شرح الدروس المهمة لعامة الأمة
لفضيلة الشيخ العلامة المحدث
عبد الكريم بن عبدالله الخضير
وهي عبارة عن ثلاثة أشرطة صوتية
قام بتفريغها وتنقيحها وتخريج أحاديثها
الفقير إلى الله تعالى
أبو إسحاق الحياني
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله0
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } , { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } , { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
أما بعد000
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار0(1/1)
فبضل الله ونعمته يسر الله -سبحانه وتعالى- تفريغ هذه المادة العلمية , التي هي شرح كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة لفضيلة الشيخ العلامة عبد الكريم الخضير , ولا يخفى على كثير من المسلمين ما لهذا الكتاب من أهمية بالغة في بابه ؛ حيث إنه كتاب مختصر ويشمل على مسائل مهمة في الدين ؛ لأنه في الأصل أُلف للعوام حيث أن السواد الأعظم من المسلمين هم من عامة الناس , ولذلك انتبه الشيخ -رحمه الله تعالى- فألف ما يناسبهم , وهذا من فقه العلماء على مر العصور حيث إنهم يعالجون كل مشكلة أو معضلة بما أتاهم الله من فضله من البصيرة في الدين , وكذلك إنطلاقاً من تفسير ابن عباس في قوله تعالى: { بل كونوا ربانيين.. } قال:(هو الذي يعلم صغار العلم قبل كباره) أخرجه البخاري معلقاً وسيأتي تخريجه , نعم , وهذا ما يحتاجه الناس اليوم من التبصر والتفقه في دينهم , وكما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( مَن يرد الله به خيراً يفقه في الدين )) ومعنى ذلك كما قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ( الذي لا يريد الله به خيراً لا يفقه في الدين ) , بل لا بد على المسلم أن يتعلم ما لا يسعه جهله من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والبيع والشراء ...والى غيرها من أحكام التي يتداولها المسلم يومياً ؛ لأنه محتاج إلى التفقه فيها لكي يعرف الحلال والحرام والمباح منها , ويبتعد عن الشبهات , وبذلك قد طبق حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- (( ..فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ..)) وهو في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - .
والله المسؤول بفضله أن ينفع به كما نفع بأصله وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وزلفى لديه في جنات النعيم المقيم.
عملنا في هذا الكتاب :
1- تفريغ المادة العلمية المشروحة من الأشرطة إلى طباعة , ومطابقة المتن مع الشرح , وإخراجها من عالم المسموعات إلى عالم المطبوعات , وهذا لا يعني الاستغناء عن الأشرطة .(1/2)
2- عزو السور وترقيم الآيات إلى مواضعها .
3- تنقيح المادة العلمية مع ضبط ما يُشكل من الكلمات , وكذلك جعلنا المتن بالخط الغامق , وألمحنا في بدايته بحرف ( م ) التي تعني المتن , وبحرف ( ش ) والتي تعني الشرح .
4- حذف بعض العبارات المكررة من الشرح , مع التصرف اليسير لكي يستقيم المعنى للقارئ الكريم
5- تخريج الأحاديث وعزوها إلى مواضعها , وقد أشرنا إلى الصحابي الذي روى الحديث مع بيان مَن خرج الحديث من أهل العلم , ولم ندعِ الاستطراد في التخريج , ولكن ذكرنا ما يُبن صحة أو ضعف الحديث فقط .
6- ذكر الحديث كاملاً , سواء ذُكر الحديث أم ذُكر قطعه منه فقط , لإكمال الفائدة .
7- أضفنا بعض التعليقات والفوائد المهمة التي يستفيد منها العامي ويرجع إليها المنتهي .
ملاحظة : بعد أن أكملنا تفريغ الشرح من الأشرطة , وجدنا أن بعض الإخوة قد قام بتفريغها , ونشرها على الشبكة العنكبوتية , ولكن فيها بعض السقط والأخطاء , فقمنا بمراجعتها أيضاً مع تفريغنا لكي نقلل من الخطأ في التفريغ .
شكر وتقدير :
إلى شيخنا الدكتور ماهر ياسين فحل بمساعدتي بهذا البحث المتواضع , وبفتح مكتبته العامرة -إن شاء الله- في مدينة الرمادي الجريحة , شافاها الله من كل سوء , وكذلك أشكر كل من يعمل بهذه المكتبة وكل من ساعدني , هذا وأسأل الله التوفيق والسداد فأن أصبت فمن الله جل جلاله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان .
الفقير إلى عفو ربه
عمار بن سُهيل بن نجم
بعد ظهر / / 1429 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله0
{(1/3)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } , { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا } , { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
أما بعد000
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار0(1/4)
فبضل الله ونعمته يسر الله -سبحانه وتعالى- تفريغ هذه المادة العلمية , التي هي شرح كتاب الدروس المهمة لعامة الأمة لفضيلة الشيخ العلامة عبد الكريم الخضير , ولا يخفى على كثير من المسلمين ما لهذا الكتاب من أهمية بالغة في بابه ؛ حيث إنه كتاب مختصر ويشمل على مسائل مهمة في الدين ؛ لأنه في الأصل أُلف للعوام حيث أن السواد الأعظم من المسلمين هم من عامة الناس , ولذلك انتبه الشيخ -رحمه الله تعالى- فألف ما يناسبهم , وهذا من فقه العلماء على مر العصور حيث إنهم يعالجون كل مشكلة أو معضلة بما أتاهم الله من فضله من البصيرة في الدين , وكذلك إنطلاقاً من تفسير ابن عباس في قوله تعالى: { بل كونوا ربانيين.. } قال:(هو الذي يعلم صغار العلم قبل كباره) أخرجه البخاري معلقاً وسيأتي تخريجه , نعم , وهذا ما يحتاجه الناس اليوم من التبصر والتفقه في دينهم , وكما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( مَن يرد الله به خيراً يفقه في الدين )) ومعنى ذلك كما قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: ( الذي لا يريد الله به خيراً لا يفقه في الدين ) , بل لا بد على المسلم أن يتعلم ما لا يسعه جهله من أحكام الصلاة والزكاة والصيام والبيع والشراء ...والى غيرها من أحكام التي يتداولها المسلم يومياً ؛ لأنه محتاج إلى التفقه فيها لكي يعرف الحلال والحرام والمباح منها , ويبتعد عن الشبهات , وبذلك قد طبق حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- (( ..فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ..)) وهو في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - , والله المسؤول بفضله أن ينفع به كما نفع بأصله وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وزلفى لديه في جنات النعيم المقيم.
عملنا في هذا الكتاب :
1- تفريغ المادة العلمية المشروحة من الأشرطة إلى طباعة , ومطابقة المتن مع الشرح , وإخراجها من عالم المسموعات إلى عالم المطبوعات , وهذا لا يعني الاستغناء عن الأشرطة .(1/5)
2- عزو السور وترقيم الآيات إلى مواضعها .
3- تنقيح المادة العلمية مع ضبط ما يُشكل من الكلمات , وكذلك جعلنا المتن بالخط الغامق , وألمحنا في بدايته بحرف ( م ) التي تعني المتن , وبحرف ( ش ) والتي تعني الشرح .
4- حذف بعض العبارات المكررة من الشرح , مع التصرف اليسير لكي يستقيم المعنى للقارئ الكريم .
5- تخريج الأحاديث وعزوها إلى مواضعها , وقد أشرنا إلى الصحابي الذي روى الحديث مع بيان مَن خرج الحديث من أهل العلم , ولم ندعِ الاستطراد في التخريج , ولكن ذكرنا ما يُبن صحة أو ضعف الحديث فقط .
6- ذكر الحديث كاملاً , سواء ذُكر الحديث أم ذُكر قطعه منه فقط , لإكمال الفائدة .
7- أضفنا بعض التعليقات والفوائد المهمة التي يستفيد منها العامي ويرجع إليها المنتهي .
ملاحظة : بعد أن أكملنا تفريغ الشرح من الأشرطة , وجدنا أن بعض الإخوة قد قام بتفريغها , ونشرها على الشبكة العنكبوتية , ولكن فيها بعض السقط والأخطاء , فقمنا بمراجعتها أيضاً مع تفريغنا لكي نقلل من الخطأ في التفريغ .
شكر وتقدير :
إلى شيخنا الدكتور ماهر ياسين فحل بمساعدتي بهذا البحث المتواضع , وبفتح مكتبته العامرة -إن شاء الله- في مدينة الرمادي الجريحة , شافاها الله من كل سوء , وكذلك أشكر كل من يعمل بهذه المكتبة وكل من ساعدني , هذا وأسأل الله التوفيق والسداد فأن أصبت فمن الله جل جلاله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان .
وما كنت أهلاً للذي قد كتبته.... وإني لفي خوفٍ من الله نادمُ
ولكني أرجو من الله عَفوهُ ..... وإني لاهل العلم لا شك خادمُ(1)
الفقير إلى عفو ربه
عمار بن سُهيل بن نجم
بعد ظهر /1 / شعبان / 1429 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
__________
(1) - انظر النكت الجياد المنتخبه من كلام شيخ النقاد .(1/6)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب اليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , وأمينه على وحيه وصفيه على خلقه , صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً .
أما بعد :
فاستجابةً لطلب الأخوة المنظمين لهذه الكلمات في هذا المسجد, والأصل (كلمات) ومعنى الكلمات يعني ( وجيزات مختصرات) وليس دروس كما عُلّق في الاعلان على هذا أتفقنا , وهي كلمات يسيرة يُعلّق فيها على كتاب لسماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- والكتاب خُدم فَشُرح من قِبَلِ بعض طلبة العلم ويوجد في الاسواق شرحان أولهما: للشيخ:أحمد الطويان , وثانيهما: للشيخ :محمد العرفج وهناك أشرطة سُجلت في دورات علمية حول هذا الكتاب, وفيها شي من البسط والتوضيح فنحيل المستمعين إليها, وهي أكثر من دورة , وشاركتُ في اثنتين منها, أولهما:في جامع ابن القيم في حي المنار وسُجلت الأشرطة ووزعت وانتشرت انتشاراً واسعاً, وأخرى في الخرج وكذلك حضرها جمع غفير, وعلى كل حال الكتاب مثل ما ذكرت, إنما اُلف في الأصل للعوام (لعامة الامة) وعلى هذا فلحديث سوف يكون مختصراً مقتضباً, وليس المجال مجال بسط على مسائل الكتاب؛لان هذا يرتقي على مستوى العامة , وإن كان أكثر الحاضرين من طلبة العلم .(1/7)
على كل حال الكتاب فريد في بابه , وإن كان هناك محاولات ممن تقدم مثل:( فتح المعين لفهم الضروري من علوم الدين ) لكنه كتاب فقه وشرح بمجلدات وهناك:( معرفة لا بد منه من أمور الدين ) المقصود أن الباب مطروق,لكن بهذا القدر وبهذا الحجم الذي يتناسب مع عوام المسلمين فريد في بابه, فرحمة الله على الشيخ رحمة واسعة , ومما ينبغي التنبه له أن بعض الطبعات تخلو من المقدمة, وأعتمدها بعض الشارحين فشرح الكتاب على أن لا تَقدِمَةَ له , ولا يليق بالشيخ -رحمه الله - أن يبدأ دون بسملة ولاحمدله, وهناك طبعات أخرى فيها مقدمة يسيرة نقرأها على الأخوة .
شرح المقدمة :
يقول - رحمه الله - : بسم الله الرحمن الرحيم
م/ مقدمة :
الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , وصلى الله وسلم على عبده ورسوله , نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
يقول : أما بعد :
فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الاسلام(1), سميتها ( الدروس المهمة لعامة الامة ) .
ش/ فقوله: سميتها يدل على أن هذه المقدمة من وضع الشيخ وإن خلت منها بعض الطبعات هذه ليس فيها مقدمة إطلاقا وبعض الشارحين شرح على أن الكتاب لا تَقدِمَةَ له .
م/ وهنا يقول أما بعد : فهذه كلمات موجزة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الاسلام , سميتها:( الدروس المهمة لعامة الامة ) , وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين , وأن يتقبلها مني إنه جواد كريم .
مؤلفه -رحمه الله – آمين .
__________
(1) - في طبعة رئاسة ادارة البحوث العلمية والافتاء ( أن يعرفه العامة عن دين الاسلام ) .(1/8)
ش / لاشك أن العوام المقصود بهم الذين لا يقرؤون ولا يكتبون على حسب مستوى الكتاب ؛ لأنه بدأ الكتاب بتلقين الفاتحة وقصار السور , ومثل هذا لا يخاطب به من يقرأ ويكتب ؛ لأنه يقرأ بنفسه ولا يقتصر على نفسه من السور التي أشار اليها الشيخ -رحمه الله - , والناس الى وقت قريب لاسيما أهل العلم وأئمة المساجد لهم عناية بالعوام , فيلقنوهم الضروري من علوم الدين , لاسيما ما يتعلق بالعقائد الاصلية , كالاصول الثلاثة مثلاً , وما يتعلق بكلمة التوحيد إلا أن هذا مع الأسف الشديد هُجر منذ أزمان فلِمن يُترك عامة الناس , أهل الشر يقذفون بشرهم من كل جانب , وأهل العلم يؤدون بعض ما عليهم في تعليم العلم لاهله ولطلبته , أما عامة الناس فلا تجد من يلتفت اليهم , إلا في كلمة عابرة , أو موعظة مختصرة تتجه الى القلب من الرقائق ونحوها , أما تعليمهم ما يجب أن يتعلموه وما يجب عليهم أن يعرفوه , هذا انتبه له الشيخ - رحمه الله - فألف هذه الرسالة المختصرة , والرسالة إبتدأها كما سمعنا الشيخ -رحمه الله- بالبسملة والحمدله إقتداء بالقران الكريم , وعملاً بالحديث الذي يحسنه جمع من أهل العلم (( كل عمل ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ))(1)هذه الروايه حسنها جمع من أهل العلم وإن حكم بعضهم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف .
__________
(1) - لم أقف على اللفظ الذي ذكره الشيخ ولكن ورد هذا الحديث بلفظ ( كل كلام أو كل أمر..) فأخرجه أحمد في المسند (2/ 309 ) , وأبو داود رقم (4840 ) والنسائي في الكبرى رقم (10328) وابن ماجه رقم (1894 ) وابن حبان في صحيحه (1) والدارقطني في سننه صفحة (1) وغيرهم كلهم بروايات مختلفة عن أبي هريرة , وقد حسنه ابن الصلاح والنووي وصححه السبكي في طبقات الشافعية (1/5- 20) بما لا ينهض به حجه كما قال شعيب الارنؤوط في صحيح ابن حبان صفحة (174) , وحكم عليه جمع من أهل العلم بالضعف. راجع إرواء الغليل (1/ 30) .(1/9)
على كل حال , لو لم يكن في ذلك الا الاقتداء بالقران فالقران مفتتح بالبسملة والحمدله , ثم أعقب ذلك بالصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا سنة مؤكدة أمر الله به -سبحانه وتعالى- في كتابه وجاءت الاحاديث بالحث عليه , بل ذم مَن سَمِع ذكره -عليه الصلاة والسلام- ولم يصلِ عليه .
وجمع -رحمه الله- بين الصلاة والسلام لامتثال الأمر فأن الأمر لا يتم إمتثاله إلا بالجمع بينهما , جمع بين الصلاة والسلام, فَمَن أفراد السلام دون الصلاة , أو الصلاة دون السلام , أطلق النووي في ذلك الكراهة , وإن خصه ابن حجر -رحمه الله- إن خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك , بإن يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- مطلقاً ولا يسلم عليه , أو يسلم عليه فيقول: عليه السلام ولا يصلي عليه دائماً , أما مَن كان يجمع بينهما تارة , ويفرد الصلاة تارة , ويفرد السلام تارة فإنه لا تتناوله الكراهة حينئذ .
م / وعلى آله وصحبه اجمعين اما بعد :
ش / وهذه كلمة يؤتى بها للانتقال من إسلوب الى آخر وهي سنة استعملها النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبه ومكاتباته, ووردت في أكثر من ثلاثين حديثاً (فهذه) الفاء واقعة في جواب (أما) .
م / كلمات موجزة :
ش / يعني مختصرة قليلة , فالايجاز هو : التعبير عن المعنى بألفاظ قليلة , يقابله الإطناب : بإن تكون الالفاظ اكثر من المعاني, والثالث المساواة : أن تكون الالفاظ على قدر المعاني , وهنا ألفاظ وكلمات موجزة , يعني مختصرة في بيان بعض ما يجب أن يعرفه العامة عن دين الاسلام .
م / بعض ما يجب أن يعرفه العامة :
ش / يعني في أهم المهمات , وإن كان شيء كثير من المهمات , ذكر أهل العلم من نواقض الاسلام : الاعراض عن دين الاسلام لا يتعلمه ولا يلقي له بالاً , واذا دُعي اليه أعرض نسأل الله العافية .
م / يقول سميته ( الدروس المهمة لعامة الامة ) وأسال الله أن ينفع بها المسلمين , وأن يتقبلها مني إنه جواد كريم .(1/10)
ش/ -رحمه الله رحمة واسعة - .
الدرس الاول
يقول رحمه الله: منهج الدروس المهمة لعامة الامة , الدرس الاول :
م/ سورة الفاتحة وما أمكن من قصار السور من سورة الزلزلة الى سورة الناس , تلقيناً وتصحيحاً للقراءة , وتحفيظاً وشرحاً لمِا يجب فهمه .
ش /سورة الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله , ولا تصح الصلاة بدونها في الصحيحين وغيرهما من حديث عبادة بن الصامت (( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ))(1)فهي ركن من أركان الصلاة تجب على الأمام والمأموم والمنفرد دون المسبوق عند جمهور العلماء , فالمسبوق تسقط عنه لحديث أبي بكر, وأما من أدرك قراءتها ولوكان مأموما فإنه يجب عليه أن يقرأها, في حديث أبي سعيد بن المعلى في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعَدَه أن يخبره قبل أن يخرج من المسجد بأعظم سورة في القران , فلما أراد أن يخرج سأله عنها فقال:(( هي فاتحة الكتاب , هي السبع المثاني والقران العظيم الذي اُتيته ))(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم (756 ) ومسلم برقم (394) وأبو داود (822) والنسائي (2/137) والترمذي (247) وإبن ماجه (837) , وغيرهم من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - .
(2) - أخرجه البخاري (4474) , وأحمد (3/450) و(4/211 ) , وأبو داود (1458) والدارمي (1492) وغيرهم عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - ..(1/11)
, واذا كانت الصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الاسلام لا تصح بدونها عند جمهور العلماء , فحري بكل مسلم أن يحفظها, ويحافظ عليها , وجاء في فضلها أحاديث كثيرة, وقد رقّى بها أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - سيد القوم الذي لُدغ فبرئ كأنما نشط من عُقال , وحديثه في الصحيح قرأت عليه الفاتحه فبرئ(1), كأن لم يكن به وجع , في الترمذي ( أنه قرأ عليه سبع مرات ) , المقصود أن هذه السورة لابد من تعلمها لتصحيح الصلاة .
__________
(1) - أخرجه البخاري (2276) ومسلم (2201) عن أبي سعيد الخدري إن ناساَ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أو راق ؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا فجعلوا لهم قطيعا من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فضحك وقال: ((وما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي بسهم )), وأبو داود (3901 ) عن خارجه بن أبي الصلت عن عمه - رضي الله عنه - وغيرهم . ( يقروهم ) يضيفوهم . ( الشاء ) الغنم . ( يتفل ) يخرج بزاقه من فمه مع نفس .(1/12)
فاذا عرفنا فضلها فعلينا أن نحفظها, وأن نتقنها ونجودها, وأن نعربها الاعراب التام, فاذا حُفظت على الخطأ استمر الخطأ, فلا بد أن تلقن صحيحه بمدودها وشداتها وحركاتها, يعني إذا قرأ القارئ في الصلاة (الصراط الذين انعمتُ عليهم) صلاته باطلة , ( أهدِنا الصراط) كذلك , لابد من ضبطها واتقانها , والكلام هذا وإن كان معروفا لدى طلبة العلم إلا أن الكتاب مؤلَف لعامة المسلمين , وعلى أئمة المساجد وطلبة العلم التبعه في تلقين عوام المسلمين هذه السورة, وحثهم عليها, وإذا كانت البيوت مملوة بمن يقرأ القران من ذكور وإناث , صغار وكبار , وحلقات التحفيظ -ولله الحمد- كثيرة متوافرة في كل حي , فما بقي لأحد عذر ,لم يبقَ لأحد عذر , ولا عيب ولا ضير على أحد سواء كان كبيراً أو صغيراً أن يجلس الى مَن يعلمه القران , ففي الحديث الصحيح (( خيركم من تعلم القران وعلمه ))(1).
م/ وما أمكن من قصار السور من سورة الزلزلة إلى سورة الناس:
ش / تفسير الفاتحه يحتاج الى أوقات وما فيها من العلوم لأن علوم الكتب السماوية كلها جمعها القران الكريم .
__________
(1) - أخرجه البخاري (5027) وأحمد (1/69) وأبو داود (1452) والترمذي (2907) وإبن ماجه (211) عن عثمان بن عفان , والترمذي (2909) أيضا عن علي بن ابي طالب.(1/13)
ويقول أهل العلم إن جميع علوم القران الكريم في الفاتحه , وعلم الفاتحه في قوله { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] فتفسيرها وتوضيحها يحتاج الى وقت طويل فكيف إذا قُرن معها سور؟! بضعه عشر سورة: الزلزلة والعاديات والقارعه والتكاثر والعصر والهمزة والفيل وقريش الماعون الكوثر الكافرون النصر تبت الاخلاص المعوذتين , هذا يحتاج الى وقت طويل , وعلى كل حال إذا عرفنا منزلة القران علينا أن نهتم به , وأن نديم النظر في كتاب الله وأن نُليه عناية تامة , فاذا كان عموم المسلمين ينظرون في الصحف والمجلات الساعات الطوال , وليس لكتاب الله نصيب , هذا مسخ للقلوب -نسأل الله العافية- , فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه , الأمر ليس بالسهل , فلا بد من إدامة النظر في كتاب الله وحفظ ما يمكن حفظه { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت: من الآية49] القلب الذي ليس فيه شي من القران كالبيت الخرب , فعلينا أن نعتني بحفظ القران وإدامة النظر فيه, وملازمة تلاوته , وأن نجعل لنا حزب يومي لا تغيب شمس اليوم إلا بقراءته , وعلينا أن نقرأ مع الفهم والتدبر ؛ لأنه كلام الله , وكلام موجه إليك , افعل أو اترك , فكيف تفعل أو تترك وأنت لا تفهم ؟
والعلوم كلها تحت تدبر القران , يقول ابن القيم -رحمه الله - :
فتدبر القران إن رمت الهدى .... فالعلم كله تحت تدبر القران(1)
الآن لو جاء نظام موجه لعموم الموظفين لتطبيقه , تجد أول ما يرد هذا النظام مدير الدائرة , ووكلاؤه ورؤساء الأقسام يحتجبون عن الناس لمدارسة هذا النظام وفهمه , وهو نظام بشر , لكن تمر عليهم الآيات والكلمات التي تحتاج الى فهم , تحتاج الى توضيح واستيضاح من أهل العلم والرجوع الى الكتب , تمر كأنها لا تعني القارئ أو لا تعني السامع .
__________
(1) - انظر الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية .(1/14)
م / يقول: ... وما أمكن من قصار السور من الزلزلة الى سورة الناس :
ش / ولا أعرف لتخصيص هذا القدر بالنسبة لعامه الناس أصل , وكأن الشيخ -رحمة الله - نظر الى أن سورة البينه صعبة على كثير من الناس فقصر الأمر دونها .
نعم يروي الترمذي - وإن كان الحديث فيه مقال- أن اعرابياً سأل النبي - عليه الصلاة والسلام- ماذا يحفظ من القرآن ؟ لانه كبر سنه , وصعب عليه الفهم والحفظ , ولسانه لا يطاوعه , فقال: إقرأ من ذوات ((الم أو الر )) فذكر أنه لا يستطيع ذلك , فقال: ((إقرأ حم )) فأعاد عليه , فقال: ((إقرأ اذا زلزلت)) .
فان كان الشيخ إعتمد على هذا النص وإلا فلا أعرف لتخصيص هذه القدر من الزلزلة الى الناس أصل , فعلى كل انسان أن يحفظ من القران ما يتيسر له حفظه , ما لا يعجزعنه يحفظه , وإذا عرفنا فضل القران وفضل قراءة القران , له بكل حرف عشر حسنات , يعني لو تقرأ جرائد الدنيا وش لك من الحسنات ؟
كتب العالم كلها ما فيها أجر مرتب على حروفها إلا هذا الكتاب , حتى السنة ليس فيها مثل هذا الأجر , نعم من قرأ السنة ليتفقه ويتعلم يُرجى له ما يرجى لاهل العلم , ويرجى له ما يُرجى لمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً , لكن كل حرف عشر حسنات ! الختمة الواحدة ( ثلاثة ملايين حسنة ) بل أكثر شيء عظيم , لا يفرط فيه إلا محروم, لكن الذي لا يستطيع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها .(1/15)
شخص يعالج نفسه الأيام والشهور والأعوام ليحفظ القران ما استطاع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها , لكن عليه أن يحفظ ما يستطيع فيبدأ بالفاتحه لما ذكرنا ويبدأ بالمعوذتين وسورة الاخلاص وقل ياأيها الكافرون , ومن المهم ما أهمله الشيخ آيه الكرسي , وأواخر سورة البقرة , وأواخر الحشر , وعشر آيات من سورة الكهف من أولها , أو من آخرها , فاذا حفظ هذا القدر واستطاع أن يحفظ غيره فإن استكثر فالله أكثر , لكن لا نقول: أن هذا الشخص لابد أن يحفظ من الزلزلة الى الناس هذا عامي هذا فرضه , هذا نصيبه, لا , يحفظ ما تيسر إن حفظ هذا القدر يزيد عليه , وليس هناك حد محدود للقدر الذي يحفظه , وأعتاد الناس أن يلقنوا الصبيان المفصل يبدءون به قبل أن يدخلونهم في بقيه العلوم , ثم يحفظون الباقي مع التدريج مع بقيه العلوم والفنون الاخرى , وهذه طريقة المشارقة , يخلطون القرآن بغيره في أول الأمر وأما طريقة المغاربة فلا يلتفتون الى شيء من العلوم قَبل حفظ القران كاملاً .
م / من سورة الزلزلة الى سورة الناس تلقيناً :
ش / لأن المسائل مفترضه في مَن ؟ فيمن لا يقرأ ولا يكتب , يحرص على مَن يلقنه هذه السور , من إبن او بنتٍ أو زوجةٍ أو أخٍ أو إمام المسجد , أو عالم يتصدى لإقراء الناس , والملاحظ أن العلماء لا ينتبهون ولا يلتفتون لمثل هذه الامور , بل يتركونها لغيرهم , قصار السور يقرؤها المقرءون وأنا أتفرغ لكبار العلم, لا, العالم الرباني كما في الصحيح عن ابن عباس معلق (( الذي يبدأ بتعليم صغار العلم قبل كباره ))(1)فيجعل من وقته للمبتدئين , ويجعل من وقته قسطاً للمتوسطين , ويخص أيضا طلبة العلم المدركين بجل وقته ,كما هو معروف .
م / تلقيناً وتصحيحياً للقراءة وتحفيظاً وشرحاً لما يجب فهمه :
__________
(1) - أخرجه البخاري تعليقا في كتاب العلم باب: ( العلم قبل القول والعمل ) .(1/16)
ش / هناك الكلمات في هذه السورة وفي غيرها تحتاج الى حلها , ويحتاج الى تفهيمها وشرحها وتوضيحها وبسطها , وهناك تفاسير ميسرة يفهمها طالب العلم , ويفهما العامي ويفهما المبتدئ المتوسط , ويستفيد منها المنتهي , فتفسير الشيخ ابن سعدي -رحمه الله- ميسر مسهل , مبسوط بأبسط عبارة , تفسير الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله- تفسير نفيس يستفيد منه طلاب العلم , فعلينا أن نراجع تفسير هذه السور وغيرها مما يُشكل هذه الكتب المذكورة , أما التصدي لتفسير هذه السور السبعة عشر سورة , سورة سورة مع الفاتحه هذا يحتاج الى وقت طويل , يحتاج الى دورات بل ليس لدورة واحدة , لكن يُحال الاخوة الى التفاسير الميسورة السهلة .
الدرس الثاني :
وينبغي أن يكون أوله الدرس الاول , وإنما أُخر , أخره الشيخ لما يتعلق به , وإلا فأول واجب على المكلف قبل الفاتحه وغير الفاتحه شهادة أن لا اله الا الله , وأن محمداً رسول الله, أول واجب على المكلف التلفظ بالشهادتين خلافاً لما يقوله المبتدعه (إن أول واجب على المكلف النظر , أو القصد الى النظر , أو بعضهم قال إن أول واجب الشك , أول ما يجب عليك تشك ثم بعد ذلك تبحث ) , لا , لا , قلنا : إن هذا لا دليل عليه , إنما أول واجب على المكلف أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله , وبهذا يدخل في الاسلام بشرح معانيها :(1/17)
لا إله : معروف أن ( لا) نافية , نافيه جميع ما يعبد من دون الله , (لا اله) تنفي جميع الآله من أي نوع , من أي صنف كانت , سواء كانت من الحجارة أو من الاشجار أو من الملائكة أو من البشر أو من الملوك أو من الرؤساء أو العظماء من الأحبار والرهبان وغيرهم , (لا اله الا الله ) تثبت العبادة لله وحده لا شريك له , فبعد أن نفى العبادة عن جميع ما سوى الله -سبحانه وتعالى- أثبتها لله -سبحانه وتعالى- , فاذا قال المكلف: (لا اله الا الله ), أو (اشهد أن لا إله الا الله , وأشهد أن محمداً رسول الله ) دخل في الاسلام , وهذا خلاف ما يقوله المبتدعه من أنه قد يقول: لا إله ثم يموت من غير أن يُكمل فينفي جميع الآله ولا يتمكن من إثباتها لله -سبحانه وتعالى- فهو يقتصر على لفظ الجلالة (الله) , ويغلوا بعضهم ويزيد فيقول: قد يموت بعد النطق ببعض الكلمة دون بعض فيقتصر على الضمير:(هو, هو) نسأل الله العافية , والضلال لا نهاية له, فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يهدينا الصراط المستقيم , وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم , والضالين , يقول بعضهم: في اليوم الواحد مائة الف مرة ( الله , الله ) هل الكلمه مفيده ؟! الكلام المفيد الذي يحسن السكوت عليه , فاذا قلت: (الله) فيقول القائل: ماذا عن الله ؟
أخبرنا فاللفظ المفرد لا تقع به الفائده ولا تكمل به الفائدة وبعضهم ليل نهار : هو هو , هو هو . نسأل الله العافية , ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً , واذا كان إمامهم ومقدَمَهم يقول :
بذكر الله تزداد الذنوب ..... وتنطمس البصائر والقلوب(1/18)
هذا إمامهم ومقدَمَهم ويدَّعون فيه الولاية , بل يُعبد من دون الله نسأل الله العافية , فلا بد أن ينطق بها على هذه الكيفية كما وردت في النصوص ومعناها: ( لا اله ) شرحها الشيخ -رحمه الله - باختصار, نافياً جميع ما يعبد من دون الله ,( إلا الله ) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له , وبعضهم يقدر ( لا إله موجود ) وهذا التقدير خطأ لوجود الآله التي تعبد من دون الله ,
( لا إله ) قد يقول القائل: كيف نفى مع وجود الآله ؟
نقول: هذه الآله وإن ادعى عابدوها بأنها آلهة فهي في الحقيقة ليست آلهة وجودها مثل عدمها .
م / بشرح معانيها مع بيان شروط لا اله الا الله .
ش / شروط لا اله الا الله , أركان لا اله الا الله ؟ أيش نعم . النفي والاثبات , نعم .
شروط لا اله الا الله سبعة , وأضاف بعضهم شرطاً ثامناً :
أولها : العلم المنافي للجهل: لا بد أن نعلم معنى لا اله الا الله , وإلا الذي لا يعرف معنى لا اله الا الله يقع فيما يضادها , وهو لا يشعر , تجد الشخص يقول: لا اله الا الله وهو مع ذلك يطوف بالقبر يزاول الشرك وهو يقول: لا اله الا الله , هذا دليل على معرفته وعلمه بـ( لا اله الا الله ) أو دليل على جهله ؟
دليل على جهله , الذين يعرفون معنى لا اله الا الله لمّا قيل لهم: قولوا , قالوا : أجعل الآله إلها واحداً , أنكروا , وحال كثير ممن ينتسبوا الى الاسلام دون حال أبي جهل في معرفةِ معنى:لا اله الا الله , يطوف بالقبر ويقول: لا اله الا الله , تنفعه لا اله الا الله ؟ لا .(1/19)
ثانيا : اليقين المنافي للشك: اذا كان شخص يتردد , مرة يقول: لا اله الا الله , ومرة يأتي بما يناقضها , ومرة على مزاجه , إن شاء قالها , وإن شاء نقضها , هذا ليس على يقين منها , ولا من الثواب المرتب عليها , فالذي يتردد هو الشاك , فالشك هنا يشمل ما يحتمله النقيض بجميع صوره , فيشمل الظن المقصود به الاصطلاحي , ويشمل الشك ويشمل الوهم , فما يحتمل النقيض يقابله اليقين ؛ لان اليقين هو العلم الذي لا يحتمل النقيض, الجازم بنسبة مائه بالمائه اذا نزلت النسبة عن مائه بالمائه قابلت اليقين , وهنا يعبرون بالشك , والشك في اصطلاح أهل العلم هو: الاحتمال المساوي , يعني أن الخبر يحتمل النقيض مع المساواة , يعني اذا كانت نسبة خمسين بالمئه قالوا: شك , واذا ارتفعت النسبة من خمسين الى ما يقرب من مائه هذا ظن , والاحتمال الراجح فاذا نزل عن خمسين فهو وهم , فهل معنى الكلام هنا المنافي للشك أنه إذا نزلت النسبة عن المائه يعني موقن بنسبة أو معتقد بنسبة تسعين بالمائه عنده شكوك بنسبة عشرة بالمائه عشرين بالمائه نقول: هذا محقق لـ( لا اله الا الله )
إذا عرفنا الظن الاصطلاحي وهو ما يحتمل النقيض, فماذا عن قوله تعالى: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } (البقرة:46) هذا ظن ويكفي هذا الظن , نقول: الظن هنا بمعنى اليقين , الظن هنا عند اهل العلم بمعنى اليقين والاعتقاد الجازم , وإلا فمن يشك في لقاء الله , او يتردد في لقاء الله او هناك نسبة ولو يسيرة في احتمال أنه لا يلاقي ربه , هذا لا يصح إيمانه .(1/20)
ثالثا : الاخلاص المنافي للشرك : الاخلاص لابد منه , وهو شرط لكل عبادة , فلا عبادة مقبوله إلا مع الاخلاص , ولابد من إضافة شرط ثان وهو المتابعة , فلا بد أن يكون العمل ومنه ما نحن بصدده أن يكون خالصا لوجه الله -سبحانه وتعالى- , يقول: (لا اله الا الله , مخلص لله ) لا بتأثير قريب أو بعيد , كبير أو صغير , متبوع رئيس قل: لا اله الا الله !.
من الطرائف //
وجدنا شخص من يقود السيارات لبعض الاُسر في المسجد يصلي , سُئل هل هو مسلم ؟
لانهم يغلب على الظن أنه ليس مسلم ! فقال: ( بابا مسلم ) كفيله مسلم , وهذا لا ينفعه , لا ينفع مثل هذا لابد من أن تكون أنت مسلم أن تكون صلاتك خالصةً لله -سبحانه وتعالى- , فالذي ينافي الاخلاص الشرك .
رابعا : الصدق المنافي للكذب : يقول هذه الكلمة صادقا في قولها , مصدقا بها , عاملا بمقتضاها .
خامسا : المحبة المنافية للبغض : محبة الله -سبحانه وتعالى-, وما يصدر عن الله , أما مَن يحب احداً كحبه لله هذا شرك , هذا شرك أو يبغض ما جاء عن الله , سواء أبغض الله أو ما جاء عن الله فهذا ينقض ( لا اله الا الله ) لأن هذه المحبة شرط من شروط لا اله الا الله , من شروط صحتها , ونفعها للمكلف , وإلا اذا أبغض ما جاء عن الله في كتابه أو على لسان رسوله, { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا } أيش ؟ طالب: { مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } { فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [محمد:9].
فكراهية الله أو كراهية ما جاء عن الله أو كراهية الدين أو كراهية الرسول أو كراهية دين الرسول أو بعض ما جاء عن الرسول هذا منافي لقول: لا اله الا الله , قد يقول قائل :(1/21)
نرى كثير من الناس يكره بعض الشعائر , أو بعض مَن يأمر بالشعائر , بعض الناس يكره اللحية , ويتقزز من رؤيتها وحاملها , هذا على خطر عظيم , هذه سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام-, بعض الناس يكره الذين يأمرون بالمعروف , وينهون عن المنكر ؛ لأنهم يأمرونه بتطبيق دين الرسول -عليه الصلاة والسلام- , وهذا على خطر عظيم إذا كان يكرههم للأمر والنهي , أما اذا كان يكره شخص من الناس من أهل الحُسبة ؛ لأنه حصل بينه وبينه قضية هذا أمر سهل ثاني غير الاول , أما إذا كان كرهه وأبغضه لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذا خطر عظيم بلا شك .
سادسا : الانقياد المنافي للترك : لابد أن ينقاد المسلم ويستسلم لله -سبحانه وتعالى- فالاسلام هو الاستسلام والانقياد والاذعان, وإلا فما معنى مسلم لا ينقاد لأوامر الله , ولا يستسلم لأوامره , قد يقول قائل:
كثير من المسلمين لا ينقادون , هل معنى هذا أنهم غير مسلمين ؟
إذا كانوا لا ينقادون مع أعترافهم بأنهم مخالفون , ارتكبوا معاصي , ولكن اذا استحلوا الترك والمأمور به دليله قطعي هذا يخرجون من الدين , اذا أنكروا أمراً معلوم من الدين بالضرورة , اذا قيل له صلِ قال : ما أصلي , واذا قيل قل: (لا اله الا الله) قال : ما أنا بقائل , هذا تارك , لكن هل تركه للصلاة مع جحد وجوبها يكفر قولاً واحداً ؟
اذا كان تركه للصلاة تكاسل وتهاون هذه المسألة خلافية , والمفتى به , والمعمول به عند جمع من أهل التحقيق أنه يكفر اذا ترك ولو أقر بوجوبها , لكن نفترض مسألة ثانية قيل له صم رمضان قال : ما أنا بصائم . لماذا ؟(1/22)
قال : الصيام ما هو بواجب , قلنا : كافر ؛ لأن وجوب الصيام معلوم من الدين بالضرورة , لكن لو قال: والله حر , وأنا عندي عمل , وعندي اسرة أنفق عليهم , ما أنا بصائم ارتكب امراً عظيماً , وعلى خطر كبير , من أهل العلم مَن يرى أنه يكفر بترك الاركان , لكن المعتمد عندهم لا يوجد ما يكفر به إلا ترك الصلاة من الاركان .
سابعاً : القبول المنافي للرد: لابد أن تقبل لا اله الا الله , وأن تقبل جميع ما تلزمك به لا اله الا الله , فلا ترد شي من مقتضيات لا اله الا الله .
ثامنا : والكفر بما يعبد ن دون الله : هذا الثامن الكفر بما يعبد من دون الله , هذا هو الشرط الثامن , ولذا جاءت هذه الشروط مجموعه في بيتين , السبعه في بيت واحد , والثامن في بيت ثانٍ :
علم يقين واخلاص وصدقك مع.... محبة وانقياد والقبول لها
علم، يقين، إخلاص، صدق، محبة، انقياد، قبول، سبعة.
وزيد ثامنها الكفران منك بما .... سوى الأوثان من الإله ما ألها
لابد أن يكفر بما يعبد من دون الله , لا يتصور أن شخصاً يعبد الله بهذه الشروط السبعه ,يقول: لا اله الا الله ولا يكفر بما يعبد من دون الله , لابد من الايمان بالله , والكفر بالطاغوت هما ركنا الايمان , هما ركنا لا إله إلا الله , ولا تصح شهادة لا إله إلا الله , إلا بالكفر بجميع ما يعبد من دون الله كائن من كان , مهما كانت منزلته عند الله -سبحانه وتعالى- .
ثم ذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- في الدرس الثاني الشهادتين ومعناهما وشروط لا إله إلا الله .
ثم في الدرس الثالث :
ثم ذكر الشيخ -رحمه الله تعالى- في الدرس الثاني الشهادتين، ومعناهما، وشروط لا إله إلا الله، ثم في الدرس الثالث ذكر -رحمه الله تعالى- أركان الإيمان، وقال:
م / هي أن تؤمن بالله وملائكته , وكتبه , ورسله , وباليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى .(1/23)
ش/ أولاً : الايمان في الأصل : التصديق الجازم , وهو في الشرع : قول باللسان , وأعتقاد بالجنان , وعمل بالاركان , وهو عند المحققين يزيد وينقص , كما قرره سلف هذه الأمة , والاركان المتعلقه بالايمان ستة : ذكرت في مواضع من القران , وأجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بها في تعريف الايمان لمّا سأله جبريل عن الايمان قال: (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وتؤمن بالقدر )) .
1- الايمان بالله : أن تعرف بوجود الله , وأن وتقر وتعتقد إعتقاداً جازماً أنه موجود , وأنه هو المستحق للعبادة وحده دون مَن سواه , وأن تذعن للأوامر , وأن تجتنب نواهيه .
2- الايمان بالملائكة : أن تعتقد إعتقاداً جازماً لايساوره أدنى شك أن لله ملائكة جاء وصفهم في الكتاب والسنة بأنهم لايعصون الله -سبحانه وتعالى-, وأنهم في عبادته وخدمته, وأنهم عدد كبير , وجمع غفير , فنؤمن بمن نعرف إسمه من الملائكة, ونؤمن بالبقية إجمالا وأن لله -سبحانه وتعالى- ملائكة عدد كبير كما جاء في الاخبار في حديث الأطيط (( أطت السماء وحق لها أن تئط , فما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو قائم ))(1), والبيت المعمور : يدخله في اليوم سبعون ألف ملك , كل يوم يدخله سبعون ألف ملك لا يعيدون عليه آخر ما عليهم .
__________
(1) - أخرجه أحمد في المسند (5/173) , والترمذي (2312) , وابن ماجة برقم (4190) , والحاكم (2/510) , والبيهقي (7/52) , وقال الترمذي حسن غريب .(1/24)
فالملائكة: خلق نوراني , خلق من نور, خلقهم الله -سبحانه وتعالى- لخدمته وعبادته, والمقصود بالخدمه لايعني أنها من حاجه , الخلق كلهم خلقهم الله -سبحانه وتعالى- من غير حاجة إليهم , ولا يزيدون في ملكه , ولا ينقصون منه شيئاً , فلو كان الخلق كلهم جنهم وإنسهم , حيهم وميتهم , قديمهم وحديثهم , كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما ضر من ملك الله شيء , وبالعكس لو كانوا على أتقى قلب رجل(1), فليس خَلقَ اللهُ – سبحانه وتعالى- للملائكةِ ولغيرهم من المخلوقات لحاجة إليهم , بل هو الغني الغنى المطلق .
__________
(1) - ثبت هذا من حديث أبي ذر الغفاري الذي أخرجه مسلم برقم (2577) وأحمد (21405) والترمذي (2495) والحاكم (7606) والبيهقي في الكبرى (11283) والشعب (7088) , انظر الجامع الصغير (4345) .(1/25)
3- الايمان بالرسل : ركن من أركان الايمان لا يتم إلا به , فنعتقد اعتقاداً جازماً , ونوقن يقيناً لا يساوره أدنى شك بأن الله -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل الى الأمم ليحذرهم وينذرهم , وأن عددهم كما جاء في حديث أبي ذر على ما فيه من الكلام أكثر من ثلاثمائة(1), وأما الأنبياء فجم غفير , ونؤمن بما عرفنا اسمه من هؤلاء الرسل, وعلينا أن نؤمن بالرسل كلهم , سواء عرفنا أسمائهم أو لم نعرف أسمائهم , ووظيفة الرسول بأنه يأمر الخلق بطاعة الله -سبحانه وتعالى- وعبادته -عز وجل- , وليس عليهم إلا البلاغ ولا يجوز أن يصرف لهم أي حق من حقوق الله - سبحانه وتعالى- , وأفضل الرسل كما هو معروف محمد -عليه الصلاة والسلام- وهو رسول مرسل من عند الله –سبحانه وتعالى- وهو أيضا في الوقت نفسه عبد من عباد الله , ذكره الله –سبحانه وتعالى- بالعبوديه في أشرف المقامات { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } [الاسراء: من الآية1], { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } [الجن: من الآية19] الى غير ذلك , فلا يجوز أن يُصرف له , ولا لغيره من الرسل والانبياء أي شيء مما يجب صرفه لله -سبحانه وتعالى- فهم خلق من خلقه .
نعم لهم ميزة على بقية الخلق شرّفهم الله بحمل هذه الرسالة , لكن لا يجوز أن يُصرف لهم شي من حقوق الله -سبحانه تعالى-.
__________
(1) - يشير الشيخ إلى الحديث الذي أخرجه أحمد (22342) وأبو نعيم في الحلية (1/167) والهيثمي في مجمع الزوائد (725) بأسانيد ضعيفة , وصححه الألباني في المشكاة (5737) بلفظ: عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أي الأنبياء كان أول ؟ قال: (( آدم )) قلت: يا رسول الله ونبي كان ؟ قال: (( نعم نبي مكلم )) قلت: يا رسول الله كم المرسلون ؟ قال : (( ثلاثمائة وبضع عشر جماً غفيراً )) .(1/26)
4- والايمان بالرسل : ولا سيما نبينا - عليه الصلاة والسلام- يستلزم الايمان به: طاعتة فيما أمر , وتصديقه فيما أخبر , واجتناب ما نهى عنه وزجر , وأن لا يعبد الله إلا بما شرع - عليه الصلاة والسلام- .
5- وباليوم الآخر : نؤمن أن هناك يوم آخر , وأنه بعد الموت بعث , لابد من الايمان بالبعث بعد الموت , نؤمن به كما جاء في النصوص , وأن الله يعيد الخلق بعد موتهم .
6- والايمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى : وأنه كل شي بقدر , أنه لا يصيب الانسان , ولا يصيب الشعوب والامم إلا شيء كتبه الله -سبحانه وتعالى- عليهم ,لا يكون في خلقه ما لا يريده -سبحانه وتعالى- الايمان بالقدر أن تعلم وتوقن وتجزم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك , وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك(1), وأن الامم لو اجتمعت عليك ليضروك بشيء لم يكتبه الله -سبحانه وتعالى- عليك فإنهم لا يستطيعون ذلك , ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يقدره الله لك ولم يكتبه لك لم يستطيعوا ذلك(2).
الدرس الرابع : أقسام التوحيد وأقسام الشرك
م / أقسام التوحيد , وهي ثلاثة : توحيد الالوهية , وتوحيد الربوبية , وتوحيد الاسماء والصفات .
ش /
__________
(1) - قطعة من حديث أخرجها الامام أحمد (2804) والطبراني في الكبير (11243) والحاكم (6303) والبيهقي في شعب الايمان (10001) من حديث ابن عباس .
(2) - أخرجه الترمذي (2516) وأبو يعلى (2556) والبيهقي في الشعب (195) انظر الجامع الصغير (7957) والمشكاة (5302) من حديث ابن عباس ايضاً .(1/27)
1- توحيد الالوهية(1): هو توحيد الله -سبحانه وتعالى- وإفراده بالعبادة , هذا توحيد العبد وإفراده رَبَهُ -عز وجل- بعبادته بأن لا يصرف لغيره شيئاً مما يختص به -سبحانه وتعالى- .
فلا يجوز أن يعبد ولا يؤلّه غير الله -سبحانه وتعالى- فلا يُنذر إلا له, ولا يستغاث إلا به, ولا يُدعى سواه , ولا يُصلى إلا له , وهكذا جميع أنواع العبادة لا يجوز صرفها لغير الله -عز وجل- وبهذا يتم تحقيق توحيد الإلوهية .
2- أما توحيد الربوبية(2), والإقرار بوجوده وأنه الرب الخالق الرزاق المتصرف الذي لا شريك له في هذا الباب في الخلق ولا في الرزق , والإقرار به والاعتراف بتوحيد الربوبية لا يكفي وحده دون تخليص توحيد الالوهية من الشوائب , لأنه لو كان كافياً لمَاَ قاتل النبي -عليه الصلاة والسلام - الكفار حتى يقولوا: لا إله إلا الله , هم يعترفون بوجود الله , وإنه لا خالق غيره , ولا رازق سواه , ولكنهم يشركون معه غيره .
__________
(1) - ذكر الشيخ ابن باز في متن الكتاب على توحيد الالوهية : فهو الايمان بأن الله –سبحانه- هو المعبود بحق لا شريك له في ذلك , وهو معنى لا اله الا الله , فان معناها : لا معبود الا الله , فجميع العبادات من صلاة وصوم وغير ذلك يجب إخلاصها لله وحده , ولا يجوز صرف شيء منها لغيره .
(2) - ذكر الشيخ ابن باز في متن الكتاب على توحيد الربوبية : فهو الايمان بأن الله –سبحانه- الخالق لكل شيء , والمتصرف في كل شيء , ولا شريك له في ذلك .(1/28)
3- وأما توحيد الاسماء والصفات(1): فالله -سبحانه وتعالى- له الاسماء الحُسنى وله الصفات العلى , يجب الايمان بجميع ما جاء عن الله -سبحانه وتعالى- بكتابه وعلى لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- كما جاءت, وأن لا نتعرض لتأويلها ولا تحريفها ولا التكييف , نؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- له الاسماء الحسنى ونؤمن بجميع ما جاء في النصوص مما صح عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- , على ما يليق بجلاله وعلى عظمته , ونؤمن بأن له الصفات الكاملة الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه , وكذلك الايمان بالصفات يكون توقيفياً , فلا نَصِفُ ولا نُسمي الله -سبحانه وتعالى- , إلا بما سمى نفسه أو وصفه بها .
ثم ذكر - رحمه الله - :
م / أقسام الشرك , وأنها ثلاثة : شرك أكبر , شرك أصغر , شرك خفي
ش /
__________
(1) - ذكر الشيخ ابن باز في متن الكتاب على توحيد الاسماء والصفات : فهو الايمان بكل ما ورد القران الكريم , او الاحاديث الصحيحة من اسماء الله وصفاته , واثباتها لله وحده على الوجه اللائق به –سبحانه- من غير تحريف , ولا تعطيل , ولا تكييف , ولا تمثيل عملا بقول الله سبحانه : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَد* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الاخلاص:1- 4], وقوله عز وجل: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11] وقد جعلها بعض أهل العلم نوعين , وادخل توحيد الاسماء والصفات في توحيد الربوبية ولا مشاحة في ذلك ؛ لان المقصود واضح في كلا التقسيمين .(1/29)
1- شرك أكبر(1): أن تعبد مع الله -سبحانه وتعالى- غيره وهذا الشرك المحبط للعمل ,هو الذي يوجب الخلود في النار { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: من الآية65], { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } .
__________
(1) - قال الشيخ ابن باز في متن الكتاب على الشرك الاكبر : يوجب حبوط العمل والخلود في النار لمن مات عليه , كما قال الله تعالى { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:88] , وقال سبحانه { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } [التوبة:17], وإن من مات عليه فلن يغفر له , والجنة عليه حرام , كما قال الله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء:48], وقال سبحانه : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } [المائدة:72] ومن أنواعه : دعاء الاموات , والاصنام , والاستغاثة بهم , والنذر لهم , والذبح لهم , ونحو ذلك .(1/30)
2- وأما الشرك الاصغر(1): فأمره أسهل من الشرك الاكبر , وإن كان خطراً عظيماً حتى قال بعضهم: أنه لا يغفر ولا يدخل تحت المشيئة كالكبائر, كبائر الذنوب التي يقترفها المسلم داخلة تحت المشيئة إن شاء -سبحانه وتعالى- عذبه وإن شاء غفر له , لكن الشرك الاصغر اطلاق الشرك عليه يقتضي أنه لا يغفر بل يدخل في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } وعلى كل حال هو لا يقتضي الخلود في النار ولا يخرج من الملة , فصاحبه إذا عُذب ونُقي من هذا الشرك فإنه مآله الى الجنة -إن شاء الله تعالى- .
__________
(1) - قال الشيخ ابن باز في متن الكتاب على الشرك الاصغر: فهو ما ثبت بالنصوص من الكتاب او السنة تسميته شركاً , ولكنه ليس من جنس الشرك الاكبر , كالرياء في بعض الاعمال , والحلف بغير الله , وقول: ما شاء الله وشاء فلان , ونحو ذلك , لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الاصغر )) فسأل عنه , فقال: ( الرياء ) , أخرجه الامام أحمد (5/428) و(5/429), والطبراني في الكبير (4301) بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( من حلف بشيء دون الله فقد أشرك )) أخرجه الامام أحمد بإسناد أعله الارنؤوط (1/47) في المسند , عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - , وأخرجه ابو داود (3251), والترمذي (1535) باسناد صحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - انه قال: (( من حلف بغير الله فقد كفر او اشرك )) , وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان , ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان )) أخرجه أبو داود (4980) بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - , وهذا النوع لا يوجب الردة , ولا يوجب الخلود في النار ينافي كمال التوحيد الواجب .(1/31)
3- الشرك الخفي(1): وهو الرياء ومن أمثلة الشرك الاصغر : الحلف بغير الله , وقول ما شاء الله وشاء فلان , ولولا الله وفلان , هذا شرك أصغر .
__________
(1) - قال الشيخ ابن باز في متن الكتاب على الشرك الخفي: وهو الشرك الخفي, فدليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :(( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟)) قالوا : بلى يا رسول الله , قال (( الشرك الخفي, يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل اليه )) أخرجه الامام أحمد في مسنده(3/30), عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - , ويجوز أن يقسم الشرك الى نوعين فقط : أكبر وأصغر , أما الشرك الخفي فانه يعمهما , فيقع في الاكبر ,كشرك المنافقين ؛ لانهم يخفون عقائدهم الباطلة , ويتظاهرون بالاسلام رياء ً , وخوفاً على أنفسهم .
ويكون في الشرك الاصغر , كالرياء , كما في حديث محمود بن لبيد الانصاري المتقدم , وحديث ابي سعيد المذكور , والله ولي التوفيق .(1/32)
والشرك الخفي وهو الرياء , مرآة الغير بعمل الخير , تطيل الصلاة , تَسكن في صلاتك , تخشع في قراءتك لمِا ترى من نظر غيرك إليك , هذا نسأل الله العافية من أنواع الشرك , وهو في هذه الامة أخفى من دبيب النمل , وله كفارة كما جاء الخبر تقول: (( اللهم إني أعوذ بك أن أشرك وأنا أعلم واستغفرك لما لا أعلم ))(1)هذا فيما تخشى أن تقع فيه ؛ لأنه خفي والشيطان حريص على إحباط أعمال الانسان , وهذا الرياء وهذا الشرك إذا خالط العمل الصالح إن لم يبطله ويحبطه نقص ثوابه , فان قارنه من أوله الى آخره فلا شك في بطلانه , وإن طرأ على المصلي أو الصائم أو الحاج أو غير ذلك ثم قاومه فأنه لا يضره -إن شاء الله تعالى-(2).
__________
(1) 1 - أخرجه البخاري في الادب المفرد رقم (716) ولفظه : عن معقل بن يسار يقول: انطلقت مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أبا بكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل )) فقال: أبو بكر وهل الشرك إلا من جعل مع الله الها آخر قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره قال: قل اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم )) , وأخرجه وأبو يعلى في المسند ( 61 ) والهيثمي في مجمع الزوائد (10/385) وقال الشيخ الألباني:(صحيح ) انظر حديث (3731) في صحيح الجامع الصغير وزيادته ولفظه : (( الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك و أنا أعلم و أستغفرك لما لا أعلم..)) ( تقولها ثلاث مرات).
(2) 2 - هناك شريط قيم لفضيلة الشيخ سعد بن عبدالله الحميد " الرياء والعجب الأسباب والعلاج " فراجعه فأنه نفيس في بابه .(1/33)
فائدة : من أنواع الشرك ما يسمى بالتشريك في العبادة , تعمل العمل لله ولغيره نعم , هذا تشريك في العبادة تعمل لله ولغيره فمن التشريك ما يضر بالعبادة ومنه ما لا يضر , إذا شركت بالعبادة أمراً محرماً ضر , وإن شرّكت بها أمراً مباحاً فالأمر أسهل وإن شرّكت عبادة بعبادة فالأمر -إن شاء الله- لا شي فيه , لو قُدر إن شخصاً تزوج لقضاء الوطر , نقول: يؤجر فهو في عبادة وإن كان تزوج من أجل قضاء شهوته كما جاء في الحديث:(( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال:(( نعم أرأيتم لو وضعها في حرام .. ))(1), فاذا شرّك العبادة بغيرها , طاف بالبيت ويقصد بذلك ثواب هذا الطواف , ويقصد مع ذلك التخفيف نصحه الأطباء بأن يمشي يكثر المشي مثلا , فقال: بدلاً أن أمشي بالاسواق والطرقات أمشي بالمطاف , له أجر وإلا ليس له أجر ؟
نعم , له أجر ؛ لأن عدوله من المشي في الطرقات الى المطاف لاشك أنه عدول الى خير .
__________
(1) 3- أخرجه مسلم رقم (1006) وأحمد (5/167 ) كلاهما عن أبي ذر أن ناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: (( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا: يا رسول الله أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: (( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا )), انظر صحيح الترغيب والترهيب للالباني ( 2304) .(1/34)
لو اُمر بحمية , فقال: أصوم بدل أن افطم نفسي بدون أجر , أصوم واحتمي في الوقت نفسه يؤجر -إن شاء الله تعالى- ؛ لانه عدوله الى هذه العبادة خير له , لكن من خلصت نيته للعبادة لا شك إنه أعظم أجراً, تطويل الركوع من أجل الداخل هذا تشريك في العبادة لكن فيه مصلحة لأخيك المسلم من أجل أن يدرك الركعه , فلا شيء فيه عند أهل العلم مالم يضر بالمصلين.
وإن قال القرطبي: ونقل عن المالكية أنه من التشريك المذموم .
م / يقول الشيخ -رحمه الله- : فالشرك الاكبر يوجب حبوط العمل , والخلود في النار,كما قال تعالى: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: من الآية88] وقال سبحانه: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } [التوبة:17] .ش / لاشك إن عمارة المساجد من أفضل الاعمال, لكن لابد أن يقترن بالعمارة الحسية العمارة المعنوية { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } [التوبة: من الآية18] قد يقول القائل: لماذا هذا الحصر ؟(1/35)
ما المانع أن يتبرع كافر في بناء مسجد نقول: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } أما عمارة الكافر في بناء مسجد لا تنفعه بل هي حابطه ؛ لأنه مشرك , وبعض الناس يذم من يعمر المساجد ويقول: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ } [التوبة: من الآية19] يرددها بعض الناس, ويقول: إن عماره المسجد الحرام.., نعم هي ليست كمن آمن بالله , لكن اذا قارنت الإيمان فهي من أفضل الأعمال , أما اذا صارت قسيماً للإيمان , عمارة المساجد أو الإيمان بالله , فعمارة المساجد وسقاية الحاج لا خير فيها دون الإيمان , ولا أجر فيها ولا ثواب بدون الايمان؛ لان الايمان شرط لقبول جميع الاعمال , وهذا عمل من أعمال الخير .
يقول : وإن مَن مات عليه فلن يغفر له والجنة عليه حرام قال الله -عز وجل- { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: من الآية48] . وقال سبحانه: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } [سورة المائدة:من الآية 72] نسأل الله العافية .
م / يقول الشيخ: ومن أنواعه دعاء الاموات والاصنام , والاستغاثة بهم , والنذر لهم , والذبح ونحو ذلك .
ش / وغير ذلك من انواع العبادة التي لا يجوز صرف شيء لغير الله -سبحانه وتعالى- , التوكل على غير الله , السجود لغير الله , نسأل الله العافية كل هذا من الشرك الاكبر .(1/36)
م / اما الشرك الاصغر فيقول: ما ثبت في النصوص من الكتاب والسنة تسميته شركا , لكنه ليس من جنس الشرك الاكبر كالرياء في بعض الاعمال , والحلف بغير الله , وقول: ما شاء الله وشاء فلان , ونحو ذلك لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الاصغر ))(1)فسأل عنه فقال :( الرياء ) رواه الامام احمد والطبراني والبيهقي عن محمود بن لبيد الانصاري - رضي الله عنه - باسناد جيد , ورواه الطبراني(2)باسانيد جيده عن محمود بن لبيد عن رافع بن خَديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ش / مرة يروى عن محمود بن لبيد بدون واسطة ومرة بواسطة رافع بن خَديح , ومحمود بن لبيد معروف أنه صحابي صغير جدا عقل المجه التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين, فلا يُبعد أن يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة .
__________
(1) - أخرجه أحمد في المسند برقم (5/429) والبيهقي في شعب الايمان (6831 ) وصححه الالباني في السلسلة الصحيحة (951) .
(2) - سبق تخريجه هامش صفحة (16) .(1/37)
م/ وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( من حلف بشيء دون الله فقد أشرك )) رواه الامام أحمد باسناد صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (1), ورواه ابو داود والترمذي باسناد صحيح من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))(2), وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان , ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ))(3). اخرجه ابو داود بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - .
ش / وهذه أمثلة للشرك الاصغر .
م / يقول -رحمه الله- : وهذا النوع لا يوجب الردة , ولا يوجب الخلود في النار , ولكنه ينافي كمال التوحيد الواجب .
ش / هذا النوع لا يوجب الردة , ولا يوجب الخلود في النار , لا يحبط العمل , ولا يلزم منه ان يخلّد , يبقى خالداً في النار لا يخرج منها , والجنة ليست عليه حرام , إنما يُعذّب بقدر شركه هذا الاصغر , ثم إذا نُقّي يدخل الجنة -إن شاء الله تعالى- .
__________
(1) - أخرجه أحمد برقم (1/47 ) وعبدالرزاق في مصنفه (8/467) والحاكم (1/117).
(2) - أخرجه أحمد في المسند (2/125) وأبو داود برقم (3251 ) والترمذي (1535) والحاكم (4/296) والبيهقي في السنن (10/ 29) والحديث صحيح راجع تخريج ظلال الجنة للالباني الجزء الاول صفحة (515) , وهو مخرج في السلسلةالصحيحة برقم (2042) عن ابن عمر - رضي الله عنه - .
(3) - أخرجه أحمد رقم (5/394) وأبو داود (4980) والنسائي في الكبرى (10821) وابن أبي شيبة في المصنف (27105) و(30066) وأبو داود الطيالسي في مسنده (430) بلفظ ((..ولكن قولوا: ما شاء الله وحده )) والبيهقي في السنن الكبرى (5601) كلهم عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - , راجع الصحيحة ومشكاة المصابيح تحقيق الالباني -رحم الله الجميع- .(1/38)
م / ومنه الثالث: وهو الشرك الخفي فدليله قوله - صلى الله عليه وسلم - (( ألا اخبركم بما أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ )) قالوا: بلى يا رسول قال:(( الشرك الخفي , يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل اليه )) رواه الامام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري(1).
ش / هذا هو الرياء الذي هو نوع من أنواع الشرك الأصغر , هذا الخفي مع دقته وخفائه على المسلم أن يلاحظه , وأن يراقب قلبه , فلا يجعله يشرد ويذهب يميناً وشمالاً , بل عليه أن يُخلص وجهه لله -سبحانه وتعالى- .
م / ويجوز أن يُقسّم الشرك الى نوعين فقط: أكبر وأصغر , أما الشرك الخفي فانه يعمهما [يعني يدخل في الاكبر وفي الاصغر ](2)فيقع في الأكبركشرك المنافقين؛ لأنهم يخفون عقائدهم الباطلة , ويتظاهرون بالإسلام رياءً وخوفاً على أنفسهم , ويكون في الشرك الاصغر كالرياء كما في حديث محمود بن لبيد الانصاري المتقدم , والله اعلم .
ش / مقصود الشيخ -رحمه الله- أن الشرك يقسّم الى ثلاثة أنواع أكبر وأصغر وخفي , ويمكن أن يجعل الخفي من النوعين , قسم من النوع الاول , وقسم من النوع الثاني , داخل في النوع الاول , فما ظهر من الشرك الاكبر يكون شرك جلي , وما خفي من الشرك الأكبر يكون شركاً خفياً , وما ظهر من الشرك الاصغر يكون شرك أصغر جلي وما خفي منه يكون شرك أصغر خفي , وعلى كل حال التقسيم مجرد اصطلاح , والحصر مردّه الاستقراء .
__________
(1) - أخرجه أحمد برقم (3/30) وابن ماجه (4204) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - , وحسنه الالباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (2607) وكذلك حسنه في صحيح الترغيب والترهيب (27) والمشكاة (5333).
(2) - ما بين المعكوفتين مداخله من الشارح وليس من المتن .(1/39)
الدرس الخامس :(1)
بعد هذا تعرض الشيخ -رحمه الله- في الدرس الخامس لأركان الاسلام , وهي خمسة جاءت في الصحيحين , وغيرهما من حديث ابن عمر: (( شهادة أن لا اله الا الله , وأن محمداً رسول الله , وأقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج بيت الله الحرام من استطاع اليه سبيلا )) , وفي الصحيح من حديث ابن عمر يقول: (( بُني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله , وأن محمداً رسول الله , وأقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا ))(2),
__________
(1) - الشيخ ذكر أركان الاسلام في الدرس الثاني , وفي متن كتاب الشيخ -رحمه الله- في الدرس الخامس ذكر: ركن الاحسان , ولكن ربما سها الشيخ الخضير - حفظه الله ورعاه وعفا الله عنا وعنه - وكرر شرح أركان الاسلام , وترك ركن الاحسان , وهو: أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فهو يراك , وهناك شرح نفيس للشيخ صالح ال الشيخ في شرحه للأربعين النووية , فراجعه إن شئت .
(2) - أخرجه مسلم ( 16 ) والترمذي ( 2609 ) وغيرهما عن ابن عمر .(1/40)
وفي صحيح البخاري (( وحج البيت , وصيام رمضان ))(1), بتقديم الحج على الصيام , وعلى كل حال هي أركان خمسة , شأنها عظيم جداً , من ترك شيئاً منها فهو على خطر عظيم , أما من ترك الشهادتين فأنه ليس بمسلم أصلا ومن ترك الصلاة وإن اعترف بوجوبها وأقر به فهو كافر عند جمع من أهل التحقيق , وأما إيتاء الزكاة فاذا اعترف بوجوبها ولم يدفعها فانه لا يكفر عند جمهور العلماء , وإن قيل بكفره ككفر تارك بقية الاركان , فالقول بكفر تارك الاركان الخمسة أو واحد منها قول معتبر عند أهل العلم , وهو قول في مذهب الامام أحمد , يكفر بترك الزكاة , يكفر بعدم صيام رمضان وإن اعترف بوجوبه يكفّر بترك الحج , وعلى كل حال هذه دعائم الاسلام , لا يقوم الاسلام إلا عليها , ولذا بُني الاسلام عليها , وأي بناء دون أركان فانه لايثبت , فتارك شيء منها على خطر عظيم , فمن ترك هذه الاركان فعليه أن يبادر بالتوبة والاستغفار وأن يؤديها على الوجه المطلوب ؛ لأن الكفر شأنه عظيم , وأمره خطير , المعاصي تحت المشيئة بلا شك , وهي أيضا بريد الى الكفر , لكن أمرها أخف من الكفر الموجب للخلود في النار , فترك الصلاة المقرر عند أهل العلم المحققين منهم أنه كفر , فمن يترك الصلاة فهو كافر وإن إعترف بوجوبها , أما بقية الاركان الثلاثة فقيل بكفره , والجمهور على أنه لا يكفر , لكنه على خطر عظيم , وجاء الوعيد الشديد بمن اعطاه الله من المال ما يقوم به , أو ما تقوم به حياته ومصالحه ومع ذلكم يبخل بالقدر اليسير الذي فرضه الله عليه , ومن عافاه الله في بدنه وأقره في وطنه ولم يصم في رمضان هذا أيضاً على خطر (( من أفطر في يوم من رمضان من غير عذر, لم يقضه صيام الدهر وإن صامه))(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري ( 8 ) ومسلم ( 16 ) وأحمد (2/120) والنسائي ( 8/107 ) من حديث ابن عمر ايضا .
(2) - أخرجه البخاري تعليقاً في ( باب اذا جامع في رمضان ) قال: ويذكر عن أبي هريرة رفعه (( من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه )) , وبه قال ابن مسعود , وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوماً مكانه . قال الحافظ في الفتح : ووصله أصحاب السنن الأربعة وصححه بن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة نحوه , وهو عند ابي داود (2396) والترمذي (723) وابن ماجه (1672) ووصله النسائي في الكبرى برقم (3278) وكل هذه الطرق لاتصح فقد حكم عليها الامام الالباني في السنن الاربعة بالضعف بهذه الارقام .(1/41)
, فالأمر جد خطير .
وحج البيت جاء الوعيد الشديد لمن ترك الحج مع القدرة عليه وجاءت الآثار والأخبار المرفوعه والموقوفه في التشديد بالنسبة , فيمن ترك مع القدرة عليه , وجاءت الآثار والأخبار المرفوعة والموقوفة في التشديد بالنسبة لمن تركه مع القدرة عليه ، عمر بن الخطاب كتب الى الأفاق أن ينظروا مَن كان ذا جِدة ولم يحج فاليضربوا عليه الجزية , ما هم بمسلمين ولذا ذيل الله -سبحانه وتعالى-آية وجوب الحج: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران:97] مَن كفر لم يحج وهذه من أدله من يقول بكفر تارك الحج .
الدرس السادس
م/ يقول -رحمه الله- الدرس السادس : شروط الصلاة , شروط الصلاة تسعه :الاسلام , والعقل , والتمييز , ورفع الحدث وازاله النجاسة , وستر العورة , ودخول الوقت , واستقبال القبلة , والنية .
ش /
الشرط : ما يلزم من عدمه العدم , فاذا عُدم الشرط عُدم المشروط ولو وجدت صورته , لو صلى شخص غير مسلم , نعم , ماذا نقول ؟
1- الاسلام : شرط في صحة الصلاة , لكن هم يقولون: إن صلى فمسلم حكماً ؛ لأن الصلاة متضمنة للشهادتين يكون قد تشهد فكيف يكون الإسلام شرط لصحة الصلاة , وهم يقولون: مَن صلى فمسلم حكماً , نقول: هو مسلم حكماً يُعامل معاملة المسلمين , وليس مسلم حقيقة إن استمر فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم , وإن نقض مقتضى هذه الصلاة فأنه يُقتل مرتداً وأمره أعظم من المشرك الذي لم يصلِ .
المشرك الكافر الأصلي , المرتد أشد , فالأسلام لاشك أنه شرط .
2- والعقل : أيضاً شرط لصحة الصلاة ؛ لأن غير العاقل سواء كان مجنوناً أو صغيراً لا يميز فأنه لا يعقل هذه الصلاة , ولا يمكن أن يؤديها على الوجه المطلوب .(1/42)
3- والتمييز : التمييز شرط لصحة الصلاة أيضاً , فعدم المميز داخل أيضا في حكم مَن لا يعقل , ولذا جاء الحديث: (( رُفع القلم عن ثلاثه:النائم حتى يستسقيظ , والمجنون حتى يفيق , والصبي - الصغير- حتى يبلغ ))(1)هؤلاء رفع القلم عنهم, فالنائم رفعه مؤقت حتى يستيقظ , والمجنون كذلك حتى يفيق , والصغير حتى يبلغ , كيف يقولون: حتى يبلغ ويكلف وهنا يُشترط للصلاة التمييز وليس البلوغ ؟
هذا شرط صحة وذاك شرط وجوب , نعم فالصبي إذا ميز بأن بلغ سبع سنين يؤمر بالصلاة بالتمرين عليها , ولكنه لا يأثم بتركها , فليس بشرط للوجوب , التمييز يكون بسبع سنين , وإن ميز وعرف قبل السبع بأن كان عمره خمس سنين ويفهم ,
يفهم السؤال ويرد الجواب المطابق , لكنه لا يؤمر بالصلاة حتى يتم له سبع سنين ؛ لأن هذا تشريع عام ولو ترك للناس والى تمييز كل واحد بحسبه ما إنظبطت الأمور , تجد الناس من شفقتهم على أولادهم قد يتم عشر سنين , وإذا قيل له إبنك لماذا لا يصلي ؟
قال ما بعد ميز , لكن ربط بسبع سنين ؛ لأن هذا تشريع عام يعم الناس كلهم ومثله البلوغ ربط بعلامات ظاهرة .
4- ومن شروط الصلاة رفع الحدث : سواءً كان أكبر أو أصغر , فالحدث الأكبر يرفع بالغسل والحدث الأصغر يرفع بالوضوء , (( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ))(2)
__________
(1) - ورد بروايات متعددة ولعله أقرب الالفاظ الذي أخرجه أحمد (1/118) والترمذي (1423) كلاهما عن علي , وأبو داود (4398) والنسائي(6/156) وإبن ماجه (2041) وغيرهم عن عائشة , انظر إرواء الغليل وصحيح الجامع الصغير وزيادته (3512) , ولفظ أبي داود (( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستسقظ , وعن المبتلى حتى يبرأ , وعن الصبي حتى يكبر )) .
(2) - أخرجه البخاري (135) ومسلم (225) وأبو داود (60) وأخرجه عبد الرزاق في المصنف برقم (530) عن أبي هريرة .
* تقدم تخريجه , انظر التخريج السابق .(1/43)
, { ..إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [المائدة: من الآية6] .
5- ازالة النجاسة : { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [المدثر:4] لا تصح الصلاة مَن على بدنه أو ثوبه نجاسة أو في بقعته التي يصلي عليها , لابد من تطهير المكان , ولابد من تطهير الثوب , ولابد من تطهير البدن من هذه النجاسة , لكن لو نسي وصلى قبل أن يرفع الحدث , هذا شخص نسي فصلى نسي الوضوء فصلى ؟ وآخر نسي النجاسة على ثوبه أو بدنه فصلى هل هناك فرق أو ما في فرق ؟
كلاهما شرط , فعندنا اثنان: شخص صلى من غير طهارة ناسيا , وآخر على بدنه أو ثوبه نجاسة نسي فصلى بهذه النجاسة , الصلاة صحيحة وإلا باطلة ؟ هم يقولون: رفع الحدث وإزالة النجاسة شرط , والناسي له حكم { ..رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [البقرة:من الآية286] فهل نقول:ما دام ناسي تصح صلاته ولو صلى بغير طهارة ولو صلى ولو على بدنه نجاسة ؟(1/44)
أو نقول: إن هذا شرط لابد من تحققه فلا تصح صلاة بغير طهارة كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- (( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضا ))* كما أنها لا تصح صلاة مَن على ثوبه أو بدنه نجاسة حتى يتخلص من هذه النجاسة , أو هناك فرق بين المسألتين ؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- لمّا صلى بالنعلين فيهما نجاسة أعاد الصلاة وإلا أمر بخلعهما ؟(1)
__________
(1) - يشير الشيخ -حفظه الله- الى حديث الذي أخرجه أبو داود برقم (650) وابن خزيمة (1017) والحاكم في المستدرك (955) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه , من حديث أبي سعيد الخدري: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه ,فوضعهما عن يساره ,فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم ,فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته قال: (( ما حملكم على إلقائكم نعالكم )) ؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن جبريل-عليه السلام- أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا )) أو قال: (( أذى )) وقال:((إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر, فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما )) هذا لفظ أبي داود .(1/45)
أُمر بخلعهما, فدل على أن الصلاة , صلاة الناسي مع النجاسة صحيحة , وإلا لو كانت باطلة لأمر بخلعهما ؛ لأن النسيان يقرر أهل العلم: أنه ينزل الموجود منزلة المعدوم , هذه النجاسة الموجودة نسياناً تنزل منزلة المعدوم كأنها غير موجوده , أما المعدوم الذي هو الوضوء معدوم , فان النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود , وعلى هذا لو صلى بغير طهارة , لابد أن يعيد هذه الصلاة ولو صلى ناسياً وعلى بدنه نجاسة فإنه لا يلزمه إعادتها , المسألة عند الحنابلة كما هو معروف والمشهور عندهم أنه إن علمها ثم جهلها أو نسيها أعاد , هذا المقرر عندهم , لكن الصواب أن النسيان كما قال الله -سبحانه وتعالى- في آخر البقرة { ..رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وقال ( قد فعلت )(1)في حديث: (( رُفعت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))(2)
__________
(1) - أخرجه مسلم (126) والنسائي في الكبرى (11059) والترمذي (2992) والحاكم (3132) وابن حبان (5069) والبيهقي في شعب الايمان (2407) من حديث ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية { وإن تبدوا ما في أنفسكم أوتخفوه يحاسبكم به الله } قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - قولوا: ((سمعنا وأطعنا وسلمنا قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } قال: (قد فعلت) { ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } قال: (قد فعلت ) { واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا } قال: (قد فعلت ) ))هذا لفظ مسلم .
(2) - أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس (2045) وابن حبان في صحيحه (7219) والبيهقي في السنن الكبرى (7/356) وصححه الالباني في سنن ابن ماجه .(1/46)
6- ستر العورة : شرط لصحة الصلاة والعورة بالنسبة للرجل من السرة الى الركبة , فاذا صلى وقد بدأ شيء من هذا القدر فأن صلاته لا تصح , من السرة الى الركبة , ويجب عليه ستر المنكبين أو أحدهما لحديث: (( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء ))(1), اذاً كيف يقولون: العورة من السرة الى الركبة ولا يدخلون أحد المنكبين ؟
نقول: فرق بين أن يكون الشيء واجباً وبين أن يكون شرطاً , فاذا كان واجباً وصلى بدونه , صلاته صحيحة لكن يأثم , أما إذا قلنا: إنه شرط فأن الصلاة لا تصح , فيجب على الرجل أن يستر المنكبين , كما جاء في بعض الروايات: (( ليس على منكبيه منه شيء ))(2)أو أحدهما كما جاء في الرواية الاخرى (( ليس على منكبه منه شيء ))(3)على كل حال لا بد من أن يستر المنكبين أو على أقل الاحوال أحد المنكبين , فأما العورة المشترط سترها للصلاة للرجل فمن السرة الى الركبة , وأما بالنسبة للمرأة فجميع بدنها عورة إلا الوجه إذا لم يكن لديها رجال أجانب فإنها تصلي كاشفة الوجه , لا بد أن تكشف وجهها , نعم .
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم ( 359 ) بدون لفظة )منه(, ومسلم (516) واللفظ له , وأبو يعلى (6262 ), والبيهقي في السنن الكبرى (2/223) عن أبي هريرة .
(2) - أخرجها أحمد (2/243) وأبو داود برقم (626) عن أبي هريرة , وغيرهما .
(3) - أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم ( 6559 ) في قصة إرسال كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الى اليمن , والطحاوي (1/382) في معاني الاثار , كما نقل الحافظ العيني في عمدة القارئ (4/66).(1/47)
أما إذا وجد هناك رجال أجانب فإنها يجب عليها أن تستر وجهها , وقال بعضهم: بأن الكفين لهما حكم الوجه فلو كشفت كفيها فلا بأس حينئذٍ , وألحق بعضهم وهو مذهب الحنفية ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- الرجلين ( يعني ) لو صلت وبطون قدميها ظاهرتين ( يعني ) يتجاوز في ذلك , لكن الأحوط أن تستر جميع بدنها لا يخرج منه شيء , هذا هو الاحوط , تستر جميع بدنها لا يخرج لا يدين ولا رجلين و لا يخرج ولا يظهر إلا الوجه , على كل حال هذه مسألة .., بالنسبة لليدين والرجلين الأمر أخف لكن ما عدا ذلك لا بد من ستره , نعم .
سؤال تخمين(1): عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل من السرة الى الركبة ؟
هذا قالوا: عند النساء نعم , مع إنه قول مرجوح ,كما هو معروف , بل عورة المرأة عند النساء كعورتها عند محارمها , يعني عند أخيها تكشف من السرة الى الركبة ؟ يجوز أن تكشف من السرة الى الركبة ؟ لا يجوز ولذا النساء { أَوْ نِسَائِهِنَّ } [النور: من الآية31] في الاية عطفت على المحارم .
7- ودخول الوقت شرط لصحة الصلاة : { إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً } [النساء: من الآية103]
__________
(1) - سؤال أحد الطلبة غير واضح في الشريط , وربما أراد الذي اثبته . أهـ بتصرف يسير .(1/48)
يعني مفروضاً في الأوقات , والصلوات الخمس لها أوقات محددة , لها أول ولها آخر , فاول صلاة الظهر التي هي الصلاة الاولى من زوال الشمس الى مصير ظل الشيء مثله , الى أن يكون ظل الشيء مثله , ووقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله الى غروب الشمس , كل هذا الوقت يشمل الاختيار والضرورة , ووقت صلاة المغرب من غروب الشمس الى مغيب الشفق , ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الى منتصف الليل , ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الى طلوع الشمس , ويدل على هذا حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم , ومن أدلة المواقيت حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر , نعم فيه إختلاف يسير بين حديث إمامة جبريل وحديث عبدالله بن عمرو ؛ لأن في حديث عبد الله بن عمرو ينتهي وقت صلاة العشاء الى نصف الليل الاوسط , وفي حديث أُمامة جبريل الى ثلث الليل , على كل حال حديث عبد الله بن عمرو متأخر , وهو أقوى منه لأن هذا في الصحيح , وذاك في السنن , والمقصود أن هذه الاوقات إجمالاً , ولا تصح الصلاة قبل وقتها بحال , بل يجب على من صلى الصلاة قبل دخول وقتها أن يعيد الصلاة , ما لم يكن ممن يسوغ له جمع التقديم ,كما أنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها , يحرم عليه أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا لعذر, أما إذا لم يكن ثَم عذر فإنه قد إرتكب أمراً عظيماً حتى قال جمع من أهل العلم: إنه اذا أخرجها عن وقتها عمداً فإنه لا يصلي, لا تنفعه صلاته ,كما لو صلاها قبل دخول الوقت, لكن مذهب جمهور العلماء أنه يجب عليه قضاء هذه الصلاة, إذا خرج وقتها يجب عليه قضاؤها, وهو الأحوط .(1/49)
8- إستقبال القبلة : شرط لصحة الصلاة , لا تصح الصلاة إلا مع إستقبال القبلة , والمقصود بإستقبال القبلة جهة الكعبة , لا عينُها وإن قال بعض أهل العلم: إن المطلوب إستقبال عين الكعبة, وهذا فيه مشقه شديدة,وأما إستقبال الجهة فهوكافي لحديث: (( بين المشرق والمغرب قبلة ))(1)دل على أن الاختلاف اليسير أمره يسير -إن شاء الله تعالى-, بل على الانسان أن يتحرى أن يصيب الجهة , ولا يستثنى من ذلك إلا التطوع في السفر على الراحلة , إذا كان الانسان مسافر وعلى راحلة فله أن يتطوع ولو إلى غير جهة القبلة , ويخصه الجمهور بالسفر , ولعل في حكمه الحضر إذا طالت المسافة , يعني إذا كان هناك سره في سيارة وإلا شيء , ويعرف أنه يصلي ركعتين الى أن ينفك السرة , وش المانع ؟
يلحق بالسفر -إن شاء الله تعالى- , والتطوع في هذا الباب واسع , أما الفريضة فلا , فلا تصح إلا مع الاستقبال , نعم ؟ المريض الذي لا يستطيع مع الإمكان المقصود الامكان , إمكان الاستقبال , أما مع عدم الامكان { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة: من الآية286] لو مريض مربّط على سرير ووجهه الى الشرق يصلي , يصلي على حسب حاله .
__________
(1) - أخرجه مالك في الموطأ برقم (256) من قول عمر موقوفاً , والترمذي مرفوعاً برقم ( 342 ) وابن ماجه (1011) ونص النسائي في المجتبى على نكارته (4/171) والبيهقي في السنن الكبرى (2/9) وصححه الألباني في سنن ابن ماجه رقم (826) انظر إرواء الغليل (292) ومشكاة المصابيح (715) من حديث أبي هريرة.(1/50)
9- النية : شرط لصحة الصلاة , فلا تصح الصلاة إلا بنية ,كما أنه لا يصح سائر الاعمال المشروعه إلا بنية لحديث عمر - رضي الله عنه - في الصحيحين وغيرهما:(( إنما الاعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ))(1).
الدرس السابع في أركان الصلاة :
والآن في الدرس السابع في أركان الصلاة :
م/ أركان الصلاة وهي أربعة عشر: القيام مع القدرة , وتكبيرة الاحرام , وقراءة الفاتحة , والركوع , والاعتدال بعد الركوع , والسجود على الاعضاء السبعة , والرفع منه , والجلسة بين السجدتين , والطمأنينة في جميع الافعال , والترتيب بين الاركان , والتشهد الأخير , والجلوس له , والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - , والتسليمتان .
ش / والركن كالشرط لا تصح الصلاة إلا به , لكن الفرق بين الركن والشرط إن الركن داخل الماهية , داخل الصلاة والشرط خارج الماهية يعني خارج الصلاة , ولا يمنع من استمراره كونه شرط لا يمنع من الاستمرار , لكن الأصل أن وجوده خارج الصلاة , فشروط الصلاة التي تقدمت تسعة , وأركانها أربعة عشر .
__________
(1) - أخرجه البخاري (1) و (6689) وكذلك في عدة مواطن من صحيحه , ومسلم (1907) وأبو داود (2201) وابن ماجه (4227) والبيهقي في السنن الكبرى (1/41) وابن الجارود في " المنتقى " ( 64 ) وأحمد (1/25) و(1/43) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرفوعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما الاعمال بالنيات , وانما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )), انظر صحيح سنن ابي داود ( 1927 ) و صحيح ابن ماجه ( 4217 ) .(1/51)
1- أول هذه الاركان : القيام مع القدرة , فالقيام بالنسبة للقادر المستطيع ركن من أركان الصلاة , لا تصح الصلاة إلا به , والمقصود بذلك صلاة الفريضة , لقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث عمران بن حصين: (( صل قائماً , فإن لم تستطع فقاعداً , فان لم تستطع فعلى جنب ))(1)فلا تصح الصلاة ( أعني ) الفريضة من قعود بالنسبة لمن يستطيع القيام , ولا على جنب بالنسبة لمن يستطيع القعود , هذا كله بالنسبة للفريضة , أما النافلة فتصح من قعود مع الاستطاعة , لكن على النصف من اجر صلاة القائم , الشخص الذي يصلي قاعداً وهو يستطيع القيام إن كانت الصلاة فريضة فالصلاة باطلة , وإن كانت نافلة فالصلاة صحيحة, لكن له نصف الأجر فقط, وجاء في الحديث الصحيح:(( صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم )) وهذا محمول على النافلة لما تقدم في حديث عمران بن حصين , ولِما جاء في سبب ورود الحديث الثاني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة مِحمة ( يعني ) فيها شيء من الحمى , والناس يصلون من قعود دخل المسجد وهم يصلون من قعود, فقال -عليه الصلاة والسلام- :(( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )) فتجشم الناس الصلاة قياماً(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري (1117) وأحمد (4/ 426) وأبو داود (952 ) والترمذي (372) وابن ماجه (1223) وانظر صحيح ابي داود (878) وصحيح ابن ماجه (1008) والارواء (299) عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: ( كانت بي بواسير فسالت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال: صل..) هذا لفظ البخاري .
(2) - أخرجه أحمد برقم (3/ 136) وأبو يعلى في مسنده (3583) كلاهما من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - , ورواه الطبراني في الكبير: 20/291 (688) , من حديث أبي وداعه ..(1/52)
, فدل سبب الورود أن هذه الصلاة نافلة ؛ لأن صلاة الفريضة لم يكونوا يفتاتون عليه -عليه الصلاة والسلام- ويصلون قبل حضوره, إلا في حالات خاصة , مع علمهم أنه سوف يتأخر , بل أناب من يصلي عنه , وأيضا النص خاصٌ بمن يستطيع القيام , بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - :(( فتجشم الناس الصلاة قياماً )) وأما الذي يصلي النافلة من قعود وهو لا يستطيع القيام فأجره تام -إن شاء الله- .
2- تكبيرة الاحرام : أيضا ركن من أركان الصلاة , لا تصح الصلاة إلا به , وهذا قول جماهير أهل العلم أن تكبيرة الاحرام ركن , وعند الحنفية كما هو معروف شرط , قد يقول قائل: إيش الفرق بين مذهب الحنفية وقول الجمهور ؟ نعم , الصلاة لا تصح بدون تكبيرة الاحرام سواءً قلنا: ركن أو شرط ما الفرق ؟
ألمحنا سابقاً أن الركن داخل الماهية والشرط خارج الماهية , فعلى هذا لو كبر تكبيرة الاحرام وهو حامل نجاسة فوضع النجاسة مع نهاية التكبير صلاته عند الجمهور إيش ؟ صحيحة وإلا باطلة ؟ باطلة ؛ لانه حمل النجاسة داخل الصلاة , وصلاته عند الحنفية صحيحة ؛ لأن حمله النجاسة خارج الصلاة , أيضاً لو قلب نيته قبل نهاية التكبير الى فرض أو نفل صحت عند الحنفية , ولا تصح عند الجمهور , تكبيرة الاحرام بأن يقول: الله اكبر , لا يصح , ولا يجزئ غير هذا اللفظ , فلا يصح: ( الله الاكبر ) أو ( الله الكبير ) كما يقول الشافعية , أو ( الله الاعز ) , أو ( الله الاجل ) كما يقول الحنفية , لا, لابد من الإتيان بهذا اللفظ؛ لأنه هو المأثور المتواتر عنه -عليه الصلاة والسلام- وعن خلفائه من بعده ولو جاز غير هذا اللفظ لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة لبيان الجواز فلما واظب عليه وداوم عليه خلفائه من بعده نعم دل على أنه لا يجزئ غيره .(1/53)
3- وقراءة الفاتحة : ركن من أركان الصلاة في حديث عباده بن الصامت: (( لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحه الكتاب ))(1)فالذي يصلي ولا يقرأ بفاتحه الكتاب صلاته غير صحيحة , ويستوي في ذلك الأمام والمأموم والمنفرد , على الجميع أن يقرأ فاتحه الكتاب دون المسبوق , المسبوق: الذي دخل والامام راكع , أو لم يتمكن من قراءة الفاتحة قبل الركوع هذا لا يلزمه أن يقرأ الفاتحة , ولم يُستثنَ من النص إلا هذا , بدليل حديث أبي بكرة , حينما ركع دون الصف دخل والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع فركع دون الصف , ثم مشى الى الصف وهو راكع , هنا لم يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإعادة فدل على أن المسبوق لم تلزمه الفاتحة .
4- والركوع : الركوع ركن من أركان الصلاة لا تُدرك الركعة إلا بإدراكه يعني لو فات القيام وفاتت قراءة الفاتحة وأدرك الركوع مع الإمام.. , الركوع ركن عظيم تُدرك به الركعه , بمعنى أن يستوي المأموم راكعاً قبل أن يشرع الإمام في الرفع من الركوع .
5- والرفع منه , كذلك : يعني بعد قوله: ( سمع الله لمن حمده ) ينهض من الركوع هذا ايضاً ركن .
6- والاعتدال بعد الركوع: يعني لا يكفي أن ينهض ثم يسجد مباشرة , بل لا بد أن يعتدل قائماً,كما في حديث المسيء(2), قد يقول قائل: لماذا جعل الرفع والاعتدال ركنين ولم يجعلهما ركن واحد ؟ نعم , قد يحصل الرفع من الركوع بأدنى ما ينطبق عليه هذا اللفظ , لكن لا يحصل منه الاعتدال بعد الركوع , فلا بد من فصل أحدهما عن الآخر .
__________
(1) - أخرجه البخاري (756) ومسلم (394) وابن خزيمة (488) وابن حبان (1782) والبيهقي في شعب الايمان (2866) والسنن الكبرى (2/127) كلهم عن عبادة بن الصامت .
(2) - سيأتي تخريجه .(1/54)
7- والسجود على الاعضاء السبعة : ركن من أركان الصلاة , لا تتم الصلاة إلا به , ولا بد من تمكين الاعضاء السبعة على ما يسجد عليه , الأعضاء السبعة: الجبهة مع الأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين , لحديث: (( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم ))(1)وأشار بيده الى جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدميه.
وكثير من الناس إذا سجد يرفع رجليه , أو يرفع واحده , هذه صلاته فيها خلل كبير ؛ لأن مقتضى هذا القول أنها لا تصح صلاته , صلاته باطلة , لكن لو رفعها رفعاً يسيراً رفع إحدى رجليه أو رجليه ثم أعادهما هذا لا يؤثر , لكنه حركة لا تنبغي أن توجد في الصلاة إلا لحاجة ,( يعني ) يحتاج أن يحك إحدى رجليه بالاخرى اظطر الى ذلك , لكن عليه أن يعود الى تمكين أطراف القدمين من الارض .
8- والرفع منه : الرفع من السجود أيضاً ركن من أركان الصلاة , والمقصود بالسجود القدر المطلوب منه , يكفي أن يقال: (سبحان ربي الأعلى ) , ومثله في الركوع إذا استوى راكعاً ومَكّن أعضاءه السبعة من الارض , وقال (سبحان ربي الاعلى ) ولو مرة واحدة أجزأه مثل هذا السجود , وما عدا ذلك فهو سنة يأتي بيانه في السنن -إن شاء الله تعالى- .
9- والجلسة بين السجدتين : أيضا ركن لا تتم الصلاة إلا به .
__________
(1) - أخرجه البخاري (812) ومسلم (490) والنسائي (2/209) وابن ماجه (883) وابن خزيمة (633) وابن حبان (1925) والطبراني في المعجم الكبير (10861) والبيهقي في السنن الكبرى (2/103) كلهم عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة ( وأشار بيده على أنفه ) واليدين والرجلين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب ولا الشعر )) , وهذا لفظ مسلم .(1/55)
10- والطمأنينة : في جميع الافعال , كما علّم النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء في صلاته (( إركع حتى تطمئن راكعاً , إرفع حتى تطمئن , إسجد حتى تطمئن ...))(1)لا بد من الطمأنينة , فالطمأنينة ركن من أركان الصلاة .
11- التشهد الأخير والجلوس له: التشهد الأخير ركن لا تصح الصلاة إلا به , بخلاف التشهد الأول , التشهد الأخير يُراد به الذكر الذي يقال عندما يجلس الشخص في نهاية الصلاة في آخر الصلاة , هذا هو التشهد الأخير , ولذا قالوا: التشهد الأخير والجلوس له فالتشهد الأخير غير الجلوس للتشهد فالتشهد هو الذكر , وأما التشهد الأول فسيأتي في الواجبات .
والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ركن عند جمع من أهل العلم , وإن كان جمع أيضا من أهل العلم يقولون: بوجوب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- دون أن تكون ركناً ,كما في قوله: سبحان ربي العظيم وسبحان ربي الأعلى .
12- والتسليمتان: أيضاً ركن , وهي العلامة على إنتهاء الصلاة, وهي تحليل الصلاة ,(( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ))(2).
__________
(1) - أخرجه البخاري (793) ومسلم (397 ) وأحمد (2/437) وابو داود (856) والترمذي (303) والنسائي (2/124) و(2/193) و(3/60) وابن ماجه (1060) من حديث ابي هريرة .
(2) - أخرجه أحمد (1006) وأبو داود (61) والترمذي (3) وابن ماجه (275) والدارمي (687) عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم )) , وفي الباب عن جابر وأبو سعيد به .(1/56)
وقول: السلام عليكم ورحمة الله من جهة اليمين وجهة الشمال , مرتين على اليمين وعلى الشمال ركن على هذا الكلام , على كلام الشيخ , وهو المعتمد عند الحنابلة , وإن كان جمع من أهل العلم يرون أن التسليم يتم بواحدة , والثانية سنة , لكن لا شك أن الاحوط قول: السلام عليكم ورحمة الله على اليمين والسلام عليكم ورحمة الله على جهة الشمال .
الدرس الثامن: واجبات الصلاة :
م/ واجبات الصلاة , وهي ثمانية : جميع التكبيرات غير تكبيرة الاحرام , وقول:( سمع الله لمن حمده ) للإمام والمنفرد , وقول : ( ربنا ولك الحمد ) للكل , وقول: ( سبحان ربي العظيم ) في الركوع , وقول: ( سبحان ربي الاعلى ) في السجود وقول: ( رب اغفر لي ) بين السجدتين , والتشهد الاول , والجلوس له .
ش / الفرق بين الواجب والركن , الركن لا بد أن يؤتى به , ومن شك فيه فكأنه تركه , شك في قراءة الفاتحة , شك في الركوع , شك في السجود , لا بد أن يأتى به , وإذا فات محله بطلت الركعة التي هو منها , وإذا طال الفصل بطلت الصلاة كلها , يعيد الصلاة من الجديد , لو قال شخص: أنا نسيت سجدة من الركعة الثالثة من الصلاة نقول: تأتي بركعة كاملة ,
أما إذا طال الفصل فتأتي بالصلاة كلها , لكن لو قال: نسيت تكبيرة من التكبيرات , فكبر للركوع نسي أن يكبر , هوى للركوع من غير تكبير , هوى للسجود من غير تكبير , نسي التشهد الأول , نسي أن يقول سبحان ربي العظيم , نقول: لا تعيد الصلاة , بل عليك أن تسجد للسهو , فالواجب يجبر بسجود السهو بخلاف الركن و الشرط والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) - بداية الشريط الثاني .(1/57)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وصفيه على خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسلمياً كثيراً أما بعد :
يقول الشيخ -رحمه الله- الدرس الثامن: واجبات الصلاة: وهي ثمانية :
م/ جميع التكبيرات ما عدا تكبيرة الاحرام :
ش / تكبيرة الاحرام ليست واجبة ؟ هنا يقول: واجبات الصلاة : جميع التكبيرات واجبة غير تكبيرة الإحرام , غير واجبة تكبيرة الإحرام , الأمر أعظم من ذلك هي ركن من أركان الصلاة على ما تقدم .
م / وقول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد :
ش / يعني دون المأموم بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام-: (( وإذا قال: سمع الله لمن حمده , فقولوا: ربنا ولك الحمد )) ما قال: قولوا: سمع الله لمن حمده , فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده , الإمام والمنفرد يقول: سمع الله لمن حمده وأما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد ومثله الإمام والمنفرد , فقول: ربنا ولك الحمد , أو ربنا لك الحمد بدون واو, أو اللهم ربنا ولك الحمد, أو اللهم ربنا لك الحمد , أربع صيغ يقولها كل مصلٍ .
يقتصر على إحداها , ان شاء قال: ربنا ولك الحمد الإمام والمأموم والمنفرد , وإن شاء قال: ربنا لك الحمد بدون واو , وإن شاء زاد اللهم والواو , أو اللهم بدون الواو , للكل , لكل مصلٍ , فالإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد والمأموم إذا قال: الإمام سمع الله لمن حمده , فإنه يقول: ربنا ولك الحمد , وكذلك المنفرد .
م / وقول سبحان ربي العظيم في الركوع , وقول سبحان ربي الأعلى في السجود :(1/58)
ش /كل هذه واجبات من واجبات الصلاة تجبر بسجود السهو, وإن كان جمع من أهل العلم على أنها سنن لا تؤثر في الصلاة, لكن على المسلم أن يحافظ عليها , ومثله الدعاء بين السجدتين: (( رب اغفر لي , وارحمني , وارزقني , واجبرني... الخ ))(1).
م / والتشهد الاول , [ والجلوس له ] .
ش/ قلنا: في التشهد الثاني -أو الاخير- ركن والتشهد الاول واجب , والجلوس له واجب, لماذا لا نقول ركن كالتشهد الاخير ؟ لان النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه ولم يرجع إليه , بل جبره بسجود السهو .
الدرس التاسع بيان التشهد .
__________
(1) - أخرجه أحمد (1/315) وابن ماجه (898) وأصله عند أبي داود والترمذي , ورواه الطبراني في المعجم الكبير (12363) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/122) انظر صحيح أبي داود (796) وصحيح ابن ماجه (732) كلهم عن ابن عباس .(1/59)
ثم بين -رحمه الله تعالى- في الدرس التاسع بيان التشهد , والتشهد جاء على صيغ متعددة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء تشهد ابن مسعود , وتشهد ابن عباس , وتشهد عمر , يعني من رواية ابن مسعود من رواية ابن عباس من رواية عمر من رواية غيرهم من الصحابة وهم كلهم مضاف الى النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس معنى هذا أنه موقوف على عمر أو على ابن عباس أو على ابن مسعود , لا , هو مرفوع الى النبي -عليه الصلاة والسلام-, لكن اضيف إلى روايه , وكل واحد من الأئمة إختار تشهداً من هذه التشهدات , تشهد عمر إختاره جمع من أهل العلم , تشهد ابن مسعود الذي هو معنا الآن إختاره جمع من أهل العلم كالحنابلة وغيرهم , واعتمده الشيخ , وتشهد ابن عباس أيضاً إختاره الشافعية , وبعض أهل العلم , وعلى كل حال من حفظ هذه التشهدات كلها جميع الصيغ , وراح بينها , بأن جاء مرة بتشهد ابن مسعود , ومرة بتشهد عمر , ومرة بتشهد ابن عباس , كان أولى ؛ لأنها كلها ثابته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- , والاختلاف بينها إختلاف تنوع , وليس إختلاف تضاد , ليرجح بينها, كما يقال مثل ذلك في الاستفتاح , جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في الاستفتاح أكثر من ذكر فعلى الانسان أن يعتني بجميع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-, يقول هو :
م / التحيات لله , والصلوات والطيبات , السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته , السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين , أشهد أن لا إله الا الله , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ش / ولا نحتاج أن نقول: أشهد أن ( سيدنا ) محمداً عبده ورسوله , وإن كان يقوله بعض عوام المسلمين من باب الاحترام للنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن مَن أراد أن يحترم النبي حق الاحترام فليقتدِ به .(1/60)
النبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا هذه الصيغة في ذكرٍ متعبد به في عبادة , فكيف نزيد على ما أرشدنا اليه -عليه الصلاة والسلام-, نعم إذا كنت خارج الصلاة أنت في سعة تقول:( سيدنا ) وهو الذي يقول: (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر ))(1)لكن في الاذكار التي تعبدت بتلاوتها وبقراءتها وبحفظها لا تزيد على ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-, فالمحبة هي الاتباع .
لو كان حبك صادقا لاطعته .... ان المحب لمن يحب مطيع(2)
م/ ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويبارك عليه فيقول: اللهم صل على محمد , وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد, وبارك على محمد وعلى ال محمد , كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد .
ش / هذا يقال في التشهد الاول والثاني , وإن اقتصر على قوله: أشهد أن لا إله إلا الله , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , ولم يصل في التشهد الاول فلا بأس, وإن صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا بأس أيضاً , وبكلٍ قال جمع من أهل العلم .
م / ثم يستعيذ بالله في التشهد الأخير من عذاب جهنم ومن عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال ثم يتخير من الدعاء ما شاء .
__________
(1) - أخرجه مسلم (2278) وأحمد (10985) وأبو داود (4673) عن أبي هريرة , والترمذي (3148) وابن ماجه (4308) انظر الصحيحة (1571) والجامع الصغير (1467) عن أبي هريرة , و( 1468) عن أبي سعيد , وصفة الصلاة (1/172) .
(2) - هذا البيت للشافعي والبيت الذي قبله هو قوله : تعصي الإلهَ وأنتَ تطهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديع(1/61)
ش / ثم في التشهد الاخير بعد نهاية الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من أربع , والاستعاذة بالله من هذه الأربع سنة , من عذاب جهنم , ومن عذاب القبر , وفتنة المحيا والممات , وفتنة المسيح الدجال(1), وهي سنة عند جمهور العلماء , وإن قال طاووس: بأنها واجبة , والاستعاذة بالله من أربع واجبة , بل أمر إبنه عبد الله أن يعيد الصلاة لمّا لم يستعذ بالله من هذه الأربع , لكن هي سنة مؤكدة ينبغي المحافظة عليها والمداومة عليها , ثم يتخير من الدعاء ما شاء , ولاسيما المأثور بعد أن ينتهي من التشهد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأخير ويستعيذ بالله من أربع يختار من المسألة ما شاء .
__________
(1) - أخرجه مسلم (588) وأحمد (2/237) وأبو داود (983) وابن ماجه (909) وابن خزيمة ( 721) وابن حبان (1967) والبيهقي في السنن الكبرى (2/154) وانظر صحيح أبي داود (903) وصحيح الترمذي (2776) وصحيح ابن ماجه (741) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(( اذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع . يقول: اللهم ! إني أعوذ بك من عذاب جهنم ,و من عذاب القبر , ومن فتنة المحيا والممات , ومن شر فتنة المسيح الدجال )), هذا لفظ مسلم .(1/62)
م/ ثم يتخير من الدعاء ما شاء, ولا سيما المأثور من ذلك, ومنه :(( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))(1), (( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً , ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك , وأرحمني أنك أنت الغفور الرحيم ))(2).
__________
(1) - أخرجه أحمد (5/244) وأبو داود (1522) والنسائي في الكبرى (9937) وابن خزيمة (751) وابن حبان (2020) في صحيحيهما , والحاكم (1/407) وقال: صحيح على شرط الشيخين ,عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيده يوماً ثم قال: (( يا معاذ والله إني لأحبك )) فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك قال:(( أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )) وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى بها الصنابحي أبا عبد الرحمن , وأوصى بها عبد الرحمن عقبة بن مسلم, هذا لفظ النسائي, وصححه الالباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (7969) وفي صحيح الترغيب والترهيب (1596).
(2) - أخرجه البخاري (7387) و (7388) ومسلم (2705) وأحمد (1/3) و(1/7) والترمذي (3531) والنسائي (2/53) وفي الكبرى (7710) وابن ماجه (3835) والبيهقي في السنن الكبرى (2/154) انظر صحيح الترمذي وصحيح ابن ماجه والحديث عن أبي بكر الصديق .(1/63)
ش / فيعتني بالمأثور, ومن ذلك:(( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )), في حديث معاذ (( إني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )), دبر الصلاة يحتمل أن يكون قبل السلام , ويحتمل أن يكون بعدها , فلو قال: قبل السلام: (( اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) كما إختاره الشيخ هنا فلا بأس , وإن أخره لِما بعد السلام أيضا فلا بأس ؛ لأن اللفظ محتمل, (( اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً..)) أيضاً هذا وارد , وسُمع منه -عليه الصلاة والسلام- (( ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك )) وهذا علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا بكر , لمّا سأله ذكراً أو دعاءاً يقوله في صلاته , قال: (( اللهم اني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية (( كبيراً ))(1)
__________
(1) - عند مسلم ( 2705) والنسائي في الكبرى (1225) عن أبي بكر - رضي الله عنه - .
قال الكرماني : وهذا الدعاء من الجوامع إذ فيه اعتراف بغاية التقصير وهو كونه ظالماً ظلماً كثيراً وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة إذ المغفرة ستر الذنوب ومحوها والرحمة إيصال الخيرات , فالأول عبارة عن الزحزحة عن النار والثاني إدخال الجنة وهذا هو الفوز العظيم . انظر عمدة القارئ للعيني (22/292) .(1/64)
, (( ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك , وأرحمني إنك أنت الغفور الرحيم )) , وإذا قال: بعد الصلاة وبعد التسبيح , أو قبله (( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ))(1)فهذا وارد ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- .
الدرس العاشر في سنن الصلاة :
من هذه السنن :
1- الاستفتاح : والاستفتاح جاء على صيغ عنه عليه الصلاة والسلام ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة (( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ..الخ ))(2)وهذا من أصح ما يذكر به هنا أو يُدعى به في هذا الموضع لأنه في الصحيحين , متفق عليه .
__________
(1) - أخرجه مسلم (709) وأحمد (4/290 ) و( 4/304) عن البراء بن عازب وابن خزيمة (1563) و(1565) والبيهقي في السنن الكبرى (2/182) انظر صحيح الترغيب والترهيب ( 500) عن البراء قال: كنا اذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون عن يمينه , يقبل علينا بوجهه , قال فسمعته يقول: ((رب قني عذابك يوم تبعث ( أو تجمع ) عبادك )) .
(2) - أخرجه البخاري (744) ومسلم (598 ) واللفظ له , وأحمد (2/231) و(2/494) وأبو داود (781) والنسائي (باب الوضوء بالثلج ) رقم (1/50) وباب ( الدعاء بين التكبيرة والقراءة ) رقم (2/128) وابن ماجه ( 805) والدارمي (1244) وغيرهم من حديث أبي هريرة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فقلت: يا رسول الله ! بأبي أنت وأمي ! أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة , ما تقول ؟ قال أقول: (( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم , نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم , اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد )) .(1/65)
وجاء من حديث عمر (( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك إسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ))(1)هذا الاستفتاح ثابت عن عمر موقوف عليه , ويروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوع .
هناك إستفتاحات خاصة بدعاء الليل: (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل , فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة ...الخ ))(2), على كلٍ , الاستفتاحات عنه -عليه الصلاة والسلام- متنوعه, والاختلاف بينها إختلاف تنوع, وليس إختلاف تضاد , يعني ينبغي للمسلم أن يحفظ جميع هذه الأنواع , ويراوح بينها , أحياناً يقول: كذا , وأحيانا يقول: كذا ؛ ليعمل بجميع ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- .
__________
(1) - أخرجه مسلم (399) عن عمر, وأبو داود (776) والترمذي (243) عن عائشة ترفعه, والنسائي (899) وابن ماجه (804) عن أبي سعيد يرفعه , وقال الدارقطني (1/299): والمحفوظ عن عمر من قوله , كذلك رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر , وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة عن نافع عن بن عمر عن عمر من قوله وهو الصواب , فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/231) أي من طريق الاسود قال: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجهر بهؤلاء الكلمات (يقول: سبحانك اللهم..) وأما لفظ النسائي: عن أبي سعيد : (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك )) .
(2) - أخرجه مسلم (770) وابن ماجه (1357) ولفظ مسلم: قال أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف قال سألت عائشة أم المؤمنين بأي شيء كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) .(1/66)
2- ومن السنن جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام : ويشمل القيام ما قبل الركوع وما بعده ,
ما قبل الركوع أثناء القراءة وما بعد الركوع اذا رفع من الركوع إذا اعتدل قائماً يضع يديه , يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر .
3- ومن السنن رفع اليدين مضمومتي الأصابع حذو منكبيه -يعني كتفيه- أو الاذنين : لأنه صح هذا وذاك -عليه الصلاة والسلام -, يرفع الى فروع أذنيه أو حذو منكبيه وكل هذا ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- فلو فعل هذا أو ذاك لا بأس ومنهم من يقول أن رؤوس الأصابع حذو فروع الإذنين , وظهور الأكف حذو المنكبين وعلى كل حال تحصل السنة إذا حال ذلك المنكبين أو فروع الإذنين .
عند التكبير الأول يعني مع تكبير الاحرام , يرفع اليدين في مواضع الصلاة لا على سبيل الوجوب بل هو سنة , عند تكبيرة الاحرام , وعند الركوع وعند الرفع منه , وعند القيام من الركعتين بعد التشهد الاول .
يقول الشيخ: رفع اليدين مضمومتي الأصابع حذو منكبيه أو الإذنين عند التكبير الأول يعني تكبيرة الإحرام , وعند الركوع والرفع منه وعند القيام من التشهد الاول للثالثة فالمواضع أربعة .(1/67)
هذا الموضع الرابع(1)ثابت في الصحيح صحيح البخاري ,كلها في الصحيحين , لكن الموضع الرابع ثابت في صحيح البخاري(2).
من حديث ابن عمر , قد يقول قائل: نحن ندرس في المختصرات على المذهب لاسيما ( الزاد ) في المعاهد العلمية , أن المواضع ثلاثة ,كيف يخفى على الأصحاب مثل حديث ابن عمر وهو في الصحيح , نعم كيف يخفى عليهم مثل هذا ؟
نقول: حديث ابن عمر وإن ثبت في صحيح البخاري , هو في صحيح البخاري ولا لأحدٍ كلام , ليس لأحد كلام مادام الحديث في الصحيح .
لكن البخاري لا يُلِزم الامام أحمد بقوله ؛ لأنه إمام مثله , فحديث ابن عمر لم يثبت عند الإمام أحمد مرفوعاً , فالإمام أحمد يرى أنه موقوف على ابن عمر , وعلى هذا لا نقول: الحنابلة وش عندهم ؟ لأن بعض الناس يجرؤ فيقول: حديث في البخاري ولا يذكر في ( الزاد المستنقع ) وش يعني ؟
__________
(1) - وقد ثبت موضع خامس عند النسائي (باب رفع اليدين للسجود ) برقم ( 2/205) عن مالك بن الحويرث أنه : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في صلاته وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود حتى يحاذي بهما فروع أذنيه , قال الالباني صحيح , وهو مخرج في ارواء الغليل (2/ 67) .
(2) - برقم (739 ) ولفظه: أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه وإذا ركع رفع يديه وإذا قال ( سمع الله لمن حمده ). رفع يديه وإذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - , وهو عند النسائي برقم (3/3) وكذلك أخرجه برقم (3/2) عن أبي حميد الساعدي قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة .(1/68)
نعم , نقول:( زاد المستنقع ) معتمد مذهب وهو مذهب الإمام أحمد , والإمام أحمد لا يثبت الخبر مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بل هو من قول ابن عمر عنده , والثابت والمرجح عند الإمام البخاري أنه مرفوع , وعلى كل حال هذه أقوال الأئمة , وهذه اجتهاداتهم , ولا يلزم بعضهم بقول بعض , لكن على المتعبد وعلى طالب الحق وناشد الحق أن يطلبه من مظانه , ولا يقلد في دينه الرجال , ما دام الخبر ثابت , وفي صحيح البخاري فلا مندوحة لنا من الأخذ به , ولكن هذا مجرد اعتذار لمن يقل به من الأصحاب .
4- من السنن ما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود: عرفنا أن التسبيح في السجود والركوع مرة واحدة واجب, لكن ما زاد على ذلك الى ثلاث أو الى سبع سنة مستحبة, لا يأثم بتركه ولا يسجد من أجله, لكن إن فعله رُتب عليه الثواب.
5- يقول..(1)ما زاد عن واحدة في الدعاء وبالمغفرة بين السجدتين : سنة ولو قال: (( رب إغفر لي ))(2)مرة واحدة ,خَلاص كفى تأدى به الواجب , وإذا زاد على ذلك فحسن .
__________
(1) - لم يذكر الشيخ في الشرح سنة ما زاد على قول ( ربنا ولك الحمد ) وما أراه إلا قد فات الشيخ -حفظه الله -.
(2) - أخرجه أحمد (1/315) و (1/371) وابن ماجه (898 ) وهو في صحيح ابو داود (796) عن ابن عباس قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين السجدتين في صلاة الليل ( رب اغفر لي وارحمني واجبرني * وارزقني وارفعني ) وهذا لفظ ابن ماجه , * (( واجبرني )) : من جبروت الوهن والكسر , اذا أصلحته وجبروت المصيبة ,اذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به .(1/69)
6- جعل الرأس حيال الظهر في الركوع : يعني إذا ركع يستوي راكعاً , و لا يشخص رأسه و لا يصوبه , لا يرفع الرأس حال الركوع و لا ينزله , بل يجعل الرأس في مستوى الظهر , وجاء في وصف ركوعه -عليه الصلاة والسلام- (( أنه لو صُب الماء على ظهره لستقر ))(1).
ونشاهد بعض الناس إما ينحني كثيراً فيطأطأ رأسه , أو يرفع رأسه , وجاء في حديث أبي حميد وغيره في صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام - أنه كان اذا ركع لم يَشخصْ رأسه ولم يصوبه(2), يشخص رأسه : يرفعه , يصوبه : يطأطأ الى الارض ينزله الى الاسفل ومنه سُمي ( المطر ) صيب ؛ لأنه ينزل .
7- مجافاة العضدين عن الجنبين والبطن عن الفخذين والفخذين عن الساقين في السجود : المجافاة سنة , لكن بحيث لا يؤذي أحداً , ومعنى أنه يجافي ويؤذي مَن يصلي بجواره, أو يلزم عليه وجود فُرج في الصفوف,لا , مع الإمكان لأن هذه سنن , سمعنا أنك تُخل بواجب الذي هو التراص في الصف من أجل المجافاة , أو تؤذي , إذا ترتب على فعل السنة أذى لغيرك فالسنه في ترك هذه السنة كما هو معروف .
__________
(1) - رُوي من حديث وابصة بن معبد عند ابن ماجه , وفي اسناده ضعف , راجع التلخيص الحبير (1/ 240) .
(2) - أخرجه مسلم (498) وأحمد (6/194) وأبو داود (783) وابن ماجه (869) والبيهقي (2/85) عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم , هذا لفظ مسلم , ولم أجده من حديث أبي حميد , والله أعلم .(1/70)
البطن عن الفخذين في السجود : بعض الناس إذا سجد اجتمع , انضم بعضه الى بعض , والسنة المجافاة , يرفع بطنه عن فخذيه , ويجافي عضديه عن جنبيه .
8- رفع الذراعين عن الارض حين السجود : جاء النهي عن مشابهة الكلب , والنهي عن الافتراش كافتراش السبع , فرفع الذراعين عن الأرض في السجود , يقول الشيخ: إنه سنة , ولو قيل: بوجوبه لكن لا يلزم عليه سجود سهو هذا الإشكال , أنه لا ينظبط باعتبار أنه لو أدخلناه في الواجبات لقلنا: مَن فعله يلزمه سجود سهو, لكن فعل المحظور– هذا محظور وليس واجب– ففعل المحظور يعفى عن السهو والجهل وما أشبه ذلك , ولكن من خالف النص نُهي عن الافتراش كافتراش السبع ويفعله لا شك أنه مُعرّض نفسه للاثم .
9- جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة ونصب اليمنى في التشهد الأول وبين السجدتين(1): يفترش , يفرش رجله اليسرى, وينصب اليمنى هذا في التشهد الأول وبين السجدتين , وفي الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد كالثنائية مثلاً, وأما إذا كان في صلاته أكثر من تشهد , تشهد أول وثاني ففي التشهد الأخير يتورك , بمعنى أنه يقدم رجله اليسرى ويجلس على مقعدته وينصب اليمنى .
12- ومن السنن التي ذكرها الشيخ: الصلاة والتبريك على محمد وآل محمد وعلى ابراهيم وعلى آل ابراهيم في التشهد الاول: وأما في التشهد الثاني فهو أيش على ما تقدم , ركن من أركان الصلاة , الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأخير ركن , وأما في التشهد الأول فأثبته الشيخ -رحمه الله- مع السنن .
__________
(1) - ضمّن الشيخ حفظه الله السُنة العاشرة مع التاسعة وأما الحادية عشر وهي ( الاشارة بالسبابة في التحيات ) فلم يذكرها ربما سقطت منه سهوا -عفا الله عنا وعنه- .(1/71)
13- ومن السنن أيضا الدعاء في التشهد الاخير: يعني (( ثم ليتخير من المسألة ما شاء ))(1)نعم والاستعاذة بالله من أربع(2)كلها سنن .
14- والجهر بالقراءة في صلاة الفجر..وفي الركعتين الاوليين في صلاة المغرب والعشاء: يعني الجهر في صلاة المغرب والعشاء والفجر سنة .
15- والإسرار في الظهر والعصر والركعة الثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء سنة : شمعنى هذا أنه لو جهر أحيانا صلاته صحيحة في صلاة الظهر, لو أسر أحيانا في صلاة الفجر والمغرب والعشاء صلاته صحيحة, لكن خالف السنة , النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يُسمعهم الآية أحياناً في صلاة الظهر أو العصر , فدل على أن الجهر أو الإسرار في هذه المواضع سُنة وفعله هذا الجهر لبيان الجواز , لكن لو قُدّر أن شخص طول عمره في صلاة الصبح إمام يُسرّ , ثم إذا جاء يصلي الظهر جهر سنة وإلا لا ؟
__________
(1) - ورد من حديث ابن مسعود عند مسلم (402) والنسائي الكبرى (7700) في مسألة تخير الدعاء .
(2) - يقصد الشيخ -رحمه الله- حديث عن أبى نضرة قال كان بن عباس على منبر أهل البصرة فسمعته يقول: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : كان يتعوذ في دبر صلاته من أربع يقول: (( أعوذ بالله من عذاب القبر , وأعوذ بالله من عذاب النار , وأعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن , وأعوذ بالله من فتنة الأعور الكذاب )) رواه الامام احمد (1/292) والطبراني في المعجم الكبير (12779) .(1/72)
نقول: هذا مبتدع , ما يكفي أن نقول: ترك سنة, نقول: هذا مبتدع, لا ينبغي أن يتقدم إمام المسلمين ؛ لأنه خالف الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الإصرار على ترك السنن والمعانده لا يكفي أن يقال:إنه ترك المشروع وعدل عنه الى المكروه, لا , إذا تعمد ترك السنة وأصر عليه يُذم, يعرض نفسه للعقاب, ولذا جاء عن الامام أحمد -رحمه الله- وهو يقول: بسنية الوتر, يقول:( من ترك الوتر- يعني واظب على تركه- رجل سوء ينبغي أن لا تقبل شهادته )(1), لكن فعله أحيانا وتركه أحياناً لا ضير عليه لكنه من السنن المؤكدة, الإسرار بالقراءة في الظهر والعصر, وفي الثالثة من المغرب والأخيرتين من العشاء على ما تقدم.
16- قراءة ما زاد عن الفاتحة من القران : الركن قراءة الفاتحة , لكن ما زاد على ذلك فهو سنة , مع مراعاة بقية ما ورد من السنن في الصلاة سوى ما ذكرنا .
من السنن ما يسمى بجلسة الاستراحة , سُنة ثابته في الصحيحين وغيرها من حديث مالك بن الحويرث , أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن ينهض الى الثانية جلس , وإذا أراد أن ينهض الى الرابعة جلس , فهذه الجلسة وإن سماها أهل العلم استراحة إلا إنها سنة , وهي جلسة خفيفة جداً , لا تعوق عن متابعة الإمام ولو لم يفعلها فما دامت ثابته عنه -عليه الصلاة والسلام- ففعلها سُنة علينا أن نقتدي به -عليه الصلاة والسلام- .
الدرس الحادي عشر : مبطلات الصلاة
إذا عرفنا شروط الصلاة , وأركان الصلاة , وواجبات الصلاة , وسنن الصلاة , فما الذي يبطل الصلاة ؟ يبطلها ثمانية أشياء:
__________
(1) - انظر المغني (1/877) , والشرح الكبير(1/742) , والروض المربع (1/112) , والانصاف (2/177) , وشرح منتهى الارادات (1/225) .(1/73)
1- الكلام العمد مع الذكر: (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس ))(1)
__________
(1) - قطعة من حديث أخرجها مسلم رقم (537) وابن أبي شيبة (2/192) والمنتقى لابن الجارود (212) والطبراني: 19/402 (948) , والبيهقي ( 2/360) وأبو بكر الشيباني في الأحاد والمثاني (1398) كلهم عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم .فقلت: يرحمك الله !فرماني القوم بأبصارهم . فقلت: واثكل أمياه ! ما شأنكم ؟ تنظرون إلي , فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم , فلما رأيتهم يصمتونني , لكني سكت , فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي ! ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: (( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن )) أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان قال: (( فلا تأتهم )) قال: ومنا رجال يتطيرون قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم )) ( قال ابن المصباح فلا يصدنكم ) قال: قلت: ومنا رجال يخطون ,قال: ((كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك )) قال وكانت لي جارية ترعى غنما لي قِبَلَ أُحد والجوّانيّة فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم , آسف كما يأسفون , لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعظّم ذلك عليَّ قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها ؟ قال: ((ائتني بها )) فأتيته بها فقال: لها (( أين الله ؟ )) قالت: في السماء قال: (( مَن أنا ؟ )) قالت: أنت رسول الله قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة )), هذا لفظ مسلم..(1/74)
فمَن تكلم وبآن من كلامه ما يُفهَم وما يؤدي الى معنى عالماً عامداً صلاته باطلة , وأهل العلم يعلقون البطلان ببيان حرفين , نعم , فيقول: ( فبآن حرفان بطلت ) لو قال: ( لن ) ( لا ) (لم ) متعمداً للكلام ذاكر لصلاته صلاته تبطل , أما الناسي والجاهل فلا تبطل صلاته بذلك , المظطر أو الذي تكلم عن غير قصد , شخص يصلي فوقع عليه شيء آلمه فقال: ( أح ) بآن حرفين نقول: صلاته باطلة ؟(1/75)
لا , هذا مُجبر على هذا الكلام , لا شعور يقول هذا الكلام , لكن الكلام على مَن إختار وتعمد الكلام وكان ذاكراً لصلاته وهو يعرف في صلاة , لكن إذا تكلم وهو يغلب على ظنه أنه انتهت صلاته , عنده أن الصلاة انتهت , صلى الظهر يصلي ثلاث ركعات وسلم , وسولف مع جاره أو قال له جاره أنت ما صليت الا ثلاث , قال: لا أنا صليت أربع , ثم حصل نقاش بينهم , ثم ترجح عنده أنه صلى ثلاث يأتي بالرابعة ولا يضره مثل هذا الكلام , وهذا جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- في حديث ذي اليدين , صلى إحدى صلاتي العشي فسلم من ركعتين , وحاور الصحابة قالوا: له اقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال: ((لم أنسَ ولم تقصر ))(1)
__________
(1) - يشير الشيخ إلى حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري رقم (6051) ومسلم (573) وأحمد (2/271) وابو داود (1008) والنسائي (3/20) والترمذي (399) وابن ماجه (1214) , ولفظ الحديث عند ابي داود عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى , يعرف في وجهه الغضب ,ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة قصرت الصلاة وفي الناس أبو بكر وعمر , فهاباه أن يكلماه , فقام رجل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسميه ذا اليدين , فقال: يارسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟ قال: (( لم أنس ولم تقصر الصلاة )) قال بل نسيت يارسول الله , فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على القوم فقال:(( أصدق ذو اليدين )) فأومؤُوا , أي نعم فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع وكبر قال فقيل لمحمد ( اي : ابن سيرين ) سلم في السهو ؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم ." سَرَعان الناس " هو بفتحتين ؛ أي اوائلهم الذين يتسارعون الى المشي ويقبلون عليه بسرعة .(1/76)
, فتكلم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكلمه الصحابة هذا بناءاً على غلبة الظن أن الصلاة قد تمت .
2- الضحك : أيضاً يبطل الصلاة ؛ لأنه يخالف من مقصود الصلاة , الصلاة المقصود منها المثول بين يدي الرب , مع الخشوع والاستكانه والتضرع , فالضحك ينافي روح الصلاة ولُبها , واذا قلنا: إنه يبطل الصلاة لا يعني أنه يبطل الوضوء كما يقول: الحنفية , الحنفية يقولون: إذا قهقه في الصلاة يبطل وضوؤه فضلاً عن صلاته , ويعتمدون في ذلك على حديث ضعيف , ضعفه معلوم عند جمهور العلماء .
3 , 4- الاكل: أيضاً يبطل الصلاة , تسامح بعض السلف في الشرب في النافلة , لكن ينبغي أن يعتني المسلم بصلاته سواءٌ كانت نافلة أو فريضة ؛ لأنه لا فرق بين النافلة والفريضة إلا ما خصه الدليل , إنسان واقف بين يدي ربه , يناجي ربه سواءٌ كان في الفريضة أو النافلة , فينبغي أن يعتني بصلاته ويقبل بِكُليته على ربه وينكسر بين يديه ويتذلل .
5- انكشاف العورة : ستر العورة قلنا: فيما تقدم شروط لصحة الصلاة: تقدم تحديد العورة فإذا انكشف من هذه العورة شيء فإن كان من العورة المغلظة السوءتين فتبطل الصلاة مباشرة , وإذا كان مما خف مما دون السوءتين , فإن طال بطلت الصلاة , وإلا إن غطاه فلا .(1/77)
6- الانحراف الكثير عن جهة القبلة : قلنا: إن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة , والانحراف اليسير لا يضر ؛ لان المطلوب في الاستقبال جهة الكعبة لا عين الكعبة , خلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه لابد من إصابة عين الكعبة بغلبة الظن , يعني إذا غلب على ظنك أنك الى عين الكعبة تصلي يكفي , أما الجمهور فيقولون: يكفي أن تتجه الى جهة الكعبة , ويستدلون بحديث: (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) يعني إذا وضعت إحدى الجهات عن يمينك والاخرى عن يسارك والقبلة تجاه وجهك ولو ملت يميناً او شمالاً مالم تقصد , المقصود بهذا البعيد عن الكعبة , أما مَن يشاهد الكعبة ففرضه , إستقبال عينها , لا يجوز له أن يحيد قيد أُنملة عن الكعبة .
7- العبث الكثير المتوالي في الصلاة : عُرفا , فاذا عَدهُ الناس كثير فهو كثير , وإلا فهو قليل , وجمع من أهل العلم يَحدونه بثلاث حركات في الركن الواحد , يعني إذا اجتمع في ركن واحد ثلاث حركات صار كثير .
8- وانتقاض الطهارة : انتقاض الطهارة مبطل للصلاة بلا شك ؛ لإن الله -سبحانه وتعالى- لا يقبل صلاة من احدث حتى يتوضأ ولابد أن تستمر الطهارة الى تمام الصلاة .
الدرس الثاني عشر : شروط الوضوء :
معلوم أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الاسلام , والصلاة لها شروط تقدم ذكرها , منها: الطهارة من الحدث الاكبر والأصغر , لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ ))(1)والوضوء المراد به رفع الحدث الاصغر , ويراد برفع الحدث الاكبر الغسل , وعندنا الآن في هذا الدرس شروط رفع الحدث الاصغر .
م / فشروط الوضوء عشرة :
1- فالاسلام :
__________
(1) - سبق تخريجه صفحة رقم (22).(1/78)
ش/ يعني لو توضأ الكافر يصح وضوؤه وإلا ,لا ؟ لا يصح ؛ لإن الاعمال بالنيات , النية شرط لصحة الوضوء والكافر ليس من أهل النية ولا من أهل القصد , ليس من أهل قصد التقرب الى الله -سبحانه وتعالى- بهذه العبادة فلا تصح هذه العبادة منه.
2- العقل :
ش/ لو توضأ مجنون او وُضئ المجنون لا يجزئ مثل هذا الوضوء , بحيث لو أفاق لزمه إعادة الوضوء من أجل الصلاة ؛ لانه لا قصد له , ولا نية له , والقلم مرفوع عنه .
3- والتميز :
ش/ من شروط الوضوء: التميز بأن يُكمل سبع سنوات حتى يطالب بالصلاة التي من أجلها يطلب رفع الحدث , فالذي لا يميز لا يصح منه وضوء,كما أنه لا تصح صلاته , ولا يطالب بها, ولذا جاء في الحديث:(( مُروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر..))(1)والسبع مظنة لإن يميز فيها الطفل , غالب الاطفال يميز لسبع , وكثير منهم يميز قبل ذلك , والقليل النادر من يجاوز السابعة ولم يميز , والشرع إذا أراد أن يثبت حكماً نظر الى غالب الناس ؛ لان الحكم للغالب وإلا فلو ميز قبل السبع لا يطالب بالصلاة , ويؤمر بها , لكنه يُبدأ بتعليمه ؛ لانه يَفهم , فينبغي أن يبادر بتعليمه ولو لم يُكمل السبع كما هو معمول به الآن .
4- والنية :
__________
(1) - أخرجه أحمد (2/ 187) وأبو داود ( 495 ) والدارقطني ( 1/230 ) والحاكم (1/197) والبيهقي ( 7 /94) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشز وفرقوا بينهم في المضاجع )) واللفظ لأبي داود , وأخرجه بن أبي شيبة في " المصنف "(2/346).(1/79)
ش/ شرط من شروط الوضوء لحديث عمر المتفق عليه في الصحيحين وغيرهما: (( إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ...))(1)فلا عمل إلا بنية(2)كما جاء في بعض الاحاديث , لا عمل شرعي الا بنية , فلا تصح الاعمال الشرعية إلا بالنيات , فاذا لم يقصد الانسان ولم يخطر على باله هذا العمل فإنه لا يصح منه , ولو كان عملاً عادياً , فإنه لا يؤجر عليه إلا إذا قصد به التقرب الى الله -سبحانه وتعالى- والاستعانه به على طاعة الله -عز وجل-.
5- وإستصحاب حكمها , حكم النية , عندنا حكم وعندنا ذكر , إستصحاب حكم النية شرط لصحة الوضوء , بألا ينوي قطع الطهارة حتى تتم , وأما إستصحاب ذكرها بمعنى أنها لا تعزب عن باله من بِدأ الوضوء الى نهايته هذا ليس بشرط , نعم هو مستحب , إذا قصد الانسان الى المغسلة - مثلاً- مغسلة اليدين , وغسل يديه وكفيه ووجه وذراعيه ومسح رأسه وغسل رجليه هذا وضوء , لكن بعض الناس عنده الوضوء روتين(3), قد ينتهي من غداءه أو عشاءه أو أكله ثم يذهب الى المغسلة فلا يشعر إلا وقد أكمل الوضوء , هو ما قصد أن يتوضأ , قصد أن يغسل يديه فقط مثل هذا الوضوء يصح وإلا ما يصح ؟
لا يصح ؛ لأنه غير منوي .
__________
(1) - سبق تخريجه صفحة رقم (24).
(2) - قال الامام سفيان الثوري: ( لا يستقيم قول إلا بعمل , ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية , ولا يستقيم قول و عمل ونية إلا بموافقة السنة ), إنظر حلية الاولياء .
(3) - يعني عادة وليس عبادة , كما هو مُلاحظ كثيراً في هذه الازمان والله المستعان .(1/80)
شخص قصد المغسلة , وهو قاصد أن يغسل يديه ويتوضأ بعد ذلك لصلاة العصر مثلا , نوى أن يتوضأ , ولا يحتاج أن يقول: نويت أن أتوضأ أو نويت أن...لا ما يحتاج , بل النطق بالنية بدعه , قصد الوضوء قصد أن يغسل يديه من الغداء ويتوضأ لصلاة العصر , نقول: النية المشترطة لصحة هذه العبادة موجودة , لكن يشترط لذلك أمر آخر أن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة , وهو يتوضأ بعد أن غسل يديه كفيه ووجهه وتمضمض واستنشق , وغسل ذراعيه تحرك بطنه , وجد حركة في بطنه, فقال: أعرض نفسي على الدورة لعله يخرج شيء , ذهب الى الدورة ما خرج شيء يُكمّل وإلا يستأنف ؟
لابد من الاستئناف ؛ لأنه نوى قطع الطهارة قبل تمامها .
لكن لو تمت الطهارة , غسل كفيه ووجهه وتمضمض واستنشق وغسل ذراعيه الى المرفقين مسح رأسه وغسل رجليه , فوجد هذه الحركة في بطنه , فقال: أعرض نفسي على الدورة فلعله يخرج مني شيء بدل ما إذا ذهبت الى المسجد يمكن أحتاج الى الدورة , عرض نفسه على الدورة ما خرج شيء , يعني نوى قطع الطهارة قبل كمالها , ما تصح الطهارة , لابد أن يستأنف,
نوى قطع الطهارة بعد كمالها ما يؤثر , ولذا المشترط استصحاب الحكم , ومعنى إستصحاب الحكم أن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة , أما إستصحاب الذكر هذا مستحب, يعني تستحضر أنك تتوضأ وتتقرب الى الله -سبحانه وتعالى- بهذا الوضوء, بهذه العبادة التي افترضها الله عليك هذه سنة إستصحاب الذكر , ذكر النية وإستصحاب القصد الى الوضوء .
6- وإنقطاع موجب الوضوء :
ش/ الموجب للوضوء الحدث الاصغر , لابد أن ينقطع الموجب للوضوء , بول غائط , ريح , سلس , مذي , وغير ذلك , هذا لابد أن ينقطع قبل أن تشرع في الطهارة , ولا بد أن تستنجي بعده , أن تغسل فرجك وتنظفه من هذا الخارج , ثم بعد ذلك تتوضأ .
7- وإستنجاء وإستجمار قبله :(1/81)
ش/ لأنه لا يصح قبل الاستنجاء أو الاستجمار وضوء ولا تيمم , لا بد أن يسبق الوضوء أو التيمم الاستنجاء أو الاستجمار, ولنعلم أن الاستنجاء أو الاستجمار ليسا من فروض الوضوء , بعض الناس إذا أراد ان يتوضأ دخل الدورة وغسل ولو ما خرج منه شيء , ظاناً منه أن الاستنجاء من فروض الوضوء , وهو ليس من فروض الوضوء , إذا أنت ما محتاج للدورة ما يحتاج تدخل , إذا أنت حاقن ادخل الدورة وانقض الوضوء واغسل فرجك , عليك الاستنجاء , لكن ما أنت محتاج للدورة , بعض الناس يظن أن الدخول للدورة وغسل الفرجين من فرائض الوضوء , هذا ليس بصحيح , إذا لم يحتج الدورة يعمد الى مكان الوضوء , الميضأة ويغسل كفيه ووجهه وذراعيه , ويمسح رأسه ورجليه , هذا هو الوضوء .
8- طهورية ماء وإباحته :
ش/ لابد أن يكون الماء الذي يتوضأ به طاهراً مباحاً , طاهراً:لم تقع فيه نجاسة , ومباحاً: ليس بمغصوب ولا مسروق, شخص أراد أن يتوضأ بحث عن ماء ما وجد , فاذا بجواره بقالة فذهب الى هذه البقالة فسرق قارورة ماء وضعها في جيبه , قال: السرقة أهون من أُصلي بدون وضوء , نعم , الصلاة لا تصح إلا بوضوء , والسرقة معصية , سرقة ريال ريالين أهون من كون أن أُصلي بدون طهارة , نقول: لا , تيمم , غير قادر, والمسألة مفترضة ما هو في مسجد ما وجد فيه ماء والمسجد الثاني بجواره أو بإمكانه أن يطرق باب أو ياخذ مال يتوضأ به , المسألة المفترضة أنه ما يوجد في البلد إلا هذه القارورة , قارورة الماء في البقالية , بمعنى أنه إذا فقد هذه القارورة التي سرقها يكون عادم للماء يعدل الى التيمم .
فالماء غير المباح لا يرفع الحدث , لا بد أن يكون مباحاً , طيب بحث عن ماء في دورات المياه حول المسجد ما وجد , وجد برّاده الماء , هذه البرّادة موقوفه للوضوء أو للشرب ؟ للشرب , يجوز أن يتوضأ منها وإلا ما يجوز ؟(1/82)
نعم ألاصل أنه ما يجوز؛ لأن الواقف الذي وقف هذا الماء عين المصرِف , وجعله للشرب لا للوضوء , لكن مثل هذا لا يقال أن الطهارة باطلة , والصلاة غير صحيحة , لا , لكنه أساء , تصرف في غير مصرف الوقف , نعم , قد يقول قائل: هذه الكراسي التي يوضع عليها المصاحف , وقفت من أجل المصاحف , يوضع عليها المصحف وتقرأ , الواقف وضعها لهذا الأمر , هل يجوز أن تصفطها وتجعلها وراء ظهرك تستند اليها ؟ لأن بعض الناس ما يرتاح للشيء الواقف مثل الجدار ذا , فلا بدّ أن يضع شيء منبسط من أجل أن يرتاح في جلوسه , يصح وإلا ما يصح , يجوز وإلا ما يجوز ؟ الواقف إنما وقفها لأي شيء ؟
للمصاحف وللقراءة , ولكن هذا أمره أيسر من الماء, لأن العين الموقوفة لا تتأثر ولا تنقص؛ شريطة أن لا يحتاج اليها للقراءة , إذا وجد عدد كافي وقدر زائد , فلا مانع أن تستعملها لتعينك على طاعة الله , لكن الاصل إنها هي موقوفة للمصحف , لو جاء شخص يريد أن يقرأ فهو أحق بها منك .
9- وإزالة ما يمنع وصول الماء الى البشرة :
ش/ شرط , بَويا , على اليد بويا , البويا فيها مادة دُهنية ينبؤ عنها الماء , أو دهن مثلا , أو فكس أو فازلين ينبؤ الماء ما يصل الى البشرة , لا بد من إزالته ليصل الماء الى البشرة , عجين مثلاً , ما يسمى المناكير اللي يحط على الأظفار, كل هذا لا بد من إزالته , كي يصل الماء الى البشرة .
10- دخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم :(1/83)
ش/ مَن حدثه دائم , شخص به سلس ما يقف , أراد أن يتوضأ قبل دخول الوقت , نقول: لا انتظر , لابد أن يدخل عليك الوقت ؛ لأن طهارتك ضرورة , وليست طهارة تامة , تستبيح بها الصلاة , فانتظر حتى تقرب الصلاة , ولذا قالوا: دخول وقت الصلاة في حق مَن حدثه دائم مثل من به سلس , المرأة المستحاضة التي يأتيها النزيف باستمرار مثل هذه تنتظر حتى يدخل وقت الصلاة , مَن به سلس ريح , هذا موجود من بعض الناس , نسأل الله العافية , نعم , مَن به سلس ريح , يخرج منه الريح من غير إختياره , مثل هذا ينتظر ؛ لإن طهارته ضرورة .
الدرس الثالث عشر
فروض الوضوء ستة: يقول الشيخ -رحمه الله تعالى- فروض الوضوء -في الدرس الثالث عشر- ...ستة :
غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق , طيب غسل اليدين قبل الوجه , غسل الكفين هذا من فروض ؟ الوضوء إن غسلت فبها ونعمت , وإن لم تغسل فلا بأس , تغسل وجهك مباشرة , لكن إذا كنت مستيقظاً من النوم فلا يجوز لك أن تدخل يديك في الاناء الذي فيه الماء حتى تغسلهما ثلاثا (( إذا قام أحدكم من النوم فليغسل يديه ثلاثا قبل أن يغمسها في الماء فإنه لا يدري أين باتت يده ))(1)
__________
(1) - أخرجه الجماعة عن أبي هريرة خلا ابن ماجه عن جابر , فأخرجه البخاري رقم (162) ومسلم (278) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ))
وقال تقي الدين الندوي : في تحقيقه على الموطأ (1/53) : وقد استنبط الفقهاء من هذا الحديث استنان تقديم غسل اليدين إلى الرسغين عند بداية الوضوء وقالوا : قيد الاستيقاظ من النوم اتفاقي .(1/84)
لابد من غسلها لكن لو غمسها قبل أن يغسلها ما يتأثر ولكنه آثم لمخالفته هذا النهي,وغسل الكفّين , عرفنا أنه سنة وليس بواجب , وليس من فروض الوضوء , نعم , قوله: (( أين باتت يده )) المبيت غالباً في الليل ولذا خص بعض أهل العلم القيام من نوم الليل دون نوم النهار , ومنهم مَن يقول: إن المبيت الأصل فيه الليل , ويلحق به ما كان في حكمه من النوم الطويل ولو في النهار .
1- غسل الوجه , ومنه المضمضة والاستنشاق :
ش/ { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة: من الآية6] هذا فرض اتفاقاً , منصوص عليه في الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم , لا يصح الوضوء إلا بغسل الوجه .
المضمضة والاستنشاق:جاء فيهما أخبار وأحاديث (( إذا توضأت فمضمض ))(1)(( بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً))(2)(( إذا قام أحدكم من النوم فليجعل في منخريه من الماء ثم لينتثر ))(3)كل هذا يدل على وجوب المضمضة والاستنشاق , وأن المضمضة والاستنشاق ( الفم والانف) داخلان في مسمى الوجه , ولا يتم غسل الوجه إلا مع المضمضة والاستنشاق , بخلاف داخل العين فإنه ليس داخل في مسمى الوجه , فلا يلزم الانسان أن يغسل داخل عيونه , لا يلزم هذا .
وحد الوجه الواجب غسله المفترض غسله: من منابت شعر الرأس الى الذقن طولا , ومن الاذن الى الاذن عُرضاً .
2- وغسل اليدين الى المرفقين :
__________
(1) - أخرجه ابو داود (144) والبيهقي في السنن الكبرى (1/52) وهو في صحيح أبي داود للالباني (131) عن لقيط بن صبرة .
(2) - أخرجه ابو داود (142) و(2366) وأنظر صحيح ابي داود (2073) للالباني عن لقيط بن صبرة , والحاكم في المستدرك (525) عن لقيط بن صبرة عن أبيه .
(3) - أخرجه مسلم (237) والبيهقي في السنن الكبرى (1/49) عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة ولعل الأقرب الى لفظ الحديث المذكور لفظ مسلم والبيهقي.
ولفظ مسلم:(( إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر )) .(1/85)
ش/ يعني من أطراف الأصابع الى المرفق , بعض الناس إذا غسل يديه قبل غسل الوجه يكتفي بغسل الذراعين فقط , نعم ,
اليد يطلق يد من أطراف الاصابع الى المرفقين , فلا بد من الانتباه لذلك , والمرفق داخل ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه , والمراد بالمرفق: المفصل , المفصل هذا , بعض الناس يسميه (كوع ) هذا خطأ , ليس هذا هو الكوع هذا هو المرفق , أين الكوع ؟
فعظم يلي الابهام كوع وما يلي..... لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط(1)
الرسغ هو الوسط , فالذي يلي الابهام كوع , والذي يلي الخنصر الكرسوع , وكثير من الناس ما يعرف كوعه من كرسوعه , وبعض الناس يقول: ما يعرف كوعه من بوعه , نعم .
3- ومسح جميع الرأس ومنه الاذنان :
ش/ مسح جميع الرأس لا يكفي أن يمسح البعض دون بعض , وإن قال: بالاكتفاء ببعضه بعض أهل العلم , لكن الرأس إنما يطلق على جميعه { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } فالمفترض مسح جميع الرأس والأذنان من الرأس , كما جاء في بعض الاحاديث (( الاذنان من الرأس))(2)ولا بد في مسح الرأس أن يُؤخذ له ماء جديد غير ما فَضَل بيديه , أما الاذنان باعتبار أنهما تبعاً للرأس فيمسحان بما فضل من الماء الذي مسح به الرأس.
4- وغسل الرجلين الى(3)الكعبين :
__________
(1) - راجع حاشية الطحطاوي على المراقي , وبعد هذا البيت : وعظم يلي ابهام رجلٍ ملقب .... ببثوعٍ فخذ بعلم واحذر من الغلط
(2) - أخرجه أحمد (5/264) و(5/268) عن أبي امامه , والدارقطني (1/97) وعبدالرزاق في مصنفه (1/12) عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهم , وهذه الزيادة (الاذنان من الرأس ) في الحديث ضعيفة كما صرح بها هؤلاء الائمة , راجع تعليق شعيب الارنؤوط على المسند بنفس الهامش المذكور آنفا. وللحديث طرق كثيرة خرجها الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت على ابن الصلاح ) وانتهى الى قوة الحديث (409) .
(3) - اللفظ في الكتاب ( .. مع الكعبين ) .(1/86)
ش/ وهما العظمان الناتئان في جانبي القدم , وكل رجل فيها كعبان , وليس المراد بالكعب العظم الناتئ في ظهر القدم الذي هو ( عقد الشراك ) كما يقوله بعض المبتدعه ؛ لأن لكل رجل كعبين .
الامرالثاني: مما يدل على ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: (( ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء ))(1)وإذا قلنا: أن المراد بالكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم عند معقد الشراك , ما يلزم غسل العقبين , لكن لابد من غسل العقبين الى الكعبين وهما العظمان في الناتئان في جانبي القدم .
5- والترتيب :
ش/ الترتيب لا بد منه , فرض من فرائض الوضوء , لو مسح رأسه قبل وجهه يكفي وإلا ما يكفي ؟
ما يكفي , لو غسل رجليه قبل يديه يكفي وإلا ما يكفي ؟
ما يكفي , لا بد من أن يرتب كما أمر الله -سبحانه وتعالى- { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } [المائدة: من الآية6] على الترتيب كما ذكر ((توضأ كما أمرك الله))(2)الواو الأصل فيها أنها لمقتضى التشريك ولا تفيد الترتيب , لكن إدخال الممسوح بين المغسولات لحكمة , ولا حكمة سوى إرادة الترتيب , والنبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتباً ولم يؤثر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه خالف هذا الترتيب .
6- والموالاة :
ش/ الموالاة بين الأعضاء , بحيث لا يترك عضو حتى ينشف قبل غسل العضو الآخر بل لا بد من الموالاة بينها غسل وجهه ثم ذهب ( تكهوة ) رجع غسل يديه , يصح وإلا ما يصح ؟
__________
(1) - أخرجه البخاري (60) ومسلم (241) وأبو داود (97) ولفظه:عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى قوماً وأعقابهم تلوح فقال (( ويل للأعقاب من النار)) أسبغوا الوضوء , والنسائي (1/77) وابن ماجه (450) والدارمي (706) , وأخرجه البخاري بنحوه .
(2) - هذه قطعة من حديث المسيء في صلاته , وقد سبق تخريجه صفحة (27).(1/87)
ما يصح لا بد من الموالاة , يغسل وجهه , ثم يديه , ثم رأسه , ثم رجليه لا بد من الموالاة بين أعضاء الوضوء .
م/ ويستحب تكرار غسل الوجه , واليدين , والرجلين , ثلاث مرات , وهكذا المضمضة , والاستنشاق , والفرض من ذلك مرة واحدة , أما مسح الرأس فلا يستحب تكراره كما دلت على ذلك الاحاديث الصحيحة(1).
الدرس الرابع عشر
الدرس الرابع عشر نواقض الوضوء :
نواقض الوضوء: إذا تم الوضوء وتوافرت شروطه ووجدت صورته المشروحة في الكتاب والسنة , فما الذي ينقضه ؟ ينقضه ستة أشياء :
1- الخارج من السبيلين: والخارج من السبيلين يشمل المعتاد وغير المعتاد , مقتضى قوله: ( الخارج من السبيلين ) كغيره من أهل العلم أنه يشمل المعتاد يشمل البول والغائط وغير المعتاد لو خرج منه [ دود ] مثلا , أو خرج منه شيء يابس (حصاة ) وإلا شبهها , هذا خارج من السبيل , ناقض من نواقض الوضوء .
2- الخارج الفاحش النجس من الجسد: القيء مثلا , القيء نجس , فاذا كثر فإنه ناقض للوضوء , والدم عند جمهور العلماء إذا كثر فإنه ينقض الوضوء ؛ لأنه نجس عند الجمهور وهو فاحش , وعلى كلام الشيخ ناقض من نواقض الوضوء .
3- زوال العقل: بنوم أو غيره , النوم اذا كان مستغرق بحيث لا يحس بما حوله , فانه ينقض الوضوء ؛ لأنه لا يدري لعله أحدث (( العين وكاء السهِ , فمن نام فليتوضأ ))(2),((..إذا نامت العينان استطلق الوكاء ))(3)
__________
(1) - لم يتصدى الشيخ حفظه الله لشرحها وهي واضحة كما وردت بذلك احاديث الوضوء في الصحيحين وغيرهما .
(2) - أخرجه ابن ماجه (477) أنظر صحيح أبي داود (198) وصحيح ابن ماجه (386) والمشكاة (316) والارواء (113) عن علي بن ابي طالب - رضي الله عنه - .
(3) - أخرجه أحمد (4/96) والدارمي (722) والدارقطني (2) والطبراني في الكبير (875) وفي إسناده ضعف كما قال شعيب الارنؤوط وحسين سليم اسد .
(
السه إسم من أسماء الدبر والوكاء بكسر الواو الرباط الذي تشد به القربة ونحوها من الأوعية ) .(1/88)
, بغيره زال عقله بسكر ينقض وضوؤه من باب أولى, زال عقله ببنج ,كل هذا ناقض للوضوء , ولذا يقولون: من نواقض الوضوء زوال العقل بنوم أو غيره .
4- مس الفرج قبلا كان او دبرا بغير حائل: حديث بسرة في السنن (( مَن مس ذكره فليتوضأ ))(1)وهو حديث لا بأس به مقبول في مثل هذا , يعارضه حديث طلق بن عدي (( إنما هو بَضعَة منك )) لكن حديث بسرة أصح .
شيخ الاسلام يحاول الجمع بين الحديثين ليقول: إنَّ نقض الوضوء من باب الاستحباب (( مَن مس ذكره فليتوضأ )) إستحباباً؛ لأنه مظنة إن مسه أو عبث مظنة أن يخرج منه شيء فالأولى و الأحوط أن يتوضأ .
__________
(1) - أخرجه الامام أحمد (6/406) وأبو داود (181) والترمذي (82) وابن ماجه (479) والنسائي السنن الكبرى (159) وصحيح أبي داود (174) واللفظ له: عن بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :(( مَن مس ذكره فليتوضأ )).(1/89)
5- أكل لحم الابل: للامر به , وثبت به حديثان صحيحان , في صحيح مسلم أكل لحم الإبل , ويدخل في ذلك جميع ما حواه الجلد , فمن أكل لحم الإبل فعليه أن يتوضأ , أنتوضا من لحم الغنم ؟ قال: (( إن شئت )) قال: نتوضأ من لحم الإبل ؟ قال: (( نعم ))(1),(2)جاء في الحديث الآخر (( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ))(3)ولحم الإبل تمسه النار , لاشك أن هذا عام مخصص بما جاء في لحم الإبل على وجه الخصوص , فهو مقدم عليه .
6- الردة عن الاسلام: أعاذنا الله والمسلمين من ذلك , الردة تنقض الوضوء ؛ لأنه بردته -نسأل الله العافية- حبط عمله, فاذا حبط العمل ومنه - من العمل- الوضوء , يعني بطل عمله -نسأل الله العافية- .
كثير من الناس يتصور الردة إما يصير يهودي وإلا نصراني وإلا مشرك يلتحق بالمشركين , قد يرتد بكلمة -نسأل الله العافية- يستهزئ بما جاء عن الله , يستهزئ بالرسول , أو بما جاء عن الرسول , يكون مرتد -نسأل الله العافية- .
__________
(1) - أخرجه مسلم (360) وابن ماجه (495) عن جابر بن سمرة , وابو داود (184) والترمذي (81) عن البراء بن عازب.
(2) - فائدة / قال الالباني : في السلسلة الصحيحة تحت رقم (2322) الأمر في الحديث للاستحباب إلا في لحم الإبل فهو للوجوب ؛ لثبوت التفريق بينه وبين غيره من اللحوم فإنهم سألوه - صلى الله عليه وسلم - عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ فقال: (( توضؤوا )) وعن لحوم الغنم ؟ فقال: (( إن شئتم )), وهو مخرج في الإرواء . اهـ بتصرف يسير .
(3) - أخرجه أبو داود ( 192) والنسائي (1/108) وصححه وابن خزيمة (43) وابن حبان (1134) والطبراني في الاوسط (4663) والصغير (662) والبيهقي في السنن الكبرى (1/151) وصححه الالباني في سنن أبي داود (186) عن جابر بن عبدالله , ولفظ الحديث: عن محمد بن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال: ((كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار )) .(1/90)
م/ يقول الشيخ تنبيه هام :
أما غسل الميت فالصحيح أنه لا ينقض الوضوء , وهو قول أكثر أهل العلم لعدم الدليل على ذلك , لكن لو أصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء .
ش/ الحديث الوارد فيه (( مَن غسل ميت فليغتسل , ومن حمله فليتوضأ))(1)ضعيف , فمن غسل الميت لا شيء عليه , وضوؤه صحيح , ولا ينقض وضوؤه , لكن لو اصابت يد الغاسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء , كما لو مس فرجه هو , لو مس فرج نفسه ينتقض وضوؤه على ما إختاره الشيخ -رحمه الله تعالى- , وعرفنا أن ذلك عند شيخ الاسلام ابن تيمية على سبيل الاستحباب , على سبيل اللزوم .
م/ والواجب عليه ألا يمس فرج الميت الا من وراء حائل :
ش/ لا يجوز للغاسل أن يباشر عورات الاموات , بل لا بد أن يوضع عليها حائل , ويمكن غسلها من وراء ذلك الحائل .
م/ وهكذا مَس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان ذلك عن شهوة أو غير شهوة في أصح قولي العلماء .
ش/ لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل ويخرج الى الصلاة ولا يعيد الوضوء(2).
م/ ما لم يخرج منه شيء :
__________
(1) - أخرجه ابن ماجه (1463) وزاد أحمد (2/454) وأبو داود (3161) : (( ومن حمله فليتوضأ )), انظر صحيح ابي دواد (2707) وصحيح ابن ماجه (1195) عن أبي هريرة . تعليق شعيب الأرنؤوط على مسند الامام أحمد تحت رقم (2/454): رجاله ثقات رجال الشيخين غير صالح مولى التوأمة صدوق كان قد اختلط وقد اختلف في رفعه ووقفه .وذكره الدارقطني وقال : فيه نظر .
(2) - أخرجه الدارقطني في سننه (491/1) بلفظ: عن الزبير أن رجلا قال سألت عائشة عن الرجل يقبل امرأته بعد الوضوء فقالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل بعض نسائه ولا يعيد الوضوء فقلت: لها لئن كان ذلك ما كان إلا منك فسكتت . وصححه الالباني في صحيح الجامع (4997).(1/91)
ش/ إذا خرج منه شيء إنتقض وضوؤه من أجل ذلك الخارج , لا من أجل مس المرأة , ولو كان بشهوة ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- (( قبَّل بعض نسائه ثم لم يتوضأ ))(1).
أما قوله -سبحانه وتعالى- في آيتي النساء والمائدة : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } [النساء: من الآية43] و[المائدة:من الاية 6] فالمراد به الجماع في الأصح من قولي العلماء , وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - وجماعه , مع أن من أهل العلم مَن يرى أن مس المرأة بشهوة أو بغير شهوة مجرد مس المرأة ناقض للوضوء , لقوله تعالى: { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } ينقض الوضوء , عند جمع من أهل العلم , ومنهم من يقيد ذلك بالشهوة , فاذا وجدت الشهوة انتقض الوضوء ؛ لانه مظنة لأن يخرج منه شيء , والشيخ -رحمه الله- رجح أن المراد بالاية: { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } المراد به الجماع , ومجرد المس ولو كان بشهوة فانه لا ينقض الوضوء .
الدرس الخامس عشر
الاخلاق المشروعة لكل مسلم : يشرع لكل مسلم أخلاق وآداب وصفات ينبغي أن يتحلى بها , منها :
1- الصدق :
__________
(1) - أخرجه النسائي في سننه (1/104) وابن ماجه (502) والدارقطني (2/78) والبيهقي في السنن الكبرى (1/125) وصححه الالباني في الجامع الصغير وزيادته (4997) من حديث ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - : (( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبَّل بعض نسائه ثم خرج الى الصلاة ولم يتوضأ )) قلت: ماهي إلا انت (( فضحكت )) هذا لفظ ابن ماجه .(1/92)
ش/ الصدق كما جاء في الحديث:((.. يهدي الى البر , والبر يهدي الى الجنة .., والكذب يهدي الى الفجور, والفجور يهدي الى النار ))(1)فالصدق خصلة حميدة على الانسان أن يلتزم بها, ولا يقول: إن الظروف اقتضت عليّ او ألزمتني أن أُجانب الصدق, الصدق منجاة ولو في أحلك الظروف نجا, وهذا شيء مجرب, قصة كعب بن مالك في الثلاثة الذين خُلِّفُوا(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري (6094) ومسلم (2607) وأحمد (1/384) و(1/432) وأبو داود (4989) والترمذي (1971) والدارمي (2715) وصححه ابن حبان برقم (273) والبيهقي في السنن الكبرى (10/191) انظر صحيح الجامع الصغير وزيادته (4071) . ولفظ الحديث عند الشيخين ,عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا )).
(2) - يشير الشيخ حفظه الله الى قوله تعالى { وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ.. } [التوبة: من الآية118]..(1/93)
, صريحه في هذا, فالكذب حرام اتفاقاً, يُباح من بعض الصور, للاصلاح بين الناس, والكذب على الزوجة في حدود ما يؤلف القلوب, وما أشبه ذلك وأما ما عدا ذلك فالكذب حرام , والكذب درجات , الكذب على الناس محرم بلا شك , وأعظم منه الكذب على الله وعلى رسوله , ومن الكذب على الله الفتيا بغير علم -نسأل الله العافية- { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ } [النحل: من الآية116] { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } [الزمر:من الآية60] , كذبوا على الله , أولى مَن يدخل في هذا الباب مَن يفتي ويقول على الله بغير علم .
2- الامانة :
ش/ خُلقٌ واجب , والخيانة حرام , والخديعة مخادعة المسلمين وغشهم , وجحد الأمانات والعواري كل هذا محرم بالكتاب والسنة , وإجماع أهل العلم { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء: من الآية58], { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [الأحزاب:72] لابد من أداء هذه الامانة , ومن الامانات ما كلف به المسلم من الشرائع , الصلاة أمانة , والصيام أمانة , والغُسل من الجنابة أمانة , فلا يجوز له أن يخون هذه الامانة بحال .
3- العفاف :
ش/ لابد أن يكون الانسان عفيفاً بجميع ما تحتمله هذه الكلمة من صور , ومن معانٍ فيكون عفيف القلب , فلا يحقد ولا يحسد , عفيف اللسان , فلا يتكلم بأحد إلا بحق , ولا يستطيل في أعراض المسلمين , ولا يكون صخاباً في الاسواق ولا غضوباً لجلاجاً , ويكون عفيفاً عن المحارم كلها , ومن أظهر صور العفة عفة الإزار بإن لا يُحلَ إزاره إلا على ما أحله الله له وأباحه له .
4- الحياء :(1/94)
ش/ الحياء لا يأتِ إلا بخير , وجاء في الحديث الصحيح: (( إنما أدرك الناس من الكلام النبوة الاولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ))(1)فالحياء لا يأتِ إلا بخير وهو خُلقٌ ينبغي أن يتجمل به المسلم , يكمل به نفسه , والمراد بالحياء: الحياء الذي يمنع من إرتكاب ما منع منه شرعاً أو عرفاً , لكن الحياء الذي يمنع من إقامة الواجبات أو يمنع من ترك المحظورات , يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , يمنع من إرشاد الجاهل , هذا يسمى حياء ؟
هذا خجل مذموم هذا نسأل الله العافية .
5- الشجاعة :
ش/ الجُبن خلق ذميم , تعوذ منه النبي -عليه الصلاة والسلام- , وعلى كل مسلم أن يتعوذ منه , فالشجاعة خُلقٌ ينبغي أن يتحلى به المسلم , فيشرع لكل مسلم أن يكون شجاعاً , قوالاً للحق عاملاً به , شجاعاً في مواطن الشجاعة , في الحروب في الكلمة , الصدع بالحق عند الحاجة اليه وهكذا(2).
6- الكرم :
ش/ البُخل خلق ذميم , فعلى المسلم أيضاً أن يكون كريماً باذلا لما يُطلبُ منه فيما لا يضر به ويشق عليه .
7- الوفاء :
__________
(1) - أخرجه البخاري في صحيحه (3483) و(6120) وفي الأدب المفرد (597) و(1316) وأحمد (5/383) وأبو داود (4797) وابن ماجه (4183) وصححه ابن حبان في صحيحه (607) والطيالسي في مسنده (621) والطبراني في الاوسط (2311) والبيهقي في السنن الكبرى (10/192) وانظر السلسلة الصحيحة (684) وغيرها .
(2) - وفي هذا حديث يشير الى ذلك , عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير , إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا , ولكن قل قدر الله وما شاء فعل , فإن لو تفتح عمل الشيطان )) رواه مسلم (2634) وغيره , ومن ذلك قول المتنبي :
وإذالم يكن من الموت بُد ... فمن العجز أن تكون جبانا(1/95)
ش/ الوفاء بالعهود, { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [(المائدة: من الآية1] فلا بد أن يكون المسلم وفياً لمن له عليه حق , ولمن عاهده وعاقده على شيءٍ , لابد أن يفي له بما التزم .
8- النزاهة :
ش/ النزاهة عن كل ما حرم الله , فكل ما حرم عليه ينبغي أن يبتعد عنه ويتنزه منه , ولا يزاول شيئاً مما حرمه الله عليه سواء كان خالياً بمفرده أو كان بمجمع من الناس , ولا شك أن العلانية أشد (( كل أُمتي معافى إلا المجاهرين ))(1)لكن ايضاً إرتكاب المحرمات , ولو كان الانسان خالياً , هذا أمر رُتب عليه العقاب , وهو تحت المشيئة , لكن أشد من ذلك المجاهرة .
9- حسن الجوار :
__________
(1) - أخرجه البخاري (6069) ومسلم (2990) والطبراني في المعجم الصغير (632) والبيهقي في السنن الكبرى (8/329) وانظرصحيح الجامع (4512) .قال ابو هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( كل أمتي معافى إلا المجاهرين , وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا , ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا , وقد بات يستره ربه , ويصبح يكشف ستر الله عنه )) . هذا لفظ البخاري .(1/96)
ش/ فالجار له حقوق , له حق الاخوة في الدين , له حق الجوار , واذا كان قريب زاد حق ثالث , وهو حق القرابة , والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:(( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))(1),(( ..والله لا يؤمن مَن لا يؤمن جاره بوائقه))(2), فلا بد من حُسن الجوار وعدم التعرض للجار بأي أذى .
10- مساعدة ذوي الحاجات حسب الطاقة :
ش/ تعين صانع أو تصنع لاخرق هذا من أفضل الاعمال , ذوي الحاجات , الأعمى الذي يحتاج الى مَن يقوده , تمسك بيديه فتقوده , توصله الى المسجد الى البقالة , الى عمل , الى ما يريد , لكن بما لا يَشق عليك ولا يعطل مصالحك , أنت عندك دوام ووجدت أعمى دوامه في جهة غير جهتك تترك دوامك وتروح توديه ؟
لا بما لا يشق عليك ويعطل مصالحك , مساعدة ذوي الحاجة حسب الطاقة , حسب الجهد , حسب المستطاع , وغير ذلك من الاخلاق التي دل عليها الكتاب والسنة على مشروعيتها .
الدرس السادس عشر:(3)
هنا الآداب الاسلامية في الدرس السادس عشر منها :
م / السلام :
__________
(1) - أخرجه البخاري (6015) ومسلم (2625) من حديث ابن عمر , وابو داود (5152) من حديث عبد الله بن عمرو أنه ذبح شاة فقال: أهديتم لجاري اليهودي ؟ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) واللفظ له , والترمذي (1943) قال: وفي الباب عن عائشة و ابن عباس وأبي هريرة و أنس المقداد بن الأسود و عقبة بن عامر و أبي شرحبيل و أبي أمامة .
(2) - أخرجه البخاري (6016) ومسلم (46) واحمد (2/288) و(2/336) و(4/31) و(6/365) والطبراني في الكبير :22/187(487) , والطيالسي في مسنده (1340) , ( بوائقه ) البوائق جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك .
(3) - بداية الشريط الثالث .(1/97)
ش/ بذل السلام للعَالم من المسلمين , على مَن تعرف ومَن لا تعرف , وجاء على ما يدل على أن السلام في آخر الزمان يكون حسب المعرفة , تعرفه السلام عليكم , وما تعرفه [ لا تسلم عليه ] هذا ما ينبغي , الاجر رُتب على إفشاء السلام , إذا قلت: السلام عليكم ( عشر حسنات ) تعرفه وإلا ما تعرفه , وكل ما زدت زاد الاجر , ورحمة الله ( عشرة ثانية ) وبركاته ( عشر ) ثلاثين حسنة , السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( ثلاثين حسنة ) تضرك ؟ !
مر عليك واحد اثنين ثلاثة كلهم اُسلم عليهم ما يضرك ولا يكلفك شيء ولا محسوب عليك شيء , فتبذل السلام: (( ألا أُخبركم بشيء اذا فعلتموه تحاببتم...)) أو كما جاء في الحديث , قالوا: بلى, قال: (( أفشوا السلام بينكم ))(1).
__________
(1) - أخرجه مسلم (54) وأحمد (2/391) و( 2/442) و(2/477) و(2/495) وابو داود (5193) وابن ماجه (68) وصححه ابن حبان في صحيحه (236) والبخاري في الادب المفرد (980) والبيهقي في الكبرى (10/232) وانظر صحيح ابي داود (4325) وصحيح ابن ماجه (57) وفي الارواء (777) من حديث ابي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :(( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا, أولا أدلكم على شيء اذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم)) هذا لفظ مسلم.(1/98)
وآكد من السلام رده , فاذا سلمت كتب لك الثواب , واذا سلم عليك لزمك الجواب , وعليك أن ترد السلام , ترد التحية بمثلها أو أفضل منها , واذا قيل السلام عليكم ورحمته وبركاته , ترد مثلها على أقل الاحوال , أو تزيد عليه تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحباً ,كما أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أم هانئ , قال: (( مرحباً بأم هانئ ))(1)فاذا زاد حصل له من الأجر أكثر .
م / البشاشة :
ش/ البشاشة في وجه أخيك المسلم أمر مطلوب , نعم المتزندق والمبتدع الكافر ما تبش في وجهه إلا بغرض الدعوة , إذا كان غرضك صحيح , بششت في وجهه من أجل أن يقبل الدعوة , ويهديه الله بك (( فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ))(2)وإلا فالأصل:
لا تلقى مبتدعاً ولا متزندقاً ....إلا بعبسه مالك غضبان(3)
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم (357) طرفه (280), ومسلم (336) واحمد (6/425) والترمذي (2734) والبيهقي في الشعب (8888) وفي الكبرى (9/94) من حديث أم هانئ بنت ابي طالب قالت:ذهبت الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره قالت: فسلمت عليه فقال: (( مَن هذه ؟)) فقلت : انا ام هانئ بنت ابي طالب فقال : ((مرحباً بام هانئ )) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت : يا رسول الله زعم ابن امي انه قاتل رجلا قد اجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قد اجرنا من اجرت يا ام هانئ )) قالت ام هانئ : وذاك ضحى , هذا لفظ البخاري .
(2) - أخرجه البخاري برقم (2942) و(3009) و(3701) و(4210) ومسلم (2406) وأحمد في مسنده (5/333) والنسائي في الكبرى (8149) (8403) (8587) وابن حبان (6932) والطبراني في الكبير (5818) عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - .
(3) - انظر الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية .(1/99)
لا بد من المصارمة , لا بد المنافرة بينك وبين عدوك , لكن اذا ترتب على هذه البشاشة وهذا اللين مع العدو مصلحة من أجل دعوة فلا بأس , وأما فالمسلم فلا يجوز أن تعبس في وجهه , وجاء العتاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- بسورة { عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى } [عبس:1- 2] , عوتب النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان مشتغلاً بالدعوة , بأمر يرى أنه أهم من ذلك , يبقى أن المسلم له حق , وهو أولى من غيره بالتقدير والاحترام ورعاية الحقوق.
م / والآداب الشرعية يعني دخول المسجد او المنزل والخروج منهما :
ش/ الآداب عند دخول المسجد تقدم الرجل اليمنى , وكذلك المنزل والخروج منه تقدم الرجل اليسرى , وإذا أردت دخول الدورة تقدم رجل اليسرى , وإذا خرجت تقدم اليمنى , وهكذا..,كل هذه آداب ينبغي مراعاتها .
وعند السفر تقول ما ورد عند دخول المسجد , وعند دخول المنزل , عندما تخرج منهما , وعند دخول الخلاء , وعند الخروج منه , وعند إرادة السفر , وعند الركوب , وأثناء السفر , كل هذه أذكار خاصة أُُلفت فيها كتب الاذكار , على المسلم أن يعتني بهذه الاذكار , وهي لا تكلف شيء لا تكلف شيئاً , أمرها يسير لكن على من يسره الله عليه, بعض الناس عنده إستعداد يقرأ جرائد الدنيا ولا يقول: سبحان الله وبحمده مرة واحدة , سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (( كلمتان خفيفتان على اللسان , ثقيلتان في الميزان , حبيبتان الى الرحمن , سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ))(1)(( من قال في يوم: سبحان الله وبحمده مائة مرة حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ))(2)كم تأخذ ؟ ساعتين أو ثلاث ؟
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم (6406) و(6682) و(7563) ومسلم (2694) وأحمد (2/232) والترمذي (3467) وابن ماجه (3806) من حديث أبي هريرة .
(2) - أخرجه البخاري (6405) ومسلم (2691) وأحمد (2/302) و(5/515) والترمذي (3466 ) و (3468) وابن ماجه (3812) عن أبي هريرة .(1/100)
دقيقة ونصف((سبحان الله وبحمده مائة مرة )) دقيقة ونصف((..حُطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر )) فعلينا أن نعتني بهذا الباب , وبهذا الجانب , حرز من الشيطان أن تقول: إذا أصبحت: (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, مائة مرة))(1), تكتب لك مائة حسنة, وتحط عنك مائة خطيئة , وهي حرز لك من الشيطان.
م / الاحسان مع الوالدين :
__________
(1) - أخرجه أحمد (4/60) وأبو داود (5077) وابن ماجه (3867) والنسائي في الكبرى (9855) والطبراني في المعجم الكبير (5141) انظر الجامع الصغير وزيادته (6435) وما بعده , وصحيح الترغيب والترهيب (656) عن أبي عياش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل , وكتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات , ورفع له عشر درجات , وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي , وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح )) .(1/101)
ش/ يعني بر الوالدين واجب شرعي , صلة الاقارب والارحام , والاحسان الى الجيران , والكبار والصغار , وتحسن الى الرجل الكبير من المسلمين , وتعطف على الصغير , ولا تكون فظاً غليظاً من رآك هابك وخافك (( شر الناس من ترك الناس إتقاء شره ))(1)فبر الوالدين أمر واجب , كذلك صلة الارحام , والتأدب مع الجيران والكبار , والعطف على الصغار , والاحسان الى المحتاجين , كل هذه آداب إسلامية مطلوبه جاءت نصوص الكتاب والسنة , تحث عليها وتؤكد هذه الحقوق (( مَن سره أن يبسط له في رزقه , وينسأ له في أجله فليصل رحمه ))(2), والعقوق موبقة من الموبقات ,كبيرة من كبائر الذنوب , قطيعة الارحام أيضا كبيرة , فلا بد من العناية بهذا الباب , والله المستعان .
م / التهنئة بالمولود :
ش/ تهنئه بما يسر أخاك المسلم , جاء مولود تهنئه وتدعو له , وتدعو لولده , حصل له ما يسره تهنئه أيضاً وتبارك له في ذلك , وتدعو له ,كل هذا يزرع المودة والمحبة بين المسلمين , ويزيل البغضاء والشحناء بينهم .
م / والتعزية بالمصاب :
ش/ مَن مات له أحد سواء من أقاربك أو من غيرهم , تعزيه وتواسيه بما فقده من حبيب , وغير ذلك من الآداب الاسلامية التي مظنتها كتب الاداب الشرعية .
الدرس السابع عشر
التحذير من الشرك وأنواع المعاصي :
م / الشرك :
__________
(1) - أخرجه البخاري (6054) ومسلم (2591) وأبو يعلى (4832) وابن حبان (4538) وانظر والجامع الصغير وزيادته (7931 ) والمشكاة (4829) والصحيحة (1049) كلهم عن عائشة .
(2) - أخرجه البخاري (2067) و(5986) ومسلم (2557) وأبو داود (1693) الطبراني في الاوسط (3538) و(5626) من حديث أنس بن مالك ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( مَن أحب أن يبسط له في رزقه , وينسأ له في أثره , فليصل رحمه )) هذا لفظ مسلم .(1/102)
ش/ هو أعظم ما عُصي الله به -سبحانه وتعالى-, وهذا هو الظلم العظيم { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: من الآية13] وهو أعظم الموبقات المهلكات السبع , ومن صوره السحر .
م / والسحر :
ش/ ملازم للشرك غالباً , وأُفرد للاهتمام بشأنه ,كثير من الناس يتساهل بأمره وهو عظيم وهو شرك .
م / قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق :
ش/ قتل النفس عمداً وعدواناً { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا.. } [النساء: من الآية93] نسأل الله العافية , حتى ذُكر عن ابن عباس ( أن توبته لا تقبل ), توبة القاتل العمد وإن كان جمهور العلماء على أنه تقبل توبته .
م / أكل مال اليتيم :
ش/ أكل أموال الناس بالباطل كله حرام , لكن اليتيم الذي ليس له من يدافع عنه أشد , ولذا جاءت النصوص بالتشديد بمال اليتيم .
م / أكل الربا :
ش/ { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة:275] , جمع من المفسرين يقولون: آكل الربا يبعث مجنوناً يوم القيامة , وهو محارب لله ولرسوله , { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة:279] , هل له يدان بمحاربة الله ؟ العبد الضعيف المسكين ؟ ! حَمَلهُ الطمع والجشع على أن يُرابي هل يستطيع أن يحارب الله ؟ الله المستعان .
م / التولي يوم الزحف :
ش/ يعني إذا إلتقى الصفان في الجهاد فيهرب واحد , هذه كبيرة , موبقة من كبائر الذنوب , قبل أن يحضر الى الصف أمره أسهل لكن إذا حضر يفتح باب لغيره , فالتولي يوم الزحف كبيرة وموبقة من كبائر الذنوب , ويقصد بذلك الهرب عند إلتقاء الصفين في القتال , الجهاد في سبيل الله لإِعلاء كلمة الله .
م / قذف المحصنات الغافلات المؤمنات :(1/103)
ش/ رمي المرأة العفيفة بالزنا -نسأل الله العافية- هذا موبقة من الموبقات , وقد جاء في بعض الأخبار أن قذف محصنة يحبط عبادة ستين سنة(1), الأمر ليس بالسهل ولا بالهين , أن ترمي المحصنة الغافلة العفيفة بالزنا , ومن ذلكم الزوجات ؛ لأن بعض الناس يتساهل ويقذف زوجته -نسأل الله العافية- هذا أمره عظيم , فاذا قذفها إما أن يُجلد الحد ثمانين جلدة , او يُلاعن ليدرأُ عنه الحد .
م / من الكبائر عقوق الوالدين , قطيعة الارحام :
ش/ سبق الحديث عنهما .
م / شهادة الزور :
ش/ (( ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور ))(2)ما زال يكررها (( ألا وقول الزور )) تشهد لزيد من الناس بأن له حق على فلان , والأمر على خلاف ذلك , أو أن تشهد بأن هذه الارض لفلان وهي ليست له , وهذه شهادة الزور , (( والمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور ))(3)الذي يزعم أن عنده وعنده وعنده وفعل وترك , كلابس ثوبي زور , لكن شهادة الزور أمرها عظيم ما زال النبي -عليه الصلاة والسلام- يكررها حتى قالوا: ليته سكت .
م / الايمان الكاذبة :
__________
(1) - أخرجه الطبراني في الكبير: 3 / 168(3023) , والحاكم في المستدرك رقم (8712) والهيثمي في مجمع الزوائد (10682) من حديث حذيفة (( إن قذف المحصنة ليهدم عمل مائة سنة )) , لكن لم أجد اللفظ الذي ذكره الشيخ , والله أعلم .
(2) - أخرجه البخاري (2654) ومسلم (87) والترمذي (1901) وأحمد (20401) والبيهقي في الكبرى (20365) كلهم من حديث أبي بكرة عن أبيه , والبيهقي في الشعب (7867) عن أنس .
(3) - أخرجه البخاري (5219) ومسلم (2130) وأحمد (26974) وأبو داود ( 4997) كلهم من حديث أسماء , والترمذي (2034) وغيره من حديث جابر .(1/104)
ش/ { وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } [البقرة: من الآية224] هذا في حال الصدق , في كل عمل أو في كل مقال تذكره تقول: والله , وبلى والله , وتالله , لكن إذا كان اليمين كاذب فالأمر أشد , إذا ترتب على هذه اليمين الكاذبة إقتطاع حق إمرئ مسلم فالأمر أعظم , هذه اليمين الغموس , إذا حلف على السلعة لينفقها من أجل أن تدرج أيظاً هذا أمره ليس بالهين .
م / إيذاء الجار:
ش/ تقدم الإلماح ما للجار من حق , وإن الشرع أعتنى به وأكد على حقه .
م / وظلم الناس بالدماء والاموال والاعراض وغير ذلك :(1/105)
ش/كل هذا حرام , لحديث أبي ذر الالهي القدسي: (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..))(1), الله -سبحانه وتعالى- حرم الظلم على نفسه , والظلم: وضع الشيء في غير موضعه , والاعتداء على الناس إما على دماءهم أو أموالهم أو أعراضهم قَلَ ذلك أو كثر, كله ظلم -نسأل الله العافية- وغير ذلك مما نهى الله عنه أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
طالب يسأل ...؟
__________
(1) - أخرجه مسلم (2577) وصححه ابن حبان في صحيحه برقم (619) والبيهقي في الشعب (7088) ولفظ مسلم :عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: (( يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما, فلا تظالموا , يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته , فاستهدوني أهدكم , يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته , فاستطعموني أطعمكم , يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته, فاستكسوني أكسكم, يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً , فاستغفروني أغفر لكم , يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني, ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ,كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم , ما زاد ذلك في ملكي شيئا , يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد , ما نقص ذلك من ملكي شيئاً , يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد , فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته , ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر , يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها , فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفس )) .(1/106)
أما بالنسبة بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء الأمر بها بالكتاب والسنة { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب: من الآية56] , لا بد أن يُصلي عليه ويُسلم , ولا يتم أمتثال هذا الأمر إلا بالصلاة والسلام , يعني ما يكفي أن تقول: عليه الصلاة أو عليه السلام فقط , لكن إذا جمعت بينهما تارة وأفردت السلام تارة لا بأس , أما أن تلتزم الصلاة فقط , أو السلام فقط , لا يتم امتثالك للأمر الوارد في قوله تعالى: { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } لابد من الصلاة عليه والسلام .
إمتثال الأمر واجب هذا الأصل في الأمر { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } [النور: من الآية63] فإمتثال الأمر واجب , لكن كل ما ذُكر -عليه الصلاة والسلام- يُصلى عليه إستحباباً , عند أكثر العلماء , وإن قال بعضهم بوجوبه,
تجب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في مواطن مثل التشهد الأخير على ما تقدم , وما عدا ذلك سنة .
الدرس الثامن عشر
ومع الدرس الثامن عشر: في تجهيز الميت والصلاة عليه وهو آخر الدروس .
الموت: نهاية كل حي , فلا بد أن يمر على كل مخلوق ذي روح , ولذا وجب على المتعلمين تعلمه , والمعلمين تعليمه ؛ لأن ما يتعلق بالموت من فروض الكفايات , من تجهيز الميت وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه , وغير ذلك مما يتعلق به .
م/ يقول: وإليك تفصيل ذلك :
2- تجهيز الميت إذا تيقن الموت وأغمضت عيناه وشُد لحياه(1):
__________
(1) - لم يتكلم الشيخ -حفظه الله- عن تلقين المحتضر في الأمر الاول من تجهيز الميت , ولا عن شهيد المعركة في الأمر الثالث من التجهيز وربما نسى الشيخ سهواً ؛ لانه هذا كما هو معلوم شرح صوتي وليس شرح مطبوع , وفيه ما فيه من النسيان والسهو وهذا ملاحظ كثيراً في التفريغ الأخير للأشرطة والله المستعان .(1/107)
ش/ لابد من تيقن خروج الروح , ولا يكفي موت الدماغ , وإن قرر الاطباء أنه في حكم الميت , لكنه ليس بميت , حتى تخرج روحه وعلى هذا لا يجوز أن يفعل به أي شيء مما يتعلق بالاموات , أو يتسبب في موته , مادامت الروح باقية , ولو قرر الاطباء أنه قد مات دماغياً , فاذا تيقن الموت بخروج الروح والعلامات ظاهرة , يعرفها من زاولها .
يقول: اذا تُيقن الموت أغمضت عيناه ؛ لأن العين إذا خرجت الروح تبعها البصر وشخصت وحينئذٍ , تغمض عيناه , ليكون شكله مقبولاً ولئلا يدخل في هذه العين شيء الهوام , وشُد لحياه لئلا ينفتح فمه , وهذا كله من حُرمة المسلم , ليكون شكله بعد وفاته مقبولاً كشكله حال حياته .
4- صفة تغسيل الميت :(1/108)
ش/ وعند تغسيله تستر عورته وجوباً , لا يجوز أن تكشف عورة الميت ؛ لأن حرمة الميت كحرمة الحي , لا يجوز أن تكشف العورة , بل على غاسله أن يستر عورته ولا يباشر شيئاً منها , ثم يُرفع قليلا ليخرج ما في بطنه , ويعصر بطنه عصراً رفيقاً لا بشدة وقوة , بل يكون برفق , لكي يخرج ما يمكن خروجه من بطنه , ثم يلف الغاسل على يده خرقه او نحوها فينجيه بها , ينجيه يزيل ما على مخرجه , أو ما علِقَ بمخرجيه من نجاسة , هذا إستنجاء , إزاله أثر النجاسة من المخرج , ثم يوضئه وضوء الصلاة , وقد جاء في حديث أم عطية أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهُنّ , وهنّ بصدد غسل إبنته زينب: (( إبدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها ))(1), فيوضأ الميت وضوء الصلاة , كما يفعل الحي إذا أراد الاغتسال المشروع , يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يغتسل , ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر أو نحوه , السدر ينظف البدن , يقوم مقامه المنظفات الأخرى مما يزيل الاوساخ كالصابون والأشنان , والشامبوا وما أشبه ذلك , المقصود التنظيف , ثم يغسل شقه الأيمن (( إبدأن بميامينها ))
__________
(1) - أخرجه البخاري (167) ومسلم (939) وأحمد (5/84) , (5/85) والترمذي (990) وابن ماجه (1458) والطبراني في الكبير:25/67 (165) , والبيهقي (4/5) , من حديث أم عطية : لما ماتت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((اغسلنها وترا ثلاثاً أو خمساً واجعلن في الخامسة كافوراً أو شيئاً من كافور فإذا غسلتُنّها فأعلِمنَنِى )) قالت: فأعلمناه فأعطانا حقوه وقال أشعرنها إياه . وهذا لفظ مسلم .(1/109)
ثم الايسر , ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة , يغسل الميت أولى وثانية وثالثة , فإن رأى الغاسل الزيادة على ذلك فلا بأس الى السبع , للحاجة إن رأيتنّ ذلك (( إغسلن ثلاثا أو خمساً او سبعاً إن رأيتن ذلك )) وليس مرد هذه الرؤية الى التشهي , إن كان قريب يُزاد في غسله ليزداد التنظيف, لا, إن كانت الحاجة داعية الى الزيادة على ثلاث فليزد عليها , وليقطع على وتر .
يمر في كل مرة يده على بطنه فان خرج منه شيء غسله وسد المحل بقطن يعني إذا انتهى من هذه الغسلات , سد المحل بقطن أو نحوه فاذا لم يستمسك بالقطن خرج مع وجود القطن بطين حرٍ , طين حر , أو ما يقوم مقامه .
ويقول: أو بوسائل الطب الحديث كالزق ونحوه .(1/110)
وهناك أمور يسد بها هذا المخرج لئلا يخرج منه شيء , وموجود في المستشفيات والصيدليات وغيرها , فلا يلزم أن يكون بالطين , كان هذا معمول به عند المتقدمين ما عندهم إلا طين أو شبهه , الطين الحر: يعني يشبه الإسمنت في قوته وتماسكه , ويعيد وضوئه يعني إذا خرج منه شيء ؛ لأنه في حكم المنتقض , وإن لم ينقِ بثلاث يزيد الى خمس أو الى سبع , كما سمعنا في حديث أم عطية (( إغسلنها ثلاثا أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك )) يعني إن كانت الحاجة داعية الى سبع , ثم ينشف بثوب , ويجعل الطيب في مغابنه , ومواضع سجوده (( إجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور )) , الكافور: طيب , نوع من الطيب , فيه خاصية ايضاً يطرد الهوام , ويصلب الجسد , الكافور يقوم مقامه الأطياب الأخرى , سواء كانت سائلة أو بخور , يجعل الطيب في مغابنه يعني الأماكن التي يغطي بعضها بعضا , ومواضع سجوده لشرفها وإن طيّبه كله كان حسناً , إذا كان الطيب يستوعب البدن كله أفضل , ويجمر أكفانه بالبخور, وإن كان شاربه أو اظافره طويلاً أخذ منها ..ولا يسرح شعره لئلا يسقط منه شيء , فيبقى الشعر كما هو , والمرأة يُظفر شعرها ثلاثة قرون , ويسدل من ورائها , يجعل شعر المرأة ثلاث ظفائر تجعل خلف المرأة , ثلاث , كما جاء في حديث أم عطية ثم بعد ذلك تكفين الميت .
5- تكفين الميت :
يقول: الأفضل أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة :(1/111)
ش/ كما ثبت في الصحيح(1)في حديث عائشة إن النبي -عليه الصلاة والسلام- كُفن بثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة , هذا ما فعله الصحابة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل , وبعضهم يرى أنه لا بأس أن يُكفن في قميص , بل الافضل أن يُكفن في قميص ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن ابن اُبي بالقميص , ولا يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الأفضل , النبي -عليه الصلاة والسلام- (كُفن في ثلاثة أثواب ) جاء النص على أنه ليس فيها قميص ولا عمامة , فكيف يقال: إنه يُكفن في القميص أفضل ؟
نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- كَفن ابن اُبي في قميصه مكافئة له , لمّا أعطى العباس قميصاً كافأه النبي -عليه الصلاة والسلام- فكفنه بقمصيه وجبراً لخاطر ولده, يدرج فيها إدراجاً يعني لف لف, وإن كفن في قميص وأزار ولفاف فلا بأس ,
المقصود أن يستر البدن , لكن الافضل أن تكون ثلاث أثواب , إيش معنى أثواب ؟ لها أكمام ولها أزرار . وإلا لا ؟ نعم , لا
ثلاث قطع من القماش , كل قطعه يقال: لها ثوب .
يقول:وإن كفن في قميص وازار ولفافه فلا بأس يجوز ذلك ولكن الافضل أن تكون ثلاث أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة.
والمرأة تكفن في خمسة أثواب ؛ لأن المرأة بحاجة الى الستر أكثر من الرجل , فيزداد في كفنها , فتكفن في خمسة أثواب في درع وخمار وازار ولفافتين , يكفن الصبي في ثوب واحد الى ثلاثة اثواب وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين .
__________
(1) - في صحيح البخاري (1264) ومسلم (941) وأحمد (6/93) والنسائي (4/35) من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((كُفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية من كُرسف ليس فيهن قميص ولا عمامة )) هذا لفظ البخاري .(1/112)
يعني الصبي الذي لم يكلف , أمره أخف من المكلف , فاذا كان الرجل المكلف يُكفن في ثلاثة أثواب فالصبي من الذكور في ثوب واحد إن احتيج الى ثاني فلا بأس , وإن احتيج الى ثالث فلا بأس , لكن الاصل واحد , وتكفن الصغيرة في قميص ولفافتين , بدل أن تكفن المكلفة بخمسة أثواب , مَن أحق الناس بغسل الميت ؟ يعني عند المشاحة .
يعني مو إذا جيء بميت الى مغسلة يُقال: لا , لا تغسله انتظر حتى يأتي الوصي يأت الاب , يأتي الابن , يأتي القريب , لا , يُغسل في المغاسل , لكن عند المشاحة , إذا قال: أنا وصاني الميت , أو فلان يشهد وفلان أن الميت قال: لا يغسلني إلا فلان , فهو أولى من غيره , وهذا عند المشاحة كما هو معروف .
6- أحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك:
ش/ يعني إذا قال الميت قبل وفاته: يغسلني فلان , ويصلي علي فلان , ويدفنيي فلان , فهو أولى الناس بذلك .
ثم الاب ثم الجد , يعني بحثوا عن الوصي ما وجدوا , ينتظر حتى يأتي الوصي ؟ لا , يقال للاب أنت لك المرتبة الثانية بعد الوصي غسل إبنك ثم الجد ثم الاقرب فالأقرب من العصبات , والأخ والعم وإبن الأخ وما أشبه ذلك .
والاولى بغسل المرأة وصيتها يعني من النساء , الأول وصيه من الرجال , والأولى بغسل المرأة وصيتها – يعني- من النساء لو أوصت بإن يغسلها ولدها أو أبوها تنفذ الوصية وإلا لا ؟
لا , لا تنفذ الوصية ؛ لأن الرجال ليس لهم أن يغسلوا النساء , ليس للرجال أن يغسلوا النساء , ولا العكس إلا الزوجين , يجوز أن يغسل أحدهما الآخر وما عدا ذلك فلا , هذا بالنسبة إذا كان الميت تجاوز السبع من الرجال أوالنساء , ثم الام -بعد الوصية- ثم الجدة يعني مثل ما قيل الوصي ثم الأب ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب من نسائها وهناك الأقرب فالأقرب من العصبات , وهنا الأقرب فالأقرب من نسائها .(1/113)
وللزوجين أن يغسل أحدهما الآخر ؛ لأن الصديق - رضي الله عنه - غسلته زوجته , زوجته مَن ؟ إسمها أيش ؟ أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ؛ ولإن علي - رضي الله عنه - غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها , فيجوز للزوج أن يغسل زوجته , وللزوجة أن تغسل زوجها .
7- الصلاة على الميت:
ش/ أما الصلاة على الميت فيكبر الامام ويقرأ بعد – التكبيرة- الأولى الفاتحة , دون دعاء الاستفتاح , فيقول: الله أكبر , ثم يتعوذ , ويسمي , ويبسمل , ثم يقرأ الفاتحة , إن قرأ معها سورة قصيرة أو آية فلا بأس ؟ نعم ؟
لا بأس بذلك وإن لم يقرأ كفت الفاتحة , للحديث الوارد عن ابن عباس - رضي الله عنه - (1)في قراءة الفاتحة وسورة , ثم يكبر الثانية
ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- كصلاته عليه في التشهد , فيقول :
((
__________
(1) - أخرجه البخاري (1335) عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس - رضي الله عنه - على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال: ليعلموا أنها سنة , ورواه البيهقي في الكبرى (4/38) وقال البخاري في (باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة) وقال الحسن: يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول: اللهم إجعله لنا فرطاً وسلفاً وأجراً .(1/114)
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ))(1).
يعني كما يقول في التشهد , ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت , فيقول:(( اللهم اغفر لحينا وميتنا , وشاهدنا وغائبنا , وصغيرنا وكبيرنا , وذكرنا وانثانا , إنك تعلم منقلبنا ومثوانا , اللهم مَن أحييته منا فاحيه على الاسلام ومَن توفيته فتوفه على الايمان.. ))(2)الى آخر الدعاء المشهور وذكره الشيخ -رحمه الله- .
__________
(1) - أخرجه البخاري (6357) عن أبي حميد الساعدي ,ومسلم (406) وأحمد (4/241) وأبو داود (978) والترمذي (483) والنسائي (3/47) وابن ماجه (904) وغيرهم عن كعب بن عجرة , ومسلم (405) والترمذي (3220) والنسائي (3/45) وأحمد (5/273) عن أبي مسعود الأنصاري: قال أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله – تعالى- أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك ؟ قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم )) .هذا لفظ مسلم , وهو أشمل , والله اعلم .
(2) - أخرجه احمد (2/368) وأبو داود (3201) والنسائي (4/74) والترمذي (1024) وابن ماجه (1498) كلهم عن أبي هريره خلا النسائي والترمذي عن أبي إبراهيم الأنصاري عن أبيه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - به , وفي الباب أحاديث بهذا المعنى كثيرة فلتراجع .(1/115)
يقول: ( اللهم اغفر له وارحمه , واعافه واعف عنه , واكرم نزله , وأوسع مدخله , وغسله بالماء والثلج والبرد , ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس , وجازه بالحسنات إحسانا , وبالسيئات عفوا ورضونا ) المقصود أنه يدعو للميت , ويخلص الدعاء له , وهذا من حق المسلم على المسلم , والصلاة على الميت فرض كفاية إن حصل مَن يكفي سقط الإثم على الباقين .
للإنسان إذا قام الواجب بغيره ألا يصلي , لكن كونه لا يصلي حرمان ؛ لأن له بكل صلاة على جنازة قيراط , وهنا التفريط في القراريط(1), القيراط ليس أمره بالسهل , القيراط من الذهب كم ؟
خمسة ريال أو ست ؟ كم القيراط بأربعين , الجنيه كان أربعين ثم صار القيراط بأربعين , والله المستعان .
__________
(1) - أخرج البخاري (1325) ومسلم (945) وأبو داود (3168) والنسائي (4/76) وفي مواضع أُخر . والترمذي (1040) وابن ماجه (1539) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان )) قيل وما القيراطان ؟ قال:((مثل الجبلين العظيمين)) انتهى حديث أبي الطاهر وزاد الآخران قال ابن شهاب قال سالم بن عبدالله بن عمر وكان ابن عمر يصلي عليها ثم ينصرف فلما بلغه حديث أبي هريرة قال : لقد ضيعنا قراريط كثيرة . هذا لفظ مسلم .(1/116)
القيراط مثل جبل أُحد من الحسنات , فمن ترك الصلاة على الجنازة فهو محروم لاسيما مع يسرها وقربها منه , إذا عرفنا هذا الأجر , والثواب العظيم المرتب على الصلاة على الجنازة فعلينا أن نقصدها للصلاة عليها , وإذا كان هناك أكثر من جنازة أحيانا يصير خمس جنائز ست , خمسة قراريط ستة قراريط في ثلاث دقائق , يعني ما يعوق الانسان من مصالحه , فالمحروم من حُرم , من حُرم التوفيق , وليس هذه علامة توفيق أن يزهد الانسان في مثل هذه الامور فضلا عن أن يسعى في قراريط السيئات وأن ينقص من أجره كل يوم قيراط , كما مَن يقتني كلب { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } [الليل:4] بعض الناس يقصد المساجد التي يصلى فيها على الجنائز ليحصل هذه القراريط , ومن الناس من يُبتلى بالكلب ينقص من أجره كل يوم قيراط , لا شك أن الناس يتفاوتون تفاوتا بيناٌ , ونرى بعض الناس يُصلى على الميت وهو جالس , تنتهي الصلاة وهو جالس , ليس عنده شيء وليست فيه عله , لكن الحرمان , الحرمان لا نهاية له , هذا مُشاهد ولا سيما في بلاد الحرمين , يمل بعض الناس اذا قيل الصلاة على الميت قام وصلى ثم مرة ثانية قال: خلاص صلينا , استكثروا فالله اكثر , كل صلاة فيها قيراط , كل ميت له قيراط , وفضل الله لا يُحد , لكن الانسان.. (( كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى )) قالوا: كيف يابى يا رسول الله ؟ قال: (( مَن أطاعني دخل الجنة ومَن عصاني فقد أبى ))(1).
يُتصور الانسان يقال له: تعال إلى الجنة فيقول: لا ؟ يعني عقلاً ما يُتصور , لكن حقيقة وواقع الناس كُثر يقال لهم: هلموا الى الجنة فيقولون: لا , (( مَن أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) فكيف بمن تقام صلاة الجنازة وهو جالس ؟ !
لا يهتم لذلك , ويعرف أن الصلاة فيها قيراط , وقد تكون الجنازة في آن واحد , ولكل واحدة قيراط .
((
__________
(1) - أخرجه البخاري (7280) وأحمد (2/361) وانظر الصحيحة (2044) و(3141) من حديث أبي هريرة .(1/117)
اللهم اغفر له وارحمه , وعافه واعف عنه , وأكرم نزله ووسع مدخله , وغسله بالماء والثلج والبرد , ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس , وأبدله داراً خيراً من داره , وأهلاً خيراً من أهله , وأدخله الجنة , وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار , وافسح له في قبره ونور له فيه ..))(1).
وإن زاد على ذلك كما جاء في السنن (( اللهم أنت ربه وأنت خلقته وأنت هديته للإسلام جئناك شفعاع فشفعنا فيه , اللهم في ذمتك وحبل جوارك فقهِ فتنة القبر وعذاب النار ))(2), كل هذا لا بأس به .
__________
(1) - أخرجه مسلم (963) وأحمد (6/23) والنسائي (4/73) وابن ماجه (1500) والطبراني في الكبير: 18/59 (108) , والبيهقي في الكبرى (4/41) وفي مواضع آخر من سننه , ولفظ مسلم: عن عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وصلى على جنازة ) يقول : (( اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلا خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وقهِ فتنة القبر وعذاب النار )) قال: عوف فتمنيت أن لو كنت أنا الميت لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الميت .
(2) - عند الطبراني في الاوسط (4135) .عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا صلى على الميت قال: (( اللهم أنت خلقته وأنت هديته للاسلام وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئنا نشفع له فشفعنا فيه )) .(1/118)
ثم بعد التكبيرة الرابعة إن قال: (( اللهم لا تحرمنا أجره , ولا تفتنا بعده , واغفر لنا وله ))(1)فحسن , وإن قال ذلك تبعاً للدعاء بعد الثالثة فلا بأس , ثم يكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه , والتكبيرات أربع , والخلاف موجود بين الصحابة والتابعين في عدة التكبيرات , من ثلاثة الى تسع , فاذا كُبر على ميت ثلاث , وعلى آخر خمس , سبع , تسع , هذا خلاف موجود بين أهل العلم , لكنه استقر قول جماهير أهل العلم على الأربع , على أربع تكبيرات, بل نقل بعضهم الاتفاق على ذلك , فلا ينبغي أن يزاد على الأربع.
ويستحب ان يرفع يديه مع كل تكبيرة , يقول: الله أكبر , يعني مثل ما يرفع للصلاة , وفي ذلك الخبر الثابت عن ابن عمر موقوفاً عليه خرجه البخاري معلقاً مجزوماً به , وفيه خبر مرفوع , لكنه ضعيف , صح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه , وجاء خبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يرفع يديه , لكنه ضعيف , فلذا المتجه رفع اليدين في تكبيرات الجنازة .
ولذا يقول الشيخ -رحمه الله- ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة , واذا كان الميت امرأة يقال : اللهم اغفر لها , هناك اللهم اغفر له وارحمه , بناءاً على أنه ذكر , واذا كان الميت امرأة: (( اللهم اغفر لها وأرحمها وعافها وأعف عنها ))(2)؛ لأن الرجل له ضمير والمرأة لها ضمير , ولكلٍ ما يخص من الضمائر , لكن إذا أشكل عليه الأمر , جاؤوا والناس يصلون ما يدري أذكر أو إمرأة وقال: ( اللهم اغفر له ) يقصد الميت لا بأس , والميت يحتمل أن يكون ذكر , ويحتمل أن يكون إمرأة أو (( اغفر لها )) يعني الجنازة , سواء كانت ذكراً أو أُنثى فلا بأس .
__________
(1) - أخرجه أبو داود (3201) وابن ماجه (1498) والنسائي في الكبرى (10919) وأبو يعلى في مسنده (6598) والبيهقي في الكبرى (4/40) عن أبي هريرة .
(2) - انظر التخريج السابق .(1/119)
إذا كان اثنين قال:( اللهم اغفر لهما وارحمهما وعافهما واعف عنهما..) واذا كانوا جماعة قال:( اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم ) , فيكيف الضمير على حسب مقتضى الحال , وإذا كان الجنائز اثنين يقال: اللهم اغفر لهما وبالجمع اذا كانت أكثر .
أما اذا كان فرطاً ( صغيراً ) فيقال: بدل الدعاء بالمغفرة , ما يقال: اللهم اغفر له وارحمه , وعافه واعف عنه , ليس له ذنوب لتطلب له المغفرة , ليس عنده ذنوب , ولم يجر عليه قلم التكليف , لتطلب له المغفرة والرحمة , فليس بحاجة الى ذلك , بل يقال:(( اللهم اجعله فرطا -يعني متقدماً- وذخرا لوالديه , وشفيعا مجابا, اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , وألحقه بصالح المؤمنين , وأجعله في كفالة ابراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم ))(1).
يقول -رحمه الله- والسنة أن الامام يقف حذاء رأس الرجل , ووسط المرأة , هذه السنة بالنسبة للرجل يقف الامام مقابل رأسه , والمرأة يقف في وسطها , ولذا ينبغي عند صف الجنائز أن يكون وسط المرأة بإزاء رأس الرجل , فاذا قدر أن هذا رجل وهذه إمرأة وهذا وسط المرأة يكون هكذا بإزاء رأس الرجل , ليقف الامام هنا , موازيا لرأس الرجل ووسط المرأة , وأن يكون الرجل مما يلي الامام , الرجل هو الذي يلي الامام , وهو الأقرب إلى الامام , يعني إذا كان هناك أكثر من جنازة , رجال ونساء , فالرجال هم المقربون الى الامام , وتليهم النساء .
ويقول: وأن يكون الرجل مما يلي الامام اذا اجتمعت الجنائز , والمرأة مما يلي القبلة , وإن كان معهم أطفال قُدم الصبي على المرأة , يجعل الصبي هنا بين الرجل والمرأة , والطفلة تجعل بعد المرأة , ثم المرأة ثم الطفلة , الرجل ثم الطفل ثم المرأة ثم الطفلة , واذا اجتمع رجال افترضنا أن هذين رجلان مَن نقدم ؟
__________
(1) - خرج جزء منه عبد الرزاق في المصنف برقم (6588) و(6589) عن الحسن موقوفا , وابن ابي شيبة في مصنفه (6/106) عن سمرة بن جندب موقوفا .(1/120)
نقدم الأحفظ لكتاب الله , وهو المقدم , يقدم الاحفظ لكتاب الله ؛ لأنه أحق , فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته .
ويكون رأس الصبي حيال رأس الرجل , ووسط الطفلة حيال وسط المرأة , ووسط المرأة حيال رأس الرجل وهكذا الطفلة يكون رأسها حيال رأس المرأة , ويكون وسطها حيال رأس الرجل , ويكون المصلون جميعا خلف الامام , المصلون كلهم خلف الأمام , وينبغي أن تكثر الصفوف ولولم تكمل ؛ لأنه ورد فيمن صلى عليه ثلاثة صفوف فأكثر , ورد من جاء فصلى عليه أربعون فأكثر , ورد مَن صلى عليه مائة من المسلمين شُفعوا فيه(1), فنحرص على تطبيق هذه السنن لننال من ذلك الأجر الجزيل من الله -سبحانه وتعالى-.
ويكون المصلون جميعاً خلف الامام إلا أن يكون واحداً لم يجد مكان خلف الامام فيقف عن يمينه وهذا يحصل كثيراً , أهل الميت اذا قاموا ليحضروا الميت الى الامام او الى موضع الامام , يجيء الناس يصفون في أماكنهم , يتقدمون الناس في أماكنهم , وحينئذٍ لا يكون لهم مكان يصلون فيه , يصلون بجوار الامام إما عن يمينه كلهم او خلفه مباشرة, بينه وبين الصف , أو بعضهم عن يمينه وبعضهم عن شماله , إن أمكنهم أن يصلوا خلفه ولو ضاقت المسافة فلا بأس ؛ لأنه لا يحتاجون إلى بُعد المسافة لركوع ولا سجود .
إلا أن يكون واحداً مكانه خلف الإمام فأنه يقف عن يمينه .
8 - صفة دفن الميت :
يقول -رحمه الله تعالى- صفة الدفن: المشروع تعميق القبر الى وسط الرجل , يعني إلى سرة الرجل , لماذا ؟
__________
(1) - ثبت هذا الخبر في مسلم (947) والنسائي في المجتبى (1991) والكبرى (2118) من حديث عائشة , وابن ماجه (1488) وابن أبي شيبة (11627) والبيهقي في الشعب (9253) عن أبي هريرة وانظر صحيح الجامع (6356), أما لفظ مسلم عن عبدالله بن يزيد رضيع عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه )).(1/121)
لئلا تنبعث روائح منه , إذا أُعمق القبر مهما طال الزمان لا تنبعث منه روائح من جهة , ولئلا تجرفه السيول والرياح مع الوقت ينكشف الميت , والمقصود ستره , فيسن تعميقه الى نصف قامة الرجل وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة , فاللحد أفضل من الشق إذا تيسر , أما اذا كانت الارض هيار ما يمكن التلحيد فيها فالشق يكفي , وأن يكون فيه لحد من جهة القبلة يعني حفرة داخل القبر الى جهة القبلة .
طالب يسأل ..؟
لا هم قالوا: عند الحاجة , إذا لم يتيسر اللحد , إذا كان كلما لحدوه إنهار القبر ؛ لأن بعض الأماكن لا يمكن تلحيده وإلا لاشك أن اللحد أفضل .
وأن يوضع الميت في اللحد على جنبه الايمن ليكون مستقبلاً القبلة , كما جاءت السنة بذلك في الموته الصغرى , التي هي (النوم) النوم موت { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [الزمر:42] نعم , المقصود أن النوم موت , شبه الموت , فينبغي أن ينام على جنبه الأيمن مستقبل القبلة , ومن باب أولى إذا مات يوضع في اللحد على جنبه الايمن .
وتُحل عقد الكفن , تُحل عقد الكفن , وتبقى في مكانها , ما تسحب ولا تنزع , بل تترك , ولا يكشف وجهه , سواء كان الميت رجلاً او امراة , من العجب أنه حضر شخص جنازة إمراة من عامة الناس , ونسب إلى بعض أهل العلم من العلماء المشهورين المعروفين عندنا قال: إن الشيخ فلان يقول: إجعلوها مستلقيه على ظهرها واكشفوا وجهها , تنظر الى السماء , هذا جهل مركب , وافتراء على هذا الشيخ , على كل حال ما أطاعوه , يعرفون أن هذا كله خطأ فطرةً هذا خطأ .(1/122)
ولا يكشف وجهه سواء كان الميت رجلا او امرأه , ثم ينصب عليه اللبن مو بحيث يضغط على الميت , لا , إنما إذا تصورنا أن اللحد فتحة في القبر هكذا فينصب اللبن -وقد رأيتموه كثيراً- هكذا , والميت داخل في اللحد هنا , بحيث لا يضغطه اللبن , يُجعل فيه فرصه لئلا يساء الى الميت , ثم ينصب عليه اللبن ويطين حتى يثبت يعني يجعل بين اللبنات طين لكي تثبت هذه اللبنات , ولا يكثر ماؤها , ولا تكن لينه بحيث تؤثر على اللبن فينهارعلى الميت ؛ لأنه إذا أكثر الماء في الطين أثر على اللبن , ثم بعد ذلكم إنهار على الميت , ويقيه التراب يقيه التراب ؛ لأن لو لم نجعل الطين بين اللبنات لنهال عليه التراب , والمقصود أن يحمى من هذا التراب , فأن لم يتيسر اللبن فبغير ذلك من ألواح خشب إذا ما موجود لبن , لكن إذا وجد لبن فهو المتعين , لكن إن لم يتيسر ما موجود لبن لا بأس خشب .
يقول: فبغير ذالك من ألواح أو احجار أو خشب يقيه التراب , ثم يُهال عليه التراب , ويستحب أن يقال عند ذلك: بسم الله , وعلى ملة رسول الله , ويرفع القبر قدر شبر فقط , لا يُزاد على الشبر عن الارض ؛ لأنه اذا أشرف وزاد على ذلك فقد أمرنا بتسويته , قد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب ألا لا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه(1)ويوضع عليه حصباء إن تيسر ذلك ؛ لأنها تحفظ التراب من أن تذروه الرياح ويرش بالماء لكي يثبت .
__________
(1) - ثبت في صحيح مسلم (969) وأحمد (1/96) و(1/128) وأبو داود (3218) والترمذي (1049) والنسائي (4/88) من حديث أبي هياج الاسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول - صلى الله عليه وسلم - ؟ (( أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته )) .(1/123)
ويشرع للمشيعين أن يقفوا عند القبر , ويدعوا للميت –بالتثبيت- ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه لا سيما إن كان من الصالحين , فيتأكد في حقه أن يقف عند القبر, ويدعوا للميت , وقال: (( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت , فأنه الآن يسأل ))(1).
ثم قال الشيخ -رحمه الله تعالى- :
9- ويشرع لمن لم يصل عليه أن يصلي عليه بعد الدفن, لان النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك على أن يكون ذلك في حدود شهر فأقل :
ش/ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على القبر(2)بعد شهر , فأخذ منه أهل العلم الحد الى شهر(3), لكن هل في هذا ما يدل على أنه لا يُصلى عليه بعد ذلك ؟
هذا وقع من النبي -عليه الصلاة والسلام- إتفاقاً , وليس فيه ما يدل على أنه لا يُزاد على ذلك .
__________
(1) - أخرجه أبو داود (3221) والحاكم (1372) والبيهقي في الكبرى (6856) عن عثمان بن عفان قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: (( استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت , فإنه الآن يسأل )) , وصححه الالباني في سنن ابي داود (2758) والجامع الصغير (945) .
(2) - أخرجه البخاري (1337) ومسلم (956) مطولاً , وأبو داود (3203) من حديث أبي هريرة .
(3) - قال أبو عيسى في سننه تحت حديث (1037) : حديث ابن عباس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم وهو قول الشافعي و أحمد و إسحق وقال بعض أهل العلم لا يصلى على القبر وهو قول مالك بن أنس وقال عبد الله بن المبارك: إذا دفن الميت ولم يصل عليه صلي على القبر ورأى ابن المبارك الصلاة على القبر وقال أحمد و إسحق يصلى على القبر إلى شهر وقالا أكثر ما سمعنا عن ابن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر أم سعد بن عبادة بعد شهر . إنظر ابن ماجه (1530) وهو صحيح .(1/124)
م/ يقول: لأنه لم ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على قبر بعد شهر من دفن الميت .
ش/ لكونه فعل بعد شهر لا يعني أنه لا يُزاد على الشهر , وإن اقتصر على الشهر كما فعل الشيخ -رحمه الله- فلا بأس .
10- لا يجوز لأهل الميت أن يصنعوا طعاماً للناس , لقول جرير بن عبد الله البجلي الصحابي الجليل - رضي الله عنه - : (( كنا نعد الاجتماع الى أهل الميت , وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحه ))(1)رواه الامام أحمد بسند حسن .
ش/ أما صنع الطعام لهم كون غيرهم يصنع الطعام لهم , ولو شاركهم بعض الوافدين عليهم لا بأس , ما لم يكن الطعام من الميت أو مال الميت أو أهله .
__________
(1) - أخرجه الامام أحمد في المسند (2/204) وابن ماجه (1612) وصححه الألباني في سنن ابن ماجه (1308) عن جرير بن عبد الله البجلي وعند ابن ماجه بلفظ ((..كنا نرى ..)) الحديث , قال: النووي في المجموع (5/306 ) : وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته قالوا: يعني بالجلوس ها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم مَن أراد التعزية قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها. ونص الامام الشافعي الذي اشار اليه النووي في كتاب الام :باب القيام للجنازة (1/467): وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر .(1/125)
م/ أما صنع الطعام لهم أو لضيوفهم فلا بأس , ويشرع لاقاربه وجيرانه أن يصنعوا لهم الطعام ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه الخبر بموت جعفر بن أبي طالب في الشام أمر أهله أن يصنعوا طعاماً لأهل جعفر, وقال: (( إنه أتاهم ما يشغلهم ))(1):
ش/ وهذه سنه معمول بها , مَن مات له ميت صنع له الناس من الاقارب والجيران الطعام ؛ لأنهم في الحقيقه شغلوا .
م/ يقول : ولا حرج على أهل الميت أن يدعوا جيرانهم أو غيرهم للأكل من الطعام المهدى اليهم .
ش/ ليس هذا من مظاهر الولائم , لكنه بأعتبار أنه طعام أُهدي اليهم فمن باب إكرام الجيران والاقارب ؛ ولأنه طعام فيه قدر زائد على الحاجه , فلا بأس .
م/ يقول : وليس في ذلك وقت محدود فيما نعلم من الشرع .
ش/ يعني ليس له يوم يومين ثلاثه , ما له وقت محدود .
__________
(1) - أخرجه أحمد (1/205) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) والدارقطني (11) والبيهقي (4/61) وحسنه الالباني في الجامع الصغير وزيادته رقم (1015) من حديث عبدالله بن جعفر ؛ قال لما نعي جعفر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم )) أو (( أمر يشغلهم )) هذا لفظ ابن ماجه , نقل الامام الالباني في أحكام الجنائز عن الشافعي رحمه الله أنه قال: وأحبُ لجيران الميت أو ذي قرابته أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاماً يشبعهم فإن ذلك سنة وذكر كريم وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا , ونص الامام الشافعي هذا في كتاب الام: باب القول عند دفن الميت (1/465) .(1/126)
11- لا يجوز للمرأه الاحداد على ميت أكثر من ثلاثة أيام الا على زوجها , فأنه يجب عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا , إلا أن تكون حاملاً فإلى وضع الحمل , لثبوت السنه الصحيحه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك(1).
ش/ فالحامل تخرج من العده والاحداد بوضع الحمل , سواء كان لحظه يوم أقل من يوم أو تسعة أشهركامله , إذا لم تكن حاملاً فبمضي أربعة أشهر وعشرة ليال تخرج من الإحداد .
أما الرجل فلا يجوز له أن يحد على أحد من الاقارب أو غيرهم , المرأه تحد على أبيها على ولدها ثلاثة أيام فأقل أما على الزوج فأربعة أشهر وعشراً .
12- يشرع للرجال زيارة القبور بين وقت وآخر للدعاء لهم , والترحم عليهم , وتذكر الموت بعده:
ش/ للاحسان إلى الميت , والدعاء له , وللأحسان على النفس بالتذكر والاعتبار والاتعاظ , هذه الزياره المشروعه , لا للتبرك ولا للطواف , ولا لمزاولة عبادة في المقبره , كل هذا منهي عنه لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (( زوروا القبور فأنها تذكركم الاخره ))(2)
__________
(1) - أخرجه البخاري (4909) ومسلم (1485) وغيرهم , من طريق أبي سلمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس وأبو هريرة جالس عنده فقال: أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابن عباس: آخر الأجلين قلت أنا: { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخى يعني أبا سلمة فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها فسألها فقالت: ( قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو السنابل فيمن خطبها ) , والسياق للبخاري , وأنظر إرواء الغليل (7/ 192) .
(2) - أخرجه مسلم (977) وأبو داود (3698) والترمذي (1054) والنسائي (4/89) وفي مواضع أُخر ايضاً , عن بريد بن حصيب ,انظر الصحيحة (886).
قوله - صلى الله عليه وسلم - (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت )) رواه مسلم , وللترمذي: (( فإنها تذكر الآخرة )) .(1/127)
خرجه الإمام مسلم في صحيحه .
(( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها )) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعلّم أصحابه اذا زاروا القبور أن يقولوا (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون , نسأل الله لنا ولكم العافيه , يرحم الله المستقدمين والمستأخرين ))(1).
م/ أما النساء فليس لهن زيارة القبور ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن زائرات القبور.
ش/ واللعن يقتضي التحريم , والعله في ذلك ما يخشى من الفتنه , في زيارة القبور وقله الصبر , وإذا مُنعت النساء فالمنع يشمل الكبار والصغار من النساء , نعم الصغيره ليست مكلفه فلا يتجه إليها نهي , ولكن النهي يتجه على وليها , كما يمنع الصبي مما يمنع الرجال كلبس الذهب والحرير , المنع متجه الى وليه , وكذلك الصبيه تمنع من دخول المقبره لا لأنها مؤاخذه ومعاقبه على دخولها , لكن التكليف متجه إلى وليها , وهكذا فلا يجوز لهن إتباع الجنائز الى المقبره ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهاهن عن ذلك .
__________
(1) - أخرجه مسلم (974) وأحمد (6/221) والنسائي (4/91) عن عائشة , وفي لفظ لمسلم: (( السلام عليكم دار قوم مؤمنين واتاكم ما توعدون غداً , مؤجلون , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد )) , ومسلم (975) وابن ماجه (1547) عن بريدة بن حصيب بالالفاظ متقاربة .(1/128)
أما الصلاة على الميت في المسجد أو في المصلى فهي مشروعه للرجال والنساء جميعاً , القيراط يحصل للرجل ويحصل للمرأة , إذا صلت على الجنائز , فالنساء شقائق الرجال(1), لهن من الأجر في الصلاة على الميت مثلما للرجال , لكن لا يجوز لهن أن يتبعن جنازه ولا أن يدخلن المقبره , ولا يزرن القبور .
__________
(1) - هذه العبارة صحيحة من حديث عائشة في قصة أم سليم قالت: المرأة ترى ذلك [ أي الاحتلام ] أعليها غسل ؟ قال: (( نعم النساء شقائق الرجال )), عند أحمد (6/377) وأبي داود (236) والترمذي (113) وصححها الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1983) وفي الصحيحة رقم (2863) .(1/129)
الصلاة على الميت في المسجد يكرهه بعض العلماء ؛ لانه يخشى أن يلوث المسجد , لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على ابني بيضاء في المسجد(1), وأبو بكر صُلي عليه في المسجد(2), وعمر صُلي عليه في المسجد(3), وهكذا .., فلا وجه لمنع الصلاة على الميت في المسجد , نعم أكثر ما تكون الصلوات في مُصلى الجنائز , الجنائز لهن مُصلى خاص , والصلاة في المسجد جائزه لا إشكال فيها .
أما تخصيص يوم الجمعه فليس فيه إلا خبر ضعيف (( مَن زار ابويه يوم الجمعه كتب براً ))(4)وهذا ضعيف , لكن من خصص يوم الجمعه لأنه تكثر فيه الجنائز ليشارك في الدفن مثلاً , فلا بأس , هذا مَقصد صحيح أما تخصيصه لأنه يوم الجمعه , فلا , يوم الجمعه لا يخص لا بصيام ولا بقيام ولا بغيره .
__________
(1) - أخرجه مسلم (973) من حديث عائشة لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه فأنكر ذلك عليها فقالت: والله لقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه ( قال مسلم ) سهبل بن دعد وهو ابن البيضاء أمه بيضاء , وأخرجه النسائي (4/68) وابن ماجه (1518) .
(2) - أخرجه الحاكم في المستدرك (4473) والبيهقي في الكبرى (4/52) عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر - رضي الله عنه - صُلي عليه في المسجد و دفن ليلاً إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجرة عائشة - رضي الله عنه - , واللفظ للحاكم .
(3) - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (3/44) والطحاوي في شرح معاني الاثار (1/492) والحاكم في المستدرك (4572) والبيهقي في الكبرى (4/52) عن ابن عمر: أن عمر صُلي عليه في المسجد صلى عليه صهيب - رضي الله عنه - . واللفظ للحاكم .
(4) - أخرجه البيهقي في شعب الايمان (7901 ) بلفظ: من زار قبر أبويه أو إحداهما في كل جمعة غفر له و كتب برا , قال الشيخ الألباني :( موضوع ) انظر حديث رقم : 5605 في ضعيف الجامع .(1/130)
أما توزيع الماء وكانت الحاجه قائمه إليه , الناس يعطشون , وقت حار , فأحسن إليهم أحد بتوزيع الماء على أن لا يكون عادة مطرده يعرف هذا به لا بأس ؛ لأن هذه حاجه قائمه .
طالب يسأل .. ؟
المحرم لا يخمر رأسه اذا كان رجل ؛ لأنه يبعث يوم القيامه ملبياً كما جاء في الحديث الصحيح في الرجل الذي وقصته دآبته , (( كفنوه في ثوبيه , ولا تخمروا رأسه ))(1)وفي رواية (( ولا وجهه ))(2)لانه يبعث يوم القيامة ملبياً .
طالب يسأل .. ؟
هو يبعث في ملبي , يبعث في هيئة الملبي , أما كون الناس يبعثون كلهم عراة وأول مَن يُكسى يوم القيامة إبراهيم وهذا لا إشكال فيه , الشهيد أيضاً يدفن في ثيابه التي قتل فيها , ومع ذلك يبعث عاري .
طالب يسأل .. ؟
الخارج الفاحش النجس كالدم مثلا , نعم ؟
القيء نجس عند جماهير أهل العلم , والدم كذلك نقل عليه الإجماع , وبعضهم يرى أنه طاهر لعدم الدليل على نجاسته وأن عمر - رضي الله عنه - صلى وجرحه يثعب وما أشبه ذلك , لكن أجابوا عن ذلك بأنه صلى وجرحه يجري , دمه من باب الضرورة كالمستحاضة , كمن حدثه دائم , لا يستطيع أن يسده ليس هناك شيء تخاط به الجروح , وما أشبهه في وقتهم , أما دم الحيض فهو نجس إتفاقاً , وهم يقولون: لا فرق بين دم الحيض وغيره , نعم ؟
طالب يسأل .. ؟
الحجامة إذا خرج من البدن دم كثير فهو دم نجس , على القول بأن خروج الفاحش النجس من البدن , وعلى القول بنجاسته فأنه ينقض الوضوء , لا فرق , نعم .
طالب يسأل .. ؟
__________
(1) - أخرجه البخاري (1265) ومسلم (1206) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال بينما رجل واقف بعرفة ,إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فاوقصته , قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين , ولا تحنطوه , ولاتخمروا رأسه فأنه يبعث يوم القيامة ملبياً )).
(2) - هذه رواية مسلم (98 /1206) والنسائي (5/145) وابن ماجه (3084).(1/131)
لا الشرك بالله أعظم وإن كان ختمت الاية { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [لأعراف: من الآية33] والاية فيها التدرج, لكن حُمل هذا على القول على الله بلا علم , بإثبات الولد له , وهو نوع من الكفر , نسأل الله العافية .
طالب يسأل .. ؟
المضمضة والاستنشاق ؟ نقول: وارد في الاية { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } [المائدة: من الآية6] منه الفم والانف ,
نقول: هذه وارده في الاية إضافة الى ما جاء في النصوص الاخرى من الاحاديث .
طالب يسأل .. ؟
ألبان الإبل لا شيء فيها , الكلام على اللحم , جاء في الترمذي: (( توضؤا من اللبن ؛ لأن له دسما ))(1)المقصود به المضمضة , دسم تمضمض منه .
كيفية التوبة ؟ لا بد أن تتوفر شروط التوبة :
الاقلاع , الندم , والعزم على أن لا يعود , وإن كان تضمنت المعصية حق لآدمي لابد من رده , وأن تكون في زمن الإمكان قبل الغرغرة , وقبل طلوع الشمس من مغربها وأن يخلص في ذلك لله -سبحانه وتعالى- , اذا توفرت هذه الأمور صحت التوبة -إن شاء الله- , وصارت نصوح.
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبهذا نكون قد أنهينا توضيح هذا الكتاب المختصر النافع المفيد فرحمة الله على مؤلفه ، رحمه الله رحمة واسعة ، وجمعنا به في رحمته ومستقر جنته.
فهرس المصادر والمراجع
- أحكام الجنائز : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الاسلامي , بيروت , ط 4.
__________
(1) - أخرجه أبو داود (196) والنسائي (1/109) والترمذي (89) وابن ماجه (498) عن ابن عباس .
قال الترمذي : وقد رأى أهل العلم المضمضة من اللبن وهذا عندنا على الاستحباب ولم ير بعضهم المضمضة من اللبن , وبَوب أبو داود في سننه باب الرخصة في ذلك وساق حديث أنس قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرب لبنا فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى . وحسنه الالباني عند أبي داود .(1/132)
- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : الألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط 2.
- الآحاد والمثاني: أبو بكر أحمد بن عمرو الشيباني , تحقيق: د/باسم فيصل أحمد الجوابرة , دار الراية – الرياض , ط1.
- الأدب المفرد : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي , تخريج وتعليق الألباني , دار الصديق , ط 2.
- الأم : الإمام محمد بن إدريس الشافعي , تحقيق: رفعت فوزي عبد المطلب , دار الوفاء , ط 1, 1422هـ - 2001م .
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل : تأليف العلامة الفقيه علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي .
- التلخيص الحبير في أحاديث الرافعي الكبير: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني , تحقيق: السيد عبدالله هاشم اليماني المدني , المدينة المنورة .
- الجامع الصغير وزيادته : الألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط 3.
- الروض الربع شرح زاد المستقنع : للعلامة البهوتي , تحقيق يحيى مُراد , مؤسسة المختار , ط 1 , 1425هـ , 2005م.
- السلسلة الصحيحة : الألباني , مكتبة المعارف , الرياض , ط 1.
- الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية , ابن القيم الجوزية ,
- الشرح الكبير على متن المقنع : شمس الدين ابن قدامة , دار الفكر , بيروت , ط 1 .
- المجموع شرح المهذب: الإمام أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي , تحقيق محمد نجيب المطيعي, دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط 1 , 1422هـ - 2001م .
- المستدرك على الصحيحين : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي , دار الكتاب العربي , بيروت , ط 1.
- المسند : الإمام أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني , تحقيق: شعيب الأرنؤوط ورفقائه , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط 2.(1/133)
- المعجم الأوسط : سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني , تحقيق: أيمن صالح شعبان , وسيد أحمد إسماعيل , دار الحديث , القاهرة , ط1 .
- المعجم الصغير : الطبراني , تقديم وضبط: كمال يوسف الحوت , مؤسسة الكتب الثقافية , ط 1.
- المعجم الكبير: الطبراني , تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي , مكتبة العلوم والحكم , الموصل , ط2 , 1404هـ , 1983م .
- المغني على متن المقنع : عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي , دار الفكر , بيروت , ط 1.
- المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري , حققه لجنة من العلماء بإشراف الناشر , دار العلم , ط 1.
- الموطأ: أبو عبدالله مالك بن أنس الأصبحي, رواية يحيى بن يحيى الليثي, تحقيق:د/بشار عواد معروف, دار العرب الإسلامي.
- النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني , اعداد وتعليق : أبو انس ابراهيم بن سعد الصبيحي , أضواء السلف , الرياض , ط1 1420هـ - 2000 م .
- النكت على ابن الصلاح : ابن حجر , تحقيق: د/ ربيع بن هادي المدخلي , دار الراية , ط 1 .
- تخريج ظلال الجنة : الألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط 3 .
- سنن ابن ماجه : محمد بن يزيد أبو عبدالله القزويني , تحقيق: بشار عواد معروف , دار الجيل , بيروت , ط 1 .
- سنن أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي , تحقيق محمد عبدالعزيز الخالدي , دار الكتب العلمية , ط 1.
- سنن البيهقي الكبرى : أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي , دار المعرفة , بيروت , ط 1.
- سنن الترمذي : أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي السلمي, تحقيق: بشار عواد معروف , دار الغرب الإسلامي , ط 2.
- سنن الدارقطني : علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي , تحقيق:السيد عبد الله هاشم يماني , دار المعرفة , بيروت.(1/134)
- سنن الدارمي : عبدالله بن عبدالرحمن أبو محمد الدارمي , تحقيق: الأستاذ سيد إبراهيم والأستاذ علي محمد علي , دار الحديث , ط 1.
- سنن النسائي : أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي , دار الكتب العلمية , بيروت , ط 1 .
- سنن النسائي الكبرى : النسائي , تحقيق: د/عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن , دار الكتب العلمية , بيروت , ط 1.
- شرح معاني الآثار: أحمد بن محمد بن سلامة أبو جعفر الطحاوي , تحقيق: محمد زهري النجار , دار الكتب العلمية , بيروت , ط 1.
- شرح منتهى الإرادات : الفقيه الحنبلي منصور بن يونس بن ادريس البهوتي , دار الفكر , بيروت , ط1.
- شعب الإيمان البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي, تحقيق: محمد سعيد زغلول, دار الكتب العلمية , بيروت , ط 1.
- صحيح ابن حبان : محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي , ترتيب ابن بلبان , تحقيق: شعيب الأرنؤوط , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط3 .
- صحيح ابن خزيمة : محمد بن إسحاق بن خزيمة أبو بكر النيسابوري , تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي , المكتب الإسلامي, بيروت ، ط 1 ,1390هـ - 1970م .
- صحيح ابن ماجه : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الاسلامي , بيروت , ط1 .
- صحيح أبي داود : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الاسلامي , بيروت , ط1 .
- صحيح أبي عوانه : يعقوب بن إسحاق الاسفرائيني , تحقيق: أيمن عارف الدمشقي , دار المعرفة , بيروت , ط 1 .
- صحيح البخاري : أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (الجامع الصحيح المسند المختصر من أحاديث رسول الله وسننه وأيامه ) بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي , بيت الأفكار الدولية للنشر , الرياض , 1419هـ , 1998م .
- صحيح الترغيب والترهيب : محمد ناصر الدين الألباني , مكتبة المعارف , الرياض , ط 5 .
- صحيح الترمذي : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الاسلامي , بيروت , ط1 .(1/135)
- صحيح النسائي : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الاسلامي , بيروت , ط1 .
- صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري , بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي , دار ابن رجب , فرع المنصورة , ط 1 .
- صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من التكبير إلى التسليم كأنك تراها : الألباني , مكتبة المعارف , الرياض , ط 2 من الجديدة .
- ضعيف الجامع الصغير وزيادته : محمد ناصر الدين الألباني , المكتب الإسلامي , بيروت , ط 3 .
- طبقات الشافعية الكبرى: تاج الدين السبكي , تحقيق: محمود محمد الطناجي و عبدالفتاح الحلو, مطبعة عيسى البابي الحلبي, القاهرة , ط 1 , 1964م .
- عمدة القارئ : للعلامة بدر الدين العيني , دار إحياء التراث العربي , بيروت , ط 1 .
- مجمع الزوائد الهيثمي : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي , دار الكتب العلمية , بيروت – لبنان , ط 3 .
- مسند أبو يعلى : أحمد بن علي أبو يعلى الموصلي التميمي , تحقيق:حسين سليم أسد , دار الثقافة العربية , ط 1.
- مسند الطيالسي : أبو داود سليمان بن داود الفارسي البصري الطيالسي , دار المعرفة , بيروت , ط 1 .
- مشكاة المصابيح : محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي , تحقيق الألباني , المكتب الإسلامي , ط 3 .
- مصنف ابن أبي شيبة : أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي , تحقيق: حمد بن عبدالله الجمعة , ومحمد بن ابراهيم اللحيدان , مكتبة الرشد , الرياض , ط 1 , 1425هـ - 2004م .
- مصنف عبد الرزاق : أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني, تحقيق: حبيب الرحمن الاعظمي , المكتب الإسلامي , ط 2.(1/136)