلا لأمر محرم .
2 - الكلام حال الاستنجاء : كون الإنسان يتكلم وهو يستنجي لا يقضي حاجته وإنما يستنجي ، فهذا الأصل فيه الإباحة ، لأن الذي ورد "وهو يبول" وهو يقضي حاجته .
وبوله في نحو شق ومس فرجه بيمينه...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - الكلام حال الوضوء ، حال الغسل : فإن هذا أيضا ًجائز ولا بأس به والنبي ( تكلم وهو يغتسل ، كما في حديث أم هانئ ، لما جاءت النبي ( وهو يغتسل ، وذكرت له أنها أجارت رجلاً من أقاربها ، فقال النبي ( " أجرنا من أجرت يا أم هانئ 46" فالنبي ( تكلم فنقول : الذي ينهى عنه هو الكلام حال قضاء الحاجة .
4 - الكلام للضرورة ، كما لو احتاج إلى أن ينبه شخصاً يريد أن يقع في هلكه أو أن يحذره من شر وكأن يحذر شخصاً من عقرب أو حية ونحو ذلك ، فإن هذا جائز بل هو واجب . إن عطس أو سمع مؤذناً أثناء قضاء الحاجة أو وجد سبب من أسباب الذكر كما لو سمع نباح كلب أو نهيق حمار ، أو صياح ديك ونحو ذلك ، فهل يأتي بالذكر المشروع وهو يقضي حاجته أو لا ؟ العلماء قالوا بأنه يفعله بقلبه ما دام أنه في حال قضاء الحاجة .(1/41)
" وبوله في نحو شق " الأدب السادس عشر : الشق واحد الشقوق ، وهو ما يتخذه الدبيب والهوام بيتاً له في الأرض أو في الجدار ونحو ذلك ، فيقول المؤلف رحمه الله يكره أن يبول فيه ، ودليل ذلك هو سائر الأدلة الدالة على التنزه من البول كحديث ابن عباس وغيره ، لأن الإنسان إذا بال في هذا الشق فإنه لا يأمن أن يخرج عليه شيء من هذه الهوام ونحوها فيؤذيه ويؤدي إلى أن ينتقل من مكان إلى مكان آخر فيحصل له التلوث بالبول ، وكذلك أيضاً يفسد على هذا الساكن مسكنه .
" ومس فرجه بيمينه " الأدب السابع عشر : يكره للإنسان أن يمس فرجه بيمينه وهو
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبول ويدل لذلك حديث أبي قتادة أن النبي ( قال : لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه 47" ، وقالوا بأن هذا مكروه ،
والرأي الثاني : ما عليه الظاهرية أن مس الفرج أثناء البول أنه محرم ولا يجوز ، والأقرب في هذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه يكره لأن هذا من قبيل الأدب ، والذكر إنما هو بضعة من الإنسان ، فيكره أن يمس فرجه بيمينه أما التحريم فهذا غير ظاهر .(1/42)
وهل يلحق بذلك إذا كان لا يبول النبي ( قال : " وهو يبول" لكن إذا كان لا يبول هل نقول يكره أن يمس فرجه بيمينه أو غير مكروه؟ المشهور من المذهب أن هذا مكروه ، يكره أن يمس فرجه بيمينه حتى وهو لا يبول و العلة في ذلك : قالوا : بأن النبي ( نهى الإنسان أن يمس فرجه بيمينه وهو يبول مع أنه يحتاج إلى ذلك ، ففي عدم الحاجة من باب أولى، لأنه إذا كان يبول يحتاج إلى أن يمسك ذكره فمع عدم الحاجة من باب أولى فيكره .
والرأي الثاني : أنه لا يكره ، وإنما المكروه أو مورد النهي وهو يبول قول النبي ( " وهو يبول " لأن كونه يمسك ذكره بيمينه وهو يبول مظنة تلوث بالنجاسة ، فقالوا بأنه لا يكره ، وإنما النهي وارد فيما إذا كان يبول ، والأقرب والله أعلم : إنما هو بضعة من الإنسان ، وأن الإنسان لا يكره أن يمس ذكره وهو لا يبول ، لكن الأولى أن يترك ذلك إلا عند الحاجة .
واستنجاؤه بها بلا عذر, واستقبال شمس أو قمر وحرم لبثه فوق حاجته.................................................................................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" واستنجاؤه بها بلا عذر " الأدب الثامن عشر : كما تقدم في حديث أبي قتادة أن النبي ( قال " ولا يتمسح من الخلاء بيمينه 48" ، وهذا الحديث في الصحيحين ، فيكره ،
تقدم الخلاف أن أكثر أهل العلم أنهم يرون أن هذا مكروه ، وعند الظاهرية أنه محرم ولا يجوز
" بلا عذر " فإذا كان معذوراً فلا بأس كما لو كانت يده اليسرى مقطوعة أو مشلولة أو مجروحة ، ونحو ذلك فإنه يتمسح من الخلاء بيمينه.(1/43)
" واستقبال شمس أو قمر " الأدب التاسع عشر : يكره حال قضاء الحاجة أن يستقبل الشمس أو القمر ، قالوا العلة في ذلك لما فيهما من نور الله عز وجل ، وهذا التعليل ضعيف ، والصواب أن استقبال الشمس أو القمر حال قضاء الحاجة لا بأس به ، ويدل لذلك حديث أبي أيوب أن النبي ( قال : لا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا 49" ، فإذا شرق الإنسان أو غرب فإنه سيستقبل الشمس أو القمر ، وأيضاً يلزم من ذلك ألا يستقبل
النجوم ، وهذا متعذر ، وقد يكون متعذراً كونه لا يستقبل النجوم ، لأن النجوم فيها من نور الله عز وجل فهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله نقول بأنه ضعيف .
" وحرم لبثه فوق حاجته " الأدب العشرون : يحرم أن يلبث فوق حاجته بمعنى أن الإنسان إذا انتهى من قضاءالحاجه فإنه يبادر في الاستنجاء والاستجمار وستر العورة ونحو
وبوله وتغوطه بطريق أو ظلٍ نافع أو مورد ماء...................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك ، ولا يلبث فوق حاجته ، وعللوا لعلتين : العلة الأولى : لما في ذلك من كشف العورة بلا حاجة ،والعلة الثانية : قالوا بأن هذا مضر عند الأطباء ، وإن ثبت أنه مضر عند الأطباء فيقال بالتحريم ، وإلا فالذي يظهر والله أعلم أنه لا يحرم ، لكن يكره .
" وبوله وتغوطه بطريق أو ظلٍ نافع أو مورد ماء وتحت شجر عليه ثمر " ، الأدب الحادي والعشرون : يحرم أن يبول أو يتغوط في الأماكن التي يحتاجها الناس وينتفعون بها ، وهذا(1/44)
يشمل الطريق ، ويشمل الظل النافع ، ويشمل المكان الذي يتخذه الناس مشمساً في زمن الشتاء ، ويشمل مثل الحدائق وأماكن جلوس الناس والأسواق ، وغير ذلك ، المهم كل الأماكن التي يحتاج إليها الناس للانتفاع بها فإنه لا يجوز للإنسان أن يقذرها عليهم ، ويدخل في ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله من الطريق والظل النافع ومورد الماء ويدل لهذا مما في صحيح مسلم أن النبي ( قال : اتقوا اللاعنين ، قالوا : وما اللاعنان ؟ قال : الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم 50".
وفي حديث معاذ أن النبي ( قال : اتقوا الملاعن الثلاث ، البراز في الموارد ، وقارعة الطريق والظل 51" وهذا أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وما ذكره النبي ( ليس على سبيل الحصر وإنما هو على سبيل المثال .
وتحت شجر عليه ثمر ويستجمر ثم يستنجي ويجزئ أحدهما.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتحت شجر عليه ثمر " اشترطوا في هذا الثمر أن يكون مقصوداً وينتفع به ولو كان غير مأكول ، مثل القطن ، ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه إن كان الشجر ليس عليه الثمر فإنه يجوز إلا إن كان ينتفع به للاستظلال كما تقدم ، المهم القاعدة في ذلك أن كل مكان يحتاجه الناس أو الأشجار إذا كان عليها ثمار ، فإنه لا يجوز أن يقذره عليهم ، فإن لم يكن عليها ثمر ، والناس لا يحتاجون إليها للجلوس فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به .
" ويستجمر ثم يستنجي ويجزئ أحدهما " الأدب الثاني والعشرون : إذا انتهى من قضاء حاجته فالمستحب أن يبدأ أولاً بالاستجمار ثم بعد ذلك بالاستنجاء ، السنة أن يجمع بين هذين(1/45)
الأمرين : الاستجمار والاستنجاء ، يبدأ بالاستجمار فيستجمر ، يمسح الخارج من السبيل بالحجارة أو بالمناديل ونحو ذلك ثم بعد ذلك يستنجي بالماء ، وهذا هو السنة لقول عائشة رضي الله عنها " مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحييهم ، وإن رسول الله ( كان يفعله 52" ، وهذا الحديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه الترمذي ، لكن فيه ضعف ، وأيضاً ثبت أن أهل قباء كانوا يفعلون ذلك يجمعون بين الاستنجاء والاستجمار ، وأيضاً أن هذا أبلغ في التنظيف والتطهر ، والله عز وجل يحب التوابين ويحب المتطهرين ، هذه
هي المرتبة الأولى ،
إلا إذا جاوز الخارج المعتاد فيجب الماء.................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرتبة الثانية : أن يقتصر على الاستنجاء،وهل يقدم الاستنجاء ، أو الاستجمار ؟ هذا موضع خلاف بين السلف ، والذي يظهر والله أعلم أنه يقدم الاستنجاء على الاستجمار ، لأن الإستنجاء أبلغ في التنظيف من الإستجمار .
ثم بعد ذلك في المرتبة الثالثة : يقتصر على الإستجمار ، وهذا ثابت عن النبي ( كما في حديث سلمان ، وحديث ابن مسعود ، وحديث أبي هريرة ، وغير ذلك من الأحاديث .
" إلا إذا جاوز الخارج المعتاد فيجب الماء " ، أن الخارج من البول والغائط إذا تجاوز ما ينتشر إليه عادة ، فإنه يجب الماء ، مثلاً البول في العادة إذا بال الإنسان أن ينتشر حول الفتحة "فتحة الذكر" ، لو أنه تجاوز إلى الحشفة تعدى ، يقول : ما تجزئ الاستجمار لابد أن يستنجي بالماء ، أيضاً بالنسبة عند قضاء الحاجة إذا تجاوز الغائط المحل الذي انتشر إليه في العادة تجاوز(1/46)
إلى شيء من الصفحتين (صفحتي الدبر) ، فيقول المؤلف رحمه الله بأنه لا يجزئ إلا الماء في هذه الحالة ، وقال : شيخ الإسلام رحمه الله : إذا تجاوز إلى النصف يجزئ الاستجمار (أي إذا تجاوز إلى نصف الحشفة ، وأيضاً نصف الصفحة) هذا الرأي ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة ،
والرأي الثالث : وهو كذلك رأي شيخ الإسلام رحمه الله أنه يجزئ الاستجمار ، ولو تجاوز النصف أو تجاوز محل العادة ، وهذا القول هو الصواب لعمومات أدلة الاستجمار.
" ولا يصح استجمار إلا بطاهر " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن آداب قضاء الحاجة شرع ما يفعله الإنسان بعد قضاء الحاجة ، تقدم منه بعد قضاء الحاجة له ثلاثة مراتب ، إما أن يجمع بين الاستنجاء والاستجمار ، إما أن يقتصر على أحدهما كما تقدم ، الآن شرع المؤلف رحمه
ولا يصح استجمار إلا بطاهر مباح منقٍ غير عظم وروث...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله في بيان شروط الاستجمار ، فالشرط الأول : أن يكون ما يستجمر به طاهراً ، وعلى هذا لا يصح الاستجمار بالنجس ، لأن " النبي ( لما أتاه ابن مسعود بحجرين وروثة ، أخذ النبي ( الحجرين ورد الروثة ، وقال هذا رجس 53" .
" مباح " هذا الشرط الثاني : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لا يصح الاستجمار بالمغصوب أو المسروق أو المنتهب أو المختلس ، ولو استجمر ما صح ، والصواب في ذلك أن الاستجمار بهذه الأشياء أنه يصح لكنه محرم ، ومحرم لكونه استعمل المغصوب ، والمنتهب والمختلس ، الواجب أن يردها على صاحبها .(1/47)
" منق " هذا الشرط الثالث : أن يكون منقياً ، وعلى هذا لو استجمر بشيء لا ينقي فإنه لا يجوز كالأملس ، كالزجاج ونحو ذلك ، من الأحجار الملساء ، هذه لا تنقي ، فلو مسح ثلاث مسحات أو خمس أو سبع فإنها لا تنقي ، وإذا كان كذلك فإنه لا يجزئ الاستجمار بها .
" غير عظم وروث " هذا الشرط الرابع : أن يكون غير عظم وروث فلا يجزئ الاستجمار بالعظام ولا يجزئ بالروث ، لأن النبي ( نهى عن ذلك ، وقال : " لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنها زاد إخوانكم الجن 54" ، فهذه العظام والروث لما اجتمع النبي ( بالجن وسألوه عن زادهم وزاد دوابهم
وطعام ويشترط ثلاث مسحات منقية ..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ( : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عز وجل عليه تجدونه أوفر ما يكون لحماً ، وكل روثة علف لبهائمكم 55" فلا يصح الاستجمار بهذه الأشياء وعلى هذا لو استجمر بهذه الأشياء لا يجزئ على المذهب لابد من الماء ، وقال شيخ الإسلام رحمه الله يصح الاستجمار بها نهي عنه كالعظام والروث ، وإن كان يأثم ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، والعلة هي النجاسة . وقد زالت النجاسة بهذا الاستجمار ،
والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه المؤلف، أنه لا يجوز ولا يجزئ ، لأن النبي ( نهى عن ذلك ، والنهي يتوجه إلى ذات المنهي عنه ، فالأقرب أنه لا يجزئ .(1/48)
"وطعام " هذا الشرط الخامس : أن يكون غير طعام ولو لبهيمة ، فلا يجزئ طعام الآدميين ، ولا يجزئ أيضاً الاستجمار بطعام البهائم ، والعلة في ذلك : أنه نهي عن الاستجمار بطعام البهائم ، لأنه نهي عن الاستجمار بطعام الجن وبهائم الجن ، فطعام الإنس وطعام بهائم الإنس من باب أولى ، وأيضاً لما في ذلك من الكفر بالنعم .
" ويشترط ثلاث مسحات منقية " هذا الشرط السادس : أن يكون الاستجمار بثلاث مسحات منقية ، ويدل لهذا حديث سلمان قال : "نهانا رسول الله ( أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " ، وأيضاً حديث ابن مسعود ، وغير ذلك .
" منقية " أي مزيلة لعين الخارج حتى لا يبقى أثر لا يزيله إلا الماء وهذا كما سيأتي ضابط
تعم كل مسحة المحل, فإن لم تنق زاد ، ويستحب قطعه على وتر ويجب لكل خارج غير ريح وطاهر.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التطهير بالإستنجاء وضابط التطهير بالإستجمار .
" تعم كل مسحة المحل " لابد أن تعم كل مسحة المحل - ثلاث مسحات ، وكل مسحة لابد أن تعم المحل - يعني المحل الذي يكون انتشار الخارج إليه .
" فإن لم تنق زاد ، ويستحب قطعه على وتر " هذه الثلاث مسحات واجبة لما تقدم من حديث سلمان قال : " نهانا رسول الله ( أن نستنجي بأقل من ثلاث أحجار 56" إذا لم تنق فإنه يزيد رابعة وجوباً ، إذا أنقى بأربع فإنه يزيد خامسة استحباباً ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " من استجمر فليوتر 57" فإذا لم ينق بخمس زاد سادسة وجوباً ثم بعد ذلك سابعة استحباباً .(1/49)
" ويجب لكل خارج غير ريح " يجب الاستنجاء والاستجمار لكل خارج سواء كان معتاداً كالبول أو غير معتاد كالمذي ، فيجب الاستنجاء أو الاستجمار ، والصحيح في ذلك أن غير المعتاد إن كان طاهراً فإنه لا يجب له الاستنجاء أو الاستجمار كما سيأتي .
" غير ريح " الأمر الأول : الريح لا يجب لها الاستنجاء أو الاستجمار لأن الريح طاهرة .
" وطاهر " الأمر الثاني : الطاهر مثل : المني فإنه لا يجب له الاستنجاء والاستجمار ، الولد - إذا ولدت المرأة بلا دم لا يجب الاستنجاء أو الاستجمار ، وأيضاً : رطوبة فرج المرأة
وما لا يلوث ولا يصح وضوء ولا تيمم قبله................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا طاهر لا يجب لها الاستنجاء ولا الاستجمار .
" وما لا يلوث " الأمر الثالث : الخارج الذي لا يلوث ، كما لو خرج من الإنسان بعر ناشف ، أو خارج منه حصاة غير ملوثة فهنا لا يجب الاستنجاء ولا الاستجمار .
" ولا يصح وضوء ولا تيمم قبله " أي قبل الاستنجاء والاستجمار ما يصح الوضوء ولا التيمم ، لابد أن يستنجي أو يستجمر أولاً ثم بعد ذلك يتوضأ أو يتيمم واستدلوا على ذلك بحديث المقداد أن النبي ( قال " يغسل ذكره ثم يتوضأ 58" ، فأتى بـ"ثم" وهذا يقتضي الترتيب(1/50)
والرأي الثاني : أنه يصح أن يتوضأ قبل أن يستنجي أو يستجمر ، وهذا اختيار الشيخ السعدي رحمه الله ، والعلة أو الدليل على ذلك " أن الاستنجاء والاستجمار ليس من فروض الوضوء ليس من أركان الوضوء الاستنجاء والاستجمار لإزالة النجاسة - تطهير النجاسة - ، لا علاقة بين الاستنجاء والاستجمار وبين الوضوء ، وعلى هذا لو أن الإنسان استنجى الصباح وتوضأ الظهر صح ذلك ، وهذا القول هو الصواب ، وأما الحديث فإنه ورد " بثم" وورد أيضاً " الواو" ، وأما بالنسبة لرواية الترتيب "بثم" فنقول هذا محمول على غالب الغالب أن الإنسان يستنجي ثم يتوضأ فالصواب في ذلك أن هذا جائز ولا بأس به ، لأنه كما ذكرنا أ ن الاستنجاء والاستجمار إنما هو لإزالة النجاسة -الخبث- ، وهنا شيء مستقل عن الوضوء ليس من أركان الوضوء ولا من فرائض الوضوء ، هذه طهارة مستقلة لإزالة الخبث ، كما لو
باب السواك وغيره...............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب السواك وغيره
تقدم أن المؤلف رحمه الله تكلم على باب الاستنجاء ، وذكر ما يتعلق في الاستنجاء من تعريفه وحكمه وشرط صحته ..الخ(1/51)
بعد ذلك بوب المؤلف رحمه الله " باب السواك وغيره " أي غير السواك من التطيب والاكتحال والاستحداد وغير ذلك من سنن الفطرة وغير ذلك مما يأتي مفصلاً ، وإنما أتى المؤلف رحمه الله بباب السواك بعد الاستنجاء ، لأن هذا هو الترتيب الصحيح ، فالتخلية قبل التحلية ، فالإنسان إذا أراد العبادة يتخلى عن الأذى ثم بعد ذلك يشرع بالعبادة - العبادة الوضوء - وأتى المؤلف رحمه الله بالسواك لأن السواك من سنن الوضوء ، كما سيأتي إن شاء الله ، وهو من أول مسنونات الوضوء ، كما ذهب بعض العلماء رحمهم الله إلى أن السواك يكون مع المضمضة كما سيأتي بيانه ، فتبويب المؤلف رحمه الله في باب السواك قبل باب الوضوء هذا مناسب جداً ، وبعد باب الاستنجاء ، لأن الاستنجاء تخلية للبدن من الأذى ، والسواك أيضاً فيه نوع من التخلية للأسنان ، ونحوها من الأذى ، ثم بعد ذلك الوضوء ، لأن السواك من سنن الوضوء ، وكما أشرنا أن بعض العلماء رحمهم الله ذكر أن السواك يكون عند المضمضة كما سيأتي إن شاءالله .
وقوله " باب السواك " السواك يطلق على أمرين :
الأمر الأول : 1 - الفعل ، فتنظيف الأسنان بالعود ونحو ه يسمى سواكاً ،
يسن التسوك........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمر الثاني : 2 - الآلة التي يتسوك بها : أيضاً تسمى سواكاً .
والسواك : لغة : التمايل يقال:جاءت الإبل تتساوك ، أي : تتمايل من الهزال والضعف .
وفي الاصطلاح : فهو استعمال شيء في الفم ينظفه وهذا يشمل كل ما ينظف من العود المعروف عود الأراك ، أو غيره ، والصحيح في ذلك أن كل ما ينظف الفم فإنه داخل في السواك .(1/52)
وقوله " وغيره " غير السواك والاستحداد والتطيب وغيره ...
" يسن التسوك عرضاً بيسراه " السواك سنة في كل وقت كما سيأتي إن شاء الله كالطيب ، فالطيب سنة في كل وقت ، ذكر ابن مفلح رحمه الله أن العلماء رحمهم الله اتفقوا على أن السواك سنة مؤكدة ، والأدلة عليها كثيرة من فعل النبي ( ، وقوله وتقريره ، ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( قال " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 59" ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 60"، وأيضاً قول النبي ( " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل وضوء61" .. الخ ، فالأدلة عليه كثيرة من قول النبي ( وفعله ، وأيضاً النبي ( يفعل السواك بل فعله عند الاحتضار - في سياق الموت- لم يتركه ( ، وهو في سياق الموت ، وهذا مما يدل من
عرضاً......................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تؤكده ، وأيضاً أقر الصحابة عليه .
" يسن التسوك عرضاً " أفاد المؤلف رحمه الله أن السواك سنة وكونه عرضاً أيضاً سنة ، فعندنا مسألتان :
المسألة الأولى : ما هو الدليل على أنه يستحب أن يكون عرضاً ؟(1/53)
والمسألة الثانية : ما كيفية كونه عرضاً ؟ أما بالنسبة للدليل على أنه يستحب أن يكون عرضاً ، فورد في مراسيل أبي داود " إذا استكتم فاستاكوا عرضاً62" ، وقالوا أيضاً : أن الاستياك طولاً يدمي الأسنان - كون الإنسان يستاك طولاً هذا يؤدي إلى أن يدمي اللثة ، ويفسد الأسنان - فهم استدلوا بأثر ونظر ، أما الأثر فكما ذكرنا أن الحديث مرسل ، وأما النظر قالوا : بأن الاستياك طولاً يدمي اللثة ويفسد الأسنان ، إذا كانت هذه هي العلة فنقول الصواب في هذه المسألة أن الإنسان يستاك بكل طريق يؤدي إلى الطهارة ، لأن المقصود هي طهارة الفم ، وأن النبي ( قال : " السواك مرضاة للرب مطهرة للفم 63" ، فالصواب أنه يستاك بكل ما يؤدي إلى طهارة الفم سواء كان ذلك طولاً أو عرضاً ، لكن إذا استاك طولاً فإنه لا يبالغ بحيث لا يدمي اللثة أو يفسد الأسنان ، يجتنب ما يكون سبباً لذلك ، وأما كونه عرضاً سنة أو مستحب وكونه طولاً ليس مستحباً هذا فيه نظر .
المسألة الثانية : ما كيفية الاستياك عرضاً ؟ ذكر العلماء رحمهم الله قولين :
بيسراه.................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أنه يبدأ بالثنايا إلى الأضراس ، يعني يمر السواك من ثناياه إلى أضراسه عرضاً .
2 - أنه يبدأ من الأضراس إلى الثنايا ، الأمر في هذا كما أشرنا واسع ، وأن المطلوب طهارة الفم ، هذه هي العلة والحكمة رضا الرب وطهارة الفم .
" بيسراه " أي يتسوك بيده اليسرى وهذا هو المشهور من المذهب ،
والرأي الثاني: أيضاً قول في المذهب : أنه يتسوك بيده اليمنى ،(1/54)
والرأي الثالث : التفصيل : أنه إن أراد فعل العبادة فبيده اليمنى ، وإن أراد التطهير فبيده اليسرى ،
وقول المؤلف رحمه الله "بيسراه" قالوا بأن هذا من باب إزالة الأذى ، وإزالة الأذى كما تقدم لنا يكون باليسرى،وأيضاً قياساً على الانتثار .
كما أنه يتثر بيده اليسرى ، فكذلك أيضاً يستاك بيده اليسرى ، والذين قالوا أنه يستاك بيده اليمنى استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي ( كا يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 64" . وهذا يشمل كل شيء ، والذين فصلوا الأمر في ذلك ظاهر ، إن كان من باب الأذى باليسرى ، لأن اليسرى تقدم للأذى ، وإن كان من قبيل العبادة باليمنى لحديث عائشة رضي الله عنها ، استدلوا بأدلة الرأيين السابقين ، وأيضاً يقال في هذه المسألة كما قيل في المسألة السابقة ، أن الأصل في ذلك هو طهارة الفم ، وعلى هذا
بعود لين من نحو أراك.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإنسان سواء استاك بيده اليسرى أو بيده اليمنى الأمر في هذا واسع .
المهم أن الإنسان يفعل ما يحصل به طهارة الفم ، فإذا كانت تحصل طهارة الفم باليمنى أو باليسرى ، الأمر في هذا واسع ، ولكل من هذه الأقوال وجهة .
"بعود " اشترط المؤلف رحمه الله للسواك شروطاً :
1 - أن يكون بعود ، ويؤخذ من كلامه أنه لو استاك بغير العود لا تحصل السنية ، وعلى هذا لو كان له أصابع خشنة واستاك بها أو استاك بخرقة أو فرشة مثل اليوم ، على كلام المؤلف أن السنية لا تحصل بذلك، لأن هذا هو الذي ورد عن النبي ( " إنما السياك بالعود 65"(1/55)
والرأي الثاني : ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله والنووي وغيرهم ، أنه لو استاك بالإصبع أو بالخرقة ،ونحو ذلك أنه يجزئ ، وأنه يحصل له من الأجر والسنية بقدر ما حصل من الإنقاء .
ومن أدلتهم ما يروى عن النبي ( يجزئ من السواك الأصابع66" لكن عندنا حديث الذي يعتبره قاعدة حديث عائشة رضي الله عنها:" السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 67" ، وهذا علقه البخاري ، فالحكمة هي رضى الرب وطهارة الفم ، فبأي طريق حصل به رضى الرب وطهارة الفم بالعود أو بغيره أجزأ ، فالصواب في ذلك أنه لا يشترط أن يكون السواك بعود ، فلو أنه أنقى بأصبعه الخشنة أو بخرقة أو بالفرشة أو نحو ذلك فنقول بأن هذا مجزئ ، قد تكون
لين من نحو أراك. , ويكره لصائم بعد الزوال......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك أشياء أبلغ من العود في التنظيف لأن العود ليس مراداً لذاته ،
وإنما هومراداً لغيره وهو : الطهارة ورضى الرب فهو وسيلة وليس مراداً لذاته .
2 - " لين" أن يكون رطباً أو أن يكون يابساً مندى وعلى هذا إذا كان غير لين فإنه لا تحصل له السنية ، والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألة السابقة الصواب أن كل شيء تحصل به الطهارة للفم أنه تحصل به السنية ، أي يحصل من السنية بقدر ما يحصل من طهارة الفم والإنقاء ، وعلى هذا نقول هذا العود اليابس إذا كان ينظف ويطهر فإنه يحصل من السنة والأجر بقدر ما يحصل من الإنقاء والطهارة .
3 - "من نحو أراك" أن يكون العود من أراك أو عرجون أو زيتون ...الخ وهذا الكلام أيضاً كما تقدم الصواب أنه سواء كان من أراك أو من غير أراك ، المهم القاعدة في ذلك : كل ما تحصل به طهارة الفم ، وهل يشترط أن يتفتت أو لا يتفتت ؟(1/56)
4 - يشترط ألا يتفتت ، فإذا كان يتفتت لا تحصل به السنية ، وهذا أيضاً فيه نظر ، والصحيح سواء كان يتفتت أو لا يتفتت ، المهم بقدر ما يحصل من الإنقاء والطهارة يحصل من الأجر والسنية .
5 - أن يكون غير ضار .
6 - أن يكون منقياً وهذه ظاهرة .
" ويكره لصائم بعد الزوال " يكره لصائم التسوك بعد الزوال سواء كان بعود يابس أو
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعود رطب فإنه مكروه للصائم بعد زوال الشمس ، وهذا مذهب الشافعية ، والدليل على
الكراهة ما يروى عن النبي ( من حديث علي رضي الله عنه " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي 68" وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي ( .
والرأي الثاني : أنه لا يكره ، ويشرع ، وهذا مذهب أبو حنيفة رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام رحمه الله ، وابن القيم والنووي وغيرهم ، لعموم الأدلة ، كحديث عائشة رضي الله عنها " السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب " ، وطهارة الفم ورضى الرب مطلوب للصائم حتى بعد الزوال وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 69" وهذا يشمل الصائم ، ويشمل الصلوات التي بعد الزوال ، مثل صلاة الظهر والعصر ... الخ(1/57)
فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يكره بل هو مشروع للصائم مطلقاً قبل الزوال وبعد الزوال ، هم يقولون قبل الزوال سنة في يابس والصحيح أنه قبل الزوال سنة برطب ويابس ، وبعد الزوال سنة برطب ويابس ، لأن القاعدة عندنا " رضى الرب وطهارة الفم 70" . وهذه مطلوبة قبل الزوال ، وبعد الزوال للصائم وغير الصائم ، ولم يثبت شيء يحدد ، وعائشة رضي الله عنها سألت عن السواك للصائم ، فقالت : هذا سواكي في يدي " وأيضاً في حديث عامر بن الربيعة رضي الله عنه قال :" لا أحصي ما رأيت رسول الله ( يتسوك وهو صائم " ، وهذا
ويتأكد عند صلاة وانتباه...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الترمذي ، وهذا مما يدل على ما ذهب إليه
أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام رحمه الله أنه مشروع مطلقاً .
"ويتأكد عند صلاة .."السواك وقتان :
الوقت الأول :وقت سنية : وهذا في كل وقت كما تقدم ، والوقت الثاني : وقت تأكد السنية ، وقوله " ويتأكد" أي : يزداد طلبه وتكثر فضيلته في هذه الأوقات " عند صلاة" هذا الموضع الأول من المواضع التي يتأكد فيه السواك - يزداد طلبه وتكثر فضيلته- ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة 71" وهذا في الصحيحين ، وقوله " عند كل صلاة " هذا يشمل كل صلاة سواء كانت صلاة الفريضة أو نافلة في الليل أو في النهار ومحله عند الصلاة عند تكبيرة الإحرام أو قبل تكبيرة الإحرام بيسير .(1/58)
"وانتباه" هذا الموضع الثاني : عند الانتباه من النوم ، فإذا انتبه الإنسان من نومه فإنه يستحب له أن يستاك ، ودليل ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه " أن النبي ( كان إذا استيقظ من نومه يشوص فاه بالسواك 72" ، أي : يدلك فاه بالسواك ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها : أنهم كانوا يعدون للنبي ( سواكه من الليل ، حيث أنه إذا استيقظ لصلاة الليل فإنه يستاك عليه الصلاة والسلام ، وقول المؤلف " انتباه " يشمل ما إذا كان الانتباه من
وتغير فم..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نوم ليل او من نوم نهار
" وتغير فم" هذا الموضع الثالث : إذا تغير الفم ، إما بطول سكوت أو بصفرة أسنان أو بأكل ما له رائحة ، المهم الفم تغير ، فإنه يستحب السواك ودليل ذلك حديث حذيفة رضي الله عنه الذي تقدم " أن النبي ( كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك 73" لأن النوم مظنة تغير الفم ، فدل ذلك على أنه كل ما تغير الفم يستحب للإنسان أن يتسوك .
ذكر المؤلف ما يتأكد فيه السواك موضعين فقط ، وهذا فيه قصور،هناك مواضع أخرى مما يتأكد فيها السواك .
الموضع الرابع : عند الوضوء ، ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء74" ، وهذا اختلف العلماء رحمهم الله في محله ، أي : عند الوضوء ، وأحسن الأقوال في ذلك أنه عند المضمضة ، لأنه أبلغ في طهارة الفم .(1/59)
الموضع الخامس : عند الاحتضار ، إذا كان الإنسان في سياق الموت ، وهذا يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها في قصة دخول عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما على النبي ( ومعه سواك ، فالنبي ( نظر إليه فعرفت أنه يريد السواك فأخذته وقضمته وطيبته وأعطيته النبي ( وهو في سياق الموت75 .
ويبتدأ بجانب فمه الأيمن...................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضع السادس : عند دخول المنزل ، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت ما يصنع
النبي ( إذا دخل منزله ؟ فقالت : يسلم علينا ويبدأ بالسواك76 ، وهذا في حسن الخلق مع الأهل قولي وفعلي جميعاً ،القولي : السلام ، والفعلي : السواك .
الموضع السابع : عند قراءة القرآن ، فيستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يستاك ، وفيه حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " وإن أفواهكم طرق القرآن ، فطيبوها بالسواك 77" ما عدا ذلك غير مستحب ، تجد العلماء في المطولات يقولون يستحب عند الطواف ، وبعضهم يقولون يستحب عند الخطبة ، إذا أراد أن يرقى المنبر أنه يستاك ، وبعض العلماء يقولون عند دخول المسجد قياساً على دخول البيت ، والصحيح أنه لا يتأكد في هذه المواضع ، بل يقتصر على ما دلت عليه السنة فقط ، والذي دلت عليه السنة هو ما ذكرناه ما عدا ذلك فإنه لم يرد فيه شيء .
"ويبتدأ بجانب فمه الأيمن " أي : إذا أراد أن يستاك يبدأ بجانبه الأيمن ، ودليله ما تقدم حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 78" ، وتقدم أن ذكرنا رأيين ، كيف يبدأ بجانبه الأيمن ؟
الرأي الأول أنه يبدأ من الثنايا إلى الأضراس ،(1/60)
والرأي الثاني : أنه يبدأ من الأضراس إلى الثنايا يمره عرضاً وليس طولاً ، كما تقدم .
ويدَّهنُ غباً.............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ويدَّهنُ غباً" (الغب : عدم التتابع أي يدهن يوماً ويترك يوماً)غباً : أي ليس كل يوم ، فإنما يفعله يوماً ويتركه يوماً ، لكي لا يغفل عن اصلاح الباطن وهذا فيه الاستحباب .
قوله "يدهن غباً" أي : يستحب للإنسان أن يدهن ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يدهن في بدنه وفي شعره ، أي إذا احتاج من الدهن في بدنه لإزالة وسخ أو في شعره لتنظيفه وتجميله ، فهذا جائز ولا بأس به ، لكن قال المؤلف رحمه الله " غباً" وهذا دليله " أن النبي ( نهى عن الترجل إلا غباً79" .
والترجل : هو تسريح شعر الرأس ، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وصححه ، ورواه النسائي أيضاً ، وأيضاً ما في سنن أبي داود " أن النبي ( كان ينهى عن كثير من الإرفاع 80" ، ويدل لذلك أيضاً ما ثبت في الصحيح " أن النبي ( ذكر : قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يأتي أقوام يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، ويظهر فيهم السمن81" قال العلماء رحمهم الله في قوله " ويظهر فيهم السمن" قالوا : ليس المراد هو ظهور السمن لأن السمن هذا قد يكون الإنسان خلقة ، وإذا كان خلقة ، لا يلام عليه الإنسان ، لكن المراد : أنهم يعتنون بأسباب السمن - من المآكل والمشارب ونحو ذلك - ويلحق بذلك الملابس ...الخ فيكون الإنسان همه الأمور الحسية التي فيها إصلاح البدن الظاهر وينسى إصلاح الباطن ، والأصل هو الباطن ، ما جاءت الرسل وما أنزلت(1/61)
ويكتحل وتراً................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتب إلا لإصلاح الباطن ، وأيضاً إصلاح الظاهر ، لكن الظاهر ليس أصلاً ، لأن مدار الأعمال على القلوب ، قد يصلي الإنسان صلاته وصلاته غير صحيحة ، لأنه يصلي رياء ، وقد يصلي الإنسان ويخطئ صلاته ، لكن صلاته خالصة لله عز وجل ، تكون مقبولة ، ويؤجر عليها ، وإن نقص .
فالأصل هو الباطن ، فكون الإنسان يعني دائماً وأبداً يكون همه الملبس والمركب ..الخ
فهذا يغفله عن الأصل صحيح أن الله جميل يحب الجمال ، ما نقول أن الإنسان لابد أن يكون ثوبه وسخ ، النبي ( قال : " إن الله جميل يحب الجمال " لما قال أن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ، فهذه أمور فطرية يحبها الإنسان ، فأقره النبي ( عليها ، قال : "إن الله جميل يحب الجمال" ، فدل على أن الله عز وجل يحب الجمال ، فليكن ثوبك حسن ونعلك حسن ومظهرك حسن ...الخ
فكون الإنسان مهتم لذلك ويبالغ في ذلك هذا الذي ينهى عنه ، المهم أن الإنسان إذا كان له شعر واحتاج إلى أن يدهن شعره وأن يدهن بدنه فهذا لا بأس بذلك ، لكن لا يكثر منه - يعني كل يوم - لكن فيه بعض الأحيان يترك ، وفي بعض الأحيان يدهن ، لكي لا يغفل عن إصلاح الباطن .
" ويكتحل وتراً" المذهب : السنة أن يكتحل كل ليلة ويكون اكتحاله وتراً - في عين ثلاثة أميال - ، " ويكتحل أيضاً بالإثمد المطيب كل ليلة فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما :" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام ، وكان يكتحل في(1/62)
ويجب ختان ذكر وأنثى.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل عين ثلاثة أميال " .وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد رحمه الله لكنه ضعيف .
وورد في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ " أن النبي ( كان يكتحل في العين اليمنى ثلاثاً،وفي العين اليسرى ثنتين82 " ، لكن أيضاً هذا وإن جود بعض العلماء هذا ، لكنه أيضاً فيه ضعف ، وعلى ذلك نقول الاكتحال ينقسم إلى قسمين :
1 - أن يكون من قبيل المداواة والإصلاح ، كأن يكتحل بالإثمد لتقوية العين أو لتقوية البصر وإزالة الغشاوة ونحو ذلك ، فهذا لا بأس به .
2 - أن يكتحل لطلب الجمال والزينة ، فنقول : أما بالنسبة للمرأة فهذا مطلوب ، لأن المرأة فطرت على مثل ذلك ، قال تعالى ( أو من ينشؤ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } أما بالنسبة للرجل فهذا لا بأس به أيضاً إلا إذا كان يخشى الفتنة،لأن هذا ليس من خصائص المرأة .
" ويجب ختان ذكر وأنثى " الختان في اللغة : القطع ، وبالنسبة للذكر : هو قطع الجلدة التي تكون على الحشفة - رأس الذكر- وأما بالنسبة للأنثى فهي قطع جزئ من الجلدة التي تكون فوق الفرج .
حكمه : ذكر المؤلف رحمه الله أنه واجب على الذكور والإناث ، وهذا هو مذهب الشافعي ،
والرأي الثاني : أنه سنة في حق الذكور والإناث ، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك ،
عند بلوغه ما لم يخف على نفسه وزمن صغرٍ أفضل...............................................................(1/63)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوالرأي الثالث : أنه سنة في حق الإناث وواجب في حق الذكور، قال به ابن قدامه رحمه الله .
والذين قالوا بالوجوب استدلوا بأن هذا من ملة إبراهيم عليه السلام ، فإن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن بالقدوم ، واستدلوا أيضاً "أن النبي ( قال " ألق عنك شعر الكفر واختتن 83" وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن استدل به العلماء رحمهم الله ، وأيضاً قالوا بأن الختان فيه قطع لشيء من الجلد - والأصل أن هذا محرم- ولا يستباح المحرم إلا لأمر واجب ، وأيضاً الختان وسيلة للطهارة ، والتخلي من الأذى - النجاسة- والتخلي من النجاسة واجب ، فما كان وسيلة لواجب فإنه واجب ، لأن الحشفة يحتقن فيها البول والنجاسة .
وأما الذين قالوا بالاستحباب استدلوا بقول النبي ( خمس من الفطرة ، فجعلها النبي ( من الفطرة ، والجواب عن هذا : أن الفطرة منها ما يكون واجباً .
والذين فرقوا بين الذكر والأنثى قالوا : بأن ختان الذكر لتحصيل واجب فيكون واجباً وختان الأنثى لتحصيل الكمال فيكون مستحباً ، وما هو الواجب في ختان الذكر ؟
الواجب في ختان الذكر التخلي عن النجاسة ، وما هو الكمال في ختان الأنثى ؟ هو تخفيف الغلمة - الشهوة- فيكون مستحباً .
"عند بلوغه ما لم يخف على نفسه وزمن صغرٍ أفضل " ذكر المؤلف رحمه الله وقت الختان ، فالختان له أوقات :
ويكره القزع, وثقب أذن صبي.............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/64)
الوقت الأول : وقت الوجوب ، فيجب بعد البلوغ مباشرة لأنه إذا بلغ الإنسان كلفت عليه الصلاة ، ويجب عليه الوضوء ، فلابد أن يتخلى عن النجاسة ، وكما تقدم أن التخلي عن النجاسة واجب وأيضاً لقول ابن عباس " وكانوا لا يختتنون الرجل حتى يدرك 84"، أي حتى يبلغ ، ولأن قبل ذلك ليس مكلفاً .
الوقت الثاني : وقت الاستحباب وهو زمن الصغر ، قبل أن يميز ، لأنه في زمن الصغر أسرع للبرء ، ولأنه لا يتألم ألماً قلبياً ، وإن كان يتألم ألماً بدنياً ، لكن ألم القلب لا يتألم .
الوقت الثالث : وقت الكراهة ، وهو من الولادة إلى نهاية يوم السابع ، العلماء قالوا : بأن هذا يكره ، لأنه يخشى على الطفل .
"ويكره القزع " القزع في اللغة : يطلق على معانٍ منها : القطع .
أما في الاصطلاح : فهو حلق بعض الرأس وترك بعضه ، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله عنها ، أن النبي ( نهى عن القزع ، وقال : أحلقه كله ، أو اتركه كله 85" ما لم يكن في هذا الحق تشبه بالكفار ، فإذا كان فيه تشبه بالكفار فإنه يكون محرماً ، لقول النبي ( " من تشبه بقوم فإنه منهم 3" .
" وثقب أذن صبي " يكره ثقب أذن الصبي لأنه لا حاجة لهذا الفعل ، والصحيح أنه لا يقتصر على الكراهة ، لأن ثقب أذن الصبي فيه إيلام له ، وتشبه بالنساء ، والنبي "( لعن
ونتف شيب, وتغييره بسواد....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتشبهين من الرجال بالنساء 86"، اللهم إلا إن كان هناك حاجة كمداواة ونحو ذلك ، فهذا لا بأس ، فالإقتصار على الكراهة هذا فيه نظر.(1/65)
"ونتف شيب " إذا كان الإنسان فيه شيب يكره نتفه ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله ، أنه يكره نتفه سواء كان في الرأس أو في الوجه ، ويستدلون على ذلك بحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه عنهما أن النبي ( نهى عن نتف الشيب ، وقال "إنه نور الإسلام 87 " ، والصواب في ذلك التفصيل ، وأن نتف الشيب ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول: أن يكون في الوجه ، فهذا لا يقتصر عل الكراهة ، لأنه سيأتينا أن النمص محرم ، والنمص نتف الشعر من الوجه ، وبعض العلماء يخصه بنتف شعر الحاجبين ، لكن سيأتينا أن المؤلف رحمه الله يرى أن النمص شامل لكل شعر الوجه ، فإذا كان الشيب في الوجه ، فإنه لا يقتصر على الكراهة لأن النمص محرم ، ومن كبائر الذنوب .
2 - القسم الثاني : أن يكون الشيب في غير الوجه كالرأس أو غيره ، فهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله أنه يكره لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما .
"وتغييره بسواد " يكره تغيير الشيب بالسواد ، وتغيير الشيب بغير السواد سنة، ودليل ذلك " أن النبي ( قال : إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم 88" ، وأيضاً حديث أبي
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذر رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : أن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم 89".(1/66)
فنقول تغيير الشيب بالأدهم والأحمر والأصفر فهذا حكمه سنة ، لكن حكم تغييره بالسواد ، يقول المؤلف رحمه الله بأن تغييره بالسواد مكروه ، واستدلوا لقول النبي ( لأبي بكر لما جاء بأبيه إلى النبي ( ورأسه ولحيته كالثغامة (الثغامة هذا نبت أبيض ، بياضه يشبه بياض الشيب )، فقال النبي ( : غيروهما وجنبوهما السواد 90" فقوله "جنبوه السواد" هل هذا من كلام النبي ( أو هو مدرج ؟ فالذين قالوا بالتحريم ، قالوا : بأن قوله " جنبوه السواد " من قول النبي ( ، والذين قالوا بالكراهة ، قالوا : بأن هذا ليس من كلام النبي ( وإنما هو في الحديث ، وعلى هذا لا يحرم وإنما يكره ، وأيضاً ورد الأحاديث في تحريم الصبغ بالسواد لكنها لا تثبت ، ومن ذلك ما يروى عن النبي ( أنه قال : " سيكون أقوام يصبغون بالسواد كحواصل الحمام ، لا يجدون رائحة الجنة 91" والأقرب من هذين القولين هل التغير بالسواد محرم أم مكروه ؟
فالأقرب في هذا والله أعلم الكراهة ، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وأنه لا يحرم وأن قوله " جنبوه بالسواد" لا يثبت مرفوعاً إلى النبي ( ، فالأحسن للإنسان أن يغير بالأدهم ونحو ذلك وأن يتجنب السواد .
ويسن الاستحداد وحف شارب,..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن الاستحداد " الاستحداد : هو حلق العانة بالحديد ، والعانة : هي الشعر الذي
يخرج حول القبل ، واختلف العلماء رحمهم الله في الشعر الذي يخرج حول الدبر ، هل هو من العانة فيستحب حلقه ، أو ليس من العانة ؟(1/67)
هذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله ، وعلى كل حال إذا قلنا بأنه ليس من الاستحداد ، فإن التنظيف هذا من الفطرة ، والدليل على أنه يسن الإستحداد ، كما ذكر المؤلف ، قول النبي ( في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " الفطرة خمس ، الختان ، والإستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط 92".
"وحف شارب " حف الشارب : هو المبالغة في قصه ، بحيث يشمل القص جميع الشارب ، واختلف العلماء رحمهم الله ،هل الأفضل حف الشارب أو قصه ؟على رأيين :
1 - والرأي الأول :الإمام مالك رحمه الله يرى أن القص أفضل ، والقص : هو أن تقص من أطرافه حتى تبدوا الشفة العليا .
2 - والرأي الثاني : ما عليه أكثر أهل العلم أن الحف أفضل ، وهو المبالغة في قص الشارب ، وليس المراد حلقه ، وإنما المبالغة في قصه حيث تأخذ من جميعه ، ولا تقتصر على قص أطرافه ،
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا : بأن الأفضل القص ، كما قال مالك رحمه الله
وتقليم ظفر,........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدليلهم على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله أن النبي ( قال : " الفطرة خمس .." وذكر منها " وقص الشارب" ،
وأما الذين قالوا : بأنه يستحب الحف ، والحف أفضل ، واستدلوا بأن النبي ( قال : أوفوا اللحى وحفوا الشوارب " ، وهذا في الصحيح ، وأيضاً(1/68)
قالوا : بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم ابن عمر وجابر وأبو هريرة ، وأبو سعيد ورافع وسهل ، يعني وارد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا الذي يذهب إليه ابن القيم رحمه الله أن الحف أفضل من القص ، أولا لما تقدم النبي ( أمر بالحف ، وأنه وارد عن الصحابة ، وأيضاً ، الحف يشمل القص .
"تقليم ظفر" أي : يستحب تقليم الأظفار ، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " الفطرة خمس .. " وذكر منها " وتقليم الأظفار" وهذا يشمل تقليم أظفار اليد وأظفار الرجل ،
وهل يشرع أن يقلم أظافره مخالفاً أو لا يشرع ؟ الحنابلة يرون أنه يقلم أظافره مخالفاً ، فيبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإبهام ، ثم البنصر ثم السبابة ، ثم يذهب إلى اليسرى ، فيبدأ بالإبهام ثم الوسطى ثم الخنصر ثم السبابة ، ثم البنصر ، وروي عن النبي ( أنه قال : "من قص أظافره مخالفاً ، لم يرى في عينه رمد 93" ، فالصحيح في ذلك أنه يقص كيف شاء ما دام أن النبي ( قال " قصوا الأظفار " ولم يذكر هذه الطريقة المخالفة ، فإنه يقص كيف شاء .
ونتف إبط...........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ونتف إبط" نتف الشعر الذي يكون في باطن المنكب .
وهذه خمسة أشياء :
1 - الختان . …………2 - الاستحداد .
3 - قص الشارب. ………4 - تقليم الأظافر.
بالنسبة للختان تقدم أن ذكرنا وقته ، أيضاً قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار وحلق العانة ، هذا له ثلاثة أوقات :(1/69)
1 - وقت الاستحباب : وهو إذا طالت هذه الأشياء - إذا طالت الأظافر: إذا طال شعر الإبط ...الخ يستحب للإنسان أن يأخذ هذه الأشياء ، بعض العلماء قيده في كل أسبوع ، وهذا لم يثبت فيه شيء عن النبي ( ، ولكنه ورد عن بعض السلف.
2 - وقت الكراهة : وهو أن تركها فوق أربعين يوماً ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : " وقت لنا في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وتقليم الأظفار ، أن لا ندع ذلك فوق أربعين يوماً 94" في سنن النسائي ، قال : " وقت لنا رسول الله ( " ..الحديث .
3 - وقت التحريم : وهو أن يترك هذه الأشياء حتى تتفاحش وتكثر ، يترك شاربه حتى يكثر الشارب ، ويترك أظافره حتى تتفاحش ، فهذا محرم لأن النبي ( أمر بإحفاء الشوارب ، وقال : خالفوا المشركين ، خالفوا اليهود ، خالفوا المجوس ، ففي هذا تركه حتى تتفاحش فيه
وحرم نمص ,..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشبه بالمشركين ، وفيه تشبه بالسباع ، ترك الأظفار حتى تتفاحش ، فيه تشبه بالسباع ونحو ذلك فنقول بأن هذا محرم إذا كثر ، وتفاحش مع الإنسان ، ولم يأخذها ، فإنها تصل إلى درجة التحريم ، وورد أيضاً في الحديث " من لم يأخذ من شاربه فليس منا 95" .
وقول المؤلف رحمه الله " ويسن استحداد " وقال " ونتف الإبط " ولم يقل حلق الإبط ، كما قال هناك ، وهذا كله موافق للحديث الشريف ، فالنبي ( قال " نتف الإبط " وعبر بالعانة "الحلق" ، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في العانة،(1/70)
هل تنتف أو تحلق حلقاً ؟ نقول : السنة في ذلك الحلق ، كما ورد عن النبي ( مثل أيضاً الإبط ، السنة فيه النتف لكن لو حلقه لا بأس ، العلماء يقولون : إذا زاله بأي مزيل فإن هذا جائز ولا بأس به ، لكن الأفضل بالنسبة للإبط النتف ، وبالنسبة للعانة الحلق ، وأيضاً طبياً : الأطباء يقولون بأن نتف العانة يرخي المحل ، فكان الأولى فيه الحلق ، بخلاف الإبط فإن الحلق قد يحصل منه أذية ، فيكون الأولى فيه النتف كما عبر النبي ( .
" وحرم نمص " النمص : الحنابلة يفسرونه نتف الشعر من الوجه هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليل ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي ( لعن النامصة والمتنمصة 96" واللعن هذا يدل على التحريم بل يدل على أنه من كبائر الذنوب ، وقال بعض العلماء بأن النمص : هو نتف شعر الحواجب ،
ووشر ، ووشم.....................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وأن النمص شامل لكل شعر الوجه ، وهذا يشمل شعر الحواجب وغيره ، فيشمل اللحى والشارب وغير ذلك .
"ووشر" الوشر : هو برد الأسنان لتحدد وتفلج وتحسن ، وأيضاً هذا دليله ما تقدم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه : أن النبي ( " لعن النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة ، والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله 97" ، فالتي تقوم ببرد الأسنان طلباً للحسن ونحو ذلك فهذا محرم ولا يجوز .
التغيير بالوشر ينقسم إلى قسمين :(1/71)
1 - تغير لإزالة العيب ، فهذا جائز ولا بأس به ، مثلاً : له سن مرتفعة مخالفة لبقية الأسنان ، بحيث تكون عيباً ، فهذا كونه يقطع منها ، أو يبرد منها بحيث تكون مساوياً للأسنان ، فهذا جائز ، ولا بأس به .
2 - أن لا يكون عيباً ، وإنما يكون طلباً للحسن ، والكمال ، فهذا محرم ، ولا يجوز ، دليله ما ذكرنا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
"ووشم " الوشم : هو غرز الجلد بإبرة وحشوه كحلاً ، أو مادة أخرى ، فهذا محرم ولا يجوز ، وهل يلزم إزالة الوشم أو لا يلزم ؟. الوشم محرم كما تقدم ، وإذا تاب الإنسان فإنه يلزمه أن يتخلص منه إن تمكن ولم يلحقه ضرر ، فإن كان يلحقه ضرر فإنه يعفى منه
باب الوضوء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب الوضوء
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن السواك وشيء من سنن الفطرة ونحو ذلك شرع في الوضوء ، وهذا مناسب ، إذ أن السواك من سنن الوضوء ، ويكون في أول الوضوء .
الوضوء : مأخوذ من الوضاءة ، وهي النظافة .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل لبغسل الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.والوضوء - رفع الحدث - هذا واجب وهو شرط من شروط صحة الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 98"
وهل الوضوء من خصائص هذه الأمة أو ليس من خصائص هذه الأمة ؟(1/72)
هذا موضع خلاف ، والأقرب في ذلك : أنه ليس من خصائص هذه الأمة ، وقد ورد في ذلك بعض الأحاديث وإن كان فيها ضعف ، مثل : قول النبي صلى الله عليه وسلم :" هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي 2" وأيضاً في قصة جريج أنه دعا بوضوء ، وأيضاً مما يدل لذلك ما ثبت في صحيح مسلم قول النبي عليه الصلاة والسلام :" سيما ليست لأحد غيركم 3" ويقصد بذلك النبي عليه الصلاة والسلام الغر والتحجيل ،فقوله:"سيما ليست لأحد غيركم" يدل على أن الذي تختص به هذه الأمة الغر والتحجيل ، وأن الوضوء لم تتميز به هذه الأمة
ويدل لذلك أيضاً الغسل ، الغسل كما ثبت في صحيح البخاري وغيره أنه ليس من خصائص.
فروضه غسل الوجه ومنه فم وأنف.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الأمة ، فورد اغتسال الأنبياء عليهم السلام .
" فروضه " الفروض جمع فريضة ، والفرض في اللغة : الحز والقطع .
وأما في الاصطلاح : فهو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بطلب الفعل على وجه اللزوم .
"غسل الوجه " هذا الفرض أول ، وهذا بالإجماع لقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ، وهذا أمر ، وأيضاً السنة ثابتة في ذلك كما في حديث عثمان ، وحديث عبدالله بن زيد ومن وصف وضوء النبي ( .
"ومنه فم وأنف" أي : من الغسل الواجب غسل الفم والأنف ، فيؤخذ من هذا أن المضمضة والاستنشاق حكمها واجبة ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، وهو من مفردات المذهب .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ، وأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل سنة في الوضوء
والرأي الثالث : رأي مالك والشافعي أنهما سنتان في الوضوء وفي الغسل.(1/73)
الحنابلة يستدلون على ذلك : قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} فأمر الله عز وجل بغسل الوجه ، والفم من الوجه ، والأنف من الوجه
كما أن الخد من الوجه ، وهما في الحكم الظاهر ، ولهذا لو أن الإنسان إذا تمضمض واستنشق لم يبطل صومه ، وأيضاً من الأدلة على ذلك أمر النبي ( بالاستنشاق ، والأمر يقتضي
وغسل اليدين مع المرفقين................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الاستنشاق ثبت في الصحيح " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر 99" .(1/74)
وأما من قال بأنهما واجبا الوجوب ، وأيضاً في أبي داود " إذا توضأت تمضمض 100" وإن كان الحديث فيه ضعف ، لكن ن في الغسل سنة في الوضوء فاستدلوا: أنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما " أنه سئل عن من ترك المضمضة والاستنشاق في الغسل فقال : يعيد3" ، لكن قول ابن عباس : يعيد ، هذا يدل على الوجوب في الغسل ، لكن لا يلزم من ذلك أنه ليس واجباً في الوضوء ،وأيضاً استدلوا بحديث علي رضي الله عنه وإن كان فيه ضعف " من ترك موضع شعرة من الجنابة 4" لم يصبه الماء عذبه الله بالنار كذا وكذا " . قالوا : والأنف فيه شعر وإذا لم يغسله في الجنابة ترك موضع شعرة من الجنابة .وأما من قال : سنتان كالمالكية والشافعية ، فاستدلوا بقول النبي ( " عشر من الفطرة ... ، وذكر منها " المضمضة والاستنشاق5 " ، وهذا الحديث على فرض ثبوته ، وإلا ثبوته فيه نظر ، لكن إن ثبت فيكون من الفكرة الواجبة ، لأن الفطرة منها ما هو واجب ، ومنها ما هو سنة ، وعلى هذا يكون الراجح ما ذهب عليه الإمام أحمد رحمه الله ، إن المضمضة والاستنشاق كل منهما واجب في الوضوء وفي الغسل .
" وغسل اليدين مع المرفقين " هذا الركن الثاني من أركان الوضوء : غسل اليدين مع المرفقين ، ودليله قول الله تعالى ( وأيديكم إلى المرافق} ، وقال المؤلف رحمه الله " مع المرفقين " هل يدخل المرفقان في الغسل ، أو لا يدخلان ؟ الظاهرية قالوا : بأنهما لا يدخلان لأن الله عز
ومسح الرأس كله.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجل قال :" وأيديكم إلى المرافق "(1/75)
.وجمهور أهل العلم على أنهما يدخلان ، واستدلوا على ذلك بالسنة ، فإن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد 101" ، فكونه أشرع في العضد يدل على أنه غسل المرفق " وغسل رجليه حتى أشرع في الساق " فكونه أشرع في الساق أيضاً يدل على أنه غسل كعبيه " وقال : هكذا رأيت رسول الله ( يتوضأ " ، وأما قوله عز وجل ( وأيديكم إلى المرافق} فأجيب عن ذلك بأجوبة ، قالوا : بأن "إلى" بمعنى مع ، أي أيديكم مع المرافق ، كما قال عز وجل ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} ، أي : مع أموالكم ،وقوله ( ويزيدكم قوة إلى قوتكم} ، أي مع قوتكم ،
والجواب الثاني : أننا لو قلنا بأن " إلى " على ظاهرها فالسنة بينت أن المرفق يغسل والفرض : غسل اليد يكون من أطراف الأصابع إلى آخر المرفق هذا كله يجب غسله .
"ومسح الرأس كله " الرأس يجب مسحه بالاتفاق ، لأن الله عز وجل قال ( وامسحوا برؤوسكم } لكن هل يجب مسحه كله أو يكتفي ببعضه؟ ، هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ،الرأي الأول : أنه لا يجب مسحه كله ، وهذا رأي الحنفية ، والشافعية ، ويكفي البعض . والرأي الثاني : أنه لابد من مسحه كله ، وهذا مذهب المالكية والحنابلة .
أما الذين قالوا بأنه يمسح جميع الرأس فاستدلوا بقول الله عز وجل ( وامسحوا برؤوسكم} ،
ومنه الأذنان........................................................................................................................(1/76)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبن زيد ، وحديث عثمان وحديث علي ، ولم يرد عن النبي ( أنه اقتصر على مسح بعض الرأس و"الباء" هنا للعموم ، وأيضاً النبي ( في صفة وضوءه مسح كل الرأس كما في حديث عبدالله بن زيد. وأما الذين قالوا : يكتفى ببعضه استدلوا بحديث المغيرة رضي الله عنه " أن النبي ( مسح على الناصية والعمامة 102" فقالوا هذا دليل على أنه يكتفى ببعضه ، لأن النبي ( مسح على الناصية ، نقلو : صحيح أنه مسح على الناصية فقط ، لأن الرأس مستور بالعمامة ، وإذا كان مستوراً بالعمامة فإنه يمسح عليها ، ومورد الخلاف إذا كان الرأس مكشوفاً ، وعلى هذا يكون الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمامان مالك وأحمد على أنه يعمم الرأس بالمسح ، وليس المطلوب كل شعرة تمسح المهم إنه إذا عمم رأسه بالمسح كفى ذلك . "ومنه الأذنان " الأذنان يجب مسحهما هذا المشهور من المذهب ، ودليلهم على ذلك ، قول الله عز وجل ( وامسحوا برؤوسكم } ، والأذنان من الرأس ، فيكون مسح الأذنين داخلاً في الأمر بمسح الرأس ، وأيضاً يدل لهذا حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه " الأذنان من الرأس 103" ، وأيضاً يدل له فعل النبي ( ، فإن النبي ( لم يحفظ عنه أنه ترك مسح الأذنين . والرأي الثاني : أن مسح الأذنين سنة وليس واجباً واستدلوا على ذلك : بعدم وروده في آية المائدة قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكموأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ? .
وغسل الرجلين مع الكعبين وترتيب................................................................................(1/77)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والجواب عن هذا سهل : نقول بأنه لا يسلم بل الأذنان داخلتان في مسح الرأس فالآية دلت عليهما كما سلف .
"وغسل الرجلين مع الكعبين" هذا الفرض الرابع من فروض الوضوء وأركانه ، غسل الرجلين مع الكعبين ، وهذا دل عليه القرآن والسنة والإجماع ،
أما القرآن فقول الله عز وجل ( وأرجلكم إلى الكعبين ? ، والسنة : مداومة النبي ( على ذلك كما في حديث عثمان رضي الله عنه ، وحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه ، وغير ذلك فالأحاديث في ذلك كثيرة . فالذين وصفوا وضوء النبي ( لم يذكر أحد منهم أن النبي ( ترك غسل الرجلين ، ويدل لهذا أيضاً قول النبي ( كما في الصحيحين " ويل للأعقاب من النار104" ،
والعقب : هو مؤخر القدم ، فإذا كان هذا المكان الذي ربما لا يصيبه شيء من الماء يجب غسله ، وتوعد على ذلك فغيره من باب أولى .
وقوله " مع الكعبين " الكلام في هذه المسألة كالكلام فيما تقدم من قول الله عز وجل ( وأيديكم إلى المرافق? .
"وترتيب" هذا الركن الخامس من أركان الوضوء وفروضه ، الترتيب ، فلابد من الترتيب وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، أن الترتيب واجب وهو قول أكثر العلماء
............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/78)
واستدلوا على ذلك بالآية ، فإن الله عز وجل قال ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين? ، فأدخل الله عز وجل الممسوح بين المغسولات ، ومعنى ذلك أن تكون صفة الوضوء على هذا الوجه ، وإلا كان المقتضى أن يفرد المغسولات ثم يذكر الممسوح ، فكونه أدخل الممسوح بين المغسولات دل ذلك على اشتراط الترتيب ، وأيضاً يدل لهذا فعل النبي ( ، فالذين وصفوا وضوء النبي ( كعثمان رضي الله عنه وغيره ما ذكروا أن النبي ( أخل بالترتيب .
والرأي الثاني : رأي الحنفية أن الترتيب ليس واجباً ، واستدلوا على ذلك بحديث المقداد رضي الله عنه في سنن أبي داود " فإن النبي ( غسل وجهه ثم غسل ذراعيه ثم تمضمض واستنشق 105" ، فكونه غسل ذراعيه ثم تمضمض واستنشق يدل على أن الترتيب ليس واجباً ، وهذا الحديث شاذ ، فالصواب في ذلك ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى ،
وما المقصود بالترتيب ؟ المقصود بالترتيب : هو الترتيب بين الأعضاء الأربعة فقط ، يعني : نبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين ، وعلى هذا لو أن الإنسان بدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق لا بأس أو بدأ بالإستنشاق قبل المضمضة لا بأس ، أو بدأ باليسرى قبل اليمنى لا بأس فالمقصود بالترتيب هو الأعضاء الأربعة ، ولهذا ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا أبالي بأي أعضاء وضوئي بدأت " ، وكذلك أيضاً ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه فيما يتعلق بالترتيب في الإخلال به ، فإن المراد هو التيامن والتياسر ، فالتيامن والتياسر لا
وموالاة..................................................................................................................................(1/79)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تجب مراعاته وإنما يستحب ذلك ، ويدل للترتيب أن الله عز وجل بدأ هكذا والنبي ( لما أتى
الصفا قال : "أبدأ بما بدأ الله به 106" في صحيح مسلم ، في سنن النسائي بلفظ الخبر " أبدأ بما بدأ الله به " فهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
"وموالاة " هذا الركن السادس من أركان الوضوء الموالاة ، والموالاة فيها ثلاثة آراء للعلماء رحمهم الله : الرأي الأول : أنها فرض كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله : وأيضاً قال به الشافعي رحمه الله . والرأي الثاني : أنها ليست فرضاً ، كما هو قول الحنفية . والرأي الثالث : التفصيل في هذه المسألة كما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ، أنه إن ترك الموالاة لعذر فلا بأس ، وإن كان لغير عذر فإنه لا يصح ،
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بالوجوب ، فاستدلوا على ذلك بحديث عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم " أن النبي ( رأى رجلاً ،وعلى قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء ، فقال النبي ( : " ارجع فأحسن وضوءك107" ، فرجع وتوضأ فهذا يدل على اعتبار الموالاة وأيضاً يؤيد ذلك ، فعل النبي ( ، فإن النبي ( توضأ متوالياً ، فلم يحفظ عن النبي ( أنه أخل بالموالاة .
أما الذين قالوا: أن الموالاة سنة وليست واجبة ، كالحنفية استدلوا على ذلك بأثر وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه توضأ ودخل المسجد فحضرت جنازة فمسح على خفيه ثم صلى 3" فكونه مسح على خفيه بعد دخول المسجد هذا يظهر أن هناك فاصلة ، وأن ابن عمر .............................................................................................................................................(1/80)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنهما لم يعتبر الموالاة .
أما الذين قالوا بالتفصيل وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام رحمه الله إن كان لعذر فلا بأس ، وإن كان لغير عذر فإنه لا يصح ، فإذا فصل بين أعضاء الوضوء لعذر مثلاً : انقطع الماء أو في يده شيء يمنع وصول الماء ، فاحتاج إلى وقت حتى يزيله ، وغير ذلك من الأعذار ، فإنه لا يقطع الموالاة ، وشيخ الإسلام رحمه الله استدل على ذلك بأدلة ، من الأدلة على ذلك صيام رمضان يجب فيه التوالي ، ما يجوز أن يقطعه الإنسان ، ومع ذلك قال الله عز وجل ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر? ، لو قطعه بعذر لا بأس ويقضي كفارة الجماع في نهار رمضان وكفارة الظهار وكفارة القتل ،يجب فيها صيام شهرين متتابعين ، يجب التوالي ومع ذلك لو قطعه بمرض أو سفر ، فإنه لا ينقطع ، أيضاً قراءة الفاتحة يجب فيها التوالي ، لكن لو أنه قطع قراءة الفاتحة بالإستماع إلى الإمام أو يأتي بعذر من الأعذار فإنه ينبني فدل ذلك على أنه إذا حصل عذر فإنه لا بأس به وأنه لا يقطع التوالي وهذا هو الأقرب ، شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن العذر لا يقطع الموالاة ، وأيضاً لا يقطع الترتيب ، يرى أن هذه الأعذار ما تخل ، والقاعدة عندنا مما يؤيد الموالاة والترتيب ، أنهما ركنان في الجملة ،
القاعدة : " أن كل عبادة مركبة من أجزاء فلابد فيها من أمرين : الترتيب والموالاة " ، وإلا لم تكن على وفق سنة النبي ( مثلاً : لو أن إنسان جاء وتمضمض واستنشق في الساعة السابعة ثم غسل وجهه في الساعة الثامنة ثم يديه التاسعة ثم مسح رأسه في العاشرة وهكذا
هل هذا هو الوضوء الذي توضأه النبي ( ؟ لا ليس هذا ، بل نقول : في الساعة السابعة(1/81)
بأن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما قبله...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمضمضت فقط ما أتيت بالوضوء الكامل وفي التاسعة غسلت وجهك ، إلى آخره لم تأتِ بما فعله النبي (
مثل أيضاً الترتيب ، لو أنه غسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم غسل وجهه .
نقول : لم تأت بالوضوء الذي جاء في القرآن وفي السنة ،
فالصواب أن الترتيب والتوالي أنهما ركنان لكن مثل ما قال شيخ الإسلام رحمه الله إلا لعذر ، وإن لم يحصل ذلك حقيقة ، فإنه حاصل حكماً للعذر .
ما هو ضابط الموالاة ؟ المشهور من المذهب الإمام أحمد رحمه الله كما قال المؤلف رحمه الله " بأن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما قبله " ، فلا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه ولا يؤخر مسح الرأس حتى تجف اليدان ولا يؤخر غسل الرجلين حتى يجف الرأس ، وأيضاً قيدوا هذا الضابط قالوا : في زمن معتدل ، فلا عبرة بشدة الحر أو شدة البرد أو الرياح لأنه في الرياح قد يجف في زمن قليل ، فمثلاً : إذا قدرنا أنه في الزمن المعتدل إذا غسل وجهه وتأخر ثلاثة دقائق حتى غسل يديه يجف الوجه فلو تأخر في الزمن المعتدل دقيقة أو دقيقتان لا يجف ، فالعبرة في زمن المعتدل ، لو كان عندنا شدة ريح وخلال دقيقة نشف وجهه فهذا لا يعتبر بل لابد أن يمضي ثلاثة دقائق الزمن المعتدل .
والرأي الثاني : أوضح من هذا وهو رأي الشافعية ، قالوا : ضابط الموالاة : أن لا يفصل بين العضوين بفاصل كثير عرفاً ، ويعفى عن الفاصل اليسير عرفاً ، وهذا أقرب وأحسن .
ويشترط له ولغسلٍ نيه....................................................................................................(1/82)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شروط صحة الوضوء
"ويشترط له ولغسلٍ نيه " الوضوء يشترط له شروط ، وأيضاً هذه الشروط كما تكون في الطهارة الصغرى تكون في الطهارة الكبرى : 1 - الشرط الأول : النية ، والنية في اللغة القصد .
وفي الاصطلاح : فهي عزم القلب على فعل العبادة تقرباً لله عز وجل .
ويدل لذلك حديث عمر رضي الله عنه المشهور " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 108" الحديث .. ولأن الإنسان قد يغسل أعضاءه يقصد بذلك التنظف ، وقد يقصد بذلك التبرد ونحو ذلك ، فلابد من النية التي تميز ، ومثل ذلك أيضاً الغسل ، لابد له من نية لأن الإنسان يعمم بدنه بالماء قد يقصد بذلك رفع الحدث الأكبر ، وقد يقصد التبرد أو التنظف فلابد من النية التي تميز . أيضاً عندنا ثلاثة شروط شرط في كل عبادة ، وهي : الإسلام ، والعقل ، والتميز ، وحتى النية شرط في كل عبادة ، فعندك الإسلام شرط ، والعقل شرط ، والتميز شرط ، فالإسلام شرط في كل عبادة ما يصح الوضوء ولا التيمم ولا الصلاة ولا الصيام من الكافر لأنه فاقد الأصل ، التوحيد ، العقل : أيضاً شرط في كل عبادة ، فإذا توضأ المجنون فوضوءه لا عبرة به ، لو صام صيامه وجوده كعدمه لو صلى إلى آخره ، التمييز أيضا شرط في كل عبادة ، الصبي إذا كان مميز يصح وضوءه وغسله وتيممه ، وتصح عباداته ويؤجر على ذلك والأجر له .
وطهورية ماء.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/83)
لكن إذا كان غير مميز ما يفهم الخطاب ولا يرد الجواب - هذا ضابط المميز ، لا يصح
وضوءه ولا تصح صلاته ... إلى آخره .
لكن نستثني الحج والعمرة فالحج والعمرة يصحان من غير المميز ، فيصح أن يحج ويعتمر الصبي الذي لم يميز ، حتى قال العلماء : ولو كان من ساعة - الآن ولد - فيصح أن يعتمر ويحج ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة رفعت إلى النبي ( صبياً ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر109" .
بقينا في المعتوه ، والمعتوه : ليس المجنون وإنما ناقص العقل ، عندنا إنسان عاقل ، ومجنون فاقد العقل ، وإنسان بينهما وهو ناقص العقل فهذا العلماء قالوا : أنه المعتوه .
هل تصح منه العبادات أو لا تصح منه ؟ قال العلماء المعتوه ينقسم إلى قسمين :
1 - معتوه ليس عنده إدراك ، فهذا حكمه حكم المجنون ما تصح منه العبادات .
2 - معتوه معه إدراكه ، وهذا حكمه حكم الصبي المميز ، تصح منه العبادات ويؤجر عليها ولا تجب عليه . "وطهورية ماء " هذا الشرط الخامس : أن يكون الماء طهوراً ، وعلى هذا إذا كان نجساً فإنه لا يصح الوضوء به ، وهذا بالإجماع ويدل لذلك قول الله عز وجل (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ? فلابد أن يكون طاهراً أو طهوراً لكي يكون مطهراً ، فإن كان غير طهور فإنه لا يطهر " فاقد الشيء لا يعطيه " .
وإباحته وإزالة ما يمنع وصوله............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وإباحته " هذا الشرط السادس : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لو توضأ بماء مغصوب أو اغتسل بماء مغصوب أو مسروق أو منتهب إلى آخره فإنه لا يصح هذا المشهور من المذهب .(1/84)
والرأي الثاني : أنه يصح مع الإثم وهذا القول هو الصواب ، لأن النهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه لا يختص ، وعلى هذا تصح العبادة بالماء المغصوب ، والمنتهب ، والمختلس ، إلى آخره ، لكن مع الإثم ، مثل أيضاً كما سيأتينا في شروط الصلاة ، الصلاة في الثوب المغصوب والمنتهب إلى آخره تصح ذلك لكن مع الإثم ، لأن العلة في ذلك : أن النهي هنا يعود إلى شرط العبادة على وجه لا يختص ، والأصل صحة العبادة .
"وإزالة ما يمنع وصوله " هذا الشرط السابع : إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ، فإذا كان هناك عجين أو أصباغ ونحو ذلك ، فلابد من إزالتها ، والدليل على ذلك قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم? الآية ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم ، وهذا يشمل كل الوجه ، ويشمل كل اليدين ، ويشمل كل الرجل ، فإذا كان هناك شيء يمنع صدق عليه أنه لم يغسل كل وجهه ولم يغسل كل يده إلى آخره ، وأيضاً من السنة قول النبي ( " ويل للأعقاب من النار 110" لما رأى النبي ( أنهم لا يبلغون الوضوء ، ولا يغسلون مؤخر القدم ، مع أنه يبقى شيء يسير ، وأيضاً ما تقدم لنا من حديث عمر رضي الله عنه " أن النبي ( لما رأى رجلاً وعلى قدمه قدر الظفر لم يصبه الماء قال : ارجع فأحسن وضوءك 2" فدل ذلك على أنه لابد من التعميم ، لكن قال شيخ الإسلام ابن
وانقطاع موجب وتجب فيهما التسمية.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيمية رحمه الله يستثنى الشيء اليسير ، خصوصاً الذين يلامسون مثل هذه الأشياء(1/85)
مثلاً : إذا كان هناك يسير من الدم أو يسير من العجين إلى آخره ، فمثل هذه الأشياء اليسيرة معفو عنها ، لكن يظهر والله أعلم أنها إذا بلغت قدر الظفر ، أنه لا يعفى عنها ، لأن النبي ( قال للذي ترك من رجله قدر الظفر لم يصبه الماء " اذهب فأحسن وضوءك 111" فإذا كانت أشياء صغيرة فهذه يعفى عنها إن شاء الله ،
وقاعدة الشريعة " العفو عن اليسير " .
" وانقطاع موجب " هذا الشرط الثامن : لابد من انقطاع ما يوجب الوضوء ، أو يوجب الغسل . فلو أن الإنسان بدأ يتوضأ والحدث لا يزال يخرج منه تمضمض وهو لا يزال يخرج منه الحدث ، فحكم مضمضته هذه غير صحيحة ، أو استنشق والحدث لا يزال يخرج منه فاستنشاقه هذا غير صحيح ، لأنه محدث ، والنبي ( قال : " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 112" ، ولو أن المرأة اغتسلت من دم الحيض ودم الحيض لا يزال يخرج منها ، فإنه لا يصح .
" وتجب فيهما التسمية " هذا من مفردات الحنابلة رحمهم الله ، أن التسمية واجبة في الطهارة ، الطهارة في الحدث الأصغر والأكبر ، وطهارة التيمم ، يرون أن الإنسان يجب عليه أن يبسمل في الوضوء وفي الغسل وكذلك أيضاً في التيمم ،
مع الذكر..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/86)
"مع الذكر" أي يجب عليه أن يسمي إذا كان ذاكراً ، فإن كان ناسياً تسقط التسمية إلا إذا ذكرها في ابتدائه ، فإذا ذكرها في ابتدائه فإنه يجب عليه أن يعيد ، مثلاً نسي التسمية ولم يذكر إلا بعد فراغ الوضوء يقولون : تصح وتسقط التسمية ، ذكر في أثناء الوضوء ، تمضمضت واستنشقت وما ذكرت التسمية ثم بعد ذلك عند غسل اليدين تذكرت أنك لم تسم ، فيقولون : " يجب عليك أن تعيد وتبدأ من جديد هذا ما ذهب إليه صاحب المنتهى .
وصاحب الإقناع قال : تبني ولا يجب عليك أن تعيد ، مثلاً : إذا ذكرت عند غسل اليدين فإنك تبني وتكمل وضوءك ، وهم يقولون : إذا تعارض المنتهى والإقناع فالمرجح على متن المنتهى وعلى هذا فإنك تبدأ من جديد ، تستأنف ولا تبني هذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم ، أن التسمية مستحبة وليست واجبة ، وذهب بعض العلماء إلى أنها أيضاً ليست مستحبة ، فالآراء في ذلك ثلاثة :
1 - الوجوب : وهو أشدها وهو المذهب .
2 - الاستحباب : وهو قول أكثر أهل العلم .3 - عدم شرعيتها مطلقاً .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بالوجوب : استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ( قال : " لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه 113" ، وهذا الحديث له شواهد ، ولهذا بعض العلماء يحسن هذا الحديث ، وبعض العلماء لا يثبتوه
فينوي عندها أو قبلها بيسير رفع الحدث..........................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/87)
كما قال الإمام أحمد رحمه الله لا يثبت في هذا الباب شيء ، الحنابلة يستدلون بهذا الحديث والجمهور أيضاً يستدلون به فيقولون : أنه حسن ، فإن من وصف وضوء النبي ( كعثمان رضي الله عنه وعبد الله بن زيد رضي الله عنه وغير ذلك لم يذكروا أن النبي ( سمى أو أتى بالبسملة فهذا صارف على أن المراد من هنا الكمال ، فهم يجمعون بين هذه الأحاديث هذا حديث أبي سعيد إلى آخره .وقالوا : أن المراد في قوله " ولا ضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه 114" ، الكمال : أي وضوء الكامل ،
والصواب في ذلك : أن التسمية غير واجبة ، وإن قلنا فنقول بأنها مستحبة ، يستحب للإنسان أن يأتي بها " .
"فينوي عندها " عند التسمية لأن التسمية واجبة ، أي : يجب أن يأتي بالنية عند أول واجب في الوضوء أو الغسل ، وأول واجب في الوضوء أو الغسل أو التيمم هو التسمية .
"أو قبلها بيسير رفع الحدث " يعني النية لها وقتان :
1 - وقت الاستحباب : وهو عند أول واجبات الطهارة ، وهي التسمية ، ولذلك قال المؤلف رحمه الله " فينوي عندها " أي : عند التسمية .
2 - وقت الإجزاء : وهو أن ينوي قبل الطهارة بزمن يسير -قبل الوضوء قبل الغسل بزمن يسير - فإن كان الزمن كثيراً فإنه لا تصح معه النية ، واعلم أن النية سهلة ، لكنها
أو الطهارة للصلاة مثلاً وإن نوى ما يسن له..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صعبة على من عنده وسواس فإذا نوى الإنسان الصلاة هذه هي النية ، إذا نوى رفع الحدث ، إذا قام للوضوء ، فهذه هي النية ، لأن الإنسان لا يتحرك إلا بإرادة وقصد ، فإذا قام يريد الصلاة ، ثم ذهب وتوضأ هذه هي النية ، إلى آخره .
النية لها صور :(1/88)
الصورة الأولى : أن ينوي رفع الحدث فهذا يرتفع حدثه فقال المؤلف " رفع الحدث " .
الصورة الثانية : قوله
" أو الطهارة للصلاة مثلاً " أن ينوي ما تجب له الطهارة فإذا نوى ما تجب أو تشترط
له الطهارة ، وإن لم ينوي رفع الحدث فإنه يرتفع حدثه ،
مثال ذلك : هذا شخص لم ينوي رفع الحدث وإنما نوى الصلاة ، الصلاة يشترط لصحتها الطهارة ، فيرتفع حدثه ،
ومثلاً : مس المصحف تجب له الطهارة ، فإذا نوى بطهارته أن يمس المصحف فإنه يرتفع حدثه ، ومثلاً : الطواف عند كثير من أهل العلم يشترط لصحته الطهارة ، فإذا نوى أن يطوف وتوضأ فإن حدثه يرتفع وعلى هذا فقس .
الصورة الثالثة ، قوله
" وإن نوى ما يسن له ... " أي : أن ينوي ما تسن له الطهارة .
كقراءة وأذان ورفع شك......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد مثل المؤلف رحمه الله لذلك وقال : "كقراءة وأذان " إلى آخره ، فإن حدثه يرتفع ،
مثال : هذا شخص نوى أن يؤذن ثم ذهب وتوضأ ، توضأ لأجل أن يؤذن ، فإن حدثه يرتفع ، أو نوى أن يقرأ القرآن ثم توضأ فإن حدثه يرتفع .
"كقراءة" فالقراءة تسن لها الطهارة ، أي يستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ القرآن أن يكون على طهر ولا يجب ذلك ، والدليل على هذا الاستحباب قول النبي ( " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر 115" ، فدل ذلك على أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يقرأ أو أراد أن يذكر الله عموماً ، فإنه يستحب له أن يتطهر ، والقراءة أفضل الذكر ، وكذلك أيضاً إذا أراد أن يدعو يستحب أن يكون على طهارة ، ولهذا في حديث أبي موسى رضي الله عنه " أن النبي ( لما أراد أن يدعو توضأ " .(1/89)
"وأذان " أيضاً : الآذان يستحب أن يكون على طهارة لما تقدم من قول النبي ( " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " فيستحب له .
" ورفع شك " يستحب لرفع شك الطهارة، مثال ذلك رجل شك هل توضأ أو ما توضأ ؟ يقول المؤلف رحمه الله يستحب له أن يتوضأ لكي يرفع عنه هذا الشك ، وهذا الصحيح أن فيه التفصيل وليس على الإطلاق ، فنقول : إن كان محدثاً وشك هل رفع حدثه أو لم يرفع حدثه ؟ نقول : الأصل : الحدث ويجب عليه أن يتوضأ ، وحينئذ إذا كان هذا مراد المؤلف ،
............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يكون هذا من الأشياء التي تسن لها الطهارة ،
عكس المسألة هذه لو شك في الحدث وهو متطهر ، وشك هل أحدث أو لم يحدث ؟
فنقول : الأصل : الطهارة ، ولا يستحب له أن يتوضأ .
مثال آخر : إنسان بعد الانتهاء من الوضوء شك هل تمضمض أم لم يتمضمض ، استنشق أو لم يستنشق ؟ هل يستحب هنا أن يتوضأ لرفع الشك أو لا يستحب ؟
الصواب : أنه لا يستحب ، فقول المؤلف "رفع شك" هذا فيه نظر ،
"الخلاصة" قوله "ورفع شك" هذا فيه ثلاث صور ،
الصورة الأولى : أن يشك في الطهارة هو محدث ثم شك في الطهارة ، هنا يجب عليه أن يتطهر ،
الصورة الثانية : عكس هذه وهو أنه متطهر ثم شك في الحدث ، فلا يستحب له أن
يتوضأ ، فهذا يجلب له الوساوس ، والأصل الطهارة .
الصورة الثالثة : بعد أن انتهى من وضوءه شك هل تمضمض أو لم يتمضمض إلى آخره ، نقول لا يستحب له أن يتوضأ رفعاً لهذا الشك ، لأنه يجلب له الوسواس ،(1/90)
ويترتب على هذا لو أن إنساناً شك هل تمضمض أو لم يتمضمض ثم توضأ رفعاً لهذا الشك ، هل ينفعه هذا الوضوء أو لا ينفعه ؟
وغضب أو نوى التجديد ناسياً حدثه.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب أنه ينفعه ، والصحيح أنه لا ينفعه هذا الوضوء ، لو تبين له أنه محدث على المذهب يرتفع حدثه ،
وعلى الرأي الثاني ، أنه لا يرتفع حدثه لأن هذا الوضوء غير مشروع .
"وغضب" أي : إذا غصب الإنسان فإنه يستحب له الطهارة ، وقد ورد في هذا حديث لكنه ضعيف ، وإذا كان ضعيفاً ، فإنه لا يشرع الوضوء للغضب ، وإذا كان غير مشروع فحينئذ لا ينفع .
"أو نوى التجديد ناسياً حدثه " متى يكون التجديد ؟ العلماء رحمهم الله يقولون : إذا صلى بالوضوء الأول صلاة شرع أن يجدد الوضوء الثاني للصلاة الثانية أما إذا لم يصلي فإنه لا يشرع التجديد .
فعندنا صورتان :
الصورة الأولى : هذا رجل صلى بالوضوء ثم بعد ذلك أراد أن يجدده ، فجدد الوضوء ، فهذا الذي فعله تجديداً ، فهو مستحب بعد أن انتهى من تجديد الوضوء ، تذكر أنه محدث -
قد أحدث ، على كلام المؤلف أنه ينفعه هذا الوضوء ، هو ناسٍ أنه محدث ونوى أن يجدد الوضوء ، فهو يظن أنه متطهر صلى بالوضوء الأول صلاة ثم بعد ذلك أحدث ، ثم جاءت الصلاة الثانية ، فقال : أجدد الوضوء ، فتوضأ مجدداً للوضوء ، ثم بعد ذلك تذكر أنه محدث ، نقول : ارتفع حدثك الآن ، لأن هذا التجديد مشروع .
أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه وإن تنوعت أحداث فنوى أحدها ارتفع كلها.......(1/91)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة الثانية : توضأ ولم يصلي ، ثم بعد ذلك جدد الوضوء ، ثم تذكر أنه محدث فعلى كلام الفقهاء لا ينفعه هذا التجديد، لأنه لا يكون التجديد مشروعاً إلا إذا صلى صلاة .
"أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه "
هذه الصورة الرابعة : أن ينوي رفع الحدث الأكبر ، فنقول : إذا نوى رفع الحدث الأكبر ارتفع الحدث الأصغر على الصحيح .
الصورة الخامسة : أشار إليها بقوله " أو الغسل نحو جمعة أو عيد ارتفع حدثه " أن ينوي ما يستحب له الغسل ، وهو مثل : العيد ، تغسيل الميت ، الإحرام ، دخول مكة ... الخ ، فإذا نوى ما يستحب له الغسل فإنه يرتفع الحدث الأصغر أيضاً على الصحيح ،
وصورة ذلك شخص محدث حدث أصغر ثم بعد ذلك اغتسل لصلاة العيد - نوى بغسله صلاة العيد- أو نوى بغسله الإحرام ، فإنه يرتفع الحدث الأصغر .
الصورة السادسة : أن ينوي رفع الحدثين جميعاً - الأصغر والأكبر- فنقول : بأنهما يرتفعان
" وإن تنوعت أحداث فنوى أحدها ارتفع كلها " ،
مثال ذلك : رجل حصل منه البول : وحصل منه أكل لحم الجزور وحصل منه ريح هذه أحداث ، ثم توضأ وهو ينوي رفع الحدث عن البول أو ينوي رفع الحدث عن أكل لحم الجزور ، نقول هذه الأحداث كلها ترتفع ،
ويسن أن ينوي عند أول مسنون وجد قبل واجب فينوي ثم يسمي ثم يغسل كفيه ثلاثاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/92)
أيضاً مثاله في الحدث الأكبر كرجل حصل منه جماع ، وحصل منه أيضاً احتلام في المنام ، فهنا اجتمع منه حدثان : فنوى أحدهما - أحد هذين الحدثين - نوى الاحتلام أو نوى الجماع ، نقول : بأنها ترتفع جميع هذه الأحداث ،
مثل أيضاً : امرأة خرج منها دم الحيض ، وأيضاً حصل لها قبل الحيض جماع ، فعندها الآن حدثان ، فإذا نوت أحدهما ، فإنه يرتفع كلا الحدثين .
" ويسن أن ينوي عند أول مسنون وجد قبل واجب " ما هو المسنون الذي يوجد قبل الواجب ، هو غسل الكفين ، فيستحب أن ينوي عند غسل الكفين كما تقدم لنا أن غسل الكفين هذا سنة مطلقاً في الوضوء ، ويجب أن ينوي عند التسمية لأن التسمية هي الواجبة .
"فينوي" هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان صفة الوضوء ،قال
"فينوي ثم يسمي" ، تقدمت النية والكلام عليها ، وأيضاً تقدمت التسمية والكلام عليها .
"ثم يغسل كفيه ثلاثاً " تقدم الإشارة إلى ذلك ، وأنه يستحب أن يغسل كفيه ثلاثاً ، لما تقدم من الأحاديث كحديث عثمان رضي الله عنه ، وذكرنا أيضاً : إذا كان قائماً من نوم
الليل - الناقض للوضوء- هل يكرر غسل اليدين أو لا يكررها؟
نقول يكتفي بثلاث مرات ، وأن هذا من باب تداخل العبادة .
ثم يتمضمض ثم يستنشق بيمينه ويستنثر بيساره ثلاثاً ثلاثاً ثم يغسل وجهه من منبت شعر الرأس المعتاد مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم يتمضمض ثم يستنشق بيمينه ويستنثر بيساره ثلاثاً ثلاثاً " ، تكلمنا عن المضمضة ، وقلنا بأن المضمضة لها حالتان : 1 - واجبة . 2 - ومجزئة ،
والواجبة : هي تحريكه في الفم أدنى تحريك ، والمجزئة : المستحبة : تحريكه في جميع الفم ،(1/93)
أيضاً الاستنشاق تقدم ، وهل يفصل بين المضمضة والاستنشاق أو لا يفصل بينهما ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ، وذكر ابن القيم رحمه الله أنه لم يصح عن النبي ( أنه فصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث البتة ، وعلى هذا يأخذ غرفة يتمضمض بنصفها ويستنشق بالنصف الباقي ، فيستنشق بيمينه ويستنثر بيساره .
وقوله "ثلاثاً ثلاثاً " هذه إحدى صفات الوضوء ، تقدم أن الوضوء له أربع صفات .
" ثم يغسل وجهه من منبت شعر الرأس المعتاد مع ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً وما بين الأذنين عرضاً " ، وقال بعض العلماء : يغسل وجهه من منحنى الجبهة ، وهذا أقرب بالضابط ، إذا بدأ الانحناء هذا غير داخل في الغسل ، وإنما الذي يدخل في الغسل ما تحصل به المواجهة - ما كان خارجاً عن حد الانحناء-
وطولاً : ما انحدر من اللحية والذقن طولاً ، كما ذكر المؤلف رحمه الله ،
وعرضاً : من الأذن إلى الأذن ، لأن هذا هو الذي تحصل به المواجهة .
وما فيه من شعر خفيف وظاهر الكثيف ويخلل باطنه..........................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله " من منبت شعر الرأس المعتاد " يخرج غير المعتاد ، فبعض الناس يحصل له نبات من الشعر في جزئ من الجبهة ، فهذا يجب غسله ، لأنه هذا غير معتاد ، المعتاد هو الذي في الرأس ، أما في الجبهة فهذا غير معتاد فيجب عليه أن يغسله ، وأيضاً عكس هذا بعض الناس ينحصر الشعر عند أول رأسه ،(1/94)
فهل يجب عليه أن يغسل الظاهر من الرأس أو لا يجب أن يغسله ؟ نقول : لا يجب أن يغسله وإنما يمسحه ، فالعبرة هي من منابت الشعر المعتاد ، لكن إذا قلنا بالضابط الذي ذكرنا استرحنا ، أنه من منحنى الجبهة ، فما كان من قبل المنحنى هذا يجب عليك أن تغسله وما عدا ذلك فإنه لا يجب .
"وما فيه من شعر خفيف وظاهر الكثيف ويخلل باطنه " الشعور تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : الشعور في الطهارة الكبرى بالماء هذا يجب غسل ظاهرها وباطنها ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها لما ذكرت غسل النبي ( قالت : " حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه 116" ،
قد أروى البشرة ، والبشرة : الباطن ، فيجب غسل الظاهر والباطن .
القسم الثاني : في الطهارة الصغرى بالماء ، فهذا فيه تفصيل ،إن كان خفيفاً يجب غسل ظاهره وباطنه وإن كان كثيفاً يجب غسل الظاهر فقط وأما الباطن يخلل وسيأتي الكلام على التخليل .
ثم يديه مع مرفقيه ثلاثاً....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثالث : طهارة التيمم في الحدث الأكبر والأصغر ، لأن الصفة واحدة في التيمم ، فهذا لا يجب تطيهر الشعر ، لأن التيمم طهارة معنوية ، وليست طهارة حسية ، وعلى هذا ما نقول إذا تيمم الإنسان أنه يجب أن يمسح شعر اللحية ، فهذا غير واجب .(1/95)
"ويخلل باطنه" ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يخلل باطن شعره الكثيف - أي : إذا كان عليه اللحية كثيفة أنه يخلل باطن اللحية الكثيفة ، وأنه مستحب دائماً ، وورد في ذلك حديث عثمان رضي الله عنه في الترمذي " أن النبي ( كان يخلل لحيته 117" ، وهذا الحديث صححه الترمذي وحسنه البخاري ، وورد أيضاً عن الصحابة رضي الله عنهم .
والرأي الثاني : أنه يخلل أحياناً ويترك أحياناً ، وهذا رأي ابن قيم رحمه الله ، لأن كثير ما وصفوا وضوء النبي ( لم يذكروا التخليل ، وعلى هذا نقول : يستحب في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان جمعاً بين الأدلة .
كيفية التخليل : أنه يأخذ غرفة من الماء ويضعها تحت ذقنه ، ثم يفرك بها أسفل اللحية ، ثم يأخذ غرفة أخرى ويضعها على الجانب ويفرك بها جانب أخرى،وهذا بالنسبة للجانب الآخر .
"ثم يديه مع مرفقيه ثلاثاً " أي : يغسل يديه مع المرفقين ثلاثاً ، تقدم الكلام عليه ، وأيضاً قوله " ثلاثاً " هذه إحدى صفات الوضوء ، وذكرنا أن الوضوء له صفات .
ويعفى عن يسير وسخ تحت ظفر ثم يمسح رأسه ثم أذنيه مرة ثم يغسل رجليه مع كعبيه ثلاثاً ثم يقول رافعاً بصره للسماء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ويعفى عن يسير وسخ تحت ظفر " يسير وسخ تحت ظفر ، هذا جرت به العادة ، يعفى عنه ، تقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر أنه يعفى عن يسير المانع حتى إن كان غير وسخ .(1/96)
"ثم يمسح رأسه ثم أذنيه مرة " تقدم لنا مسح الرأس وما الواجب منه إلى آخره، والسنة ، أن يبدأ بمقدم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه
" ثم أذنيه " ظاهر كلام المؤلف رحمه الله ،أنه يفصل بين مسح الرأس والأذنين وعلى هذا يأخذ ماء جديد للأذنين ،
والصواب في ذلك : أنه لا يثبت أخذ ماء جديد للأذنين ، وأن الوارد في ذلك شاذ ، وعلى هذا الصحيح : أنه لا يفصل بين مسح الرأس والأذنين ، وإنما يمسح أذنيه بما فضل من مسح رأسه .
"ثم يغسل رجليه مع كعبيه ثلاثاً " هذا الكلام فيه كما تقدم .
"ثم يقول رافعاً بصره للسماء " رفع البصر للسماء الحديث في ذلك ضعيف لا يثبت عن النبي ( ، وأيضاً رفع السبابة ، لا يثبت استقبال القبلة أيضاً لا يثبت ، فهذه الأشياء غير ثابتة ، الذي ثبت كما ذكر المؤلف رحمه الله
" أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " هذه
ويغسل أقطع باقي فرضه.....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثابتة كما في صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه " أنه من توضأ وأسبغ الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء 118" ، وأيضاً ورد في الترمذي " اللهم اجعلني من
التوابين واجعلني من المتطهرين 119" ، وهذه اللفظة أعلت بالاضطراب ،
هذه اللفظة هل هي مضطربة أو ليست مضطربة ؟
هذا موضع خلاف بين المحدثين ، فمنهم من يثبتها ومنهم من يعلها بالاضطراب ،(1/97)
والأقرب أنها ثابتة إن شاء الله ، وأيضاً ورد موقوفاً على أبي سعيد رضي الله عنه - صحيح أنه موقوف وليس مرفوعاً إلى النبي ( - " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 3" هذا رواه النسائي في عمل اليوم والليلة ، ورجحه كذلك أيضاً الدارقطني أنه موقوف على أبي سعيد،وليس مرفوعاً إلى النبي ( . "ويغسل أقطع باقي فرضه " الأقطع : الذي قطع بشيء من محل الفرض في العضو وبقي جزء آخر من العضو فهذا الأقطع يقول المؤلف رحمه الله بأنه يغسل باقي الفرض ، فإذا فرض أنه قطع من نصف الذراع ، فيغسل النصف الآخر مع المرفقين ، وإذا فرض أنه قطع من المرفق وبقي المرفق أو شيء من المرفق فإنه يغسل الباقيلو قطع جميع الذراع مع المرفق نقول سقط عن
ويباح تنشيف ومعين..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غسل هذا اليد .
" ويباح تنشيف ومعين " ، هل تنشيف الأعضاء مباح أو مكروه ؟
هذا فيه رأيان للعلماء رحمهم الله :
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه مباح كما ذكر المؤلف رحمه الله ، وهذا عليه كثير من أهل العلم ، وورد ذلك عن عثمان رضي الله عنه .
والرأي الثاني : أنه مكروه - يكره أن ينشف ، واستدلوا بأن النبي ( في حديث ميمونة رضي الله عنها ، في الغسل " لما أتته بالخرقة ردها ، وجعل ينفض الماء بيده 120" ، وأيضاً قالوا :
بأنه ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ،
والصواب في ذلك أنه يباح كما ذكر المؤلف رحمه الله ، وأن هذا ليس مكروهاً ،
وكون النبي ( لم يورد الخرقة ، إما لأمر في الخرقة أو غير ذلك من الأسباب ، قد يكون لسبب . فالصواب في ذلك عدم الكراهة .(1/98)
وأيضاً المعين يباح ، والإعانة في الوضوء تنقسم إلى قسمين :
1 - الإعانة بتقريب الماء وصبه عليه ، فهذا جائز ، والنبي ( استعملها ، كما في حديث المغيرة رضي الله عنه ، وحديث ابن مسعود رضي الله عنه ، حديث أنس رضي الله عنه ، فإنهم كانوا يعينون النبي ( في وضوءه ، والمغيرة رضي الله عنه صب على النبي ( ،
ومن وضئ بإذنه ونواه صح ويسن في وضوء السواك ، وغسل كفيه إن لم يكن قائماً من نوم ليل ناقض لوضوء فيجب والبداءة قبل غسل وجه بمضمضة فاستنشاق ومبالغة فيهما لغير صائم..................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث أنس رضي الله عنه قال : " كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة 121" إلى آخره . 2 - القسم الثاني : ما يتعلق بغسل الأعضاء ، يعني : يقوم شخص ويغسل أعضاءه ، يغسل يديه ويغسل رجليه.إلى آخره ، فهذا مكروه والسنة الإنسان أن يباشر العبادة بنفسه .
" ومن وضئ بإذنه ونواه صح " أي : نوى أن يتوضأ وجاء شخص ووضأه ، غسل يديه ووجهه مع المضمضة والاستنشاق ومسح رأسه وغسل رجليه ، صح ، لأن المطلوب غسل هذه الأعضاء مع النية ، وقد حصل ذلك إما بفعل المتعبد مباشرة أو نائبه .
" ويسن في وضوء السواك ، وغسل كفيه إن لم يكن قائماً من نوم ليل ناقض لوضوء فيجب " هذا تقدم الكلام عليه . " والبداءة قبل غسل وجه بمضمضة فاستنشاق " أيضاً تقدم ، السنة إنه يبدأ بالمضمضة ، والاستنشاق وأنه لا يفصل بينهما ثم يغسل الوجه ، ولو بدأ بالوجه قبل المضمضة والاستنشاق أو خالط هذا لا بأس .(1/99)
"ومبالغة فيهما لغير صائم " لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه ، أن النبي( قال : " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً 122" حتى لا يدخل الماء إلى أقصى الأنف .
والمبالغة في المضمضة:أن يدير الماء في جميع الفم .وفي الاستنشاق:أن يجذب الماء إلى أقصىالأنف
وتخليل لحية كثيفة وأصابع وتيامن ودلك.......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتخليل لحية كثيفة " تقدم الكلام عن ذلك .
"وأصابع " ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن تخليل الأصابع سنة مطلقاً ، فيخلل أصابع يديه بأن يدخل بعضهما في بعض ، وأما أصابع رجليه فإنه يدعكهما بخنصره ، ودليل ذلك قول النبي( في حديث لقيط رضي الله عنه " وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً " ، وأيضاً حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه : " أن النبي ( كان يخلل بين أصابعه 123" . والرأي الثاني : رأي الشوكاني و الصنعاني ، أنه واجب ،
والرأي الثالث : أنه يستحب تخليل الأصابع في بعض الأحيان، وهذا رأي ابن القيم رحمه الله
وهذا القول هو الأقرب ، لأن كثير من الذين وصفوا وضوء النبي ( لم يذكروا ذلك ، ولأن الواجب هو إيصال الماء إلى جميع العضو لكن التخليل زيادة في التنظيف .(1/100)
"وتيامن ودلك " أيضاً يستحب أن يتيامن يبدأ باليمين فاليسار ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها " أن النبي كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله 124" . "ودلك" أي:يدلك يديه ورجليه ، يستحب أن يدلك لكي يتيقن وصول الماء إلى العضو . وذهب بعض أهل العلم كالإمام مالك رحمه الله إلى وجوبه ، والصحيح : أنه غير واجب ، المهم أن الإنسان إذا علم ذلك أو ظن ذلك - يكفي حتى الظن - إذا ظن أن وصل الماء على العضو كفى ذلك .
وأخذ ماء جديد للأذنين وغسله ثانية وثالثة وكره فوقها................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وأخذ ماء جديد للأذنين " تقدم الكلام عليه ،
وذكرنا أن الصواب : لم يثبت ذلك ، وأن ما ورد أو ما يروى أن النبي ( أخذ ماء جديد للأذنين فهذا شاذ ولا يثبت .
" وغسله ثانية وثالثة وكره فوقها " ، أي : أن غسله الثانية والثالثة مستحبة ، تقدم الإشارة على هذا ،
وأن الصواب : أن هذا ليس على إطلاقه ، فالمستحب للإنسان أن يتوضأ تارة مرة مرة ، وتارة مرتين مرتين ، وتارة ثلاثة ثلاثة ، وتارة يخالف.
" وكره فوقها " أي : ما فوق الثالثة ، هذا مكروه لأن هذا من الاعتداء في الطهور ، والنبي ( يقول : "سيكون أقوام من أمتي يعتدون في الدعاء والطهور 125" وأيضاً في حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي ( : " فمن زاد فقد تعدى وأساء وظلم 126" ، ولأن هذا خلاف ما جاء في السنة عن النبي ( .
يصح المسح على خف...................................................................(1/101)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
لما تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن الوضوء شرع في الكلام على أحكام المسح على الخفين ، لأن مسح الخفين يتعلق بعضو من أعضاء الوضوء ، وهو القدمان أو الرأس ، أو جزء آخر من أعضاء الوضوء ، أو البدن فيما يتعلق بالمسح على الجبيرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
" يصح المسح على خف " أفاد بهذه الجملة أن المسح على الخفين جائز بقوله
"يصح" وهذا خلافاً لما عليه أهل البدع من الرافضة والخوارج ، فإنهم لا يرون المسح على الخفين ، وإن كانوا يقولون بالمسح على الرجلين ، وأهل السنة والجماعة يرون المسح على الخفين ، وقد حكي الإجماع على ذلك ، حكى طائفة من أهل العلم الإجماع على جواز المسح على الخفين كابن المنذر ، وأيضاً صاحب الشرح الكبير ، وشيخ الإسلام ابن عبد البر وغيرهم ، وقد ورد فيه اختلاف قديم عن بعض السلف ، فقد روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم عدم القول به ، وهذا من روى عنه الخلاف ، إما أنه لا يثبت عنه أصلاً أو أنه رجع عنه وقال بالمسح على الخفين ، وحسن البصري رحمه الله يقول : سمعت أحاديث المسح على الخفين عن سبعين صحابياً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وابن منذه جمع أحاديث المسح على الخفين عن ثمانين صحابياً ، وأيضاً الإمام أحمد رحمه الله
.............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/102)
يقول : ليس في قلبي من المسح على الخفين شيء فيه أربعون حديثاً عن رسول الله ( .
وقال ابن المبارك : ليس فيه اختلاف ، فهذا مما يدل على أن المسح على الخفين جائز ،وأهل السنة والجماعة يذكرون في ذلك عقائدهم ، لأنه كما ذكرنا أن طوائف من أهل البدع كالرافضة وغيرهم يرون عدم جواز المسح على الخفين ، ولهذا تجد في كتب العقائد يذكرونه
" ونرى كذا وكذا وكذا ، والمسح على الخفين "، رداً لأهل البدعة ،
وهل الأفضل للإنسان أن يغسل رجليه أو الأفضل أن يمسح على خفيه ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ، والإمام أحمد رحمه الله من حبه للسنة يقول : الأفضل المسح ، كل ذلك رد لأهل البدعة ، وإظهار لسنة النبي (.
والرأي الثاني : ماذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن الأفضل للإنسان أن يراعي حال قدمه ، فإذا كان لابساً للخفين فالأفضل أن يمسح ، ولا نقول اخلع لكي تغسل ، وإن كان خالعاً ، فالأفضل أن يغسل ، ولا نقول : إلبس لكي تمسح ، فالأفضل للإنسان أن يراعي حال قدمه ، وهذا هو ظاهر السنة عن النبي ( ، أن النبي ( لم يكن يراعي خلاف قدمه .
" يصح المسح على خف " المسح في اللغة : الإمرار ،
وفي الاصطلاح : هو إمرار اليد مبلولة بالماء على الخفين من أطراف أصابع الرجلين إلى الساق . والخف : هو ظاهر ما يلبس على الرجل من جلد .
ونحوه مباح.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ونحوه" : أي نحو المسح على الخفين ، كالمسح على الجوارب ،
والمسح على الجوارب هذا موضع خلاف ، كما سيأتينا إن شاء الله ،(1/103)
والمقصود بالجوارب : هو ما يلبس على الرجل من الصوف أو القطن ، ونحو ذلك بما يسمى عندنا بالشراب .
"مباح" المسح على الخفين يصح بشروط :
الشرط الأول : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا إذا كان مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك فإنه لا يصح المسح عليه، لأن المذهب القاعدة عندهم : " أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو شرطه فإنه يقتضي الفساد " ، فهنا النهي يتعلق بشرط من شروط العبادة وهو رفع الحدث "الوضوء" فيقولون بأنه يقتضي الفساد .
الرأي الثاني : أن المسح عليهما صحيح ، ويرتفع الحدث وهو آثم ، كما لو صلى في أرض مغصوبة ،
والصحيح في ذلك : أن صلاته صحيحة ، ودليل ذلك عمومات أدلة المسح علىالخفين ، كحديث علي وحديث أنس وحديث خزيمة ، وحديث صفوان بن عسال وغيرهم ، الأدلة على هذا كثيرة ، كما ذكرنا أن ابن منذه جمعهما عن ثمانين صحابي من صحابة رسول الله (
وأما قولهم بأن النهي إذا عاد إلى شرط العبادة والمعاملة يقتضي الفساد ، هذا غير مُسَلم ، الصحيح : أن النهي إذا عاد إلى شرط العبادة والمعاملة ينقسم إلى قسمين:
ساتر لفرض............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن يعود إلى شرط العبادة والمعاملة على وجه يختص ، فهنا نقول : يقتضي الفساد .
2 - أن يعود إلى شرطها على وجه لا يختص ، فنقول بأنه لا يقتضي الفساد .
وهنا على وجه لا يختص فلا تقتضي الفساد ، لأن السرقة والغصب ليست خاصة بالمسح على الخفين ، بل تكون في كل شيء ، تتعلق بالمسح على الخفين وغيرها ، يعني ليس على
وجه يختص ، فنقول :(1/104)
الصحيح في ذلك : أنه إذا مسح على خف أو جورب محرم فإن حدثه يرتفع لكنه يأثم ، وسواء كان التحريم لحق الله عز وجل مثل الحرير كما لو لبس الجورب من حرير أو التحريم لحق آدمي كما لو لبس جورباً مسروقاً أو مغصوباً أو منتهباً ونحو ذلك .
"ساتر لفرض" هذا الشرط الثاني : أن يكون ساتراً للمفروض - الذي يجب غسله -
ما يجب غسله يجب أن يكون ساتراً له ، والذي يجب غسله من أطراف القدمين إلى آخر الكعبين ، ودليلهم على ذلك قالوا : أن ما ظهر فرضه الغسل ، ولا يجتمع الغسل مع المسح ، فلابد أن يكون ساتراً لمحل الفرض .
والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً ، وعلى هذا إذا كان فيه تخريق فإنه يصح المسح عليه ، وقال بذلك المالكية والحنفية ، لكنهم يحددون التخريق ، الحنفية يقولون : إذا كان بقدر ثلاثة أصابع فإنه يصح المسح عليه ، والمالكية يقولون : إذا كان بقدر الثلث - ثلث القدم - يصح المسح عليه .
..............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الحنابلة والشافعية لابد أن يكون ساتراً ، لا يكون فيه شيء من الخروق .
والرأي الثالث : أنه يصح أن يمسح عليه ولو كان فيه شيء من الخروق ما دام أن اسم الخف باقٍ عليه وينتفع به ، فإنه يصح المسح عليه ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ودليل ذلك إطلاق الأدلة ، الأدلة جاءت مطلقاً النبي ( جعل في المسح على الخفين للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها ، وأيضاً حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه(1/105)
إلى آخره ، وأيضاً قالوا : بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان غالبهم فقراء ، وخفاف الفقراء لا تخلو من التخريق والتقطع ..الخ
فالصواب في ذلك : أنه لا يشترط أن يكون ساتراً للمفروض ، وعلى هذا إذا كان فيه شيء من الخروق فإنه يصح المسح عليه ،
إذا كان خفيفاً ليس فيه شيء من الخروق لكنه خفيف ، ترى البشرة من وراءه
هل يصح المسح عليه أو لا يصح؟ المذهب أنه لا يصح المسح عليه ، وأيضاً هو رأي جمهور أهل العلم : أنه لا يصح المسح عليه إذا كان خفيفاً ،
الشافعية : يقولون : إذا كانت ترى البشرة من وراءه يصح المسح عليه ، لكنه يشترط أن يكون سميك ، مثل : لو لبس البلاستيك ، ترى البشرة من وراءه ، لكن يقولون : يصح المسح عليه ، وإذا أخذنا بإطلاق الأدلة أن الأدلة مطلقة ، نقول : يصح المسح عليه حتى ولو كان خفيفاً ، وإن كان الأحوط الإنسان أنه يحتاط لكن يظهر والله أعلم أنه يصح المسح عليه
يثبت بنفسه......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأنه كما ذكرنا فيما تقدم قاعدة ، وهي : أن المسح رخص فيه ، أي : ما يتعلق بالأمور المسموحة الشارع رخص فيها أصل المسح - كونه جعل مسحاً - أصله رخصة ، بدل من الغسل صير إلى المسح للتخفيف والترخيص فيظهر والله أعلم أن هذا جائز ولا بأس به ، لكن لو احتاط الإنسان ولبس الخفين أو جوربين هذا أحسن .(1/106)
"يثبت بنفسه" هذا الشرط الثالث : أن يكون الخف مما يثبت بنفسه ، وعلى هذا لو كان لا يثبت إلا بشدة - يحتاج إلى أن نشده بخيط أو حبل ونحو ذلك - كما لو كان واسعاً ، إذا مشى به يسقط منه ، فإنه لا يصح المسح عليه على كلام المؤلف رحمه الله ، وهذا لا دليل عليه
ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يختار أنه سواء كان ثبت بنفسه أو ثبت بغيره - ولو كان لا يثبت إلا بخف آخر ، أو لا يثبت إلا بشده ونحو ذلك ، وقد لا يحتاج أن يمشي عليه لما لو كان مريضاً ولبسه لكي يستدفئ ونحو ذلك ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
الشرط الرابع : التوقيت ، ومعنى التوقيت : أي : أن يمسح المقيم يوماً وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام بلياليها ، وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق ببحث التوقيت .
الشرط الخامس : أن يكون ذلك بعد كمال الطهارة بالماء ، وهذا أيضاً إن شاء الله سيأتي بحثه .
الشرط السادس : أن يكون الخف طاهراً ، وعلى هذا إذا كان نجساً فإنه ينقسم إلى قسمين :
وعلى عمامة محنكة أو ذات ذؤابة.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن يكون نجساً نجاسة عينية - عينه نجسة - كما لو كان من جلد ميتة لم يدبغ هذا الجلد أو الجورب ، لو كان الجورب من شعر سبع - على القول بأن شعر السبع نجس- فإنه لا يصح المسح عليه .
2 - أن يكون الخف نجساً نجاسة حكمية ، يعني : هو طاهر لكن طرأت عليه نجاسة ، كإنسان لبس الحذاء ثم داس عليها نجاسة ، أو مثلاً : شرابه أصابها شيء من البول ونحو ذلك ، فهذا يصح المسح عليه ويرتفع الحدث ، ولو كان الخف فيه نجاسة أو شراب فيه نجاسة ثم(1/107)
مسحت عليه نقول : بأن المسح صحيح ، ويرتفع الحدث ، لكن إذا أراد أن يصلي - ما تشترط له الطهارة - نقول بأنه يغسل هذه النجاسة . الشرط السابع : أن يكون في حدث أصغر .
" وعلى عمامة محنكة أو ذات ذؤابة " أي : يصح المسح على العمامة ، ودليل ذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي ( "مسح على الناصية والعمامة 127" وأيضاً ورد ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ، وأيضاً في صحيح مسلم أن النبي ( مسح على الخفين والخمار " الخ . واشترط المؤلف رحمه الله في العمامة : أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة ، هذه شروط خاصة ، يشترط أن ي والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً ، يعني : يصح المسح على العمامة الصما - التي ليس لها ذؤابة أو لا تدار تحت الحنك ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ساتره للمعتاد لرجل. وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن في حدث أصغر...................................(1/108)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ. "ساترة للمعتاد لرجل " هذا الشرط الثاني مما يشترط للعمامة : أن تكون ساترة لما جرت العادة بستره وأما ما جرت العادة بكشفه فإن هذا لا بأس أن يظهر ، فما جرت العادة أن تستره العمامة بالنسبة للرجل ، نقول : بأنه يجب أن يستر ، وأما ما جرت العادة بكشفه مثل : جوانب الرأس ونحو ذلك ، فهذا لا يجب ستره "وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن " يصح لإطلاق الأدلة ، أما الحنابلة يقولون بأن عمائم العرب هي هكذا : إما أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة . دار تحت حنكه ، أو الذي لها طرف مرخى ، فإذا كان كذلك فإنه يصح المسح عليها المسح على خمر النساء - خمار المرأة- واشترط المؤلف رحمه الله تعالى أن يكون هذا الخمار مداراً تحت الحلق ، ودليل ذلك ثبوته عن أم سلمة رضي الله عنها المسح على الخمار ، وكذلك أيضاً القياس على عمامة الرجل تقدم لنا صحة المسح على العمامة كما في حديث المغيرة وغيره ، فإن لم يكن الخمار مداراً تحت الحلق فلا يصح المسح ، لأنه لا يشق نزعه في هذه الحالة . "في حدث أصغر " يؤخذ منه : أنه لا يصح المسح على الخمار وعلى العمامة وعلى الخفين في الحدث الأكبر ، وهذا يضاف على شروط المسح على الخفين ، وهو الشرط السابع : أن يكون في حدث أصغر ، فلا يصح المسح في الحدث الأكبر ، ودليل ذلك حديث صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه فإنه قال : " أمرنا رسول الله ( أن نمسح على الخفاف إذ كنا سفراً أو مسافرين ، ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من بول وغائط ونوم 128" ، فهذا يدل على أنه يمسح في الحدث الأصغروأما الحدث الأكبر فإنه لا يمسح ، وهذا مجمع عليه(1/109)
يوماً وليلة لمقيم وثلاثة أيام بلياليهن بسفر قصر................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يقاس على عمامة الرجل وخمار المرأة أو لا ؟
هذا فيه تفصيل : فإن كان يشق نزعه فإنه يقاس - إذا كان هناك شيء من ألبسة الرجال أو النساء مما يشق نزعه- فالقول : بأنه يقاس فإذا كان هناك لباس خاص في الشتاء ، مثل : بعض الألبسة تدار تحت الحلق ويشق نزعها نقول يقاس ويمسح عليه في الحدث الأصغر ، وكذلك أيضاً إذا كان لا يشق نزعه ، مثل : الشماغ والغترة ..الخ ، فإنه لا يصح المسح عليها مسألة : هل المسح على العمامة وخمر النساء يأخذ أحكام المسح على الخفين من حيث التوقيت وغير ذلك من الأحكام أو لا ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، فالمشهور من مذهب الحنابلة رحمهم الله ، أن المسح على العمامة وخمار المرأة أنه يأخذ أحكام المسح على الخفين من حيث التوقيت ، ومتى يبدأ التوقيت ؟ وغير ذلك ، وأن تكون ساترة إلى آخره ، ودليل ذلك أنه ورد عن عمر رضي الله عنه التوقيت في المسح على العمامة .
والرأي الثاني : أنه لا يأخذ وحينئذ يكون المسح على العمامة غير مؤقت ، وهذا قول الظاهرية لأنه ورد مطلقاً ، والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله
أولاً : لأنه ورد عن عمر رضي الله عنه كما سبق وأيضاً قياساً على المسح على الخف .
"يوماً وليلة لمقيم وثلاثة أيام بلياليهن بسفر قصر " هذا ذكرناه من الشروط :
الرأي الأول: أن يكون المسح مؤقتاً ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، فللمقيم يوم وليلة
..............................................................................................................................................(1/110)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، واستدلوا على ذلك بأحاديث التوقيت ، ومن أصحها حديث علي بن أبي طالب في صحيح مسلم " أن النبي ( جعل للمقيم في المسح على الخفين يوم وليلة ، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن 129" وأيضاً كما تقدم لنا في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه ، وحديث أبي بكرة وغير ذلك من الأحاديث . والرأي الثاني : أن المسح على الخفين غير مؤقت ، وهذا المشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله ، فيمسح ما شاء ، واستدلوا بحديث أبي بن عمارة رضي الله عنه أنه قال للنبي ( : " أمسح على الخفين يوماً ؟ قال : نعم ، قال : ويومين ، قال : نعم ، قال : وما شئت 130" . فقوله " وما شئت " ..الخ ، هذا يدل على أنه غير مؤقت ، وكذلك أيضاً استدلوا بأن النبي ( سئل عن مسح على الخفين يوماً أو يومين قالوا ولواستزدناه لزادنا 3"وهذاأجيب عنه بجوابين 1-أنه ضعيف .2 - أنه ظن صحابي.
والرأي الثالث في المسألة : التفصيل : أنه إذا كان في حالة الضرورة أو المصلحة مصلحة المسلمين فإنه لا يتوقت ، وما عدا ذلك فإنه يتوقت ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، واستدل على ذلك بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ، فإنه أتى عمر رضي الله عنه فسأله عمر عن لبس الخفين ، قال : من الجمعة ، وقد أتاه يوم الجمعة ، فقال عمر : أصبت السنة 4" يعني من الجمعة إلى الجمعة ،
فهذا يدل على أنه : إذا كان في حالة الضرورة ، مثل : لو أنه خلع خفيه واشتغل بغسل .............................................................................................................................................(1/111)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجليه لفاته رفقته في السفر ، ويخشى على نفسه إلى آخره ، فنقول في هذه الحالة : ما دام حال الضرورة أو مثلاً شدة البرد في أماكن يكون فيها ثلج - يتضرر- أو مصلحة للمسلمين مثل : صاحب البريد الذي ينقل ما يحتاج إليه المسلمين ، لو أنه اشتغل بالفسخ والغسل ..الخ ، التأخير في ذلك ، فمثل هذه الأشياء على الرأي الثالث : أنه لا يتوقت فيها المسح ،
وهذا هو الأقرب جمعاً بين الأدلة ، لكن يحتاط بحيث أنه لا يمسح بعد تمام المدة إلا في حالة الضرورة أو في حالة المصلحة العامة كما سبق .
ومتى تبدأ المدة ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله المشهور من المذهب أنها تبدأ من أول حدث بعد لبس ، واستدلوا على ذلك بأنه ورد في حديث صفوان رضي الله عنه
"من الحدث إلى الحدث" ، وهذا ضعيف لا يثبت . وكذلك أيضاً قالوا : بأنه إذا حصل الحدث وجد الترخص - إذا لبس ثم بعد ذلك حصل له الحدث وجد وقت الترخيص فله أن يمسح- وأما لو مسح قبل الحدث فإنه لم يوجد الترخص ، لأن الإنسان طاهر في هذه الحالة - حدثه مرتفع- لكن إذا أحدث فإنه يلزم أن يغسل رجليه قبل ذلك غسل رجليه ليس واجباً عليه ، لو أراد التجديد ليس واجباً غسل الرجلين ، وإنما يجب أن يغسل رجليه بعد الحدث.
والرأي الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره من أهل العلم أن
المدة تبدأ من حين المسح بعد الحدث - فإذا أحدث ثم مسح بدأت المدة- ويدل لذلك
يمسح يوماً وليلة للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن..................................(1/112)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي ( جعل المدة ظرفاً للمسح ، ولا تكون ظرفاً للمسح إلا إذا قلنا بأن المدة تبدأ من حين المسح ، فقوله
" يمسح يوماً وليلة" جعل المدة كلها وقتاً للمسح ، وإذا قلنا بأنها تبدأ من أول الحدث يكون هناك وقت لم يحصل فيه مسح ،
فوجه الدلالة قالوا : بأن الحديث جاء بقوله " للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن " .
والرأي الثالث : أنه من حين اللبس ، وهذا أضعف الأقوال ، وقال به الحسن البصري رحمه الله ، وأصح الأقوال : القول الوسط ، وهو : أن المدة تبدأ من أول مسح بعد الحدث ، وتظهر ثمرة الخلاف لو أنه لبس في الساعة الخامسة فجراً ثم بعد ذلك أحدث في الساعة السابعة ، ثم مسح في الساعة الثانية عشرة ، فعلى القول الثالث تبدأ المدة في الساعة الخامسة من حين اللبس ، يحسب أربعة وعشرين ساعة ، من الخامسة إلى الخامسة من الغد
هذه أربعة وعشرون ساعة يمسح فيها إذا كان مقيماً ، واثنتان وسبعون ساعة يمسح فيها إذا كان مسافراً - من الخامسة إلى ما بعد ثلاثة أيام . وإذا قلنا من أول حدث بعد اللبس يبدأ من الساعة السابعة إلى السابعة إن كان مقيماً . وإذا قلنا من أول مسح بعد الحدث يكون الساعة الثانية عشرة وبهذا نعرف أن كلام العوام غير صواب . العوام يقولون : خمس فروض هذا خطأ ، لأن الإنسان قد يلبس أكثر من خمسة فروض قد يلبس مثلاً : الساعة الخامسة في الصباح ولا يمسح إلا في الساعة الثانية عشر في الليل ، هذا كله غير معتمد في المدة ،
بسفر قصر وعلى جبيرة..........................................................................................................(1/113)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن إذا مسح تبدأ المدة من أول المسح بعد الحدث فتحسب أربعة وعشرون ساعة إن كنت مقيماً ، وإن كنت مسافراً فتحسب اثنتين وسبعين ساعة .
" بسفر قصر" أي : إذا كان مسافراً - سفر قصر- ما تقصر فيه الصلاة ، فإن الذي يترخص له ثلاثة أيام بلياليهن ، وإن كان السفر أقل من مسافة القصر ، فإنه لا يترخص فيه وإنما يمسح يوم وليلة . "وعلى جبيرة" الجبيرة - فعلية بمعنى : فاعلة ، وهي : ما يوضع على الكسر من أخشاب وخرق ، حتى يلتئم وسميت بهذا الإسم تفاؤلاً بأن ينجبر الكسر ، ما يقال للأرض صراء البعيد يقال لها: مفازة تفاؤلاً بالفور بعد الهلاك ،
ومثل ذلك : مثل الجبيرة اليوم ما يسمى بالجبس ، ما يوضع على الكسر من الجبس أو ما يوضع اليوم من القطن ، ونحو ذلك ، هذه كلها تأخذ أحكام الجبيرة ،
فيقول المؤلف : يصح المسح على الجبيرة ، وهذا لم يثبت فيه بشيء عن النبي ( ، لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة ، حديث صاحب الشجة ضعيف ، وحديث علي رضي الله عنه أنه قال : انكسرت إحدى زندي فأمرني النبي ( أن أمسح على الجبائر 131" ، هذا
ضعيف ، لكنه ثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما ثبت عنه بإسناد صحيح ، كما روى ابن
المنذر أنه إذا كان عليه خصابة مسح وإن لم تكن عليه غسل ما تحتها ، وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه انجرحت إبهام رجله فألقامها مراراً ومسح عليها " ، ما دام أنه
لم تتجاوز قدر حاجة ولو في أكبر إلى حلها..........................................................................(1/114)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد عن ابن عمر هذا يشار إليه ، وإ نقول : إذا توضأ يتيمم .
لكن إذا قلنا بأن المسح على الجبيرة صحيح ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم لوروده عن ابن عمر رضي الله عنهما نقول : لا حاجة له إلى التيمم .
واشترط المؤلف رحمه الله ذا لم نقل بالمسح على الجبائر يشار إلى التيمم ،
فإذا قلنا بأن المسح على الجبيرة ما يصح وقال
" لم تتجاوز قدر حاجة" قدر الحاجة : هو موضع الجرح والكسر وما يحتاج إليه في شدها هذا يمسح عليه ، فإن تجاوز قدر الحاجة يجب عليه أن يخلعها أن يزيلها ، لأن الأصل : الغسل بالماء ولا يجوز المسح ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ? ، فإن كان يحلقه ضرر بالإزالة ، فالفقهاء يقولون : يتيمم ،
وعلى هذا حينئذ يجمع بين المسح والتيمم ، الغسل بالماء للصحيح ، والمسح للجبيرة ، والتيمم : للزائد عن قدر الحاجة ، فيجمع بين أنواع الطهارة الثلاثة ،
والصواب في ذلك : أنه إذا كان يشق عليه أن ينزعه فإنه يمسح عليه ، ولا حاجة إلى التيمم .
"ولو في أكبر " وهذا من الفروق بين المسح على الخف والجوارب وبين المسح على
الجبيرة ، فالمسح على الجبيرة حتى في الحدث الأكبر بخلاف المسح على الخف فإنه لا يكون إلا
في الحدث الأصغر لأن الجبيرة ضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ، وقد ذكر العلماء ما يقارب من أحد عشر فرقاً بين المسح على الجبيرة والمسح على الخف من هذه الفروق :
إذا لبس الكل........................................................................................................................(1/115)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أن المسح على الخف رخصة وأما المسح على الجبيرة عزيمة .
2 - أن المسح على الخف مؤقت ، وأما المسح على الجبيرة غير مؤقت ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله " إلى حلها" .
3 - أن الخف يشترط أن يكون ساتراً لمحل الفرض ، وأما الجبيرة لا يشترط.
4 - أن الخف يشترط تقدم الطهارة ، وأما الجبيرة على الصحيح فإنه لا يشترط تقدم الطهارة .
5 - أن المسح على الجبيرة يكون في الحدث الأكبر ، وأما الخف فإنه يشترط أن يكون في الحدث الأصغر .
6 - أن المسح على الجبيرة يجب مسحها جميعاً - الأعلى والأسفل - وأما الخف يجب عليك أن تمسح الأعلى فقط .
7 - أن الجبيرة تكون في الحال الضرورة بخلاف الخف فإنه لا يكون في حال الضرورة .
"إذا لبس الكل بعد كمال طهارة بماء" وتقدم لنا أن هذا من شروط صحة المسح على الخفين ، أن يمسح إذا كان لبس بعد كمال الطهارة بالماء ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا يشمل الخف والجبيرة .
والصواب في ذلك : أنه لا يشمل الجبيرة ، بل يشمل الخفين ، وما كان في نحوهما من الجوارب ، وأيضاً كما قلنا الصحيح أن العمامة إلى آخره ، أنها تأخذ أحكام الخفين لأنه لا يلبسها إلا بعد الطهارة ، لكن الصواب : أن الجبيرة تلبس حتى وإن لم يتقدمها الطهارة ، لأن الجبيرة ضرورة ، كما تقدم المسح عليه عزيمة .
وقوله " بعد كمال طهارة بماء" على هذا لو أنه غسل رجله اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل اليسرى ثم لبس الخف لا يصح لأنه لبس الخف الأيمن قبل كمال الطهارة ، لا بد أن تكتمل
بعد كمال طهارة بماء.........................................................................................................(1/116)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طهارته ، وهذه المسألة موضع خلاف ، فالمشهور من المذهب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام بأن هذا جائز ولا بأس به ، يعني : لو غسل رجله اليمنى ثم لبس الخف ثم غسل رجله اليسرى ثم لبس الخف ، قالوا : أن هذا جائز ولا بأس به .
ودليل الحنابلة على أنه لا يجوز حديث المغيرة رضي الله عنه ، وفيه قول النبي ( " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين 132" .
والذين قالوا بأنه جائز ، قالوا : لأنه يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين - يصدق عليه أنه أدخل الرجل اليمنى بعد أن طهرها ، والأحوط في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، لأنه على كلام شيخ الإسلام ، نقول مثلاً : فعلت هذا خطأ ، نقول : انزع الرجل اليمنى والبسها ، لأن الرجل اليسرى أدخلها بعد كمال الطهارة ، ما بقي إلا الرجل اليمنى ، لكن الأحوط ما ذهب إليه الحنابلة من حديث أنس رضي الله عنه " إذا توضأ فلبس خفه 133" الحديث ، قال " توضأ" ، وهذا لا يصدق عليه أنه توضأ . أيضاً حديث أبي بكره رضي الله عنه " إذا تطهر فلبس خفيه " ، فهذا لا يصدق عليه أنه تطهر ، ما دام أنه ما غسل اليسرى لا يصدق عليه أنه تطهر - توضأ- . "بعد كمال طهارة بماء" يعني : لو أنه تطهر بالتيمم - ما عنده ماء- نقول : أن حدثه رفع على الصحيح ، وإن كان إرتفاعاً مؤقتاً ،
ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكسه فمسح مقيم, أو عكسه فمسح مقيم.........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/117)
فهل إذا لبس خفيه أو شراب على طهارة التيمم ، هل إذا جاء الماء يمسح عليهما أو لا ؟
يقول المؤلف : ما يمسح عليهما ، لابد من طهارة الماء ، وهذا قول جماهير أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بما تقدم - حديث المغيرة- " دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين 134" هذا يدل على أنه غسل رجليه ، وأيضاً حديث أنس رضي الله عنه " إذا توضأ " هذا يدل على اعتبار الوضوء ، وحديث صفوان " إذا تطهر" .
والرأي الثاني : أنه يصح ، قال به ابن حزم ، لأنه تطهر ، لكن الأقرب : ما ذهب إليه جمهور العلماء رحمهم الله ، وأنه لابد من الطهارة بالماء ، ولأن التيمم لا يختص برجلين وما طهر رجلين .
" ومن مسح في سفر ثم أقام أو عكسه فمسح مقيم" هذه مسائل : المسألة الأولى : مسح في سفر ثم أقام بمعنى : رجل مسافر ثم قدم إلى بلده فنقول : تمسح مسح مقيم ، وعلى هذا إن كان مسح في السفر يوماً بقي عليه ليلة ، وإن مسح يومين ينزع " مباشرة ، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم ، لأن مدة السفر قد انتهت الآن ، ويمسح مسح مقيم ، ومسح مقيم قد استغرقه الآن . أو عكسه فمسح مقيم" مسح مقيماً ثم سافر يقول المؤلف : يمسح مسح مقيم ، مثال هذا : هذا رجل مسح في بلده يوماً ثم سافر يبقى له ليلة واحدة ، مسح في بلده يوماً وليلة ثم سافر نقول : ينزع هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ودليلهم على هذا أنه اجتمع حاضر و.....فيغلب جانب الحضر .
فيمسح ظاهر عمامه..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/118)
والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول أبي حنيفة رحمه الله أنه يمسح مسح مسافر ، ويقال : هذه هي الرواية التي تراجع عليها الإمام أحمد رحمه الله ، فإذا كان مقيماً ثم سافر يكمل مسح مسافر .
مثال : هذا رجل مسح يوماً ثم سافر قبل أن تنتهي المدة ، نقول : بقي له يومان وليلتان
"فيمسح ظاهر عمامه" هنا بين المؤلف رحمه الله كيفية المسح بالنسبة للعمامة يمسح ظاهر العمامة وكما تقدم لنا أن طهارة المسح مبنية على التخفيف فالمراد بذلك : أكثر دواوير العمامة ، قال العلماء رحمهم الله : إلا الوسط - وسط العمامة - لا يمسحه لأنه يشبه أسفل الخف ،
وهل يمسح ما ظهر من الرأس أو لا يمسحه ؟
المشهور من المذهب أن ما ظهر من الرأس يسن مسحه ، والأحوط أن الإنسان يمسحه
لأن النبي ( في حديث المغيرة " مسح بناصيته على عمامته135" ، وأما الخف فإنه يمسح دون أسفله وعقبه ،
لما تقدم لنا من حديث علي رضي الله عنه قال " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ولقد رأيت رسول الله ( يمسح أعلاه 136"
وهذا الحديث إسناده حسن .
وظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه, دون أسفله وعقبه ,...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وظاهر قدم خف من أصابعه إلى ساقه " الخف يمسح ظاهره ، ودليل ذلك حديث علي رضي الله عنه " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخفين أولى بالمسح من أعلاها ، ولقد رأيت رسول الله ( يمسح أعلاها 137" .
وهذا إسناده حسن ، فنقول بأنه يمسح أعلى الخف من أصابعه إلى ساقه ، والعمامة تقاس على الخف ، فكما أنه يمسح ظاهر الخف أيضاً يمسح ظاهر العمامة ، ومايختص بدواويرها .(1/119)
وقوله " من أصابعه إلى ساقه " هذا ورد في بعض الأحاديث الضعيفة ، لكن حديث علي رضي الله عنه يغني ، يدل على أنه يمسح أعلى الخف .
" دون أسفله وعقبه" أسفل الخف وعقبه هذا ما يمسح لحديث علي رضي الله عنه ،
وهل يمسح اليمنى على رجل اليمنى ثم اليسرى على رجل اليسرى أو أنه يمسحهما دفعة واحدة؟
هذا موضع خلاف ، وقال بعض العلماء : يبدأ باليمنى ثم اليسرى ، لأن المسح ناب مناب الغسل ، والغسل يبدأ باليمنى ثم اليسرى ، وقال بعض العلماء : بل يمسحهما دفعة واحدة ، لأن هكذا المسح ، فإلحاق المسح بالمسح أولى من إلحاقه بالغسل ، ولهذا إذا مسح رأسه يمسحه دفعة واحدة ، وأذنيه يمسحهما دفعة واحدة ، وهكذا ، ويظهر أن الأمر في هذا واسع إن شاء الله .
ومتى ظهر بعض محل فرض بعد حدث أو تمت مدته استأنف الطهارة................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"ومتى ظهر بعض محل فرض بعد حدث أو تمت مدته استأنف الطهارة " هاتان مسألتان : المسألة الأولى : خلع الخف هل هو من مبطلات الطهارة أو ليس من مبطلات الطهارة ؟ المشهور من المذهب : أن خلع الخف من مبطلات الطهارة ، بل ذكر المؤلف رحمه الله ما هو أبلغ من ذلك ، قال : " ومتى ظهر بعض محل فرض" أي : وإن لم ينخلع جميع الخف ، وإنما ظهر شيء من محل الفرض- من الذي يجب غسله من القدم - فيقول المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يستأنف الطهارة ، والصواب في ذلك : نقول : أن هذه المسألة لا تخلو من أمرين
1 - إذا ظهر بعض محل الفرض - ظهر بشيء يسير- ، الصواب : أنه لا يجب عليه أن تستأنف الطهارة ، فلو أن الإنسان بدا شيء من كعبه ، ونحو ذلك نقول : أنه يستمر على المسح ، ولا يضره ذلك إن شاء الله .(1/120)
2 - أن يخلع الخف المشهور من المذهب أن طهارته تبطل بخلع الخف فلو أنه توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما ، فيقولون : بأن طهارته تبطل .
ودليلهم على ذلك قالوا : بأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال ما مسح عليه - وهو الخف- فإنه تبطل الطهارة في القدمين ، وإذا بطلت الطهارة في القدمين وجب استئناف الوضوء.الرأي الثاني : مذهب الحنفية والمالكية أن الطهارة لا تبطل كلها ، وإنما تبطل طهارة القدمين يجب عليه أن يغسل القدمين فقط ، وغسل القدمين هل يشترط فيه التوالي أو لا يشترط فيه التوالي ؟ أي هل يجب عليه أن يغسل قدميه مباشرة أو لا يجب عليه ذلك؟ هذا موضع خلاف عندهم
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثالث : قال به بعض السلف منهم ابن أبي ليلى وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، أن الطهارة لا تبطل - إذا نزع الخف فإن الطهارة لا تبطل - وهذا القول هو الصواب ،
والدليل على ذلك أنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة أن خلع الخف مبطل من مبطلات الوضوء ، والحدث ارتفع بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على النقض ، وعلى هذا الصحيح في ذلك : أن الطهارة لا تبطل لكن إذا أراد أن يلبس خفيه لابد أن يتوضأ بالماء إلا إذا كان وضوءه الأول لا يزال باقياً لم يحدث ، لو كان أحدث ثم مسح على خفيه وارتفع حدثه ثم خلع خفيه نقول : إذا أراد أن يلبس خفيه لكي يمسح عليهما لابد أن يطهر قدميه بالماء لأنه لو قلنا بأن طهارة المسح كافية فإنه يلزم منه أن يقوم بالخلع واللبس ، وحينئذ التوقيت ما يكون له فائدة .(1/121)
المسألة الثانية : "أو تمت مدته " أيضاً الخلاف كما تقدم " إذا تمت المدة" المدة بالنسبة للمقيم يوم وليلة ، وبالنسبة للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، يعني : للمقيم يحسب أربعة وعشرين ساعة ، من أول مسح بعد الحدث ، مثلاً : أحدثت في الساعة التاسعة ومسحت الثانية عشرة ،تحسب من الساعة الثانية عشر إلى الساعة الثانية عشر ، هذا كله مكان للمسح ، بعد الساعة الثانية عشر من الغد لا تمسح . إذا تمت المدة هل تبطل طهارته ؟
مثلاً : هذا توضأ قبل الثانية عشر من الغد بدقيقة واحدة جاءت الساعة الثانية عشر ، تمت المدة ، هل نقول : أن طهارته تبطل أو لا تبطل ؟
المشهور من المذهب أن الطهارة تبطل ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو توضأ قبل الثانية عشر بدقائق ثم بعد ذلك تمت الثانية عشر وانتهت مدته يقولون : تبطل طهارته ، عليه أن يخلع الخف وأن يتوضأ من جديد ،
والصواب في ذلك : أن الحدث ارتفع بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على النقض والبطلان ،
فالصواب في ذلك أن الطهارة لا تبطل وأنها لا تزال باقية وأن تمام المدة لا أثر له .
بقي عندنا مسألتان :
1 - إذا لبس الخف على خف ، ومثل ذلك اليوم ، يلبس الشراب ثم بعد ذلك يلبس عليه الحذاء ، هنا الآن لبس خفاً على خف فهذا لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يلبس الخف الثاني على طهارة ولو كانت طهارة مسح ،
فنقول : الحكم يتعلق بالخف الثاني -الفوقاني- يمسح عليه ،(1/122)
مثال : هذا رجل لبس شراب ومسح عليها ، لما مضى نصف يوم لبس الحذاء وطهارته طهارة مسح ، فنقول : لا بأس أن تمسح على الحذاء ، وإنما قلنا حتى ولو كانت طهارة مسح لأن كما قال بعض أهل العلم ، بأن الفوقاني مع التحتاني كالخف الواحد ، كالظهاره والبطانة
الحالة الثانية : أن يلبس الفوقاني بعد الحدث فالحكم يتعلق بالتحتاني - يمسح على الشراب - فإذا لبس الحذاء وهو محدث ، نقول : لا تمسح عليها وإنما تمسح على الشراب ، وهذا هو الصواب في هذه المسألة .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة إذا لبس الحذاء قلنا :
إذا لبس الحذاء على طهارة المسح يمسح عليهما: فإذا خلعهما يمسح على الشراب ، وإذا لبسهما ، نقول : إذا لبستهما على طهارة وإن كانت طهارة مسح تمسح عليهما ، وإذا ما لبستهما على طهارة ، فإنك تمسح على الشراب .
بالنسبة للمدة :
نقول : المدة تبدأ من أول مسح بعد الحدث سواء كانت هذه المسحة للفوقاني أو للتحتاني ، لأن هذين الخفين بمنزلة الخف الواحد ،
فلو أنه مثلاً : لبس التحتاني وبعد يوم لبس الفوقاني ومسح عليه ، فإن المدة تبدأ من أول مسح على التحتاني ، ولو أنه لبسهما جميعاً الفوقاني والتحتاني مرة واحدة ، ثم مسح على الفوقاني ثم خلعه فإن المدة تبدأ من المسح على الفوقاني .
..............................................................................................................................................(1/123)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب نواقض الوضوء
" نواقض الوضوء "
النواقض : جمع ناقض ، والمراد بنواقض الوضوء : أي مفسدات الوضوء ،
وهي : العلل المؤثرة في إخراج الوضوء عن ما هو المطلوب منه.
ومناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة ،
فإن المؤلف رحمه الله تعالى لما ذكر الوضوء وسننه وشروطه والمسح على الخفين لأن المسح على الخفين حكم يتعلق بأحد أعضاء الوضوء ، شرع في مبطلات الوضوء ،
وهكذا العلماء رحمهم الله يذكرون العبادة وشروطها وأركانها وسننها ثم يذكرون المبطلات هكذا العلماء يرتبون .
ينقضه خارج من السبيل..........................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ينقضه خارج من سبيل" السبيل : هو الطريق ، والمراد بذلك : القبل والدبر ، لأن القبل والدبر طريق لما يخرج منهما من البول والغائط إلى آخره ، وقول المؤلف رحمه الله "ينقضه خارج من سبيل" ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض سواء كان قليلاً أو كثيراً مثل : البول قليل أو كثيراً ، وسواء كان طاهراً مثل الريح أو نجساً مثل البول ، وسواء كان معتاداً مثل : البول والغائط ، أو غير معتاد ، كما لو خرج منه حصاة من دبره إلى آخره ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا ناقض ،
ودليلهم على ذلك : الاستقراء ، قالوا الاستقراء يدل على أن ما خرج من السبيل فإنه ناقض(1/124)
مما يخرج من السبيل : الغائط الإجماع منعقد على أنه ناقض ، والقرآن والسنة صريح في ذلك ، قال الله تعالى( أو جاء أحد منكم من الغائط? ، أيضاً البول : الإجماع منعقد على أنه ناقض ، وكذلك أيضاً السنة في حديث صفوان بن عسال ، فإن النبي ( قال : " ولكن من بول وغائط ونوم 138" أيضاً : المذي ، السنة دلت على أنه ناقض والإجماع منعقد على ذلك ، وفي السنة قول النبي ( " يغسل ذكره ويتوضأ139 " ،
الريح:الإجماع منعقد على أنه ناقض والسنة دلت على ذلك من ذلك قول النبي(" لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً140" فقالوا هذه الأشياء معتادة ناقضة وما عداها فإنه يقاس عليها .
.............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في ذلك والله أعلم أن الخارج من السبيل ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الخارج المعتاد ، وهذا مثل البول والغائط والمذي والريح ، والمني والوذي ، هذه أمور خارجة معتادة من الإنسان ، فنقول : بأنها ناقضة ، والدليل عليها كما تقدم .(1/125)
القسم الثاني : الخارج غير المعتاد ، مثل لو خرج من الإنسان من بطنه حصاة ، ومثل ذلك أيضاً : الريح من القبل ، وهذا يكثر عند النساء ، ومثل ذلك أيضاً : رطوبة فرج المرأة - هذا أيضاً يكثر عند النساء وعند الحوامل- إذا قاربت المرأة على الولادة فإنه يخرج منها ماء بكثرة ، مثل ذلك أيضاً : ألحق جمع من أهل العلم ، دم الإستحاضة ، قالوا : خارج غير معتاد ، وأيضاً : سلس البول ، فهذه قالوا : بأنها غير ناقضة ، لأن الأصل عدم النقض وارتفاع الحدث وبقاء الطهارة ، فلابد من الدليل على النقض ، وهذا هو قول المالكية في الجملة.
والرأي الثاني : ما ذهب إليه المؤلف وهو قول أكثر أهل العلم : أن مثل هذه الأشياء ناقضة ، والذين قالوا : بعدم النقض استدلوا بأن الأصل بقاء الطهارة ، ولابد من دليل على النقض ، والذين قالوا بالنقض استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه " أن النبي ( أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة 141" ، وهذا الحديث ضعيف رواه الطبراني في الأوسط
لكن قالوا : بأنه يتقوى بشواهده ، له شاهد عن عائشة رضي الله عنها ، عند أحمد وفي
وكذا من باقي البدن إن كان بولا أو غائطا .......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري لكن هذا لا يثبت مرفوعاً للنبي ( لكنه مدرج ، وكذلك أيضاً عن سودة عند الطبراني إلى آخره .
لكن الذي يظهر - والله أعلم- ما دام هذه الأحاديث فيها ضعف ، وعندنا أصل - وهو بقاء الطهارة- أن مثل هذه الأشياء غير ناقضة ولابد من حدث طبيعي هو الذي ينقض التي نص عليها القرآن والسنة ، هذا هو الصواب
لكن مثل خروج الحصاة ، إن كان فيه بلل فإنه ناقض لأجل البلل ، وإذا ما كان هناك بلل فإنه لا ينقض .(1/126)
"وكذا من باقي البدن إن كان بولاً أو غائطاً أو كثيراً نجساً غيرهما كقيء و دم" هذا الناقض الثاني : الخارج من بقية البدن مثل : خروج من الأنف الدم ، خرج قيء ، خرج من جوفه بول أو غائط ونحو ذلك ،
هل هذه ناقضة أو ليست ناقضة ؟
نقول : الخارج من بقية البدن ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : قال المؤلف " إن كان بولاً أو غائطاً " مطلقاً أنه ناقض الوضوء ، فإذا خرج البول أو الغائط من بقية البدن ، وهذا الآن يحصل ، بعض الناس يكون عنده مرض في مخرج البول أو مخرج الغائط ويفتح له فتحة في بطنه يخرج منها البول أو الغائط ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه ناقض ،
أو كثيرا نجسا غيرهما كقيئ ودم................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعض العلماء فصل قال : إن كان فوق المعدة ما ينقض ، وإن كان تحت المعدة ينقض ، لكن الذي يظهر إذا كان بول أو غائط ، فإنه ناقض .
القسم الثاني : أن يكون غيرهما كما قال المؤلف " أو كثيراً نجساً غيرهما كقيء و دم " القيء : لو تقيأ الإنسان يقول المؤلف : بأنه ينقض الوضوء ، ومثله أيضاً : الدم ، فلو خرج من الإنسان من أنفه دم أو انجرح وخرج منه دم ، قال : أنه ينقض ، لكن المؤلف رحمه الله قيده بأن يكون كثيراً ، وعلى هذا لو خرج منه يسير قيء أو يسير دم على كلام المؤلف : بأنه لا ينقض ، ودليلهم على ذلك استدلوا بحديث ثوبان وأبي الدرداء " أن النبي ( قاء فتوضأ 142" ، وهذا في الترمذي ، والجواب على هذا من وجهين : 1 - أن الحديث مضطرب ، لا يثبت عن النبي (.2- أن هذا ليس صريحاً في أن النبي ( توضأ من أجل القيء ، كونه توضأ لا يلزم أن يكون وضوءه من أجل خروج القيء .(1/127)
والرأي الثاني في هذه المسألة : أن خروج مثل هذه الأشياء لا تنقض ، وهذا قال به مالك والشافعي وهو قول صحيح ، لأن الطهارة تثبت بمقتضى دليل شرعي ، فلابد من دليل شرعي على إبطالها ، وعلى هذا لو خرج من الإنسان صديداً كثيراً من بدنه ، أو قيء كثير ، فهذه الأشياء غير ناقضة ، وقول المؤلف رحمه الله " كثيراً نجساً " يفهم من كلامه أن القيء نجس وأن الدم نجس ، وهذا سيأتينا في باب إزالة النجاسة الحكمية إن شاء الله .
وزوال عقل............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وزوال عقل ولو بنوم إلا يسيراً من قاعدٍ وقائمٍ غير مستندٍ ونحوه " : هذا الناقض الثالث من نواقض الوضوء : زوال العقل ولو بنوم ،
وقوله " زوال عقل ولو بنوم " هذا التعبير فيه شيء من النظر ، لأن النائم لا يزول عقله ، وإنما يغطى على عقله ، وعلى هذا نقول : بأن زوال العقل أو تغطيته
ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - زوال العقل بالجنون فهذا ينقض الوضوء وقد حكي الإجماع على ذلك ، لأن النائم كما سيأتينا إن شاء الله ينتقض وضوءه لأن النائم قد غطي على عقله ، والمغمى عليه ينتقض وضوءه ، ومن غطي على عقله بدواء أو سكرٍ ونحو ذلك هؤلاء كلهم ينتقض وضوءهم إذا كان المغطى على عقله يحكم بانتقاض وضوءه ، فالجنون من باب أولى .
2 - تغطية العقل بالإغماء أو بالسكرِ أو بتناول الدواء كالبنج ونحو ذلك ، فهذا ينتقض به الوضوء بالإجماع ، لأن زوال العقل أو تغطيته هذا مظنة لخروج الحدث ، ولذلك النائم - كما سيأتينا إن شاء الله - ينتقض وضوءه .
3 - تغطية العقل بالنوم : النوم هل هو ناقض أو ليس ناقضاً ، ومتى يكون ناقضاً؟
هذا موضع خلاف كثير بين أهل العلم رحمهم الله ، وقد سرد العلماء رحمهم الله أقوال(1/128)
ولو بنوم إلا يسير من قاعد وقائم وغير مستند ونحوه.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهل العلم فيه ، وذكروا ما يقرب من ثمانية أقوال في هذه المسألة ولسنا بحاجة إلى أن نطيل الكلام حول كلام أهل العلم رحمهم الله ، لكن سنوضح كلام المؤلف رحمه الله ثم بعد ذلك
نذكر ما يترجح في هذه المسألة ، المذهب قال لك " ولو بنوم " فالنوم على المذهب في الجملة أنه ناقض للوضوء ، وإن كانوا يستثنون -كما سيأتي إن شاء الله - والدليل على أن النوم ناقض للوضوء حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه " أمر رسول الله ( إذا كنا في سفراً أو مسافرين أن لا نخلع خِِفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من بول وغائط ونوم 143" فقوله " ونوم" هذا يدل على أن النوم ناقض من نواقض الوضوء ، وأيضاً حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ 2" .
قال المؤلف رحمه الله " إلا يسيراً من قاعدٍ وقائم غير مستند ونحوه " ، لما ذكرنا المذهب : أن النوم ناقض للوضوء ، واستثنى المؤلف رحمه الله :
1 - القيد اليسير .2 - أن يكون هذا اليسير من قاعد وقائم .3 - أن يكون غير مستند
" ونحوه " نحو المستند المتكئ والمحتبئ ، فإن كان مستنداً حتى ولو كان قائماً أو كان قاعداً ، أو كان محتبئاً أو متكئاً فإنه ينقض الوضوء ، فالذي لا ينقض يقول المؤلف رحمه الله : اليسير هذا القيد ،القيد الثاني : أن يكون من قائم أو قاعد ،
القيد الثالث : أن يكون غير مستند أو محتبئ أو متكئ وعلى هذا إذا كان كثيراً فإنه ..............................................................................................................................................(1/129)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينقض الوضوء مطلقاً على المذهب ، وإذا كان من غير القائم أو القاعد كالمضطجع فإنه ينقض الوضوء ، وإذا كان مستنداً أو متكئاً أو محتبئاً فإنه ينقض الوضوء ، فلابد من هذه القيود الثلاثة لكي لا ينقض الوضوء ، ودليلهم على هذا حديث أنس رضي الله عنه : " أن أصحاب رسول الله ( كانوا ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون 144" ، وهذا أخرجه أبو داود وإسناده صحيح ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح مسلم " فجعلت إذا أغفيت لما قام يصلي مع النبي ( يأخذ بشحمة أذني 145".
الرأي الثاني في هذه المسألة : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء حتى ولو كان كثيراً لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( شغل ليلة عن العشاء الآخرة حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول الله ( 3" وهذا في الصحيحين ، وورد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح أنه قال : " من نام وهو جالس فلا وضوء عليه وإن اضطجع فعليه الوضوء 4" ، وهذا أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما .
الرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وأنه يفرق بين النوم المستغرق وغير المستغرق ، فإذا كان النوم مستغرقاً بحيث لو خرج منه حدث لا يشعر بذلك فإنه ينقض الوضوء ، وإن غير مستغرق فإنه لا ينقض الوضوء . الأقرب في هذه المسألة نقول بأن النوم لا يخلو من ما يلي :
ومس فرج بيد أو الذكر بفرج غيره.....................................................................................(1/130)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النوم : ذات النوم باتفاق العلماء ليس ناقضاً وإنما هو مظنة خروج الحدث ، وعلى هذا نقول : إذا نام الإنسان نوماً يظن منه خروج الحدث فإنه ينقض الوضوء أما إذا نام نوماً لا يظن خروج الحدث فإنه لا ينقض الوضوء ، ولو قلنا بأن النوم ناقض ما حصل هناك فرق بين قليله وكثيره ، ولقلنا بأن الصحابة رضي الله عنهم وجب عليهم أن يتوضئوا لكن النوم ليس ناقضاً وإنما هو مظنة الحدث . وننظر إلى أحوال النائم : إن كان الإنسان قائماً - إذا نام الإنسان وهو قائم- هل يظن منه خروج الحدث ؟ لا يظن منه خروج الحدث ،
إذا نام الإنسان وهو جالس وقد مكن مقعده ، هذا أيضاً لا يظن منه خروج الحدث ، إذا نام الإنسان وهو مضطجع هذا قد يخرج منه الحدث وقد لا يخرج منه الحدث ، لكن إذا كان النوم خفيفاً غير مستغرق ، بحيث أن الإنسان يشعر بنفسه ، فنقول بأنه لا ينتقض وضوءه ، وإن كان مستغرقاً فإنه ينتقض وضوءه ، المهم نفهم أن النوم ليس ناقضاً للوضوء ، وإنما هو مظنة النقض .
" ومس فرج بيد أو الذكر بفرج غيره " مس الذكر من الذكر ومس الفرج من الأنثى أي : إذا مس الذكر ذكره أو الأنثى مست فرجها ، هل هذا ناقض للوضوء أو ليس ناقضاً ؟ المشهور من المذهب أن مس الذكر ناقض للوضوء ، وهذا قول أكثر العلماء رحمهم الله ، واستدلوا بحديث بصرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي ( قال : " من مس ذكره فليتوضأ 146" ، وهذا الحديث له شواهد كثيرة ، له ما يقارب سبعة عشر شاهداً ، وأيضاً ..............................................................................................................................................(1/131)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال : " من مس فرجه فليتوضأ " ، فنقول المشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم أن مس الذكر ناقض للوضوء سواء مس ذكره أو ذكر غيره .
الرأي الثاني : أن مس الذكر لا ينقض الوضوء ، وهذه رواية الإمام أحمد رحمه الله ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله واستدلوا على ذلك بحديث طلق بن حبيب رضي الله عنه أنه سأل النبي ( الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه الوضوء؟ فقال : إنما هو بضعة منك - قصعة لحم منه 147" ، فهذا يدل على أنه لا ينتقض وضوءه ، الذين قالوا بأنه ينقض الوضوء قالوا : بأن حديث طلق ضعيف ، وأن حديث بصرة أصح منه ، كما ذكرنا حديث بصرة له ما يقارب سبعة عشر شاهداً ، وأن بصرة حدثت في المدينة والصحابة متوافرون ، وأن حديث بصرة ناقل عن الأصل ، الأصل عدم الطهارة ، والناقل مقدم على المثبت .. إلى آخره .
والذين قالوا بأنه لا ينقض استدلوا - كما ذكرنا - بحديث طلق وقالوا : بأن حديث طلق أقل أحواله بأنه حديث حسن وقد صححه علي بن المديني وهو من أئمة أهل الحديث شيخ البخاري وفيه قيس بن علي وقيس هذا صدوق أقل أحواله أنه حسن الحديث ،
والجمع بين حديث طلق وحديث بصرة بأن يقال : حديث بصرة هذا محمول على استحباب . وحديث طلق " أعليه الوضوء" هذا سؤال عن الواجب هل يجب عليه أن يتوضأ ، فقال : لا يجب عليه أن يتوضأ ، فنقول : لا يجب عليه أن يتوضأ و يستحب أن يتوضأ لحديث بصرة
ومس فرج بيد.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/132)
هذا الجمع بين الحديثين ، فيبقي إثبات حديث طلق ، فإن ثبت حديث طلق كما قال ابن المديني وغيره من أهل العلم فنقول : الجمع بينهما سهل .
وقوله " ومس فرجٍ " المشهور من المذهب أن مس الذكر ينقض الوضوء ، ومس حلقة الدبر ينقض الوضوء واستدلوا على ذلك بقوله ( " من مس فرجه فليتوضأ 148" وهذا يشمل حلقة الدبر ويشمل أيضاً الذكر . والصحيح في ذلك : أن من مس حلقة دبره فإنه لا ينتقض وضوءه ،وقوله " فرجه " هذا يحمل على الحقيقة العرفية .
فصحيح الحقيقة اللغوية أن الفرج يطلق على الذكر وعلى الدبر ، لكن تعارف الناس في ذلك الزمن أن المراد بالفرج هو الذكر - القبل- وعلى هذا نقول : بأن مس حلقة الدبر لا ينقض الوضوء ويحمل قوله " فرجه " على الذكر لأن الحقيقة العرفية مقدم على الحقيقة اللغوية
"بيدٍ" المقصود باليد هنا : الكف من أطراف الأصابع إلى الرسق ، فإذا مس بظهر الكف أو بطن الكف فإنه ينتقض الوضوء ،
يستثني الحنابلة رحمهم الله : الظفر - إذا مس ذكره بظفره فإنه لا ينتقض وضوءه ، لأنهم يرون أن الظفر في حكم المنفصل ،
وهذه القاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله في كتابه " القواعد " في القاعدة الثانية والثالثة ، أن الظفر والشعر في حكم المنفصل ، وليس في حكم المتصل ، وعلى هذا إذا مس ذكره بظفره
أو الذكر بفرج غيره.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنه لا ينتقض وضوءه ، ويشترط أن يكون المس بلا حائل وعلى هذا لو حصل المس من وراء حائل فإنه لا ينتقض الوضوء .
" أو الذكر بفرج غيره " أي ينقض مس الذكر بقبل أنثى أو بدبر مطلقاً بلا حائل ،
قال المؤلف : بأن النقض يكون باليد ، وكذلك أيضاً لو حصل مس للذكر بقبل أنثى أو بدبر يقول بأنه ينقض الوضوء ،(1/133)
والصواب في ذلك إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء ، فإنه يقتصر على ما ورد في الحديث - والذي ورد في الحديث : " أن من مس ذكره فإنه ينتقض وضوءه 149" وعلى هذا لو حصل مس للفرج بالفرج فإنه لا ينتقض الوضوء ، كذلك أيضاً لو أنه مس ذكر غيره ، فإنه لا ينتقض وضوءه ، ومن ذلك : المرأة إذا مست ذكر طفلها ، فنقول : بأنه لا ينتقض وضوءها ،فإن قلنا أن مس الذكر ناقض للوضوء نقتصر على ما ورد في النص وما ورد في النص أن من مس ذكره هو الذي ينتقض وضوءه ، والأنثى إذا مست فرجها فإنه ينتقض وضوءها ما عدا ذلك فإنه لا ينقض - بقية الصور لا تنقض- ما يتعلق بمس الفرج بالفرج ، نقول : لا ينقض ، كذلك أيضاً ما يتعلق بحلقة الدبر ، نقول : بأنه لا ينقض ، ما يتعلق بمس الذكر أو فرج الغير ، نقول : بأنه لا ينقض الوضوء ،
ما يبقى عندنا إلا صورة واحدة ، وهي : مس الذكر لذكره ، إذا مس الذكر ذكره أو ولمس ذكر أو أنثى الأخر........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأنثى مست فرجها ، فإنه ينقض الوضوء .
وهذه المسألة -كما ذكرنا- أنها موضع خلاف بين أهل العلم بناءً على ما ورد من حديث بصرة وحديث طلق رضي الله عنهما .
"ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة لا من دون سبع.." هذا الناقض الرابع : وهو مس الأنثى من قبل الذكر لشهوة أو مس الأنثى للذكر لشهوة ، أي : لو أنه مس زوجته لشهوة ، فإنه ينتقض الوضوء ، أو المرأة مست زوجها لشهوة ، فإنه ينتقض الوضوء ، وهذا المس يفارق المس السابق ، لأن المس السابق يكون باليد فقط - بالكف- أو بالفرج - الفرج بالفرج- كما تقدم ،(1/134)
وأما هنا ، فإن المس يشمل كل البشرة ، يعني : لو أن الرجل مس بقدمه قدم امرأته أو مس بيده قدم امرأته ، فإنه ينتقض الوضوء ، لا يشترط أن يكون باليد أو الفرج بالفرج ، بل كل البشرة ، ما دام هناك شهوة فإنه يحصل النقض ، ويشترط ثلاثة شروط ذكرها المؤلف :
الشرط الأول : أن لا يكون هناك حائل .
الشرط الثاني : أن لا يكون الممسوس ظفراً أو شعراً ، فلو مس شعر امرأته لشهوة أو ظفر امرأته لشهوة أو مست هي شعر زوجها لشهوة لا ينتقض الوضوء
الشرط الثالث : أن يكون المس لشهوة ، فلو مسها لغير شهوة فإنه لا ينتقض الوضوء ، وهذا ما ذكرنا- هو المشهور من المذهب ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستدلوا لذلك بقول الله عز وجل ( أو لامستم النساء? ، فقالوا : بأن هذا يدخل فيه ملامسة النساء بالشهوة ، ويقيدونه بالشهوة لأن النبي ( -كانت عائشة نائمة في قبلته- وكان إذا أراد السجود غمزها فكفت رجلها ، فهذا يدل على أنه إذا كان لغير شهوة فإنه لا ينقض الوضوء . فدليلهم على أنه ينقض الوضوء قول الله عز وجل ( أو لامستم النساء?
ودليلهم على اشتراط الشهوة ما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم ، وكذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أنها فقدت النبي ( فبحثت عنه قالت : "فوقعت يدي على رجليه وهما منصوبتان 150" فهذا يدل على أنه يشترط الشهوة .
الرأي الثاني : رأي الشافعية : يرون أن مس الأنثى مطلقاً ينقض سواء كان ذلك لشهوة أو كان ذلك لغير شهوة ، والمالكية في الجملة كالحنابلة ، ويستدلون بعموم قول الله عز وجل ( أو لا مستم النساء? .(1/135)
والرأي الثالث : رأي الحنفية وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن مس المرأة لشهوة أنه لا ينقض الوضوء أو المرأة تمس الرجل لشهوة أنه لا ينقض الوضوء ، لأن الأصل عدم النقض ، ولم يرد دليل يدل على النقض ، وأما قوله سبحانه وتعالى ( أو لامستم النساء? ، فهذا كما ورد عن ابن عباس بإسناد صحيح أن المراد بالملامسة هي الجماع .
أيضاً ثبت عن عمر رضي الله عنه أن قبل زوجته ثم خرج إلى الصلاة ، ولم يرد أن عمر
لا من دون سبع ولا مس شعر أو ظفر ......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه أعاد الوضوء ، والغالب أن هذه القبلة التي تكون بين الزوجين الغالب أنها تكون لشهوة ،
فالصواب في هذه المسألة : أن مس المرأة مطلقاً ، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة ، وكذلك أيضاً المرأة تمس زوجها سواء كان لشهوة أو لغير شهوة ، أنه غير ناقض للوضوء ما لم يخرج منه شيء ، فإن خرج منه المذي انتقض لخروج المذي ، ذكرنا الدليل على ذلك .
ومما يؤيد أيضاً بضعف هذا القول أنهم يقولون : لو أن الرجل مس امرأته لشهوة ، فإنه ينتقض وضوءه هو ، وأما الممسوس فإنه لا ينتقض وضوءه ولو وجد منه شهوة ،
مثلاً : هذا رجل مس زوجته لشهوة ، فيقولون : بأنه ينتقض وضوءه هو أما وضوء المرأة فإنه لا ينتقض وضوءها ، ولو وجد منها شهوة أثناء هذا المس .
"لا من دون سبع" يعني لو مس أنثى لها دون سبع سنوات لشهوة قالوا : بأنه لا ينتقض وضوءه لابد أن يكون الممسوس قد بلغ سبعاً ، فلو فرض أن الرجل عقد على امرأة عقد على بنت ، وهذه البنت لها ست سنوات ، ثم مسها لشهوة ، فإنه لا ينتقض وضوءه ، هم قالوا : بأن الفرق بأن من دون سبع سنوات إما حكماً لعورته ، لكن هذا فيه نظر ،(1/136)
كذلك أيضاً " ولا مس شعر أو ظفر " ، الشعر- كما ذكرنا القاعدة عند الحنابلة أن الشعر والظفر والسن هذا في حكم المنفصل ، وعلى هذا لو مس شعر امرأته لشهوة أو ظفرها لشهوة أو سنها لشهوة ، فإنه لا ينتقض وضوءه .
أو أمرد ولا مع حائل ولا ممسوس فرجه أو بدنه ولو وجد شهوة, وغسل لحم ميت..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"أو أمرد" الأمرد : هو الذي لم يخرج له شعر في وجهه ، لو مسه لشهوة فإنه لا ينتقض وضوءه ، والعلة في ذلك : أن الأمرد ليس محلاً للشهوة شرعاً ولا فطرة ، وإن كان قد يحصل من بعض الناس شيء من الشذوذ ، لكن هذا لا عبرة به شرعاً ولا فطرة .
"ولا مع حائل " أيضاً : لو وجد حائل مس يد امرأته من وراء حائل أو رجلها من وراء حائل إلى آخره ، ولو وجد شهوة فإنه لا ينتقض وضوءه ، لأن المس يطلق على حقيقة الملامسة ، وهي التقاء البشرتين ، وهنا لم يحصل التقاء البشرتين .
"ولا ممسوس فرجه أو بدنه ولو وجد شهوة " يعني لو أنه مس امرأته لشهوة ثم حصل منها شهوة أثناء المس ينتقض وضوءه والمرأة لا ينتقض وضوءها ، والعكس ، كما تقدم
والعلة في ذلك : قالوا : بأنه لا نص على انتقاض وضوء الممسوس ، وإنما النقض إنما ورد في انتقاض الماس فقط ،
والصحيح كما تقدم أنه لا فرق ،
والخلاصة في هذا الناقض : أن هذا الناقض لا وجود له ، وأن مس المرأة لشهوة أو لغير شهوة ، وأن مس الزوج لزوجته لشهوة أو لغير شهوة ، أنه لا ينقض الوضوء ، لأن الأصل عدم النقض ، كما ذكرنا عن عمر رضي الله عنه أنه قبل زوجته ثم خرج إلى الصلاة .
"وينقض غسل ميت" المؤلف رحمه الله يرى أن تغسيل الميت ناقض من نواقض الوضوء ، وعلى هذا إذا غسل ميتاً فإنه يتوضأ ، وهذا هو المشهور من المذهب ،
وأكل لحم أبل خاصة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/137)
واستدلوا على ذلك بأنه ورد عن جمع من الصحابة ، أبو هريرة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، أنهم كانوا يأمرون غاسل الميت بالوضوء . وعند جمهور أهل العلم أن تغسيل الميت لا ينقض الوضوء ، ودليلهم على ذلك حديث أم عطية رضي الله عنها " أن النبي ( قال للآتي غسلن ابنته - اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك 151" ، ولم يرد أن النبي ( أمرهن بالوضوء ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته راحلته ، فقال النبي ( " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه بثوبيه 152" ، ولم يرد أن النبي ( أمر من غسله بالوضوء ، والأصل بقاء الطهارة ، وقد ورد أيضاً في الدارقطني " ليس عليكم في تغسيل ميتكم غسل إن ميتكم ليس بنجس ، بحسبكم أن تغسلوا أيديكم 3" ، وصححه بعض أهل العلم ويستشهد به ، فالنبي ( قال : يكفيكم أن تغسلوا أيديكم ، ولأن الأصل بقاء الطهارة ، وعلى هذا الصواب في هذه المسألة : أن من غسل ميتاً فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ ، لكن يأتينا - إن شاء الله- أنه يستحب لمن غسل الميت أن يغتسل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وورد موقوفاً ، وأيضاً روي مرفوعاً " من غسل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ 4" ، فهذا يدل على أنه يستحب لمن غسل الميت أن يغتسل لكن أن يجب عليه الوضوء وينتقض وضوءه ، نقول : هذا لا دليل عليه .
"وأكل لحم إبل خاصة" هذا أيضاً من المفردات ، كما أن الناقض السابق من مفردات
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذهب فينقض أكل لحم الإبل وهذا الناقض تحته مسائل
1-المسألة الأولى:(1/138)
هل أكل لحم الإبل ناقض أو ليس بناقض؟
كما أشرنا أن المشهورمن المذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه ناقض
2- الرأي الثاني:
رأي جمهورأهل العلم أنه ليس ناقضاًوالذين قالوا بأنه ناقض- كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله استدلوا بدليلين:حديث جابر بن سمرةوحديث البراء بن عازب رضي الله عنهم قال الإمام أحمد رحمه الله فيه حديثان صحيحان عن النبي ( حديث جابر وحديث البراء حديث البراء رضي الله عنه"أن النبي ( قال:توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم 153"
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم ، وهو صحيح ،
وأيضاً حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في صحيح مسلم " أن النبي ( سئل أنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : نعم 154" فهذان حديثان صحيحان يدلان على أن الوضوء من لحم الإبل واجب ، وأن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء.
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجمهور أهل العلم استدلوا بما ورد أن آخر الأمرين من النبي ( ترك الوضوء مما مست النار 155" ، فقالوا : هذا يدل على أن الوضوء من لحم الإبل منسوخ ، لأن آخر الأمرين من النبي (
ترك الوضوء مما مست النار ، فإذا كان هذا هو الآخر ، والإبل لحمه الغالب أنه يطبخ ، فدل ذلك : على أن الوضوء من أكل لحم الإبل منسوخ ،
وهذا أجيب بجوابين :
أما الجواب الأول :
أن هذا الحديث عام يخصص منه أكل لحم الإبل ، لأن النبي ( أمر بالوضوء من لحم الإبل ، والخاص مقدم على العام .
الجواب الثاني :
أن هذا الحديث إنما هو في ترك النبي ( الوضوء ، "كان النبي ( يأكل أثوار أقط 156"(1/139)
والأقط هو الحليب المجفف ، فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ ، وهذا الحليب المجفف قد يطبخ.
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، وأيضاً النبي ( كان يجتز من كتف شاة ، فقام إلى الصلاة ولم يتوضأ ، فقالوا : هذا هو المراد بهذا الحديث " كان آخر الأمرين من النبي ( ترك الوضوء مما مست النار 157" ، أنه كان يأكل شيئاً مسته النار ، ثم قام فتوضأ ، وهذا لا يدل على النسخ ، وعلى هذا يكون الراجح في هذه المسألة : هو ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، وأن لحم الإبل ناقض من النواقض .
2 - المسألة الثانية : قال المؤلف رحمه الله " خاصة" ، أي أن النقض مختص باللحم فقط دون بقية أجزاء الإبل ، وعلى هذا لو أكل كبداً أو أكل طحالاً أو أكل جلداً أو سناماً أو كرشاً أو غير ذلك من أجزاء الإبل غير اللحم فإنه لا ينقض الوضوء ، وهذا هو المشهور من المذهب ، لأن الأصل بقاء الطهارة ، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بما دل عليه الدليل ، وقد دل الدليل على لحم الإبل فيقتصر على اللحم خاصة دون بقية أجزاء الإبل .
والرأي الثاني : أن بقية أجزاء الإبل تلحق باللحم ، وهذا هو قول ابن القيم رحمه الله ، وكذلك أيضاً الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، واستدلوا على ذلك بدليلين : أما(1/140)
الدليل الأول : أنه لم يرد في الشرع أن حيواناً تختلف أجزاءه بين الحل والحرمة والنقض وعدم النقض إلى آخره ، ولهذا الله عز وجل نص على اللحم ، قال تعالى ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير? ، ومع ذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أن جميع أجزاء الخنزير محرمة ، لا
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرق بين اللحم وبين الشحم كله محرم . والدليل الثاني : قالوا : بأن هناك من الأجزاء ما هي لحم ، ومع ذلك قالوا : بأنها لا تنقض ، مثل الرأس فالرأس فيه لحم ، وعلى هذا نقول : الأقرب في هذه المسألة : أن لحم الإبل ينقض ، وكذلك أيضاً تلحق به بقية أجزاء الإبل من الشحم والكبد والطحال والقلب والرأس وغير ذلك من أجزاء الإبل
3 - المسألة الثالثة : حليب الإبل هل ينقض أو لا ينقض ؟ المشهور من المذهب : أنه لا ينقض ، والدليل على ذلك ، أن النبي ( أمر العرنيين بأن يخرجوا إلى إبل الصدقة ، ويشربوا من أبوالها وألبانها 158"، ومع ذلك لم يأمرهم النبي ( بالوضوء ، فدل ذلك على أن شرب حليب الإبل لا ينقض الوضوء ، وورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله قوله ( : " توضؤا من ألبان الإبل 2" وهذا أمر ، وهذا لأمر أجيب عنه بجوابين :
1 - أن الحديث فيه ضعف ، وإن حسنه بعض أهل العلم .
2 - الجواب الثاني : على فرض ثبوته ، فإنه يحمل على الاستحباب ، لوجود الصارف ، وهو أن النبي ( لم يأمر العرنيين بالوضوء من ألبان الإبل .(1/141)
4 - المسألة الرابعة : مرق الإبل ، المرق لا يخلو من حالتين :1 - الحالة الأولى : أن يكون المرق خالصاً ، أي يأخذ من الإناء ويشرب من المرق ، فهذا المذهب أنه لا ينقض الوضوء لأنهم يخصونه باللحم ، وذهب بعض الحنابلة أنه ناقض للوضوء ، وهذا القول قوي - قريب- وهو الأحوط ، ويدل لهذا حديث جابر رضي الله عنه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، وأمر النبي ( أن يؤخذ من كل بدنة قطعة من اللحم وأن تطبخ ، فأكل النبي ( من اللحم وشرب من المرق 159"، فكأن النبي ( أكل من الجميع ، أي : جعل شرب المرق بمنزلة أكل اللحم ، فهذا مما يقوي القول بأنه ناقض ، فنقول : الأحوط أن يتوضأ إذا شرب هذا المرق الخالص ، ولأنه جزء ظاهر من اللحم 2 - الحالة الثانية : أن يكون المرق غير خالص ، طبخ مع بر أو مع رز ، ونحو ذلك ، فهذا إن كان الطعم غير موجود إذا استهلك وأصبح الطعم غير موجود ، فهذا لا ينقض ، وإن كان الطعم موجوداً ، فهذا موضع خلاف ، ويظهر - والله أعلم- أنه غير ناقض ، لكن لو توضأ الإنسان فهذا أحوط ، ومثل ذلك يقال في الشحم ، إذا أكل قطعة من الشحم ، واضح أنه ينتقض وضوءه ، لكن لو كان هذا الدهن خلط بشيء آخر ، نقول : إن استهلك بحيث أنه ما يبقى له أثر فهذا غير ناقض ، وإن كان له أثر ، فهذا يظهر أنه غير ناقض ، وإن احتاط الإنسان فهذا أحسن .(1/142)
5 - المسألة الخامسة : الحكمة من نقض الوضوء بأكل لحم الإبل ، نقول هذه الحكمة كما ورد في سنن أبي داود أنها جن خلقت من جن ، أي : أن هذه الإبل فيها من طبيعة الجن ، وهو : الطيش والنفور ، ونحو ذلك ، فإذا أكلها الإنسان قد يحصل عنده شيء من الطيش والنفور وسرعة الغضب ، فإذا توضأ فإنها تبرد أعصابه.
6 - المسألة السادسة : أكل بقية اللحوم المحرمة : مثلاً : لو اضطر الإنسان إلى أكل لحم نمر أو أسد ونحو ذلك ، هل ينتقض وضوءه أو لا ينتقض وضوءه؟ جمهور أهل العلم أنه لا
وكلما أوجب غسلا سوى موتا وجب وضوءًا...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينتقض وضوءه ، لأن أكل مثل هذه اللحوم لم يرد في الشرع أنها ناقضة ، والأصل بقاء الطهارة ، وابن القيم رحمه الله يميل إلى النقض إلحاقاً لها بلحم الإبل ،
والأقرب في هذه المسألة : هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، لأن الأصل عدم النقض ، وبقاء الطهارة .
" وكلما أوجب غسلاً سوى موت أوجب وضوءاً " هذا ضابط ذكره المؤلف رحمه الله أن كل ما أوجب غسلاً فإنه يوجب الوضوء ، وعلى هذا سيأتينا إن شاء الله موجبات الغسل ، مثل : الحيض والنفاس والجماع ..الخ ، هذه كلها على كلام المؤلف رحمه الله توجب الوضوء ، كما أنها توجب الغسل ، وهذا فيه نظر ،
والصحيح : أن ما أوجب غسلاً لا يوجب الوضوء ، ولا فرق بين الموت وغيره ،
ويدل لهذا حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في قصة الرجل الذي أصابته جنابة ، ولم يجد ماءاً ، فوجده النبي ( معتزلاً عن الناس فسأله فأخبره ، فقال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك ، ثم حضر الماء ، فأعطاه النبي ( ماءً ، فقال : "خذه فأفرغه عليك 160" ، فلم يأمره النبي ( إلا بالغسل ،فالصواب في ذلك أن ما أوجب غسلاً لا يوجب وضوءاً .(1/143)
"سوى موت" يعني : الميت لا يوجب إلا الغسل ما يجب الوضوء ، وهذا الاستثناء غريب ، لأن النبي ( قال اللاتي غسلن ابنته " أبدأن بمواضع الوضوء منها 2" ، فأمر بالوضوء ، ومع
ومن تيقن طهارة وشك في حدث أو عكسه بنى على يقين ويحرم بحدث صلاه....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك استثنى المؤلف رحمه الله الموت هنا ، الذي ورد فيه الأمر بالوضوء ، قال ( : " اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك 161" ، وأمرهن النبي ( أن يبدأن بمواضع الوضوء ، يبدأ أولاً بالوضوء عند تغسيل الميت ، فهذا غريب ، ومع ذلك هم يقولون توضئت الميت في أول الأمر مستحبة ، مع أن النبي ( أمر به ،
فالصحيح : أنه لا يستثنى شيئاً ، وأن ما أوجب غسلاً لا يلزم ذلك أنه يجب الوضوء بل يجب على الإنسان أن يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق ، ويكفي ذلك .
" ومن تيقن طهارة وشك في حدث أو عكسه بنى على يقينه .. " إذا تيقن الطهارة أي إنسان متطهر ثم شك هل خرج منه شيء أو لم يخرج منه ؟ هل أحدث أو لم يحدث ؟
نقول : الأصل بقاء الطهارة ، والعكس بالعكس ، لو كان متيقناً للحدث - أكل لحم الإبل- ثم شك هل توضأ أو لم يتوضأ ؟
نقول الأصل في ذلك بقاء الحدث ، وأنه لم يتوضأ ، ويدل لذلك حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه : " أن النبي ( شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة ، فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً 2" ، وهذا في الصحيحين ، وأخذ منه العلماء رحمهم الله القاعدة الفقهية ، إحدى القواعد الخمس ، وهي" اليقين لا يزول بالشك".
"ويحرم بحدث صلاة .. " إذا كان الإنسان محدثاً - حدثاً أكبر أو أصغر- فإن الصلاة
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/144)
محرمة عليه ، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( قال : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور 162" ، وأيضاً قول النبي ( " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ 163" ، وهل يستثنى شيء من الصلوات أو لا يستثنى ؟
نقول الصواب : أنه لا يستثنى ، لكن ما هو ضابط الصلاة التي تشترط لها الطهارة؟ ضابط الصلاة التي تشترط لها الطهارة - كما ذكره ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن- هي كل صلاة لها تحريم وتحليل - لها تكبيرة الإحرام ولها تسليم ، ودليل ذلك ما ثبت في سنن الترمذي وغيره من حديث علي رضي الله عنه أن النبي ( قال : " مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم 164" ، وعلى هذا يدخل صلاة الجنازة ،
وصلاة الجنازة موضع خلاف ، هل تشترط لها الطهارة أو لا ؟ هذا موضع خلاف ، والصواب : أنها تشترط لها الطهارة ، لأن لها تحريماً وتحليلاً .
هل يدخل سجود التلاوة وسجود الشكر أو لا يدخل ؟
نقول : بأن هذه الأشياء لا تدخل ، لأن سجود التلاوة الصحيح أنه ليس له تكبيرة الإحرام وليس له تسليم ، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، السجود على غير وضوء.سجود الشكر أيضاً ليس له تحريم وليس له تحليل .
وطواف...................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وطواف" أي : يحرم الطواف وهذا الطواف هل يحرم مع الحدث أو لا ؟ وهل تشترط له الطهارة أو لا ؟ هذا موضع خلاف ، أما الحدث الأكبر فهذا يحرم ، لا يجوز له أن يدخل المسجد وهو محدث حدث الأكبر ، لكن بالنسبة للحدث الأصغر
هل يحرم الطواف مع الحدث الأصغر أو لا يحرم ؟(1/145)
جمهور أهل العلم : أن من شروط صحة الطواف : الطهارة ، واستدلوا بما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنهما قالت : أول ما بدأ به النبي ( لما قدم أن توضأ ثم طاف 165" ، وأيضاً قول النبي ( لعائشة لما حاضت "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي حتى تطهري 2" ، وهذا يعتبر دليل على أنه لابد من الطهارة . والرأي الثاني : رأي الحنفية ، وهم يفصلون في المسألة : يقولون : إذا طاف وهو محدث فإن كان بمكة يعيد ، وإن خرج عليه دم ، ويفصلون بين الدم إذا كان محدث حدثاً أصغر أو أكبر
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله أن الطهارة مستحبة في الطواف ، وقال : لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : لا طواف إلا بوضوء كما قال في الصلاة ، أو قال : لا يقبل الله طواف أحدكم حتى يتوضأ كما قال ذلك في الصلاة هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حج معه الخلق الكثير ولو كان واجباً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به .وعلى هذا يقال : الأحوط للإنسان أن يتوضأ ويتطهر لأن أقل شيء أن هذا هو سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
ومس مصحف وبعضه بلا حائل.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن لو نسي الإنسان أو سبقه الحدث أو نحو ذلك فإنشاء الله أنه يعفى عنه بإذن الله .
"ومس مصحف وبعضه ... " أي : يحرم بالحدث مس المصحف وبعض المصحف ، حتى قال العلماء رحمهم الله : حتى جلده وحواشيه ، وهي : أطرافه البيضاء التي ما فيها كتابة - يحرم عليك أن تمسها ، وهذا رأي جمهور أهل العلم رحمهم الله ،(1/146)
والمس هنا ليس مختصاً بالكف يشمل كل الجلد ، كما أنك لا تمسه بكفك أيضاً لا تمسه بذراعك لا تمسه بجبهتك ونحو ذلك ، واستدلوا لذلك بقول الله عز وجل ( لا يمسه إلا المطهرون ? ، وأيضاً حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه ، أن النبي ( كتب " وأن لا يمس القرآن إلا طاهر 166" ، وهذا أخرجه النسائي وهو ثابت موصول ، وهذا القول هو الصواب .
خلافاً للظاهرية ، لأن الظاهرية - ابن حزم - يضعف الحديث ، لكن الصحيح في ذلك أن الحديث ثابت .
وعلى هذا لا يجوز مس المصحف بجلد إلا من وراء حائل ، قال :
" بلا حائل " لأن المس إذا كان هناك حائل لا يكون للمصحف وإنما يكون للحائل ، وعلى هذا يجوز أن يمسه من وراء حائل ، لأن العلة : كما ذكرنا المس لا يكون للمصحف وإنما يكون للحائل .
وله حمله بلا مس وتصفحه بكمه وبعود................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وله حمله بلا مس وتصفحه بكمه وبعود " ، يعني : لك أن تحمله وهذا لا بأس به المهم أن الإنسان إذا ما مسه ، ولو وضعه في جراب أو في ثوب وحمله ، فهذا لا بأس ،
وأيضاً تصفحه ، بكمه ، وكان في الزمن السابق لهم أكمام كبيرة ، ويستطيع أن يتصفح به ، يقول : المؤلف رحمه الله : يجوز أن يتصفحه بكمه ، أما الآن أكمام الناس صغيرة ، لكن هذا كان في الزمن السابق .
"وبعود" يعني : لو أخذ عود أو قلم وتصفح القرآن فإن هذا جائز ولا بأس به.
***************************************************************************
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/147)
باب الغسل
الغُسل : بالضم : أي الاغتسال ، وأيضاً يكون بمعنى الماء الذي يغتسل به.
الغِسل: وأما بالكسر : هو ما يغسل به الرأس من صابون وغيره .
وأما في الاصطلاح : فهو استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجوه مخصوصة .
"يوجبه" أي : يوجب الغسل ، فدل ذلك على أن الغسل تارة يكون واجباً ، وتارة يكون مستحباً ، فيجب في مواضع :
" خروج مني بلذة " ، هذا الموجب الأول : وهو خروج المني ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا انتقل المني - أحس بانتقاله - لكنه لم يخرج فإنه يجب الغسل
بلذة, ومن نائم مطلقا............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودليل ذلك حديث أم سليم رضي الله عنها أنها سألت النبي ( " هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال ( : " نعم إذا هي رأت الماء 167"
" بلذة " يفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لابد أن يكون الخروج الموجب بلذة ، وعلى هذا إذا خرج بغير لذة ، مثلاً : من شدة البرد أو بسبب المرض ، أو غير ذلك ، فإنه لا يجب الغسل ، وإنما يتوضأ فقط ، ويدل لهذا قول النبي ( من حديث علي رضي الله عنه " إذا فضخت الماء فاغتسل 2" ، قال العلماء : الفضخ : هو خروج على وجه الغلب ، على وجه اللذة والدفق . " ومن نام مطلقاً " خروج المني ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : خروجه من اليقظان ، وهذا يشترط أن يكون بلذة .
2 - القسم الثاني : خروجه من النائم ، وهذا لا يشترط أن يكون بلذة ، فإذا رأى النائم المني بعد استيقاظه ، فإنه يجب عليه أن يغتسل ، وإذا استيقظ فوجد بللاً في ثيابه فإنه لا يخلو من ثلاثة حالات :
1 - الحالة الأولى : أن يتيقن أنه مني ، فهذا يجب عليه الغسل مطلقاً ، سواء ذكر احتلاماً أو لم يذكر .(1/148)
2 - الحالة الثانية : أن يتيقن أنه غير مني - لكونه يعرف الماء - ، فهذا لا يجب عليه الغسل ، لكن يغسل فرجه وينضح الماء على ثيابه ، ويتوضأ وضوءه للصلاة ، حكمه حكم
وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له , ولا يعاد بخروجه بعد بلا لذة............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المذي ، أما غسل الانثيين فهذا موضع خلاف .3 - الحالة الثالثة : أن يشك فيه ، فهذا فيه تفصيل ، إن ذكر احتلاماً فإنه يجعله منياً ويغتسل ، وإن لم يذكر احتلاماً ، فإنه لا يجب عليه الغسل ، لكن -كما تقدم - يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ، وينضح الماء على ثيابه .
" وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له " هذا الموجب الثاني : وهو أن ينتقل المني لكنه لم يخرج ، فيقول المؤلف رحمه الله يغتسل له ، وهذا هو المذهب ، وعلتهم في ذلك : قالوا : بأن الماء قد باعد محله ، وأصل الجنابة "البعد" فيجب الغسل .
والرأي الثاني : أنه لا يجب الغسل إلا برؤية الماء حتى ولو انتقل ، ودليل ذلك حديث أم سليم رضي الله عنها أنها سألت النبي ( " هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت ؟ فقال ( : " نعم إذا هي رأت الماء 168" ، فعلق النبي ( الوجوب برؤية الماء ،
وعلى هذا الصحيح في ذلك : أنه لا يجب عليه الغسل حتى يخرج منه .
" و لا يعاد بخروجه بعد بلا لذة " يعني : إذا انتقل المني ثم اغتسل له ثم خرج بعد ذلك ، فيقول المؤلف رحمه الله لا يعاد الغسل مرة أخرى ، وهذا كما تقدم أن الصواب أنه لا يجب الغسل إلا بخروجه ، وعلى هذا إذا خرج يغتسل وإذا لم يخرج فإنه لا يغتسل ،
" بلا لذة " يعني إذا انتقل يقول المؤلف رحمه الله يجب أن يغتسل اغتسل له ثم خرج مرة أخرى ، قال المؤلف : لا يعيد الغسل إذا كان خروجه بلا لذة ، فإذا كان خروجه بلذة ،
وتغيب حشفة أصلية في فرج أصلي....................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/149)
فإنه يجب عليه مرة أخرى أن يعيد الغسل ، قالوا : لأنه مني جديد ، فيغتسل له ،
والصواب : كما تقدم ، أنه لا يجب الغسل إلا بخروجه بلذة ، فإذا خرج بلذة من اليقظان فإنه يجب عليه ، أما النائم فإنه يجب عليه مطلقاً .
" وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي .. " هذا الموجب الثالث : وهو تغييب حشفة ، والحشفة ليست هي جميع الذكر ، وإنما هي رأس الذكر التي تكون عليها القلفة - الجلدة التي تقطع عند الختان - ، فتغييب الحشفة هذا يوجب الغسل ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا غيب بعض الحشفة فإنه لا يجب الغسل ، وإنما يجب الغسل بتغييب الحشفة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل 169" وهذا في الصحيحين وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( قال : إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل " ، وليس المراد بقوله " مس الختان الختان " هو مس الفرج بالفرج ، وإنما المراد تغييب الحشفة ، لأنه إذا غيب الحشفة التي بقدر الأنملة من الإصبع ، حصل مس الختان بالختان ، فإذا حصل ذلك وجب الغسل ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه يجب الغسل وإن لم ينزل ، أي : بمجرد أن يغيب الحشفة وإن لم يحصل منه إنزال ،
وهذه المسألة فيها خلاف قديم من عهد الصحابة رضي الله عنهم ، فقد روى البخاري
ولو دبرا ................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/150)
عن جمع من الصحابة منهم عثمان ، وأبي بن كعب وعلي ، وطلحة ، والزبير رضي الله عنهم ، أنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال ، ورواه مسلم في صحيحه عن جماعة من الأنصار ، لكن ثبت عن أكثرهم الرجوع ، فجمهور أهل العلم أنه يجب الغسل وإن لم يحصل الإنزال ، وقد ورد في صحيح مسلم لفظ " وإن لم ينزل " في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل 170" .
وأما حديث أبي سعيد رضي الله عنه " إن الماء من الماء 171" من استدل به أنه لا يجب الغسل إلا بخروج المني ، فهذا له جوابان :
1 - الجواب الأول : أن هذا كان في أول الأمر ، وأنه لا يجب الغسل إلا بالإنزال - ثم بعد ذلك نسخ ، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة " وإن لم ينزل " وحديث عائشة " ومس الختان الختان" .
2 - الجواب الثاني : أن قوله " إن الماء من الماء " هذا محمول على الغالب ، الغالب إذا غيب الحشفة فإنه يحصل الإنزال ." ولو دبراً أو من بهيمة أو ميت " أي حتى لو غيب هذه الحشفة في الدبر ، وليس المراد بين الصفحتين أو الفخذين ، وإنما المراد أن يغيب هذه الحشفة في الدبر ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب الغسل لأنه فرج .
أو من بهيمة أو ميت وإسلام كافر........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أو من بهيمة " من بهيمة أو طير ونحو ذلك ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ، أنه إذا غيب الحشفة في بهيمة أنه لا يجب الغسل وهذا القول هو الصواب ، لأن الحديث إنما ورد بقوله " مس الختان الختان172" والمقصود به : الختان ، المعروف تغييب في فرج الأصلي ، فالصواب في ذلك : أنه لا يجب الغسل .
"أو ميت" أيضاً لو غيبه في ميت ، يقول المؤلف : أنه يجب الغسل ، وذلك لعموم حديث عائشة ، وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذين تقدما ،(1/151)
وهذا القول هو الصواب لأنه يشمله الحديث خلافاً لمن قال : بأنه لا يجب الغسل بجماع الميت كما قال به أبو حنيفة رحمه الله .
" وإسلام كافر " هذا الموجب الرابع من موجبات الغسل : وهو إسلام الكافر ، فإذا أسلم الكافر ولو كان مرتداً ، فإنه يجب عليه الغسل ، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين " أن ثمامة بن أثال رضي الله عنه لما أسلم ذهب إلى حائط من حيطان المدينة فاغتسل 1" فكونه يغتسل هذا يدل على أنه أمر معروف عند الصحابة رضي الله عنهم ، وجاء في مسند الإمام أحمد ومصنف عبدالرزاق الأمر " اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل 2"
وأيضاً مما يدل لذلك ما ثبت في سنن أبي داود والترمذي ، أن النبي ( أمر قيس بن
وموت.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاصم رضي الله عنه بالاغتسال173"وهذا حسنه الترمذي
فالمشهور من المذهب أنه يجب عليه أن يغتسل .
وعند الشافعية : يقولون يجب عليه أن يغتسل إذا حصل منه ما يوجب الغسل في كفره مثلاً : لو حصل منه إنزال في كفره ثم أسلم فإنه يجب عليه أن يغتسل ولو اغتسل في كفره لأن اغتساله في كفره غير معتبر لأنه فاقد للنية . وعند الحنفية : أنه لا يجب عليه الغسل ،
واستدلوا بقول الله عز وجل ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ? ، وأيضاً حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه " إن الإسلام يجب ما قبله " .
والأقرب في ذلك وهو الأحوط رأي الحنابلة رحمهم الله أنه يجب الغسل .(1/152)
" وموت" الميت يجب تغسيله ، ودليل ذلك حديث أم عطية رضي الله عنها ، وفيه أمر النبي ( بتغسيل الميت " غسلها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك 174" ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الذي وقصته راحلته " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه " ، فالموت هذا موجب للغسل ، وهذا بالإجماع ، ويستثنى من ذلك شهيد المعركة كما سيأتينا إن شاء الله ، في أحكام الجنائز ، وأن شهيد المعركة لا يغسل ، بل إن تغسيله محرم ولا يجوز ،
ويستثنى من ذلك أيضاً على المذهب المقتول ظلماً ، المذهب يرون أنه لا يغسل ، وهذا فيه نظر
وحيض ونفاس لا ولادة عارية عن دم.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح : أنه يغسل لأن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على تغسيل عمر رضي الله عنه ، وقد قتل ظلماً ، وأيضاً عثمان ، وعلي رضي الله عنهم ،
فالصحيح : المقتول ظلماً وإن كان شهيداً في أحكام الآخرة ، لكنه في أحكام الدنيا ليس شهيد ، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين .
" وحيض " وهذا بالإجماع أن المرأة إذا حاضت يجب عليها الغسل إذا طهرت ،
ويدل لذلك أن النبي ( قال لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا ذهبت الحيضة فاغتسلي وصلي 175" . " ونفاس " النفاس أيضاً يجب الغسل على النفساء قياساً على الحائض ، ولأن النبي ( لما حاضت أم سلمة قال لها " لعلك نفست 2" فسمى النبي ( الحيض نفاساً ،
فدل على أنه يأخذ أحكامه ، فالنفساء إذا طهرت يجب عليها أن تغتسل .(1/153)
" لا ولادة عارية عن دم " وهذا نادر ، أي : أن تلد امرأة ولادة خالية عن الدم ، لكن لو حصل امرأة ولدت ولداً ولم يخرج منها دم أثناء الولادة فإنه لا يجب عليها الغسل ، لأن الغسل لخروج الدم ، وهنا لم يخرج منها الدم ، ولا يحرم وطئها ، لزوجها أن يجامعها ، ولو ولدت وهي صائمة ولادة ليس فيها الدم فيقولون : بأن الصيام صحيح ويجب عليها الصلاة ولا يحرم جماعها ، ولا يجب عليها الغسل ، ولكن يجب عليها الوضوء فقط ، ولا يجب عليها غسل الفرج ، لأن الولد طاهر ، وغسل الفرج إنما يكون للنجاسة ، فيجب عليها الوضوء
ومن لزمه غسل.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على المذهب لأنه كما تقدم لنا من نواقض الوضوء ،
يقولون : كل ما خرج من سبيل موجب للوضوء ، وإذا قلنا بأنه لا ينقض الوضوء إلا الخارج المعتاد ، فهذا ليس خارجاً معتاداً ، فنقول أيضاً لا يجب حتى الوضوء .
متى تكون المرأة نفساء ؟
المرأة لا تخلو من أحوال :
1 - الحالة الأولى : أن تلقي نطفة ، فهذه لا تأخذ أحكام النفساء تصلي وتصوم إلى آخره .
2 - الحالة الثانية : أن تلقي قطعة الدم ، كذلك لا تأخذ أحكام النفساء .
3 - الحالة الثالثة : أن تلقي مضغة - قطعة لحم - ، فهذا فيه تفصيل : إن تبين فيه خلق إنسان تخطيط يد ، تخطيط رجل ، تخطيط رأس ، قال العلماء : ولو كان التخطيط خفياً ،
فهنا تأخذ أحكام النفساء ، وإن لم يتبين فيه خلق الإنسان فهذه لا تأخذ أحكام النفساء ، تصوم وتصلي ولا يجب عليها الغسل .
وإذا ألقت ولداً نفخت فيه الروح ، فمن باب أولى أن تأخذ أحكام النفساء .
" ومن لزمه غسل حرم عليه قراءة آية فأكثر "
لما ذكر المؤلف رحمه الله موجبات الغسل ، ذكر ما يمتنع على الغسل :(1/154)
حرم عليه قراءة آية فأكثر..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - فالأمر الأول الذي يمتنع على الغسل : قراءة القرآن ، فيقول المؤلف رحمه الله
" حرم عليه قراءة آية " وظاهر الكلام المؤلف رحمه الله يحرم عليه قراءة آية كاملة ، وعلى هذا لو قرأ بعض آية ، فإنه جائز ولا بأس به ،
والدليل على تحريم قراءة القرآن للجنب ، حديث علي رضي الله عنه " كان النبي ( لا يحجبه - وربما قال- لا يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة 176" وهذا الحديث رواه الترمذي والحاكم والدارقطني وابن خزيمة ، وغيرهم ، رواه جمع من أهل العلم ، وهو موضع خلاف ، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً ، ولهذا حسنه ابن حجر وصححه الترمذي ، وصححه الحاكم والدارقطني أيضاً ، فهو لطرقه صححه جمع من أهل العلم .
وأيضاً ثبت عن عمر رضي الله عنه " أنه كره قراءة القرآن للجنب " ،
وعلى هذا نقول : الجنب يحرم عليه أن يقرأ القرآن ، وقدر الذي يحرم عليه ، ، قال المؤلف رحمه الله ، قدر آية ، وعلى هذا لو قرأ بعض آية فإنه لا يحرم ،
والذي يظهر - والله أعلم - أن التحريم مطلق ، لأن النهي يتعلق بجميع أفراد المنهي عنه ، فالصواب نقول : أنه يحرم آية كاملة أو بعض آية ، لكن لو قال ذكراً يوافق آية من القرآن أو بعض آية فإنه لا يحرم عليه ذلك ، ما لم يقصد القراءة ، مثلاً : لو قال : " الحمد لله " بعد الطعام ، نقول : ما دام أنه قصد القراءة ، فإن هذا جائز ولا بأس به ،
ولبث بمسجد بلا وضوء وله المرور به....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو فتح المصحف وقرأ بقلبه ولم يقرأ بلسانه ، فهذا جائز ولا بأس به(1/155)
"ولبث بمسجد " يحرم على الجنب أن يلبث في المسجد ،
ويدل لذلك قول الله عز وجل ( ولا جنباً إلا عابري سبيل ? .
وأيضاً حديث جابر رضي الله عنه قال : " كان أحدنا يجتاز بالمسجد ما لم يكن جنباً " وهذا ثابت وأيضاً قول عطاء بن يسار " رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله ( يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة " فيدل لذلك إذا لم يتوضئوا أنه يحرم عليهم أن يجلسوا في المسجد ، فاللبث في المسجد للجنب هذا محرم ولا يجوز .
" بلا وضوء " استثنى المؤلف رحمه الله إذا توضأ فلا بأس أن يجلس في المسجد لما تقدم من قول عطاء بن يسار ، وهذا الأثر أخرجه سعيد بن منصور وإسناده صحيح ، فإذا توضأ الجنب جاز له أن يجلس في المسجد .
" وله المرور به " أي : يجوز أن يمر به يدخل لا لقصد اللبث مثلاً : يدخل المسجد يأخذ حاجة ويخرج وهو جنب ، يدخل للمسجد يريد فلاناً من الناس وهو جنب ، فهذا جائز ولا بأس به ،
ودليل ذلك ما تقدم من حديث جابر رضي الله عنه قال : " كان أحدنا يمر في المسجد جنباً مجتازاً " فدل ذلك على أن المرور به جائز ، كون الإنسان يدخل ويخرج فهذا جائز ولا بأس به ، إذا كان جنباً وإن لم يتوضأ ،
وقول ما وافق قرآنا ولم يقصده كالبسملة والحمد له,..ويسن غسل لجمعة.........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودل ذلك على أن ما عدا المرور من اللبث أنه غير جائز .
" وقول ما وافق قرآناً ولم يقصده كالبسملة والحمد له " يجوز أن يقول قرآناً إذا لم يقصد القرآن . يقول : " الحمد لله ، بسم الله ، إنا لله وإنا إليه راجعون " ، ونحو ذلك ، فهذا إن قصد القرآن فإنه لا يجوز وإن لم يقصد القرآن ، فإنه جائز ولا بأس به .
" ويسن غسل لجمعة " لما ذكر المؤلف رحمه الله الغسل الواجب ، شرع في بيان الغسل المستحب ، فيقول المؤلف رحمه الله : يسن غسل لصلاة الجمعة ، وهذا قول جمهور أهل العلم أن الغسل لصلاة الجمعة مستحب .(1/156)
والرأي الثاني : قول الظاهرية : الوجوب مطلقاً .
والرأي الثالث : الوجوب إذا كان الإنسان فيه رائحة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . ولكل منهم دليل ، فمن أدلة الجمهور : استدلوا بما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " من توضأ يوم الجمعة ثم جاء إلى الصلاة واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام 177" ، فهنا قال " من توضأ " ، أيضاً استدلوا بحديث سمرة من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ، وأيضاً أن عثمان تأخر ولم يأتي إلا وعمر رضي الله عنه يخطب ومع ذلك أخبر أنه اقتصر على الوضوء ، وهذا استدل به الجمهور
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوأما الظاهرية استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي ( قال " غسل الجمعة واجب على كل محتلم 178" ، وهذا ظاهر في الوجوب ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي ( قال : " من جاء منكم الجمعة فليغتسل 179" . وحديث أبي هريرة : " حق على كل مسلم في كل سبعة أيام أن يغسل رأسه وجسده 3" ، قال " حق " ، وقال "واجب" ، وقال " فليغتسل" ، وهذه ظاهرة في الوجوب . وشيخ الإسلام استدل بحديث عائشة رضي الله عنها : " أن الناس كانوا مهنتهم ، فإذا راحوا إلى الجمعة راحوا بهيئتهم ، يعني : كانوا الناس يعملون في مهنهم - حرفهم - فإذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم لا يتنظفون ولا يغتسلون ، لأنهم يكونون مشغولين بأعمالهم بحرفهم بزراعتهم ، ثم تأتيهم الصلاة فما يكون عندهم وقت ، فيذهبون إلى الصلاة فقيل لهم " لو اغتسلتم"وهذا في البخاري ،فهذا يدل على أنه إنما كان للرائحة - للحاجة - ،
والأحوط في ذلك : هو ما ذهب إليه الظاهرية ، وأن غسل الجمعة واجب لأن الأدلة صريحة .(1/157)
أما حديث مسلم " من توضأ 4" وورد في لفظ " من اغتسل " ، وحديث سمرة " من توضأ فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل " ، هذا لا يثبت عن النبي ( ، وفعل عثمان رضي الله عنه أنكر عليه عمر رضي الله عنه . فالأقرب : ما ذهب إليه الظاهرية ، وإذا كان الإنسان له رائحة ونحو ذلك هذا يتأكد في حقه الوجوب .
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متى يبدأ وقت الغسل ؟ هذا موضع خلاف ، والأقرب في هذا : أن وقت غسل الجمعة يبدأ من بعد طلوع الفجر من يوم الجمعة ، لأن هذا الغسل مضاف إلى اليوم ، واليوم يبدأ من بعد طلوع الفجر ، فغسل الجمعة له وقتان :
1 - الوقت الأول : وقت الإجزاء ، وهذا الوقت المجزئ ، يبدأ من طلوع الفجر ، لما سبق أن ذكرنا أن غسل الجمعة مضاف إلى اليوم ، واليوم يبدأ من طلوع الفجر ، ويمتد إلى حضور الصلاة ، وسيأتينا في باب صلاة الجمعة ، أنه يجب على من كان أهلاً لصلاة الجمعة أن يحضر قبل الخطبة ، بحيث يستمع الخطبة ، لأن الله عز وجل قال ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ? ، فيجب أن يحضر الخطبة ، وعلى هذا يكون يمتد وقت الغسل إلى ما قبل دخول الإمام ، بحيث يتمكن من الاغتسال ، والذهاب إلى صلاة الجمعة ، هذا وقت الإجزاء ، فأصبح عندنا وقت الإجزاء يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، ويستمر إلى قبيل الخطبة ، بحيث يغتسل في وقت يتمكن فيه من الذهاب واستماع الخطبة .(1/158)
2 - وأما الوقت الثاني : فهو وقت الاستحباب ، ويكون عند الذهاب لصلاة الجمعة ، يؤخر الاغتسال إلى وقت الذهاب لأنه أبلغ في التنظف ، ولاشك أن غسل الجمعة يراد به التنظف لهذه الصلاة ، وهل الغسل للصلاة أو لليوم؟ هذا فيه خلاف ، الجمهور : أنه للصلاة ، وهذا هو الصواب ، خلافاً للظاهرية ، فإن الظاهرية (ابن حزم) يرى أن غسل يوم الجمعة لليوم وليس للصلاة
وعيد ومن غسل ميت.............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا لو اغتسل بعد الصلاة أجزأ وهذا فيه نظر .
"وعيد" أيضاً يستحب أن يغتسل للعيد ، وهذا لم يثبت فيه شيء مرفوع للنبي ( ، وورد فيه حديثان عن النبي ( ، وهما ضعيفان ، لكن ثبت ذلك عن الصحابة كابن عمر رضي الله عنهما ، فنقول : يستحب الاغتسال لصلاة العيد لثبوته عن الصحابة كإبن عمر رضي الله عنهما .
ووقت الاغتسال لصلاة العيد كما تقدم نقول : من طلوع فجر يوم العيد ، لأن الغسل مضاف إلى يوم العيد ، ويوم العيد يبدأ من طلوع الفجر ، إلى وقت الذهاب إلى صلاة العيد .
"ومن غسل ميت" أي : من غسل ميتاً فإنه يستحب له أن يغتسل ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " من غسل ميتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ 180" ، وهذا الحديث روي مرفوعاً ، وموقوفاً ، والصواب : أنه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه ، كما ذكر البخاري ، رجح أنه موقوف على أبي هريرة ، وكذلك أيضاً أبو حاتم ، رجح أنه موقوف وغيرهما . فالصواب : أنه موقوف على أبي هريرة ، وعلى هذا نقول : لو رووه عن الصحابة رضي الله عنهم ، فيستحب لمن غسل الميت أن يغتسل ولمن حمله أن يتوضأ ، ولا يجب لأن النبي ( لم يأمر اللاتي غسلن ابنته كأم عطية رضي(1/159)
وإفاقة من جنون وإغماء بلا إنزال ولكسوف....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عنها بالاغتسال ، ولو كان واجباً لأمرهن النبي ( بذلك ، وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( لم يأمر الذين غسلوا من وقصته راحلته بالاغتسال .
" وإفاقة من جنون وإغماء بلا إنزال " أي : يستحب لمن أفاق من جنون وإغماء أن يغتسل لما ثبت في الصحيحين ، أن النبي ( اغتسل من الإغماء 181" ، حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي ( لما أغمي عليه اغتسل ، وقيس الجنون ، لأن الجنون آكد من الإغماء ، لأنه إذا شرع ذلك من المغمى عليه ، والإغماء تغطية للعقل ، فالجنون الذي هو زوال للعقل من باب أولى .
وكذلك أيضاً لو أن الإنسان تناول دواءً يغطي على العقل كالبنج ونحو ذلك مثلاً : أجري له عملية وأعطي هذا الدواء الذي يغطي على عقله ، نقول : يستحب له أن يغتسل ، وقال المؤلف " بلا إنزال " لأنه إذا أنزل فإن الاغتسال في حقه واجب - كما تقدم
" ولكسوف " أي : يستحب أن يغتسل للكسوف ، والدليل على ذلك قالوا : القياس على مشروعية الاغتسال لصلاة الجمعة وصلاة العيدين ، بجامع أن كلاً منهما عبادة يجتمع الناس لها ، وهذا القياس فيه نظر ، لأن الظاهر أنه قياس في مقابلة النص ، فالظاهر أن النبي ( لم يغتسل بل النبي ( لما كسفت الشمس خرج مسرعاً يجر رداءه حتى لحق النبي ( بردائه2 ، وهذا يدل على : أن النبي ( لم يتوانى بالاغتسال وإنما بادر إلى الصلاة ، فظاهر حال النبي ( أنه لم يغتسل لصلاة الكسوف .
واستسقاء وإحرام ودخول مكة.............................................................................................(1/160)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه لا يشرع الاغتسال لصلاة الكسوف وهذا هو الصواب ، لأن هذا هو ظاهر فعل النبي ( . " واستسقاء " يقول المؤلف رحمه الله : يشرع الاغتسال لصلاة الاستسقاء ، والصواب في ذلك : كما ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يشرع ، لأنه لم يحفظ عن النبي ( ذلك بل - كما سيأتينا - النبي ( خرج متخشعاً متبذلاً متضرعاً ..إلى آخره 182"، وقوله " متبذلاً " أي : في ثياب بذلة (الثياب التي تبتذل) ، ولا تكون للزينة والجمال ونحو ذلك . " وإحرام " أي : إذا أراد أن يحرم لحج أو عمرة فإنه يشرع له الاغتسال لما روي زيد بن ثبات رضي الله عنه " أن النبي ( تجرد لإهلاله واغتسل 183" وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الترمذي ، وبعض أهل العلم ضعفه ، ولم يصح رفعه للنبي ( ، وعندنا غير ذلك أن النبي ( أمر أسماء بنت عميس رضي الله عنها لما ولدت في ميقات ذي الحليفة " أن تستثتبر وأن تغتسل" وهذا في صحيح مسلم ، وكذلك أيضاً عائشة رضي الله عنها لما حاضت أمرها النبي( " أن تغتسل وأن تحرم بالحج " الخ ، فيشرع الاغتسال للإحرام .
" ودخول مكة " أيضاً : يشرع الاغتسال لدخول مكة ، وهذا دليله حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " أنه كان إذا قدم مكة بات بذي طوى حتى يصبح ثم يغتسل ، ويذكر أن النبي ( كان يفعل ذلك " ،
وطواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي جمار......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاغتسال لدخول مكة لا يشرع إذا اغتسل للإحرام ، فإذا اغتسل للإحرام فإنه يكتفى بذلك ، إلا إذا طالت المدة بين الاغتسال للإحرام ودخول مكة ، فإنه يشرع الاغتسال لدخول مكة ، أما إذا لم تطل المدة ، مثل وضعنا(1/161)
الآن تجد أن الإنسان يغتسل للإحرام ثم بعد ذلك ، الساعة أو ساعتين أو ثلاث ونحو ذلك تجده قد دخل مكة ، فنقول : هنا لا فائدة من الاغتسال عند دخول مكة ، لأن المراد التنظف ، والتنظف هذا حصل عند الإحرام ، لكن لو طال الفاصل فإنه يشرع للإنسان أن يغتسل عند دخول مكة ، كما في حال النبي ( فإن النبي ( يحرم في ذي الحليفة ، ويمكث مدة في الطريق ، يعني في حجة الوداع النبي ( جلس يمشي في الطريق تسعة أيام ، ولاشك بعد هذه الفترة سيلحقه شيء من تشعث الرأس وضناء الجسم ، ونحو ذلك ،
فنقول : في هذه الحالة يشرع أن يغتسل .
" وطواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي جمار " .
أيضاً : طواف الإفاضة ، يقول المؤلف : يشرع ، وهذا لم يحفظ عن النبي ( ، وأما تعليلهم أن هذه أنساك يجتمع لها الناس ، ويزدحمون فيعرقون ويؤذي بعضهم بعضها ، فيستحب الاغتسال ، نقول : هذا التعليل غير مسلم ،
النبي ( في صلاة الكسوف مع أنه فيه اجتماع ومع ذلك لم يغتسل عليه الصلاة والسلام ، وأيضاً المبيت بمنى فيه اجتماع ومع ذلك ما ذكروا المبيت بمنى أنه يشرع له أن يغتسل
..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلتهم في هذه الأشياء التي ذكروها طواف إفاضة ووداع ، ووقوف بعرفة ، ومبيت بمزدلفة ورمي جمار ، أنها أنساك يجتمع لها الناس ويزدحمون ويعرقون ، فيؤذي بعضهم بعضاً ، فاستحب الغسل كصلاة الجمعة ،
فنقول : ظاهر فعل النبي ( أنه لم يفعل ذلك ، وجابر رضي الله عنه لما ذكر صفة حجة النبي ( لم يذكر أنه عند الإفاضة اغتسل عند المبيت بمزدلفة اغتسل عند رمي الجمار اغتسل عند وقوف بعرفة اغتسل هذا كله لم يرد عن النبي ( .(1/162)
" الوقوف بعرفة " هذا ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه ، فإن ثبت عن عمر رضي الله عنه فيقال بالاستحباب ، لوروده عن عمر رضي الله عنه ، وإن لم يثبت فنقول : بأنه لا يشرع الاغتسال .
والغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثاً...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" والغسل الكامل أن ينوي ثم يسمي ويغسل يديه ثلاثاً " قوله " الكامل " يفهم من عبارة المؤلف رحمه الله أن هناك غسلاً مجزئ ، فالغسل ينقسم إلى قسمين :
1 - غسل كامل . …2 - غسل مجزئ .
1 - الغسل الكامل : هو الذي اشتمل على الشرائط والواجبات والمستحبات.
2 - الغسل المجزئ : هو الذي اشتمل على الشرائط والواجبات دون المستحبات.
بدأ المؤلف رحمه الله في كيفية الغسل الكامل ، قال
" أن ينوي" وهذا سيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالنية وصور النية ، ودليل ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه ، أن النبي ( قال :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى 184" فسيأتي ما يتعلق بصور النية .
" ثم يسمى " تقدم لنا التسمية والكلام عليها إلى آخره ، وأن المشهور من المذهب يرون أنها واجبة في الوضوء وفي الغسل وفي التيمم إلى آخره ، وعند أكثر أهل العلم : أنها ليست واجبة ، وإنما هي مستحبة فقط . " ويغسل يديه ثلاثاً " : يغسل يديه ثلاثاً ، أولاً : لأن السنة وردت بذلك وثانياً :كالوضوء ، لأن في الغسل الكامل يشرع له أن يتوضأ ، والمتوضئ يشرع له
وما لوثه ويتوضأ ويحثي على رأسه ثلاثاً تروِّيه ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً متيامنا...............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يغسل يديه ثلاث مرات في بداية الوضوء .
" وما لوثه " أي : يغسل فرجه ، وما أصابه من الأذى ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها " لما بينت كيفية غسل النبي ( قالت : فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه 185" .(1/163)
" ويتوضأ " يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً ، وهذا دليله حديث عائشة رضي الله عنها لما ذكرت كيفية غسل النبي ( ذكرت أنه توضأ وضوءه للصلاة ، وأيضاً حديث ميمونة رضي الله عنها ، وعلى هذا يتوضأ وضوءه للصلاة ، يتمضمض ويستنشق ، ويغسل وجهه إلى آخره ، يتوضأ وضوءاً كاملاً كما ذكر المؤلف رحمه الله .
" ويحثي على رأسه ثلاثاً تروِّية " وهذا دليله حديث ميمونة رضي الله عنها أنها قالت : " ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات 186" . " ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً " أيضاً يعم بدنه غسلاً ، وهذا دليله حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " ثم أفاض على سائر جسده 3" وقالت ميمونة : " ثم غسل سائر جسده 4" .
" ثلاثاً " يعني : الرأس يغسله ثلاث مرات ، والبدن كذلك يغسله ثلاث مرات ، هذا المذهب ، وقالوا بأنه يثلث غسل البدن قياساً على الوضوء ، فإن الوضوء يستحب فيه التثليث ، وكذلك أيضاً غسل البدن يستحب فيه التثليث ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ويدلكه.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يستحب التثليث في غسل البدن ، وإنما يغسل بدنه مرة واحدة ، لقول عائشة رضي الله عنها : " ثم أفاض على سائر جسده 187" ولم تذكر التثليث ، وقول ميمونة رضي الله عنها " ثم غسل سائر جسده 2" ولم تذكر التثليث . وعلى هذا نقول : الصواب أنه لا يثلث غسل بدنه ، وإنما يغسله مرة واحدة ، ويبدأ بالشق الأيمن ثم الشق الأيسر ، لأن النبي ( كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره ، وفي شأنه كله .
" ويدلكه " أي : يدلك بدنه أثناء الغسل ،(1/164)
والعلة في ذلك : أنه أنقى ، وأيضاً : لكي يتيقن من وصول الماء إلى المغابن ، يعني : بعض الأماكن التي قد لا يصلها الماء أثناء إفاضة الماء ، فكونه يمر يده على بدنه هذا مستحب ولا يجب ، ودليله كما ذكرنا أنه أنقى ولكي يتمكن من وصول الماء إلى مغابنه .
وقال العلماء رحمهم الله : يتفقد الأماكن التي قد لا يصلها الماء ، المطلوب من الإنسان الظن ، إذا ظن أنه عمم بدنه بالماء يكفي ، لكن يستحب له أن يتفقد الأماكن التي قد لا يصلها الماء ، مثل غظاريف الأذن ، طي الركبتين ، وما تحت الحلق وعمق السرة إلى آخره ، قالوا : هذه يستحب أن يتفقدها ولا يجب ذلك ، الواجب أن يظن أن الماء وصل إلى جميع البدن .
ويغسل قدميه بموضع آخر....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويغسل قدميه بموضع آخر " وعلى هذا يغسل قدميه مرتين :
1 - المرة الأولى في الوضوء لأنه سيتوضأ ، وبعد أن يتوضأ يغسل رأسه ثلاث مرات وجسده مرة واحدة .
2 - المرة الثانية : إذا انتهى من غسل الجسد يذهب ويغسل قدميه ، فيكون غسل قدميه مرتين .
واستدلوا على ذلك بقول ميمونة رضي الله عنها " ثم تنحى فغسل رجليه 188" فالنبي ( غسل رجليه مرتين ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه ما يغسل رجليه مرتين ، وإنما يكتفي بالغسل الأول ، يعني : يتوضأ وضوءه للصلاة ، لأنه إذا توضأ وضوءه للصلاة غسل قدميه ، ما فيه حاجه إلى أن يغسله مرة ثانية ، وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يكفي غسلهما مرة واحدة في الغسل ، وهذا قول المالكية والشافعية ، يعني : عند الحنفية يغسل قدميه مع الوضوء ،
وعند الشافعية والمالكية : ما يغسلهما مع الوضوء ، وإنما يغسلهما مع الغسل .(1/165)
وقال بعض العلماء : إنما غسل النبي ( قدميه - كما في حديث ميمونة - لأن المكان كان فيه شيء من الطين والدحط فغسل ، فعلى هذا نقول : إن احتاج إلى ذلك يغسل ،
والمجزئ أن ينوي ويسمي ويعم بدنه غسلاً مرة ويسن وضوء بمد واغتسال بصاع.............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أنه يغسل قدميه مرة واحدة مع الوضوء ، لكن إن احتاج غسل وإن لم يحتج فإنه لا يغسل ، أو يقال : بأن هذا من السنن المتنوعة ، تارة يتوضأ ويغسل قدميه كاملة ، ولا يغسلها مع الغسل وتارة يتوضأ ويترك غسل قدميه ويغسلهما مع الغسل كيف نجمع بين الحدثين ؟
لأن عائشة ذكرت " أنه توضأ وضوءه للصلاة 189" ، وهذا يشمل غسل القدمين ، وميمونة : ذكرت " أنه تنحى عن مقامه فغسل قدميه 190" ، فقال بعض العلماء في الجمع : أن المكان كان فيه شيء من الطين ، فاحتاج النبي ( أن يغسل قدميه مرة أخرى .
أو نقول في الجمع : أنه في بعض الأحيان يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً ولا يغسل قدميه ، وفي بعض الأحيان يترك غسل القدمين مع الوضوء ، ويغسلهما مع الغسل ، وبعد غسل القدمين يذكر الأذكار التي تقدمت في الوضوء." والمجزئ أن ينوي ويسمي ويعم بدنه غسلاً مرة " تقدم لنا : أن المجزئ هو الذي يشتمل على الشرائط والواجبات دون المستحبات ، فيكفي أن ينوي ويسمي ، لأنهم يرون التسمية واجبة ، ويعم بدنه بالماء مع المضمضة ، والاستنشاق ، لأن الأنف والفم - كما تقدم لنا - من الوجه ، فالغسل المجزئ تنوي وتعمم بدنك بالماء ويكفي هذا . " ويسن وضوء بمد واغتسال بصاع " ، يسن أن يتوضأ بالمد ، وأن يغتسل بالصاع ،
لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي ( كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع3" وهذا في
وكره اسراف وإن أسبغ بدونه أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحين ، فيستحب للإنسان أن يقتصر في وضوءه على المد وفي غسله على الصاع .(1/166)
الوضوء أيضاً ورد في السنة بثلثي مد ، وأما ثلث مد فهذا لا أصل له .
" وكره اسراف " أي يكره للإنسان أن يسرف بالماء لقول النبي عليه الصلاة والسلام (سيكون أقوام من أمتي يعتدون في الطهور والدعاء 191) فالإسراف هذا مكروه
وأيضاً يدل لذلك عمومات النهي عن الإسراف كقوله تعالى {ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } الآية
وكيف يكون عدم الإسراف ؟
يعني كان الناس في الزمن السابق يتوضئون بالإناء يتوضئون بالجفنه ونحو ذلك لكن في وقتنا الآن قد لا يوجد الإناء أو جفنه يجمع فيهما الماء ويتوضأ منه .
فنقول : ضابط العدل وعدم الإسراف أن يقتصر الإنسان على السنة ولا يزيد على السنة لا يزيد على الثلاثة في بعض الأحيان كما قلنا , بعض الأحيان يتوضأ مرتين وأيضاً يكون صب الماء معتدلاً فإذا كان كذلك يكون هذا عدم الإسراف
" وإن أسبغ بدونه " أي أسبغ بدون المد الوضوء وبدون الصاع في الغسل يجزئ لو أن الإنسان توضأ بأقل من مد أو إغتسل بأقل من صاع فنقول بأن هذا حكمه مجزئ,
" أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى " هنا ذكر المؤلف رحمه الله صور النية:
أو نوى بغسله الحدثين أو استباحة الصلاة كفى ويسن لجنب غسل فرجه ووضوءه لنوم....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 -قوله " أو نوى بغسله الحدثين " أن ينوي رفع الحدثين فنقول : هذا يجزئ ويرتفع عنه الحدثان,
1- أن ينوي رفع الحدث الأكبر فهل يرتفع الأصغر أو لا يرتفع ؟
هذا موضع خلاف والصواب أنه يرتفع,
2- قوله " أو استباحة الصلاة " أن ينوي ما تجب له الطهارة كأن ينوي بغسله أن يصلي ما نوى رفع الحدث ، لكن نوى أن يغتسل لكي يصلي فنقول يرتفع عنه الحدثان .
3- الصورة الرابعة " أن ينوي الحدث ويطلق " ما ينوى رفع الحدث الأكبر وإنما نوى رفع الحدث ، فنقول : بأنه يجزئ ويرتفع عنه الحدثان .(1/167)
4- الصورة الخامسة " أن ينوي ما يسن له الغسل " مثل غسل الجمعة - على القول بأنه مستحب - فإذا اغتسل للجمعة ، هل يرتفع الحدث الأصغر أولا ؟ وهل يرتفع الحدث الأكبر أو لا ؟
الصواب : أنه يرتفع إذا نوى غسل الجمعة مثلاً وعليه حدث أكبر وهو ناسٍ الحدث الأكبر ، فنقول : بأنه يرتفع الحدث الأكبر .
" ويسن لجنب غسل فرجه ووضوءه لنوم .. " ، يسن لمن عليه جنابة ، وكذلك أيضاً ألحق العلماء الحائض والنفساء لمن عليه جنابة إذا أراد أن ينام أن يغسل فرجه ، وأن يتوضأ
وأكل وشرب ومعاودة وطء....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضوءه للصلاة ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( : " كان إذا أراد النوم وعليه جنابة غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة 192" .
وأيضاً حديث عمر رضي الله عنه أنه سأل النبي ( أيرقد أحدنا وهو جنب؟ فقال النبي ( : نعم إذا توضأ 193"
والعلماء رحمهم الله يقولون : يكره للجنب أن ينام وهو على غير طهارة ، فيستحب له وترك ذلك مكروه .
" وأكل وشرب " وأيضاً إذا أراد الجنب أن يأكل أو أن يشرب يستحب له أن يغسل فرجه ، ويتوضأ وضوءه للصلاة ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم ، أن النبي ( رخص للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ 194".
" ومعاودة وطء " أي : إذا جامع ثم أراد أن يجامع مرة أخرى ، فيستحب له ما تقدم ، ودليل ذلك قول النبي ( : " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءا4 " ، فهذه مستحبة ، يعني : يستحب الوضوء وغسل الفرج إلى آخره ، وإن رفع الحدث الأكبر هذا أحسن ، ولا يكره الأكل والشرب أو الجماع مرة ثانية وهو جنب ، هذا غير مكروه ، إلا فيما يتعلق بالنوم ، النوم هو الذي قال العلماء رحمهم الله على أنه يكره أن ينام وهو جنب(1/168)
ويباح حمام مع أمن محرم مع أمن محرم..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويباح حمام مع أمن محرم " الحمام : هذه كانت وجدت في أواخر عهد الصحابة لما حصلت الفتوحات وجدت هذه الحمامات ، وهي المغتسلات العامة ، ويكون ماءً مسخناً ، إلى آخره ، ويأتيه الرجال ويغتسلون ، وقد يكون هناك حمام للنساء ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله : يباح للرجل أن يدخل حمامات الرجال والمرأة تدخل حمامات النساء ، بشرط ، قال :
" مع أمن محرم " ، وذلك بأن يسلم من النظر إلى عورات الناس ، وأن يسلم الناس من النظر إلى عورته ، فإذا كان كذلك أجزأ ، وأما إذا كان سيوقع في المحرم فإنه لا يجزئ
باب التيمم....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب التيمم
مناسبة هذا الباب لما قبله : أن المؤلف رحمه الله لما ذكر الطهارة بالماء ذكر بدلها، وهو : الطهارة بالصعيد الطيب ، والتيمم من خصائص هذه الأمة ،
الصعيد الطيب (ما تصاعد على وجه الأرض) لم يجعل طهوراً إلا لهذه الأمة ، والأدلة على ذلك كثيرة ، كحديث جابر وحديث حذيفة رضي الله تعالى عنهما ،
ففي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي ( قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي " وذكر من هذه الخمسة " وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل فعنده مسجده وطهوره 195" .
" باب التيمم " التيمم في اللغة : القصد .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل بمسح الوجه والكفين بالصعيد الطيب على وجه مخصوص .
والأصل في التيمم : الكتاب والسنة والإجماع ،
أما الكتاب : فقول الله تعالى ( فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً } ،(1/169)
التيمم بدل عن طهارة ماء عند عجز عنه شرعاً فإذا دخل وقت فرض أو أبيح نفل..............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما السنة : كما أسلفنا من حديث جابر وحديث حذيفة وحديث عمران ، وحديث عمار رضي الله عنهم ،
والإجماع : منعقد على مشروعية التيمم عند وجود شرطه .
" التيمم بدل عن طهارة ماء عند عجز عنه شرعاً " ، التيمم بدل عن طهارة الماء ، فلا يجوز عند وجود الماء والتمكن من استعماله ، وإنما يشرع التيمم عند عدم الماء أو لتعذر استعمال الماء ، كما سيأتي بيانه .
" فإذا دخل وقت فرض أو أبيح نفل " يفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن التيمم لا يباح إلا بعد دخول وقت الفرض أو النافلة المؤقتة ، إذا أراد أن يتيمم للنافلة ، يعني : إذا أراد أن يتيمم لصلاة مؤقتة فإنه لا يتيمم لها إلا بعد دخول وقتها ، وإن كانت الصلاة النافلة غير مؤقتة ، كانت مطلقة ، فإنه يتيمم إذا أبيحت ،
فمثلاً: إذا أراد أن يصلي صلاة الظهر لا يتيمم إلا بعد دخول وقت صلاة الظهر - بالزوال - وإذا أراد أن يصلي سنة الظهر القبلية ، لا يتيمم إلا بعد دخول وقتها ، وقت السنة القبلية ووقت السنة القبلية : هو وقت الصلاة .
وإذا أراد أن يتيمم لنافلة مطلقة -كتطوع المطلق- فإنه لا يتيمم له إلا بعد خروج وقت النهي ، لأن النفل المطلق لا يشرع في أوقات النهي ، فإن تيمم في وقت النهي يكون تيمم له قبل وقته ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله مبني على مسألة : وهي هل التيمم مبيح أو رافع؟
والعلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان :(1/170)
1 - الرأي الأول : أن التيمم مبيح ، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أو كما يؤخذ من كلامه رحمه الله ، وهو قول الإمام مالك والشافعي رحمهما الله .
2 - الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله : أن التيمم رافع وليس مبيحاً . ولكل منهم دليل أما الذين قالوا : بأنه مبيح ، استدلوا بأدلة ، من هذه الأدلة حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه : لما أجنب وخشي على نفسه إن اغتسل من شدة البرد ، فتيمم وصلى بأصحابه ، فقال النبي ( : " صليت بأصحابك وأنت جنب196" فسماه النبي ( جنباً ، مما يدل على أن حدثه لم يرتفع- الجنابة لم ترتفع- وإنما أبيح له أن يصلي بالتيمم ، وكذلك أيضاً استدلوا بقول النبي ( في حديث أبي ذر رضي الله عنه " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته 197" ، قال " وليمسه بشرته " ، هذا يدل على أنه ليس رافعاً ، حديث عمران رضي الله عنه في صحيح البخاري ، في قصة الرجل الذي أجنب ولم يجد ماءاً ، فقال النبي ( " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " فلما جاء الماء قال النبي ( " خذ هذا فأفرغه عليك 198" مما يدل على أنه مبيح وليس رافعاً .
والذين قالوا : بأنه رافع استدلوا بأن النبي ( سماه طهوراً وسماه وضوءاً ، والطهور مطهر
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" الصعيد الطيب وضوء المسلم " " طهور المسلم " وهذا يدل على أنه رافع وليس مبيحاً ، وأيضاً أن الله عز وجل جعله بدلاً عن طهارة الماء ، والأصل : أن البدل يأخذ حكم المبدل
قال الله تعالى ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً(1/171)
طيباً } ، فالبدل يأخذ حكم المبدل ، وهذا هو القول الصواب ، أنه رافع وليس مبيحاً ،
وأن الفرق بينه وبين الماء : أن الماء يرفع رفعاً مطلقاً ، وأما التيمم فإنه يرفع رفعاً مقيداً ، يرفع الحدث إلى وجود الماء أو القدرة على استعماله ، إذا كان التيمم لتعذر استعمال الماء بسبب مرض ونحوه كما سيأتي إن شاء الله .
وأما قول النبي ( لعمرو بن العاص رضي الله عنه " صليت بأصحابك وأنت جنب 199" ، فالجواب عن هذا : أنه كما تقدم أن التيمم لا يرفع رفعاً مطلقاً ، وإنما يرفع رفعاً مؤقتاً ، فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل ، لأن التيمم رفع عنه الحدث إلى وجود الماء ، فلا يزال أثر الحدث باقياً عليه .
والجواب الثاني : أن النبي ( أقره على ذلك ، ذكر أنه خشي على نفسه ، وأقره النبي ( على تيممه ، فالنبي ( قال :" صليت بأصحابك وأنت جنب " فلما ذكر له عذره في ذلك أقره النبي ( على ذلك .
وأما قول النبي ( " فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته " وقوله في حديث عمران "
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفرغه عليك 200" ، الجواب كما تقدم أن هذا محمول على أنه يرفع رفعاً مقيداً ، وليس مطلقاً .
هذا الخلاف هل هو رافع أو مبيح يترتب عليه مسائل :(1/172)
1 - المسألة الأولى : مما يترتب على هذا الخلاف : هل يشترط لصحة التيمم دخول الوقت أو ليس شرطاً ؟ فإذا قلنا بأنه مبيح ، فإنه يشترط ، وإذا قلنا بأنه غير مبيح ، فإنه لا يشترط ، وعلى هذا ما ذكره المؤلف رحمه الله هذا فيه نظر ، فلا يشترط للتيمم دخول الوقت ، وعلى هذا لو أنه لم يجد الماء وتيمم لصلاة الظهر قبل دخول وقتها نقول : بأن تيممه صحيح
2 - المسألة الثانية : هل يبطل التيمم بخروج الوقت أو لا يبطل ؟ إذا قلنا بأنه مبيح ، فإنه يبطل بخروج الوقت ويحتاج إلى أن يتمم مرة أخرى بعد دخول وقت الصلاة التي تليه ، وإذا قلنا بأنه رافع كالماء ، فإنه لا يبطل بخروج الوقت .
3 - المسألة الثالثة : أنه إذا قلنا بأنه مبيح ، فلابد أن يعين ما يتيمم له من عبادة لابد أن يعين العبادة ، التي يتيمم لها ، وهذه العبادة التي يتيمم لها يستبيحها ، وما كان مثلها ودونها ، ولا يستبيح ما هو أعلى منها ، مثال ذلك : تيمم للسنة الراتبة ، فإنه يستبيح السنة الراتبة ، وما كان دونها ، دون السنة الراتبة ، كمس المصحف له أن يمس المصحف ، لكن ما فوقها ليس له ذلك ، فمثلاً : هل له أن يصلي صلاة الفرض بهذا التيمم أو ليس له ذلك ؟ نقول : ليس له ذلك .
وعدم الماء.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويرتبون العبادات - يذكرونها مرتبة - بحيث أنه إذا نوى هذه العبادة ، فإنه يستبيحها ومثلها وما كان دونها ، إذا كان هناك أعلى منها فإنه لا يستبيح الأعلى ، وأعلى الشيء فرض العين ، فصلاة الظهر فرض عين ،
مثلاً : إذا نوى التيمم لصلاة الظهر ، فإنه يستبيح صلاة الظهر ، وما كان دونها ، يعني يستبيح صلاة الظهر وفرض الكفاية والنذر ومس المصحف وطواف النفل ، وطواف الفرض إلى آخره - كما سيأتي إن شاء الله - وعلى هذا هم يرتبون العبادات كما سيأتي بيان ذلك(1/173)
" وعدم الماء " متى يباح التيمم ؟ يباح التيمم إذا لم يقدر على استعمال الماء حقيقة أو حكماً :
حقيقة : عدم الماء ، لم يكن الماء عنده ولا قريباً منه عرفاً ، فإن كان الماء عنده أو كان قريباً منه عرفاً ، فإنه يجب عليه أن يذهب إليه .
أو حكماً : أن يكون الماء موجوداً لكن لا يتمكن من استعماله للمرض يخشى زيادة المرض يخشى لو ذهب إليه على نفسه من عدو أو سبع يخشى على ماله .
المهم التيمم يباح إذا عدم الماء حقيقة أو حكماً ، وحقيقة - كما قلنا - إذا لم يجد الماء بالكلية ، أو حكماً إذا كان واجداً للماء ، لكن لا يتمكن منه إما لكونه مريضاً إلى آخره ، كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
" وعدم الماء " ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماءاً }، ولم يذكر المؤلف
أو زاد على ثمنه كثيراً.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحمه الله ضابط العدم ،
وضابط العدم : هو أن لا يجد الماء في رحله - في منزله- ولا قريباً منه ، أي لابد أن يبحث عن الماء .
فإن كان في رحله أو كان قريباً منه فإنه ليس عادماً ، وإن كان بعيداً عرفاً فإنه عادم وله أن يتيمم .
ويجب طلب الماء ، لأنه لا يكون عادماً إلا بعد الطلب ، والله عز وجل قال ( فلم تجدوا } فلا يكون غير واجد إلا بعد الطلب فلابد أن يطلب الماء .
" أو زاد على ثمنه كثيراً " هذا عدم للماء حكماً ، يعني : الماء موجوداً ويباع لكنه زاد على ثمنه كثيراً ، ولم يذكر المؤلف رحمه الله ضابط الكثرة ، فيرجع فيها إلى العرف فينظر إلى الزيادة هذه ، إن كانت الزيادة قليلة عرفاً فيجب عليه أن يشتري،
مثلاً : الماء اللتر في العادة يباع بريال ، فأصبح بريال ونصف أو بريالين هذه الزيادة يسيرة عرفاً ، لكن لو أصبح بعشرة ريالات أو سبعة ريالات ، هذه كثيرة عرفاً ،(1/174)
فنقول : ننظر إلى الزيادة ، إن كانت الزيادة يسيرة عرفاً فإنه يجب عليه أن يشتريه ، لأن الوضوء الواجب وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ، وإن كانت كثيرة عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يشتريه ،
فمثلاً : سبعة ريالات هذه كثيرة عرفاً للتر واحد ، لأن اللتر في العادة يكون بريال واحد
أو خاف باستعماله ضرر بدنه أو رفيقه................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال بعض العلماء : لا يقيد بالكثرة والقلة عرفاً ، وإنما يقيد بالإجحاف ، يعني : إذا كانت الزيادة تجحف بماله فإنه لا يجب عليه أن يشتريه ، وإذا كانت لا تجحف بماله ، فإنه يجب عليه أن يشتريه ،
فمثلاً : رجل مسافر ووجد الماء يباع ومعه مائة ريال ، ويباع بعشرة ريالات ، عشرة ريالات هذه لا تجحف لكن لو كان ما معه إلا ثلاثين ريال والباقي يحتاجه ، فهنا يجحف ، فقيده بعض العلماء بالإجحاف ، بإجحاف المال ، هذه الصورة الأولى ذكر المؤلف رحمه الله من عدم الماء حكماً .
" أو خاف باستعماله ضرر بدنه " الصورة الثانية : إذا خاف باستعمال الماء ضرر بدنه كإنسان مريض مثلاً فيه حمى ، أو فيه قروح انتشرت في بدنه ، وإذا استعمل هذا الماء يتضرر بدنه ، إما بزيادة المرض أو بالهلاك أو فوات منفعة ، أو بتأخر البرء ، أو يبقى أثر يشين الجسم بعد البرء ، هذه كلها صور للضرر ،
المهم إذا كان سيلحق بدنه ضرر إذا استعمله فنقول : يعدل إلى التيمم .
" أو رفيقه " هذه الصورة الثالثة : خاف باستعماله ضرر رفيقه ، يعني عنده ماء وإذا استعمله فإن رفيقه سيعطش ، فنقول : يتيمم ويترك هذا لرفيقه لكي يشربه ، لأن حرمة هذا الرفيق مقدمة على الصلاة ،
ويشترط لهذا الرفيق أن يكون محترماً ، فإن كان غير محترم بأن يكون مباح الدم كالمرتد
أو بهيمة محترمة تيمم ومن وجد ماءً يكفي بعض طهره استعمله ثم تيمم "....................(1/175)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أو زاني محصن ولم يتب أو حربي - بينه وبينه حرب - (كافر) فهنا يستعمل هذا الماء لأن هذه النفس ليست محترمة .
" أو بهيمة محترمة تيمم " هذه الصورة الرابعة : خاف باستعمال الماء ضرر بهيمة محترمة ، هذا الماء إما أن يستعمله وإما أن يتركه لهذه البهيمة لكي تشربه ،
فنقول : أتركه لهذه البهيمة لكي تشربه لكن يشترط لهذه البهيمة أن تكون محترمة ، فإن كانت غير محترمة كالخنزير أو الكلب العقور أو السبع أو الذئب أو الأسد ونحو ذلك ، هذه ليست محترمة ، بل السنة قتلها - السنة قتل كل ما كان مؤذٍ طبعاً-
فنقول : يستعمل الماء ولو هلكت .
الصورة الخامسة : لو خاف باستعماله ضرر ماله - هلك ماله - أو خاف على حرمته ، مثال : لو ذهب يطلب الماء يخشى على ماله من السرقة أو يخشى على أهله ،
نقول : بأنه يتيمم .
الصورة السادسة : إذا كان يلحقه باستعمال الماء حرج ومشقة كمريض ، الماء عنده قريب ، لكن إذا قام من منامه ، مثلاً : في المستشفى وقد أجرى عملية وإذا قام سيذهب إلى الماء ، يلحقه ضرر ومشقة يحرج ويتعب فإنه يتيمم في هذه الحالة .
" ومن وجد ماءً يكفي بعض طهره استعمله ثم تيمم " مثلاً : رجل وجد الماء يكفي للمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه ، نقول : استعمل والباقي تيمم عنه ، يعني : تمضمض
والجريح يغسل الصحيح ويتيمم لما يضره الماء مرتباً متوالياً في حدث أصغر.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واستنشق واغسل وجهك ، والباقي تيمم عنه ،
ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فاتقوا الله ما استطعتم } ،
وأيضاً قول النبي ( : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم 201" ،
وهذا هو المذهب والشافعية .
وعند الحنفية والماليكة ، أنه يعدل إلى التيمم ،
والأظهر ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية .(1/176)
ومثل ذلك أيضاً : لو كان الإنسان عنده مرض لا يستطيع استعمال الماء في بعض أعضائه ، مثلاً : عنده مرض في فمه أو في أنفه، لا يستطيع استعمال الماء - لا الغسل ولا المسح- فإنه يعدل إلى التيمم عن هذا الجزء .
" والجريح يغسل الصحيح ويتيمم لما يضره الماء مرتباً متوالياً في حدث أصغر " الجريح : هذا تقدم أن تكلمنا عليه في المسح على الخفين ، وذكرنا أن الجريح ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : أن يكون عليه جبيرة ونحو ذلك مما يوضع على الكسور والجروح إلى آخره ، فهذا يمسح على جميع الجبيرة ، ولا يكتفي بأن يمسح على الأعلى فقط ، وهذا يقع فيها بعض المرضى يمسح على الأعلى يظنها كالخف ، وهذا غير صحيح ، بل يجب عليه أن يمسح على جميع الجبيرة ، أعلاها وأسفلها .
مرتبا متواليا........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- القسم الثاني : أن لا يكون عليه جبيرة أو خرقة ونحو ذلك مما يستعمل من الجبس والقطن والشاش ، ويتمكن من غسل الجرح فإنه يمسحه إن كان يتمكن منه ، ولا حاجة إلى التيمم .
3 - القسم الثالث : ليس عليه شيء من الجبائر أو اللصوق ، ويضر الغسل والمسح ، فهنا يعدل إلى التيمم .
" الجريح يغسل الصحيح " الجريح يغسل الصحيح ، فإذا كان الجرح مثلاً في يده اليسرى فإنه يغسل الصحيح ، يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويغسل يده اليمنى وأيضاً يغسل الصحيح من يده اليسرى وأما الجرح فكما تقدم ذكرنا أقسامه ، ثم بعد ذلك يمسح رأسه ويغسل رجليه ، إذا كان يضره الغسل أو المسح كما تقدم فإنه يتيمم .
" مرتباً متوالياً " قال المؤلف رحمه الله لابد في التيمم من أمرين :
1 - الأمر الأول : الترتيب . …2 - الأمر الثاني : التوالي .
وكيف الترتيب ؟(1/177)
الترتيب : إذا غسل الصحيح ثم جاء إلى موضع الجرح ولا يستطيع أن يغسله أو أن يمسحه فإنه يتيمم في أثناء الوضوء ،
مثال ذلك : رجل في يده اليسرى جرح وهذا الجرح لا يستطيع أن يغسله ولا أن يمسحه بالماء نقول : يجب عليك أن تتيمم عنه ، فيتوضأ يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق ويغسل يده
في حدث أصغر........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليمنى ثم يغسل الصحيح من يده اليسرى ، ثم بعد ذلك يتيمم في أثناء الوضوء.
فينشف يديه ثم بعد ذلك يضرب التراب ثم يمسح وجهه وكفيه ، ثم بعد ذلك يواصل الوضوء ، فيمسح رأسه ويغسل رجليه ، هذا معنى الترتيب ، يعني : يتيمم إذا جاء محل الجرح الذي لا يستطيع أن يغسله أو أن يمسحه ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أنه لا يجب الترتيب ، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله : الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة ،
الصحيح أنه إذا انتهى من وضوءه أو من غسله أنه يتيمم ، ولا حاجة إلى أن يتيمم بين أعضاء الوضوء .
" متوالياً " أيضاً لابد من التوالي - ما يفصل- ما يكون هناك فاصل طويل بين التيمم وبين ما يغسل من الأعضاء ، أي : لابد أن يتيمم في أثناء الوضوء ولابد أن يكون هناك توالي
وأيضاً الصواب في هذه المسألة : أنه لا حاجة إلى الموالاة ،
وعلى هذا يتيمم بعد نهاية الوضوء أو الغسل ، وسواء تيمم بعد نهاية الوضوء مباشرة أو تيمم بعد فترة ، فقد يتوضأ الإنسان ثم إذا مضى فترة تيمم عن هذا الجرح ، أو يغتسل ثم بعد ذلك إذا مضى فترة تيمم عنه ، فهذا صواب ولا يشترط التوالي ، لأن كلاً منهما عبادة مستقلة ولا تلازم بينهما ، هذا الصواب في هذه المسألة .
" في حدث أصغر " أي : إذا تيمم عن حدث أصغر ، أما إذا تيمم عن حدث أكبر(1/178)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيقولون : بأن الترتيب والتوالي ليس واجباً ، وعلى هذا لو كان في يده اليسرى جرح وأصابته جنابة ، فإنه يغسل الصحيح ، يغسل رأسه وسائر بدنه إلا موضع الجرح فإنه يتيمم عنه ، ولا يتمم عنه في أثناء الغسل على المذهب ولو تيمم عنه بعد نهاية الغسل فإن هذا جائز ولا بأس به ، فالموالاة ليست بلازمة والترتيب ليس بلازم . لماذا فرقوا بين الحدث الأصغر والأكبر ؟
لأنهم يفرقون بين الحدث الأصغر والأكبر في طهارة الماء ، فكذلك في طهارة التراب ، لأن التراب بدل ، فمثلاً : في الوضوء بالماء : يجب الترتيب والموالاة ، لكن الغسل ما يجب الترتيب ولا الموالاةمثلاً : لو أردت أن تغسل عن الجنابة فإنه ما يجب الترتيب تبدأ برجليك أو تبدأ برأسك أو تبدأ من وسطك كل هذا جائز فما دام أن الترتيب ليس واجباً في طهارة الماء في الحدث الأكبر فكذلك أيضاً الترتيب ليس واجباً في طهارة التراب في الحدث الأكبر .كذلك أيضاً التوالي على المذهب أنه ليس واجباً في الغسل .مثلاً : لو أن إنسان عليه جنابة وغسل رأسه ثم بعد فترة غسل بقية بدنه فإنه يصح على المذهب ، التوالي ليس واجباً في الحدث الأكبر .
وكذلك أيضاً التيمم عن الحدث الأكبر لا يشترط فيه التوالي .فيقولون : بأنه يتيمم ولا يجب عليه الترتيب ولا التوالي إذا كان عن حدث أكبر ، أما إذا كان عن حدث أصغر فإنه يجب عليه الترتيب والتوالي . الصواب في هذه المسألة نقول : الترتيب والتوالي لا يخلوا من أقسام :(1/179)
..............................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ…
1 - القسم الأول : الترتيب والتوالي في الحدث الأصغر إذا كان بطهارة الماء فهذا واجب ، كما تقدم لنا ، أن الترتيب والتوالي من أركان الوضوء .
2 - القسم الثاني : الترتيب والتوالي في الحدث الأكبر إذا كانت الطهارة مائية ، فنقول الصواب : أن الموالاة واجبة ، وأما الترتيب فليس واجباً ، لو بدأ من الأسفل أو بدأ من الأعلى كل هذا جائز ، لأن البدن كالعضو الواحد ، كما لو أن الإنسان أراد أن يغسل يده اليمنى ، فسواء بدأ من أطراف الأصابع أو بدأ من المرفق كل هذا جائز ولا بأس به .
3 - القسم الثالث : الترتيب والتوالي إذا كانت الطهارة بالصعيد الطيب ، فنقول : بأن الترتيب والتوالي يجب مطلقاً ، سواءً كانت الطهارة عن حدث أكبر أو عن حدث أصغر فيجب أن يرتب بين مسح الوجه ومسح الكفين ، ويجب أن يوالي لأن صفة التيمم واحدة ، سواء كانت عن حدث أصغر أو أكبر.
4 - القسم الرابع : الترتيب والتوالي : إذا كان التيمم لأجل الجرح فنقول: الصواب : أن الترتيب والتوالي إذا كان التيمم لأجل الجرح ، أنه لا يجب ، سواء كان ذلك في طهارة الحدث الأصغر أو كان ذلك في طهارة الحدث الأكبر . وعلى هذا لو كان الإنسان في يده جرح ، فإنه يتوضأ ، وهذا الجرح إذا كان لا يستطيع أن يغسله ولا أن يمسحه ، نقول : إذا انتهيت تيمم ، فلا يجب الترتيب بحيث أنه يفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم ، ولا يجب التوالي ، سواء تيمم بعد الوضوء مباشرة أو تيمم بعد نصف ساعة أو ساعة إذا حضرت الصلاة .(1/180)
ويجب طلب ماء في رحله وقربه..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومثله أيضاً إذا اغتسل نقول : تغتسل ، وتغسل الصحيح إلا الجرح الذي يضرك غسله أو مسحه تتيمم عنه بعد نهاية الغسل ، ولا يشترط الترتيب ولا التوالي ، فإذا أراد أن يصلي تيمم عن هذا الجرح .
" ويجب طلب ماء في رحله " يجب طلب الماء ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً? ، ولا يقال للإنسان بأنه لم يجد الماء إلا بعد الطلب ، فإذا عدم الإنسان الماء ، أو كان الإنسان في سفر وليس عنده ماء أو عنده ماء يحتاج للشرب أو للطعام ، فإنه يجب عليه أن يبحث عن الماء .
وأين يبحث عن الماء ؟
قال : " في رحله " أي في بيته ، وفي خيمته ، وفي أثاثه ، " ما يسكنه من البيت والخيمة والأثاث " يجب عليه أن يبحث في ذلك ، فقد يكون هناك ماء وهو لا يدري به .
" وقربه " أي : ما يقرب منه عرفاً من جهة الجنوب والشمال والغرب والشرق، كل ما كان قريباً منه عرفاً يجب عليه أن يقصده ، إذا كان بعيداً عرفاً ، فهذا ما يجب عليه أن يقصده.
وهذا يختلف أيضاً باختلاف الزمان والمكان ، مثل عندنا الآن ، إذا كان الإنسان
مثلاً : في الصحراء وما عنده سيارة وقريب عرفاً فهذا يجب عليه ، لكن إذا كان بعيداً عرفاً مثل : كيلو أو أربعة كيلو هذا ما يجب عليه أن يذهب إليه بل يتيمم ، وإذا كان معه
ومن رفيقه وبدلالة بلا ضرر...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيارة ، هذه كيلوين ثلاث كيلو هذا قريب ، لكن عشرة كيلو ، عشرين كيلوا ، هذا بعيد ، ما يجب عليه أن يذهب ويتيمم ،(1/181)
المهم : أن هذا يختلف فإذا كان قريباً عرفاً يجب عليه أن يذهب إليه ، إذا كان بعيداً عرفاً ما يجب عليه أن يذهب إليه ، وكما قلنا هذا يختلف باختلاف المكان ويختلف باختلاف الشخص ، قد يكون كبير في السن لا يستطيع أن يمشي يتعب مثلاً لو مشى كيلو هذا بعيد عرفاً بالنسبة له ، هذا نقول : تيمم ، وقد يكون شاب نشيط يستطيع أن يمشي كيلو ، فهذا قريب عرفاً بالنسبة له .
" ومن رفيقه " أيضاً ، يسأل رفيقه إذا كان معه رفيق هل معه ماء ؟ أين يباع الماء؟ أين مكان الماء ؟ ويسال من حوله ، لأنه ربما يكون الماء منه قريب ، وهو لا يدري ، فلابد أن يبرئ ذمته ، وأن يسأل .
" وبدلالة بلا ضرر " إذا دله ثقة على الماء فإنه يجب عليه أن يذهب إليه
" بلا ضرر " فإذا كان لو ذهب إلى الماء يتضرر حتى ولو كان قريباً عرفاً ، يخشى على نفسه من عدو أو من سبع ، يخشى على حرمته ، يخشى على ماله من أن يسرق ، من أن يضيع ، فنقول : لا يجب عليه .
الخلاصة : أن الإنسان يجب عليه أن يبحث عن الماء في رحله وفيما قاربه عرفاً بلا ضرر ، يعني : يجب عليه أن يبحث عنه في مكانه ويجب عليه أيضاً أن يذهب إليه إذا كان قريباً عرفاً
قبله فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد ويتيمم لكل حدث.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط عدم الضرر إما إن كان بعيداً عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يذهب إليه ، وإن كان هناك ضرر فإنه لا يجب عليه أن يذهب إليه .
" قبله " أي : أنه يجب عليه أن يطلب الماء ويبحث عنه قبل التيمم ، ودليل ذلك كما تقدم قول الله عز وجل ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً? .
" فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد " إن نسي قدرته على الماء ،مثلاً : نسي أن في البيت ماء ، نسي أن في هذا المكان الفلاني الماء - هو يعلم أنه فيه ماء ولكنه نسي- ثم تيمم ،(1/182)
فيقول المؤلف رحمه الله بأنه يعيد ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى ، وأنه يجب عليه أن يعيد لأن الطهارة بالماء هي الأصل ، وهذا من باب الأوامر ولا يعذر فيها بالنسيان ما دام أنه يقدر على ذلك .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه إذا نسي فإنه لا تجب عليه الإعادة لقول الله عز وجل ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ? .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، هذا هو أقرب وأحوط ، أنه إذا نسي قدرته على الماء أنه يعيد ، يتوضأ بالماء ويعيد الصلاة .
" ويتيمم لكل حدث " شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يتيمم له ، قال " يتيمم لكل حدث " ، وهذا يشمل الحدث الأصغر والأكبر ، فيتيمم للحدث الأصغر ، ويتيمم للحدث الأكبر ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم
والنجاسة ببدن تضره إزالتها..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً? ، فقال ( أو جاء أحد منكم من الغائط? ، هذا الحديث الأصغر ( أو لامستم النساء? فهذا الحدث الأكبر (الجماع) ، فقال الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً? ، هذا الأمر الأول الذي يتيمم له .
" والنجاسة ببدن تضره إزالتها " هذا الأمر الثاني : أنه يتيمم للنجاسة
مثلاً : إذا كان على بدنه نجاسة ، فإنه يتيمم لها إذا كان يضره إزالتها ،
وقيد المؤلف رحمه الله النجاسة بقيدين :
1 - أن تكون بالبدن ، وعلى هذا إذا كانت النجاسة في الثوب فإنه لا يتيمم.
2 - تضره إزالتها ، مثلاً : إذا كان عليه نجاسة ، مثلاً في ساقه نجاسة ، ولو غسل النجاسة يضره ذلك (مثلاً فيه جرح يضره ذلك) ، أو الماء يسير لو ذهب وغسل النجاسة فني الماء الذي معه .
3 - وزادوا قيد ثالث : أن لا يعفى عنها . هذه ثلاثة قيود :(1/183)
النجاسة التي لا يتيمم لها
1 - تضره إزالتها .
2 - أن تكون بالبدن خاصة .
3 - هذه النجاسة لا يعفى عنها .
ولو حضراً أو عدم ما يزيلها....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وسيأتينا -إن شاء الله- في باب إزالة النجاسات ، ما هي التي يعفى عنها والتي لا يعفى عنها .
فإذا كان كذلك يتيمم لها ، مثال ذلك : هذا رجل في ساقه جرح (الساق ما يجب غسله في الوضوء) ، وعليه نجاسة -أصابه نجاسة- لو غسل الجرح تضرر ، والنجاسة كثيرة لا يعفى عنها ، نقول : يتيمم لهذه النجاسة وهذا هو المشهور من المذهب.
وعند جمهور أهل العلم أن النجاسة لا يتيمم لها أصلاً ، لأن الدليل إنما ورد بالتيمم عن الحدث فقط ، أما النجاسة فإنه لا يتيمم عنها ، فهذا هو الصواب .
وعلى هذا إذا كان في بدنه نجاسة فإنه لا يتيمم ، لكن يزيلها بما يقدر عليه ، فإن كان الماء يضره يترك الماء ، وإذا كان هناك تراب يزيل بتراب ، المهم يخففها بقدر ما أمكن أو يزيلها حسب ما يقدر ، أما التيمم فهذا لا يشرع لأنه لم يرد ،
وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وهو الصواب .
" ولو حضراً أو عدم ما يزيلها " أي : حتى ولو كان في الحضر فإنه يتيمم ، مثلاً : هو الآن في الحضر وإزالة النجاسة يضره ، فإنه يتيمم حتى ولو كان حضراً أي غير مسافر .
" أو عدم ما يزيلها " يعني : النجاسة إزالتها لا تضره لكن عدم ما يزيلها - عدم الماء - لأنه كما يأتينا على المذهب أنهم يرون : أن النجاسة (الخبث) تلحق بالحدث بحيث أنه لا يزال إلا بالماء ، يشترط الماء ،
بعد تخفيفها ما أمكن ولا إعادة..........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أن الماء ليس شرطاً في إزالة الخبث ، الخبث يزول بأي مزيل ،(1/184)
المهم : لو عدم ما يزيل به النجاسة فإنه يتيمم وهذا كله كما قلنا ،
والصواب في هذه المسألة : أنه لا يتيمم .
فأصبح الذي يتيمم عنه على المذهب : الحدث ، والنجاسة التي في البدن ، وقلنا : الصواب أن النجاسة التي في البدن لا يتيمم عنها مطلقاً ، لكن إذا قدر الإنسان أن يخففها خففها ، وإذا لم يقدر فإنه يصلي على حسب حاله ( و لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ? .
وأضاف شيخ الإسلام رحمه الله الأمر الثالث الذي يتيمم عنه ، هذا سيأتي نذكره بإذن الله
" بعد تخفيفها ما أمكن " يعني : أنه يتيمم بعد أن يخفف النجاسة ما أمكن ، وهذا كما قلنا
الصواب أنه : يخففها بالمسح أو الحك ، ونحو ذلك بما أمكن ، أو الغسل إن كان يتمكن ، وإذا كان لا يتمكن فإنه يصلي حسب حاله .
" ولا إعادة " أي : أنه إذا تيمم عن هذه النجاسة فإنه لا إعادة عليه ، لا يلزمه أن يعيد الصلاة مرة أخرى . إذا أزال هذه النجاسة ،
والصواب -كما ذكرنا - أن أصل التيمم عن النجاسة ، هذا فيه نظر - كما تقدم .
فإن عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط على حسب حاله........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" فإن عدم الماء والتراب صلى الفرض فقط على حسب حاله " مثلاً : رجل عدم الماء والتراب ،
وقوله " والتراب " هذا على المذهب كما سيأتينا إن شاء الله المذهب : أنه لا يتيمم إلا على تراب ، ويأتينا إن شاء الله مذهب الحنفية والماليكة ،
أن الصواب أنه يتيمم على كل ما كان من جنس الأرض ،
لكن المذهب يقولون : يشترط أن يكون المتيمم عليه تراباً ،
والصواب : أن هذا ليس شرطاً ،
ولو قال المؤلف رحمه الله " فإن عدم الماء والصعيد الطيب " لكان أحسن ،
لأن الصواب في هذه المسألة : أن التيمم يكون على كل ما تصاعد على وجه الأرض .(1/185)
" صلى الفرض فقط على حسب حاله " ويفهم من كلامه أنه إذا عدم الماء والتراب أو الصعيد على القول الثاني ، أنه يصلي على حسب حاله ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وهو مذهب الشافعية .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يصلي يمسك حتى يجد الماء أو يجد ما يتيمم عليه .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف والشافعية ، أنه يصلي حسب حاله إذا عدم الماء والتراب ، لأن الله عز وجل يقول ( فاتقوا الله ما استطعتم ? ، والنبي ( يقول "
ولا يزيد على ما يجزئ....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم 202" ، ولأن العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط ، كما لو عجز عن ستر العورة أو استقبال القبلة ، فإنه يصلي على حسب حاله .
وقوله " صلى الفرض فقط " ظاهر كلامه أنه لا يصلي النوافل وإنما يصلي الفروض فقط ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وهو المذهب .
والرأي الثاني : في المذهب : أنه يصلي الفروض والنوافل ، وهذا القول هو الصواب ، لأن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل ، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض ، إلا لدليل ، ولا دليل على التخصص .
فالصحيح : أنه يصلي الفرض والنفل مطلقاً .
" ولا يزيد على ما يجزئ " أي : يصلي الفرض ويأتي بالواجبات فقط ، يعني : يكبر ويقرأ الفاتحة ولا يقرأ السورة بعدها ، ويركع ويقول " سبحان ربي العظيم مرة " "سبحان ربي الأعلى في السجود مرة " رب اغفر لي بين السجدتين مرة ، المهم أنه يأتي بالمجزئ فقط ، وعلتهم في ذلك : يقولون : هذه صلاة ضرورة ، فتتقيد بالواجب ، إذ لا ضرورة للزائد ، وهذا كله ضعيف (يعني : قولهم ما يصلي إلا الفرض ولا يأتي إلا بالواجب ) .(1/186)
فالصواب في ذلك : أنه يصلي ويأتي بالواجبات وبالمستحبات وبالأقوال إلى آخره ، ما دام قلنا : أن هذه الصلاة مشروعة ومأمور بها ، فما الذي يوجب أن يقتصر على الواجب فقط ،
ولم يعد, و لا يصح تيمم إلا بتراب طهور مباح......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أنه يأتي بالفرض والمستحب ويأتي أيضاً بالفرض بالمجزئ والمستحب أيضاً ، يقرأ السورة ، ويزيد على تسبيح الركوع والسجود ، " ورب اغفر لي " .
" ولم يعد " أي : إذا صلى على حسب حاله بلا ماء ولا تيمم فلا يجب عليه الإعادة مرة أخرى ،
وهذا هو الصواب ، لأنه فعل ما أذن له به ، وما ترتب على المأذون غير مضمون .
" و لا يصح تيمم إلا بتراب طهور مباح " ما يتيمم عليه اشترط المؤلف رحمه الله فيه
أولاً : أن يكون بتراب ، وعلى هذا لا يصح أن يتيمم بغير التراب ، وهذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية ، ومذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم على كل ما تصاعد على وجه الأرض .
ودليلهم على اشتراط التراب ، حذيفة رضي الله عنه " وجعلت تربتها لنا طهوراً 203" ، وهذا في صحيح مسلم .
والرأي الثاني : كما قلنا : مذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم حتى على غير التراب ، كل ما تصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، فيصح التيمم على التراب وعلى الرمل ، وعلى الأرض السبخة ، وأيضاً على الصخرة ، يعني كل ما كان من جنس الأرض فإنه يتيمم عليه ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً? ،
طهور....................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/187)
والصعيد : كل ما تصاعد على وجه الأرض ، وأما قول ابن عباس رضي الله عنهما : تراب الحرث ، واستدلال الحنابلة به والشافعية ، فهذا تفسير بالمثال من ابن عباس رضي الله عنهما ، والصواب : أنه كل ما تصاعد على وجه الأرض . وأيضاً : كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه ، أن النبي ( قال " الصعيد الطيب وضوء المسلم 204" ، وذكر ابن قيم رحمه الله ، أن النبي ( كان يسافر ولم يكن يحمل معه التراب ، وإنما كانت الأماكن التي يمر عليها من الرمال وغير ذلك . فالصواب في ذلك : أن كل ما تصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، فيصح التيمم على الصخر وعلى التراب وعلى جدار الطين والجدار من الأسمنت (البليك) ، حتى ذكر الحنفية والالكية ، أنه لو تيمم على صخرة مغسولة صح ، ولو تيمم على تراب قد تندى (أصابته الرطوبة) صح ذلك ، وهذا القول هو الصواب .
" طهور " أي يشترط فيما يتمم عليه من التراب ، اشترط المؤلف رحمه الله بهذا التراب عدة شروط : 1 - أن يكون طهوراً ، ويؤخذ من كلام المؤلف
أن التراب كالماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - تراب طهور . 2- تراب طاهر .
3 - تراب نجس .
أما الطهور : فهذا يصح التيمم عليه بالاتفاق ، وأما النجس : فلا يصح التيمم عليه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالاتفاق ، لأن الله عز وجل قال : ( فتيمموا صعيداً طيباً? والطيب : هو الطاهر .
وبقينا من القسم الثالث " الطاهر" هل هناك تراب طاهر ، أو ليس هناك تراب طاهر ؟(1/188)
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : إثبات قسم الثالث ، وهو " الطاهر " والطاهر كما تقدم لنا كالماء هو المستعمل في رفع الحدث ، بمعنى : أن الإنسان ضرب الأرض ومسح وجهه وكفيه فالمتساقط من الوجه لو كان علق بالوجه شيء أو المتساقط من الكفين لو علق بالكفين شيء ، فهذا يسمى طاهر ، لأنه استعمل في رفع حدث . أما إذا ضربت على التراب ، فهذا لا ينقله إلى كونه طاهراً ، كالماء المغترف منه ، إذا اغترفت منه لا ينقله إلى كونه طاهراً ،
فالمراد بالطاهر هنا : هو المستعمل في رفع الحدث ، وهذا هو المذهب
والصواب في ذلك : كما سبق لنا أن الماء ينقسم إلى قسمين : طهور ونجس ، وكذلك أيضاً التراب ينقسم إلى قسمين : طهور ونجس ، وليس هناك قسم ثالث يسمى بالطاهر سواء كان ذلك تراباً أو كان ذلك ماءً ، وإنما هو الطهور والنجس فقط .
" مباح" 2 - الشرط الثاني : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا إذا كان التراب غير مباح كتراب مسروق أو مغصوب أو منتهب أو مختلس ونحو ذلك ، فإنه لا يصح التيمم عليه ، وهذا كما تقدم لنا في الماء قالوا : بأنه يشترط في الماء الذي يتوضأ به ويغتسل به أن يكون مباحاً ، فإن كان محرماً كمسروق ومغصوب ونحو ذلك ، فإنه لا يصح الوضوء ولا الغسل به ، فكذلك أيضاً هنا .
له غبار لم يغيره طاهر غيره...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقدم لنا أن الصواب : أن الماء المحرم لكونه مسروقاً أو معصوباً ونحو ذلك أنه يصح رفع الحدث به مع الإثم ، فكذلك أيضاً التراب يصح رفع الحدث به مع كونه يأثم لغصبه أو سرقته ونحو ذلك .
" له غبار " هذا الشرط الثالث : أن يكون له غبار ، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، فقالوا " من " هذه للتبعيض ، وإذا كان هذا التراب ليس له غبار فإنه لا يتحقق مسح الوجه بشيء منه لأنه لا غبار له .(1/189)
والرأي الثاني : كما تقدم لنا : مذهب الحنفية والمالكية : أنه يصح التيمم على غير التراب ، حتى الصخرة المغسولة ، وحتى التراب الذي تندى (أصابه ندى وماء) قالوا : بأنه يصح التيمم عليه ، وتقدم لنا أن هذا هو الصواب .
ويجاب عن قول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، أن "من" هذه ليست تبعيضية وإنما هي بيانية ، فالذي يتيمم عليه بيانه أنه صعيد طيب هذا هو المراد ، وليست "من" تبعيضية .
كما تقول " سافرت من مكة إلى المدينة" فـ"من " هذه بيان لابتداء الغاية ، يعني : أن السفر مبتدأ من مكة إلى المدينة .
" لم يغير طاهر غيره " هذا الشرط الرابع : أن يكون هذا التراب لم يتغير بطاهر آخر ، فلو أنه تغير بالجص أو بالدقيق أو بالبر ونحو ذلك ، قالوا : بأنه لا يصح التيمم عليه ، وهذا
ولو على لبد ونحوه................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما تقدم لنا ، أن الماء إذا تغير بطاهر ينقله عن اسم الماء المطلق فإنه لا يصح الوضوء به ، فكذلك أيضاً هنا التراب .
فالتراب هنا نقول : إن تغير بما هو من جنس الأرض فإنه يصح التيمم عليه ، لأن كل ما يتصاعد على وجه الأرض يصح التيمم عليه ، وإن تغير بغير جنس الأرض وغلب على وصفه وسلبه اسم الصعيد المطلق فإنه لا يصح التيمم عليه .
" ولو على لبد ونحوه " أي : يصح التيمم على لبد ونحوه مثل : الثوب والبساط والحصير ونحو ذلك ، فهذه : يقول المؤلف رحمه الله : يصح أن يتيمم عليه،(1/190)
لكن يشترط أن يكون عليها غبار ، لكي يكون التيمم على هذا الغبار ، وعلى هذا لو تيمم على هذه الفرش أو على الحصير أو على الثياب ونحو ذلك هذه نقول : إن كان عليها غبار صح التيمم ، لأن التيمم حينئذ يكون على الغبار الذي هو من جنس الأرض ، وليس على هذا الحصير ، أو هذا الثوب ونحو ذلك ، وإن لم يكن عليها غبار ، فإنه لا يصح التيمم عليها .
والخلاصة : أن ما يتيمم عليه ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : ما كان من جنس الأرض (صعيداً طيباً) فهذا يصح التيمم عليه مطلقاً ، ولا يشترط الغبار ، وذكرنا أن قولهم " منه " أن الصواب أنها ليست تبعيضية ، وإنما هي بيان لابتداء الغاية ، يعني : هذا التيمم مبتدأ من هذا الصعيد .
2 - القسم الثاني : أن يكون على غير جنس الأرض ، مثل الحصير والصوف والشعر والثياب والفرش ، ونحو ذلك ، فهذه نقول : بأنه يشترط أن يكون عليها غبار لكن يكون التيمم على هذا الغبار .
وفروضه مسح الوجه...............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
"وفروضه" أي : أركان التيمم .
" مسح وجهه " وهذا بالاتفاق ، أن مسح الوجه فرض من فروض التيمم لقول الله عز وجل (فامسحوا بوجوهكم? ،
وهل يجب مسح اللحية أو لا يجب ؟
فالفقهاء رحمهم الله يقولون : أن الأنف والفم لا يمسح ، بل يكره ذلك ، أيضاً يقولون : ما تحت الشعر الخفيف من البشرة لا يمسح ، والشعر الخفيف هذا يرون أنه يمسح .
فاللحية : الفقهاء يقولون : بأنها تمسح .
والرأي الثاني : أنها لا تمسح ، وإنما يمسح الوجه فقط ، لأن التيمم هذا طهارته ليست طهارة حسية ، وإنما هي طهارة معنوية ، وهذا هو الصواب
وعلى هذا نقول : الشعر الذي على الوجه بالنسبة للطهارة ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : في طهارة الحدث الأكبر بالماء فيجب غسله ظاهره وباطنه.(1/191)
2 - القسم الثاني : في طهارة الحدث الأصغر بالماء ، إن كان خفيفاً يجب غسل ظاهره وباطنه ، وإن كان كثيفاً يجب غسل الظاهر ، وأما الباطن فإنه يخلل أحياناً -كما تقدم لنا .
3 - القسم الثالث : في الطهارة بالصعيد الطيب سواء كان ذلك عن حدث أصغر أو
ويديه إلى كوعيه وتعيين نية استباحة ما يتيمم له......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكبر ، فهذا لا يجب تطهيره الظاهر ولا الباطن .
" ويديه إلى كوعيه " هذا الركن الثاني من أركان التيمم : مسح اليدين إلى الكوعين و مسح اليدين أو الكفين هذا باتفاق الأئمة أنه ركن ،
لكن هل يمسح إلى الكوعين أو إلى المرفقين ؟
هذا موضع خلاف ، فالإمام أحمد رحمه الله - كما ذهب المؤلف- يرى أنه يمسح إلى الكوعين ، ويدل لذلك حديث عمار رضي الله عنه وفيه " مسح الكفين 205" وحديث أبي الجهيم أيضاً فيه " مسح الكفين 2" .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم (الأئمة الثلاثة) قالوا : يمسح إلى المرفقين ، واستدلوا بأن الله عز وجل قال في الغسل ( وأيديكم إلى المرافق? ، وأيضاً قالوا : بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما .
أما الآية فنقول : أنها في الوضوء ، والبدل له حكم المبدل في الجملة وليس بالجملة ، ليس في جميع الأحكام ، وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، فهذا مخالف لما ثبت عن النبي ( فيكون الصواب في هذه المسألة : أنه يمسح كفيه فقط لا إلى المرفقين .
" وتعيين نية استباحة ما يتيمم له " هذا الركن الثالث : تعيين نية استباحة ما يتيمم له ، كالصلاة والطواف ومس المصحف إلى آخره .
من حدث أونجس وكذا الترتيب............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"من حدث " سواء كان الحدث أصغر أو أكبر .(1/192)
" أو نجس " المقصود بالنجاسة هنا : نجاسة البدن دون نجاسة البقعة أو الثوب .
وصفة التعيين : أن ينوي استباحة صلاة الظهر مثلاً من الجنابة إن كان جنباً ، أو من الحدث الأصغر إن كان محدثاً ، أو من النجس إن كان متنجساً ، وهذا هو المذهب ،
وهم يبينون هذه المسألة على مسألة أخرى ، وهي : أن التيمم مبيح وليس رافعاً ،
فلابد أن تنوي استباحة ما يتيمم له ، مثلاً : أن يتيمم للصلاة ، تنوي استباحة الصلاة من الحدث الأكبر (الجنابة) إن كان عن جنابة أو من الحدث الأصغر إن كان أصغر أو من النجاسة إن كان نجاسة .
والصواب في هذا : أن نية الاستباحة ليست واجبة ، وهذا كما قلنا : هم يرتبون ذلك على أنه مبيح وليس رافعاً ، والصواب : أنه ينوي رفع الحدث ويكفي كالضوء تماماً ، فينوي أن يرفع الحدث الأصغر أو الأكبر أو ينوي أن يصلي أو ينوي مس المصحف ، ويكفي ذلك .
وهذا هو الصواب نقول : حكمه حكم الوضوء - كما سلف .
" وكذا ترتيب " هذا الركن الرابع : الترتيب ، بأن يبدأ بالوجه ثم بعد ذلك الكفين ، لقول الله عز وجل ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه? ، ففيه الترتيب وأيضاً حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه : " مسح النبي ( ظاهر كفيه ووجهه 206" و"الواو" هذه للجمع ، وكما
ومولاة في حدث أصغر وإن نوى حدثاً أو نجساً لم يجزئه عن الآخر...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقدم لنا ، أن اقتضاءها الترتيب أنه ضعيف ، وأيضاً في حديث أبي الجهم رضي الله عنه " أن النبي ( مسح وجهه وكفيه 207" فنقول : لا بد من الترتيب ، ولأن البدل له حكم المبدل
" وموالاة " هذا الركن الخامس : الموالاة : أن لا يؤخر مسح الكفين حتى يجف الوجه لو كان مغسولاً بزمن معتاد -كما تقدم لنا - والموالاة والترتيب هذه تقدم الكلام عليها .(1/193)
" في حدث أصغر " فهذا يخرج لو تيمم عن حدث أكبر فإنه لا يرتب ولا يوالي، لأن الغسل في الحدث الأكبر على المذهب " طهارة الماء " ليس فيها ترتيب ولا موالاة .
والصواب في ذلك : أنه في طهارة التيمم تشترط الترتيب والموالاة لأن الصفة واحدة (التيمم عن الحدث الأكبر أو الأصغر الصفة واحدة) ، فلابد من الترتيب والموالاة .
" وإن نوى حدثاً أو نجساً لم يجزئه عن الآخر " أي : إذا نوى أن يتيمم عن الحدث وعليه نجاسة ، فإن هذا التيمم لا يجزئه عن النجاسة بل لابد أن يتيمم مرة أخرى ، ولو نوى أن يتيمم عن النجاسة وعليه حدث فإن هذا التيمم لا يجزئه ، فلابد أن يتيمم مرة أخرى ، وهذا كله مبني على أن النجاسة يتيمم لها ، وهذا الصواب : أنه لا يتيمم له ،
وكذلك أيضاً : لو نوى أن يتمم عن الحدث الأصغر فإنه لا يجزئه عن الحدث الأكبر ، ولو نوى أن تيمم عن الحدث الأكبر لا يجزئه عن الأصغر ، لما تقدم أنه لابد من تعيين نية استباحة ما يتيمم له من حدث أصغر وأكبر ، فإذا نوى أحد الحدثين ما يجزئ عن الآخر .
" وإن نواهما كفى وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً ، وإن نواه صلى كل وقته...........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أنه إذا نوى عن الحدثالأكبر فإنه يجزئه عن الأصغر ، لما تقدم أنه إذا اغتسل عن الحدث الأكبر فإنه يدخل في ذلك الحدث الأصغر ، بل لو قيل بأنه إذا تيمم عن الحدث الأصغر فإنه يجزئه عن الحدث الأكبر فهذا له وجه ، لأن صفة التيمم واحدة ،
لكن الأحوط : أنه لو تيمم عن الأصغر أن يتيمم عن الأكبر ، لكن لو تيمم عن الأكبر نقول : يجزئه ذلك عن الأصغر ، لأن الأصغر يدخل في الأكبر ، بخلاف الأكبر فيحتاج إلى نية ، فنقول : إذا نوى بتيممه عن الأصغر فإنه لا يكفيه عن الأكبر ، فالأحوط أن يتيمم .
" وإن نواهما كفى " أي : إذا نوى بتيممه الحدث الأصغر والأكبر فإنه يكفي ولا بأس به(1/194)
" وإن نوى نفلاً أو أطلق لم يصل به فرضاً ، وإن نواه صلى كل وقته " وهذا كله - كما تقدم - مبني على أن التيمم مبيح ، يعني : إذا نوى الفرض صلى النافلة ، وإن نوى النافلة ما يصلي الفرض ، وعلى هذا هم يقولون : إذا نوى عبادة يستبيح هذه العبادة ومثلها ودونها ، ويرتبون العبادات ، يقولون : أعلى الشيء : فرض العين ، ثم النذر ، ثم فرض الكفاية ، ثم صلاة النافلة ، ثم طواف الفرض ، ثم طوف النفل ، ثم مس المصحف ، ثم قراءة القرآن ، ثم اللبث في المسجد .
وعلى هذا إذا نوى فرض العين مثلاً نوى صلاة الظهر فإنه يستبيح صلاة الظهر ، ومثلها ، ودونها يستبيح صلاة الظهر ويستبيح صلاة الفجر - إذا كان ما صلى الفجر - ودونها : يستبيح النذر ، يستبيح فرض الكفاية مثل صلاة الجنازة ، ويستبيح مس المصحف ويستبيح القراءة إلى آخره .
ويبطل تيممه بخروج وقت ومبطل ما تيمم له.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا نوى طواف الفرض هل يستبيح النذر ، وفرض الكفاية ، وفرض العين ؟
يقولون بأنه لا يستبيح .
والصواب في ذلك : أنه يستبيح وأن التيمم مبيح وأنه إذا نوى أحد هذه العبادات فإنه يرتفع لكن يرتفع إلى وجود الماء .
" ويبطل تيممه بخروج وقت ومبطل ما تيمم له " ، لما تكلم المؤلف رحمه الله عن التيمم ، وذكر متى يشرع ومتى لا يشرع ، وذكر أيضاً شروط التيمم وما يتيمم عليه ،
شرع المؤلف رحمه الله في بيان مبطلات التيمم ، فيقول المؤلف رحمه الله
" ويبطل تيممه بخروج وقت " ذكر المؤلف رحمه الله مبطلات التيمم :
الأول : خروج الوقت فإذا خرج الوقت بطل التيمم ،
مثال ذلك : تيمم لصلاة الظهر ، فإذا خرج وقت صلاة الظهر بطل التيمم ، فإذا أراد أن يصلي العصر لابد أن يتيمم مرة أخرى ،(1/195)
ودليلهم على ذلك : ما تقدم أن ذكرنا : أن التيمم على المذهب مبيح وليس رافعاً ، وإذا كان مبيحاً فإنه يستباح به الفرض إلى خروج الوقت ، فإذا خرج الوقت تيمم مرة أخرى ، وتقدم لنا مذهب الحنفية ،
وأن الصواب في التيمم : أنه رافع وليس مبيحاً ، إلى وجود الماء ، وعلى هذا يكون حكمه حكم الماء نقول : بأنه يرفع الحدث إلى أن يوجد الماء أو يقدر على استعماله إذا كان
ومبطل ما تيمم له................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أجل المرض ، فإذا خرج الوقت وهو ليس عنده ماء ، فإنه لا يجب عليه أن يتيمم مرة أخرى ،
وهذا الصواب ، كما أن الوضوء إذا خرج الوقت وهو على وضوءه فإنه لا يجب عليه أن يتوضأ مرة أخرى .
" ومبطل ما تيمم له " 2- هذا المبطل الثاني : فإذا تيمم عن حدث لأجل رفع الحدث ، ثم بعد ذلك بطل ، بمبطلات الوضوء ، فإن تيممه يبطل عليه ، وكذلك أيضاً إذا تيمم بدل عن الغسل ، نقول : يبطل التيمم بمبطلات الغسل .
" فإن تيمم بدلاً عن الوضوء ، نقول : بأن التيمم يبطل بمبطلات الوضوء ، وإذا تيمم عن الغسل نقول : بأن التيمم يبطل بمبطلات الغسل وعلى هذا فقس"
فمثلاً : إذا تيمم ثم خرج منه ريح نقول : بطل تيممه ، كما أن الوضوء يبطل بخروج الريح ، فالبدل له حكم المبدل .
وإذا تيمم لأجل الغسل (عليه جنابة) ثم بعد ذلك خرج منه مني مرة أخرى ، نقول : بطل تيممه ، ولو تيمم لأجل الجنابة ثم بعد ذلك أحدث ، نقول : التيمم للجنابة موجود لكن يبقى التيمم للحدث .
ويترتب على هذا لو أصابته جنابة هل يقرأ القرآن أو لا ؟
نقول : لا يقرأ القرآن ، لم يجد ماءاً ثم بعد ذلك تيمم ، نقول : يجوز له أن يقرأ القرآن
ووجود ماء ولو في صلاة...........................................................................................................(1/196)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لو أحدث مثلاً بخروج ريح ، هل يقرأ القرآن أو لا ؟
نقول : نعم يقرأ القرآن ، أما لو أراد أن يصلي فلابد أن يتيمم ، ولو أراد أن يمس القرآن لابد أن يتيمم .
" ووجود ماء " هذا المبطل الثالث : إذا وجد الماء وهذا المبطل وما قبله بالإجماع لأن الله عز وجل قال ( فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً? ، فدل ذلك على أن غاية التيمم إلى وجود الماء ، وأيضاً النبي ( يقول " الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته 208" .
" ولو في صلاة ..." إذا وجد الماء لا يخلو من ثلاث حالات :
1 - الحالة الأولى : أن يكون قبل الصلاة ، فإذا كان قبل الصلاة فإن تيممه يبطل بالإجماع ولابد أن يتوضأ بالماء لما تقدم من الأدلة .
2 - الحالة الثانية : أن يكون بعد الصلاة ، فإن تيممه يبطل لكن بالنسبة للصلاة التي صلى صحيحة ، ولو وجد الماء في الوقت مثال : هذا رجل تيمم وصلى وبعد أن انتهى من الصلاة جاء الماء نقول : صلاته صحيحة ، ولو وجد الماء في الوقت هذا الصواب ، لأنه فعل ما أمر به ، ومن أتى بما أمر به على الوجه الشرعي برئت ذمته ، وما ترتب على المأذون غير مضمون .
لا بعدها..................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- الحالة الثالثة : أن يوجد الماء في أثناء الصلاة ، مثال ذلك : تيمم وشرع يصلي وفي أثناء الصلاة جاء الماء ، هل يبطل التيمم ، ونقول : ببطلان الصلاة أم لا ؟
يقول المؤلف : بأن التيمم يبطل ، وعلى هذا يتوضأ ويستأنف الصلاة ، وهذا هو المذهب
ومذهب الحنفية : أن التيمم في أثناء الصلاة يبطل .
والرأي الثاني : مذهب الإمام مالك والشافعي رحمهم الله : أنه لا يبطل .(1/197)
أما الذين قالوا بالبطلان ، فاستدلوا لما تقدم من قول النبي (" فليتق الله وليمسه بشرته 209" والله عز وجل قال ( فلم تجدوا ماءاً? وهذا الآن وجد الماء . وأما الذين قالوا بعدم البطلان : فقالوا بأنه شرع في الصلاة على وجه مأذون له شرعاً ، وكما تقدم في القاعدة : "أن ما ترتب على المأذون غير مضمون ". والأقرب في هذه المسألة : أن يقال بالتفصيل ، وهو : إن صلى ركعة فنقول : يمضي في صلاته وإن لم يصل ركعة ، فإنه يستأنف الصلاة بعد الوضوء ، وإنما قلنا بهذا التفصيل لأن النبي ( قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " .
" لا بعدها " أي : لا بعد الصلاة ، وظاهر كلامه ولو في الوقت ، وهذا هو الصواب ، وعلى هذا : لو تيمم ثم صلى ثم جاء الماء نقول : صلاته صحيحة ، لكن يتوضأ بالماء للصلاة القادمة ، لما تقدم من الدليل : أن من أتى بما أمر به على وجه شرعي فإنه لا شيء عليه وبرئت ذمته .
والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبطل الرابع : يبطل التيمم بزوال المبيح للتيمم ،
مثال ذلك : تيمم لأجل المرض ثم بعد ذلك برئ من مرضه ، نقول : بأنه تيممه يبطل عليه ، ويجب عليه أن يتوضأ للصلاة التي بعدها ، وعلى هذا فقس .
" والتيمم آخر الوقت لراجي الماء أولى " إذا كان الإنسان ليس عنده ماء فهل يؤخر الصلاة إلى وجود الماء أو نقول : بأنه يبادر في الصلاة في أول الوقت ؟
فهذا لا يخلوا من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يعلم عدم وجود الماء إلى خروج الوقت ، فهذا نقول له : الأفضل أن يتيمم وأن يصلي في أول الوقت ، بل إذا كان التأخير يؤدي إلى ترك الجماعة نقول : هذا محرم ولا يجوز .
2 - القسم الثاني : أن يغلب على ظنه عدم وجود الماء إلى آخر الوقت ، هذا حكمه كحكم القسم الأول .(1/198)
3 - القسم الثالث : أن يعلم وجود الماء في آخر الوقت ، يعني : هو الآن دخل عليه الوقت ويعلم أنه بعد ساعة أو ساعتين سيأتي الماء ، فهذا نقول : الأفضل أن يؤخر حتى يجد الماء ما لم يؤدي ذلك إلى ترك واجب وهو الجماعة .
4 - القسم الرابع : أن يغلب على ظنه وجود الماء في آخر الوقت ، فهذا حكمه كحكم القسم الذي قبله ، وهو : الأفضل أن يؤخر ما لم يؤدي ذلك إلى ترك الواجب كالجماعة .
وصفته : أن ينوي ثم يسمي..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- القسم الخامس : أن يستوي عنده الأمران (لا يدري) فهذا حكمه حكم القسم الذي قبله ، وقد ورد في ذلك أثر عن علي رضي الله تعالى عنه لكنه ضعيف.
" وصفته : أن ينوي ..." لما ذكر المؤلف رحمه الله المبطلات شرع في بيان الصفة ، والأولى بالمؤلف رحمه الله أن يقدم الصفة قبل المبطلات ، لأن عادة المؤلفين هكذا ، فتجد أنهم يذكرون صفة الشيء " كيفيته " ثم يذكرون مبطلاته ، فيذكرون صفة الصلاة ثم يذكرون المبطلات ، ويذكرون الصيام ثم يذكرون المفطرات ، فالأولى أن يقدم الصفة على المبطلات (تكون المبطلات في النهاية) .
" أن ينوي ثم يسمي " قوله " أن ينوي" هل ينوي رفع الحدث أو ينوي استباحة ما يتيمم له ؟
المؤلف رحمه الله : ينوي استباحة ما يتيمم له -كفرض الصلاة- من حدث أصغر أو أكبر أو نجاسة هذا على المذهب .
والصواب : أنه ينوي رفع الحدث .
" ثم يسمي " أن يقول " باسم الله " وهذا كما تقدم على المذهب أنها واجبة في الوضوء ، وفي الغسل وفي التيمم .
والجمهور : أنها مستحبة ، وذكرنا أن بعض أهل العلم قال : بأنه لم يثبت في ذلك شيء تقدم الكلام على هذا .(1/199)
ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع بعد نزع نحو خاتم ضربة يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويضرب التراب " هنا قال المؤلف رحمه الله " التراب " والأولى أن يقال : الصعيد ، هذا الصحيح ، لأن المذهب ما يصح التيمم إلا على تراب ،
والصواب أن يقال : " ويضرب الصعيد الطيب " كما قال الله عز وجل ( فتيمموا صعيداً طيباً?.
" بيديه مفرجتي الأصابع " قوله " مفرجتي الأصابع " هذا يحتاج إلى دليل ، وسبق أن ذكرنا قاعدة ، وهي " أن عبادة المسح عبادة مخففة " ، هي أصلاً الشارع خففها في أصلها .
فالصواب : أنه لا حاجة إلى تفريج الأصابع ، والمؤلف قال مفرجتي الأصابع ليصل التراب إلى ما بينهما ، لكن الصواب أن التفريج يحتاج إلى دليل .
" بعد نزع نحو خاتم " يعني ينزع الخاتم وينزع أيضاً ، إذا كان في يده حلقة ونحو ذلك ، لكي يصل التراب ،
والصواب أيضاً أن هذا يحتاج إلى دليل ، وأنه لا حاجة إلى نزع الخاتم ولا حاجة إلى نزع الحلقة إذا كان في أصبعه حلقة ونحو ذلك ، لأنه كما ذكرنا أن عبادة التيمم عبادة مخففة .
" ضربة يمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه " يعني : على كلام المؤلف رحمه الله ، يفرج الأصابع وينزع الخاتم ، ويضرب ضربة ، وبعد أن يضرب يمسح وجهه بباطن الأصابع ولا يمسح بالراحتين ، ثم بعد ذلك بالراحتين يمسح الكفين ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/200)
ولماذا فرقوا هذا التفريق ؟ لأنه لو مسح بالجميع (أي بباطن الأصابع وبالراحتين) أصبح التراب مستعملاً ، وإذا كان مستعملاً يكون طاهراً - كما تقدم لنا أنهم يقسمون التراب إلى ثلاثة أقسام : طاهر ، وطهور ، ونجس ، فلكي يتخلص من هذه المسألة قال المؤلف : تضرب وتمسح الوجه بباطن الأصابع لكي يبقى الذي في الراحتين ، غير مستعمل في رفع الحدث ، فيكون حكمه طهوراً ، وهذا كله ضعيف والصواب في ذلك : أن الإنسان يضرب ضربه واحدة ويمسح وجهه (كما قلنا أيضاً اللحية الصواب أنه ما في حاجة إلى مسحها) ، يضرب ضربة واحدة ويمسح وجهه ويمسح كفيه ، ويكون تيمم ، لأن مسألة التيمم كما قلنا : بأنها عبادة مخففة . وهل يضرب ضربة واحدة أو يضرب ضربتين ؟
المذهب : يقولون : الضربة الأولى واجبة ، والثانية مباحة ،
والحنفية والشافعية : يقولون : يجب أن يضرب ضربتين .
المالكية : يقولون : الضربة الأولى واجبة والثانية سنة .
والصواب في ذلك : أنه يضرب ضربة واحدة ، لأن حديث أبي الجهم وحديث عمار رضي الله عنهما ، ما ذكر إلا ضرب ضربة ، وهذا يصدق بمرة واحدة ، فالضربة أكثر من مرة هذا يحتاج إلى دليل . والذين قالوا بالضربتين : قالوا : هذا ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وابن عمر رضي الله عنهما ما دام أنه خالف السنة أنه لا يحتج بقوله : وذكر ابن قيم رحمه الله أن ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ بتشديدات لا يوافق عليها كثير من الصحابة ، فهذا نوع من التشديدات التي كان يأخذ بها ابن عمر رضي الله عنهما .
ويخلل أصابعه.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يمسح الكفين أو يمسح معهما الذراعين ؟
أيضاً صريح كلام المؤلف رحمه الله أنه يمسح الكفين فقط ، ولا يمسح الذراعين .(1/201)
والرأي الثاني : أنه يمسح الذراعين إلى المرفقين ، وهذا مذهب الحنفية والشافعية وقالوا : هذا وارد عن ابن عمر رضي الله عنهما ، وكما قلنا : أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ بتشديدات لا يوافقه عليها كثير من الصحابة ، والنبي ( كما في حديث عمار رضي الله عنه وحديث أبي الجهم رضي الله عنه مسح على الكفين فقط . " ظاهر كفيه ووجهه 210" .
فالصواب في ذلك : أنه لا يمسح الذراعين .
" ويخلل أصابعه " : أي يخلل الأصابع لكي يصل التراب فيما بينهما ، وهذا أيضاً غير صواب ،
والصحيح أنه لا يخلل الأصابع ، لأن صفة التيمم كما ورد في حديث عمار ما فيه التخليل " ضرب الأرض ومسح وجهه وظاهر كفيه "
فنقول : الصواب أنه لا حاجة إلى تخليل الأصابع .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب إزالة النجاسة (الحكمية)
لما تكلم المؤلف رحمه الله على رفع الحدث ، شرع الآن في الكلام على إزالة الخبث ، وتقدم لنا في تعريف الطهارة : أن الطهارة هي : رفع الحدث وإزالة الخبث.
" إزالة " المراد بالإزالة هو التطهير .
" النجاسة " النجاسة عرفها الحنفية بقولهم : كل عين مستخبثة شرعاً .
والحنابلة قالوا في تعريفها : كل عين حرم تناولها لذاتها مع إمكان التناول .
" الحكمية " أي : الطارئة على محل طاهر ، وقوله " الحكمية " يخرج "العينية"
لأن النجاسة تنقسم إلى قسمين :
1 - نجاسة حكمية : وهذه التي يمكن تطهيرها ،
2 - نجاسة عينية : وهذه لا يمكن تطهيرها على المذهب ، وسيأتي إن شاء الله.(1/202)
يجب لكل متنجس سبع غسلات سبع غسلات........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأصل في تطهيرالنجاسة : القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن : فقول الله عز وجل ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( ،
وأيضاً على قول بعض المفسرين " وثيابك فطهر " قالوا المقصود بذلك تطهيرها من النجاسة .
وأما السنة فكثير يعني : سائر أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدل على تطهير النجاسة ، وسيأتي إن شاء الله كثير من الأحاديث والإجماع قائم على ذلك .
" يجب لكل متنجس سبع غسلات ... " قوله " يجب" أي : يشترط .
" لكل متنجس " وهنا قال المؤلف رحمه الله "متنجس" ولم يقل " نجس" لأنهم يرون أن النجس لا يطهر .
يعني : فرق بين النجس والمتنجس : النجس هي النجاسة العينية ، هذه لا يرون أنها تطهر (التي ذاتها وعينها نجسة) .
والمتنجس : هي النجاسة الحكمية ، هذه يرون أنها تطهر (النجاسة التي طرأت على محل طاهر) .
" سبع غسلات " المتنجس لا يخلو من ثلاثة أقسام :
1 - القسم الأول : النجاسة المغلظة : أن تكون نجاسة مغلظة ، وهي نجاسة الكلب ، كما سيأتي إن شاء الله ،
سبع غسلات..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يقاس عليها الخنزير أولا ؟ سيأتي ببيانه .
2 - القسم الثاني : النجاسة المخففة ، وهذه سيأتي أنها نجاسة الصبي الذي لم يأكل الطعام ، وسيأتي أيضاً أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ألحق بذلك المذي .
3 - القسم الثالث : النجاسة المتوسطة : وهي ما عدا هذين القسمين (النجاسة المغلظة والنجاسة المخففة) .
مثل الدم المسفوح ، ومثل : بول الذكر الذي أكل الطعام لشهوة ، وغائط الذكر ، وبول الأنثى وغائط الأنثى ، فهذه نجاسة متوسطة .(1/203)
النجاسة المتوسطة كيف نطهرها ؟
قال المؤلف رحمه الله " سبع غسلات " أي لابد من سبع غسلات ، وهذا هو المشهور من المذهب ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر رضي الله عنهما " أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً 211" ، ولابد أن تستوعب كل غسلة المحل ، وأيضاً لابد من الحت والقرص لحاجة (إذا كان يحتاج المحل إلى حت وقرص ) ولابد أيضاً من العصر .
فهم يقولون : النجاسة المتوسطة يشترط لها شروط :
1 - سبع غسلات .
2- الحت والقرص مع الحاجة .
.......................................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - أن تستوعب كل غسلة المحل .
4 - العصر خارج الماء .
5 - أن يكون بماء طهور ، هذا هو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني : أنه لا يشترط العدد ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، بل تكاثر بالماء
يعني : يغسل غسله غسلتين ، حسب ما يغلب على ظنه أن المحل طهر ، ولا حاجة إلى العدد .
المذهب : لو زالت النجاسة بالغسلة الأولى والثانية فلابد أن تغسل الثالثة والرابعة والخامسة ، إلى آخره .
والصحيح : أن هذا ليس شرطاً ، وأنه يكاثر المحل المتنجس بالماء حتى يغلب على ظنه أن المحل طهر ، فإذا غلب على ظنه أن المحل طهر كفى ذلك ، وهذا القول هو الصواب .
والدليل على ذلك : عدم الدليل على اشتراط العدد ، ليس هناك دليل على اشتراط العدد ، والحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت عن النبي ( .(1/204)
وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها لما سألت النبي ( عن دم الحيض يصيب الثوب ، فقال النبي ( " تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه 212" ما ذكر النبي ( عدداً ، وأنها : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، فإذا زالت بأي مزيل طهر المحل ، إذ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، هذا الصواب في هذه المسألة .
إن أنقت وإلا فحتى تنقى بماء طهور.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إن أنقت وإلا فحتى تنقى " يعني : السبع الغسلات التي ذكرها المؤلف رحمه الله لابد منها إن أنقت ، فإذا ما أنقت (ما ذهبت النجاسة) لابد أن يزيد ثامناً فإن احتاج إلى تاسع زاد تاسعاً فإن احتاج إلى عاشر زاد عاشراً إلى آخره .
" بماء طهور " أيضاً يشترط أن يكون تطهير النجاسة بماء طهور ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وقال به أكثر أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله عنه في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد " فدعا النبي ( بذنوب من ماء فأهريق عليه 213" وهذا في الصحيحين ، وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها ، في دم الحيض يصيب الثوب قال النبي ( " تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " فقال النبي (214 " بالماء" .(1/205)
والرأي الثاني : أن الماء ليس شرطاً وأن النجاسة إذا زالت بأي مزيل طهر المحل ، وهذا قال به : أبو حنيفة رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم ، واستدلوا على ذلك بأدلة : ومن هذه الأدلة الإجماع على أن الخمر إذا تخللت بنفسها فأنها تطهر ، وهنا الخمر طهرت بغير ماء ، وكذلك أيضاً استدلوا بسائر أدلة الاستجمار ، فسائر أدلة الاستجمار هذه تدل على أنه لا يشترط الماء ، لأن الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستجمر ، ومع ذلك اكتفي بذلك ولم تدل على أنه لا يشترط الماء ، لأن الإنسان إذا قضى حاجته فإنه يستجمر ، ومع ذلك اكتفي بذلك ولم يشترط الاستنجاء ، وأيضاً استدلوا على ذلك في قول النبي ( في
مع حت وقرص لحاجه................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذيل المرأة (ذيل المرأة الثوب التي تجره) : "يطهره ما بعده" وأيضاً قول النبي ( في النعلين "طهورهما التراب" إذا كان الإنسان وطئ بخفيه أو نعليه النجاسة فإنه يكفي أن يدعكهما بالتراب ، وأيضاً من المعنى : أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، إذا زالت بأي مزيل فإن المحل يطهر ، وهذا القول هو الصواب .
"مع حت وقرص" الحت : هو الحك بطرف حجر أو عود ، والقرص : هو الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء .
"لحاجة" أي : إذا كان يحتاج إلى ذلك ، أما إذا كان لا يحتاج إلى ذلك فإنه لا حاجة إلى الحت والقرص والحت والقرص كما ذكر المؤلف رحمه الله لابد منه إن لم يتضرر المحل ، فإذا كان المحل يتضرر فإنه لا يحت ولا يقرص ،
مثلاً : هذا المحل فيه نجاسة لو أنك فركته بظفرك تضرر ،
نقول : سقط ولا يحتاج إلى حت ولا قرص .
وبهذا نفهم : أن تطهير كل شيء بحسبه ، وتخفف النجاسة بقدر الإمكان ، فإذا كان فيه ضرر فإنه يسقط التطهير ،(1/206)
مثلاً : إنسان عنده أوراق أصابها بشيء من النجاسة ، لا نقول : اغسلها بالماء لو غسلها بالماء أدى ذلك إلى تلفها ، يسيل المداد ونحو ذلك ويؤدي ذلك إلى التلف وانطماس الحروف ، فهذا نقول : امسح خفف النجاسة بشيء من القطن ونحو ذلك ، ويكفي ذلك ، إنسان
وعصر كل مرة خارج الماء.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنده ثوب لو ذهب لكي يغسل هذا الثوب يؤدي إلى تمزق الثوب وتقطعه ونحو ذلك (لو ذهب إلى فركه ونحو ذلك)
نقول : إذا كان الماء سيضره أو الفرك سيضره يعرضه للشمس ، يعرضه للريح ، إذا كان يضره ذلك أيضاً ينشفه بالقطن ونحو ذلك ، المهم نفهم أن تطهير كل شيء بحسبه ، وأن المتنجس إذا لحقه ضرر بالماء ، أو بالحت أو بالقرص أو نحو ذلك ، فإنه يسقط ،
مثلاً : لو أن الإنسان معه دراهم (ريالات أو جنيهات ونحو ذلك) وأصابتها نجاسة ، ولو عرضها على ماء أو نحو ذلك ، هذا يؤدي إلى تلفه ، نقول : تنشف ويكفي ذلك .
" وعصر كل مرة خارج الماء" إذا كان المتنجس يتشرب النجاسة فإنه يعصر كل مرة خارج الماء ليحصل إنفصال الماء عنه هذا القسم الأول .
القسم الثاني : النجاسة المغلظة : " فإن كانت من كلب أو خنزير وجب تراب طهور"
النجاسة المغلظة : أفاد المؤلف رحمه الله أنها نجاسة الكلب أو الخنزير ، وكذلك أيضاً يقولون : المتولد منهما أو من أحدهما .
والرأي الثاني : أن النجاسة المغلظة : هي نجاسة الكلب خاصة ولا يلحق بذلك الخنزير ، لأن الخنزير كان موجداً في عهد النبي ( ومع ذلك النص إنما ورد في الكلب في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال : " إذا ولغ الكلب فيا إناء أحدكم فليغسله سبعاً
وجب تراب طهور....................................................................................................................(1/207)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاهن بالتراب 215" رواه مسلم ، هذا ورد في الكلب ومع ذلك لم يرد ذلك في الخنزير .
فالصواب : أن الخنزير نجاسته نجاسة متوسطة ، وليست نجاسة مغلظة ، هذا هو الصواب : وهل نجاسة الكلب خاص بولوغ أو ولغ في الإناء أخرج لسانه وحركه فيه ، أو نقول : يشمل كل الكلب ؟
هذا موضع خلاف : المذهب : أنه يشمل كل الكلب ، وأن جميع الكلب نجاسته نجاسة مغلظة ، لابد فيها من السبع مع التراب ،
فمثلاً : ريقه لابد من السبع مع التراب ، بوله : لابد من السبع مع التراب ، غائطه : لابد من السبع مع التراب.
والرأي الثاني : أن ذلك خاص بالولوغ وهذا قول الظاهرية ، وهذا القول هو الصواب ، وعلى هذا لو بال نجاسته تكون نجاسة متوسطة ، وغائطه نجاسته نجاسة متوسطة ، بل إن الحنفية والمالكية يرون أن بدن الكلب طاهر ، والشافعية والحنابلة يرون أن بدنه نجس .
الصواب : أن النجس إنما هو الولوغ فقط فبوله وغائطه هذه نجاسته نجاسة متوسطة ، وأما بالنسبة لريقه فإن نجاسته نجاسة مغلظة .
" وجب تراب طهور "
أولاً : في تطهير نجاسة الكلب يجب سبع غسلات ، هذا المشهور من المذهب ومذهب
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشافعية أنه لابد من سبع غسلات ، وهذا الحديث في ذلك صريح " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب" .(1/208)
والرأي الثاني : رأي الحنفية والمالكية : أنه لا يجب التسبيع ، واستدلوا على ذلك بأن أبا هريرة رضي الله عنه سئل عن ولوغ الكلب وأفتى ثلاث غسلات ، وأبو هريرة رضي الله عنه هو الذي روى أنه يغسل سبعاً ،فدل ذلك على أن التسبيع ليس واجباً .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية وأنه لابد من التسبيع.
وأما ما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فإنه يجاب عنه بجوابين :
1- أن أبا هريرة أفتى بالسبع أيضاً .
2 - أن العبرة بما روى لا بما رأى .
" وجب تراب طهور ونحوه " المذهب : أنه لابد من سبع غسلات مع التراب أو ما يقوم مقامه ، من الإشنان والصابون ، ونحو ذلك من المنظفات (هذه يقولون يقوم مقام التراب) ، فيجب التراب أو صابون أو نحوه مما يقوم مقامه . والشافعية يقولون : يتعين التراب (لابد من التراب) وهو أيضاً قول الظاهرية .والحنفية والمالكية يقولون : لا يجب التراب .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية : وأنه يتعين التراب .
بعض العلماء يقول كن بأن الكلب إذا أخرج لسانه في الإناء فإنه لا ينظف إلا بالتراب ، فإذا كان كذلك نقول : بأن التراب يتعين ولا يجوز غيره .
طهور يعم المحل مع الماء إلا فيما يضر فيكفي مسماه........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " طهور" يخرج الطاهر لأنه تقدم أنهم يرون أن الماء ينقسم إلى ثلاثة أقسام وكذلك أيضاً التراب يرون أنه تنقسم إلى ثلاثة أقسام .
" يعم المحل مع الماء " أي : لابد التراب يعم على الماء ، وكيف ذلك ؟ قال العلماء : إما أن يضع الماء ويضع عليها التراب ، أو يضع التراب ويضع عليها الماء، أو يخلط الماء بالتراب ثم يغسل الإناء .(1/209)
ولم يبين المؤلف رحمه الله الترتيب هل تكون في الأولى أو في الأخيرة إلى آخره ؟ فنقول : الأرجح أنها تكون في الأولى كما في حديث مسلم " أولاهن بالتراب216" وأما لفظ "إحداهن217" فهذه تحمل على "الأولى" ولفظ "السابعة" ترجح عليها لفظ "أولاهن" للأثر والنظر ، أما الأثر : فلأن لفظ "أولاهن" هذه أصح من لفظ "السابعة" لأنها في الصحيح ، والنظر : أنها إذا كانت في الأولى لم يحتج إلى التنظيف مرة أخرى ، أما إذا كانت في السابعة فإنه يحتاج إلى تنظيف التراب .
" إلا فيما يضر فيكفي مسماه " أي : إلا فيما يضره التراب فيكفي مسمى التراب ، وهذا كما تقدم لنا في القاعدة أنه إذا كان يترتب على ذلك ضرر فإنه يطهر بحسبه ويسقط التطهير الذي يتولد عنه الضرر .
ويكفي في أرض تنجست بمائع غسله تذهب بالنجاسة ولا تطهر بشمس وريح ولا دلك .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويكفي في أرض تنجست بمائع غسله تذهب بالنجاسة" بالنسبة للأرض تنجست بمائع كبول ونحو ذلك ، يقول المؤلف رحمه الله تكفي فيها غسلة تذهب النجاسة ، ودليل حديث أنس وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما في قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد " فأمر النبي ( بذنوب من ماء فأهريق عيه218 " يكفي ذلك .
وقول المؤلف رحمه الله " تنجست بمائع" يؤخذ منه أنه لو كانت النجاسة جامدة
مثل : الغائط ونحو ذلك فهذا لابد من إزالته (من إزالة جرم النجاسة) .
" ولا تطهر بشمس وريح ولا دلك" تقدم أن المؤلف رحمه الله يرى أنه لابد في تطهير المتنجس بماء طهور ، وعلى هذا ما تطهر الأرض التي تنجست ولا غيرها من المتنجسات بالشمس
مثلاً : لو كان الإنسان عنده ثوب أصابه بول ، ثم عرضه للشمس ،(1/210)
يقول المؤلف : ما يطهر بذلك ولو زالت أثر النجاسة ، أو الشمس أصابت الأرض ، فإنه ما تطهر ، أو الريح ونحو ذلك ، واستدلوا على ذلك ، بأن النبي ( "أمر بذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي 219"، وكون النبي ( يصب على بول الأعرابي هذا الماء يدل على أنه لا يكتفى بالريح والشمس ، وإلا كان النبي ( انتظر الشمس ، وتأتي على المحل وتطهره .
والصواب في ذلك : أنه كما ذكرنا ، أن النجاسة تطهر بأي مطهر كما هو قول الحنفية ،
ولا استحالة............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحنفية هم أوسع المذاهب في ذلك ، الصواب أنها تطهر بأي مطهر بالشمس والدلك بالريح إلى آخره لما ذكرنا من الأدلة السابقة .
وأما الجواب عن قصة الأعرابي : فنقول : أن الشمس أو الريح تحتاج إلى وقت ، والمكان مكان الصلاة ، والناس سيأتون ويصلون ، وإذا كان كذلك فإنه يبادر بإزالة النجاسة .
ويؤخذ منه أيضاً فائدة أخرى-كما سلف- أنه ينبغي لمن أصابه نجاسة أن يبادر بإزالتها وأن هذا هو السنة ، لأن النبي ( بادر بإزالة النجاسة .
"ولا استحالة " ولا تطهر النجاسة أيضاً باستحالة تقدم أن ذكرنا أن النجاسة تنقسم إلى قسمين : المتنجس والنجس ،
والمتنجس : هذا الذي نجاسته نجاسة حكمية ،
والنجس : نجاسته نجاسة عينية ، وأنهم يرون أن الذي يطهر هو الذي نجاسته نجاسة حكمية ، وأن ما كانت نجاسته نجاسة عينية هذا لا يطهر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله "ولا تطهر النجاسة" ، وقال "النجاسة" ولم يقل "المتنجس" لأن النجاسة سبيل تطهيرها هو الاستحالة ، لأنك ما يمكن أن تطهرها بالماء هي ذاتها وعينها نجسة ، فسبيل تطهيرها الاستحالة ، فقال : " ولا تطهر النجاسة بالاستحالة" وهذا هو المشهور من المذهب ، وهو قول أكثر العلماء رحمهم الله : أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة .(1/211)
والرأي الثاني : أنها تطهر بالاستحالة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وأيضاً قول
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحنفية والظاهرية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : التعبير هذا فيه نظر ، يقول : ما يقال بأن النجاسة طهرت بالاستحالة ، وإنما يقال بأنها استحالت إلى عين أخرى .
الذين قالوا بأنها لا تطهر بالاستحالة : قالوا : " بأن النبي ( نهى عن أكل الجلالة وألبانها220" . الجلالة : هي التي تأكل النجاسة ، والنبي ( نهى عن أكلها وعن لبنها ، ولو كانت النجاسة تطهر بالاستحالة ما نهى النبي ( عن ذلك ، لأن هذه إذا أكلت النجاسة فإنه يستحيل إلى دم وإلى لحم ولبن ، النجاسة استحالت الآن ، ومع ذلك نهى النبي ( عن أكلها وعن ألبانها ، قالوا : هذا دليل أنها لم تطهر .(1/212)
والذين قالوا : أنها تطهر استدلوا بأدلة ، من ذلك : الإجماع قائم على أن الخمر إذا انقلبت بنفسها إلى خل فإنها تطهر ، وأيضاً ؛ الله عز وجل أخبر عن اللبن أنه من بين فرث ودم ومع ذلك فهو طاهر بالإجماع ، وكذلك أيضاً ، أن النبي ( -كما ذكر ابن القيم- نبش قبور المشركين ، وصلى في ذلك المكان ، وهذه القبور لاشك أن فيها الصديد وفيها الدم لكنها استحالت ، وأيضاً الحكم يدور مع علنه وجوداً وعدماً ، وهذه العين المستخبثة شرعاً انقلبت إلى عين أخرى ، فمثلاً : العذرة أصبحت رماداً ، ما أصبحت عذرة ، أو أصبحت دخاناً ، هذا الحيوان النجس انقلب الآن إلى كونه مادة أخرى انقلب إلى كونه رماداً ، انقلب إلى كونه دخاناً إلى آخره ، وهذا القول هو الصواب ، وأن النجاسة تطهر بالاستحالة .
إلا خمرة تنقلب خلاً بنفسها ولا يطهر دهن بغسل.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إلا خمرة تنقلب خلاً بنفسها " وهذا بالإجماع ، فالعلماء مجمعون على أن الخمر إذا انقلبت خلاً بنفسها بدون تخليط فإنها تطهر على القول بنجاسة الخمر ، ودليل ذلك كما أسلفنا الإجماع ، وأيضاً قالوا : بأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله بقوله " تنقلب خلاً بنفسها " أنها لو خللت فإنها لا تطهر بمعنى : كان التخليل يصنع الآدمي ،
وذلك مثل : الغليان ، إذا غليت ثم انقلبت خلاً أو أضيف إليها بعض المواد فانقلبت خلاً أو نقلت من مكان إلى مكان ,,,, إلى آخره ، المهم إذا كان ذلك بصنع الآدمي فإنها لا تحل ولا تطهر ، ويدل لذلك حديث أنس رضي الله عنه ، أن النبي ( سئل عن الخمر تتخذ خلاً ، فقال النبي ( : " لا 221" وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .
فتلخص لنا أن الخمر لا تخلو من أمرين :
1 - الأمر الأول : أن تنقلب خلاً بنفسها ، فهذه تطهر وتحل .(1/213)
2 - والأمر الثاني : أن تنقلب خلاً بصنع الآدمي ، فهذه لا تطهر ولا تحل .
" ولا يطهر دهن بغسل " المذهب : أن سائر المائعات إذا تنجست لا تطهر إلا الماء كما تقدم لنا الماء يرون أنه يطهر وأما سائر المائعات إذا تنجست فيرون أنها لا تطهر ، فالدهن
ولا حب تشربها......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرون أنه لا يطهر الغسل يرون أنه لا يطهر الحليب واللبن إلا آخره ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وعند أبي حنيفة رحمه الله أن الدهن يطهر إذا تنجس ، وهذا القول هو الصواب، لأن النجاسة عين مستقذرة شرعاً فإذا زالت بأي مزيل فإن المحل يطهر .
وأما المذهب فيقولون : بأن الدهن لا يطهر لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه ، لأنهم يرون أن المتنجس لا يطهره إلا الماء .
والصواب - كما قلنا - مذهب أبي حنفية رحمه الله ، ومذهب أبي حنفية هو أوسع المذاهب فيما يتعلق بإزالة النجاسة ، فيرون أنه يطهر ، وذكرنا العلة في ذلك أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً فإذا طهرت بأي مطهر فإنه يطهر ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن المتنجس لا يشترط في إزالته الماء ، بل يطهر بكل مطهر ، وعلى هذا إذا كان عندنا دهن ووقع عليه البول ، أو زيت وقع عليه البول أو دم مسفوح أو نحو ذلك من النجاسات ، نقول : يطهر بالإضافة ، وبالغلي إلى آخره ، المهم ما يزيل هذه العين المستقذرة شرعاً أي طريق ، واليوم بسبب الترقي الصناعات فيمكن تطهير هذه الأشياء ، هذا الصواب .
"ولا حب تشربها" الحب : هو الجرة الضخمة ، فإذا كانت هناك جرة ضخمة ، كالتي تكون من الفخار وتشرب النجاسة ، فيقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تطهر ، والصواب -كما ذكرنا- أن النجاسة عين مستقذرة شرعاً ، إذا زالت بأي مزيل فإنه يطهر ،(1/214)
أو سكين سقيتها ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة غمره بالماء......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمثل هذا الحب (هذه الجرة) نقول : إذا طهرت بالشمس عرضتها للشمس ، وزالت العين المستقذرة إذا طهرت بجعلها بالماء ، إذا طهرت عن طريق الغليان ، المهم بأي مطهر لا يضرها ، فنقول : بأنها تطهر .
"أو سكين سقيتها " أي : لو كان عندنا سكين وسقيت هذه السكين النجاسة ، كما لوسقيت ماءً نجساً أو بولاً ، أو نحو ذلك من النجاسات ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا يطهر ، والعلة في ذلك قالوا : لأن الغسل لا يصل إلى جميع أجزاء النجاسة ، وكما ذكرنا الصواب في ذلك : أنه حتى السكين إذا سقيت النجاسة وتشربت النجاسة ، فنقول : أنها تطهر بأي مطهر يزيل العين المستقذرة شرعاً ما لم يحصل ضرر - وهذا كما تقدم لنا - فإذا كانت لا تطهر إلا بشيء يضرها ، نقول : يسقط التطهير
" ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة غمره بالماء" هذا القسم الثالث من أقسام المتنجسات ، تقدم لنا أن المتنجس لا يخلوا من ثلاثة أقسام :
1 - ما نجاسته نجاسة مغلظة .
2- ما نجاسة نجاسة متوسطة .
3 - ما نجاسته نجاسة مخففة .
وهنا شرع المؤلف رحمه الله في القسم الثالث : وهو الذي نجاسته نجاسة مخففة ، فهذا يكفي فيه النضح ، ويدل لهذا حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنهما " أنها أتت بابن
غلام لم يأكل طعاما لشهوةً..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صغير لها لم يأكل الطعام إلى النبي ( فأجلسته في حجره فبال على ثوبه ، فدعا النبي ( بماء فنضحه ولم يغسله 222" وهذا الحديث في الصحيحين ، ومثله أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها .
فنقول بول : الذكر الذي لم يأكل الطعام ، هذا يكفي فيه نضحه بالماء - أي يكفي أنه يصب عليه الماء .(1/215)
وقوله " غلام" هذا يخرج الجارية ، فالجارية ، هذه لابد من غسل بولها حتى وإن لم تأكل الطعام .
وقوله " لم يأكل طعاماً " يخرج الصبي الذي أكل الطعام ، فبوله كغائطه ، يكون من النجاسات المتوسطة .
وقوله " لشهوة" هذا يخرج ما إذا أكل طعاماً لغير شهوة ،
مثلاً : وضع في فمه شيء فامتصه لغير شهوة ،
هذا نقول : بأن هذا الأكل لا أثر له ، ويكفي فيه النضح ، أما إذا كان يأكله لشهوة ، بأن تجده يشرئب إليه ويصيح ويشتهيه ويزحف ونحو ذلك - يريد هذا الطعام- فنقول : بأنه لا يكفي في تطهير نجاسة بوله بالنضح بل لابد من الغسل .
وهذا أي أنه يكتفي بالنضح هذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية .
لم يأكل طعاماً لشهوة وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يتيقن........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعند الحنفية والمالكية : أنه لابد من الغسل .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة والشافعية رحمهم الله .
وقوله " لم يأكل طعاماً لشهوة " هذا دل له حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها ، فإنها أتت بابن لها صغير - لم يأكل الطعام -.." قولها " لم يأكل الطعام هذا يدل على ما ذكره المؤلف رحمه الله .
والحكمة في التفريق بين الذكر والأنثى هذا ذكرها العلماء رحمهم الله من ذلك حكماً : فقالوا : بأن الذكر بوله ينتشر ، وأما الأنثى فبلوها يجتمع ، وقيل : بأن الذكر تعظم المشقة بغسل بوله ، إذ أنه عمل أكثر بخلاف الأنثى ، وقيل : بأن الذكر أصله من الطين والأنثى أصلها من اللحم والدم إلى آخره ، وقال بعض العلماء : ما يظهر هناك فرق ، كما ذكر الشافعي رحمه الله ، قال : لم يتبين لي فرق من السنة بينهما ، وقيل : بأن الذكر بوله رقيق ، والأنثى غليظ ، المهم : ما دام أن السنة جاءت بهذا فنقول : السنة جاءت بهذا ، وكان في ذلك حكمة .(1/216)
" وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يتيقن زوالها " يعني : خفي في الثوب في البدن في البقعة التي يصلي عليها ، يقول المؤلف رحمه الله : غسل حتى يتيقن زوالها ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يكفي الظن في ذلك وأنه لا بد من اليقين .
والصواب في ذلك : أنه يكفي الظن ، وأنه إذا ظن أن المحل طهر فهذا يكفي ولا بأس بذلك ،
ويعفى عن يسير دم وقيح وصديد بثوب أو بدن من حيوان طاهر........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن جهل مكانها (لا يدري أين هي) نقول : هذا لا يخلو من أمرين:
1 - الأمر الأول : أنه يمكنه أن يتحرى يعني : هناك قرائن على أن هذه النجاسة في هذا الموضع ، فنقول : يغسل هذا الموضع .
2 - الأمر الثاني : لا يمكنه أن يتحرى ، لا يدري هل هي في هذا الكم أو في هذا الكم ، ليس هناك قرائن تحدد مكان النجاسة ، فنقول : يغسل حتى يظن أنه قد زالت النجاسة ، فإذا احتاج أن يغسل نصف الثوب غسله ، مثلاً : لو كانت النجاسة في الثوب ، يعلم أنها في النصف الفوقاني ، لكن لا يدري هل هي في جانب الأيمن أو في جانب الأيسر ، أو في أعلى الثوب أو في وسطه ، وليس هناك قرائن لتجري ، فنقول : بأنه يغسل جميع نصف الثوب الذي ظن أن النجاسة فيه ، وعلى هذا فقس .
" ويعفى عن يسير دم وقيح وصديد بثوب أو بدن من حيوان طاهر " القيح والصديد : هذه متحول عن الدم .
هنا ذكر المؤلف رحمه الله ما يعفى عنه من النجاسات ، فقال الأول : الدم والقيح والصديد ، لكن اشترط المؤلف رحمه الله لهذا شروطاً :
1 - الشرط الأول : أن يكون يسيراً .
2 - الشرط الثاني : أن يكون في ثوب أو بدن .
3 - الشرط الثالث : أن يكون ذلك من حيوان طاهر في حال الحياة .
..............................................................................................................................................(1/217)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا قوله " أن يكون يسيراً " لو كان كثيراً فإنه لا يجزئ ، وقوله
" أن يكون في ثوب أو بدن" لو كان هذا الدم أو القيح أو الصديد في طعام فإنه لا يعفى عنه ، وقوله " من حيوان طاهر في الحال الحياة " ، سبق أن بينا ما هو الحيوان الطاهر في الحياة ، نقول : الحيوان الطاهر في حال الحياة يشمل أموراً :
الأمر الأول : الآدمي ، الأدمي طاهر في حال الحياة حتى ولو كان كافراً ، وعلى هذا إذا خرجت من الآدمي نقطة الدم في الثوب فهذه يسيرة ، فإنه يعفى عنه.
الأمر الثاني : مأكول اللحم ، مثل : الشاة شاة انجرحت وخرجت منها نقطة من الدم ، فنقول : بأن هذا يسير في الثوب من حيوان طاهر في حال الحياة .
الأمر الثالث : حيوان البحر هذا طاهر في حال الحياة ، وعموماً حيوان البحر ، كما سيأتينا إن شاء الله في أقسام الدم ، كل ما خرج منه فهو طاهر قليل أو كثير.
الأمر الرابع : ما يشق التحرز عنه من الحيوانات ، فهذه طاهر في حال الحياة ، مثل الفأرة والهرة ، والمذهب لا يضبطونه بمشقة التحرز وإنما يقولون : ما كان مثل الهرة فأقل في الخلقة يقولون : بأن هذا طاهر في حال الحياة ، والصواب : أنه ما يشق التحرز عنه إلا ما استثناه الشارع كالكلب ، وعلى هذا لو خرج من الهرة نقطة من الدم وأصابت الثوب فإنه يعفى عنه
الأمر الخامس : ما لا نفس له سائلة ، فهذا طاهر ، مثل : الخنفسة والعقرب والصراصير ، وهذا سيأتينا إن شاء الله في بيان أعيان النجسة ، فنقول : بأن هذه الأشياء طاهرة .
وعن أثر استجمار بمحله........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/218)
المهم تبين لنا الحيوان الطاهر ، فإذا خرج نقطة من الدم أو القيح أو الصديد ، وأصابت الثوب أو البدن ، فنقول : بأنها طاهر ويعفى عن ذلك ،
هذا الأمر الأول على المذهب وهو : الدم والقيح والصديد بشروط ثلاثة .
" وعن أثر استجمار بمحله"
هذا الأمر الثاني مما يعفى عنه : أثر الاستجمار ، إذا قضى المرء حاجته ثم استجمر قطعاً سيبقى شيء من النجاسة في المحل ، فقال لك المؤلف رحمه الله يعفى عن الباقي من النجاسة ، يعفى عن يسير هذه النجاسة التي تكون بهذا المحل ، ويدل لذلك سائر أدلة الاستجمار " وأن لا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " فإذا استنجى بثلاثة أحجار إلى آخره ، وبقي شيء من النجاسة فهذا معفو عنه .
وقوله " بمحله" يؤخذ منه أنه لو تعدى محله ، يعني : انتقلت النجاسة إلى الثوب
مثلاً : إلى السروايل ، أو انتقلت النجاسة بسبب الرطوبة وبسبب العرق ، وأصابت الفخذين
هل يعفى عن ذلك أو لا ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأنه لا يعفى ، هذا المذهب ، فأصبح عندنا ما يعفى عن النجاسة يشتمل هذين الأمرين إلى آخره .
والرأي الثاني : قول الحنفية واختاره شيخ الإسلام : أنه يعفى عن يسير كل النجاسة ، سواء كان ذلك في الثوب أو البدن ، وسواء كان دماً أو قيحاً أو بولاً ، أو غائطاً ، إلى آخره
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/219)
يعفى عن يسير سائر النجاسات ، ولا يقيد بذلك بالدم والقيء والصديد ، وهذا أضبط ، وهو الذي دل له الدليل ، ويدل لذلك سائر أدلة الاستجمار ، كون الشارع يرخص في الاستجمار ، يدل هذا على أن الاستجمار مجزئ ، وأنه سيبقى شيء من أثر النجاسة ، ومع ذلك عفى عنها الشارع ،
فنقول : الصواب في ذلك : أن يسير سائر النجاسات يعفى عنه ولا يقيد بالدم والصديد والقيح ،
مثلاً : لو أن الإنسان خرج منه نقطة من البول وأصابت الثوب ، على المذهب : أنه لا يعفى لأنهم قيدوا بالدم والقيح والصديد ، والبول والغائط إذا كانت بمحلها فقط ، وإذا تعدت المحل فإنه لا يعفى ، لكن إذا قلنا بأنه يعفى فنقول : بأنه يعفى ولا يضر .
وأيضاً قولهم في أثر الاستجمار ، قالوا "بمحله" ابن القيم رحمه الله يرى أن الاستجمار رافع وليس مبيحاً ، وعلى هذا إذا استجمر الشخص ثم تعدت النجاسة ، بقي الشيء في المحل ثم تعدت بسبب الرطوبة ، تعدت إلى الثوب (السروايل) تعدت إلى الفخذين ، أن هذا طاهر ولا بأس به .
وعلى هذا نقول : الخلاصة في ذلك أنه يعفى عن يسير سائر النجاسات ، سواء كان ذلك في الصلاة أو في غيرها ، هذا الصواب كما ذكرنا الدليل على ذلك وأيضاً فيما يتعلق بأثر الاستجمار بمحله الصواب ، أنه إذا استجمر استجماراً شرعياً ثم تعدت النجاسة إلى غير المحل ، نقول : بأنه يطهر ولا بأس بذلك .
ولا ينجس آدمي ولا ما لا نفس له سائلة بموت........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا ينجس آدمي ولا ما لا نفس له سائلة بموت " .(1/220)
هنا المؤلف رحمه الله في هذا الكلام أراد أن يبين ما هي الأعيان النجسة ، وما هي الأعيان غير النجسة ، لما ذكر أقسام المتنجس ، وذكر أنها ثلاثة أقسام ، وكيف يطهر كل قسم ، وذكرنا أيضاً النجاسة ، ما كان نجاسته عينية ، هل تطهر أو لا تطهر ، وما يعفى عنه من النجاسات ، شرع في بيان الأعيان النجسة ، ولو أن المؤلف رحمه الله بدأ بالأعيان النجسة ثم ذكر بعد ذلك كيف نطهر الأشياء المتنجسة لكان ذلك أحسن .
" و لا ينجس آدمي بموت " أي لا ينجس آدمي بموت ولو كان كافراً ، ويدل لذلك قول الله عز وجل ( ولقد كرمنا بني آدم ( وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه " إن المؤمن" ، وفي لفظ "المسلم لا ينجس 223" هذا في الصحيحين . وأما بالنسبة للكافر فلأن الله أباح لنا نساء أهل الكتاب ، قال تعالى ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم( ، ولاشك أن الزوج سيخالط زوجته ، ولو كانت نجسة لما أبيح ذلك ، وأيضاً ذبائحهم حلال لنا ، فنقول : بأن الأدمي طاهر في الحياة وفي حال الموت . وعلى هذا نقول : ضوابط الأشياء النجسة :
1 - الضابط الأول : الأصل في الأعيان الطهارة والإباحة ، فالأصل في الحيوانات والطيور وسائر الأعيان حتى الجمادات الحجارة والأرض والتراب والثياب والصوف إلى آخره
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/221)
نقول : الأصل في ذلك الطهارة والإباحة فهي طاهرة ومباحة ، ودليل ذلك قول الله عز وجل ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً( وهذا ذكره الله عز وجل في معرض الامتنان ، فيعم كل ما في الأرض ، ومقتضى ذلك أن هذه الأشياء مباحة وأنها طاهرة ، وكذلك قول الله عز وجل ( والأرض وضعها للأنام ( .
2 - الضابط الثاني : كل حيوان محرم الأكل فهو نجس ، ونستثني من ذلك ثلاثة أشياء :
1 - الشيء الأول : الآدمي ، فهو طاهر ، حيوان محرم الأكل لكنه طاهر .
2 - الشيء الثاني : ما لا نفس له سائلة ، يعني : إذا قتل ليس له دم يسيل.وهذا كما قلنا مثل : الذباب ، والخنفسة ، والعقرب ، والعنكبوت ، والجعل ، والبعوض ، البق .. الخ ، هذه الأشياء مع أنها محرمة الأكل إلا أنها طاهرة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري وغيره " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم (أوفي شراب أحدكم) فليغمسه ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاءً في الآخر داء 224" وأمر النبي ( بغمسه يقتضي أنه طاهر "
3 - الشيء الثالث : ما يشق التحرز عنه وذكرنا أن الحنابلة يضبطونه يقولون: ما كان كالهرة ودونها في الخلقة ، لكن الأحسن ما دل عليه الدليل ، نقول: ما يشق التحرز عنه إلا ما استثناه الشارع كالكلب ، ويدل لذلك حديث أبي قتادة رضي الله عنه قول النبي ( في الهرة " إنها ليست بنجس أنها من الطوافين عليكم والطوافات 225" ، فالنبي ( حكم بطهارتها لكونها
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني آدمي وعرقه وريقه طاهر.....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الطوافين ، ويفهم من ذلك أن ما عداها الذي لا يطوف علينا أنه نجس ،
مثل : الأسد والذئب .
وأيضاً استدل بعض العلماء على هذا بأن الشارع حرم أكلها لكن هذا لا يدل على النجاسة ، السم محرم أكله ، مع ذلك نقول : بأنه طاهر .
" وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه ومني آدمي وعرقه وريقه طاهر " .(1/222)
هذا الضابط الثالث : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس ، لكن نستثني من ذلك أشياء ذكرها المؤلف رحمه الله : مني الآدمي كما سيأتي إن شاء الله- أنه طاهر وهو خارج من محرم الأكل ، فمني الآدمي طاهر ، عرقه ريقه مخاطه ، الريح ، رطوبة فرج المرأة .
ما خرج من ما لا نفس له سائلة ، يعني : إذا قتلت شيئاً ليس له نفس سائلة فخرج منه شيء ، فهذا طاهر ، كذلك أيضاً ريق ما يشق التحرز عنه ، وعرقه ، فهذا طاهر ، فريق الهرة وعرقها ودمعها ، وأيضاً الحمار ريقه وعرقه ودمعه ومخاطه ، نقول هذه الأشياء طاهرة ، وكذلك أيضاً لبن الآدمي فإنه طاهر .
وقول المؤلف رحمه الله " وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر " ما يؤكل لحمه ، مثل: الضأن والجمل والمعز والدجاج إلى آخره ، هذه الأشياء التي يؤكل لحمها ، فإن روثها طاهر ، وبولها طاهر ومنيها طاهر ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وعلى خلاف ذلك الشافعي رحمه الله ، فيرى أنه نجس .
وبول ما يؤكل لحمه..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، ويدل لذلك " أن النبي ( سئل أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : نعم 226" وهذا في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه ، وهذا يدل على طهاراتها ، وأيضاً أن النبي ( طاف في الكعبة على البعير ، ولاشك أنه إذا طاف على البعير ، فقد يخرج من البعير شيء إلى آخره 227"، وكذلك أيضاً أن النبي ( أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال إبل الصدقة وألبانها228 " فهذا يدل على طهارتها ،
فالصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .(1/223)
وقوله " وبول ما يؤكل لحمه " يفهم منه أن ما لا يؤكل لحمه فبوله نجس ، مثل : بول الحمار وبول الأسد ، وروث الحمار والأسد والفيل والنمر ..الخ ، وأن مني هذه الأشياء أيضاً نجس ، وقد تقدم لنا في الضابط السابق أن ذكرنا : أن ما خرج من محرم للأكل فهو نجس ، ويدل في ذلك بول الأسد وروثه ومنيه ، ومثل ذلك أيضاً ، الذئب والنمر ..الخ ،
واستثنيا بعض الأشياء .
" ومني آدمي طاهر " هذا هو المذهب ، وهو أيضاً مذهب الشافعي رحمه الله ، أن مني الآدمي طاهر ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنه ، قالت : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ( ثم يذهب فيصلي فيه 229" وهذا في الصحيحين ، ولو كان نجساً لما اقتصرت
وعرقه وريقه طاهر وكذا سؤر هر.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنها على مجرد الفرك والحك بالأظفر ، وأيضاً ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : " امسحه عنك بإذخرة أو خرقة ، فهو بمنزلة المخاط والبصاق 230" .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة ومالك رحمهما الله ، أن مني الآدمي نجس ،
واستدلوا على ذلك بأن عائشة رضي الله عنها فركت " ، وعنهما رضي الله عنها " أنها غسلت " ، فهذا يدل على أنه نجس - الغسل يدل على أنه نجس- وكذلك أيضاً قالوا : بأنه وارد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم غسل المني .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي ، ويؤيد ذلك - ما ذكروه من الأدلة- أن هذا الماء هو أصل الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين ، فيبعد أن يكون أصل هؤلاء الأخيار نجساً ، فالصواب في ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو المذهب ،(1/224)
وابن القيم رحمه الله في كتابه " بدائع الفوائد"عقد مناظرة بين الرجلين ، رجل يرى طهارة المني ورجل يرى نجاسته ، وذكر عن الذي يرى طهارة المني ، قال : أنا أريد أن أقنعه أن أصله طاهر وهو يأبى إلا أن أصله نجس .
" وعرقه وريقه طاهر " يعني : عرق ما يؤكل لحمه ، مثل : عرق الضأن ، عرق البعير ..الخ ، وريقه طاهر وهذا ظاهر .
" وكذا سؤر هر " سؤر الهر : فضلة طعامه وشرابه ،
وما دونه خلقة وسباع البهائم والطير مما فوق الهر...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وما دونه خلقة " أي فضل الطعام والشراب ما دون الهر خلقة ، يقول المؤلف رحمه الله بأنه طاهر ، وقد ذكرنا فيما تقدم من الضابط ، قلنا : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس يستثنى من ذلك ريق وعرق ما يشق التحرز عنه ، والمؤلف رحمه الله قيده بالحجم ،
والصواب : أنه يقيد بمشقة التحرز ، هذا الذي ورد به النص ، فنقول : ما يشق التحرز عنه ، فإن ريقه وعرقه طاهر ، وإذا قلنا بطهارة الريق فيترتب على ذلك : أن سؤرة (فضلة طعامه وشرابه) فحكمه طاهر .
" وسباع البهائم والطير مما فوق الهر والحمار الأهلي والبغل منه وعرقه وريقه وكل مسكر نجس " .
" سباع البهائم" هذه داخلة فيما تقدم من الضابط ، وهو أن ذكرناه كل حيوان محرم الأكل فهو نجس ، فيدخل في ذلك سباع البهائم ، سباع الطير هذه حيوانات محرمة الأكل ، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه " أن النبي ( نهى عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير231".
" وسباع البهائم والطير مما فوق الهر" وهنا قيده المؤلف رحمه الله بالخلقة ، فيقول : كالهر وما دونه في الخلقة فهذا طاهر ، وما عدا ذلك فهو نجس،
والصواب في ذلك : أنه لا يقيد بالخلقة وإنما يقيد بمشقة التحرز كما في حديث أبي قتادة(1/225)
والحمار الأهلي والبغل منه وعرقه وريقه وكل مسكر نجس................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رضي الله عنه .
وسباع البهائم واضح ، مثل : النمر والأسد ، هذه يرى المؤلف رحمه الله أنها نجسة وسباع الطير ، مثل : الصقر ، والعقاب والبازي ، هذه نجسة .
" والحمار الأهلي والبغل منه" هذه يرى المؤلف رحمه الله أنها نجسة ،
والبغل : هذا متولد بين الحمار والفرس ، فيرى أنه نجس ، وإن كان الفرس طاهراً ، لكن الحمار نجس فيغلب جانب الحضر ، وهذا -كون الحمار نجس والبغل نجس- هذا على رأي المؤلف لأن المؤلف رحمه الله يرى التعليق بالخلقة ، لكن إذا قلنا أنه يتعلق بمشقة التحرز
فنقول : بأن الحمار طاهر .
وما المراد بالطاهر؟
هذا كما تقدم لنا أن ريقه طاهر سؤره طاهر ، عرقه طاهر ، دمعه طاهر ..الخ
أما ما يتعلق ببوله وروثه ومنيه ولحمه ولبنه ، فهذه الأشياء نجسة ، سبق أن أشرنا إلى هذا في الضابط ، فقلنا : ما خرج من محرم الأكل فهو نجس يستثنى من ذلك ، كذا وكذا ..الخ
" وكل مسكر نجس" هذا الضابط الرابع :
الضابط الرابع : كل مسكر نجس .
وقال المؤلف رحمه الله " مسكر" هذا هو الصواب في تفسير الخمر ، لأن الخمر هذه اختلف العلماء رحمهم الله في تفسيرها ، فجمهور العلماء يرون أن الخمر : هي كل ما أسكر
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أي نوع كان ، لقول النبي ( " كل مسكر خمر وكل خمر حرام232" .
والرأي الثاني : أن الخمر خاصة بعصير العنب (المسكر) ، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى .(1/226)
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بهذه المسألة في "كتاب الأطعمة" .
فنقول : الخمر هل هي نجسة أو ليست نجسة؟
يرى المؤلف رحمه الله ، أن كل مسكر سواء كان خمراً أو نبيذً أو غير ذلك يرى أنه نجس ، وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : رأي الليث بن سعد وربيعة والمزني من أصحاب الشافعي : أن الخمر طاهرة ، ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بطهارة الخمر ، فاستدلوا على ذلك : بأن الله عز وجل لما حرم الخمر ، خرج بها الصحابة وسفكوها في طرق المدينة وأزقته ، فكونها تسفك في طرق المدينة وأزقتها ، هذا مما يدل على أنها طاهرة ، لو كانت نجسة ما فعل الصحابة رضي الله عنهم ، لأن الطرق ينهى عن البول فيها ، لأنه نجس ، فكذلك أيضاً الخمر لو كانت نجسة ، وكذلك أيضاً النبي ( لم يأمر الصحابة بأن يغسلوا ثيابهم وأوانيهم لما حرمت الخمر ، وكذلك أيضاً قصة الرجل - في صحيح مسلم- الذي أهدى النبي ( راوية خمر فأخبره أنها حرمت ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فأهراقها بحضرة النبي ( .233.ألخ ، فاستدلوا بمثل هذه الأدلة مع أن الأصل- كما ذكرنا- في الأعيان الطهارة ، فهذه تدل لما ذهب إليه من قال بأنها طاهرة . والذين قالوا بالنجاسة : استدلوا بقول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ( ، قال "رجس"(1/227)
والرجس : النجس ، وأيضاً استدلوا بقول الله عز وجل ( وسقاهم ربهم شراباً طهوراً( فوصف الله عز وجل شراب أهل الجنة بأنه طهور ، يؤخذ منه أن شراب أهل الدنيا أنه نجس .
والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه من قال بالطهارة ، هذا هو الأقرب ،
وأما قوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس( ، فنقول : نجس لكن النجاسة هنا نجاسة معنوية ، وقوله " طهوراً " هذا لا يلزم من ذلك أن يكون شراب أهل الدنيا نجساً فما يتعلق بالآخرة ، يختلف عن ما يتعلق في الدنيا ، ولهذا ذكر ابن عباس رضي الله عنهما أنه ليس في الآخرة إلا الإسم فقط بينما يتعلق بالحقيقة والطعم ، ونحو ذلك ، نقول : بأن ذلك كله يختلف . بقي لنا أيضاً من الضوابط :
الضابط الخامس : كل ميتة نجسة ، والميتة : هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية ، لكن نستثني من ذلك :
1 - ميتة الآدمي لما تقدم من الدليل على أن الآدمي طاهر في حال الحياة وفي حال الممات .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - ميتة ما لا نفس له سائلة : مثل الذباب ، البق ، البعوض ، الصراصير ، فهذه طاهرة ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه " فليغمسه 234" وقد يغمسه في شيء حار .
3 - ميتة حيوان البحر ، فهذه طاهرة ، وهذا الضابط يتعلق في أعيان الميتات.(1/228)
الضابط السادس : كل جزئ انفصل من حيوان ميتته نجسة ، فهو نجس ، وتقدم لنا ماهو الذي ميتته نجسة ، الآدمي ميتته طاهرة ، فالجزء الذي ينفصل منه فهو طاهر ،ما لا نفس له سائلة ميتته طاهرة فالجزئ الذي ينفصل منه فهو طاهر ، حيوان البحر ميتته طاهرة ، فالجزء الذي ينفصل منه ، فإنه طاهر .
لكن عندنا مثل الشاة : الشاة هذه ميتتها نجسة ، الجمل ، الحمار ، سباع البهائم ، سباع الطير ، الهر ، الفأرة ..الخ ، فهذه الأشياء نقول بأن ميتتها نجسة ، فالجزء الذي ينفصل منها ، فإنه نجس يأخذ حكمه ، فإذا قطعت يد شاة أو إلية شاة فحكم هذه اليد والإلية نجسة ، أو رجل جمل ، فنقول كن بأن هذه الرجل ونحو ذلك فإنها نجسة ، إلا ما يتعلق بالطريدة كما تقدم لنا في باب الآنية .
يستثنى من ذلك ما لا تحله الحياة ، مثل : الشعر ، فالشعر إذا انفصل من الحيوان الذي ميتته نجسة نقول : بأنه طاهر ، وكذلك أيضاً : الصوف ، الوبر ، الريش ، وأيضاً أضاف شيخ الإسلام رحمه الله القرون والأظلاف والعظام فهذه نقول بأنها طاهرة لأنها لا تحلها الحياة ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً أضاف : اللبن (الحليب) لأن قاعدة عند شيخ الإسلام أنه لا ينجس المائعات إلا بالتغير ، لكن الحليب هذا فيه نظر ، لأن النجاسة محيطة به من كل جانب لأن الحيوان لما مات أصبح كله نجساً.وأيضاً الجلد إذا دبغ فإنه يطهر.
الضابط السابع : الدم ، والدم ينقسم إلى أقسام :
1 - القسم الأول : دم الحيض والنفاس ، هذا نجس بالإجماع .(1/229)
2 - القسم الثاني : الدم المسفوح ، هذا أيضاً نجس بالإجماع ، لقول الله عز وجل " أو دماً مسفوماً" وأيضاً حديث أسماء رضي الله عنها كما تقدم في دم الحيض.
3 - القسم الثالث : الدم الخارج من بدن الإنسان كما لو انجرح الإنسان وخرج من يده أو رجله أو رأسه ونحو ذلك دم ، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم : فجمهور أهل العلم على أنه نجس ، وقد حكي الإجماع على ذلك.
والرأي الثاني : أنه طاهر ، وقد حكاه الشوكاني عن بعض المتقدمين .
ولكل منهم دليل ، أما الذين قالوا بالنجاسة : فاستدلوا بقول الله عز وجل ( أو دماً مسفوحاً( ، وهذا قالوا بأنه يدخل ، وأيضاً استدلوا بحديث أسماء رضي الله عنها في دم الحيض ، قالوا : هذا يلحق به ، واستدلوا أيضاً بأن النبي ( لما جرح في غزوة أحد غسلت فاطمة رضي الله عنها الدم عن النبي ( 235".
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/230)
والذين قالوا بأنه طاهر ، واستدلوا على ذلك بأدلة منها : قصة عباد بن بشر ، لما أصيب وهو يصلي ، فمضى مع أنه ينزف ، وكذلك أيضاً عمر رضي الله عنه لما طعن وهو يصلي لما عجز خلف عبدالرحمن بن عوف ، كذلك أيضاً قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه ، وأن النبي ( ضرب له خيمة في المسجد لكي يعوده من قريب ، وسال جرحه في المسجد 236"، وكذلك أيضاً ما ذكره حسن بن البصري رحمه الله أن الجرحات كان تصيبهم ومع ذلك ما كانوا يغسلون ، ويؤيد ذلك أيضاً أن الجزء له حكم الكل ، وأن الآدمي لو قطعت يده ، فإن يده حكمها طاهرة ، فإذا كان كذلك في اليد الممتلئة بالدم ، فكذلك أيضاً نقول بدمه ، وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو نجس237" فهذا مما يؤيد القول بالطهارة مع الأصل ، الأصل الطهارة ، وهذا يظهر أنه أقرب ، القول بالطهارة .
وعلى هذا تقدم لنا قلنا في الضابط : كل ما خرج من محرم الأكل فهو نجس ، واستثنينا ريق الآدمي وعرقه ودمعه ولبنه ، أيضاً يقال بذلك الدم الخارج من البدن دون الفرج ، وكذلك أيضاً يضاف القيء ، فالقيء هذا موضع خلاف ، هل هو طاهر أو نجس ؟
المشهور من المذهب : أن القيء نجس ، والمالكية يفصلون : إن خرج بحاله (أي : الطعام بحاله لم يتغير) ، فيقولون : بأنه طاهر ، وإن تغير أصبح له رائحة مستكرهة ، قالوا :بأنجس ، والذي يظهر- والله أعلم ..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثالث أنه طاهر.(1/231)
4 - القسم الرابع : دم الشهيد عليه ، فالمذهب ومذهب الحنفية يقولون : إذا استشهد شخص فالدم الذي خرج منه ما دام أنه عليه على بدنه وثيابه طاهر ، ولو انفصل فهو نجس .
والشافعية والمالكية يقولون : بأنه نجس مطلقاً ، على القاعدة عندهم ، وهذا مما يؤيد القول بالطهارة ، يعني : لماذا فرقوا بين دم الشهيد وغيره؟
هم يقولون : دم الشهيد طاهر ، هذا الدم ما تغير ، لماذا هنا حكمنا بأنه طاهر وإذا انفصل كالنجس ؟ هذا التفريق يحتاج إلى دليل ، وأيضاً لماذا حكمنا بأن دم الشهيد طاهر ، ودم غيره نجس؟ هذه يحتاج إلى دليل ، كالبول لا فرق بين بول الشهيد وبين غيره كله نجس .
5 - القسم الخامس : الدم الذي يكون في العروق (في اللحم إذا ذبح الذبيحة أثناء التقطيع يكون في عروقها ونحو ذلك) نقول : بأنه طاهر ولا بأس به .
6 - القسم السادس : المسك وفأرته ، وهذا تقدم الكلام عليه " في باب الآنية " فلا حاجة إلى إعادته .
7 - القسم السابع : ما خرج من حيوان ميتته نجسة : مثل الشاة ميتتها نجسة ، الشاة لو انجرحت وهي حية وخرج منها دم ، فهذا الدم حكمه نجس لحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه " ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة 238" ، أي : يأخذ حكم الميتة ،
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلو قطعنا اليد نقول : بأنها نجسة ، مثله أيضاً الدم ، ومثل الجمل لو انجرح ..الخ
المهم ميتتها نجسة .
8 - القسم الثامن : ما خرج من ما لا نفس له سائلة ، وهذا عكس قسم الذي قبله ، لأن ما لا نفس له سائلة ميتته طاهرة ، فما خرج فهو طاهر .(1/232)
9 - القسم التاسع : ما خرج من حيوان البحر ، الدم الذي خرج من السمك ونحو ذلك ، فهذا طاهر ، وهذا يمكن أيضاً أن يدخل في الضابط الذي قبله .
10 - القسم العاشر : المتولد عن الدم كالقيح والصديد ، ونحو ذلك ، نقول : حكمه حكم الدم كما تقدم في أقسام السابقة .
المسألة : إذا طهر المحل ثم بقي أثر النجاسة ، مثل الدم ، لو طهره ثم بقي أثر الإحمرار ونحو ذلك ، فنقول بأن أثر النجاسة لا يخلو من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يكون الباقي من عين النجاسة ، فنقول : المحل لم يطهر.
2 - القسم الثاني : أن يكون الباقي لون النجاسة ، كما قلنا : أثر الاحمرار ، فنقول : بأن المحل طهر .
3 - القسم الثالث : أن يكون الباقي رائحة النجاسة ، أيضاً نقول : طهر المحل.
4 - القسم الرابع : أن يكون الباقي الطعم والرائحة جميعاً ، فهذا فيه تفصيل : إن عجز عن إزالتها فيعفى وإلا لا يعفى .
…باب الحيض
يمنع الغسل له.....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحيض في اللغة : السيلان ، يقال : حاض الوادي إذا سال .
وأما في الاصطلاح : فهو دم طبيعة وجبلة يخرج من الأنثى في أوقات معلومة.
والأصل فيه من القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن فيقول الله عز وجل( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( .
والسنة : سيأتي كثير من الأحاديث إن شاء الله من ذلك حديث عائشة في الصحيحين أن النبي ( قال : " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 239" .
" يمنع الغسل له " يعني : إذا وجد دم الحيض فإنه يمنع أشياء ويترتب عليه أحكام ،(1/233)
أما الأول : فالغسل للحيض ، يمنع الغسل للحيض ، فلو أن المرأة اغتسلت لأجل الحيض ، ودم الحيض لا يزال باقياً عليها ، فنقول : بأن هذا الغسل غير صحيح ، لأن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله( .
له, والوضوء.........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقال " حتى يطهرن " وذلك بانقطاع دم الحيض " فإذا تطهرن " أي اغتسلن فدل ذلك: على أن الإغتسال إنما يكون بعد انقطاع دم الحيض ، وأيضاً ما سلف من حديث عائشة رضي الله عنها ، أن النبي ( قال : " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي وصلي 240" فقال النبي ( " ثم" وهذه تدل على الترتيب .
وقوله " له " الضمير هنا يعود للحيض ، فدل ذلك على أنه يمنع الاغتسال للحيض فقط ، ولا يمنع الغسل لغير الحيض ، فلو أن المرأة الحائض أصابتها جنابة ، فإنه يستحب لها أن تغتسل وهي حائض ، لكي ترفع عنها الجنابة ، فتقرأ القرآن على الصحيح ، وأيضاً لا يكره نومها ..الخ أي : الأحكام المترتبة على رفع الجنابة.
ومن ذلك أيضاً الإحرام ، فالحيض لا يمنع الغسل للإحرام ، فإذا كانت حائضاً فإنه يستحب لها أن تغتسل إذا أرادت الإحرام ، ويدل لذلك أن عائشة رضي الله عنها لما حاضت أمرها النبي ( أن تغتسل وأن تحرم بالحج " وأسماء بنت عميس لما نفست أمرها النبي ( أن تسثفر بثوب وأن تغتسل وأن تحرم 241" .
" والوضوء " أيضاً يمنع الوضوء ، لا يصح وضوءها ، لما تقدم من الأدلة ، لأن الحدث لا يزال موجوداً وسيأتينا إن شاء الله الحائض هل لها أن تمكث في المسجد ، إذا احتاجت إلى ذلك(1/234)
والصلاة ووجوبها....................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالوضوء ؟ لأن الحائض ، كما سيأتينا ممنوعة من المسجد ، لكن إذا توضأت فهل لها أن تدخل المسجد أو ليس لها ذلك كالجنب ؟ هذا سيأتي إن شاء الله .
" والصلاة ووجوبها " أيضاً يمنع الصلاة أي أن الحيض لا تجب معه الصلاة وهذا بالإجماع ودليل ذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها " امكثي قدر الأيام التي كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 242" .
فدل ذلك على أنها ممنوعة من الصلاة وقت الحيض ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها " لما سئلت ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت: كان ذلك يصيبنا على عهد رسول الله ( فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة 243" ، فدل ذلك على أنها لا تصلي ، وأيضاً قول النبي ( " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" .
وقوله " الصلاة " ما المراد بالصلاة هنا ؟
المراد بالصلاة هنا : الصلاة التي تشترط لها الطهارة ، وهي التي لها تحريم وتحليل ، حديث علي رضي الله تعالى عنه ، أن النبي ( قال : " مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم 244" وعلى هذا ما ليس له تحريم ولا تحليل تصح من الحائض ،
مثل سجدة التلاوة ، الصواب : أن الحائض لها أن تقرأ القرآن ، فإذا قرأ القرآن بدون
وفعل الصوم..........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تمسه ، ومرت على سجدة التلاوة فنقول : يشرع لها أن تسجد ، وكذلك أيضاً : سجدة الشكر ، لها أن تسجد سجدة الشكر ، إذا حصلت لها نعمة أو اندفعت عنها نقمة ، فإنه يستحب لها أن تشكر سجدة الشكر .(1/235)
" وفعل الصوم " أيضاً لا يجوز لها أن تصوم ، وهذا بالإجماع ، لما تقدم في صحيح البخاري أن النبي ( قال : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم 245" ، ولو أن الحائض طهرت بعد طلوع الفجر بلحظة واحدة فإن صومها غير صحيح ، لابد أن تكون طاهرة من طلوع الفجر الثاني ، إلى غروب الشمس ، ولو أنها رأت الدم قبل غروب الشمس بلحظة واحدة ، فإن صومها غير صحيح .
ولو أنها أحست بتحرك الدم لكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس ، فإن صومها صحيح ولو أنها أفطرت ثم وجدت الدم بعد الإفطار وشكت فيه ، لا تدري هل هو قبل الغروب حصل معها أو بعد الغروب فنقول : الأصل في ذلك صحة الصوم .
ومثل ذلك أيضاً : لو أنها نوت الصيام من الليل ، ثم استيقظت بعد طلوع الفجر ولا تدري متى طهرت ، هل طهرت قبل طلوع الفرج أو بعد طلوع الفجر؟
فإن صيامها غير صحيح ، لأن الأصل بقاء دم الحيض لابد أن تكون عرفت الطهر قبل طلوع الفجر .
وطواف...................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"و طواف " وأيضاً يمنع الطواف ، ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها : أن النبي ( قال لها - لما حاضت " افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري 246" ، وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها ، لما حاضت صفية رضي الله عنها ، فقال النبي ( " أحابستنا هي ؟ قالوا يا رسول الله أنها أفاضت ، قال : فلتنفر إذاً 247" فدل ذلك على أن الحيض يحبس .
وقوله " طواف " هذا لا يشمل طواف الوداع ، فإن طواف الوداع يسقط عن الحائض ، لقول النبي ( في حديث ابن عباس رضي الله عنهما " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ( الطواف )، إلا أنه خفف عن الحائض 248" ، فإذا حاضت قبل طواف الوداع فإنه يسقط عنها ، لكن إن طهرت قبل أن تفارق بنيان مكة فإنه يجب عليها أن تغتسل وأن تطوف للوداع(1/236)
وقوله " طواف " شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله استثنى من ذلك من كان قادماً من مكان بعيد ، مثل التي يقدم من المشرق أو المغرب ، هذه البلاد البعيدة ، فهذه استثناها شيخ الإسلام رحمه الله وجعله موضع ضرورة ، وأنها تتضرر بالبقاء ، لأنها إما أن تحبس الرفقة ، وهذا فيه مضرة ، وإما أن تكون محصرة ، فتذبح هدي وتذهب بلا طواف وحينئذٍ لا تكون حجت وإما أن تتلجم وتطوف ، وإما أن تذهب وهي محرمة وترجع ، وهذا فيه صعوبة ، فلا
واعتكاف ووطء في فرج محرم ووطء في فرج.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبقى إلا أن تتلجم وتطوف ، فيكون ذلك موضع ضرورة ، وهذا خاص ليس لكل أحد ليس لكل امرأة حاضت وإنما خاص بمن كان يقدم من بلاد بعيده ، ولا يتمكن من البقاء والانتظار فهذا هو الذي يرخص له في ذلك .
" واعتكاف " لأن الحائض ممنوعة من البقاء في المسجد ، والاعتكاف ركنه اللبث في المسجد ، فإذا كان كذلك ، فإنه ليس لها أن تعتكف ولا يصح منها الاعتكاف ، ولو اعتكفت ثم جاءها دم الحيض فإن اعتكافها يبطل عليها .
" ووطء في فرج محرم " أي : يمنع الحيض الوطء في الفرج ، لقول النبي ( في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه : " اصنعوا كل شيء إلا النكاح 249" .
وقوله " ووطء في فرج " يفهم منه أن الاستمتاع فيما عدا الوطء أن هذا جائز ، ولا بأس به .
والاستمتاع بالحائض ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - القسم الأول : الاستمتاع بالوطء في الفرج ، وهذا محرم ولا يجوز ، والقرآن في ذلك ظاهر ، فإن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( .
2 - القسم الثاني : الاستمتاع فيما فوق السرة وتحت الركبة ، فهذا جائز ، وذلك(1/237)
إلا من به شبق بشرطه..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت " كان النبي ( يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض 250" .
3- القسم الثالث : الاستمتاع فيما بين السرة والركبة ، فهذا ظاهر ، حديث أنس كما ذكر ابن القيم رحمه الله أنه يجوز ، لكن السنة أن يستر محل الحيض لما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها" أن النبي ( كان يأمرها فتتزر فيباشرها وهي حائض251".
" إلا من به شبق بشرطه " يعني يقول المؤلف رحمه الله جماع المرأة الحائض هذا محرم ، لكن استثنى المؤلف رحمه الله من به شبق بشرطه ، والشبق : شدة الشهوة ،
" بشرطه " وشرطه أربعة شروط :
1 - الشرط الأول : أن يخاف تشقق انثيين إن لم يطأ .
2 - الشرط الثاني : أن لا تندفع شهوته بالوطء في الفرج .
3 - الشرط الثالث : أن لا يجد غيرا لحائض من زوجة أو سرية .
4 - الشرط الرابع : أن لا يقدر على مهر الحرة (يتزوج أخرى) ولا ثمن أمة يشتريها .
فهذه أربعة شروط يقولون : إذا توفرت هذه الشروط الأربعة فإنه يجوز أن يطأ الحائض ، وهذا أمر نادر ، ودليل ذلك القاعدة ، وهي " أن الضرورات تبيح المحظورات " ولاشك أن
" ويجب به دينار أو نصفه كفاره........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وطء الحائض محرم ، والإجماع قائم على ذلك ، لكن إذا كان سيحصل هذا الضرر بحيث أن الانثيين تتشقق إذا لم يجامع في الفرج ولم يجد زوجة أخرى ولم يقدر على الزواج ..الخ ، فهذا أمر يكاد يكون نادراً جداً .
" ويجب به دينار أو نصفه كفاره " وهذا من المفردات ، يعني : لو أنه وطئ في حال الحيض فإنه يجب عليه ديناراً أو نصفه كفارة ، وإيجاب الكفارة هذا من مفردات الإمام أحمد رحمه الله .(1/238)
أكثر أهل العلم على أنه لا تجب عليه الكفارة وإنما يأثم ،
والمذهب استدلوا على ذلك : بحديث ابن عباس رضي الله عنهما " فيمن أتى امرأته وهي حائض ، أنه يتصدق بدينار أو نصف دينار 252" .
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ، وروي مرفوعاً وأيضاً موقوفاً ،
والصواب : أنه موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يصح مرفوعاً للنبي ( .
وشيخ الإسلام ذكر وقال : لو لم يأتي هذا الحديث " أو أن السنة لم تأتي بهذا الحديث " لكانت الأصول الشريعة بعد استقرائها تقتضي وجوب الكفارة ، لأن الشريعة إذ حرمت الوطء لعارض (الوطء مباح ثم حرمته الشريعة لعارض) فإنه إذا حصل الوطء في وقت التحريم
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبت الكفارة ، من ذلك : صيام رمضان ، الوطء محرم لعارض وهو الصيام ، فإذا وطء فإنه تجب عليه كفارة ، ومن ذلك أيضاً الإحرام للحج والعمرة ، فإذا أحرم بالحج أو العمرة ، ثم وطئ فإنه تجب عليه كفارة. وعلى هذا يكون الأحوط : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله ، وأن من وطئ عليه كفارة أو نصفه .
وقوله في الحديث " دينار أو نصف دينار " المشهور من المذهب أن هذا على سبيل التخيير يعني : أنه مخير إن شاء أخرج ديناراً وإن شاء أخرج نصف دينار.(1/239)
والرأي الثاني : أنه يختلف باختلاف الوطء ، فإن كان في إقبال الدم فدينار ، وإن كان في إدباره فنصف دينار ، وقيل : إن كان في حال الدم فدينار وإن كان في حال الكدرة والصفرة فنصف دينار . وظاهر الأثر يتصدق بدينار أو نصف دينار . والكفارة تجب إذا حصل الوطء قبل انقطاع الدم ، أما لو انقطع الدم ثم جامع ، فهذا آثم ولا تجب عليه الكفارة لأنه لا يجوز له أن يطأ حتى يحصل الاغتسال.
وإيجاب الكفارة يشترط له شروط :
1 - الشرط الأول : أن يكون عالماً ، فإن كان جاهلاً فإنه لا شيء عليه ، سواء كان جاهلاً بالحكم الشرعي أو جاهلاً بالحال ، بالحكم الشرعي : لا يدري أنه محرم ، بالحال : لا يدري أن زوجته حائض .
2 - الشرط الثاني : أن يكون ذاكراً ، فإن كان ناسياً فلا شيء عليه .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 - الشرط الثالث : أن يكون مختاراً فإن كان مكرهاً فلا شيء عليه.
وهذه الشروط الثلاثة -كما ذكرنا فيما تقدم- أنها تكون في سائر المحظورات ، في مبطلات الصلاة في محظورات الإحرام ، في مفطرات الصيام ..الخ ، لابد لكي يترتب الأثر على فعل كل هذا المنهي لابد من هذه الشروط الثلاثة حتى في الحدود ،
ودليلها قول الله عز وجل ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا( ،
وأيضاً قول الله عز وجل ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان(
وقول النبي ( " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه 253" ، وحديث معاوية ابن الحكم رضي الله عنه أنه تكلم في الصلاة ، ومع ذلك لم يأمره النبي ( بإعادة الصلاة ..الخ
وما هو قدر الدينار ؟(1/240)
الدينار يساوي مثقال ، والمثقال يساوي بالغرامات أربع غرامات وربع ، والغرام اليوم قدره بالريالات تقريباً أربعين ريالاً ، فإذا فرضنا أنه يساوي أربعين ريالاً
فتضرب 4.5× 40= فيخرج هذا القدر أو نصفه يتصدق بها على الفقراء والمساكين .
وإن كرر الوطء فإن كان قبل التكفير في حيضة واحدة فهذا يلزمه كفارة واحدة ، وإن كان بعد التكفير أو في حيضات فهذا عليه كفارات .
ويستمتع منها بما دون فرج وإذا انقطع لم يبح قبل غسل غير صوم وطلاق.....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويستمتع منها بما دون فرج " وهذا تقدم الكلام عليه ، وذكرنا في هذه المسألة ثلاثة أقسام .
" وإذا انقطع لم يبح قبل غسل غير صوم وطلاق " أي : إذا انقطع دم الحيض ولم يحصل الغسل يقول المؤلف رحمه الله لا يباح إلا أمران :
1 - الأمر الأول : الصوم ، فلها أن تصوم ولو لم تغتسل ، فلو أن المرأة طهرت قبل طلوع الفجر الثاني فلها أن تنوي الصوم وتصوم ، وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر الثاني ، ويدل لهذا أن النبي ( كان يصبح جنباً من غير احتلام ، فيصوم عليه الصلاة والسلام مع أنه طلع عليه الفجر وهو جنب ، فكذلك أيضاً الحائض ، الجامع ، أن كلاً منهم يجب عليه الغسل
2 - الأمر الثاني : الطلاق : طلاق الحائض محرم ولا يجوز ، لأن النبي ( في حديث ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق امرأته وهي حائض غضب رسول الله ( على ذلك وأمره أن يراجعها ..الخ ، فطلاق الحائض محرم ولا يجوز ، ويستمر التحريم إلى أن ينقطع الدم ، وإن لم تغتسل لأن النبي ( قال : " ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً 254" وإذا طلقها بعد انقطاع الدم فقد طلقها وهي طاهر ، والله عز وجل يقول ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( ، فدل ذلك على أنه إذا انقطع الدم فقد طهرت .
ما عدا هذين الأمرين فإنه لا يصح(1/241)
وتقضي الصوم لا الصلاة...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مثلاً : لو أنها صلت قبل أن تغتسل وبعد انقطاع الدم فإنه لا يصح ، لو أنها اعتكفت قبل أن تغتسل وبعد انقطاع الدم ، فإنه لا يصح لو أنها طافت فإنه لا يصح ، وليس لزوجها أن يجامعها ..الخ
" وتقضي الصوم لا الصلاة " الحائض تقضي الصوم بالإجماع ، تقدم ما ثبت في الصحيح أن النبي ( قال : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم 255" فنقول : بأنها تقضي الصوم بالإجماع
وسبق أن أشرنا أنها إذا رأت الدم (خرج منها دم الحيض) قبل الغروب ولو بلحظة واحدة ، وجب عليها أن تقضي ذلك اليوم .
" لا الصلاة " أي : الصلاة لا يجب عليها أن تقضيها ، وتقدم قول عائشة رضي الله عنها : " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة 256" لكن تقضي الصلاة في موضعين :
1 - الموضع الأول : إذا أدركت من أول الوقت بقدر ركعة ، بأن دخل عليها الوقت وهي طاهر ومضى قدر ركعة (زمن ركعة) ثم جاءها دم الحيض ، ويفترض أن قدر ركعة يساوي دقيقتين ، والوقت يدخل في الساعة الثانية عشر بالنسبة لوقت صلاة الظهر ، فبعد دقيقتين من دخول الوقت جاءها الدم ، فإنه يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة إذا طهرت .
لو جاءها دم بعد دقيقة من دخول الوقت فلا يجب عليها لأنها ما أدركت من أول الوقت
ولا حيض قبل تسع سنين.....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قدر ركعة ، ويدل لهذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي ( قال : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ".
2 - والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها إذا أدركت من أول الوقت قدر تكبيرة .(1/242)
والرأي الثالث : أنه لا يلزمها أن تقضي هذه الصلاة حتى تؤخر الصلاة فيتضايق وقتها ثم يأتيها دم الحيض ، بحيث لا يبقى إلا زمن فعلها ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
والأول : هو الأحوط ، وهو الذي دل له حديث أبي هريرة رضي الله عنه " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة 257" .
2 - الموضع الثاني : إذا أدركت من آخر الوقت قدر ركعة فإنه يجب عليها أن تقضيها ، فمثلاً : هذه المرأة طهرت قبل خروج الوقت بمقدار ركعة " أي بمقدار ركعتين " فأكثر ، فإنه يجب عليها إذا اغتسلت أن تقضي هذه الصلاة .
" ولا حيض قبل تسع سنين " قبل تسع سنين هلالية ، وقوله
" لا حيض قبل تسع سنين " أي : لا حيض شرعاً ، وإن كان يوجد حساً ، وعلى هذا إذا رأيت الجارية الدم ولها ثماني سنوات أو لها ثماني سنوات ونصف فإنه ليس حيضاً شرعاً ، لا نحكم عليها بأحكام الحيض من البلوغ ، ووجوب الصلاة ووجوب الصيام ، وأنها لا تصلي في
ولا بعد خمسين سنة.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أثنائه ..الخ الأحكام المعروفة ، وهذا قول أكثر العلماء رحمهم الله ،
واستدلوا على ذلك بما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة 258" وهذا أخرجه الترمذي وهو ضعيف .(1/243)
والرأي الثاني : أن أقل الحيض بالنسبة للسنين لا يتقدر ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعلى هذا فمتى رأت الدم (المعروف عند النساء) ولو كان لها أقل من تسع سنوات فهو حيض ، ويأخذ أحكام الحيض لأنه لم يرد تقديره في الشرع ، ويدل لهذا أن الله عز وجل قال ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ( ، فعلق الله عز وجل الحكم بوجود الأذى ، فمتى وجد الأذى ترتب عليه أحكامه ومتى انتفى انتفت عنه أحكامه ، ولم يقيد الله عز وجل بتسع سنوات ، ولأن هذا يختلف باختلاف البلاد واختلاف النساء .
وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ( قال : " امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي 259" فعلق النبي ( الأمر بوجود الحيض .
" ولا بعد خمسين سنة " أيضاً : لا بعد خمسين سنة ، وهذا هو المذهب ،
ومذهب الشافعية والحنفية : يحدونه بخمس وخمسين سنة .
ولا مع حمل..............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني : على المذهب ، إذا بلغت المرأة خمسين سنة ثم جاءها الدم تعتبره دم حيض ، فنقول : أنت تأخذين أحكام الطهارات تصلين وتصومين ، ويطأها زوجها..الخ
فهذا ليس حيضاً شرعاً ، وإن كان حيضاً حساً ،
واستدلوا على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض 260" .
وكما قلنا أن الحنفية يقيدونه بخمس وخمسين سنة .
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وأنه لا يقدر ، كما تقدم من الدليل القرآن والسنة فهذه وردت مطلقاً على لسان الشارع ، فتبقى مطلقاً .
" ولا مع حمل " أيضاً لا حيض مع حمل وهذا هو المذهب ومذهب الحنفية ، وعلى هذا لو أن المرأة الحامل رأت الدم ، فإنه ليس حيضاً ،(1/244)
وعلى هذا نقول لها : صومي وصلي ، وهذا الدم لا ننظر إليه ما دمت حامل ،
واستدلوا على هذا بحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي ( قال " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذلك حامل حتى تحيض حيضة 261" ، وهذا رواه الإمام أبو داود ، وجه الدلالة : أن النبي ( جعل الحيض علماً على براءة الرحم ، فقال : " حتى تحيض حيضة " فدل ذلك
" وأقله يوم وليلة.................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنه لا يمكن أن يجتمع الحيض مع الحمل ، وأن المرأة إذا رأت الدم وهي حامل ، فهذا لا يكون حيضاً ،
وعلى هذا نقول لها : صلي وهي معها دم ، ويجوز لزوجها أن يجامعها ، وأن يطلقها ..الخ
والرأي الثاني : رأي مالك والشافعي : أن الحامل تحيض ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم ، أن الحامل يمكن أن تحيض ،
واستدلوا على ذلك لما تقدم من الأدلة ، كقوله تعالى ( ويسألونك عن المحيض ( ، وقول النبي ( " امكثي قدر أيام التي كانت تحبسك حيضتك 262" ..الخ ، وهذه الأشياء لم تعلق بالحمل ، الأدلة وردت مطلقاً سواء كانت حاملاً أو غير حامل .
والذي يظهر - والله أعلم أن ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية : أن الحامل لا تحيض أنه أقوى ، لأن الأطباء في الوقت الحاضر يقررون ما ذهب إليه الفقهاء هنا ، وأن الحامل لا تحيض ، وإن كان ابن القيم رحمه لله في كتابه " تهذيب السنة " أطال في الأدلة على أن الحامل تحيض وأنها كغيرها ...الخ ، لكن يظهر- والله أعلم- أن ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية هو أقرب ومما يؤيد كلامهم قول الأطباء : أن الحامل لا يمكن أن تحيض .
" وأقله يوم وليلة " وهذا هو المذهب ، ومذهب الشافعية ،
والحنفية : أقله ثلاثة أيام(1/245)
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمالكية قالوا : بأنه لا حد لأقله .
والمذهب ومذهب الشافعية استدلوا وقالوا : بأنه وارد عن علي رضي الله عنه ، وأيضاً قالوا : أن هذا أقل ما وجد في الوجود .
والصواب : ما ذهب إليه المالكية في هذه المسألة ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وأنه لا حد لأقله ، لما ذكرنا من الدليل من القرآن والسنة ، قال الله عز وجل ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( فعلق الله عز وجل الأمر بالأذى فمتى رأت المرأة الأذى سواء كان يوماً أو ليلة أو أقل أو أكثر تبعت له أحكام ، أيضاً كما تقدم في الحديث .
" وأكثره خمسة عشر يوماً " وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله (الحنابلة والمالكية والشافعية) أن أكثره خمسة عشر يوماً ، قالوا : لأنه وارد عن علي رضي الله عنه ، وأيضاً استدلوا : بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم :" تمكث إحداكن شطر الدهر لا تصلي " وهذا لا يثبت ولا أصل له .
2 - والرأي الثاني : رأي الحنفية أن أكثره عشرة أيام .
3 - والرأي الثالث : أنه لا حد لأكثره وهذا كما قلنا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ، وتقدم الدليل على ذلك من القرآن والسنة .
وغالبه ست أو سبع وإن استحيضت من لها عادة..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/246)
" وغالبه ست أو سبع " أي : غالب الحيض ستة أيام أو سبع ، وهذا ظاهر ، يعني : غالب النساء اليوم يحيض ستة أو سبعة أيام ، وأيضاً النبي ( قال لحمنة لما استحيضت " تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبع ثم اغتسلي وصلي 263" .
ما هو أكثر الطهر بين الحيضتين ؟ المشهور من المذهب أن أكثر الطهر بني الحيضتين ثلاثة عشر يوماً ، وعلى هذا لو أن امرأة رأت الدم ثم طهرت ، وبعد عشرة أيام جاءها دم يشبه دم الحيض ، فهم يقولون : بأنه لا يحكم أحكام الحيض .
والصواب في هذه المسألة : كما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن أقل الطهر بين الحيضتين لا يتقدر .
وأما أكثر الطهر بين الحيضتين فهذا أيضاً لا يتقدر لأن هناك من النساء من لا تحيض مطلقاً .
" وإن استحيضت من لها عادة " .
الاستحاضة : اختلف في تعريفها : فقيل :
1 - الرأي الأول :بأن الاستحاضة : هي التي تجاوز دمها أكثر الحيض .
2 - والرأي الثاني : أن المستحاضة هي التي ترى دماً لا يصلح أن يكون حيضاً ولا نفاساً .
جلستها...............................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- والرأي الثالث : أن المستحاضة هي التي أطبق عليها الدم بحيث لا ينقطع أبداً أو ينقطع لمدة يسيرة .
" وإن استحيض من لها عادة بأن جاوز دمها أكثر الحيض " ، وهذا تعريف للمستحاضة : أنها هي التي جاوز دمها أكثر الحيض ، وهذا هو المذهب .
" جلستها " أي : جلست العادة ولو كان لها تميز صالح ، وهذه هي الحالة الأولى من أحوال المستحاضة ، المستحاضة لها أحوال :(1/247)
1 - الحالة الأولى : أن تكون معتادة ، فهذه المعتادة ترجع إلى عادتها ، مثال ذلك : هذه امرأة لها قبل الاستحاضة عادة معلومة ، عادتها من اليوم الخامس إلى اليوم الثاني عشر ، ثم بعد ذلك استحيضت وأطبق عليها ، فنقول : ترجع إلى عادتها ، لقول النبي ( للمستحاضة " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك 264" .
2 - الحالة الثانية : أن تكون مميزة وليس لها عادة ، يعني : أول ما جاءها الدم أطبق عليها الدم ، لكنها ترى دماً متميزاً بصفة من صفات الحيض مثلاً : من اليوم العاشر إلى اليوم الخامس عشر ، وهكذا ، فنقول بأنها ترجع إلى التمييز ما دام أن التمييز صالح .
3 - الحالة الثالثة : أن تكون لها عادة ولها تمييز ، يعني : لها عادة قبل الاستحاضة من اليوم الخامس إلى اليوم الثاني عشر ، وأيضاً لها تمييز من اليوم الخامس عشر إلى اليوم العشرين
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، فهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله :
1 - المشهور من المذهب : أنها ترجع إلى العادة .
2 - وعند الشافعية : أنها ترجع إلى التمييز .
والأقرب في هذا ما ذهب إليه الحنابلة ، أنها ترجع إلى العادة ، لأن النبي ( ردها إلى العادة ، فقال " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك " وأيضاً : التمييز قد يختلف عليها ، قد ما ينضبط التمييز ، وقد يضطرب عليها ، والعادة أضبط لها ، فتعرف أن عادتها من كذا إلى كذا ، فنقول : ارجعي إلى العادة .(1/248)
4 - الحالة الرابعة : أن تكون لها عادة لكن تنسى العادة ، ولها تمييز لكن تمييز هذا غير صالح (هذا التمييز مضطرب) أو ليس لها تمييز بالكلية ، فهذه يسميها العلماء رحمهم الله بالمتحيرة ، وهذه المتحيرة لها ثلاثة أنواع :
1- النوع الأول : أن تنسى الموضع وتنسى العدد ، مثلاً : إذا قيل لها كم الأيام التي يصيبك دم الحيض ؟ فنقول : لا أدري ، متى كان يأتيك دم الحيض ؟ فتقول : لا أدري ، فنقول هنا : تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ، كما قال النبي ، فنقول هنا : تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة ، كما قال النبي للمستحاضة " تحيضي ستة أيام أو سبعة 265" كغالب النساء ، فغالب النساء عادتها ستة أيام أو سبعة .
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم بالنسبة للعدد تجلس ستة أيام أو سبعة كغالب النساء .
وبالنسبة للموضع : من أول ما جاءها الدم ، فإن كانت لا تدري فإنها تبدأ من أول الشهر الهلالي إلا إذا كانت تعرف أنه في النصف الأول أو الأخير أو العشر الأخير.
ومتى تبدأ بهذه الستة أو السبعة ؟ هذا موضع خلاف ، والصحيح أنها تبدأ أول ما أصابها دم الحيض ، فإذا كانت لا تدري متى جاءها الدم ، نقول : تبدأ من أول الشهر الهلالي ، إلا إذا كانت تعرف أن الدم جاءها في النصف الأخير ، لكن لا تدري في أي يوم ، نقول : تبدأ من النصف الأخير ، أو تعرف أنه في النصف الأول ، نقول : تبدأ من النصف الأول ، أو تعرف أنه في العشر الأخير ، نقول : تبدأ أول العشر الأخير .(1/249)
2 - النوع الثاني : أن تنسى العدد وتعرف الموضع ، يعني : موضعها من أول العشر لكن نسيت كم ، هل هو خمسة أو ستة ؟ يأتيها من أول العشر الأول
أو مثلاً : يأتيها من أول النصف الأخير من الشهر لكنها لا تدري كم العدد ، فنقول : هذه أمرها سهل ، ترجع إلى عادة غالب النساء تتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة .
3 - النوع الثالث : أن تعرف العدد وتنسى الموضع ، مثلاً : تقول العدد أعرف ، أن الحيض ستة أيام ، لكن لا أدري متى هذه الستة ، فنقول لها : كما تقدم في النوع الأول : تبدأ من أول ما جاءها الدم وأطبق عليها الدم ، فإذا قالت : لا أدري متى جاء الدم ، نقول : من
وصفرة وكدرة زمن عادة حيض..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أول كل شهر هلالي ، إلا إذا كانت تعرف أن الدم جاءها في النصف الأخير أو في العشر الأخير ، فنقول : من أول النصف الأخير أو أول العشر الأخير ..الخ
" وصفرة وكدرة زمن عادة حيض " الصفرة : ماء كالصديد يعلوه صفرة
والكدرة : أيضاً ماء كالصديد المتكدر ، وهو أشد من الصفرة من حيث اللون.
فما حكم الصفرة والكدرة ؟
قال المؤلف رحمه الله بأنها زمن عادة حيض ، مثلاً : هذه المرأة عادتها ستة أيام ، ثلاثة أيام دم وثلاثة أيام صفرة أو كدرة ، لأن كثيراً من النساء لا ترى كل الأيام دماً ، بل ترى الدم مثلاً : ثلاثة أيام ، أربعة أيام ، ثم ترى بعد ذلك صفرة أو كدرة يومين ، ثلاثة أيام ، ثم تطهر ، وبعض النساء ترى الدم كل الأيام ،
فنقول : بأن الصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض .
فلو فرضنا أن هذه امرأة رأت الدم في اليوم الأول والثاني ، ثم رأت الصفرة في اليوم الثالث والرابع ، ثم رأت دماً في اليوم الخامس والسادس فنقول : الصفرة في اليوم الثالث والرابع حكمها حيض ، هذا القسم الأول من أقسام الصفرة والكدرة.(1/250)
2 - القسم الثاني : أن تكون الصفرة والكدرة قبل نزول دم الحيض ، وهذا أيضاً عند كثير من النساء ، فهذا موضع خلاف ،
والصواب في هذه المسألة : أنها تأخذ حكم الطاهرات لحديث أم عطية رضي الله عنها
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً 266" هذا أخرجه البخاري ، وفي أبي داود " بعد الطهر شيئاً267 "
3 - القسم الثالث : أن تكون بعد الطهر ، فهذه امرأة جاءها دم الحيض ثم طهرت ، فهذه لا تعتبر شيئاً حتى يأتي الدم .
وبعد أن طهرت جاءها صفرة أو كدرة فنقول : هذه لا تعتبر شيئاً ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله " زمن عادة " فيؤخذ منه أنها لو رأت الصفرة أو الكدرة في غير زمن العادة أنها لا تكون شيئاً.
4 - القسم الرابع : أن تكون متصلة بالعادة وتتجاوز العادة الغالبة ، فهذه امرأة رأت الدم ستة أيام ثم جاءتها صفرة أو كدرة (غالب عادة النساء ستة أو سبعة) أو رأت الدم ثلاثة أيام ثم جاءتها صفرة وكدرة ، وتطاولت معها صفرة وكدرة بدل أن تجلس ثلاثة أيام أو أربعة جلست خمسة أو ستة أو سبعة ، وهي لم ترى الطهر ، فالذي يظهر والله أعلم أن الصفرة إذا جاوزت العادة الغالبة أنها تأخذ حكم الطاهرات ، فنقول : تغتسل وتصلي . وكما قلنا : إذا كانت بعد الطهر أنها لا تعتبر لكن قبل الطهر ، فإنها معتبرة ، إلا إذا أدى ذلك إلى تطاول -كما ذكرنا- ونساء الصحابة رضي الله عنهن ، كن يبعثن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها بالدرجة فيها الصفرة والكدرة ، فتقول عائشة رضي الله عنها : " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء 268" .(1/251)
ومن حدثه دائم يغسل محله ويشده ويتوضأ لوقت كل صلاة................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ومن حدثه دائم يغسل محله ويشده " إذا كان الإنسان عنده حدث دائم ، مثل : المستحاضة ، ومن به سلس البول ، وسلس المذي ، وريح إلى آخره ، يقول المؤلف رحمه الله :
1 - يغسل وجوباً " محله " أي : محل الحدث ، الملوث بإزالة النجاسة ، هذا الأمر الأول
2 - الأمر الثاني : أنه يحش المحل بنحو قطنه .
3 - الأمر الثالث : قال المؤلف " يشده " أي : يعصبه بطاهر لكي يمنع النجاسة ، ويدل لهذا أن النبي ( قال لأسماء بنت عميس لما ولدت في ميقات ذي الحليفة " استثفبري بثوب 269" أي : تلجمي بثوب لكي يمنع خروج الخارج .
4 - الأمر الرابع : " ويتوضأ لوقت كل صلاة " ويدل لهذا أن النبي ( قال لفاطمة بنت أبي حبيش " توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت 270" .
والرأي الثاني : أنه لا يلزم أن يتوضأ من به سلس بول أو استحاضة ، وإنما يتلجم كما ورد ، لكي يمنع الخارج ، وأما كونه يتوضأ من به سلس بول أو من به استحاضة ، أو نحو ذلك ، فهذا لا يجب عليه ، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وعلى هذا نقول : لا يجب عليك أن تتوضأ ، وإنما إذا جاء حدث طبيعي يتوضأ له ، أما هذا الخارج فإنه لا يتوضأ له .
لوقت كل صلاة ولا توطأ مستحاضة إلا لخوف عنت ويستحب غسلها لكل صلاة.......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله " لوقت كل صلاة " هذا يخرج قول من قال : أنه يتوضأ لكل صلاة ، وهذا أشد ، وهل يلزم إعادة العصب أو لا يلزم ؟
الصحيح : أنه لا يلزم
" ولا توطأ مستحاضة إلا لخوف عنت " المستحاضة لا توطأ ، أي لا يجامعها زوجها إلا لخوف عنت ، أي خوف الزنا ، إذا خشي الزنا فإنه يطأها سواء كان منه أو منها ،(1/252)
واستدلوا على ذلك بقول عائشة رضي الله عنها " المستحاضة لا يغشاها زوجها " فقالوا : إذا خشي الزنا يطأ ، كذلك أيضاً قالوا : إذا كان به شبق شديد لا بأس أن يطأها كما تقدم في الحيض .
والرأي الثاني : أن المستحاضة كغيرها وأنها توطأ ، وفرق بين المستحاضة والحائض ، والمنع إنما ورد في الحائض ، أما المستحاضة فلم يرد فيها منع ، وقد استحيض عدد من النسوة في عهد النبي ( ولم يأمر النبي ( أحداً منهن أن يعتزلها زوجها ، والأًصل : الحل ، وأيضاً : عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه استحيضت زوجته ، وكان يغشاها .
فالصواب في ذلك : أنه لا يمنع زوج المستحاضة من وطئها ، وأنه لا يحرم وأن هذا جائز ولا بأس به .
" ويستحب غسلها لكل صلاة " أي : يستحب غسل المستحاضة لكل صلاة ، وهذا يدل فعل أم حبيبة رضي الله عنها كانت تغتسل لكل صلاة ، ولأن الغسل لكل صلاة يؤدي
وأكثر النفاس أربعون يوماً................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى تقلص الدم فيساعد على توقف خروج الدم .
" وأكثر النفاس .." النفاس في اللغة : مأخوذ من التنفيس أو من التنفس ، وهو الخروج من الجوف أو من نفس الله كربته : أي فرجها .
وأما في الاصطلاح : فهو دم ترخيه الرحم مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة على الولادة .
" أربعون يوماً " إذا خرج من المرأة دم عند الولادة ، فإن هذا الخارج لا يخلو من أقسام :
1 - القسم الأول : أن يخرج بعد الولادة فهذا نفاس .
2 - القسم الثاني : أن يخرج مع الولادة ، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله . المذهب : أنه نفاس ، وهذا هو الصواب .
3 - القسم الثالث : أن يخرج قبل الولادة ، الحنابلة اشترطوا لكي يكون نفاس شرطين :
1 - الشرط الأول : وجود ألم الولادة .(1/253)
2 - الشرط الثاني : أن يكون الزمن يسيراً ، يعني : إذا كان خرج قبل يوم أو يومين ، ثلاثة ، فهذا نفاس ، وقال بعض العلماء : إذا وجد ألم الولادة ، ولو خرج قبل مدة كبيرة ، فإنه يأخذ أحكام النفاس ، هذا بالنسبة لخروج الدم .
أما بالنسبة لخروج غير الدم ، مثل ما يخرج مع المرأة النفساء من الماء قبل الولادة ، فهذا الماء طاهر ، ولا ينقض الوضوء على الصحيح ، ويجب عليها أن تصلي كسائر الطاهرات .
أربعون يوماًولا حد لأقله........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" أربعون يوماًولا حد لأقله " لا حد لأقل النفاس ، لأنه لم يرد تحديده ، وأما أكثره فيقول المؤلف رحمه الله بأنه أربعون يوما ً ، وهذا قول أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وقد ورد فيه حديث أم سلمة رضي الله عنها"أن النفساء كانت تجلس على عهد رسول الله ( أربعين يوما271"ً ، وهذا الحديث وإن كان فيه ضعف لكن له شواهد ، وكذلك أيضاً هو وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كابن عباس رضي الله عنهما ، وأيضاً يؤيد ذلك كلام الأطباء في الوقت الحاضر ، فإنهم يقولون : بأن النفاس السوي ستة أسابيع ، وهذا تساوي ما يقرب من اثنين وأربعين يوماً .
2 - والرأي الثاني : أن أكثره ستون يوماً ، كما هو قول الشافعي رحمه الله .
3 - والرأي الثالث : أنها إذا رأت الدم ستين أو سبعين يوماً ثم توقف فهو نفاس ، وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
والأقرب في هذه المسألة والأحوط للمرأة هو ما ذهب إليه المؤلف وهو المذهب ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وأنها تجلس أربعين يوماً ، فإذا كان بعد ذلك تغتسل ، وتصلي وتصوم ، حتى ولو كان معها دم ، فهذا لا عبرة له ، وقد يكون معها صفرة أو كدرة .(1/254)
وأيضاً نفهم أن الصفرة والكدرة في زمن الأربعين حكمها حكم النفاس حتى الأطباء يقولون : بأنه يتحول الدم إلى صفرة وكدرة ، وكثير من النساء لا ترى طيلة الأربعين الدم ،
فإن طهرت فيها ويكره وطؤها فيها...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثير من النساء ترى الدم لمدة أسبوعين ، أو ثلاثة أسابيع ، ثم بعد ذلك بإذن الله يتحول إلى صفرة - يكون معها ماء أصفر- فإذا تمت أربعين يوماً نقول : تغتسل ، وإذا انقطع قبل ذلك ، فنقول : بأنها تغتسل .
" فإن طهرت فيها " أي : في الأربعين " تطهرت وصلت " إذا طهرت في الأربعين ، فإنها تتطهر وتصلي ، وهذا ظاهر ، لأن الأذى امتنع الآن ، والله عز وجل يقول ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن( .
" ويكره وطؤها فيها " أي : يكره أن تجامع المرأة في الأربعين بعد أن تطهر ، مثلاً : هذه امرأة رأت الدم لمدة عشرين يوماً ثم طهرت (نشفت) ليس فيها شيء ، يقول المؤلف رحمه الله يكره لزوجها أن يطأها بعد طهرها ما دام أنها في زمن أربعين ،
ويستدلون على هذا بأنه ورد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه ، أنه قال لزوجته لما أتته في الأربعين " لا تقربيني " ، وقالوا : لأنه لا يأمن عودة الدم زمن الوطء.
والرأي الثاني : أنه لا يكره ما دام أنها طهرت وصلت .
وأثر عثمان هذا يجاب عنه بجوابين :
1 - الجواب الأول : الضعف أنه ضعيف .
2 - الجواب الثاني : أنه يحمل على شيء نفسي ، وهذا لا يلام عليه الإنسان، لو أن الإنسان كره ذلك كراهة نفسية ، فإنه لا يلام عليه .
فإن عاد الدم فيها وهو كحيض فيما تقدم...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/255)
" فإن عاد الدم فيها " أي في الأربعين " فمشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض" يعني : هذه امرأة رأت الدم لمدة عشرين يوماً ثم طهرت ونشفت ، وبعد عشرة أيام جاءها الدم ، يقول المؤلف رحمه الله عن هذا الدم : أنه مشكوك فيه ، أي لا ندري هل هو نفاس أو فساد ؟
فما دام أنه مشكوك فيه يحتمل أنه نفاس ، أو فساد ، فإنها تصلي وتصوم ثم بعد ذلك تقضي الصوم المفروض ، لأنها تيقنت شغل ذمتها فلا تبرأ إلا بيقين .
والرأي الثاني : أن هذا الدم نفاس ، ما دام أنه بصفة دم النفاس هذا هو الصواب ، وعلى هذا تجلس ما دام أنه في الأربعين ، ولو كان صفة أو كدرة أيضاً ما دام أنه في الأربعين فإنه حكم النفاس .
" وهو كحيض فيما تقدم " أي : النفاس حكمه حكم الحيض فيما تقدم ، كتحريم الصلاة ، فالنفساء يحرم عليها الصلاة ، والصيام ، والوطء في الفرج ، ويجب عليها الغسل ، وإذا وطئت تجب الكفارة بوطئها ، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالاستمتاع ، حكمها حكم الحائض كما تقدم في التفصيل السابق .
المسألة : الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة :
1 - الفرق الأول : في صفة الدم ، فدم الحيض غليظ أسود منتن ، وأما دم الاستحاضة فإنه دم خفيف (رقيق) أحمر ليس له رائحة .
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - الفرق الثاني : أن دم الحيض ، دم طبيعة وجبلة ، وأما دم الاستحاضة فهو دم عرق طارئ .
3 - الفرق الثالث : أن دم الاستحاضة يخرج من عرق في أدنى الرحم يقال له : العاذل ، وأما دم الحيض : فإنه يخرج من قعر الرحم .(1/256)
4 - الفرق الرابع : أن دم الاستحاضة ليس له وقت معلوم ، وأما دم الحيض، فإن له وقتاً معلوماً .
5 - الفرق الخامس : أن الحائض يحرم وطؤها وفيه الكفارة كما تقدم بشروطها ، وأما المستحاضة فالصواب أنه لا يحرم وطؤها كما سبق .
6 - الفرق السادس : أن المستحاضة تأخذ حكم الطاهرات فيما يتعلق بوجوب الصلاة والصيام والطواف ، وقوع الطلاق وغير ذلك ، وأما الحائض ، فإنها تخالفها كما سبق لنا ، من حيث تحريم الطلاق وعدم وجوب الصلاة ، وعدم صحة الصيام ، وعدم صحة الطواف ونحو ذلك ، فهذه لا تصح من الحائض .
7 - الفرق السابع : أن المستحاضة - كما ذكر المؤلف ، يجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة بخلاف الحائض ، فإن الصلاة لا تجب عليها ،
وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة : أن المستحاضة لا يجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة .
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفروق بين دم الحيض ودم النفاس :
أولاً : هما يشتركان في عدم وجوب الصلاة ، وتحريم الصيام ، ودخول المسجد ، ومس المصحف والاعتكاف ، والطواف ، دم النفاس ، يأخذ حكم دم الحيض بهذه المسائل إلا أنهما يختلفان في مسائل :
1 - الفرق الأول : البلوغ ، فالحيض علامة من علامات البلوغ ، بخلاف النفاس ، فإنه ليس علامة من علامات البلوغ .
2 - الفرق الثاني : العدة ، فدم الحيض معتبرة في العدة بخلاف دم النفاس ، فإنه غير معتبر بمعنى : لو أنه الإنسان طلق زوجته ، فإن عدتها إذا كانت تحيض ، ثلاث حيض ، أما لو طلق زوجته وهي نفساء فإن دم النفاس لا عبرة به ولا يعتبر في العدة .(1/257)
3 - الفرق الثالث : في الإيلاء ، فدم النفاس لا يحسب من مدة الإيلاء ، وأما دم الحيض : فإنه يحسب من مدة الإيلاء ، والإيلاء : هو أن يحلف الزوج على ترك وطء زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر ، كما قال الله عز وجل ( الذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم( ، فإذا حلف على أن لا يطأ زوجته أبداً أو مدة تزيد على أربعة أشهر فإنه مولئ ، فهذا المولئ يضرب له القاضي مدة قدرها أربعة أشهر ، فإن فاء ورجع إلى معاشرة الزوجة وإلا فإن القاضي يأمره بالطلاق أو يطلق عليه أو يفسخ ، حسب ما يراه أصلح ، هذه الأربعة الأشهر سيتخللها دم الحيض ، لو أنه لما مضت أربعة أشهر قال الزوج : الأربعة الأشهر تخللها أربعة أسابيع حيض ،
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه لا تحسب عليه ، نقول : نحسبها عليه ، ولا نقول نمهله زيادة على هذه الأربعة الأشهر أربعة أسابيع ، لكن لو قال هذه الأربعة الأشهر تخللها دم نفاس ، فإنه لا يحسب عليه
4 - الفرق الرابع : أن الحائض إذا طهرت قبل تمام عدتها ، فإنه لا يكره وطؤها ، وأما النفساء فتقدم لنا أنهم يقولون : يكره أن توطأ قبل تمام مدة النفاس ،
والصواب : أنه لا يكره كما سبق لنا وحينئذ يكون النفاس كالحيض في هذه المسألة.(1/258)
5 - الفرق الخامس : أن دم الحيض إذا عاد في وقت العادة فإنه حيض تجلس له المرأة ، مثال ذلك : هذه امرأة عادتها ستة أيام رأت الدم في اليوم الأول ، والثاني ، ثم طهرت في الثالث والرابع ، ثم جاءها دم في الخامس والسادس ، فالخامس والسادس حكمه حيض ، أما إذا رجع الدم في مدة النفاس ، فإنهم يقولون بأنه مشكوك فيه ،
والصواب :كما تقدم لنا أنه نفاس .
6 - الفرق السادس : أن الحائض يحرم طلاقها ، وطلاقها طلاق بدعة ، أما النفساء : فإنه لا يحرم طلاقها ،
والصحيح : أن طلاقها طلاق سنة .
مسألة : الطوارئ التي تطرأ على دم الحيض هذه لها أنواع :
1 - النوع الأول : النقص في مدة الحيض ، مثلاً : تكون عادتها ستة أيام ، ثم ترى الطهر لخمسة أيام ، فإذا رأت الطهر قبل تمام العدة ، فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي ..الخ
..............................................................................................................................................ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 - النوع الثاني : الزيادة ، كأن تكون عدتها خمسة أيام ثم ترى الدم لستة أيام أو سبعة ، فهذه الزيادة هل هي حيض أو نقول لابد أن تتكرر ثلاث مرات ؟ هذا موضع خلاف ، والصواب : أنها حيض وتأخذ أحكام الحائضات .
3 - النوع الثالث : الانتقال : وذلك بأن يكون الحيض في أول الشهر ثم ينتقل في آخره ، أو يكون في آخر الشهر ثم ينتقل في أوله ، بعض العلماء يقولون لابد أن تتكرر ثلاث مرات حتى تعتبره حيضاً .
والصواب في هذه المسألة : أن المرأة متى رأت الدم المعروف عند النساء ولو تقدم أو تأخر ، فإنه حيض وتأخذ المرأة معه أحكام الحائضات .(1/259)
4 - النوع الرابع : أن ترى المرأة في غير وقت العادة ، الصفرة أو الكدرة ، أو نقط من الدم ونحو ذلك فهذه لا عبرة بها ، ولهذا قال علي رضي الله عنه " لا عبرة بالقطرة والقطرتين "
من المسائل المتعلقة بدم الحيض : الانقطاع أثناء العادة :
الدم مع المرأة لا يخرج دائماً بل هو يخرج تارة وينقطع تارة ، فإذا انقطع في أثناء العادة ، فإن كان الانقطاع يسيراً فهذا لا عبرة به يعتبر حكمه حكم الحيض ،
مثلاً : جاءها الدم في الصباح وانقطع إلى العصر ، فنقول : بأن هذا الانقطاع (هذا الطهر) لا يجب عليها أن تصلي على الصحيح لأن هذا الانقطاع حكمه في حكم اليسير .
وإن كان الانقطاع كثيراً ، فإنها تأخذ حكم الطاهرات ويجب عليها أن تغتسل وأن تصلي
وأقل الحيض على المذهب يوم وليلة...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، مثال ذلك : انقطع عنها الدم يوماً كاملاً من الفجر حتى الغروب ، فإنها تأخذ حكم الطاهرات ، تغتسل وتصلي ، وعلى هذا نقول : بأن الانقطاع إذا كان يوماً فأكثر فإنها تغتسل وتصلي ، إذا كان أقل من يوم فإنه لا عبرة بهذا الانقطاع ، وهذا رأي ابن قدامه رحمه الله .
أما إذا كان الانقطاع في آخر العادة ، فالأمر في هذا ظاهر ، فإنه طهر .
مسألة : علامة الطهر عند المرأة : علامتان :
1 - العلامة الأولى : القصة البيضاء ، وهو ماء أبيض يقذفه الرحم في نهاية العادة
2 - العلامة الثانية : الجفاف ، أن ترى جفافاً بحيث أنها لو مسحت بشيء لا ترى شيئاً .
مسألة : ما يتعلق بالمبتدأة :
والمبتدأة : هي الجارية الصغيرة التي جاءها الدم أول مرة .(1/260)
الحنابلة ينفردون عن غيرهم بحكم خاص للمبتدأة فيقولون : بأن المبتدأى بمجرد أن ترى الدم تجلس أقله (وأقل الحيض على المذهب يوم وليلة) أي : تجلس يوم وليلة لا تصلي ولا تصوم ، وإن كانت متزوجة لا يقربها زوجها ..ألخ
بعد أن يمضي يوم وليلة تغتسل ، وتصلي ومعها الدم ، ثم بعد ذلك إذا انقطع عنها الدم بعد خمسة أو ستة أيام ، أيضاً تغتسل مرة ثانية ، وتقضي الواجبات مثل الصيام ، لأنها صامت وعليها الدم ، فهذا الغالب أنه دم دورة ، فيجب عليها أن تصوم مع الدم ويجب عليها أيضاً أن تقضي مرة أخرى ، فإذا تكرر ذلك عليها ثلاثة أشهر علمنا أنه عادة، ونحكم أن هذه
..............................................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عادتها ، لأن العادة مأخوذة من المعاودة وهو التكرار .
والرأي الثاني : رأي أكثر أهل العلم رحمهم الله : وأنها تجلس بمجرد أن ترى الدم ، وتأخذ أحكام الحائضات ، ترك الصلاة والصيام والطواف والاعتكاف ، وغير ذلك ثم بعد ذلك تغتسل وتصلي ويأخذ حكم الطاهرات وهذا هو الصواب .
(1) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي وبن ماجه وابن أبي شيبة وابن خزيمة.
(2) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
(1) صحيح رواه أبو داود والترمذي وبن ماجه.
(2) صحيح رواه مسلم من حديث ابن عباس.
(1) صحيح البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم.
(1) صحيح رواه أبو داود والنسائي والترمذي وبن ماجه وقد أعل بالإرسال بما لا يقدح وصححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.
(1) البخاري ومسلم.
(1) صحيح ابن حبان.
(1) تقدم تخريجه في صـ 20 .
(1)هذه رواية البخاري برقم(97).
(2) البخاري 337, مسلم 312(1/261)
(1)البخاري 5110 , مسلم 4
(2)البخاري ومسلم
(1)وهذه اللفظة بعض أهل العلم يثبتها وبعضهم ينفيها ، لكن حتى ولو كانت هذه اللفظة منفية .
(2)البخاري.
(1) سبق تخريجه في صفحة 24
(2) البخاري
2 ودليل ذلك ( أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة) أخرجه البخاري.
(1) البخاري ومسلم.
(1) أبوداود والنسائي وصححه الألباني/2163
(2) ضعيف.
(1) سبق تخريجه في صفحة29.
(2) البيهقي71 ,الدارقطني 13.
(3) مسلم وأبو داود.
(1) أخرجه الترمذي وغيره.
(2) أحمد وأبو داود
(1)البخاري ومسلم.
(1) البخاري
(2) صحيح رواه أبو داود والنسائي اللفظ عند البيهقي والحديث وسبق تخريجه 29.
(3) سبق تخريجه في صفحة 6
31 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر
(1) رواه ابن ماجة والترمذي وقال إسناده ليس بالقوي وصححه في الإرواء(87,1). (4) البخاري ومسلم
(2) البخاري ومسلم.
(3) رواه ابن ماجه برواية إسماعيل بن مسلم وضعفه الألباني في الإرواء.
(1) البخاري ومسلم.
(2) البخاري ومسلم.
(3) البخاري ومسلم. (4) البخاري ومسلم .
(1) أخرجه الطبراني والبيهقي وهو ضعيف لا يثبت قال محقق هداية الراغب الشيخ حسين بن محمد مخلوف لم أجده .
(1) أخرجه أبو داود وابن ماجه في صحيحه. تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه 39" ، وأيضاً في سنن أبي داود " إذا بال أحدكم
(2) أخرجه ألإمام أحمد وأبوداود والترمذي والنسائي والبيهقي.
(3) البخاري ومسلم.
(1) رواه الدارقطني.
(2) رواه أحمد وأبو داود.
( 1 ) سبق تخريجه في صـ( ).
(1) أخرجه مسلم في صحيحة.
(1) البخاري ومسلم.
(1) سبق تخريجه صـ( )
(1) سبق تخريجه صـ( )
(2) البخاري مسلم .…
(1) مسلم .
(2) رواه أبو داود ابن ماجه وحسنه الألباني في الإرواء .
(1) وهذا الحديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه , وصححه الألباني في الإرواء .
(1) رواة الدار قطني والبيهقي وعند وعند البخاري يلفظ هذا ركس .(1/262)
(2) مسلم .
(1) مسلم .
(1) رواه البخار ي مسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
1 رواه البخاري تعليقاً واحمد والشافعي وصححه الألباني في الإرواء(1/105).
2 البخاري ومسلم.
3 البخاري.
1 هذا الحديث مرسل لا يثبت .
2 سبق تخريجه في صفحة (48).
1 سبق تخريجه في صفحة(37)0
(1)
2 هذا الحديث ضعيف لا يثبت.
3 سبق تخريجه في صفحة (48).
1 البيهقي والدارقطني وضعفه الألباني في الإرواء(1/106)0
2 سبق تخريجه في صفحة( )0
3 سبق تخريجه في صفحة( )0
1 سبق تخريجه في صفحة( )0
2 البخاري ومسلم.
1 سبق تخريجه في الصفحة ( ).
2 تقدم تخريجه( ).
3 في البخاري ومسلم.
(1) في صحيح مسلم.
(2) رواه البزار
(3) تقدم تخريجه في صفحة( ).
1 النسائي والترمذي وصححه , وصححه الألباني في جامع الإرواء(6870).
2 سنن أبي داود.
3 البخاري ومسلم.
1 وهذا الحديث في مسند الإمام أحمد رحمه الله ، لكنه ضعيف ، وورد في كتاب أخلاق النبي ( لأبي الشيخ
1 في سنن أبي داود.
(1) صحيح البخاري.
(2) أبو داود وصححه الألباني في الجامع. (3) رواه أبو داود وأحمد عن ابن عمر وصححه الألباني.
3 ابن ماجه.
1 الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
2 في الصحيحين.
3 رواه الإمام أحمد رحمه الله وغيره.
1 مسلم.
2 أحمد وأبي داود والنسائي.
1 متفق عليه.
1 هذا حديث ضعيف.
1 صحيح مسلم.
1 فيه ضعف.
2 أصله في البخاري ومسلم .
2 أصله في البخاري ومسلم.
(1) البخاري ومسلم (2) مسلم. (3) مسلم.
(1) البخاري ومسلم (3) رواه أحمد (4) رواه أحمد وأبو داود
(2) أبي داود (5) رواه النسائي
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريره .
(1) رواه مسلم .
(2) الترمذي.
(1) البخاري مسلم من حديث عبد الله بن عمرو
(1) رواه أبي داود.
(1) صحيح مسلم . (3)
(2) أحمد وأبو داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) البخاري مسلم من حديث عبد الله بن عمر . (2) رواه أحمد وأبو داود .(1/263)
(1) مصنف ابن أبي شيبه وذكره النووي في شرحه .
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة .
(1) رواه أبو داود ابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه أبي داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه الترمذي وابن ماجه .
(1) رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر . (3) رواه النسائي .
(2) رواه الترمذي .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي .
(1) رواه الدار قطني .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أحمد وأبي داود .
(2) القرطبي .
(1) رواه مسلم .
(1) سبق تخريجه في صـ( ).
(1) رواه مسلم . (3)ضعيف
(2) لرواه ابن ماجه. (4) وهذا أخرجه الدارقطني والحاكم وصححاه ،
(1) ابن ماجه.
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه الشافعي وابن خزيمه والطبراني وحسنه البخاري وقال وهو صحيح الإسناد وأيضا في صحيح الجامع .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) رواه أحمد وأبو داود .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه الترمذي وغيره .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) الحديث ضعيف رواه الطبراني في الأوسط لكن قالو بأنه يتقوى بشواهده, له شاهد عن عائشة رضي الله عنها عند أحمد وفي البخاري لكن هذا لا يثبت مرفوعا عن النبي ( لكنه مدرج .
(1) رواه الترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) . (2) رواه أحمد والطباراني .
(1) رواه مسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه ابن أبي شيبه وبإسناد صحيح عن ابن العباس
(1) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني .
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) أبي داود والترمذي وصحيح الألباني.
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه الدار قطني .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة .
(1) رواه أبي داود والترمذي .
(2) رواه مسلم .(1/264)
(1) رواه أبو داود والترمذي .
(2) رواه مسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث أنس . (2) رواه أحمد وابن ماجه .
(1) رواه النسائي .
(1) سبق تخريجه في باب التيمم . (2)
(1) البخاري ومسلم . (2) رواه البخاري ومسلم .
(1) البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) تخريجه في باب إزالة النجاسة أو الحيض .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة . (2) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة .
(1) رواه مالك في الموطأ .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه أحمد أبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه مسلم .
(1) البخاري ومسلم وزاد مسلم "وإن لم ينزل" . ( 2 ) رواه مسلم .
(1) رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني .
(2) الإمام أحمد ومصنف عبد الرزاق .
(1) حسنه الترمذي (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم من حديث أم عطية
(1) البخاري (2) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة
(1) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وضعفه الألباني .
(1) رواه مسلم . (2) رواه أبو داود والترمذي وأحمد وحسنه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) مسلم .
(1) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) البخاري
(1) الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد (3) رواه مسلم .
(2) رواه الترمذي وصححه الألباني . (4) رواه مسلم . (5) رواه أبو داود .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم . (4) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري مسلم . (3) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أبي داود وأحمد .(1/265)
(1) رواه البخاري قاله لعمر بن الخطاب توضأ واغتسل ذكرك ثم نم (4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أبي داود وصححه الألباني .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري مسلم .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه مسلم من حديث حذيفة .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم . (2) رواه أبي داود
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه أبي داود .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) سبق تخريجه صـ( ) . (2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه ابن قدامه في المغني بهذا اللفظ بدون عزو .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم اللفظ له .
(2) رواه النسائي .
(3) رواه البخاري ومسلم .…
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي قتادة .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) مسلم
(3) رواه البخاري مسلم
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه سعيد والدار قطني .
رواه مسلم .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه مسلم
(1) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه أبي داود والترمذي .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه مسلم .
(2) رواه مسلم
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه أبو داود والترمذي .
(4) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري ومسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(3) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه مسلم .
(2) رواه البخاري من حديث عائشة .
(1) سبق تخريجه صـ( ) .(1/266)
(1) رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس وضعفه الألباني .
(1) رواه مسلم .
(1) رواه البخاري مسلم .
(2) رواه البخاري .
(1) رواه البخاري ومسلم والفظ لمسلم .
(2) رواه البخاري ومسلم .
(1) رواه الترمذي .
(2) رواه مسلم .
(1) ذكره الإمام أحمد .
(2) رواه أحمد وأبو داود .
(1) رواه مسلم .
( 1) رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وحسنه الألباني .
(1 ) سبق تخريجه صـ( )
(1) سبق تخريجه صـ( ) .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أبوداود .
(1) رواه البخاري .
(2) رواه مسلم .
(3) رواه أحمد وصححه الألباني.
(1) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
??
??
??
??
(عمدة الطالب)
14
كتاب الطهارة(1/267)
*
هذه مذكرة في شرح كتاب الصلاة من عمدة الطالب ، شرحها الشيخ : خالد بن علي المشيقح حفظه الله , وهي مفرغة من الأشرطة ، قام بتفريغها الطالب محمد بن عبد الله الشنو جزاه الله خيراً، نضعها هنا للفائدة مع العلم أن الشيخ لم يراجعها نسأل الله العظيم أن ينفع بها شارحها وكاتبها وقارئها ،وكل من سعى في نشرها ..
تجب.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الصلاة
مناسبة هذا الكتاب لما قبله ظاهرة ، فإن المؤلف رحمه الله ابتدأ بالطهارة قبل الصلاة : أولاً: لأن الطهارة مفتاح الصلاة ، ولا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ
وثانياً : لأن التخلية قبل التحلية ، فالإنسان يتخلى من الخبث ويتحلى بالنظافة ثم بعد ذلك يتحلى بالوقوف بين يدي الله عز وجل .
الصلاة في اللغة : الدعاء ، ومن ذلك قول الله عز وجل ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم( .
وأما في الاصطلاح : فهي التعبد لله عز وجل بأفعال وأقوال مخصوصة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم .
والصلاة فرضت ليلة الإسراء ، وقت ليلة الإسراء متى كانت ؟
هذا موضع خلاف فلم يثبت منه شيء ، المهم أنها فرضت ليلة الإسراء قبل هجرة النبي ( وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين .
" تجب " المراد بالوجوب هنا : أعلى أنواع الوجوب ، إذ أنها فرض وركن ، ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع .
تجب على كل مكلف غير حائض و نفساء ....................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما القرآن فقول الله عز وجل ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( .(2/1)
وفي السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت " .
" تجب على كل مكلف " أي : من تجب عليه هذه الصلوات الخمس ، قال المؤلف رحمه الله : أن يكون : مكلفاً ، والمكلف : هو البالغ العاقل ، وعلى هذا المجنون لا تجب عليه الصلاة ، والصغير الذي لم يبلغ أيضاً لا تجب عليه الصلاة ، وهل تجب الصلاة على المعتوه (الذي عنده نقص في العقل) ؟ المعتوه : ينقسم إلى قسمين :
1 - القسم الأول : معتوه ليس معه شيء من الإدراك : فهذا حكمه حكم المجنون .
2 - القسم الثاني : معتوه معه شيء من الإدراك ، وهذا قال العلماء رحمهم الله : حكمه حكم الصبي المميز ، بحيث أنه تصح منه العبادة ، ويؤجر عليها لكنها لا تجب عليه .
وقوله " مكلف " هذا يشمل الذكر والأنثى ، والحر ، والرقيق ، والخنثى ، والمبعض .
" غير حائض ونفساء " فالحائض لا تحب عليها الصلاة ، والنفساء أيضاً لا تجب عليها
فيقضي نائم ومغمى عليه ونحوه أفاق...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة ، ودليل ذلك : ما تقدم من قول النبي ( " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " وأيضاً قول عائشة رضي الله عنها " كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " فالحائض والنفساء لا تجب عليهما الصلاة بالإجماع ، إلا أنه يستثنى من ذلك - كما سبق لنا - ما إذا طهرت بعد أن أدركت من أول الوقت قدر ركعة ، أو طهرت ، وقد أدركت من آخر الوقت قدر ركعة ، ففي هاتين الحالتين تجب الصلاة على النفساء والحائض .(2/2)
الشرط الثالث : أن يكون مسلماً ، وعلى هذا الكافر لا تجب عليه الصلاة - وسبق أن ذكرنا-أن الكافر يتوجه إليه خطابان 1-وجوب~التكليف 2- وجوب الأداء ، أما هذا الخطاب فإنه لا يجب عليه أن يؤدي لأنه فاقد الأصل (التوحيد) ومع عدم التوحيد لا تصح العبادة ، فإن الله عز وجل قال ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( ، وأيضاً قول الله عز وجل ( لإن أشركت ليحبطن عملك ( . وأما وجوب التكليف فإنه مكلف بها ويأثم على تركها ، لقول الله عز وجل ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين (
" فيقضي نائم ومغمى عليه ونحوه أفاق " أي : يقضي النائم هذا بالإجماع ، النائم إذا نام
ومغمى عليه....................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن الصلاة فإنه يجب عليه أن يقضيها ، لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ( قال : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها " .
" ومغمى عليه " المغمى عليه هل يقضي أو لا ؟ المؤلف رحمه الله يرى أنه يقضي ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يقضي مطلقاً ، سواء أغمي عليه باختياره أو بغير اختياره ،
باختياره : مثل لو تداوى أكل بنجاً ، وبغير اختياره مثل : لو سقط وأغمي عليه ، أو أصابه حادث مثل ما يحصل الآن حوادث السيارات قد يغمى على الإنسان لمدة شهر أو شهرين ، فالمؤلف يرى أنه يجب عليه أن يقضي مطلقاً ، إلحاقاً بالنائم ،
وأيضاً استدلوا بان عمار بن ياسر رضي الله عنه أغمي عليه ثلاثة أيام ثم أفاق ، وقضى هذه الأيام الثلاثة ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : رأي الحنفية ، قالوا : بأنه إن أغمي عليه لمدة يوم وليلة فإنه يقضي وما زاد على ذلك فإنه لا يقضي ،(2/3)
ودليلهم في ذلك : أن اليوم والليلة في حكم اليسير وما عدا ذلك فهو في حكم الكثير .
والرأي الثالث : التفصيل بين الإغماء ، إن كان باختيار الإنسان فإنه يجب عليه أن يقضي
ولا تصح من مجنون ولا كافر وإن صلى أو أذن فمسلم حكماً .............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، مثل : لو أكل دواءً أو بنجاً ، ونحو ذلك : أو شرب مسكراً ، فإنه يقضي .
وإن كان بغير اختياره كما لو أصابه حادث ونحو ذلك ، فإنه لا يجب عليه أن يقضي إلا الصلاة التي أغمي عليه فيها ولم يصلها ، أو الصلاة التي أفاق في وقتها ، وهذا يظهر والله أعلم أنه أقرب ، وهذا التفصيل هو رأي الشافعية .
" ولا تصح من مجنون " لا تصح الصلاة من مجنون ، لأن الصلاة لابد لها من النية ، ومن شروط صحة النية : العقل ، والمجنون مرفوع عنه القلم ، ومثل ذلك أيضاً ، الصبي غير المميز لا تصح منه العبادات لأنه لا يعقل النية .
" ولا كافر " أيضاً لا تصح من الكافر لما تقدم أنه فاقد التوحيد وذكرنا أن الله عز وجل قال ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( ، وقوله تعالى ( لإن أشركت ليحبطن عملك( ، فالكافر لا تصح منه ، وأيضاً : لأن من شروط صحة النية الإسلام .
" وإن صلى أو أذن فمسلم حكماً " أي : إذا صلى هذا الكافر أو أذن ، يقول المؤلف بأنه " مسلم حكماً " يعني : نحكم بإسلامه أخذاً بالظاهر ، ونعامله معاملة المسلمين ، وعلى هذا لو مات فإنه يغسل ويكفن ويقبر في مقابر المسلمين ، ولو مات له قريب فإنه يرثه
ويؤمر صغير بها لسبع ويضرب عليها لعشر وعلى وليه تعلميه إياها
والطهارة ، وما يحتاجه لدينه وما يحتاجه لدينه كإصلاح ماله............(2/4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويورث ، ولو أراد أن يرجع إلى الكفر لا نقبل له ذلك بل يأخذ حكم المرتدين .
" ويؤمر صغير بها لسبع ويضرب عليها لعشر " وهذا دليله حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( قال : " مروا أبنائكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع " ، وهذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وغيره .
وحكم هذا الأمر " يؤمر لسبع ويضرب عليها لعشر " هذا واجب على الولي ، وبالنسبة للصغير لا يجب عليه الصلاة ، لكن يجب على الولي أن يأمره ، لأن هذا من تربيته وتعليمه
" وعلى وليه تعلميه إياها والطهارة ، وما يحتاجه لدينه ... " ، أي : كما أنه يجب على الولي أن يأمره بالصلاة ، أيضاً يجب عليه أن يعلمه الصلاة ، ويجب عليه أن يعلمه الطهارة كيف يتوضأ ، وهذه مسالة يفرط فيها كثير من الأولياء ، يترك الأمر للمدرسة ، وقد لا تحسن المدرسة التعليم ، فتجد الطفل لا يعرف أن يتوضأ و لا يعرف أن يصلي .
" وما يحتاجه لدينه " أيضاً : يجب عليه أن يعلمه ما يحتاجه لدينه كالحلال والحرام ، وهذا هو تمام التربية ، وليس المراد أن يعلمه كل شيء ، وإن المراد أن يعلمه الأشياء المحيطة به ، أن هذا جائز ، أن هذا جائز وهذا غير جائز ، وأن هذا محرم وهذا غير محرم .
إصلاح ماله وإن بلغ في وقتها أعادها.............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إصلاح ماله " أي : كما أن الولي يجب عليه أن يصلح موليه الصغير أيضاً يجب عليه أن يصلح ماله .(2/5)
" وإن بلغ في وقتها أعادها " إذا بلغ الصبي هل تجب عليه الصلاة ؟ أو لا تجب عليه ؟ هذا فيه تفصيل :
1 - الحالة الأولى : أن يبلغ بعد خروج الوقت ، فهذا لا تجب عليه الصلاة التي مضت .
2 - الحالة الثانية : أن يبلغ في أثناء الوقت ، فإن كان لم يصل فالصلاة واجبة عليه ، لكن إن صلى هل يجب عليه أن يعيد الصلاة قبل خروج الوقت أولا يجب عليه ؟
المؤلف رحمه الله يرى أنه يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهذا هو المذهب ،
وعلتهم في ذلك : أن الصلاة التي صلاها قبل البلوغ نافلة في حقه فلا تجزئ عن الفريضة
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه لا يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهذا القول هو الصواب ،
لأنه أدى ما أمر به شرعاً ، والقاعدة : أن ما فعل المأذون على الوجه الذي أمر به لا يلزمه أن يعيده مرة أخرى " ما ترتب على المأذون غير مضمون " .
في وقتها ويحرم تأخيرها عن وقت الجواز......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله " في وقتها " يعني : بعد فعل الصلاة ، وإذا بلغ في أثناء الصلاة ، على المذهب أنه يجب عليه أن يعيدها مرة أخرى .
ويظهر والله أعلم أنه إن أدى ركعة ، فإنه لا يجب عليه أن يعيد ، لأنه أدرك هذه الصلاة ، والنبي ( يقول : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
" ويحرم تأخيرها عن وقت الجواز " وقوله " وقت الجواز : هذا يفهم منه أن الصلاة لها وقتان :
1 - وقت جواز .
2 - وقت ضرورة ، وهذا خاص في صلاة العصر على الصحيح ، جميع الصلوات ليس لها إلا وقت واحد ، وهو وقت الاختيار ،
وأما العصر فلها وقتان ، وهذا سيأتي بيانه .(2/6)
فتأخير الصلاة عن وقت الجواز (الاختيار) هذا محرم ولا يجوز ، ويجب للإنسان أن يفعل الصلاة في وقتها،ويدل لهذا قول الله عز وجل(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوفاً ( أي مفروضاً في الأوقات،وقال الله عز وجل(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل (
إلا لناوي الجمع أو بمشتغل بشرط لها يحصله قريباً....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجبريل عليه السلام لما أم بالنبي ( الصلوات في أول الوقت وآخره ،
قال : الصلاة ما بين هذين الوقتين " والأدلة على هذا كثيرة .
" إلا لناوي الجمع " استثنى المؤلف رحمه الله من نوى الجمع ممن يباح له الجمع أو يشرع له الجمع ، فهذا لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقت الاختيار إلى وقت الثانية ،
فمثلاً : المريض الذي يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها ، فإنه يجمع ولا بأس أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، وأيضاً المسافر ، لا بأس أن يؤخر الظهر إلى وقت العصر ، وهكذا .
وبعض العلماء لا يرى هذا الاستثناء ، يعني قول " ناوي الجمع" ويقول : بأن الصلاتين مع العذر يكون وقتها كالوقت الواحد ،
فمثلاً : المسافر ، وقت الظهر ووقت العصر يكون كالوقت الواحد للصلاتين .
" أو بمشتغل بشرط لها " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقتها ، فمثلاً : لاة الفجر يخرج وقتها بطلوع الشمس ، من شروط صحة الصلاة ستر العورة الثوب الذي عنده يحتاج إلى خياطه لمدة عشر دقائق أو ربع ساعة ، فلو جلس يخيطه لطلعت
يحصله قريباً..................................................................................................(2/7)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه الشمس ، ولو صلى ، صلى ، وقد انكشف شيء من عورته فهل يحصل الشرط (ما دام أن الشرط قريب) ويؤخر الصلاة عن وقتها ، أو نقول : يصلي على حسب حاله ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يحصل الشرط حتى لو خرج الوقت ، ومثل ذلك أيضاً : صلاة العشاء يخرج وقتها بانتصاف الليل باقي على انتصاف الليل مثلاً ربع ساعة ، وليس عنده ماء ، والماء قريب في البيرة وفي الخزان ، بإمكان أنه يعمل حبلاً أو إناء ويغترف من الماء حتى يتوضأ ، وهذا يحتاج إلى عشر دقائق ، فإذا مضت هذا العشر وأخرج الماء إذ الوقت قد خرج (انتصف الليل) ، فهل نقول : بأنه يؤخر الصلاة عن وقتها ويحصل الشرط ،(الماء) أو نقول : بأنه يصلي على حسب حاله ؟
المؤلف يقول:بأنه يحصل الشرط حتى ولو خرج الوقت هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله
والرأي الثاني : أنه يصلي الصلاة على حسب حاله ، حتى ولو انكشف شيء من العورة ، أو حتى ولو صلى بغير الماء بالتيمم ونحو ذلك ، فلا يؤخر الصلاة عن وقتها ،
وهذا القول هو الصواب ، وحينئذ كلام المؤلف يكون فيه ضعف .
وقوله " يحصله قريباً " يفهم من كلامه أنه لو كان لا يحصل الشرط إلا بعد فترة طويلة (ساعة ، ساعتين) فإنه يصلي على حسب حاله .
ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/8)
والصواب في ذلك : كما ذكرنا ، وأنه لا يؤخر الصلاة من أجل الشرط بل يجب عليه أن يؤدي الصلاة في وقتها ، وهذا مما يؤيد تحريم تأخير الصلاة عن وقتها ، وأن شرط الوقت هو أكد شروط الصلاة ، ولهذا تترك بقية شروط الصلاة من أجل شرط الوقت ، وتترك أركان الصلاة من أجل شرط الوقت ،
لو كان الإنسان ليس عنده ماء وليس له ثوب يستر به عورته وبعد الوقت سيجد الماء ويجد الثوب الذي يستر به عورته ، فإنه يجب عليه أن يصلي الصلاة على حسب حاله ، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها .
كذلك أيضاً : قلنا : أن أركان الصلاة من أجل شرط الوقت ، فلو كان الإنسان مريضاً لا يستطيع القيام ولا الركوع ولا السجود نقول : صل الصلاة في وتقها على حسب حالك ، ولو كان بعد خروج الوقت سيستطيع القيام والركوع والسجود ..الخ .
" ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية " هنا شرع المؤلف رحمه الله في حكم ترك الصلاة ، وتارك الصلاة لا يخلو من أمرين :
ومن جحد وجوبها كفر وكذا تاركها كسلاً إذا دعاه إمام أو نائبه وأبى حتى تضايق وقت الثانية...............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون تركها جحوداً ، يعني يجحد وجوبها بأن يقول الصلاة ليست واجبة على المسلم المكلف ، فهذا نقول بأنه كفر لأنه مكذب لله ولرسوله وإجماع الأمة إلا لو كان مثله يجهل ذلك كما لو كان حديث عهد بإسلام أو كان ناشئاً في بادية بعيدة عن حاضرة المسلمين إلى آخره ، فهذا يعذر بالجهل لكن إذا كان مثله لا يجهل ذلك فالمؤلف رحمه الله يرى أن ذلك كفر .(2/9)
الأمر الثاني : أن يكون تركه لها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله يكفر لكنه اشترط شرطين .
فعندنا فيما يتعلق بالمسألة الأولى من تركها تهاوناً وكسلاً هل يكفر أو لا يكفر ؟
المؤلف رحمه الله يرى أنه يكفر وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهو من المفردات ، مفردات الإمام أحمد واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة .
ابن القيم رحمه الله أطال في هذه المسألة في كتابه الصلاة وذكر أدلة من قال بالتكفير وأدلة من قال بعدم التكفير ... إلى آخره .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدلة كثيرة ومن ذلك قول الله عز وجل :" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين " فدل ذلك على أنه من لم يقم الصلاة ليس أخاً لنا في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا مع وجود الكفر .
وأيضاً حديث بريدة في صحيح مسلم :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "
حديث جابر :" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة "
حديث معاذ :" رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة " فقال عموده الصلاة وإذا سقط العمود سقط البيت .
وأيضاً ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة " قال الإمام أحمد رحمه الله : شيء ذهب آخره لم يبقى منه شيء .
وأيضاً ما ورد عن عبد الله بن شقيق أنه قال : ما أجمع أصحاب محمد على شيء تركه كفر إلا الصلاة .
........................................................................................................................(2/10)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي الأئمة الثلاثة عدم الكفر لتارك الصلاة تهاوناً وكسلاً .
والذين قالوا بعدم التكفير يستدلون بالأدلة الوارده بالإرجاء وأن الله عز وجل يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ... إلى آخره .
ويستدلون أيضاً بما في سنن ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يدرس الإسلام ....إلى أن ذكر أنه يبقى الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وأنهم يقولون لا إله إلا الله أدركنا آبائنا على هذه الكلمة " أو كما ورد .
والجواب على هذا سهل : أن ماورد من أدلة الإرجاء فهذه نقول الذي يخرج من النار هو الذي معه الإسلام ، يعني أصل الإسلام لا يزال باقياً معه فهذا الذي يمتنع تخليده في النار ، وأما من ترك الصلاة فقد ذهب الإسلام عنه كما في أدلة الحنابلة ، وأما ما في سنن ابن ماجه في دروس الإسلام وأنه يبقى الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وأنهم على هذه الكلمة لا إله إلا الله ... إلى آخره ، فنقول هذا الذي يسعهم لأنهم لم يعلموا إلا هذا الشيء من الإسلام فهذا الذي يسعهم ، فالإنسان إذا كان يجهل فإنه معذور بجهله .
هذا الكفر لمن ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً اشترط له المؤلف رحمه الله شرطين :
الشرط الأول : قال إذا دعاه إمامه أو نائبه وأبى .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/11)
هذا الشرط الأول : أن يدعوه الإمام يعني الإمام الأعظم أو نائب الإمام ، نائب الإمام اليوم القاضي مثلاً ، نواب الإمام من يضعهم الإمام لهذه الأمور القاضي إذا كان هذا من إختصاصه رجل الشرطة إذا كان هذا من إختصاصه أو مثلاً المحتسب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان هذا من إختصاصه ... إلى آخره .
المهم أن يدعوه الإمام أو نائبه ثم بعد ذلك يصر ، هذا الشرط الأول .
الشرط الثاني : قال حتى تضايق وقت الثانية عنها ، يعني يؤخر الظهر ولا يصلي الظهر حتى يتضايق وقت صلاة العصر ، مثلاً بقي على خروج وقت صلاة العصر عشر دقائق تضايق الآن وقت صلاة العصر عنها عن الثانية ما بقي إلا عشر دقائق لا تسع لفعل صلاة العصر ، تضايق وقت صلاة الثانية ، عنها : أي عن الصلاة الثانية .
فإنه يكفر .
والشرط الأول بعض العلماء قالوا بأنه لا يشترط والأدلة مطلقة " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " ، " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " وهذا يشمل ما إذا دعاه الإمام أو نائبه أو لم يدعوه .
والشرط الثاني أيضاً قوله حتى تضايق وقت الثانية عنها ، هذا هو المذهب .
ويستتابان ثلاثاً.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/12)
والرأي الثاني : أنه لايكفر حتى لو تضايق وقت الصلاة الثانية ولا نحكم بكفره إذا كان يصلي في بعض الأحيان ويترك في بعض الأحيان ، ولا نحكم بكفره إلا إذا كان مصراً على ترك الصلاة بالكلية أما إذا كان يصلي ويخلي ، مثلاً يصلي الفجر ويخلي الظهر والعصر والمغرب ويصلي العشاء فهذا قالوا : لا نحكم بكفره ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأننا لا نحكم بكفره إذا كان يصلي ويخلي ، أما إذا كان مصراً على الترك فهذا الذي نحكم بكفره .
" ويستتابان ثلاثاً " يعني من ترك الصلاة جحداً ومن تركها تهاوناً وكسلاً يستتابان ، يستتيبهما الإمام أو نائبه يقول المؤلف رحمه الله ثلاثاً يعني : ثلاثة أيام فإن أصر وإلا قتل .
ويقتل كافراً نسأل الله السلامة .
وإستتابة المرتد هذه راجعة إلى إجتهاد الإمام ، المذهب : أن المرتد لابد أن يستتاب ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الاستتابة راجعة إلى اجتهاد الإمام ، والإمام يجتهد في الاستتابة وهذا يختلف باختلاف الأشخاص فقد يكون هذا الشخص مما تنفع فيه الاستتابة فيستتاب ، وبعض الناس لا تنفع فيه الاستتابة فلا يستتاب كما ورد عن ........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي موسى ومعاذ رضي الله تعالى عنهما في قتل المرتد قبل استتابته ، فنقول هذا يرجع إلى قرائن الأحوال .
ودليلهم على الاستتابة ثلاثاً : أنه وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه في المرتد هلّا استتبتموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً لعله يتوب ... إلى آخره .
وهذا الأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه ضعيف لا يثبت .(2/13)
كذلك أيضاً يلحق بترك الصلاة من ترك ركناً أو شرطاً من شروط الصلاة بحيث تبقى الصلاة وجودها كعدمها فمثلاً لو ترك ركن الركوع نقول الصلاة وجودها كعدمها غير صحيحة أو شرطاً مثلاً شرط رفع الحدث تبقى الصلاة وجودها كعدمها .
والأذان والإقامة فرضا كفاية.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الأذان والإقامة
لما ذكر المؤلف رحمه الله الصلاة وحكمها ومن تجب عليه ومن يأمر بها ... إلى آخره شرع في أحكام الأذان والإقامة لأن الأذان والإقامة إعلام لهذه الشعيرة العظيمة .
" والأذان " في اللغة : الإعلام .
وأما في الاصطلاح : فهو التعبد لله عز وجل بالإعلام بدخول وقت الصلاة بذكر مخصوص .
" والإقامة " في اللغة : مصدر أقام .
وأما في الاصطلاح : فهو الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص .
" فرضا كفاية " أفاد المؤلف رحمه الله مسألتين :
المسألة الأولى : أن الأذان والإقامة كل منهما فرض ، والدليل على الفرضية أمر لنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث مالك ابن الحويرث رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " قال : فليؤذن لكم، هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
للصلوات الخمس.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً الدليل على أنه على سبيل الكفاية قال : أحدكم ، ولم يقل : جميعكم ، فدل ذلك على أنه إذا حصل الأذان من بعض الناس كفى ذلك ، وهذا هو المذهب أنهما فرض .(2/14)
والرأي الثاني : مذهب أبي حنيفة والشافعي أنهما سنة .
والصحيح في ذلك : ماذهب إليه الحنابلة رحمهما الله أنهما فرض لما ذكرنا من الدليل من الأمر .
" للصلوات الخمس " الصلوات من حيث الإعلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يشرع لها الأذان والإقامة وهذه الصلوات الخمس مع الجمعة .
القسم الثاني : ما يشرع لها النداء فقط وهذه صلاة الكسوف خاصة ولا يلحق بها شيء آخر على الصحيح .
القسم الثالث : ما لا يشرع له شيء وهذا بقية الصلوات فمثلاً صلاة الاستسقاء لا يشرع لها شيء صلاة العيدين لا يشرع لها شيء صلاة الجنازة لا يشرع لها شيء صلاة التراويح لا يشرع لها شيء .
على الرجال......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" على الرجال " هنا أراد المؤلف رحمه الله أن يبين على من يجب الأذان والإقامة .
فنقول يجب على من توفرت فيه الشروط الآتية :
الشرط الأول : أن يكون رجلاً ، وإذا قال الفقهاء رحمهم الله رجل فيريدون به البالغ وعلى هذا النساء لا يجب عليهن أذان ولا إقامة ، ولكن هل يشرع لهن أو يباح لهن ، إذا قلنا بأنه لا يجب عليهن أذان ولا إقامة هل يشرع أو لا يشرع ؟
هذا سيأتينا إن شاء الله .
قال :" على الرجال " هذا الشرط الأول ، وأما بالنسبة للنساء فلا يجب عليهن لأن الأذان والإقامة إنما يجبان للجماعة والنساء لا تجب عليهن الجماعة بالإجماع ، فنقول : لا يجب عليهن أذان ولا إقامة .
الثاني : أن يكونوا أحرارا وعلى هذا الأرقاء لا يجب عليهن أذان ولا إقامة وهذا هو المشهور من المذهب وهو قول كثير من العلماء رحمهم الله .(2/15)
والرأي الثاني : أنه يجب الأذان والإقامة على الأرقاء كما يجب على الأحرار لعموم الأدلة ، حديث مالك بن الحويرث " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم "
مقيمين...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا يشمل الأحرار ويشمل الأرقاء .
وعندنا قاعدة { أن الأصل في الأحكام البدنية المحضة أنه يتساوى فيها الأحرار والأرقاء }
وهذا القول هو رأي الظاهرية .
وأما من قال بأنه لا يجب على الأرقاء فقالوا بأن الرقيق ناقص الأهلية لكونه مالاً فلا يجب عليه ، وهذا لا يسلم بل الصواب : أن الرقيق كالحر تماماً فيما يتعلق بأمور البدن ، أما ما يتعلق في أمور المال فهذا كما ذكر بعض العلماء رحمهم الله .
أما ما يتعلق بأمور المال فهذا صواب لأن الرقيق مال ولا يملك .
" مقيمين " وعلى هذا لا يجب الأذان والإقامة على المسافرين وهذا هو المشهور من المذهب فلو خرج جماعة في سفر فالأذان والإقامة في حقهم سنة وليس واجباً .
والرأي الثاني : وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب على المقيمين والمسافرين لعموم حديث مالك بن حويرث ، بل إن مالكاً رضي الله تعالى عنه هو ومن معه كانوا مسافرين ومع ذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " .
إذا حضرت الصلاة..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/16)
فنقول الصواب في هذه المسألة : أن الأذان والإقامة واجب على المقيمين والمسافرين ويأثم المسافرون إذا تركوهما .
ومن ذلك أيضاً إذا كانوا غير مسافرين لكن كانوا خارج البلد مثلاً في عمل أو في نزهة أو نحو ذلك فإنه يجب عليهم الأذان والإقامة .
قال : على الرجال الأحرار المقيمين وقبل ذلك يقول المؤلف رحمه الله للصلوات الخمس هذه أربعة شروط .
الشرط الخامس : أن تكون الصلاة مؤداة وعلى هذا إذا كانت الصلاة مقضية فإنه لا يجب لها أذان ولا إقامة ، فلو كان أناس في نزهة مثلاً ليسوا مسافرين وناموا عن الصلاة حتى خرج وقتها ثم استيقظوا فإنه لا يجب عليهم الأذان ولا الإقامة لأن الأذان والإقامة إنما يجب للصلوات المأداة دون المقضيات .
والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن الأذان والإقامة كما يجب للصلوات المأداة أيضاً يجب للمقضيات ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث مالك بن حويرث " إذا حضرت الصلاة " وهذا يشمل حضور الصلاة في الوقت ويشمل أيضاً حضور الصلاة بعد الوقت .
على الرجال......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويؤخذ من قول المؤلف رحمه الله " على رجال " أنه لا يجب على الرجل المنفرد .
إذا كان منفرداً فإنه لا يجب عليه أن يؤذن وأن يقيم ، فلو كان هناك رجل في مزرعة يحتاج إلى ان يحرس المزرعة أو راع يرعى الماشية خارج البلد في الصحراء فعلى كلام المؤلف لا يجب عليه بل نقول بأنه سنة في حقه ، أو كان مسافراً في الطريق يصلي وحده فنقول : يستحب له أن يؤذن وأن يقيم هذا سنة في حقه .
ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" يعجب ربك من راعي غنم على شظية جبل يؤذن ويقيم "(2/17)
وكذلك أيضاً ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزواً ، إذا أراد أن يبيت قوماً انتظر فإن سمع أذاناً أمسك وإلا قاتل ، وسمع مؤذناً يؤذن وإذا هو راعي غنم ، فنقول : يستحب للمنفرد أن يؤذن وأن يقيم .
وقوله " على رجال " كما قلنا يخرج النساء ، فالمذهب : أن الأذان والإقامة للنساء مكروهة ، يعني يكره للنساء أن يؤذن وأن يقمن .
وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يباح لهن الأذان والإقامة .
فيقاتل أهل بلد تركوهما..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي رواية : أنه يستحب لهن الأذان والإقامة .
وقال الشافعي رحمه الله : تستحب الإقامة دون الأذان وسيأتي إن شاء الله .
" فيقاتل أهل بلد تركوهما " يعني تركوا الأذان والإقامة .
وقوله يقاتل ولم يقل يقتل ، فرق بين المقاتلة والقتل والفرق بينهما :
أن المقاتلة إذا حصلت فإنه يمسك عنها بفعل الواجب فإذا ترك أهل بلد الأذان والإقامة فإن الإمام أو نائبه يقاتلونهم لكن إذا قاموا بالأذان والإقامة فإنه يمسك عن قتالهم وكذلك أيضاً لا يجهز على جريحهم لو حصل جريح فإنه لا يجهز على هذا الجريح ، وكذلك أيضاً لا يتبع مدبرهم فرق .
أما القتل فهذا أمره ظاهر .
وقال المؤلف رحمه الله : يقاتل أهل بلد تركوهما لأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة .
* وما القدر الواجب من الأذان ؟
نقول القدر الواجب من الأذان ما يحصل به الإعلام ، فإذا كان البلد صغيراً ويكتفى بمؤذن واحد نقول نكتفي بمؤذن واحد وإذا كان البلد كبيراً ويحتاج إلى اثنين أوثلاثة ... إلى آخره .
وتحرم أجرتهما...............................................................................................(2/18)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم أنه بقدر الحاجة فقد يحتاج إلى اثنين قد يحتاج إلى ثلاثة ... على آخره .
* وما الحكم لو صلوا بلا أذان ولا إقامة ؟
نقول الصلاة صحيحة لكن قال العلماء : يكره ذلك لأن الأذان والإقامة ليس واجباً في الصلاة وإنما هو واجب للصلاة ، وفرق بين الواجب للشيء والواجب في الشيء .
الواجب في الشيء هذا تركه يؤدي إلى بطلانه ، والواجب للشيء هذا تركه لا يؤدي إلى بطلانه .
" وتحرم أجرتهما " يعني يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة ، وما يؤخذ على الأذان والإقامة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أخذ رزق من بيت المال ، يعني مكافأة من بيت المال فغن هذا جائز ولا بأس به وهو ما يحصل اليوم الإمام يضع مكافأة لمن يؤذن أو يقيم ... إلى آخره .
القسم الثاني : أخذ بلا مشارطة ، يعني إنسان أذن في هذا المسجد ثم جاء شخص وأعطاه مكافأة دون أن يكون هناك مشارطة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
القسم الثالث : أخذ الجعل وذلك بأن يجعل شخص جعلاً فيقول من أذن في المسجد الفلاني
لا رزق من بيت المال لعدم متطوع..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فله كذا وكذا أو من أذن في مسجدنا بلا مشارطة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .
القسم الرابع : هو ما أشار إليه المؤلف رحمه الله " تحرم أجرتهما " ما يكون عن طريق المشارطة والإتفاق أنه يؤذن في هذا المسجد ويشرط له كذا وكذا من الدراهم ، فهذا محرم ولا يجوز ويدل لذلك حديث عثمان بن أبي العاص " واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا "(2/19)
" لا رزق من بيت المال لعدم متطوع " يعني الرأس من بيت المال هذا جائز ولا بأس به لكن قال المؤلف رحمه الله : لعدم متطوع ، يعني إذا وجد عندنا اثنان أحدهما سيتطوع بالأذان لا يريد أن يأخذ شيئاً حتى ولو من بيت المال والآخر يريد أن يؤذن لكن الرزق الذي سيأتيه من بيت المال سيأخذه ، فأيهما يقدم ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يقدم المتطوع ، لأن هذا من وجهين :
الوجه الأول : أن هذا أتقى ، كونه لم يأخذ شيئاً على هذه العبادة .
والوجه الثاني : توفير بيت المال ، فكونه يؤذن شخص ولا يأخذ شيء هذا أوفر لبيت المال .
ويسن كون مؤذن صيتا ً أميناً.......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسن كون مؤذن صيتاً " هذه سنن ذكرها المؤلف في المؤذن :
السنة الأولى : أن يكون صيتاً ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه أنه لما رأى الأذان قال النبي صلى الله عليه وسلم ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً "
ولأنه إذا كان صيتاً يكون أبلغ في الإعلام والأذان إعلام .
" أميناً " أميناً على أي شيء ؟ على أمرين :
الأمر الأول : على الوقت ، لأن الناس يتعلقون بالمؤذن الذين في البيوت يصلون الصائمون يفطرون ... إلى آخره ، لا بد أن يكون أميناً على الوقت .
الأمر الثاني : أميناً على عورات الجيران ، وهذا كان في الزمن السابق لما كان المأذنون يصعدون على المناير ويؤذنون ، أما اليوم ما فيه صعود فيبقى الأمانة على الوقت .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله بل صريح كلام المؤلف رحمه الله أن الأمانة سنة .
والصواب : أن الأمانة ليست سنة بل نقول الأمانة واجبة ويدل لهذا قول الله عز وجل :" إن خير من استأجرت القوي الأمين "
فنقول الصواب : أنها واجبة .(2/20)
عالماً بوقت فإن تشاحا فيه اثنان................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" عالماً بوقت " هذا السنة الثالثة للمؤذن أن يكون عالماً بالوقت ، والعلم بالوقت سواء كان بالشخص نفسه أو بغيره المهم أن يكون عالماً بالوقت إما بنفسه يعرف الزوال ويعرف الغروب ومغيب الشفق الأحمر وطلوع الفجر ... إلى آخره يعني يعرف العلامات الأفقية لأن أوقات الصلاة الشارع قيدها وعلقها بالعلامات الأفقية ، واليوم وجد الآن الحساب هذا التقاويم هذه تقوم مقام معرفة العلامات الأفقية ، المهم أنه لابد أن يكون عالماً للوقت بنفسه أو بغيره ، ويدل لهذا حديث عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى ولا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت ، هو ما يعرف الوقت بنفسه وإنما يعرفه بغيره ولا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت يعني دخلت في الصباح .
" فإن تشاحا فيه اثنان " تنازع فيه اثنان ، وهذا في مسجد ليس له مؤذن أو في جماعة خرجوا في سفر أو في نزهة أو في مزرعة ونحو ذلك .
تشاحا فيه اثنان أي تنازع فيه اثنان كل يريد أن يؤذن فمن نقدم ؟
قال المؤلف :
قدم أفضلهما في ذلك ثم في دين وعقل ثم من يختاره أكثر الجيران .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" قدم أفضلهما في ذلك " يعني في الخصال المذكورة السابقة ، فنقول :
المرتبة الأولى : من كان أفضل في الخصال السابقة فإنه يقدم ، وما هي الخصال السابقة ؟
أن يكون صيتاً أن يكون أميناً أن يكون عالماً بالوقت ، فإذا توفر في شخص هذه الأمور الصيت والعلم بالوقت والأمانة نقدمه على غيره .(2/21)
" ثم في دين وعقل " تساووا في الخصال السابقة نقدم أدينها وأعقلهما ، أفضلهما في دينه وعقله .
" ثم من يختاره أكثر الجيران " هذه المرتبة الثالثة : استووا في الدين والعقل نقدم من يختاره أكثر الجيران .
فننظر إلى جيران المسجد جماعة المسجد من يرشحون فالذي يتفق عليه الجيران كلهم أو أغلبهم هذا يقدم .
وإنما أعتبر الجيران لأن الإعلام لهم ولأن هذا أبعد عن التنازع والإختلاف والشارع له نظر في الائتلاف وعدم الاختلاف .
ثم قرعة وهو خمس عشرة جملة يرتله على علو...............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ثم قرعة " هذه المرتبة الرابعة : القرعة ، يعني يقرع بينهم تساووا في كل الصفات السابقة في الخصال التي تقدمت في الدين والعقل في اختيار الجيران أو أن الجيران لم يختاروا أحداً نجري القرعة فأيهم خرجت له القرعة قدم ، لأن القرعة شرعت لتمييز المستحق إذا تكافأ في الخصال
" وهو خمس عشرة جملة يرتله على علو " كم هو من جملة الأذان ؟
يقول المؤلف رحمه الله : بأن الأذان خمس عشرة جملة وهذا هو المذهب ،
الرأي الأول : المذهب : أن الأذان خمس عشرة جملة بلا ترجيع كما هو موجود عندنا الآن وهو أذان بلال رضي الله تعالى عنه وهو اختيار الإمام أحمد رحمه الله وأيضاً هذا قال به أبو حنيفة رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الأذان سبع عشرة جملة مع الترجيع لكن بتثنية التكبير في أوله بدلاً من أن يأتي في ُأول الأذان بأربع تكبيرات يأتي بتكبيرتين والترجيع أربع جمل فكم يكون من جملة ؟
يكون سبع عشرة جملة ، وهذا قال به مالك .
والرأي الثالث : رأي الشافعي وأن الأذان تسع عشرة جملة مع الترجيع ، أنه تسع عشرة جملة وهو أذان أبي محذورة(2/22)
.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذه ثلاثة أراء ، وأذان بلال ثابت وأذان أبي محذورة مع الترجيع ثابت لكن ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله من أن الأذان سبع عشرة جملة بتثنية التكبير في أوله فهذا ضعيف وإن ورد في صحيح مسلم لكنه غير ثابت والصواب أن التكبير في أوله أربع كما ورد ذلك في السنن يعني حديث أبي محذورة مع الترجيع ورد تثنيته في صحيح مسلم تثنية التكبير في أوله لكن في السنن ورد تربيع التكبير ، وعلى هذا نقول بأن الأذان له صفتان :
الصفة الأولى : أذان بلال خمس عشرة جملة هذه الصفة الأولى كما هو معروف عندنا .
الصفة الثانية : أذان أبي محذورة وهو تسع عشرة جملة يعني كأذان بلال لكن مع الترجيع ، الترجيع أربع جمل ، ومعه الترجيع الترجيع : هو أن يأتي بالشهادتين سراً بحيث يسمع من حوله فقط أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ثم بعد ذلك يعود مرة ثانية ويرفع صوته أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله رافعاً صوته ، هذا يسمى الترجيع .
المذهب لا يستحب الترجيع عندهم ويقتصرون على أذان بلال دون أذان أبي محذورة ، أذان أبي محذورة هو الذي فيه الترجيع .
والصواب في ذلك : أن يقال أنه يستحب أن يؤذن تارة بأذان بلال وتارة بأذان أبي محذورة
يرتله على علو................................................................................................(2/23)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعمل بالسنة الواردة كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا بالنسبة للأذان أما الإقامة سيأتي الكلام عليها .
" يرتله " أي الأذان ، يرتل الأذان ، ومعنى يرتله : يعني يستحب أن يتمهل في ألفاظه وأن يقف على كل جملة ، يعني يقول : الله أكبر ثم يقف ، ثم يقول : الله أكبر ثم يقف ، ثم الثالثة كذلك ثم الرابعة كذلك هذا مراد المؤلف ، وعلى هذا فلا يقرن بين التكبيرتين وإنما يفرد كل تكبيرة .
واختار بعض العلماء أنه يقرن بين التكبيرتين ، الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... إلى آخره .
وعلى هذا نقول تارة يفرد وتارة يقرن لا بأس مادام أنه ورد في السنة بهذا وهذا فنقول : تارة يقرن وتارة يفرد .
" على علو " يعني على مكان مرتفع لأنه أبلغ في الأذان و أيضاً يدل لذلك ما في سنن أبي داود أن بلالاً كان يؤذن فوق سطح بيت امرأة من الأنصار وكان بيتها أرفع بيت مما حول المسجد فيؤخذ من هذا يعني من أذان بلال فوق بيت هذه المرأة التي من بني النجار وكذلك
متطهراً...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً التعليل الذي ذكره العلماء أنه أبلغ في الإعلام أنه يستحب أن يكون على علو ، واليوم لما حصلت هذه المكبرات فإن المأذنين لا يصعدون لكن ترفع هذه الآلات التي تنقل الأذان ، ترفع تكون في مكان عال بحيث يسمعها الناس ويتخطى صوتها إلى أناس كثيرين .
" متطهراً " يعني يسن أن يكون متطهراً فذكر المؤلف رحمه الله من سنن الأذان :(2/24)
السنة الأولى : أن يرتله وذكرنا معنى الترتيل .
والسنة الثانية : أن يكون على مكان مرتفع .
والسنة الثالثة : أن يكون متطهراً .
وعلى هذا لو أذن محدثاً فإنه خالف السنة ، السنة أن يكون متطهراً لكن لو أذن محدثاً نقول خلاف السنة وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يكره أذان الجنب وإقامة المحدث ، والدليل على أنه يشرع أن يكون متطهراً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر " .
والدليل على أنه يصح الأذان من غير المتطهر حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه .
مستقبل القبلة جاعلاً سبابتيه في أذنيه...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" مستقبل القبلة " هذه السنة الرابعة : أن يكون مستقبل القبلة ، ويدل لهذا ما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه لما رأى الملك الذي يؤذن وأنه قام على جدار وتوجه ، يعني توجه إلى القبلة .
فهذا إما يدل على أنه يشرع أن يستقبل القبلة وأيضاً كما قال العلماء رحمهم الله أنها أشرف الجهات .
" جاعلاً سبابتيه في أذنيه " هذه السنة الخامسة : أن يجعل سبابتيه في أذنيه ، والفقهاء يتفقون أن هذا يشرع .
يشرع أن يجعل السبابتين في الأذنين وإن كان بعض المالكية قالوا بأنه ليس مشروعاً وإنما هو جائز .
وورد في ذلك حديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنه لما أذن وأنه جعل سبابتيه في أذنيه ، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغيره وقد صححه الترمذي فإن ثبت هذا الحديث نقول بأن هذا يشرع ، فنقول بأنه سنة وإن لم يثبت فلا تظهر المشروعية .
وأيضاً عللوا قالوا بأن هذا أرفع للصوت .
يلتفت يميناً لقوله حي على الصلاة وشمالاً لقوله حي على الفلاح......................(2/25)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يلتفت يميناً لقوله حي على الصلاة وشمالاً لقوله حي على الفلاح " هذه السنة السادسة : أن يلتفت يميناً وشمالاً كما ورد في حديث أبي محذورة لما أذن قال : فجعلت أتتبع ففاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح ، فنقول يستحب أن يلتفت .
وذكر العلماء رحمهم الله في صفة الإلتفات ثلاث صفات
الصفة الأولى : أن يلتفت يميناً لحي على الصلاة ، يعني يلتفت مرتين يميناً لحي على الصلاة ، فيلتفت لحي على الصلاة ثم يعود ويلتفت لحي على الصلاة ثم يعود ، ويلتفت شمالاً لحي على الفلاح ويلتفت ثم يعود ثم يلتفت ثم يعود .
والصفة الثانية : أنه يلتفت يميناً لحي على الصلاة في الأولى ثم شمالاً لحي على الصلاة الثانية ، ثم يلتفت يميناً لحي على الفلاح ثم يلتفت شمالاً لحي على الفلاح .
والصفة الثالثة : أنه يلتفت يميناً لحي على الصلاة ثم بعد ذلك يكمل ولا يعود يعني يقول : حي على الصلاة حي على الصلاة ثم بعد ذلك يلتفت شمالاً لحي على الفلاح ولا يعود بل يكمل في الثانية حي على الفلاح حي على الفلاح .
هذه ثلاث صفات .
ولا يزيل قدميه ويقول بعدهما في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا يزيل قدميه " يعني ما يستدير أثناء الإلتفات تكون قدماه تجاه القبلة وعندما يلتفت يميناً أو شمالاً فإنه لا يزيل قدميه وإنما تكون قدماه تجاه القبلة ولا يدير قدميه أثناء الإلتفات ، هو يلتفت لكن لا تزال القدمان تجاه القبلة .
" ويقول بعدهما في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين " وهذا يسمى التثويب .(2/26)
والتثويب يطلقه العلماء رحمهم الله على ثلاثة أشياء :
الشيء الأول : الإقامة ، فالإقامة تسمى تثويباً .
والشيء الثاني : قول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر ، هذا أيضاً يسمى تثويباً .
والشيء الثالث : أن يرجع المؤذن بعد الأذان ويدعو إلى الصلاة يقول حي على الصلاة حي على الفلاح بعد أن ينتهي من الأذان .
والصفتان الأوليان مشروعتان وأما الصفة الأخيرة فهذه غير مشروعة لأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما خرج وسماها بدعة وقال : أخرجتني هذه البدعة ، لأن هذا لم يرد .
هنا قال المؤلف رحمه الله : ويقول بعدهما : أي بعد الحيعنتين في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين .
.......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا التثويب الصلاة خير من النوم فيه مسألتان :
المسألة الأولى : في أي الأذانين ؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أنه في أذان الصبح الثاني ، وهذا هو المذهب وقال به كثير من العلماء رحمهم الله .
واستدلوا على ذلك بأدلة من أدلتهم حديث نعيم بن النحام أنه سمع المؤذن في ليلة باردة وأنه قال بعد قوله الصلاة خير من النوم : ومن قعد فلا حرج .
وهذا يدل على أنه في الأذان الثاني لأنه قال ومن قعد فلا حرج لأن الجماعة واجبة ، الأصل أن الجماعة واجبة ورخص لهم في الجلوس أما في الأذان الأول فالأصل هو قاعد في بيته
وأيضاً يدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه .(2/27)
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه يكون في الأذان الأول وليس الثاني واستدل على ذلك بحديث أبي محذورة :" إذا أذن الأول قال : الصلاة خير من النوم " فقوله : إذا أذن الأول قال : الصلاة خير من النوم هذا دليل على أنه يكون في الأذان الأول ولا يكون في الأذان الثاني .
والإقامة إحدى عشرة يحدرها...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث حديث أبي محذورة أخرجه أبو داود وصححه بعض العلماء رحمهم الله وعلى فرض ثبوته فإنه يحمل على الأذان الأول باعتبار الإقامة فيكون المراد بالأذان الأول هنا الأذان الثاني .
يعني قوله في حديث أبي محذورة في الأول من الصبح هذا يحمل على الأذان الثاني وإنما سمي أولاً باعتبار الإقامة .
وقول المؤلف رحمه الله : بعدهما يعني بعد الحيعلتين وهذا هو المذهب ، يعني قول الصلاة خير من النوم بعد الحيعلتين يعني بعد قول حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح يقول الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .
وعند أبي حنيفة أنه بعد الأذان .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله وأنه بعد الحيعلتين كما في حديث أبي محذورة رضي الله تعالى عنه .
" والإقامة إحدى عشرة يحدرها " الإقامة يقول المؤلف رحمه الله بأن عدد جملها إحدى عشرة جملة وهذا هو المذهب وهي إقامة بلال وأيضاً هذا مذهب الشافعية .
يحدرها............................................................................................................(2/28)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنها سبع عشرة جملة كإقامة أبي محذورة ، فإقامة أبي محذورة كأذان بلال إلا أنك تضيف قد قامت الصلاة مرتين فتكون سبع عشرة جملة .
وعند مالك عشر جمل ، ورأي الإمام مالك رحمه الله لا في الأذان ولا في الإقامة هو أضعف المذاهب لأنه في الأذان يقول سبع عشرة مع الترجيع ويجعل التكبير في أوله اثنتين وفي الإقامة يجعلها عشر جمل ويجعل قد قامت الصلاة مرة واحدة وهذا فيه نظر .
ومذهب الإمام أحمد رحمه الله يأخذ بأذان بلال وإقامة بلال ، وأبو حنيفة يأخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ، والشافعي العكس يأخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال .
والصواب في ذلك : كما تقدم لنا أنه تارة يؤذن بأذان بلال ويقيم بإقامة بلال وتارة يؤذن بأذان أبي محذورة ويقيم بإقامة أبي محذورة يفعل السنة الواردة .
وكما ذكرنا أن أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة مع الترجيع وأما إقامة أبي محذورة فهي سبع عشرة جملة .
" يحدرها " يعني يسرع فيها ويقف على كل جملة كالأذان كما تقدم .
ويقيم مؤذن في مكانه إن سهل...................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويقيم مؤذن " هذا الصواب في ذلك أن من أذن فهو أحق بالإقامة ، ويدل لهذا فعل مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإن بلالاً كان يتولى الأذان والإقامة وكذلك أيضاً أبي محذورة رضي الله تعالى عنه .(2/29)
فنقول المؤذن هو الذي يتولى الإقامة ، وقد ورد في حديث الصدائي :" من أذن فهو يقيم " لكنه ضعيف الحديث في السنن وهو ضعيف لكن عندنا ما يغني عن ذلك وهو فعل مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يؤذنون ويقيمون .
" في مكانه إن سهل " أي يسن أن يقيم في مكانه إن سهل عليه ، وهو يؤذن على علو فإن سهل أيضاً أن يقيم في ذلك المكان الذي أذن فيه فهذا يقول المؤلف رحمه الله : أفضل لأنه أبلغ في الإعلام .
زقوله إن سهل يفهم منه أنه إن شق ذلك بأن كان الأذان في منارة أو في مكان بعيد عن المسجد فإنه يقيم في أثناء المسجد لأن لا تفوته الصلاة .
فنقول : يقيم المؤذن في مكانه إن سهل يفهم منه أنه إن شق كما لو كان في منارة فيه مشقة لأن الصعود إلى المنارة يحتاج أو في مكان بعيد عن المسجد فإنه يقيم في المسجد لأن لا يفوته شيء من الصلاة .
ولا يجزئ إلا من ذكر..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل لهذا قول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين وهذا يفهم منه أن بلالاً أذن في مكانه .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا سمعتم الإقامة فعليكم بالسكينة " فقال : إذا سمعتم الإقامة فيفهم من ذلك أن الإقامة تسمع من خارج المسجد .
ويؤخذ من هذا ما يفعله بعض المؤذنين اليوم أنهم يقيمون في مكبرات الصوت فهذا له أصل في كلام العلماء وله أصل أيضاً في السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم الإقامة فهذا يدل على أن الإقامة تسمع من الخارج .
" ولا يجزئ إلا من ذكر " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان شروط صحة الأذان واشترط أن يكون المؤذن ذكراً وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً للحنفية .(2/30)
ويدل لذلك : أن المؤذن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذكراً ولأن الله عز وجل قال :" ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض " والأذان بحاجة لرفع الصوت وهذا ليس من خصائص النساء وإنما هو من خصائص الرجال لكن سيأتينا إن شاء الله حكم أذان المرأة بالنسبة للنساء ... إلى آخره .
عدل ولو ظاهراً مرتباً.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الثاني : أن يكون واحداً وعلى هذا لا يصح التعدد فلو أن رجلاً أذن ثم أكمله رجل آخر نقول بأنه لا يصح .
والشرط الثالث : قال :
" عدل ولو ظاهراً " أي يشترط العدالة ولو ظاهراً يعني في الظاهر فإن كان في الباطن غير عدل فإنه يصح أذانه ، يعني لو كان في الظاهر عدل في الظاهر هو متبع للسنة لكن في الباطن هو غير عدل فيصح أذانه ولهذا قال المؤلف : ولو ظاهراً .
وعلى هذا لو كان فاسقاً في الظاهر مثلاً في الظاهر يحلق لحيته أو يجاهر بشرب الدخان ونحو ذلك فهذا لا يصح أذانه ولو أذن فإننا نعيد الأذان يعني لو أذن فإن الأذان يعاد هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه يصح أذانه حتى ولو كان فاسقاً لكن هذا الفاسق ما يرتب مؤذناً للمسلمين .
لكن لو كان في جماعة خاصة في سفر أو نحو ذلك ثم أذن فنقول : بأن أذانه صحيح .
" مرتباً " هذا الشرط الرابع من شروط صحة الأذان : الترتيب ، فيبدأ بالتكبيرات ثم
متوالياً ولو ملحناً وملحوناً ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/31)
الشهادتين ... إلى آخره .
وعلى هذا لو أخل بالترتيب لا يجزئ لأن هذا عمل ليس عليه أمر الله ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم .
وسبق أن ذكرنا قاعدة { أن كل عبادة مركبة من أجزاء لا بد فيها من أمرين : الترتيب والتوالي }
وأيضاً قاس العلماء رحمهم الله ذلك على أركان الصلاة فهذه الجمل بمنزلة أركان الصلاة ، كما أن أركان الصلاة لابد أن تكون مرتبة فكذلك أيضاً هنا .
" متوالياً " يعني الجمل لابد أن تكون متوالية على هذا لو قال الله أكبر ثم فصل بفاصل طويل عرفاً ثم قال : الله أكبر هذا لا يجزئ لأن هذا ليس هو الأذان الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لا يحصل المقصود منه إلا بالتوالي .
" ولو ملحناً وملحوناً " الملحن هو المطرب به يعني يطرب بالأذان فهذا يجزئ لأن العلماء رحمهم الله كرهوا ذلك ، والمبالغة في المدات ونحو ذلك هذه كلها من التكلف والتقهر وأقل
ويجزئ من مميز .............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحوالها الكراهة كما ذكر العلماء رحمهم الله وإن كان يحيل المعنى فهذا يؤدي إلى التحريم .
" وملحوناً ويكره " الملحون هو مخالفة وجه الصواب في اللغة العربية بأن ينصب المبتدأ وينصب الخبر ونحو ذلك مثل لو قال اللهَ أكبر .
والملحون ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : لحن يحيل المعنى ، وهذا لا يجزئ لأنه خرج عن كونه أذان أصبح من كلام الناس .
القسم الثاني : لحن لا يحيل المعنى ، وهذا يكره .
الشرط السادس : أن يأتي بالجمل كاملة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يغير في أعدادها ولا يغير في ألفاظها .(2/32)
" ويجزئ من مميز " هذا الشرط السابع ، وتقدم لنا من هو المميز وأن بعض العلماء حده بالسن فجعلوا حد التمييز سبع سنوات ومنهم من جعله خمس سنوات وبعض العلماء لم يحده
ويبطلهما فصل كبير وكلام محرم................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالسن وإنما حده بالحال ، وقال : بأن المميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب .
وهذا هو الأقرب : أنه لا يحد بالسن وإنما يحد بالحال .
فالمميز هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب .
قال المؤلف رحمه الله بعد أن ذكر شروط صحة الأذان قال :
" ويبطلهما فصل كبير " الفاصل هذا المبطل الأول من مبطلات الأذان والإقامة : الفاصل الكثير ، والفاصل الكثير قد يكون بسكوت وقد يكون بكلام مباح ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن الفاصل إذا كان يسيراً فإنه لا بأس به لأنه لم يخل بالموالاة .
وتقدم لنا أن من شروط صحة الأذان : التوالي ، فإذا كان هناك فاصل كثير بكلام مباح أو بسكوت فإنه يخل بشرط من شروط صحة الأذان وهو التوالي ، فنقول : يجب عليه أن يستأنف الأذان من أول ، هذا المبطل الأول : الفاصل ، وتلخص لنا أن الفاصل ينقسم إلى هذين القسمين .
" وكلام محرم " ولو كان يسيراً فالكلام في أثناء الأذان ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يكون كثيراً ، وهذا يبطل الأذان سواء كان محرماً أو غير محرم لأنه أخل
ولا يجزئ قبل وقت.........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بشرط من شروط صحة الأذان وهو الموالاة .(2/33)
القسم الثاني : أن يكون كلاماً محرماً كغيبة مثلاً وهو يؤذن اغتاب شخصاً سمع قوماً يتحدثون ثم بعد ذلك قال : فلان كذا وكذا ، فلان جاهل أو فيه كذا ، فنقول هذا يبطل الأذان .
القسم الثالث : أن يكون يسيراً مباحاً ، فهذا لا يبطل الأذان لكن الفقهاء رحمهم الله نصوا على الكراهة ، وقد ورد بإسناد صحيح أن سليمان بن صرد كان يأمر غلامه وهو يأذن ببعض حاجته ، فهذا يدل على أنه لا بأس بالكلام المباح لكن الفقهاء رحمهم الله ينصون على كراهته.
"ولا يجزئ قبل وقت " هذا الشرط الثامن من شروط صحة الأذان .
الشرط الثامن : أن يكون عند دخول الوقت ، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "
وكان ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه لا يؤذن إلا عند طلوع الفجر ، فدل ذلك على أن الأذان يكون عند طلوع الفجر .
وكذلك أيضاً مما يدل لذلك حديث مالك بن حويرث الذي سبق وفيه قول النبي عليه الصلاة
إلا لفجر بعد نصف الليل..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والسلام :" إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " وحضور الصلاة إنما هو بدخول وقتها فدل ذلك على أن الأذان لا يكون قبل الوقت وأنه يشترط لصحته أن يكون بعد دخول الوقت .
استثنى المؤلف رحمه الله قال :
" إلا لفجر بعد نصف الليل " الفجر يقول المؤلف رحمه الله يجزئ أن يؤذن لها بعد نصف الليل وهاتان مسألتان ذكرهما المؤلف رحمه الله :
المسألة الأولى : هل يجزئ الأذان لصلاة الفجر قبل دخول وقتها أو نقول بأنه لا يجزئ ؟
والمسألة الثانية : إذا قلنا بالإجزاء فمتى يكون ؟(2/34)
أما المسألة الأولى : فالمؤلف رحمه الله يرى أنه يجزئ أن يؤذن لصلاة الفجر قبل دخول وقتها وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله .
واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " فقال : يؤذن بليل فدل ذلك على أنه يؤذن قبل الوقت .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : رأي الحنفية أنه لا يجوز الأذان قبل طلوع الفجر ، واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث مالك بن حويرث:" إذا حضرت الصلاة " وحضور الصلاة إنما هو دخول الوقت .
وأيضاً بما في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" لا تؤذن حتى يتبين لك الفجر " وهذا الحديث ضعيف .
وأيضاً استدلوا بما في سنن أبي داود أن بلالاً أذن قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع وأن ينادي ألا إن العبد قد نام " وهذا أيضاً ضعيف لا يثبت .
والصواب في هذه المسألة : أن صلاة الفجر كغيرها من الصلوات ، وأنه لا يصح ولا يجزئ الأذان لها قبل الفجر .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام إن بلالاً يؤذن بليل فنقول هذا الأذان الذي حصل من بلال بليل هذا الأذان ليس لصلاة الفجر ، الذي لصلاة الفجر هو أذان ابن أم مكتوم ، فإن ابن أم مكتوم قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم "
وابن أم مكتوم يؤذن متى ؟
......................................................................................................................(2/35)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند طلوع الفجر ولهذا كان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت ، يعني دخلت في الصباح ، لكن الأذان الذي حصل من بلال بليل هذا بين النبي صلى الله عليه وسلم حكمته ، فقال عليه الصلاة والسلام في بيان حكمته :" ليرجع قائمكم ويوقض نائمكم "
فالقائم الذي يتهجد يرجع عن تهجده لكي يتسحر إن كان يريد الصيام ، والنائم الذي لم يوتر يقوم ويوتر قبل طلوع الفجر ، هذه الحكمة منه وليس لصلاة الفجر .
وعلى هذا نقول صلاة الفجر كغيرها من الصلوات وأنه لا يؤذن لها إلا عند دخول الوقت بطلوع الفجر .
المسألة الثانية : إذا قلنا بأنه يجزئ لصلاة الفجر قبل دخول الوقت ، متى يكون هذا الأذان ؟
قال لك المؤلف رحمه الله : من نصف الليل ، وعلى هذا لو أذن بعد نصف الليل يعني تقريباً من الساعة الحادي عشرة والنصف لصلاة الفجر فإنه يكتفى بذلك وهذا فيه نظر .
لأنه كما تقدم لنا أن الصواب في هذه المسألة : أن الأذان الذي يؤذنه بلال بليل إنما هو لهذه الحكمة وليس لما ذكروه أنه لصلاة الفجر .
المسألة الثالثة : هل يشرع الأذان الأول الذي يكون قبل طلوع الفجر أو نقول بأنه غير ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع ؟
في هذه المسألة ثلاثة أراء :
الرأي الأول : أنه يشرع وهو قول جمهور أهل العلم ودليلهم ظاهر حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .(2/36)
والرأي الثاني : أنه لا يشرع وهو قول الحنفية ودليلهم ما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام لبلال :" لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر " .
والرأي الثالث : رواية عن الإمام أحمد رحمه الله بأنه يشرع في رمضان خاصة فقط ، ودليلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " قال: فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، والأكل والشرب إنما يكون متى ؟
يكون في رمضان .
فالذين قالوا بأنه يشرع استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن بلالاً يؤذن بليل " وهذا يشمل رمضان وغير رمضان .
والذين قالوا بأنه لا يشرع استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" لا تؤذن حتى ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يستبين لك الفجر " .
والذين قالوا بأنه خاص في رمضان استدلوا بقوله :" فكلوا واشربوا "
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه يشرع مطلقاً في رمضان وفي غير رمضان ، ويدل لهذا دليلان :
أما الدليل الأول : فنقول بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم :" فكلوا واشربوا " هذا ليس خاص برمضان ، الصيام ليس خاص برمضان ، والقيام ليس خاصاً برمضان .
" فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه يؤذن ليرجع قائمكم ويوقض نائمكم " هذا ليس خاص في رمضان ، السحور والقيام ليس خاص الصيام مشروع حتى في غير رمضان .
هذا الدليل الأول .
الدليل الثاني : أن الناس يحتاجون لهذا الأذان ونظيره ما شرعه عثمان رضي الله تعالى عنه من الأذان الأول لصلاة الجمعة ، فالناس يحتاجون للاستيقاظ والسحور والقيام وغير ذلك .
هذا الصواب في هذه المسألة .(2/37)
إذا قلنا بأن الأذان الأول يشرع متى يكون ؟
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله كثيراً ، فالمالكية يقولون : في السدس الأخير من الليل .
وأكثر العلماء يقولون من بعد نصف الليل .
والرأي الثالث : أنه يكون في السحر ، يعني قرب طلوع الفجر الثاني ، وهذا القول هو الصواب .
وقد ورد في السنن ما يدل لذلك لو ثبت الحديث لكن عندنا حديث ابن عمر الحكمة من الأذان الأول لأي شيء ؟
لكي يوقض النائم ويرجع القائم ، لكي يتسحر يعني بمقدار السحور ، كم يستغرق السحور ؟
نقول تقريباً نصف ساعة ، فيكون بين الأذانين ما يقرب من نصف ساعة .
طلوع الفجر الأول وطلوع الفجر الثاني بينهن ما يقرب من خمسة وأربعين دقيقة ونحو ذلك .
فالأذان الأول والأذان الثاني بينهن ما يقرب من خمس وأربعين دقيقة ، فإذا أذن الأول عند طلوع الفجر الثاني تحققت الحكمة ، وهو أن الحكمة لكي يرجع القائم ولكي يستيقظ النائم .
هذا هو الصواب هو قريب من كلام المالكية أنه في السدس الأخير من الليل ، وقول من قال
ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام للكل..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأنه في السحر .
أما كونه يؤذن في الساعة الواحدة بقي على الفجر ثلاث ساعات أو أربع ساعات ، أو الساعة الثانية بقي ساعتان هذا كله خطأ ، الصحيح : أن يكون بينهما فقط فترة ما يستطيع النائم أنه يستيقظ ويتوضأ ويوتر والقائم أنه يتهيأ بالطعام والشراب ويتسحر .(2/38)
ولهذا ابن حزم رحمه الله يقول : بين الأذانين أن يصعد هذا وينزل هذا فقط كما ورد في صحيح أبي مسلم : لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا ، لكن هذا قوله : أن ينزل هذا ويصعد هذا ، هذا محمول على القرب بين الأذانين .
فنقول الصحيح في ذلك : أنه يكون بين الأذانين فترة ما يتسحر المتسحر ويوتر النائم هذا الصواب في هذا .
أما التطويل الزائد كما يوجد عند بعض المأذنين فهذا خلاف السنة ولا يتحقق به الحكمة .
" ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام للكل " وهذا دليله حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي عليه الصلاة والسلام في عرفات جمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين .
وتسن متابعتهما سراً................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فإذا كان الإنسان عليه فوائت مثلاً عليه ثلاث صلوات أو أربع صلوات يؤذن أذان واحد ويقيم لكل صلاة .
أو يجمع أراد الجمع يؤذن أذان واحد ويقيم لكل صلاة .
" وتسن متابعتهما سراً " هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : متابعة الأذان .
والمسألة الثانية : متابعة الإقامة :
أما متابعة الأذان فكما ذكر المؤلف رحمه الله جمهور أهل العلم على أنها سنة .
والحنفية والظاهرية : يرون الوجوب .
من قال بالوجوب استدل بظاهر الأمر " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " هذا أمر ، حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم :" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " هذا أمر .
وأيضاً حديث أبي سعيد فيه الأمر .(2/39)
والجمهور كما ذكرنا أن المتابعة سنة وليست واجبة واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عليه وسلم كما في صحيح مسلم سمع مؤذناً يؤذن فقال :" الله أكبر ، قال : على الفطرة ، فقال : لا إله إلا الله ، قال : خرج من النار "
ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أجابه فقالوا بأن هذا صارف يدل على أنه للاستحباب الإجابة .
وكيفية الإجابة ؟
جمهور أهل العلم : أن يجيب ألفاظ الأذان كلها كما ورد في حديث عمر في صحيح مسلم : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله يعني يجيب ألفاظ الأذان كل لفظ بمثله إلا الحيعلتين يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن إلا حي على الصلاة حي على الفلاح يقول لاحول ولا قوة إلا بالله كما ورد هذا في حديث عمر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم .
وعند الإمام مالك رحمه الله : أنه يجيب المؤذن إلا الشهادتين .
يعني يجيب المؤذن الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله ، ثم يقف حي على الصلاة حي على الفلاح ما ......................................................................................................................(2/40)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يجيبه وهذا ضعيف ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله وأصحابه هذا ضعيف لأنه يخالف النص حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي سعيد وحديث عمر فهم يقولون بأن قوله : حي على الصلاة حي على الفلاح هذا ليس قربة ، القربة : الله أكبر الله أكبر والشهادتين هذا الذي يجيبه وماعدا ذلك هذا ليس قربة لا يجيبه .
لكن نقول بأن هذا ضعيف .
بالنسبة للتثويب قوله في أذان الفجر : الصلاة خير من النوم ، هل يقول : الصلاة خير من النوم أو يقول كما قال المؤلف رحمه الله : إلا في لفظ الإقامة فأدامه الله وإلا في التثويب صدقت وبررت ؟
نقول الصواب في ذلك : أنه يقول في التثويب الصلاة خير من النوم ، ولا يقول صدقت وبررت لأن قوله صدقت وبررت هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن "
بالنسبة لإجابة الإقامة ، هل يجيب المقيم أو لا يجيب المقيم ؟
المذهب : أنه يجيب المقيم ولهذا قال المؤلف رحمه الله : وتسن متابعتهما سراً ، فالمذهب يرون أنه يجيب المقيم ، فيقول مثل الإقامة .
سراً بمثله إلا في الحيعلة فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله.............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويقولون بأن الإقامة أذان ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" بين كل أذانين صلاة "
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" فقولوا مثل ما يقول المؤذن ".
والرأي الثاني : أنه لا يجيب المقيم لأن المراد بالأذان هنا الأذان المعروف الإعلام العام هذا المراد .(2/41)
ولأن الإقامة يسن فيها الحدر الإسراع ، وقد لا يتمكن الإنسان من الإجابة ، ويظهر والله أعلم أن المر واسع ، وورد في أبي داود إجابة المقيم وهذا لو ثبت لكان فيصلاً لكنه لم يثبت .
فنقول الأمر في هذا واسع ولو كان أن عدم الإجابة يظهر والله أعلم أنها أقرب ، وأن الإجابة تقتصر على الأذان العام ، هذا الذي يظهر والله أعلم .
" سراً بمثله إلا في الحيعلة فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله " الحيعلة : قوله لا حول ولا قوة إلا بالله ومعناها : لا تحول من حال إلا حال ، ولا قوة يعني : ولا قدرة على ذلك ، إلا بالله عز وجل .
لأنه سبحانه وتعالى القادر على كل شيء وخالق كل شيء .
وقيل المعنى : لا تحول من معصية الله إلى طاعته ولا قدرة على ذلك إلا بالله عز وجل .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن المعنى الأول أحسن لأنه أعم .
وقوله : سراً يعني يخفيه وليس المراد في القلب لأن مافي القلب ليس كلاماً وإنما يحرك به لسانه وشفتيه أو يظهره بصوت خافت ولا يشرع أن يرفع صوته به .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يجيب المؤذن ولو كان في الصلاة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
والمذهب : أنه لا يشرع ، وهذا هو الصواب .
الصواب : أنه لايشرع أن يجيبه في الصلاة ، لأن الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن في الصلاة لشغلاً " وكونه يقطع شغله في الصلاة من تسبيحه ودعائه ويعلق قلبه بالأذان هذا فيه نظر .
ولأن الأذان يطول وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة وهي :
{ أن كل ذكر وجد سببه في الصلاة فإنه يشرع }(2/42)
مثل إذا عطس فإن قوله الحمد لله هذا ذكر وجد سببه في الصلاة ، إذا أذن مؤذن ذكر وجد سببه في الصلاة وهو يصلي .
وفي لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها وفي التثويب صدقت وبررت...............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذه القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام صحيحة لكن نقول بالنسبة للأذان هذه فيها نظر لأن الأذان جمله كثيرة .
ولو كان يقرأ القرآن أو كان يطوف ، يجيب أو لا يجيب ؟
نقول يجيب يقطع القراءة ويجيب ، ولو كان يطوف أيضاً لا بأس لأن الطواف ليس له ذكر خاص وإنما يشرع فيه قول الأذكار .
لو كان في بيت الخلاء فما الحكم ؟
قال العلماء رحمهم الله يقضيه إذا خرج .
وأيضاً المصلي إذا انتهى من صلاته فإنه يقضيه .
" وفي لفظ الإقامة أقامها الله وأدامها " في لفظ الإقامة تقدم أن المؤلف رحمه الله أنه يشرع إجابة المقيم وعلى هذا لو قال المقيم : الله أكبر ، تقول الله أكبر ، وإذا قال : الله أكبر ، تقول الله أكبر ، وإذا قال : قد قامت الصلاة ، تقول : أقامها الله وأدامها ، وهذا الحديث الوارد في ذلك ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم الكلام عن حكم متابعة المقيم .
" وفي التثويب صدقت وبررت " يعني في التثويب إذا قال : الصلاة خير من النوم ، ما تقول
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة آت محمداً........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/43)
الصلاة خير من النوم وإنما تقول :صدقت وبررت ، يعني صرت ذا بر وخير وهذا هو المذهب.
والرأي الثاني : أنه يقول مثل ما يقول المؤذن يقول : الصلاة خير من النوم ، وهذا القول هو الصواب لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن " فقال النبي عليه الصلاة والسلام : مثل ما يقول المؤذن ، وهذا يشمل التثويب وغيره .
" ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول اللهم رب هذه الدعوة التامة " يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد فيقول : اللهم صل على محمد ثم يقول بعد ذلك :اللهم رب هذه الدعوة ،الدعوة : الدعوة في الأذان .
التامة : يعني الكاملة السالمة من كل نقص يتطرق إليها ،
" والصلاة القائمة " يعني الصلاة التي ستقوم .
" آت محمداً " بمعنى أعط .
الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته..............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " الوسيلة " هذه أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وداره وهي أقرب الأمكنة إلى العرش .
" والفضيلة " هي المنقبة والرتبة الزائدة على سائر الخلائق تكون للنبي عليه الصلاة والسلام ، وقيل : بأن الفضيلة منزلة أخرى ، وقيل : بأنها تفسير للوسيلة ، هذه ثلاثة أراء .
والدرجة العالية الرفيعة : والدرجة العالية الرفيعة هذه مدرجة لا تثبت وحينئذٍ لا تشرع .
" وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته " النبي عليه الصلاة والسلام له مقامات يحمد عليها يوم القيامة ، ومن مقاماته التي يحمد عليها يوم القيامة : الشفاعة العظمى .
ومن مقاماته أيضاً : شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة .(2/44)
ومن مقاماته : شفاعته فيمن لا حساب عليه ولا عذاب أن يدخل الجنة من الباب الأيمن ... إلخ .
فهذه مقامات للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة .
فقال : وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، يحمده على ذلك الأولون والآخرون .
هذا الذي ورد .
ويحرم بعده...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول : إنك لا تخلف الميعاد ، فهذه اختلف أهل العلم فيها، هل هي ثابتة أو ليست ثابتة ؟
والصواب : أنها مدرجة لا تثبت ، وعلى هذا نقول بأنها لا تصح .
لا يصح أن يقال إنك لا تخلف الميعاد .
وهل هي مشروعة أو ليست مشروعة ؟
هذا موضع خلاف والصواب : أنها غير مشروعة لأنها غير ثابتة .
وبقي ذكر أخر وهو قول : رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً ونبيا.
هذه اختلف أهل العلم رحمهم الله في موضعها فقيل بأن موضعها حين إجابة المؤذن في الشهادتين ، يعني في وسط الأذان .
والرأي الثاني : أن موضعها بعد نهاية الأذان .
فبعض أهل العلم ذهب إلى هذا وبعضهم ذهب إلى هذا والذي يظهر والله أعلم أنها حين إجابة المؤذن في الشهادتين ، هذا الذي يظهر من سياق الحديث .
" ويحرم بعده " أي بعد الأذان .
" إن أذن وهو في المسجد خروج منه بلا عذر " فيحرم الخروج من المسجد بشروط :
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الأول : أن يكون الخارج ممن تجب عليه الصلاة .
الشرط الثاني : أن يؤذن وهو في المسجد .(2/45)
الشرط الثالث : أن يكون خروجه بلا عذر ، أو نية رجوع ، فإذا كان خروجه بلا عذر أو نية رجوع يحرم إلا إذا كان ينوي أن يرجع أو كان لعذر فإن هذا لا بأس به .
وأيضاً قال العلماء رحمهم الله : إذا كان يريد أن يصلي مع جماعة أخرى فإن هذا لا بأس بالخروج .
يعني لو أنه خرج وهو يريد أن يصلي مع جماعة أخرى ، فقالوا بأن هذا جائز ولا بأس به .
وقول المؤلف رحمه الله : وهو في المسجد ، هل هو على ظاهره أو ليس على ظاهره ؟
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يحرم عليه أن يخرج إذا أذن وهو في المسجد .
والرأي الثاني : أنه يحرم عليه مطلقاً سواء أذن وهو في المسجد أو دخل المسجد بعد الأذان .
فإنه يحرم عليه أن يخرج إلا بهذه الشروط .
ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال : أما هذا فقد عصى أبا القاسم .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولا تكون معصية إلا على فعل أمر محرم .
بقينا في مسألتين يتعلقان بالأذان :
المسألة الأولى : الأذان والإقامة بالنسبة للنساء ، هل يؤذن ويقمن أو لا ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب أبي حنيفة : أن هذا يكره .
يعني يكره لهن الأذان والإقامة .
والرأي الثاني : وهو مذهب مالك والشافعي رحمهم الله : أنه يكره لهن الأذان وتستحب الإقامة .
وبالنسبة للآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة أذان وإقامة النساء هذه لا يثبت منها شيء ، ليس هناك شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآثار المرفوعة .(2/46)
وقد ورد أن أم ورقة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تأم أهل دارها وأن تتخذ مؤذناً هذا غير ثابت .
المهم الآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ليس فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإنما ورد عن الصحابة فابن عمر رضي الله تعالى عنه ورد عنه بإسناد صحيح أنه قال : ليس عليهن أذان ولا إقامة ، هذا ثابت .
وورد عن جابر وأنس في مصنف أبي شيبة وغيره جواز ذلك لهن .
والأقرب في ذلك : أن يقال بأن هذا لا يخلوا من أمرين :
الأمر الأول : أن تصلي المرأة وحدها ، فهذا لا يشرع لها أذان ولا إقامة لأن هذا لم يعهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل ولو كان لنقل .
والأمر الثاني : أن يصلين جماعة ، فهذا الأذان لهن غير مشروع ، لأن الأذان الإعلام للغائبين ، لكن الإقامة مثل ما قال مالك والشافعي : أن الإقامة مستحبة لهن .
مادام أنهن اجتمعن والإقامة إعلام للحاضرين ومادمن حضرن وكما أنه يشرع للرجال وما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء فنقول : يشرع أيضاً للنساء .
هذا هو الأقرب في هذه المسألة .
المسألة الثانية : وهذه تحدث كثيراً وهي الأذان في مسجد قد صلي فيه ، وهذا يحصل كثير يعني يأتي أناس ثم بعد ذلك يصلون في مسجد قد صلي فيه ، هل يشرع الأذان والإقامة أو لا ......................................................................................................................(2/47)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشرع ؟
المذهب : أنهم بالخيار ، وهذا يحصل لكثير من المسافرين يأتون إلى مسجد وقد صلي فيه وأذن في البلد ، إذا كانوا خارج البلد فالأمر ظاهر كما تقدم أنهم يؤذنون ويقيمون ، لكن إذا كانوا داخل البلد أو في المساجد التي على الطرقات .
وهل يؤذنون مع أنه قد أذن فيه وأقيم ، أو نقول بأنهم لا يؤذنون ولا يقيمون في داخله ؟
المذهب أنهم بالخيار إن شاءوا أذنوا وإن شاءوا لم يأذنوا .
والرأي الثاني : مذهب الإمام مالك رحمه الله : أنهم لا يؤذنون .
والرأي الثالث : مذهب الشافعي : أنهم يؤذنون بلا رفع صوت .
والأقرب في هذه المسألة : أن يقال : أما الإقامة فهي مشروعة لهم وأما بالنسبة للأذان فيظهر ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وأن الأذان أيضاً مشروع .
الإقامة نقول بأنها واجبة لكن بالنسبة للأذان نقول بأنه مشروع سنة لأن الأذان حصل مادام أنهم في هذا المسجد وأذن فيه فقد سقط فرض الكفاية فيبقى المشروعية ، فنقول يشرع لهم أن يؤذنوا لكن بالنسبة للإقامة أمرها ظاهر وأنها واجبة لأن الإقامة تختص بالجماعة المصلين ولهذا ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إقامة هذا المسجد تختلف عن إقامة المسجد الثاني .
على كل جماعة واجب أن يقيموا لكن بالنسبة للأذان إذا حصل الإعلام العام فإنه يسقط فرض الكفاية ويبقى المشروعية ،فنقول الأذان لهم سنة ،وأما بالنسبة للإقامة نقول بأنها واجبة.
ويمكن أن يقال الأذان فيه تفصيل : إذا أذن وهم داخل البلد فإن هذا الأذان يشملهم .(2/48)
وإذا كانوا منفصلين عن البلد فإنهم يؤذنون حتى ولو أذن في هذا المسجد .
أيضاً من المسائل المتعلقة بالأذان : إذا سمع عدة مؤذنين فهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يشرع له أن يجيب الثاني والثالث .. إلخ لأن الأذان ذكر فإن سمع بعض الأذان نقول بأنه يجيب ما سمع من ألفاظه وجمله .
مثلاً لو كان يمشي في الطريق ثم سمع مؤذن يجيب الذي يسمع وإذا ذهب عنه وأصبح لا يسمعه فإنه لا يجيبه .
كذلك أيضاً إذا استيقظ من نومه وهو يؤذن فنقول بأنه يجيب ما سمع من ألفاظ الأذان يجيبه دون ما لم يسمعه .
أيضاً من المسائل : الأذان كما سبق فرض كفاية فكل من يحصل لهم الإعلام يسقط عنهم ......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فرض الكفاية ، فإذا كان البلد صغيراً والمؤذن يكفيهم بإيصال صوته نقول يكتفى بأذان واحد
وإذا كان كبيراً ونحتاج إلى عدة مؤذنين لكي يصل الصوت فنقول بأنه يوضع من المأذنين بقدر ما يحصل الإعلام .
المهم لو أذن هذا المسجد وسمعه كل من في الحي سقط عن الباقين فرض الكفاية يبقى في حقهم المشروعية ، لكن الإقامة خاصة بجماعة المسجد يجب على كل جماعة أن تقيم .
وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب شروط الصلاة
شروط : جمع شرط وهو في اللغة العلامة .
وأما في الاصطلاح : فهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .(2/49)
وشروط الصلاة المراد بها : ما يتوقف عليها صحتها إن لم يكن عذر .
والفرق بين الشروط والأركان من عدة أوجه :
الفرق الأول : أن الشروط قبل الصلاة ، فالوضوء واستقبال القبلة وستر العورة ... إلخ ،
هذه قبل الصلاة.
وأما الأركان فهي داخل الصلاة كالركوع والسجود ... إلخ .
الفرق الثاني : أن الشروط ليست من الصلاة يعني خارج الصلاة .
وأما الأركان فتتركب منها ماهية الصلاة وأجزائها .
الفرق الثالث : أن الشروط لابد من استمرارها إلى نهاية الصلاة فمثلاً الوضوء وستر العورة
واستقبال القبلة لابد أن يستمر بها الإنسان إلى نهاية الصلاة .
أما الركن فإنه ينتقل من ركن إلى ركن آخر لا يشترط الاستمرار .
منها الطهارة وتقدمت ومنها الوقت...........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرق الرابع : أن الشروط تسقط بالعذر .
أما الركن فإنه ينتقل إلى البدل ، الأركان لها بدل .
" منها الطهارة وتقدمت " رفع الحدث هذا شرط من شروط صحة الصلاة تقدم وموضع
اتفاق في الجملة بين العلماء ، ودليل ذلك قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم "
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين :" لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث
حتى يتوضأ "
وحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم :" لا يقبل الله صلاة بغير طهور "
" ومنها الوقت " هذا الشرط الثاني .
الشرط الثاني : الوقت ، وعبر بعض العلماء كصاحب الزاد قال : دخول الوقت ، وهذا
أحسن لأننا إذا قلنا الوقت معناه أن الصلاة لا تصح إلا في هذا الوقت وهذا غير مسلم ،
الصلاة تصح في الوقت وتصح أيضاً بعد الوقت للمعذور .
الصحيح أن نقول الوقت بالنسبة للجمعة ، الجمعة نقول من شروط صحتها الوقت لأن(2/50)
فوقت الظهر من الزوال..................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجمعة لا تصح بعد وقتها ، لو حصل للإنسان عذر يصليها ظهراً ، وأما بالنسبة للصلوات الخمس فنقول دخول الوقت لأن الصلاة صلاة الظهر العصر .. إلخ تصح بعد خروج الوقت للمعذور كما سيأتي إن شاء الله .
ودليل ذلك أدلة ظاهرة قول الله عز وجل :" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا "
" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل "
والأحاديث في هذا كثيرة كما سيأتي وهذا موضع إجماع ، قال عمر رضي الله عنه : إن للصلاة وقتاً اشترطه الله لها لا تصلح إلا به .
" فوقت الظهر " صلاة الظهر بدأ بها المؤلف رحمه الله ، بعض العلماء يبدأ بالفجر ، مثلاً صاحب العمدة عمدة الفقه بدأ بالفجر والمؤلف هنا بدأ بالظهر نقول لا مشاحة لكل منهم وجهة .
فالذين يبدأون بصلاة الفجر قالوا هي أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فرض الصلاة عليه .
والذين يبدأون بصلاة الظهر يستدلون بمثل قول الله عز وجل :" أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ".
" من الزوال " الزوال : هو ميل الشمس إلى الغروب .
ويستمر إلى مساواة الشاخص ظله بعد ظل الزوال.......................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويستمر إلى مساواة الشاخص " يعني الشيء المرتفع .(2/51)
" ظله بعد ظل الزوال " يعني بعد الظل الذي زالت عليه الشمس ، وذلك أن الشمس إذا خرجت من المشرق يكون لكل شاخص لكل شيء مرتفع ظل إلى جهة المغرب والشمس تسير من المشرق إلى المغرب وهذا الظل كلما قربت من الزوال كلما يتقارب نقصانه ، فإذا كانت الشمس في كبد السماء انتهى نقصانه فتضع علامة يكون هذا الشاخص مادام الشمس في كبد السماء انتهى نقصانه ويكون تحته ظل يسمي فيء الزوال ، تضع عليه علامة ثم بعد ذلك إذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس قد زالت ودخل وقت صلاة العصر وخرج وقت النهي فإذا كان هذا الشاخص طوله متران تضع على هذا الظل علامة فإذا كان الظل بعد فيء الزوال ، فيء الزوال هذا ما يحسب .
الظل بعد ميل الشمس للغروب زاد وأصبح يساوي مترين فاعلم أن وقت الظهر خرج ودخل وقت العصر ، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله إلى مساواة الشاخص ظله بعد ظل الزوال يعني فيء الزوال هذا ما تحسبه ، فإذا كانت الشمس في كبد السماء وانتهى نقصان الظل سيبقى ظل تحت كل شاخص ظل يسير تضع عليه علامة فإذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس الآن انتقلت إلى جهة المغرب فيبدأ هذا الظل يزيد يزيد يزيد إلى أن يصير طول هذا الظل طول الشاخص ، لكن فيء الزوال هذا ما تحسبه ، فإذا كان الظل مساوياً للشاخص اعلم أن وقت الظهر قد
وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ خرج ودخل وقت العصر .
" وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر حتى ينكسر " تعجيلها أفضل إلا في شدة حر فيؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أن وقت الاستحباب بالنسبة لصلاة الظهر لا يخلو من أمرين :(2/52)
الأمر الأول : أن يكون في غير شدة حر ، فالأفضل أن تعجل ويدل لهذا عمومات الأدلة الدالة على المسارعة إلى فعل الخيرات والمسابقة إلى فعل الطاعات ، كما في قول الله عز وجل : ( فاستبقوا الخيرات ( ، وقول الله عز وجل : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة (
وأيضاً يدل لهذا أن النبي ( يصلي الظهر إذا زالت الشمس لا يخرم ، أن النبي ( كان يصلي الظهر بالهاجرة ، هذا القسم الأول .
الأمر الثاني : أن يكون ذلك شدة الحر ، فالمذهب : أنه يستحب أن تؤخر إلى أن ينكسر الحر كما ذكر المؤلف رحمه الله ، ويقولون : يستحب أن تؤخر مطلقاً حتى ولو صلى وحده كما لو كان في مزرعة أو مثلاً في صحراء أو كان مسافراً يستحب له أن يؤخر صلاة الظهر .
والرأي الثاني : رأي الشافعية : أن الاستحباب مقيد بشروط
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط الأول : أن يكون ذلك في الجماعات .
الشرط الثاني : أن تكون البلاد حارة .
الشرط الثالث : أن يكون ذلك لمن يقصدها من بعد . يعني ثلاثة شروط .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الحنابلة لعموم الحديث أن النبي ( قال :" إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " وهذا عام يشمل الجماعة وغير الجماعة ويشمل من انتابها من بعد أو من قرب ، هذا هو الصواب .
والتأخير قال المؤلف رحمه الله : حتى ينكسر الحر ، يقول المؤلف : حتى ينكسر الحر يعني تؤخر إلى أن ينكسر الحر .
وقال بعض العلماء : تؤخر إلى قرب وقت العصر ، تؤخر إلى قرب صلاة العصر .(2/53)
ويدل لهذا حديث أبي ذر أن النبي ( قال :" أبرد ثم قال أبرد ثم قال أبرد قال حتى ساوى التل الظل " وإذا ساوى التل الظل فإن وقت الظهر يكون خرج ، لكن نقول لم يحسب من ذلك فيء الزوال ، يعني ساوى الظل التل لكن فيء الزوال لم يحسب ، فيكون بقي على وقت صلاة الظهر شيء ففعلت الظهر قرب العصر ، وهذا هو الأقرب .
ولو صلى وحده..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا هو الأقرب : أن تؤخر الظهر إلى قرب العصر ، فإذا فرضنا أن وقت الظهر يخرج في الساعة الثالثة والنصف فإنها تؤخر إلى الساعة الثالثة أو الثالثة وعشر دقائق أو خمس دقائق وهكذا ، بحيث أنها تكون قريبة من وقت صلاة العصر .
" ولو صلى وحده " يعني حتى ولو صلى وحده كما قلنا لو كان في مزرعة أو المرأة في البيت في شدة الحر يستحب لها أن تؤخر الصلاة ، يعني الجماعة يؤخرون المساجد تؤخر إلى قرب العصر ، ولو صلى وحده أو كالمرأة في بيتها والراعي في غنمه والحارس إذا كان لا يتمكن أن يصلي مع الجماعة ونحو ذلك أو المريض يستحب له أن يؤخر الصلاة صلاة الظهر إلى قرب العصر .
وصلاة الظهر في شدة الحر هي الحالة الأولى التي يستحب فيها تأخير الصلاة .
لأن الأصل في الصلاة أن تفعل في وقتها هذا هو الأصل وقت الاستحباب إلا صلاتين هم اللذان يستحب فيهما التأخير :
الأولى : صلاة الظهر في شدة الحر .
الثانية : صلاة العشاء كما سيأتي إنشاء الله .
أو مع غيم لمن يصلي جماعة............................................................................(2/54)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هاتان الصلاتان هما الصلاتان اللتان يستحب تأخيرهما أما ما عداهما من الصلاوات فإنه يستحب تقديمها .
والأصل عند الحنفية : يعني في الجملة التأخير .
والشافعية : التقديم .
يعني الشافعية الأصل عندهم استحباب التقديم ، والحنفية الأصل عندهم استحباب التأخير ، والحنابلة التفصيل .
وذكرنا الصحيح في ذلك .
والقاعدة : أن الصلاة يستحب أن تفعل في أول وقتها إلا صلاتين :
1- الظهر في شدة الحر . 2- العشاء .
والظهر بينها والعشاء سيأتي إنشاء الله .
" أو مع غيم لمن يصلي جماعة " يقول المؤلف رحمه الله في حال الغيم هو قال لك إن صلاة الظهر يستحب أن تفعل في أول وقتها إلا في شدة الحر فإنها تؤخر ،
أيضاً قال : تؤخر مع الغيم لمن يصلي جماعة ، فإذا كان هناك غيم يستحب إذا كنا نصلي
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جماعة ، وإذا كان الإنسان يصلي وحده مع الغيم يبادر بفعل الصلاة في أول وقتها ، لكن إذا كانوا جماعة ، مثل مساجد الجماعات ، ما يستحب أن نصلي الصلاة في أول وقتها لكن نؤخر الصلاة إلى قرب العصر ، ولهذا قال لك
" أو مع غيم لمن يصلي جماعة " فيستحب أن نؤخر صلاة الظهر إلى قرب وقت صلاة العصر ، لماذا ؟ ما هي العلة في ذلك ؟
قالوا العلة في ذلك : أنه يحتمل نزول المطر ويلحق بذلك المشقة وإذا كان كذلك فإنها تؤخر لكي يكون الخروج إليهما خروجاً واحداً ،
لكي يكون الخروج إلى صلاة الظهر والعصر خروجاً واحداً هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .(2/55)
والرأي الثاني : أنه لا يستحب تأخيرها في حال الغيم ، وإنما يستحب أن تفعل في أول وقتها كسائر الأيام وهذا هو الصواب .
لعموم الأدلة أن النبي ( كان يصلي الظهر في الهاجرة كما تقدم ،
وأيضاً كما تقدم قول الله عز وجل : (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ( ،
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( فاستبقوا الخيرات ( وغير ذلك من الأدلة .
وقوله " جماعة " هذا قلنا يخرج من صلى وحده فإنه لا يؤخرها مع الغيم لأنه شرع تأخيرها مع الغيم رفقاً بالجماعة خشية نزول الأمطار فيلحق بذلك المشقة فلكي يسهل الخروج لهما معاً .
* الجمعة ، هل يشرع الإبراد بها أو لا يشرع الإبراد بها ؟
جمهور أهل العلم : أن الجمعة لا يشرع الإبراد بها لحديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه:" أنهم كانوا يجمعون مع رسول الله ( إذا زالت الشمس "
وأيضاً الجمعة يستحب التقدم إليها من بعد طلوع الشمس كما ذهب الحنفية ، وإذا قلنا أنه يشرع الإبراد إلى قرب العصر يلحق الناس في ذلك مشقة شديدة خصوصاً من جاء في أول النهار ، والإبراد إنما شرع للتخفيف فإذا كان سبيلاً إلى التشديد والتثقيل فإنه يمنع وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
وذهب بعض الشافعية إلى أنه يشرع الإبراد بها لعموم الحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة "
ويليه وقت العصر إلى مصير الظل مثليه بعد ظل الزوال...............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/56)
لكن الصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأن الجمعة يستحب أن تفعل في
أول الوقت لما ذكرنا من الأدلة .
" ويليه وقت العصر إلى مصير الظل مثليه بعد ظل الزوال " وقت العصر : أول وقته يبدأ بعد خروج وقت الظهر : إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحظر وقت العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس "
وتقدم أن ذكرنا أن الحنفية يرون أن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وعلى هذا عندهم وقت العصر ما يدخل إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه .
وذكرنا أن المالكية يقولون أن هناك وقتاً مشتركاً بينهما ، بين الظهر والعصر إذا كان ظل كل شيء مثله .
والصواب في ذلك : مذهب الشافعية والحنابلة أنه إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال فإن وقت الظهر خرج ودخل وقت العصر .
إلى مصير الظل مثليه......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" إلى مصير الظل مثليه " هذا المذهب واستدلوا على ذلك : بحديث إمامة جبريل ، فإن جبريل أمّ النبي ( في اليوم الأول : بعد أن صار ظل كل شيء مثله ، وفي اليوم الثاني : أمّه لما صار ظل كل شيء مثليه .
والرأي الثاني : مذهب الشافعية ، أن وقت الاختيار والجواز إلى أن تصفر الشمس ، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" ووقت العصر ما لم تصفر الشمس " وهذا أخرجه مسلم في صحيحه ، وهذا هو الصواب .
الصواب : أن وقت العصر إلى إصفرار الشمس .
وأما إمامة جبريل فيرجح عليه حديث عبد الله بن عمرو من عدة أوجه :(2/57)
الوجه الأول : أن حديث عبد الله بن عمرو قول وإمامة جبريل فعل ، والقول مقدم على الفعل .
الوجه الثاني : أن إمامة جبريل في مكة وحديث عبد الله بن عمرو في المدينة .
الوجه الثالث : أن حديث عبد الله بن عمرو أصح من حديث إمامة جبريل .
حديث إمامة جبريل كما في حديث ابن عباس وجابر وغيرهما في السنن وحديث عبد الله
ووقت الضرورة إلى غروبها.............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بن عمرو هذا في صحيح مسلم .
" ووقت الضرورة إلى غروبها " وقت الضرورة : من الإصفرار إلى غروب الشمس ، ووقت الضرورة إلى غروبها .
ما هو الدليل على أنه إلى غروب الشمس ؟
الدليل حديث أبو هريرة في الصحيحين أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " فقوله " من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس " هذا يدل على أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس . وهذا هو الصواب.
خلافاً لمن قال : بأن العصر وقتها واحد كله وقت اختيار ، الصواب : أنه يجمع بين الحديثين هذا الحديث " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الصلاة أو العصر أو كما قال عليه الصلاة والسلام " وحديث عبد الله بن عمرو أن النبي ( قال :" وقت العصر ما لم تصفر الشمس " فيجمع بينهما أن للعصر وقتين :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
خلافاً لمن قال : بأن العصر لها وقت اختيار كل الوقت إلى غروب الشمس وقت اختيار .........................................................................................................................(2/58)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لحديث أبي هريرة .
فالصواب في ذلك : الجمع بين الحديثين .
وصلاة العصر هي الصلاة الوحيدة التي لها وقتان :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
والصواب : أن بقية الصلوات ليس لها إلا وقت واحد فقط وهو وقت الاختيار وليس لها وقت ضرورة .
ما معنى وقت الضرورة ؟
وقت الضرورة هذا له معنيان :
المعنى الأول : فيما يتعلق بأهل الأعذار ، كالحائض إذا طهرت والنفساء إذا طهرت والمجنون إذا عقل الكافر إذا أسلم ... إلى آخره .
فهؤلاء إذا أدركوا من الوقت قدر ركعة قبل أن تغرب الشمس وجب عليهم أن يقضوا هذه الصلاة .
فالحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس بقدر ركعة وجب عليها أن تقضي والنفساء
ويسن تعجيلها مطلقاً....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمجنون والكافر ... إلى آخره .
هذا المعنى الأول .
المعنى الثاني : أنه يجوز تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة عند العذر ، الأصل أنه لا يجوز تأخيرها إلى وقت الضرورة . لكن يجوز عند العذر ، عند العذر كما لو أن الإنسان يخشى على نفسه لو شرع يصلي يخشى على نفسه من سبع أو يخشى على أهله أو يخشى على ماله من لص ... إلى آلآخره .
فهذا يجوز أن يؤخر ، لأنه لو اشتغل بالصلاة يخشى على ماله أو يخشى على أهله أو يخشى على نفسه ، فنقول : يجوز أن يؤخر إلى أن تصفر الشمس .
أو مثلاً انجرح واحتاج أن يشتغل بنفسه يلم الجرح إلى أن اصفرت الشمس ، فنقول : لا يلزمه أن يصلي وهو مجروح .
أو احتاج مثلاً إلى مداواة مريض أو نحو ذلك فإنه يؤخر إلى اصفرار الشمس .(2/59)
المهم أنه مع العذر هنا يجوز هذا معناه ما عدا ذلك هذا محرم ولا يجوز .
" ويسن تعجيلها مطلقاً " يسن تعجيلها مطلقاً في حال الحر وفي حال الغيم أو في حال
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحو وفي حال البرد وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
أنه يستحب تعجيلها مطلقاً ، ويدل لذلك حديث أنس في الصحيحين " أنهم كانوا يصلون مع النبي ( والشمس مرتفعة حية (يعني لم تسقط) ، ـ مرتفعة :الحرارة لا تزال فيها ـ حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة " لا تزال مرتفعة وهذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول الوقت .
وأيضاً حديث رافع بن خديج في الصحيح " أنهم كانوا يصلون مع النبي ( العصر وينحرون الجزور ويقسمون عشر قسم ويأكلون لحماً نضيجاً قبل غروب الشمس " وهذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول وقتها .
والرأي الثاني : رأي الحنفية ، الحنفية يرون استحباب التأخير وأنها تؤخر إلى أن يبقى على غروب الشمس قدر الفعل وقدر الشروط ، فالشروط من الوضوء والستر ونحو ذلك ،
يعني يبقى على غروب الشمس قدر فعلها وقدر فعل شروطها ، وهذا ضعيف .
والصحيح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أنه يستحب تقديمها .
وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى وأن الصلاة الوسطى هذه اختلف فيها العلماء رحمهم
ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة ............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله كثيراً ما هي الصلاة الوسطى ؟(2/60)
والصواب : أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله . ويدل لذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي ( قال :" شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس "
وفي الترمذي وصححه أن النبي ( قال :" الصلاة الوسطى صلاة العصر "
فالصواب : أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى .
"ويليه وقت المغرب إلى مغيب الحمرة " وقت المغرب يدخل بغروب الشمس بالإجماع ، ويدل لهذا حديث سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه أن النبي ( كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ، وأيضاً حديث إمامة جبريل فإنه صلى بالنبي ( المغرب في اليوم الأول وفي اليوم الثاني حينما غربت الشمس .
" إلى مغيب الحمرة " إلى مغيب الحمرة : يعني مغيب الشفق ، الشفق الأحمر .
وهنا مسألتان :
المسألة الأولى : متى ينتهي وقت المغرب ؟
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية : ما المراد بالشفق ؟
أما المسألة الأولى متى ينتهي وقت المغرب ؟ فجمهور العلماء على أنه موسع إلى مغيب الشفق الأحمر ، هذا ما عليه جمهور العلماء ، واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي ( قال :" وقت المغرب ما لم يغب الشفق "
وفي لفظ " ما لم يسقط ثور الشفق " .
والرأي الثاني : رأي الشافعية والمالكية أن وقت صلاة المغرب أنه مضيّق ، المغرب وقتها مضيق فيرون أنه بقدر الأذان والإقامة والوضوء وستر العورة وفعل الصلاة والسنة .(2/61)
عند الشافعية ستة أشياء ، المالكية لا يحسبون السنة ، يعني إذا مضى قدر الأذان والإقامة وستر العورة والوضوء وفعل الصلاة وفعل السنة يعني إذا فرضنا هذه الأشياء تستغرق نحو ساعة فإن وقت المغرب يخرج ولا يمتد إلى مغيب الشفق .
والحنابلة والحنفية يرون أنه يمتد إلى مغيب الشفق وهذا هو الصواب ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمر :" ووقت المغرب ما لم يغب الشفق " " ما لم يسقط ثور الشفق " هذا رواه مسلم في صحيحه .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً دل لذلك حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه وحديث بريدة رضي الله
تعالى عنه ... إلى آخره ..
وأما دليل الشافعية والمالكية فاستدلوا بإمامة جبريل وأن النبي ( صلاها في اليوم الأول
وفي اليوم الثاني في أول الوقت .
وإمامة جبريل هذا سبق أن أجبنا عليه :
الجواب الأول : أن حديث عبد الله بن عمرو أصح من حديث جبريل .
الجواب الثاني : أن حديث إمامة جبريل بالنبي ( فعل وحديث عبد الله بن عمرو قول ،
والقول مقدم على الفعل .
الجواب الثالث : أن حديث إمامة جبريل بالنبي ( كان ذلك بمكة وأما حديث عبد الله
بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فإنه كان في المدينة .
فبهذه الأوجه الثلاثة يترجح حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما على حديث إمامة
جبريل بالنبي ( .
.......................................................................................................................(2/62)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث عبد الله بن عمرو هذا من الجوامع التي ينبغي لطالب العلم أن يحفظها لأنه جمع مواقيت الصلاة ، يعني جملة مواقيت الصلاة جمعها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فينبغي لطالب العلم أن يحفظه ويتقنه وهو ليس بالطويل لكن ينبغي لطالب العلم أن يحفظه ويتقنه لأنه إذا حفظه فإنه يكون حفظ جملة مواقيت الصلاة .
والمسألة الثانية : قال المؤلف رحمه الله : إلى مغيب الحمرة ، ذكرنا أن أبا حنيفة والإمام أحمد يريان أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق لكن ما المراد بالشفق ؟
الإمام أحمد رحمه الله يقول : المراد بالشفق هو الحمرة وذلك أن الشمس إذا غربت يبقى في الأفق حمرة بعد سقوط الشمس ، يستمر وقت المغرب إلى أن تغيب هذه الحمرة ، يعني ما يقرب من ساعة وعشرين دقيقة ونحو ذلك .
فإذا غربت هذه الحمرة واختفت فإن وقت المغرب يكون قد خرج ودخل وقت العشاء ، إلى مغيب الحمرة .
الإمام أحمد رحمه الله يرى أن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق ، والمراد بالشفق : هو الشفق الأحمر ، ويدل لذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في سنن الترمذي أن النبي ( قال:" وقت المغرب إلى أن تغيب حمرة الشفق "وهذا الحديث ضعيف لا يثبت ويسن تعجيلها..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن النبي ( لكن ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بإسناد صحيح أن الشفق هو
الحمرة .
وعند أبي حنيفة أن المراد بالشفق : هو البياض ، وهذا القول ضعيف لأن بعض العلماء(2/63)
ذكر بأن البياض أصلاً لا يغيب إلا عند نصف الليل .
فالصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد أن المراد بالشفق : هو الحمرة .
وأيضاً يدل لذلك ما تقدم أن ذكرنا حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم
أن النبي ( قال :" وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق " وقالوا : ثوران الشيء هذه
صفة للأحمر .
وأيضاً يؤيد ذلك كلام الأئمة أئمة اللغة وأئمة المفسرين عند قول الله عز وجل ( فلا
أقسم بالشفق( قالوا أن المراد بالشفق : هو الحمرة .
يعني كلام أهل اللغة وكذلك كلام المفسرين أن المراد بالشفق هو الحمرة .
" ويسن تعجيلها " يقول المؤلف رحمه الله : يسن تعجيلها ، المغرب يسن أن تعجل في أول
إلا ليلة مزدلفة لمن قصدها محرماً.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقتها وهذا هو الذي دلت عليه الأدلة ، ويدل لذلك ما تقدم من حديث إمامة جبريل بالنبي ( فإن النبي ( صلاها في اليوم الأول وفي اليوم الثاني عند غروب الشمس .
وكذلك أيضاً حديث سلمة رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا يصلون مع النبي ( المغرب ثم يخرجون ينتظلون فيرون مواقع نبلهم من الإسفار ، فكونهم يصلون مع النبي ( المغرب ثم يخرجون ويرمون بالسهام بعد صلاة المغرب ويرون مواقع السهم من الإسفار هذا يدل على أن النبي ( صلاها في أول الوقت وأن النبي عليه الصلاة والسلام بادر بها .
وتقدم لنا في باب الأذان أن المؤلف رحمه الله قال : يستحب جلوسه بعد أذان المغرب قليلاً يعني لا يقيم مباشرة ، لا يؤذن ثم يقيم مباشرة بل يستحب أن يجلس قليلاً ثم يقيم وهذا مما يدل على تأكد المبادرة بصلاة المغرب .(2/64)
" إلا ليلة مزدلفة لمن قصدها محرماً " ليلة مزدلفة ، يقول المؤلف رحمه الله : ليلة مزدلفة لا يستحب تعجيل المغرب وذلك أن الحاج تغرب عليه الشمس وهو في عرفات فلا يستحب له أن يصلي المغرب في عرفات ولا في الطريق وإنما ينتظر حتى يأتي مزدلفة لأن هذا هو هدي النبي ( فإن النبي ( في حديث جابر رضي الله تعالى عنه انتظر حتى غربت الشمس واستحكم غروبها وذهبت الصفرة ثم دفع عليه الصلاة والسلام إلى أن جاء مزدلفة .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي حديث أسامة أن النبي ( وقف في الطريق وبال وتوضأ وضوءً خفيفاً ، فقال له
أسامة : الصلاة يا رسول الله ، فقال :" الصلاة أمامك "
ولهذا ابن حزم رحمه الله يرى أن صلاة المغرب لو فعلت خارج مزدلفة فإنها لا تصح ،
يعني لو أنه صلى المغرب في عرفات أو صلى المغرب في الطريق يرى أن صلاته غير
صحيحة .
والصواب في ذلك : أن الصلاة صحيحة وأنها لو فعلت في عرفات أو في الطريق أن
الصلاة صحيحة لكنه خالف السنة .
السنة : كما ذكر المؤلف رحمه الله أن يصلي المغرب إذا جاء مزدلفة .
إلا إن خشي خروج وقت العشاء الآخرة بانتصاف الليل ، إذا خشي أن يخرج عليه وقت
العشاء الآخرة بانتصاف الليل لكونه تعطل مركوبه أو كما يوجد اليوم من الزحام ونحو
ذلك فإنه يصلي الصلاة ولو في الطريق ولا يؤخر الصلاة حتى ينتصف الليل ، لأنه كما
سيأتينا إنشاء الله أن وقت العشاء الآخرة يخرج بانتصاف الليل .
ويليه وقت العشاء إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل...........................(2/65)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول يصلي الصلاة قبل أن ينتصف عليه الليل .
وقوله " محرماً " يعني هذا الاستحباب لمن حج أما من لم يحج لو كان شخص اشتغل بأمور
الحجاج وهو في عرفات وغربت عليه الشمس ، مثلاً يقود السيارة بالحاج أو يقوم على
خدمة الحجاج وهو لم يحج ، فنقول : يستحب له أن يصلي الصلاة في عرفات ولا يؤخر
الصلاة إلى مزدلفة .
الذين يؤخرون الصلاة إلى مزدلفة هم الحجاج أما من لم يحج أو مثلاً لو كان هناك أحد
قد سكن في عرفات ، فنقول : لا يستحب له أن يؤخر إلى مزدلفة بل عليه أن يبادر وأن
يصلي المغرب في أول الوقت .
" ويليه وقت العشاء إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل " يقول المؤلف رحمه الله :
ويلي وقت المغرب العشاء الآخرة ويمتد إلى ثلث الليل وهذا يتضمن مسائل :
المسألة الأولى : أول وقت العشاء الآخرة ، ما هو أول وقتها ؟
فنقول : بأن أول وقتها هو مغيب الشفق ، فإذا غاب الشفق فإنه يدخل وقت العشاء
إلى ثلث الليل ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو لبياض المعترض
بالمشرق.........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآخرة وهذا باتفاق الأئمة .
الأئمة يتفقون على أن أول وقتها مغيب الشفق ، ويدل لذلك حديث أبي موسى وحديث
بريده أن النبي ( أقام العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق .
المسألة الثانية : آخر وقت العشاء ، ما هو آخر وقت العشاء ؟ يقول المؤلف رحمه الله :
" إلى ثلث الليل ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو لبياض المعترض بالمشرق "(2/66)
فآخر وقت العشاء على المذهب إلى ثلث الليل يعني أن وقت العشاء وقتان :
الوقت الأول : وقت اختيار . الوقت الثاني : وقت ضرورة .
وقت الاختيار : إلى ثلث الليل .
ووقت الضرورة : إلى طلوع الفجر الثاني . هذا المشهور من وذهب الإمام أحمد رحمه الله
عند أبي حنيفة : أن وقت الاختيار إلى نصف الليل ، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر
الثاني .
وعند ابن حزم رحمه الله : أن وقت العشاء إلى نصف الليل ، وأنه وقت واحد وليس
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك ما يسمى بوقت الضرورة .
ودليل ابن حزم : ظاهر القرآن فإن الله عز وجل قال ( اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( فقال الله عز وجل (اقم
الصلاة لدلوك الشمس ( يعني زوال الشمس ( إلى غسق الليل ( وغسق الليل هو
اشتداد ظلمته وذلك بانتصافه ،
فقوله سبحانه وتعالى ( اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل ( هذا شمل أربع
صلوات من الزوال نصف النهار إلى غسق الليل نصف الليل شمل هذا أربع صلوات :
شمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء فدل ذلك على أن وقت العشاء يخرج بانتصاف
الليل .
وقال ( وقرآن الفجر ( هذه صلاة الفجر وعبر الله عز وجل عنها بالقرآن لأنه يشرع
أن يطال فيها بالقراءة ، فقال ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( فصلها
الله عز وجل لأنها مفصولة في أول الوقت وفي آخر الوقت .
........................................................................................................................(2/67)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعني الصلوات الأربع مترابطة فيما بينها وأما صلاة الفجر فإنها مفصولة من نصف الليل
إلى طلوع الفجر الثاني ليس وقتاً لسيء من الصلوات ، ومن طلوع الشمس إلى نصف
النهار ليس وقتاً لشيء من الصلوات ، فوقتها صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى
طلوع الشمس مفصولة في بدايتها وفي نهايتها ، ولهذا فصلها الله عز وجل وقال (
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (
ومما يؤيد ما ذهب إليه ابن حزم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في
صحيح مسلم أن النبي ( قال :" ووقت العشاء إلى نصف الليل " وهذا صريح قال :"
ووقت العشاء إلى نصف الليل " فدل ذلك على أن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل
وأنه لا يمتد إلى ما بعد النصف .
وأما بالنسبة للجمهور ، يعني كما قلنا الحنابلة رحمهم الله يقولون : بأن وقت الاختيار إلى
ثلث الليل ثم بعد ذلك وقت ضرورة إلى طلوع الفجر ، والحنفية كما ذكرنا ... إلى
آخره .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقالوا : بأنه يمتد إلى طلوع الفجر بدليل حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن النبي (
قال :" ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة
الأخرى" فقال النبي (:" إنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة
الأخرى "
فقال : حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى هذا يشمل العشاء ، ويفيد على أن وقت العشاء
يمتد إلى أن يجيء وقت صلاة الفجر .(2/68)
وقالوا أيضاً أنه ورد عن الصحابة ورد عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الرحمن بن عوف
في الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر أنها تصلي المغرب والعشاء وإذا طهرت قبل
غروب الشمس أنها تصلي الظهر والعصر ، هذا ورد عن أبي هريرة وابن عباس وعبد
الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وأن وقت العشاء إلى نصف
الليل ، لأن حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما صريح في ذلك في التحديد ،
إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل..........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً هو ظاهر القرآن ، وأما آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم ففيها ضعف وليس
هناك دليل على إمتداد وقت العشاء إلى ما بعد نصف الليل .
حديث عائشة أن النبي ( أعتم بصلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل هذا يمكن أن
يتمسكوا فيه ، قالوا : عامة الليل : يعني أكثر الليل ، وهذا لا يصح هذا التفسير
أن النبي ( أعتم بصلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل هذا الصواب أنه لا يصح ، وأن
المراد بقولها حتى ذهب عامة الليل : يعني كثير منه إذ يبعد عن النبي ( أن يؤخر العشاء
إلى ما بعد نصف الليل لما في ذلك من المشقة ولما في ذلك من تأخير الصلاة عن وقتها
المستحب .
فإن وقتها المستحب : هو عند نصف الليل كما سيأتي إنشاء الله .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله .
" إلى ثلث الليل وتأخيرها أفضل إن سهل " بينا أول وقت العشاء وآخره ، ثم ذكر
المؤلف رحمه الله ما هو الوقت الأفضل لأداء صلاة العشاء فقال :
........................................................................................................................(2/69)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتأخيرها أفضل إن سهل " يعني الأفضل أن تؤخر إلى آخر الوقت المختار ، وما هو
آخر الوقت المختار عند الحنابلة ؟
آخر الوقت المختار هو ثلث الليل ، وعلى هذا يقولون : يستحب أن تؤخر إلى ثلث
الليل ، يعني قسم الليل إلى ثلاثة أجزاء ، وإذا قلنا بأن ثلث الليل إلى الساعة العاشرة ،
أن تقسم ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني قسمه ثلاثة أجزاء وإذا قلنا بأن
ثلث الليل إلى الساعة العاشرة أو إلى الساعة التاسعة والنصف فيستحب أن نؤخر إلى
قريب من الساعة العاشرة يعني مثلاً إذا قلنا بأن ثلث الليل ينتهي بالساعة العاشرة نؤخر
الصلاة يستحب التاسعة والنصف ، يستحب أن نؤخرها إلى التاسعة والنصف وهكذا .
وقال المؤلف رحمه الله : إن سهل ، فإن كان هناك مشقة على بعض المأمومين فإنه يكره
بل تقدم في أول وقتها يعني هم يقولون إن كان هناك يسر على المأمومين أن تؤخر إلى
ثلث الليل فالأفضل أن تؤخر ، وإن كان فيه مشقة فإنها تقدم .
ويدل لذلك أن المستحب تأخير صلاة العشاء أدلة كثيرة من ذلك حديث أبي برزة رضي
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله تعالى عنه في الصحيح أن النبي ( كان يستحب تأخير العشاء .
وأيضاً ما في سنن الترمذي أن النبي ( قال :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا
العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه " وأيضاً ما تقدم أن النبي ( في حديث عائشة أخر صلاة
العشاء حتى ذهب عامة الليل ، وفي صحيح مسلم أن النبي ( أخرها إلى نصف الليل .(2/70)
فهذا مما يدل على أنه يستحب تأخير العشاء لكن إذا كان يشق على المأمومين فإنه
يستحب أن تقدم لحديث جابر " أن النبي ( كان إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم
تأخروا أبطأ " وهذا إذا قلنا بأن وقت الاختيار يمتد إلى ثلث الليل .
لكن إذا قلنا أن وقت الاختيار يمتد إلى نصف الليل فنقول يستحب أن تؤخر إلى نصف
الليل ، فأنت تحسب نصف الليل فإذا قلنا مثلاً نصف الليل يكون الساعة الحادية عشر
والنصف فإنه يستحب أن تؤخر إلى الحادي عشرة أو الحادي عشرة وعشر دقائق .. إلى
آخره
وهذا اليوم قد لا يتصور في الجماعات ـ جماعات المساجد ـ لأن الناس الآن في
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجماعات العامة جماعات المساجد قد لا يتصور لأن الناس تختلف أحوالهم وظروفهم لأنهم
مربوطون من الجهات النظامية بأوقات محددة ... إلى آخره .
لكن هذا يمكن فيما إذا كان هناك أناس منفردون مثلاً في نزهة أو مثلاً في سفر أو مثلاً
إنسان يرعى الغنم أو المرأة في بيتها فهؤلاء نقول يستحب لهم أن يؤخروا الصلاة إلى
نصف الليل أو قريب من نصف الليل لأن هذا هو هدي النبي ( وهو الذي يحبه النبي
عليه الصلاة والسلام .
أما كما ذكرنا مساجد الجماعات هذا قد يتعذر .
الشافعي رحمه الله خالف في هذه المسألة على أصله الذي سبق أن أشرنا إليه فهو يرى أن
المستحب في صلاة العشاء أن تفعل في أول وقتها ، واستدل بحديث النعمان بن بشير
رضي الله تعالى عنه لكن ما ذهب إليه هذا فيه نظر .
وأبو حنيفة رحمه الله : يرى أنه يستحب أن تؤخر إلى ثلث الليل مطلقاً ، لأن كما ذكرنا
بأن مذهب أبو حنيفة الأصل عنده التأخير .(2/71)
ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق..........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في هذا : بأن نقول يستحب أن تؤخر صلاة العشاء إلى آخر وقتها ما لم يكون
هناك مشقة كما ذكر الحنابلة رحمهم الله ، وإن كان هناك مشقة فإن الإمام يراعي أحوال
المأمومين .
" ثم هو وقت ضرورة إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق " يقول المؤلف رحمه
الله : بأن وقت العشاء يستمر إلى طلوع الفجر الثاني هذا تقدم الكلام عليه ، وهل
يستمر أو لا يستمر ؟ تكلمنا عليه .
ثم قال " إلى الفجر الثاني وهو البياض المعترض بالمشرق " البياض المعترض بالمشرق ،
الفجر الثاني ، ما هو الفجر الثاني وما الفرق بينه وبين الفجر الأول ؟
عندنا فجران : الفجر الأول والفجر الثاني ، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن بينهما فروقاً
ثلاثة :
الفرق الأول : قال المؤلف رحمه الله : المعترض بالمشرق ، أن الفجر الثاني تشاهده معترض
في المشرق معترض بين الشمال والجنوب تجده هكذا معترض بين الشمال والجنوب ،
ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بخلاف الفجر الأول فإنه مستطيل بين المشرق والمغرب ، هذا الفرق الأول .
الفرق الثاني : أن الفجر الثاني لا ظلمة بعده ، يعني تجده متصل في الأفق هو معترض بين
الشمال والجنوب تجده متصل في الأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة ، أما الفجر الأول فلا
يكون متصلاً بالأفق وإنما يكون بينه وبين الأفق ظلمة .
الفرق الثالث : أن الفجر الثاني : كلما مضى شيء من الوقت فإنه يزيد ، وأما الفجر(2/72)
الأول فكلما مضى شيء من الوقت فإنه ينقص ويضمحل .
هذه ثلاثة فروق بين الفجر الأول والفجر الثاني .
" ويليه وقت الفجر إلى طلوع الشمس " وقت الفجر : يدخل بطلوع الفجر الثاني ، يعني
وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني بالإجماع .
العلماء يجمعون على ذلك ، وكذلك أيضاً يجمعون على أن وقت الفجر يمتد إلى طلوع
الشمس ، يعني عندهم مواضع اتفاق الأئمة يتفقون على أن وقت الفجر أو وقت صلاة
الصبح يبدأ بطلوع الفجر الثاني ويستمر إلى طلوع الشمس ، ودليل ذلك حديث عبد
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم أن النبي ( قال :" وقت الصبح من
طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس " وهذا نص صريح في تحديد صلاة الصبح .
لكن هل هذا الوقت ينقسم إلى وقت اختيار ووقت ضرورة ؟
أكثر أهل العلم أن وقت الصبح ليس له إلا وقت واحد فقط وهو وقت اختيار وليس
هناك وقت ضرورة .
والرأي الثاني : وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله أن وقت الصبح ينقسم إلى قسمين :
1- وقت اختيار . 2- وقت ضرورة .
وقت الاختيار : إلى الإسفار ، إلى أن يسفر .
ووقت الضرورة : إلى طلوع الشمس .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، وأن وقت الفجر يمتد إلى
طلوع الشمس وأنه ليس هناك وقت ضرورة وإنما هو وقت واحد فقط وهو وقت
الاختيار . هذا الصواب في هذه المسألة .
........................................................................................................................(2/73)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتعجيلها أفضل " تعجيلها أفضل : يعني كونها تصلى في أول الوقت فإنه أفضل ، ويدل
لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : كان نساء المؤمنات يشهدن الصبح
مع النبي ( ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد من الغلس "
والغلس : هو اختلاط ظلمة الليل بضوء النهار ، فهذا دليل على أن النبي ( كان
يصليها في أول وقتها .
كون نساء المؤمنات لا يعرفن من الغلس هذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام
كان يصليها في أول وقتها .
وكذلك أيضاً حديث أبي برزة رضي الله تعالى عنه أن النبي ( كان يصلي الصبح بغلس
، فهذا يدل على أن السنة في صلاة الصبح أن تفعل في أول وقتها .
وخالف في ذلك الحنفية : استدلوا بحديث رافع بن خديج ومحمود بن لبيب أن النبي (
قال :" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " قال : أسفروا بالفجر ،
وهذا أجاب العلماء رحمهم الله بأجوبة :
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب الأول : أنه منسوخ الحديث لحديث أبي مسعود البدري أن النبي ( أسفر بالفجر
ثم غلس ولم يزل كذلك حتى مات .
الجواب الثاني : أن المراد بالإسفار هو إطالة القراءة ، يعني أن يطال بقراءة صلاة الفجر
حتى يسفر ، يعني يبدأ بها بغلس ويطيل القراءة حتى يسفر .
الجواب الثالث : أن المراد بالإسفار هنا من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" أسفروا
بالفجر " أن المراد به تبين طلوع الفجر ، يعني أن الإنسان لا يستعجل حتى يتبين له أن(2/74)
الفجر قد طلع لأنه قد يخفى عليه ذلك أو قد يلتبس عليه ذلك مع الفجر الثاني .
وعلى هذا يكون السنة في ذلك : أن تصلى في أول وقتها لأن هذا هو هدي النبي عليه
الصلاة والسلام .
بقينا في مسألة بما يدرك أول الوقت ؟
تبين لنا من خلال هذا أن الصلوات كلها يشرع أن تكون في أول الوقت إلا صلاتين :
الصلاة الأولى : الظهر في شدة الحر ، فيستحب أن يبرد بها إلى قرب العصر .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة الثانية : العشاء مطلقاً ، يستحب أن تؤخر إلى آخر الوقت ، يعني إلى قرب نصف
الليل .
ما عدا ذلك فإن السنة أن تفعل الصلاة في أول وقتها .
* بما يدرك أول الوقت ؟
قال بعض العلماء : يدرك أول الوقت بالاشتغال بأسباب الصلاة فإذا اشتغل بأسباب
الصلاة من الوضوء وستر العورة وإزالة الخبث ونحو ذلك فإنه يكون قد أدرك فضل أول
الوقت ، إذا اشتغل بأسباب الصلاة ، إذا دخل عليه الوقت ثم شرع بالاشتغال بأسباب
الصلاة فإنه يكون أدرك فضيلة أول الوقت ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد
ومذهب الإمام الشافعي .
والرأي الثاني : أن أول الوقت يدرك بفعلها أول الوقت ، يعني أن تفعل الصلاة في أول
وقتها بحيث أن يفعل أسباب الصلاة من الوضوء ونحو ذلك قبل دخول الوقت ، وهذا
قال به بعض الشافعية .
ويدرك أداء صلاة بإحرام في وقتها................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/75)
والصواب في ذلك : هو الرأي الأول وأن فضيلة أول الوقت إنما يدرك بالاشتغال
بأسباب الصلاة في أول الوقت ، هذا هو الصواب في هذه المسألة وهو فعل الصحابة
رضي الله تعالى عنهم ... إلى آخره .
" ويدرك أداء صلاة بإحرام في وقتها " وقت الأداء بما يدرك بحيث أن الإنسان إذا شرع
فيه يكون أدرك الصلاة في وقتها أداءً وليست قضاءً يقول المؤلف رحمه الله :بأن وقت
أداء الصلاة يدرك بتكبيرة الإحرام فإذا كبر للإحرام في الوقت ثم خرج الوقت يكون
أدى الصلاة في وقتها مثال ذلك : بقي على خروج الوقت مثلاً دقيقة واحدة وقبل أن
يخرج الوقت كبر للإحرام الله أكبر ثم شرع في الصلاة ثم خرج الوقت يقول المؤلف رحمه
الله بأنه أدى الصلاة في وقتها أداءً وليست قضاءً ويترتب على ذلك أنه ينال أجر الأداء
ولا ينال أجر القضاء وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ودليلهم على ذلك قالوا : بأن إدراك التكبيرة كإدراك الركعة ، يعني هم يقولون بأنه إذا
كبر للإحرام قبل خروج الوقت فقد أدى جزأً من الصلاة في وقتها فكما لو أدى ركعة .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني في المسألة : أنه لا يدرك وقت الأداء إلا بإدراك ركعة ، وهذا قال به شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ودليل ذلك حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من
الصلاة فقد أدرك الصلاة " وهذا يشمل الأداء وأنه لا يدرك الأداء إلا بإدراك ركعة .
وعندنا قاعدة وهي " أن جميع الإدراكات تتعلق بركعة " وهذا هو الصواب .
الصواب : أن كل الإدراكات تتعلق بركعة ودليله كما أسلفنا حديث أبو هريرة(2/76)
أن النبي ( قال :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
وهذا يترتب عليه فروق كثيرة :
أولاً : إدراك الأداء ،إدراك أداء الصلاة .فنقول بأن إدراك أداء الصلاة يكون بأي شيء؟
بإدراك ركعة .
ثانياً : إدراك أول الوقت ، نقول : إدراك أول الوقت يكون بإدراك ركعة ويترتب على
هذا أصحاب الأعذار ، يعني لو أن الإنسان أدرك ركعة من أول الوقت ثم حصل له عذر
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
، كالمرأة إذا حاضت فنقول : أدركت الصلاة ما دام أنها أدركت ركعة أدركت الصلاة
ويجب عليها أن تقضي إذا طهرت لأنها إذا أدركت من أول الوقت قدر ركعة نقول :
بأنها أدركت أول الوقت فإذا حصل العذر يجب القضاء بعد زوال العذر .
لو كان أقل من ركعة فما الحكم هنا هل نقول يجب عليها القضاء أو لا يجب ؟
نقول : لا يجب .
ثالثاً : آخر الوقت : نقول بأن آخر الوقت يدرك بإدراك ركعة ، فهذا أيضاً يحتاج إليه
في أصحاب الأعذار ، لو أن المرأة طهرت أو أن النفساء طهرت أو الكافر أسلم أو
الصبي بلغ ، يعني زال المانع أو وجد شرط الوجوب فإذا أدرك من الوقت ركعة فيجب
عليه أن يقضي .
لو أن المرأة طهرت من حيضها وبقي أقل من ركعة هل يجب عليها أن تقضي أو لا يجب
عليها أن تقضي ؟
لا يجب عليها أن تقضي .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/77)
رابعاً : وقت صلاة الجمعة ، نقول صلاة الجمعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة وكذلك وقتها
لا يدرك إلا بإدراك ركعة .فلو أن الإنسان أدرك من صلاة الإمام ركعة يضيف إليها ركعة
، لكن لو لم يدرك ركعة جاء والإمام قد رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية هل
أدرك الجمعة أو نقول بأنه لم يدرك الجمعة ؟
نقول لم يدرك الجمعة .
خامساً : الحاضر إذا شرع في الصلاة ثم سافر وهو في الصلاة ، نقول إن صلى ركعة فإنه
يتم صلاته صلاة حضر ، ولنفرض أن رجلاً يصلي في سفينة ثم شرع في الصلاة والسفينة
حتى الآن ما تحركت أو يصلي في طائرة مثلاً ثم شرع في الصلاة ثم سافرت الطائرة
خرجت الآن ، نقول إن أدى ركعة فإنه يصلي صلاة مقيم إتماماً ، وإن سافر قبل أن
يصلي ركعة فإنه يصلي ركعتين صلاة مسافر
سادساً : عكس هذه المسألة ، المسافر إذا شرع في الصلاة ثم قدم بعد ذلك ، فنقول ك
إن أدى ركعة فإنه يصلي صلاة مسافر ، وإن أدى أقل من ركعة فإنه يصلي صلاة مقيم .
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً من المسائل : صلاة المسافر خلف المقيم ، كم يصلي المسافر خلف المقيم ؟ أربع ،
لكن متى يصلي أربع ؟ هذا إذا كانت رباعية خلف رباعية . متى يصلي أربع ؟
نقول : إذا أدرك من صلاته قدر ركعة ، فإنه يصلي أربعاً وإن أدرك أقل من ركعة فإنه
يصلي ركعتين . وعلى هذا فقس يعني ما يتعلق بصلاة الإستسقاء أو الجمعة أو الكسوف
أو العيدين هذه كلها الإدراكات تتعلق بأي شيء ؟ بإدراك ركعة .
فالقاعدة عندنا " أن سائر الإدراكات تكون بإدراك ركعة "
أيضاً من المسائل : لو أن الإنسان تيمم ثم حضر الماء حضور الماء يبطل الصلاة لأنه وجد(2/78)
الماء لكن هل تبطل الصلاة مطلقاً أو لا تبطل الصلاة مطلقاً أو فيه تفصيل ؟
هذا موضع خلاف وبعض العلماء يقول : بأن الصلاة إذا حضر الماء في أثناء الصلاة
بطلت صلاته يجب عليه أن يتوضأ ويستأنف الصلاة .
والرأي الثاني : أنه إذا شرع في الصلاة فإن صلاته لا تبطل عليه .
والرأي الثالث : التفصيل : أنه إن صلى ركعة بالتيمم نقول يتم وأدرك الصلاة .
ومن شك في دخول وقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله باجتهاد............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن صلى أقل من ركعة ثم حضر الماء نقول يستأنف الصلاة .
وأيضاً من المسائل : تحية المسجد وهذه يحتاج إليها الإنسان كثيراً إذا جاء الإنسان وشرع
في الصلاة ثم أقيمت الصلاة ، هل يتم أو نقول بأن صلاته تبطل عليه ؟ إلى آخره .
هل نقول بأنه يتم أو نقول بأنه يقطعها ؟ شرع الآن في الصلاة ثم أقيمت الصلاة .
هذا نقول إن أدى ركعة فإنه يتم صلاته خفيفة لأنه أدرك الصلاة ، وإن أقيمت الصلاة
وهو لم يؤدي ركعة فإنه يقطع الصلاة .
" ومن شك في دخول وقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله باجتهاد " إلى آخره
نقول : دخول الوقت إما أن يكون عن طريق العلم ، وإما أن يكون عن طريق الظن ،
وهذا كله جائز ، أما العلم فهذا محل إجماع ، ومثاله : أن يرى الشمس قد غربت ، فإذا
رأى الشمس قد غربت الآن علم أن وقت صلاة المغرب قد دخل يرى الفجر قد طلع ،
فإذا رأى الفجر قد طلع ورأى الفجر الثاني قد طلع هذا علم الآن أن وقت صلاة الفجر
قد دخل ، فنقول : الطريق الأول : طريق العلم ، العلم يرى هذه العلامات الأفقية .
........................................................................................................................(2/79)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن من رحمة الشريعة أن أوقات الصلاة علقت بعلامات أفقية تدرك للجميع ، تدرك
للعالم والجاهل والحاضر وساكن البادية كل يدركها طلوع الفجر وغروب الشمس
والزوال إلى آخره .
فإذا كان يعرف هذه العلامات الأفقية ورءاها هذا طريق العلم .
الطريق الثاني : طريق الظن ، وهذا أيضاً يدخل به وقت الصلاة فإذا ظن أن وقت الصلاة
قد دخل إما لصنعة يعرف أنه إذا عمل هذه الصنعة أو عمل هذه الحرفة ومضى هذا
الوقت أن الوقت قد دخل أو لقراءة يعرف أنه إذا قرأ كذا وكذا من القرآن أو من كتب
أهل العلم أن الوقت قد دخل مضى وقت بحيث أن الوقت قد دخل .... إلى آخره .
المهم الظن طريق من طرق دخول الوقت ، إذا ظن أن الوقت قد دخل له أن يصلي .
العلم هذا ظاهر الإجماع قائم على ذلك ، والأدلة " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا "
وأيضاً حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي ( قال :" وقت صلاة
أو إخبار عارف.................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله مالم ......" فطريق العلم هذا ظاهر .
طريق الظن : دليله حديث أسماء رضي الله تعالى عنها :" أنهم أفطروا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس " فكون الشمس قد طلعت هذا يدل
على أنهم بنوا على العلم أم على الظن ؟ على الظن لو بنوا على العلم ما طلعت الشمس
، لكن هذا يدل على أنهم بنوا على الظن ، وهذا دليل على أن الظن أيضاً طريق من(2/80)
طرق دخول الوقت .
" لم يصل حتى يغلب على ظنه باجتهاد أو إخبار عارف " لما ذكر المؤلف رحمه الله بأن
الظن طريق من طرق دخول الوقت قال: بأن الظن قد يكون باجتهاد وقد يكون عن
طريق الخبر ، الإجتهاد هو النظر في الأدلة ، ينظر في الأدلة الأفقية أدلة دخول الوقت ،
أو كما ذكرنا قد لا يتمكن الإنسان من النظر في الأدلة بسبب الغيم أو قتر ونحو ذلك
لكن له صنعة مجربة أو له قراءة مجربة ونحو ذلك بحيث أنه إذا مضت هذه الصنعة أو هذه
القراءة أن الوقت قد يدخل ، فنقول : يصير إلى الإجتهاد ، المهم لا بد من غلبة الظن إما
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن طريق إجتهاد كما ذكر المؤلف والإجتهاد يكون عن طريق النظر إلى الأدلة أو يكون
له صنعة أو يكون له قراءة إلى آخره .
أو يكون عن طريق الخبر ، قال " إخبار عارف " ما معنى عارف ؟
يعني عارف بالوقت عن يقين ، وهذا العارف ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : عارف بالوقت عن طريق العلم واليقين ، بحيث يقول : أنا رأيت الفجر
قد طلع فأنت تأخذ بكلامه ، أو يقول رأيت الشمس قد غربت فهذا تأخذ بكلامه .
هذا القسم الأول إخبار العارف عن طريق العلم واليقين .
القسم الثاني : أن يكون إخبار العارف عن طريق الظن وليس عن طريق العلم واليقين ،
فيقول لك : الوقت قد دخل ، ما دليلك على أن الوقت قد دخل ؟
قال : أنا لي صنعة وأعرف دخول الوقت إذا انتهت هذه الصنعة أو لي قراءة واعرف
دخول الوقت عن طريق هذه القراءة ، هل يؤخذ بقوله أو لا يؤخذ بقوله ؟
على كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يؤخذ بقوله ، هم يقولون لابد أن يكون عارف عن(2/81)
وإن أحرم فتبين أنه قبله أعاد.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق العلم واليقين ، أما إذا كان عن طريق الظن فإنه لايؤخذ بقوله إلى آخره وهذا ما
ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والصواب في ذلك : أن خبر العارف إذا كان ثقةً سواء كان عن طريق العلم أو عن
طريق الظن أن هذا كله يؤخذ به .
ويدل لذلك حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فإن النبي ( أفطر في يوم غيم ثم طلعت
الشمس فهذا يدل على اعتبار الظن مطلقاً سواء كان الظن عن طريق الخبر أو عن طريق
الإجتهاد ، وكما أنه يأخذ باجتهاد نفسه فكذلك أيضاً يأخذ باجتهاد غيره .
فالصواب في ذلك : أنه يؤخذ بالظن سواء كان عن طريق نفسه أو عن طريق غيره ، يعني
ظن نفسه أو ظن غيره هذا الصواب في هذه المسألة .
" وإن أحرم فتبين أنه قبله أعاد " إذا أحرم ثم تبين بعد ذلك أنه أحرم قبل الوقت يقول
المؤلف رحمه الله : يعيد ، يعني إذا أحرم عن طريق الإجتهاد أو نقول أنه عن طريق الظن
لأنه إذا كان عن طريق العلم هذا لن يتبين أنه قبل الوقت المقصود هنا إذا أحرم عن
ومن صار أهلاً قبل خروج وقتها لزمته وما يجمع إليها قبلها..........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طريق الظن أما عن طريق العلم فإنه قطعاً لن يتبين أنه أحرم قبل الوقت ،
فإذا أحرم عن طريق الظن فله ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يتبين أنه أحرم بعد الوقت ، فالحكم هنا نقول : بأن صلاته صحيحة .
الحالة الثانية : أن يتبين له أنه أحرم قبل الوقت ، فحكم صلاته نقول : بأنها تكون نفلاً
تنقلب من كونها فريضة إلى كونها نافلة .(2/82)
الحالة الثالثة : أن لا يتبين له شيء ، لا يدري هل كان الإحرام قبل الوقت أو بعد الوقت
إلى آخره ، فالحكم أن صلاته صحيحة إذا لم يتبين له شيء ، لماذا ؟
لأنه مأذون له بالإحرام عن طريق الظن
والقاعدة : " أن ما ترتب على المأذون فإنه ليس مضمون "
" ومن صار أهلاً قبل خروج وقتها لزمته وما يجمع إليها قبلها " يقول المؤلف رحمه الله :
من صار أهلاً قبل خروج وقتها كيف يكون الإنسان أهلاً للصلاة قبل خروج الوقت ؟
الأهلية ، بما تزول الأهلية ؟
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الأهلية تزول بأمرين :
الأمر الأول : وجود المانع .
والأمر الثاني : إنتفاء الشرط ـ شرط الوجوب ـ إنتفاء الشرط الذي تجب فيه الصلاة .
إذا وجد أحد هذين الأمرين فإنه ليس أهلاً للصلاة .
وإذا توفر هذان الأمران فإنه يكون أهلاً للصلاة ، وجد شرط الوجوب و انتفى المانع .
فإنه يكون أهلاً للصلاة ، مثال ذلك : صبي بلغ قبل خروج الوقت ، كافر أسلم قبل
خروج الوقت ، الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم هل هو انتفاء مانع أو وجود شرط
الوجوب ؟
وجود شرط الوجوب .
المجنون إذا عقل ؟ وجود شرط الوجوب ، العقل شرط من التكليف شرط الوجوب .
هذا وجود شرط الوجوب صبي بلغ كافر أسلم مجنون عقل .
انتفاء المانع مثاله : إمرأة طهرت من الحيض إمرأة طهرت من النفاس ، هنا انتفى المانع .
........................................................................................................................(2/83)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أن انسان وجد معه شرط الوجوب أو انتفى عنه المانع قبل خروج الوقت متى يجب
عليه أن يقضي الصلاة ومتى لا يجب عليه أن يقضي الصلاة على كلام المؤلف ؟
يعني عندنا صبي بلغ أو كافر أسلم متى يجب عليه أن يقضي ومتى لا يجب عليه أن يقضي ؟
على كلام المؤلف إذا أدرك تكبيرة الإحرام يعني أسلم قبل خروج الوقت ولنفرض أن
الشمس تطلع الساعة السادسة قبل السادسة بدقيقة واحدة أسلم ، نقول صل الآن صلاة
الفجر .
قبل السادسة بلغ بدقيقة واحدة أدرك قدر تكبيرة ولو لم يصل إلا بعد خروج الوقت ،
نقول : الآن يجب عليك أن تصل .
أيضاً إمرأة طهرت قبل خروج الوقت بدقيقة نقول يجب عليك أن تصلي هذه الصلاة أو
طهرت من النفاس ، أو عقل المجنون المهم إذا وجد شرط الوجوب أو انتفى المانع نقول :
بأنه تجب عليه هذه الصلاة .
وعلى الرأي الراجح : أنه ما تجب عليه إلا بإدراك ركعة كما تقدم .
لزمته وما يجمع إليها قبلها...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الإختلاف قد يكون بإدراك ركعة أو بإدراك تكبيرة هو له ثمرة لكنه خلاف نادر .
وعلى الرأي الثاني : أنه بإدراك ركعة ، إذا قلنا أن بإدراك ركعة لابد لها من دقيقتين إذا
طهرت المرأة قبل خروج الوقت بدقيقة واحدة ، هل تجب عليها أو لا تجب ؟
نقول : بأنها لا تجب عليها على الرأي الثاني ، لأنه لابد من إدراك ركعة وإدراك ركعة
يستغرق دقيقتين فلابد أن تطهر قبل خروج الوقت بقدر دقيقتين فأكثر دقيقتين ثلاث
أربع عشر إلى آخره . هذا الرأي الثاني .(2/84)
فتجب عليه صلاة الوقت التي أدركها لكن الصلاة التي تجمع إلى صلاة الوقت هل تجب
عليه أو لا تجب ؟
مثال ذلك : طهرت في صلاة العصر هل يجب عليها أن تقضي الظهر أو نقول لا تجب
عليها ؟أسلم قبل خروج وقت صلاة العصر هل تجب عليه صلاة الظهر أو لا ؟
عقل ، بلغ ،يقول المؤلف رحمه الله : لزمته ، قال :
" لزمته وما يجمع إليها قبلها " فنقول لهذه المرأة التي طهرت قبل خروج وقت العصر أو
........................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل غروب الشمس مثلاً بدقيقة واحدة يجب أن تصلي العصر ويجب أن تصلي الظهر ،
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ودليلهم على هذا قالوا : بأن وقت المجموعتين في حال العذر كالوقت الواحد المجموعتان
في حال العذر وقتهما يكون كالوقت الواحد ، فإذا أدرك وقت العصر كأنه مدركاً لوقت
الظهر فتجب عليه هذا الرأي الأول في هذه المسألة .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه لا يجب عليه أن يصلي إلا الصلاة التي أدركها أما الصلاة
التي لم يدركها فإنها لا تجب عليه ، صلاة الظهر لا تجب عليه ، وهذا رأي أبي حنيفة رحمه الله وهو الصواب .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أبي حنيفة رحمه الله ، لأن الأصل براءة الذمة ،
وأيضاً حديث عائشة رضي الله عنها :" كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة "
فقالت : ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، فصلاة الظهر التي مرت وهي حائض داخلة في قولها ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، صلاة الظهر من أولها إلى آخرها وهي حائض .
فالصواب في ذلك : أنه لا يجب قضاء الصلاة إلا الصلاة التي أدركتها أما الصلاة التي مضت(2/85)
ويجب قضاء فائتة فأكثر فوراً مرتباً.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي حائض أو مضت وهو مجنون أو صغير أو كافر هذه غير مكلف بها .
فالصواب : أنه لا يجب عليه أن يقضيها .
وهم أيضاً الرأي الأول : يستدلون ببعض الآثار الواردة عن الصحابة عبد الله بن عمرو
وابن عباس وأبي هريرة أنه إذا طهرت قبل الفجر تصلي العشاء والمغرب ، لكن هذه الآثار
ضعيفة لا تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أبي حنيفة رحمه الله .
" ويجب قضاء فائتة فأكثر فوراً مرتباً " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام أداء الصلاة
شرع في أحكام قضاء الصلاة وذكر مسائل ، من هذه المسائل :
أن قضاء الصلاة يجب على سبيل الفورية وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
جمهور العلماء : أن قضاء الصلاة يجب فوراً فإذا نام عن الصلاة أو نسيها ثم استيقظ أو
تذكر فإنه يجب عليه أن يبادر بالقضاء .
ودليل ذلك حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من نام عن
صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ). وهذا أمر ، والأمر يقتضي الوجوب والفورية .
وعند الشافعية : التقسيم .
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا : إن كان التأخير لعذر : يعني أخر الصلاة عن وقتها لعذر ما يجب عليه أن يبادر
بالقضاء .
وإن كان التأخير من غير عذر : يعني أخرها عمداً وجب عليه أن يبادر .
هذا رأي الشافعية .(2/86)
وهذه المسألة مبنية على مسألة أصولية وهي : الأمر المطلق المجرد على التراخي هل يقتضي
الفورية أو على التراخي؟
الجمهور : على أنه للفورية .
وعند الشافعية : على أنه للتراخي
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم على أنه للفورية ، وسبق أن
تكلمنا على هذه المسألة .
والأدلة على هذا كثيرة : من الأدلة على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في
صحيح مسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر الصحابة في حجة الوداع كل من لم د
يسق الهدي أمره أن يحل وأن يجعل إحرامه بالحج عمرة ، تراخى الصحابة رضي الله تعالى
عنهم فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ،
فدل ذلك : على أن الأمر يقتضي الفورية .
مرتباً...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح
الحديبية أمر الصحابة أن يحلوا من إحرامهم وأن يحلقوا ، تراخوا فغضب النبي صلى الله
عليه وسلم .
وكذلك أيضاً اللغة وفهم الصحابة .
فاللغة : لو أن إنساناً أمر ولده فتراخى أو أمر رقيقه فتراخى فلامه فإنه يحصل لومه .
أما بالنسبة لدليل الشافعية :
فاستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نام عن صلاة الفجر واستيقظ بعد الشمس ولم
يبادر بالقضاء وإنما أخر حتى خرج من الوادي .
والجواب عن هذا سهل فنقول : بأن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بالقضاء وإنما لم
يقضي في ذلك المكان الذي نام فيه لأنه مكان حضر فيه الشيطان ولهذا قال النبي عليه
الصلاة والسلام :" إن هذا وادٍ حضر فيه الشيطان " فأخذ العلماء رحمهم الله من هذا أنه
يستحب للإنسان إذا نام عن الصلاة في مكان أن لا يصلي فيه لأن هذا مكان حضر فيه(2/87)
الشيطان .
فالصواب أن الإنسان يجب عليه أن يبادر بالقضاء وليس له أن يتراخى .
" مرتباً " لأن القضاء يحكي الأداء فكما أن الصلوات تكون مرتبة الفجر ثم الظهر ثم
العصر ثم المغرب ثم العشاء ، فكذلك أيضاً الأداء .
إلا إذا نسيه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول القضاء يحكي الأداء ، فيقضي مرتباً كما أن الأداء يكون مرتباً .
وعندنا قاعدة وهي : { أن البدل له حكم المبدل منه }
وأيضاً يدل لذلك من السنة قوله في الحديث في صحيح مسلم لما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر قال : " فصنع كما يصنع كل يوم " فقوله : فصنع كما يصنع كل يوم ، مما يصنعه كل يوم النبي عليه الصلاة والسلام الترتيب .
فعندنا ثلاثة أدلة :
1- الحديث " فصنع كما يصنع كل يوم "
2- القاعدة {أن البدل له حكم المبدل منه }
3- وقاعدة { أن القضاء يحكي الأداء }
" إلا إذا نسيه " يعني أن الترتيب بين الفوائت يسقط بأمور :
الأمر الأول : النسيان ، فإذا نسي الترتيب فنقول يسقط .
لو أن الإنسان عليه الظهر والعصر والمغرب ونسي ، بدأ بالعصر ثم صلى الظهر ، نقول : هذا لابأس به .
ويدل لذلك قول الله عز وجل : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وفي صحيح مسلم قال الله :" قد فعلت ".
وأيضاً حديث "عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". هذا الأمر الأول .
أو خشي خروج وقت اختيار ............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/88)
" أو خشي خروج وقت اختيار " هذا الأمر الثاني مما يسقط به الترتيب : إذا خشي خروج وقت اختيار الحاضرة ، مثال ذلك : إنسان لم يصلي الظهر وبقي على خروج وقت العصر ما يقرب من عشر دقائق فلو شرع في صلاة الظهر فإنه سيؤدي ذلك تفويت صلاة العصر فيكون عنده فائتتان بدلاً من أن يكون عنده فائته واحدة فإذا خشي خروج وقت اختيار الحاضرة نقول : يشرع في الحاضرة .
لماذا يشرع في الحاضرة ؟
أولاً : لأن الوقت قد تعين لها فلا تزاحمها الفائتة .
ثانياً : أن الحاضرة في هذه الحال تكون آكد ، لماذا تكون آكد ؟
لأننا لو قلنا يجوز له أن يقضي الفائتة أدى ذلك إلى تفويت الحاضرة فيكون عنده فائتتان بدلاً من أن يكون عنده فائتة واحدة .
ذكر المؤلف رحمه الله أمرين يسقط بهما الترتيب .
الأمر الثالث : الجهل ، وهذا خلاف للمذهب .
فالمذهب لا يرون أن الترتيب يسقط بالجهل .
والصواب : أن الترتيب يسقط بالجهل ، هذا الصواب لأن الجهل أخو النسيان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، بل الجهل أبلغ من النسيان لأن الجهل عند بعض العلماء يعذر به في باب الأوامر ولا يعذر في النسيان في باب الأوامر .
ومنها ستر العورة ........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أن الإنسان إذا كان جاهلاً ما يعرف وجوب الترتيب وقدم العصر
مثلاً على الظهر ، نقول : بأن قضاءه صحيح ، والأدلة على ذلك كما تقدم في أدلة
النسيان .(2/89)
الأمر الرابع : إذا خشي فوت الجماعة وهذا أيضاً خلافاً للمذهب وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، فإذا كان الإنسان يخشى فوت الجماعة فلا بأس ، لأن الجماعة واجبة والترتيب واجب ، والجماعة آكد فإذا جاء الإنسان والناس يصلون العصر وعليه الظهر فإنه يشرع معهم ويصلي العصر ثم بعد ذلك يقضي الظهر .
الأمر الخامس : إذا خشي فوت الجمعة وهذا أيضاً رواية عن الإمام أحمد رحمه الله خلافاً للمذهب ، إذا خشي فوت الجمعة فإنه يسقط الترتيب .
مثال ذلك : إنسان يصلي حضراً صلاة الجمعة ثم تذكر أنه صلى الفجر على غير وضوء ، لو قلنا قم وأقضي الفجر أدى ذلك إلى فوات صلاة الجمعة ، فنقول : يسقط الترتيب في هذه الحالة . هذه خمسة أمور يسقط فيها الترتيب بين المقضيات
" ومنها ستر العورة " تقدم في شروط الصلاة الإسلام والعقل والتمييز والوقت ، وهذا هو الشرط الخامس : ستر العورة هذا الشرط الخامس من شروط صحة الصلاة ،يقول :
" ومنها ستر العورة " والستر : بالفتح التغطية ، وأما بالكسر : فهو ما يستر به .
والعورة في اللغة : النقصان والشيء المستقبح .
فيجب بما لا يصف البشرة..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما في الاصطلاح : فهي القبل والدبر وما يستحيا منه .
" فيجب بما لا يصف البشرة " ستر العورة واجب ، ودليله القرآن والسنة والإجماع .
أما من القرآن : فقول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ".(2/90)
والسنة : حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " وهذا في السنن ، وأصح منه حديث أسماء في الصحيحين : "يارسول الله إحدانا يصيب ثوبها دم الحيض أتصلي فيه ؟ " فهذا يدل على ستر العورة يعني أن الستر متقرر عندهم لكنها سألت عن الثوب الذي يصاب بدم الحيض هل تصلي فيه أو لا تصلي ؟
وكذلك الإجماع منعقد على ذلك كما ذكر ابن عبد البر رحمه الله .
قال " فيجب بما لا يصف البشرة " الساتر هذا يشترط له شروط :
الشرط الأول : أن لا يصف البشرة ، يعني لا يكون رقيقاً يصف البشرة ، فإن كان رقيقاً يصف البشرة من إحمرار واسوداد ونحو ذلك فإنه لا يصح الستر به ، لأن هذا لا يسمى ساتراً إذا كان يصف البشرة هذا لا يسمى ساتراً ، هذا دليل .
والدليل الآخر حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد وذكر منهما نساء كاسيات عاريات " قال العلماء : يدخل في الكاسية العارية
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التي تلبس ثوباً تكتسي به لكنه عاري في نفس الوقت لخفته لكونه رقيقاً خفيفاً .
الشرط الأول :أن لا يصف البشرة .
الشرط الثاني : أن لا يكون مضراً ، فإن كان مضراً فإنه لا يجب الإستتار به ، إذا كان يضر البدن فإنه لا يجب أن يستتر الإنسان إذا كان هذا الشيء الذي يستر به عورته يضره نقول : يسقط عنه الستر ، لقاعدة { لا ضرر ولا ضرار } ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها والواجبات تسقط بالعجز عنها .(2/91)
الشرط الثالث : أن يكون مباحاً ، وعلى هذا لو كان محرماً فإنه يأثم كما لو كان مغصوباً أو ثوب حرير بالنسبة للذكر أو نحو ذلك ، نقول : بأنه يأثم لكن بالنسبة للصلاة نقول : بأن الصلاة صحيحة على الصحيح ، هو يأثم لكن بالنسبة للصلاة نقول : بأن صلاته صحيحة .
الشرط الرابع : أن يكون طاهراً ، وهذا دليله أدلة اجتناب النجاسة .
الشرط الخامس : أن يكون سابغاً يغطي ما يجب تغطيته .
" وعورة رجل وأمة ما بين سرة وركبة " عورة الرجل :يقول المؤلف رحمه الله رجل :
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقصود بالرجل : إذا قال رجل المقصود به البالغ ، فعورة البالغ من الذكور يقول المؤلف رحمه الله : ما بين السرة والركبة ، فيؤخذ من كلامه : أن السرة ليست عورة وأن الركبة ليست عورة ، وهذا قول جمهور أهل العلم ، جمهور العلماء : على أن عورة البالغ ما بين السرة والركبة وأن السرة ليست من العورة وأن الركبة ليست من العورة .
وعند أبي حنيفة : كرأي الجمهور إلا أنه يقول أن السرة من العورة ، أبو حنيفة يقول : أن السرة عورة والركبة ليست عورة .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، وأن السرة والركبة ليستا من العورة .
والدليل على ذلك : ما في صحيح البخاري معلقاً بصيغة التمرير من حديث ابن عباس وجرهد ومحمد بن مسلمة :" الفخذ عورة "
وأيضاً حديث محمد الجحش في الترمذي :" غطي فخذك فإن الفخذ عورة "
وكذلك أيضاً حديث علي في قصة حمزة لما شرب الخمر وثمل وعمد إلى شارفي جملي علي وطعنهما إلى آخره ، في الحديث أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى سرة(2/92)
...................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك : على أن السرة ليست من العورة .
وأيضاً حديث مسلم في قصة أبي بكر قد جاء وقد رفع ثوبه وأبدى ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" أما صاحبكم فقد غامر "
وحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما بين السرة إلى الركبة عورة ". إلى آخره .
فهذه الأدلة تدل على أن ما بين السرة والركبة عورة هذا في الصلاة .
في باب النظر هذا موضع خلاف ، جماهير أهل العلم : على أن الفخذ عورة كما تقدم
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الفخذ ليس عورة واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله تعالى عنه في دخول النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وقد أبدى شيئاً من فخذه .
وأيضاً ماثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أبدى شيئاً من فخذه حتى دخل عثمان رضي الله تعالى عنه ثم ستر وقال :" ألا أستحي من رجل تستحي
وأمة..............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منه الملائكة إلى آخره .
فمثل هذه الأحاديث اختلف العلماء رحمهم الله في تخريجها فبعض العلماء حملها بأن قسم العورة إلى قسمين :
القسم الأول : عورة مخففة ، وهي عورة الفخذ .
القسم الثاني : عورة مغلظة , وهي عورة القبل والدبر .
وبعض العلماء قال : بأن الفخذ ليس من العورة .
وبعض العلماء قال : بأن هذه عورة في حق الشاب الصغير وأما الكبير فليس عورة .(2/93)
والرأي الأخير : أن الفخذ عورة إلا أطراف الفخذ ، يعني أوائل الفخذ الذي يكون حول الركبة فهذا ليس بعورة ، وهذا الذي يظهر أنه الذي دلت عليه السنة .
الذي دلت عليه السنة يقال : بأن الركبة ليست عورة وما حول الركبة من الفخذ أنه ليس من قبيل العورة ، هذا أقرب الأقوال ، أو أنه يفرق بين الكبير والصغير .
قال " وأمة " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : بأن الأمة ، مثل : أم الولد والمكاتبة
والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمدبرة والمعتق بعضها ، إلى آخره .
يقول المؤلف رحمه الله : بأن عورتها في باب الصلاة ما بين السرة والركبة ، وعلى هذا لو أن أمة سترت ما بين سرتها وركبتها نقول : بأن صلاتها صحيحة . وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي ابن حزم وأنه لا فرق بين الأمة وبين الحرة وسواء كان ذلك في الصلاة أو في باب النظر .
والقاعدة عندنا في الإماء { أن الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في الأحكام البدنية إلا لدليل }
لأن الرقيق إنما يفترق فيما يتعلق بالمال وهذا ليس من المال .
فالصواب : أن الأمة كالحرة تماماً كما سيأتي إنشاء الله .
" والحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها " يقول المؤلف رحمه الله : الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها وعلى هذا يجب عليها أن تستر قدميها و يجب عليها أن تستر كفيها وأيضاً تستر كل بدنها إلا الوجه ، تظهر الوجه ، وهذا ما
......................................................................................................................(2/94)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أن الحرة البالغة كلها عورة إلا الوجه والكفين والقدمين ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال به كثير من أهل العلم .
كثير من العلماء يستثني الكفين والقدمين وأن المرأة لا يجب عليها أن تسترهما .
والحنابلة : دليلهم حديث أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها "
وكذلك أيضاً استدلوا بأنه ورد عن عائشة وابن عمر صلاة المرأة في الملحفة ، والملحفة : ثوب تتجلل به ، وإذا كانت تتجلل به فإنها ستستر يديها وقدميها .
والرأي الثاني : كما قلنا أنه لا يجب عليها أن تستر القدمين والكفين ، واستدلوا على ذلك : بحديث أسماء أنها قالت يا رسول الله إحدانا يصيب ثوبها دم الحيض تصلي فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " فرخص النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تصلي في الثوب الذي
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/95)
أصابه دم الحيض إذا غسلت دم الحيض ، ثياب نساء الصحابة مثل ثيابنا الآن يعني يظهر الكفان ويظهر القدمان إذا كانت في بيتها فثوبها مثل هذه الثياب التي نلبسها الآن يظهر الكفان ويظهر القدمان بقي الرأس النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " فتبدوا منها الكفان ويبدوا منها القدمان والرأس تستره ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أنه لا يجب عليها أن تستر قدميها ولا كفيها .
وأما حديث أم سلمة فهذا لا يصح مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو موقوف .
ذكر المؤلف رحمه الله عورة الحرة البالغة وعورة الرجل وعورة الأمة ، ما عدا هؤلاء عورة الصغير وعورة الحرة غير البالغة وغير ذلك ، نقول الخلاصة في ذلك : أن العورة تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عورة الأنثى البالغة سواء كانت حرة أو أمة ، الصواب : أن عورتها جميع البدن إلا الوجه والكفين والقدمين . هذا القسم الأول وهي عورة مغلظة .
ويجزئه في نفل ستر عورته وفي فرض سترها مع أحد عاتقيه ....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : عورة الأنثى غير البالغة من التمييز إلى البلوغ سواء كانت حرة أو أمة ، هذه نقول : كلها عورة إلا الرأس والكفين والقدمين ، فلها أن تصلي في ثوبها دون أن تستر رأسها مادام أنها لم تبلغ بمفهوم حديث عائشة " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار "
القسم الثالث : عورة الذكر مطلقاً سواء كان بالغاً أو غير بالغ ما بين السرة إلى الركبة .
" ويجزئه في نفل ستر عورته وفي فرض سترها مع أحد عاتقيه " يعني في النفل : لا يجب على الذكر أن يستر أحد عاتقيه وإنما يستر العورة فقط ما بين السرة والركبة .(2/96)
وفي الفرض : يقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يستر أحد عاتقيه ، مثلاً : في سنة الظهر لو أنه صلى وقد ستر ما بين السرة والركبة فصلاته صحيحه .
وفي فرض الظهر لو أنه صلى وستر ما بين السرة والركبة ولم يستر أحد عاتقيه فصلاته غير صحيحة على المذهب باطلة ، وهذا هو المذهب .
والرأي الثاني : رأي الجمهور ، جمهور العلماء رحمهم الله أن ستر أحد العاتقين في
وصلاتها في قميص وخمار وملحفة.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفرض هذا ليس واجباً وإنما هو مستحب ، لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" في الثوب الواحد إذا كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فإتزر به " وإذا جعله إزاراً فقط فإنه لن يستر أحد عاتقيه .
وأما دليل الحنابلة : حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" فهذا محمول على الإستحباب .
" وصلاتها في قميص وخمار وملحفة " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يستحب للمرأة أن تصلي في قميص ـ الثوب العادي هذا ـ وخمار تخمر رأسها وملحفة ، والملحفة : ثوب تتجلل به .
يعني المرأة تصلي في ثوب ، تستر عورتها ستراً مجزئ ، المجزئ : تصلي في ثوب وتستر رأسها بالنسبة للكفين والقدمين على الخلاف .
الستر المستحب : أن تضيف على ذلك ملحفة ، لورود ذلك عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
فيقول المؤلف رحمه الله : يستحب أن تصلي في ملحفة ـ ثوب تتجلل به ـ لأن هذا
ويجزئ ستر عورتها وإن انكشف بعض عورة وفحش وطال أو صلى في ثوب محرم عليه
أو صلى في ثوب نجس أعاد.........................................................................................(2/97)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وارد عن عائشة وابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
" ويجزئ ستر عورتها " يجزئ ستر عورتها في الفرض وفي النفل ، يعني لو أنها لم تلتحف نقول : بأن هذا مجزئ ولا بأس به ، الملحفة هذه مستحبة .
" وإن انكشف بعض عورة وفحش وطال أو صلى في ثوب محرم عليه أو صلى في ثوب نجس .أعاد "
إذا انكشف شيء من العورة في أثناء الصلاة أو انكشفت العورة هل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
نقول : هذا لا يخلو من أقسام :
القسم الأول : أن يكون ذلك عمداً ، يعني يتعمد الكشف فهذا تبطل الصلاة سواء كان قليلاً أو كثيراً طال الزمن أو قصر الزمن ، إذا تعمد كشف العورة نقول : بأنه يعيد الصلاة .
القسم الثاني : أن يكون غير عمد ويفحش ولم يطل الزمن ، يفحش : يعني يكون
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثير لكن الزمن قليل وغير عمد ، فنقول : ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أن صلاته لا تبطل لأنه قال :وفحش وطال ، لا بد من أمرين : فاحش كثير ويطيل الزمن .
القسم الثاني : يكون غير عمد لكنه فاحش والزمن قصير لا تبطل الصلاة .
القسم الثالث : عكس هذا القسم غير عمد ويطول الزمن وغير فاحش ، يعني يسير والزمن طويل،على كلام المؤلف : لا تبطل لأنه اشترط شرطين فحش وطال الزمن .
القسم الرابع : غير عمد ويتوفر الشرطان فحش وطال الزمن ، كثير والزمن طويل ، ما الحكم هنا على كلام المؤلف تبطل أو لا تبطل ؟
نقول : تبطل لأنه قال : " فحش وطال الزمن ....... إلى أن قال أعاد "(2/98)
فالأقسام أربعة يبطل في حالتين ولا يبطل في حالتين .
يبطل في حالتين وهما : عمد ، وطال الزمن وفحش .
إذا كان عمد فهذا ظاهر وإذا طال الزمن وفحش هذا يظهر أنه مفرط .
ولا يبطل في حالتين : غير عمد ولم يفحش ولو طال الزمن ، وغير عمد وفحش
أو ثوب نجس أعاد, ويصلي في حرير لعدم.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقصر الزمن .
" أو ثوب نجس أعاد " إذا صلى في ثوب نجس يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد لأنه أخل بشرط من شروط صحة الصلاة .
والصواب : أن الصلاة بالثوب النجس أنه لا يعيد ، لأن النجاسة من باب التروك .
والتروك : يعذر فيها بالجهل والنسيان والإكراه إلا إذا كان متعمد فالأمر في ذلك ظاهر لكن إذا كان غير متعمد فإنه يعذر بالنسيان والجهل والإكراه لأن النجاسة من باب التروك وليست من باب الأوامر بخلاف ستر العورة ، ستر العورة إذا نسي أو أخطأ ونحو ذلك طال الزمن وفحش هذه من باب الأوامر فلا يعذر فيها بالنسيان والخطأ والإكراه لأنه يمكنه أن يستدرك الأوامر ففرق بين باب النواهي وبين باب الأوامر .
" ويصلي في حرير لعدم " يصلي من لم يجد ستر عورته إلا ثوب الحرير ولا يعيد الصلاة يعني لو كان الإنسان ليس عنده ثوب إلا ثوب حرير لا يجد ثوباً مباحاً من صوف أو قطن يصلي فيه وليس عنده إلا ثوب حرير نقول : يصلي فيه ما دام أنه لا
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/99)
يجد إلا هذا الثوب ولا يعيد لا تجب عليه الإعادة لأنه ستر عورته وكونه لبس الحرير هذا التحريم يعود إلى شرط العبادة ولأن التحريم هنا في حق الله عز وجل وهم يفرقون بين ما إذا كان التحريم لحق المخلوق أو لحق الله عز وجل كما سبق أن المؤلف رحمه الله قال : أو صلى في ثوب محرم عليه هذا كالمغصوب ،
المغصوب : يقولون بأنه إذا صلى في ثوب مغصوب أو مسروق أو منتهب ونحو ذلك يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وإذا صلى في ثوب حرير يقولون : لا يجب عليه أن يعيد الصلاة ، والصحيح : أنه لا فرق بين المسألتين وأنه لايجب عليه أن يعيد الصلاة في كلا المسألتين لأن النهي هنا وإن توجه إلا شرط العبادة لكنه على وجه لا يختص بالعبادة ،
وسبق أن ذكرنا أن النهي هل يقتضي الفساد أو لا يقتضي الفساد ؟
وأن المسألة لها أربعة أقسام :
أن يعود إلى ذات المنهي عنه فيقتضي الفساد .
أن يعود إلى أمر خارج فلا يقتضي الفساد .
ومن حبس بغصب أو نجس ولا يعيد............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن يعود إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه يختص يقتضي الفساد .
أن يعود إلى شرط العبادة أو المعاملة على وجه لا يختص فهذا لا يقتضي الفساد .
وهنا تعلق بشرط العبادة وهو ستر العورة على وجه لا يختص بالعبادة لأن الشارع نهى الذكر أن يلبس ثوب الحرير مطلقاً سواء في الصلاة أو في غير الصلاة ونهاه أن يلبس المغصوب مطلقاً سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة .
" ومن حبس بغصب أو نجس ولا يعيد " يعني من حبس في مكان مغصوب أو في مكان نجس فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يصلي ولا يعيد ، لا يجب عليه أن يعيد الصلاة .
أما إذا حبس في مكان مغصوب : هذا أن الله عز وجل يقول :" فاتقوا الله ما استطعتم "(2/100)
وأما المكان النجس : فتقدم أن التخلي عن النجاسات من باب التروك ، وأبواب التروك يشترط فيها : أن يكون ذاكراً ، مختاراً ، عالماً ، وهنا ليس مختاراً بل هو مكره على ذلك لكونه محبوساً فصلاته صحيحة .
ومن وجد كفاية عورته سترها وإلا فالفرجين فإن كفى أحدهما فالدبر
أولى...............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكيف يصلي من حبس في مكان نجس أو في مكان غصب ؟
أما من حبس في مكان غصب فإنه يصلي صلاة عادية يركع ويسجد إلى آخره .
وأما من حبس في مكان نجس كما لو كان مكان فيه بول أو نحو ذلك فهذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون النجاسة يابسة ، فهذا يصلي صلاة عادية ، إذا كانت النجاسة يابسة نقول : هذا يصلي صلاة عادية يركع ويسجد إلى آخره .
الأمر الثاني : أن تكون النجاسة رطبة ، فإذا كانت رطبة فإنه يجلس على قدميه ويركع ركوعاً تاماً ويومئ بالسجود ، يعني يقف ويركع ركوعاً تاماً وبالنسبة للسجود يجلس على قدميه ويومئ بالسجود .
" ومن وجد كفاية عورته سترها وإلا فالفرجين فإن كفى أحدهما فالدبر أولى " هذه المسألة إذا وجد السترة أو بعض السترة ، فبأي شيء يبدأ ؟
فأصبحت الأحوال ثلاثة :
ويصلي جالساً ندباً يومئ ومن أعير سترة قبلها...........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن تكفي السترة لجميع العورة فهذا يستر جميع العورة .
الحالة الثانية : أن تكفي الفرجين فيستر الفرجين .(2/101)
الحالة الثالثة : أن تكفي أحد الفرجين فهل يستر الدبر أو يستر القبل ؟
يقول المؤلف رحمه الله : " الدبر أولى " فنقول : يقدم الدبر ، وقوله أولى هذا يدل على أنه ليس على سبيل الوجوب ، لو ستر الفرج لا بأس لكن الأولى أن يستر الدبر ، لأن الدبر ...........في الركوع والسجود إلى آخره .
" ويصلي جالساً ندباً يومئ " بالنسبة لصلاة العاري لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : الجواز ، وهذا يصلي صلاة عادية فيقوم ويجلس ويركع هذا جائز ، هذا الأمر الأول .
الأمر الثاني : الإستحباب ، وهذا بينه المؤلف رحمه الله يستحب أنه يجلس ولا يقوم ويومئ بالركوع والسجود وهو جالس ، هذه على سبيل الإستحباب .
" ومن أعير سترة قبلها " يعني إذا كان الإنسان عرياناً ثم بعد ذلك أعير سترة لكي يصلي فيها فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يقبلها , ولا يمتنع عن قبولها لأنه
ويصلي العراة جماعة وإمامهم وسطاً وجوباً...................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قادر على ستر عورته فيما لا ضرر فيه ، هنا لا تلحقه منة ولا يلحقه ضرر وهو قادر على ستر عورته .
" ويصلي العراة جماعة وإمامهم وسطاً وجوباً " العراة : لا تسقط عنهم صلاة الجماعة فإذا كان هناك مجموعة من الناس عراة وهذا يتصور بأن يكون هناك جماعة ثم يسطوا عليهم أناس من اللصوص فيسلبون ثيابهم ، فإذا حظرت الصلاة فإنهم يصلون جماعة ولا تسقط عنهم الجماعة ، بل الجماعة هنا تتأكد في حقهم ، وإنهم لو صلوا أفراداً فإن أحدهم قد يتقدم والأخر قد يتأخر فيكون فيه كشف للعورة ونظر للعورات إلى آخره .
فنقول : يجب عليهم أن يصلوا جماعة ويكون إمامهم وسطهم ، الإمام يكون في وسطهم فلا يتقدم عليهم .
الأصل : أن الإمام يتقدم ، هذا هو السنة ، إلا في موضعين :(2/102)
الموضع الأول : هنا إمام العراة فإنه يكون في وسطهم ولا يجوز له أن يتقدم عليهم .
الموضع الثاني : إمامة النساء فإنها تكون وسطهن على سبيل الإستحباب ، لو تقدمت
وكل نوع وحده...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا بأس .
فالإمام الأصل أنه يتقدم إلا في هذين الموضعين .
وكذلك أيضاً : يصلون صفاً واحداً إلا إذا كانوا عمياً أو في ظلمة فإنه لا بأس لو صلوا صفين ، لكن إن لم يكن ذلك فإنهم يصلون صفاً واحداً .
" وكل نوع وحده " إذا كان العراة على نوعين رجال ونساء ، فإن كل نوع يصلي وحده ، الرجال يصلون وحدهم والنساء يصلين وحدهن ، فيصلي الرجال ويستدبرهم النساء ، يعني تجعل النساء ظهورها إلى ظهور الرجال فإذا كانت هذه القبلة تكون وجوه النساء إلى الجهة الأخرى المقابلة للقبلة ، ثم بعد ذلك إذا انتهى الرجال تصلي النساء وحدهن صفاً وتكون وجوههن إلى القبلة ووجوه الرجال إلى الجهة الأخرى ، يعني يستدبرها الرجال .
وهذا إذا إتسع المحل ، إذا كان المحل متسعاً للرجل والنساء فإن النساء يصلين وحدهن والرجال يصلون وحدهم .
لكن لو ضاق المحل فإنه كما تقدم يصلي الرجال وتستدبرهم النساء ، النساء تكون
ويصلي عار قاعداً بالإيماء ندباً وإن وجد سترة قريبة في الصلاة ستر وبنى
و إلا ابتدأ.......................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهورها إلى ظهور الرجال ، ثم بعد ذلك تصلي النساء والرجال يستدبرون النساء .(2/103)
فيتلخص : أن العراة إذا كانوا من الرجال والنساء لهم حالتين :
الحالة الأولى : أن يتسعهم المحل ، فنقول : يصلي كل نوع وحده .
الحالة الثانية : أن يضيق المحل ، فيصلي الرجال وتستدبرهم النساء ، ثم تصلي النساء ويستدبرهم الرجال .
" ويصلي عار قاعداً بالإيماء ندباً " تقدم الكلام عليه وذكرنا أن العاري له حالتان :
الحالة الأولى : حالة الجواز وهذا يصلي صلاة عادية .
الحالة الثانية : حالة الإستحباب وهذا يصلي قاعداً ولا يتربع بل ينظم ويومئ بالركوع والسجود .
" وإن وجد سترة قريبة في الصلاة ستر وبنى وإلا ابتدأ " إذا كان المصلي عرياناً أو كان بعض عورته بادياً ووجد سترة في الصلاة فأخص المؤلف رحمه الله أن أمره
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تكون السترة قريبة عرفاً ، فهذا يستتر يتناول هذه السترة ويستتر بها ، وحد القرب : لم يضبطه المؤلف رحمه الله ،
والقاعدة عندنا { أن ما ورد مطلقاً فإنه يرجه إلى العرف }
يرجع إلى عرف الناس فإذا دل العرف على أن السترة هنا قريبة فإنه يستر .
الحالة الثانية : أن تكون السترة بعيدة ، فنقول هنا يستأنف الصلاة ولا يبني .
فمثلاً : لو أنه تذكر أن هناك سترة في الدور الثاني هنا بعيدة عرفاً فلا بد أنه يقطع الصلاة ثم بعد ذلك يذهب ويأخذ السترة ويستتر بها .
أما إذا كانت قريبة ويستطيع أن يتقدم أو يستطيع أن يتأخر ويأخذ السترة ويستتر بها فنقول : هنا يستتر .
وما حكم الإستتار إذا وجد سترة في أثناء الصلاة ؟
نقول حكم الإستتار واجب ، يجب عليه أن يستتر لأن ستر العورة شرط من شروط(2/104)
......................................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحة الصلاة ، فإن كانت السترة قريبة فالأمر في ذلك ظاهر .
لكن إذا كانت السترة بعيدة عرفاً وجدها ، هل يقطع الصلاة ويستأنف أو نقول بأنه يمضي ؟
يظهر أنه مقيد بركعة ، إن صلى ركعة فإنه يمضي في صلاته ولا يجب عليه أن يقطعها لأنه أدرك هذه الصلاة ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة "
وإن لم يصلي ركعة فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة ويستتر ويستأنف من جديد .
" وكره في صلاة سدل واشتمال الصماء " هذه ألبسة أو هيئات في اللباس مكروهة ، يقول المؤلف رحمه الله يكره في الصلاة السدل ، والسدل : هو أن يطرح الثوب على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الأخر ، يعني يلبس إزار ورداء فالإزار يتزر به والرداء يطرحه على كتفيه ولا يرد أحد الطرفين على الكتف الأخر ، هذا يسمى عند العلماء سدل فيكره السدل هذا ما عليه أكثر أهل العلم .
وبعض العلماء فسر السدل بأنه الإسبال لكن هذا التفسير غير صحيح ضعيف كما
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
" واشتمال الصماء " فسر التفسير الأول : أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره ، والاضطباع معروف في حال الإحرام : أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . والاضطباع مسنون في طواف القدوم .(2/105)
صورة الاضطباع : أن يأتي بالإزار ويتزر به ثم بعد ذلك يأخذ طرف الإزار ويضطبع به يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر . هذا الاضطباع ويقولون هذا اشتمال الصماء .
وكما ورد في السنة تفسيره .
والعلة في النهي : أن ذلك سبب لكشف العورة فإذا كان متزر بالإزار ثم أخذ طرف الإزار واضطبع به جعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر يكون ذلك مدعاة لكشف العورة ، هذا التفسير الأول .
وقوله في التعريف : ليس عليه غيره لو كان عليه غيره هذا لا بأس به ، لو كان الإنسان عليه إزار ثم بعد ذلك لبس ثوباً آخر واضطبع به ، نقول بأن هذا جائز ولا
وتغطية وجه , وتلثم على فم وأنف..............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بأس به
التفسير الثاني : أن يتجلل بالثوب بحيث لا يكون له منافذ يعني يأتي بالثوب ويتجلل به كالصخرة الصماء بحيث لا يكون له منافذ ما تخرج يديه أثناء الركوع وأثناء السجود .. إلى آخره ، فهذا التفسير الثاني .
" وتغطية وجه " تغطية الوجه هذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يكون لسبب ، فإذا كان لسبب هذا لا يكره ، لو أن الإنسان مثلاً غطى وجهه لغبار يؤثر عليه أو لرائحة أو نحو ذلك ، فهذا لا يكره .
القسم الثاني : أن يكون لغير سبب ، فهذا مكره ، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة " وهذا الحديث أخرجه أبو داود والإمام أحمد رحمه الله وحسنه بعض العلماء كالشيخ الألباني رحمه الله .
وأيضاً يدل لذلك قول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد "
وتغطية الوجه أو الأنف ونحو ذلك هذا مخالف لأخذ الزينة في الصلاة .
" وتلثم على فم وأنف " هذا كما تقدم لا يخلو من أمرين :(2/106)
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إما أن يكون لسبب ، أو يكون لغير سبب .
المهم أن مثل هذه الأشياء تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف أو تغطية الفم ونحو ذلك هذه كلها مخالفة لأخذ الزينة في الصلاة .
مخالفة لقول الله عز وجل :" يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد "
" ولف كمه وكفه بلا سبب " لف الكم : طويه ، أو لف الثوب طويه ، يعني يطوي كمه فهذا لف الكم .
كفه : شمره جذبه وشمره ، يعني إذا أراد أن يسجد كفه جذبه هذا كف الكم ، ولفه أن تطويه ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا مكروه ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ولا أكف شعراً ولا ثوباً "
والحكمة من ذلك : أن السنة أن يسجد الإنسان تسجد معه أعضاؤه وثيابه وشعره لأن هذا أبلغ في الذل لله عز وجل ، يعني السجود هو أبلغ المواضع للتذلل لله عز وجل وإذا كان كذلك فإنه يكثر من التذلل لله عز وجل وهذا أبلغ في العبودية فيسجد مع الإنسان شعره وثوبه وأعضاؤه كلها تسجد ، ولهذا النبي صلى الله عليه
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وسلم يقول :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " كل الأعضاء الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأيضاً الثياب وأيضاً الشعر ، لأن السجود هو أبلغ المواضع التي يكون فيها الذل لله عز وجل .(2/107)
لأن الإنسان يجعل أشرف مواضعه على الأرض لله عز وجل ، فإذا كان كذلك فإنه تحقيقاً وإكثار من عبودية الله عز وجل أن تكون هذه الأشياء كلها تسجد لله عز وجل الشعر والثياب والأعضاء هذه كلها تكون ساجدة لله عز وجل .
وأيضاً يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتجافي لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجافي حتى يبدوا بياض أبطيه لأنه إذا جافى يكون يأخذ أكبر مكان من الأرض للسجود .
وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام قال :" اعتدلوا في السجود " والاعتدال لا ينظم الإنسان وإنما يكون معتدل ، وهذا يدل على أنه ينبغي للإنسان في مثل هذه الأشياء أن تسجد معه ثيابه وشعره وأعضاؤه وأن يجافي .. إلى آخره .
بلا سبب وكره شد وسطه كزنار............................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لأن هذا أبلغ في الذل لله عز وجل ويكون هذا أكثر تحقيقاً لعبودية الله سبحانه وتعالى .
ولا شك أن عزة الإنسان في تحقيقه للعبودية كلما كان أكثر عبودية لله عز وجل كلما كان أكثر عزاً ورفعةً .
" بلا سبب " يؤخذ من هذا أنه إذا كان هناك سبب لكف الكم أو الثوب أو لفه فإن هذا لا بأس به وعلى هذا نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لغير سبب فهذا مكروه كما ذكر المؤلف .
الأمر الثاني : أن يكون لسبب فهذا غير مكروه .
وكما يقال في الكم يقال في الثوب أيضاً ما يطوي ثوبه ولا يجذب ثوبه أثناء السجود .
لكن إذا كان لسبب كما لو كان ضيق الثوب لا يستطيع أن يسجد أو يؤذيه أثناء السجود قد لا يستطيع أن يسجد فإن هذا لا بأس به وجائز .(2/108)
" وكره شد وسطه كزنار " يعني بما يشبه شد الزنار ، والزنار : هذا خيط غليظ وتحرم خيلاء في ثوب وغيره.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تشده النصارى على أوساطهم ، فنقول : شد الوسط ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يشبه شد النصارى لأوساطهم ، فهذا يقول المؤلف رحمه الله : بأنه مكروه .
القسم الثاني : أن لا يشبه شد النصارى لأوساطهم ، فهذا جائز ولا بأس به لأن هذا من قبيل العادات ، والأصل في العادات : الإباحة .
والدليل على هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" من تشبه بقوم فهو منهم " فكل ما كان من خصائص الكفار فإنه لا يجوز التشبه بهم .
وكلام المؤلف رحمه الله على أن شد الوسط بما يشبه شد النصارى أنه مكروه .
والرأي الثاني : أنه محرم ولا يجوز ، أن التشبه بهم هذا لا يقتصر فيه على الكراهة وإنما هو التحريم ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أنه محرم ولا يجوز لما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" من تشبه بقوم فهو منهم "
" وتحرم خيلاء في ثوب وغيره " الخيلاء هو الكبر والإعجاب ، فيقول المؤلف رحمه تحرم الخيلاء في ثوب وغيره وتصوير واستعماله في غير فرش وتوسد..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الله :
" تحرم الخيلاء في ثوب وغيره " الإختيال في الثوب ، الإختيال في المركب ، الإختيال في العمامة وفي الخاتم وفي الهيئة وفي المشي .. إلى آخره .
هذه كلها محرم ولا يجوز .(2/109)
وظاهر الحديث أنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه عقوبة خاصة " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه " هذه عقوبة خاصة ، نقول بأن الخيلاء الكبر والإعجاب .. إلى آخره .
هذا من كبائر الذنوب .
" وتصوير واستعماله في غير فرش وتوسد " يقول المؤلف رحمه الله : وتصوير يعني يحرم عمل التصوير ،
والخلاصة في التصوير : أنه ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التصوير باليد ، والتصوير باليد أنواع :
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النوع الأول : تصوير ما يصنعه الآدمي ، مثل : أن يصور بيده سيارة أو بيتاً أو قلماً ونحو ذلك مما يصنعه الآدمي ، فنقول : هذا جائز ولا بأس به .
النوع الثاني : تصوير ما فيه حياة ولا روح فيه ، مثل : تصوير الشجر والفواكه والزروع ونحو ذلك ، هذه الأشياء فيها حياة لكن ليس فيها روح،فهذا أيضاً جائز .
لقول ابن عباس فإن كان ولا بد فإصنع الشجر ، وأيضاً كما ورد في قول جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام:" مر برأس التمثال فيقطع حتى يكون كهيئة الشجرة " ، وإن كان بعض العلماء قال في ذلك لأن الله عز وجل قال في الحديث القدسي :" فليخلقوا حبة أو أن يخلقوا شعيرة " .
النوع الثالث : تصوير ما فيه روح من الآدميين والحيوانات ونحو ذلك ، فهذا محرم ولا يجوز . لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأنه من كبائر الذنوب ، وأخبر " أن كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ "
وأيضاً في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال :" ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي(2/110)
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة "
هذا فيما يتعلق في التصوير في اليد وهذا كما ذكرنا أنه محرم ومن كبائر الذنوب وجماهير أهل العلم على هذا ، وإن كان ورد خلاف لكن هذا خلاف ضعيف .
القسم الثاني التصوير بالآلات : والتصوير بالآلات أيضاً نوعان :
النوع الأول : ما ليس له ظل ولا منظر وهو الذي يكون محفوظاً في الأشرطة ، مثل ما يسمى الآن بأشرطة الفديو ونحو ذلك فهذا موضع خلاف بين أهل العلم المتأخرين ، هل هو جائز أو ليس جائزاً ؟
فمن العلماء رحمهم الله من قال بتحريمه ، واستدل بعمومات أدلة تحريم التصوير .
الرأي الثاني : أنه جائز وليس محرماً وأن هذا ليس داخلاً في النصوير وإنما حبس لما صوره الله عز وجل ، وهذا يظهر والله أعلم الرأي الثاني أنه أقوى من الرأي الأول ، وأنه مجرد حبس لخلق الله عز وجل إذ إن علة تحريم التصوير لا تكاد تكون موجودة من مظاهات خلق الله عز وجل أو أنه وسيلة إلى الشرك ونحو ذلك .
إلا إذا كان سيترتب على ذلك محذور شرعي كتصوير النساء ، يظهر أن .......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تصوير النساء أن هذا محرم ولا يجوز ، المهم إذا كان سيترتب عليه محذور شرعي كتصوير النساء ... إلى آخره .
نقول : بأن هذا محرم ولا يجوز .(2/111)
النوع الثاني : التصوير الفوتغرافي الذي يكون على الأوراق ، وهذا أيضاً موضع خلاف بين المتأخرين التصوير بالآلة هل هو جائز أو ليس جائز ؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه محرم ، واستدلوا بعمومات أدلة التصوير ، وأن الذي عمل بهذه الآلة حتى أخرج هذه الصورة أنه داخل في اسم المصورين .
الرأي الثاني : قالوا بأن هذا جائز ولا بأس به ، واستدلوا على ذلك : قالوا بما تقدم من الدليل في النوع الأول وقالوا بأن هذا حبس للصورة التي خلقها الله عز وجل وأن هذا العمل ليس فيه محاكاة خلق الله عز وجل من كونه يصنع تقاسيم الوجه ونحو ذلك .
وإنما هو حبس لما خلقه الله عز وجل ، وعلى كل حال إذا ظهرت هذه الصورة فإنها صورة سواء قلنا بأن هذا العمل محرم أو ليس محرم ، فإن كانت هذه الصورة .......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ للحاجة فلا بأس بها وإن كانت لغير حاجة فالأصل أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو طمس الصور ، ولهذا في حديث أبي الهياج أن علياً رضي الله تعالى عنه قال له : أنا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدعن صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته .
فإذا خرجت فلا يقال بأنها ليست صورة وإنما هي صورة وهدي النبي عليه الصلاة والسلام هو طمس الصور .
وعلى هذا يمكن أن نقول بأن التصوير الفوتغرافي له حكم المقصود منه
ما هو المقصود من التصوير الفوتغرافي ؟
فإذا كان المقصود من التصوير الفوتغرافي الحاجة كأن يحتاج الإنسان إليها مثلاً لإخراج بطاقة أو لإخراج جواز سفر أو نحو ذلك من الحاجات أو شهادة وغير ذلك مما يحتاج إليها المسلم فإن هذا جائز ولا بأس به .(2/112)
وإن كان لا يحتاج إليها وإنما صنعه لأجل الذكرى &&&&&&&
في غير فرش وتوسد................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " في غير فرش وتوسد " استعمال الصور ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : استعمال الصور على سبيل التعظيم سواء كانت هذه الصور مجسمة أو ملونة وسواء كان التعظيم تعظيم عبادة أو تعظيم علم أو تعظيم عادة ونحو ذلك ، فنقول : استعمالها على سبيل التعظيم هذا محرم ولا يجوز ، وفتنة قوم نوح ووقوعهم في الشرك إنما كان ذلك بسبب الصور .
القسم الثاني : استعمال الصور على سبيل الإهانة كما ذكر المؤلف رحمه الله بأن تكون في الفراش أو في المخدة الأشياء التي تمتهن وتوطأ ، مثل الفراش ومثل القطيفة ومثل المخدة .. إلى آخره .
فهل هذا جائز أو نقول بأنه ليس جائزاً ؟
كلام المؤلف رحمه الله أن هذا جائز ولا بأس به ، قال :
" في غير فرش وتوسد " أنه لا بأس بأن تكون الصورة في الوسادة التي يتكأ عليها لا بأس أن تكون الصورة في قطيفة لا بأس أن تكون الصورة في الكرسي الذي يجلس عليه ، أن هذا جائز ولا بأس به .
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في قصة الستر الذي فيه تصاوير فأخذته عائشة رضي الله تعالى عنها فجعلته وسادتين ، جعلته وسادتين قالت : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكأ على إحداهما .
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله : وفيها صورة .(2/113)
قالوا : هذا كون النبي صلى الله عليه وسلم يتكأ ، كون عائشة جعلت هذا الستر وسائد واتكأ النبي صلى الله عليه وسلم على إحداهما .. إلى آخره . هذا يدل على أن الصور إذا كانت مهانة هذا جائز ولا بأس به .
والرأي الثاني : أنه محرم حتى الصور التي تكون على سبيل الإهانة أن هذا محرم ولا يجوز .
واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في قصة النمرقة ، وأن عائشة رضي الله تعالى عنها لما اشترت النمرقة التي فيها صورة قام النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل ، والنمرقة : هذه تتوسد ، نوع من أنواع الوسائد ، ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قام ولم يدخل ، وقال :" إن أصحاب هذه الصور يعذبون بها
..........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يوم القيامة يقال أحيوا ما خلقتم " وهذا في صحيح البخاري ، فهذا دليل على أنه حتى ولو كان استعمال الصور في الأشياء التي تمتهن أنه لا يجوز .
وكيف الجواب على الحديث السابق حديث عائشة في قصة الستر ؟
هذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله قالوا : أنه يحتمل أن عائشة رضي الله عنها لما قطعت الستر جعلته وسائد أنها فصلت الرأس عن البدن ، البدن يكون مفصولاً ، وإذا كان مجرد بدن فإن هذا جائز ولا بأس به .
يعني إذا كان مجرد بدن هذا جائز ولا بأس به ،
يعني لا بأس أن الإنسان أن يصور اليد حتى ولو كان باليد ، ولا بأس أن يصور الرجل ، ولا بأس أن يصور الرأس ونحوذلك هذا جائز ولا بأس به .
لكن الذي يمنع من تصويره هو الوجه ، لأن الوجه هو الصورة كما ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .(2/114)
القسم الثالث : استعمال الصور لا على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم ، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا غير جائز ، لأنه إنما أجاز استعماله بالإهانة ـ بالتوسد والفرش ـ وهذا القول هو الصواب .
إلا رقماً في ثوب..................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذه المسألة كالمسائل السابقة موضع خلاف ، مثلاً : لو استعمل لا على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم مثلاً في الثياب أو في ثياب الأطفال .. إلى آخره . الناس لا يستعملون الصور على سبيل التعظيم وأيضاً ليست مهانة تجد أنها في الثوب أو في الستار ونحو ذلك ، فهذا موضع خلاف .
الرأي الأول : أنه لا يجوز وهو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
ويدل له ما تقدم من حديث عائشة في قصة الستر قصة النمرقة .
الرأي الثاني : ذهب بعض أهل العلم أنه جائز وأن الذي يحرم إذا كان على سبيل التعظيم ، وأن هذا جائز ولا بأس به .
واستدلوا بحديث أبي حذيفة ، وفي حديث أبي حذيفة أنه قال :" إلا رقماً في ثوب "
وقوله " إلا رقماً في ثوب " قالوا : هذا دليل على جواز التصوير أو الصور المرقومة في الثياب ، وهذا اللفظ
أولاً : اختلف في رفعه ، هل هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام ، هذا الجواب الأول .
...........................................................................................................(2/115)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الجواب الثاني : أن قوله " إلا رقماً في ثوب " يحتمل صورة ما فيه روح ، ويحتمل صورة ما فيه حياة وليس فيه روح كالأشجار ،
ويحتمل أيضاً صورة ما ليس فيه روح ولا حياة مما يصنعه الآدمي .
وعلى هذا يتلخص لنا أن استعمال الصور في أقسامه الثلاث:أنه محرم ولا يجوز .
استخدام الصور فيما يتعلق على سبيل التعظيم واستخدام الصور على سبيل الإهانة واستخدامها في غير مجال التعظيم ولا مجال الإهانة أن هذا محرم ولا يجوز .
لكن الآن كثرت الصور عند الناس تجد أن كثير من الصور توجد في المجلات والجرائد ونحو ذلك ، فهل هذه تمنع دخول الملائكة وهل يؤمر الإنسان بأن يطمس هذه الأشياء ؟
نقول : مثل هذه الصور إذا كانت غير مقصودة للإنسان وإنما تأتي تبع الإنسان ما اشترى هذا الكتاب من أجل الصورة التي فيه أو اشترى هذه المجلة من أجل الصورة وإنما للأخبار المفيدة ونحو ذلك فحينئذ يقال : بأنه لا يجب .
...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو مثلاً الآن توجد المعلبات والكراتين التي فيها الأطعمة ونحو ذلك هل نقول الإنسان يجب عليه أن يطمس هذه الأشياء ؟
نقول أن الصواب في مثل هذه الأشياء أن الإنسان لا يؤاخذ عليها ما دامت أنها غير مقصودة .
مادامت أنها غير مقصودة لذاتها وإنما جاءت تبعاً وإنما قصد الإنسان الأخبار أو الفوائد ونحو ذلك ، فنقول : هذا إنشاء الله ليس عليه شيء ،
لكن الأحسن أن تكون هذه الصور محفوظة خصوصاً إذاكان الإنسان يريد أن يؤدي عبادة في هذا المكان ونحو ذلك .(2/116)
أما الصور التي تكون في الملابس حتى وإن كانت ملابس داخلية أو تكون في الأحذية ونحو ذلك ، فهذه داخلة فيما تقدم في القسم الثالث ، وهو إن لم يكن على سبيل الإهانة ولا على سبيل التعظيم وتقدم لنا أنه يجب طمس هذه الصور .
أما بالنسبة لألعاب الأطفال هذه تنقسم إلى قسمين :
...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : الألعاب التي تصنع عن طريق اليد فهذه جائزة ولا بأس بها حتى وإن كان لها وجه ، مثلاً : تصنع عن طريق اليد عن طريق القطن والخرق ونحو ذلك .
فنقول : هذه جائزة إنشاء الله ولا بأس بها .
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فإن عائشة كان لها بنات تلعب بها ، وأيضاً كان لها صورة من خيل له جناحان .. إلى آخره .
القسم الثاني : اللعب التي تكون عن طريق الآلة ، مثل هذه الصور الآن التي تكاد تحكي خلق الله عز وجل ، فهذه موضع خلاف الآن بين المتأخرين :
الرأي الأول : منهم من تجاوز فيها وقال : لا بأس واستدل بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأنه يرخص للأطفال مالا يرخص للكبار .
الرأي الثاني : أن هذه محرمة لعموم أدلة التصوير والنهي عن التماثيل ، وجبريل لما لم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث :" قال النبي عليه الصلاة والسلام مر برأس التمثال فيقطع حتى يكون كهيئة الشجر "
وعلى ذكر ما غالبه حرير ظهوراً.......................................................(2/117)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فقالوا : هذه داخلة في التماثيل وفي الأصنام وفي النهي عن التصاوير ونحو ذلك ، وهذا القول أحوط .
فالإنسان يتخذ لأطفاله الصور التي تكون من العهن ومن القطن والخرق ونحو ذلك ولو كان فيها تقاسيم الوجه هذا لا يضر إنشاء الله .
وأما الصو التي تكون من صناعة الآلات والبلاستيك ونحو ذلك فهذه الأحوط للإنسان أن يتجنبها .
" وعلى ذكر ما غالبه حرير ظهوراً " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يحرم على الذكر استعمال أي منسوج غالبه : أي أكثره ، حرير ظهوراً .
وقوله " على ذكر " يخرج الأنثى .
ودليل ذلك حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً وذهباً فوضع أحدهما في يمينه والأخر في شماله وقال : هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها "
وكذلك أيضاً حديث علي رضي الله تعالى عنه والأحاديث في تحريم الحرير على الرجال كثيرة ،
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المهم هذا موضع إجماع أن المرأة يباح لها الحرير أما الذكر يحرم عليه الحرير لكن تحريم الحرير على الذكر ليس على سبيل الإطلاق هو في الجملة محرم لكن في مواضع يباح الحرير كما سيذكره المؤلف رحمه الله .
فقال " على ذكر ما غالبه حرير ظهوراً " قال : ما غالبه فقوله ما غالبه يدخل في ذلك ما كله حرير ويدخل في ذلك ما ليس غالباً أنه حرير ، فالأقسام في ذلك ثلاثة :
القسم الأول : أن يكون جميع الثوب حريراً ، فنقول : بأنه محرم ولا يجوز(2/118)
القسم الثاني : أن يكون غالبه حريراً ، يعني هذا الثوب منسوج من الحرير و من الكتان مثلاً أو من القطن والحرير هو الغالب ولنفرض أن الحرير يساوي الثلثين والكتان أو القطن يساوي الثلث ، فنقول : بأن هذا محرم ولا يجوز .
القسم الثالث : أن يكون الغالب هو القطن أو الكتان يعني ما نسج مع الحرير يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن جائز ولا بأس به .
ولنفرض أن الكتان يساوي الثلثين وأن الحرير يساوي الثلث فنقول : بأن هذا حكمه أنه جائز ولا بأس به .
ومنسوج بذهب أو فضة.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الرابع : أن يكون الحرير وما نسج معه على النصف ، يعني الثوب نصفه حرير والنصف الأخر من القطن أو الكتان ونحو ذلك من الأشياء المباحة ، فيؤخذ من كلام المؤلف ماذا ؟ هل يؤخذ منه الجواز أو التحريم ؟
الجواز ، لأنه خص التحريم بالغالب فقط ، فيؤخذ من كلام المؤلف بأن هذا جائز ولا بأس به .
الرأي الثاني : أنه محرم ، وهذا القول أقرب : لأنه إذا اجتمعت الإباحة والتحريم فإننا نغلب جانب التحريم .
سيعود المؤلف رحمه الله على ما يتعلق بالحرير ومتى يباح المواضع الباقية سيذكر عدة مواضع سنتعرض لها .
" ومنسوج بذهب أو فضة " أيضاً الثوب المنسوج بالذهب أو الفضة يقول المؤلف رحمه الله : بأنه محرم ولا يجوز .
إذا كان على الذكور أما الإناث فإنه يباح لهن لبس ما جرت العادة أن تلبسه من الذهب والفضة ، فإذا جرت العادة بأنها تلبس ثوباً منسوج يعني فيه خيوط من الذهب فهذا جائز ولا بأس به .
..............................................................................................................(2/119)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قد يوجد مثلاً ثياب فيها أعلام من الذهب قد تكون لبنة الجيب من الذهب أو من الفضة ، فنقول : بأن هذا جائز ولا بأس به ، المهم المرأة ما يتعلق بلبس الذهب والفضة والحرير هذا جائز ولا بأس به .
فلها أن تلبس من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه .
ما جرت العادة أن تلبسه نقول يجوز لها أن تلبسه .
بالنسبة للذكر يقول المؤلف رحمه الله : لا يجوز له أن يلبس المنسوج من الذهب أو الفضة مطلقاً وكلام المؤلف رحمه الله سواء كان قليلاً أو كثيراً .
وعلى هذا لو كان الإنسان عنده مشلح ، الآن توجد بعض المشالح تكون أطرافها منسوجة بالذهب ، وبعض المشالح تكون أطرافها منسوجة بالفضة ، أو مثلاً يكون عنده ثوب فيه خيوط من الفضة أو خيوط من الذهب ، يقول : يحرم .
أو مثلاً عنده ثوب فيه أزارير من الذهب أو مثلاً المرآة التي يلبسها فيها شيء من الذهب أو الساعة التي يلبسها فيها شيء من الذهب أو الفضة ، يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا محرم ولا يجوز .
قبل استحالته.................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " قبل استحالته " قبل استحالته : قبل تغير لونه ، فإن كان تغير لونه هذا الذهب والفضة تغير لونه بحيث أنه لو عرض على النار لم يتحصل منه شيء ، يقول : هذا جائز ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم ، أن الذكر لا يجوز له أن يلبس شيئاً من الذهب ولا من الفضة .
ودليلهم على ذلك ما تقدم قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى وحديث علي :" هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم "(2/120)
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً وعليه خاتم من ذهب ، فقال :" يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في إصبعه " فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وألقاه .
والنبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر اتخذ خاتم من ذهب ثم بعد ذلك ألقاه فألقى الصحابة رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم .
الرأي الثاني : ما يتعلق بالذهب والفضة :
أولاً : ما يتعلق بالذهب
..............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرأي الثاني : رأي شيخ الإسلام وهو مذهب أبي حنيفة في الجملة أنه يجوز اليسير من الذهب إذا كان تابعاً ، اليسير التابع من الذهب أن هذا جائز ولا بأس به.
وقولنا اليسير : يخرج الكثير .
وقولنا التابع : يخرج المستقل المنفرد .
فعندنا المستقل المنفرد هذا يحرم ولو كان يسيراً ، فلو أن الإنسان اتخذ خاتم من ذهب ... إلى آخره .
نقول : بأن هذا محرم ولا يجوز ما دام أنه مستقل ومنفرد .
وإذا كان كثيراً وهو تابع أيضاً هذا محرم ولا يجوز .
الرأي الثاني : إذا كان يسيراً تابعاً لمباح ، مثلاً خيوط من الذهب ، الثوب من قطن أو من كتان أو من صوف أو من شعر ... إلى آخره .
وفيه خيوط من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به على هذا الرأي لأنه يسير تابع ، ومثل ذلك لو أنه اشترى ساعة وفيها بعض المحركات من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به .
..............................................................................................................(2/121)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو مثلاً مرآة وفيها بعض الجوانب من الذهب فإن هذا جائز ولا بأس به ما دام أنه يسير وتابع .
واستدلوا على ذلك بحديث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً ، أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وهذا حديث المسور بن مخرمة أنه ذهب هو وأبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب ، فالأزارير هذه تابعة لأنها مربوطة بالثوب ، فقالوا : بأن هذا يدل على الجواز .
ثانياً : الفضة ، كما تقدم الجمهور أن الفضة على الذكور أنها محرمه وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله سواء كثيرة أو يسيرة مما يتعلق باللباس سواء كانت فيه يسيرة أو كثيرة .
الرأي الثاني : أن الفضة الأصل فيها الحل للذكور .
وقد ورد في حديث أبي هريرة وإن كان فيه ضعف :" أما الفضة فالعبوا بها لعباً " وأيضاً قالوا أن الأصل الحل ولم يرد تحريم للفضة .
ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره..............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من فضة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
" ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره " بابريسيم يعني حرير ، الابريسيم : الحرير ، وألحم بغيره : أي غير الابريسيم ، ألحم بقطن أو صوف ... إلى آخره .
فيقول المؤلف رحمه الله : يباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره : غير الابريسيم نحو الصوف والقطن ... إلى آخره .(2/122)
وهذا يسمى عند العلماء رحمهم الله : بالخز ، فالخز يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا جائز ولا بأس به ، ويشترط فيه أن يكون الحرير مستتراً وغير الحرير هو الظاهر ، يقول المؤلف رحمه الله : يباح ما سدي بابريسيم يعني الخز ، وألحم بغيره يعني ألحم بغير الحرير من القطن والكتان وغير ذلك ... إلى آخره .
وهذا يسمى الخز ، والخز جائز لبسه الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، ولكن اشترطوا أن يكون الحرير مستتر والظاهر هو غير الحرير ، وسيأتي إنشاء الله الكلام عليه وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فكيف الجمع بين ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لبسوا الخز وورد أيضاً عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخز وركوب النمار ،فكيف الجمع ؟
هنا العلماء رحمهم الله قالوا : أنه إذا كان الثوب كله من الحرير فإنه يكون محرم ولا يجوز ، قالوا بأن النهي هذا محمول على أن الثوب كله من الحرير أما إذا كان سداه من الإبريسيم وألحم بالصوف يعني مدت خيوط الحرير نسجت على سبيل الطول ثم بعد ذلك ألحمت بصوف أو قطن ونحو ذلك شبك مع هذه الأشياء فإن هذا جائز ولا بأس به ، وسيأتينا إنشاء الله العلم في ثوب الحرير أنه جائز ولا بأس به .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الخز على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أنه اسم لوبر الأرنب .
النوع الثاني : أنه اسم للحرير إذا نسج معه غيره كما ذكر المؤلف رحمه الله .
النوع الثالث : أنه اسم لرديء الحرير .(2/123)
فالنوعان الأولان مباحان ، يعني إذا كان من وبر الأرنب أو كان مما ذكر المؤلف رحمه الله مما سدي بابريسيم وألحم بغيره فيقول الشيخ بأن هذا جائز ولا بأس به.
والنوع الثالث أن يكون من رديء الحرير : فهذا محرم ولا يجوز ، لأنه لا يجوز للذكر أن يلبس الثوب الخالص من الحرير .
ويباح خالص لحكة.....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويباح خالص لحكة " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن الحرير محرم على الذكور ذكر أنه يستثنى في بعض المواضع لبس الحرير :
فالموضع الأول : تقدم لنا عند قول المؤلف رحمه الله
" ويباح ما سدي بابريسيم وألحم بغيره " هذا الموضع الأول مما يستثنى .
الموضع الثاني : قال " ويباح خالص لحكة " هذا الموضع الثاني ، يعني لا بأس أن يلبس الذكر الثوب الخالص من الحرير إذا كان به حكة لأن الحرير ذاته باردة فهو يبرد هذه الحكة فإذا كان الإنسان مبتلى بحكة في بدنه فإنه لا بأس أن يلبس الحرير ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بلبس ثوب الحرير لحكة بهما فإذا كان الإنسان به حكة فإن هذا جائز ولا بأس به .
الموضع الثالث : قال " وحرب " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يلبس ثوب الحرير في الحرب وذلك إذا تراء الجمعان إلى إبتغاء القتال ولو لغير حاجة ، لأن العلة من النهي عن لبس الحرير : ما يكسبه لابسه من الفخر والخيلاء ونوع من العجب ونحو ذلك ، ومثل هذه الأشياء هذه مطلوبة في الحرب ، يعني كون الإنسان يختال في مشيته في الحرب أو يفخر أو غير ذلك هذا فيه تقوية للمسلمين وإضعاف لجند الكفار ، فإذا لبس الحرير .. إلى آخره .(2/124)
وقمل ومرض وحشو......................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان سيصحبه شيئاً من الخيلاء والفخر فإن هذه الأشياء مطلوبة في الحرب لأن الحرب يطلب فيها التقوي وإظهار الشجاعة ، ومثل هذه الأشياء إذا أظهرت في جند المسلمين فإنها تقوي عزائمهم وإذا أظهرت أمام الكفار فإنها توهن عزائمهم .
" وقمل " هذا الموضع الرابع : إذا كان الإنسان مبتلى بالقمل وهذا كان في الزمن السابق الإنسان يبتلى بهذا القمل ويكون معه في شعره ويكون في ثيابه .. إلى آخره .
والمجرب أن ثوب الحرير يطرد هذا القمل فنقول : لا بأس أن يلبس ثوب الحرير من أجل طرد القمل .
ودليل ذلك ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للزبير ولعبد الرحمن بن عوف بلبس ثوب الحرير لحكة بهما ، ولا شك أن القمل هذا مما يجلب الحكة
" ومرض " هذا الموضع الخامس : إذا كان الإنسان مريض وثوب الحرير ينفعه في مرضه فإن هذا لا بأس به ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما لأن لبسهما إنما كان لحكة وهذا نوع من المرض .
" وحشو " هذا الموضع السادس : لا بأس أن يكون الحرير حشواً للفراش أو حشواً للجباب ونحو ذلك .
المهم يكون حشو للثوب هذا لا بأس به لأنه مستور ولا يرى ، فإذا كان الإنسان عنده فراش وجعل بداخله حريراً حشواً فإن هذا جائز ولا بأس به .
وعلم ثوب....................................................................................................(2/125)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وعلم ثوب " يعني طراز الثوب ، علم الثوب طراز الثوب ، لا بأس إذا كان الثوب معلماً بالحرير فإن هذا لا بأس به ، يعني يكون عندنا ثوب وفيه أعلام من الحرير علم من الحرير هنا علم ... إلى آخره .
فنقول لا بأس لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فأقل إذا كان في الموضع الواحد في الموضع الواحد لابد أن يكون أربعة أصابع فأقل فلو كان هنا علم حرير أربعة أصابع فأقل لا بأس وبجانبه قطن خمسة أصابع ، أما لو كان بجانبه قطن أربعة أصابع فالأقرب : أنه لا يجوز .
لكن خمسة أصابع من القطن ثم بعد ذلك علم أخر من الحرير أربعة أصابع أو إصبعان فهذا جائز ولا بأس به ، يعني المهم أنه يشترط في الموضع الواحد أن لا يزيد على أربعة أصابع والعلم الأخر من المباح من القطن والصوف ونحو ذلك يشترط أن يكون أكثر منه ، فلو كان هنا ثلاثة أصابع من علم الحرير لا بأس أن يكون هناك أربعة أصابع من الصوف ، هنا إصبعان من علم الحرير لا بأس أن يكون هناك ثلاثة أصابع من علم القطن وهكذا .
المهم في الموضع الواحد لا يزيد عن أربعة أصابع وما بجانبه من صوف أو كتان ... إلى آخره .
هذا يكون أكثر منه ما يكون مساوياً له .
ورقاع..........................................................................................................(2/126)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما بالنسبة للثوب حتى لو كان فيه أكثر من أربعة أصابع فقد يكون الثوب فيه خمسة أعلام وكل علم يساوي أربعة أصابع يعني يساوي الآن عشرين أصبعاً فنقول : هذا لا بأس به لكن الذي يشترط أن يكون في الموضع الواحد أربعة أصابع فأقل ، وما بجانبه من الصوف أو الكتان ... إلى آخره .
يكون أكثر منه ، ودليل ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " رخص في الحرير مقدار أصبعين أو ثلاثة أو أربعة "وهذا رواه مسلم في صحيحه
فنقول العلم هذا لا بأس به .
فلا بأس أن تطرز في الثوب علم حرير يطرز فيه لكن كما ذكرنا يكون أربعة أصابع فأقل في الموضع الواحد أما مجموع الثوب فهذا لا بأس به كما ذكرنا أيضاً الأعلام التي تكون بجانبه من قطن أو صوف أو نحو ذلك هذه تكون أكثر منه ، ودليله كما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة " كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر .
" ورقاع " الرقعة هذا لا بأس لو أن الثوب انقطع أو انخرق لا بأس أن ترقعه برقعة من الحرير لكن كما ذكرنا لا بد أن تكون هذه الرقعة أربعة أصابع فأقل ما تزيد عن أربعة أصابع وهذا بالنسبة للعرض أما بالنسبة للطول فإنه لا يحسب يعني لو كان العلم من أول الثوب إلى آخره فإن هذا جائز ولا بأس به ، يعني قول النبي عليه الصلاة والسلام
وسجف...........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/127)
في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة المراد بذلك عرضاً وليس طولاً .
الطول لا بأس لو كان هذا العلم من أول الثوب إلى آخره ، فنقول : بأن هذا جائز ولا بأس به .
والرقعة : لو حصل في الثوب خرق أو شق ونحو ذلك فلا بأس أن يرقع بالحرير لكن يشترط أن يكون أربعة أصابع فأقل .
" وسجف " أيضاً سجف الفراء وهو ما يكون على أطراف الفروة ، مثل : الفراء التي تلبس في الشتاء يستدفأ بها ، أو مثلاً المشالح الذي يكون على أطرافها وتكون على أطراف الفتحة ، هذه لا بأس أن تكون من حرير .
يعني أطراف الفروة هذه لا بأس أن تكون من حرير ، بشرط أن تكون أربعة أصابع فأقل ، إذا كان الإنسان عليه مشلح وهذا المشلح أطرافه فيه حرير ،
نقول هذا لا بأس لكن بشرط أن يكون ذلك أربعة أصابع فأقل ، أما الطول فإنه لا يحسب .
لا ما فوق أربع أصابع مضمومة...................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" لا ما فوق أربع أصابع مضمومة " كذلك أيضاً هذه سبعة أشياء ذكرها المؤلف رحمه
الله .
الثامن مما يباح من الحرير : لبنة الجيب فهذه أيضاً لا بأس فيها ، والجيب : هي فتحة الرأس ، فهذه الفتحة لا بأس أن تكون من الحرير .
ولبنة الجيب التي تكون على فتحة الرأس هذه لا بأس أن تخاط من الحرير الخالص لكن بشرط أن يكون أربعة أصابع فأقل ، وهذا دليله كما تقدم حديث عمر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة "
الموضع الحادي عشر : كسوة الكعبة أو ثوب الكعبة هذا رخص العلماء رحمهم الله أن يكون من الحرير .(2/128)
وهذه الأشياء أو هذا الحرير المحرم إنما هو الحرير الطبيعي ، أما الحرير الصناعي الذي يوجد الآن يصنع في المكائن ونحو ذلك من مواد أخرى ... إلى آخره .
فهذا لا يحرم على الذكر ما يسمى الآن بالحرير وهوصناعي يصنع عن طريق الآلات ، فنقول : بأن هذا مباح ولا بأس به .
المحرم : إنما هو الحرير الطبيعي .
وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر " يعني يقول المؤلف رحمه الله يكره للرجل لبس المعصفر ، والمعصفر : هو ما صبغ بالعصفر ، والعصفر : نوع من الثمار يوجد عند العطارين تصبغ به الثياب ولونه قريب من اللون الأحمر .
فيقول المؤلف رحمه الله يكره المعصفر للرجال ، أما النساء فلا يكره لهن ،
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله دليله حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له النبي عليه الصلاة والسلام :" إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها " فأخذها عبد الله وألقاها في التنور ، وهذا أخرجه مسلم في صحيحه .
والرأي الثاني : التحريم للبس المعصفر ، أن المعصفر هذا محرم ولا يجوز ، لأن قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن هذه من لباس الكفار فلا تلبسها " هذا لا يقتصر فيه على الكراهة وإنما يدل على التحريم كما ذهب إليه الشوكاني رحمه الله .
والرأي الثالث : الإباحة ، أن لبس المعصفر مباح ولا بأس به ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء كما في الصحيحين ، والحمرة أبلغ من المعصفر .
ويظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أقرب وأن المعصفر يكره .(2/129)
أقرب شيء أن يقال بالكراهة ، لأنه كما سيأتينا إنشاء الله بالنسبة للأحمر حكم لبس الأحمر ... إلى آخره . سيأتي إنشاء الله .
ومزعفر لرجل................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بالنسبة للمرأة فيجوز لها أن تلبس المعصفر ، لا بأس لها أن تلبس المعصفر والمزعفر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره عبدالله أنه أحرقها قال : " هلا كسوتها بعض أهلك " .
" ومزعفر " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : يكره المزعفر ، ودليل ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم" نهى الرجال عن التزعفر "
والمزعفر : هو ما صبغ بالزعفران .
فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يكره المزعفر .
والرأي الثاني : أنه مباح ولا بأس به ، لحديث عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة " وفي غير الصحيحين في السنن " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه كلها " فقالوا : أن هذا يدل على أنه مباح .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وأن المزعفر للرجال مكروه ،
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على الجواز وأن هذا لا بأس به لو فعله الإنسان لا بأس به .
وقول المؤلف رحمه الله " لرجل " هذا يؤخذ منه أن المزعفر للمرأة هذا لا بأس به
وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر.............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/130)
قال : " وكره لرجل معصفر في غير إحرام ومزعفر " فيؤخذ من هذا أن المرأة لا بأس أن تتزعفر وأن تلبس الثوب المزعفر ، ويدل لهذا حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وعليه أثر خلوف من زعفران فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره أنه تزوج .
فأجاب العلماء رحمهم الله أن هذا الحديث وأن عبد الرحمن بن عوف مع ورود النهي عن المزعفر للرجال ومع ذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه شيء من الخلوف من الزعفران قالوا : هذا أصابه من المرأة ، لأن المرأة يباح لها أن تتزعفر فقالوا : هذا أصابه من المرأة وأن النهي إنما هو للرجال دون النساء .
كذلك بالنسبة للأحمر هل يكره أو لا يكره ؟
المشهور من المذهب أن الأحمر مكروه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعصفر والحمرة أشد من المعصفر ، وأيضاً أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن النياكل الحمر
والرأي الثاني : أن الأحمر لا بأس به وأنه لا يكره ، واستدلوا على ذلك : بأن النبي عليه الصلاة والسلام لبس حلة حمراء .
والجواب عن هذا : إما أن نقول بأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن النياكل الحمر هذا يحمل على الكراهة ، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم للحلة الحمراء هذا يدل
ومنها اجتناب نجاسة لا يعفى عنها في غير إحرام.............................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الجواز ، نقول هذا صارم فإن النبي صلى الله عليه وسلم لبس هذه الحلة الحمراء
ليبين أن جائز وأن النهي للكراهة فقط .(2/131)
الجواب الثاني : كما ذكر ابن القيم رحمه الله قال : بأن ما لبسه النبي صلى الله عليه وسلم من الحلة الحمراء أي الحلة غير الخالصة يعني ليست حمرتها خالصة ، كما تقول الشماغ أحمر هذا وفيه شماغ أبيض وفيه شماغ أسود ولا يلزم من ذلك أن يكون هذا الشماغ أو هذه العمامة أن تكون خالصة في الحمرة فالإنسان يلبس الشماغ ويقال له شماغ أحمر لكنه ليس خالصاً في الحمرة .
فنقول : الحمرة هذه مكروهة .
وقول المؤلف رحمه الله " في غير إحرام " يؤخذ من ذلك أن لبس الرجل للمعصفر في حال الإحرام أن هذا جائز ولا بأس به .
يعني هم يفرقون بين المزعفر والمعصفر ، المزعفر : يكره للرجل أن يلبسه مطلقاً .
والمعصفر : يقولون لا بأس أن يلبسه في حال الإحرام لا يكره لكن في غير الإحرام قالوا بأنه مكروه .
" ومنها اجتناب نجاسة لا يعفى عنها " أيضاً من شروط صحة الصلاة وهذا هو الشرط السابع ،
.......................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط السابع من شروط صحة الصلاة : اجتناب النجاسة ، ودليل ذلك القرآن والسنة والإجماع بالجملة .
أما القرآن فقول الله عز وجل :" وثيابك فطهر " فإن بعض أهل العلم فسر ذلك بالتطهر من الخبث .
والسنة كثيرة من ذلك حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال :" إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول "
وأيضاً حديث " تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه "
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر وفي حديث أبي سعيد لما كان يصلي فأتاه جبريل فأخبره أن في نعليه أذاً فخلعهما النبي عليه الصلاة والسلام .(2/132)
والإجماع قائم في الجملة ، لكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في اجتناب النجاسة هل هي من الشروط أو من الواجبات ؟
فما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن اجتناب النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة .
والرأي الثاني : أن اجتناب النجاسة ليس شرطاً وإنما هو واجب من الواجبات بدليل أنه يسقط في حال النسيان وفي حال الجهل وفي حال الإكراه ، هذا دليل على أنه واجب لو كان شرطاً ما سقط ، وهذا ذهب إليه الشوكاني رحمه الله تعالى .
لا يعفى عنها...............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله " لا يعفى عنها " فيؤخذ من هذا أن النجاسة إذا كان يعفى عنها فإن الصلاة تصح معها ، وما هي النجاسة التي يعفى عنها ؟
يسير النجاسة هم يقولون إذا كانت دماً في غير مطعوم من حيوان طاهر .
دم : هذا الشرط الأول .
أن يكون يسيراً ، يسير دم من حيوان طاهر في غير مطعوم ، هذه نجاسة يعفى عنها .
وكذلك أيضاً قالوا : أثر الاستجمار بمحله ، هذه أيضاً نجاسة يعفى عنها .
أثر الاستجمار بمحله : يعني إذا بقي بعد الاستجمار نجاسة لا يزيلها إلا الماء ، قالوا : هذه نجاسة يعفى عنها .
فإذا أصاب الإنسان دم في ثوبه أو بدنه أو بقعته وكان هذا الدم يسير ومن حيوان طاهر وفي غير مطعوم ما وقع في طعام لو كان وقع في طعام حتى لو كان يسير ، يقولون : ما يعفى هذا له أن يصلي وصلاته صحيحة .
كذلك أيضاً لو أن الإنسان استجمر وبقي شيء من النجاسة لا يزيلها إلا الماء قالوا : هذه نجاسة يعفى عنها .
وتقدم لنا في باب إزالة النجاسة ما هي النجاسة التي يعفى عنها والتي لا يعفى عنها(2/133)
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام رحمه الله ومذهب أبي حنيفة بالجملة : أنه يعفى عن سائر النجاسات .وهذا القول هو الصواب .
فمن حملها أو لاقاها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته......................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى هذا نقول إذا كانت النجاسة يسيرة فإنه يعفى عن يسيرها ...........
وقول المؤلف رحمه الله : ومنها اجتناب نجاسة : أي اجتناب نجاسة في بدن المصلي وفي ثوبه وفي بقعته التي يصلي عليها .
وكذلك أيضاً لا يحمل هذه النجاسة .
" فمن حملها أو لاقاها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته " من حملها : يعني حمل النجاسة ولنفرض أن الإنسان معه قارورة فيها نجاسة أو أصاب ثوبه أو بدنه أو بقعته التي يصلي عليها ، قال : أو لاقاها يعني لاقا النجاسة التي لا يعفى عنها ببدنه أو ثوبه لم تصح صلاته لأنه لم يجتنب النجاسة .
لاقاها ببدنه أو ثوبه ، صورة ببدنه : يعني سجد ووضع يده على النجاسة ، هنا الآن لاقاها ببدنه .
أو ثوبه : سجد وثوبه سجد على النجاسة ، يقول : لا تصح صلاته .
أما لو أنه سجد والنجاسة مقابلة لصدره حيث لا يلاقيها لا ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة ، أو كانت النجاسة بين ركبتيه مثلاً النجاسة بين ركبتيه ولم يلاقها أثناء السجود لا ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة .
وإن طين أرضاً نجسة......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإن طين أرضاً نجسة " إن طين أرضاً نجسة : يعني جعل الطين على أرض نجسة ، إما نجسة ببول أو غائط أو دم مسفوح ونحو ذلك .
فنقول بأن صلاته صحيحة .
" أو فرشها صفيقاً طاهراً صحت " أو فرشها صفيقاً : يعني سميكاً ، يعني أتى بفراش سميك ووضعه على هذه الأرض التي عليها نجاسة وصلى ، فإن صلاته صحيحة .
ويؤخذ من ذلك أنه إذا فرشها فراشاً خفيفاً : أنه لا تصح صلاته ، يعني لو فرشها فراشاً خفيفاً أن صلاته لا تصح .(2/134)
" وكره " لاعتماده على النجاسة ، يقول المؤلف رحمه الله يكره ، والعلة في ذلك : أنه معتمد على النجاسة .
والصواب في ذلك : عدم الكراهة ، لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر.. إلى الدليل الشرعي .
الصواب في هذه المسألة : أنه لا يكره .
ومثل ذلك أيضاً لو صلى على بيارة ، وضع مصلاه على بيارة وصلى عليه ، أو وضع فراشه على البيارة وصلى عليه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة ولا بأس بذلك إنشاء الله .
وتصح على طاهر بطرفه نجاسة إلا إن تعلق به نجس ينجر............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتصح على طاهر بطرفه نجاسة " يقول المؤلف رحمه الله : تصح على طاهر بطرفه نجاسة ، لأنه لم يلاقي النجاسة لا ببدنه ولا بثوبه فلو كان الإنسان عنده مصلى وهذا المصلى في طرفه نجاسة ، في أحد أطرافه يمين أو شمال ، في الشمال نجاسة أو في وسطه نجاسة هذا المصلى وإذا سجد فإنه لا يلاقي هذه النجاسة ببدنه ولا بثوبه ، فنقول : بأن صلاته صحيحة.
" إلا إن تعلق به نجس ينجر " يعني إذا تعلق به نجس ينجر ، هو قالك المؤلف رحمه الله : تصح على طاهر بطرفه نجاسة ، والعلة في ذلك ك كما ذكرنا بأنه لم يلاقها لا ببدنه ولا بثوبه هنا قال : إلا إن تعلق به نجس ينجر : يعني إذا تعلقت النجاسة بالمصلي فإن ذلك لا يخلو من أمرين :الأمر الأول : أن تكون النجاسة من ما ينجر بمشي المصلي ، فلا تصح صلاته ، ولنفرض أن الإنسان عنده كلب وهذا الكلب ربط في عنقه حبل ومعه طرف الحبل ، الآن لو مشى المصلي هل يمشي الكلب معه أو لا يمشي ؟يمشي ، نقول : لا تصح الصلاة ، لأنه قال : لا تصح الصلاة .والعلة في ذلك : قالوا لأنه مستتبع للنجاسة فهو كحاملها .(2/135)
الأمر الثاني : أن لا ينجر بمشيه ، كما لو كان معه حبل وهذا الحبل مربوط بصخرة كبيرة أو حيوان وهذه الصخرة نجسة أو هذا الحيوان بحيث أنه إذا مشى لا ينجر بمشيه ، فنقول الصلاة صحيحة .
ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها ونحوه أعاد وجوباً..............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : أن الصلاة صحيحة في كيلا الحالتين سواءً كانت النجاسة تنجر بمشيه أو لا تنجر بمشيه .
" ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها ونحوه أعاد وجوباً " يقول المؤلف رحمه الله : ومن وجد به نجاسة بعد صلاته وعلم أنها كانت فيها لكن نسيها : صورة المسألة : هذا إنسان صلى وبعد أن صلى وجد في ثوبه نجاسة أو في بدنه نجاسة وهو يعلم أن هذه النجاسة موجودة قبل الصلاة لكن نسي أن يزيلها وصلى ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يعيد الصلاة .
كان يعلم أن النجاسة موجودة لكن نسي ، فيقول المؤلف رحمه الله : يجب عليه أن يعيد الصلاة .
والعلة في ذلك : كما لو صلى محدثاً ناسياً فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة .
والصحيح في ذلك : أنه لا يعيد الصلاة وأن هناك فرق بين الحدث وزوال الخبث ، فالحدث : من باب الأوامر لا يعذر فيه بالنسيان والإكراه .
وأما بالنسبة لإزالة الخبث : فهو من باب التروك يعذر فيها بالنسيان والجهل والإكراه .
فالصحيح : أنه إذا نسي وصلى ، نقول : بأن صلاته صحيحة ولا شيء عليه .
وإلا فلا ومن جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس لم يجب إزالته مع ضرر....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/136)
" وإلا فلا " يعني إذا كان لا يعلم ، بعد إن انتهى من الصلاة وجد على ثوبه نجاسة أو على بدنه نجاسة لا يعلم أن هذه النجاسة كانت موجودة قبل الصلاة ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأن صلاته صحيحة لاحتمال أن تكون هذه النجاسة وجدت بعد الصلاة .
" ومن جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس لم يجب إزالته مع ضرر " يقول المؤلف رحمه الله : من جبر عظمه أو خيط جرحه بنجس ، جبر عظمه : مثال ذلك : انكسر عظمه فاحتجنا إلى عظم كلب فأخذنا قطعة من عظم الكلب ووضعناها مع عظمه فإنجبر ، أحياناً يحصل كسر فيسقط جزء من العظام فنحتاج إلى قطعة من العظم ، فأخذ مثلاً قطعة من عظم الكلب أو قطعة من عظم الميتة ووضعت هذه القطعة من العظم على هذا الذي انكسر عظمه فالتحم ، هذه القطعة من العظم إلتحمت مع عظام هذا الشخص الذي انكسر عظمه .
أو خيط جرحه بنجس : يعني بخيط نجس ، ولنفرض أن هذا الخيط أخذ من لحم ميتة ، هذا الخيط صنع من لحم ميتة أو صنع من لحم خنزير فخيط الجرح .
هل يجب إزالة هذه القطعة من العظم النجس ؟ عظم الكلب أو عظم الخنزير أو عظم الميتة ، أو هل يجب إزالة هذا الخيط النجس أو نقول بأن هذا لا تجب إزالته ؟
فصل المؤلف رحمه الله قال : إن كان هناك ضرر فإنه لا يجب إزالته .
وإن لم يكن هناك ضرر فإنه تجب إزالته .
وما سقط منه من عضو أو سن طاهر...................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا كان يحتاج إلى أن نقوم بكسر العظم وإخراج هذه القطعة ... إلى آخره .
أو إخراج هذا الخيط ، فيه نحتاج إلى شق الجلد أو قطع اللحم ... إلى آخره .
المهم إذا كان هناك ضرر فإنه لا يجب ، للقاعدة الشرعية { لا ضرر ولا ضرار }
والله عز وجل يقول :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "(2/137)
وإن لم يكن هناك ضرر فإنه تجب إزالته ، يعني مثلاً إذا كان هذا الخيط ظاهر وإزالته لا توجب ضرر ، أو هذا العظم ممكن أنه يقلع ويوضع بدل عنه عظم طاهر فإنه يجب .
المهم أن الحكم يتعلق بالضرر ، فإن كان هناك ضرر فلا يجب ، وإن لم يكن هناك ضرر فإنه يجب إزالته .
وهذه المسألة تكلم عليها القفهاء رحمهم الله في القديم وهي ما يسمى الآن بزراعة الأعضاء ، الآن يتكلمون عن حكم زراعة الأعضاء فمثل هذه المسألة فيها نوع من الزراعة وذلك بأنك تأخذ هذه القطعة من العظم وتضعها مع هذا العظم الذي تكسر ... إلى آخره ، ويكون في هذا نوع من الزراعة .
" وما سقط منه من عضو أو سن طاهر " يعني ما سقط من الآدمي من عضو أو سن طاهر لأن الآدمي طاهر في حال الحياة وفي حال الممات وسواء كان مسلماً أو كافراً ، ودليل ذلك قول الله عز وجل :" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
ولا تصح صلاة في مقبرة.....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من قبلكم " فالمحصنة من أهل الكتاب يباح الزواج منها ، فالزواج منها يدل على أنها طاهرة لأن المسلم سيخالط زوجته .
وكذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن المؤمن لا ينجس "
فما سقط من عضو أو سن طاهر ، وهذه تقدم أن تكلمنا عليها في ضوابط الأشياء النجسة ، ما هي الأشياء التي نجسة وما هي الأشياء التي ليست نجسة ؟ وما أبين من حي فهو كميتته كما في حديث أبي واقد الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته " وميتة الآدمي طاهر فما سقط من سنه أو عضو من أعضاءه نقول : بأنه طاهر .
" ولا تصح صلاة في مقبرة " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في المقبرة(2/138)
فالأصل : أن الصلاة تصح في كل بقاع الأرض هذا هو الأصل ، ويدل لذلك حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً "
قوله عليه الصلاة والسلام :" وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " فنقو ل الأصل : أن الصلاة صحيحة في كل بقاع الأرض ، هذا الأصل ، وهذا من خصائص هذه الأمة لأن الأمم السابقة لا تصح صلواتهم إلى في مواضع معينة كما أنهم لا يتطهرون بالصعيد لكن من خصائص هذه الأمة أن الصلاة تصح في كل بقعة ، وأيضاً الأرض طهور كما أن الماء طهوراً
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استثنى المؤلف رحمه الله قال : في مقبرة ، هذا الموضع الأول من المواضع التي لا تصح الصلاة فيها .
والمقبرة : هي كل ما دفن فيه ، فكل ما دفن فيه هذا مقبرة لا تصح الصلاة فيه .
* وهل الدفن حتى تحرم الصلاة مقيد بعدد أو ليس مقيد بعدد ؟
هذا موضع خلاف :
الرأي الأول : ذهب بعض العلماء بأنه إذا دفن قبر أو قبران أن هذا جائز ولا بأس به .
الرأي الثاني : أنه لا يجوز حتى ولو دفن قبر واحد ، لأن العلة من النهي عن الصلاة في المقبرة هي خشية الشرك ، أن الصلاة في المقابر ذريعة إلى الشرك بالله عز وجل هذا هو الصحيح في العلة .
لأن أول شرك حدث في العالم سببه تعظيم الصالحين ، الغلو في الصالحين وكونه يصلي في المقبرة هذا يؤدي إلى الغلو في هؤلاء الصالحين فيكون ذلك ذريعة إلى الشرك ، ويدل لذلك أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا ولو لا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً "
وأيضاً حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الأرض كلها مسجد إلى المقبرة والحمام "(2/139)
وحمام...............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصحيح أنه المقبرة لا تصح الصلاة فيها وسواء دفن فيها قبر واحد أو دفن فيها قبران .. إلى آخره . المهم ما دام أن هناك من القبور في هذه المقبرة فإنه لا تصح الصلاة فيها .
هذا الصواب في هذه المسألة ، وذكرنا العلة ، وبعض العلماء قال : لا تصح الصلاة في المقبرة لأن ذلك خشية النجاسة لأن دماء الأموات تتحلل و... إلى آخره .
وتختلط بالتراب ، وهذه العلة ضعيفة والصحيح : هو ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله أن العلة في النهي عن الصلاة في المقابر : خشية الشرك وأن الصلاة فيها ذريعة إلى الشرك والشارع جاء لسد ذرائع الشرك وحمى حِمى التوحيد .
وتكلمنا في كتاب التوحيد عن حكم العبادات في المقابر وذكرنا التفصيل في ذلك مما يتعلق بالقراءة والدعاء والصلاة ... إلى آخره .
" وحمام " أيضاً لا تصح الصلاة في الحمام ، والحمام : هو المغتسل العام الذي يكون للناس ، فلا تصح الصلاة فيه ، ودليل ذلك حديث أبي سعيد السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الأرض كلها مسجد إلى المقبرة والحمام " فهذه المغتسلات العامة التي تكون للناس هذه لا تصح الصلاة فيها لأن مثل هذه الحمامات تكون مأوى للشياطين ويحصل فيها شيء من انكشاف العورات والتساهل في بعض الحرمات ... إلى آخره .
وعطن إبل..........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلا تصح ، وهذه وجدت بعد الفتوحات الإسلامية في عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم وجدت مثل هذه الحمامات .
" وعطن إبل " هذا الموضع الثالث الذي لا تصح الصلاة فيه وهو معاطن الإبل ، ومعاطن الإبل : هي ما تقيم وتأوي إليه ، هذا التفسير الأول .
العلماء رحمهم الله اختلفوا في معاطن الإبل ما المراد بها .(2/140)
فقيل بأن معاطن الإبل : هي ما تقيم وتأوي إليه ، فالأحواش تقيم فيها وتأوي إليها هذه هي معاطن الإبل لا تصح الصلاة فيها .
الرأي الثاني : أن معاطن الإبل : هي المواضع التي تردها بعد ورود الماء ، يعني بعد أن ترد الماء يكون لها مواضع ترد فيها الإبل هذه المواضع ... إلى آخره .
والصحيح في ذلك : أن معاطن الإبل شاملة لأمرين :
أما المكان الذي تأوي إليه في المرعى تجلس فيه في المرعى ثم تقوم منه ... إلى آخره .
فهذه ليست داخلة في معاطن الإبل .
فمعاطن الإبل : إما المواضع التي تردها بعد ورود الماء ، أو المواضع التي تأوي وتقيم فيها ، فنقول : هذه هي معاطن الإبل ، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أنصلي في مرابض الغنم ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:" نعم " قيل : أنصلي في معاطن الإبل ؟ قال :" لا " .
وحش ومجزرة ومزبلة وقارعة طريق..................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وحش " الحش : هو المرحاض مكان قضاء الحاجة فلا تصح الصلاة فيه ، وإذا كانت الصلاة لا تصح في الحمام فالحش من باب أولى ، ولأن هذه المواضع مأوى للشياطين .. إلى آخره ، فنقول لا تصح الصلاة فيها .
" ومجزرة ومزبلة " المجزرة : هي مكان ذبح الجزور ، مكان نحر الجزور وذبح البقر والغنم ... إلى آخره .
مكان الذبح يعني يجزر فيها الجزور ينحر وتذبح فيها البقر والغنم ... إلى آخره .
فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح .
والمزبلة : مكان إلقاء الكنائس ، الكناسة والزبل مكان إلقائها يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة فيه .
" وقارعة طريق " قارعة الطريق : هو ما تقرعه الأقدام أثناء المرور عليه ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في هذه المواضع الثلاثة .
وما هو الدليل على ذلك ؟(2/141)
الدليل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن : المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا الصلاة في المجزرة أو المزبلة وقارعة الطريق نقول : الأصل في ذلك الصحة والحل ، وعلى هذا لو صلى الإنسان في مزبلة أو مجزرة أو قارعة طريق نقول : الأصل في ذلك الصحة ، لكن بدلاً من هذه الأشياء نقول :
الموضع الرابع : المكان النجس ، بدلاً من أن نقول المجزرة ، لأن ماهي العلة من النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة ؟ حصول النجاسة .
العلة في ذلك : هي حصول النجاسة .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : نقول بدلاً من أن نقول المجزرة والمزبلة ... إلى آخره .
نقول : المكان النجس ، لا تصح الصلاة في المكان النجس سواء كان مزبلة أو مجزرة أو غيرهما .
فإن كان المكان طاهراً يعني هذا المكان أعد لجزر بهيمة الأنعام يعني ذبحها لكن المكان طاهر نظف من الدم المسفوح فالصلاة فيه صحيحة لا نقول بأن الصلاة باطلة ، أو هذا المكان أعد لإلقاء الزبائل أو الكناسة ... إلى آخره ، ونظف ،
فنقول : الصلاة فيه صحيحة .
فالصواب : بدلاً من ذلك نقول المكان المغسول .
ولا في أسطحتها...............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله : قارعة الطريق أيضاً الأصل في ذلك : الصحة ، وقوله قارعة الطريق : يعني ما تقرعه الأقدام في المرور عليه .
يؤخذ من هذا أن ما كان على جوانب الطريق لا تقرعه الأقدام بالمرور عليه ما كان على جوانب الطريق يمنة ويسرة فإن هذا تصح الصلاة فيه .(2/142)
الذي لا تصح الصلاة فيه هو الذي ما يقرعونه .
على هذا لو أن الإنسان سار في جانب الطريق من جهة اليمين ومن جهة الشمال وصلى على كلام الفقهاء رحمهم الله أن صلاته صحيحة لكن المكان الذي يمرون من عنده هو الذي لا تجوز الصلاة عليه .
" ولا في أسطحتها " يعني أسطحة تلك المواضع ، وهنا يتأمل الأسطحة المقبرة إذا صلى في سطح المقبرة هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
نقول العلة موجودة هذا يسلم .
إذا صلى في عطن الإبل ، أعطان الإبل لو فرضنا الحوش الذي تقيم فيه وتأوي إليه الإبل مسقف عليه سقف ثم بعد ذلك صلى فوقه هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
العلة : في أعطان الإبل أنها مأوى للشياطين وقال بعض العلماء : أن روثها نجس ، لكن هذا ضعيف والصحيح : أن روثها طاهر ، نقول أن العلة ليست موجودة فالصحيح : أن الصلاة في أسطحة معاطن الإبل أن هذا جائز ولا بأس به ولا يدخل في النهي .
وحش ومغصوب...............................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وحش " أيضاً سطح الحش ، لو كان الإنسان عنده دورة مياه وصلى فوق دورة المياه هذه ، هل العلة موجودة أو ليست موجودة ؟
نقول : ليست موجودة ، وعلى هذا نقول أن الصلاة على سطح الحش : أن هذا جائز ولا بأس به .
المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق : هذه أمرها ظاهر لأنا قلنا الصحيح أنها تستبدل بقولنا المكان النجس ، والصلاة على سطح المكان النجس هذه جائزة ولا بأس بها .
وعلى هذا قوله : في أسطحتها لا نستثني إلا المقبرة .
" ومغصوب " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الصلاة في المكان المغصوب ، وهذا النهي يعود على شرط العبادة على وجه لا يختص .
وسبق أن ذكرنا أن النهي إذا عاد على شرط العبادة على وجه لا يختص أنه لا يقتضي الفساد وهذا الصواب في هذه المسألة ، نقول يأثم لكن الصحيح أن صلاته صحيحة كما هو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله .(2/143)
وحينئذٍ يتلخص لنا أن الخلاصة في ذلك : أن الأصل صحة الصلاة في كل بقاع الأرض إلا : أولاً : المقبرة وسطحها .
ثانياً : الحش .
ثالثاً : الحمام .
وتكره إليها....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ رابعاً : معاطن الإبل .
خامساً : المكان النجس .
ما عدا ذلك تصح الصلاة فيه .
" وتكره إليها " يعني تكره إلى هذه المواضع ، الصلاة إلى هذه المواضع هم يقولون إن كان هناك حائل فلا تكره وإن لم يكن هناك حائل فإنها تكره الصلاة إليها .
يعني مثلاً يكره أن تصلي إلى الحمام يكره أن تصلي إلى الحش يكره أن تصلي إلى معاطن الإبل يكره أن تصلي إلى المقبرة ... إلى آخره .
والصحيح في ذلك التفصيل : هم يقولون إن كان هناك حائل فلا للكراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنه يكره ، فمثلاً الحش إذا كان هناك حائل جدار موجود الآن فالحمام له جدار هذا حائل لا تكره الصلاة ، لكن لو لم يكن هناك جدار يقولون بأنه يكره .
الأقرب في هذه المسألة الصلاة إلى هذه الأشياء : نقول أما بالنسبة للمقبرة فإنه لا تصح الصلاة إليها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " نهي النبي صلى الله عليه وسلم نهى .
ويرجع في ذلك إلى العرف فإذا صلى إلى هذه المقبرة بحيث يعتبر مصلياً إليها فنقول : لا تصح صلاته ، أما إذا كان بعيداً عنها بحيث من رآه لا يقول بأنه مصلياً إلى القبور فنقول : بأن صلاته صحيحة هذا بالنسبة للمقبرة .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المقبرة الصلاة إلى القبور أو القبر أو المقبرة إلى آخره ، نقول هذا فيه تفصيل :(2/144)
ولا تصح الصلاة إليها لما ذكرنا من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها "
عندنا الحمام ، هل تصح الصلاة إلى الحمام أو نقول لا تصح الصلاة إلى الحمام ؟
المؤلف رحمه الله يقول : لا تصح الصلاة إلى الحمام كما ذكرنا أنهم يفصلون فيقولون أنه إذا كان هناك حائل فالصلاة صحيحة وإن لم يكن هناك حائل فالصلاة تكون مكروهة .
لأن المؤلف رحمه الله قال : وتكره .
إن كان هناك حائل فالصلاة صحيحة بلا كراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنها مكروهة .
ما ذكروه بالنسبة للحمام والحش وأن الصلاة إليها مكروهة هذا صحيح لأن الشارع نهى أن يبصق الإنسان أمامه في الصلاة ، وكذلك أيضاً النبي عليه الصلاة والسلام عزل الإمام الذي بصق في القبلة فيؤخذ من هذا أن قبلة المصلي لا ينبغي أن يكون فيها شيء مستقذر ، شيء مستقذر من حش أو حمام أو نحو ذلك ، وأن الإنسان عليه أن يتنزه من هذه الأشياء .
فالصلاة إلى مثل هذه الأشياء وكما ذكر الفقهاء رحمهم الله أنها تكره .
ولا تصح فريضة في الكعبة ولا على ظهرها.......................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً المكان النجس كما تقدم إلى آخره ، إذا كان هناك نجاسة فيظهر والله أعلم أنها تكره .
أما الصلاة إلى المغصوب إلى آخره ، فهذه لا تكره الصلاة إليه ، الصلاة إلى المغصوب نقول لا تكره الصلاة إليه .
أعطان الإبل أيضاً يظهر أنها تكره لأن روث الإبل وإن كان طاهراً فإنه من المستقذر ، فالصحيح أن الصلاة إلى هذه الأشياء نقول تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما يحرم ولا تصح الصلاة وهو المقبرة .
القسم الثاني : ما لا يكره وهو الصلاة للمغصوب .
القسم الثالث : ما يكره وهو بقية هذه الأشياء التي عددوها ، المكان النجس الحش الحمام عطن الإبل ... إلى آخره .(2/145)
لكن كما ذكرنا أن الفقهاء رحمهم الله يقولون إذا كان هناك حائل فلا كراهة وإن لم يكن هناك حائل فإنه يكره مثل هذه الأشياء .
" ولا تصح فريضة في الكعبة ولا على ظهرها " يقول المؤلف رحمه الله : لا تصح الفريضة في الكعبة ودليل ذلك ما تقدم من حديث ابن عمر " وفوق ظهر بيت الله " وهذا الحديث كما ذكرنا ضعيف .
والحجر منها......................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني في هذه المسألة : أن الصلاة في جوف الكعبة وعلى ظهرها أن هذا جائز ولا بأس به فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث بلال وحديث ابن عباس صلى في جوف الكعبة ، ا .
والقاعدة { أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا لدليل }
فالصحيح في ذلك أن الصلاة في جوف الكعبة أن هذا جائز ولا بأس به .
وكذلك أيضاً على سطحها جائز ولا بأس به .
"والحجر منها " يعني يقول المؤلف رحمه الله : الحجر من الكعبة ، والحجر : هو ما فضل من البيت ، وسمي حجراً لأنه محجر بهذا الجدار القصير وفضل من البيت لأن قريشاً جمعت لعمارة البيت ماستطابت من أموالها ولم تتمكن من عمارة جميع البيت بما جمعته من المال ففضل هذه الفضلة فبني عليه هذا الجدار الصغير فسمي الحجر ، فالحجر من البيت والصلاة فيه صلاة في البيت فإذا صليت في الحجر كأنك صليت داخل الكعبة تماماً وعلى هذا لا تصح الصلاة ، صلاة الفريضة في الحجر لأنه من البيت .
وإذا قلنا بأن صلاة الفريضة تصح في البيت فإنها تصح في الحجر .
ما هو ضابط الحجر ، يعني هذا الجدار هل جميع المحجر من البيت أو بعضه من البيت وبعضه ليس من البيت ؟
وتصح النافلة فيهما ومنها استقبال القبلة فلا تصح بدونه إلا لعاجز..............................................................................................(2/146)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما دام أن جدار الحجر مستقيم فهذا من البيت فإذا بدأ بالإنحناء هذا ليس من البيت ، بعض العلماء حده بستة أذرع وبعضهم حده بسبعة أذرع ... إلى آخره .
لكن ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال : مادام أن الجدار مستقيم فهذا من البيت فإذا بدأ بالإنحناء فإنه خارج البيت .
" وتصح النافلة فيهما " يعني تصح النافلة في الحجر وفي الكعبة والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة ، صلى النافلة داخل الكعبة .
هذه قلنا أن الصواب في هذه المسألة : أن النافلة والفريضة كل منهما تصح داخل الكعبة ، وإن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض .
" ومنها استقبال القبلة فلا تصح بدونه إلا لعاجز " قوله منها : أي من شروط صحة الصلاة .
استقبال القبلة : المراد بذلك الكعبة فلا تصح بدونه ، والدليل على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة القرآن والسنة والإجماع .
فلا تصح بدونه................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أما القرآن فقول الله عز وجل :" ومن حيث خرجت فولي وجهك شرط المسجد الحرام "
وأما السنة فالأحاديث في هذا كثيرة منها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في قصة الرجل الذي لم يحسن الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ثم استقبل القبلة فكبر .
وأيضاً فعل النبي عليه الصلاة والسلام فإن النبي عليه الصلاة والسلام داوم على استقبال القبلة في الفرض وفي النفل وفي الحظر وفي السفر إلى أن توفاه الله ، وكان أولاً يستقبل بيت المقدس ثم بعد ذلك نسخ استقبال بيت المقدس إلى استقبال البيت الحرام .(2/147)
وأما الإجماع فالمسلمون مجمعون على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا .
قال " فلا تصح بدونه " أي بدون الإستقبال .
إلا لعاجز ولمسافر متنفل.................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال " إلا لعاجز " لما ذكر المؤلف رحمه الله أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ذكر أن هذا الشرط يسقط بأمور :
الأمر الأول : العجز عن استقبال القبلة ، فإذا عجز عن استقبال القبلة كما لو كان مربوطاً إلى غير القبلة هذا لا يتمكن إذا كان مربوطاً َإلى غير القبلة ، ومثله أيضاً في حال إشتداد الحرب قد لا يتمكن من الاستقبال .. إلى آخره .
هذا الموضع الأول .
الموضع الثاني : المشقة الظاهرة فإذا كان في استقبال القبلة يلحقه حرج ومشقة مثل المريض الذي إذا استقبل القبلة سيلحقه تعب وحرج ومشقة ونحو ذلك فنقول : يسقط عنه الاستقبال .
" ولمسافر متنفل " هذا الموضع الثالث .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثالث الذي يسقط فيه استقبال القبلة : المسافر إذا كان متنفلاً ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أنه إذا كان داخل الحظر فإنه لا يسقط إستقبال القبلة ، إذا كان مقيماً غير مسافر فإنه لا يسقط استقبال القبلة ولو كان في النافلة .
وعلى هذا لو أنه يمشي في طرق المدينة وهو مقيم فإنه لا يسقط عنه استقبال القبلة .
وكذلك أيضاً قوله متنفل هذا يخرج المفترض ، فالمفترض إذا كان يتمكن من استقبال القبلة فإن الاستقبال لا يسقط عنه .
وقوله : متنفل يشمل المتنفل الراكب الذي على سيارة أو باخرة أو طائرة ونحو ذلك ، وكذلك أيضاً يشمل المتنفل السائر الماشي على رجليه ، فيصح أن يصلي ولو لم يستقبل القبلة ، ويصلي إلى جهة قصده .(2/148)
ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق.....................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق " يقول المؤلف رحمه الله : يفتتح الصلاة إليها ، هل يجب عليه أن يفتتح الصلاة إلى القبلة أو لا يجب عليه ؟
لما ذكر المؤلف رحمه الله أن المسافر المتنفل يسقط عنه استقبال القبلة ، قال : ويفتتح الصلاة إليها إن لم يشق ، يعني يسقط عنه الاستقبال ولكن يفتتح الصلاة إلى القبلة يعني يكبر تكبيرة الإحرام ثم بعد ذلك يصلي جهة قصده فلو كان يقصد هذه الجهة وقبلته إلى هذه الجهة فإنه ينحرف عند تكبيرة الإحرام ويستقبل القبلة ثم يكبر ثم يواصل جهة سيره ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، واستدلوا على ذلك بحديث أنس رضي الله تعالى عنه في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يتنفل في السفر استقبل القبلة ثم بعد ذلك صلى جهة سفره .
والرأي الثاني : أن هذا ليس شرطاً وليس واجباً يعني لا يجب عليه في بدإ الصلاة أن يستقبل في تكبيرة الإحرام .
ويركع ويسجد أيضاً إليها ماش......................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ودليل ذلك : أن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر لم يذكروا ذلك مثل ابن عمر وعامر ابن الربيعة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
وهذا القول هو الصواب .
وعلى هذا يحمل ما ورد من توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى القبلة في تكبيرة الإحرام هذا يحمل على الاستحباب .
" ويركع ويسجد أيضاً إليها ماش " هو لما ذكر المؤلف رحمه الله : أنه يسقط الاستقبال في السفر للمتنفل استثنى مسألتين لا بد فيها من الاستقبال :
المسألة الأولى : في حال تكبيرة الإحرام وتكلمنا عليها وذكرنا دليلهم وأن الصواب أن هذه المسألة لا تستثنى وأنه لا بأس أن يكبر جهة قصده إذا كان إلى غير جهة القبلة .(2/149)
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية مما يستثنى : إذا كان ماشياً يعني يمشي على رجليه قال :يركع ويسجد إليها .
فالمسألة الثانية التي تستثنى من سقوط الاستقبال للمتنفل المسافر إذا كان يمشي على رجليه فإنه إذا ركع يتوجه إلى جهة القبلة وإذا سجد أيضاً يتوجه إلى جهة القبلة .
والصواب في ذلك : أنه لا يستثنى شيء .
لأن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وإن كان النبي عليه الصلاة والسلام كان راكباً لكن الماشي يأخذ حكم الراكب .
ولإن العلة من سقوط الاستقبال : هي تكثير النفل والتخفيف ... إلى آخره .
فإذا اشترطنا مثل هذه الشروط وأوجبنا مثل هذه الواجبات فإن هذا يفوت العلة التي قصدها الشارع .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وسقوط الاستقبال للمسافر إذا كان راكباً هذا إذا لم يتمكن من الاستقبال أما إذا كان يتمكن من الاستقبال كما لو كان في سفينة أو في باخرة فيمكن أن يقوم ويستقبل ، فنقول : بأنه يجب عليه أن يستقبل ، لكن إذا كان يلحقه مشقة ونحو ذلك كما لو كان سفره في سيارة والأمكنة ضيقة ، فنقول : يصلي جهة سيره ولا شيء عليه .
لكن بالنسبة للفريضة : ينتظر لا يصلي حتى إذا كان سينزل في الوقت ، أما التنفل لا نقول انتظر نقول تنفل ولو كان إلى غير القبلة ، أما إذا كان يتمكن كما لو كان في باخرة والمكان كبير واسع فإنه يصلي إلى جهة القبلة أو مثلاً في طائرة يستطيع معها ... إلى آخره .
أما إذا كان لا يتمكن أو يلحقه مشقة ... إلى آخره ،
فنقول : صل إلى جهة سيرك .
ومن قرب من الكعبة ففرضه إصابة عينها ومن بعد جهتها...........(2/150)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ومن قرب من الكعبة ففرضه إصابة عينها ومن بعد جهتها " من قرب من الكعبة وما هو ضابط القرب ؟
ضابط القرب : أن يكون داخل المسجد الحرام فإذا كان داخل المسجد الحرام فإنه يجب عليه أن يصيب عين الكعبة لا جهتها فالجهة غير مجزئة ، فلو فرضنا أن هذه عين الكعبة ثم انحرف يميناً أو يساراً عن الكعبة هو في جهة الكعبة لكنه انحرف يميناً أو يساراً فعلى كلام المؤلف رحمه الله : أنه لا يجزئه ذلك بل لابد أنه يكون إلى عين الكعبة تماماً وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
والرأي الثاني : ذهب إليه بعض الشافعية وأنه تكفي الجهة يعني لو توجه إلى عين الكعبة وانحرف يميناً أو يساراً فإن ذلك كاف .
فنقول ضابط القرب : هو أن يكون داخل المسجد الحرام هذا الموضع الأول .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثاني : من كان ناشئاً بمكة ... إلى آخره .
فيقولون بالنسبة للاستقبال له أن يكون إلى عين الكعبة هذا الموضع الثاني يضيفه بعض العلماء رحمهم الله .
والموضع الثالث : يقولون من كان بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ففرضه أيضاً إصابة العين للجهة .
والصواب في هذه المسائل :
أن من كان خارج المسجد الحرام فإنه يجب عليه أن يصيب الجهة ، وكذلك أيضاً من كان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الصواب : أنه لا يجب عليه أن يصيب العين وإنما يجب عليه أن يصيب الجهة ولهذا كان اصفوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم معتدلاً ليس متقوساً وهذا مما يدل على أن الواجب هو إصابة الجهة أو التوجه إلى الجهة لا إصابة عين الكعبة .
ومن بعد جهتها...............................................................................(2/151)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن من كان داخل المسجد الحرام فإنه يحتاط ويجتهد في التوجه إلى عين الكعبة .
" ومن بعد جهتها " يعني من بعد عن الكعبة يقولون : يكفي أن يصيب الجهة ، إلا أنهم كما تقدم يستثنون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يقولون بأن قبلته متيقنة .
والصواب : أنه لا يستثنى وأن من بعد فإنه يكتفي بجهتها.
وقال المؤلف رحمه الله : الجهة ولم يقل العين وعلى هذا فلو حصل تيامن أو تياسر عن العين فإن هذا لا يضر .
والدليل على ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام:" ما بين المشرق والمغرب قبلة " وهذا يقوله لأهل المدينة وأهل المدينة قبلتهم إلى جهة الجنوب .
ويعمل بخبر عن يقين وبمحراب إسلامي ويستدل عليها في السفر بالقطب وبغيره................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا من كانت قبلته إلى جهة الجنوب فهي بين المشرق والمغرب ، وكذلك من كانت قبلته إلى جهة الشمال فهي بين المشرق والمغرب ، كذلك من كانت قبلته إلى جهة الغرب مابين الشمال والجنوب فكل هذه الجهة قبلة فإن تيامن بيسار أو صلى هكذا أو صلى هكذا كل هذا جائز ولا بأس به ما لم يتوجه إلى الجانب الغربي الجنوبي أو الجانب الغربي الشمالي فإذا كان في الركن هنا خرج عن الجهة ،
يعني إذا توجه إلى الركن بحيث أنه يكون بين الغرب والجنوب أو بين الغرب والشمال هنا يكون خرج عن الجهة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :" ما بين المشرق والمغرب قبلة "
" ويعمل بخبر عن يقين وبمحراب إسلامي ويستدل عليها في السفر بالقطب وبغيره " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان الأدلة التي يستدل بها على القبلة فالدليل الأول : الخبر ويشترط في المخبر شروط :
..........................................................................................................(2/152)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشرط الأول : أن يكون مكلفاً يعني بالغاً عاقلاً وعلى هذا الصبي لا يصح خبره لأنه لا يوثق بقوله والمجنون لا يصح خبره لو أخبر مجنون أن هذه القبلة لا يؤخذ بخبره لأنه لا يوثق بقوله فنشترط أن يكون مكلفاً .
الشرط الثاني : أن يكون ثقة ، وعلى هذا إذا كان غير ثقة بأن يكون معروفاً بالتساهل والكذب ونحو ذلك فإنه لا يعتمد على قوله .
الشرط الثالث : العدالة ، هل تشترط العدالة أو لا تشترط العدالة ؟
المذهب : أن العدالة شرط ، أن يكون عدلاً في الظاهر وفي الباطن وعلى هذا لو كان عليه فسق في الظاهر أو في الباطن يعني يعمل شيء من الذنوب في الظاهر أو في الباطن ما يصح خبره ولا يعتمد عليه .
والصواب : أن العدالة ليست شرطاً وإنما يكتفى بالأمانة لأن الله عز وجل قال :" إن خير من استأجرت القوي الأمين " والأمانة هي الثقة .
فنقول : مكلف ثقة يعني الأمين .
عن يقين..........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " عن يقين " هذا الشرط الرابع : لابد أن يخبرك بالقبلة عن يقين ليس عن ظن وإنما عن يقين ، يعني يقول أنا رأيت المحراب إلى هذه الجهة أو رأيت القطب ممن يعرف الإستدلال بالأدلة الأفقية القطب والشمس ومنازلها ... إلى آخره ، فيقول : رأيت القطب وجهت القبلة كذا وكذا إلى آلآخره .
فإن كان عن ظن فإنه لا يكتفى بذلك .
والصواب : أنه يكتفى بذلك حتى ولو كان أخبرك عن ظن ... إلى آخره .
لأن الظن له مدخل في العبادات ولهذا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما ذكرت غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالت : حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه .
وبمحراب إسلامي وعليها في السفر بالقطب....................................(2/153)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وبمحراب إسلامي " هذا الدليل الثاني مما يستدل به على القبلة : المحاريب الإسلامية ، لأن المسلمون اتفقوا عليها مع تتابع الإزمنة ولا تجوز مخالفته إذا علم أنه للمسلمين .
وقوله : إسلامي هذا يخرج محاريب النصارى ، محاريب النصارى تكون إلى جهة الشرق فهذه لا يعتد بها وإنما يعتد بمحاريب المسلمين .
" وعليها في السفر بالقطب " هذا الدليل الثالث مما يستدل به على القبلة : القطب ، والقطب : نجم خفي شمالي حوله أنجم دائرة كفراشة الرحى ، فإذا جعله المصلي وراء ظهره في الشام يكون استقبل القبلة .
يعني الشام ومن والاها إذا جعله وراء ظهره يكون استقبل القبلة ، وفي مصر إذا جعله على عاتقه الأيسر يكون استقبل القبلة وهكذا تجد أن العلماء رحمهم الله يحددون الأماكن ، وفي الحجاز كذا ... إلى آخره .
" وبغيره " أي غير القطب كالشمس والقمر هذا الدليل الرابع : الشمس والقمر ومنازلهما فإن الشمس تطلع من المشرق وتغرب من المغرب .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً ذكر الفقهاء رحمهم الله في المطولات أنه يستدل على القبلة بالجبال الكبيرة ويستدل أيضاً بمصاب الأنهار ويستدل أيضاً بالرياح ... إلى آخره .
وهذه العلامات التي ذكرها الفقهاء رحمهم الله ذكروا أيضاً كيف يستدل على هذه العلامات الأرضية ؟
يعني من الرياح ومن الجبال ومن الأنهار ... إلى آخره .
كيف يستدل بها ؟
وكذلك أيضاً يستدل على القبلة ما يوجد الآن من الآلات الحديثة كالبوصلة ونحوها فهذه الآلات الحديثة التي وجدت هذه مما تعين على تعيين جهت القبلة وهي تفيد الظن والظن معتبر في العبادات تقدم لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض الماء على سائر بدنه .(2/154)
ولا يتبع مجتهد مجتهداً خالفه ولا يقتدي به.................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ولا يتبع مجتهد مجتهداً خالفه ولا يقتدي به " المجتهد في باب القبلة هو من يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها هذا المجتهد .
ليس المجتهد هو الذي يتحرى يميناً وشمالاً .
المجتهد هو من يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها يعرف أن من أدلة القبلة القطب ويعرف كيفية الإستدلال به ، يعرف أن من أدلة القبلة الشمس والقمر وكيف يستدل بالشمس والقمر ، هذه الجبال كبيرة وكيفية الإستدلال بها هذا هو المجتهد .
وليس المجتهد هو الذي يقوم يتحرى وهو لا يعرف .
فإذا اجتمعا عندنا مجتهدان وتخالفا يقول المؤلف رحمه الله : لا يتبعه ولا يقتدي به ، لا يتبعه فإذا قال ، عندنا زيد وعمر وقال زيد : الجهة إلى هنا ، وقال عمر : جهة القبلة إلى هنا واختلفا ، فيقول المؤلف رحمه الله : لايتبعه في جهته ولا يقتدي به عند الصلاة أيضاً لا يقتدي به بل كل يصلي إلى جهته .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فهذا زيد اجتهد وتبين له أن الإجتهاد إلى هنا وعمر تبين له إجتهاده إلى هنا .
ودليلهم على ذلك أنه لا يتبعه ولا يقتدي به قالوا : لأن كل واحد منهما يعتقد خطأ الآخر فإذا كان يعتقد خطأ الآخر فإنه لا يتبعه ولا يقتدي به
والرأي الثاني في المسألة : أنه لا بأس أن يتبعه وأن يقتدي به لأنه مجتهد ولأن مخالفته تورث عنده ظن في خطأ اجتهاده ، كونه خالفه هذه المخالفة تورث عنده ظناً في خطأ اجتهاده .
الصواب في هذه المسألة : هو الرأي الثاني وأنهما إذا اختلفا فلا بأس أن يتبع أحدهما الآخر ويقتدي به في الصلاة .(2/155)
يعني يقتدي به فيما يتعلق بالصلاة أن يتبعه في الصلاة ويؤيد ذلك أن صلاة الجماعة واجبة وأن الشارع نهى عن التفرق والاختلاف بل أمر من صلى في رحله ثم جاء في مسجد جماعة أن يصلي مع الناس كما فى الحديث :" إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصليا معهم فإنها لكما نافلة " وكونهما يتخالفان إما يؤدي ذلك إلى ترك الجماعة وإما يؤدي ذلك إلى التفرق والاختلاف وهذا منهي عنه
وأيضاً يؤيد ذلك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يختلفون ومع ذلك كانوا يصلي بعضهم خلف بعض فنقول بما يتعلق بالإقتداء نقول : يقتدي به ويصلي معه .
أما ما يتعلق بالأمور الأخرى فلكل اجتهاده .
مثلاً عند قضاء الحاجة هو يرى أن القبلة هنا والآخر يرى أن القبلة هناك ، هذا لا بأس كل يسير إلى ما أداه اجتهاده .
وأيضاً فيما يتعلق في عموم العبادات التي لا يتعلق بها اجتماع مثلاً إذا أراد أن يذكر الله عز وجل إذا أراد أن يذبح ... إلى آخره ، فنقول : هذا كل يعمل بما يؤديه اجتهاده ، لكن فيما يطلب فيه الاجتماع فنقول يتبع أحدهما الآخر .
ويتبع مقلد الأوثق عنده................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويتبع مقلد الأوثق عنده " هنا إذا كان عندنا مجتهدان وبينا من هو المجتهد ، المجتهد : هو الذي يعرف أدلة القبلة وكيف الإستدلال بها ، عندنا المقلد الذي لا يعرف أدلة القبلة أو لا يعرف كيف يستدل بهذه الأدلة فمن يتبع المقلد ؟
المقلد يتبع أوثق المجتهدين ، فأوثق المجتهدين يتبعه أوثقه في علمه في أدلة القبلة وكيفية الاستدلال بها وفي علمه وورعه ... إلى آخره ، فإنه يتبعه(2/156)
فلو مثلاً عندنا رجل جاهل لا يعرف أدلة القبلة أو رجل أعمى لا يعرف أدلة القبلة ولا كيف يستدل بها ... إلى آخره .
فنقول هذا يتبع أوثق المجتهدين فإذا قال زيد وهو الأوثق الجهة إلى هنا يأخذ بقوله ولا يأخذ بقول الآخر .
فإن تساوى عنده المجتهدان في الثقة فإنه يخير .
ومن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد مع قدرته أعاد................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ومن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد مع قدرته أعاد " إذا صلى بلا اجتهاد إن كان من أهل الاجتهاد بأن يعرف أدلة القبلة وكيف يستدل بها ثم بعد ذلك ترك النظر في أدلة القبلة ... إلى آخره وصلى ، فيقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد .
وأيضاً بلا تقليد : إنسان لا يعرف أدلة القبلة جاهل لكن هناك مجتهد يعرف أدلة القبلة ومع ذلك لم يقلده وصلى هكذا ، يقول المؤلف رحمه الله : بأنه يعيد .
وظاهر كلام المؤلف أنه يعيد ولو أصاب .
يعني هذا مجتهد يعرف أدلة القبلة وصلى هكذا وأصاب القبلة فعلى كلام المؤلف رحمه الله بأنه يعيد .
وهذه المسألة لها ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يخطئ جهة القبلة ، فنقول هذا يعيد لأنه ترك واجباً بل عليه التوبة .
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يجهل الأمر لا يدري هل أخطأ أو أصاب ... إلى آخره ، فنقول أيضاً يعيد .
الحالة الثالثة : أن يصيب ، يعني لم يجتهد ولم يقلد مجتهداً وهو يقدر على أن يقلد المجتهد ومع ذلك لم يقلد المجتهد وأصاب القبلة فعلى كلام المؤلف أنه يعيد لأنه ترك واجباً ، والواجب هذا الاجتهاد إن كان من أهله أو التقليد إن لم يكن من أهله مادام أنه وجد مجتهداً .(2/157)
والرأي الثاني في هذه المسألة : أنه لا يعيد لأنه لو كان أخطأ في ترك الاجتهاد أو التقليد لكنه في الواقع أصاب واكتملت شروط الصلاة عنده وعلى هذا تكون صلاته صحيحة ومبرئة للذمة ، وهذا القول هو الأقرب
القول الثاني في هذه المسألة وأنه إذا أصاب وترك الاجتهاد أو التقليد نقول هذا هو الأقرب في هذه المسألة .
فالصواب في هذه المسألة هو الرأي الثاني وأنه لاتجب عليه الإعادة .
وإلا تحرى وصلى.................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإلا تحرى وصلى " وعلى هذا نقول المصلي لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى : أن يكون من أهل الاجتهاد فهذا يجتهد ويصلى .
الحالة الثانية : أن يكون من أهل التقليد وهو الذي لا يعرف أدلة القبلة ولا يعرف كيفية الاستدلال بها لكنه وجد من يقلده فهذا الواجب في حقه التقليد .
الحالة الثالثة : هو من لم يكن من أهل الاجتهاد ولا من أهل التقليد ، لا يعرف أدلة القبلة ولا يعرف كيفية الاستدلال بها ولم يجد مجتهداً يقلده هذا يتحرى وهذا ما عليه كثير من الناس اليوم لا يعرف تجد أنه في البر لا يعرف نقول هذا يتحرى ويصلي إلا إذا كان حوله ناس قريبين أو حوله المدينة قريبة باستطاعته أن يذهب إلى المساجد ويسأل فهذا نقول يجب عليه أن يذهب ويسأل لأن استقبال القبلة شرط فإن كانوا قريبين عرفاً يجب عليه أن يقصدهم ، مثلاً هو في السفر والبلد قريب منه نقول يجب عليه ، لكن إن كان البلد بعيد عنه عشرة كيلو خمسة كيلو بعيد هنا ما
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/158)
يجب عليه لا بأس أن يصلي لكن إن كان قريب عرفاً فإنه يجب عليه أن يقصد ، وإن كان بعيد عرفاً فإنه لا يجب عليه أن يقصد ويتحرى ويصلي لأن الله عز وجل قال :" فأين ما تولوا فثم وجه الله "
بقينا في مسألة الاجتهاد عرفنا من هو المجتهد لكن ما هو موضع الاجتهاد؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله
نقول موضع الاجتهاد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : السفر هذا لاخلاف بين أهل العلم أنه موضع للاجتهاد إذا كان الإنسان مسافر .
القسم الثاني : الحضر ، الحضر هل هو موضع للاجتهاد أو ليس موضع للاجتهاد ؟
هذا موضع خلاف فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الحضر ليس موضعاً للاجتهاد لأن بإمكانه أن يعرف القبلة عن يقين وأن يسأل أهل البلد وينظر للمحاريب ... إلى آخره .
ويجتهد عارف لكل صلاة..................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الثاني : أن الحضر موضع للاجتهاد فإذا كان الإنسان يعرف الأدلة الأفقية وكيف يستدل بها يستطيع أنه ينظر في النجوم وينظر في الشمس والقمر ... إلى آخره ويتبين له القبلة فإن هذا موضع للاجتهاد .
وهذا القول الثاني هو الصواب أن الحضر موضع للاجتهاد إذا كان من مجتهد يعرف أدلة القبلة وكيف يستدل بها .
" ويجتهد عارف لكل صلاة " يعني المجتهد إذا اجتهد وتبين له أن جهة القبلة هكذا ثم جاء وقت الصلاة الأخرى فهل يجب عليه أن يجتهد مرة أخرى أو لا يجب عليه ؟
يقول المؤلف رحمه الله يجب عليه أن يجتهد مرة أخرى
واستدلوا على ذلك قالوا بأنها واقعة متجددة فتستدعي طلباً جديداً .
والرأي الثاني : أنه لا يجب عليه إلا إذا وجد سبب لذلك وذلك بأن يجد عنده شيء من الشك في صحة اجتهاده أو يخالفه مجتهد آخر بأن هذا ليس موضع القبلة وأن موضع القبلة إلى هنا ... إلى آخره .
ويعمل بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول..........................................(2/159)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المهم إذا وجد سبب يظن معه أن اجتهاده الأول غير صواب فهنا يعاود الاجتهاد مرة أخرى أما إذا لم يجد شيئاً من ذلك فالأصل بقاء ما كان على ما كان وأن اجتهاده الأول صحيح وأن الله عز وجل لم يأمر بالعمل مرتين .
" ويعمل بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول " يعني لو أنه اجتهد ثم بعد ذلك تبين له أن هذه القبلة وصلى الظهر ثم اجتهد مرة أخرى وتبين له أن القبلة هنا وصلى العصر ، فنقول يعمل بالاجتهاد الثاني ويكون الثاني ناسخاً للأول ولا يقضي ما صلى بالأول .
صلى بالأول صلاة الظهر نقول بأنه لا يقضي صلاة الظهر لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد .
بقينا في مسألة قبل أن ننتقل من القبلة وهي :
.........................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حكم تعلم أدلة القبلة هذه فرض كفاية ، العلماء رحمهم الله يقولون أنه يستحب هذا على وجه العموم ، يجب أن يكون هناك أناس عندهم علم في أدلة القبلة .
فنقول بأنه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ويكون في حق عموم الناس مستحباً .
لكن إذا دخل الوقت وهو يجهل أدلة القبلة فإنه يجب عليه أن يتعلم إذا لم يجد أحداً يقلده يجب عليه أن يتعلم فإن وجد مجتهداً يقلده فإنه يقلد هذا المجتهد ، وعلى هذا نقول تعلم أدلة القبلة من حيث العموم فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين إذا كان في حق عموم الناس مستحباً .
ومنها النية ....................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومتى يتعين ؟
يتعين إذا دخل وقت الصلاة وهو يجهل القبلة وأمكنه أن يتعلم ، فنقول هنا يجب عليه أن يتعلم أدلة القبلة لكي يصلي إلى جهة القبلة إلا إذا وجد أحداً يقلده فإن الواجب في حقه يسقط بالتقليد .(2/160)
" ومنها النية " منها أي من شروط صحة الصلاة النية ، والنية : في اللغة : القصد ، وهو عزم القلب على فعل الشيء .
وأما في الاصطلاح : فهو العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله عز وجل .
ودليل النية القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن : فقول الله عز وجل :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " قال : مخلصين له الدين .
والإخلاص منبعه القلب .
والسنة حديث عمر المشهور :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى "
فيعتبر أن ينوي عين ما يصليه من نحو ظهر أو راتبة.................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والإجماع قائم على هذا بالجملة أنه لابد من النية في الصلاة .
ومحلها القلب والتلفظ بها بدعة حتى ولو كان سراً .
فالنية من أعمال القلوب وليست من أعمال الجوارح ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من صحابته أنه إذا أراد أن يصلي قال : نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات فرضاً لله سبحانه وتعالى أو العصر أو السنة الراتبة ... إلى آخره .
" فيعتبر أن ينوي عين ما يصليه من نحو ظهر أو راتبة " هل يشترط وذكرنا أن النية شرط لكن هل هناك أمر زائد بحيث يشترط أن ينوي عين الصلاة التي يريد أن يصليها أو نقول بأن هذا ليس شرطاً ؟
يقول المؤلف رحمه الله : هذا شرط فإذا أراد أن يصلي الظهر لابد أن ينوي أنها صلاة الظهر وإذا أراد أن يصلي العصر لابد أن ينوي أنها العصر ، لابد أن يعينها أنها الظهر أنها العصر أنها المغرب ... إلى آخره .
ولا يشترط نية فرض ولا أداء ولا ضدهما............................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا أراد أن يصلي تطوعاً لابد أن يعين التطوع هذا هل هو سنة راتبة هل هو وتر ... إلى آخره .
وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
وهم يستدلون بحديث :" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى "(2/161)
والرأي الثاني : أنه لا يشترط التعيين وإنما يكفي أن ينوي الصلاة التي حضر وقتها وأن التعيين هذا قد يغيب عن ذهنه وهو ماخرج إلا لهذه الصلاة .
فمثلاً عند العصر خرج حضر وقت العصر ثم خرج للصلاة فينوي الصلاة التي حضر وقتها .
كونه ينوي العصر هذا قد يغيب عن ذهنه فنقول أن هذا الصواب : أنه ليس شرطاً .
" ولا يشترط نية فرض ولا أداء ولا ضدهما " لا يشترط نية الفرضية هذه ليست شرطاً يقولون بأن التعيين يغني عن ذلك فإذا أراد أن يصلي
وينوي مع التحريمة وقبلها بيسير في الوقت.............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الظهر لا يشترط أن ينوي أنها فرض ، وإذا أراد أن يصلي الظهر لا يشترط أن ينوي أنها أداء أو إعادة أوقضاء .
الأداء : هو فعل العبادة في وقتها .
والقضاء : هو فعل العبادة بعد وقتها .
والإعادة : هو فعل العبادة في وقتها مرة أخرى .
فهل يشترط أن ينوي أنها فرض أنها أداء أنها قضاء أنها إعادة ؟
يقول المؤلف رحمه الله : أن هذا ليس شرطاً والتعليل كما تقدم أن نية التعيين تغني عن ذلك .
فتلخص لنا : أنه يكفي أن ينوي الصلاة التي حضرته .
" وينوي مع التحريمة وقبلها بيسير في الوقت " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان وقت النية .
ووقت النية وقتان :1- وقت استحباب . 2-ووقت جواز .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقت الاستحباب : أن ينوي مع التحريم يعني مع تكبيرة الإحرام ، وهو يكبر تكبيرة الإحرام ينوي أنه يريد أن يصلي صلاة كذا وكذا ، هذا وقت الاستحباب .(2/162)
ووقت الجواز : أن تقدم النية على الصلاة بزمن يسير فإن كان الزمن كثيراً فإنه لابد أن يعيد النية أما إن كان الزمن يسيراً فإن هذا لا يضر لأن الأمور اليسيرة هذه اغتفرها الشارع وأيضاً الفاصل اليسير عرفاً لايضر ، الذي يضر هو الفاصل الطويل عرفاً .
وقال المؤلف رحمه الله : في الوقت : يعني لابد أن تكون النية في الوقت ، وعلى هذا لو أنه نوى خارج الوقت ثم صلى ولم يكون هناك فاصل إلا يسير هل تصح النية أو لا تصح ؟
يقول المؤلف : لا تصح .
والصواب في ذلك : أنه إذا نوى في الوقت أو نوى خارج الوقت فإن نيته صحيحة الذي يشترط أن لا يكون هناك فاصل طويل عرفاً .
وإن قطعها أو تردد بطلت............................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإن قطعها أو تردد بطلت " هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يبطل النية :
المبطل الأول : قال : قطعها ، فإذا قطع النية فإن صلاته تبطل عليه لأن النية شرط ، والشرط لابد من استدامته وهذا محل إجماع بين أهل العلم رحمهم الله .
الأمر الثاني : أن يتردد في القطع هل يقطع أو لا يقطع ... إلى آخره .
تردد في القطع وما قطع ، فيقول المؤلف رحمه الله : أو تردد بطلت .
ودليلهم على ذلك : قالوا بأن استدامة النية شرط ومع التردد لا يبقى مستديماً .
والقول الثاني في المسألة : أنه إذا تردد فإن نيته لا تبطل عليه .
وهذا القول هو الصواب ويدل لذلك حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري أنه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى هممت بأمر سوء قيل: وما هممت به ؟ قال : هممت أن أجلس وأن أدعه
ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال : هممت يعني تردد أن يجلس أو يواصل ، ومع ذلك لم تبطل عليه صلاته
فالصواب : أنه إذا تردد فإن تردده لا يضر .
هو ذكر المؤلف رحمه الله أمرين :(2/163)
الأمر الثالث : العزم على فعل محظور ، يعني إذا أراد أن يفعل محظوراً من المحظورات هل تنقطع نيته وتبطل عليه أو لا ؟
مثل لو عزم على أن يأكل في الصلاة أو يأكل وهو صائم ونحو ذلك هل تبطل أو لا تبطل ؟
نقول بأن نيته لا تبطل عليه لأن أصل النية لا يزال باقياً .
" ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته " يعني يقول المؤلف رحمه الله : يجوز أن يقلب الفرض نفلاً ، والمقصود بالنفل هنا : النفل المطلق إذ أن القلب في النفل المعين هذا لا يصح كما سيأتي إن شاء الله ، لكن لا بأس أن يقلب فرضه نفلاً مطلقاً .
إن اتسع وقته................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والدليل على ذلك : أن الصلاة اشتملت على نية الصلاة ونية الفرضية فإذا أبطل نية الفرضية بقيت نية الصلاة .
واشترط المؤلف رحمه الله قال :
" إن اتسع وقته " ويؤخذ من هذا أنه إذا تضايق الوقت فإنه لا يجوز له أن يقلب فرضه نفلاً لأن الوقت تعين الآن للمفروضة .
فلو فرضنا أنه بقي على خروج الوقت قدر عشر دقائق هذه العشر تتسع لفعل الفرض فهل له أن يقلب ذلك إلى نافلة ؟
نقول ليس له ذلك لأن الوقت تعين للفريضة ، فيشترط لكي يقلبها أن يتسع الوقت لفعل الفريضة .
وأيضاً يشترط أن لايؤدي ذلك إلى ترك واجب كالجماعة فلو كان يصلي مع الجماعة ثم قلب صلاته نفلاً مطلقاً ، فنقول : هذا لا يجوز لأنه يؤدي إلى ترك صلاة الجماعة وأيضاً يؤدي إلى ترك الإئتمام بالإمام ... إلى آخره .
وكره بلا غرض................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول يشترط لكي يقلب فرضه نفلاً شروط :
الشرط الأول : أن يقلبه إلى نفل مطلق .
الشرط الثاني : أن يتسع الوقت لفعل الفريضة .
الشرط الثالث : أن لا يؤدي ذلك إلى ترك واجب كالجماعة وكالإئتمام بالإمام ونحو ذلك .(2/164)
" وكره بلا غرض " يعني كونه يقلب فرضه إلى نافلة يقول المؤلف رحمه الله : هذا يكره بلا غرض صحيح ، ويؤخذ من هذا أنه إذا كان لغرض صحيح كأن يريد أن يصلي مع الجماعة ، حضرت جماعة فإن هذا لا يكره .
ولو أنه مثلاً أحرم لصلاة الظهر منفرداً ثم حضرت جماعة وقلب صلاة الظهر نفلاً مطلقاً ، فنقول بأن هذا لا يكره ، هذا جائز ولا بأس به .
لكن إذا كان لغير غرض يصلي منفرد ظهراً ثم قلبها إلى نفل مطلق بغير غرض هكذا بس ، يقول المؤلف رحمه الله أنه يكره لأن هذا نوع من ......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إبطال الفرض ، أو نوع من الإبطال والله عز وجل يقول :" ولا تبطلوا أعمالكم "
وسبق أن ذكرنا أنه يجوز أن يقلب فرضه إلى نفل مطلق وعلى هذا إذا قلبه إلى نفل معين لا يصح ذلك .
وعليه نقول الإنتقال بالنية من صلاة إلى صلاة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن ينتقل من معين إلى معين ، فنقول يبطل الذي انتقل عنه ولا يصح الثاني ، يبطل الأول ولا يصح الثاني إذا انتقل من صلاة معينة إلى صلاة معينة نقول : بطل الأول ولم يصح الثاني .
بطل الأول لماذا ؟
لأنه قطع النية .
ولم يصح الثاني لماذا ؟
لأنه لم ينوي هذه الصلاة إبتداء الصلاة ، عند تكبيرة الإحرام .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مثال ذلك : أحرم بصلاة الظهر ثم تذكر أنه لم يصلي الفجر أو صلاها على حدث فانتقل من صلاة الظهر إلى صلاة الفجر فماذا نقول ؟
صلاة الظهر بطلت لأنه قطع نيته ، وصلاة الفجر لا تصح لأنه لم ينوها عند تكبيرة الإحرام .
والنية لابد أن تكون من حين التحريم .(2/165)
ومثال آخر : انتقل من صلاة الظهر إلى السنة الراتبة القبلية ، هذه معينة السنة الراتبة القبلية ، إنسان أحرم بصلاة الظهر ثم تذكر أنه لم يصلي السنة الراتبة ثم انتقل ، نقول بطلت الفريضة ولم تنعقد الثانية .
هذا القسم الأول إذا انتقل من معين إلى معين .
القسم الثاني : أن ينتقل من معين إلى مطلق كما هي مسألتنا التي ذكرها المؤلف رحمه الله قال : ويجوز قلب فرضه نفلاً إن اتسع وقته المختار .
أن ينتقل من معين إلى مطلق فهذا جائز ولا بأس به لكن بالشروط التي ذكرنا فيما لو انتقل من فرض إلى نفل مطلق .
وينوي إمام ومأموم حالهما فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فلو أنه يصلي الظهر ثم قلب نيته إلى نفل مطلق نقول هذا جائز ولا بأس به أو يصلي راتبة الظهر ثم قلبها إلى نفل مطلق نقول هذا جائز ولا بأس به لكن إذا قلب الفرض إلى نفل مطلق فهذا له شروط كما سلف .
القسم الثالث : أن ينتقل من مطلق إلى معين فهذا لا يصح الانتقال فيبقى على صلاته .
إنسان أحرم بنفل مطلق الآن ثم تذكر أنه ما صلى السنة الراتبة البعدية للظهر فانتقل من النفل المطلق إلى السنة الراتبة البعدية هل يصح ذلك أو لا يصح ؟
نقول بأنه لا يصح .
"وينوي إمام ومأموم حالهما فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح "
يقول المؤلف رحمه الله : ينوي إمام يصلي بالجماعة أنه إمام ، والمأموم أيضاً ينوي أنته مأموم فيجب على الإمام أن ينوي أنه إمام ويجب على المأموم أن ينوي على أنه مأموم .
فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك الجماعة وصلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيجب على الإمام أن ينوي الإمامة ويجب على المأموم أن ينوي الائتامام .(2/166)
ودليلهم على هذا أو تعليلهم بهذا الوجوب قالوا بأن الجماعة تتعلق بها أحكام وإنما يتمايزان يعني يتمايز الإمام والمأموم بالنية فكانت شرطاً .
وعلى هذا لو نوى كل منهما الإمامة هذا ينوي أنه إمام هذا الشخص وهذا ينوي أنه إمام هذا الشخص لا يصح ذلك ، ولو نوى كل منهما الائتمام نوى هذا الشخص أنه مأموم ونوى هذا الشخص أنه مأموم نقول لا يصح هذا .
" فإن نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح " هذا مفرع على ما ذكره العلماء رحمهم الله ، لو نوى منفرد الإمامة أو الائتمام لم يصح .
" وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك الجماعة وصلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره " لما ذكر المؤلف رحمه الله أنه يجب أن ينوي الإمام أنه إمام وأن ينوي المأموم أنه مأموم فرع على ذلك ما يتعلق بالانتقالات في الصلاة .
والانتقالات في الصلاة تنقسم إلى أقسام والمؤلف رحمه الله كما ذكر يضيق في هذه المسألة وأحسن المذاهب في هذه المسألة مذهب الشافعي رحمه الله .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشافعية هم أحسن المذاهب في هذه المسألة .
القسم الأول من هذه الانتقالات : قال المؤلف : فإن نوى منفرد الإمامة .
القسم الأول : أن ينتقل من الانفراد إلى الإمامة ، هو منفرد ثم بعد ذلك انتقل من الانفراد إلى الإمامة هل يصح ذلك أو لا يصح ؟
لا يصح على كلام المؤلف لا يصح لماذا ؟
لأنه لابد أن ينوي أنه إمام في أول الصلاة وهنا ما نوى أنه إمام في أول الصلاة ،هنا كان منفرداً ثم انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
مثال ذلك : إنسان يصلي وحده فاتته صلاة الظهر مثلاً ثم شرع في الصلاة فجاء شخص وصلى معه فهنا انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً ، على كلام المؤلف أنه لا يصح .
الرأي الثاني : قول الشافعية أنه يصح .(2/167)
والدليل على هذا : حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثم قام ابن عباس وصلى مع النبي عليه الصلاة والسلام .
كون النبي عليه الصلاة والسلام انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً حديث جابر رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي منفرداً ثم بعد ذلك جاء جابر وأتم به فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم من كونه منفرداً إلى كونه إماماً ، هذا القسم الأول :
قال : أو الإئتمام لم يصح .
لماذا لم يصح لأنه لم ينوي في أول الصلاة لأنه كما تقدم لنا في أول الصلاة يجب أن ينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم .
القسم الثاني : أن يحرم منفرداً ثم ينوي الائتمام بعد ذلك ، صورة هذه المسألة : إنسان فاتته صلاة الظهر ثم صلى منفرداً ثم حضرت جماعة أو ظن أن الجماعة قد انتهت ثم أقيمت الجماعة فدخل معهم فانتقل من كونه منفرداً إلى كونه مُأتماً ، يقول المؤلف رحمه الله لا يصح لأنه لم ينوي الائتمام في أول الصلاة .
والصواب في هذه المسألة : الرأي الثاني .
الصواب : الصحة والدليل ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً كما في حديث ابن عباس وجابر وحديث عائشة أيضاً في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل إئتم به الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان يصلي منفرداً فأتم به الصحابة فانتقل من كونه منفرداً إلى كونه إماماً .
وكذلك أيضاً إذا انتقل من كونه منفرداً إلى كونه مأتماً نقول :
وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح......... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصواب : أن هذا جائز ولا بأس به .(2/168)
القسم الثالث : أن ينتقل من الائتمام إلى الانفراد ، يعني هو الآن مأتم ثم حصل للإمام عذر فخرج فانتقل من كونه مأتماً إلى كونه منفرداً ، ما هو الحكم هنا ؟
نقول الصحيح في هذه المسألة : أن هذا صحيح ولا بأس به .
القسم الرابع : أن ينتقل من الإمامة إلى الائتمام عكس هذا القسم هو الآن إمام ثم بعد ذلك انتقل من كونه إماماً إلى كونه مأتماً فهذا يصح .
صورة ذلك : إنسان إمام وحصل له عذر وخلف شخصاً يصلي بالناس ثم بعد ذلك زال عذره وجاء ، الآن الإمام سينتقل من كونه إماماً إلى كونه مأتماً ، فهل يصح لإمام الحي الإمام الذي كان رسمياً أن يتقدم وأن يؤخر هذا الإمام لكي يكون مأتماً ويتقدم ويصلي بالناس أو نقول بأن ذلك لا يصح ؟
المذهب في هذه المسألة يقولون : بأنه كما سيأتي إن شاء الله يشترطون قال لك
" وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح "
فهم يشترطون أن يكون الإمام الراتب يصح .
فالإمام الراتب إذا حصل له عذر وخلف شخصاً ثم بعد ذلك زال عذره فله أن يتقدم ويكمل بالناس ، والإمام الخليفة يتخلف ويكون مأتماً فهنا غلآن انتقل من كونه إماماً
وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك جماعة..................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى كونه مأتماً والإمام انتقل إلى كونه إماماً وهذا يأتينا إن شاء الله سنتعرض إليها ونذكر الخلاف فيها .
المهم أن الانتقال بهذه الصورة المذهب يقولون هذا يكون في الإمام الراتب .
والصحيح كما سيأتي : أنه يجوز للإمام الراتب ولغير الراتب .
أن هذا جائز ولا بأس به إذا كان أقرأ حتى وإن لم يكن راتباً مثلاً إذا كان هذا الشخص هو الذي يصلي بهؤلاء الجماعة وإن لم يكن راتباً ثم بعد ذلك تقدم وأكمل الصلاة ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به .(2/169)
والدليل على ذلك : قصة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم تخلف عن صلاة الجماعة لمرضه ثم بعد ذلك صلى أبو بكر ثم وجد النبي صلى الله عليه وسلم نشاطاً فخرج وصلى بالناس وتخلف أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأتماً وهذا دليل على أنه جائز ولا بأس به .
هذا القسم الرابع .
" وتبطل إن انفرد بلا عذر يبيح ترك جماعة " هذا القسم الخامس : أن ينتقل من الائتمام إلى الانفراد ، إنسان يصلي مؤتماً مع جماعة ثم انتقل من الائتمام إلى الانفراد ، هو اللآن أحرم مؤتماً مع الناس ثم بعد ذلك انتقل إلى الانفراد ترك الناس وصلى وحده ،
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا يصح لكن اشترط له المؤلف رحمه الله قال : بلا عذر يبيح ترك جماعة ، يعني إن كان هذا المؤتم معذوراً عذراً يبيح أن يترك الجماعة يجوز له ذلك وإلا فإنه لا يجوز .
مثلاً مريض يشق عليه أن يستمر مع الإمام فإن خفف الصلاة وخرج أو أن الإمام أطال الصلاة كما في قصة معاذ رضي الله تعالى عنه لما أطال في الصلاة وانفرد الأعرابي ... إلى آخره .
فالقسم هذا يصح بشرط أن يكون هناك عذر يبيح التخلف عن صلاة الجماعة .
فإذا كان هناك عذر يبيح التخلف عن صلاة الجماعة فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به
ودليل ذلك قصة معاذ .
ويفهم من كلام المؤلف إذا لم يكن معذوراً هل له ذلك أو ليس له ذلك ؟
نقول ليس له ذلك لأنه يجب عليه أن يأتم بالإمام ويقتدي به والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" إنما جعل الإمام ليأتم به " وسواء صلى ركعة أو أقل من ركعة لا يجوز له إلا أن يكون هناك عذر يبيح له أن يترك الجماعة .
فإذا كان هناك عذر فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .(2/170)
القسم السادس : كهذا القسم أن ينتقل من الإمامة إلى الانفراد يعني يكون إماماً ثم ينتقل إلى كونه منفرداً فنقول هذا كما تقدم يشترط فيه أن يكون له عذر يبيح له أن يترك صلاة الجماعة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أصبحت الأقسام ستة نعيدها .
القسم الأول : أن ينتقل من الإنفراد إلى الإمامة .
القسم الثاني : أن ينتقل من إنفراد إلى إئتمام .
القسم الثالث : أن ينتقل من إئتمام إلى إنفراد .
القسم الرابع :. أن ينتقل من إمامة إلى إنفراد .
القسم الخامس : أن ينتقل من إئتمام إلى إمامة .
القسم السادس : أن ينتقل من الإمامة إلى إئتمام .
فنقول هذه كلها جائزة ولا بأس بها والدليل على ذلك كما ذكرنا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وكذلك أيضاً حديث جابر في صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صلاة الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع النبي صلى الله عليه وسلم .
لكن إذا أراد أن ينفرد يعني إذا أراد أن ينتقل من كونه مأتماً إلى إنفراد أو من كونه إماماً إلى إنفراد هذا يشترط أن يكون هناك عذر .
أن يكون معذوراً يبيح له ترك الجمعة والجماعة ، ولهذا قال : وتبطل إن إنفرد بلا عذر
وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره ولإمام أن يستخلف لمرض ولحصر عن واجب ويبني الخليفة.............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه بعذر أو غيره ولإمام أن يستخلف لمرض ولحصر عن واجب ويبني الخليفة .... إلى آخره "
هنا مسألتان :
المسألة الأولى : هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام أو نقول بأنها لا تبطل ؟(2/171)
ومثال ذلك : أن يسبقه الحدث أثناء الصلاة ، إنسان يصلي بالناس ثم أحدث ، أو أن يبني صلاته على حدث : إنسان يظن أنه متوضأ فإذا هو ليس بمتوضأ .
فالمذهب : أن صلاة المأموم تبطل بصلاة الإمام ، فإذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم والاستخلاف هذا ماذهب إليه الحنابلة لأنهم يرون الإرتباط بين صلاة الإمام وصلاة المأموم ووجوب الإقتداء .... إلى آخره .
والرأي الثاني : أنه لا تبطل وهذا مذهب الشافعية لا تبطل صلاة المأموم بصلاة الإمام ، وهذا القول هو الصواب .
وأنه إذا بطلت صلاة الإمام لا نقول ببطلان صلاة المأموم بل يستخلف الإمام ، أو أن المأمومين يستخلفون أو أنهم يتمونها فرادى .
ولإمام أن يستخلف لمرض و لحصر عن واجب........................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما القول بأنها تبطل نقول هذا غير صواب لأنه لا إرتباط فيما يتعلق بالبطلان بين صلاة الإمام وصلاة المأموم ، فإذا بطلت صلاة الإمام فلا يلزم بذلك أن تبطل صلاة المأموم لأن صلاة المأموم تامة بشروطها وإنتافاء موانعها ... إلى آخره .
ويدل لهذا حديث أبي هريرة في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطأوا فلكم وعليهم " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فلكم وعليهم .
ويدل على هذا : أنهم يقولون هم بأنفسهم يقولون : لو أن الإمام صلى بالناس ولم يعلم بالحدث إلى بعد نهاية الصلاة فإن صلاته باطلة وصلاة المأمومين صحيحة ، يعني هو الآن صلى كل الصلاة وهو محدث وع ذلك يقولون صلاتهم صحيحة ، فإذا صلى بهم ركعة فمن باب أولى نقول بأن صلاتهم صحيحة .
وأيضاً يدل لذلك قصة عمر رضي الله تعالى عنه فإن عمر لما طعن استخلف عبدالرحمن بن عوف ، ولهذا قال المؤلف :(2/172)
" ولإمام أن يستخلف لمرض و لحصر عن واجب " يعني إذا ما بطلت صلاته لكن لم يتمكن من إتمام الصلاة لكونه مريضاً ، أصابه مرض لم يتمكن يقول : يُخلف ، أو لم يستطع أن يقرأ يقولون : يُخلف .
ويبني الخليفة على صلاة إمامه وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح............................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أنه يٌخلّف في الحالتين ، يُخلّف فيما لو حصل له ما يبطل الصلاة ، ويُخلّف فيما لو حصل له ما يمنعه من إتمام الصلاة وإن لم تبطل .
" ويبني الخليفة على صلاة إمامه " الخليفة يبني على صلاة إمامه المستخلف ولايبني على ترتيب نفسه لو كان مسبوقاً وإنما يبني على صلاة الإمام .
فلو كان مسبوقاً بركعة إذا تخلف عن الإمام ، الإمام الآن أتم ركعتين هل يجلس للتشهد أو نقول بأنه يقوم ولا يجلس ؟
إذا قلنا بأنه يبني على ترتيب صلاة إمامه يجلس للتشهد ، التشهد الأول ، وإذا قلنا بأنه يبني على ترتيبه هو لايجلس .
فلو فرضنا أن الإمام الآن خلّف شخصاً وهذا الشخص مسبوق بركعة في الركعة الثانية ، الخليفة هل يجلس بعد الركعة الثانية يعتبر صلاة الإمام أو يعتبر صلاته هو ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنه يعتبر صلاة الإمام وعلى هذا يجلس بالناس .
وإذا قلنا بأنه يعتبر صلاته هو نقول لا يجلس .
" وإن أحرم الراتب بمن أحرم بهم نائبه وعاد النائب مؤتماً صح " هذه ذكرناها ضمن الأقسام وهي أن ينتقل من إمامة إلى إئتمام .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قلنا بأن ظاهر كلام المؤلف رحمه الله بأنه يشترط بالإنتقال من إمامة إلى إئتمام أن يكون الراتب وذكرنا صورة هذه المسألة .(2/173)
صورة هذه المسألة : أن يتخلف الإمام الراتب لعذر ثم بعد ذلك يزول عذره ثم يأتي والناس يصلون فله أن يتقدم والإمام الخليفة يتأخر يكون مأتماً والإمام الراتب يكون إماماً فإن هذا جائز .
ودليله قصة أبي بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تخلف لعذر المرض ثم بعد ذلك وجد نشاطاً فجاء وصلى بالناس أكمل بالناس أبو بكر رجع من كونه إماماً إلى كونه مؤتماً مأموماً .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الإمام الراتب له أن يتقدم سواء فاته ركعة أو أكثر أو لم يفته شيء ، يعني مطلقاً له أن يتقدم ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه يتقدم بشرط ألا يفته ركعة فإن فاته ركعة ليس له ذلك ، لماذا ؟
لأنه يكون فيه تشويش وأيضاً السنة النبي عليه الصلاة والسلام في قصة أبي بكر لم يفته شيء لكن لما تخلف النبي صلى الله عليه وسلم تأخر هو والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك وقدم الصحابة رضي الله تعالى عنهم عبد الرحمن بن عوف وصلى بهم عبد الرحمن وفات النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ومع ذلك لم يتقدم النبي صلى الله عليه وسلم .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فنقول الصواب في هذه المسألة : أنه يتقدم الإمام الراتب بشرط أن لا يفوته ركعة فأكثر فإن كان فاته ركعة فأكثر ليس له أن يتقدم .
أولاً : للسنة كما ذكرنا النبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم فاته ركعة هو والمغيرة وأتم قام مسبوق أتم ولم يتقدم وإئتم بعبد الرحمن بن عوف .(2/174)
وثانياً : أنه يؤدي إلى التشويش لأنه يحتاج إلى أنه ، هو الآن صلى ثلاث ركعات والمأمومون انتهت صلاتهم أربع ، يحتاج إلى أن يجلس المأمومون يعني في الركعة الأخيرة بعد السجدة الثانية يقوم هو والمأمومون يجلسون هذا يحتاج إلى طلاب علم العوام يتلبس عليهم سيحصل عليهم لبس لابد أن يكونون طلاب علم ويكونون فاهمين أن الإمام بقي عليه ركعة وأنهم يجلسون وينتظرون الإمام ... إلى آخره ثم يسلم بهم هذا يحصل فيه تشويش .
فنقول يشترط أن لا يفوته ركعة .
صفة الصلاة........................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صفة الصلاة
" صفة الصلاة " الهيئة والكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الصلاة .
" يسن قيام إمام فمأموم رآه " قبل ذلك يستحب عند الخروج إلى الصلاة أمور :
الأمر الأول : أن يخرج من بيته متطهراً لكي ينال الأجر المرتب على حضور الجماعة فإنه ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الجماعة تضعف على صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة " وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء لم يخطو خطوة إلا كتب له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة .. إلى آخره .
فظاهر هذا الكتب مشروط أن يخرج من بيته متوضأ ، هذا الأدب الأول .
الأدب الثاني : أن يخرج بسكينة ووقار لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة والوقار " واختلف العلماء رحمهم الله في تعريف السكينة والوقار هل هي من المترادف أو من المتباين على قولين :
القول الأول : أنها من قبيل المترادف وأن المعنى واحد .
والقول الثاني : أنها من قبيل المتباين وأن لكل منهما معنى ، فالسكينة : تكون في القلب والبصر .
والوقار : يكون في الأطراف .(2/175)
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا هو الأقرب .
الأدب الثالث : أن يذكر الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الخروج ، وقد ورد ذكران :
الذكر الأول : حديث أنس رضي الله تعالى عنه وهذا في عموم الخروج سواء كان خروجه من بيته إلى الصلاة أو لغيرها يقول : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله .
فيقال له : هديت وكفيت ويتنحى عنه الشيطان ، وهذا الحديث فيه انقطاع إلا أن له شواهد.
الذكر الثاني : يقوله عند الخروج إلى الصلاة ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا ومن فوقي نورا ومن تحتي نورا ومن أمامي نورا ومن خلفي نورا واجعل لي نورا .
الأدب الرابع : أن لا يشبك بين أصابعه فإنه في صلاة من حين خروجه .
الأدب الخامس : إذا دخل المسجد يقدم رجله اليمنى دخولاً واليسرى خروجاً من بيته ومن المسجد ويقول الذكر الوارد عند دخول المسجد : السلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأدب السادس : أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد ينوي بهما تحية المسجد وركعتي الوضوء إن كان توضأ قريباً وأيضاً السنة القبلية إن لم يكن صلاها في البيت فيحصل له ثلاث صلوات بركعتين ، ودليل ذلك : حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين .(2/176)
الأدب السابع : أن يقارب بين خطاه في خروجه إلى المسجد وهذا ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله وقد روي فيه حديث زيد بن ثابت وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ورد موقوفاً على زيد بن ثابت وهذا إجتهاد من زيد وإلا لم يحفظ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الأدب الثامن : أن يجلس مستقبلاً القبلة لأن جهة القبلة هي أشرف الجهات ولأن الإنسان ربما يدعو ويستحب له إذا دعا أن يكون مستقبل القبلة .
الأدب التاسع : أن يشتغل بالذكر والدعاء والتلاوة ... إلى آخره .
الأدب العاشر : أن لا يخوض في حديث الدنيا فإن هذا مكروه كأن يتحدث عن الصناعات والزراعات والتجارات ونحو ذلك فإن كان عقداً يعني عقد عقداً في المسجد فهذا العقد ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن يكون عقد معاوضة فهذا محرم ولا يجوز مثل عقد البيع وعقد الإجارة والمساقاة والمزارعة والتجارة والشركات نقول هذا محرم ولا يجوز .
يسن قيام إمام فمأموم رآه.............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : أن يكون عقد إرفاق وإحسان فإن هذا جائز ولا بأس به مثل القرض والضمان والكفالة والوقف والهبة والصدقة ونحو ذلك نقول هذه كلها جائزة .
القسم الثالث : أن يكون عقد نكاح فأيضاً هذا جائز ولا بأس به وقد استحبه العلماء رحمهم الله في المسجد .
" ويسن قيام إمام فمأموم رآه " هذا الأدب الحادي عشر أن يقوم الإمام فالمأموم ، متى يقوم المأموم ؟
قيام الإمام ظاهر .
لكن متى يقوم المأموم ؟
هذا موضع خلاف ، فقال المؤلف رحمه الله عند قول "قد قامت الصلاة " يعني إذا قال المقيم : قد قامت الصلاة يستحب للمأموم أن يقوم .
والرأي الثاني : أنه يقوم عند قول المقيم : حي على الصلاة .
وقيل يقوم عند قول المقيم حي على الفلاح .(2/177)
وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه لا توقيت في المسألة وهذا القول هو الصواب لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك ، الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا تقوموا حتى تروني " هذا الذي ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام .
وتسوية صف..................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما استدل به الحنابلة : أنه يقوم عند قول المقيم قد قامت الصلاة فهذا ورد في الطبراني من حديث ابن أبي أوفى وهو حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" وتسوية صف " هذا أيضاً من الآداب ، الأدب الثاني عشر : تسوية الصف ، وتسوية الصف تحتها أمور :
الأمر الأول : تسوية المحاذاة وهذه اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله هل هي واجبة أو مستحبة ؟
فجمهور أهل العلم على أنها مستحبة .
والرأي الثاني : أنها واجبة ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وهذا هو الأقرب لحديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لتسوّن صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم "
وهذه عقوبة لا تكون إلا على ترك واجب ، يعني الله عز وجل يوقع العداوة والبغضاء في القلوب حتى تتنافر الوجوه بسبب عدم التسوية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على مناكب الصحابة رضي الله تعالى عنهم تحقيقاً للمساواة .
الأمر الثاني : مما يدخل في المساواة تكميل الصف الأول فالأول ، يكمل الصف الأول فالأول .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ودليل ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ، قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأُول ويتراصون ".(2/178)
الأمر الثالث : التّراص ودليله ما تقدم من الحديث وأيضاً أمر النبي عليه الصلاة والسلام قال :" رصوا صفوفكم " وعدم التراص هذا سبب لتشويش الشيطان وإذهاب الخشوع وإفساد الشيطان على المصلي صلاته ، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : أن الشيطان يدخل بين خلل الصف كمافي سنن ابي داود وفي البخاري فإذا ثوّب بالصلاة أقبل حتى يقول أذكر كذا أذكر كذا فيضل الرجل يصلي لا يدري كم صلى
الأمر الرابع : تقدم أولي الأحلام والنهى ليكونوا خلف الإمام ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من خلفكم "
الأمر الخامس : المسابقة إلى الصف الأول ودليله ما تقدم وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين :" لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلى أن يستهموا عليه لستهموا "
الأمر السادس : هل الأفضل يمين الصف أو يساره ؟
نقول هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : أن يكون يمين الصف أقرب إلى الإمام فهذا هو الأفضل .
القسم الثاني : أن يكون اليسار أقرب فنقول : اليسار أفضل .
القسم الثالث : أن يتساوى الطرفان ، فنقول : اليمين أفضل ، إذا تساوى الطرفان أو كان قرب اليسار قرباً يسيراً ، فنقول : اليمين أفضل .
الأمر السابع : أنه إذا اجتمع الجماعة مرة واحدة فإنه يقدم الرجال الذكور ثم الصبيان ثم النساء .
الأمر الثامن : تسوية الإمام للمأمومين بالقول والفعل فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يلتفت يميناً وشمالاً ويقول :" لتسوّن صفوفكم رصوا صفوفكم حاذوا بين المناكب والأكعب إلى غير ذلك مما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمسح على المناكب .(2/179)
أيضاً من أنواع تسوية الصف تقارب الصفوف فيكون الصف الأول قريباً من الإمام والصف الثاني قريباً من الصف الأول وهكذا وضابط القرب : أن لا يفصل بين الصفين إلا قدر السجود ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي " وهذا مقتضى التقدم ، وأيضاً أن هذا أقرب إلى الإجتماع وعدم تشويش الشيطان على المصلين وسبق أن ذكرنا أنه إذا كان هناك خلل في الصف فإن هذا سبب لتسلط الشيطان على المصلين وتشويشه عليهم وإذهابه للخشوع .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أيضاً من المسائل المتعلقة بتسوية الصف : ما يتعلق بصف النساء نقول القاعدة في ذلك { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل } وعلى هذا تأمر المرأة أن تسوي الصف وأن ترص الصف وأن تكمل الصف الأول فالأول ... إلى آخره .
وهل الأفضل لجماعة النساء الصف الأول أو الصف المؤخر ؟
هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : إذا صلى النساء منفردات فنقول الأفضل هو الصف الأول لما تقدم من القاعدة ، وأيضاً لعمومات أدلة فضل الصف الأول .
والأمر الثاني : أن يصلين مع جماعة الرجال فهل الأفضل الصف الأول لهن أو الأفضل الصف المؤخر ؟
هذا موضع خلاف والصواب في هذه المسألة : أنه إذا كان هناك ساتر بين الرجال والنساء فالأفضل لهن الصف الأول وإن لم يكن هناك ساتر فالأفضل هو الصف المؤخر لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها "
وهذا كان في زمن لم يكن هناك ساتر كما هو الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أما الآن في كثير من المساجد يوجد هناك ساتر ، وعلى هذا إذا كان هناك ساتر وحاجز(2/180)
وقربه من إمام ويقول الله أكبر قائماً............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بين الرجال وبين النساء فنقول : الأفضل هو الصف الأول لهن لعمومات أدلة فضل الصف الأول ولما ذكرنا من القاعدة .
" وقربه من إمام " هذا الأفضل أن يقرب من الإمام لما تقدم من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تقدموا فأتموا بي " وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ليلني منكم أولي الأحلام والنهى " .
" ويقول الله أكبر " هذه تكبيرة الإحرام وهي ركن من أركان الصلاة لحديث علي رضي الله تعالى عنه " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " ولاتنعقد إلا بهذا اللفظ الله أكبر ، فلو قال : الله الأكبر أو الجليل أو العظيم فإنها لاتنعقد أو مد همزة الله قال : آلله أكبر أو قال : الله آكبر مد همزة أكبر ، أو قال الله إكبار ونحو ذلك ، فنقول : لا تنعقد صلاته وهذا ما عليه أكثر أهل العلم لأن هذا هو الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام وهو الذي داوم عليه النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون .
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنها تنعقد بقول الله أكبر أو غير ذلك من ألفاظ التعظيم ، لو قال الله الجليل أو الله العظيم فإنها تنعقد .
والصواب : ما عليه جمهور أهل العلم .
" قائماً " فلو أنه كبر وهو جالس أو لم يستتم قائم يعني لا يزال منحنياً من حيث لا يسمى قائماً فإن صلاته تنعقد نفلاً ، تكون صلاته نافلة .
رافعاً يديه إلى حذو منكبيه........................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " رافعاً يديه " رافعاً يديه هذا هو الموضع الأول من المواضع التي ترفع فيها الأيدي كما دل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يرفع يديه حال تكبيرة الإحرام وهذه صفة من الصفات التي وردت في وقت الرفع وقد ورد بذلك ثلاث صفات :(2/181)
الصفة الأولى : أن يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام .
الصفة الثانية : أن يرفع يديه قبل التكبيرة .
الصفة الثالثة : أن يرفع يديه بعد التكبيرة .
وهذه ثلاث صفات وكما سبق لنا أن أشرنا إلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن الصفات الواردة على وجوه متنوعة في العبادات أنه يستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
" إلى حذو منكبيه " ودليل ذلك حديث ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر .
وهذه أحدى الصفات وإلا ورد في ذلك صفتان :
الصفة الأولى : أن يرفع إلى حذو المنكبين .
الصفة الثانية : أن يرفع إلى فروع الأذنين أطراف الأذنين .
مضمومة الأصابع................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكما ذكرنا تارة يأتي بهذه الصفة وتارة يأتي بالصفة الأخرى ، وإذا لم يتمكن أن يرفع كلتا يديه فإنه يرفع أحدى اليدين ، لو كانت إحدى يديه مريضة أو نحو ذلك فإنه يرفع اليد السليمة .
ويدل لذلك : حديث أسامة في وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وكان النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه قال فلما سقط خطام الناقة أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده ولم يزل رافعاً الأخرى ، فنقول : يرفع التي يستطيع أن يرفعها وأما التي لا يستطيع فهو معذور .
أيضاً إذا تمكن من بعض الرفع فإنه يأتي به إذا كان لا يستطيع أن يرفع إلى حذو منكبيه أو إلى أطراف أذنيه يأتي بما يستطيعه .
" مضمومة الأصابع " يعني إذا كبر للإحرام فإن أصابعه تكون مضمومة ممدودة وقال بعض العلماء يفرج بينها يسيراً وعندنا قاعدة وهي { أن الأصل في حركات الصلاة أن تكون على مقتضى الطبيعة هذا الأصل إلا إذا ورد دليل } وعلى هذا أن مد الأصابع ورد فيه السنة يعني ما تكون مقبوضة وإنما تكون ممدودة ، فنقول هل يضمها أو يفرج ؟(2/182)
نقول هذا على مقتضى الطبيعة والأمر في هذا واسع لايتكلف الإنسان أن يفرج فإذا كانت مضمومة أو فرج بينها تفريجاً يسيراً نقول هذا بمقتضى الطبيعة .
ويسمعه إمام من خلفه...................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والحكمة من رفع اليدين : قيل أن الحكمة هو إشارة إلى رفع المصلي الحجاب بينه وبين الله عز وجل لأن الله عز وجل ينصب وجهه بوجه عبده مالم ينصرف .
وقيل إن الحكمة هي المبالغة في تحقيق الخشوع والإقدام على الله عز وجل قولاً وفعلاً ، أما القول : ففي قوله الله أكبر ومعنى هذه اللفظة : أن الله عز وجل أكبر من كل شيء أكبر من الدنيا وزخارفها فإذا كان كذلك فلا ينصرف قلب الإنسان إلى غير الله عز وجل .
وأيضاً إذا أشار بيديه فيشير إلى عدم الإلتفات إلى الدنيا والإقبال على الله سبحانه وتعالى .
" ويسمعه إمام من خلفه " أي يسمع التكبير ، وما حكم هذا الإسماع هل يجب على الإمام أن يجهر أو أن هذا الإسماع ليس واجباً ؟
هذا موضع خلاف المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الجهر بالتكبير ليس واجباً وإنما هو مستحب ، فكونه يجهر هذا على سبيل الإستحباب لكن لا يكفي أن يكبر بقلبه يجب عليه أن يسمع نفسه أما كونه يسمع من خلفه فهذا مستحب .
والرأي الثاني : قال به أبو حنيفة رحمه الله أنه يجب عليه أن يسمع من خلفه ، وهذا القول هو الصواب .
كتسميع وتسليمة أولى وبقراءة في أولتي غير الظهرين............. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصواب : أنه يجب عليه أن يسمع من خلفه لأن إقتداء الإمام بالمأموم واجب ولا يكون ذلك إلا بالجهر بالتكبير وسيأتينا ذلك ما يتعلق بإقتداء المأموم بالإمام سيأتي في باب أحكام صلاة الجماعة .
" كتسميع " أي قول سمع الله لمن حمده فقوله يجهر بحيث يسمع من خلفه هذا يقولون المذهب بأنه مستحب والصواب أنه واجب .(2/183)
" وتسليمة أولى " أيضاً يقول يستحب أن يجهر بحيث يسمع من خلفه التسليمة الأولى ، فنقول يستحب أن يجهر لكي يسمع من خلفه جميع التكبيرات ، التسميع التسليمة الأولى .
والصواب في ذلك : أنه واجب كما سبق أن ذكرنا لأن إقتداء المأموم بالإمام واجب لحديث عائشة وأبي هريرة :" إنما جعل الإمام ليأتم به فلا تختلفوا عليه " ولا يمكن الإئتمام إلا إذا سمع التكبير .
" وبقراءة في أولتي غير الظهرين " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله الجهر بالقراءة في أولتي غير الظهرين مستحب ، وفي الركعة الأولى والثانية من الفجر ومن المغرب ومن العشاء الجهر بالقراءة هذا حكمه مستحب وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة في الصحيحين قال : وكان يسمعنا الآية
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحياناً ، يعني في الظهر وفي العصر كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الآية أحياناً ، والظهر والعصر يسرُّ أو يجهر فيها ؟
يسر ومع ذلك خالف النبي صلى الله عليه وسلم وجهر في بعض الأحيان وأسمع المأمومين فدل ذلك على أن الإسرار في الظهر والعصر ليس واجباً وأن الجهر في المغرب والعشاء والفجر ليس واجباً هذا دليل .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة وأن الجهر واجب ، وهذا القول هو الصواب .
الصواب : أنه يجب عليه أن يجهر لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام جهر وقال :" صلوا كما رأيتموني أصلي " وداوم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك .(2/184)
كلام أبي حنيفة قريب أو نقول بأن الجهر في مواضعه والإسرار في مواضعه كما ذهب إليه أكثر أهل العلم أنه ليس واجباً لكن كون الإنسان يخالف السنة بحيث أنه يجهر في مواضع الإسرار ويسر في مواضع الجهر كثيراً أو يداوم على هذا نقول هذا لا يجوز وهذا بدعة ، فإما أن نقول كما ذكر أبو حنيفة رحمه الله أنه واجب أو نقول أن في هذا تفصيلاً وأن الأصل أنه يسر في مواضع الإسرار ويجهر في مواضع الجهر ، لكن لو أنه خالف في بعض الأحيان فنقول هذا خلاف السنة ... إلى آخره ، ولا يكون ترك واجباً .
وغيره نفسه ثم يقبض كوع يسراه.............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وغيره نفسه " يعني غير الإمام وهو المنفرد والمأموم يسمع نفسه ، وعلى هذا لو أنه كبر في قلبه هل يجزئه ذلك أو لا يجزئه ؟
نقول لا يجزئه لأن عمل القلب لا يعتبر فعلاً للجارحة ، يعني عمل القلب ليس عملاً للجارحة ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل " فقال تتكلم أو تعمل وقال حديث النفس فدل ذلك على وجود الفرق .
عندنا التكبير بالقلب والتسبيح بالقلب هذا لا يكفي ، وما الذي يكفي ويجزئ ؟
قال المؤلف رحمه الله : أن يسمع نفسه بحيث أن يجهر جهراً خفيفاً بحيث أنه يسمع وهذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن إسماع النفس ليس واجباً ويكفي أن يحرك لسانه بالقراءة والتكبير ، وهذا القول هو الصواب ودليل ذلك : الطلاق فلو حرك لسانه بالطلاق يقولون يقع عليه الطلاق وكذلك أيضاً هنا .
" ثم يقبض كوع يسراه " يقبض كوع يسراه وهذه الصفة الأولى ، قد ورد للكفين ثلاث صفات :
الصفة الأولى : القبض كما ذكر المؤلف رحمه الله يقبض كوع يسراه بكف يمناه .
الصفة الثانية : الوضع ، يعني أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى .(2/185)
ويجعلهما تحت سرته وينظر مسجده ثم يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفة الثالثة : الوضع على الذراع اليسرى .
وهذه ثلاث صفات تارة يفعل هذا و تارة يفعل هذا وتارة يفعل الصفة الثالثة .
" ويجعلهما تحت سرته وينظر مسجده " يجعل بعد أن يقبض كوع يسراه بكف يمناه يجعل يديه تحت سرته واستدلوا على هذا بحديث علي رضي الله تعالى عنه لكنه حديث ضعيف وأصح منه حديث وائل بن حجر وهو أنه يجعلهما على صدره .
ويدل لهذا أيضاً حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري قال : كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
وإذا كان كذلك فإن مقتضى ذلك أن تكون يداه على صدره لا يمكن أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى وتكون اليدان تحت السرة .
" ثم يستفتح فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك أسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك " يستفتح والاستفتاح سنة وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلاف الإمام مالك فإن الإمام مالك لايرى مشروعية الاستفتاح ، ويستدل بحديث أنس في الصحيح أنه صلى خلف النبي عليه الصلاة والسلام وأبو بكر وعمر وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين لكن المراد بحديث أنس المقصود به الجهر ، وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين يعني أنهم يجهرون وإلا فحديث أبي هيرة مثلاً في فيقول فيقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصحيحين أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام : أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه ؟ قال :" أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ... إلى آخره .
هذا يدل على أن الاستفتاح مشروع وأنه يسر فيه .(2/186)
أما الذين قالوا بمشروعية الاستفتاح فالأدلة على هذا كثيرة كحديث عائشة وحديث ابن عباس وحديث علي وحديث أبي سعيد ... إلى آخره في استفتاحات الصلاة .
والشيخ ابن تيمية رحمه الله له رسالة في الاستفتاحات الواردة في الصلاة .
" فيقول سبحانك " التسبيح هو التنزيه والله عز وجل ينزه عن ثلاثة أشياء عن صفات النقص وعن النقص في كماله وعن مشابهة المخلوقين .
" اللهم " يعني معناها يا الله حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وأخرت الميم تيمناً وتبركاً بالبداءة باسم الله عز وجل .
" وبحمدك " يعني سبحتك بحمدك .
" وتبارك اسمك " يعني كثرت بركاته .
" وتعالى جدك " أي ارتفع قدرك وعظم .
" ولا إله غيرك " لا معبود بحق إلا الله عز وجل .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا الاستفتاح الذي ذكره المؤلف رحمه الله هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد وجوه ترجيح الإمام أحمد رحمه الله لهذا الاستفتاح من عشرة أوجه .
والرأي الثاني : رأي الشافعي ، الشافعي يختار حديث أبي هريرة : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد .
وكما أسلفنا أن القاعدة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله { أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يشرع أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة } وعلى هذا نقول يغير وينوع تارة يأتي بهذا الاستفتاح وتارة يأتي بهذا الاستفتاح .
وهناك استفتاحات أخرى غير هذين الحديثين مثلاً استفتاح علي : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ... إلى آخره .
استفتاح عائشة : اللهم رب جبرائيل واسرافيل وميكائيل ... إلى آخره .(2/187)
استفتاح ابن عباس : اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ... إلى آخره .
وهذه الاستفتاحات ينبغي لطالب العلم أن يحفظها والطويل منها لا بأس أن يأتي بها في الفرائض وتكون أيضاً في قيام الليل كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يستعيذ ثم يبسمل................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يستعيذ " يستعيذ يعني يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم أو يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من هديه ونفخه ونفثه .
والإستعاذة مشروعة سنة خلافاً للإمام مالك رحمه الله فإنه لا يرى الاستعاذة يرى أنها تكره .
والصواب : ما ذكرنا ويدل لهذا قول الله عز وجل :" فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " .
وأما دليل ابن مالك رحمه الله كما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ولكن الجواب عن هذا المقصود بذلك : الجهر .
والاستعاذة هل هي للقراءة أو للصلاة ؟
نقول الاستعاذة لقراءة القرآن وليست للصلاة ، وعلى هذا إذا ذكرها في الركعة الأولى فإنه لا يذكرها في بقية الركعات لأنها للقراءة ، وإن نسبها في الركعة الأولى ولم يذكرها فإنه يذكرها في الركعة الثانية .
" ثم يبسمل " أيضاً يبسمل يقول بسم الله الرحمن الرحيم ، والبسملة تحتها مباحث :
المبحث الأول : هل هي آية من الفاتحة أو ليست آية من الفاتحة ؟
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف بين جمهور أهل العلم والشافعي ، فجمهور أهل العلم على أنها ليست آية .(2/188)
وعند الشافعي : يرى أنها آية من كتاب الله عز وجل .
والصواب في ذلك : أنها ليست آية ، ويدل لهذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه :" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي " ولم يقل فإذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فدل ذلك على أن البسملة ليست آية لكن البسملة تحقيق الكلام فيها نقول بأن البسملة لها ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أنه بالإجماع أنها جزء من آية في سورة النمل .
وثانياً بالإجماع أنه لا يأتى بها بين سورتي الأنفال وبرآءة لا يشرع الإتيان بها .
وثالثاً : ما عدا هذا ... إلى آخره .
الصواب : أنها آية مستقلة يأتى بها لافتتاح السور .
المبحث الثاني فيما يتعلق بالبسملة : هل يجهر بها أو يسر ؟
أيضاً الجمهور على أنه يسر بها واستدلوا بما تقدم من حديث أنس .
والرأي الثاني : رأي الشافعي أنه يجهر بها لأن الشافعي يرى أنها آية من الفاتحة ، وأيضاً ورد الجهر كما في حديث أم سلمة وحديث أبي هريرة ... إلى آخره .
ثم يقرأ الفاتحة.............................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وألف في هذا مؤلفات مستقلة فالدار قطني رحمه الله له مؤلف في هذا .
والأقرب في هذا : أنه لا يجهر بها ، نقول الغالب على أن الإنسان لا يجهر بالبسملة لكن لو جهر بها في بعض الأحيان نقول هذا لا بأس به يكون فيه جمع بين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه إذا جهر بها للمصلحة كالتأليف فإن هذا حسن .(2/189)
" ثم يقرأ الفاتحة " يعني يقرأ سورة الفاتحة ، والفاتحة هذا اسم من أسماء هذه السورة العظيمة ، وسميت فاتحة لأنه يفتتح بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة ، والفاتحة ركن من أركان الصلاة ، ويدل لذلك حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "
وهل هي ركن في حق المأموم والإمام والمنفرد أو أنها ركن فقط في حق الإمام والمنفرد ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، أما الإمام فهي ركن في حقه في كل ركعة وكذلك أيضاً المنفرد ركن في حقه في كل ركعة ، وأما بالنسبة للمأموم فهذا يأتينا كلام أهل العلم رحمهم الله في صلاة الجماعة وأن الصواب بالنسبة للمأموم أنها ركن في حقه في كل ركعة فيما يسر به الإمام أما ما يجهر به الإمام فإن الإمام يتحملها ، هذا أقرب الأقوال .
مرتبة مرتلة متوالية فإن قطعها بذكر أو بسكوت غير مشروع وطال أو ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها غير مأموم.................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " مرتبة " لابد أن يقرأها وهي مرتبة فلو قرأها منكسة لم تصح صلاته لأنه يخالف نظم القرآن ، نظم القرآن قراءتها مرتبة ، وترتيب الآيات توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ترتيب السور ، فترتيب السور منه ما هو توقيفي عن النبي عليه الصلاة والسلام ومنه ما هو اجتهادي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
" مرتلة " يعني يندب أن يقرأها مرتلة ، بمعنى أنه يتمهل في قراءتها ويقف عند كل آية لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته يقف عند كل آية وكذلك أيضاً يكره الإفراط في التشديد والمد ... إلى آخره .
" متوالية " يعني مرتبة وكذلك أيضاً يقرأ الآيات وهي متوالية فلا يفصل بين قراءة الآيات بفاصل طويل عرفاً .
" فإن قطعها بذكر أو بسكوت غير مشروع وطال أو ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها غير مأموم " هذه أقسام فيما إذا فصل بين قراءة آيات الفاتحة :(2/190)
القسم الأول : أن يكون الفاصل قصير عرفاً ، هنا حكم الصلاة صحيحة .
القسم الثاني : أن يكون الفاصل طويلاً عرفاً غير مشروع ، فنقول هذا يخل بقراءة الفاتحة .
فإن ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها........................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثالث : أن يكون الفاصل طويلاً عرفاً مشروعاً كما لو فصل للسؤال عند آية رحمه أو لاستماع قراءة إمامه أو لسجود إمامه سجود التلاوة ... إلى آخره فصل فاصل طويل لكنه مشروعاً ' فنقول هنا لا يقطع .
القسم الرابع : أن يقطعها بذكر مشروع ، فنقول هذا لا يضر ، ويؤخذ من هذا أنه لو قطعها بذكر غير مشروع نقول هذا إن طال الفصل يضر هذا هو الصواب وإن لم يطل الفصل فإنه لا يضر .
فأصبحت الأقسام أربعة :
الأول : أن يكون الفاصل يسير عرفاً هذا لا يضر .
الثاني : أن يكون الفاصل طويل عرفاً لكنه غير مشروع فهذا يضر .
الثالث : أن يكون الفاصل طويل عرفاً لكنه مشروع فهذا لا يضر كما لو سجد سجود التلاوة متابعة للإمام أو سكت لاستماع قراءة الإمام ونحو ذلك .
الرابع : أن يفصل بين الآيات بذكر مشروع هذا لا يضر فإن كان غير مشروع فهذا إن طال الفصل يضر وإلا أنه لا يضر .
" فإن ترك منها تشديدة أو حرفاً أعادها " إذا ترك منها حرفاً ... إلى آخره يعيدها لأنه لم يأتي بالفاتحة الواجبة نقص هذا الواجب .
أو تشديدة : لأن التشديدة بمنزلة الحرف فإذا ترك تشديدة فكأنه ترك حرفاً .
أعادها غير مأموم ثم يقول آمين جهراً في جهرية........................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول المؤلف رحمه الله : أو حرفاً ، هذا ما لم يكن هذا الحرف موضع خلاف فإن كان موضع خلاف فإن هذا لايضر مثل " مالك يوم الدين " القراءة الثانية " ملك يوم الدين " قراءة ورش ، فهذا لايضر .(2/191)
" أعادها غير مأموم " أما المأموم المذهب لا يلزمه أن يعيد لأنهم يرون أن قراءة الفاتحة في حقه حكمها الاستحباب .
هم يقولون بأنها مستحبة سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية سواء كانت الصلاة فرضاً أو نفلاً لا يرون أنها واجبة .
والصواب في ذلك : التفصيل وأنه يجب عليه أن يقرأ في ما يسر به إمامه من الركعات لأن ما يجهر به إمامه فيظهر أنه ما يجب عليه .
" ثم يقول آمين جهراً في جهرية " ثم يقول الضمير هنا يعود على كل مصلي ، كل مصلي يشرع له أن يؤمن يقول آمين ، والتأمين تحته مسائل :
المسألة الأولى : ما معنى قول آمين ؟
اسم فعل بمعنى اللهم استجب .
المسألة الثانية : حكم التأمين ؟
جمهور أهل العلم على أنه سنة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي ابن حزم رحمه الله أنه فرض للأمر به " إذا أمّن الإمام فأمنوا " وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
والصواب في ذلك : أنه سنة وأنه ليس واجباً لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أمّن الإمام " فالإمام لمن يرد عليه أمر وإذا كان ذلك لم يجب على الإمام فإنه لا يجب على المأموم ولأن التأمين هذا خارج عن الفاتحة وليس من الفاتحة .
فالصواب في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه سنة .
المسألة الثالثة : من الذي يؤمن ؟
هذا أيضاً موضع خلاف .
فالرأي الأول : أن الذي يؤمن الجميع الإمام والمأموم وكذلك أيضاً المنفرد .
والرأي الثاني : أن الذي يؤمن هو المأموم دون الإمام ، الإمام لا يؤمّن ، واستدلوا بظاهر " إذا أمّن الإمام فأمنوا "
والصواب في ذلك : أن الجميع يؤمنون ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" فإن الإمام يؤمن والملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه "(2/192)
فالصواب في ذلك : أن التأمين مشروع في حق الإمام وكذلك أيضاً في حق المنفرد .
المسألة الرابعة : متى يؤمن المأموم ؟
في ذلك رأيان :
ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل........................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المشهور من المذهب ومذهب الشافعية أن المأموم يأمن مع تأمين الإمام تماماً يأمنون جميعاً لما تقدم في الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإن الإمام يؤمن والملائكة تؤمن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " والملائكة تؤمن مع الإمام فدل ذلك على أن المأموم أيضاً يؤمن مع الإمام .
الرأي الثاني : ذهب بعض الحنابلة وهو قول بعض أهل الحديث إلى أن الإمام يؤمن أولاً فإذا انتهى من التأمين أمّن المأموم ، يعني يقول ولا الضالين آمين ثم بعد ذلك يؤمن المأموم ، وأخذوا بظاهر " إذا أمّن الإمام فأمنوا ... إلى آخره ".
والصواب في هذه المسألة : ما تقدم .
" ثم يقرأ سورة تكون في الصبح من طوال المفصل " هذه السورة يستحب لها مستحبات :
الأول من المستحبات : أن تكون سورة كاملة ، يستحب له أن يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة ، ودليل ذلك : ما تقدم من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب .
فقوله وسورة هذا يدل على أنها سورة كاملة ، ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه قرأ آيات لكن هذا فيه نظر لأنه حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في ركعتي الفجر قرأ في الركعة الأولى " قولوا أمنا بالله " .......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي الركعة الثانية " قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " وما ثبت في النفل ثبت في الفرض .(2/193)
وعلى هذا نقول : يستحب أن يقرأ سورة فإن طالت السورة لا بأس أن يقطعها ، بمعنى أنه يقسمها نصفين .
ولا بأس أن يقرأ أحياناً آيات لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر لا مانع ، لكن لا يكون هو الغالب على هديه ، الغالب على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما دل له حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال سورة ، وأيضاً كما سيأتينا عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كيف قرأ في الظهر وكيف قرأ في الفجر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الفجر والطور ، وقرأ بـ" ق والقرآن المجيد " ويقرأ بالواقعة ونحوها من السور .
وفي الظهر من البروج والمرسلات و " السماء والطارق " ... إلى آخره .
وفي العشاء والليل إذا يغشى وسبح و" إقرأ باسم ربك الذي خلق " هذا مما يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ سورة وهذا خلاف ما يفعله كثير من الناس اليوم ، كثير من الأئمة تجد أنه يقرأ آيات يجعله كثيراً وهذا خطأ خلاف السنة ، السنة تقرأ سورة لكن لا بأس في بعض الأحيان أن تقرأ آيات ، لكن يكون الغالب على هديه
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم يتلمس سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا المستحب الأول .
المستحب الثاني : أن يفتتحها بالبسملة ولا تغني بسملة الفاتحة السابقة بل الفاتحة يفتتحها بالبسملة وكذلك أيضاً السورة يفتتحها بالبسملة .
الثالث من المستحبات : قال : تكون في الصبح من طوال المفصل ، المفصل : اختلف في أوله على أقوال وهذه الأقوال متقاربة فقيل بأنه من أول سورة ق ، وقيل بأنه من أول سورة الحجرات ، وقيل بأنه من أول سورة القتال ... إلى آخره .(2/194)
والخلاف في هذا سهل وسمي بهذا الاسم لكثرة الفصل فيه وقصر الآيات ، ويدل على اعتبار المفصل حديث سليمان بن اليسار قال كان فلان يصلي بنا وكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف العصر ويقرأ بالفجر بطوال المفصل وفي المغرب بقصاره وفي العشاء بأواسطه .
فقال أبو هريرة : ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا .
وقوله بطوال المفصل بقصار المفصل بأواسط المفصل هذا دليل بما ذكره العلماء رحمهم الله .
وطوال المفصل إلى سورة النمل ، وأواسط المفصل إلى سورة الضحى ، ثم بعد ذلك قصار المفصل إلى آخر القرآن .
وفي المغرب من قصاره..................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فيستحب في الصبح أن يقرأ من طوال المفصل ودليله ما ذكرنا من حديث سليمان بن اليسار قال كان فلان ... إلى أن قال وكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل .
وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام قرأ بالطور في الفجر وكان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور وقرأ بـ" ق والقرآن المجيد "
وكذلك أيضاً قرأ مرة بالروم وبـ يس والصافات وشرع بسورة المؤمنون حتى جاء إلى ذكر موسى وهارون فأدركته سعلة فركع ... إلى آخره .
ومن حديث أبي برزة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ما بين الستين إلى المائة . وحديث رافع بن خديج ومحمود بن نبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر والإسفار حمله الطحاوي رحمه الله تعالى على الإطالة بالقراءة ، يدخل بالصلاة بغلس ويطيل .
فيكون هدي الإنسان في الغالب أنه يطيل القرأة في صلاة الفجر ولا بأس أن يقصر في بعض الأحيان وخصوصاً إذا كان هناك عذر ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالتكوير " إذا الشمس كورت " كما في صحيح مسلم وقرأ بالزلزلة في الركعتين وقرأ في السفر بالمعوذتين ، فنقول هذا لا بأس في بعض الأحيان .(2/195)
" وفي المغرب من قصاره " في المغرب يقرأ من قصار المفصل ودليل ذلك ما تقدم لنا من حديث سليمان بن يسار قال : وفي المغرب من قصاره .
وفي الباقي من أوساطه..................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فيستحب أن يقرأ في المغرب من قصار المفصل ، وقصار المفصل ذكرنا أنه يبدأ من سورة الضحى إلى آخر القرآن .
ويدل لهذا حديث رافع بن خديج أيضاً أنهم كانوا يصلون المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخرجون يرمون بالنبل فيرون مواقع نبلهم من الإسفار ، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر بها في أول الوقت وأنه خففها وهذا يقتضي أنه قصر فيها بالقراءة .
وأيضاً يستحب أن يطيل في بعض الأحيان ، لكن يكون الهدي الغالب أنه يقرأ من القصار .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في المرسلات وقرأ أيضاً بالطور وقرأ سورة الأعراف ، وأيضاً قرأ بسورة محمد والأنفال ... إلى آخره .
فنقول يستحب له أن يطيل في بعض الأحيان .
" وفي الباقي من أوساطه " أوساط المفصل يبدأ من النبأ إلى الضحى ، والباقي يشمل ثلاث صلوات الظهر والعصر والعشاء ، أما العشاء فهذا كما ورد في حديث سليمان بن يسار : والعشاء من أو ساطه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم أرشد معاذ بن جبل لما أطال في صلاة العشاء أرشده بأن يقرأ بسبح والغاشية وكذلك أيضاً بـ" اقرأ باسم ربك الذي خلق " إلى آخره .
فنقول : العشاء يقرأ بأواسط المفصل .(2/196)
كذلك أيضاً العصر يقرأ بأواسط المفصل ويدل لذلك ما تقدم أيضاً حديث سليمان بن يسار قال : كان فلان يصلي بنا وكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف العصر ، ويدل لذلك أيضاً حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" السماء ذات البروج " و" السماء والطارق " ونحوها من السور .
وأيضاً كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" الليل إذا يغشى " ... إلى آخره .
هذا مما يدل على أنه يستحب في العصر أن يقرأ بأواسط المفصل .
أما بالنسبة للظهر فنقول تارة يقرأ بالأواسط وتارة يطيل فيقرأ بالأواسط كما ذكرنا في حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ" السماء ذات البروج " و" السماء والطارق " ونحوها من السور .
وأيضاً يقرأ بـ" الليل إذا يغشى " ... إلى آخره .
وتارة يطيل كما في حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية في كل ركعة .
ولا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال فيها .
فنقول : يستحب في بعض الأحيان أن يطيل وفي بعض الأحيان أن يقرأ بالأواسط .
" ولا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان " قوله لا تصح الضمير يعود على الصلاة يعني لا تصح صلاة بقراءة خارجة عن مصحف عثمان .(2/197)
ومصحف عثمان المراد به : المصحف الذي جمع الناس عليه في زمنه فإن عثمان رضي الله تعالى عنه لما تفرق القراء أمصار وأصبحوا يختلفون في القراءة ... إلخ وخشي عثمان رضي الله تعالى عنه من هذا الاختلاف أن يسبب فتنة فجمع الناس على مصحف واحد وأرسل به إلى الأمصار ، فيقول المؤلف رحمه الله : لا تصح بقراءة تخرج عن مصحف عثمان ، ومثل ذلك قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات فهل تصح هذه القراءة أو لا تصح هذه القراءة ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تصح .
وهم يقولون بأن ما وافق مصحف عثمان وصح سنده صحت القراءة به .
والصحيح في هذه المسألة : أن كل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم من القراءات صحت الصلاة به هذا الصواب .
الصواب في هذه المسألة : أن كل ما صح سنده من القراءات فإنه تصح القراءة به .
ثم يركع مكبراً رافعاً يديه.......................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يركع مكبراً " يعني بعد أن يقرأ الفاتحة وسورة يركع مكبراً ، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر إذا قام إلى الصلاة ويكبر حين يركع "
وقول المؤلف رحمه الله : يركع مكبراً ، يعني أن التكبير يكون في أثناء الهوي فلا يكبر وهو قائم ولا يكبر وهو راكع لأن التكبير ذكر للإنتقال ، وذكر الإنتقال يكون بين ركنين يعني بين ركن الذي انتقل منه إلى الركن الذي انتقل إليه ويدل لهذا حديث أبي هريرة قال : يكبر حين يركع ، ما قال : يكبر إذا ركع أو يكبر قبل يركع .
قال : حين يركع ، مما يدل على أن التكبير يكون في أثناء الإنتقال .
وهم ينصون على أنه لو لم يكبر إلا بعد أن يركع قالوا : لا يصح تكبيرة وحينئذٍ يكون ترك واجباً من واجبات الصلاة .
وعلى هذا يحتاط المصلي فيكون تكبيره بين الركنين .(2/198)
ولا بأس أنه يهوي ويكبر لكن قبل أن يركع أو قبل أن يسجد هذا جائز ولا بأس به .
" رافعاً يديه " وهذا هو الموضع الثاني من المواضع التي ترفع فيها الأيدي لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد أن يرفع رأسه "
فقال : وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه .
ويجعلهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي ظهره ورأسه بحياله.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقوله رافعاً يديه : يعني مع ابتداء الركوع .
" ويجعلهما على ركبتيه مفرجتي الأصابع " يجعل يديه على ركبتيه .
والركوع له صفتان :
الصفة الأولى : صفة كاملة ، وهي التي شرع المؤلف رحمه الله في بيانها .
والصفة الثانية : صفة مجزئة ، وهذه سيأتي بيانها .
الصفة الكاملة قال المؤلف : على ركبتيه مفرجتي الأصابع يعني كالقابض لهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه وإذا سجد ضم أصابعه .
فنقول يجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كالقابض على ركبتيه .
" ويسوي ظهره ورأسه بحياله " يعني يسوي ظهره يهصر ظهره يكون ظهره مستوياً ورأسه بحياله ، يعني بإزاء ظهره ، فلا يخفض رأسه ولا يرفعه وإنما يكون بحياله بإزاء ظهره .
وأيضاً يجافي عضديه عن جنبيه في أثناء الركوع .
هذا هو الركوع الكامل .
فتلخص لنا :الركوع الكامل أنه يهصر ظهره بحيث يكون مستوياً ويكون رأسه بإزائه لا يرفعه ولا يخفضه ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويجافي عضديه عن جنبيه .
ويقول سبحان ربي العظيم............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : الركوع المجزئ وهذا اختلف العلماء رحمهم الله في ضابطه على رأيين :(2/199)
الرأي الأول : قالوا أن ينحني بحيث تصل يداه إلى ركبتيه إذا كان وسط الخلقة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
وقولهم وسط الخلقة : يخرج ما إذا كان طويل اليدين فقد يكون طويل اليدين بحيث أنه مجرد الإنحناء تصل إلى ركبتيه .
ويخرج أيضاً ما إذا كان قصير اليدين فإن قصير اليدين قد ينحني ويكون راكعاً ركوعاً تاماً ومع ذلك يداه لم تصل ركبتيه ، فالعبرة في وسط الخلقة .
والرأي الثاني في ضابط الركوع المجزئ قالوا : أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ، وهذا القول هو الأقرب .
هذا قال به بعض الحنابلة .
ومعنى ذلك : أن الإنسان إذا رأى هذا الشخص يقول بأنه راكع أما إذا رآه وهو منحني ويقول بأنه لا يزال قائماً فلم يأتي بالركوع المجزئ .
" ويقول سبحان ربي العظيم " قول سبحان ربي العظيم المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه واجب خلافاً لجمهور أهل العلم .
فإن جمهور أهل العلم لا يرون الوجوب .
وسيأتينا إن شاء الله في واجبات الصلاة .
وأدنى الكمال ثلاث.......................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والدليل على أنه يقول سبحان ربي العظيم حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان ربي العظيم .
والركوع ورد له أذكار فمن ذلك أن يقول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح .
ومن ذلك أيضاً أن يقول : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة .
ومن ذلك أن يقول : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ... إلخ .
ويقول أيضاً : اللهم لك ركعت ... إلخ .
المهم هناك أذكار واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة ينبغي للمصلي أن يأتي بهذه الأذكار .(2/200)
وأيضاً إذا كان يحرص عليها فإن هذا يكون أبعد للصلاة عن السهو والغفلة وخطرات الشيطان وأقرب إلى تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
" وأدنى الكمال ثلاث " يعني المجزئ تسبيحة واحدة ، وأدنى الكمال ثلاث .
لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" وذلك أدناه " في حديث عقبة والحديث وإن كان فيه ضعف لكن أقل الجمع ثلاث تسبيحات عند أكثر أهل اللغة .
فنقول : أدنى الكمال ثلاث .
والمصلي لا يخلو من ثلاث حالات :
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إما أن يكون إماماً أو مأموماً أو منفرداً .
فإن كان إماماً فإن أعلاه بالنسبة له إلى عشر ، يعني لا يتجاوز عشر تسبيحات ، هذا بالنسبة للإمام ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أنس رضي الله تعالى عنه : أن فلان كان يصلي بهم فحزروا تسبيحه في الركوع فوجدوه عشر والسجود عشر فقال أنس رضي الله تعالى عنه : ما صليت صلاة كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذه الصلاة أو كما ورد .
المهم أنهم حزروا ركوعه أنه بقدر عشر تسبيحات ، فنقول الإمام يسبح إلى عشر ، وليس بشرط أن يستغرق هذا الزمن في قول : سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم المهم أنه يستغرق هذا الزمن في قول : سبحان ربي الأعلى سبحان ربي العظيم أو غير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول أنه لا يتجاوز قدر عشر تسبيحات سواء استغرقه في الدعاء كحال السجود أو في أذكار أخرى واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ويكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل المستحب ، وكم المستحب ؟
ثلاث ، أدنى الكمال ثلاث .
ويحرم عليه أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل الواجب .(2/201)
ثم يرفع رأسه قائلاً إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده..................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والواجب تسبيحة واحدة ، هذا محرم عليه بل إن المأموم إذا كان لا يتمكن من متابعة الإمام والإتيان بالواجب فإنه ينفرد ويتركه .
فأصبح عندنا الإمام إلى عشر ولا يتجاوز العشر إلا إذا رضي الجماعة إن كانوا محصورين ، ويكره له أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل المستحب ، ويحرم عليه أن يسرع سرعة تمنع المأموم من فعل الواجب ، هذا بالنسبة للإمام .
أما بالنسبة للمأموم فإنه تبع لإمامه فنقول يسبح إلى أن يرفع إمامه ، يسبح ويدعو ويأتي بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يرفع إمامه .
المنفرد أمير نفسه فلو زاد على عشر فإن هذا جائز ولا بأس به لكن يجعل صلاته متناسقة فهذا الأفضل حديث البراء بن عازب أنه قال : رمقت صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ووجدت ركوعه فقيامه من الركوع فسجوده فجلسته بين السجدتين قريباً من السواء .
يجعل صلاته متناسقة .
" ثم يرفع رأسه قائلاً إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده " سمع الله لمن حمده : بمعنى استجاب الله لمن حمده .
وقال المؤلف رحمه الله : قائلاً إمام ومنفرد ، فيؤخذ من هذا أن المأموم لا يجمع بين التسميع والتحميد ، فعندنا الإمام يجمع بين التسميع والتحميد فيقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
وإذا قاما ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المنفرد : يجمع بين التسميع والتحميد .
المأموم : لا يجمع بين التسميع والتحميد وإنما يقتصر على التحميد وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .(2/202)
واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد " قال فقولوا ربنا ولك الحمد ما قال فقولوا سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
والرأي الثاني : وإليه ذهب الشافعي إلى أن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد .
وقالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع وقد قال عليه الصلاة والسلام :" صلوا كما رأيتموني أصلي "
وما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين التسميع والتحميد وقال :" صلوا كما رأيتموني أصلي " هذا يدل على أنه يجمع بينهما .
والأقرب في هذه المسألة والله أعلم : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد .
" وإذا قاما ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " التحميد ورد له أربع صيغ :
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصيغة الأولى : أن يقول : اللهم ربنا ولك الحمد ، يجمع بين اللهم والرب .
والصيغة الثانية : التجريد : أن يجرد التحميد من اللهم والرب .
والصيغة الثالثة : أن يقتصر على اللهم .
والرابعة : أن يقتصر على الواو .
هذه واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
أيضاً الواجب : قول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
هذه المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها من واجبات الصلاة ، خلافاً لجمهور أهل العلم كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
كذلك أيضاً القيام بعد الركوع له أذكار ينبغي المصلي وخصوصاً طالب العلم أن يحفظها فمما ورد : اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .
ومما ورد : ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد وحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد .(2/203)
ومما ورد أيضاً إذا أطال الإنسان في قيام الليل أن يقول : لربي الحمد لربي الحمد لربي الحمد لربي الحمد ... إلخ .
ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذه أذكار ينبغي حفظها ، وكما ذكرنا السنة أن تكون الصلاة متناسقة كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، الركوع والرفع والسجود والجلسة بين السجدتين هذه تكون قريبة من السواء .
وإذا أطال القراءة أطال الركوع والسجود .
" ومأموم في رفعه ربنا ولك الحمد فقط " يعني المأموم يقول المؤلف رحمه الله فإنه يقتصر على قول : ربنا ولك الحمد ولا يزيد ملء السماء وملء الأرض ، وفي لفظ ملء السماوات وملء الأرض .. إلخ .
يقول المؤلف رحمه الله لا يزيد وإنما يقول المأموم فقط ربنا ولك الحمد ويسكت ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
واستدلوا بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد " قال : فقولوا ربنا ولك الحمد .
فقالوا بأنه يقتصر على قول ربنا ولك الحمد ، والذي يزيد الإمام وكذلك أيضاً المنفرد .
والصحيح : أنه لا فرق وأن المأموم يزيد كما أن الإمام يزيد .
وفي حديث معاوية بن الحكم في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن"
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فحصر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأنها تكبير وتسبيح وقراءة قرآن وعلى هذا لا يسكت .
كيف نقول للإمام أذكر هذا الذكر والمأموم يظل ساكتاً ، لا فالصلاة ليس فيها سكوت وإنما يأتي بالأذكار المشروعة .(2/204)
إذا رفع رأسه من الركوع كما تقدم يرفع يديه وهذا هو الموضع الثالث التي ترفع فيها الأيدي ، وتقدم دليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
وأين يضع يديه بعد الركوع ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه مخير إما أن يرسلهما من على جنبيه أو أنه يضع اليمنى على اليسرى .
والرأي الثاني : أنه يرسلهما ولا يضع .
والرأي الثالث : أنه يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنهم أنه قال : كان الناس يأمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة .
وهذا يشمل جميع الصلاة إلا ما ورد مستثنى ، مثلاً في الجلوس ورد الاستثناء في السجود ورد الاستثناء الركوع ورد الاستثناء يبقى القيام .
فالصواب في هذه المسألة : أنه يضع يده اليمنى على اليسرى ، هذا الصواب .
ثم يخر مكبراً ساجداً....................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يخر مكبراً ساجداً " وقوله ثم يخر مكبراً يؤخذ من هذا أنه لا يرفع يديه وهذا كما سلف لنا قول أكثر أهل العلم أنه لا يرفع يديه عند السجود وعند الرفع من السجود .
فجمهور أهل العلم على أنه لا يرفع يديه ، ودليلهم على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ثلاث مواضع ، قال : وكان لا يفعل ذلك عند السجود .
فقوله وكان لا يفعل ذلك عند السجود هذا يدل على أن رفع الأيدي عند السجود أنه غير مشروع .
والرأي الثاني : أنه يرفع وهذا ذهب إليه طائفة من السلف أنه يرفع عند الهوي للسجود وعند الرفع من السجود .
واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع عند كل خفض ورفع . لكنه ضعيف
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث مالك بن الحويرث وهذا أيضاً فيه ضعف .(2/205)
والبخاري رحمه الله في كتابه جزء القراءة خلف الإمام أشار إلى أن الأحاديث الواردة في الرفع عند السجود وعند الرفع منه أنها ضعيفة ، فإذا كان كذلك وابن عمر رضي الله تعالى عنهما وكذلك أيضاً حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل ذلك عند السجود يدل على أنه غير مشروع .
ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه..................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وما ورد عن بعض الصحابة في الرفع نقول ظاهر السنة عدم شرعية ذلك .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو قول أكثر أهل العلم وأنه لا يشرع الرفع عند الخفض وكذلك أيضاً عند الرفع منه .
" ويضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه " يجب السجود على الأعضاء السبعة ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة والأنف "
وقوله : يضع ركبتيه يؤخذ من كلام المؤلف أنه لا يبدأ باليدين عند السجود وإنما يضع ركبتيه وهذه المسألة فيها خلاف كثير بين أهل العلم رحمهم الله وألف فيها مؤلفات مستقلة ، هل يبدأ بركبتيه أو يبدأ بيديه ؟
فجمهور أهل العلم أنه يبدأ بركبتيه .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه يبدأ بيديه .
الجمهور استدلوا بحديث وائل بن حجر في السنن : وإذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه .
والإمام مالك رحمه الله استدل بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضاً في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك كما يبرك البعير "
وقالوا أيضاً بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وضع اليدين قبل الركبتين في صحيح البخاري .(2/206)
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وحديث وائل وحديث أبي هريرة كل فيه مقال وكل منهما له شاهد أيضاً .
والذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحاديث متكافئة وحينئذٍ نذهب إلى الأصل .
والأصل في ذلك : كما ذكرنا أن حركات الصلاة تكون على مقتضى الطبيعة .
ومقتضى الطبيعة أن تنزل الأسافل قبل الأعالي ، هذا الذي يظهر .
اللهم إلا إذا كان هناك حاجة وهذا يمكن أن يحمل عليه ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا كان هناك حاجة كمرض أو كبر ونحو ذلك .
فالإنسان لا يستطيع أن يسجد على ركبتيه عنده مرض أو عنده كبر ونحو ذلك فنقول لا بأس أنه يقدم يديه قبل ركبتيه ، مع أن هذا أيضاً يؤيده الشارع نهى عن التشبه بالحيوان ولا شك أن الإنسان إذا هوى على يديه هذا يكون فيه تشبه بالحيوان ، تشبه بالبعير ولهذا ابن القيم رحمه الله ذكر بأن الحديث فيه انقلاب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :" ولا يسجد كما يسجد البعير " هنا شبه النبي صلى الله عليه وسلم في الهيئة ولا شك أنه إذا قدم يديه سجد كما يسجد البعير ، فقال بأن الحديث : وأن يضع ركبتيه قبل يديه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث قال :" ولا يسجد كما يسجد البعير " هنا نهى عن الهيئة ، ولاشك أنه إذا قدم يديه يكون سجد كما يسجد البعير .
فيكون في الحديث اختلاف صدره يختلف عن عجزه .
ويكون على أطراف أصابع رجليه ويجافي عضديه عن جنبيه ويفرق ركبتيه........................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ويكون على أطراف أصابع رجليه " يعني في السجود يوجه أطراف أصابع رجليه إلى القبلة .
يعني أن السجود له صفتان :(2/207)
الصفة الأولى صفة كاملة ، وهي كما ذكرها المؤلف رحمه الله ، يكون على أطراف أصابع رجليه ، يعني يسجد على أطراف أصابع رجليه ويثني أطراف أصابع رجليه تجاه القبلة ، كما في حديث أبي حميد رضي الله تعالى عنه .
" ويجافي عضديه عن جنبيه " أيضاً يجافي عضديه عن جنبيه لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي حتى يرى بياض أبطيه .
وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يرقون النبي صلى الله عليه وسلم من شدة مجافاته .
" وبطنه عن فخذيه وهما عن ساقيه "أيضاً يجافي بطنه عن فخذيه ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" اعتدلوا في السجود " وهذا مقتضى الاعتدال .
الاعتدال : أن لا ينكمش الإنسان بحيث يجعل بطنه على فخذيه وفخذيه على ساقيه ولا يمتد لأن بعض الباس يبالغ في الإمتداد .
نقول المأمور به أن يعتدل الإنسان في سجوده لا ينكمش وينضم ولا يمتد .
" ويفرق ركبتيه " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله : ويفرق ركبتيه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بالنسبة للقدمين قالوا أيضاً بأنه يفرق القدمين .
فالمذهب أنه يفرق القدمين ويفرق الركبتين .
أما الركبتان فعلى مقتضى الطبيعة ، ومقتضى الطبيعة أن يكون متفرقتين .
أما بالنسبة للقدمين ، هل يضمهما أو لا يضمهما ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم ،فالمشهور من المذهب أنه لا يضم بل يفرق القدمين .
والرأي الثاني : أنه يضم واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم أنها ذهبت تلتمس النبي صلى الله عليه وسلم قالت فوقعت يدها على قدميه وهي منصوبتان .
فكون اليد تقع على القدمين هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بصريح أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمهما لكن قالوا : يفهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضمهما أو قارب بينهما .(2/208)
وأيضاً قالوا بأنه وارد في صحيح ابن خزيمة وعليه بوب ابن خزيمة باب رص العقبين في السجود .. إلخ .
والأقرب في هذه المسألة : أن الضم ليس هناك ما يدل عليه صراحة وحديث ابن خزيمة فيه ضعف لكن يبقى حديث عائشة .
ويكره ترك مباشرة الجبهة بالمصلى بلا عذر................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فنقول : الأقرب في ذلك أن الإنسان يقارب بين قدميه أما الضم فهذا يحتاج إلى دليل ، وإذا قارب بين قدميه كفى ذلك .
" ويكره ترك مباشرة الجبهة بالمصلى بلا عذر " إذا كان هناك حائل بين أعضاء السجود والمصلى فللحائل ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يكون من أعضاء السجود كما لو وضع قدم على قدم أو وضع يده ثم سجد عليها فنقول سجوده لا يصح لأنه كما سيأتينا إن شاء الله السجود على الأعضاء السبعة هذا واجب ، كما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
الحالة الثانية : أن يكون الحائل من غير أعضاء السجود وهو متصل بالمصلي ، فنقول هذا يكره ، إلا لحاجة مثلاً سجد على طرف غترته أو عمامته ونحو ذلك فنقول إذا كان هناك حاجة فلا بأس شدة حر أو شدة برد أو شوك ونحو ذلك .
أما إذا لم يكن هناك حاجة فنقول بأن هذا مكروه ولهذا ذكر ابن القيم رحمه الله : أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد على طرف عمامته .
وأيضاً حديث أنس أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا يباشرون بجباههم الأرض ، وأنهم إذا وجدوا حر الرمضاء بسط أحدهم طرف ثوبه وسجد عليه .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحالة الثالثة : أن يكون ذلك منفصل عن المصلي ، فنقول هذا لا بأس به ، لكن كره العلماء رحمهم الله أن يخص جبهته بشيء يسجد عليه لما في ذلك من التشبه بالرافضة .(2/209)
بقينا في القسم الثاني من السجود المجزئ : نقول السجود المجزئ أن يسجد على الأعضاء السبعة كيف ما سجد .
والأعضاء السبعة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : اليدان والركبتان وأطراف القدمين .
فهذه جمهور العلماء على أنه لا يجب السجود عليها .
والرأي الثاني : مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب السجود عليها وهو أوسع المذاهب في ذلك، وهذا هو الصواب لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
القسم الثاني : الجبهة والأنف ، هل يجب السجود عليهما أو لا يجب ؟
هذا أيضاً موضع خلاف فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يجب السجود عليهما جميعاً ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والجبهة وأشار إلى أنفه "
وفي لفظ عند مسلم :" والجبهة والأنف "
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله أنه مخير في السجود بين الجبهة والأنف .
ويقول سبحان ربي الأعلى................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثالث : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه يجب عليه أن يسجد على الجبهة وأما الأنف إن أخل به فإنه يعيد في الوقت استحباباً ، وبعد الوقت لا يعيد .
فيؤخذ من هذا فإنهم يوجبون عليه أن يسجد على جبهته وأما بالنسبة للأنف فإنه لا يجب عليه لكن يستحب له .
والأقرب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله لما في ذلك من الأمر .
" ويقول سبحان ربي الأعلى " يعني يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ، وقول سبحان ربي الأعلى هذا واجب من واجبات الصلاة وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
وعند جمهور العلماء أن قول سبحان ربي الأعلى ليس واجباً وسيأتي إن شاء الله .(2/210)
وكما سبق أن التمام ثلاث مرات ، والمجزئ مرة واحدة وسبق أيضاً لنا أن الإمام له أن يسبح إلى عشر تسبيحات لحديث أنس رضي الله تعالى عنه وأما المأموم فإنه يسبح إلى أن يرفع إمامه ، وأما المنفرد فإنه أمير نفسه كما تقدم ، وأيضاً السجود له أذكار أخرى كما سبق أن أشرنا أن الركوع له أذكار أيضاً السجود له أذكار أخرى واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي لطالب العلم أن يحفظ هذه الأذكار ومن هذه الأذكار ما ذكره المؤلف رحمه الله : سبحان ربي الأعلى ، ومنها أن يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ومنها أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي سبحانك ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه ويقول رب اغفر لي ثلاثاً.................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت ، ومنها أيضاً أن يقول اللهم لك أسلمت وبك أمنت ... إلى آخره .
وأيضاً يقول سجد وجهي للذي خلقه وصوره ... إلى آخره .
وهذه الأذكار ينبغي لطالب العلم أن يحفظها
" ثم يرفع مكبراً ويجلس مفترشاً يسراه ناصباً يمناه ويقول رب اغفر لي ثلاثاً " أيضاً الإفتراش ذكر بعض العلماء أن الأصل في جلسات الصلاة الافتراش ، والافتراش كما وصفه المؤلف رحمه الله أنه ينصب رجله اليمنى ويثني أصابعها تجاه القبلة وأما رجله اليسرى فإن ظهرها يكون إلى الأرض وبطنها يجلس عليه ، هذا يسمى الافتراش .
كما جاء ذلك في حديث أبي حميد وحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما .
" ويقول رب اغفر لي " رب اغفر لي هذا ذكر واجب ، المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
وعند جمهور أهل العلم أنه مستحب وليس واجباً وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه .
وتقدم أيضاً أن أقل الكمال ثلاث وأعلاها بالنسبة للإمام إلى عشر وكذلك المأموم والمنفرد ما سبق في تسبيحات الركوع والسجود يأتي هنا .(2/211)
ثم يسجد ثانية كالأولى ثم ينهض مكبراً قائماً على صدور قدميه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً من الذكر الوارد قول رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وارفعني هذه من الأذكار الواردة .
وإذا كان مأموماً يقول رب اغفر لي ويكرر ذلك إلى أن يرفع الإمام ويأتي بالأذكار الواردة التي سبق أن أشرت إليها إلى أن يرفع الإمام ، وأما الإمام فسبق أنه إلى عشر .
والجلوس بين السجدتين له صفتان :
الصفة الأولى : صفة مجزئة .
الصفة الثانية : صفة كاملة .
الصفة المجزئة كيف ما جلس .
وأما الصفة الكاملة كما ذكر المؤلف رحمه الله يفترش ينصب رجله اليمنى ويجعل أصابعها مثنية إلى جهة القبلة وأما بالنسبة لرجله اليسرى فيجعل ظهرها إلى الأرض وبطنها يجلس عليه ويجعل يديه على فخذيه مضمومة الأصابع
" ثم يسجد ثانية كالأولى " كالأولى فيما تقدم من التكبير والتسبيح وغير ذلك .
" ثم ينهض مكبراً قائماً على صدور قدميه " قوله ينهض مكبراً يعني يكون التكبير في أثناء النهوض وهذا سبق أن أشرنا إليه أن تكبيرات الانتقال أنها تكون بين الركنين لأنها ذكر هذا الانتقال ، وقول المؤلف رحمه الله : قائماً على صدور قدميه فيؤخذ من هذا أنه لا يجلس جلسة الإستراحة ، وهل جلسة الاستراحة مشروعة أو ليست مشروعة ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ نقول هذه الجلسة فيها رأيان للعلماء رحمهم الله :
فجمهور أهل العلم على أنها ليست مشروعة وهو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله أنها مشروعة .
أما الذين قالوا بأنها ليست مشروعة وهو رأي الجمهور قالوا بأنها لم يأتي ذكرها في حديث أبي حميد كما في سنن أبي داود .(2/212)
وأيضاً قالوا بأن أكثر الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً الذين لازموا النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وابن عمر وابن مسعود وابن جبير وابن سعيد ما كانوا يجلسون هذه الجلسة .
وأيضاً قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد لها من أساء في صلاته في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
والذين قالوا بأنها مشروعة استدلوا بحديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه وإنه قال لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : وكان إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً . فقالوا هذا دليل على مشروعية هذه الجلسة .
وقالوا أيضاً بأنها واردة في حديث أبي حميد رضي الله تعالى عنه .
معتمداً على ركبتيه إن سهل......................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه ابن قدامة رحمه الله وأن الإنسان يفعل هذه الجلسة إذا كان يحتاج إليها إما لكبر أو لمرض أو لتعب ونحو ذلك فإنه يجلس مثل هذه الجلسة ، أما إذا كان لا يحتاجها فإنه يتركها بهذا تجتمع الأدلة .
ويبقى حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتاج إلى هذه الجلسة لأن مالك ما قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في آخر حياته ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لما كبر وأسن أخذه اللحم ... إلى آخره .
وهل لها ذكر هذه الجلسة أو ليس لها ذكر ؟
نقول لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها ذكر .
كذلك أيضاً هذه الجلسة ما صفتها ؟
العلماء رحمهم الله قالوا بأن صفتها كصفة الجلوس بين السجدتين .
" معتمداً على ركبتيه إن سهل " يعني إذا أراد أن يقوم يعتمد على ركبتيه إذا كان ذلك أسهل له وإن كان يحتاج إلى أن يعتمد على الأرض لكونه كبيراً أو مريضاً ونحو ذلك فإنه يعتمد على الأرض .(2/213)
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله إلى أنه لايأمن ما يسمى بالعجن في الصلاة وأن حديث العجن أن هذا غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أنه إذا أراد أن يقوم يجعل يديه على الأرض ثم بعد ذلك يقوم .
فيصلي الثانية كذلك غير التحريمة والاستفتاح والتعوذ إن تعوذ في الأولى................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والحديث الوارد في هذا ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
" فيصلي الثانية كذلك غير التحريمة والاستفتاح " يعني يصلي الركعة الثانية كالركعة الأولى لكن يستثنى من ذلك قال : غير التحريمة لا يكبر تكبيرة الإحرام لأن تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى والاستفتاح أيضاً لا يستفتح ولو أنه نسي أو فاته الاستفتاح في الركعة الأولى فإنه لا يستفتح لأن موضع الاستفتاح إنما في الركعة الأولى لأنه يفتتح به الصلاة والركعة الثانية لا يفتتح بها الصلاة .
" والتعوذ إن تعوذ في الأولى " يعني التعوذ يقول المؤلف رحمه الله فيه تفصيل :
إن تعوذ في الركعة الأولى فإنه لا يستعيذ في الركعة الثانية ، وإن لم يتعوذ في الركعة الأولى فإنه يستعيذ في الركعة الثانية ، لما سبق أن أشرنا أن الاستعاذة للقراءة ليست للصلاة .
أما البسملة فإنه يبسمل في ابتداء السورة ، يبسمل في ابتداء الفاتحة ويبسمل أيضاً في كل سورة يفتتحها .
ثم يجلس مفترشاً ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى............................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يجلس مفترشاً ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى" الجلوس للتشهد الأول له صفتان :
الصفة الأولى : أن يجلس كيف ما شاء .(2/214)
الصفة الثانية : أن يجلس كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى يفترش وسبق أن بينا كيفية الإفتراش ينصب اليمنى واليسرى يجعل ظهرها إلى الأرض ويجلس على بطنها .
قال : ويداه على فخذيه قابضاً خنصر يمناه وبنصرها محلقاً إبهامها مع الوسطى : يداه تكون على فخذيه وورد لهما صفتان :
الصفة الأولى : كما ذكر المؤلف وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله يقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة .
والصفة الثانية : يقبض الجميع يقبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام ويشير بالسبابة.
هاتان الصفتان .
وتقدم أن ذكرنا أنه يستحب أن يفعل هذا تارة وهذا تارة أخرى ، إما أن يقبض كما في حديث ابن عمر وحديث ابن الزبير رضي الله تعالى عنهم جميعا وإما أن يقبض الجميع ويشير السبابة ، هذا بالنسبة لليد اليمنى أما اليد اليسرى فإنها تكون مضمومة الأصابع .
مشيراً بسباحتها عند ذكر الله...................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويفهم من قول المؤلف رحمه الله : ويداه على فخذيه أنه لا يجعل يديه على ركبتيه ، وهذا غير صواب ، لأن هذا أيضاً وارد في صفة أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول صفتان :
الصفة الأولى : أن يجعل اليدين على الفخذين .
الصفة الثانية : أن يجعل اليمنى على حرث الركبة اليمنى واليسرى يجعلها على الركبة اليسرى كالقابض .
فهاتان صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم فتارة يأتي بهذه وتارة يأتى بهذه .
" مشيراً بسباحتها " السباحة هي الإصبع التي تلي الإبهام ، وسميت سباحة لأنها يشار بها للتوحيد ، وتسمى أيضاً سبابة لأنه يشار بها للسب .
" عند ذكر الله " فنقول السبابة يرفعها لكن هل يحركها دائماً أو أنه لا يحركها أو يحركها في مواضع معينة ؟(2/215)
هذا موضع خلاف عند أهل العلم رحمه الله فقيل بأنه يحركها دائماً ، وقيل بأنه لا يحركها ، وقيل بأنه يحركها عند ذكر الله عز وجل فإذا أراد لفظ الجلالة فإنه يحركها ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله ، اللهم صل على محمد ، اللهم بارك على محمد ... إلى آخره . عند ذكر لفظ الجلالة .
ويبسط اليسرى ويقول التحيات لله والصلوات................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقيل بأنه يحركها عند الدعاء ، اللهم صل على محمد اللهم بارك على محمد ، أعوذ بالله من نار جهنم ومن عذاب القبر ... إلى آخره ، يحركها عند الدعاء .
وهذا الذي يظهر والله أعلم أنه أقرب الأقوال .
أقرب الأقوال : أنه يحركها عند الدعاء كما ورد في مسلم يدعو بها في صلاته .
وأما القول بأنه لا يحركها دائماً أو أنه يحركها دائماً فهذا كله غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فالصواب في هذه المسألة : كما تقدم أنه يشير بها وأنه يحركها عند الدعاء .
" ويبسط اليسرى " كما تقدم أصابع اليسرى تكون مبسوطة تكون مضمومة إلى القبلة .
" ويقول التحيات لله " التحيات : جمع تحية والمراد بها الألفاظ الدالة على البقاء والملك والعظمة والسلام هذه كلها مملوكة لله سبحانه وتعالى مختصة به .
والتحيات تقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التحيات على سبيل الإطلاق هذه خاصة بالله عز وجل ، وأما التحية لا على سبيل الإطلاق وإنما على سبيل الخصوص فهذه جائزة تكون للمخلوق مثلاً لو قلت على سبيل الخصوص لك تحيتي ... إلى آخره فإن هذا جائز ولا بأس به .
" والصلوات " الصلوات : قيل المراد بها الصلوات الخمس وقيل المراد بها سائر العبادات وقيل المراد بها الدعوات ... إلى آخره .(2/216)
والطيبات السلام عليك أيها النبي................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والطيبات " الطيبات من الأقوال ، والطيبات جمع طيب ، والطيب ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : ما يتعلق بالله سبحانه وتعالى فله سبحانه وتعالى من الأسماء والأفعال والصفات أطيبها .
والقسم الثاني : ما يتعلق بالمخلوق فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيباً فلا يقبل من الأعمال الصالحة إلا أطيبها ما كان خالصاً موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقبل من الصدقات والزكواة إلا أطيبها .
" السلام عليك أيها النبي " السلام : اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ، ويطلق السلام على التحية ، ويطلق أيضاً على الأمان ، فإذا قلت السلام عليك أيها النبي أي أنك تدعو للنبي عليه الصلاة والسلام بالسلامة في حياته سلامة بدنه وماله وأهله وبعد مماته سلامة سنته وشرعه من تأويل الغالين وتحريف المبطلين .. إلى آخره . وبعد مماته تدعو له بالسلامة يوم القيامة فإن الرسل يجثون على ركبهم يوم القيامة يقولون اللهم سلّم سلّم من شدة هول ذلك اليوم .
أيها النبي : النبي بالهمز من النبأ النبيء بالهمز أي الخبر لأنه يخبر عن الله عز وجل ، وبالتسهيل بلا همز من النبوة وهي الرفعة لأن رتبته مرتفعة على سائر الخلق .
ورحمة الله وبركاته السلام علينا................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ واختلف في تعريف النبي وقيل أن النبي ذكر أوحي إليه بشرع ولم يأمر بتبليغه ، وقيل بأن النبي هو الذي لم يوحى إليه بشرع مستقل وإنما يحكم بشريعة النبي الذي قبله يكون تابعاً له .
" ورحمة الله " الرحمة رحمة الله عز وجل تنقسم إلى قسمين :(2/217)
القسم الأول : رحمة عامة وهذا تكون لجميع المخلوقات ، فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذه المخلوقات ورحمها بأن يسر لها مصالحها وهداها لما يصلحها ، الإصلاح الحسي البدني ، فالكفار رحمهم الله عز وجل أطعمهم وسقاهم وكساهم .. إلى آخره .
الحيوانات رحمها الله عز وجل والطيور رحمهما الله عز وجل يسرها وهداها لمصالحها .
القسم الثاني : رحمة خاصة وهي رحمة التوفيق لهذا الهدى ، العلم النافع والعمل الصالح ، التوفيق للإسلام هذه رحمة خاصة أختص الله بها المؤمنين وكلما كان الإنسان أكثر أخذاً من الإسلام كلما كانت رحمته الخاصة أكثر ، ولهذ الأنبياء كانت رحمتهم أكثر من رحمة غيرهم لأنهم أكثر أخذاً للإسلام وفوزاً به .
" وبركاته " جمع بركة وهي النماء والزيادة .
" السلام علينا " الضمير يعود على الحاضرين من الإمام والمأموم والملائكة تدعو لهم بالسلامة وهذا من فوائد صلاة الجماعة أنت جميع المصلين يدعون لك بالسلامة .
وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وهو التشهد الأول..................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وعلى عباد الله الصالحين " الصالحين جمع صالح وهو القائم بحق الله وحق المخلوق ، وهذا أيضاً من فوائد الصلاح فإن كل من صلى يدعو لك .
" أشهد أن لا إله إلا الله " أشهد يعني أخبر خبر من شاهد وهذا يدل على القطع .
أن لا إله إلا الله : معناه لا معبود بحق إلا الله عز وجل .
" وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " هذه كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .(2/218)
وقوله : عبده ورسوله :هو جمع النبي عليه الصلاة والسلام بين العبادة وبين الرسالة لكي لا يكون الإنسان جافياً ولا غالياً وفيه رد بقوله عبد على الصوفية والخرافيين والقبورين الذين يرفعون النبي صلى الله عليه وسلم فوق منزلته فوق رتبة العبادة .
وقوله : ورسوله فيه رد على من أنكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إما على سبيل العموم وإما على سبيل الخصوص .
فعلى سبيل العموم كالكفار المشركين كفار قريش وغيرهم .
وعلى سبيل الخصوص فالذين أنكروا عموم رسالته بأنه إنما أرسل إلى العرب كاليهود .
" وهو التشهد الأول " أن هذا التشهد الأول وتشهد ابن مسعود ، والإمام أحمد رحمه الله يختار تشهد ابن مسعود .
ثم إن كانت الصلاة ثنائية قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى
آل محمد كما باركت على أل إبراهيم إنك حميدمجيد...................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهناك صيغ للتشهدات وأن بينهم تشهد ابن عباس كما ذهب إليه الشافعي : التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ... وهو في مسلم وتشهد أبي موسى وتشهد عائشة وتشهد ابن عمر .. إلى آخره .
وهذه التشهدات ينبغي حفظها .
" ثم إن كانت الصلاة ثنائية قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " أيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذه تأتينا إن شاء الله هل هي ركن أو أنها مستحبة ؟
والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها ركن خلافاً لجمهور العلماء رحمهم الله .
وأيضاً الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا المؤلف رحمه الله يختار الصلاة الواردة في حديث كعب بن عجرة في الصحيحين ، وهناك أيضاً صيغ حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة وغير ذلك من الصيغ .(2/219)
فينبغي حفظ مثل هذه الصيغ لأنه كما أسلفنا أن العبادات المتنوعة أنه يستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقول اللهم صل على محمد تقدم لنا شرح الصلاة لكن قوله كما صليت على آل إبراهيم آل النبي عليه الصلاة والسلام هم قرابته المؤمنون به ، وقيل بأنهم أتباعه على دينه .
والصواب : أنه يختلف باختلاف الصيغ فإذا قيل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى من صحبه وتبعه فيكون المراد بال آل هنا القرابة ، وإذا قيل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد نقول المراد بال آل هنا أتباعه على دينه ، هذا هو الصواب .
ويدخل في آل النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أزواجه لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من آله .
وقوله : كما صليت على آل إبراهيم هنا استشكل العلماء رحمهم الله هذه الجملة وقرأت فيها رسالة ألفت في قوله ( كما صليت ) لأن في الحديث هنا ورد تشبيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة على إبراهيم ، وأيهما أفضل إبراهيم أم محمد ؟
محمد فكيف يكون هنا التشبيه والأصل أن يكون المشبه به أفضل من المشبه ،هذا الأصل وهنا شبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله كالصلاةعلى إبراهيم وآل إبراهيم ؟
اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله كثيراً كما ذكرت أنه ألف رسالة في هذه المسألة ... إلى آخره وكيف يكون ذلك وتخريجات العلماء رحمهم الله .(2/220)
أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب في هذه المسألة : أن الكاف هنا للتعليل وأن المعنى كما أنك يا الله صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصل على محمد وعلى آل محمد ، أو نقول صل على محمد وعلى آل محمد لأنك يا الله صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم .
وهذا من باب التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بإنعامه وأفعاله ... إلى آخره .
" أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " هذه الاستعاذة سنتكلم عن شيء من شرحها لكن هل هي واجبة ( أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ) أو ليست واجبة ؟
للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان :
الرأي الأول : رأي جمهور أهل العلم قالوا بأنها ليست واجبة ، واستدلوا على ذلك : بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد قال :" ثم ليتخير من الدعاء أعجبه "
والرأي الثاني : قال بعض السلف كطاووس وغيره قالوا بأن الاستعاذة بهذه الأربع واجبة ، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله ... إلى آخره "
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
وأجيب عن هذا أن هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب أجيب عنه بأن هذا صحيح أنه أمر لكن وجد له صارف كما في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .(2/221)
وعلى هذا الصواب في هذه المسألة : أن الاستعاذة من هذه الأربع أنه مستحباً ليس واجباً لكن يحرص عليها المصلي أولاً :لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها كما في صحيح مسلم .
وثانياً : في الصحيحين لفعله عليه الصلاة والسلام ولأن هذه الأربع أمرها عظيم وخطرها جسيم .
وقوله : أعوذ يعني أعتصم وألتجأ إلى الله .
من عذاب جهنم : جهنم هي الدار التي أعدها الله لأعدائه في الأخرة .
ومن عذاب القبر : القبر هو مدفن الإنسان ، والمراد هنا من عذاب القبر : يعني من العذاب الذي يكون بين موت الإنسان وقيام الساعة ، يعني الإنسان قد يدفن في القبر وقد لا يدفن وقد تأكله السباع .. إلخ .
المهم أن المقصود بقوله ومن عذاب القبر : العذاب الذي يكون بين موت الإنسان وقيام الساعة .
ومن فتنة المحيا: ما يتعلق بأمراض الشبها والشهوات .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والممات : ما يكون للإنسان عند موته من الفتنة ، ومن ذلك ما يتعلق من عرض الأديان عليه ، هل تعرض الأديان أو لا تعرض الأديان عليه ؟
والصواب في هذه المسألة : ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأن عرض الأديان ليس على كل أحد بل إذا كان الإنسان مستقيماً على أمر الله وعلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى ينجيه من هذه الفتن ، وهذا من فوائد الاستقامة ولزوم طري الكتاب والسنة .
ومن فتنة المسيح الدجال : المسيح قيل سمي بهذا الاسم لأنه كان ممسوح العين اليمنى يعني أعور العين اليمنى .
وقيل : لأنه ممسوح عن كل خير .
وقيل : لأنه يمسح الأرض ذهاباً فيطوف بالأرض إلا مكة والمدينة فإنهما محرمتان عليه .
والدجال : مأخوذ من الدجل ، والدجل طلي البعير بالقطران .
وقيل : الكذب ، وهي صيغة مبالغة ، وسمي بذلك لدجله وتمويهه وكذبه على الناس .(2/222)
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنه لا يدعو بشيء أخر غير ما سبق .
والصواب : أنه يدعو ، والدعاء الوارد بعد الاستعاذة من هذه الأمور الأربع ينقسم إلى قسمين :
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الأول : دعاء وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هناك أدعية واردة عن النبي عليه الصلاة والسلام بعد الاستعاذة بالله من هذه الأربع ، ومن ذلك ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبي بكر رضي الله تعالى عنه : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ... إلخ .
وغير ذلك مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا القسم الأول : وهو الدعاء بالوارد .
القسم الثاني : الدعاء بغير الوارد ، والدعاء بغير الوارد فإن كان مما يتعلق بأمور الآخرة فهذا جائز وإن كان مما يتعلق بملاذ الدنيا وشهواتها كما لو قال : اللهم ارزقني بجارية حسناء أو زوجة حسناء أو طعاماً طيباً أو مركباً حسناً ونحو ذلك ، فهل يجوز له ذلك أو لا يجوز له ذلك ؟
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أن صلاته تبطل بذلك .
والصواب : الرأي الثاني في هذه المسألة : أنه لا تبطل أن يدعو بما يتعلق بأمور الدنيا كما لو دعا بزوجة أو دعا بوظيفة أو دعا بمركوب أو دعا بطعام أو شراب ونحو ذلك .
ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم ليتخير من الدعاء أعجبه " .
فنقول الإنسان يحرص على الوارد وكذلك أيضاً له أن يدعو بما شاء ، هذا الصواب .(2/223)
ثم يقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " ثم يقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك " التسليم هذا سيأتينا إن شاء الله وأنه ركن من أركان الصلاة ، وهل الركن التسليمتان أو تسليمة واحدة وهل هو ركن في الفرض وفي النافلة ... إلخ ؟
هذا سيأتينا إن شاء الله في أركان الصلاة ، وأن الصواب : أنه ركن في الفريضة وأن كلاً من التسليمتين ركن ويدل لهذا ما ثبت في صحيح مسلم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم "
فقوله : يجزئ هذا دل على أنه مادون هاتين التسليمتين لا يحصل بهما الإجزاء .
فالصواب في الفريضة : أن التسليمتين كل منهما ركن من أركان الصلاة .
ويدل لما ذكرنا حديث جابر بن سمرة وأيضاً مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم داوم على التسليمتين في الحضر وفي السفر ... إلخ .
أما بالنسبة للنافلة فالصواب : أن التسليمة الأولى ركن وأن التسليمة الثانية فهذه ليست ركناً كما سيأتي .
والتسليم تحته مباحث :
المسألة الأولى : حكم التسليم .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم لنا أن التسليم حكمه في الفريضة ركن وفي النافلة أيضاً ركن التسليمة الأولى أما الثانية فلو لم يسلمها فصلاته صحيحة .
المسألة الثانية : الحكمة من التسليم .(2/224)
الحكمة من التسليم أولاً : ما ذكره ابن القيم رحمه الله : أن الإنسان مادام في الصلاة فهو في حمى الله عز وجل وفي رعايته وحفظه وفلاحه ، فإذا سلم فإنه أيضاً يكون في حمى الله عز وجل إلى وقت الصلاة الأخرى ، فهو يقول : السلام عليكم لأن السلام هو السلام من الآفات فهو مادام في الصلاة فهو في حمى الله عز وجل وكذلك أيضاً إذا سلم فالسلام من الآفات فيكون أيضاً في حمى من الله سبحانه وتعالى إلى أن يأتي وقت الصلاة الأخرى .
وقال بعض العلماء أن الحكمة : أن الإنسان مادام في الصلاة يسلم فهو غائب فإذا فرغ من صلاته فكأنه غائب حضر فيسلم .
المسألة الثالثة : على من يسلم ؟
أما إن كان منفرداً فإنه يسلم على الملائكة ، وأما إن كان غير منفرد فهو يسلم على الملائكة وعلى من معه من المأمومين ، فإذا كان يسلم على المأمومين فهل يجب عليهم الرد أو لا يجب عليهم الرد ؟
قال العلماء لا يجب الرد لأنه يكتفى بتسليم بعضهم على بعض عن الرد .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الرابعة : صيغة السلام .
واردعن ابن مسعودرضي الله وهذا هو المعروف ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله .
وورد في النسائي صيغة أخرى من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ، وهذه يصححها بعض أهل العلم .
الصيغة الثالثة : وفيه زيادة وبركاته : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لكن لفظ وبركاته بعض أهل العلم أثبت أنها شاذة لا تثبت ، والحديث لأبي هريرة في مسند أبي داود اختلف في زيادة وبركاته هل هي في التسليمتين أو في التسليمة الأولى ... إلخ .
وعلى كل حال فهذه اللفظة شاذة وإذا كانت شاذة فإنه لا يعمل بها .
المسألة الخامسة : متى يبدأ التسليم ؟(2/225)
التسليم يبدأ مع الالتفات ولا يبدأ التسليم وهو مستقبل القبلة لا يقول السلام عليكم ورحمة الله ثم يلتفت بعد أن يسلم مع قوله ورحمة الله هذا غير صواب لأن الذي يدل عليه حديث جابر بن سمرة :" يجزئ عن أحدكم أن يقول من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم " فنقول التسليم يبدأ مع الالتفات عن اليمين ويبدأ أيضاً مع الالتفات عن الشمال هذا الذي دل له ظاهر السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً بعد التشهد الأول....... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة السادسة : ذكر العلماء رحمهم الله أن لا يستحب أن يطول السلام ولا أن يمده وأن يقف على لفظ الجلالة لا يحرف بل يسكن على لفظ الجلالة ، فيقول السلام عليكم ورحمة الله .
وأما مده أو تطويله فهذا خلاف السنة ولهذا ورد في الحديث : حذف السلام السنة ، فلا يمد السلام أو يطوله فهذا خلاف السنة .
وكذلك أيضاً أن يقف على لفظ الجلالة .
المسألة السابعة : يستحب أن يلتفت حتى يُرى بياض خده كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث سعد رضي الله تعالى عنه فيلتفت عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خده .
" وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً بعد التشهد الأول " إذا كان في ثلاثية أو رباعية قام مكبراً والتكبير كما ذكرنا أنه من واجبات الصلاة ، لكن هل يرفع يديه في هذه الحال أو لايرفع يديه ؟
ظاهر كلام المؤلف أنه لا يرفع يديه وهذا قول جمهور العلماء : أنه لا يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول .
وصلى ما بقي كالثانية بالفاتحة فقط............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يرفع يديه ، وهو قول بعض الحنابلة وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يرفع يديه ، وهذا القول هو الصواب خلافاً للمذهب .(2/226)
فالصواب : أنه يرفع يديه إذا قام من التشهد الأول ، ويدل لذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري : إذا قام من التشهد الأول فإنه يرفع يديه ،
وهل يرفع يديه في أثناء القيام أو بعدما يستتم قائماً أو وهو جالس ؟
الذي دل له الدليل وهو السنة أنه يرفع يديه إذا استتم قائماً .
" وصلى ما بقي كالثانية بالفاتحة فقط " وعلى هذا في الركعة الثالثة وفي الركعة الرابعة يقتصر على قراءة الفاتحة ، واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورة وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب "
والصواب في هذه المسألة : أن الظهر في بعض الأحيان يزيد ويقرأ ، ويدل لهذا حديث أبي سعيد في مسلم فإنهم *.....* قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فوجدوها في الركعتين الأوليين على قدر ثلاثين آية في كل ركعة وفي الركعتيين الأخيرتين على النصف من ذلك ، إذا كان في الركعتين الأخيرتين على النصف من ذلك فكم سيقرأ في الركعة الثالثة والرابعة ؟
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ خمس عشرة آية ، والفاتحة كم آية سبع فسيقرأ خمس عشرة والفاتحة سبع هنا زاد ، فنقول الصحيح في هذه المسألة : أنه بالنسبة لصلاة الظهر أنه يستحب له أن يزيد في بعض الأحيان في الركعة الثالثة والركعة الرابعة .
أما بالنسبة لصلاة العصر فالذي *....* إليه أبي سعيد أنه لا *.....* في العصر يقتصر في الركعتين الأخريين على فاتحة الكتاب فقط .
ولهذا في حديث أبي سعيد لما ذكر قال : في الركعتين الأوليين من الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الركعتيين الأخريين على النصف من ذلك وفي الركعتين الأوليين من العصر على قدر الركعتين الأخريين من الظهر .
فالركعتان الأوليان من العصر كم سيقرأ فيهما ؟(2/227)
خمسة عشر .
وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك .
فنقول العصر لا يقرأ العشاء لا يقرأ الفجر ظاهر المغرب أيضاً ما ثبت فيها شيء لكن وارد عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا " .
والظهر كما ذكرنا أنه يقرأ في بعض الأحيان .
فنقول بالنسبة للصلوات تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : صلوات لا يقرأ فيها ، وهي العصر والعشاء ، والفجر ظاهر .
ثم يجلس متوركاً للتشهد الأخير..................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : صلوات يقرأ فيها أحياناً وهي الظهر والمغرب ، في بعض الأحيان ماعدا ذلك يقصر القراءة .
" ثم يجلس متوركاً للتشهد الأخير " التورك ورد له صفتان :
بعض العلماء ذكر ثلاث صفات لكن الصواب أنهما صفتان :
الصفة الأولى : أن ينصب رجله اليمنى وتكون أصابعها تجاه القبلة ويخرج رجله اليسرى تحت ساقه اليمنى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هذه الصفة الأولى .
الصفة الثانية : أن يفرش رجله اليمنى واليسرى ويخرجهما من جانبه الأيمن ويفضي بمقعدته إلى الأرض .
هاتان صفتان ويستحب أن يأتي بهذا تارة وبهذا تارة أخرى .
ومتى يكون التورك ؟
موضع خلاف أبو حنيفة رحمه الله عنده الافتراش دائماً .
ومالك عنده تورك دائماً .
والشافعي يقول بأنه يتورك في كل تشهد يعقبه سلام .
والإمام أحمد رحمه الله يقول يتورك في التشهد الذي يعقبه سلام إذا كان في الصلاة تشهدان، أما إذا كان في الصلاة تشهد واحد فإنه يفترش .(2/228)
وكذا المرأة لكن تضم نفسها وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فأصبح عندنا مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يتورك إذا كان في الصلاة تشهدان يتورك في الثاني وهذا يكون في الثلاثية والرباعية ، أما إذا كان في الصلاة تشهد واحد كصلاة الفجر والسنة الراتبة مثلاً فإنه يفترش .
وهذا القول هو الأقرب ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
ويدل له حديث أبو حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أبو حميد ذكر الافتراش في التشهد الأول ، ثم التورك في التشهد الثاني .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
" وكذا المرأة لكن تضم نفسها " وكذا المرأة في كل ما تقدم ، كل ما تقدم وذكرناه من صفة الصلاة فحكم المرأة كحكم الرجل تماماً ، لكن استثنى المؤلف رحمه الله قال :
لكن تضم نفسها ، تضم نفسها يعني في الركوع والسجود ما تجافي كما ذكرنا في الركوع بالنسبة للرجل أنه يستحب أن يجافي لكن بالنسبة للمرأة تضم نفسها هذا هو الاستثناء الأول .
وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وتسدل رجليها في جانب يمينها في جلوسها " يعني أنها لا تفترش في جلوسها ، في الجلوس لا تفترش وإنما تخرج رجليها وتفضي بمقعدتها على الأرض ، فلا تفترش كما يفترش الرجل ، أو تتربع نقول تسدل أو تتربع لكن السدل أفضل ، هذا الاستثناء الثاني .
الاستثناء الثالث : قالوا بأنها تسر بالقراءة وجوباً إن سمعها أجنبي .
واستدلوا على هذا قالوا بأن هذا وارد عن عائشة رضي الله تعالى عنها الضم .
وقالوا أيضاً بأن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يأمر نسائه بالتربع .
لكن هذا ضعيف لا يثبت .(2/229)
وذهب بعض العلماء كإبراهيم النخعي وغيره أن حكم المرأة كحكم الرجل تماماً ، وورد عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال : تفعل المرأة ما يفعل الرجل .
ودليله القاعدة { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل }
فنقول: أولاً : بأن خطاب الشارع متوجه للجميع :" يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ... إلخ " هذا متوجه للجميع الرجال والنساء إلا بدليل .
وثانياً : أنه وارد عن أم الدرداء رضي الله تعالى عنها في صحيح البخاري معلقاً بصيغة
وأثر ابن عمر هذا ضعيف لا يثبت .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالصواب في ذلك : أن المرأة كالرجل ، وعلى هذا نقول أن المرأة تفترش في موضع الافتراش وتتورك في موضع التورك وتجافي في مواضع المجافاة وترفع يديها ... إلخ .
هنا ما ذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بالأذكار التي تكون أدبار الصلوات :
فيستغفر الله ثلاث مرات : استغفر الله ، استغفر الله ، استغفر الله ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم بعد ذلك يهلل ، ثم بعد ذلك يسبح ، والتسبيح ورد له أربع صفات :
الصفة الأولى : أن يسبح الله ثلاثاً وثلاثين ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويكبره ثلاثاً وثلاثين ، ويقول تمام المائة الله أكبر .
الصفة الثانية : أن يسبح الله ويحمد الله ويكبره ثلاثاً وثلاثين ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
الصفة الثالثة : أن يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله خمساً وعشرين .
الصفة الرابعة : أن يسبح الله عشراً ويكبره عشراً ويحمده عشراً .
كره في صلاة التفات ورفع بصره إلى السماء................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في مكروهات الصلاة(2/230)
" كره في صلاة التفات " يقول المؤلف رحمه الله : في الصلاة يكره الالتفات ، والمكروه في اللغة : البغض ، وعند الأصوليين : ما نهي عنه لا على سبيل الجزم .
الالتفات أنواع :
النوع الأول : التفات بالرأس ، فهذا مكروه ويدل له ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ".
النوع الثاني : التفات بالبصر وهذا أيضاً مكروه إلا إذا كان إلى السماء فإنه محرم كما سيأتي إن شاء الله ، يعني كونه يلتفت ببصره يميناً وشمالاً هذا مكروه لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إياك والالتفات"اوكماقال صلىالله علية وسلم
النوع الثالث : الالتفات بالقلب وأن الإنسان يذهب يميناً وشمالاً في أمور الدنيا ، فهذا مما ينقص عليه الأجر ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .
النوع الرابع : الالتفات بالبدن ، والالتفات بالبدن أيضاً مكروه لما تقدم من الأدلة إلا إذا انحرف عن جهة القبلة لغير ضرورة كما تقدم في استقبال القبلة فإنه يبطل عليه صلاته .
" ورفع بصره إلى السماء " ورفع بصره المؤلف رحمه الله يرى أنه مكروه .
وإقعاء............................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : أنه محرم ، ويدل لهذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهن أو لتخطفن أبصارهم " وهذا أخرجه البخاري ، فقوله عليه الصلاة والسلام : أو لتخطفن أبصارهم ، هذا يدل على التحريم .(2/231)
" وإقعاء " يعني من مكروهات الصلاة الإقعاء ، والإقعاء هذا فسره العلماء رحمهم الله بتفاسير التفسير الأول : هو أن ينصب قدميه ويجلس على العقبين ، وسبق أن ذكرنا أن ابن عباس يراه من السنة لما قيل له كنا نعد هذا من االإقعاء فقال حسبك سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، هذا التفسير الأول .
التفسير الثاني : أن يفرش قدميه يعني يجعل ظهور قدميه إلى الأرض ويجلس على عقبيه .
التفسير الثالث : أن يباعد قدميه ويجلس بينهما .
التفسير الرابع : وهو وهو ما دل له كلام أهل اللغة أن يجلس على مقعدته وينصب ساقيه وهو ما دل له الحديث .
فيظهر أن الإقعاء الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يجلس على الأرض وينصب قدميه وهذا الذي نهى عنه وهو الذي يشبه إقعاء الكلب .
وافتراش ذراعيه ساجداً وعبث وتخصر............................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وافتراش ذراعيه ساجداً " يقول المؤلف رحمه الله : بأن هذا مكروه والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب "
يكره أن يجعل ذراعيه على الأرض وأنه مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع ذراعيه ويجافي عضديه .
" وعبث " أيضاً يكره العبث والدليل على هذا أن حركات الصلاة توقيفية والعبث حركات زائدة على هذه الحركات التوقيفية فنقول بأن هذا مكروه ، وسيأتي متى يبطل هذا العبث بمبطل من مبطلات الصلاة وأنها منبطلة بشروط :
الشرط الأول : أن يكثر من الحركات .
والشرط الثاني : أن تكون متوالية .
والشرط الثالث : أن تكون بغير ضرورة .
فإذا توفرت هذه الشروط الثلاثة فإن الصلاة تبطل .
" وتخصر " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يكره التخصر ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل متخصراً .(2/232)
واختلف في معنى التخصر وقيل أن التخصر أن يضع يديه على خاصرته .
والرأي الثاني : قيل أن المراد بالتخصر هو قراءة أواخر السور .
وتروح وفرقعة أصابعه وتشبيكها............................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : هو القول الأول وأن المراد بالتخصر أن يضع يديه على خاصرته .
واختلف في ذلك وقيل أنه من فعل أهل النار ، وقيل بأنها هيئة المتثاقل .
" وتروح " التروح هو أن يروح على نفسه بالمروحة هذا التروح فيقول المؤلف رحمه الله تعالى : هذا مكروه لأنه من العبث إلا إذا كان هناك حاجة ، أن يتروح على نفسه بالمروحة أو بثوبه أو بغير ذلك إذا كان هناك حاجة كشدة حر فإن هذا لا بأس به .
" وفرقعة أصابعه " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله تكره فرقعة الأصابع بدليلين :
أما الدليل الأول : حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة "
وهذا الحديث رواه ابن ماجه وهو ضعيف .
لكن الدليل الثاني يغني وأن هذا من العبث وكما سلف أن حركات الصلاة توقيفية وهذه حركات زائدة على حركات الصلاة .
" وتشبيكها " أيضاً يكره تشبيك الأصابع في الصلاة ودليل ذلك حديث كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً شبك أصابعه في الصلاة ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه .
فنقول بأن هذا حكمه بأنه مكروه .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الحديث اخرجه الترمذي وابن ماجه وً فيه ضعف لكن يغني من ذلك أنه من العبث وأيضاً أنه يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم في اليدين .
سائر العبث والحركات الزائدة نأخذ في ذلك قاعدة وهي :
{ أن الأصل فيها الكراهة }.(2/233)
والعلماء رحمهم الله يقسمون الحركات في الصلاة إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : حركة مكروهة وهذا هو الأصل في الحركات ، مثل ما ذكره لمؤلف رحمه الله فرقعة الأصابع وتشبيكها ... إلخ .
وكذلك أن يفتح ما معه أن يضع فيه أن يعبث بعمامته الأصل في ذلك الكراهة ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : الإباحة الحركة المباحة وهي التي يحتاج إليها كما لو كان الإنسان في شدة حر فروح عن نفسه ، فنقول بأن هذا مباح .
القسم الثالث : الحركة المستحبة ، والحركة المستحبة هي التي يتوضح عليه أمر مستحب كسد الفرجة في الصف ، فإذا كان هناك فرجة ثم مشى ليسد الفرجة فنقول هذه الحركة مستحبة .
وكونه حاقناً ونحوه أو بحضرته طعام يشتهيه............................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الرابع : الحركة الواجبة وهي التي يتوقف عليه أمر واجب كما لو اجتهد ثم صلى إلى غير القبلة ثم تبين له أن القبلة على غير هذه الجهة أو كان غير ساتر لعورته ثم جاءه سترة فستر فهذه الحركة واجبة .
القسم الخامس : الحركة المحرمة وهي ما يترتب عليها أمر محرم كما لو انحرف عن القبلة بغير ضرورة أو أكثر من الحركات المتوالية بغير ضرورة فإن هذا مما يبطل الصلاة .
" وكونه حاقناً "الحاقن : هو من احتبس بوله حال دخوله الصلاة .
" ونحوه " أي يكون محتبس للغائط أو محتبس للريح فهذا يقول المؤلف رحمه الله : بأنه مكروه ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة في حضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان " مالم تكون له مدافعة شديدة بحيث انه لايطئن في صلاته فنقول بأن هذا محرم ولا يجوز .
" أو بحضرته طعام يشتهيه " يعني كونه يصلي وهو في حضرة طعام يشتهيه هذا أيضاً يقول المؤلف رحمه الله يكره ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا صلاة في حضرة طعام "(2/234)
وقال المؤلف رحمه الله : في حضرة طعام وقال : يشتهيه ، فللكراهة شروط :
الشرط الأول : أن يكون الطعام حاضراً .
والشرط الثاني : أن يشتهيه يكون محتاجاً إليه .
وتكرار الفاتحة ولا جمع سور في فرض كنفل................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والشرط الثالث : أن يكون قادراً عليه .
فلابد من هذه الشروط الثلاثة وإن كان الطعام غير حاضر نقول لايكره ، وإن كان لا يحتاجه وهو حاضر نقول لا يكره ، وإن كان لا يقدر عليه كما لو كان صائماً هنا الآن حضر الطعام ويشتهيه لكنه لا يقدر عليه شرعاً فنقول لا يكره .
" وتكرار الفاتحة " يقول المؤلف رحمه الله : يكره تكرار الفاتحة لأنه لم ينقل .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : أن تكرار الفاتحة لا يبطل الصلاة خلافاً لم قال بأنه مبطل وفرق بين الركن القولي والركن الفعلي وتكرار الركن الفعلي هذا يبطل كما لو كرر الركوع أو السجود نقول بأنه يبطل ، بخلاف القولي فإنه لا يبطل .
وقوله تكرار الفاتحة مكروه مالم يكن هناك مقصود شرعي فإن كان هناك مقصود شرعي فلا بأس ، كما لو كرر إنسان الفاتحة لأنه أخشع له أو أنه يريد أن يتدبرها أو شك في اسقاط بعض الحروف ونحو ذلك فنقول هذا لا بأس مالم يصل إلى حد الوسواس .
" ولا جمع سور في فرض كنفل " يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن يجمع لو قرأ سور في فرض فإن هذا جائز ولا بأس به لكن السنة الغالبة سورة كما في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورة .
وسن له رد مار بين يديه................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن لو قرأ بسورتين في الفرض فهذا جائز ولا بأس به ، ويدل لذلك حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الليل افتتح البقرة وافتتح النساء وافتتح آلعمران .(2/235)
والقاعدة ما ثبت في الفرض ثبت في النافلة الابدليل
وأيضاً قصة الرجل كما ثبت في الصحيح أنه إذا قرأ ختم بسورة قل هو الله أحد وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
فنقول هذا جائز ولا بأس به .
وفي النفل نقول : بأنه سنة والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، يشرع للإنسان أن يطيل القراءة .
" وسن له رد مار بين يديه " يقول المؤلف رحمه الله يسن أن يرد المار بين يديه وهذا مذهب جمهور أهل العلم أن رد المار بين يديه أنه سنة .
واستدلوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحداً يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه قرين "
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال : فلا يدعن أحداً، هذا نهي .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي ابن حزم وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن دفع المار واجب لظاهر النهي ( فلا يدعن ) والأصل في النهي التحريم وأنه لا يجوز له أن يتركه أن يمر بين يديه .
هذا ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله .
والصواب في ذلك : أن يقال بالتفصيل فتارة يجب أن يدفع المار وتارة لا يجب .
فنقول القسم الأول : يجب أن يدفع المار إذا كان المار مما يبطل الصلاة ، والصلاة واجبة ، وسيأتينا ما الذي يبطل الصلاة .
القسم الثاني : يستحب دفع المار إذا كانت الصلاة غير واجبة أو كان المار لا يبطل الصلاة .
فأصبح أنه ينقسم إلى هاذين القسمين .
وقوله : فليقاتله ؟
نقول القتال في كل موضع بحسبه فيدفعه بالأسهل فالأسهل .
ومعنى فليقاتله يعني إن احتاج أن يدفعه بشدة فله ذلك ، هذا معنى المقاتلة .
وليس المعنى أن يأخذ بشيء ويضربه به ونحو ذلك .(2/236)
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا فرق بين مكة وغيرها وهذا هو الصواب في هذه المسألة .
وصلاته إلى سترة.............................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ولا فرق بين الحرم وغيره إلا في أيام الزحام وفي المواسم ونحو ذلك هنا قد لا يتمكن من دفعه
" وصلاته إلى سترة " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن الصلاة إلى السترة حكمها سنة وهذا ما عليه جمهور أهل العلم .
والرأي الثاني : الصلاة إلى السترة أنها واجبة .
ولكل منهم دليل أما من قال بأن الصلاة إلى سترة سنة فاستدلوا بأدلة من أدلتهم : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس "
فقال : إذا صلى ، فيفهم من ذلك أنه قد لا يصلي إلى شيء يستره .
واستدلوا بما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير جدار .
لكن نفي الجدار لا يلزم من ذلك نفي السترة بالكلية .
وكذلك أيضاً حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما ...إلخ .
والرأي الثاني : الوجوب كما هو قول ابن حزم رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد وبه قال الخطاب وغيرهم من أهل العلم وهو يجب عليه أن يصلي إلى سترة واستدلوا بظاهر الأمر ، وظاهر الأمر باتخاذ السترة ، والأصل في الأوامر الوجوب .
مرتفعة قريب ذراع......................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن اتخاذ السترة أنه سنة لكن إذا احتاط المسلم في اتخاذ السترة .
" مرتفعة قريب ذراع " يعني يستحب أن تكون السترة مرتفعة قريب ذراع .(2/237)
أولاً : لا تكون سترة إلا إذا كانت مرتفعة إلا ما ورد من إجزاء خط ، وإلا فالأصل أن تكون السترة مرتفعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام صلى إلى البعير وصلى ال السرير وصلى إلى السهم وقال :" إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل " العود التي يتكأ عليها الراحل .
فنقول السترة كما ورد في السنة وورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كل شيء مرتفع سواء كان قليلاً أو كثيراً ، لو جاء بالحصى أو وضع أي شيء مستقل نقول هذا تحصل به السترة
والسنة أن تكون هذه السترة مرتفعة قريب ذراع يعني أن تكون مرتفعة ذراع فأكثر .
ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصلي ولا يبالي من يمر وراء ذلك "
مؤخرة الرحل ماهو ؟
العود الرحل الذي يوضع على البعير يكون خلفه عود يتكأ عليه الراكب فهذا يسمى بمؤخرة الرحل فإذا وضع مثل ذلك وصلى فليصلي .
فإن لم يجد خط كالهلال وله عد الآي بأصابعه.................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكما ذكرنا أن السنة أن تكون السترة مرتفعة ولا تحصل السترة إلا بشيء مرتفع كما ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير وصلى إلى سرير وصلى إلى العربة وأيضاً مؤخرة الرحل ... إلخ .
" فإن لم يجد خط كالهلال " لما في سنن أبي داود و*..........* أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً "
فإذا كان مامعه شيء في رمل أو تراب فليخط خطاً كالهلال .
وقال المؤلف رحمه الله كالهلال وبعض العلماء يقول يخط خطاً مستقيماً وكيفما خط أجزأ لكن المؤلف رحمه الله يختار أن يخط كالهلال .
ويخط خطاً هذا كما ذكرنا في الرمل أو التراب أما بالنسبة للخطوط التي بالألوان تكون في الفرش هذه لاتكفي عن السترة كما ذكرنا أنه لابد أن تكون السترة مرتفعة .(2/238)
" وله عد الآي بأصابعه " يعني يباح له أن يعد الآي بأصابعه ، ويباح له أيضاً إذا احتاجه وقد يحتاج الإمام إلى ذلك عدد التكبيرات ، تكبيرات صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء قد يحتاج إلى أن يعدها بيديه ، أيضاً عدد التسبيح لإن الإمام له أن يسبح في الركوع والسجود إلى عشر .
ويدل لذلك حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه .
والفتح على إمامه ولبس ثوب وعمامة.............................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وهذا استدلوا به الفقهاء رحمهم الله ، وعلى كل حال سواء ثبت هذا الحديث نقول الحاجة تجبر إلى ذلك .
" والفتح على إمامه " يعني إذا أرتج على الإمام أو غلط يعني لم يقدر على القراءة لنسيان ونحو ذلك أو غلط وهو يقرأ فيقول المؤلف رحمه الله : له أن يفتح على إمامه .
ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه فلما أنصرف قال لأبي : أصليت معنا ؟ قال : نعم ، قال : فما منعك "
وهذا أخرجه أبو داود والإمام أحمد وإسناده صحيح .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن الفتح على الإمام ليس واجباً ، قال وله أي يباح له أن يفتح على إمامه .
والصواب : أن الفتح على الإمام ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : فتح واجب وهو ما كان تركه يبطل الصلاة ، وهذا مثل لو ترك آية من الفاتحة ما تصح الصلاة ، ومثل أيضاً لو ترك ركوعاً ركناً نقول هنا لا تصح الصلاة يجب أن تفتح عليه .
القسم الثاني : فتح مستحب وهو ما كان تركه لا يبطل الصلاة كما تقدم .(2/239)
" ولبس ثوب وعمامة " أيضاً يقول المؤلف رحمه الله لا بأس أن الإنسان يلبس ثوبه في الصلاة وكما تقدم كانوا في الزمن السابق يلبسون إزار ورداء وقد يسقط منه الرداء فلا وقتل حية وعقرب ونحوه مالم يطل................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ بأس أن يلبسه ، والعمامة أيضاً قد تنحل عمامته فلا بأس أن يلفها والنبي عليه الصلاة والسلام حمل أمامة كما في صحيح البخاري ، وأيضاً التحف بإزاره *.....* السلام .
" وقتل حية وعقرب ونحوه " يباح له أن يقتل الحية والعقرب في الصلاة ونحوه كالبراغيث والقمل .
ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب .
وهذا صححه الترمذي ، فنقول لا بأس أن يقتل الحية والعقرب ونحوه يعني كل مؤذي فإن هذه الأشياء مؤذية فإن لم تقتل فإنه يخشى من ضررها ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقتل مثل هذه الأشياء .
" مالم يطل " كما تقدم أن الحركات المبطلة يشترط لها ثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن تكون كثيرة .
الشرط الثاني : أن تكون متوالية .
الشرط الثالث : أن تكون لغير ضرورة .
إذا توفرت هذه الشروط فإنها تبطل .
قال : مالم يطل : أي مالم يطل الفعل .
وكيف يقتل الحية والعقرب ؟
وإذا نابه شيء سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال العلماء يتقدم ويقتل الحية والعقرب بقدمه وبيده إذا لم يحتج إلى أن يهوي ، فإن احتاج إلى أن يهوي ليس له ذلك .لأنه يكون زاد في الصلاة .
اللهم إلا إذا كان للضرورة وحينها تبطل عليه الصلاة ويستأنف فإن احتاج إلا أن ينحني يكون كالراكع أو الساجد فإنه يكون زاد في الصلاة فتبطل عليه الصلاة .(2/240)
" وإذا نابه شيء سبح رجل وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى " إذا نابه شيء يعني عرض للمصلي شيء مثلاً استأمن عليه أو سها الإمام ونحو ذلك سبح رجل يعني قال : سبحان الله وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى .
العلماء رحمهم الله ذكروا ثلاث صفات لتصفيق المرأة : البطن على البطن ، والبطن على الظهر ، والظهر على الظهر .
هذه كلها جائزة .
ويدل لهذا حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا رابكم *..........* في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء "
فالمرأة تصفق إذا كانت في حضرة الرجال لاإشكال في ذلك لكن لو كانت مع النساء فهل نقول بأنها تسبح أو نقول بأنها تصفق ؟
بعض العلماء اقتصر على مورد النص قال : أنها تصفق حتى ولو كانت مع النساء .
وتبطل بمرور كلب أسود بهيم...................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعض العلماء : بل تسبح لأنها منعت من التسبيح لحضور الرجال وخشية الفتنة ، أما إذا لم يكن هناك فتنة فإنها تسبح ، فالتسبيح ذكر فيه مشروعة في الصلاة بخلاف التصفيق هذه حركات غير مشروعة في الصلاة ، فقالوا بأنها تسبح إذا كانت مع النساء وهذا هو الأقرب ويؤيده القاعدة : { أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء } .
" وتبطل بمرور كلب أسود بهيم " الأسود معروف والبهيم الذي ليس فيه لون إلا السواد
بين يديه : يعني إذا مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته .
بين يدي المصلي حده العلماء رحمهم الله أنه بثلاثة أذرع من قدم المصلي .
وهو ما حده أيضاً آخرون أنه إلى منتهى سجود المصلي ، لأن بعد منتهى سجود المصلي لم يكن له سجود .
ما بين قدم المصلي ومنتهى سجوده يجوز لك المرور .
فأصبح عندنا المرور يجوز لك من وراء السترة على أية حال .
الحالة الثانية : من وراء منتهى السجود .(2/241)
وإذا مر بينه وبين سترته أو بين يديه يعني ما بين قدمه ومنتهى السجود هل تبطل الصلاة أو لا تبطل الصلاة ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف فالجمهور أنه لا تبطل الصلاة ،وأن الصلاة لا يبطلها شيء واستدلوا بحديث ضعيف " لا يبطل الصلاة شيء وادرأوا ما استطعتم ".
والرأي الثاني : أن الصلاة تبطل كما هو مذهب الإمام أحمد ، أنها تبطل بمرور كلب أسود بهيم ، أما المرأة والحمار فلا تبطل الصلاة .
وعللوا بأن هذا الكلب أنه شيطان .
والصواب في ذلك : أن كلاً من المرأة والكلب الأسود وكذلك الحمار أنها تبطل الصلاة .
هذا الرأي الثالث وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله , وهو الذي دل عليه حديث أبي ذرو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما ودليلهما مما ورد أنها تبطل الصلاة بهذه الأشياء الثلاثة إذا مر بين المصلي وسترته أو بين يديه .
أركانها القيام في فرض ................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في أركان الصلاة وواجباتها وسننها
لما ذكر المؤلف رحمه الله شروط الصلاة وكيفيتها شرع في بيان أركانها وواجباتها وسننها ثم بعد ذلك سيذكر المؤلف رحمه الله ما يتعلق بمبطلات الصلاة ، فقال المؤلف رحمه الله تعالى :
" أركانها القيام في فرض " الأركان : جمع ركن ، وهو في اللغة : جانب الشيء الأقوى .
وفي الاصطلاح : ما هيت الشيء يعني ما يتكون منه الشيء .
والفرق بين الركن والشرط من وجوه :
الوجه الأول : أن شروط الصلاة قبلها ، كالوقت ورفع الحدث وإزالة الخبث وستر العورة واستقبال القبلة ... إلخ ، هذه تكون قبل الصلاة .
وأما الركن فهو داخل الصلاة ما تتكون منه الصلاة .
الفرق الثاني : أن الشرط لابد من استدامته إلى نهاية الصلاة .(2/242)
وأما الركن فإنه ينتقل من ركن إلى آخر .
الفرق الثالث : أن الشرط يسقط بالعذر كما سبق لنا إذا لم يتمكن من استقبال القبلة فإنه يسقط ، وإذا لم يتمكن من رفع الحدث بالماء ولا التيمم بالصعيد فإنه يسقط ... إلخ .
وأما بالنسبة للركن ينتقل إلى بدله ، فالركن لابد أن يأتي به فمثلاً إذا عجز عن القيام فينتقل إلى بدله وهو القعود ، وإذا عجز عن الركوع لابد أن يومي وهكذا .
القيام في فرض................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بين الركن وبين الواجب :
أن الركن لا يسقط لا عمداً ولا سهواً ، وأما الواجب فإنه يسقط بالسهو ويجبر بسجود السهو ، كما سيأتي إن شاء الله .
والفرق بين الركن والمستحب ظاهر :
فإن الركن كما سلف لا يسقط لا سهواً ولا عمداً بخلاف المستحب وهو السنة فإنه يجوز أن يترك بالعمد وبالسهو .
" القيام في فرض " القيام في الفرض هذا متفق على أنه ركن من أركان الصلاة ، والدليل على ذلك : قول الله عز وجل :" وقوموا لله قانتين ".
وأيضاً من السنة حديث أبي هريرة وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر "
ما هو قدر القيام الواجب وما حده ؟
هاتين مسألتان :
المسألة الأولى : قدر القيام الواجب : قيل بأن قدر القيام الواجب قدر تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ، فيجب عليه أن يقوم قدر تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى وقراءة الفاتحة .
وأما في الركعة الثانية : فيجب عليه أن يقوم قدر قراءة الفاتحة .
وقيل بأن قدر القيام الواجب هو قدر تكبيرة الإحرام .
لقادر غير معذور والتحريمة............................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والصواب : هو القول الأول ، لأن كلاً من تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة ركن .
وما هو حد القيام الواجب ؟(2/243)
حده مالم يصف راكعاً بحيث من يراه يقول بأنه قائم وليس راكعاً .
وقال المؤلف رحمه الله : في فرض ، يخرج النفل ، فالنفل لا بأس أن يصلي وهو قاعد .
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها لما ذكرت صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل قال : وكان يصلي ليلاً طويلاً قاعداً .
وأيضاً حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم "
" لقادر غير معذور " إذا كان قادراً أما إذا كان معذوراً لمرض أو خوف أو عجز فإنه يسقط عنه القيام وينتقل إلى بدله ، فلو أنه إذا قام خائف من العدو أو أنه مريض ونحو ذلك يشق عليه القيام ولا يتحمله فإنه يسقط عنه القيام .
ويدل لهذا حديث عمران رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلي قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب "
" والتحريمة " يعني تكبيرة الإحرام هذه ركن من أركان الصلاة ، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام :" تحريمها التكبير " حديث علي واسناده حسن .
والفاتحة............................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً ما تقدم من حديث أبي هريرة في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر "
ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .(2/244)
" والفاتحة " أيضاً ركن من أركان الصلاة الفاتحة ، ودليل ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " في الصحيحين ، وسيأتينا إن شاء الله على من تجب قراءة الفاتحة ، وسيأتينا إن شاء الله أن الإمام والمنفرد كل منهم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة ، وأما بالنسبة للمأموم فهذا يجب عليه أن يقرأ في الركعات التي يسر بها الإمام وأما الركعات التي يجهر بها الإمام فإنه لا يجب عليه ، وهذا سيأتي في باب صلاة الجماعة إن شاء الله .
وقوله : الفاتحة ، اختلف أهل العلم رحمهم الله هل تجب القراءة في كل ركعة أو نقول لا تجب القراءة في كل ركعة ؟
رأيان :
الرأي الأول : رأي الجمهور أنه يجب أن يقرأ في كل ركعة ، كما سبق لنا الإمام والمنفرد يجب عليه أن يقرأ في كل ركعة والمأموم في الصلاة السرية ... إلخ كما سيأتينا إن شاء الله .
وركوع............................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه لا يجب عليه أن يقرأ في كل ركعة وإنما يجب عليه أن يقرأ في ركعتين فقط ، والحنفية هم أوسع المذاهب في ترك القراءة وأشد المذاهب في وجوب القراءة مذهب الشافعية ، فالشافعية يرون وجوب قراءة الفاتحة على كل مصلي مطلقاً سواء كان إماماً أو منفرداً أو مأموماً وسواء كانت الصلاة جهرية أو كانت الصلاة سرية .
" وركوع " أيضاً الركوع واجب بالإجماع ، ويدل له قول الله عز وجل :" ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فالركوع واجب بالإجماع وأيضاً يدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة كما في الصحيحين :" ثم اركع حتى تطمئن راكعا " .
وما هو حد الركوع المجزئ ؟
للعلماء في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أن تصل يداه إذا انحنى ركبتيه إذا كان وسطاً& .(2/245)
والرأي الثاني : أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ، وذكرنا أن هذا أقرب بحيث من رآه يقول أن هذا راكع .
والاعتدال عنه.................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والاعتدال عنه " يعني الرفع من الركوع ، يقول المؤلف رحمه الله : أنه ركن من أركان الصلاة ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم ، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة :" ثم ارفع حتى تعتدل قائماً " وفي لفظ " حتى تطمئن قائماً "
وأيضاً حديث ابن مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تجزئه صلاته من لا يقيم صلبه من الركوع والسجود "
وأيضاً الأدلة على هذا كثيرة ومن الأدلة فعل النبي عليه الصلاة والسلام ومداومته على ذلك وقد ذكر البراء بن عازب أن ركوع النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه وسجوده ورفعه ، يعني ركوعه واعتداله من الركوع وسجوده ورفعه من السجود هذه قريباً من السلام & .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله يرى أن الاعتدال من الركوع سنة وليس واجب وعلى هذا لو هوى من الركوع إلى السجود مباشرة فإن صلاته صحيحة ، ولهذا تجد أن من على رأي أبي حنيفة يهوي بسرعة لأنهم يرون أن الرفع حكمه سنة وليس واجباً ، ويستدلون بقول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فإن الله عز وجل أمر بالركوع والسجود ومازاد على ذلك يقولون بأنه زيادة على النص والزيادة على النص نسخ هذه قاعدة عند الحنفية رحمهم الله ، وهذه القاعدة باطلة كثير
والسجود والرفع منه والجلوس بين السجدتين .............................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أهل العلم رحمهم الله نقدوها لأنه يترتب على ذلك الإخلال بكثير من سنن النبي صلى الله عليه وسلم .(2/246)
" والسجود " السجود أيضاً هذا ركن بالإجماع ، ويدل لذلك قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " .
وأيضاً ما سلف من قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً " فالسجود هذا نقول بأنه ركن بالإجماع .
وتقدم لنا قول المؤلف رحمه الله السجود بأن السجود على الأعضاء السبعة وتقدم ما الذي يجب السجود عليه وأن الأعضاء السبعة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الركبتان والقدمان واليدان ، وذكرنا في أن المشهور من مذهب الإمام أحمد وجوب السجود عليها وهذا هو الصواب .
والقسم الثاني : الجبهة والأنف وذكرنا الخلاف فيها وأن الصواب السجود عليها .
" والرفع منه " الرفع من السجود .
" والجلوس بين السجدتين " الرفع من السجود والجلوس بين السجدتين المؤلف رحمه الله جعلهما ركنين وبعض العلماء يجعلهما ركناً واحداً .
والطمأنينة في الكل....................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالجلوس بين السجدتين هذا ركن من أركان الصلاة والكلام فيه كالكلام في الرفع من الركوع ، فالجمهور يرون أنه ركن ، ويستدلون بحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ثم ارفع حتى تعتدل جالساً " وفي لفظ " حتى تطمئن جالساً "
وتقدم لنا حديث ابن مسعود البدري رضي الله تعالى عنه وأيضاً حديث عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع من سجوده لم يسجد حتى يستوي قاعداً ، وهذا رواه مسلم .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة يرى أن الجلوس بين السجدتين سنة وليس واجباً ، وعلى هذا يكفي أن يرفع رأسه عند الحنفية إذا كان ساجداً يكفي أن يرفع رأسه ثم يخفضه مرة أخرى لكي يفصل بين السجدتين ، وهذا لا شك أنه ضعيف ، ودليله كما سلف استثنى قول الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " .
" والطمأنينة في الكل " فيها مسألتان :(2/247)
المسألة الأولى : هل هي ركن أو ليست ركناً ؟
والمسألة الثانية : قدر الطمأنينة ؟
جمهور أهل العلم على أنها ركن ودليلهم على ذلك : قول النبي عليه الصلاة والسلام :" ثم اركع حتى تطمئن راكعاً " " حتى تطمئن ساجداً " ... إلخ .
وأيضاً هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
والتشهد الأخير والجلوس له............................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وتقدم أيضاً حديث ابن مسعود البدري وتقدم أيضاً حديث عائشة هذه كلها تدل على أن الطمأنينة لابد منها .
وعند أبي حنيفة : أن الطمأنينة سنة ، لأن الواجب هو الركوع والسجود :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فإذا ركع وسجد كفى ذلك وهذا لاشك أنه ضعيف .
النبي عليه الصلاة والسلام أمر الذي أخل بالطمأنينة أن يعيد قال :" صل فإنك لم تصل "
فالصواب في ذلك : أن الطمأنينة واجبة وأنها ركن .
وما حد الطمأنينة ؟ هذه المسألة الثانية
للعلماء في ذلك رأيان :
الرأي الأول : أن حد الطمأنينة السكون وإن قل ، يعني إذا ركع وسكن فهذه طمأنينة وإذا سجد وسكن فهذه طمأنينة .
والرأي الثاني : أن حد الطمأنينة بقدر الذكر الواجب ، وعلى هذا في الركوع لا يكفي أنه مجرد أن يسكن فلابد أن يركع بقدر قول سبحان ربي العظيم ، وفي السجود لابد أن يسجد بقدر قول سبحان ربي الأعلى ، وفي الجلوس بقدر قول رب اغفر لي وعافني .
" والتشهد الأخير والجلوس له " التشهد الأخير هل هو ركن أو ليس ركناً وأيضاً الجلوس له هل هو ركن أو ليس ركناً ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ المشهور من المذهب ومذهب الشافعي رحمهم الله : أن التشهد الأخير والجلوس له ركن كل منهما ركن ، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد وكذلك أيضاً الشافعي .(2/248)
والرأي الثاني : رأي مالك وأبي حنيفة وأن الركن هو التشهد دون الجلوس .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه أحمد والشافعي ويدل لهذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل التحيات لله "
فقال : إذا قعد ، وأيضاً حديث ما في الدار قطني والبيهقي وغيرهما " كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد " وهذا الحديث وإن كان بعض أهل العلم يعله لكنه يستدل به على أن التشهد ركن فرض ، وأيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .
وقوله : التشهد الأخير ، التشهد الأخير قيل قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، هذا حد التشهد الأخير .
ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذه لها حكم أخر ، هل هي واجبة أو سنة ؟
هذه سيأتي إن شاء الله الكلام عليها .
المهم قوله التشهد الأخير الركن إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وللسلام.............................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " وللسلام " السلام هذا أيضاً ركن كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أن كلاً من التسليمتين ركن .
أو نقول السلام لا يخلو من أمرين : الأمر الأول : أن يكون في الفرض .
والأمر الثاني : أن يكون في النفل .
أما التسليم في الفرض ، هل هو ركن أو ليس ركناً ؟
وإذا قلنا بأنه ركن هل كلاً من التسليمتين ركن أو الركن تسليمة واحدة ؟
هذا فيه كلام لأهل العلم رحمهم الله فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن كلاً من التسليمتين ركن .
والرأي الثاني : أن كلاً من التسليمتين سنة وهذا مذهب أبي حنيفة .
والرأي الثالث : رأي الشافعي أن الأولى هي الركن والثانية سنة .(2/249)
ومالك رحمه الله يرى أن التسليم للمأموم سنة وأما بالنسبة للإمام والمنفرد التسليمة الأولى هي الواجبة .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
ودليله حديث جابر بن سمرة في صحيح مسلم :" إنما كان يكفي أحدكم أن يسلم على *..........* من على يمينه وشماله السلام عليكم السلام عليكم "
ودون الكفاية لا يقع فيه نزاع إنما يكفي وهذا يدل على أنه لابد من التسليمتين .
........................................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فالنبي عليه الصلاة والسلام داوم على التسليمتين في الحضر وفي السفر ، قال :" صلوا كما رأيتموني أصلي "
والذين قالوا بأنه تكفي تسليمة واحدة استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم في المغرب تسليمة واحدة كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
وأما الذين قالوا أنه سنة كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله استدلوا بحديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال : فإذا قلت ذلك فقد انقضت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد ، وهذا في البيهقي ، حديث ابن مسعود قال : فإذا قلت ذلك فقد انقضت صلاتك ، يعني إذا قلت التشهد فقد انقضت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقوم وإن شئت أن تقعد فاقعد ، وهذا غير ثابت ،
وأيضاً حديث ابن عمر : إذا أحدث أحدكم وقد تشهد فقد جادت& صلاته أو كما روي ، وهذا أيضاً غير ثابت .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
أما القسم الثاني : التسليم في النفل ، فنقول التسليم في النفل هذا وارد فيه الإكتفاء بتسليمة واحدة ، فنقول التسليمة الأولى ركن وأما التسليمة الثانية فهذه سنة .
فيكتفى بتسليمة واحدة ، نقول هذا صحيح .(2/250)
والترتيب......................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ " والترتيب " أيضاً الترتيب من الأركان ولابد أن يرتب ، والترتيب هذا ركن ويدل له قول الله عز وجل :" ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا " فبدأ الله عز وجل بالركوع قبل السجود ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتباً وداوم النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك وسبق أن ذكرنا قاعدة وهي :
{ أن كل عبادة مركبة من أجزاء لابد فيها من أمرين الترتيب والتوالي }
وإلا لم تكن وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
@@@@@
والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله هل هي ركن أو واجبة أو مستحبة ؟
على ثلاثة أراء :
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها ركن .
والمشهور من مذهب الشافعي أنها واجبة وليست ركناً .
وعند أبي حنيفة ومالك ورأي ابن حزم أنها سنة .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها ركن فاستدلوا بحديث ابن مسعود في صحيح مسلم أنهم قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا الله بالصلاة عليك فكيف نصلي ؟
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ قال :" قولوا اللهم صل على محمد " وهذا أمر ولكن هذا الأمر ليس أمراً ابتدائياً وإنما هو أمر للإرشاد فلا يقتضي الوجوب .
واستدلوا أيضاً بما في الدار قطني والبيهقي :" لا صلاة لمن لم يصلي على نبينا " وهو ضعيف ولو ثبت كان دليلاً لكنه ضعيف .
والذين قالوا بالوجوب استدلوا بما في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم قال وليصلي على نبيه " قالوا هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .(2/251)
والذين قالوا بالاستحباب استدلوا بحديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا تشهد أحدكم فليستعيذ بالله من أربع " وهنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد بالاستعاذة وهذا يدل على عدم الوجوب ، يدل على الاستحباب
والذي يظهر في هذه المسألة أما أن يقال بالاستحباب أو بالوجوب ، لأن حتى من قال بأنه في حديث أبي هريرة النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فليستعيذ بالله من أربع " نقول الأمر بالأربع هذا لا ينفي الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
فنقول إذا إما بالوجوب مما يستدل به الشافعي رحمه الله بما في سنن الترمذي وصحح الحديث فإذا دل ذلك فنقول بأنه إما أن نقول بالوجوب وهذا أحوط .
وواجباتها تكبير الانتقال والتسميع والتحميد ومرة أولى في تسبح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته........................................................................................ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ أو نقول بالاستحباب .
وأما القول بالركنية فهذا أبعد الأقوال .
والمجزئ أن يقول اللهم صل على محمد هذا المجزئ ، وسبق أن ذكرنا صيغ الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ورد لها عدة صيغ .
" وواجباتها تكبير الانتقال والتسميع والتحميد ومرة أولى في تسبح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته " هذه واجبات الصلاة ، وواجبات الصلاة ثمانية هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله :
الأول : تكبيرة الانتقال .
الثاني : التسميع .
الثالث : التحميد .
الرابع : تسبيحة الركوع .
الخامس : تسبيحة السجود .
السادس : قول رب اغفر لي .
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ السابع : التشهد الأول .(2/252)
الثامن : الجلوس له .
هذه ثمانية واجبات ، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها واجبات .
والرأي الثاني : رأي جمهور أهل العلم أنها سنن وليست واجبات .
ولكل منهم دليل : أما الإمام أحمد رحمه الله يستدل على أنها واجبات للأمر بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قال :" وإذا كبر فكبروا كما في حديث أبي هريرة وأيضاً قال :" وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد " فأمر النبي بالتكبير وأمر بالتسبيح...إلخ .
وتقدم في حديث حذيفة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ركع وسجد جعل يقول سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود ورب اغفر لي بين السجدتين "
وفي حديث عقبة بن عامر وإن كان فيه ضعف أنه لما نزل قول الله عز وجل :" فسبح باسم ربك العظيم " قال النبي صلى الله عليه وسلك :" اجعلوها في ركوعكم "
ولما نزل قوله تعالى :" سبح اسم ربك الأعلى " قال النبي صلى الله عليه وسلم :" اجعلوها في سجودكم "
.......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ وأيضاً مما يدل لهذا حديث معاوية بن الحكم في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هي التكبير والتسبيح وقراءة القرآن "
حصرها النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير والتسبيح وقراءة القرآن .
وأيضاً أننا إذا قلنا بأن هذه ليست واجبات أنه يترتب على ذلك أن تخلوا هذه الأركان والانتقالات التي بينها من أذكار وكما أسلفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حصر الصلاة بالتكبير والتسبيح وقراءة القرآن .(2/253)
وأيضاً مما يدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول سجد له سجود السهو ، فكون النبي عليه الصلاة والسلام سجد سجود السهو هذا يدل على أنه واجب وأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود السهو .
وأيضاً ما تقدم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا قعد أحدكم في صلاته فليقل التحيات لله " وهذا أمر .
فهذه الأدلة تدل على ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله .
والرأي الثاني رأي جمهور أهل العلم قالوا بأنها سنن ويستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها من لم يحسن في صلاته كما في حديث أبو هريرة ولو كانت أركاناً أو واجبات لعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من لم يحسن صلاته .
وما سوى ذلك مما تقدم سنن ولا يشرع لتركها سجود وإن سجد فلا بأس................................................................................................. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ والجواب على هذا سهل جوابان :
الجواب الأول : أن يقال بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأشياء التي أساء فيها .
والجواب الثاني : أنه لا يسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه بل علمه كما في غير الصحيحين في سنن أبي داود علمه النبي صلى الله عليه وسلم التكبيرات ، تكبيرات الانتقال .
فالصواب في ذلك والأقرب : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وأن هذه واجبة .
" ومرة أولى في تسبيح ركوع وسجود ورب اغفر لي بين السجدتين وتشهد أول وجلسته " تكلمنا عليها .
" وما سوى ذلك مما تقدم سنن " يعني ما سوى ما ذكره المؤلف رحمه الله من الواجبات والأركان يقول المؤلف رحمه الله : بأنها سنن .
" ولا يشرع لتركها سجود وإن سجد فلا بأس " يعني إذا ترك سنة أما إن ترك واجباً فهذا يأتينا إن شاء الله لو ترك واجباً من الواجبات لابد أن يسجد وإن ترك ركناً من الأركان لابد أن يأتي به وأن يسجد .(2/254)
ولكن إذا ترك سنة من السنن هل يسجد أو لا يسجد ؟
أما الوجوب فهذا يجب أن يسجد لكن هل يشرع له أن يسجد أولا ؟
وإن واجباً عمداً ترك بطلت وسهواً سجد له...................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مثلاً ترك الاستفتاح سبحانك اللهم وبحمدك أو غير ذلك من استفتاحات الصلاة تركه ، فهل يسجد أو لا يسجد ؟
يقول المؤلف رحمه الله : لايشرع لكنه يباح له أن يسجد ، لو سجد نقول لا بأس صلاتك لا تبطل لكن هذا ليس بسنة ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : إن كان هذا المستحب أو السنة من هديه أنه يأتي به ثم بعد ذلك نسي فإنه يشرع له أن يسجد وإن كان ليس من هديه أن يأتي به قد يأتي به في بعض الأحيان وفي بعض الأحيان لا يأتي به فهذا لا يشرع .
وتلخص لنا إذا كان الإنسان من هديه أن يأتي به فإن فاته سهواً يسجد استحباباً ولا يجب إذا تركه عمداً لا يسجد .
وإذا تركه سهواً إذا كان من هديه فإنه يأتي به ، أو قصد أن يأتي به لكنه نسي فنقول هنا يسجد للسهو .
أما إذا لم يكن قاصداً أن يأتي به أو لم يكن هذا من هديه فنقول هنا لا يسجد .
وهذا الرأي هو الأقرب .
" وإن ترك واجباً عمداً بطلت وسهواً سجد له " إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً نقول تبطل صلاته كما سيأتينا إن شاء الله ، وأما إن كان سهواً فإنه يسجد له كما سيأتي إن شاء الله .
......................................................................................................... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سجود السهو
لما ذكر المؤلف رحمه الله صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم شرع في بيان جوابر الصلاة ، الصلاة لها جوابر وهذا من رحمة الله عز وجل : لأن هذه الصلاة فرض ، وهي أعظم الفروض بعد الشهادتين وأول ما يحاسب عليه العبد فمن رحمة الله عز وجل بأن شرع لها جوابر تجبرها :(2/255)
الجابر الأول : الذكر دبر الصلاة تقدم بيانه وبيان صفته .
والجابر الثاني : سجود السهو شرع فيه المؤلف رحمه الله .
والجابر الثالث : كما سيأتينا إن شاء الله التطوعات من باب وسائل التطوع سيعقد لها المؤلف رحمه الله باب مستقلاً وهو صلاة التطوع .
وقال المؤلف رحمه الله باب سجود السهو : باب مضاف ، وسجود : مضاف إليه ، وسجود : مضاف ، والسهو : مضاف إليه .
وهذا من إضافة الشيء إلى سببه ، يعني السجود الذي سببه السهو .
والسهو : عندنا سهو وعندنا نسيان وعندنا غفلة ، فهل هذه من قبيل المترادف أو نقول بأنها من قبيل المتباين ؟
يشرع ................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف وقال بعض العلماء بأنها من قبيل المترادف وأن المراد بها : ذهول القلب عن معلوم .
والرأي الثاني : أنها من قبيل المتباين وأن هناك فرقاً فالسهو أو الساهي إذا ذكرته تذكر وأما الناسي فإنك إذا ذكرته لا يتذكر .
" يشرع" كلمة يشرع إذا عبر بها العلماء رحمهم الله فإنهم يريدون بها إما الوجوب أو الاستحباب ، وهذه العبارة يلجأ إليها العلماء رحمهم الله لأمرين :
الأمر الأول : أن يكون الكلام شاملاً من واجب والمستحب كما هنا فيقول لك يشرع .
الأمر الثاني : أن يكون العالم متردداً في الوجوب والاستحباب ويسأل عن حكم أو يعبر عن حكم بكلمة يشرع ربما ما تبين له هل هذا واجب أو مستحب .
المهم كلمة يشرع أنه تارة يجب وتارة يستحب كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، والأصل في سجود السهو السنة والإجماع .
أما السنة فسيأتينا إن شاء الله ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وسيأتينا أيضاً من فعل النبي عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .(2/256)
يشرع لزيادة ونقص وشك ولا يشرع عمداً.......................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" يشرع لزيادة ونقص وشك " ذكر المؤلف رحمه الله أسباب سجود السهو ، وأن سجود السهو له أسباب ثلاثة :
الأول : الزيادة ، وسيأتينا إن شاء الله أن الزيادة تنقسم إلى قسمين : زيادة أقوال ، وزيادة أفعال ، وأيضاً هذه الزيادة تنقسم إلى قسمين أفعال وأقوال من جنس الصلاة ، وأفعال وأقوال من غير جنس الصلاة .
الثاني : النقص وهذا أيضاً سيأتينا أن النقص ينقسم إلى أقسام : نقص الركن ، ونقص الواجب ، ونقص المستحب .
الثالث : الشك وأيضاً سيأتينا أن الشك ينقسم إلى أقسام : إذا شك وترجح عنده شيء ، وإذا شك ولم يترجح عنده شيء ... إلخ ، هذا كله سيأتي إن شاء الله .
" ولا يشرع عمداً " يعني أن سجود السهو لا يشرع عمداً فإذا ترك شيئاً مشروعاً في الصلاة متعمداً فنقول إما أن صلاته تبطل عليه إذا ترك ركناً أو ترك واجباً أو نقول لا تبطل عليه لكن لا يشرع سجود السهو كما لو ترك مستحباً متعمداً ، فإذا ترك مستحباً متعمداً أو سنة من سنن الصلاة متعمداً فنقول لايشرع له سجود السهو .
فأصبح عندنا أن أسباب سجود السهو ثلاثة :
الزيادة ، والنقص ، والشك .
في فرض ونفل.................................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " في فرض ونفل " يعني أن سجود السهو مشروع في صلاة الفرض وكذلك أيضاً في صلاة النافلة ، لعمومات الأدلة كقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا يشمل ما إذا سها في الفرض أو سها في النفل .
وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام :" فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين " هذا رواه مسلم وهذا يشمل ما إذا كان في صلاة الفرض أو كان في صلاة النفل.
وأيضاً القاعدة { أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل }(2/257)
لكن يستثنى من ذلك صلاة الجنازة ، فصلاة الجنازة ليس فيها سجود للسهو فلو أنه نسي مثلاً الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الجنازة أو نسي تكبيرة من التكبيرات ونحو ذلك ، فلا نقول بأنه يسجد للسهو ، لأن صلاة الجنازة صلاة مبنية على التخفيف ليس فيها ركوع ولا سجود ، هي شفاعة للميت فقط ، فلا يشرع فيها سجود للسهو .
كذلك أيضاً يستثنى إذا سها في سجود السهو لا يشرع له أن يسجد ، فلو أنه سجد للسهو فيقول سبحان ربي الأعلى ، فلو نسي أن يقول سبحان ربي الأعلى نقول لا يسجد لأن هذا يلزم عليه التسلسل .
فمتى زاد فعلاً من جنسها قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت وسهواً سجد له.......................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً لا يسجد للسهو في سجود التلاوة وسجود الشكر وهذا أمر ظاهر لأن الصحيح في سجود التلاوة وسجود الشكر كما سيأتينا إن شاء الله أنهما ليس صلاة ولا يشرع لهما شروط الصلاة من استقبال القبلة وستر العورة ورفع الحدث ... إلخ .
وإنما هو سجود مجرد وإذا كان سجود التلاوة وسجود الشكر ليسا صلاة فنقول لا يشرع له سجود السهو .
" فمتى زاد فعلاً من جنسها قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت وسهواً سجد له" سبق أن ذكرنا أن أسباب السجود ثلاثة : الزيادة والنقص والشك .
الآن شرع في السبب الأول : فالمؤلف رحمه الله سيتكلم عن أسباب السجود سبباً سبباً والآن شرع في السبب الأول وهو الزيادة ، زيادة الأفعال هذه الزيادة قال لك : فعلاً من جنس فيؤخذ من هذا أن الزيادة قد تكون فعلاً وقد تكون قولاً وقد تكون من جنس الصلاة وقد تكون من غير جنس الصلاة ، وعلى هذا نقول : الزيادة تنقسم إلى أقسام :(2/258)
القسم الأول : أن تكون فعلاً من جنس الصلاة وهذا مثاله كما ذكر المؤلف قال لك : قياماً قام في محل القعود ، أو قعوداً قعد في محل القيام ، أو ركوعاً فبدل أن يركع ركوعاً واحداً ركع مرتين ، أو سجوداً كرر السجود بدل أن يسجد مرتين سجد ثلاث سجدات ... إلخ .
وإن زاد ركعة فأكثر سهواً سجد ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم...................................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا يقول المؤلف : إن كان عمداً بطلت صلاته وهذا بالإجماع .
وإن كان سهواً : سجد له .
فنقول : القسم الأول : أن تكون الزيادة فعلاً من جنس الصلاة ، كالقيام والقعود والركوع والسجود ... إلخ .
فإن كان متعمداً فهذا ظاهر تبطل صلاته ، وإن كان سهواً يسجد للسهو .
وهل هذا السجود واجب أو ليس واجباً ؟
سيأتينا إن شاء الله بيانه .
والدليل على هذا ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين " .
" وإن زاد ركعة فأكثر سهواً سجد " وحتى الآن المؤلف رحمه الله يبحث في القسم الأول وهي تكون زيادة فعلاً من جنس الصلاة وأيضاً إذا زاد ركعة فما الحكم ؟
مثال ذلك : إنسان يصلي الظهر فقام إلى خامسة ، فعلاً من جنس الصلاة فإن الركعة هذه نقول بأنها فعل من جنس الصلاة ، وقال المؤلف " ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم " إذا قام الآن وتذكر أنها خامسة أو ركع في الخامسة وتذكر أنها خامسة نقول مباشرة يرجع حتى لو شرع في
وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/259)
القراءة ، فيجب عليه أن يرجع مباشرة لأنه لو لم يرجع لزاد في الصلاة متعمداً والزيادة في الصلاة عمداً تبطلها ، ولهذا قال لك المؤلف : ومتى ذكر رجع وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم نقول يرجع مباشرة ويجلس إن كان تشهد لأنه يحتمل أنه جلس للتشهد صلى أربعاً وجلس للتشهد وتشهد ثم سها وقبل أن يسلم قام سهواً وذكر نقول يجب عليه أن يرجع ، وإذا كان ما تشهد بعد السجود الثاني قام إلى الخامسة ولم يجلس نقول يجب عليه أن يجلس ويتشهد ويسلم .
وسيأتينا إن شاء الله في قول المؤلف رحمه الله : وسجد وسلم أن السجود هنا سجود واجب.
" وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه " هذا الذي قام بالزيادة لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون ممن يصلي وحده ، فهذا حكمه كما تقدم نقول ارجع وجوباً مباشرة وإن كان تشهد يجلس ويسلم وإن لم يكن تشهد فإنه يجلس ويتشهد ويسلم ، هذا إذا كان يصلي وحده .
الحالة الثانية : أن يكون مع الجماعة أما المأموم هذا سيأتينا حكمه لكن إذا كان إماماً وقام فهنا قال لك : وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه ،
فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه.............................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يرجع إلا لقول ثقتين وعلى هذا لو أنه سبح به ثقة من المأمومين ، هل يرجع أو لا يرجع ؟
على قول المؤلف أنه لا يرجع وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، واستدلوا على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل الصحابة رضي الله تعالى عنهم .(2/260)
والرأي الثاني : قال به ابن الجوزي رحمه الله أنه يرجع إلى قول ثقة واحد ، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول ذي اليدين ولهذا لم يترك قول ذي اليدين وإنما شك النبي عليه الصلاة والسلام بانفراده به ، كون الصحابة مع النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم ينبه إلا ذي اليدين هذا حصل عند النبي صلى الله عليه وسلم شيء من الشك فسأل الصحابة رضي الله تعالى عنهما .
والصواب في هذه المسألة : أنه يرجع إذا سبح به ثقة ، ولا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة المهم أنه يثق بقوله .
" فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يتيقن صواب نفسه " الإمام إذا سبح به فإنه لا يخلو من أحوال :
الحالة الأولى : أن يتيقن صواب نفسه ، يعني يتيقن أنه على صواب لما زاد الآن أو نقص جلس يتيقن صواب نفسه ، فهذا لا يرجع وإن سبح به .
كمتبعه عالماً دون من فارقه أو تبعه ناسياً.................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الثانية : أن يتيقن صواب من سبح به ، فيجب عليه أن يرجع .
الحالة الثالثة : أن يغلب على ظنه صواب نفسه ، لايجب أن يرجع .
الحالة الرابعة : أن يغلب على ظنه صواب من سبح به ، فهنا يرجع .
الحالة الخامسة : أن يتساوى عنده الأمران ، فنقول يرجع .
فأصبح يرجع في ثلاث حالات ولا يرجع في حالتين هذا بالنسبة للإمام .
أما بالنسبة للمأموم قال المؤلف رحمه الله :
" كمتبعه عالماً دون من فارقه أو تبعه ناسياً " نقول المأموم أيضاً لا يخلو من أحوال :
الحالة الأولى : أن يكون عالماً بالزيادة ، يعني عالماً بالحكم الشرعي وبالزيادة ، يعني عالماً بالحال : أن يعلم أنها زيادة ، والحكم الشرعي : يعلم أن الزيادة أنها مبطلة إذا تابع الإمام على هذه الزيادة تبطل صلاته ، فنقول إذا كان عالماً بالحال وبالحكم الشرعي تبطل صلاته ، هذه الحالة الأولى .(2/261)
الحالة الثانية : قال : أو تبعه ناسياً ، إنسان تبعه ناسياً نقول بأنه معذور لا تبطل صلاته .
الحالة الثالثة : أن يتابعه جاهلاً إما بالحال أي بالزيادة أو بالحكم الشرعي لا يعرف أنه إذا تابع الإمام على هذه الزيادة أن صلاته تبطل عليه وهذا حال كثير من المأمومين اليوم ، فنقول لا تبطل صلاته .
ولا يعتد بها مسبوق............................................................................ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الرابعة : قال : دون من فارقه ، أن يفارقه وينوي الإنفراد فهذا جائز ولا بأس به ، وعلى هذا أن يفارقه المأموم مثلاً لو قام الإمام إلى زائدة ففارقه وجلس فهذا جائز لأن المفارقة لعذر شرعي ، وأن مفارقة المأموم للإمام بعذر شرعي هذه جائزة .
أو أن الإمام جلس بعد الثالثة ما قام للرابعة ثم بعد ذلك فارقه المأموم ونوى الإنفراد نقول بأن هذا جائز .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أن المفارقة جائزة إذا مضى الإمام في موضع يجب عليه أن يرجع أو رجع في موضع يجب عليه أن يمضي للمأموم أن يفارقه .
فأصبح المأموم له أربع حالات ، وذكرنا أن هذا الذي زاد إما أن يكون منفرداً أو يكون إماماً أو يكون مأموماً ، المأموم هذا الحالة الثالثة سيأتينا حكمه ، وأن المأموم إذا زاد أو نقص يتحمل عنه الإمام كما سيأتي لكن فيه تفصيل ما إذا كان أدرك الصلاة من أولها أو ... إلخ .
هذا سيأتي إن شاء الله .
" ولا يعتد بها مسبوق " يقول المؤلف رحمه الله هذه الركعة الزائدة لا يعتد بها مسبوق .
وصورة ذلك : قام الإمام إلى ركعة خامسة فجاء مأموم وصلى ثم تبين أنها زائدة هذه الركعة ، نفرض أن هذا المأموم فاتته ركعة ، هو جاء في الركعة الثانية وقام الإمام إلى زائدة إلى خامسة ، هل يسلم مع الإمام أو نقول لاتعتد بها لابد أن تأتي بركعة ؟(2/262)
وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المؤلف لا يعتد بها .
أو أن هذا المأموم جاء والإمام في الخامسة ثم دخل معه ، هل نقول صل أربع أو صل ثلاث ؟
على كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يعتد بها لأنها زائدة ، والأصل عدمها .
والرأي الثاني : وذهب إليه بعض الحنابلة واختاره الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : أنه يعتد بها ، هذا الرأي الثاني وهذا القول هو الصواب لأنا لو قلنا لا تعتد بهذه الركعة يلزم بأن يأتي بالخامسة ، وهذا غير صحيح .
فلنفرض أن هذا الرجل جاء في الركعة الثانية وصلى مع الإمام أربع لو قلنا لا تعتد بها يلزم من ذلك أن يأتي بركعة خامسة وهذا غير صواب .
" وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه " هذا القسم الثاني ذكرنا أن الزيادة تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : أن تكون فعلاً من جنس الصلاة ، وتكلمنا عنه .
هذا القسم الثاني : أن تكون فعلاً من غير جنس الصلاة ، هذا ما فيه سجود سهو إذا كانت الزيادة فعلاً من غير جنس الصلاة ، نقول هذا ليس فيه سجود السهو مثلاً تكلم في الصلاة تحرك أكل شرب وعمل حركات كثيرة ... إلخ .
............................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا ما فيه سجود سهو ولهذا قال لك : وعمل مستكثر عرفاً متوال من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه .
وليس له سجود السهو ، هذا نقول :
القسم الثاني : أن يكون فعلاً من غير جنس الصلاة ، وهذا كالمشي والحركة الكثيرة ليس من جنس الصلاة ، الأكل والشرب هذا ليس من جنس الصلاة فلا يشرع له سجود السهو .
لكن بقينا ، هل تبطل الصلاة أو نقول بأن الصلاة لا تبطل ؟(2/263)
قال المؤلف رحمه الله للبطلان اشترط شروطاً :
قال لك : وعمل مستكثر ، الشرط الأول : أن يكون كثيراً .
قال لك : عرفاً ، يعني لا يتقيد بعدد وإنما يتقيد بالعرف فإذا كانت الحركات كثيرة عرفاً يبطل .
الشرط الثالث : متوال يعني في ركعة واحده لو تحرك مثلاً حركة أو حركتين في الركعة الأولى ثم في الركعة الثانية حركتين والثالثة كذلك هذه وإن كانت كثيرة عرفاً إلا أنها غير متوالية .
فالشرط الأول لكي تبطل : أن يكون كثيراً
الثاني : أن يكون عرفاً .
............................................................................................................. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الثالث : أن يكون متوالياً .
الرابع : أن يكون بغير ضرورة .
فنقول هذه إذا عملها المصلي تبطل صلاته .
قال : يبطلها عمده وسهوه ، أما العمد فهذا ظاهر أنه يبطلها فإذا توفرت هذه الشروط تحرك أو عمل أعمال ليس من جنس الصلاة متعمداً وتوفرت هذه الشروط الأربعة نقول فإن صلاته تبطل عليه .
أما إذا كان ذلك سهواً ، يعني إنسان أكثر من الحركات ساهياً فأصبحت كثيرة عرفاً متوالية ... إلخ ، هل تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
يقول المؤلف صلاته تبطل .
وعندنا قاعدة في الشريعة وهي { أن المحظورات المنهيات سواء كانت في الصلاة أو في الصيام أو في الحج أو في غير ذلك سائر المنهيات مما يترتب عليها حكمها بالنسبة لحقوق الله عز وجل إلا بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : العلم .
الشرط الثاني : الاختيار .
الشرط الثالث : الذكر .}
ولا تبطل بيسير أكل أو شرب سهواً................................................... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الحركات هذه من المنهيات فإذا كان الإنسان ساهياً أو كان جاهلاً أو كان مكرهاً على هذه الأفعال التي ليست من جنس الصلاة ونحو ذلك فيظهر أن صلاته صحيحة .(2/264)
لهذه القاعدة لأن النسيان والإكراه وكذلك أيضاً الجهل هذا مرفوع بالنسبة للنواهي .
وهذا نقول بالنسبة للنواهي بخلاف باب الأوامر ، فوق بين باب الأوامر وباب النواهي .
فالذي ينهى عنه مبطلات الصلاة ومفطرات الصيام ومحظورات الحج .. إلخ .
فهذه لابد لها من هذه الشروط ، شرب الخمر وهو مكره أو جاهل أو ناسي أو مخطأ .
ودليل ذلك : قول الله عز وجل :" ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا "
وأيضاً قوله عز وجل :" إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "
وأيضاً حديث أبي هريرة في الصحيحين :" إذا نسي أحدكم فأكل وشرب وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه " قال : إذا نسي .
" ولا تبطل بيسير أكل أو شرب سهواً " لا تبطل الصلاة بيسير أكل أو شرب سهواً ، وهذا كما تقدم لنا أن المنهيات لابد لها من شروط ثلاثة : عالم بالحكم والحال ، ذاكر ، مختار لابد من هذه الشروط الثلاثة .
ويفهم من قوله بيسير : أنه لو كان كثيراً أنها تبطل .
لكن على القاعدة ، هل تبطل أو لا تبطل ؟
أنها لا تبطل لابد من هذه الشروط الثلاثة .
ولا نفل بيسير شرب ولو عمداً وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في ركوع ونحوه وتشهد في قيام لم تبطل بعمده. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ولا نفل بيسير شرب ولو عمداً " إذا شرب في النافلة سهواً ، تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
على القاعدة لا تبطل .
شرب في النافلة متعمداً ، هل تبطل صلاته أو لا تبطل ؟
المؤلف فصل قال : إن كان يسيراً في النافلة فإنه لا تبطل صلاته ، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان يقوم من الليل ويطيل القيام ويطيل القراءة ، يقول إذا كان يسيراً هذا الشرب متعمداً لا تبطل صلاته .
واستدلوا على ذلك بأن هذا وارد عن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه .
والرأي الثاني : أنها تبطل الصلاة ، وهذا القول هو الصواب .
فالصحيح : أنها تبطل الصلاة وأما الأثر الوارد عن ابن الزبير فهذا ضعيف .(2/265)
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في ركوع ونحوه وتشهد في قيام لم تبطل بعمده " تقدم أن تكلمنا عن الزيادة في الصلاة وذكرنا أن الزيادة في الصلاة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : زيادة أفعال ، وأن زيادة الأفعال أيضاً تنقسم إلى قسمين : أفعال من جنس الصلاة ،و أفعال من غير جنس الصلاة .
القسم الثاني من أقسام الزيادة : زيادة أقوال وأيضاً الأقوال تنقسم إلى قسمين :
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة ... إلخ .....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الأول : أقوال من جنس الصلاة .
القسم الثاني : أقوال من غير جنس الصلاة .
لما تكلم المؤلف رحمه الله عن زيادة الأفعال شرع الآن في بيان زيادة الأقوال قال :
" وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة ... إلخ .
زيادة الأقوال كما أشرنا تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أقوال مشروعة في الصلاة ، مثل التسبيح والتشهد والقراءة ... إلخ هذه أقوال مشروعة في الصلاة فإذا أتى بهذه الأقوال في غير موضعها فقد زادها مثلاً قرأ في الركوع المشروع في الركوع أن يسبح فقط والآن يعتبر زاد في الركوع قولاً أو قرأ في السجود وتشهد في القيام ... إلخ .
ما الحكم هنا ؟
الحكم هنا قال المؤلف رحمه الله : لم تبطل بعمده لأنه مشروع في الصلاة بالجملة فإن تشهد في القيام أو قرأ في الركوع أو قرأ في السجود أو تشهد في السجود يقول المؤلف رحمه الله : لم تبطل حتى وإن تعمد .
والعلة : لأنه مشروع في الصلاة بالجملة .وذهب بعض العلماء إلى أنه إن قرأ في الركوع أو السجود أن صلاته تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القراءة في الركوع والسجود وقال في حديث ابن عباس رضي الله
وندب السجود لسهوه وإن سلّم قبل إتمامها عمداً بطلت....................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/266)
تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً " فهذا نهي عن القراءة في الركوع وفي السجود وهذه تبطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب أنها لا تبطل وهذا النهي نقول بأنه نهي عن القراءة لا لذات القراءة وإنما لموضع القراءة فهو نهي عنه لموضعه ، فإذا كان كذلك والقراءة مشروعة في الصلاة بالجملة نقول بأنه لا يقرأ في الركوع والسجود ولا يلزم من كونه فعل محرماً أن تبطل صلاته ، كما لو ا*..... * في الصيام فنقول لا يلزم من ذلك أن يبطل صيامه .
" وندب السجود لسهوه " يعني إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه يندب أن يسجد لسهوه ، فالتعمد لا يبطل الصلاة لكن لا يسجد له لأن سجود السهو إنما هو للسهو فقط ويندب أن يسجد لسهوه ولا يجب عليه ذلك .
" وإن سلّم قبل إتمامها عمداً بطلت " هذا أيضاً من زيادة الأقوال المشروعة لأن السلام قول مشروع في الصلاة ، فإذا سلّم قبل إتمام الصلاة نقول زاد سلاماً في الصلاة ، مثلاً لو سلّم من ركعتين وبقي عليه ركعتان في صلاة الظهر نقول هو الآن زاد سلاماً لأن السلام المشروع هو حتى الآن لم يأتي .
وإذا سلّم قبل إتمام الصلاة فلا يخلو من حالتين :
وسهواً وذكر قريباً أتمها وسجد........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحالة الأولى : أن يكون ذلك عمداً ، فإذا كان ذلك عمداً فنقول بأن صلاته تبطل عليه ، لماذا ؟
لأنه تكلم قبل إتمام الصلاة ، وهذا السلام وإن كان مشروعاً في الجملة في الصلاة إلا أنه يعتبر في حكم الكلام لأنه في هذا الموضع غير مشروع ، والكلام من مبطلات الصلاة .
هذا إذا كان عمداً .
الحالة الثانية : أن يكون ذلك سهواً كما لو جلس للتشهد الأول ثم بعد ذلك سلم ، فنقول هنا يسجد للسهو يتم صلاته إذا تذكر قال المؤلف :(2/267)
" وسهواً وذكر قريباً أتمها وسجد " يعني إذا سلّم سهواً نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يذكر قريباً فنقول يتمّ صلاته ويسجد للسهو ، مثال ذلك : إنسان صلى الظهر وجلس في الركعتين الأوليين وسهى وسلّم ، فنقول إن ذكر قريباً لم يطل الفصل فإنه يأتي بالركعتين الأخريين ويسلّم ويسجد للسهو لأنه زاد في الصلاة .
وإن طال الفصل لم يذكر إلا بعد فاصل طويل عرفاً نقول يستأنف الصلاة من أولها ولا يبني .
ويدل لذلك حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه في قصة ذي اليدين وإن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم قبل إتمام الصلاة .
وإن تكلم هنا أو في صلبها أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلّم قبل إتمام الصلاة فقال له ذو اليدين : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال :" لم أنسى ولم تقصر ، فقال : بل نسيت واستشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة فأشاروا عليه بأنه قد نسي فأكمل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وسجد للسهو .
فنقول إذا كان قريباً عرفاً فإنه يبني على صلاته ويسجد للسهو ، وإن كان بعيداً عرفاً فإنه يستأنف الصلاة من أولها .
" وإن تكلم هنا أو في صلبها أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت " يعني إذا تكلم الإنسان في الصلاة أو تكلم هنا يقول المؤلف رحمه الله تبطل وهذا شروع من المؤلف رحمه الله في القسم الثاني وقلنا زيادة الأقوال تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أقوال مشروعة في الصلاة كالتسبيح والتكبير والقراءة والتشهد .
والقسم لثاني : أقوال غير مشروعة في الصلاة .
وتبين لنا أن الأقوال المشروعة في الصلاة إذا تعمد لا تبطل وإذا كان سهواً يسجد للسهو ، هذه بالنسبة للأقوال التي تشرع في الصلاة .(2/268)
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : الأقوال التي لا تشرع في الصلاة ، وهذه ذكرها المؤلف رحمه الله ، مثل الكلام لو تكلم في صلب الصلاة قال أدخل أخرج نقول هذا قول لا يشرع في الصلاة جسه ليس مشروعاً في الصلاة فإذا زاده متعمداً تبطل صلاته ، ولهذا قال المؤلف : وإن تكلم هنا أو في صلبها إلى أن قال : بطلت ، فإذا تكلم هنا قوله هنا الإشارة إلى ما إذا سلم قبل إتمام الصلاة ثم تكلم كما حصل مع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهما ، فإذا تكلم بعد أن سلم سهواً قبل إتمام الصلاة يقول المؤلف رحمه الله تبطل صلاته .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أنها تبطل مطلقاً سواء تكلم في مصلحة الصلاة أو تكلم في غر مصلحة الصلاة وسواء كان متعمداً أو كان غير متعمد وسواء كان مأموماً أو كان غير مأموم ... إلخ .
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله : أن الصلاة تبطل مطلقاً .
وهذا فيه نظر .
والصواب : أنه إذا سلم سهواً ثم تكلم بعد السلام لمصلحة الصلاة كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام مع ذي اليدين أو لغير مصلحتها وهو يجهل أنه لا يزال في الصلاة أو يجهل الحكم الشرعي بأنه لا يجوز أن يتكلم ، فنقول الصواب : أن صلاته لا تبطل عليه .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/269)
فنقول الرأي الثاني : أنه إذا سلم سهواً قبل إتمام صلاته ثم تكلم فإن صلاته لا تبطل عليه إذا كان ذلك لمصلحة الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ذي اليدين ومع الصحابة تكلم النبي عليه الصلاة والسلام هذا لمصلحة الصلاة ، أو كان ذلك جهلاً أو سهواً تكلم وهو جاهل لا يدري أنه لا يزال في الصلاة أو بالحكم الشرعي لايعلم أنه إذا تكلم أن صلاته تبطل عليه فنقول لا تبطل صلاته والدليل على هذا ما ذكرنا في القاعدة السابقة وهي :
{أن المحظورات لا يترتب عليها حكما وأثرها إلا بثلاثة شروط:العلم، والذكر، والاختيار}
وكذلك أيضاً إذا تكلم في صلب الصلاة هوكلام المؤلف رحمه الله إذا تكلم في صلب الصلاة تبطل عليه صلاته سواء كان متعمداً أو جاهلاً أو ساهياً أو مكرهاً وسواء كان قليلاً أو كثيراً وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة وسواء كان إماماً أو مأموماً المهم أنه تكلم فصلاته تبطل عليه مطلقاً ولم يفصل .
والصواب هو الرأي الثاني في المسألة وهو اختيار شيخ الإسلام : أنه إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً أنه لا تبطل عليه صلاته ، ويدل لذلك حديث معاوية بن الحكم رضي الله تعالى عنه فإنه تكلم وهو يجهل تحريم الكلام لأن الكلام في أول الإسلام كان جائزاً في صلاة ثم بعد ذلك نسخ فقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث معاوية بن الحكم :"
أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت............
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن "
فمعاوية رضي الله تعالى عنه يظن أن الكلام لا يزال مباحاً فتكلم ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ، فنقول إذا تكلم في صلب الصلاة سواء كان سهواً أو جلاً أو مكرهاً فنقول بأن صلاته صحيحة ولا شيء عليه .(2/270)
وإذا تكلم في صلب الصلاة لضرورة مثلاً رأى ضريراً يريد أن يسقط في حفرة فتكلم لكي يحذره أو رأى إنساناً بقربه من ذوات السموم وتكلم لكي يحذره ، فكلام المؤلف رحمه الله أن صلاته تبطل عليه لأنه قال بطلت وهذا مطلقاً سواء تكلم لضرورة أو تكلم بغير ضرورة .
ودليله ما سبق من حديث معاوية بن الحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن" .
" أو قهقة أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة ونحوه فبان حرفان بطلت " أيضاً هذه الأشياء يعتبرها المؤلف رحمه الله من زيادة الأقوال التي ليست من جنس الصلاة فهذه يقول المؤلف رحمه الله : بأنها تبطل الصلاة ، يعني إذا فعلها عمداً يقول تبطل الصلاة .
قهقه فما هي القهقه ؟
أو نفخ أو تنحنح بلا حاجة....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القهقه هي رفع الصوت بالضحك ، فيقول المؤلف رحمه الله بأن الإنسان إذا قهقه رفع صوته بالضحك وبان منه هذا الصوت يقول بأن صلاته تبطل عليه لأن أولاً : حديث معاوية بن الحكم :" إن صلاتك هذه لايصلح فيها شيء من كلام الآدميين إنما هو التكبير والتسبيح وقراءة القرآن " وهذه تلحق وإن كانت ليست كلاماً لكنها تلحق .
وثانياً : أن مثل هذه القهقه تنافي الخشوع في الصلاة وما يطلب في هيئة الصلاة وكيفيتها ، وعلى هذا نقول أن القهقه إذا قهقه الإنسان في صلاته نقول عليه أن يعيد الصلاة ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا تبسم في الصلاة أن صلاته صحيحة لا تبطل عليه وهذا ما عليه جماهير أهل العلم حمهم الله خلافاً لابن سيرين .
ابن سيرين يرى أن التبسم نوع من الضحك ويستدل بقول الله عز وجل :" فتبسم ضاحكاً من قولها "
والصواب في هذا : ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .(2/271)
" أو نفخ " إذا نفخ الإنسان فبان حرفان يقول المؤلف رحمه الله تبطل عليه صلاته .
" أو تنحنح بلا حاجة " ويؤخذ من كلامه أنه إذا كان تنحنحه بحاجة فإن هذا جائز لكن إذا تنحنح لغير حاجة فبان حرفان يرى المؤلف رحمه الله أن صلاته تبطل عليه وإذا كان لحاجة فإنه لا تبطل عليه صلاته ، واستدلوا على ذلك : بحديث علي قال : كان لي
ونحوه..................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدخلان من رسل الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار فإذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح لي .
" ونحوه " كما لو رفع صوته بالبكاء من غير خشية الله عز وجل ، مثال ذلك : إنسان سمع أن قريباً له أصيب بمصيبة فغلبه البكاء وبكى ورفع صوته وظهر له صوت في البكاء يقول المؤلف رحمه الله : تبطل عليه صلاته .
فالمؤلف رحمه الله يرى أن النفخ والتنحنح من غير حاجة وكذلك أيضاً لو رفع صوته بالبكاء ونحوه وبان حرفان أنه تبطل عليه صلاته هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقول أبي يوسف من الحنفية أن هذه الأشياء لا تبطل الصلاة لأن الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام الكلام وهذه ليست كلاماً هذا وإن كان يدل على المعنى بالطبع لكنه ليس كلاماً بالوضع مثل ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، الذي يبطل هو الذي يكون كلاماً بالوضع وسواء أفاد بنفسه أو أفاد بغيره فهذا الذي يكون كلاماً بالوضع أما الذي يدل على معنى بالطبع لا بالوضع ويدل على أحوال المصوتين وهيئاتهم ... إلخ فهذا لا يبطل الصلاة لأن الذي دل على البطلان هو الكلام وهذا ليس كلاماً بالوضع وإنما يدل على معنى بالطبع ، وهذا القول هو الصواب .
وأيضاً يؤيده أن الأصل صحة الصلاة فلابد من قيام دليل على بطلانها .(2/272)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو الصواب في هذه المسألة ، وعلى هذا نقول أن وكذلك أيضاً النحنحة سواء بحاجة أو بغير حاجة وأيضاً رفع الصوت بالبكاء سواء كان من خشية الله أو من غير خشية الله كما لو أصيب بمصيبة ، فهذه كلها لا تبطل الصلاة وكذلك أيضاً لو غلبه سعال أو غلبه عطاس أو غلبه تثاؤب ... إلخ فهذه أيضاً لا تبطل ولو بان حرفان .
وإن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة بطلت...................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل
" وإن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة بطلت " لما تكلم المؤلف رحمه الله على السبب الأول من أسباب سجود السهو وهو الزيادة وتبن لنا أن الزيادة تنقسم إلى قسمين : زيادة أفعال وزيادة أقوال ، الأفعال تنقسم أيضاً إلى قسمين : أفعال من جنس الصلاة وأفعال من غير جنس الصلاة تبين لنا حكمها .
أيضاً الأقوال تنقسم إلى قسمين : أقوال من جنس الصلاة وأقوال من غير جنس الصلاة .
الآن أنهى المؤلف الكلام على الزيادة وشرع في القسم الثاني وهو الكلام على النقص .
و سيشرع في السبب الثالث من أسباب سجود السهو وهو الشك .
النقص ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : نقص الأركان .
القسم الثاني : نقص الواجبات .
القسم الثالث : نقص المستحبات .
بدأ المؤلف رحمه الله بنقص الأركان لأنه أهم أنواع النقص ، فقال :
وإن ترك ركناً وذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك ركنها وقبله يعود فيأتي به وبما بعده...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/273)
" وإن ترك ركناً وذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت المتروك ركنها " يعني بطلت الركعة التي ترك منها الركن وقام في الركعة التي تليها مقامها .
" وقبله يعود فيأتي به وبما بعده " قالك إذا ترك ركناً نقص ركناً ماهو الحكم هنا ؟
الحكم أن الأمر معلق بالقراءة فإذا ترك ركناً ننظر إن ذكره قبل أن يشرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها الركن فإنه يرجع إليه ويأتي به وبما بعده لكي يحصل الترتيب .
وإن ذكره بعد أن شرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها الركن فإنه تبطل ركعته وتقوم الركعة التي تليها مقامها ، هذا المذهب .
المذهب : أن الأمر معلق بالقراءة إن ذكر قبل القراءة يرجع ويأتي به وبما بعده ، وإن ذكر بعد أن شرع في القراءة تبطل الركعة التي ترك منها وتقوم التي تليها مقامها ، هذا هو المشهور من المذهب .
نضرب مثالاً نفرض أن مصلياً نسي الركوع هوى مباشرة إلى السجود ونسي أن يركع بعد أن انتهى من القراءة ، ثم ذكر وهو في الجلسة بين السجدتين ، فنقول : ارجع وقم واركع وارفع وواصل الصلاة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو ذكر بعد أن شرع في قراءة الركعة التي تلي الركعة التي ترك منها ، فنقول : امضي في صلاتك واجعل هذه الركعة التي أنت فيها الآن تقوم مقام الركعة التي ترك منها الركن .
ولو ذكر بعد أن استتمّ قائماً وقبل أن يشرع في القراءة ، نقول : ارجع .
مادام أنه لم يشرع في القراءة يرجع .
وإنما علقوا الأمر في القراءة قالوا : إن القراءة ركن مقصود بنفسه .
وإن هذا غير مسلّم كل الأركان مقصودة بنفسها فلماذا نعلق بالقراءة ونترك القيام ... إلخ .
الصحيح أن هذه الأركان كلها مقصودة بنفسها ، فهذا فيه نظر .(2/274)
الرأي الثاني في المسألة : وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله أنه إذا ترك ركناً فذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه يرجع ، وإن ذكره بعد أن وصل إلى موضعه من الركعة التي تليها فإنه لا يرجع وتقوم التي تليها مقام التي قبلها .
مثال ذلك : كما قلنا في المثال السابق ترك ركن الركوع ، فنقول إن ذكر قبل أن يصله يرجع .
ولنفرض أنه هوى من القيام إلى السجود مباشرة وذكر في أثناء السجود أو في أثناء الجلسة من السجدتين ، نقول : ارجع وأتي بما تركت من الركوع ثم بعد ذلك أتمّ الصلاة ، يعني يأتي بالركن المتروك وبما بعده لكي يحصل الترتيب .
وبعد السلام فكترك ركعة................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طيب إنسان ترك الركوع وسجد ورفع وسجد ثم بعد ذلك قام فوصل إلى الركن المتروك وهو الركوع ، نقول إن تفت التي تركت منها الركن وقامت التي تليها مقامها .
وهذا القول هو الصواب .
وسيأتينا أن موضع السجود في هذه الحالة يكون بعد السلام لأنه زاد في الصلاة .
وإنما قلنا هذا هو الصواب لأن الأصل هو صحة الصلاة وصحة الركعة ، ومادام أنه يمكنه أن يرجع وأن يأتي بالركن المتروك نقول : يرجع .
أما إذا وصل إلى محله ما فيه فائدة أنه يرجع فنقول واصل .
وقال : يأتي بعده وبما بعده ، لأن الركن لا يسقط بالسهو ، ويأتي به وبما بعده أيضاً قلنا مراعاة للترتيب لأن ما جاء به بعد الركن هذا وقع في غير محله ، لأنه إذا ترك الركوع وأتى بالسجود والجلسة والسجود ، السجود هنا هل هو في محله أو ليس في محله ؟
ليس في محله وإن السجود يكون بعد الركوع ، والركوع حتى الآن لم يأتي به .
" وبعد السلام فكترك ركعة " يعني إذا ترك ركناً وذكره بعد السلام ، وعلى هذا نقول ترك الركن ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يتركه ويذكره في أثناء الصلاة ، فهذا حكمه كما تقدم الكلام فيه .(2/275)
القسم الثاني : أن يذكر الركن المتروك بعد السلام بعد أن انتهى من الصلاة تذكر أنه ترك ركناً فنقول إذا تذكر بعد الصلاة هذا لا يخلو من أمرين :
وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون المتروك في غير الركعة الأخيرة ، فنقول هذا كترك ركعة يأتي بركعة فإذا فرضنا أنه في الأولى الثانية قامت مقام الأولى ثم بعد ذلك بقي عليه ركعة .
الأمر الثاني : أن يكون في الركعة الأخيرة فهنا لا نقول يأتي بركعة وإنما نقول يأتي به وبما بعده مالم يطل الفصل وإن طال الفصل فإنه يستأنف ، في الموضعين إن طال الفصل فإنه يستأنف .
مثال ذلك : إنسان نسي التشهد أو نسي الركوع ثم سلّم ثم تذكر فنقول : ارجع وأتي بالركوع وما بعده لكي يحصل الترتيب ولأن ما صار بعده هذا في غير موضعه ويسجد للسهو بعد السلام هذا إذا لم يطل الفصل في الأمرين لكن إذا طال الفصل يستأنف الصلاة من أولها .
" وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال " هنا شرع المؤلف رحمه
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله في نقص الواجبات لما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى نقص الأركان شرع في بيان نقص الواجبات.
والمشهور من المذهب أنهم يفرقون بين نقص التشهد الأول وبين نقص بقية الواجبات هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
والصواب في هذه المسألة : أنه لا فرق وأن نقص الواجبات ينقسم إلى ثلاثة أقسام :(2/276)
القسم الأول : أن يذكره قبل أن يفارق موضعه ، فنقول هذا يأتي به ولا شيء عليه .
مثال ذلك : إنسان سجد ونسي أن يقول سبحان ربي الأعلى ثم تذكر قبل أن يفارق موضع السجود ، نقول يأتي به ولا شيء عليه .
إنسان ركع ونسي أن يقول سبحان ربي العظيم ، فنقول يأتي به ولا شيء عليه ، هذا القسم الأول .
القسم الثاني : أن يذكره بعد أن فارق موضعه وقبل أن يتلبس بالركن الذي يليه ، فنقول ارجع وأتي به .
ويسجد للسهو هنا متى ؟
بعد السلام لأنه زاد على الصحيح كما سيأتينا إن شاء الله .
وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً وكره بعده....................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنسان سجد ونسي أن يقول سبحان ربي الأعلى ثم نهض لكنه حتى الآن لم يصل إلى الركن الذي يليه وهو الجلسة بين السجدتين أو التشهد الأول ، فنقول ارجع وأتي بالتسبيح وتسجد للسهو .
القسم الثالث : أن يذكره بعد أن تلبس بالركن الذي يليه .
إنسان نسي التسبيح واستتمّ جالساً ، نقول لا ترجع وتسجد للسهو ويكون سجوده قبل السلام لأنه نقص .
هذه هي القاعدة في نقص الواجبات أما المذهب فكما أسلفت يفرقون بين التشهد الأول وبين بقية الواجبات فعندهم القاعدة كما تقدم إلا في التشهد الأول لهم تفصيل ذكره المؤلف فقال :
" وإن نسي التشهد الأول لزمه أن يرجع قبل أن يستتمّ قائماً " هذا القسم الأول .
القسم الأول : إذا ما استتم قائماً فيجب عليه أن يرجع كما قلنا قبل أن يتلبس بالركن الذي يليه يجب عليه أن يرجع .
" وكره بعده " هذا القسم الثاني : أن يستتم قائماً يكره .
وحرم إن شرع في القراءة وبطلت ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده وعليه السجود للكل..........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/277)
" وحرم إن شرع في القراءة وبطلت " يحرم إن شرع في القراءة وبطلت فعندهم الأقسام ثلاثة :
القسم الأول : أن يذكره قبل أن يستتم قائماً ، فهنا يجب أن يرجع ويسجد للسهو بعد السلام لأنه زاد .
القسم الثاني : أن يذكره بعد أن استتم قائماً ، يكره أن يرجع ولو رجع يسجد بعد السلام لأنه زاد وإن لم يرجع يسجد قبل السلام لأنه نقص .
القسم الثالث : أن يذكره بعد أن شرع في القراءة فإنه يحرم .
لماذا يقيدون بالقراءة ؟
كما قلنا يقولون لأن القراءة ركن مقصود بذاته .
نضيف القسم الرابع : أن يذكره قبل أن يفارق محله ، فهذا يأتي به ولا شيء عليه .
والصحيح كما ذكرنا أنه لا فرق بين التشهد الأول وبين بقية الواجبات ، والقاعدة كما سلفت .
" ويرجع لتسبيح ركوع وسجود قبل اعتدال لا بعده وعليه السجود للكل " كما سيأتي.
وذكرنا أن النقص ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : نقص الأركان وتقدم .
ومن شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين.........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقسم الثاني : نقص الواجبات .
والقسم الثالث : نقص المستحبات .
كما لو نقص الاستفتاح أو نقص البسملة نقص مستحب من مستحبات الصلاة فما حكم صلاته ؟
نقول صلاته لا تبطل لا بالعمد ولا بالسهو لكن هل يشرع السجود للسهو ؟
إذا كان متعمداً فلا سجود لكن لو سها هل يشرع السجود للسهو أو نقول بأن السجود لا يشرع للسهو ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله وتكلمنا عليه وذكرنا الخلاف فيه .
"ومن شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين " هنا شرع المؤلف رحمه الله في السبب الثالث من أسباب سجود السهو وهو الشك ، والشك هو التردد بين أمرين أيهما وقع ، فيقول المؤلف رحمه الله : إذا شك في ركن أو عدد الركعات بنى على اليقين مثلاً : شك في ركن الركوع هل ركع أو لم يركع ؟
يقول المؤلف رحمه الله : يبني على اليقين ، واليقين أنه لم يأتي به ، لم يركع .(2/278)
أو عدد الركعات شك هل صلى ثنتين أو ثلاثاً فإنه يجعلها ثنتين هذا اليقين ، أو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فإنه يجعلها ثلاثاً وعلى هذا فقس .
فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه.......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه قاعدة في المذهب قاعدة الجملة { أنهم عند الشك يقولون يبنى على اليقين } سواء كان في الصلاة أو في غيرها مثلاً في الطواف شك في أشواط الطواف هل طاف ثلاثاً أو أربعة ؟
المذهب أنه يجعلها ثلاث .
شك هل رمى خمس حصيات أو ستة ؟ فإنه يجعلها خمسة وعلى هذا فقس .
وهذه كما أسلفنا قاعدة في المذهب في الجملة .
والرأي الثاني : التفريق بينما إذا غلب على ظنه شيء يعني ترجح له شيء أو لم يترجح له شيء وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وعلى هذا فالشك ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يترجح له شيء فيأخذ بالراجح لما غلب على ظنه فمثلاً لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وترجح له أنه صلى ثلاثاً ، نقول يجعلها ثلاثاً ، ترجح له أنه صلى أربعاً ، نقول يجعلها أربعاً يعمل بالراجح سواء كان القليل أو الكثير .
ودليل ذلك : حديث ابن مسعود في البخاري وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :"فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"فليتحرى الصواب ثم ليبني عليه " .
ولا يسجد لشك في واجب.....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : أن لا يترجح له شيء فهنا يأخذ بالأقل اليقين ، فإذا شك مثلاً هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ولم يترجح له شيء الأمر عنده مستوي فنقول يجعلها ثلاثاً ، أو شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة والأمر عنده مستوي فنقول يجعلها ثلاثاً وعلى هذا فقس .(2/279)
ودليل ذلك حديث أبي سعيد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا شك أحدكم في صلاته ولم يدري كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبني على ما استيقن "
فقال : فليطرح الشك وليبني على ما استيقن .
وهذا القول ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكرنا هو الراجح لأن فيه إعمالاً لجميع الأدلة .
" ولا يسجد لشك في واجب " يعني إذا شك في واجب من الواجبات هل فعله أو لا ، يقول المؤلف رحمه الله : بأنه لا يسجد .
فمثلاً شك في تسبيحة الركوع هل قال سبحان ربي العظيم في ركوعه أو لم يقل ؟
يقول المؤلف رحمه الله بأنه لا يسجد .
وهذا هو المشهور من المذهب وعللوه قالوا بأنه شك في سبب السجود والأصل عدم السجود .
ولا مأموم إلا تبعاً لإمامه ويسجد مسبوق لسهوه..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والوجه الثاني من المذهب وإليه ذهب صاحب الشرح الكبير وأيضاً قدمه في المحرر أنه يسجد إذا شك في ترك الواجب أولاً : لأن الأصل عدم هذا الواجب وأنه لم يأتي به .
وثانياً : لأنه شك في الصلاة والشك من أسباب سجود السهو .
وهذا القول هو الأقرب .
الصحيح : أنه يسجد .
" ولا مأموم إلا تبعاً لإمامه " يقول المؤلف رحمه الله بأن المأموم لا يسجد إلا تبعاً لإمامه وعلى هذا لو سها المأموم نقص أو زاد أو شك هل ينفرد بالسجود عن الإمام ؟
نقول لا ينفرد بالسجود عن الإمام ويتحمله عنه الإمام ، فمثلاً لو أن المأموم ركع مع الإمام ولم يقل سبحان ربي العظيم ، نقول لا يسجد ، لو أنه سها جلس الإمام للتشهد الأول والمأموم قام أو أنه قام إلى الثانية والمأموم جلس هنا زاد ، نقول لا يسجد لأن المؤلف رحمه الله تعالى قال : إلا تبعاً لإمامه .(2/280)
" ويسجد مسبوق لسهوه " يعني ما ذكره المؤلف رحمه الله يستثنى منه بعض الصور كما سننبه على ذلك قال المؤلف : ويسجد مسبوق لسهوه ، يعني المسبوق الذي فاته شيء من ركعات الصلاة فإذا سها فإنه يسجد ، وعلى هذا نقول بأن المأموم ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : مأموم لم يسبق بشيء من الصلاة ، فهذا لا يسجد والإمام يتحمل عنه سهوه.
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن يستثنى من ذلك بعض العلماء قال : أنه إذا سها الإمام والمأموم يرى وجوب سجود السهو ولم يسجد الإمام فإنه يسجد ، وعندنا المأموم لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون غير مسبوق فهذا سهوه يتحمله الإمام ولا يسجد لكن استثنى بعض العلماء ما إذا سها الإمام ولم يسجد والمأموم يرى سجود السهو فإنه يسجد بعد السلام .
الحالة الثانية : أن يكون المأموم مسبوقاً فنقول هذا يسجد في مواضع :
الموضع الأول : فيما سها فيه المأموم سواء كان سهوه مع الإمام أو سهوه فيما انفرد به .
مثال سهوه مع الإمام : مأموم فاتته الركعة الأولى وأدرك الإمام في الركعة الثانية ودخل معه ونسي التسبيح في الركوع هنا سها فيما أدرك به الإمام .
مثال فيما انفرد به قام هذا المأموم يقضي الركعة التي عليه ثم سها فيها فنسي تسبيحة السجود ، فنقول هذا يسجد للسهو .
فنقول الموضع الأول : يسجد المأموم المسبوق لسهوه فيما أدرك به الإمام أو فيما انفرد به.
الموضع الثاني : أن يكون سجود الإمام بعد السلام فهنا المأموم لا يتابع الإمام لأن الإمام سيسلم وحتى الآن لم تنتهي صلاته ، فنقول لا يتابع الإمام وإنما يقوم ويقضي الذي عليه
وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب.................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/281)
وإن كان أدرك السهو مع الإمام فإنه يسجد وإن كان لم يدرك السهو مع الإمام فإنه لا يسجد وإن شك لم يتبين له الأمر نقول يسجد احتياطاً .
الموضع الثالث : إذا سها الإمام ولم يسجد والمأموم يرى سجود السهو فإنه يسجد .
" وسجود السهو لما يبطلها عمده واجب " هنا بين المؤلف رحمه الله تعالى حكم سجود السهو هل هو واجب أو مستحب ؟
فأفاد المؤلف رحمه الله أن في ذلك تفصيلاً وهو :
أنه إذا كان عمده هذا السهو إذا كان عمده يبطل الصلاة فهو واجب وإن كان لا يبطل الصلاة عمده فهو مستحب .
ومثاله : عمده يبطل الصلاة مثلاً ترك قول سبحان ربي العظيم وقول سبحان ربي العظيم على المذهب واجب وترك الواجب عمداً يبطل الصلاة فسهوه هنا يوجب السجود .
زاد ركوعاً ثانياً عمده يبطل الصلاة فسهوه يوجب السجود وعلى هذا فقس .
قام بعد الركعة الثانية نقول عمده يبطل الصلاة فسهوه يوجب السجود .
وإن لم يكن عمده يبطل الصلاة فسهوه لا يوجب السجود لكن قد يشرع ، مثلاً ترك الاستفتاح هذا عمده لا يبطل الصلاة لكن كما تقدم لنا هل يسجد لترك السنة أو لا يسجد لتر السنة ... إلخ ؟
تقدم الكلام على ذلك .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول القاعدة متى يجب سجود السهو ومتى لا يجب ؟
نقول يجب إذا كان هذا السهو عمده يبطل الصلاة فيجب السجود وإذا كان عمده لا يبطل الصلاة فلا يجب السجود وقد يشرع وقد لا يشرع .
والرأي الثاني في المسألة : أن سجود السهو كله سنة وأن ليس هناك ما هو واجب وهذا فيه نظر .
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى لأمر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالسجود قال :" إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين " وهذا الأمر يقتضي الوجوب .(2/282)
فالصواب : أن الأمر يقتضي الوجوب لكنه يجب إذا كان عمده يبطل الصلاة ولا يجب إذا كان عمده لا يبطل الصلاة .
وأما القول بأنه سنة مطلقاً فهذا فيه نظر .
أولاً : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كما تقدم " إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين
وثانياً : مراغمة الشيطان لأن هذا السهو إنما هو من الشيطان ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد :" وإن كان صلى تماماً كان ترغيماً للشيطان " .
وثالثاً : المعنى يقتضي ذلك وإنه إذا نقص كان هذا السجود جبراً لهذا النقص الذي حصل في الصلاة .
ومحله قبل سلام ندباً إلا إذا سلّم قبل إتمامها فبعده.......................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب .
" ومحله قبل سلام ندباً إلا إذا سلّم قبل إتمامها فبعده " يقول المؤلف رحمه الله محل السجود لما ذكر حكم السجود أراد أن يبين محله هل هو قبل السلام أو بعد السلام ؟
هذا موضع خلاف بين الأئمة رحمهم الله فالمشهور من المذهب أن الأمر ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : الجواز والإباحة فيقولون يجوز مطلقاً قبل السلام وبعد السلام لست مقيد إذا حصل لك سهو في زيادة أو نقصان أو شك يجوز لك أن تسجد قبل السلام ويجوز لك أن تسجد بعد السلام هذا فيما يتعلق بالجواز والإباحة .
القسم الثاني: ما يتعلق بالأفضلية والندب قالوا الأفضل أن يسجد قبل السلام إلا في موضعين:
الموضع الأول : قال المؤلف رحمه الله : إلا إذا سلّم قبل إتمامها كما في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم قبل إتمام الصلاة سلّم من ركعتين وسجد بعد السلام فقالوا هنا يسجد بعد السلام .
الموضع الثاني : إذا قيل بالتحري لأن المذهب يقولون عند الشك هل يقولون بالتحري أو باليقين ؟
............................................................................................................(2/283)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باليقين فعلى القول بالتحري لأن هناك في المذهب قول بالتحري ، فإذا قيل بالتحري وغلب على ظنه فإنه يسجد بعد السلام .
فأصبح عندنا القسم الثاني ما يتعلق بالندب والأفضلية كله قبل السلام إلا في موضعين :
الموضع الأول : إذا سلم قبل إتمامها .
الموضع الثاني : إذا بنى على غالب ظنه وقيل بالتحري فإنه يسجد بعد السلام .
هذا هو المشهور من المذهب .
الرأي الثاني في المسألة : رأي الإمام مالك رحمه الله التفصيل قال :
إن كان لنقص قبل السلام وإن كان لزيادة فبعد السلام .
والرأي الثالث : رأي أبي حنيفة وأن السجود كله قبل السلام .
والرأي الرابع : عند الشافعي أن السجود كله بعد السلام .
والرأي الخامس : ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التفصيل : وأن السجود تارة يجب قبل السلام وتارة يجب بعد السلام ، فيجب قبل السلام في موضعين :
الموضع الأول : إذا كان عن نقص ، مثلاً نقص التشهد الأول قام نقص تسبيح الركوع تسبيح السجود .
الموضع الثاني : إذا شك ولم يترجح له شيء وبنى على اليقين فإنه يسجد قبل السلام .
هاذان الموضعان يسجد فيهما قبل السلام .
وتبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام.........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الثاني : السجود بعد السلام وأيضاً هذا في موضعين :
الموضع الأول : إذا كان عن زيادة ، فإذا كان عن زيادة فإنه يسجد بعد السلام .
الموضع الثاني : إذا شك وترجح له شيء فإنه يسجد بعد السلام .(2/284)
وفي هذا تجتمع الأدلة ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجمع الأدلة حديث ابن مسعود وحديث أبو هريرة وحديث عبد الله بن محيلة وغير ذلك من الأحاديث الواردة ، وهذا أحوط وأقرب وأيضاً المعنى يؤيد ذلك لأنه إذا كان عن زيادة وجعل السجود بعد السلام فالمعنى لكي لا يجتمع في الصلاة زيادتان ولو قلنا يسجد قبل السلام اجتمع في الصلاة زيادتان فالسجود هو الزيادة لكن إذا كان بعد السلام لم يجتمع في الصلاة زيادتان .
وإذا كان عن نقص أيضاً المعنى أن يكون السجود قبل السلام جبر لهذا النقص الذي حصل .
" وتبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام " يقول المؤلف رحمه الله : تبطل بتعمد ترك ما أفضليته قبل سلام ، هذا بناء على المذهب ، فعلى المذهب ما هو الذي أفضليته قبل السلام ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل الصور إلا في موضع إذا سلم قبل إتمام الصلاة فهذا يكون الأفضل بعد السلام ، فالسجود الذي تكون أفضليته قبل السلام إذا تعمد تركه بطل وإذا لم يتعمد تركه فإنه لا يبطل .
ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله : إذا كان أفضليته بعد السلام وهو على المذهب إذا سلم قبل إتمام الصلاة الأفضل أن يسجد بعد السلام ولو تركه ولم يسجد فإن صلاته لا تبطل عليه .
وعلى هذا نقول بالنسبة لبطلان الصلاة بترك السجود نقول بأن هذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : السجود الذي محله قبل السلام فهذا تبطل الصلاة بتركه عمداً ، إذا تركه عامداً عالماً بطلت صلاته .
القسم الثاني : السجود الذي محله بعد السلام فهذا لا تبطل الصلاة بتركه لكن يأثم .
والفرق بين السجودين الذي قبل السلام هذا واجب في الصلاة والذي بعد السلام هذا واجب للصلاة ، وفرق بين الواجب في الصلاة والواجب للصلاة .
الواجب في الصلاة : هذا يبطل مثل الواجبات .(2/285)
الواجب للصلاة : هذا لا يبطل مثل الجماعة ، صلاة الجماعة هذا واجبة للصلاة لاتبطل ومثل الأذان واجب للصلاة وليس واجباً في الصلاة فنقول لا يبطل .
السجود الذي بعد السلام هذا يلحق بالجماعة ويلحق بالأذان ... إلخ .
وإن نسيه وسلم قضاه بعده إن قرب زمنه ومن سها مراراً كفاه سجدتان...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنقول هذا لا يبطل والذي في جوف الصلاة نقول بأنه يبطل .
إذا ترك السجود سهواً فنقول هذا يسجد إذا قرب زمنه ، ولنفرض أن شخصاً يصلي ونسي قول سبحان ربي العظيم هنا يسجد قبل السلام فإن نسي نقول يسجد ولو بعد السلام بشرط أن يكون الزمن قريباً فإن كان الزمن بعيداً لا يسجد يبطل السجود يسقط هذا السجود وصلاته تكون صحيحة .
مثله أيضاً لو نسي السجود الذي بعد السلام فنقول إذا قرب الزمن يأتي به وإن بعد الزمن فإنه يسقط .
" وإن نسيه وسلم قضاه بعده إن قرب زمنه " لكن إن طال الفصل يسقط .
" ومن سها مراراً كفاه سجدتان " إذا سها مراراً ولنفرض أن هذا الشخص نقص واجباً وزاد ركعة وزاد جلوساً وحصل له شك فحصل عنده السهو مراراً فنقول هنا يكفيه سجدتان .
إن اجتمع عنده سجود محله قبل السلام وسجود محله بعد السلام فأيهما يقدم ؟
نقول يقدم السجود الذي قبل السلام ، يسجد قبل السلام .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقي مسألة أخيرة تتعلق بسجود السهو : إذا شك الإنسان ثم زال هذا الشك ولنفرض أن هذا الإنسان شك ثم بعد ذلك بنى على هذا بظنه ثم زال الشك وتيقن ، هل يسجد أو نقول لا تسجد ؟(2/286)
مثال ذلك إنسان شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً وغلب على ظنه أنها ثلاث وجعلها على ثلاث ثم أتى بالرابعة ثم تيقن أنها صحيحة صلاته زال الشك الآن كان أول متردد وأتى بالرابعة ثم الآن زال الشك ، هل نقول يسجد أو لا يسجد ؟
هذا موضع خلاف المشهور من المذهب أنه لا يسجد مادام أنه تيقن زال السبب .
والرأي الثاني : أنه يسجد حتى ولو زال السبب ترغيماً للشيطان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" وإن كان صلى تماماً فترغيماً للشيطان "
وترغيم الشيطان مطلوب ولأنه أدى جزاء من صلاته وعنده تردد .
وهذا القول هو الأقرب .
آكدها كسوف.....................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب صلاة التطوع
وأوقات النهي
التطوع في اللغة : فعل الطاعة .
وأما في الاصطلاح : فهو فعل طاعة غير واجبة ، وهذا هو الجابر الثالث من جوابر الصلاة .
تقدم أن الصلاة لها جوابر : الذكر وسجود السهو والثالث صلاة التطوع .
صلاة التطوع هذه من رحمة الله عز وجل شرعية مثل هذه التطوعات لأن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ومن المعلوم أن الصلاة يعتريها كثير من السهو والنقص والغفلة فشرع ما يجبر ويرفع هذا الخلل الذي يكون في الصلاة .
فنقول بأن مشروعية صلاة التطوع هذا من رحمة الله عز وجل ونعمته علينا ولولم تشرع لكان فعلها بدعة لأن العبادات مبناها على التوقيف .
" آكدها كسوف " نقول آكد ما يتطوع به من الصلوات صلاة الكسوف هذه آكدها وإنما تأكدت صلاة الكسوف لما سيأتي أن بعض أهل العلم يرى أنها واجبة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج فزعاً يجر ردائه لما كسفت الشمس ... إلخ .
فاستسقاء فتراويح فوتر..................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" فاستسقاء " الاستسقاء هذه في المرتبة الثانية .(2/287)
المرتبة الثانية : صلاة الاستسقاء وذلك لأن الاستسقاء لدفع ضرر وصلاة حاجة فتتأكد وتكون بعد الكسوف .
" فتراويح " هذه المرتبة الثالثة : التراويح وإنما تأتي في المرتبة الثالثة لأنه تشرع لها الجماعة ." فوتر " هذه المرتبة الرابعة : الوتر لأنه تسن له الجماعة بعد التراويح ولأن بعض أهل العلم كأبي حنيفة كما سيأتينا إن شاء الله يرى أنه واجب ، وشيخ الإسلام قال : بأنه واجب على من يقوم الليل ... إلخ .
وبعد ذلك المرتبة الخامسة : السنن الرواتب وسيأتينا إن شاء الله .
وهذا هو المذهب أنهم يرتبون الأفضلية بالنسبة لصلاة التطوع وتقدم أن ذكرنا دليلهم .
والرأي الثاني : أن آكدها صلاة الكسوف ، فصلاة الكسوف هي آكدها ، وهذا إذا قلنا بأنها تطوع وسيأتينا إن شاء الله الخلاف في هذه المسألة ، هل هي تطوع أو ليست تطوع .. إلخ .
ثم بعد ذلك : صلاة الوتر ، فالوتر آكد من صلاة التراويح وصلاة الاستسقاء لأن الوتر هناك من قال بوجوبه وداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر .
ثم بعد ذلك صلاة الاستسقاء لأنها لحاجة ودفع مضرة .
ثم بعد ذلك التراويح لأنها تشرع لها الجماعة ولأنها أيضاً عنوان أهل السنة .
فوتر ووقته بعد صلاة العشاء............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم بعد ذلك السنن الرواتب .
فيكون التقديم حسب ما دل الدليل على تأكده .(2/288)
" فوتر ووقته بعد صلاة العشاء " يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله قوله فوتر أن الوتر سنة وليس واجباً ، وهذا عند جمهور أهل العلم رحمهم الله ، ودليلهم على ذلك حديث طلحة بن عبيد الله في قصة الرجل الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام وسأله عن الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" خمس صلوات في اليوم والليلة " قال : هل علي غيرها ؟ قال :" لا إلا أن تتطوع " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة . وهذا في الصحيحين .
وأيضاً حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في بعث معاذ إلى اليمن قال النبي صلى الله عليه وسلم :" فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله أفترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة " وهذا في الصحيحين ، فدل على أن الواجب خمس صلوات في اليوم والليلة
ولو قلنا بأن الوتر واجب للزم أن تكون الصلوات الواجبة في اليوم والليلة ستة .
وقال علي رضي الله تعالى عنه : الوتر ليس بحتمه كهيئة المكتوبة ، ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وعند أبي حنيفة رحمه الله : أن الوتر واجب ويستدل بحديث : الوتر حق ، وحديث " من لم يوتر فليس منا " وحديث " إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن "
ووقته بعد صلاة العشاء......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه الأحاديث تدل على تأكد الاستحباب ووجود الصارم في دليل الرأي الأول .
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن الوتر واجب على من يقوم الليل ، فإذا قام الليل فإنه يوتر لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم صلاته بالوتر .
قال النبي عليه الصلاة والسلام :" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى "
وقال :" أوتروا قبل أن تصبحوا "
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختم صلاته بالوتر .(2/289)
وأيضاً الحديث السابق " إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن "
يدل على أنه من خصال القائمين بالليل قال : يا أهل القرآن .
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحابة كانوا يتهجدون بالقرآن في الليل .
وأقرب الأقوال في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أ'هل العلم رحمهم الله وأن الوتر سنة لكن ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه ، أولاً : لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به .
وثانياً : أن النبي عليه الصلاة والسلام حافظ عليه .
وثالثاً : أن النبي عليه الصلاة والسلام قضاه كما في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى الوتر بعدما أصبح .
" ووقته بعد صلاة العشاء " يقول المؤلف رحمه الله : ووقته والوتر له ثلاثة أوقات :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت الأول : وقت الأداء .
والوقت الثاني : وقت الاستحباب .
والوقت الثالث : وقت القضاء .
فله هذه الأوقات الثلاثة .
فالوقت الأول : وقت الأداء متى يبدأ ؟
قال : من بعد صلاة العشاء ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يوتر بعد صلاة العشاء سواء صلاها في وقتها أو صلاها مجموعة مع المغرب جمع تقديم .
فلو فرض أن هناك مطر وجمع الناس جمع تقديم صلوا المغرب وصلوا العشاء ، فعلى كلام المؤلف أن الوتر قد دخل ، وكذلك أيضاً لو أنه مسافر وصلى جمع تقديم صلى المغرب وكذلك وصلى العشاء فعلى كلام المؤلف رحمه الله أنه يوتر وهذا هو المذهب ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله : أن وقت الوتر معلق بصلاة العشاء سواء فعلت في وقتها أو فعلت في وقت المغرب تقديماً .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله ورأي أبي حنيفة أن وقت الوتر يكون بعد دخول صلاة العشاء ، يعني لو جمع جمع تقديم ينتظر .(2/290)
أما عند أبي حنيفة : أنتم تعلمون أن مذهب أبي حنيفة لا يجوزون الجمع ما عندهم إلا جمع صوري فقط ليس عندهم جمع حقيقي إلا في عرفات ومزدلفة مع الإمام الأعظم .
إلى الفجر..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على رأي الإمام مالك رحمه الله : أنه لو جمع في السفر أو جمع في الحضر فيما يسوغ الجمع جمع جمع تقديم صلى المغرب وصلى العشاء فعلى رأي الإمام مالك رحمه الله أنه ينتظر حتى يدخل وقت العشاء ما يوتر .
والصواب في هذا : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله والشافعي وأن الوتر يدخل وقته بالفراغ من صلاة العشاء سواء فعلت في وقتها أو فعلت في وقت المغرب مجموعة .
ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم فإنها ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة فقالت :" ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر "
وأيضاً يدل لهذا حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم فصلوها ما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح الوتر " فقال : ما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح ، ويؤخذ من ذلك أن الوتر معلق بفعل الصلاة .
" إلى الفجر " ويستمر وقته إلى طلوع الفجر وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله ، ويستدلون على ذلك بما تقدم من حديث عائشة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً حديث أبي سعيد في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أوتروا قبل أن تصبحوا "(2/291)
وأيضاً حديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة توتر له ما صلى " فهذا يدل على أن صلاة الوتر ينتهي وقتها بطلوع الفجر .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله : وأنه يقسم وقت الوتر إلى قسمين :
وقت جواز ووقت ضرورة .
وقت الضرورة يمتد إلى إقامة صلاة الصبح .
ودليلهم ما تقدم من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر " فقال : إلى صلاة الصبح .
وأيضاً قول الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال : ما أبالي أن أوتر وقد أقيمت صلاة الصبح .
فيرون أنه يمكن وهذا أيضاً ذهب إليه بعض السلف أنه لا بأس أن يوتر بعد طلوع الفجر ، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم رحمهم الله .
وأما قوله في حديث عائشة يصبح فيوتر ، فنقول يقضي الوتر وهذا كما سيأتينا إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتا عشرة ركعة ، فإذا طلع عليه الصبح نقول يقضي الوتر ، وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ .
فهذا الحديث فيه ضعف .
وأيضاً لو ثبت فقوله إلى صلاة الصبح يحمل إلى وقت صلاة الصبح .(2/292)
وأثر ابن مسعود هذا يعارضه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الإيتار إلى طلوع الفجر والأمر بالإيتار إلى طلوع الفجر ، وكذلك أيضاً ما ثبت عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال : إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت صلاة الليل والوتر .
فالصواب في هذه المسألة : أن وقت الوتر يمتد إلى طلوع الفجر .
وأما بالنسبة للوقت الثاني : وقت الاستحباب ، فهذا اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يستحب أن يوتر قبل أن ينام وقيل آخر الليل أفضل .
والرأي الثاني : التفصيل وهو ما عليه أكثر أهل العلم ، أنه إن وثق من نفسه أن يقوم من آخر الليل فالأفضل أن يوتر من آخر الليل .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يثق من نفسه فالأفضل أن يوتر أول الليل ، وهذا القول هو الصحيح وهو الذي دل له حديث جابر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة ومن لم يطمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر أوله "
ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء كلهم أوصاهم بأن يوتروا قبل أن يناموا هذا محمول على أن الإنسان لا يطمع من نفسه أن يقوم من آخر الليل .
والنبي صلى الله عليه وسلم أوتر آخر الليل .
كان وتر النبي عليه الصلاة والسلام الغالب أنه آخر الليل ، هذا الغالب على وتر النبي عليه الصلاة والسلام وإلا ذكرت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر من أول الليل ومن وسطه ومن السحر ، قالت : انتهى وتره إلى السحر ، فغالب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر أنه يوتر من آخر الليل ووتره انتهى إلى آخر الليل .
فنقول الأفضل : أن يوتر آخر الليل إذا طمع فإن لم يطمع فإنه يوتر أول الليل .
وأما بالنسبة لوقت القضاء ، وقت قضاء الوتر :(2/293)
فالصحيح كما سلف بعض السلف يرى أنه لابأس أن يوتر ولو بعد طلوع الفجر كما ذكرنا من الآثار ، أثر ابن مسعود وغيره عن الصحابة رضي الله عنهم من الإيتار بعد
وأقله ركعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طلوع الفجر لكن هذا كما ذكرنا مخالف لما جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
والصواب : أن وقت قضاء الوتر بعد طلوع الشمس ضحى ولا حد لأخره ، ويدل له حديث عائشة في صحيح مسلم قال :" وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة "
فنقول : يستحب أن يقضيه بعد طلوع الشمس ، وإذا أراد أن يوتر بخمس فإنه يستحب أن يصلي ستاً ، وإذا أراد أن يوتر ثلاثاً فيستحب أن يصلي أربعاً ... إلخ .
يعني يصلي شفعاً لأن الوتر هذه صلاة الليل .
" وأقله ركعة " أقل الوتر ركعة لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الوتر ركعة من آخر الليل " وهذا ما عليه أكثر أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة فإن أبا حنيفة لا يرى الإيتار بركعة ويستدل بالنهي عن البتيرة ، وأن المراد بالبتيرة الركعة الواحدة لكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن حزم رحمه الله .
والإيتار بركعة هذا ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، هذا ثابت عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهم .
وأكثره إحدى عشرة............................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وأكثره إحدى عشرة " يقول المؤلف رحمه الله أقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت :" ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ".(2/294)
وتقدم أيضاً حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ما بين صلاة العشاء وطلوع الفجر إحدى عشرة ركعة .
وما ذهب إليه المؤلف رحمه الله بأن أكثره إحدى عشرة ركعة هذا هو الوتر الغالب للنبي صلى الله عليه وسلم وإلا فالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة كما في حديث ابن عباس لما ذكر صفة صلاة الليل لما بات عند خالته ميمونة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث عشرة
فحديث ابن عباس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة ركعة .
وأيضاً كما سيأتينا إن شاء الله في حديث أم سلمة وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع وسبع وخمس ... إلخ .
فنقول الغالب على وتر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بإحدى عشرة وزاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاث عشرة هذا كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في
مثنى مثنى............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحيحين لما ذكر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأنه صلى من الليل ثلاث عشرة.
واختلف أهل العلم رحمهم الله في الجمع بين حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة .
وبين إيتار النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث عشرة .
فقيل بأن وتر النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة وأما الركعتان الزائدتان فهذه سنة العشاء .
وقيل بأن الركعتين الزائدتين هما الركعتان اللتان يستحب أن تفتتح بهما صلاة الليل فإن صلاة الليل لها سنن من هذه السنن أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين .
وقيل بأن وتره عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة وهاتان الركعتان هما ركعتي الفجر .
وقيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بهذا وأوتر بهذا وهذا هو الصواب .(2/295)
فنقول : الهدي الغالب لوتر النبي صلى الله عليه وسلم أنه إحدى عشرة وربما زاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة عشر وربما نقص .
" مثنى مثنى " يعني يسلم من كل ركعتين .
ويوتر بواحدة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويوتر بواحدة " يوتر بواحدة وهذه إحدى صفات الوتر الإحدى عشرة أن يصلي مثنى مثنى وهذه الصفة التي ذكرها المؤلف رحمه الله هي التي دل لها حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فإن عائشة ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ، وهذا في مسلم ، وأيضاً في البخاري .
وفي صحيح مسلم والبخاري قالت : يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة .
والحنابلة والشافعية : يذكرون غير هذه الصفة فقالوا له أن يسرد عشر ركعات سرداً ويجلس للتشهد الأول ثم يقوم ولا يسلم ويأتي بالركعة الأخيرة ثم يجلس ويتشهد ويسلم ، هذه صفة.
أيضاً صفة ثالثة : يذكرون أنه يسردها سرداً بتشهد واحد وسلام واحد .
وصفة رابعة : قال يصلي أربعاً سرداً ثم أربعاً سرداً ثم ثلاثاً ، فهذه أربع صفات للإيتار بإحدى عشرة .
لكن ما دل له حديث عائشة أنه يسلم من كل ركعتين كما في صحيح البخاري ومسلم قال : يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة .
وأما قولها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا محمول على أنه يصلي أربعاً بسلامين .
فنقول : الأقرب من هذه الصفات هي ما دل له حديث عائشة في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم بين كل ركعتين .(2/296)
وأما ما ذكروه من الصفات الزائدة هذه ، فهذه لا دليل عليها .
هذه صفة الإيتار بإحدى عشرة إذا أراد أن يوتر بتسع فنقول : أنه يسرد ثمان ركعات ثم بعد ذلك يجلس ويتشهد ولا يسلم ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم ، وهذه دل لها حديث عائشة في صحيح مسلم ، والإيتار بتسع ليس له إلا صفة واحدة فقط .
وإذا أراد أن يوتر بسبع هذا ورد له صفتان :
الصفة الأولى : حديث أم سلمة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس وسبع لا يجلس إلا في آخرهن .
فنقول الصفة الأولى للإيتار بسبع كما دل له حديث أم سلمة في صحيح مسلم أن يأتي بسبع سرداً ثم يجلس ويتشهد ويسلم .
والصفة الثانية : حديث عائشة في مسند الإمام أحمد رحمه الله : أنه يتشهد بعد السادسة ولا يسلم ثم يقوم ويأتي بالسابعة ويتشهد ويسلم .
والخمس لها صفة واحدة فقط وهي أن يسردها سرداً كما سلف من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها .
وأدنى الكمال ثلاث بسلامين.................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثلاث قال لك المؤلف رحمه الله :
" وأدنى الكمال ثلاث بسلامين " يعني أدنى الوتر الذي يكون هو الأفضل ثلاث ركعات والإيتار بثلاث له صفتان :
الصفة الأولى : قال لك المؤلف رحمه الله : بسلامين يعني أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة ثم يسلم هذه الصفة الأولى .
والصفة الثانية أن يسردها سرداً يأتي بالأولى والثانية والثالثة ويسردها سرداً ، وكما سبق أن ذكرنا في القاعدة التي ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العبادات التي وردت على وجوه متنوعة { أنه يستحب أن يفعل هذا تارة والأخر تارة أخرى }
فنقول : يصلي هذا تارة ويصلي هذا تارة لكن الحنابلة يستحبون أن يوتر بسلامين لأن الإيتار بسلامين يقولون بأنه أكثر عملاً .(2/297)
أما أن يصلي ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد فهذا مكروه ، يعني إذا صلى ثلاث ركعات بتشهدين وسلام واحد هذا مكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإيتار بثلاث فتشبهوا بصلاة المغرب ولا يكون التشبه بصلاة المغرب إلا إذا صلى بثلاث ركعات بتشهدين .
يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص يقنت بعد الركوع ندباً..............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ " يقرأ بعد الفاتحة في الأولى سبح وفي الثانية بالكافرون وفي الثالثة بالإخلاص " يقول المؤلف رحمه الله : إذا أوتر بثلاث فإنه يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى بسبح وفي الركعة الثانية بـ "قل يا أيها الكافرون " وفي الركعة الثالثة بـ " قل هو الله أحد " لأن هذا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب فيما رواه أبو داود وغيره
" ويقنت " القنوت يطلق على معاني منها : الدعاء ، ومنها أيضاً دوام الطاعة ، ومنها أيضاً طول القيام .
فيقول المؤلف رحمه الله :
" يقنت بعد الركوع ندباً " يعني أنه يستحب أن يقنت في الوتر بعد الركوع ، وقال المؤلف رحمه الله : ندباً : يعني القنوت سنة ، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن القنوت سنة دائماً ، يعني أنه يستحب له أن يقنت دائماً في الوتر ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب أبي حنيفة : أنه يستحب أن يقنت دائماً لحديث أبي بن كعب في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر بعد الركوع .
وأيضاً حديث الحسن أنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ... إلخ .
فقالوا أنه يستحب أن يقنت دائماً .
.............................................................................................................(2/298)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والرأي الثاني : رأي الشافعي رحمه الله ومالك أنه يقنت في النصف الأخير من رمضان فقط لا يقنت دائماً .
والرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يقنت في بعض الأحيان ويترك في بعض الأحيان يعني لا يداوم على القنوت ، وهذا هو الصواب ، ويدل لذلك أن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كعائشة وأم سلمة وابن عباس وحذيفة وابن مسعود لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت ، لم ينقلوا قنوت النبي صلى الله عليه وسلم فيفهم من هذا أن الغالب على هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقنت .
لكن كما سلف في حديث أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت فيفهم من ذلك أن الغالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك القنوت .
فنقول : يستحب للإنسان أن يقنت في بعض الأحيان وفي كثير من الأحيان يتركه ، هذا هو الذي يؤخذ من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال المؤلف رحمه الله تعالى : بعد الركوع ، ودليلهم على ذلك حديث أبي هريرة وأنس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حديث ابن عباس في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النازلة كم سيأتينا إن شاء الله .
ويقول اللهم اهدني فيمن هديت .........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فالنبي عليه الصلاة والسلام في قنوته لما قنت يدعوا على رعل وعصية وركوان الذين قتلوا القراء ، وقنت النبي صلى الله عليه وسلم للمستضعفين في مكة ، كان قنوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركوع .
وأيضاً هم يقولون إذا قنت قبل الركوع جائز وأن هذا وارد في حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه ، وعلى هذا نقول يقنت قبل الركوع وبعد الركوع ويكون هذا من السنن المتنوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم .(2/299)
" ويقول اللهم اهدني فيمن هديت .... إلخ " يرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وتكون بطونهما نحو السماء ثم بعد ذلك يدعوا بهذا الدعاء الذي أورده المؤلف رحمه الله .
وهذا الحديث رواه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت .
الهداية في اللغة : هي الدلالة والإرشاد والتوفيق وهي تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : هداية توفيق وهذه بيد الله سبحانه وتعالى .
والقسم الثاني : هداية إرشاد ، وهذه ليست خاصة بالله عز وجل فكما أنها لله سبحانه وتعالى أيضاً جعلها الله عز وجل في أيدي المخلوقين ومن ذلك قول الله عز وجل :" وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " ومن هداية التوفيق قول الله عز وجل :" ليس عليك هداهم "
وعافني فيمن عافيت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وعافني فيمن عافيت " المعافاة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : معافاة حسية وهي المعافاة من الأسقام والأمراض والمصائب والآفات التي تكون في الأبدان والأموال .
والقسم الثاني : وهو الأعظم معافاة معنوية ، وهي المعافاة من الشبهات والشهوات والاستقامة على طريق الحق ، يعافيك الله عز وجل من الشبهات والشهوات وذلك بالتزام طريق الحق ، وكذلك أيضاً يعافيك الله عز وجل من الناس ويعافي الناس منك .
" وتولني فيمن توليت " تولني ضد العدو من توليت الشيء إذا اعتنيت به ، وتولي الله عز وجل ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : تولي عام ، وهذا يكون لعموم المؤمنين .
والقسم الثاني : تولي خاص ، وهذا يكون لخصوص المؤمنين فكلما كان الإنسان أكثر استقامة ولزوماً للطريق المستقيم كلما كانت ولاية الله سبحانه وتعالى له أكثر ، يعني نصره وتأييده وتوفيقه له أكثر .
" وبارك لي فيما أعطيت " فيما أعطيت : يعني فيما أنعمت علي من النعم الظاهرة والباطنة الحسية والمعنوية .. إلخ .(2/300)
" وقني شر ما قضيت " أيضاً قني من الوقاية والمراد : عدم الإصابة بما قضاه الله عز وجل وقدره مما يحدث في هذا الكون من الآيات الكونية من المصائب ... إلخ .
إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت..........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وآيات الله سبحانه وتعالى الكونية هذه لابد أن تقع يعني ما قدره الله تعالى كوناً وقدراً هذا لابد أن يقع ولا مفر لأحد منه فإذا وقع فإنك تسأل الله عز وجل أن يقيك شر هذا الواقع بأن يعافيك الله عز وجل منه وأن يجعل هذا الذي وقع وإن كان في ظاهره محنة إلا أنه في باطنه مع التوفيق يكون منحة من الله سبحانه وتعالى ، ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن "
" إنك تقضي ولا يقضى عليك " هذا من باب التوسل لفعل الله سبحانه وتعالى .
" إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت " أيضاً هذه من باب التوسل بالثناء على الله سبحانه وتعالى بصفاته الجليلة .
" تباركت ربنا وتعاليت " يعني تباركت حلت البركة ، وقوله : تباركت ربنا ، يعني حصل لك يا الله العظمة والبركة ، وقوله : وتعاليت ، يعني حصل لك العلو ، وعلو الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : علو القدر .
والقسم الثاني : علو القهر .
اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والقسم الثالث : علو الذات .
" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك " اللهم : يا الله .(2/301)
أعوذ بك : يعني ألتجأ وأعتصم إليك يا الله أن أفعل شيئاً يغضبك وألا أفعل إلا ما يرضيك .
برضاك من سخطك : يعني ألتجأ إلى رضاك بفعل الأوامر واجتناب النواهي .
" وبعفوك من عقوبتك وبك منك " يعني ألتجأ إليك يا الله بفعل أوامر واجتناب نواهيك فيحصل بذلك العفو والأمن من العقوبة .
وكذلك أيضاً وبك منك : أعوذ بك يا الله منك : ألتجأ إليك يا الله بفعل أمرك واجتناب نهيك من أن يحدث لي عقابك وعذابك بمخالفتي ذلك .
" لا أحصي ثناء عليك " يعني لا أطيق ولا أبلغ ثناء عليك .
" أنت كما أثنيت على نفسك " يعني مهما أثنى الإنسان على الله عز وجل ووصف الله سبحانه وتعالى بصفات الكمال ونعوت الجلال فإنه لا يطيق ذلك ولا يبلغه .
أنت كما أثنيت على نفسك : اعتراف بالعجز عن الثناء ورد إلى المحيط علمه بكل شيء " اللهم صل على محمد " تقدم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا القنوت أو هذا الدعاء الذي يقال في قنوت الوتر ألقه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله تعالى عنه ، فيستحب للإنسان في قنوت الوتر أن يأتي به .
مع أن بعض أهل العلم لا يثبت ذلك ، فيقول بأن الذي ورد هو أنه : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قيام الليل ... إلخ .
وعلى هذا نقول الإنسان يأتي به وفي بعض الأحيان يترك الإتيان به .
كما ذكرنا أن أكثر الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل لم يذكروا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقنت .
وعلى هذا يأتي به في بعض الأحيان كما ورد ذلك في حديث أبي بن كعب وأيضاً ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم القنوت في الوتر ، فنقول يأتي به في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان والأكثر أنه يتركه .(2/302)
وأيضاً قوله : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ... إلخ هذا وارد في حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الوتر اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ... إلخ هذا وارد من حديث علي رضي الله تعالى عنه في السنن .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر الوتر .
" اللهم صل على محمد " هل يستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر دعاء القنوت أو أن هذا غير مستحب ؟
ويمسح وجهه بيديه...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان :
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى أنه يستحب ، واستدلوا أن هذا وارد في حديث الحسن لكن ثبوت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحسن هذا فيه نظر ، والصحيح أن الصلاة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر ، لكن ورد ذلك عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بأسانيد صحيحة كأبي بن كعب ومعاذ رضي الله تعالى عنهم .
والرأي الثاني : أنه لا يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لعدم ثبوت الصلاة في حديث الحسن .
لكن كما قلنا هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فإذا كان هذا ثابت عن الصحابة فنقول يأتي به في بعض الأحيان ويتركه في بعض الأحيان .
" ويمسح وجهه بيديه " يعني إذا فرغ من دعائه ، يقول المؤلف رحمه الله يمسح وجهه ، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه لا يشرع المسح لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا أنكره الإمام مالك رحمه الله وقال : ما علمت .
والإمام أحمد رحمه الله تعالى كما ذكر المروزي أنه قال : ما سمعت فيه بشيء ، وقال : لم يفعله الإمام أحمد رحمه الله .
وكره قنوته في غير وتر ......................................................................(2/303)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فيه حديث أو حديثان لا تقوم بهما حجة .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : أنه لا يمسح وجهه بيديه إذا انتهى من قنوت الوتر وكما ذكر البيهقي أنه لم يثبت به أثر ولا قياس ولم يفعله السلف رحمهم الله .
وعلى هذا نقول بأنه غير مشروع والأحاديث الواردة في ذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه ... إلخ . هذه لا تثبت .
" وكره قنوته في غير وتر " كره قنوته في غير الوتر ، كونه يقنت في غير الوتر يؤخذ من هذا أن القنوت ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : القنوت في الوتر ، تقدم الكلام عليه .
القسم الثاني : القنوت في غير الوتر ، كالقنوت في الفرائض ، المؤلف رحمه الله يقول أنه يكره وسيأتي الكلام عليه .
القسم الثالث : القنوت في النوازل
القسم الأول سبق .
القسم الثاني : القنوت في الفرائض في غير النوازل ، هل يشرع أو لا يشرع ؟
هذا موضع خلاف فالمشهور عند الإمام مالك رحمه الله والشافعي أنه يقنت في صلاة الصبح إلا أن الإمام مالك رحمه الله يرى أنه يسر بذلك .
وعند الحنفية : أن القنوت بدعة في صلاة الصبح .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك كما ذكر المؤلف رحمه الله : أنه يكره .
ولكل منهم أدلة ونذكر من أدلتهم : أما الذين قالوا بأنه يشرع القنوت في صلاة الصبح فاستدلوا بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب ، وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه .
وأيضاً استدلوا بما في الصحيحين من حديث محمد بن سيرين أنه قال : لأنس هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ؟
قال : نعم بعد الركوع يسيراً ، وهذا في الصحيحين .(2/304)
وكذلك استدلوا بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا
والذين قالوا بأنه لا يقنت كما هو مذهب الحنفية والحنابلة رحمهم الله استدلوا على ذلك بأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يقنت إلا للنازلة كما في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وحديث أنس وحديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث في النوازل ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قنت للنازلة في موضعين :
الموضع الأول : قنت يدعو على أحياء من العرب الذين قتلوا القراء على رعل وعصية وركوان دعى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم .
والموضع الثاني : يقنت للدعاء للمستضعفين بمكة .
هذا الذي قنت فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي ثبت في الصحيح .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا ما ورد من حديث البراء بن عازب وحديث أنس فهذه تقبل على النوازل .
وأيضاً يقال للذين قالوا بمشروعية القنوت في الصبح حديث البراء بن عازب النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح والمغرب ، هل يقولون بمشروعية القنوت في المغرب ؟
لا يقولون به ، فلماذا أخذوا ببعض الحديث وتركوا بعضه .
وأيضاً في حديث أبي مالك الأشجعي في السنن وإن كان فيه ضعف أنه سئل إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان هل كانوا يقنتون ؟
فقال : أي بني محدث .
وأما حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ، فهذا الجواب عنه من وجهين :
الأول : أنه ضعيف .
والثاني : أنه لو ثبت فالمراد بالقنوت هنا طول القراءة ، لأن القنوت كما سبق لنا له عدة معاني : منها طول القيام ، ومنها السكوت ، ومنها الخشوع ، ومنها طول القراءة ، ومنها الدعاء ... إلخ .
فالصواب في هذه المسألة : أن القنوت لا يشرع في الفرائض إلا فيما يتعلق في النوازل كما سيأتي .(2/305)
القسم الثالث : القنوت في النوازل وهذا فيه مباحث :
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الأولى : هل هو مشروع أو ليس مشروعاً ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه مشروع أيضاً هذا مذهب الشافعية .
وجمهور أهل العلم أنه مشروع في النوازل .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله : أنه لايشرع القنوت في النوازل ، والغريب أن المالكية قالوا بأنه يشرع في الفرائض في صلاة الصبح ومع ذلك قالوا أنه في النوازل لا يشرع .
والصحيح في ذلك : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من مشروعية القنوت في النوازل .
ودليلهم على ذلك ما سبق من حديث أنس وحديث البراء بن عازب وكذلك حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم وحديث ابن عباس وهذه الأحاديث في الصحاح وفيها قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في النازلة .
المسألة الثانية : ما هي النازلة التي يقنت لها ؟ هل هي كل نازلة أو أنها نازلة خاصة ؟
هذا موضع خلاف والصحيح في ذلك ، في ضابط النازلة نقول بأن النازلة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : النوازل التي تكون من قبل الخلق ، فهذه هي التي يقنت لها كما لو حصل لأحد من المسلمين ظلم أو اعتداء ونحو ذلك فإنه يقنت حتى يفرج الله عز وجل عنهم ، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمستضعفين في مكة .
.............................................................................................................(2/306)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني : النوازل التي تكون من قبل الله سبحانه وتعالى ، فهذه لا يقنت لها وإنما التي تكون من قبل الله نجد أنه ورد لها عبادات خاصة بها ، فمثلاً الاستسقاء لو حصل الجدب والقحط وغارت العيون فيشرع الاستسقاء ، إذا حصل الرياح يشرع الدعاء : اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أمرت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أمرت به ... إلخ الدعاء .
لو حصل كسوف يشرع صلاة الكسوف ، وعلى هذا فقس .
فالنوازل التي تكون من قبل الله سبحانه وتعالى هذه لا يشرع لها القنوت وإنما لها عبادات خاصة .
المسألة الثالثة : في أي الصلوات يقنت ؟
هذا موضع خلاف ، فعند الشافعية : أنه يقنت في جميع الصلوات الجهرية والسرية .
وعند الحنفية : أنه يقنت في الصلوات الجهرية .
وفيه قول عند الحنابلة : أنه يقنت في صلاة المغرب والفجر .
وفي قول آخر : أنه يقنت في صلاة الصبح فقط .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية وأنه يقنت في جميع الصلوات ، ففي حديث البراء بن عازب كما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الصبح والمغرب .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث ابن عباس في غير الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح .
وأيضاً في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الظهر والعشاء والصبح .
فالصواب في ذلك : أنه يقنت في جميع الصلوات وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .
المسألة الرابعة : من الذي يقنت ؟
هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله :(2/307)
فالرأي الأول : وبه قال أكثر أهل العلم أن كل مصلي يقنت ، واستدلوا على ذلك بأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
والرأي الثاني : أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم وهو أمير الجيش وهذا هو المشهور من مذهب الإمام احمد رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يقنت كل إمام ، وهذا قول بعض الحنابلة رحمهم الله .
والأقرب في هذه المسألة : أن كل مصلي يقنت لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث مالك بن حويرث :" صلوا كما رأيتموني أصلي "ولأن القنوت دعاء .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ لكن كما ذكر الحنابلة أن القنوت خاص بالإمام الأعظم وفي قول لهم أن الإمام الأعظم ونوابه .
إذا منع من ذلك : منع من القنوت الإمام الأعظم منع من القنوت أو نائبه منع منه فإن القنوت دعاء لا يستصعب الإنسان المسألة وإذا وقع بالمسلمين واقعة ، لأن القنوت دعاء بإمكان الإنسان يقنت في النافلة ويقنت في قيام الليل ويقنت في قنوت الوتر ويدعو وهو في السجود ... إلخ .
فليست المسألة صعبة أو كبيرة بعض الناس إن ما قنت الإمام يكون عنده حرج هو دعاء أنت ادعوا ، الإنسان بإمكانه أن يدعو في السجود يدعو هو بنفسه ويدعو في قنوت الوتر الأمر واسع .
المسألة الخامسة : إذا قنت في الصلاة الجهرية الأمر في ذلك ظاهر ، لكن إذا قنت في الصلاة السرية هل يجهر أو لا يجهر ؟
الصواب في هذه المسألة : أنه يجهر ويأمن من خلفه كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
المسألة السادسة : إلى متى يقنت ؟
يقنت إلى أن ترتفع النازلة ، فالأصل أن القنوت باقي إلى أن ترتفع النازلة .
المسألة السابعة : هل يقنت في صلاة الجمعة أو لا يقنت في صلاة الجمعة ؟(2/308)
والتراويح عشرون ركعة....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هذا موضع خلاف في صلاة الجمعة هل فيها قنوت أو ليس فيها قنوت ؟
المشهور من المذهب : أنه لا يقنت في صلاة الجمعة ، وعلتهم في ذلك قالوا أن في صلاة الجمعة يكتفى بالدعاء في الخطبة فلا حاجة إلى أن يقنت .
والرأي الثاني : أنه يقنت في صلاة الجمعة لعموم الأدلة .
والأمر في هذا واسع فلو أن الإمام دعا في خطبة الجمعة ورأى أن هذا كافي نقول الأمر في هذا واسع ، ولو أنه دعا في الخطبة ودعا في الصلاة نقول هذا أيضاً واسع .
" والتراويح عشرون ركعة " التراويح جمع ترويحة وهي في اللغة : اسم للجلسة مطلقاً .
وأما في الاصطلاح : فهي قيام رمضان جماعة في المساجد .
وقال المؤلف رحمه الله : التراويح ذكره في باب التطوع مما يدل على أنه سنة وهذا باتفاق الأئمة ومذهب أهل السنة والجماعة ، ولهذا أهل السنة والجماعة يذكرون شرعية التراويح في كتب العقائد لأن أهل البدع من الرافضة لا يرون شرعية التراويح ويقولون بأنه بدعة عمر ، وهذا لاشك أنه من ضلالهم وجهلهم وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى سنها صلى بقيام رمضان صلى بصلاته الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما في حديث عائشة وحديث أبي الدرداء وأبي هريرة وغير ذلك من الأحاديث ، وإنما تركها النبي صلى الله عليه وسلم خشية أن تفرض على الناس فيشق ذلك عليهم .
عشرون ركعة برمضان .........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فلما زال المحذور من فرضيتها أحياها عمر رضي الله تعالى عنه وإنما لم تكن في عهد أبي بكر لأن خلافة أبي بكر كانت قصيرة وأيضاً أبي بكر رضي الله تعالى عنه اشتغل بقتال المرتدين .(2/309)
وسمي قيام رمضان بالتراويح لأنهم كانوا يستريحون بين كل أربع ركعات من طول القيام ، فرحمهم الله كانوا يطيلون القيام ويستريحون بين كل أربع ركعات ، فسميت بالتراويح وهذه الاستراحة من أين أخذوها ؟
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربع ـ وثم هذه تدل على التراخي ـ ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن " فقولها ثم هذا يدل على التراخي .
" عشرون ركعة برمضان " يقول المؤلف رحمه الله عشرون ركعة وهذا ما عليه أكثر أهل العلم ، من مذهب الحنفية والحنابلة والشافعية أنها عشرون ركعة .
والرأي الثاني : رأي ابن مالك أنها ست وثلاثون ركعة .
والرأي الثالث : أنها إحدى عشرة ركعة .
والرأي الرابع : أنها ثلاثة عشرة ركعة .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا أن الأمر في هذا يختلف بحسب اختلاف طول القيام وقصره ، فإذا أطال القراءة قصر الركعات وإذا قصر القراءة أكثر الركعات .
برمضان..............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهذا يختلف وهذا القول هو الصواب الذي جاءت به الأدلة لأن كما سبق لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة .
وحديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاثة عشر .
والعشرون هذه واردة عن عمر أنه أمر أبي بن كعب أن يؤم بالناس بها و أيضاً كان الناس يقومونه في عهد عمر بعشرين .
فالأمر في هذا واسع .
وأيضاً يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى "
فلا تحجير وأما التشديد والتبديع في هذه المسألة هذا غير صحيح .(2/310)
وأيضاً كما ذكرنا السلف كانوا يطيلون كما ذكر الإمام مالك رحمه الله في الموطأ ما كانوا ينصرفون إلا بطلوع الفجر كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام .
" برمضان " فالتراويح هذه تكون مشروعة في رمضان لكن لو صلى أناس قيام الليل جماعة في بعض الأحيان فلا بأس لكن لايؤخذ ذلك سنة راتبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ، أو صلوا جماعة في النهار تطوعاً نقول لا بأس .
وجماعة أول ليل أفضل...........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الليل دليله حديث ابن عباس وحديث جابر وابن مسعود كلهم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة .
في النهار دليله حديث أنس وأيضاً حديث عتبة بن مالك رضي الله تعالى عنه صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ .
فنقول بأن هذا جائز لكنه لا يكون راتباً .
" وجماعة أول ليل أفضل " ماهو وقتها :
لها وقت أداء ووقت استحباب .
وقت الأداء : يبدأ من بعد صلاة العشاء والأفضل من بعد صلاة العشاء السنة الراتبة ثم بعد ذلك يستمر وقتها إلى طلوع الفجر ، هذا وقت الأداء .
ووقت الاستحباب : ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو أن المستحب أن يصلي في أول الليل
وذهب المالكية : إلى أن الأفضل أن يصلي آخر الليل .
وهل الأفضل أن يصلي أوله أو أن يصلي آخره ؟
نقول المشهور من المذهب كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الأفضل أن يصلي أول الليل
واستدلوا على ذلك بأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوم بالناس فخرج وقال نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل ، فقوله : والتي ينامون عنها أفضل هذا يدل على أنهم يصلون في أول الليل .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/311)
والذين قالوا أن الأفضل أن يصلي آخر الليل استدلوا بأدلة كثيرة في فضل آخر الليل ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين :" ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر ... إلخ "
وأيضاً ما تقدم لنا من حديث جابر في صحيح مسلم :" من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة "
وكذلك أيضاً قالوا بأن ما روى الإمام مالك في الموطأ أن السلف كانوا لا ينصرفون إلا بطلوع الفجر وكانوا يستعجلون الخدم خشية أن يفوتهم الفلاح السحور ، وهذا يدل على أنهم إما أنهم يطيلون القراءة والقيام أو أنهم يؤخرون .
والأقرب في هذا : أن يقال إن الأفضل هو آخر الليل إلا إذا كان هناك حاجة ومصلحة فلا شك أن الأفضل هو أول الليل .
وفي هذا تجتمع الأدلة ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة وأبي الدرداء وأبا ذر أن يوتروا قبل أن يناموا .
كون الإنسان يصلي التراويح في آخر الليل هذا قد يكون فيه مشقة على الناس لأن صلاة التراويح السنة أن تفعل جماعة في المساجد وكونهم يصلون في آخر الليل فلا شك أن هذا أفضل لكن ربما يقع في ذلك مشقة ، ولهذا تقدم لنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخر ، قال عمر : يا رسول الله نام
ومن له تهجد يوتر بعده....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء والصبيان فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي "
فنقول : الأفضل آخر الليل هذا من حيث الأصل ، لكن إذا اقتضت الحاجة والمصلحة أن تفعل في أول الليل فهذا يكون أفضل .(2/312)
ويندرج على هذا المرأة لو لم تصلي مع الناس أو المنفرد في سفر أو المنفرد عن الناس في البرية كالراعي مثلاً أو الحارس الذي ينفرد عن الناس ولا يصلي معهم نقول هنا الأفضل له أن يصلي آخر الليل مادام أنه لا يرتبط بالجماعة الأفضل أن يصلي آخر الليل .
" ومن له تهجد يوتر بعده " يعني بعد تهجده ، والتهجد : هو الصلاة بعد النوم ، يقول يوتر بعد تهجده : يعني الإنسان إذا كان له تهجد يوتر بعد تهجده .
يعني يقول المؤلف : الأفضل أن تصلى التراويح في أول الليل والذي يقوم آخر الليل لا يوتر مع الإمام وإنما يوتر في آخر الليل ، إذا استيقظ آخر الليل فإنه يوتر .
والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً "
وإذا كان كذلك فنقول : بالنسبة للمتهجد فإنه لا يوتر أول الليل وإنما يوتر آخره .
الرأي الثاني في المسألة : أنه يتابع الإمام ، أولاً : للأمر بمتابعة الإمام .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانياً : قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي ذر :" إنه من يقوم مع الإمام حتى ينصرف كتب كأنما قام الليل كله "
وهذا هو الأقرب .
الأقرب في هذا : أن الإنسان يقوم مع الإمام حتى ينصرف هذا هو الأقرب .
ولا نقول انفرد عن الإمام واجعل وترك آخر الليل .
فعلى كلام المؤلف رحمه الله أنه ما يوتر مع الإمام إذا جاء الوتر ينفصل عن الإمام ويجعل وتره آخر الليل .
لو أنه أوتر مع الإمام إذا تبع الإمام ماذا يفعل ؟
يشفعه بركعة ، يقولون إذا أوتر فإنه يضم إليه ركعة لكي يكون وتره آخر الليل .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا حاجة إلى أن يشفعه بركعة وإنما يوتر وإذا قام من آخر الليل يصلي مثنى مثنى .(2/313)
وقوله :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً " نقول هو جعل الآن آخر صلاته بالليل وتراً وما حصل من هذه الركعات هذه جاءت تبعاً .
والقاعدة { أنه يثبت تبعاً ما يثبت استقلالاً }
ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحين كان إذا أوتر صلى ركعتين بعد الوتر وهو جالس .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهنا النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين هاتان الركعتان بعد الوتر اختلف أهل العلم رحمهم الله في تخريجهما كيف يخرجان هاتان الركعتان :
فقال بعض العلماء يقدم القول على الفعل ، والقول ما هو ؟
اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ، فنقول تعارض هذا القول مع الفعل ، نقدم القول على الفعل .
والرأي الثاني : أن هاتين الركعتين خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا القول بالتخصيص يحتاج إلى دليل .
والقول الثالث : ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله أن هاتين الركعتين بمنزلة السنة للوتر كما أن الفرائض لها سنن رواتب ، أيضاً الوتر له سنة راتبة ، والسنة الراتبة هي هاتان الركعتان .
وعلى هذا تحمل هاتان الركعتان على أنهما سنة الوتر .
ويظهر أيضاً من السنة أن الإنسان لايداوم عليهم يعني يفعلهما في بعض الأحيان .
المهم الشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الوتر .
فنقول لا بأس أن الإنسان يوتر مع الإمام لأنه مأمور بهذا وإذا قام فإنه يصلي مثنى مثنى ، ولا حاجة إلى أن يشفع الوتر ، ولا حاجة إلى أن ينفصل ، ولا حاجة أيضاً إلى الأمر الثالث وهو أن ينقض الوتر .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعندنا الأحوال ثلاثة للمتهجد :(2/314)
الحالة الأولى : أن يوتر مع الإمام ويكتفي بهذا الوتر ويصلي إن تهجد مثنى مثنى وهذه أفضل الأحوال .
الحالة الثانية : أن ينفرد عن الإمام وأن ينفصل عنه ولا يوتر معه ويجعل وتره آخر الليل ، وهذه الحالة فيها نظر لأنه مأمور بمتابعة الإمام وكيف ينصرف والإمام حتى الآن ما انصرف .
والحالة الثالثة : أن يشفع وتره مع الإمام ، وهذا أيضاً قلنا فيها نظر .
والحالة الرابعة : أن ينقض الوتر ، يعني يوتر مع الإمام ثم بعد ذلك إذا قام من الليل يأتي بركعة لكي ينقض الوتر السابق ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر ، وهذا ذهب إليه بعض السلف كابن سيرين رحمه الله استدلوا على ذلك بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً ".
وجمهور أهل العلم على أنه لا ينقض وتره ، جمهور العلماء منهم الأئمة الأربعة على أنه لا ينقض وتره ، لحديث طلق بن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا وتران في ليل "
وهذا كم أوتر ؟
أوتر أكثر من وترين .
وإلا أوتر مع إمام والسنن الرواتب......................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالصواب في ذلك : أنه لا ينقض وتره فأصبحت الأحوال أربعة وأحسن الأحوال الأول أنه يوتر مع الإمام ويصلي مثنى مثنى .
" وإلا أوتر مع إمام " تقدم .
" والسنن الرواتب " لما تكلم المؤلف رحمه الله عن صلاة التراويح شرع الآن في السنن الرواتب،والسنن الرواتب تختلف عن النوافل المطلقة بعدة أمور:
الأمر الأول : أنه يشرع المداومة عليها بخلاف النوافل المطلقة ولذلك ذكر شيخ الإسلام رحمه الله بأن مالم يكن من السنن الرواتب بأنه لا يشرع المداومة عليه إلا ما سيأتينا إن شاء الله من سنة الضحى ... إلخ ، بعض الصلوات التي استثنيت .
فنقول : تختلف عن مجرد النوافل المطلقة أولاً : أنه يشرع المداومة عليها .
ثانياً : أنه يشرع قضاؤها إذا فاتت لعذر .(2/315)
ثالثاً : أنها آكد من مجرد النوافل المطلقة ، ولهذا تميزت هذه السنن ببعض الآداب والسنن كما سيأتي بيانه إن شاء الله .
ورابعاً : أنه يشرع قضاؤها في أوقات النهي مما يدل على تأكدها ، هذا عند الشافعية واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله كما سيأتي بيانه .
وخامساً : كما لها آداب وسنن كما ذكرنا أيضاً لها أحكام خاصة بها من حيث وقت السنة الراتبة ومن حيث عددها .. إلخ هذا كما سيأتي إن شاء الله .
ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح..................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح " هذه عشر ركعات ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح ، ويدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال :" حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح .
وهذا التعداد يتفق عليه الأئمة ، ويؤخذ من الحديث أن العصر ليس لها سنة راتبة وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله ومالك : أنه ليس لها سنة راتبة ، خلافاً للشافعي : فإنه يجعل للعصر سنة راتبة قبلها أربع ركعات لأن ما بعد العصر وقت نهي .
وأيضاً أبو حنيفة يقول : قبل العصر أربع ركعات إلا إن صلى قبل الظهر أربعاً يصلي قبل العصر ركعتين .
فعندنا عدد الركعات العشر هذه يتفق عليها الأئمة إلا بالنسبة للعصر .
فالشافعية يرون : أربع قبل العصر .
وكذلك أيضاً الحنفية : أربع قبل العصر إلا إن صلى قبل الظهر أربعاً يصلي ركعتين .
.............................................................................................................(2/316)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصحيح في ذلك : أن العصر ليس لها سنة والحديث ظاهر في هذا ، ويؤيد ذلك ما سيأتينا إن شاء الله من حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم .
فالصحيح : أن العصر ليس لها سنة مستقلة لكن نفل مطلق .
وهذه العشر ركعات ذهب بعض أهل العلم إلى أن عدد السنن الرواتب ثنتا عشر ركعة واستدلوا على ذلك بحديث عائشة في صحيح مسلم أنها قالت : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع في بيته قبل الظهر أربع ركعات .
فاختلف أهل العلم رحمهم الله في الجمع بين حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفيه ركعتان وحديث عائشة في مسلم وفيه أربع ركعات .
يعني شراح الأحاديث اختلفوا في الجمع بين هذين الحديثين فقيل بأن هذا محمول على التنويع بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد يصلي أربعاً قبل الظهر وتارة يصلي ركعتين
والرأي الثاني : أن الأربع هذه سنة مستقلة بعد زوال الشمس وأن أبواب السماء تفتح بعد الزوال وهذه سنة مستقلة ، والركعتان اللتان في حديث ابن عمر هذه السنة الراتبة ، وهذا يميل إليه ابن القيم رحمه الله .
والرأي الثالث : أنه يؤخذ بالزائد وعل هذا يصلي قبل الظهر أربع ركعات .
والرأي الرابع : التفصيل : إن صلى في بيته صلى أربعاً وإن صلى في المسجد صلى ركعتين
وهما آكدها...........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأقرب في هذه المسألة : أن الإنسان يأخذ بالزائد ويؤيد ذلك حديث أم حبيبة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من صلى لله في يوم وليلة ثنتا عشر ركعة تطوعاً غير الفريضة إلا بني له بهن بيت في الجنة " .
وبين الترمذي هذه السنن أربعاً قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح .
وهذا القول هو الأقرب .(2/317)
" وهما آكدها " يعني ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب ، ويدل على تأكدهما ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر .
وأيضاً مما يدل على تأكدهما قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح :" ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها "
وفي غير الصحيح :" لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل "
وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليهما في السفر وفي الحضر .
هاتان الركعتان لهما سنن :
السنة الأولى : أن يخففهما ، ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : لا أدري أكان يقرأ فيهما بأم الكتاب أم لا .
ولهذا ذهب الإمام مالك إلى أنه يقتصر في ركعتي الفجر على الفاتحة فقط .
خلافاً لأبي حنيفة فإن أبا حنيفة يرى استحباب إطالة القراءة .
والصواب في ذلك : إتباع السنة لا نقول يقتصر ولا نقول يطيل القراءة وإنما يتبع الوارد .
السنة الثانية : أن يقرأ في الركعة الأولى بـ" قل يا أيها الكافرون ،
وفي الركعة الثانية بـ" قل هو الله أحد "
وفي بعض الأحيان يقرأ الآية من سورة البقرة " قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا " في الركعة الأولى ، وفي الركعة الثانية الآية من سورة آلعمران " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم " .
السنة الثالثة : أنه يتأكد فعلها في البيت .
السنة الرابعة : الاضطجاع بعدهما ، والاضطجاع بعد ركعتي الفجر هذا اختلف فيه أهل العلم كثيراً في مشروعيته وعدم مشروعيته .. إلخ .(2/318)
فالرأي الأول : وعليه أكثر أهل العلم مشروعية الاضطجاع بعد ركعتي الفجر ، وهذا دليله حديث عائشة في الصحيحين لما ذكرت ما يتعلق بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل إن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً هو وارد عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم أبو هريرة وأبو موسى وورد أيضاً رافع بن خديج وأنس كلهم يرون مشروعية الاضطجاع .
الرأي الثاني : أن الاضطجاع بعد ركعتي الصبح واجب فرض وأن الإنسان إذا لم يضطجع لم تصح صلاة الصبح وهذا ذهب إليه ابن حزم رحمه الله ، واستدل على ذلك بما في مسند الإمام أحمد وأبي داود وغيرهما من الأمر بالاضطجاع " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع " هذا أمر .
لكن الأمر الصحيح أنه غير ثابت لكن الذي ثبت الاضطجاع من فعل النبي صلى الله عليه ويلم وأما الأمر بالاضطجاع هذا نقول بأنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
يقابل هذا القول
الرأي الثالث : أن الاضطجاع بدعة ، وهذا ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله .ويأتينا النخعي والأسود ابن يزيد وقالوا بأنه وارد عن ابن عمر وابن مسعود أنه بدعة .
وأحسن الأقوال في ذلك : أن يقال بأن الإنسان إذا أطال في القيام في الليل أطال القيام وأطال القراءة نقول : يشرع له أن يضطجع وأما إذا لم يطل فنقول : يترك الاضطجاع هذا الأحسن .
ولهذا ورد هذا الجمع في صحيح ابن حبان عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعم ليله ، يعني يطيل في القيام وفي القراءة ثم بعد ذلك يضطجع عليه الصلاة والسلام .
ومن فاته شيء منها قضاه ندباً.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/319)
ذكرنا أن آكد السنن الرواتب ركعتي الفجر ثم بعد ذلك سنة المغرب ، نقول سنة المغرب هذه تلي ركعتي الفجر بالآكدية ثم بعد ذلك بقية السنن سواء ، مراتب ثلاثة :
المرتبة الأولى : سنة الفجر .
المرتبة الثانية : سنة المغرب .
المرتبة الثالثة : بقية السنن على وجه السواء يعني سنة العشاء وسنة الظهر القبلية والبعدية هذه على وجه السواء .
أيضاً بالنسبة لصلاة المغرب يتأكد كما تقدم أن سنة الفجر يتأكد فيها قراءة البيت كذلك أيضاً سنة المغرب يتأكد فيها قراءة البيت وأيضاً الفقهاء رحمهم الله ينصون على أنه يستحب أن يقرا فيها بـ" قل يا أيها الكافرون " وبـ" قل هو الله أحد " لكن هذا يحتاج إلى دليل ثابت .
" ومن فاته شيء منها قضاه ندباً " من فاته يعني خرج وقت السنة قبل أن يفعله وهذا يقول المؤلف رحمه الله : يستحب أن يقضيه ، ونأخذ من هذا أن السنن الرواتب له أوقات ، وما هو وقت السنة ؟
فيه قولان :
القول الأول:وعليه أكثر أهل العلم أن السنة القبلية وقتها من دخول الوقت إلى إقامة الصلاة.
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والبعدية : من بعد الصلاة إلى خروج الوقت .
الحنفية يستثنون ركعتي الفجر فيقولون : بأن وقتها يستمر حتى ولو أقيمت الصلاة ما دام أنه سيدرك التشهد الأخير مع الإمام ، وهذا فيه نظر .
ودليلهم :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الفجر " دليل شاذ لا يثبت في البيهقي : إلا ركعتي الفجر هذا شاذ ، ولهذا تجد بعض الحنفية يأتي والإمام يصلي ثم يشرع في ركعتي الفجر لأنهم يرون أن ركعتي الفجر يستمر وقتها حتى ولو أقيمت الصلاة ما دام أنه سيدرك التشهد الأخير مع الإمام .
وهذا كما ذكرنا فيه نظر .(2/320)
والرأي الثاني : رأي الشافعية يقولون بأن السنن القبلية والبعدية وقتها يدخل من دخول وقت الفريضة إلى خروجها .
وعلى هذا لو فعل القبلية بعد الصلاة يقولون يصح ، وهذا فيه نظر ، وإلا ما الفائدة أن السنن تقسم ويأتي تقسيمها في السنة قبلية وبعدية .
قال : ومن فاته شيء منها قضاه ندباً ، يعني يستحب أن يقضيها والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر حين نام عنهما ، وكذلك أيضاً قضى الركعتين التين قبل الظهر قضاهما بعد العصر كما في الصحيحين .
فنقول : يستحب أن يقضيهما إذا حصل له عذر .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل تقضى في أوقات النهي أو لا تقضى في أوقات النهي ؟
أكثر أهل العلم على أنها لا تقضى في أوقات النهي ، هذا ما عليه أكثر أهل العلم .
والرأي الثاني : رأي الشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها تقضى في أوقات النهي .
والذين قالوا بأنها لا تقضى في أوقات النهي استدلوا بعموم أدلة النهي مثل حديث أبي سعيد :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس " فيستدلون بمثل هذه الأحاديث .
والذين قالوا بأنها تقضى في أوقات النهي استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر القبلية بعد العصر .
والأقرب في هذا : أنها لا تقضى لأنها لا تفوت السنن الرواتب بإمكانه أن يفعلهما بعد خروج وقت النهي بخلاف ذوات الأسباب فإنها تفوت .
ويبقى الجواب عن فعل النبي عليه الصلاة والسلام في قضائه لركعتي الظهر بعد العصر .
فقيل أن هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام .
لحديث أم سلمة في مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنه .(2/321)
وصلاة الليل أفضل................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن هذا الحديث ضعيف لا يثبت ، والخصوصية تحتاج إلى دليل والأصل التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام وعلى هذا يقال بأن ركعتي الظهر ورد بها النص يقتصر عليه ولا بأس أن يقضيهما بعد العصر ، ولو تركهما حتى تغرب الشمس هذا أحسن .
أيضاً بالنسبة لركعتي الفجر فعلهما بعد صلاة الفجر هذا فيه خلاف هل يفعلها أو لا يفعلها ؟
والذين قالوا لا يفعلها استدلوا بأدلة النهي .
والذين قالوا بفعلهما استدلوا بحديث قيس وأنه قضاهما بعد صلاة الفجر لكن هذا الحديث فيه ضعف .
وأيضاً قالوا بالقياس ، قياس ركعتي الفجر على ركعتي الظهر ، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الظهر بعد العصر فكذلك أيضاً ركعتي الفجر تقضيان بعد صلاة الفجر .
ويظهر والله أعلم الأمر واسع في هذا ، لكن لو أن الإنسان ترك قضاؤهما حتى تطلع الشمس هذا أحسن كما هو فعل ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
" وصلاة الليل أفضل " صلاة الليل أفضل من صلاة النهار ، هل هذا على إطلاقه أو أنه ليس على إطلاقه ؟
ليس على إطلاقه فصلاة الليل نقول تنقسم إلى قسمين :
وأفضله الثلث بعد النصف....................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم الأول : صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المطلقة .
والقسم الثاني : صلاة النهار المعينة أفضل من صلاة الليل المطلقة .
فقوله : صلاة الليل أفضل من صلاة النهار هذا يحمل على النفل المطلق أما المعين فحسب التفضيل الوارد فيه ، فلا نقول بأن صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المعينة بل المراد بهذا صلاة الليل المطلقة أفضل من صلاة النهار المطلقة .(2/322)
ودليل ذلك حديث أبي هريرة في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل "
" وأفضله الثلث بعد النصف " صلاة الليل لها وقتان :
وقت الأداء ووقت الاستحباب .
أما وقت الأداء من بعد غروب الشمس ما بعد غروب الشمس كله من صلاة الليل حتى صلاة المغرب هذه من صلاة الليل وصلاة العشاء هذه من صلاة الليل والتنفل بين العشائين هذا من صلاة الليل .
لكن ما هو الأفضل ؟
قال المؤلف رحمه الله : الأفضل الثلث بعد النصف ، وعلى هذا يقسم الليل ستة أقسام ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر يقسمه ستة أقسام .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثلاثة أقسام هذه النصف ثم بعد ذلك يكون السدس الرابع والسدس الخامس هذا الثلث بعد النصف ، يعني تقسم الليل ستة أقسام الثلاثة أجزاء الأول هذا نصف الليل ويبقى الرابع والخامس هذا الثلث بعد النصف ويبقى الجزء السادس هذا ينام فيه الإنسان .
ويدل لهذا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما لما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يصلي صلاة داود قال :" كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه "
وعلى هذا نقول الثلث بعد النصف يكون الرابع والخامس ، والسادس هذا ينام فيه .
ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما قلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر عندي إلا نائماً .
وهل يدرك نزول الرب إذا قام الرابع والخامس أو نقول لا يدركه ؟
يدركه في الجزء الخامس لأن النزول يكون في الخامس والسادس فيكون أدركه في الخامس
هذا هو الأفضل إذا قدر الإنسان عليه كما ذكر المؤلف قال : وأفضله الثلث بعد النصف
وينام السدس إقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأيضاً لكي يتقوى على ما يأتي من عبادة بعد ذلك كصلاة الفجر .(2/323)
على كل حال إذا تيسر له ذلك وإذا لم يتيسر له ذلك فإنه إذا قام من آخر الليل هذا أفضل .
يعني هذه المرتبة الأولى .
وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" المرتبة الثانية : يكون من آخر الليل لأن صلاة آخر الليل مشهودة محظورة وأيضاً ما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
فنقول إن تيسر له ذلك هذا أحسن وإذا لم يتيسر يقوم من آخر الليل .
وإذا لم يتيسر ينتقل إلى المرتبة الأولى وهي : من أي أجزاء الليل .
" وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى " يقول المؤلف رحمه الله صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ومعنى مثنى مثنى يعني أنه يسلم من كل ركعتين ودليل ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الليل مثنى مثنى " هذا في الصحيحين والنهار هذه وإن صححها كثير من أهل العلم رحمهم الله لكن الصحيح أنها ليست ثابته .
لكن يستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطوع بركعتين في النهار وركعتي الضحى .. إلخ هذا الذي يستدل به .
فإن زاد في غير الوتر لأن الوتر كما تقدم لنا له أن يلي ثلاثاً سرداً وخمساً وسبعاً وتسعاً ... إلخ .
لكن إذا زاد في غير الوتر على ركعتين ، نقول الأصل في صلاة الليل أنها مثنى مثنى لكن إذا زاد على ركعتين في غير الوتر فهذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول :أن ينوي ركعتين ثم يزيد ثلاثاً يعني يقوم إلى الثالثة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/324)
القسم الأول : أن ينوي ركعتين ثم يقوم إلى الثالثة وهذا يجب عليه أن يرجع ، والعلماء رحمهم الله يقولون إذا نوى ركعتين في الليل ثم قام إلى الثالثة فكأنما قام إلى الثالثة في صلاة الفجر وعلى هذا نقول يجب عليه أن يرجع ، والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى "
وبهذا نعرف الخطأ الذي يسلكه كثير من الأئمة في رمضان يحصل له سهو ثم بعد ذلك هو نوى أن يصلي ركعتين عند مفتاح الصلاة ثم يحصل له سهو فيقوم إلى الثالثة ويواصل وبعضهم يجعلها وتراً وهذا خطأ آخر وبعضهم يواصل إلى أربع ركعات وهذا خطأ أيضاً
والدليل على هذا ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم :" صلاة الليل مثنى مثنى "
وأنه إذا نوى ركعتين في أول الصلاة ثم قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في الفجر فيجب عليه أن يرجع .
القسم الثاني : أن ينوي أكثر من ركعتين كأن ينوي عند افتتاح الصلاة أن يصلي أربعاً سرداً بالليل أو ستاً سرداً وهكذا فهذا قال العلماء بأنه جائز مع الكراهة .
فأصبح عندنا في الليل إذا نوى ركعتين فإنه يجب عليه أن يقتصر عليهما ولا يزيد وإذا نوى أزيد من ذلك فإن هذا مكروه .
يعني لو نوى أن يصلي أربعاً سرداً يسرد أربعاً أو ستاً .. إلخ فيقولون هذا حكمه جائز مع الكراهة ، هذا بالنسبة لقيام الليل .
وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس.........................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالنسبة لصلاة النهار قال المؤلف رحمه الله :
" وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس "
أيضاً النهار نقول ينقسم :
أولاً القسم الأول : أن ينوي أربع ركعات سرداً فهذا جائز ولا بأس به .
لكن لو قام إلى خامسة لما نوى أربع فإنه كما لو قام إلى خامسة في الظهر يجب عليه أن يرجع .
القسم الثاني : أن ينوي ست ركعات أو ثمان ركعات سرداً في النهار فيقولون بأن هذا جائز مع الكراهة .(2/325)
يعني الأقسام التي تذكر في النهار كالأقسام التي تذكر في الليل .
لكن في الليل إذا نوى ركعتين ثم قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وفي النهار إذا نوى أربع ثم قام إلى خامسة فكأنما قام إلى خامسة في صلاة الظهر .
وإذا نوى أن يصلي ستاً أو ثمان ركعات فإن هذا حكمه جائز مع الكراهة .
بقينا في قسم أخير في صلاة النهار : إذا نوى ركعتين في صلاة النهار فله أن يزيد إلى أربع بخلاف الليل .
وقوله : وإن تطوع نهاراً بأربع فلا بأس ، لا بأس الإنسان أن يتطوع في النهار بأربع وظاهر كلام المؤلف لو تطوع بأربع ولو كان ذلك بتشهدين فإن هذا جائز ولا بأس به .
وأجر قاعد على نصف أجر قائم...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو تطوع في النهار بأربع ركعات كصلاة الظهر تماماً فإن هذا جائز ولا بأس به والأولى أنه لا يفعل ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا توتروا بثلاث فتشبه بصلاة المغرب "
وإذا أراد أن يسرد أربع ركعات في النهار نقول هذا جائز ولا بأس به لكن بتشهد واحد
وقد دل على السرد حديث أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم ، وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما وهو ضعيف ، لكن أيضاً ورد من حديث عائشة ورد من حديث علي فهذه تؤيد الجواز .
" وأجر قاعد على نصف أجر قائم " يعني إذا صلى قاعداً فإن هذا لا بأس به والنبي عليه الصلاة والسلام كما في سنته صلى في الليل قائماً وصلى قاعداً ، ويدل لذلك حديث عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أجر صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم وأجر صلاة المضطجع على النصف من أجر صلاة القاعد "(2/326)
فالنفل يرخص فيه ويسقط فيه القيام لا بأس الإنسان أن يصلي قائماً أو يصلي قاعداً ، وإن كان بعض أهل العلم قال لايصلي قاعداً إلا مع العذر .
لكن الصواب في هذا : أنه جائز كما تقدم النبي عليه الصلاة والسلام صلى قاعداً وركع من قعود في قيام الليل ، وصلى قائماً ، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله .
..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول المؤلف رحمه الله : وأجر قاعد على نصف أجر قائم ، هذا في غير المعذور .
أما المعذور فإن له أجر صلاة القائم فإذا كان الإنسان يصلي في الليل ثم حصل له عذر أو في الفرائض حصل له مرض ولم يستطع أن يصلي قائماً فنقول يصلي قاعداً وله أجر صلاة القائم فإذا كان الإنسان مراتباً على شيء ثم حصل له عذر ولم يستطع أن يأتي به كاملاً فإنه يكتب له الأجر كاملاً .
وإذا صلى قاعداً العلماء قالوا بأن صلاة قاعد لها قسمين :
القسم الأول : الاستحباب .
والقسم الثاني : الجواز .
أما القسم الأول الاستحباب فقالوا : أن يتربع في أثناء القيام لحديث عائشة في النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى متربعاً .
ويفترش في مواضع الإفتراش ويتورك في مواضع التورك .
والقسم الثاني : الجواز وكيفما جلس .
وإذا جلس في الصلاة فإن البدل يكون له حكم المبدل يعني يرفع يديه في مواضع الرفع ويضع يديه في مواضع الوضع .. إلخ .قيام الليل كما سلف بينا وقته ووقت الاستحباب فيه أيضاً فضله عظيم وأجره كبير والأحاديث في ذلك كثيرة جداً وألف فيه
..........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/327)
مؤلفات مستقلة من ذلك كتاب قيام الليل للمروزي محمد بن نصرة المروزي رحمه الله وقد حشد فيه كثيراً من الأدلة من القرآن والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين في قيام الليل وقيام الليل له آداب كثيرة سبق أن ذكرنا هذه الآداب وبيناها ومن الآداب :
الأدب الأول : أن ينوي قيام الليل عند النوم .
الأدب الثاني : أن يهيأ ما يحتاج إليه عند القيام من الليل ولهذا ذكرت عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كنا نعد له سواكه وطهوره . يعني الماء الذي يتطهر به والسواك .
فيبعثه الله عز وجل ما شاء من الليل ، فيتهيأ الإنسان يهيأ الأشياء التي يحتاجها مثلاً يهيأ السواك والماء الذي يحتاجه والمصحف والأشياء التي يحتاجها ... إلخ .
الأدب الثالث : أن يأخذ بالأسباب التي تدعو إلى إيقاظه من النوم ، مثلاً التبكير في النوم والتخفيف من الطعام في الليل وأن يوكل أحد أن يوقظه .. إلخ .
الأدب الرابع : إذا قام من النوم يمسح النوم عن وجهه بيده ويرفع بصره إلى السماء ويقرأ الآيات من آخر سورة آلعمران .
وأيضاً يقول الأذكار الواردة عند الإستيقاظ من النوم .
الأدب الخامس : أن يشوص فاه بالسواك كما في حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه .
الأدب السادس : أن يغسل يديه ثلاث مرات .
وتسن صلاة الضحى غباً.........................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأدب السابع : أن يستنشق الماء بمنخريه ثلاث مرات .
الأدب الثامن : أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين .(2/328)
الأدب التاسع : أن يعنى بصيغ الاستفتاح ، فيأتي مثلاً بحديث علي من استفتاح النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو حديث عائشة .. إلخ الأدب العاشر : أن يعنى بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة من حيث التطويل ومن حيث القراءة ترسلاً ومن حيث السؤال عند آية وعد والاستعاذة عند آية وعيد والاستغفار عند آية استغفار ... إلخ .
يعنى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر ابن القيم رحمه الله هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد .
الأدب الحادي عشر : أيضاً أن يعنى بكيفيات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وهذه أيضاً ذكرها ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد .
الأدب الثاني عشر : أن يختم صلاته بالوتر ، وتقدم أن ذكرنا حكم الوتر .
" وتسن صلاة الضحى غباً " يعني يقول المؤلف رحمه الله صلاة الضحى يستحب أن يصليها غباً ومعنى غباً : أن يصليها في بعض الأحيان وأن يتركها في بعض الأحيان وأن لا يداوم عليها وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ، واستدلوا على ذلك
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لايصليها .
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وضعفه الترمذي .
الرأي الثاني : أنه لا يفعلها إلا لسبب من الأسباب وهذا لذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى ، كما لو قدم من سفر يصلي الضحى ، وكما لو نام عن قيام الليل فإنه يصلي الضحى ، وكما في قصةعتبان بن مالك رضي الله تعالى عنه إلخ .
المهم إذا كان هناك سبب يفعلها وإن لم يكن هناك سبب لا يفعلها .(2/329)
الرأي الثالث : اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصلي الضحى إذا لم يقم الليل أما إن قام الليل فإنه لا يصلي الضحى .
الرأي الرابع : أن صلاة الضحى غير مشروعة بل بدعة ، وهذا ذهب إليه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما .
ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح في الضحى وإني لأسبحها& .
وابن عمر قيل له تصلي الضحى ؟ قال : لا .
قيل عمر قال : لا ، قيل أبو بكر قال : لا أيخاله& يعني لا أظنه .
وكذلك مم قال بعدم المشروعية ابن مسعود رضي الله تعالى عنه .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الأخير : وهو ما عليه أكثر أهل العلم أن صلاة الضحى سنة ومشروعة كل يوم .
ويدل لهذا حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يصبح على كل سلامى صدقة " يعني كل مفصل من مفاصلك ، والإنسان كم فيه من مفصل ؟
فيه ستون وثلاث مائة مفصل ، فهذه المفاصل يصبح على كل منها صدقة .
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الصدقات فقال :" كل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى " فقال : يجزئ من ذلك .
وقال : يصبح ، وهذا يدل على فضل صلاة الضحى وأنها تعدل هذه الصدقات الكثيرة ، لأنه من سيتصدق يومياً بستين وثلاث مائة صدقة هذا يشق على الإنسان ، فإذا صلى هاتين الركعتين هذا يجزئ عن ستين وثلاث مائة صدقة ، ولهذا قال أبو ذر رحمه الله هذا الحديث أبلغ حديث في فضل صلاة الضحى .(2/330)
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : صلاة الضحى في كتاب الله ثم قرأ قوله تعالى :" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال " قال بالغدو والأصال ، والغدو : صلاة الضحى .
وأقلها ركعتان.................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً يؤيد ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الضحى أربع ركعات فيزيد ما شاء الله .
فنقول الصواب في ذلك : هذا الرأي وأنها مشروعة مطلقاً ، وأما ما ورد عن ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يصليها هذا يجاب عنه بجوابين :
الجواب الأول : أن هذا محمول على علمهم أنهم لم يعلموا .
الجواب الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك الشيء ولا يدل لعدم مشروعيته .
أفضل الصيام صيام داود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم صيام داود .
وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهر الله المحرم .
ما حكم أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه كاملاً .
ولهذا قالت عائشة : ما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، فلا يلزم .
" وأقلها ركعتان " أقلها ركعتان صلاة الضحى ركعتين ودليل ذلك حديث أبي هريرة قال : أوصاني خليلي بثلاث وذكر منها : وركعتي الضحى .
كذلك أيضاً حديث أبي ذر " وركعتي الضحى "
وحديث أبي الدرداء : وركعتي الضحى ... إلخ .
وأكثرها ثمان......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وأكثرها ثمان " ودليلهم على ذلك حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثماني ركعات سبحة الضحى "وهذا في الصحيحين .(2/331)
والرأي الثاني : أن صلاة الضحى ليس لها حد لا تقيد بثمان حديث أم هانئ هذا يجاب عنه بجوابين :
الجواب الأول : أنها لا تقصد سنة الضحى الذي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان صلاها ضحى هذه ليست سنة الضحى .
والجواب الثاني : أن هذا مفهوم عدد وليس هذا حجة لا نقول بأنه لما صلى ثمان أن هذا هو المشروع لأن هذا مفهوم عدد ، ومفهوم العدد عند الأصوليين ضعيف ليس حجة .
والصحيح : أنه لا حد لأكثرها ويدل لذلك ما تقدم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله .
قالت : ويزيد ما شاء الله .
لأنا لو قلنا بأن لها حداً وش يكون الزائد ؟
يكون الزائد نفل مطلق لا يكون نفل معين ، يعني يرجى عليه أجر النفل المعين وإنما يكون نفلاً مطلقا .
ووقت صلاة الضحى : من خروج النهي إلى وقت النهي ، يعني ما بين النهيين .
وصلاة الاستخارة...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من خروج النهي الذي يكون بارتفاع الشمس قيد رمح إلى وقت الاستواء استواء الشمس وقت الزوال ، يعني قبيل الزوال ، وتقدم بيانه .
وأفضل أوقاتها : إذا اشتد الحر لحديث زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلاة الأوابين حين ترمذ الفصال " والفصيل : هو ولد الناقة ، ومعنى ترمذ الفصال يعني تبول على أعتابها من شدة الحر .
" وصلاة الاستخارة " يقول المؤلف رحمه الله تسن صلاة الاستخارة ، والاستخارة من إضافة الشيء إلى سببه ، يعني الصلاة التي سببها الاستخارة .
وما معنى الاستخارة ؟
الاستخارة معناه طلب خير الأمرين .
والاستخارة تحتها مسائل :
من هذه المسائل أولاً : حكم صلاة الاستخارة .(2/332)
نقول صلاة الاستخارة سنة ، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى اله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة .
المسألة الثانية : بم تكون الاستخارة ، هل الاستخارة تكون في كل شيء أو نقول بأنها لاتكو في كل شيء ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الصواب في هذه المسألة أن ما يريد أن يفعله الإنسان ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : الواجبات والمستحبات ، هذه نقول لا استخارة فيها أمرها ظاهر المصلحة فيها ظاهر ، ما يستخير الإنسان لانقول استخير عندما تريد أن تصلي صلاة الضحى هل تصلي أو لا تصلي ؟
أو عندما تريد أن تذهب إلى العمرة هل تذهب أو لا تذهب لأن هذا خير حتى ولو كان ذلك تطوعاً .
أو مثلاً عند الحج إذا أراد أن يحج لا نقول استخير ، لكن صحيح أنه يستخير مثلاً في الرفقة وفي الزمن وفي المركوب .. إلخ هذه مواضع الاستخارة أما ما يكون في الواجبات والمستحبات نقول هذه لا استخارة فيها .
لكن كما ذكرنا ما يتعلق بها من الأمور التي يتردد بها هذه هي التي يستخار فيها .
القسم الثاني : المنهيات من المحرمات والمكروهات فهذه أيضاً ما نقول يستخار فيها فالنهي يتركه إن كان محرماً يجب أن تتركه وإن كان مكروهاً يتأكد أن تتركه ، ما نقول الإنسان يستخير هل يسافر وحده أو لا ؟
لأن السفر وحده هذا مكروه ، أو مثلاً من يشرب الدخان يستخير في تركه ، نقول هذا لايستخير .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/333)
القسم الثالث : ما يتعلق بالمباحات والمشروعات ليس في ذات المشروع أنه واجب أو مستحب لا وإنما ما يتعلق بالمباحات مثل الزواج مثل شراء المركوب أو شراء البيت .. إلخ . هذا الذي يستخير فيه .
كذلك أيضاً ما يتعلق بالمشروعات كما قلنا زمان السفر آلة السفر غرفة المسافر .. إلخ .
فيتبين لنا أن الذي يستخار فيه المباحات وما يتعلق بالمشروعات .
أيضاً مالم تظهر مصلحة فإن ظهرت المصلحة لا حاجة للاستخارة لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستخير في كل شيء هذا ما حفظ .
فنقول إذا ظهرت المصلحة أن شرائه لهذا البيت أصلح له يتوكل على الله .
ظهرت المصلحة أن سفره هذا اليوم أصلح ، نقول يتوكل على الله عز وجل .
يظهر أنه إذا ظهرت المصلحة فلا حاجة للاستخارة .
وذكرنا الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يستخير في كل شيء .
المسألة الثالثة :صلاة الاستخارة هل تفعل في أوقات النهي أو نقول لا تفعل في أوقات النهي؟
أما جمهور أهل العلم الذين لا يرون أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي يقولون صلاة الاستخارة من ذوات الأسباب فلا تفعل في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي ، هل صلاة الاستخارة تفعل في أوقات النهي أو لا تفعل ؟
نقول هذا فيه تفصيل :
إن كان هذا الشيء يفوت ولابد أن يفعله في وقت النهي فنقول يستخير .
وإن كان هذا الشيء لا يفوت مثلاً يريد أن يشتري سيارة والآن بعد العصر ولو أخر الشراء إلى غروب الشمس فات وهو متردد ، نقول يستخير .
لكن لو أن الشراء لا يفوت نقول يؤجل الاستخارة إلى بعد غروب الشمس .(2/334)
أيضاً من المسائل : متى يقول الذكر الوارد : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسلك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب .. إلخ .
متى يقوله ؟
هذا موضع خلاف .
فشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه يقال قبل السلام بعد التشهد .
والرأي الثاني : أنه يقوله بعد السلام .
ويظهر أن الأمر في هذا واسع ، الذين قالوا بأنه بعد السلام استدلوا بحديث " فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقول " ثم هذه للتراخي وهذا يدل على أنه يكون بعد السلام
وعقب الوضوء.......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأنه يكون قبل السلام قالوا بأن كون الإنسان في الصلاة أقرب إلى عز وجل من كونه خارج الصلاة ، ولأن ما بعد التشهد وقبل السلام هذا موضع دعاء .
النبي عليه الصلاة والسلام قال :" فليتخير من الدعاء أعجبه "
ويظهر أن الأمر في هذا واسع .
المسألة الأخيرة المتعلقة بصلاة الاستخارة : هل هي صلاة مستقلة أو نقول بأنها تدخل مع غيرها ؟
نقول هي صلاة مستقلة لكن إذا كانت مع ذات سبب أخرى فإنها تدخل معها مثلاً تحية المسجد وصلاة الاستخارة يصح ، سنة الوضوء وصلاة الاستخارة يصح .
لكب السنة الراتبة وصلاة الاستخارة لا يصح ، الفريضة وصلاة الاستخارة نقول لايصح
ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام من غير الفريضة .
" وعقب الوضوء " يستحب للإنسان إذا توضأ أن يصلي ركعتين ، وهذا بإضافة الشيء إلا سببه ، يعني الصلاة التي سببها الوضوء .
فيستحب للإنسان إذا توضأ أن يصلي ركعتين ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :" يابلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دق نعليك بين يدي في الجنة ؟ فقال بلال رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله ما(2/335)
وتحية المسجد...................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي . وهذا في الصحيحين .
يعني لما يتطهر طهوراً في أية ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي فيستحب إذا توضأ أن يصلي ركعتين لهذا الحديث وهذا فيه فضل صلاة الوضوء وأنها سبب لدخول الجنة وهي من ذوات الأسباب .
يعني لو أن الإنسان توضأ ثم أتى المسجد فيصلي ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة الوضوء وإذا كان هناك سنة راتبة يصلي ركعتين ينوي تحية المسجد وسنة الوضوء والسنة الراتبة يحصل له ذلك .
وصلاة الوضوء من ذوات الأسباب فيشرع أن تفعل حتى في أوقات النهي فإذا توضأ بعد العصر أو بعد الفجر لا بأس أن يصلي هاتين الركعتين .
" وتحية المسجد " تشرع تحية المسجد ، وتحية المسجد تحتها مباحث من هذه المباحث :
حكم تحية المسجد .
اختلف فيها العلماء رحمهم الله على قولين :
القول الأول : أنها سنة مؤكدة ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة رضي الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أنها واجبة وهذا قال به جمع من أهل العلم منهم الشوكاني وأيضاً هو قول الظاهرية ، واستدلوا على الوجوب بالأمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين هذا يدل على الوجوب .
وكذلك أيضاً استدلوا بقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصلي ركعتين "(2/336)
وهذا أمر قد خرج الإمام استماع الخطبة واجب ومع ذلك ترك الاستماع للتحية مما يدل على الوجوب .
والنبي عليه الصلاة والسلام لما دخل سليكه الغطفاني قطع خطبته وأمره أن يصلي ركعتين
قالوا هذه تدل على الوجوب .
والأقرب في هذا : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله وأن تحية المسجد ليست واجبة والصارف لهذا كثير فهناك أدلة كثيرة تصرف الأمر إلى السنية من ذلك ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يجلسون إذا دخلوا للجمعة ولا يصلون .
إذا دخلوا للجمعة جلسوا ولا يصلون وإنما يشرعون بعد ذلك للخطبة فهو يجلس ثم بعد ذلك إذا انتهى المؤذن شرع في الخطبة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً من الصوارف حديث كعب بن مالك في قصة توبته وأنه دخل المسجد ولم يرد أن كعباًَ رضي الله تعالى عنه صلى التحية ، ومن ذلك أيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي واقد الليثي في قصة الثلاثة النفر الذين دخلوا والنبي عليه الصلاة والسلام كان في حلقة فأما أحدهم فوجد فرجة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلف الحلقة وأما الثالث فأعرض ، ولم يرد أنهم صلوا التحية فهذ الصوارف تدل على أن تحية المسجد ليست واجبة .
المسألة الثانية : من يستثنى في عدم مشروعية تحية المسجد ؟
نقول يستثنى من ذلك :
أولاً : الخطيب إذا دخل لخطبة الجمعة فإنه لا يشرع له أن يصلي تحية المسجد .
وكذلك أيضاً يستثنى إذا دخل والصلاة قد أقيمت فإنه لا يشرع له أن يصلي تحية المسجد ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة "
ويستثنى من ذلك المسجد الحرام إذا دخل للطواف ، يعني المسجد الحرام هل يشرع له تحية أو لا يشرع له تحية ؟
نقول هذا لا يخلو من أمرين :(2/337)
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول : أن يكون قد دخل للطواف ، فنقول لايشرع له أن يصلي ركعتين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل لأجل الطواف شرع في الطواف ، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل للطواف صلى ركعتين ثم ذهب وطاف .
فنقول : إذا دخل للطواف فإنه لا تشرع له تحية وإنما تحية البيت هي الطواف به ، ثم بعد ذلك يصلي ركعتي الطواف .
الأمر الثاني : إذا دخل المسجد الحرام لا لأجل الطواف وإنما للقراءة أو للصلاة أو لحضور حلقة علم ونحو ذلك فنقول هنا يصلي ركعتي التحية .
المسألة الرابعة : إذا جاء لصلاة العيد هل يصلي التحية أو لا يصلي التحية ؟
المسألة هذه فيها كلام كثير لأهل العلم رحمهم الله والصواب أن نقول : أن صلاة العيد لا تخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن تقام في الجامع فإذا أقيمت في الجوامع فنقول بأن تحية المسجد مشروعة ، حتى ولو كان في وقت النهي لما سيأتينا أنها من ذوات الأسباب وذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
الأمر الثاني : أن تقام في مصليات العيد فهذا ينبني على مصلى العيد هل هو مسجد أو ليس مسجداً .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب : أن مصلى العيد ليس مسجداً ولا يأخذ أحكام المسجد وعلى هذا إذا جاء إلى مصلى العيد فإنه يجلس ولا يصلي التحية لأن مصلى العيد ليس مسجداً بل إن كان في وقت النهي نقول لا يجوز ، لأنه إذا صلى صلى تطوعاً مطلقاً في وقت النهي .(2/338)
المسألة الخامسة : الإمام إذا جاء لكي يؤدي الصلاة المكتوبة ، فإنه يشرع في الصلاة مباشرة لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا إذا كان تقدم كثيراً فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين .
لكن إذا جاء في وقت إقامة الصلاة فنقول يشرع في الصلاة لأن هذا هو هدي النبي عليه الصلاة والسلام .
ومن المسائل المتعلقة بتحية المسجد أقلها العلماء يقولون بأن أقلها ركعتان كما تقدم " إذا جاء أحدكم إلى السجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
ويقولون بأن أكثرها لا حد له .
فلو صلى ركعتين أو أربع ركعات .. إلخ ، نقول بأن هذا جائز ولا بأس به ، لكن يظهر أن هذا مالم يكن في وقت نهي ، إذا كان في وقت نهي فإنه يصلي ركعتين فقط وأما بعد ذلك فإنه لا يزيد يكون تطوع مطلق ، أما إذا كان في غير وقت النهي فلا بأس لو قصد أن يصلي أربع ركعات تحية المسجد نقول لا بأس ، ولو قصد أن يصلي ستاً نقول هذا لا بأس به إن شاء الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة السابعة : لمن تشرع التحية .
العلماء رحمهم الله يقولون بأن التحية مشروعة لكل من دخل المسجد سواء دخله للجلوس أو دخله لغير الجلوس .
ومتى تسقط التحية ؟
لا تسقط إلا إذا جلس ، إذا جلس وطال الفصل أما إذا لم يجلس فإن التحية مشروعة .
وكذلك أيضاً إذا جلس ولم يطل الفصل نقول بأن التحية مشروعة .
فنقول : تشرع تحية المسجد لكل داخل ، كل من دخل المسجد تشرع له سواء دخل للجلوس أو لغير ذلك كما لو أراد أن يكلم شخصاً ولا يريد أن يجلس أو أراد أن يأخذ حاجة ولا يريد أن يجلس ، فنقول مادام أنه دخل يشرع له أن يصلي تحية المسجد .
لكن متى تسقط ؟ نقول تسقط إذا جلس وطال الفصل أما إذا لم يجلس أو جلس ولم يطول الفصل فنقول بأنها مشروعة .(2/339)
أيضاً من المسائل المسألة الثامنة : إذا خرج ثم عاد هل يعيد التحية أو لا يعيد التحية ؟
ولنفرض أن شخصاً خرج إلى سيارته ثم عاد ، هل يعيد التحية أو لا يعيد التحية ؟
نقول هذا لا يخلوا من أمور :
الأمر الأول : أن يخرج بنية أن لا يعود فهذا يعيد تحية المسجد .
الأمر الثاني : أن يخرج بنية أن يعود ولم يطول الفصل ، فنقول : هذا لا يعيد التحية .
وسجود تلاوة......................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث :إذا خرج بنية أن يعود وطال الفصل ، يعيد التحية .
فأصبحت الأقسام ثلاثة .
أيضاً من المسائل المتعلقة بتحية المسجد : نقول بأن تحية المسجد من ذوات الأسباب التي تشرع في أوقات النهي وإذا دخل المسجد كما سلف فإنه تجزئ عنهما المكتوبة وتجزئ السنة الراتبة ... إلخ .
كما تقدم إذا دخل ونوى تحية المسجد والسنة الراتبة وركعتي الوضوء هذا كله يحصل في ركعتين .
" وسجود تلاوة " يعني أن سجود التلاوة سنة ، وسجود التلاوة من إضافة الشيء إلى سببه يعني السجود الذي سببه قراءة آية السجدة ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى : أن سجود التلاوة أنه سنة ، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
ونقول كما سبق أن سجود التلاوة يتعلق به مسائل :
المسألة الأولى : حكم سجود التلاوة .
حكم سجود التلاوة عند جمهور أهل العلم أنه سنة ، والدليل على ذلك حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم ولم يسجد فيها . وهذا في الصحيحين .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/340)
وكون النبي عليه الصلاة والسلام لم يسجد إما أن يكون زيد ترك السجود يعني قرأ ولم يسجد والنبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد هذا يدل على أنه سنة وليس واجباً .
وأيضاً ما ثبت في صحيح البخاري من قصة عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب وقرأ آية السجدة من سورة النحل وسجد وسجد الناس معه ثم كان في الجمعة الثانية قرأها فتهيأ الناس للسجود فقال : إن الله لم يفرضه علينا إلا أن نشاء، وهذا كلام عمر رضي الله تعالى عنه بمحضر من الصحابة ، وعمر كلامه حجة وكيف وقد ذكر ذلك بمحضر من الصحابة .
والرأي الثاني : رأي أبي حنيفة رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن سجود التلاوة واجب ، واستدلوا بالأوامر مثل " وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون " هذا ذم لهم.
ذم الله عز وجل الكفار أنهم لا يسجدون ، والذم يدل على الوجوب .
وأيضاً مثل قول الله عز وجل :" كلا لا تطعه واسجد واقترب " هذا أمر .
والراجح في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
وأما قوله سبحانه وتعالى " كلا لا تطعه واسجد واقترب " فنقول إن كان المراد بذلك سجود التلاوة فهذا دل الدليل على أنه ليس واجباً الأمر هذا وجد له صارف .
مع قصر فصل لقارئ ومستمع...............................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن المقصود هنا : عبادة الله سبحانه وتعالى ، هنا ما هو أعم من مجرد السجود هنا عبر عن العبادة ببعض أنواعها .
وكذلك أيضاً قوله تعالى عن الكفار :" وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون " المقصود بذلك أنهم يتركون السجود على سبيل الاستكبار .
وإذا كان كذلك فلا شك أنه محرم ولا يجوز .(2/341)
" مع قصر فصل " هذه المسألة الثانية : مع قصر فصل ، يعني أنه يسجد مع قصر الفصل أما إذا طال الفاصل بين قراءته وبين السجود فنقول فات محله لأن سجود التلاوة سجود يضاف إلى سببه ، فإذا طال الفصل نقول بأن السجود لا يشرع لأن محله قد فات .
" لقارئ ومستمع " عندنا قارئ ومستمع وسامع .
فيمن يشرع السجود ؟
أما القارئ فإنه يشرع له السجود .
والمستمع وهو الذي قصد استماع القراءة ، نقول هذا أيضاً يشرع له السجود ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته . وهذا في الصحيحين .
فقوله : يسجد ونسجد معه هذا يدل على أنه يشرع السجود للقارئ والمستمع .
فلا يسجد إن لم يسجد قارئ والسجدات أربع عشرة............................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السامع : هو الذي لم يقصد الاستماع وإنما سمع السجدة على سبيل العرف وليفرض أن شخصاً يقرأ القرآن ثم مر به شخص لحاجة وسمعه يقرأ فسجد القارئ ، هل نقول بأن السامع يشرع له أن يسجد أو نقول بأنه لا يشرع له أن يسجد ؟
نقول السامع لا يشرع له أن يسجد .
والدليل على ذلك قول عثمان رضي الله تعالى عنه إنما السجدة على من استمعها .
" فلا يسجد إن لم يسجد قارئ " يعني المستمع لا يسجد إلا إن سجد القارئ .
ويدل لذلك ما تقدم من حديث زيد رضي الله تعالى عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم النجم ولم يسجد فيها .
فزيد ترك السجود ومع ذلك لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
" والسجدات أربع عشرة " والسجدات أربع عشرة ، سجدات القرآن هذه تنقسم من حيث اتفاق العلماء واختلافهم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : سجدات اتفق عليها الأئمة وهي ما عدا السجدة الثانية في الحج وماعدا سجدات المفصل وماعدا سجدة "ص " .
فعندنا سجدات الأئمة اتفقوا عليها وهي ما عدا هذه المواضع الثلاثة .(2/342)
القسم الثاني : سجدات اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله وهي هذه السجدات في هذه المواضع الثلاثة .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه المواضع الثلاثة :
الموضع الأول : السجدة الثانية في الحج ،هل هي موضع للسجود أو ليست موضع للسجود؟
هذا خلاف بين أهل العلم رحمهم الله ، خلاف بين الجمهور والحنفية ، فالجمهور أنها موضع للسجود .
وعند أبي حنيفة : أنها ليست موضع للسجود .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها موضع للسجود استدلوا بأدلة من أدلتهم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمسة عشر سجدة وفي الحج منها اثنتان . وهذا الحديث أخرجه أبو داود وصححه الحاكم وحسنه النووي وفيه ضعف الحديث .
الحديث هذا فيه ضعف لكن يعتمد على إثبات هذه السجدة بما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، فإنه ورد عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم السجدة الثانية من ذلك ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثابت عنهما بأسانيد صحيحة ، وعلي وأبو موسى وأبو الدرداء هؤلاء كلهم ورد عنهم إثبات السجدة الثانية .
وعلى هذا نقول الأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الحنفية فيستدلون يقولون بأن الله عز وجل يقول :" يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا" المقصود بذلك : الصلاة .
لكن مع ذلك مادام أنه ثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يكون الراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
الموضع الثاني : السجدات في المفصل ، هذا خلاف بين الإمام مالك والجمهور .
فالجمهور يرون السجدات في المفصل .(2/343)
واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم .
وكذلك في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في " إذا السماء انشقت "
وكذلك أيضاً في " إقرأ باسم ربك الذي خلق "
وأما ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله ما تقدم من حديث زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم ولم يسجد فيها .
والجواب على هذا سهل يقال هذا دليل على أنه سنة وليس واجب .
الموضع الثالث : سجدة " ص " هل هي من عزائم السجود أو ليست من عزائم السجود؟
الإمام أحمد رحمه الله والشافعي : أنها ليست من عزائم السجود .
وعند أبي حنيفة ومالك : أنها من عزائم السجود .
يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم............................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنها من عزائم السجود أبو حنيفة ومالك استدلوا على ذلك بحديث أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد في ص . وهذا أخرجه الدار قطني .
وكذلك قالوا بأنه وارد عن عمر وعثمان .
وكذلك أيضاً في صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : ليست من عزائم السجود ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .
نقول مادام أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها كفى ذلك .
والذين قالوا بأنها ليست من عزائم السجود استدلوا بحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ص على المنبر فتهيأ الناس للسجود ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام :" إنها توبة نبي " ونزل وسجد . وهذا أخرجه أبو داود والحاكم .
والصواب في هذه المسألة : أنها من عزائم السجود ، ويدل لذلك ما تقدم قول ابن عباس في البخاري ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .
فنقول مادام أنه سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم نقول بأن هذا كافي .(2/344)
" يكبر إذا سجد وإذا رفع ويجلس ويسلم " قوله يكبر ويجلس ويسلم هذا ينبني على مسألة وهي : سجود التلاوة هل هو صلاة أو أنه ليس صلاة ؟
الجمهور على أنه صلاة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والرأي الثاني : أنه ليس صلاة وإنما سجدة مجردة .
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنه صلاة فاستدلوا بأنه ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لا يسجد إلا وهو متوضأ . وهذا أخرجه البيهقي بإسناد صحيح .
فكونه شرط الوضوء هذا يدل على أنه صلاة .
والرأي الثاني الذين قالوا بأنه ليس صلاة اختيار ابن القيم وشيخ الإسلام استدلوا بما في البخاري معلقاً بصيغة الجزم أن ابن عمر كان يسجد على غير وضوء .
وعلى هذا يكون قولهم لا يسجد إلا وهو متوضأ هذا محمول على الاستحباب .
ويدل على أنه ليس صلاة حديث علي " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم "
والسجود ليس له تكبيرة إحرام وليس له سلام لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك .
وكذلك أيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام " الوتر ركعة من آخر الليل " وقال :" لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " والسجود لا يقرأ فيه بفاتحة الكتاب ، لو كان صلاة قرأ فيه بفاتحة الكتاب .
وأقل ما ورد في الصلاة أنها ركعة أو ركعتان ، " صلاة الليل مثنى مثنى "... إلخ .
فالصواب في ذلك : أنه سجدة مجردة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المؤلف رحمه الله : يكبر ، على القول بأنه صلاة الفقهاء يقولون له شروط وله أركان وله واجبات .
فشروط سجود التلاوة : شروط الصلاة ، استقبال القبلة وستر العورة ورفع الحدث والطهارة من الخبث ... إلخ .
أركانه : له ثلاثة أركان :(2/345)
السجود على الأعضاء السبعة ، الجلوس ، التسليمة الأولى .
واجباته : له ثلاثة واجبات :
تكبيرة الهوي وتكبيرة الرفع وتسبيحة السجود .
وهذا كله بناء على أنه صلاة .
لكن إذا قلنا بأنه سجدة مجردة نقول هذه الأشياء ليست مشروعة فيسجد فقط .
قال : يكبر ، هل يكبر أو لا يكبر ؟
نقول هذا لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون داخل الصلاة ، فإذا كان في الصلاة فإنه يكبر لأنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع . هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأمر الثاني : أن يكون خارج الصلاة ، فنقول الصحيح في ذلك أنه لا يشرع التكبير ، لأنه لم يرد ، وما ورد إلا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه في سنن أبي داود وهو ضعيف .
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في سجود القرآن . هذا ضعيف .
وعلى هذا نقول يسجد بلا تكبير للهوي ولا تكبير للرفع ولا تسليم ولا تشهد ... إلخ .
ماذا يقول في السجود ؟
يقول في السجود سبحان ربي الأعلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك كما تقدم لنا من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه .
وورد أدعية أيضاً فيها ضعف .
مثل حديث عائشة : سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته .
وأيضاً مثل : اللهم اكتب لي بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من نبيك داود . هذه مادام أنها غير ثابته نقول الأحسن أن الإنسان يقتصر على الثابت .
سبحان ربي الأعلى كما في حديث حذيفة وأيضاًَ الأدعية التي ذكرناها لكم سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ... إلخ هذه الأدعية ، وهذه من فوائد حفظ تلك الأدعية أنها يأتي بها .(2/346)
ويسلم بلا تشهد ويلزم مأموماً متابعة إمامه في جهرية..................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويسلم بلا تشهد " يقول المؤلف رحمه الله : يسلم لأنهم يرون أنها صلاة ، بلا تشهد يقولون لأنه لم ينقل التشهد .
" ويلزم مأموماً متابعة إمامه في جهرية " أيضاً هذه المسألة السابعة : يجب على المأموم أن يتابع الإمام في الجهرية ، وعلى هذا يفهم من قوله في جهرية أنه يخرج الصلاة السرية .
وعلى هذا نقول سجود الإمام لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون في صلاة جهرية فيجب على المأموم أن يتابعه ، والدليل على ذلك حديث عائشة وحديث أبي هريرة :" إنما جعل الإمام ليأتم به " ثم قال : " إذا سجد فاسجدوا " وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
فيجب عليه أن يتابع الإمام .
الأمر الثاني : أن يكون في صلاة سرية يعني سجد الإمام في صلاة الظهر ، يقول المؤلف رحمه الله : لا يجب على المأموم أن يتابعه لأنه يحتمل أن الإمام قد سها ، وإذا كان كذلك لا يجب عليه أن يتابعه .
والصواب في هذه المسألة : يجب عليه أن يتابعه لعموم الحديث " إنما جعل الإمام ليأتم به إذا سجد فاسجدوا "
وهل يشرع للإمام أن يسجد في الصلاة السرية أو نقول بأنه لا يشرع ؟
نقول بأن العلماء رحمهم الله يقولون : يكره للإمام أن يقرأ سجدة في صلاة سرية .
ويستحب سجود شكر لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة...........................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا يكره ؟
لأنه لا يخلو من أمرين :
إما أن يسجد فيشوش على المأمومين ، وإما أن لا يسجد وحينئذٍ يكون قد ترك السنة .
فقالوا بأنه يكره .
والصحيح في ذلك : أنه لا يكره فنقول يقرأ لا بأس فإذا كان يلزم من ذلك التشويش يترك هذا السجود .
فالنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث زيد ترك السجود وأقره النبي عليه الصلاة والسلام
ولا يلزم من ترك السنة الوقوع في الكراهة .(2/347)
" ويستحب سجود شكر لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة " سجود الشكر من إضافة الشيء إلى سببه يعني السجود الذي سببه الشكر لله عز وجل .
وهل سجود الشكر مشروع أو ليس مشروع ؟
الجمهور : على أنه مشروع .
وعند الإمام مالك رحمه الله : أنه ليس مشروع .
والصواب : ما عليه جمهور أهل العلم ، ويدل لذلك حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجداً .
ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إسلام همذان سجد .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلي رضي الله تعالى عنه سجد لما بلغه مقتل ذي الثدية من الخوارج .
وأبو بكر سجد لما قتل مسيلمة .
وكعب بن مالك سجد لما تاب الله عز وجل عليه .. إلخ .
فالصحيح : أنه مشروع لكن هل يشرع لكل نعمة أو نقول لايشرع ؟
نقول النعم تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : نعم دائمة مستمرة ، فهذه لا يشرع لها السجود لأنه لو قلنا بأن السجود مشروع لاستغرق الإنسان عمره في السجود وهذا لا يجوز .
فمثلاً نعمة الإسلام من أكبر النعم ولو قلنا أن السجود يشرع للنعم الدائمة ... إلخ لاستغرق الإنسان عمره كله في السجود .
القسم الثاني : نعم طارئة ، أو اندفاع نقم طارئة ، فهذه التي يشرع لها السجود وتشمل النعم الدينية والدنيوية .
ولهذا قال المؤلف رحمه الله : لتجدد نعمة أو اندفاع نقمة ، نعمة طرأت أو نقمة اندفعت.
والصحيح : هو سجدة مجردة لا يشترط لها شيء لا ستر عورة ولا طهارة ولا ... إلخ .
فهو أخف من سجود التلاوة لأن الغالب أن يكون غير متهيأ .
وماذا يقول ؟
يسبح ويحمد الله على مامن به عليه من النعم .
وتبطل به صلاة غير جاهل وناس وأوقات النهي.................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/348)
" وتبطل به صلاة غير جاهل وناس " سجود الشكر لا يفعل في الصلاة لأنه زيادة فيها لكن إذا انتهى من الصلاة مادام أن الفصل لم يطل يسجد فهو من ذوات الأسباب التي تشرع في أوقات النهي .
" وأوقات النهي " الأوقات جمع وقت ، والمراد به : الزمن ، وقوله النهي يعني التي ينهى عن الصلاة فيها .
أوقات النهي تحته مباحث :
المبحث الأول : الحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات .
نقول الحكمة في ذلك هو : إجمام البدن بتركه التطوع في هذه الأوقات وترغيبه وتشويقه إلى الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه بعد هذه الأوقات لأن الإنسان إذا منع من الشيء فإنه يبقى في رغبة له وكذلك أيضاً إذا تركه لفترة فإنه يبقى في رغبة له ، ففيه نوع من إجمام البدن وفيه أيضاً كما ذكرنا تشويقه وترغيبه في هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه .
والمسألة الثانية : أوقات النهي عددها خمسة أوقات كما سيأتي بيانها بدأ المؤلف رحمه الله بالوقت الأول وقال :
من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس.....................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" من طلوع الفجر حتى ترتفع الشمس " هذا الوقت الأول .
الوقت الأول : يبدأ من طلوع الفجر الثاني ، وإذا قال العلماء رحمهم الله : الفجر فإن المراد بذلك : الفجر الثاني ، لأن الفجر الأول لا تترتب عليه أحكام .
اللهم إلا فيما يتعلق بالنداء الأول لصلاة الفجر ، فالنداء الأول ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عند طلوع الفجر الأول ، فسائر الأحكام تتعلق بطلوع الفجر الثاني وأما الفجر الأول فهذا لا تتعلق به شيء من الأحكام إلا ما يتعلق بالنداء الأول .
وقوله : من طلوع الفجر ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أيضاً مذهب أبي حنيفة .
والرأي الثاني : رأي الشافعي والإمام مالك أن النهي يبدأ من بعد صلاة الفجر .(2/349)
ولكل منهم دليل : أما الذين قالوا بأنه يبدأ من بعد طلوع الفجر فاستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ليبلغ الشاهد الغائب لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر " والمقصود بركعتي الفجر هنا سنة الفجر ، وهذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله وغيره .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث حفصة وحديث عائشة وغير ذلك من الأحاديث الثابتة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتين خفيفتين ، هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
قدر رمح...............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فدل ذلك على أن ما بعد طلوع الفجر أنه وقت نهي .
وأما الذين قالوا بأنه يبدأ من بعد الصلاة فاستدلوا بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس "
وعلى كل حال سواء قلنا بأنه يبدأ من بعد طلوع الفجر أو من بعد صلاة الفجر هدي النبي عليه الصلاة والسلام بأنه إذا طلع الفجر ما كان يصلي إلا ركعتي الفجر ويخففهما .
وقوله : حتى ترتفع الشمس : يعني الوقت الأول ينتهي بطلوع الشمس ، والوقت الثاني يبدأ من طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح ، يعني قدر رمح في رأي العين .
فعندنا الوقت الأول ينتهي بطلوع الشمس والوقت الثاني ينتهي بارتفاع الشمس .
والدليل على ذلك حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس "
وغير ذلك مثل حديث عمرو بن عبسة وحديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث .(2/350)
" قدر رمح " يقول المؤلف رحمه الله : قدر رمح والرمح معروف والمراد بذلك : في رأي العين ، يعني أنت إذا رأيتها ارتفعت قدر رمح في رأي العين وقدره ما يقرب من مترين فاعلم أن وقت النهي قد خرج ، وهذا كما ذكرنا في رأي العين وإلا في الحقيقة تكون ارتفعت آلاف الأمتار .
وتقريباً الآن بالدقائق ما يقرب ثنتي عشرة دقيقة بعد طلوع الشمس .
وعند قيامها حتى تزول......................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووقت الطلوع هذا متفق عليه على أنه وقت للنهي ، وأما الوقت ما بين الصلاة أو الفجر إلا طلوع الشمس هذا مختلف فيه هل هو وقت نهي أو ليس وقت نهي ؟
كما سنشير إن شاء الله .
" وعند قيامها حتى تزول " الضمير يعود إلى الشمس يعني عند قيام الشمس وهو حالة الاستواء لأن الشمس تسير من المشرق إلى المغرب فإذا كانت في كبد السماء ولم يكن هناك فيء جهة المغرب إلا في الزوال فإن هذا هو وقت الاستواء ، وقت النهي فإذا زاد أدنى زيادة فاعلم أن الشمس قد زالت .
وقت الاستواء : الآن الأذان عند زوال الشمس ووقت الاستواء وقت النهي هو ما يكون قبل زوال الشمس وهو ما يقرب ثنتي عشرة دقيقة ، هذا يسمى وقت النهي .
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو المشهور من المذهب ومذهب الحنفية .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أن وقت الزوال ليس وقتاً للنهي .
وعند الشافعية : أنه وقت للنهي إلا في يوم الجمعة .
المؤلف رحمه الله يرى أنه وقت للنهي ودليله حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه وفيه ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب .
ومن صلاة العصر حتى يتم الغروب........................................................(2/351)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فقوله : حين يقوم قائم الظهيرة ، هذا يدل على أنه وقت للنهي .
وكذلك أيضاً يدل لذلك حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه أنه وقت للنهي .
الرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنه ليس وقت للنهي واستدل على ذلك بعمل أهل المدينة .
والرأي الثالث : أنه وقت للنهي إلا يوم الجمعة واستدلوا بحديث سلمان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من تطهر ما استطاع من طهره ومس من طيب أهله وادهن ثم غدى إلا الجمعة فصلى ما بدا له " قال هنا : ثم غدى إلا الجمعة فصلى ما بدا له فإذا خرج الإمام .
الشاهد هنا قال فصلى ، وقال : فإذا خرج الإمام ، وخروج الإمام يكون بعد الزوال .
فيأخذ من هذا أنه لا بأس أن يصلي إلى أن يخرج الإمام .
والصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية وأن ذلك وقت نهي .
والجواب عن هذا سهل فيقال حديث سلمان رضي الله تعالى عنه بأنه لا بأس أن يصلي إلى أن يأتي وقت النهي فإذا جاء وقت النهي فإنه يمسك لما سبق أن ذكرنا من حديث عمرو وحديث عقبة رضي الله تعالى عنهما .
" ومن صلاة العصر حتى يتم الغروب " هذا الوقت الرابع .
الوقت الرابع : من بعد صلاة العصر ،
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والنهي هنا معلق بفعل الصلاة بخلاف الوقت الأول فإن النهي موضع خلاف هل هو معلق بفعل الصلاة أو بطلوع الفجر ، هنا الأئمة يتفقون على أن النهي معلق بفعل الصلاة
فنقول : يبدأ وقت النهي من بعد صلاة العصر .
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله قوله : من صلاة العصر ولو كانت العصر مجموعة إلى الظهر فإن وقت النهي يدخل .(2/352)
مثال ذلك : لو أن مسافراً جمع جمع تقديم صلى الظهر ركعتين وصلى العصر ركعتين ، فنقول بأن وقت النهي دخل فليس له أن يتطوع إلا ما يستثنى كما سيأتي إن شاء الله .
والدليل على ذلك : ما تقدم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس "
وكذلك أيضاً حديث ابن عباس وغير ذلك من الأحاديث .
يستمر هذا الوقت إلى بدأ الغروب .
والرأي الثاني : ذهب إليه الشافعية أنه يستمر إلى اصفرار الشمس .
فعندنا رأيان :
الرأي الأول : أنه يستمر إلى بدأ وقت الغروب ، فإذا بدأ الغروب خرج الوقت الرابع ودخل الوقت الخامس .
والرأي الثاني : أنه إلى الاصفرار وهو مذهب الشافعية .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والصواب في ذلك : أنه إلى بدأ الغروب ، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة"
قال : إذا غاب حاجب الشمس فإذا بدأ طرفها في الاستتار نقول خرج الوقت الرابع ودخل الوقت الخامس .
الوقت الخامس : يبدأ من بعد غروب الشمس ، يعني من بعد بدأ الشمس في الغروب .
وعلى رأي الشافعية يبدأ متى ؟
يبدأ من الاصفرار .
متى ينتهي ؟
قال المؤلف رحمه الله : حتى يتم الغروب ، ودليل ذلك ما تقدم من حديث أبي سعيد قال :" حتى تغرب الشمس " وحديث عقبة :" وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب " قال : حتى تغرب .
وهذا هو المشهور من المذهب وعليه أكثر أهل العلم .
الرأي الثاني : مذهب الحنفية قالوا بأن وقت النهي يستمر إلى إقامة صلاة المغرب .
وهذا فيه نظر مخالف للأحاديث الصحيحة ما تقدم من حديث أبي سعيد وحديث عقبة بن عامر .(2/353)
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن أرقم قال :" صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب " ثم قال : لمن شاء ، خشية أن تتخذ سنة ... إلخ .
وكذلك أيضاً فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يبتدرون السوالي في الصلاة قبل المغرب .
فالصواب في هذا : أن الشمس إذا غربت نقول خرج وقت النهي ، خلافاً لما ذهب إليه الحنفية من أن وقت النهي يستمر إلى إقامة صلاة المغرب .
هذه بالنسبة لأوقات النهي وأشرنا إلى أن الوقتين الطويلين موضع خلاف ، يعني ما بعد صلاة الفجر أو طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس يعني بدأ الغروب ، هذان موضع خلاف هل هي وقت للنهي أو ليست وقت للنهي ؟
فالجمهور على أنهما وقت للنهي ، وقت ينهى عن الصلاة فيهما واستدلوا بما تقدم من الأدلة كحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس وغير ذلك .
والرأي الثاني : ذهب إليه طائفة من السلف كعطاء وطاووس وعمرو بن دينار رحمهم الله قالوا بأن هذين الوقتين ليسوا وقت نهي ، واستدلوا على ذلك بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها " فقالوا أن
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ويفهم منه أن ما عدا ذلك أنه يجوز التحري فيه .
وكذلك أيضاً قالوا بأن النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر إنما هو كالحمى للوقتين وقت الطلوع ووقت الغروب ، يعني ليس مقصوداً بذاته وإنما هو مقصود لغيره يعني أن الشارع جعله حمى وإن المقصود بالنهي هو وقت الطلوع ووقت الغروب .(2/354)
والصواب في ذلك : ما ذهب إليه الجمهور وأنه لا يجوز التطوع بعد العصر وكذلك أيضاً بعد الفجر والأحاديث صريحة في النهي ، هذا الصواب في هذه المسألة .
فأصبحت عندنا أوقات النهي من حيث الخلاف والاتفاق تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أوقات متفق عليها وهي :
وقت الطلوع ووقت الغروب ، هذان الوقتان متفق عليهما .
القسم الثاني : أوقات مختلف فيها وهي :
وقت الاستواء وكذلك أيضاً بالنسبة للوقتين الطويلين بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى بدأ الغروب .
والصواب : أن الأوقات خمسة كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى .
فتلخص لنا أن الوقت الأول : يبدأ من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس يعني أن تبدأ الشمس بالطلوع .
...........................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقت الثاني : من طلوعها إلى ارتفاعها قيد رمح .
الوقت الثالث : وقت الاستواء .
الوقت الرابع : من بعد صلاة العصر إلى أن تبدأ الشمس بالغروب .
الوقت الخامس : من بدئها بالغروب إلى أن يتم الغروب .
أيضاً من المباحث المسألة الثالثة التي تتعلق بأوقات النهي : النهي عن الصلاة في هذه الأوقات هل هو للكراهة أو للتحريم ؟
فيه قولان للعلماء رحمهم الله :
الرأي الأول : أنه للتحريم وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة .
الرأي الثاني : أنه للكراهة وبه قال الشافعية .
والصواب في هذه المسألة : أنه للتحريم لأن النهي هنا يعود إلى ذات المنهي عنه والأصل أن النهي يقتضي الفساد والتحريم إذا عاد إلى ذات المنهي عنه .
المسألة الرابعة : إذا دخل وقت النهي وهو في نافلة هل يقطع النافلة أو لا يقطع النافلة ؟
هذا موضع خلاف .
والصواب في هذه المسألة : أن يقال إن صلى ركعة ثم دخل وقت النهي فإنه يضيف إليها ركعة ثانية .
وإن لم يصلي ركعة فإنه يقطعها .(2/355)
ويجوز قضاء الفرائض فيها وركعتا الطواف........................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الخامسة : هل ينعقد التطوع في أوقات النهي أو نقول بأنه لاينعقد ؟
الصواب في ذلك : أنه لا ينعقد .
المسألة السادسة : ما يشرع في أوقات النهي ؟
قال المؤلف رحمه الله :
" ويجوز قضاء الفرائض فيها "
المسألة الأولى مما يشرع في أوقات النهي : نقول قضاء الفرائض في أوقات النهي ، والدليل على ذلك : ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وقوله إذا ذكرها يشمل ما إذا ذكرها في أوقات النهي أو في غيرها .
" وركعتا الطواف "
هذا الأمر الثاني مما يجوز أن يفعل في أوقات النهي ، قال المؤلف رحمه الله : وركعت الطواف ، ويدل لهذا حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار " وهذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه الترمذي .هاتان صلاتان استثناهما المؤلف .
وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد وركعتا فجر قبل فرضه..........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" وإعادة جماعة أقيمت وهو في المسجد " يعني إذا أقيمت الجماعة وأنت في المسجد تعيدها معهم ، مثال ذلك : إنسان صلى ثم أتى إلى المسجد مثلاً لكي يصلي على جنازة أو لكي يحضر درساً ونحو ذلك ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد ،
يصلي أو لا يصلي ؟
يصلي ، الوقت وقت نهي صلى العصر الآن في مسجد ثم جاء فيصلي .
ويدل لذلك حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" صلي الصلاة في وقتها فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل إني صليت فلا أصلي "
وهذا رواه مسلم .
ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أنها إذا أقيمت وهو خارج المسجد ، هل يعيدها أو لا يعيدها ؟
على كلامه أنه لا يعيدها .(2/356)
" وركعتا فجر قبل فرضه "
هذه الصلاة الرابعة مما يستثنى : ركعتا الفجر لا بأس أن تفعل بعد طلوع الفجر ، ويدل لذلك ما ذكرنا مما تقدم من حديث عائشة وحديث حفصة رضي الله تعالى عنهما .
ويحرم تطوع بما عداها فيها حتى ماله سبب.....................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
" ويحرم تطوع بما عداها فيها حتى ماله سبب " هو استثنى المؤلف رحمه الله
أولاً : قضاء الفرائض ، ثم ركعتي الطواف ، ثم إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد
وسنة الفجر ، هذه أربع صلوات استثناها .
الخامسة : ذوات الأسباب ، هل تشرع في أوقات النهي أو نقول بأنها لا تشرع في أوقات النهي ؟
هذا موضع خلاف ، فالمؤلف رحمه الله يرى أن ذوات الأسباب ليست مشروعة في أوقات النهي .
وذوات الأسباب هي : الصلاة التي تشرع عند وجود سببها يعني لا تشرع مطلقاً وإنما تشرع عند وجود سببها .
فذوات الأسباب يقول المؤلف رحمه الله بأنها لا تشرع في وقت النهي ، مثل ركعتي الوضوء من ذوات الأسباب تشرع عند حصول الوضوء لا تشرع مطلقاً ، تحية المسجد تشرع عند دخول المسجد ، صلاة الكسوف تشرع عند كسوف الشمس ، سجود التلاوة سجود الشكر وصلاة الاستخارة ... إلخ .
فهذه الصلوات يرى المؤلف رحمه الله أنها لاتشرع في أوقات النهي ، وهذا قول أكثر أهل العلم رحمهم الله .
والرأي الثاني : رأي الشافعية أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكل منهم دليل : الذين قالوا بأنها لا تشرع استدلوا بعمومات الأدلة كحديث أبي سعيد وحديث ابن عباس وغير ذلك .
وأيضاً كحديث أبي هريرة وحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهم .
عمومات هذه الأدلة قالوا يدخل في ذلك ذوات الأسباب .(2/357)
الرأي الثاني الذين قالوا بشرعية هذه الصلوات في أو قات النهي استدلوا بعموم الأمر بهذه الصلوات عند وجود أسبابها كحديث أبي قتادة :" إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين "
أيضاً سجود التلاوة " كلا لاتطعه واسجد واقترب " " وإذا قرأ عليهم القرآن لا يسجدون "
أيضاً صلاة الكسوف وفيه الأمر بالصلاة ، وهذا عام ويشمل حتى أوقات النهي .
وكذلك أيضاً إعادة الجماعة إذا أقيمت وأنت في المسجد فصل ... إلخ .
فقالوا بأن هذه عامة في جميع الأوقات .
وحين إذن يكون تعارض عندنا عمومان :
العموم الأول : عموم النهي .
العموم الثاني : عموم الأمر بفعل هذه الصلوات .
وعموم الأمر بفعل هذه الصلوات في أوقات النهي أرجح من عموم النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والعلة في ذلك أو سبب الترجيح : أن عموم الأمر محفوظ لم يدخله تخصيص وأما عموم النهي فغير محفوظ دخله التخصيص بفعل سنة الوضوء وفعل تحية المسجد بفعل صلاة الكسوف ... إلخ .
وعند الأصوليين بأن العموم المحفوظ أقوى من العموم الذي دخله التخصيص ، لأنه إذا دخله التخصيص ضعف عمومه .
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها "
فقال : لا تتحروا ، قال شيخ الإسلام : التحري إنما يكون في التطوع المطلق بخلاف ذوات الأسباب فهو لم يتحرها وإنما فعلها عند وجود سببها .
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وأن هذه الأوقات يشرع فيها فعل ذوات الأسباب .(2/358)
ومما يؤيد ذلك أن الذين قالوا بأن ذوات الأسباب لا تشرع في أوقات النهي لم يطردوا النهي وإنما أجازوا بعض ذوات الأسباب فتقدم أن الحنابلة يرون ركعتي الطواف ، قال : وركعتا الطواف ، وركعتي الطواف من ذوات الأسباب ومع ذلك أجازوا هاتين الركعتين ، وكذلك أيضاً إعادة الجماعة إذا أقيمت وهو في المسجد يجيزونها .. إلخ .
وهذا مما يؤكد ترجيح قول شرعية ذوات الأسباب في أوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن ذوات الأسباب أيضاً تفوت بخلاف التطوع المطلق ، يعني فرق بين التطوع المطلق وذوات الأسباب ، التطوع المطلق لا يفوت أنت إذا منعت منه بعد الفجر وبعد العصر بإمكانك أن تفعله بعد طلوع الشمس ، لكن ذات السبب لا يمكن أن تفعلها ، فمثلاً صلاة الكسوف إذا قلنا لا تصلي الكسوف حتى يزول وقت النهي ربما أن الإنسان ما يتمكن يزول الكسوف قبل زوال وقت النهي ، وحين إذن تفوت هذه الصلاة ، مثل تحية المسجد وسنة الوضوء ... إلخ .
وهناك صلوات أيضاً يجوزونها الصلاة السادسة : قالوا فعل المنذورة إذا نذرها في وقت النهي ، يعني شخص قال : لله علي أن أصلي بعد العصر ركعتين ، قالوا : يجوز أن يصلي بعد العصر ركعتين .
وهذا فيه نظر .
والصحيح أنه إذا نذر أن يصلي بعد العصر ركعتين تطوعاً أن نذره أصلاً لا ينعقد لأنه نذر محرم ، النذر هذا معصية وهل ينعقد أو لا ينعقد ؟
هذا موضع خلاف ، لكن الصواب في ذلك : أنه لايجوز له أن يفعله .
وهل تجب عليه كفارة يمين أو لا تجب عليه ؟
هذا خلاف بين الحنابلة وجمهور أهل العلم رحمهم الله .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/359)
الصلاة السابعة : الصلاة على الجنازة في الوقتين الطويلين ، يعني يقولون لك أن تصلي على الجنازة في الوقتين الطويلين مطلقاً .
وكذلك أيضاً يجوز لك أن تصلي على الجنازة في الأوقات الثلاثة المغلظة إذا خفت عليها
الصلاة الثامنة : تحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب خطبة الجمعة ، وكيف تحية المسجد والإمام يخطب خطبة الجمعة ؟
لأن المذهب كما سيأتي أنهم يرون أن الجمعة تقام قبل الزوال ، لابأس أن تقام من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح كصلاة العيد فإذا أقيمت في وقت صلاة العيد أو أقيمت في الضحى أو أقيمت قبل الزوال شرع الخطيب في الخطبة قبل الزوال ثم دخل شخص وصادف دخوله وقت الزوال فقالوا صل تحية المسجد والإمام يخطب وقت الزوال ، هذا يستثنونه .
وهذا مما يؤكد ترجيح القول بأن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
بقينا ما هي ذات السبب التي تشرع هل كل ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي أو نقول بأن هذا خاص في بعض ذوات الأسباب ؟
هذا سيأتينا الخلاف بين الشافعية وبين شيخ الإسلام رحمه الله .
لأن الشافعية وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرون بأن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي ، والشافعية هم أو سع المذاهب فيما يتعلق بأوقات النهي .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكرنا بأنهم يقولون أن ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي وأيضاً يقولون أن النهي في الفجر يبدأ بعد الصلاة ويوم الجمعة ما فيه وقت نهي وأيضاً يرون أن مكة ليس فيها وقت نهي ، خلافاً لجمهور أهل العلم رحمهم الله .
بقي مسألتان تتعلقان بأوقات النهي :
المسألة الأولى : نحن ذكرنا أن ذوات الأسباب الصحيح أنها تشرع في أو قات النهي لكن ما هو ضابط الصلاة ذات السبب ، هل كل صلاة ذات سبب تشرع في أو قات النهي أو أن في هذا تفصيلاً ؟(2/360)
وسبق أن ذكرنا أن الشافعية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي مثل سنة الوضوء وتحية المسجد وركعتي الطواف وإعادة الجماعة ومثل صلاة الكسوف ... إلخ .
هذه الصلوات التي لا تشرع دائماً وإنما تشرع عند وجود سببها قلنا أن الصواب أنها تشرع في أوقات النهي .
ما هي الصلاة ذات السبب التي تشرع في أوقات النهي ، هل كل ذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي أم لا ؟
نقول الذين قالوا بشرعية ذوات الأسباب في أوقات النهي اختلفوا في ضابط ذات السبب التي تشرع في أوقات النهي على رأيين :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي الأول : وهو ماذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال : بأن الصلاة التي إذا أخرت عن سببها تفوت فإنها تشرع في أوقات النهي أما التي إذا أخرت عن سببها لا تفوت فإنها لا تشرع في أوقات النهي . هذا الرأي الأول ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله يعلق الأمر بالفوات .
والرأي الثاني : رأي الشافعية رحمهم الله ويفصلون بين السبب المتقدم والسبب المقارن والسبب المتأخر ، فيقولون بأن الصلاة في أوقات النهي تشرع لسبب إذا كان سببها متقدماً أو مقارناً أما إن كان متأخراً فإنها لا تشرع .
ويتضح هذا بالمثال : مثلاً صلاة الاستسقاء صلاة ذات سبب لا تشرع دائماً لا يجوز أن تصلى صلاة الاستسقاء إلى عند وجود سببها وهو انقطاع الأمطار وقحط الديار وغور المياه ... إلخ ، فإذا وجد السبب شرعت صلاة الاستسقاء .
هل يشرع أن نفعل صلاة الاستسقاء في صلاة النهي أو نقول لا تشرع ؟(2/361)
على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا لا يجوز لأن صلاة الاستسقاء لو أخرناها عن وقت النهي ما فاتت فلا بأس أن نؤخر صلاة الاستسقاء من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس وارتفعت قيد رمح صلينا صلاة الاستسقاء
فلا تفوت ولو صليناها بعد ساعة لا تفوت ... إلخ .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن عند الشافعية يرون أن صلاة الاستسقاء تفعل في أوقات النهي وهذا مرجوح لأنهم يرون أن سببها متقدم .
أيضاً من الأمثلة على ذلك مما يظهر فيه الخلاف ، صلاة الاستخارة هل تشرع في أوقات النهي أو لا تشرع في أوقات النهي ؟
على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان الشيء يفوت فإن صلاة الاستخارة تشرع يعني مثلاً إنسان يريد أن يشتري سيارة بعد العصر والبيع سيحصل لو أخر لو قال انظروني حتى يخرج وقت النهي وأصلي صلاة الاستخارة ما انتظره الناس البايع لن ينتظره ، فنقول هنا لو شرى وترك الصلاة فاتت الصلاة ولو أنه أخر الصلاة فات البيع فعلى كلام شيخ الإسلام مادام أن الصلاة تفوت بتأخيرها عن سببها تشرع .
لكن لو كان الأمر واسع البائع يقول لك يوم أو يومين فهل تشرع أو لا تشرع ؟
نقول لا تشرع لأنها لا تفوت إذا أخرت عن سببها .
وأما عند الشافعية رحمهم الله فيرون أنها لا تشرع في أوقات النهي .
والصواب في ذلك : التفصيل .
فتلخص لنا : أن ذات السبب التي إذا أخرت عن سببها تفوت تشرع في أوقات النهي أما ذات السبب التي إذا أخرت عن سببها لا تفوت ويمكن أن تتدارك فنقول بأنها لا تفعل في أوقات النهي ، هذا هو الصواب .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2/362)
أيضاً من الصلوات التي استثناها العلماء رحمهم الله وقالوا بأنها تشرع في أوقات النهي قالوا : سنة الظهر البعدية إذا جمع العصر جمع تقديم .
إذا جمع العصر جمع تقديم دخل وقت النهي لأن وقت النهي يبدأ من بعد الفراغ من صلاة العصر سواء صليت في وقتها أو صليت في وقت الظهر جمع تقديم فلو أن إنساناً مريضاً ثم بعد ذلك صلى الظهر والعصر جمع تقديم ، نقول الآن دخل وقت النهي بقينا في سنة الظهر البعدية هل يفعلها أو لا يفعلها ؟
نقول بأنه يفعلها .
ومثل ذلك لو حصلت أمطار فإن الشافعية يرون الجمع بين الظهرين في حال المطر .
حصلت أمطار غزيرة وجمع الناس صلوا الظهر والعصر جمع تقديم ، هل يصلي سنة الظهر البعدية أو نقول بأنه لا يصليها ؟
نقول استثناها العلماء رحمهم الله وقالوا لا بأس أن يصلي سنة الظهر البعدية بعد العصر ، ويدل لذلك ما سبق من حديث أم سلمة وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر سنة الظهر البعدية لما شغله وفد عبد القيس وصلاها بعد العصر ، فهذا دليل لما ذكره العلماء رحمهم الله من أنه إذا جمع جمع تقديم فإنه لا بأس أن يصلي السنة البعدية بعد صلاة العصر
أيضاً بقينا في مسألة أخيرة تتعلق في أوقات النهي :
هل هناك بلاد تخصص من أوقات النهي أو لا ؟
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمهور أهل العلم أن جميع البلدان سواء لعموم الأحاديث لا فرق بين مكة وغيرها ، النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أبي سعيد :" لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس "
وأيضاً حديث عمرو بن عبسة وحديث عقبة بن عامر وغير ذلك من الأحاديث وهذه لم يرد فيها استثناء مكة ، فهذه تشمل مكة وغيرها .(2/363)
والرأي الثاني : مذهب الشافعية أن مكة لا نهي فيها وعلى هذا لو أن الإنسان تنفل في الحرم بعد العصر أو بعد الفجر فإن هذا جائز ولا بأس به ، هذا ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله .
ويستدلون على هذا بحديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" يابني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى في هذا البيت أية ساعة من ليل أو نهار " فقال : صلى في هذا البيت أية ساعة من ليل أو نهار .
وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بذلك : ركعتي الطواف ، هذا المراد به , وركعتي الطواف من ذوات الأسباب وذوات الأسباب تشرع في أوقات النهي .
واستدلوا بحديث أبي ذر وهو ضعيف لا يثبت :" لا صلاة بعد صلاة الصبح ولا صلاة بعد صلاة العصر إلا بمكة " وهذا أخرجه البيهقي وغيره وهو لا يثبت .
وعلى هذا نقول الصحيح في ذلك : أن مكة وغيرها من البلدان سواء .
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأن النهي كما هو في غيرها أيضاً يكون في مكة ولا خصوصية لمكة فيما يتعلق في أوقات النهي .
وسبق أن أشرنا أن مذهب الشافعية هو أوسع المذاهب في أوقات النهي .
صلاة الجماعة........................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب في صلاة الجماعة وأحكامها وما يبيح تركها وما يتعلق بذلك
قال المؤلف :
" صلاة الجماعة " صلاة مضاف ، والجماعة مضاف إليه ، وهذا من باب إضافة الشيء إلى نوعه لأن الصلوات أنواع :
منها صلاة الجماعة ومنها صلاة التطوع ومنها صلاة الفريضة .. إلخ .
فصلاة الجماعة من باب إضافة الشيء إلى نوعه .
وصلاة الجماعة معناها : أي الصلاة التي تشرع أن تفعل جماعة .
ويبين المؤلف رحمه الله أحكامها كما سيأتي إن شاء الله .(2/364)
وهناك أنواع من الصلوات شرعت جماعة مثل الفرائض ، ومثل الجمعة ، ومثل الكسوف والاستسقاء والتراويح ... إلخ .
وكونها تؤدى جماعة هذا فيه حكم كثيرة جداً من أهم هذه الحكم :
تقوية الرابطة بين المسلمين فإن المسلمين أخوة يجمع بينهم رباط الإيمان وعقيدة التوحيد وأخوة الإسلام وكون الصلوات تؤدى في المساجد هذا مما يقوي هذه الرابطة .
ومثل هذه الشرعية صلاة الجماعة هذه في ملة الإسلام فقط لا توجد لا في اليهودية ولا في النصرانية وهذا من محاسن الشريعة الإسلامية .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأيضاً من حكمها : ما يحصل من الوحدة والإئتلاف ودفع الشر والخلاف وهذا مطلب للشارع ، كون المسلمين يتوحدون ويأتلفون هذا مطلوب للشارع .
وأنت إذا تأملت شرائع الإسلام تجد أنها تدعوا إلى هذا المبدأ كثيراً حتى في المعاملات النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأن يشتري على شرائه وأن يسوم على سومه لما في ذلك من إيغار القلوب وحصول الوحشة ، وإذا تنافرت القلوب تنافرت الأبدان .
وحتى في الأنكحة كما سبق لنا أن الشارع نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه لوجود هذا المعنى .
وأيضاً ما يحصل من التواد والمحبة والتواصل بين المسلمين وما يحصل من التكافل الإجتماعي وإن المسلمين إذا فقدوا أخاهم في المسجد أدى ذلك إلى السؤال عنه وما يترتب على هذا السؤال من زيارته إن كان مريضاً ومن إعانته إن كان محتاجاً ... إلخ .
ومن حكم صلاة الجماعة : إمتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والإقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضي الله تعالى عنهم .
ومن حكمها : ما يترتب على ذلك من الفضل العظيم وأن الإنسان إذا خرج من بيته لم يخطو خطوة إلا رفع له بها درجة وحط له بها خطيئة وكتب له بها حسنة ، وإذا جاء إلى(2/365)
تلزم الرجال للخمس المؤدات................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسجد وصلى ما كتب له لم تزل الملائكة تدعو له اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه اللهم صل عليه ... إلخ .
وهذا لاشك أنه فضل عظيم وأجر كبير وما يترتب على ذلك من بركات كثيرة لا تحصل لمن صلى منفرداً .
فمن البركات ما يحصل من الأدعية والأذكار التي تقال بعد الخروج وأثناء الخروج وعند دخول المسجد وتحية المسجد وقراءة القرآن وصلاة تحية المسجد وإطلاق تكبيرة الإحرام وإطلاق فضل الجماعة .. إلخ .
فهذه حكم عظيمة تدل على أن صلاة الجماعة أنها من محاسن هذه الشريعة وكما ذكرنا أن هذا مما انفردت به هذه الشريعة الغراء .
" تلزم الرجال للخمس المؤدات " فقال المؤلف رحمه الله : تلزم يعني أن صلاة الجماعة واجبة.
لكن متى تكون واجبة ؟
قال : للخمس المؤدات ، فصلاة الجماعة لاتجب إلا للخمس وسنتكلم عليه ، لكن قول المؤلف رحمه الله تلزم يؤخذ من هذا أن صلاة الجماعة للخمس فرائض واجبة .
وصلاة الجماعة هذه اختلف فيها أهل العلم هل هي واجبة أم لا ؟
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الجماعة للجمعة فهذه واجبة بالإجماع ، العلماء يجمعون على ذلك فليس هناك جمعة من منفرد ، لكن يختلف العلماء كما سيأتينا إن شاء الله في أقل عدد الجمعة ، أما بالنسبة للجماعة في الصلوات فهذه موضع خلاف .
هل هي واجبة أو ليست واجبة ؟
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك أربعة آراء :
الرأي الأول : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة أن صلاة الجماعة واجبة .
والرأي الثاني : رأي الإمام مالك رحمه الله أنها سنة .
والرأي الثالث : رأي الشافعي أنها فرض كفاية .(2/366)
والرأي الرابع : وهو أشد الأقوال أنها شرط لصحة الصلاة ، وهذا مذهب الظاهرية وهو كلام قديم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وكلامه الجديد : أنها واجبة على الأعيان ، يعني ليست شرطاً ، إذا تركها الإنسان بلا عذر فإن صلاته صحيحة لكنه يأثم .
ولكل منهم دليل :
وهذه المسألة طال كلام أهل العلم رحمهم الله فيها لكن نختصر الكلام نذكر أبرز الأدلة لكل قول من هذه الأقوال :
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الذين قالوا بأنها فرض كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة رحمهم الله استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة من هذه الأدلة : أن الله عز وجل أمر بالجماعة في السفر وفي حال الخوف ، ففي الحضر وفي حال الأمن من باب أولى ، كما قال الله عز وجل :" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك "
وأيضاً وجه آخر من وجوه الاستدلال من هذه الآية : أن الشارع رخص في ترك كثير من أحكام الصلاة في صلاة الخوف كل ذلك من أجل أن تفعل الجماعة ، ففيها الحركة ، يعني من صفات صلاة الجماعة أنهم يصفون مع النبي صلى الله عليه وسلم صفين ثم يركعون ويرفعون ثم بعد ذلك تذهب طائفة عندما يريد أن يسجد الإمام تذهب طائفة وتقابل العدو وهي في صلاتها تتحرك وهي في الصلاة ثم بعد ذلك ترجع ثم يحصل التقدم ثم يحصل التأخر ... إلخ .
فتركت بعض أحكام الصلاة كل ذلك من أجل تفعل الصلاة جماعة .
وكذلك استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً .. إلى أن قال : هممت أ أمر بالصلاة فتقام ثم أمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق ومعي حزم من حطب إلى قوم يتخلفون عن الصلاة وأحرق عليهم بيوتهم بالنار "(2/367)
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالنبي عليه الصلاة والسلام هم أن يحرق عليهم لتخلفهم .
وأيضاً ما ثبت في صحيح مسلم وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام للأعمى :" هل تسمع النداء ؟ قال نعم ، قال : أجب لا أجد لك رخصة "
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن نبيكم شرع لكم سنن الهدى .. إلى أن قال رضي الله تعالى عنه : ولقد رأيتنا ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض .
فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يصلون ولا يتخلف إلا المريض أو المنافق ، والمريض الذي يتخلف هو المريض الذي اشتد مرضه ، ولهذا قال : ولقد كان الرجل يأتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
فهذا يدل على أنه حتى وإن كان به شيء من المرض ويحتاج إلى من يساعده يأتى به ويقام في الصف حتى يصلي مع الناس .
والذين قالوا بأنها سنة استدلوا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة "
............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن صلاة الفرد فيها فضل وهذا يدل على عدم الوجوب ، لأن قوله : تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد ، هنا دليل على أن صلاة الجماعة فيها فضل وأن صلاة المنفرد فيها فضل ، لكن الفضل في صلاة الجماعة أكثر بسبع وعشرين درجة ، فهذا يدل على أن فيها فضل وإذا كان فيها فضل لا يدل على الوجوب(2/368)
وأجيب عن هذا : بأن ذكر فضل الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال الله عز وجل :" يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم "
فذكر الله عز وجل فضل الإيمان والجهاد مع أن كلاً منهما واجب .
وكذلك استدلوا بحديث يزيد بن الأسود وفيه قصة الرجلين لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر وجد رجلين ناحية المسجد لم يصليا فدعا بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بهما ترعد فرائصهما فقال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ قالوا : يا رسول الله صلينا في رحالنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة "
فقالوا هذا دليل على عدم وجوب الجماعة لأن هذين الرجلين صليا في رحالهما .
وأجيب : بأن هذا الحديث في السفر في منى والناس يصلون في منازلهم وأماكن إقامتهم .
كما هو صنيع الناس اليوم .
.............................................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين قالوا بأنها فرض كفاية قالوا بأنها فرض دليلهم على ذلك ما تقدم من أدلة أبي حنيفة وأحمد ، وقالوا بأنها على الكفاية استدلوا على ذلك بأنها من شعائر الإسلام الظاهرة وإذا كان كذلك فإنه يحصل بالبعض .
يعني إقامة هذه الشعيرة يحصل بالبعض فإذا كان هناك جملة من الناس يصلون في المسجد كفى ذلك .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أيضاً أبي حنيفة وأن صلاة الجماعة واجبة وأن الإنسان إذا تركها بلا عذر فإنه يأثم .
واستدل ابن القيم أيضاً يؤيد ذلك بحديث علي بن شيبان وفيه قول النبي عليه الصلاة والسلام :" لا صلاة لمنفرد خلف الصف " قال ابن القيم رحمه الله :(2/369)