كتاب
شرح الصدور
بزوائد شرح الشذور
تأليف
شمس الدين محمد بن عبد الدائم الراوي
تحقيق
الدكتور
جميل عبد الله عويضة
1429هـ / 2008م
/ بسم الله الرحمن الرحيم 2
وبه نستعين
قال شيخنا الشيخ الإمام ، العالم العلامة ، فريد دهره ، ووحيد عصره ، أبو المناقب محمد شمس الدين ، مفتي المسلمين ابن الشيخ الإمام العالم عبد الدايم بن موسى البرماوي الشافعي ، نفع الله تعالى بتركته وعلومه المسلمين ، ورضي الله عنه وعن والديه والمسلمين .
ومن خطِّه نقلتُ :
الحمد لله الذي أكمل ديننا برحمته ، وأتم علينا عظيم نعمته ، والصلاة والسلام على أفضل مبعوث بشرعته ، محمد وآله وصحبه وعترته ، وبعدُ...
فلمَّا كان كتاب شذور الذهب للعلامة أستاذ المتأخرين جمال الدين عبد الله بن هشام الأنصاري مختصِرا جمع مبسوطات في العربية ، وأنموذجا لمفصل قواعدها الكلية ، وقد شرحه مصنفه رحمه الله بشرح كمَّل به مقاصده ، ونهَّل به موارده ، غير أنّ في المتن جُمَلاً خلا الشرح من إيضاحها ، وقد حلا المتن بأوضاحها ، كان الشيخ رحمه الله زاد بعضها بعد أن تم هذا الشرح وانتشر ، وترك بعضها إمَّا لوضوحها ، أو لغير ذلك مما يعتري البشر ، جمعتُ هذه المواضع على الترتيب ، شارحا لها على طريقة التسديد والتقريب ، متبركا بجليل كلامه ، متأسيا بجميل نظامه ، وسمّيت ذلك شرح الصدور بشرح زوائد الشذور ، جعلني الله من خَدَمة العلماء العاملين ، وحشرني في زمرة المتقين ، أنا ووالِدَيَّ وإخواني وجميع المسلمين ، آمين .
قوله : والفعل إمَّا ماضٍ ، وهو ما يقبل تاء التأنيث الساكنة ، كقامت ، ومنه نعم وبئس .(1/1)
أقول : لم يتعرض في الشرح لبئس ، بل قال عطفا على ما يُستدل على فعليته بتاء التأنيث ، وعلى أن نعم ليست اسما كما يقول الفراء إلى آخره ، وذكر شاهد دخول التاء الساكنة على نعم ، ولم يذكر مثله في بئس / وذلك كما ورد في حديث أبي هريرة رضي 3 الله عنه ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (اللهم إني أعوذ بك من الجوع ، فإنه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة ، فإنها بئست البطانة) . أخرجه أبو داود بإسناد صحيح ، وكأنه لم يكن بينهما فرق ، وفاقا وخلافا ، اكتفى بالكلام على إحداهما ، فإن القائل بفعلية نعم ، وهم البصريون ، والكسائي قائل به في بئس ، والقائل باسميتها ، وهم الفراء وأكثر الكوفيين ، قائل باسمية بئس ، مستدلين بدخول الجار عليهما في نحو قولهم : ما هي بنعم الولد ، وقولهم : نعم السير على بئس العير (1) ، والأولون يقدرون القول في نحو ذلك ، أي ما هي بمقول فيها نعم الولد ، على أنّ ابن عصفور قد قال : لم يختلف أحد من البصريين والكوفيين في أنّ نعم وبئس فعلان ، وإنما الخلاف بعد إسنادهما للفاعل ، هل ذلك جملة على حاله ، أو أنه سُمي به الممدوح أو المذموم محكيا كما تحكى جملة تأبط شرا ، فيكون مجموع نعم الرجل اسما مفردا ، ذهب البصريون إلى الأول ، والكسائي إلى الثاني ، ووافقه الفراء على خروجهما عن حكم الجمل ، إلاّ أنه قال : هذه الجملة صفة لموصوف محذوف أقيمت مقام موصوفها ، فرفعت ما بعدها ، كما ترفعه لو قلت : الممدوح زيد .
قوله في تعريف الكلام : مقصود .
__________
(1) العير ، بفتح العين : الحمار الوحشي والأهلي أيضا ، والجمع أعيار ، وعُيور ومعيوراء 0 الهامش(1/2)
أقول : الغرض بهذا القيد إخراج ما ينطق به النائم والساهي ، وبعض الطيور ، فإنه لا يسمى كلاما على ما اقتضاه كلام ابن مالك في التسهيل وشرحه ، ولم يقيد بهذا القيد في الكافية والألفية ، وغيرهما ، وتبعه المصنف على ذلك في توضيحه ، فقال : إن الكلام عبارة عما اجتمع فيه أمران اللفظ والإفادة ، وجرى على ذلك في شرح اللمحة مع كثرة تعقبه لكلام أبي حيان فيه ، والخلاف في اشتراط القصد شهير ، حكاه أبو حيان في الارتشاف وغيره وقال: الأصح لا يشترط ، قال بعض المحققين/ ولو سلّمنا اشتراطه4 فهو خارج من اشتراطهم الإفادة ؛ فإنها تتضمن القصد ، فيكتفى بها .
قوله في الكلام : وهو خبر وطلب وإنشاء .
أقول : رجع الشيخ رحمه الله عن هذا التقسيم ، وضَرَب على قوله طلب ، وكتب بخطه ما نصّه : كان في النسخة القديمة أنه خبر وطلب وإنشاء ، وكنتُ قلتُ ذلك تسامحا ، وموافقة لبعض النحويين ، ثم رأيت الرجوع إلى التحقيق أولى ، وأنّ الطلب من قسم الإنشاء ؛ لأنّ معناه الاستدعاء ، وهو حاصل في الحال ، كما أنّ معنى نحو بعتُ واشتريتُ في الإنشاء كذلك ، انتهى .(1/3)
وصرّح بنحو ذلك في شرح اللمحة ، فقال بعد أنْ قرّر تقسيم الكلام إلى الثلاثة ، تبعا للمتن ، ووجَّه الحصر بما ذكره في شرح الشذور ما نصّه : وتقسيم الكلام إلى طلب وخبر وإنشاء مشهور ، وقال ابن مالك في كافيته : طلب وخبر ، وليس بشيء ، وقال المحققون : خبر وإنشاء ، وهو الصحيح ، ووجهه أنّ الكلام إمَّا أن يكون لنسبته خارج أو لا ، والأول الخبر ، والثاني الإنشاء ، ثم ذكر تقسيمات أخرى لبعض النحويين مداخلة لهذه التقسيمات المشهورة ، وردها ، وهذا التقسيم هو الذي جرى عليه كثير من النحاة ، وعلماء المعاني والبيان كالسكاكي ، وصاحب الإيضاح ، وأتباعهما ، ولكن هذه المسألة لا تخلو من نظر ، وأنا ذاكر إنْ شاء الله ما تحرر فيها على وجه مختصر، وإن كان فيه طول بالنسبة لما نحن بصدده ، ولكن شدة الاحتياج إلى ذلك حملت على بسطه قليلا ، هذا مع كون المقصود شرح مزيد الشذور ، وهذا وإن كان لفظ نقص ، لكنه زيادة في المعنى ، فلذلك عددته من الزيادات فأقول : تقسيمه إلى الثلاثة أقسام ، وقضية كلام التسهيل وشرحه في باب الموصول ، حيث قال في تعريف الموصول : وجملة صريحة أو مؤولة غير طلبية ، ولا إنشائية ، وجرى على
/ ذلك المصنف في توضيحه في الكلام على الصلة ، حيث قال : وشرطها أن تكون 5 خبرية ، ثم قال : لا إنشائية كبعتكه ، ولا طلبية كاضربْه ، ولا تضربه ، انتهى .(1/4)
... ويظهر ترجيح هذا إنْ شاء الله تعالى ، وذلك لأن اختلاف العلماء في هذه التقسيمات هل المرجع فيه إلى مجرد الاصطلاح ، أو إلى المعنى ، واختلاف الحقائق بحيث لا تدخل حقيقة قسم تحت آخر ، فإن كان الأول غلا مشاححة في الاصطلاح ، لكن تكثير الأقسام ، وإفرادها بأسماء أفْيَدُ من تقليلها من حيث أنه لا يجوز بعد ذكر المطلوب باسمه إلى قرينة أصلا ، وإن كان الثاني فالقائل بتثليث القسمة على الوجه السابق قد ميّز بين الطلب والإنشاء بأنّ الإنشاء لا خارج له ، بل معناه مقارن للفظه في الزمن ، وبأنه لا اقتضاء فيه والطلب له خارج ، وفيه اقتضاء ، أمَّا اقتضاؤه فواضح ، وأمَّأ كونه له خارج ؛ فلأن النسبة التي بها صار كلاما ، وهي النسبة الواقعة بين جزئيه لا بدّ لها من زمن تقع فيه إنْ أوجدت ، وزمنها المستقبل ؛ لأنها مطلوبة ، والمطلوب غير حاصل ، ولا حل ذلك ، قال ابن مالك في تسهيله في فعل الأمر : والأمر مستقبل أبداً ، وعلل ذلك في شرحه بأنه يُطلب به حصول ما لم يحصل ، فلزم استقباله ، وهذا معنى شامل للجملة الطلبية مطلقا ، أمرا أو نهيا أو استفهاما ، وإذا ثبت أنّ له خارجا ، ثبت تغايره مع الإنشاء لبناء فيهما في ذلك ، وأمَّا ما استدل به من أنّ الطلب معناه الاستدعاء ، وهو حاصل في الحال ، فهو شيء نقله الشيخ أبو حيان في شرح التسهيل عن قاضي الجماعة أبي الوليد محمد بن رشد ، فإنه نقل عنه أنّ قول النحاة في الأمر والنهي فعل مستقبل ليس في الحقيقة هو ذلك الفعل المستقبل ، وإنما هو استدعاء فعله ، أو استدعاء تركه ، قال : كما أنّ استدعاء الخبر ، وهو الاستفهام/ ليس خبرا ، ولكن لمَّا اشتق فعله من لفظ الفعل الكائن في المستقبل ،6 جعلوه فعلا ، وهذا ضعيف ، لا يُعوّل عليه ؛ لأن معنى إثبات الخارج للكلام ونفيه إنما هو في النسبة التي يُحكم بها فيه نفيا وإثباتا ، وأمَّا الاستدعاء والخبر والإنشاء فأوصاف ومعان قائمة بالفعل ، وإطلاقها على نفس(1/5)
الكلام من إطلاق المصدر على آلته ، كما يُطلق الشرّ على السيف بهذا الاعتبار ، فيقولون : تأبط شرّاً ، وإنما السيف آلة للقتل ، الذي هو الشر ، أو سببُه ، غلبَ ذلك على الكلام ، وصار إطلاقه عليه حقيقة عُرفية ، فإنْ لحظت تلك المعاني باعتبار الأصل فهي كلّها موجودة وقت التكلّم والإخبار ، وهو إفادة المُخبِر المُخبَر به ، والطلب وهو الاستدعاء من المطلوب منه ، والإنشاء وهو إيجاد اللفظ ليوجد المعنى المُنشأ ، يحصل كله بمجرد اللفظ بالكلام ، وإنما الخارج ، وعدم الخارج للنسبة ، فالإنشاء لم لما كان ترتيب أمر على أمر على وجه السببية والمسببية لم يكن له خارج ، لعدم تخلّف نسبته ، بخلاف النسبة الخبرية ، أو الطلبية فإنها تقع في زمن ماض أو مستقبل أو حال ، فقولك : اضرب مثلاً معنى فيه أمران : نسبة الضرب للمخاطب ، وإيقاعها على وجه الطلب ، فنسبته لا تقع إنْ أوجدها الفاعل إلاّ في الزمن المستقبل ، كما أنّ قولك : يضرب غدا معناه أنّ النسبة تقع في المستقبل ، فإن قلتَ : فمن قال كابن مالك في الكافية أنه خبر وطلب ، هل هو ليس بشيء كما قال الشيخ ، قلتُ : بلى له وجه ، وذلك أنّ الإنشاء عند من ثلّث القسمة ليس هو من وضع اللغة ، إنما هو أمر أثبته الشرع ، فسموه إنشاء ، فرقا بين ما نُقل عنه ، وبين ما نُقل إليه ، فلفظ بعتك كذا ، وأنت طالق ، وأشهد بكذا إخبارات لغةً ، جعلها الشارع أسبابا لأحكامها المترتبة عليه بشروطها ، فنُقلتْ من الخبر إلى الإنشاء ، بل الحنفية يقولون : إنها إخبارات على حالها / وأنّ الشارع لمَّا رتّب عليها هذه7 الأحكام وجب من حيث استحالة الخلف في خبره أنْ يقدر وقوع مدلولها قبيل النطق بها ، فإذا نطق بها كانت إخبارا عما وقع ، والجدال بين الفريقين محله أصول الفقه ، وهذا القدر كافٍ ، تبين به دخول الإنشاء في الخبر على كلا المذهبين ، فصحّ تقسيم ابن مالك في كافيته ، وصحّ بذلك تعريفه في شرح التسهيل النسبة بقوله :(1/6)
تعليق خبر بمُخبر عنه ، أو طلب بمطلوب ، فإنّ الشيخ أبا حيان أورد عليه النسبة الإنشائية ، فإنْ قلتَ : فمن الأصوليين وغيرهم كما سبق مَمْ يقسمها إلى خبر وإنشاء ، فإذا كان الإنشاء داخلا في الخبر فتنحصر الأقسام حينئذ في الخبر، قلتُ : مَنْ قال بذلك جعل الإنشاء على ضربين : ضرب معلوم من كلام العرب ، وهو الأمر والنهي والاستفهام ، بناء على تسميته إنشاء ؛ لأنه ليس بخبر ، وقد سبق ما في ، وضرب من الحقائق الشرعية المنقولة من الحقائق اللغوية ، وهو صيغ العقود والطلاق والفسوخ وغيرها مما هو في كتب الفقه مقرر باتفاق ، أو بخلاف ، كالظهار ونحوه ، ومن ثم جعل الفراء في فروقه من الفروق بين الخبر والإنشاء أنْ الخبر يكفي فيه الوضع في جميع صوره ، والإنشاء قد يكون منقولا عن أصل الوضع كالعتق والطلاق والعقود ونحوها ، وقد يقع إنشاءً بالوضع كالأوامر والنواهي .
... قوله في تعريف الإعراب : في آخر الاسم المتمكن ، والفعل المضارع .(1/7)
... أقول : كان في النسخة القديمة التي شرح عليها في آخر الكلمة ، ولهذا قال في الشرح : وقولي في آخر الكلمة ، ثم رأى المصنف أنْ يُصرح بما يدخله الإعراب من الكلمات الثلاث ، فقال : في آخر الاسم إلى آخره ، ومعناه أنّ المعرب من الكلمات الثلاث نوعان : أحدهما الاسم المتمكن ، وهو ما لم يشبه الحرف فيما يختص به على الوجه المذكور في المطولات ، نحو زيد ورجل ورجال ، وهنود ، والثاني / الفعل المضارع 8 لكن بشرط تجرده من مباشرة نون التوكيد ، شديدة كانت ، نحو[ لينبذنّ في الحطمة ] (1) وخفيفة نحو [ لنسفعا بالناصية ] (2) ومن نون الإناث ، نحو النسوة يخرجن ، فخرج من ذلك الحرف ، والاسم الذي يشبه الحرف ، ويسمى غير متمكن ، والفعل الماضي والأمر والمضارع إذا اتّصل به نون توكيد أو إناث ، فإنها مبنية ، وقد ذكرها في باب البناء ، وما بُنيتْ عليه من حركة أو سكون . قلتُ : ولو اقتصر على ما كان في النسخة الأولى ، وهو في آخر الكلمة لما ضرّه ذلك ؛ لأن الألف واللام في الكلمة للجنس ، لا للاستغراق ، وقوله : أو لا يجلبه العامل حصر للأثر في الإعراب ، وهو لا يكون إلاّ في النوعين المذكورين ، إذ ليس لنا أثر يجلبه العامل في غيرهما حتى يخرج بعد أن قُيِّد بما يجلبه العامل ، وإنما قصد المصنف زيادة فائدة إلاّ أنه أهمل تقييد المضارع بتجرده من النونين ، إحالة على ما ذكره في باب البناء .
... قوله في باب جمع المذكر : فيما ألحق به في إعرابه وعالمون .
__________
(1) الهمزة 4
(2) العلق 15(1/8)
... أقول : وقع في هذه اللفظة اضطراب ، فمنهم مَنْ قال إنه اسم جمع ، وعليه جرى المصنف في التوضيح ، تبعا لابن مالك ، ولمن سبق إلى ذلك ، احتجاجا بأن عالمين اسم مخصوص بمن يعقل ، والعالَم عام فيمن يعقل ، ومَن لا يعقل ، والجمع لا يكون أخص من مفرده ، ومنهم مَنْ جعله جمعا لم يستوف الشروط من حيث إنّ عالما اسم جنس ، وليس بعَلم ، ولا صفة ، سواء قلنا إنّ اشتقاقه من العلم ، أو من العلامة ، وبالجملة فهو ملحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالواو رفعا ، وبالياء جرّاً ونصباً ، كما تقول : يفنى العالمون ، وخلق الله العالمين ، والحمد لله ربّ العالمين .
... وقوله فيه : وسنون وعشرون وبابهما ، وأهلُون وعِلِّيُّون ، ونحوه .(1/9)
... أقول : أهمل في الشرح العشرين وبابه ، وما بعده ، فأمَّا عشرون وبابه فالمراد به / العقود الثماتية إلى تسعين ، وهي أسماء جموع على الأصح ، لا جموع على 9 سبيل التعويض ، كما قرره بعضهم موجها له بشيء ضعيف ، وأما باب سنين فقد شرحه المصنف بقوله : وأشرت بقولي وبابه إلى آخره ، وإفراد الضمير في بابه يدل على أنه لم يكن في النسخة التي شرح عليها عشرون ، فلا يقال : إنما لم يذكر المصنف في الشرح العشرين وبابه لوضوحه ، وأمَّا أهلون فمن جموع التصحيح التي لم تستوف الشروط ، فإنه جمع أهل ، وهو لا علم ولا صفة ، قال تعالى : [ سيقول لك المخلَّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا ] (1) ، وقال تعالى : [ قوا أنفسكم وأهليكم نارا ] (2) وأمَّا علِّيُّون فجمع مستوف للشروط ، لكنه سمي به ، فصار مدلوله مفردا ، وهو اسم لأعلى الجنّة ، وكأنه في الأصل جمع عَلِيٍّ بوزن فعِّيل من العلو ، وهذا قد يكون من صفات العقلاء ، فجمع جمع ما يعقل ، وسُمِّي به ، وقوله : ونحوه ، يحتمل عود الضمير على عليين ، فيكون ما سمي به الأمكنة من الجموع كصفين ونصيبين وفلسطين ودارين ونحوه ، ويحتمل أن يكون المراد ونحوه ما سبق كله ، وذلك معلوم من شرح كل نوع مما سبق .
... قوله في باب الأمثلة الخمسة : وأمَّا نحو [ أتحاجونّي ] فالمحذوف نون الوقاية .
__________
(1) الفتح 11
(2) التحريم6(1/10)
... أقول : هذا جواب عن سؤال مقدر ، وتقريره أنّ النون في الأمثلة الخمسة قد حذفت في حالة الرفع فيما اجتمعت فيه مع نون الوقاية ، وذلك في قوله تعالى : [ أتحاجونّي في الله وقد هداني ] (1) على قراءة مَنْ قرأ بنون واحدة ، فقد حذفت من غير ناصب وجازم ، وكان الأصل أتحاجونني بنونين ، الأولى منهما نون تفعلون ، والثانية نون الوقاية ، فحذفت نون الرفع ، فصار بنون واحدة ، فأجاب بأن المحذوف نون الوقاية في ذلك ، أي كما هو مذهب الأخفش ، والمبرد، وأبي علي الفارسي ، وأبي الفتح بن جني ، وأكثر المتأخرين (2) ، وإن كان مختارُ ابن مالك وفاقا لسيبويه / أن المحذوف إنما هو نون الرفع ، وحجة ا10 لأول أنّ الثانية هي التي حصل بها الثِّقَل والتكرار ، فهي أولى بالحذف ، ولأن الحاجة إليها أن تقي الفعل الكسر أو غيره على الخلاف المشهور في ذلك ، وهذا حاصل بنون الرفع ، ولأن نون الرفع علامة الإعراب ، فينبغي المحافظة عليها ، إلى غير ذلك من الأدلّة ، وللثاني حجج لا نُطوِّل بذكرها .
... وقوله فيه : بخلاف : [ وإن تعفوا أقرب للتقوى ] .
... أقول : كأنه إنما لم يتعرض له في الشرح لظهوره مما قرر به الفرق بين المضارع والمعتل بالواو إذا كان لمذكر ، ونونه نون الرفع ، وبين ما تكون نونه نون إناث ، فقوله تعالى : [ وأنْ تعفوا أقرب للتقوى ] (3) تعفوا منصوب بأن المصدرية ، وأصله تعفوون ، فحذفت إحدى الواوين للاستثقال ، ثم دخل الناصب ، فحذفت النون ، ووزنه على هذا تفعُون كما قرره الشيخ ، وأنْ ومعمولها مؤول بمفرد ، وهو مبتدأ ، وأقرب خبره .
... وقوله في باب المعتل : ونحو [ إنه من يتقي ويصبر ] مؤوّل .
__________
(1) الأنعام 80
(2) كتب في الهامش بخط مخالف للخط الذي كتبت به المخطوطة ، وإن كان قريبا منه : خالف المصنف ذلك في التوضيح ، فقال : الصحيح أنّ المحذوف نون الرفع .
(3) المائدة 8(1/11)
... أقول : هذا أيضا جواب عن سؤال مقدّر ، أي كيف ثبت حرف العلة في المعتل مع وجود الجازم ، وهو مَنْ الشرطية ، على قراءة مَنْ قرأ يتقي بالياء ويصبر بسكون الراء (1) ، فأجاب بأنه مُتأوّل ، فلا يقدح فيما قرره من الحكم ، وقد ذُكرت له وجوه من التأويل (2) ، أحدها : أن الياء للإشباع ، لا الياء الأصلية ، الثاني : أنّ مَنْ موصولة ، وتسكين يصبرْ إمَّا لتوالي أربع حركات في الباء والراء والفاء والهمزة ، وإمَّا لأنه وصل بنية الوقف ، وإمَّا على العطف على المعنى ؛ لأن مَن الموصولة فيها معنى الشرطية ، ولذلك تدخل الفاء في خبرها ، فهذه تأويلات ضعف الأول منها بأنه لا دليل على الإشباع ، والثاني بأنّ محل التسكين في توالي الحركات حيث كانت في كلمة واحدة ، وضعفت البواقي بالاستبعاد ، ولأجل ذلك اختار ابن مالك في التسهيل أن الجزم قد يقدر / في المعتل في11 السَّعة ، ومثَّله في الشرح بالآية ، وغيرها من الأمثلة .
... قوله في باب البناء : ما بني على الفتح نحو [ ليسجنن وليكونا ] بخلاف نحو [ لتبلون] ، [ ولا يصدنك ] .
__________
(1) هي قراءة قنبل . الهامش .
(2) جاء في الهامش : تأويل الإشباع قول قيس بن زهير : ألم يأتيك والأنباء تُنمِي ، وقول الآخر : لم تهجو ولم تدع ، وتأويل الإسكان لتوالي الحركات قراءة أبي عمرو : بارئْكم ، ويأمرْكم ، وتأمرْهم ، وينصرْكم ، ويُشعرْكم ، بالإسكان ، وقول امرئ القيس : فاليوم أشربْ غير مستحقب ، ويؤيد الوصل بنية الوقف قراءة قنبل : وجئتك من سبأ ، لقد كان لسبأ بالإسكان ، ويؤيد العطف على المعنى قراءة غير أبي عمرو فأصدّق وأكن ، فإذا ثبتت القراءة ، وأمكن حملها على هذه التواجيه المعتضدة بهذه النظائر ، فلا معنى لضعفها ، ولا لاستبعادها .(1/12)
... أقول : لم يتكلم المصنف في الشرح على تقرير [ ليسجنن وليكونا] (1) وإنّما مثل بقوله تعالى : [ لينبذن في الحطمة ] (2) ولا فرق ، ولذلك لا فرق في ذلك بين نون التوكيد المشددة والخفيفة ، نحو : وليكونا ، فلذلك كان التمثل الواقع في الشذور أولى من حيث إنه جمع بين المثقلة والمخففة ، وكذلك لم يتعرض في الشرح لقوله تعالى " [ ولا يصدنك] (3) استغناءً عن ذلك بقوله تعالى : [ ولتسمعن ] (4) فإنه مثله في كون آخر الفعل صحيحا ، دخل فيه الضمير ونون الرفع ، ثم أكد بالنون المشددة ، فحذف نون الرفع ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الواو ، وبقيت الضمة دالة عليها ، فالفاصل هو الواو المقدرة ، بخلاف لتبلون ، فإن الفاصل هو الواو الموجودة، فالتمثيل في الشرح بقوله تعالى:[ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن ] (5) أولى ، لجمعه الأمرين في آية ، نعم تعرّض في الشرح لتقرير الأصل ، والحذف في لتسمعن دون لتبلون ، وذِكر ذلك في لتبلون أولى ؛ لأنه أخفى ، والأصل فيه لتبلوونن بواو هي لام الكلمة ، وبعدها واو الضمير ، ونون الرفع ، ثم نون التوكيد ، فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال ، وتحركت الواو الذي هي لام الكلمة ، وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، فالتقى ساكنان الألف وواو الضمير ، فحذفت الألف لذلك ، وضُمت واو الضمير ؛ للدلالة على المحذوف ، لأنه كان يُضَم لو نُطِق به ، وإن شئت قلتَ : استثقلت الضمة على الواو الأولى / ساكنان ، فحذفت الواو الأولى ، وحُركتْ الواو بحركة مجانسة دلالة 12 على المحذوف .
قوله : وما رُكِّب من الأعداد والظروف والأحوال والأعلام ، ثم مثّل الأعلام بنحو بعلبك .
__________
(1) يوسف 32
(2) الهمزة 4
(3) القصص 87
(4) آل عمران 186
(5) آل عمران 186(1/13)
أقول : لم يتعرض في الشرح للمركب من الأعلام ، والمراد به كل اسمين نزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التأنيث ، والحكم فيه أنْ الجزء الأول إنْ كان آخره ياءً كانت مسكنة ، نحو معديْ كربَ ، وقاليْ قلا ، وإلاّ فهو مبني على الفتح نحو بعلَبَك ، وحضرِمَوت ، وسيبَوَيه ، وأما الجزء الأخير فإن كان كلمة ويه بُنيَ على الكسر على أفصح اللغتين ، وعليها اقتصر سيبويه ، والثانية إعرابه إعراب ما لا ينصرف ، وإن لم يكن آخره كلمة ويه ، أُعرب إعراب ما لا ينصرف ؛ لوجود علتين فيه ، العلميّة والتركيب ، على أفصح اللغات فيه ، واللغة الثانية إضافة صدره إلى عجزه فيخفض على ما يقتضيه الحكم من صرفٍ وغيره ، والأول مُعربٌ بحسب العوامل ، إلاّ أنه إذا كان آخره ياءً نحو معدي كرب ، فلا يظهر فتحُهُ في حالة النصب ؛ لثقلها في المركب ، بخلاف غيره ، نحو القاضي ، فإنها تظهر لخفَّتها فيه ، واللغة الثالثة أن يُبنى الجزءان تشبيها بخمسة عشر ، وهذه اللغة هي الأقرب إلى كلام المصنف وسياقه .
قوله فيه أيضا في تمثيل الظرف المضاف للجملة : وعلى حين يستصبِيَن كل حليم.
أقول : لمَّا قال : وإعرابه مرجوحٌ قبل الفعل المبني ، شمل ذلك الماضي والمضارع المبني ، ويستصبين في هذا البيت مضارع مبني ؛ لاتّصال نون الإناث به ، نحو يقمنَ ويخرجنَ ، ومن ثم عيب على ابن مالك قوله في الكافية : وقبل فعلٍ ماضٍ البنار رجح فإنه لا يتقيد بالماضي ، ولهذا قال هو في ألفيَّتِه / واختر بنا متلوِّ فِعلٍ بُنيا ، فشمل 13 النوعين ، وهو الصواب .
قوله في ما بُني على الفتح أو نائبه : وفتح نحو قائمات أرجح من كسره .(1/14)
أقول : لمَّا بيّن المصنف أنْ المبني على الفتح أو نائبه هو اسم لا العاملة عمل إنّ ، وهو مراده بقوله النافية للجنس ، ومثّل للحالة التي يُبنى فيها على الفتح بلا رجل ، ولا رجال ، وللحالة التي تبنى فيها على نائب الفتح بما بعده ، وجعل منه لا قائمات ، ذكر أنّ هذا ليس حتما ، بل يجوز أن يُبنى على الفتح ، بل هو الأرجح ، ويروى بالوجهين قول سلامة بن جندل :
... إنّ الشبابَ الذي مجدٌ عواقبُه ... ... فيه نلذُ ولا لذاتَِ للشيب
وفي ذلك ردٌّ على مَنْ عيّن الكسر ، أو عين الفتح كابن عصفور ، أو كسر مع التنوين كابن خروف (1) ، وربما بنى بعض المغاربة الخلاف على أنّ حركة اسم لا ، حركة إعراب أو بناء ، فمن قال إعراب كسر ، ومن قال بناء فتح .
قوله : ولك في الثاني من نحو لا رجلَ ظريف ، ولا ماءَ ماءً باردا بالنصب والرفع والفتح .
أقول : لم يشرح مسألة لا ماءَ ماءً باردا ، وحقيقة المسألة أنه إذا كرر اسم لا المفرد ، ولم يفصل ، ووصف بمفرد غير مفصول ، نحو : لا ماءَ ماءً بارداً في الدار ، فماء الثاني صفة لاسم لا ؛ لأن الاسم الجامد إذا وصف صحّ أن يقع صفة ، والصفة فيها ثلاثة أوجه ، فيكون هذا من أمثلة الصفة ، والقول بأنه توكيد خطأ ؛ لأنه إن كان من التوكيد المعنوي فهو بألفاظ مخصوصة ، كالنفس والعين ، وإن كان من التوكيد اللفظي فليس معناه بعد أن وصف معنى الذي قبله ، بل تغيّر معناه ، ولا يقال أيضا أنه بدل ؛ لأن لفظه لفظ الأول ، ولو كان قد وصف ، قلتُ : ويُحتمل أن يجعل باردا صفة لماء الأول ، فلا مانع حينئذ أن يكون ماءً الثاني تأكيدا للأول ، ومَنْ زعم أن المانع من كونه تأكيدا أن الأول نكرة غير محدودة ، فرد عليه بأن ذلك في التوكيد المعنوي ، لا اللفظي ، والله أعلم .
__________
(1) لم يرجح في التوضيح شيئا من الوجهين ، بل نقل عن الخصائص أنه لا يجيز فتحه بصري إلاّ أبو عثمان ، وهو المراد بقوله شيخنا هنا ، خلافا لمن عيّن الكسر . الحاشية .(1/15)
قوله في ما بُني على الضم : في التمثيل بقبضت عشرة ليس غيرُ فيمن ضمّ ولم ينوّن .
/ أقول : لم يشرح هذا القيد ، والمراد أنّ غير إذا قُطعت عن الإضافة كان فيها14 أوجه أربعة : مع التنوين ، ودونه ، والضم مع التنوين ، ودونه ، وتوجيه ذلك مرتب على مقدمة ، وهي أنّ ما يجب إضافته من أسماء الزمان أو المكان ، ونحوها ، كقبل ، وبعد ، وفوق ، وتحت ، وما أشبهها ، إذا قطع عن الإضافة فإمَّا أنْ يُنوى لفظ المضاف إليه ، فيكون ذلك معربا ، والحركة فيه للإعراب ، غير أنه لا ينون ، وإمَّا أن يُنوى معنى الإضافة ، فيجب البناء على الضم ، وإمَّا أنْ لا يُنوى شيء منهما ، فيعرب ويُنوّن ، إذ لا موجب لترك التنوين إذا عُلِم ذلك ، فأوّل الأوجه الأربعة في غير ، توجيهه أن يكون اسم ليس محذوفا ، وغيراً مقطوعة عن الإضافة ، من غير نية لفظ المضاف إليه ، ولا معناه ، أي ليس المقبوض غيراً ، أي مغايرا لذلك ، والثاني توجيهه أن يكون على نية لفظ المضاف إليه ، أي ليس المقبوض غيره ، فالفتحة إعراب قطعا ، والثالث توجيهه أن يكون غير اسم ليس ، وهي مقطوعة عن تقدير لفظ المضاف إليه ، وعن نية الإضافة ، والرابع في توجيهه مذهبان : أحدهما وبه قال المبرد والمتأخرون أن ضمة غير ضمة بناء ، تشبيها بالظروف ، وعلى هذا يحتمل أن يكون في موضع رفع على أنه اسم ليس ، وأن يكون في موضع نصب على أنه خبرها ، والثاني : مذهب الأخفش أنها ضمة إعراب ، وهي اسم ليس ، والخبر محذوف ، وقال ابن خروف : تحتمل الوجهين ، وجرى عليه المصنف في شرح الشذور ، غير أنه ضعّف الوجه الثاني بما يظهر لك منه أرجحية بعض الأوجه السابقة على بعض ، وقد علمت مما قرّرناه أنه ليس لها حالة يكون البناء فيها على الضم على الأرجح إلاّ في حالة واحدة ، وهي ما إذا نوى معنى الإضافة دون لفظ المضاف إليه ، فعبّر المصنف عنها بقوله : فيمن ضم ولم ينوِّن ، ولكن هذه العبارة يدخل فيها ما إذا نوى لفظ المضاف(1/16)
إليه ، بدليل أنه في الشرح / أدخلها تحت الضم من غير تنوين ، ثم قال: وتكون الضمة على15 هذا ضمة إعراب ، ففيه انتباه على ما في المتن .
قوله : فيما لا يطرد فيه شيء بعينه ، وذات فيما بناه .
أقول : معنى ذلك أن ذات الطائية بمعنى التي إذا قلنا بما هو الأكثر فيها البناء على الضم ، فيكون من هذا الباب ، ومنها ذوات أيضا بمعنى اللاتي ، وعلى ذلك اقتصر ابن مالك ، فلم يحك فيهما إلاّ البناء على الضم ، وحكى غيره إعرابهما كإعراب ذات ، بمعنى صاحبة ، وذوات بمعنى صواحب ، وإنما ذكرت ذلك لأن الشيخ لم يبين في الشرح مقابلة البناء فيها وقوله فيه : وبعض الظروف كإذ والآن وأمس وحيث مثلثا .(1/17)
أقول : هذا القسم السابع من الأسماء المبنية التي لم يطرد فيها شيء بعينه ، ولم يتعرض له في الشرح مع كونه صدر كلامه في ذلك بأنها سبعة ، ثم شرح ستة ، ولم يشرح هذا السابع ، فأمَّا إذ فإنها مثال لِما بُني من الظرف على السكون ، والغالب ظرفيتها ، وهي حينئذ ظرف للماضي ، نحو [ وإذ أنجيناكم ] (1) ، [ وإذ قال موسى لقومه ] (2) وهو الكثير ، ويقلّ كونها للمستقبل عند مَنْ أثبته ، ومثّل ذلك بقوله تعالى : [ يومئذ تحدث أخبارها ] (3) ، وأما الآن فمثال لما بُني على الفتح ، وهو ظرف للزمن الحاضر ، والألف واللام فيه زائدة لازمة على الأصح ، وقيل عهدية حضورية ، وأما أمس فمثال لما بني على الكسر ، هذا إذا كان المراد به معينا ، وهو اليوم الذي يعقبه يومك فأما إن أُريد به يوم من الأيام الماضية مطلقا فإنه يعرب ، وأما حيث فظرف مكان ، وفيها ست لغات : حيث بالياء على الأكثر ، وهي مثلثة الثاء ، وهومعنى قول المصنف مثلثا ، وحَوْثُ بالواو مع التثليث أيضا ، وهي لغة طيء ، وأما علل بناء هذه الظروف فلم نذكره لكون المصنف لم يذكر من علل بناء الأقسام التي ذكرها إلاّ يسيرا ، والقصد إنما هو المشي على منواله من غير تطويل ، قلتُ : هذا ما كنت كتبته ثم / رأيتُ نسخة من هذا الكتاب فيها زيادة شرح لهذا النوع مستوفى 16 مطولا ؛ فليكتب من هذه النسخة ، فإن كان المصنف ألحق ذلك بعدُ فلا بأس ، والله أعلم .
قوله في تعريف الفاعل : على جهة قيامه به ، أو وقوعه منه ، ومثّل بأمثلة .
__________
(1) الأعراف 141
(2) البقرة 54 ، 67 ، المائدة 20 ، إبراهيم 6 ، الصف 5
(3) الزلزلة 4(1/18)
أقول : لم يُبيِّن في الشرح المراد والإتيان بجميعها على عادته غالبا ، بل سكت عن ذلك ، والمراد أنّ الفعل القائم بالفاعل إمَّا معنوي ، نحو : علم زيدٌ ، أو عدمي ، نحو : مات زيد ، والذي هو على جهة وقوعه منه ، نحو ضرب زيد، وإنما قلنا في علم زيد أنه قائم بالفاعل ؛ لأن العلم على الأرجح من مقولة الانفعال ، لأمن مقولة الفعل ، وإنما قلنا أن الموت عدمي لأنه عدم الحياة ، ويقابلهما تقابل العدم والملكة ، كما هو الأرجح أيضا .
قوله في النائب عن الفاعل ، عند ذكر ما ينوب عنه : والمجرور ، نحو : [غير المغضوب عليهم ] ، ومنه : [ لا يُؤخذ منها ] .
أقول : لم يتعرض في الشرح للآية الأولى ، والمراد أن الذي يسند للنائب عن الفاعل إذا كان مجرورا إمَّا فعل ، نحو قوله تعالى : [ وإن تعدل كل عدل لا يُؤخذ منها ] (1) وإمَّا اسم مفعول ، نحو قوله تعالى : [ غير المغضوب عليهم ] (2) ، وهذا كله إذا جعلنا منها في الآية الأولى ، وعليهم في الثانية هو النائب عن الفاعل ، أمَّا إذا أُقيم ضمير المصدر مقامه ، أو غير ذلك ، فلا يكون مثالا لما نحن فيه .
قوله فيما استوى فيه الفاعل ونائبه من الأحكام : ويحذف عاملهما جوازا ، نحو : زيد ، لمن قال : مَنْ قام ؟ أو مَنْ ضُرِب ؟ ووجوبا ، نحو : [ إذا السماء انشقت ] (3) ، [ وإذا الأرض مُدّت ] (4) .
__________
(1) الأنعام 70
(2) الفاتحة 7
(3) الانشقاق 1
(4) الانشقاق 3(1/19)
أقول : لم يتعرض له في الشرح ، بل قال : ذكرت هنا أربعة أحكام ، يشترك فيها الفاعل ، والنائب ، ولم يذكر هذا الحكم ، ثم ذكر خمسة أحكام ، فزاد على ما ذكره من العدد واحدا ، والخمسة التي ذكرها هي في المتن ، وزيادة هذا الذي نقلناه ، فيكون سادسا ، والحاصل فيه أن الفاعل ، ونائب الفاعل قد يُحذف رافعهما للدلالة / عليه ، وهذا الحذف17 على ضربين: جائز وواجب ، فالجائز نحو قولك : زيد ، في جواب مَنْ قال : مَنْ قام؟ أو مَن ضُرِب ؟ أي قام زيد ، أو ضُرِب زيد ، لكنّ الأحسن أن يقال في جواب هل قام أحدٌ ، أو هل ضُرب أحدٌ ؛ لأن جواب مَنْ قام الأولى فيه تقدير اسم ، أي القائم زيد ، أو نحو ذلك ، ليطابق الجواب السؤال ؛ لأن السؤال بجملة اسمية ، فيكون الجواب كذلك ، وحينئذ فلا يكون المذكور فاعلا (1) ، وأمَّا الواجب ففي نحو قوله تعالى : [ إذا السماء انشقت ] (2) ، [ وإذا الأرض مُدّت ] (3) ، التقدير : انشقت السماء ، ومدت الأرض ؛ لأن أدوات الشرط لا يليها إلاّ الجمل الفعلية على الأرجح ، وهو مذهب سيبويه ، وقد ضعّف ما نقل عنه غير ذلك ، كما نقل عنه السهيلي أنه يُجيز وقوع المبتدأ بعده على رداءة ، ونقل ابن أبي الربيع عنه أنه يجيز ذلك ، إذا كان الخبر جملة فعلية ، وقال إنه يظهر من مذهبه في باب الاشتغال ، لكن قال ابن مالك في شرح التسهيل : لا يجيز سيبويه غير تقدير الفعل ، وأجاز الأخفش جعل المرفوع بعدها مبتدأ ، سواءٌ كان الخبر اسما أو فعلا ، ووافقه ابن مالك في التسهيل ، وقال في شرحه : وبقوله أقول ، مستدلا بقوله (4) :
إِذا باهِلِيٌّ تَحتَهُ حَنظَلِيَّةٌ لَهُ وَلَدٌ مِنها فَذاكَ المُذَرَّعُ
__________
(1) كتب في الهامش : نحو ذلك ، أي زيد القائم ، وحينئذ فلا يكون المذكور فاعلا لفعل محذوف ، بل إمَّا خبرا لمبتدأ محذوف على التقدير الأول ، أو مبتدأ لخبر محذوف على التقدير الثاني .
(2) الانشقاق 1
(3) الانشقاق 3
(4) البيت من الطويل ، وهو للفرزدق(1/20)
ولا حجة فيه ؛ لأن الفعل يقدر من جنس عامل الظرف ، أي إذا وجد ، أو نحو ذلك ، وإنما كان الحذف في هذا النوع واجبا لأن ما بعد الاسم مفسر للمحذوف على طريق البدل منه ، فلا يجمع بينهما .
قوله : ولا أرض أبقل إبقالها ، ضرورة ، خلافا لابن كيسان .
أقول : مذهب ابن كيسان أنه يجوز ترك التاء فيما أسند لضمير المؤنث ، واستدل بقول عامر بن جوين الطائي (1) :
... ... فلا مزنةٌ ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
والجواب عنه كما قال المصنف : إنّ هذا ضرورة ، وقد استغنى الشيخ في الشرح عن هذا البيت بقوله (2) :
/ إِنَّ السَّماحَةَ وَالمُروءَةَ ضُمِّنا البيت ، فإنه مثله في الإسناد لضمير 18 المؤنث ، مع ترك التاء ، ولكن المشهور عن ابن كيسان أنه استدل بالبيت الأول ، وقد أنشده سيبويه على المسألة ، وأنشد عليها أيضا قول الأعشى (3) :
... ... فَإمَّأ تَريني ولي لِمَّةٌ فَإِنَّ الحَوادِثَ أَودى بِها
__________
(1) من المتقارب ، انظر : الكتاب ، المفصل ، خزانة الأدب ، فرحة الأريب
(2) صدر بيت من الكامل لزياد الأعجم ، وعجزه : قَبراً بمَرو عَلى الطَّريقِ الواضِحِ
انظر : الشعر والشعراء ، معجم الأدباء
(3) من المتقارب ، وروايته في ديوانه : فَإِن تَعهَديني وَلي لِمَّةٌ فَإِنَّ الحَوادِثَ أَلوى بِها(1/21)
لكن بلفظ : فإمّأ تَري لِمّتي بُدِّلّتْ . أي بُدِّلت من السواد إلى البياض ، وقال ابن كيسان في البيت الأول : كان يمكن الشاعر أن يقول : أبقلت إبقالها ، بإثبات التاء ، وإسقاط الهمزة من إبقالها ، ورُدَّ عليه بأنّ من العرب مَنْ لا يجيز في الهمزة إلاّ التحقيق ، فمن أين لنا أنّ هذا الشاعر يجيز النقل والحذف . قلتُ : وفيه نظر ، فقد حكى الأعلم في شرح أبيات سيبويه أنه رُوي : أبقلتِ ابقالها بتخفيف الهمزة ، قال : ولا ضرورة فيه على هذا ، إذ هذا دليل على أنّ قائله يجيز النقل ، قال : وعلى رواية تحقيق الهمزة إنما هو لتأويل الأرض بالمكان ، فلا ضرورة , انتهى . وهو جواب حسن لولا قوله : ابقالها بالتأنيث .
... قوله في باب المبتدأ الذي هو مُخبَر عنه : و [ هل من خالق غير الله ] .
... أقول : أشار بذلك إلى أن المبتدأ قد يكون فيه حرف زائد ، ولا يقدح ذلك في كونه مجردا عن العوامل اللفظية ، والتقدير في الآية الكريمة : هل خالق ، بدليل أنك لو أتبعت مثل ذلك جاز فيه الرفع ، نحو : هل من أحدٍ ظريفٌ عندك ، وبهذا يعلم أنّ قوله المجرد من العوامل اللفظية ، أراد غير الزائدة ، نعم كان ينبغي للمصنف أن يذكر هذا المثال في النوع الثاني ، وهو الوصف الرافع المكتفى به ، لأن خالقٍ وصف رافع لمكتفى به ، ويمثل في النوع الأول بنحو : بحسبك درهم ، وبقوله تعالى : [ ما لكم من إله غيره ] (1) إذا لم يؤول بمعبود .
... قوله في مسوغ الابتداء بالنكرة : وعليهما [ ولعبد مؤمن خير ] (2) .
__________
(1) الأعراف 65 ، 73 ، 85 ، هود 50 ، 61 ، 84 ، المؤمنون 23 ، 32
(2) البقرة 221(1/22)
... أقول : الضمير في عليهما يعود إلى التخصيص والتعميم ، أي وعلى انحصار / المسوغات في التخصيص والتعميم ، ورجوع الصور كلها إليهما ، 19 صحّ الابتداء بالنكرة في قوله تعالى : [ ولعبد مؤمن خير من مشرك ] (1) وكذلك [ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ] (2) لما في ذلك من التخصيص بالوصف ، هذا ما ظهر لي من فائدة قوله : وعليهما ، ولم يتعرّض في الشرح لمعنى ذلك ، وهو محل نظر ، وإنما مثّل بالآية ، وبيّن أن الوصف فيها مذكور ، ثم ذكر الوصف المقدّر .
... قوله في باب المنصوبات في المفعول به : ومنه ما أضمر عامله جوازا ، نحو : قالوا خيراً ، ووجوبا في مواضع منها : باب الاشتغال نحو : [ وكل إنسان ألزمناه طائره ] (3) .
أقول : عامل المفعول به قد يُحذف لدليل ، وهو معنى قوله أضمر ، لكن في تعبيره بذلك تسامح ، إذ لا يقال ذلك إلاّ في الضمائر إذا استترت ، لا ما حُذِف ، وحذفه على ضربين : جائز ، مثل قوله تعالى : [ وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ] (4) أي أنزل خيرا ، وأمَّا الوجوب ففي مسائل كثيرة ، ذكر المصنف منها طائفة ، ولم يتعرض غي الشرح إلاّ للنداء خاصة ، فمنها المفعول في باب الاشتغال ، نحو قوله تعالى : [ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ] (5) أي ألزمنا كل إنسان ، وإنما وجب حذفه لأنه قد فُسِّر بالفعل المتأخر على طريق البدل منه ، فلا يجمع بينهما .
__________
(1) البقرة 221
(2) البقرة 221
(3) الإسراء 13
(4) النحل 30
(5) الإسراء 13(1/23)
وقوله : والمنصوب بأخُصُّ بعد ضمير متكلم ، ويكون بال ، نحو : نحن العربَ أقرى الناس للضيف ، ومضافا نحو : نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورثُ ، وأياً فيلزمها ما يلزمها في النداء ، نحو : أنا أفعل كذا أيُّها الرجل ، وعلما قليلا ، فنحو : بك اللهَ نرجو الفضل ، شاذ من وجهين ، والمنصوب بإلزمْ ، أو باتَّقِ ، ونحو: الأسدَ الأسدَ، ونحو:[ ناقةَ الله وسقياها ] (1) وإياك من الأسد ، والواقع في مَثَلٍ أو شبهه ، نحو : الكلابَ على البقر، وانتهِ خيراً لك .
__________
(1) الشمس 13(1/24)
أقول : هذه الصُّور / كلها مما حذف عامل المفعول به فيها وجوبا ، 20 ولم يتعرّض لها في الشرح ؛ لأنه زادها بعده ، فمنها المنصوب على الاختصاص ، وفسره الشيخ بقوله : المنصوب على الاختصاص ، وفسره الشيخ بقوله المنصوب بأخُصُّ بعد ضمير متكلم ، إشارة إلى أنه لا يقع في أول الكلام ، بل لا بدّ أن يسبقه ضمير متكلم ، لكن تارة يسبقه الضمير فقط ، نحو : نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورثُ ، وتارة يسبقه جملة مشتملة على الضمير ، نحو : أنا أفعل كذا أيها الرجل ، واللهم اغفر لنا أيتها العصابة ، والأكثر كون هذا الضمير لمتكلم ، وقد يكون لمخاطب ، كقول بعضهم : بك اللهَ نرجوا الفضلَ ، ولكنه شاذ ، ثم ذلك الاسم المنصوب على الاختصاص إما أن يكون مقرونا بأل ، نحو : نحن العربَ أقرى الناس للضيف ، أي أخُصُّ العربَ ، فنحن مبتدأ ، وأقرى خبره ، فُصل بينهما بجملة الاختصاص ، وإمَّا أن يكون مضافا ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم : نحن معاشرَ الأنبياء لا نُورَثُ ، ما تركناه صدقة ، وهذا الحديث بلفظ نحن معاشرَ الأنبياء ، قال الحفَّاظ غير موجود ، ونعم أخرجه النسائي في سننه الكبرى من حديث أبي بكر الصديق بلفظ : أنا معاشرَ الأنبياء لا نُورَثُ ، ولا يقدح هذا في قول الحافظ الذهبي وغيره أنّ هذا ليس في شيء من الكتب الستة ، قالوا : وإنما الذي في الصحيحين وغيرهما : لا نُورَثُ من غير تقدّم شيء ، لأن النسائي الكبير ليس معدودا عندهم من الكتب الستة ، وإمَّا أن يكون المنصوب على الاختصاص لفظة أي في المذكر ، وأية في المؤنث ، فيلزمها ما يلزمها إذا وقعت في النداء من لزوم الضم ، ولزوم وصفه باسم مرفوع مُحلّى بالألف واللام ، نحو : أنا أفعل كذا أيها الرجل ، واللهم اغفر لنا أيتها العصابة ، ويَقِلُّ كون المنصوب على الاختصاص عَلَماً ، نحو : بكَ اللهَ نرجوا / الفضلَ
ربما هنا صفحة غير موجودة(1/25)
/ أو يقول الصفة للتأكيد ، وقال الكسائي ، وأبو عبيد : هو منصوب على أنه خبر كان21 مضمرة ، تقديره : يكن الإيمان ، أو الانتهاء خيراً لكم ، ورُدَّ بأنّ كان لا تحذف مع اسمها ، ويبقى خبرها إلاّ فيما لا بدّ منه ، وفيه ضعف آخر ، وهو أنّ يكن المقدرة حينئذ إنما هي جواب شرط مقدَّر ، أي أنّ تؤمنوا أو أن تنتهوا يكن خيرا ، فلم يبق إلاّ معمول الجواب ، على أن في المسألة خلافا في أن جواب الطلب ، أو النفي هل هو مجزوم بتقدير شرط ، أو بنفس الأمر ، أو بتضمينه معنى الشرط ، أو بغير ذلك ، ونقل مكي في الآية عن بعض الكوفيين ، واستبعده أن خيرا منصوب على الحال ، وكذا أيضا نقله أبو البقاء من غير أن يعزوه .
... قوله في المفعول المطلق : وما بمعنى المصدر مثله إلى آخره .(1/26)
... أقول : ما بمعنى المصدر مثله في الانتصاب على المفعول المطلق ، فمن ذلك ما أضيف إلى المصدر من لفظ كل وبعض ، كقوله تعالى : [ فلا تميلوا كل الميل ] (1) وتقول : ضربته بعض الضرب ، ومنه اللفظ النكرة الدال عليه حيث أفاد العموم بوقوعه في سياق النفي وشبهه ، نحو : [ ولا تضروه شيئا ] (2) وهل حَسُنَ زيد شيئا ، أي شيئا من الضرر أو الحُسن ، ومنه ما دلّ على كميّة المصدر من الأعداد ، نحو : ضربته ثلاث ضربات أو ثلاثا ، قال تعالى : [ فاجلدوهم ثمانين جلدة ] هذا ما ذكره في الشذور على وجه التمثيل ، ومما لم يذكره صفة المصدر ، نحو : سرتُ أحسنَ السير ، قال تعالى : [ واذكر ربك كثيرا ] (3) وضمير المصدر ، نحو : ضربته زيدا ، أي ضربت الضرب ، قال تعالى : [ فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ] (4) أي لا أعذب العذاب ، والإشارة إليه كضربت ذلك الضرب ، وظننت ذلك الظن ، وهذا من أمثلة / سيبويه ، رداً على مَنْ قيّده بلزوم وصف22 اسم الإشارة بالمصدر كما في المثال الأول ، ومنه أيضا المصدر المرادف لمصدر ذلك العامل ، نحو : قعدت جلوسا ، واسم مصدر العامل أيضا ، نحو : [ والله أنبتكم من الأرض نباتا ] (5) وتقول اغتسلت غسلا ، وآلة الفعل ، نحو : ضربته سوطا ، وأشباه ذلك .
قوله في المفعول له : ويجوز فيه ، ويجب في مُعللٍ فَقَدَ شرطا أن يُجرّ باللام أو نائبها .
أقول : أي إذا اجتمعت الشروط جاز أن لا يُنصب ، بل تجره بلام التعليل ، أو نائبها في إفادة التعليل ، لكن إن كان محلى بالألف واللام كثُر جره بها ، نحو : ضربت ابني للتأديب ، ونصبه قليل ، نحو قوله :
... لاَ أقعُدُ الجُبنَ عَنِ الهيجَاءِ وَلو تَوَالت زُمَرُ الأعدَاءِ (6)
__________
(1) النساء 129
(2) التوبة 39
(3) آل عمران 41
(4) المائدة 115
(5) نوح 17
(6) من الرجز أ أورده ابن مالك في ألفيته .(1/27)
وإن كان مجردا من أل فإن لم يكن مضافا استوى الأمران ، نحو : [ الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ] (1) ، ونحو : [ وإنّ منها لما يهبط من خشية الله ] (2) وهو معنى قوله أو نائبها ، يدخل في ذلك مِن ، وكل حرف أفاد التعليل ، وأمَّا إذا فُقِد شرط من شروط المسألة فإنه يجب جرّه بالحرف المذكور مطلقا، نحو : جئتك للسمن ، وقد ذكر في الشرح أمثلة صور فقدان الشرط كلها ، نعم أهمل من الشروط في المتن والشرح ما ذكره ابن الخباز وغيره من اشتراط كون المعلل به قلبيا كالرغبة ، فلا يجوز : جئتك قراءةً للعلم ، ولا قتلا للكافر ، وأقرّه على ذلك في توضيحه .
قوله في باب المنصوبات : والبواقي خبر كان وأخواتها ، وخبر كاد وأخواتها ، ويجب كونه مضارعا مؤخرا عنها رافعا لضمير اسمها .
__________
(1) البقرة 265
(2) البقرة 74(1/28)
أقول : لم يشرح الشيخ رحمه الله تعالى كونه مؤخرا عنها رافعا لضمير اسمها ، فأمَّا اشتراط التأخير عنها فمقتضاه امتناع تقديم الخبر على نفس الأفعال ، وجواز توسطه ، فأمَّا امتناع التقديم فواضح ، فلا تقول في طفق زيد يقرأ مثلا ، يقرأ طفق زيد /ولا في عسى زيد أن يخرج ، أن يخرج عسى زيد ، وذلك لضعف هذه الأفعال 23 وعدم تصرف أكثرها ، وأمَّا جواز التوسط فمحله ما إذا لم يكن من الأخبار المقترنة بأن ، نحو : طفق يُصليانِ الزيدان ، وكاد يطيرون المنهزمون ، فأما المقترن بأن نحو : عسى أن يقوم زيد فأجازه فيه المبرد ، والسيرافي ، والفارسي ، وصححه ابن عصفور ، وعلى هذا فالفاعل في يقوم ضمير عائد على الاسم ، وإن كان متأخرا في اللفظ تكنه متقدّم في الرتبة ، ومنعه قوم منهم الشلوبين ، فلا يجيزون في المثال المذكور ونحوه ألاّ يكون زيد فاعلا بيقوم ، ومجموع أن يقوم زيدٌ أسندت إليه عسى ، وهي مستغنية عن الخبر ، ويظهر أثر المذهبين في التأنيث والتثنية والجمع ، فتقول على المذهب الأول : عسى أن يقوموا الزيدون ، وعسى أن يقمن الهندات ، وعسى أن يخرجا الزيدان ، ونحو ذلك ، وعلى مذهب الشلوبين ومن تبعه لا يلحق الفعل علامة تثنية ولا جمع تذكيرٍ وتأنيثٍ ، وأما اشتراط كونه رافعا لضمير اسمها ، فالاحتراز به عن رفعه سببيّهُ كما هو جائز في باب كان فإنك تقول : كان زيد يقرأ أبوه ، وهذا ممتنع في باب كاد ؛ لأن أفعال المقاربة إنما جاءت لتدلّ على أن فاعلها قد تلبّس بخبرها ، أو شرع فيه ، وما ورد مخالفا لذلك فمؤوّل ، نحو قوله (1) :
... وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب الثمل
__________
(1) لأبي حية النميري ، من البسيط .(1/29)
فأوّله ابن مالك على أنه هو ، وكذلك قال غيره : إنّ المعنى أثقل بثوبي ، وقد أشار الشيخ إلى المسألة فيما بعد بقوله : وربما رُفع السببي بخبر عسى ، لكن مقتضاه أنه جائز في عسى على قلّةٍ من غير تأويل ، وصرّح بذلك في توضيح الألفية ، فقال : ويجوز في عسى خاصة أنْ ترفع السببي كقوله (1) :
/ ... وَماذا عَسى الحَجّاجُ يَبلُغُ جَهدهُ إِذا نَحنُ جاوزنا حَفيرََ زِيادِ ... ... 24
يروى بنصب جهده ورفعه ، هذا بعد أن ذكر البيت السابق ، وهو قوله : وقد جعلت إذا ما قمت ، وبيتا آخر ، وهو قوله (2) :
... ... وَأَسقيهِ حَتّى كادَ مِمّا أَبُثُّهُ تُكَلِّمُني أَحجارُهُ وَمَلاعِبُه
وأجاب عنهما بأنّ ثوبي ، وأحجاره بدلان من اسمي جعل ، وكاد .
وقولُه : وفي قوله : ... وَماذا عَسى الحَجّاجُ يَبلُغُ جَهدهُ ، فيمن رفع جهده شذوذان .
فأشار إلى ما سبق من روايته بالوجهين ، فالرفع على الفاعلية ، والجَهد عليه بفتح الجيم بمعنى المشقة والغاية ، ومفعول يبلغ محذوف ، أي يبلغ مني مبلغا ، وعلى رواية النصب يكون بضم الجيم ، بمعنى الوُسع والطاقة ، أي يبلغ مني طاقة ، فيكون الجهد مفعول يبلغ ، قال ابن الأثير في غريب الحديث : وقيل : الضم والفتح لغتان في الوسع والطاقة ، وأمَّا بمعنى المشقة فالفتح لا غير ، وقوله : شذوذان ، أي أحدهما تجرده من أنْ ، والغالب إنما هو الاقتران ، نحو : [عسى ربكم أن يرحمكم ] (3) ، [ فعسى الله أن يأتي بالفتح ] (4) ، ولم يرد في القرآن العظيم إلاّ مقرونا بأن ، على أنّ مذهب سيبويه خلافا للأكثر أنّ المقترن ليس خبرا ، والثاني رفعه للسببي .
__________
(1) للفرزدق ، من الطويل .
(2) لذي الرمة ، من الطويل .
(3) الاسراء 8
(4) المائدة 52(1/30)
... قوله : ويخفف ذو النون منها فتلغى ، لكن وجوبا ، ( وكأنّ قليلاً ) (1) وإنّ غالبا ، ويغلب معها مهملةً اللام ، وكون الفعل التالي لها ناسخا ، ويجب استتار اسم إنّ ، وكون خبرها جملة ، وكون الفعل منها دُعائيا ، أو جامدا ، أو مفصولا بتنفيس ، أو شرط ، أو قد ، أو لو ويغلب لكأَنَّ ما وجب لإنَّ ، إلاّ أنّ الفعل بعدها دائما خبري ، مفصولٌ بقد أو لمْ خاصة .
__________
(1) زيادة من شرح شذور الذهب ، ص 281(1/31)
أقول : لم يتعرض في الشرح لهذا الفصل جميعه ؛ لأنه مما زاد بعده ، وهو فصل عقده لتخفيف النون من الحروف التي آخرها نون مشددة مما ينصب الاسم / ويرفع 25 الخبر ، وهي : إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ ، فخرج من ذلك لعل ، فلا تخفف ، وأمَّا ليت فلا تشديد فيها ، وقوله : فتلغى إلى آخره إشارة إلى حكمها بعد التخفيف في الإعمال والإهمال ، وبدأ منها بلكنّ لقلة الكلام فيها ، ثم بإنّ لأنّ الكلام فيها أقل من أنّ المفتوحة ، وأخَّرَ كأنّ ليُحيل الكلام فيها على أنّ المفتوحة فيما وافقتها فيه ، فأمَّا لكنّ فإذا خففت وجب إلغاؤها ، فلا تعمل شيئا ، بل تكون من الحروف العواطف كما سيأتي ، وأجاز يونس والأخفش إعمالها قياساً ، حكي عن يونس أنه حكاه عن العرب ، قيل : وهي رواية لا تُعرف ، وأمَّا إنّ المكسورة فلا تخفف إلاّ عند البصريين ، وإذا خففت عندهم زال اختصاصها بالأسماء ، فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية ، والغالب حينئذ إهمالها ، نحو : إنْ زيدٌ قائمٌ ، ويقل استصحاب عملها ، ولا يمتنع ، فقد حكاه سيبويه ، والأخفش عن العرب ، وحمل عليه قراءة نافع : [ وإنْ كلاً لما ليوفينهم ] (1) وأمَّا الكوفيون فيمنعون إعمالها إذا خففت ، والمهملة عندهم نافية ، وحينئذ فلا تخفيف عندهم أصلا ، وقوله : ويغلب معها مهملة اللام إلى آخره ، معناه أنها إذا خُففت ، ولم تعمل ، فلها حكمان ، أحدهما أنّ الغالب الإتيان بعدها باللام فارقةً بينها وبين إنْ النافية ، نحو إنْ زيدٌ لقائمٌ ، ومن غير الغالب ما إذا كان هناك قرينة معنوية ، نحو قوله (2) :
... أَنا اِبنُ أُباةِ الضَيمِ مِن آلِ مالِكٍ وَإِنْ مالِكٌ كانَت كِرامَ المَعادِنِ
__________
(1) هود 111
(2) للطرماح ، من الطويل .(1/32)
أو لفظية بأن يكون بعدها نفي ، نحو : إنْ زيدٌ لن يقومَ ، واختلف في هذه اللام ، هل هي لام الابتداء أو لام أخرى اجتُلِبتْ للفرق ، مذهب الأخفش الصغير وجماعة الأول ، وهو ظاهر كلام سيبويه ، واختاره ابن مالك والمصنف ، وذهب الفارسي والشلوبين إلى الثاني ، واختاره ابن أبي الربيع ، قيل : ويظهر أمر الخلاف / في مسألة جرت بين ابن أبي 26 العافية وابن الأخضر ، وهي ما في الحديث الصحيح في البخاري وغيره من حديث (1) 0000 مرفوعا : (إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال ، فيقال : ما علمك بهذا الرجل فأمَّا المؤمن أو الموقن فيقول : هو محمد رسول الله ، جاءنا بالبينات والهدى فأجبناه واتّبعناه ، هو محمد ثلاثا ، فيقال : نم صالحا ، قد علمنا أن كنت لموقنا به ). الحديث .
فمن جعلها لام الابتداء كسر إنْ في إنْ كنت لموقنا ، وهو جواب ابن الأخضر ، ومن جعلها لاما أخرى فتح ، وهو جواب ابن أبي العافية . قلت : لقائلٍ أن يقول : إذا فتحت أن فلا تلتبس بإنْ النافية ، فلا حاجة للام فارقة ، اللهم إلاّ أنْ يقال : إنّ الذي لم يجعلها لام ابتداء يقول : إنها لام اجتُلِبت للتأكيد مُطلقا ، فأنْ كان ثم إلباس بإنْ النافية حصل الفرق بها وإلاّ كانت لمجرد التوكيد ، فيسهل الأمر ، والله أعلم .
الحكم الثاني : إنه إذا وليها جملة اسمية فالغالب أن يكون فعلها ناسخا ، نحو : [ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهمٍ ] (2) [ وإن نظنك لمن الكاذبين ] (3) ، ويندر كونه غير ناسخ ، نحو قوله (4) :
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً حلت عليك عقوبة المتعمِّد
__________
(1) كلمة غير واضحة
(2) القلم 51
(3) الشعراء 186
(4) من الكامل لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثي زوجها الزبير بن العوام ز انظر : خزانة الأدب 10/373(1/33)
وأندر منه أن يكون غير ناسخ ، وغير ماض ، نحو : إنْ يزينُك لنفسُك ، وإنْ يشينُك لهيه ، ولهذا قال ابن مالك : إنه يقاس على قوله : شلت يمينُك ، وفاقا للأخفش والكوفيين ، وبه قرأ ابن مسعود : [ إنْ لبثتم إلاّ قليلا ] (1) .
وأمَّا أنْ المفتوحة فإذا خففت لم تلغ كما تُلغى المكسورة ، بل تكون عاملة ؛ لبقاء اختصاصها ، بخلاف المكسورة ، إلاّ أنه يجب فيها أمران : أحدهما كون اسمها ضميرا مستترا لا يبرز إلاّ ضرورة ، كقوله (2) :
... ... فلو أَنْكِ في يوم الرخاء سألتني طلاقك لم أبخل وأنت صديق
وإذا كان اسمها ضميرا مستترا ، فهل يلزم أن / يكون ضمير الشأن أو لا ، الأصح 27 الثاني ، فقد قال سيبويه في قوله تعالى: [ أنْ يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ] (3) التقدير : أنك .
__________
(1) المؤمنون 114
(2) مجهول القائل ، من الطويل ، انظر : المفصل ، خزانة الأدب .
(3) الصافات 104 ، 105(1/34)
الثاني أنّ خبرها لا بدّ أن يكون جملة ، فإن كانت اسمية ، جاز بلا شرط ، كقوله تعالى : [ وآخر دعواهم أنْ الحمد لله رب العالمين ] (1) ، وإن كانت فعلية ، اشترط أن يكون فعلها دعائيا ، نحو قوله تعالى : [ والخامسة أنْ غَضِبَ الله عليها ] (2) على قراءة من خفف ، وكسر ضاد غضب ، أو جامدا ، نحو : [ وأنْ ليس للإنسان إلاّ ما سعى ] (3) ، ونحو : [ وأنْ عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ] (4) ، أو مفصولا بأحد أمور ، أحدها بحرف تنفيس ، نحو : [ علم أنْ سيكون منكم مرضى ] (5) ، والثاني بحرف نفي ، نحو : [ علم أنْ لن تحصوه ] (6) ، والثالث بأداة شرط ، نحو : [ أنْ إذا سمعتم آيات الله ] (7) ، والرابع بقد ، نحو : [ ونعلم أنْ قد صدقتنا ] (8) ، والخامس بلو ، نحو : [ تبيّنت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ] (9) ، وإنما ذكرها الشيخ وإن كانت داخلة في قوله أو شرط ؛ لأنها قلّ مَنْ ذكرها من النحاة من الفواصل ، فأراد أن يصرِّح بها لذلك .
وأمَّا كأنّ فكل ما وجب لأنَّ المفتوحة فإنه غالب فيها ، فيكون اسمها ضميرا مستترا ، إمَّا ضمير شأن كقوله (10) :
ووجهٍ مشرقِ النَّحرِ كأنْ ثَدياهُ حُقانِ
أو غير ضمير شأن ، كقوله (11) :
ويوماً توافينا بوجهٍ مقسّمٍ كأنْ ظبيةٌ تعطو إلى وارقِ السّلم
__________
(1) يونس 10
(2) النور 9
(3) النجم 39
(4) الأعراف 185
(5) المزمل 20
(6) المزمل 20
(7) النساء 140
(8) المائدة 113
(9) سبأ 14
(10) من الهزج ، وهو مجهول القائل ، انظر : خزانة الأدب 10/392
(11) مجهول القائل ، من الطويل ، انظر : خزانة الأدب8/489(1/35)
على رواية الرفع في ظبية ، وظاهر كلام الشيخ أنّ إهمالها جائز ؛ لأنه جعل كلما وجب لأنّ غالبا في كأنّ ، وهو ما صرَّح به الزمخشري في المفصل من أنه يجوز إعمالها وإلغاؤها ، لكن الجمهور على أنها لا تُهمل ، وأوَّل بعضهم كلام الزمخشري بأنّ مراده بالإلغاء أنها تعمل في ضمير الشأن ، وفيه نظر ، ثم الأغلب في خبرها أن يكون جملة ، وقد يكون مفردا ، كقوله (1) :
... ... ... ... كأنْ وَريدَيْه رِشاءٌ خُلُب
وكقوله :
كأن ظبية / على رواية الرفع كما سبق ، أي كأنها ، فحذف الاسم ، ويروى بالنصب 28 على حذف الخبر ، أي كأنّ مكانها ظبية ، ويروى بالخفض على أنّ أنْ زائدة ، والأصل كظبية ، وقوله : إلاّ أنّ الفعل بعدها دائما خبري ، معناه أنَّ كأنْ وإنْ وافقت أنْ فيما سبق ، إلاَ أنها تخالفها من هذين الوجهين ، أحدهما أن خبرها (2) إذا كان جملة فعلية ، فلا تكون دعائية ، بل خبرية دائما ، الثاني أن الفاصل هنا ليس إلاّ أحد أمرين : أحدهما لم ، نحو قوله تعالى : [ كأن لم تغن بالأمس ] (3) ، وثانيهما قد ، نحو قوله (4) :
... ... لا يهولنَّكَ اصطلاء لظى الحرب فمحذورها كائن قد ألمَّا
قوله في نواصب الفعل المضارع : في تقدير أنْ بعد ثلاثة من حروف الجر ، واللام تعليلية مع المجرد من لا ، نحو : ليغفر لك الله ، بخلاف لئلا يعلمَ .
__________
(1) مجهول القائل ، انظر : خزانة الأدب 10/391
(2) المكتوب : اسمها ، وكتب في الهامش : لعله خبرها .
(3) يونس 24
(4) مجهول القائل .(1/36)
أقول : لم يتعرض في الشرح لتقييد اللام التعليلية بتجرد الفعل الداخلة عليه من لا ، بل ذكر تقدير أنْ بعد اللام في غير الموضعين المذكورين في المتن ، وهما التعليلية والجحودية ، فذكر تقديرها بعد لام العاقبة ، واللام المؤكدة ، فأمَّا تقييد اللام التعليلية بذلك فالمراد أنه إذا اقترن مدخول لام التعليل بلا ، تعين الإظهار (1) ، ولا يجوز الحذف ، نحو : جئت لئلا يغضب ، قال تعالى : [ لئلا يعلم أهل الكتاب ] (2) ، وأمَّا ما زاده من لام العاقبة والمؤكدة فهو على طريقة مَنْ أثبتهما ، وغاير بينهما وبين لام التعليل ، وهي لام كي ، وأما مَن أدخلها في لام كي فهو مستغن بها ، فمن أثبت لام العاقبة الأخفش والكوفيون ، وتبعهم ابن مالك في التسهيل ، وجمهور البصريين يردون ما أوهم ذلك إلى لام كي ، وكذلك المختار أيضا في اللام المؤكدة أنها راجعة إلى لام كي ، ولهذا قال الفراء : العرب تجعل لام كي في موضع أنْ / في أردت وأمرت ونحوهما . ... ... ... ... ... ... ... 29
قوله في الإضافة بمعنى مِن : نحو خاتم حديد ، ويجوز فيه نصب الثاني ، وإتباعه الأول .
__________
(1) إنما تعين الإظهار فرارا من الثقل باجتماع المثلين .
(2) الحديد 29(1/37)
أقول : إذا كانت الإضافة على معنى مِن ، نحو : خاتم حديد ، وباب ساج ، وجبّة خزّ ، لك مع الإضافة وجهان آخران ، أحدهما نصب الجزء الثاني مع تنوين الأول ، فتقول : عندي خاتمٌ حديداً ، ونصبه حينئذٍ عند المبرد وجمعٌ على التمييز ، واختاره في التسهيل ، وقال سيبويه : نصبه على الحال ، وقد ذكر المصنف المسألة في باب التمييز ، وشرحها هناك مقتصرا على التمييز ، لأنه الراجح عند المتأخرين ، وكأنه استغنى بذلك عن شرحها هنا ، والوجه الثاني أن ترفقه إمَّا صفة بتأويله بمشتق ، أي خاتم مصنوع من حديد ، وإمَّا بدلا أو بيانا ، وكأن المصنف استغنى عن شرح هذا الوجه أيضا بقوله في الشرح : إنّ ضابط الذي بمعنى مِن صلاحيته للإخبار به عنه ، نحو : هذا خاتم حديد ، فإن مقصوده الإخبار المعنوي ، وهو حمله عليه نعتا كان أو خبرا ، أو نحو ذلك ، بدليل المثال ، فإنك إذا أعربت هذا مبتدأ كان الخبر خاتم ، وحديدٌ إمَّا صفة ، أو بدل ، أو بيان ، ولا يصح أن يكون خاتم تابعا لهذا إلاّ على عطف البيان ، لأن شرطه التطابق تعريفا أو تنكيرا ، ولا على البدلية لعدم صلاحية حلوله محله ، لأنه يكون المبتدأ نكرة بلا مسوغ ، اللهم إلاّ أن يقال : كونه بدلا من المعرفة يكفي ذلك في تسويغ الابتداء به ؛ لحصول الفائدة ، ولكن لم يذكروه فليتأمل ، فإن قيل : فالشيخ في متن الشذور إنما مثّل بقولك : خاتم حديد ، فكيف يُتصور الاتباع ، قلت : مراده إذا تركب هذا اللفظ مع ما يصير به كلاما سواء رفع فاعلا أو مبتدأ ، أو خبرا ، فإن قيل : فما الأرجح من هذه الأوجه الثلاثة / قلت المصرح به30 في التسهيل وغيره أنّ الأرجح الإضافة .
قوله في إعمال المصدر : وشرطه أن لا يُصغَّر ، ولا يُحدّ ، نحو : ضربة وضربتين وضرباتٍ .(1/38)
أقول : أمَّا اشتراط عدم التصغير فلأنه إنما عمل حملا على الفعل ، وبالتصغير يبعُد منه ، ولهذا شُرط ألاّ يُنعت قبل تمام عمله ؛ لأنه أولى بالمنع من التصغير ، لأن التصغير إنما هو وصف في المعنى ، وعللوا مسألة الوصف بعلة أخرى ، وهو أن معمول المصدر مع المصدر بمنزلة الصلة مع الموصول ، فلا يُفصل بينهما بالنعت ، وأمَّا كونه يعمل مضافا ، ومُعرفا بال مع كونهما من خصائص الأسماء فلذلك معان أخرى مبسوطة في المطولات ، وأمَّا اشتراط كونه غير محدود فلأن الفعل لمَّا كان يصدق على القليل والكثير ، وكان المصدر محمولا عليه ، رُوعي في ذلك أن لا يبعد عن قاعدة الفعل بالتحديد بوحدة أو تثنية أو جمع ، نعم ابن مالك لا يختار اشتراط عدم الجمعية ، وإنْ وافق على اشتراط كونه غير محدود بالتاء ، فصرح في شرح التسهيل بجواز عمل المصدر المجموع كقوله (1) :
قد جرَّبوه فما زادتْ تجاربُهُم أبا قُدامةَ إلا المجدَ والفنعَا
فأمَّا ما سُمع من عمل المصدر المحدود بالتاء فمحمول على الشذوذ ، كقوله :
... يحابي بها الجلدُ الذي هو حازم ... ... بضربة كفيه الملا نفس راكب
وبقي على المصنف شروط أخرى لعمل المصدر لسنا بصدد ذكرها .
... قوله في شروط صوغ التفضيل والتعجب : متفاوت المعنى .
... أقول : معنى ذلك أنه يشترط في صيغة التفضيل ، وصيغتي التعجب أن تكون مأخوذة من فعل قابل للتفاضل ، فلا يصاغ من نحو مات وفني وحدث ؛ لأنه لا مزية لبعض فاعليه على بعض ، وبقي على المصنف كونه متصرفا كامل التصرف ، فلا يُبنى/ من31 نحو : نعم وبئس وعسى وليس ، لعدم التصرف ، ولا من نحو يدع ويذر ، لعدم كمال تصرفهما ، وغير ذلك من الشروط .
... قوله في باب الاشتغال فيما يجب نصبه كإنْ الشرطية : وهلاّ ، ومتى .
__________
(1) للأعشى ، من البسيط ، التمام في شرح أشعار هذيل ، ص 200/ الموسوعة الشعرية .(1/39)
... أقول : لم يتعرض في الشرح إلاّ لمثال إنْ الشرطية ، فأما هلاّ فأشار بها إلى أنّ أدوات التحضيض لا يليها إلاّ الفعل كهلاّ ، وألا ، ولولا ، ولوما ، فتقول : هلاّ زيداً أكرمته بالنصب لا غير ، وأمَّا متى فأشار بها إلى أنّ أدوات الاستفهام غير الهمزة أيضا مما يختص بالفعل ، نحو : متى زيدا ضربته ، وهل زيدا رأيته ، وإنما لم أحمل متىفي كلامه على أعم من الشرط والاستفهام ، إذ كل منهما لا يليه إلاّ الأفعال ؛ لأنه قد سبقت إشارته إلى أدوات الشرط بإنْ ، وإنما استثنى من أدوات الاستفهام الهمزة ؛ لأنه يغلب مجيء الفعل بعدها ، ولا يجب ، فرجحّ النصب ، كما سيأتي .
وقوله فيما يترجح نصبه : إن تلا ما الفعل به أولى ، كالهمزة ، وما النافية .
أقول : تعرض في الشرح لمثال الهمزة بقوله تعالى : [ أبشراً منا واحدا نتبعه ] (1) ولم يتعرض لما النافية ، والمراد أنّ أدوات النفي سواء ما ولا وإنْ ، يُرجح نصب الاسم بعدها في باب الاشتغال ، نحو : ما زيدا رأيته ، ولا أحدا أهنته ، وإنْ أحدا أكرمته إلاّ باستحقاق ، وقيل ظاهر مذهب سيبويه في ذلك اختيار الرفع ، وقال ابن الباذش ، وابن خروف: إنهما يستويان .
وقوله : أو عاطفا على فعليةٍ غير مفصول بإما .
أقول : لم يبيّن في الشرح التقييد بعدم الفصل بإما ، واحترز بذلك من نحو : ضربت زيدا وإمَّا عمرو فأكرمته ، فلا أثر للعطف حينئذ مع الفصل بإمَّا ؛ لأنها من أدوات الصدور ، فالكلام بعدها منقطع عمّا قبلها ، فالرفع بعدها أرجح ما لم يوجد مرجح النصب ، نحو : وأمَّا زيد فأكرمته .
/ وقوله فيما يجب رفعه : وهذا خارج عن أصل الباب ، ومثله : [ وكل شيء فعلوه32 في الزبر ] ، وزيد ما أحسنه .
__________
(1) القمر 24(1/40)
أقول : أشار بقوله وهذا إلى قسم وجوب الرفع، أي ليس من الاشتغال في شيء ؛ لأن حقيقته أن يشتغل العامل بنصب ضمير السابق أو ملابسه عن نصب الاسم السابق ، فأمَّا إذا كان ذلك الاسم السابق واجب الرفع بالابتداء فإنه يخرج عمَّا نحن فيه ، وإدخال كثير من النحاة هذا القسم في الباب لتكميل التقسيم استطرادا ، ومعنى قوله ومثله : [ وكل شيء فعلوه في الزبر ] (1) عائد على ما له الصدر ، فإنّ ما له الصدر إنما امتنع النصب قبله لأنه لا يعمل ما بعده فيما قبله ، وما لا يعمل لا يفسر ؛ لأن المفسر في هذا الباب من اللفظ بالمفسَّر ، فكل شيء لا يصح أن يعمل ما بعده فيما قبله يمنع النصب فيه ، نحو : [ وكل شيء فعلوه في الزبر ] (2) لأن فعلوه صفة ، والصفة لا تعمل في الموصوف ، وما لا يعمل لا يفسر كما سبق ، وكذا قرره الشيخ في الشرح أيضا ، وكذلك زيدٌ ما أحسنه ، يمتنع فيه النصب ، لأن معمول فعل التعجب لا يتقدم عليه ، غلا يفسِّر عاملا فيما قبله ، كما قرره في الشرح أيضا .
قوله في التوكيد : ويؤكد بإعادة اللفظ أو مرادفه ، نحو : [ دكا دكا ] (3) ن و [ فجاجا سبلا ] (4) ولا يعاد ضميرٌ متصلٌ ، ولا حرفٌ غيرُ جوابي ّإلاّ مع ما اتصل به .
أقول : التوكيد اللفظي إعادة اللفظ بعينه تقوية وتقريرا في السمع إمَّا لخوف نسيانٍ أو عدم إصغاءٍ ، أو نحو ذلك ، أو إعادة اللفظ بمرادفه ، لذلك فالأول إمَّا أن يكون في مفرد أو جملة ، والأول إمَّا أن يكون في اسم ، نحو قوله تعالى:[ كلاّ إذا دكت الأرض دكا دكا ] (5) وإمَّا في فعل نحو : أتاك اللاّحقون احبس احبس ، ففي الأول تأكيد فعل ، وفي الثاني تأكيد جملة ، وإمَّا في حرف نحو : نعم نعم ، والثاني/ من القسم 33 الأول التوكيد في الجملة كقوله صلى الله عليه وسلم : والله لأغزونّ قريشا ، والله لأغزون قريشا ، وقول الشاعر :
__________
(1) القمر 52
(2) القمر 52
(3) الفجر 21
(4) الأنبياء 31
(5) الفجر 21(1/41)
أيا من لست أقلاه ... ولا في البعد أنساه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
والقسم الثاني من التوكيد اللفظي التوكيد بالمرادف ، نحو قوله تعالى : [ وجعلنا فيها فجاجا سبلا ] (1) فإن الفجاح في اللغة هي الطرق الواسعة بين الجبال ، وهو معنى السبل ؛ لأن السبل هي الطرق ، وكقولك أنت بالخير حقيق قمن فإنّ معنى حقيق هو معنى قمن ، وقوله : ولا يعاد ضمير متصل ، أي من أحكام التوكيد اللفظي أن لا يعاد ضمير متصل إلاّ بما اتصل به ، نحو : عجبت منك منك ، ومررت بك بك ، وأن لا يعاد حرف من غير حروف الجواب إلاّ بإعادة ما اتّصل به ، نحو : إنّ زيدا إنّ زيدا قائم ، أو بمرادفه ، نحو : إنّ زيدا إنه قائم ؛ لأنه كالجزء من مصحوبه ، فأمّا حروف الجواب كنعم وبلى ، فلا يشترط فيها ذلك إلاّ أنّ الأولى أنْ يؤكد الحرف بمرادفه ، نحو : نعم أجل ، أو أجل نعم ، وربما أُعيد الحرف غير الجوابي بدون ما اتّصل به شذوذا كقوله (2) :
فلا والله لا يلفى لما بي ولا للما بهم أبداً دواء
قوله في باب عطف البيان : ويمتنع في مقام إبراهيم ، ويا سعيد كُرْزُ، وقرآة قالون عيسى .
أقول : أي يمتنع عطف البيان دون البدل في هذه الصور الثلاث ، لكنه ذكر في الشرح المسألة الثانية والثالثة دون الأولى وهي قوله تعالى : [ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ] (3) فلا يجوز أن يكون مقام إبراهيم عطف بيان من آيات ، خلافا لما قاله الزمخشري ؛ لأن شرطه التطابق في التعريف والتنكير ، وآيات نكرة ، ومقام إبراهيم معرفة ، وقال الشيخ في التوضيح : / إنّ الزمخشري مخالف في ذلك لإجماعهم . ... ... ... 34
قوله في البدل : والأفضل أن تُعطف هذه الثلاثة ببل .
__________
(1) الأنبياء 31
(2) البيت لمسلم بن نعبد الوالبي ، خزانة الأدب ، الشاهد 134
(3) آل عمران 97(1/42)
أقول : أشار إلى الثلاثة الأخيرة ، وهي بدل الإضراب والنسيان والغلط ، فتقول : جاءني زيدٌ بل عمروٌ ، ثم إنْ كان قصد الأول ثم بدا له غيره ، فقصد الثاني ، كان إضرابا وبداءً ، وإن لم يقصده ، بل سبق لسانه إليه ، فهو الغلط ، وإنْ قصد ثم تبيّن له فساد ذلك القصد كان نسيانا ، كما قرره في الشرح ، وإنما جاز ذلك لأن بل تؤدي المعاني الثلاثة .
قوله في تابع المنادى : وإلاّ التابع المضاف المجرد من أل .
أقول : لم يشرح قيد التجرد من أل ، فالاحتراز به عن نحو يا زيد الحسن الوجه بالإضافة ، فإنه يجوز في الحسن الوجهان ، النصب على مراعاة المحل ، وهو الأصل ، والضم مراعة للفظ ، واعتبارا بالصورة ، وإلاّ فحركة البناء لا تتبع باعتبارها ، ولا التفات إلى الإضافة هنا ؛ لكونها لفظية غير محضة ، فأشبه الحَسن حينئذ المفرد .
... هذا تمام ما قصدناه ، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلاته وسلامه على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين .
... قال المصنف فسح الله في أجله ، وكان تمام تبيضه في ليلة يسفر صباحها عن العاشر من شهر جمادى الأولى ، سنة خمس وتسعين ، وسبعمائة .
تم بحمد الله وحسن توفيقه ، وذلك في سابع شهر ربيع الآخر ، سنة
اثنين وعشرين وثمانمائة ، على يد الفقير إلى رحمة ربه
محمد بن حسن بن علي النواجي ، غفر الله له ،
ولوالديه ، ولجميع المسلمين ،
وحسبنا الله ونعم
الوكيل(1/43)