المحتويات
الموضوع
المقدمة 1-9
أبدأ بالحمد مصليا 10-13
وذي من أقسام 13-16
أولها الصحيح 16-22
يرويه عدل ضابط 23-29
والحسن المعروف طرقا 30 -39
وكل ما عن رتبة 39 – 46
وما اضيف للنبي 46- 54
والمسند المتصل الاسناد 55-56
وما بسمع كل راو يتصل 57-58
مسلسل قل ما على وصف 59 – 61
وقل غريب ما روى راو فقط 62-64
عزيز مروي اثنين 64-70
معنعن كعن سعيد 70-75
وكل ما قلت رجاله 76-82(1/1)
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، واشهد أن محمداً عبده ورسوله 0
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (آل عمران:102) ،
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (النساء:1) 0( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) (الأحزاب:71) .
وبعد
فإن علم الحديث ، علم عظيم القدر ، شريف المنزلة ، كيف لا وهو ثاني الوحيين ، واجل مصادر التشريع بعد القرآن الكريم ؛ ولهذا كثرت المصنفات في هذا العلم توضح رسمه ، وتكشف غامضه ، وتشرح مستبهمه ، بين مقل ، ومكثر ، ومتوسط ، وبين ناظم ، وشارح ، ومقيّد ، و مُنَكّت ، ومختَصِر 0(2/1)
وأول من فتح باب البحث والتدوين فيه ، ولم يسبقه غيره إليه ، الإمام الجليل العلم المجتهد الفقيه ، الأصولي ، الأديب اللغوي ، ناصر السُنة أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي القرشي ( 150 – 204 هـ ) في كتابه الجليل ( الرسالة الأصولية )(1) إذ ضمّنه مباحث دقيقة ونفيسة في علم الحديث : كالحديث الصحيح ، ، والتدليس ، وشروط الرواة ، ومفهوم العدالة ، وحجية خبر الواحد ، ورد الخبر المرسل والمنقطع وغيرها مما كتبه على غير مثال تقدمه (2)0
ثم ما زال الناس – أي الحفاظ والعلماء – يكتبون فيه مباحث مفردة ، أي في بعض أنواع هذا العلم كابن منده ، وأبي بكر البرديجي الحافظ ( ت 301هـ ) 0
ثم تلاهم أبو محمد الرامهرمزي في (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ) ، من غير استيعاب ، والإمام أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في ( معرفة علوم الحديث ) ، من غير تهذيب ولا ترتيب ، حتى وصل هذا الأمر إلى حافظ المشرق – بل حافظ الأمة – علّامة بغداد ومحدثها ومؤرخها أبي بكر احمد بن علي بن ثابت الشهير بالخطيب البغدادي ( ت 463 هـ ) ، الذي جمع أشتات هذا الفن ، من نصوص الأئمة ، وتطبيقاتهم ، ليكون هو المنفرد بتأصيل هذا الفن ، وضبطه ، وتقعيده ، في تصانيفه الكثيرة ، التي كادت تستوعب كل نوع مفرد من أنواعه ؛ ويُعد كتابه : ( الكفاية في معرفة أصول علم الرواية ) ، وكتابه ( الجامع لآداب الشيخ والسامع ) من أوعب كتب المتقدمين واجمعها ، بل عليهما جُل اعتماد المتأخرين 0
__________
(1) قال الشيخ العلامة المحدث أبو الأشبال احمد محمد شاكر )رحمه الله تعالى( : " هو – أي الرسالة – أول كتاب ألف في أصول الفقه ، بل في أصول الحديث ، أيضا " 0 ينظر : مقدمته للرسالة ص : 13 0
(2) ينظر : نظرات جديدة في علوم الحديث ، د 0 حمزة عبد الله المليباري ص : 58 0(2/2)
قال الحافظ ابن حجر)رحمه الله تعالى( : " وقلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً ، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة )رحمه الله تعالى( ( ت 629 هـ ) : " كل من أنصف عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيالٌ على كتبه "(1) 0
__________
(1) نزهة النظر – ابن حجر - ، ت علي الحلبي ص : 48 0 وكلام الحافظ ابن نقطة في كتابه : ( التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد ) 1 / 170 0 تنبيه : ذكر الشيخ محمود الطحان في كتابه ( الحافظ الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث ص : 481 – 486) أن الحافظ ابن الصلاح كان عالة على كتب الخطيب عامة ، وكتابيه الكفاية والجامع خاصة 0 فارجع إليه لتر الموازنة بينهما بالأدلة والشواهد 0(2/3)
ثم جاء بعده القاضي أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي )رحمه الله تعالى( ( ت 544 هـ ) فألف كتاباً لطيفاً أسماه : (الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع ) وهو مهم مفيد جداً في بابه ولا سيما مباحث التحمل والأداء ، إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصّلاح عبد الرحمن الشهرزوري )رحمه الله تعالى( نزيل دمشق ( ت 643 هـ ) ، فاعتنى بتصانيف الخطيب البغدادي ، فجمع شتات مقاصدها ، وضم إليها من غيرها نخب وفوائد ، فاجتمع في كتابه (1) ما تفرق في غيره لهذا عكف الناس عليه ، فلا يُحصى كم ناظم له ، ومختصر ، ومستدرك عليه ، ومعارض له ومنتصر" (2) 0
قلتُ : فكل من جاء بعد ابن الصلاح محرِّراً ، أو مقرِّراً ، أو مقيِّداً ، أو ناظماً ، فإن لابن الصلاح عليه مِنة ، لأن الناس اصبحوا عيالاً على كتابه ( معرفة علوم الحديث ) 0
__________
(1) معرفة أنواع علوم الحديث ) أو (علوم الحديث ) أو ( مقدمة في علوم الحديث ) أو ( المقدمة ) 0 فائدة : شهرزور ، قال العلامة السمعاني في كتابه ( الأنساب 3/ 473 ) : " شهرزور بفتح الشين المعجمة ، وسكون الهاء ، وضم الراء ، والزاي ، وفي آخرها راء . هذه النسبة إلى " شهرزور " وهي بلدة بين الموصل وزنجان ، بناها زور بن الضحاك ، فقيل " شهرزور " يعني : بلد زور" ونحوه في ( لب اللباب ، للحافظ السيوطي ص : 158 ) 0وقال ياقوت الحموي في( معجم البلدان 3 /375 ) : " شهرزور : بالفتح ثم السكون ، وراء مفتوحة بعدها زاي ، وواو ساكنة ، وراء ، كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان أحدثها زور بن الضحاك ، ومعنى شهر بالفارسية المدينة ، وأهل هذه النواحي كلهم أكراد " 0
(2) نزهة النظر ص : 50 – 51 0(2/4)
وممن عُنى بكتاب ابن الصلاح نظماً ( شعراً ) الحافظ زين الدين أبو الفضل احمد الحسين العراقي ( ت 806 هـ ) في ألفيته المشهورة ، والحافظ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ ) في ألفيته التي ضارع فيها ألفية الحافظ العراقي ، وقد شرح كل واحد منهما ألفيته ، ورب الدار أعلم بما فيها ، كما تصدى لشرحهما كثير من الحفاظ المتأخرين 0
ومن المنظومات اللطيفة في علم الحديث الشريف ( المنظومة البيقونية ) للشيخ عمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي الشافعي ( ت 1080 هـ ) 0 ضمّنها المهمات من أنواع علوم الحديث، والتي يحتاج إليها الطالب المبتدئ ، وقد بسط الله تعالى لها القبول والرضى ، فكتب عليها طائفة من أهل العلم الأبحاث العديدة شرحاً ، وتقريراً ، وتحشية ، منهم لا على سبيل الحصر والاستقصاء :
1- العلامة الحافظ محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني الشافعي ( ت 1122 هـ ) ويعد شرحه هذا من أهم شروحها (1) 0
2- ووضع تلميذه العلامة الشيخ عطية بن عطية الأجهوري الضرير (ت 1190 هـ ) حاشية على هذا الشرح 0
3- وشرحها العلامة عبد القادر بن جلال الدين المحلي الشافعي ، الذي كان حياً سنة ( 1065 هـ ) وسماها " فتح القادر المعين بشرح منظومة البيقوني في علم الحديث " 0
4- وشرحها العلامة شهاب الدين أبو العباس احمد بن محمد الحسيني الحموي الحنفي المصري ( ت 1098 هـ ) وسماه " التذييل والتكميل " 0
5 - وشرحها العلامة شمس الدين محمد بن محمد البديري الدمياطي المشهور بابن الميت ( ت 1140 هـ ) بشرح سماه " صفوة الملح بشرح البيقونية في المصطلح " 0
6- وللعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سلمان بن يحيى الأهدل ( ت 1250 هـ ) حواش عليها 0
7- ولعلامة الشام ومحدثها الشيخ محمد بدر الدين بن يوسف المدني الدمشقي ( ت 1354 هـ )شرح عليها اسمه " الدرر البهية في شرح المنظومة البيقونية " 0
__________
(1) شرح البيقونية ، عبد الله سراج الدين ص : 13 0(2/5)
8- وللشيخ محمد بن خليفة بن حمد النبهاني الطائي المكي المالكي ( ت 1369 هـ ) شرح عليها أيضا اسمه " النخبة النبهانية " 0
9- وللعلامة الشيخ حسن محمد المشاط( رحمه الله تعالى )"التقريرات السنية شرح المنظومة البيقونية " إلا أنها موجزة جداً 0
10- وللشيخ عبد الله سراج الدين الحلبي – رحمه الله تعالى – شرح لطيف عليها ، وعوّل في هذا الشرح على النزهة للحافظ ابن حجر ، وتدريب الراوي للسيوطي ، وفتح المغيث للسخاوي ، وهو من الشروح الجيدة للمنظومة 0
11- وللشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين )رحمه الله تعالى( ( ت 1421 هـ ) شرح لطيف عليها ، سهل العبارة ، ضمنه أمثلة تطبيقية ، لمختلف أنواع علوم الحديث ، وهو مطبوع متداول مشهور0
12- وللشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (حفظه الله تعالى)شرح لطيف عليها ، ضمّنه فوائد متنوعة من فوائد الفن ، وهو مطبوع أيضا ، واسمه " الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية " 0
13 – كشف الظنون والدرالمصون بشرح متن البيقون ، للشيخ مصطفى بن ملا محمد الكردي ، مازال مخطوطا في دارالمخطوطات ببغداد 0
شرح البيقونية في مصطلح الحديث للسيد محمد عثمان بن محمد المكي الميرغني ( ت1268 هـ )
شرح البيقونية في مصطلح الحديث للشيخ حسن بن غالي الأزهري المالكي الحداوي المصري ( ت 1202هـ ) 0
التحفة الزينية في شرح المنظومة البيقونية ، للشيخ زين بن احمد بن زين الصياد المرصفي الازهري الشافعي ( ت 130هـ ) 0
شرح البيقونية للشيخ عبد الغني بن محمد السوداني البرهاني المالكي ( ت 1151هـ ) 0
شرح البيقونية للشيخ محمد بن معدان الحاجري الشهير بمحمد جاد المولى الفقيه الشافعي ( ت 1228 هـ ) 0
حاشية على متن البيقونية لمحمود بن محمد بن عبد الدائم نشابة الطرابلسي الشامي ( ت 1308 هـ ) وهي مطبوعة 0(2/6)
الكواكب النورانية على البيقونية للعلامة عبد الله بن علي بن عبد الرحمن الازبكي المصري الشافعي الملقب بالصغير والمعروف بسويدان ( ت 1234 هـ)0
شرح البيقونية للفقيه الأصولي النحوي علي بن محمد بن عامر النجار المصري الشافعي ( ت 1351 هـ) 0
حاشية على شرح البيقونية لمصطفى بن علي البلتاني ( كان حيا سنة 1249 هـ) 0
شرح للشيخ العلامة الأثري السيد أبي الطيب صديق بن حسن خان القنوجي البخاري الهندي ( ت 1307 هـ ) سماه " العرجون في شرح البيقون " 0
وللشيخ علي بن حسن بن علي الحلبي الأثري ( حفظه الله تعالى ) شرح عليها ، لم يُطبع لحد الآن – فيما اعلم (1)– وبإمكانك الرجوع إليه من خلال الأقراص المدمجة ، الدورة الأولى لمركز الإمام الألباني ( رحمه الله تعالى) (2) 0
وهذا الشرح الذي بين يديك ، إنما هو ثمرة من ثمرات التواصل العلمي بأسلافنا من أهل العلم ، وحسنة من حسنات أولئك الاماجد ، فلعل الله يفتح علينا ، بجودة الترتيب ، أو حسن التنسيق ، أو جمع المتناثر ، وضم الفوائد بعضها إلى بعض ، مؤيداً ذلك بالأمثلة التوضيحية ، ومن الله استمد العون والتوفيق 0
تنبيه : لا يُعرف للمنظومة البيقونية إسناد يتصل بالناظم ، ولكن الشهرة مغنية عن الإسناد 0
__________
(1) ثم رأيته مطبوعا بعد ذلك ، والحمد لله رب العالمين 0
(2) ينظر : الثمرات الجنية ، ص : 10-11 ، مخطوطات الحديث النبوي الشريف وعلومه في دار المخطوطات ، أسامة ناصر ص : 191 و231 ، معجم المؤلفين ،عمر كحالة 4/199 و 5/44و 6/89و287 و 7/205 و 9/287 و10/124و286 و12/40و 197 و 266 ، الأعلام ، خيرالدين الزركلي 1/239 و3/63و4/34و238و5/64و 6/116-117 و184 و7/105و158و186 ، معجم المطبوعات العربية ، اليان سركيس 1/366و619و 967 ، هدية العارفين ، إسماعيل باشا البغدادي 1/300 و665 و 2/319 و 373 ، إيضاح المكنون ، إسماعيل باشا البغدادي 1/208 ، مقدمة تحفة الأحوذي1/227 0(2/7)
أسال الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يفتح علينا بالعلم النافع والعمل الصالح المتقبل وان يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم انه ولي ذلك والقادر عليه 0
متن المنظومة البيقونية
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ بالحمد مصليا على محمد خير نبي أرسلا
وذي من أقسام الحديث عده وكل واحد أتى وحده
أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل
يرويه عدل ضابط عن مثله معتمد في ضبطه ونقله
والحسن المعروف طرقا وغدت رجاله لا كالصحيح اشتهرت
وكل ما عن رتبة الحسن قصر فهو الضعيف وهو أقساما كثر
وما أضيف للنبي المرفوع وما لتابع هو المقطوع
والمسند المتصل الإسناد من راويه حتى المصطفى ولم يبن
وما بسمع كل راو يتصل إسناده للمصطفى فالمتصل
مسلسل قل ما على وصف أتى مثل أما والله أنباني الفتى
كذاك قد حدثنيه قائما أو بعد أن حدثني تبسما
عزيز مروي اثنين أو ثلاثة مشهور مروي فوق ما ثلاثة
معنعن كعن سعيد عن كرم ومبهم ما فيه راو لم يسم
وكل ما قلت رجاله علا وضده ذاك الذي قد نزلا
وما أضفته إلى الأصحاب من قول وفعل فهو موقوف وكن
ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط
وكل ما لم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال
والمعضل الساقط منه اثنان وما أتى مدلسا نوعان
الأول الإسقاط للشيخ وأن ينقل عمن فوقه بعن وأن
والثان لا يسقطه لكن يصف أوصافه بما به لا ينعرف
وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا
إبدال راو ما براو قسم وقلب إسناد لمتن قسم
والفرد ما قيدته بثقة أو جمع أو قصر على رواية
وما بعلة غموض أو خفا معلل عندهم قد عرفا
وذو اختلاف سند أو متن مضطرب عند أهيل الفن
والمدرجات في الحديث ما أتت من بعض ألفاظ الرواة اتصلت
وما روى كل قرين عن أخه مدبج فاعرفه حقا وانتخه
متفق لفظا وخطا متفق وضده فيما ذكرنا المفترق
مؤتلف متقق الخط فقط وضده مختلف فاخش الغلط
والمنكر الفرد به راو غدا تعديله لا يحمل التفردا(2/8)
متروكه ما واحد به انفرد وأجمعوا لضعفه فهو كرد
والكذب المختلق المصنوع على النبي فذلك الموضوع
وقد أتت كالجوهر المكنون سميتها منظومة البيقوني
فوق الثلاثين بأربع أتت أبياتها تمت بخير ختمت
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الناظم )رحمه الله تعالى( :
أبدأ بالحمدِ مُصلِّياً علىْ محمَّدٍ خيرِ نبيٍ أُرسِلا
ابتدأ المصنف نظمه بحمد الله تبارك وتعالى إقتداءً بالوحيين القرآن والسُنة ، فمن القرآن الكريم قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (الفاتحة:2) 0
واما من السُنة فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستفتح كلامه بما يسمى ( خطبة الحاجة ) التي أولها : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه000 ) (1) 0
__________
(1) ينظر : سنن أبي داود رقم ( 2118 ) ، وسنن ابن ماجة ( 1892) وسنن النسائي ( 1404) ، السنة ، ابن أبي عاصم ( 255 ) ، مشكاة المصابيح ( 3149 ) كلها بترقيم محدث العصر الألباني )رحمه الله تعالى( ولمزيد من الفائدة يُراجع : خطبة الحاجة له أيضا 0 والحديث صحح أسانيده الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 6/ 160) و الأذكار ( ص : 282 ) 0 وقد أخرجه أيضا الإمام احمد في المسند 1/392 و432 ، والإمام الدارمي في سننه ( 2/142 ) والإمام أبو داود الطيالسي في مسنده ( ص 45 ) والحاكم في المستدرك على الصحيحين ( 2/ 182 ) ، والبيهقي في سننه الكبرى ( 3/214 ) ، وأبو يعلى في مسنده ( 9/ 150 – 151 و 168 و 13/ 186 ) ، والطبراني في كتبه : الدعاء ( ص : 289 ) ، والمعجم الأوسط ( 3/42 و8/32) والمعجم الكبير (10/212 ) ، وعبد الرزاق في المصنف ( 11/162 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 3/443 ) وغيرهم 0(2/9)
قال العلامة محمد حياة السندي )رحمه الله تعالى( : " قوله : (خطبة الحاجة) : الظاهر عموم الحاجة للنكاح وغيره فينبغي للإنسان أن يأتي بهذا ليستعين به على قضائها وتمامها 0 ولذلك قال الشافعي الخطبة سنة في أول العقود كلها مثل البيع والنكاح وغيرهما والحاجة إشارة إليها " (1) 0
وقال العلامة المحدث الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني ) رحمه الله تعالى ( : " وكان السلف يفتتحون بها خطبهم في دروسهم وكتبهم " (2) 0
والحمد معناه : الثناء على الله بصفات الكمال ، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل ، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه (3) 0
ثم ثنى بالصلاة على النبي المبعوث رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم - إقتداء بالتنزيل : لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب:56) 0
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي )رحمه الله تعالى( في تفسير هذه الآية :" إقتداءً بالله وملائكته ، وجزاءً له على بعض حقوقه عليكم ، وتكميلاً لإيمانكم ، وتعظيماً له- صلى الله عليه وسلم - ، ومحبة وإكراماً ، وزيادة في حسناتكم ، وتكفيراً عن سيئاتكم 000 وهذا الأمر في الصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الأوقات ، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة " (4) 0
ولقوله- صلى الله عليه وسلم - :( اللهم صلّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم 000 ) الحديث (5) 0
__________
(1) في حاشيته على سنن النسائي ( 3/105 ) ، ونحوه في عون المعبود (6/11) 0
(2) تمام المنة ص: 9 0
(3) تفسير السعدي ص : 27 0
(4) تفسير السعدي ص : 939 ، وقد أجاد وأفاد الحافظ المفسر أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 771 هـ ) في تفسيره لهذه الآية 3 / 684 – 700 فارجع إليه فإنه مهم 0
(5) إرواء الغليل رقم ( 320) 0(2/10)
وفي فضل الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم - يُراجع : فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - للقاضي إسماعيل الجهضمي ( ت 282هـ) ، وفضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر بن أبي عاصم (ت 287 هـ ) ، وجلاء الأفهام ، للإمام الرباني ابن قيم الجوزية ( ت 751 هـ ) رحمه الله تعالى ، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ، للحافظ السخاوي ( ت 902 هـ ) ، وغيرها 0
ولم يذكر الناظم ( رحمه الله تعالى ) الصلاة على الآل الأطهار ، والصحابة الأخيار وعلى ذلك مشى اثنان من الناظمين هما : الحافظ أبو الفضل احمد بن الحسين العراقي ( ت 806 هـ ) ، والحافظ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ ) رحمهما الله تعالى ، ولو أتوا بها لكان أجود 0
وقد أتى بها الإمام الصنعاني في نظمه لنخبة الفكر المسمى قصب السكر فقال :
حمداَ لمن يُسندُ كلُّ حمدِ إليه مرفوعاَ بغيرِ عدِّ
متصلٌ ليس له انقطاعُ ما فيه كذابٌ ولا وضاعُ
ثم صلاةُ اللهِ تغشى أحمدا وآلَه وصحبَه أهلَ الهدى (1)
وفي هذه المسالة بحث فقهي يُراجع في مظانه (2) 0
وقوله : خير نبيٍ أُرسلا
__________
(1) قصب السكر ، الصنعاني ص : 5 0
(2) ينظر : شرح مسلم ، النووي 4/ 124 – 128 ، جلاء الأفهام ، ابن القيم ص ، 271-290 ، فتح الباري 11/ 130 – 140 ، عون المعبود 3/ 185 – 190 ، الأذكار ص : 114 – 119 ، فيض القدير 4/ 270 ، تفسير القرطبي 14 / 233 – 237 ،فتح القدير ، الشوكاني 4/ 301 – 302 0(2/11)
جمع له النبوة والرسالة 0 والنبي هو رجل أوحي إليه بشرعٍ ولم يؤمر بتبليغه ، والرسول هو : من أوحي إليه بشرع ،وأُمر بتبليغه للناس 0 وخيرية النبي - صلى الله عليه وسلم - على إخوانه من الأنبياء والمرسلين ثابتة بالأحاديث الصحيحة الكثيرة منها قوله- صلى الله عليه وسلم - : ( أنا إمام الأنبياء ولا فخر ) (1) ، وكان من كمال تواضعه وأدبه ومعالي أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا تفضلوني 000) وكان يقول : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم 000 ) (2) 0
قال الناظم )رحمه الله تعالى(:
وذي منْ أقسامِ الحديثِ عِدّةْ وكلُّ واحدٍ أتى وحَدّهْ
الشرح :
( ذي ) اسم إشارة ، حُذفت هاء التنبيه منها ، أي : وهذه 0 ( من أقسام الحديث ) : ( من ) هنا تفيد التبعيض ، أي سنذكر لك هنا – إن شاء الله تعالى - بعضاً من أقسام الحديث الكثيرة المتعددة ، لا كلها ، لأن التفصيل إنما يحتاج إليه الطالب المنتهي ، أما الاختصار والإيجاز فيبتغيه الطالب المبتدئ، فهو اللائق بحاله،والمناسب لفهمه.
( الحديث ) :
في اللغة : الجديد ، وضده القديم ، والتحدث ، والتحديث ، والمحادثة والتحادث معروفات (3) 0
والمراد في اصطلاح أهل الشأن ( أهل الحديث ) : هو ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله ، أو فعله ، أو تقريره ، أو صفته الخَلقية ، أو الخُلقية (4) 0
__________
(1) صحيح الجامع الصغير رقم ( 781 و1468 و 1316 و 1319 ) مشكاة المصابيح ( 5768) ، صحيح الترغيب والترهيب ( 3641 و3543 ) 0
(2) صحيح الجامع الصغير رقم ( 7363 )، مشكاة المصابيح ( 4897) 0
(3) مختار الصحاح ص : 125 ، الخلاصة ، الطيبي ص : 30 0
(4) ينظر : قواعد في علوم الحديث ص : 24 0(2/12)
فالقول مثاله : إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ، رضا بما يصنع (1)
والفعل مثاله : كالوضوء ، ومناسك الحج ، وغير ذلك 0
وقد يشكل على البعض دخول الفعل في ( مفهوم الحديث ) باعتبار أن الحديث هو ( الكلام ) والكلام هو الأقوال فكيف تدخل الأفعال في الحديث ؟ 0
فالجواب : أن ذلك يسمى حديثاً باعتبار اللغة ، لا النحو ؛ ففي السنة من حديث كعب بن مالك : انه اختصم مع صاحبٍ له في دَيْن ، فارتفعت أصواتهما ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهما ، فقال بيده هكذا 0أي أشار بيده أن ضَعْ النصف من الدين 0 فأقام الفعل مقام القول (2) 0
والتقرير معناه : أن يُفعل بحضرته - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ، أو أن يفعل أحد شيئاً ثم يبلغه - صلى الله عليه وسلم - فيسكت ولا ينكره ، مع القدرة عليه ، أو أن يظهر عليه الرضا والاستبشار، وهو أعلى درجة من الذي قبله (3)0
ومثاله : لعب الحبشة في المسجد ، واكل الضب بين يديه ، وصلاة ركعتين قبل المغرب (4) 0
والصفة نوعان :
أ0 خَلْقية : وهي صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البدنية : كوجهه ، ورأسه ، ويده إلى غير ذلك 0
__________
(1) ينظر : السلسلة الصحيحة رقم ( 3397 ) سنن أبي داود ( 3641 ) ، سنن ابن ماجة ( 223 و 226) ، سنن الترمذي ( 2682و 3535 و 3536 ) ، سنن النسائي ( 158 ) ، مشكاة المصابيح ( 212 ) ، صحيح الترغيب ( 70و 71 و 85 ) ، صحيح الجامع ( 734 ) 0
(2) و له أمثلة يطول تتبعها منها في : سنن أبي داود ( 1905 و 3281 ) ، ابن ماجة ( 3047) ، النسائي ( 1224 ) ، صحيح ابن خزيمة ( 1789 ) 0
(3) توجيه القاري ، حافظ ثناء الله الزاهدي ص : 90 0
(4) فائدة : صلاة ركعتين سنة المغرب القبلية ثابتة بالقول والفعل والتقرير 0 ينظر : سبل السلام 2/5 ، نيل الأوطار 1/407 0(2/13)
ب0 وهي ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من محاسن الصفات ، وكمال الآداب ، كيف لا وهو القائل : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " 0 وفي رواية : " صالح الأخلاق " 0
وقوله : ( عِدّة )
أي جملة معدودة منها لا كلها ، فالناظم أراد ذكر مهمات أنواع علوم الحديث ، ليقف عليها الطالب المبتدئ ، على طريقة السهولة والإيجاز ، لا على طريقة البسط والتوسع 0
وقوله : ( وكل واحدٍ أتى )
أي : وكل قسم نذكره لك ، لا نذكره لك إلا ببيانه وتوضيحه ، لان المقصود هو البيان لا مجرد الذكر ، ولذا قال : ( وَحَدَّه ) : أي مع حده ، والحد هو : التعريف ، والواو هنا تفيد المعية 0
ثم شرع في بيان هذه الأقسام واحداً واحداً ، مع بيانها وتعريفها ، مبتدأً بأجلها ، وأعلاها ، وهو الحديث الصحيح فقال :
أوَلُّها: الصحيحُ ، وهُوَ ما اتصلْ إسنادُهُ، ولم يَشِذَّ ، أو يُعَلْ
الحديث الصحيح
الصحيح في اللغة : السليم (1)، وكأن هذا المعنى اللغوي ، استعير في المعنى الاصطلاحي فاشترط السلامة في الرواة ، والسلامة من العلل المنافية للصحة 0 واليك البيان :
لكي يوصف الحديث بالصحة ، لابد أن تتوفر فيه شروط ، بعضها ثبوتية : أي يجب أن تكون موجودة فيه ، وبعضها سلبية : أي يجب أن تكون منقية عنه 0
فأول الشروط الثبوتية :
الاتصال : وهو أن يسمع(2) كل راوٍ ، ممن فوقه ، حتى يبلغ منتهاه ، سواء كان منتهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو المرفوع ، أو كان منتهاه الصحابي ( رضي الله عنهم أجمعين) وهو الموقوف ، أو كان منتهاه التابعي وهو المقطوع 0
وبذلك خرج كل ما يقدح في الاتصال وهو يشمل :
__________
(1) مختار الصحاح ص : 356 0
(2) تنبيه : ذكر السماع هنا من باب التمثيل لا الحصر ، وان كان السماع من أعلى مراتب التحمل ، وإلا فالمكاتبة والإعلام والوصية والوجادة والقراءة على الشيخ تقوم مقام السماع وينظر تفصيل هذه المصطلحات في : الإلماع ، القاضي عياض ص : 68-121 0(2/14)
1- المنقطع ، 2- المعضل ، 3- المعلق ، 4- المرسل ، 5- المرسل الخفي (1) ، 6- المُدَلس ( بفتح الدال المهملة ، واللام المضعّفة المفتوحة ) 7- المعنعن ، وهذه كلها تنافي الصحة 0
لأن معناها : أن هناك حلقة مفقودة من سلسلة الإسناد ، ولا يُدرى ما حال ذلك المفقود فيُرد الحديث بسببه (2) 0
وسيأتيك بيان هذه الاصطلاحات إن شاء الله تعالى عند مظانها ، بلّغنا الله إياها بمنه وفضله 0
والسند : هو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن ، ولم نقل : سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن ، وذلك مراعاة لوجود عدد كثير من النساء ممن لهن رواية للأحاديث النبوية (3)0
مثاله :
قال الإمام البخاري ( رحمه الله تعالى ) في الجامع الصحيح المختصر من أُمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه : حدثنا عبد الله بن الزبير الحُميدي ، ثنا سفيان الثوري ، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، ثنا محمد بن إبراهيم التيمي ، ثنا علقمة بن وقاص الليثي ، قال سمعت عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما الأعمال بالنية ، وانما لكل امرئٍ ما نوى 000 ) الحديث 0
فسلسلة الرواة تبدأ من الإمام البخاري ، وتنتهي بعمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) وهذا هو السند ، واما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( إنما الأعمال بالنيات ) فهو المتن 0
تنبيه :
قول الناظم : ( ما اتصل ) أطلقه ولم يقيده بشيء ، فلم يقل : اتصل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0 وهذا هو الصواب عند المحدثين 0
__________
(1) هو رواية المعاصر عمن عاصره ، ولم يلقه 0
(2) التأسيس د . عمر أبو بكر ص : 24 ،الخلاصة ص : 35 0
(3) ينظر : قواعد في علوم الحديث ص : 26 ، الخلاصة ص : 30 0(2/15)
قال الحافظ ابن كثير)رحمه الله تعالى( : " فحاصل حد الصحيح : انه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ، حتى ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو إلى منتهاه ، من صحابي أو من دونه (1) " 0
قوله : ( ولَمْ يَشِذَّ )
هذا أول الشروط السلبية ، التي ينبغي أن تكون منفية عن الحديث الصحيح 0
فالشاذ في اللغة هو : الغريب ، الفرد (2) 0
وفي الاصطلاح : رواية الثقة مخالفاً من هو أوثق منه ، أو جماعة من الثقات 0
وإن شئت قلت : الشاذ هو رواية المقبول مخالفا من هو أولى منه 0
فالمعتبر في الشذوذ أمران :
الأمر الأول : رواية الثقة ، وان شئت قلت : رواية المقبول 0
الأمر الثاني : المخالفة في الرواية ، أي أن الراوي المقبول يخالف من هو أولى منه سواء كان واحدا أم متعددا 0
فتُرد بذلك الرواية الشاذة ، ولا يُحتج بها وإن كان بعض أهل الحديث من يقول : إن من الحديث الصحيح ما هو شاذ ، وسيأتيك المثال التطبيقي للشذوذ في موضعه إن شاء الله تعالى (3) 0
فائدة :
تضمنت كتب العلل ، والتخريجات ، تطبيقات كثيرة للشذوذ ، الا انه لم يفرده أحد من المتقدمين ، والمتأخرين بمصنف مستقل ، مبني على التتبع والاستقراء إلا الشيخ عبد العزيز الغماري الطنجي المغربي الحسني الصوفي ، كما أفادنا بذلك بعض شيوخنا ، نفعنا الله تعالى بهم 0
والشرط الثاني من الشروط السلبية : هو سلامة الحديث من العلة 0
والعلة في اللغة هي : المرض (4) ، وهذا المعنى استُعير في المعنى الاصطلاحي فاشترط سلامة الحديث من كل ( مرض ) أو ( علة ) تؤذيه ، فتنزله عن مرتبة الصحة إلى غيرها 0
أما العلة في الاصطلاح :
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص : 23 0
(2) مختار الصحاح ص : 332 0
(3) انظر إن شئت : هدي الساري ص : 509و520 0
(4) مختار الصحاح ص : 451 0(2/16)
هي سبب خفي غامض ، يقدح في صحة الحديث ، مع أن الظاهر السلامة منه (1) 0
والخوض في العلل وتمييزها ، وبيانها ، لا يتكلم فيه إلا النقاد الأئمة ، الحفاظ ، الجهابذة ، الذين افنوا أعمارهم في ممارسة الحديث النبوي الشريف ، حتى اختلط بدمهم ولحمهم وأنفاسهم ، ولذا لم يتكلم في هذا الشأن إلا القليل من الأئمة ، مع السعة البالغة من المؤلفات في الحديث الشريف وأنواعه المختلفة 0
وكان للائمة نفس عجيب في تعليل الأحاديث النبوية (2) وذلك من خلال تتبع مرويات الراوي الواحد ، وعرضها على مرويات الثقات الاثبات المتقنين ليعرف حاله في موافقة الثقات أو مخالفتهم ، وما يقع في حديثه من الوهم ، والغلط والنسيان، ودخول حديث في حديث ، ونحو ذلك مما يعرض للراوي 0
ولذا نجد روح التعليل عند الحفاظ المتأخرين كالذهبي ، وابن حجر ، والزيلعي ، وابن عبد الهادي وأشباههم ، اقل بكثير عمن تقدمهم كالدارقطني ، وابن حبان ، وابن خُزيمة وطبقتهم ، وهؤلاء اقل من طبقة النُقاد ، وفرسان الشأن الذي تقدموهم كالإمام البخاري ، واحمد ، وابن المديني ، وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين ، وشعبة بن الجراح وأضرابهم ، ممن هم المعوّل عليهم في بيان أحوال الرجال ونقدهم 0
__________
(1) يراجع : مقدمة شرح علل الترمذي ، ابن رجب الحنبلي ، تحقيق : د . همام عبد الرحيم سعيد 1/16 – 23 0
(2) يُراجع : اختصار علوم الحديث ص : 61 – 67 مع شرحه الباعث الحثيث ، مقدمة شرح علل الترمذي 1/ 121 – 137 0(2/17)
ومن تحصيل الحاصل قولنا : إن المعاصرين هم أضعف نقدا وتعليلا من المتأخرين ، كالذهبي ، ومن جاء بعده ، وهم بالنسبة لمن تقدمهم أضعف نقدا ، وان كان المتأخر والمعاصر قد يقف على أشياء لم يقف عليها المتقدم ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم (1)0
ومما يدلك على خطر هذا العلم الجليل ، أن الجاهل يعده كهانة ، كما قال بعض الحفاظ : " معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل " (2) 0
وقال عبد الرحمن بن مهدي : " معرفة الحديث الهام ، قال ابن نمير : صدق ، لو قلت له : من أين ؟ لم يكن له جواب " (3) ، وقال ابن مهدي : " إنكارنا الحديث عند الجاهل كهانة " (4) 0
وليس معنى ذلك انه غير قائم على قواعد وأصول معينة يعلمها أهل الصنعة ، وإنما لدقة ذلك ولغموضه وخفائه ، فلا يتعرف عليه ، إلا الناقد الخبير ، ولا يكشف زيفه وبهرجه إلا الجهبذ الصيرفي البصير0
فائدة : الشذوذ نوع من أنواع العلة ، وليس كل علة شذوذاً ، أي أن بينهما عموم وخصوص 0
فالعلة : أمر خفي غامض ، لا يتعرف عليه إلا المتحقق بهذا الشأن ، أما ما تجده في كتب التعليل والتخريج من الإعلال بالعلل الظاهرة كالانقطاع ، والإرسال ، والكذب ، والوضع ، فهو من باب المسامحة ، باعتبار أنها تؤثر في سلامة الحديث وتخرجه من حد الاحتجاج والعمل به (5) 0
__________
(1) في بيان مفهوم المتقدمين والمتأخرين ينظر : الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ، د 0 حمزة عبد الله المليباري ص : 32 – 68 ، نظرات جديدة ص : 11- 15 0
(2) إختصار علوم الحديث ص : 61 0
(3) شرح علل الترمذي 1/ 470 0
(4) علل الحديث ، ابن أبي حاتم 1 /10وينظر : الحديث المعلول ص : 18-19 0
(5) شرح علل الترمذي 1/ 29 0 وانظر تتمة الكلام عليه في المعلل من هذا الشرح 0(2/18)
وقولنا : يقدح في صحة الحديث معناه : أن هناك عللاً تقع في الأحاديث النبوية ، ولكنها لا تُحدث أثراً على صحة الحديث ، ويبقى الحديث كما كان أولا ؛ كأن يروي أحد الرواة حديثا عن راوٍ من الثقات ، ولكنه اخطأ فيه فأنه معروف عن أخيه مثلاً ، وهو ثقة أيضا ، وكلاهما من شيوخه ، فيبقي الحديث على وصف الصحة ، ولم تؤثر فيه هذه العلة 0
وقولنا : مع أن الظاهر السلامة منها 0
هذا قيدٌ مهم جداً ، لأن العلل التي نتحدث عنها إنما تقع على الثقات الاثبات الحفاظ المشهورين ، ولذلك يحكم غير الناقد على الرواية سنداً ومتناً بأنها صحيحة ، اغتراراً بظاهر الإسناد ، بينما الحافظ الناقد لا يغتر بذلك ، فلا يروج عليه الوهم ، أو الخطأ ، أو الانقلاب ، ونحو ذلك 0
ومما يزيد الأمر صعوبة بالغة ، انك تبحث في أحاديث أئمة أهل الحديث وفرسانه كمالك ، وسفيان ، وشعبة ، ويحيى بن معين ، واحمد بن حنبل ، والبخاري ، ومسلم ، وامثالهم من الجبال الراسيات في هذا العلم 0
قال الإمام مسلم بن الحجاج )رحمه الله تعالى( : " ومع ما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ ومراتبهم فيه ، فليس من ناقل خبر ، وحامل اثر ، من السلف الماضين إلى زماننا ، وان كان من احفظ الناس ، وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل إلا والغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله " (1)0
ومن شاء الوقوف على تفصيل لما تقدم ذكره ، فليرجع إلى ما كتبه الإمام الحافظ العلامة ابن رجب الحنبلي في شرحه الماتع على علل الترمذي (2) ، فانه قد شفى وكفى ، واتى بمجامع النصوص ، والنقول ، فارجع إليه فانه مما يُستفاد ، والله الموفق للصواب 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى) :
يرويه عدلٌ ضابطٌ عن مثلهِ مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونقْلهِِ
__________
(1) نقله عنه د 0 همام عبد الرحيم في مقدمة شرح العلل 1/ 26 – 27 0
(2) 1/ 93 – 115 من مقدمة المحقق ، بالإضافة إلى الكتاب كله 0(2/19)
تقدم لنا ذكر أحد الشروط الثبوتية ، وهو اتصال الإسناد ، وعاد الناظم (رحمه الله ) ، ليذكر لنا شرطين ثبوتيين آخرين هما : العدالة ، والضبط 0
أما العدالة : فهي مَلَكة نحمل صاحبها على التقوى ، واجتناب الادناس ، وما يخل بالمروءة عند الناس (1)0
والعدل : هو المسلم ، البالغ ، العاقل ، السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة 0
وقولنا : " عدل " احتراز عمن هو مستور العدالة أو فيه نوع جرح (2) 0
وهذا التعريف عام في الرجل والمرأة ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنما النساء شقائق الرجال ) (3) 0
وهذه تلاحظ عند الأداء لا التحمل ، ونعني بالأداء وقت نقل الرواية إلى الغير ، ونعني بالتحمل وقت سماع الرواية من شيوخه 0
توضيح مفردات التعريف :
1- الإسلام : فلا تُقبل رواية الكافر لقوله تعالى : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )(البقرة: من الآية282) وغير المسلم ليس من أهل الرضا قطعاً ، لأن الكفر اعظم موجبات العداء للدين وأهله 0
2- البلوغ : لأنه مناط تحمل المسؤولية ، والتزام الواجبات وترك المحظورات 0
3- العقل : لأنه لابد منه لحصول الصدق ، وضبط الكلام ، ولذا لا تُقبل رواية المجنون ،أي فاقد العقل0
__________
(1) قال العلامة طاهر الجزائري في توجيه النظر ص : 26 " من اصعب الأشياء الوقوف على رسم العدالة فضلا عن حدها وقد خاض العلماء في ذلك كثيرا فقال بعضهم 000 " فارجع إليه ص : 26 – 32 0
(2) الخلاصة ص : 35 0
(3) يُراجع : أسباب اختلاف المحدثين 1 / 67 0 وينظر تخريج الحديث في : الصحيحة ( 2863) ، سنن أبي داود ( 236 ) ، سنن الترمذي ( 113 ) ، صحيح الجامع ( 1983و 2333 ) 0 قال الحافظ في الفتح ( 1 / 222) : " والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خصَّ " ونحوه في : عون المعبود 1/ 275 ، فيض القدير 4/557 0(2/20)
4 - التقوى : وهي اجتناب الكبائر ، وترك الإصرار على الصغائر ، وذلك لأن ركوب الكبائر من الفسق ، وكذا الإصرار على الصغائر . يدل على ذلك قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات:6) وقوله تعالى : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ )(الطلاق: من الآية2) . وقوله تعالى : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ )(البقرة: من الآية282) وهذه الآيات وان كانت في الأموال ونحوها ، فان الرواية للحديث دين ، فهي اجدر من المال في أن يُشترط لها هذا الشرط 0
5- الاتصاف بالمروءة وترك ما يخل بها : وهو كل ما يحط من قدر الإنسان في العُرف الاجتماعي الصحيح ، مثل التبول في الطريق ، وكثرة السخرية والاستخفاف ، لأن من فعل ذلك كان قليل المبالاة ، فلا يؤمن عليه في نقل الحديث النبوي 0
فهذه الخصال إذا توفرت في الراوي عُرفت عدالته ، وكان صادقاً ، لأنها إذا اجتمعت في شخصٍ حملت صاحبها على الصدق وصرفته عن الكذب ، لما توفر فيه من الروادع الدينية والاجتماعية ، والنفسية مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسؤولية (1)0
تنبيهان :
1- قال ابن الصلاح في علوم الحديث (2) : " للصحابة بأسرهم خصيصة وهي انه لا يُسأل عن عدالة أحد منهم بل ذلك مفروغ منه ، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسُنة وإجماع من يُعتد به في الإجماع من الأمة " أ0 هـ كلامه0
فدع عنك تجهيلات أهل البدعة والمذمة وتلبيسات أهل الباطل ، وتمسك بهذا فإنك على صراط مستقيم 0
__________
(1) تدريب الراوي 1/ 300 ، منهج النقد في علوم الحديث ص : 79 – 80 0
(2) ص : 264 0(2/21)
2- تحت ما تقدم ( أي العدالة ) أبحاث موسعة ليس هذا موطن الكلام عليها : كرواية المبتدعة ، والصبي المميز ، والكاذب في حديث الناس وغيرها ، فليُنظر في مظانه من مطولات هذا الفن (1) 0
أما الضبط :
فهو الإتقان ، أي أن يروي الراوي الخبر كما سمعه من غير زيادة ، ولا نقصان ، ولا تغيير ، ولا تبديل ونحو ذلك ؛ والضبط له صورتان :
الصورة الأولى : ضبط الصدر ، وذلك أن يستحضر المحدث ( الراوي ) الرواية متى أرادها ، وهو الذي عبر عنه الناظم بقوله : ( معتمدُ في ضبطه ونقله ) 0
الصورة الثانية : ضبط الكتاب ، وذلك أن يحفظ كتابه ويصونه من أن تصل إليه يد عابث ، بالتغيير ، أو التبديل ، أو التصحيف والتحريف ، وهو الذي عبر عنه الناظم بقوله : ( ونقله ) 0
ويُضاف إلى الضبط : أن يكون عالماً بمعنى ما يرويه ، وبما يحيل المعنى عن المراد ، إن روى بالمعنى ،حتى يثق المطلع على روايته ، المتتبع لأحواله ، انه أدى الأمانة كما تحملها لم يُغيّر منها شيئا (2) 0
وتأمل قول الناظم : ( عدلُ ضابط عن مثله ) فإنه تنبيه مهم على أن الرواية لا تُقبل إلا من العدول بعضهم عن بعض ؛ واحترزاً أن يكون العدل غير متقن لما يرويه ، أو غير حافظ له قيده بالضبط ، وبذلك خرجت رواية المغفل عن حد الاحتجاج به ، لأنه لا يضبط الرواية ويخلط فيها ، فاستحق ترك روايته 0
فائدة :
__________
(1) نزهة النظر ص: 138 ، هدي الساري ص : 544 ، محاسن الاصطلاح ص : 232 ، المقنع 1/272 ، فتح المغيث 1/368 ، التدريب 1/331 ، أسباب اختلاف المحدثين 1 / 126 وما بعدها 0
(2) علوم الحديث ص : 94 ، الباعث الحثيث ص : 86 ، الخلاصة ص : 35 ، الإلماع ص : 173-182 0(2/22)
يعرف كون الراوي ضابطاً لروايته بمقياس دقيق وضعه أئمة الفن ، وهو ما قاله الحافظ ابن الصلاح (رحمه الله تعالى ): " أن نعتبر روايته برواية الثقات المعروفين بالضبط والإتقان ، فإن وجدنا روايته موافقة ، ولو من حيث المعنى لروايتهم ، أو موافقة لها في الأغلب ، والمخالفة نادرة ، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه "(1)0
والاعتبار المذكور هو عرض رواية الراوي وموازنتها على روايات غبره من أهل الثقة والتثبت ليتبين لنا مقدار الموافقة أو المخالفة ، وبالتالي وضع الوصف المناسب للراوي كقولنا : ثقة ، حجة ، ضعيف ، صدوق ، يهم ، وغيرها من الأوصاف اللائقة بهم ، والتي بنيت على التتبع الدقيق لمرويات الراوي0
فوائد تتعلق بالحديث الصحيح :
1- أول من اعتنى بجمع الصحيح الإمام البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي ( ت 256 هـ ) ، ثم تلاه صاحبه وتلميذه وخريجه الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري ( ت 261 هـ ) ، وهما اصح كتب الحديث ، والبخاري اصح وأرجح من مسلم في الجملة ، لا في كل حديث من أحاديثه (2) 0
__________
(1) علوم الحديث ص : 95 – 96 ، وينظر : إرواء الغليل 2/ 279 ، توجيه النظر ص : 32 ، الحديث المعلول ص:27 0
(2) إختصار علوم الحديث ص : 25 – 26 ، نزهة النظر ص: 86 - 89 ، تدريب الراوي 1/ 91 –95 ، فتح المغيث ، السخاوي 1/ 45 ، هدي الساري ، ابن حجر ص: 12 – 13 ، قواعد في علوم الحديث ص : 65 – 67 ، قواعد التحديث ، القاسمي ص: 83 ، توضيح الأفكار ، الصنعاني 1/ 40 – 49 ، علوم الحديث ص : 13 – 17 ، النكت على ابن الصلاح ، ابن حجر 1/281 – 289، توجيه القاري ص : 35 ، الخلاصة ص : 36 0(2/23)
2- لم يقصد الإمامان البخاري ومسلم استيعاب الأحاديث الصحيحة ، ففي غيرهما من المصنفات الحديثية كالسنن الأربعة ، ومسند الإمام احمد ، وموطأ الإمام مالك ، وصحيح ابن حبان، وابن خزيمة ، ومستخرج أبي عوانة وأبي بكر الإسماعيلي ، والمنتقى لابن الجارود ، ومعجمي الطبراني الكبير والأوسط ، ومسند أبي يعلى والبزار وأبي داود الطيالسي ، وغيرها الكثير من الأحاديث الصحيحة (1) 0
3- الحديث الصحيح : يُفيد العلم والعمل ، سواء كان في أحد الصحيحين ، او فيهما معاً ، أو في غيرهما ، وهذا العلم اليقيني علم نظري برهاني ، لا يحصل إلا للعالم المتبحر في الحديث ، وهو ما يعتقده أهل السُنة والجماعة بناءً على الأدلة الصحيحة القاضية بذلك ، والله تعالى اعلم (2) 0
4- المعتمد عند أئمة الحديث انه لا يُحكم على سندٍ بأنه اصح الأسانيد مطلقاً ، ومنهم من قيده بالصحابي أو البلد ، وقد بسط الحافظ ابن الصلاح في ( معرفة أنواع الحديث ) الكلام فيه ثم تبعه عليه شرّاحه ومقيّدوه وناظموه0
5- من فوائد : ( اصح الأسانيد ) ، ترجيح من حُكم له بذلك من الأسانيد ، على غيره من التراجم التي لم توصف بذلك (3) 0
__________
(1) المصادر السابقة 0
(2) الباعث الحثيث ، أحمد محمد شاكر ص : 68 ، نظرات في أصول الفقه ، د 0 عمر سليمان الأشقر ص : 345 – 369 ، منهج الاستدلال على مسائل العقيدة عند أهل السُنة والجماعة ، عثمان علي حسن 1 / 115 – 129، أحاديث الصحيحين بين الظن واليقين ، حافظ ثناء الله الزاهدي ص : 6 –35 ، علوم الحديث ص : 12 ، اختصار علوم الحديث ص: 23 ، الباعث الحثيث ص: 23 – 25 : ألفية الحديث ، العراقي ص: 35 – 36 ، ألفية السيوطي ص : 7- 11 ، تدريب الراوي 1/ 77 – 86 و غيرها 0
(3) 0 فتح المغيث 1/38 – 39 ، تدريب الراوي 1/ 76 ، توضيح الأفكار 1/ 37 0(2/24)
6- من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في الحديث المقبول : الجيد ، والقوي ، والصالح ، والمعروف ، والمحفوظ ، والمجوّد ، والثابت ، والمشبَّه (1) 0
فالجودة يعبر بها عن الصحة ، إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة ، كان يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح ، فالوصف به انزل رتبة من الوصف بصحيح ، وكذا القوي 0
وأما الصالح فهو شامل للصحيح والحسن ، لصلاحيتهما للاحتجاج ، ويستعمل في ضعيف يصلح للاعتبار 0
وأما المعروف فهو مقابل المنكر ، والمحفوظ مقابل الشاذ ، والمجود والثابت يشملان الصحيح أيضا ، أما المشبه فانه يطلق على الحسن وما يقاربه ، فهو بالنسبة إليه كنسبة الجيد إلى الصحيح 0
قال الناظم ( رحمه الله تعالى ) :
والحسنُ المعروفُ طُرْقاً وَغَدَتْ رجالُهُ لا كالصحيحِ اشتهَرَتْ
أقول : بعد أن فرغ الناظم (رحمه الله تعالى ) من بيان الحديث الصحيح ، شرع في بيان الذي يليه في الرتبة ، وهو الحديث الحسن 0
قال العلامة الألباني )رحمه الله تعالى( : " وان مما ينبغي ذكره بهذه المناسبة ، أن الحديث الحسن لغيره وكذا الحسن لذاته ، من أدق علوم الحديث ، وأصعبها ، لأن مدارهما على من اختلف فيه العلماء من رواته ، ما بين موثق ومضعف ، فلا يتمكن من التوفيق بينها أو ترجيح قول على الأقوال الأخرى ، إلا من كان له علمٌ بأصول الحديث وقواعده ، ومعرفة قوية بعلم الجرح والتعديل ، ومارس ذلك عملياً " أ 0 هـ (2) 0
__________
(1) تدريب الراوي 1/ 177 – 178 ، قواعد في علوم الحديث ص : 116 – 117 ، منهج النقد ص : 273 – 274 0
(2) ارواء الغليل 3 / 363 0ونحوه في نزهة النظر ص: 91 هامش3 0(2/25)
فالحُسن في اللغة : هو الجمال ، وهو ضد القبح ونقيضه ، وهو ما حَسُنَ من كل شيء 0 (1)
أما في اصطلاح أهل الفن :
فالذي اختاره الناظم (رحمه الله تعالى )، أن الحسن : هو الحديث الذي عُرفت طرقه ، ولم تشتهر رجاله كرجال الصحيح ؛ وهذا التعريف سبقه إليه الإمام الخطابي )رحمه الله تعالى( ، ( ت 388 هـ ) وعليه فيه مؤاخذات (2) ، ليس هذا موضع التفصيل لها 0
والذي يظهر لي - والله تعالى اعلم - أن الناظم قد أشار ضمناً إلى نوعي الحسن أي : الحسن لذاته ، والحسن لغيره 0
أما الحسن لذاته : فما كان من طريق واحد ، لم يبلغ رواتها الدرجة العليا في الضبط والإتقان ، فإن انضم إليه طريق أخرى ، مثله أو أكثر من طريق بالوصف المتقدم ، نفعه ذلك وقوّاه ، ورفعه إلى درجة الصحيح لغيره 0
أما الحسن لغيره : فهو ما كان في أصله ضعيفاً ضَعفاً منجبراً ، فينفعه بذلك تعدد طرقه ، على أن لا يكون في أحد رواته ضعفٌ شديد ، يسقطه ذلك من درجة القبول في الشواهد ، والاعتبار به ، وهذا هو الذي ضمّنه قوله : ( المعروف طُرْقاً ) 0
__________
(1) مختار الصحاح ص : 136 – 137 ، وينظر : تقسيم الحديث ، د . ربيع بن هادي المدخلي ص : 8 ، مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة ، د . مرتضى الزين ص : 39 0
(2) معالم سنن أبي داود 1 /11 ، ونقله عنه ابن الصلاح في علوم الحديث ص : 26 ، وابن كثير في اختصار علوم الحديث ص : 37 ، والسخاوي في فتح المغيث 1 / 78 ، والنووي في التقريب 1/ 153 ، والسيوطي في تدريب الراوي 1/ 153 ، والحافظ في النكت على ابن الصلاح 1 / 404 ، والعراقي في شرح ألفيته ص : 32 – 33 ، والطيبي في الخلاصة ص : 38 و40 0(2/26)
أي عُرفت طرقه بالضعف ، وهذا الضعف يزول بتعدد الطرق ، ولذا اشترط في رواته أن يكون ضعفه ناشئاً من حفظ راويه ، مع كونه من أهل الصدق والديانة (1)0
فان كان الراوي متهما بالكذب ، أو مطعوناً في عدالته ، لم ينفع ذلك تقوية ولو جاء من مائة طريق (2)، وكذا يُشترط فيه أن لا يكون الإسناد شاذاً (3) 0
تنبيه :
فسر القاضي أبو بكر بن العربي المالكي : " مخرج الحديث بأن يكون من رواية راوٍ قد اشتهر برواية حديث أهل بلده ، كقتادة في البصريين ، وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين ، وعطاء في المكيين ، وامثالهم فإن حديث البصريين مثلاً إذا جاء عن قتادة ونحوه ، كان مخرجه معروفاً ، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذاً والله اعلم " (4) 0
مثال الحسن لذاته :
__________
(1) له تطبيقات موسعة في : مناهج المحدثين ص : 177 – 409 ، قواعد في علوم الحديث ص : 78 – 79 مع الهامش ، هدي الساري ص: 20و 23 و 54 0
(2) ينظر : النكت على ابن الصلاح 1/410 – 415 ، اختصار علوم الحديث ص : 39 – 40 ، قواعد في علوم الحديث ص : 78 ، قواعد التحديث ص : 102 ،الباعث الحثيث ص : 40 ، التأسيس ص : 227 ، منهج النقد ص : 271 ، مناهج المحدثين ص : 85 ، جواهر الأصول ص : 23 0
(3) النكت على ابن الصلاح 1 / 387 0
(4) النكت على ابن الصلاح 1 / 405 0(2/27)
قال الإمام احمد : ثنا يحيى بن سعيد ، عن بَهْز بن حكيم ، ثني أبي ، عن جدي ، قال : ( يا رسول الله من أَبَرُ ؟ قال : أمك . قال : قلت : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : قلت : ثم من ؟ قال : أمك ، ثم أباك ، ثم الأقرب فالأقرب ) (1)0
فهذا الحديث سنده متصل ، لا شذوذ فيه ولا علة قادحة ، حيث لم يقع في هذه السلسلة أي اختلاف بين الرواة ، ولا في المتن ؛ والإمام احمد وشيخه يحيى بن سعيد القطان ، إمامان جليلان ، وبهز بن حكيم من أهل الصدق والصيانة ، وثّقه علي بن المديني ، وابن معين ، والنسائي وغيرهم 0
إلا أن العلماء توقفوا في بعض رواياته ، فتكلم فيه شعبة بن الحجاج ، وهذا لا يسلبه صفة الضبط ، ولكنه يُشعر بأنه خف ضبطه 0ووالده حكيم : وثّقه العجلي ، وابن حبان ، وقال النسائي : ليس به بأس ؛ فيكون حديث بهز هذا حسناً لذاته ، بل هو من أعلى مراتب الحسن ، كما نص على ذلك الذهبي (2)0
مثال الحسن لغيره :
قال الإمام الترمذي : " ثنا علي بن حُجْر ، ثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عطية ، عن ابن عمر ، قال : ( صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر في السفر ركعتين ، وبعدها ركعتين ) قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسن " 0
__________
(1) مسند الإمام احمد 5 / 5 ، المعجم الأوسط ، الطبراني 4 /378 ، السنن الكبرى ، البيهقي 4/ 179 و 8/ 2 والحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم في المستدرك 4/150 ، وحسنه العلامة الألباني في : الإرواء ( 2170)، أبي داود ( 5139) ، الترمذي ( 1897) ، صحيح الأدب المفرد ( 3) ،مشكاة المصابيح ( 4929) ، صحيح الترغيب والترهيب ( 895) 0
(2) الموقظة : ص : 32 ، التأسيس في فن دراسة الأسانيد ص : 210 – 219 ، مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث ص: 57 – 65 ، منهج النقد ص : 265 ، قواعد في علوم الحديث ص : 72 – 73 0(2/28)
وقد رواه ابن أبي ليلى عن عطية ، ونافع عن ابن عمر : ثنا محمد بن عبيد المحاربي ، ثنا علي بن هاشم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطية ونافع ، عن ابن عمر قال : ( صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحضر والسفر ، فصليت معه في الحضر الظهر أربعا ، وبعدها ركعتين ، وصليت معه في السفر الظهر ركعتين 000 ) الحديث000 قال أبو عيسى : هذا حديثٌ حسن 0
فالحديث في إسناده الأول : الحجاج ، وهو ابن أرطأة ، قال فيه الحافظ في تقريب التهذيب(1) : " صدوق كثير الخطأ والتدليس " ؛ وفيه عطية وهو ابن سعد العوفي ، وهو مثل الأول 0
قال الحافظ في تقريب التهذيب (2) : " صدوق يخطئ كثيرا ، وكان شيعيا مدلسا " ، وكلا منهما لم يُتهم بالكذب ، ولم ينزل عن رتبة الاعتبار 0
وقد حسّن الترمذي حديثهما ، لأنه اعتضد بروايته من وجهٍ آخر ، وهذا الطريق الآخر فيه : عبد الرحمن بن آبي ليلى(3) ، وهو فقيه جليل ، تكلم فيه المحدثون من قبل حفظه ، فانه سيئ الحفظ ، إلا أن الحديث تُقوي بوروده من هذا الطريق ، لذا حسنه الترمذي (4) 0
__________
(1) تقريب التهذيب ص : 92 0
(2) ص : 333 0
(3) توجيه القاري ص : 270 0
(4) منهج النقد ص : 270 – 271 : ويُراجع لمزيد من الأمثلة والتطبيقات : النكت على ابن الصلاح 1/ 388 – 389 ، التأسيس ص : 229 – 237 0
تنبيه : الحديث المذكور ضعفه العلامة الألباني في : ضعيف الترمذي ( 551) ، المشكاة ( 1343) 0
فائدة : قال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي ( 3 / 84 – 85 ) : " قال الخطابي في المعالم كان مذهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وقال حماد بن سليمان يعيد من يصلي في السفر أربعا وقال مالك يعيد ما دام في الوقت انتهى وذهب إلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد قال النووي وأكثر العلماء وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس " 0(2/29)
فوائد تتعلق بالحديث الحسن :
1 – أول من استخدم مصطلح الحسن الإمام الترمذي (رحمه الله تعالى) ، وهو الذي شهر هذا المصطلح ونوّه به ، واكثر من ذكره ، ووضع له تعريفاً مشهوراً عند أهل الحديث ، وقد كان موجوداً في كلام المتقدمين : كشعبة بن الجراح ، وعلي بن المديني ، والشافعي ، واحمد بن حنبل ، وأبي حاتم الرازي وغيرهم ، لكنهم لا يعنون به الحسن الاصطلاحي ، وإنما يعرف ذلك بالقرائن المحيطة بكلامهم (1) 0
2- من المحدثين من لا يُفرق بين الصحيح والحسن ، كابن خُزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، البيهقي وغيرهم ، بل الحديث عندهم : صحيح وضعيف فقط ، والحسن داخل ضمن الصحيح ، وهو مقتضى كلام الإمام الحُميدي شيخ الإمام البخاري ، ومحمد بن يحيى الذُهلي ، وهو كذلك عند الإمام أحمد بن حنبل (2) 0
3- ذهب الفقهاء ، واكثر العلماء ، إلى أن الحسن كالصحيح في الاحتجاج به ، وإن كان دونه في القوة ، وشذ بعض أهل الحديث فرده (3)0
4- من مظان الحديث الحسن : سنن أبي داود السجستاني فإنه ذكر فيها الصحيح , وما يشبهه ، وما يقاربه ، وكذا الترمذي فإنه أصل في معرفة الحديث الحسن ، وكذا ابن ماجة ، ومسند الإمام احمد ، ومسند أبي يعلى الموصلي ، ونصَّ الإمام الدارقطني في سننه على كثير من الأحاديث الحِسان 0
__________
(1) تقسيم الحديث الحسن ، الشيخ العلامة الدكتور : ربيع بن هادي عمير المدخلي ص : 8 – 13 ، النكت على ابن الصلاح 1 / 424 – 429 ، مناهج المحدثين ص : 44 – 48 ، نظرات جديدة ص : 22 – 27 0
(2) قواعد في علوم الحديث ص : 78 ، النكت على ابن لصلاح 1 / 428 و479 و480 – 481 ، شرح ألفية العراقي ص : 37 ، علوم الحديث لابن الصلاح ص : 36 ، توجيه القاري ص: 163 0
(3) مقدمة تحفة الاحوذي 1 / 404 ، شرح ألفية العراقي ص : 41 ، علوم الحديث ص : 32 ، منهج النقد ص : 274 – 280 ، قواعد التحديث ص : 103 ، الخلاصة ص : 43 ، جواهر الأصول ، محمد بن علي الفارسي ص : 22 0(2/30)
5- نُقُول حسان في الأحاديث الحسان :
قال العلامة سراج الدين البلقيني (رحمه الله تعالى ): " ونوع الحسن لما توسط بين الصحيح والضعيف عند الناظر كأن شيئاً ينقدح في نفس الحافظ قد تقصر عبارته عنه كما قيل في الاستحسان ، فلذلك صعب تعريفه (1) 0
وقال الإمام ابن دقيق العيد ، والحافظ الذهبي : " وفي تحقيق معناه اضطراب " (2) 0
وقال الإمام الذهبي أيضا : " ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحِسان فيها ، فإنا على إياسٍ من ذلك ، فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن ؟ ، أو ضعيف ؟ أو صحيح ؟ بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد ، فيوماً يصفه بالصحة ، ويوماً يصفه بالحسن ، ولربما استضعفه " (3) 0
وقال الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( : " وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر لا في نفس الأمر ، عسر التعبير عنه وضبطه على كثير من أهل هذه الصناعة 0 وذلك لأنه أمر نسبي شيء ينقدح عند الحافظ ، ربما تقصر عبارته عنه " (4) 0
وقال محدث العصر الألباني : " واذا عرفت ذلك فاعلم ان تمييز احد النوعين عن الآخر – أي الحسن من الضعيف – هو من ادق علوم الحديث واصعبها ، وذلك لصعوبة تحديد نوع ضعف الراوي ، هل هو يسير فيكون حديثه حسنا ، او كثير فيكون حديثه ضعيفا " (5) 0
6- للإمام الترمذي في جامعه مصطلحات متعددة منها : حديث حسن صحيح غريب ، وحسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وغير ذلك ، وهذه المصطلحات أخذت جهداً كبيرا من العلماء في بيانها وشرحها ، ولكلٍ وجهةٌ هو موليها ، ولم يظهر لي رجحان قول من هذه الأقوال على غيره ، بل كلها ظنون لا يمكن الركون إليها والتسليم بها ، والله المستعان 0
__________
(1) محاسن الاصطلاح ص : 105 0
(2) الاقتراح ، ابن دقيق العيد ص : 102 ، الموقظة ،الذهبي ص : 28 0
(3) الموقظة ص : 28 0
(4) إختصار علوم الحديث ص : 37 ، وانظر : الخلاصة ص : 39 0
(5) نزهة النظر ص : 91 هامش 3 0(2/31)
7- إذا عارض الحديث الحسن حديثاً صحيحاَ ، فان الصحيح يُقدم عليه لوجهين هما :
الأول : أن الحسن يتقاصر عن الصحيح من حيث أن الصحيح قد ثبتت عدالة رواته ، وضبطهم ، وإتقانهم ، وليس كذلك رواة الحسن (1)0
الثاني : أن الحسن ليس مجمعاً على الاحتجاج به ، بل هو قول جمهور أهل العلم كما تقدم بيانه ، والصحيح يحتج به بلا خلاف ، نقل الاتفاق على ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) (رحمه الله تعالى ) (2) 0
8- للحديث الحسن تعريفات كثيرة ، ابلغها الحافظ السيوطي في شرح ألفيته خمسة عشر تعريفاً ، وعلى كل تعريف منها مناقشات يطول إيرادها ، تبين اضطراب العلماء في تعريفه ، والذي اختاره غالب المتأخرين هو ما نصَّ عليه الحافظ ابن حجر بأنه : " الحديث الذي اتصل سنده ، بنقل عدلٍ ، خف ضبطه ، غير شاذ ولا معلل " 0
وعلى هذا التعريف جرى جماعة من شُرّاح البيقونية : كالزرقاني ، وابن عثيمين ، وعبد الله سراج الدين ( رحمهم الله تعالى ) (3)0
قلت : وهذا عندي لا ينطبق إلا على الحسن لذاته ، فبقي الحسن لغيره لم يشمله التعريف ، والأصل في التعريف بيان حقيقة المعرَّف كله لا بعضه 0
ولو قلنا : الحديث الحسن هو : ما اتصل سنه بنقل العدل الذي خف ضبطه ، أو الضعيف ضعفاً منجبراً عن مثله إلى منتهاه ، وجاء من غير وجه ، مع السلامة من الشذوذ والعلة ، لكان افضل ، لأنه يشمل بذلك الحديث الحسن بنوعيه ، الحديث الحسن لذاته والحسن لغيره 0
وقد رأيت للحافظ ابن حجر كلاماً لطيفاً في تعريف الحديث الصحيح ، قال فيه بعد تطويل :
__________
(1) علوم الحديث ص : 29 0
(2) نزهة النظر ص : 75 0
(3) النزهة ص : 91 ، مقدمة تحفة الاحوذي 1 / 404 ، منهج النقد ص : 264 ، مناهج المحدثين ص : 39 – 41 ، شرح البيقونية ، عبد الله سراج الدين ص : 43 ، شرح البيقونية ، ابن عثيمين ص : 37 ، نظرات جديدة ص : 19– 22 0(2/32)
" الحديث الصحيح : ما اتصل بنقل العدل الضابط ، أو الذي خف ضبطه وجاء من غير وجه " ، وهذا مصير منه إلى أن المُعَرِف يجب أن يذكر حقيقة المُعَرَّف وماهيته ، ولما كان الصحيح نوعين ، لزم أن يُذكرا معاً 0
أقول : وكذلك الحديث الحسن نوعان ، فأحوج المُعَرِف أن يذكره بنوعيه ليكون التعريف جامعاً مانعاً ، ثم رأيت نحوا من هذا الكلام للإمام ابن دقيق العيد ، نقله عنه الحافظ السيوطي (1) والحمد لله تعالى على توفيقه 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
وكلُّ ما عنْ رتبةِ الحُسْنِ قَصُرْ فَهُوَ الضعيفُ وهُوَ أقسامٌ كَثرُْ
أقول :
ينقسم الحديث عند اكثر أهل الحديث إلى ثلاثة أقسام :
الحديث الصحيح ، وقد سبق بيانه 0
الحديث الحسن ، وقد سبق بيانه أيضا 0
الحديث الضعيف ، وهو ثالث الأقسام 0
قال الحافظ السيوطي في ألفيته (2) :
والأكثرون قسموا هذي السننْ إلى صحيحٍ وضعيفٍ وحسنْ
والضعيف :
لغة من الضعف خلاف القوة ، وهو بفتح الضاد وضمها لغتان مستعملتان في ضعف البدن ، وضعف الرأي والعقل (3)0
أما في الاصطلاح : فهو ما تقاصر عن درجة الحسن(4) ، كذا عبر عنه الناظم (رحمه الله تعالى )0 وقد مر بك أن الحسن هو : ما رواه العدل ، الضابط الذي قل ضبطه 000 الخ 0
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : " الضعيف هو ما لم تجتمع فيه صفات القبول " 0
وهو أجود من قول ابن الصلاح ومتابعيه :" أن الضعيف هو كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ، ولا صفات الحديث الحسن" (5) 0
فقد اعترض عليه :
__________
(1) ، تدريب الراوي 1/ 159 0
(2) ص : 5 ، وينظر : نظرات جديدة ص : 30 0
(3) مختار الصحاح ص:381 0
(4) قال التهانوي : " الضعيف ما لم يجمع صفة الحسن " ينظر : قواعد في علوم الحديث ص : 36 0
(5) النكت على ابن الصلاح 1/ 492 ، علوم الحديث ص : 37 ، تدريب الراوي 1/ 179، مناهج المحدثين ص : 69 - 70 ، الخلاصة ص : 44 0(2/33)
بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان اقصر ، لأن نفي صفات الحسن مستلزم لنفي صفات الصحيح 0
والذي يبدو لي أن قول الناظم البيقوني )رحمه الله تعالى ( ، متابعة منه للحافظ العراقي )رحمه الله تعالى ( في ألفيته المشهورة (1) التي نظم فيها ابن الصلاح فقال :
أما الضعيفُ فهو ما لم يبلغ مرتبة الحُسن، وإن بُسِطَ بُغيْ
تنبيه :
صفات القبول هي الشروط الواجب توفرها في الحديث الصحيح ، والحسن ، وهي :
اتصال السند 0
عدالة الرواة 0
السلامة من كثرة الخطأ والغفلة 0
مجيء الحديث من وجه آخر ، حيث كان في الإسناد مستور لم تُعرف أهليته ، وليس متهماً ، ولا كثير الغلط 0
السلامة من الشذوذ 0
6 - السلامة من العلة القادحة (2)0
فوائد :
من المسائل المهمة التي تدل على دقة نظر المحدثين في تطبيق أصول النقد قولهم : انه لا يلزم من ضعف السند ضعف المتن ، كما لا يلزم من صحة السند صحة المتن ، فقولهم : ضعيف الإسناد اسهل من قولهم : ضعيف ، لأن هذا حكم على سند مخصوص بالضعف ، وقولهم : حديث ضعيف معناه انه لا يصح له طريق بل كل طرقه مطعونٌ فيها (3) 0
ولم يتعرض الناظم ( رحمه الله تعالى ) إلى حكم رواية الحديث الضعيف ، فنورده هنا تتميما للفائدة فنقول :
__________
(1) ص : 47 0
(2) منهج النقد ص : 286 ، النكت 1 / 493 ، مناهج المحدثين ص : 72 0
(3) علوم الحديث ص : 92 ، منهج النقد ص : 290 ، قواعد في علوم الحديث ص 95 ، الباعث الحثيث ص : 84 ، قواعد التحديث ص : 121 ، النكت 1/ 494 ، تدريب الراوي 1 / 296 ، الرفع والتكميل ص : 189 0(2/34)
الصواب الذي عليه المحققون من أهل هذا العلم أن الحديث الضعيف لا يُعمل به مطلقاً ، لا في العقائد ، ولا في الأحكام ( أي الحلال والحرام ) ، ولا في الأخلاق ، ولا في الرقائق والمواعظ ، لأن ذلك كله من الدين ، والتعبد لا يكون إلا بما ثبت عن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا الذي ذكرناه هو قول البخاري ، ومسلم ، ويحيى بن معين ، وابن حزم ، وابن العربي ، وخلائق من الحفاظ المتقدمين ، والمتأخرين ، وهو الذي نُدين الله تعالى به ، لأن في السنة النبوية الصحيحة الثابتة النسبة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -غنية وكفاية عن الأحاديث الضعيفة (1) 0
وهناك من أهل هذا العلم من قال بجواز العمل بالحديث الضعيف ، إلا انهم وضعوا له ضوابط أربعة ، وهي :
1- أن لا يكون الضعف شديداً ، فيُخرِج من انفرد من الكذابين ، والمتهمين بالكذب ومن كثر غلطه 0
2- أن يندرج تحت اصل معمول به 0
3- أن لا يُعتقد عند العمل به ثبوته ، الاحتياط لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله 0
4- أن يكون في فضائل الأعمال والآداب ، والرقائق ، لا في العقائد ، وصفات الله تعالى ، والأحكام من الحلال والحرام ، والبيع والشراء ، والنكاح الطلاق ، وغير ذلك (2) 0
__________
(1) قواعد التحديث ص : 110 – 113 و 118 – 121 0
(2) علوم الحديث ص : 93 ، الأجوبة الفاضلة ، اللكنوي ص : 35 – 36 ، قواعد في علوم الحديث ص : 92 – 108 ، منهج النقد ص : 291 – 294 ، اختصار علوم الحديث ص : 84 الباعث الحثيث ص : 85 ، قواعد التحديث ص : 113 – 114 و 116 ، الخلاصة ص : 44 ، جواهر الأصول ص : 24 – 25 0(2/35)
قال العلامة المحدث الشيخ احمد محمد شاكر ( رحمه الله تعالى ) : " والذي أراه أن تبيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال ، لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه انه حديث صحيح ،وانه لا فرق بين الأحكام وفضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالراوية الضعيفة ، بل لا حُجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديثٍ صحيح أو حسن"(1).
و قول الناظم ( رحمه الله تعالى ) : ( وهو أقسام كَثرُ )
للحديث الضعيف أقسام كثيرة جداً ، أوصلها بعضهم وهو الشيخ محمد محمد السماحي المصري ( رحمه الله تعالى ) إلى ( 510 ) قسماً ، وذلك تعب ليس وراءه أرب ، لما في ذلك من التطويل الذي يوعر سبيل العلم ، ولا يجدي ثمرة زائد على المقصود ، ولذا صنفوها بحسب الأنواع الرئيسية ، فان منها ماله لقب معين كالمرسل ، والمنقطع ، والمعضل ، والمنكر ، والمعلل ، والمدلس ، والمضطرب ، والموضوع ، والشاذ ، والمقلوب ، والمضطرب ، وغيرها ، ومنها ما ليس له لقب معين (2)0
فوائد :
1- إذا تعددت روايات الضعيف ضعفاً شديداً فانه لا ينجبر بذلك ولا يتقوى بها ، بل لعلها تزيده وهناً إلى وهن ولنذكر لك مثالاً :
__________
(1) الباعث الحثيث ص : ص : 85 ، وينظر : تمام المنة ص : 32و 34-38 ، الروض الداني ص : 29 – 31 ،المقنع ، ابن الملقن1/104 ، التدريب 1/299 ، مقدمة صحيح الترغيب ، الألباني ص : 16 – 36 ، توجيه النظر ص : 293 – 298
(2) علوم الحديث ص : 37 – 38 ، تدريب الراوي 1 / 179 – 180 ، منهج النقد ص : 287 – 288 ، اختصار علوم الحديث ص : 43 0(2/36)
حديث : ( من حفظ على أمتي أربعين حديثاً، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ) 0 اتفقت كلمة الأئمة على تضعيفه ، وانه لا يثبت من طرقه شيء ، وهو قول جماعة الحفاظ : كالنووي ، وابن حجر ، وابن السكن ، والدارقطني ، والبيهقي ، وابن عساكر ، وعبد القادر الرّهاوي ، ورشيد الدين العطار ، والمنذري ، والذهبي ، وابن الجوزي ، مع أن للحديث خمسة وعشرين طريقاً (1) 0
قال الإمام النووي )رحمه الله تعالى( : " روينا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وانس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ( ) رضي الله تعالى عنهم (من طرق كثيرات بروايات متنوعات أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من حفظ000 الحديث 0 واتفق الحفاظ على انه حديث ضعيف وان كثرت طرقه " (2) 0
2- إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا وما أشبه ذلك من الألفاظ الجازمة بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك وإنما نقول فيه : روي عنه ، أو بلغنا ، أو ورد عنه ، أو جاء عنه ، أو روى بعضهم ، وما أشبه ذلك ، وهذا الحكم لما تشك في صحته وضعفه 0
وهذا مما يبين لك أن علماء الحديث يراعون الدقة التامة في نقل الأحاديث الضعيفة ، فضلاً عن الصحيحة (3) 0
__________
(1) النكت 1 /415 ، الروض الداني في الفوائد الحديثية ص : 28 – 29 ، تمام المنة ص : 31 ، الأربعين النووية ص : 6 ، مناهج المحدثين ص : 94 – 109 ، السلسلة الضعيفة 5 / 133 0
(2) شرح الأربعين النووية ، النووي ص : 6 ، وينظر : الالماع ، القاضي عياض ص : 17 – 23 مع الهامش 0
(3) علوم الحديث ص : 94 ، منهج النقد ص : 296 ، تمام المنة ص : 39 ، الروض الداني ص : 31 – 33 وغيرها 0(2/37)
3- قدّم بعض أهل الحديث منهم الإمام احمد بن حنبل الحديث الضعيف على رأي الرجال ( القياس )0 قال العلامة ابن علّان الصدِّيقي الشافعي )رحمه الله تعالى( : " وما نُقل عن الإمام احمد من العمل بالحديث الضعيف مطلقاً حيث لم يوجد غيره ، وانه خير من الرأي حُمِلَ الضعيف فيه على مقابل الصحيح على عرفه وعرف المتقدمين ، إذ الخبر عندهم صحيح وضعيف ، لأنه ضعف عن درجة الصحيح فيشمل الحسن ، واما الضعيف بالاصطلاح المشهور ، أي ما لم يجمع شروط القبول فليس مراداً ، وبه يندفع ما ذُكِرَ من الكلام عن الإمام" (1) 0
وليس أحد من الأئمة إلا وهو يوافقه على هذا الأصل من حيث الجملة ، فانه ما منهم من أحد من الأئمة أصحاب الفقه إلا وقد قّدم الحديث الضعيف على القياس (2) 0
أقول : وهذه المسألة يُلتمس تفصيلها في كتب أصول الفقه ، والله تعالى اعلم 0
4- هناك فرق بين الحديث الضعيف والمضعف :
فالأول ( الضعيف ) : لا يُحتج به في الأحكام وغيرها ( على تفصيل سبق إيراده قريبا ) 0
والثاني ( المضعف ) يُحتج به ، عند من يذهب إلى تقويته 0
__________
(1) الأجوبة الفاضلة ص : 470 ، علوم الحديث ص : 95 – 100 ، المدخل إلى مذهب الإمام احمد ، ابن بدران ص : 43 ، الرفع والتكميل ، اللكنوي ص : 75 0
(2) الأجوبة الفاضلة ص : 47 ، المدخل إلى مذهب الإمام احمد ص: 43 ، إعلام الموقعين ، ابن القيم 1 /34 ، الرفع والتكميل ص : 74 – 75 مع الهامش ، وينظر : قواعد في علوم الحديث ص: 128 – 131 لمزيد فائدة في الاحتجاج بقول الصحابي إن لم يكن في الباب سنة تدفعه 0(2/38)
فالمضعف ما لم يُجمع على ضعفه ، بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم ، وتقوية للبعض الآخر ، وهو أعلى من الضعيف ، وهذا النوع افرده ابن الجوزي ، والأولى ما درج عليه جمهور المحدثين من عدم إفراد هذا النوع (1)0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
وما أُضيفَ للنبيِ المرفوعُ وما لتابعٍ هُوَ المقطوعُ
وما أضِيْفَ إلى الأصحابِ منْ قولٍ وفعلٍ فهو موقوفٌ زُكِنْ
الحديث من حيث قائله ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- الحديث المرفوع 0
2- الحديث المقطوع 0
3- الحديث الموقوف 0
وهذا بيانها :
الحديث المرفوع : وهو: ما أضافه راويه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله أو فعله أو تقريره أو وصفه الخلقي أو الخُلقي ، صراحةً كان الرفع أو ضمناً ، متصلا كان أو منقطعا (2) 0
قال الإمام النووي )رحمه الله تعالى( : " المرفوع وهو ما أُضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة " (3)0
والرفع الصريح معناه واضح ، وهو أن يقول الراوي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحوه من الألفاظ المبينة أن الإضافة إليه - صلى الله عليه وسلم - (4) 0
__________
(1) قواعد في علوم الحديث ص : 108 ، منهج النقد ص : 298 –299 0فائدة : قال العلامة التهانوي )رحمه الله تعالى( في قواعد في علوم الحديث ص : 72 " إذا كان الحديث مختلفا فيه : صححه أو حسنه بعضهم وضعفه آخرون ، فهو حسن ، وكذا إذا كان الراوي مختلفا فيه : وثقه بعضهم ، وضعفه بعضهم ، فهو حسن الحديث " 0 ونحوه في ص : 75 – 77 0
(2) التدريب 1 / 184 ، الخلاصة ص : 46 ، جواهر الأصول ص : 28 0
(3) التقريب 1 / 183 0
(4) التدريب 1 / 185 – 194 ، شرح ألفية السيوطي ، أحمد محمد شاكر ص : 23 – 24 ، شرح ألفية العراقي 1 / 126 – 136 ، علوم الحديث ص : 46 0(2/39)
أما الرفع الضمني فله ألفاظ متعددة منها : ينميه ، يبلغ به ، رفعه ، رواية ، أُمرنا بكذا ، نُهينا عن كذا ، من السنة كذا ، لأن مطلق ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي ، ومن يجب إتباع سنته ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1) كما في حديث انس بن مالك ) رضي الله تعالى عنه ) : ( أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ) 0قال الترمذي : وحديث انس حديث حسن صحيح (2)0
قال الإمام النووي )رحمه الله تعالى( : " وقوله : " أمر بلال " هو بضم الهمزة وكسر الميم ، أي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين ، وشذ بعضهم فقال : هذا اللفظ وشبهه موقوف لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -هذا خطأ ، والصواب أنه مرفوع لان إطلاق ذلك إنما ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0 ومثل هذا اللفظ قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا أو أمر الناس بكذا ونحوه فكله مرفوع ، سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته والله أعلم " (3) 0
وقال الإمام الخطابي )رحمه الله تعالى( : " معناه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمره بذلك ، والأمر مضاف إليه دون غيره ، لأن الأمر المطلق في الشريعة لا يضاف إلا إليه " (4) 0
__________
(1) الخلاصة ص : 46 ، جواهر الأصول ص : 28 ، توجيه القاري ص : 177 0
(2) جامع الترمذي بشرح تحفة الاحوذي 1 / 576 ، وأخرجه : البخاري ومسلم ، أبو داود ( 508 ) ، ابن ماجة ( 729 و730) ، الترمذي ( 193 ) ، المسند 3/ 189 ، وينظر : الثمر المستطاب ، الألباني 1/ 211 0
(3) شرح مسلم ، النووي 4 / 78 ،ونحوه في علوم الحديث ص: 45 ، اختصار علوم الحديث ص : 46 ، الباعث الحثيث ص : 46 0
(4) كما في عون المعبود 2 / 141 0(2/40)
وحديث عمران بن حصين ) رضي الله تعالى عنه ) قال : ( نُهينا عن الكي ) 0 أخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح (1) 0
قال العلامة المباركفوري : " ( نهينا ) بصيغة المجهول ، وهو في حكم المرفوع ، كما تقرر في مقره ، أي نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (2) 0
وحديث علي ) رضي الله تعالى عنه (: ( من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً ، وان تأكل شيئاً قبل أن تخرج ) (3) 0
قال الشيخ العلامة المباركفوري )رحمه الله تعالى(: " هذا له حكم الرفع 0والحديث وإن كان ضعيفاً لكن ورد في هذا الباب أحاديث ضعاف أُخرى تؤيده " (4) 0
فوائد :
1- سمي المرفوع بهذا الاسم لارتفاع رتبته عن غيره 0
2- الحديث المرفوع يدخل فيه : الصحيح ، والحسن ، والضعيف ، والموضوع ، وغير ذلك بحسب استيفاء شروط القبول أو اختلالها 0
3 - الحديث المرفوع يشمل : الأحاديث المتصلة ، والأحاديث المقطوعة باختلاف صور الانقطاع 0
الحديث المقطوع
ويُجمع على المقاطع والمقاطيع (5)، والمقطوع من مباحث المتن (6)0
وهو ما أُضيف إلى التابعي سواء كان صغيراً أم كبيراً ، من قوله أو فعله ، أو تقريره 0
وإن شئت قلت : هو الموقوف على التابعي 0 والتابعي هو من لقي الصحابي (7) 0
قال الحافظ العراقي في ألفيته (8):
والتابع : اللاقي لمن قد صحبا وللخطيب حده : أن يصحبا
تنبيهات :
1- المقطوع منه ما هو صحيح ، وحسن ، وضعيف ، كما تقدم في المرفوع 0
__________
(1) جامع الترمذي بشرح تحفة الاحوذي 6 / 172 0
(2) تحفة الاحوذي 6/ 172 0
(3) تحفة الاحوذي 3 / 70 0
(4) تحفة الاحوذي 3 / 70 0
(5) علوم الحديث ص: 42 ، تقريب النووي 1/ 194 ، التدريب 1/ 194.
(6) نزهة النظر ص : 154 0
(7) علوم الحديث ص : 42 ، الخلاصة ص : 65 ، جواهر الأصول ص : 43 0
(8) ص : 162 0(2/41)
2- يطلق على الحديث المقطوع اسم الحديث الموقوف مقيداً ، كأن تقول : هذا حديث موقوف على سعيد بن جُبير ، فإن لم تذكر اسم التابعي فُهم انه موقوف على الصحابي ، لأنه هو الأصل في هذا الإطلاق 0
3 - الحديث المقطوع لا يُحتج به في إثبات شيء من الأحكام الشرعية(1) ، وإذا لحقت به قرينة تُفيد رفعه ، فيكون حكمه حكم المرفوع المرسل لسقوط الصحابي منه ، والمرسل لا يحتج به لضعفه عند أهل الحديث 0
4- من مصادر الحديث المقطوع ، وكذا الموقوف ، المصنفات ، لأنها تجمع كل ما ورد في الباب ومن اشهرها : مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ ) ، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة ( ت 235 هـ ) ، وفي تفسير الطبري ( ت 310 هـ ) المسمى : جامع البيان ، الكثير منه ،بل هو موسوعة لاثار السلف ، وكذلك في سنن سعيد بن منصور ، وتفسير ابن المنذر ، ومصنفات ابن أبي الدنيا ، وهي كثيرة جدا ، وفي الدر المنثور للحافظ السيوطي الكثير الكثير من هذه الاثار (2) 0
5 - أطلق الإمام الشافعي و الطبراني والدارقطني وأبو بكرالحميدي( رحمهم الله تعالى ) على المقطوع اسم المنقطع ، وهذا اصطلاح خاص بهم ، أو هو من باب التجوز والمسامحة ، أو أن ذلك كان قبل استقرار المصطلح ، وإلا فالمقطوع غير المنقطع ، لأن المقطوع من مباحث المتن ، والمنقطع من مباحث السند (3)0
__________
(1) الخلاصة ص : 65 0
(2) تدريب الراوي 1 / 195 0
(3) فتح الباقي ، زكريا الأنصاري 1 / 124 ، شرح ألفية السيوطي ص : 22، ألفية العراقي ص : 50 ، علوم الحديث ص : 43 ، النكت على ابن الصلاح 2 / 514 ، نزهة النظر ص : 54 ، تيسير مصطلح الحديث ، محمود الطحان ص : 99 ، تدريب الراوي 1 / 194 ، الخلاصة ص : 65 0(2/42)
6 – من فوائد معرفة التابعين : معرفة المرسل والمتصل من الحديث (1) 0لأن روايات التابعين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسلة ، فيحتاج إلى معرفة سماعهم من الصحابة الكرام ليحكم لها بالاتصال 0
الحديث الموقوف
ما أضافه الراوي إلى الصحابي قولاً كان أو فعلاً ، فهذا معروف باسم معين وهو: الموقوف ، وقول الناظم ( رحمه الله تعالى ) : ( زُكِنْ ) أي عُلِم 0
فالموقوف هو : ما أُضيف إلى الصحابة من أقوالهم ، و أفعالهم ، وتقريراتهم (2)0
وقلنا : التقرير في حين أن الناظم لم يذكر التقرير ، استدراكا عليه ، وما ذهب إليه الناظم هو قول طائفة من أهل الحديث ، أي أنهم لا يدخلون التقرير في مفهوم الحديث الموقوف (3) 0
تنبيهات :
1 - الصحابي : هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، مؤمناً به ، ومات على ذلك ، وإن تخلل ذلك ردة 0 وهذا أجود التعاريف ، وأصحها ، وأدقها ، وكل ما سوى ذلك من التعاريف لا يخلو من نقد أو اعتراض (4)0
__________
(1) علوم الحديث ص: 271 ، ألفية السيوطي ص : 150 0
(2) علوم الحديث ص : 41 ، تقريب النووي بشرحه تريب الراوي 1 / 184 ، الخلاصة ص : 64 ، جواهر الأصول ص :43 0
(3) علوم الحديث ص : 41 – 42 ، شرح ألفية العراقي 1 / 123 ، التدريب 1 / 184 0
(4) علم الرجال ص : 79 – 82 ، نزهة النظر بشرح لقط الدرر ص : 99 ، الإصابة ، ابن حجر 1 / 807 ، التقييد والإيضاح ص : 251 ، توجيه القاري ص : 213 0(2/43)
2- الصحابة محكوم بعدالتهم جميعاً ، وليس معنى العدالة العصمة ، كما يدندن بذلك طوائف من أهل البدع و الضلال (1) ، وانما المراد أن الله تعالى زكاهم ورضيهم ، وذكرهم بالثناء الحسن ، وهم كسائر الخلق ممن يقع منهم الخطأ ونحوه ، ولكن سابقة الهجرة والجهاد والقربات العظيمة تمحو عنهم اثر ذلك ، وليس لأحد عصمة سوى الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام 0
3- ما اتفق عليه الصحابة فهو إجماع ، وما قاله بعضهم ولم يُعرف له مخالف فهذا يسمى إجماع سكوتي ؛ وإيراده بحثاً وتفصيلاً في كتب أصول الفقه ، لا في كتب علوم الحديث (2)0
4- قول الصحابي وفعله في أمر لا مساغ للاجتهاد فيه كالغيبيات مثل أحوال الآخرة وقصص الماضين ، والمقادير الشرعية ، والمواقيت ، واسباب النزول ونحوه ، له حكم المرفوع (3) 0
5- الصحابة طبقات ومراتب متفاوتة بحسب السابقة والهجرة ، وليسوا في رتبة واحدة ، وإن كانت الصحبة تطلق عليهم جميعا ، فهم باعتبار الصحبة طبقة واحدة ، وباعتبار السابقة والاولية والهجرة وحضور المشاهد هم طبقات 0
6- من أهل العلم من يسمي الموقوف بالأثر ، والمرفوع بالخبر ، وعند المحدثين كل هذا يسمى أثرا ، لأنه مأخوذ من أثرت الحديث أي رويته (4) 0
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص: 165 - 166 ، علوم الحديث ص : 264 - 265 ، مجموع الفتاوى ، ابن تيمية 4 / 85 – 84 ، الإصابة 1 / 10 ، شرح العقيدة الطحاوية ، ابن أبي العز الحنفي 2 / 689 – 735 ، توجيه القاري ص : 214
(2) توجيه القاري ص : 115 – 116 0
(3) تدريب الراوي 1 / 193 – 194 ، علوم الحديث ص : 45 ، اختصار علوم الحديث ص : 46 ، الباعث الحثيث ص : 46 0
(4) التقريب 1 / 184 ، التدريب 1 / 185 ، علوم الحديث ص : 42 ، اختصار علوم الحديث ص : 45 ، النكت على ابن الصلاح 1/ 513 لقط الدرر شرح نزهة النظر ص : 105، قواعد في علوم الحديث ص : 25 ، الخلاصة ص : 64 0(2/44)
7- لأهل الحديث المصنفات الكثيرة الوفيرة في بيان أسماء الصحابة وطبقاتهم ، وذلك لأنهم خير هذه الأمة وقدوتها بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يكاد عصر من العصور إلا وفيه مصنف لهم ومن ذلك : معجم الصحابة ، لأبي الحسن عبد الباقي بن قانع ( ت 351 هـ ) ، معرفة الصحابة ، لأبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصفهاني ( ت 395 هـ ) ، معرفة الصحابة ، لأبي نعيم الأصفهاني ( ت 430 هـ ) ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ، ابن عبد البر القرطبي النمري ( ت 463 هـ ) ، أسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين بن الأثير الجزري ( ت 630 هـ ) ، تجريد أسماء الصحابة ، للحافظ الذهبي ، الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر ، وغيرها الكثير جداً ، مما يطول عده (1) 0
8- أُلفت في باب فضائل الصحابة كتبٌ منها : فضائل الصحابة ، للإمام احمد بن حنبل ( ت 241 هـ ) ، فضائل الصحابة ، للإمام النسائي ( ت 303 هـ ) ، فضائل الصحابة ، لخيثمة بن سليمان الاطرابلسي ( ت 343 هـ ) ، وفضائل الصحابة لأبي نعيم ( ت 430 هـ ) وغيرهم (2)، بالأضافة إلى ما تضمنته كتب السنة من بيان مآثرهم ومحاسنهم وفضائلهم ومناقبهم (رضي الله عن الجميع ) 0
__________
(1) ينظر : مقدمة تحفة الأحوذي 1/302 ، علم الرجال ص : 98 – 104 ، الرسالة المستطرفة ص : 136 0
(2) علم الرجال ص : 104 ، الرسالة المستطرفة ص : 58و105 ،الأعلام 1/116و2/225و326و4/67و145 و6/240 ، معجم المؤلفين 1/160و3/301و4/131و5/186 ، إيضاح المكنون 2/196 ، كشف الظنون 1/171و2/1276و1385و1712 ، هدية العارفين 1/2و78 و279و357 و460و 515و624 0(2/45)
واعلم رحمك الله أننا خالفنا الناظم في التقديم والتأخير ولم أرَ من شرّاح البيقونية من فعل ذلك سوى الشيخ عبد الله سراج الدين ( رحمه الله تعالى ) ، وكذلك استدرك عليه نظماً الشيخ عمر النشوي الأزهري في طراز البيقونية ، وهذا أجود في الترتيب واحسن في التنظيم ، بجمع القرين إلى قرينه ، والشبيه إلى شبيهه ، وبالله التوفيق 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
والمُسنَدُ المتصِلُ الإسنادِ منْ راويهِ حتى المصطفى ولم يَبِنْ
الحديث المسند :
هو ما اتصل سنده من راويه حتى يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير انقطاع 0
وقوله )رحمه الله تعالى(: ( ولم يبن ) أي لم ينقطع 0 وهذا هو الأكثر استعمالاً 0
قال الحاكم وغيره : لا يستعمل إلا في المرفوع المتصل 0 وهو ما جزم به الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر0 وبذلك خرج الحديث الموقوف والمقطوع من أن يكون مسنداً ، ولو اتصل إسنادهما ، ولا المنقطع ولو كان مرفوعاً (1) 0
وقد أطلق بعضهم المسند على ما رُفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، موصولاً كان أو غير موصول ، وهو ما ذهب إليه حافظ المغرب ابن عبد البر 0
ومنه قول الإمام الدارقطني في سعيد بن عبيدلله الثقفي : ليس بالقوي يُحدث بأحاديث يُسندها وغيره يوقفها (2) 0
فقوله يسندها أي : يرفعها (3) 0
تتمة : اطلاقات المسند :
__________
(1) الباعث الحثيث ص : 44 ، معرفة علوم الحديث ص : 17 ، الكفاية ، الخطيب البغدادي ص: 58 ، الاقتراح ص : 196 ، النكت على ابن الصلاح 1 / 507 ، لقط الدرر ص : 105 ، اختصار علوم الحديث ص : 44 ، التقريب مع التدريب 1/ 182 0
(2) سؤالات الحاكم للدارقطني ص : 215 ، هدي الساري ص : 570 0
(3) مقدمة تحفة الاحوذي 1 / 66 و 330 و 334 ، قواعد في علوم الحديث ص : 26 ، فتح الباقي 1 / 118 0(2/46)
1- المسنَد ( بفتح النون ) هو الكتاب الذي جُمع فيه ما اسنده الصحابة ، أي رووه ، فهو اسم مفعول ، ومن المسانيد المشهورة مسند : احمد ، وأبي داود الطيالسي ، ومسند أبي يعلى الموصلي ، ومسند البزار ، وإسحاق بن راهويه ، وعَبْد بن حُمَيد ، ومسند الفردوس ، ومسند الشهاب (1) وغيرها الكثير 0
2- أن يطلق ويُراد به الإسناد ، فيكون مصدرا (2)0
3 - المُسنِد : هو من يروي الحديث بإسناده سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية 0 وقد صار اليوم يطلق على من توسع في الرواية وحصل على الكثير من المسانيد والفهارس ، واتصل بها عن أئمة المشرق والمغرب من أهل هذا الشأن (3) 0
ويجمع ما تقدم ما نظمه الحافظ العراقي في ألفيته بقوله :
والمسند المرفوع أو ما قد وصل لو مع وقف ، وهو في هذا يَقِلْ
والثالث الرفع مع الوصل معا شرطٌ به الحاكمُ فيه قَطَعَا (4)
قال الناظم )رحمه الله تعالى(:
وما بسمْعِ كلِّ راوٍ يتصلْ إسنادُهُ للمصطفى فالمتصِلْ
الحديث المتصل
المتصل ( أو الموصول ، ويقال له : المؤتصل ) (5)0
وهو الذي يسمعه كل واحد من رواته ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا ما اختاره الناظم )رحمه الله تعالى( 0
__________
(1) الرسالة المستطرفة ص : 278 – 280، قواعد في علوم الحديث ص : 26 0
(2) قواعد في علوم الحديث ص : 126 ، الخلاصة ص : 30 / مقدمة تحفة الأخوذي 1/ 70و330-334 0
(3) تدريب الراوي 1 / 43 ، قواعد في علوم الحديث ص : 27 ، منهج النقد ص : 76 ، الباعث الحثيث ص : 142 – 143 ، فهرس الفهارس ، الكتاني 1 / 71 ، مقدمة تحفة الاحوذي 1 / 8 0
(4) ص : 48 0
(5) شرح ألفية السيوطي ص : 24 ، فتح الباقي ، زكريا الأنصاري 1 / 121 ، التقريب مع التدريب 1/ 183 ، النكت على ابن الصلاح 1/ 510 ، الرسالة الأصولية ، الشافعي فقرة رقم ( 1275 ) 0(2/47)
وبقيد الاتصال يخرج المرسل ، والمنقطع ، والمعضل ، والمعلق ، والمعنعن المدلس قبل تبين سماعه (1) 0
وقوله : ( وما بسمع ) يلتحق به أي وسيلة أخرى من وسائل التحمل المعتبرة كالعرض ، والمكاتبة ، والإجازة الصحيحة ، والوجادة ، والوصية ، والإعلام ؛ وإنما خص السماع بالذكر في التعريف لأنه الغالب (2)0
والصواب : أن المتصل شامل للمرفوع والموقوف ، قال الحافظ السيوطي )رحمه الله تعالى( في ألفيته (3):
مرفوعاً أو موقوفاً إذ يتصل إسناده الموصول والمتصل
واما المقطوع فينبغي تقييده فَيُقال : هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إبراهيم النخعي مثلاً ، وهو الذي عليه جمهور العلماء (4) 0
مثال المتصل المرفوع :
روى الإمام مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ) 0
مثال المتصل الموقوف :
روى الإمام مالك في الموطأ عن نافع انه سمع عبد الله بن عمر يقول : ( من اسلف سلفاً فلا يشترط إلا قضاءه ) 0
فكل من الحديثين في المثالين متصل لأن رواته سمعوه من بعضهم البعض إلى منتهاه 0
قال الإمام العراقي في ألفية الحديث (5):
وإن تَصِل بسندٍ منقولا فَسمّهِ متصلاً موصولا
سواءٌ الموقوفُ والمرفوعُ ولم يَرَوْا أن يدخل المقطوعُ
__________
(1) فتح الباقي 1 / 121 ، التقريب مع التدريب 1/ 183 ، الخلاصة ص : 46 ،جواهر الأصول ص : 27 0
(2) اختصار علوم الحديث ص : 44 ، الموقظة ص : 42 ، منهج النقد ص : 348 ، قواعد في علوم الحديث ص : 38 ، النكت على ابن الصلاح 1 / 510 ، علوم الحديث ص : 40 ، شرح ألفية العراقي 1 / 121 ، تدريب الراوي 1 / 82
(3) ص : 31 0
(4) شرح ألفية السيوطي ص : 24 ، علوم الحديث ص : 40 ، تدريب الراوي 1 / 183 ، الموقظة ص : 42 ، اختصار علوم الحديث ص : 348 – 349 ، كفاية الحفظة ص : 151 0
(5) ص : 49 0(2/48)
وألطف منه قول الحافظ السيوطي في ألفيته (1)التي حاكى فيها ألفية العراقي :
مرفوعاً أو موقوفاً إذ يتصِلُ إسناده الموصولُ والمتَصِلُ
قال الناظم )رحمه الله تعالى( :
مُسَلْسَلٌ قُلْ ما على وصفٍ أتى مثلُ : أما واللهِ أنبأني الفتى
كذاكَ قد حدَّثنيه قائما أو بعدَ أنْ حدّثني تبَسَمَا
الحديث المسلسل
من الأنواع الحديثية اللطيفة المسلسل وهو في اللغة : اتصال الشيء بعضه ببعض ومنه سلسلة الحديد(2) 0
أما في الاصطلاح : هو ما توارد الرواة فيه بعضهم عن بعض على صفة أو حالة معينة في الرواية 0فهو من مباحث الإسناد (3)0
وقد ضرب له الناظم أمثلة :
الصورة الأولى : التسلسل القولي ، وذلك من خلال صيغة التحديث ، وهو أن يتفق الرواة جميعاً على التحديث بصيغة معينة كأن يقول : ثني فلان ، ثني فلان 000 إلى آخر السند ، بذكر التحديث عن كل راوٍ0 ونحوه : أنبأني فلان ، أنبأني فلان ، أنبأني فلان إلى آخر السند بذكر الإنباء عن كل راوٍ 0
الصورة الثانية : التسلسل الفعلي وذلك من خلال : حكاية الفعل وهو ما ضمّنه قوله : " أو بعد أن حدثني تبسما " ، فتقول مثلا : حدثني فلان وهو قائم ، اخبرني فلان وهو قائم ، عن فلان وهو قائم إلى آخر السند ، بذكر صفة القيام عن كل راوٍ من رواة الإسناد 0
__________
(1) ص : 31 0
(2) مختار الصحاح ص : 310 – 311 0
(3) فتح المغيث 3 / 52 ، التقريب بشرح التدريب 2 / 187 ، الخلاصة ص : 54 ، قواعد في علوم الحديث ص : 40 0(2/49)
الصورة الثالثة : أن يجتمع القول والفعل في الراوية المسلسلة كقولنا : ثني فلان وهو متبسم ، ثني فلان وهو متبسم ، إلى آخر السند ، بذكر صيغة التحديث وصفة الفعل المقترن بها (1) 0
فوائد :
1 – فائدة التسلسل : لما كان الحديث المسلسل قائماً على اتفاق الرواة على صفة التحديث كان اتفاقهم هذا فيه بيان مزيد ضبط الرواة ، وذلك مقيد بصحة الإسناد 0
2- لا تسلم المسلسلات من ضعفٍ غالباً كأن ينقطع التسلسل في بعض المواطن ، لا في اصل المتن لأنه قد صحت متون كثيرة ، ولم تصح روايتها بالتسلسل 0
3- ذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى فائدة لطيفة وهي : انه إذا كان التسلسل مما يقرب إلى الله صار فيه زيادة قربة وعبادة مثل ما في حديث معاذ : ( اني احبك في الله ) (2) فالحب في الله يزيد الإنسان قربة إلى ربه جل في علاه لأنه من أوثق عُرى الإيمان 0
4- من اشهر الأحاديث المسلسلة : المسلسل بالأولية ( حديث الرحمة (3) مع انقطاع فيه ، فإن التسلسل فيه ينتهي عند سفيان ، وإن وصله بعضهم لكنه لا يصح 0
__________
(1) لمزيد من الأمثلة وأقسامه تفصيلاً يُنظر : تدريب الراوي 2 / 187 – 188 ، معرفة علوم الحديث ص : 29 – 34 ، منهج النقد ص : 354 – 356 ، كفاية الحفظة ص : 180 – 181 ، تتمة الموقظة ص : 103 – 113 ، فتح المغيث 3 / 52 – 53 ، قواعد في علوم الحديث ص : 40، الخلاصة ص : 54 – 56 0
(2) أخرجه : أبو داود ( 1522) ، النسائي ( 1333) ، صحيح الأدب المفرد ( 534) ، صحيح الجامع ( 7969 ) ، مشكاة المصابيح ( 949 ) ، صحيح الترغيب ( 1596 ) 0
(3) وهو حديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " 0 ينظر تخريجه في : السلسلة الصحيحة ( 925 ) ، أبو داود ( 4941 ) ، الترمذي ( 1924 ) ، صحيح الجامع ( 3522) ، مشكاة المصابيح ( 4969 ) ، صحيح الترغيب ( 2256) 0(2/50)
5- إن في التسلسل الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله وأقواله كالقبض على اللحية وتشبيك باليد 0
6- صنف أهل العلم بالحديث في المسلسلات : كالحافظ ابن الجزري ، والسخاوي ، السيوطي وله ( المسلسلات الصغرى والكبرى ) ، وابن عقيلة المكي ، والعلائي ، والعلامة محمد عبد الباقي الأيوبي اللكنوي في ( المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة ) ، وللشيخ المسند محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي الشافعي ( العجالة في الأحاديث المسلسلة ) وغيرها (1) ، وجل ما ذكرناه مطبوع والحمد لله رب العالمين 0
قال الناظم )رحمه الله تعالى( :
ــــــــــ وقل غريبٌ ما روى راوٍ فقط
الغريب
الغريب لغة : هو المنفرد أي البعيد عن ا قاربه (2)0
وفي اصطلاح أهل الحديث : هو الحديث الذي تفرد به راوٍ ، سواء تفرد به عن إمام يجمع حديثه ، أو عن راوٍ غير إمام (3)0
سمي بذلك لانه كالغريب الوحيد الذي لا أهل عنده ، أو لبعده عن مرتبة الشهرة فضلاً عن التواتر (4) 0
وهو ينقسم إلى قسمين أساسيين :
الأول : الغريب متناً وإسناداً ، وهو الحديث الذي لا يروى إلا من وجهٍ واحد 0
__________
(1) علوم الحديث ص : 248 – 249 ، الثمرات الجنية ص : 48 من الهامش ، الرسالة المستطرفة ص : 81 – 85 ، كفاية الحفظة ص : 180 – 919 ، منهج النقد ص : 356 – 358 ، فتح المغيث 3 / 54 – 55 و 56 ، الموقظة ص : 44 ، اختصار علوم الحديث ص : 54 ، التدريب 2 / 189 ، نزهة النظر ص : 168، الخلاصة ص : 56 0
(2) مختار الصحاح ص : 470 0
(3) توضيح الأفكار 2/ 401 – 402 الهامش ، منهج النقد ص : 396 ، الخلاصة ص : 51 0
(4) توضيح الأفكار 2/ 401 – 402 الهامش ، منهج النقد ص : 396 0(2/51)
الثاني : الغريب إسناداً لا متناً ، وهو الحديث الذي اشتهر بوروده من عدة طرق عن راوٍ ، أو عن صحابي ، أو عدة رواة ، ثم تفرد به راوٍ فرواه من وجهٍ آخر غير ما اشتهر به الحديث (1) 0
ويطلق الغريب على : ما هو صحيح ، وعلى ما لم يصح ، أي أن في الغرائب المقبول والمردود (2)0
قال الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( عن الغريب : " ما تفرد به واحد ، وقد يكون ثقة ، وقد يكون ضعيفاً ، ولكلٍ حكمه " (3)
فوائد :
1- قول الإمام الترمذي )رحمه الله تعالى( في جامعه : هذا حديثٌ غريب ، يعني به انه ضعيف(4)0
2- قول الإمام الزيلعي )رحمه الله تعالى( في كتابه الجليل ( نصب الراية ) : هذا حديثٌ غريب 0 يعني به لا اصل له (5) 0
3- هناك فرق بين قولنا : ( حديث غريب ) وقولنا ( غريب الحديث ) فالأول تقدم توضيحه ، وأما غريب الحديث : فالمراد به ما يقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغريبة عن أذهان الذين بَعُدَ عهدهم بالعربية الخالصة ، ومعرفة ذلك مهم جداً لما يتعلق بكلامه - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام الدينية والدنيوية (6) 0
__________
(1) الموقظة ص : 43 – 44 ، منهج النقد ص : 397 – 399 ، وفي أمثلته : مقدمة تحفة الاحوذي / 398 ، معرفة علوم الحديث ص : 94 - 96 0
(2) الموقظة ص : 43 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 152 ، الخلاصة ص : 51 0
(4) السلسلة الصحيحة 5 / 237 ، الروض الداني في الفوائد الجديثية للعلامة الألباني ، عصام موسى ص: 52 – 53 ، كفاية الحفظة ص : 177 0
(5) ارواء الغليل 5 / 228 ، الروض الداني ص : 174 ، كفاية الحفظة ص : 177 0
(6) توضيح الأفكار 2 / 412 – 413 و الهامش ، معرفة علوم الحديث ص : 88 – 91 ، توجيه النظر ص : 179 ، الخلاصة ص : 62 ، جواهر الأصول ص : 42 0(2/52)
قال العلامة المحدث الشيخ احمد محمد شاكر )رحمه الله تعالى( : " هذا الفن من أهم فنون الحديث واللغة ويجب على طالب الحديث إتقانه ، والخوض فيه صعب ، والاحتياط في تفسير الألفاظ النبوية واجب ، فلا يقدمن عليه أحد برأيه " (1) 0
تنبيه :
اعلم رحمك الله إننا خالفنا المصنف في ترتيبه مرة أخرى مراعاة لوحدة الموضوع فانه تكلم هنا عن المشهور والعزيز ، وأخَرَ الكلام عن الغريب ، مع انه يربطهما جميعاً شيء واحد وهو كونها أخبار آحاد ، وسبقنا إلى هذا الصنيع الشيخ عبد الله سراج الدين ( رحمه الله ) في شرحه على المنظومة البيقونية ، واحسن في ذلك (2)0
قال الناظم )رحمه الله تعالى( :
عزيزٌ مرويُ اثنينِ أوْ ثلاثةْ مشهورٌ مرويُ فوقَ ما ثلاثةْ
أنواع الحديث من حيث عدد الرواة :
العزيز
العزيز في اللغة(3) : مأخوذ من عَزَّ يًعزُّ أي قوي ، فكأنه قوي بمجيئه من الطريق الآخر قال تعالى : ( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ )(يّس: من الآية14) ، أو من عَزَّ يَعِزُّ أي يقل ، إذا صار قليلاً نادراً ، ولذلك ذهب ابن حبان إلى أن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي السند لا توجد أصلاً 0
والناظم (رحمه الله ) يرى أن العزيز هو : ما رواه راويان أو ثلاثة عن راويين أو ثلاثة ، وعلى ذلك جرى المتقدمون من أئمة الحديث كابن منده ، وابن الصلاح وغيره 0
__________
(1) الباعث الحثيث ص : 152 و يُنظر : التقريب مع شرحه التدريب 2 / 184 – 186 0
(2) شرح البيقونية ، عبد الله سراج الدين ص : 71 – 73 0
(3) مختار الصحاح ص : 429 – 430 0(2/53)
وهذا التعريف ليس هو المشهور عند أهل الحديث من المتأخرين كابن حجر العسقلاني ، والمعروف عندهم هو : ما لا يرويه اقل من اثنين عن اقل منهما في كل طبقة من طبقاته (1)0
مثاله :
حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يؤمن أحدكم حتى أتكون احبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين ) 0
رواه البخاري ومسلم كلاهما من حديث انس ، وللبخاري رواية أُخرى من حديث أبي هريرة ، وقد رواه عن انس : قتادة ، وعبد العزيز بن صهيب . ورواه عن قتادة : شعبة ، وسعيد ، ورواه عن عبد لعزيز بن صهيب : إسماعيل بن عُلية ، وعبد الوارث (2) 0
حكمه :
يُنظر في حال السند والمتن ، فإذا تحقق فيهما شروط القبول المتقدمة ولو من طريق واحد كان صحيحاً ، وقد يكون حسناً ، وان فقدت كان ضعيفاً (3)0
الحديث المشهور
المشهور في اللغة : اسم مفعول ، من شهرتُ الأمر إذا أعلنته وأوضحته (4)0
وفي اصطلاح أهل الحديث : هو رواية الجماعة ثلاثة فأكثر عن مثلهم في طبقات السند ، سمي بذلك لوضوحه ، أي شهرته ، لكون راويه اكثر من اثنين ، ويسميه جماعة من الفقهاء : بالمستفيض ، سمي بذلك لانتشاره من فاض الماء يفيض فيضاً أي زاد حتى خرج من جوانب الإناء (5) 0
فوائد :
__________
(1) علوم الحديث ص : 243 ، قواعد التحديث ص : 125 ، توضيح الأفكار 2/406 ، نزهة النظر ص : 64-65 و 69 ، قواعد في علوم الحديث ص : 32 ، منهج النقد ص : 416 ، إختصار علوم الحديث ص : 152، الخلاصة ص : 51 0
(2) نزهة النظر ص : 70 ، منهج النقد ص : 416 0
(3) توضيح الأفكار 2/407 ، مهج النقد ص : 417 0
(4) مختار الصحاح ص : 349 0
(5) توضيح الأفكار 2/407 ،والهوامش ص : 402 – 403 ، قواعد التحديث ص : 124 ، نزهة النظر ص : 62 – 63 ، اختصار علوم الحديث ص : 150 ، الخلاصة ص : 51 0(2/54)
1 - لا يلزم من كون الحديث مشهوراً عند الناس، الصحة الاصطلاحية ، فكم من حديثٍ يتداوله العامة ، وهو لا اصل له ، ومن رجع إلى كتب الموضوعات رأى العجب العجاب 0
2- كم من حديثٍ مشهور عند أهل العلم بالحديث ، لا يعرفه العامة أصلاً ، والمعتبر في الحكم هو قول أهل الشأن لاغيرهم 0 قال الحافظ ابن كثير : " والشهرة أمر نسبي ، فقد يشتهر عند أهل الحديث أو يتواتر ما ليس عند غيرهم بالكلية " 0
3- بذل العلماء جهوداً كبيرةً في تمييز الأحاديث ، ووصفها بما يناسبها ، ولذلك أُلفت الكتب الكثيرة في بيان الأحاديث المشتهرة لمؤلفين : كالزركشي ، والسيوطي ، والسخاوي ، وابن الديبع الشيباني ، والعجلوني ، والحوت البيروتي ؛ وكلها مطبوعة والحمد لله (1)0
4- من أمثلة الحديث المشهور ، وهو صحيح ، حديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) ، ومثال المشهور وهو حديث حسن : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ومثال المشهور وهو ضعيف حديث : ( اطلبوا العلم ولو بالصين ) روي من عدة اوجه ، ولم يخلُ طريق منها من مجروح جرحاً شديداً فهو مشهور ضعيف (2) 0 وأمثلة هذا كثيرة عند الأدباء والأصوليين والفقهاء وعلماء العربية وغيرهم 0
5- التفريق بين المشهور والمستفيض ليس من مباحث هذا الفن وإنما هو مبحث أصولي فليُنظر هناك (3) 0
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص : 150 ، علوم الحديث ص : 238 – 240 ، توضيح الأفكار 2/403 الهامش ، نزهة النظر ص : 63 – 64 ، قواعد التحديث ص : 124 ، منهج النقد ص : 412 ، الباعث الحثيث ص : 151 0
(2) معرفة علوم الحديث ص : 92 – 94 ، منهج النقد ص : 410 – 412 0
(3) نزهة النظر ص : 63 ، منهج النقد ص : 415 0(2/55)
6- قسمة الأخبار إلى متواتر وآحاد جزء من تأثيرات علم أصول الفقه (1) على علم أصول الحديث ، قال الحافظ ابن حجر (2) )رحمه الله تعالى( : " وإنما أبهمت شروط التواتر في الأصل ( أي النخبة ) لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد ، إذ علم الإسناد يُبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليُعمل به أو يُترك، والمتواتر لا يُبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث " انتهى كلام الحافظ 0
فهذا نص منه ( رحمه الله تعالى ) ، على أن تقسيم الأخبار إلى : آحاد ومتواتر ليس من عمل المحدثين ، وكذلك نص عليه الحافظ السخاوي ، وقاسم بن قطلوبغا الحنفي والعلامة المناوي ( رحم الله تعالى الجميع ) وغيرهم (3)
قال الحافظ السيوطي : " وقد قسم أهل الأصول المتواتر إلى : لفظي وهو ما تواتر لفظه ، ومعنوي وهو أن ينقل جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب ، وقائع مختلفة تشترك في أمر ، بتواتر ذلك القدر المشترك" (4)0
8- تقسيم السنة النبوية إلى قسمين : متواتر ، وآحاد له اعتباران : صحيح مقبول ، وباطل مردود ، أما الاعتبار الصحيح فهو بالنظر إلى عدد الرواة ، فما رواه عدد كبير بالشروط المتقدمة ، فهو متواتر وما لم يكن بهذه الصفة فهو آحاد 0
__________
(1) يُنظر : معالم أصول الفقه ، محمد حسين الجيزاني ص : 140 – 144 0
(2) نزهة النظر ص : 60 0
(3) التوضيح الابهر ، السخاوي ص : 18 ، الغاية شرح الهداية ، السخاوي : 1/ 232 ، اليواقيت والدرر ، المناوي : 1/145 ، القول المبتكر ، قاسم بن قطلوبغا ص : 52 ، المنهج المقترح في علم المصطلح ، حاتم العوني ص : 98 – 100 مهم 0
(4) تدريب الراوي 2/ 180 0(2/56)
أما الاعتبار الباطل فهو بالنظر إلى الاحتجاج والعمل ، فيقبل المتواتر دون الآحاد في بعض المسائل والأبواب كتجويز النسخ بالمتواتر دون الآحاد ، وغير ذلك فهذا التفريق باطل إذ المتواتر والآحاد من السنة الواجب اتباعها ، والأدلة الدالة على حُجية السنة لم تُفرق بين المتواتر والآحاد (1)0
قلت : وهذا أيضا مبحث أصولي فتنبه 0
تتمة حسنة :
قدمنا فيما سبق أقسام الآحاد الثلاثة : الغريب ، والعزيز ، والمشهور ، فاحتاج إلى أن نتمم الكلام من جهة نقلة الأخبار وإن منها : المتواتر الذي أغفله الناظم ( رحمه الله تعالى ) – وقد أحسن في ذلك -، فاحتاج إلى أن نَذكُر بعض ما يتعلق به اختصاراً :
1- المتواتر : ما نقله ، جمع عن جمعٍ عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء ، لا يمكن تواطئهم على الكذب ، وكان مستند انتهائهم الحس ( الرؤية أو السماع ) 0
2- لا يعتبر في التواتر عدد معين على الأصح عند أهل الحديث 0
3- المتواتر قسمان : لفظي ، وهو ما اتفق فيه الرواة على اللفظ والمعنى ، ومعنوي وهو ما اتفق رواته على معناه دون لفظه 0
مثال الأول : حديث من كذب عليّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار، وحديث الحوض ، والمسح على الخفين ، ورفع اليدين في الصلاة ، وغير ذلك 0
ومثال الثاني : أحاديث رفع اليدين في الدعاء ، فقد رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم -نحو مائة حديث ، فيه رفع يديه في الدعاء ، لكنها في قضايا مختلفة ، فكل قضية منها لم تتواتر ، والتقدير المشترك فيها ، هو الرفع عند الدعاء باعتبار المجموع 0
4- من العلماء كابن الصلاح ، وابن كثير من عد الحديث المتواتر قسماً من الحديث المشهور 0
__________
(1) يُنظر معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ص : 151 – 152 0(2/57)
5- صنف أهل الحديث كُتباً عدة في بيان المتواتر من السنة النبوية منها : الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للحافظ السيوطي ، ولقط اللآلئ المتناثرة من الأحاديث المتواترة للحافظ مرتضى الزبيدي ، ونظم المتناثر في الحديث المتواتر للعلامة محمد بن جعفر الكتاني 0
6- الحديث المتواتر قطعي الورود أي باعتبار أن نقله يقيني قطعي لاشك ولا شُبهة فيه ، وبالتالي يُفيد علماً يقينياً يوجب العمل به (1) 0
7- قال الحافظ السيوطي : " واما الحكم للحديث بالتواتر أو الشهرة فلا يمتنع إذا وجدت الطرق المعتبرة في ذلك ، وينبغي التوقف عن الحكم بالفردية والغرابة ، وعن العزة اكثر " (2)0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
مُعَنعَنٌ : كَعَنْ سعيدٍ عنْ كَرَمْ ومُبْهَمٌ : ما فيهِ راوٍ لَمْ يُسَمْ
ذكر في هذا البيت نوعين من أنواع علوم الحديث ، وهما المعنعن ، والمبهم 0
أما المعنعن : فإنه يبحث في صيغ التحديث التي يستعملها رواة الحديث في النقل عمن فوقهم 0
والمعنعن :هو الذي يقال في سنده : فلان عن فلان ، من غير تصريح بالتحديث أو الأخبار ، أو السماع (3) ، ولا يشترط أن تستمر العنعنة في كل السند ، بل ورودها فيه ولو لمرة واحد ، يكفي لوصفه بالعنعنة 0
__________
(1) تدريب الراوي ، توضيح الأفكار 2/ 409 – 411 والهامش ص : 403 – 405 ، قواعد التحديث ص : 146 – 147 ، نزهة النظر ص : 53 – 57 و 60 – 62 ، علوم الحديث ص : 241 – 243 ، اختصار علوم الحديث : 150 ، منهج النقد ص : 404 – 408 ، توجيه القاري ص : 155 – 156 ، الخلاصة ص : 50 ، جواهرالأصول ص: 33 0
(2) تدريب الراوي 1/ 149 0
(3) منهج النقد ص:351،الموقظة ص:44،علوم الحديث ص:56،فتح المغيث1/179،توضيح الأفكار1/330،أسباب اختلاف المحدثين 1/179 ، الخلاصة ص : 47 0(2/58)
وقد عبر عنه الناظم بالمثال فقال: عن سعيد ، عن كرم ، أي إن الراوي له يأتي بصيغة عن ، ولم يقل : حدثنا ،أو أخبرنا،أو سمعت ، وذلك لأن " عن " من الألفاظ الموهمة لاحتمال الاتصال ، أي أنها تحتمل السماع فيكون متصلا ، وتحتمل عدم السماع أيضا ، فيكون منقطعا 0
والذي عليه جمهور الأئمة من أهل الحديث أن المعنعن من قبيل الحديث المتصل، ولكنهم قيدوه بشرطين:
الشرط الأول: أن يثبت لقاء الراوي لمن روى عنه بالعنعنة .
الشرط الثاني : أن يكون بريئاً من تهمة التدليس 0
فإذا تحقق هذان الشرطان أصبح بمنزلة السماع كأنه قال : حدثني أو سمعت ، أو أخبرني ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على السماع 0 وهذا هو مذهب الإمام البخاري ، وهو أحد وجوه ترجيحه على صحيح الإمام مسلم (1) 0
وذهب الإمام مسلم إلى الاكتفاء بشرط المعاصرة ، أي إمكانية اللقاء بين الراوي والمروي عنه مع السلامة من التدليس 0 قال الإمام الذهبي : " وقد بالغ في الرد على مخالفيه " (2) 0
فمسلم يرى أن الحديث المعنعن:- حديث صحيح ، وهو حجة يجب العمل بها ، والجمهور يرون الحديث المعنعن حديثاً موقوفاً ، أي يتوقف فيه ، ولا تقوم به حجة حتى يثبت سماع الراوي من المروي عنه شئ من الحديث قل أو كثر ، وإلا فلا (3) 0
ويلتحق بالمعنعن في الحكم عند جمهور أهل العلم نوع آخر يسمى المؤنن: وهو الذي يقال في سنده : فلان – أن فلاناً قال 0
__________
(1) علوم الحديث ص : 67 ، اختصار علوم الحديث ص:50،الموقظة ص:44-45،منهج النقد ص:351،النزهة ص :87 ، أسباب اختلاف المحدثين 1/182،ألفية الحديث العراقي ص:55 ، هدي الساري ص: 12 –13، توجيه النظر ص : 168 0
(2) الموقظة ص : 44، علوم الحديث ص:60، فتح المغيث1/181، منهج النقد ص :351،ألفية الحديث ص :55،الموقظة-التتمة الثالثة للمحقق ص:115-133،أسباب اختلاف المحدثين1/189 ، هدي الساري ص : 12 0
(3) الموقظة - التتمة الثالثة:121، الخلاصة ص : 47 ، جواهر الأصول ص : 29 0(2/59)
مثاله : قال مالك : عن الزهري ، أن سعيد بن المسيب قال كذا (1) 0
أما النوع الآخر وهو المبهم :
فقد عرفه الناظم بأنه الحديث الذي فيه راوِ لم يسم سواء كان هذا الراوي رجلاً أو امرأة كأن تقول : ثنا فلان ،عن فلان ،عن رجل أو عن امرأة أو عن الشيخ أو عن ابن فلان أو عن عم فلان أو عن زوج فلانة فلم نعرف من هو هذا الرجل ، أو هذه المرأة ، أو هذا الشيخ 000 الخ. ونحوه في الإبهام قول البعض: حدثني الثقة، حدثني من لا اتهم، حدثني من اعرف 000الخ 0
قال الحافظ السيوطي في ألفيته (2):
وألفوا في مبهمات الأسما لكي تحيط النفس منها علماً
كرجل وامرأة وابن وعم خال أخ زوج وأشباه وأم (3)
والإبهام واقع في السند والمتن ، وإذا وقع الإبهام في المتون فإنه لا يضره شيئا 0
وحكم الإبهام في السند : انه لا يقبل حديثه حتى يتبين من هو ؟ فإذا تبين لنا من هو نبحث بعد ذلك هل هو ثقة ؟ أم ضعيف؟ فان كان ثقة احتج به، بعد توفر سائر شروط القبول، وان كان ضعيفا نظر في حاله ، في أي درجات الضعف هو فما كان يصلح للشواهد والاعتبارات تقوى حديثه بذلك.وان كان شديد الضعف طرح حديثه وسقط الاحتجاج به (4) 0
قال الحافظ ابن حجر : " لا يقبل حديث المبهم ما لم يسم ، لان شرط قبول الخبر عدالة راويه ، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف عدالته " (5) 0
__________
(1) منهج النقد ص:351،أسباب اختلاف1/179و197-202،علوم الحديث ص:57،اختصار علوم الحديث ص :51 0
(2) ألفية السيوطي ص : 200 – 201 0
(3) وينظر : علوم الحديث ص:139-343، نزهة النظر ص:135 0
(4) يراجع: تدريب الراوي2/343، اختصار علوم الحديث ص:214، مناهج المحدثين ص:356، فتح المغيث 3/230.
(5) نزهة النظر ص:135، وينظر: اختصار علوم الحديث ص:214، توضيح الأفكار2/497 ، علوم الحديث ص:339، مناهج المحدثين ص:358، علم الرجال، الزهراني ص :289 0(2/60)
وقد بذل العلماء جهوداً كبيرة في تمييز( المبهمين) في المرويات الحديثية فصنفوا في ذلك التصانيف منها : (الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة) للخطيب البغدادي ، الذي اختصره النووي في الإشارات إلى بيان أسماء المبهمات ، وللحافظ العراقي ( المستفاد من مبهمات المتن والإسناد ) ولأبي الفضل بن طاهر المقدسي وابن بشكوال والحافظ عبد الغني بن سعيد المصري وللعلامة البلقيني ( الإفهام لما في البخاري من الإيهام ) (1)وغيرهم 0
كيفيه معرفة المبهم (2):
1 - وذلك بوروده مسمى في بعض الروايات0
2-أن ينص أهل السير على ذلك0
مثال:
قال أبو داود في سننه : ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة ، عن منصور، عن ربعي بن حراش ، عن امرأته ، عن أخت لحذيفة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به ،أما انه ليس منكن امرأة تحلى ذهباً تظهره إلا عذبت به " (3) 0
ورواه الإمام احمد في مسنده: ثنا عبد الرحمن بن مهدى ، قال : حدثنى سفيان عن منصور(4) به 0 ومن طريقه أخرجه البيهقي (5) 0 ثم رواه الإمام أحمد عن محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن منصوربه (6) 0 ورواه الإمام الدارمي في سننه : اخبرنا محمد بن يوسف ، ثنا سفيان به (7) 0
ورواه الإمام النسائي عن محمد ابن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر، قال : سمعت منصورا به (8) 0 ورواه إسحاق بن راهويه ، عن جرير، عن منصور، به (9)0
__________
(1) وللحافظ ابن حجر فصل نفيس في : هدي الساري ص : 384 – 500 بين فيه مبهمات الجامع الصحيح للإمام البخاري0
(2) علم الرجال ، الزهراني ص:287، تدريب الراوي 2/ 342، اختصار علوم الحديث ص:214، منهج النقد ص:163، مناهج المحدثين ص:356 ، نزهة النظر ص:134 0
(3) عون المعبود شرح سنن أبي داود 11 / 200 0
(4) المسند 6 / 357 0
(5) السننن الكبرى 4 / 141 0
(6) المسند 6/ 358 0
(7) سنن الدارمي 2/ 279 0
(8) سنن النسائي 8 / 157 0
(9) مسند إسحاق بن راهويه 5/ 238 0(2/61)
قال العلامة شمس الحق العظيم ابادي : " وامرأة ربعي مجهولة وأخت حذيفة اسمها فاطمة وقيل خولة ، وفي بعض طرقه عن ربعي عن امرأة عن أخت حذيفة وكان له أخوات قد أدركن النبي - صلى الله عليه وسلم - 0 وذكرها أبو عمر النمري (1) وسماها فاطمة وقال : وروي عنها حديث في كراهة تحلي النساء بالذهب إن صح فهو منسوخ ، وقال : ولحذيفة أخوات قد أدركن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هكذا ذكرها في حرف الفاء وقال في حرف الخاء خولة بنت اليمان أخت 000 وحراش بكسر الحاء وفتح الراء المهملتين وبعد الألف شين معجمة "0 وبسبب جهالة امرأة ربعي يحكم على هذا الحديث بالضعف (2) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
وكلُّ ما قلَّتْ رجالُهُ عَلا وضدُّهُ ذاكَ الذي قدْ نزَلا
أقول:
الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة ميزتها عن غيرها ممن لا يعرف الإسناد المتصل ، بل ليس بين أيديهم الا المعضلات والمنقطعات انقطاعاً شديداً 0
ولذلك كانت عناية العلماء المسلمين بالإسناد شاملة لكل الفنون ، فالشعر يروى بالإسناد ، والطرفة تروى بالإسناد وقصص البخلاء والأذكياء والمجانين ، تروى كلها بالإسناد ، والتواريخ بالأسانيد والآداب والأخلاق والمواعظ بالأسانيد 0
__________
(1) هو حافظ المغرب ابن عبد البر القرطبي )رحمه الله تعالى( 0
(2) عون المعبود 11 / 200 ، منهج النقد ص:164، وله أمثلة أخرى تنظر في : مناهج المحدثين ص:361-367 0(2/62)
فكيف الحال إذا كان الأمر يتعلق بالدين من السنن المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والآثار عن الصحابة والتابعين ، ولذا اشتهرت عن كثير من أئمة السلف هذه العبارة :" الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " (1) 0
فلا تقبل الرواية عندهم إلا مسندة ، بل جعلوا العناية بالأسانيد من خصائص أهل السنة والجماعة، والتي افترقوا بها عن أهل البدعة والمذمة والفتنة 0
قال شيح الإسلام ابن تيمية ( رحمه الله تعالى ) : " والإسناد من خصائص هذه الأمة ، وهو من خصائص الإسلام ، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة ، والرافضة اقل عناية به " (2) 0
قال محمد بن سيرين : " إنهم كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة، فلما وقعت الفتنة قلنا :سموا لنا رجالكم، فمن كان من أهل السنة اخذ حديثه ، ومن كان من أهل البدعة رد حديثه " 0
ومن فوائد بعض شيوخنا - نفعنا الله تعالى بهم - ممن قرأنا عليهم علوم الحديث: " صحة الإسناد من خصائص هذه الأمة " 0
ومما يعتني به المحدثون:علو الإسناد ، ولذلك اشتهر عندهم: " قرب الإسناد قربة إلى الله تعالى " (3)0
__________
(1) قائل هذه الكلمة هو الإمام محمد بن سيرين البصري(ت110 هـ ) كما في مقدمة صحيح مسلم 1/15 ، مقدمة الكامل ، ابن عدي ص : 237و238و239 ،المجروحين ، ابن حبان 1/ 21 ، حلية الأولياء ، أبو نعيم 2 / 278 ، الكفاية ص : 161و162 ، الجرح والتعديل ،ابن أبي حاتم 2 / 15 ، وينظر : الإسناد وعلله ، بحث لكاتب هذه السطور ، ففيه ذكر لمن قال هذه الكلمة من السلف : " الإسناد من الدين " 0
(2) منهاج السنة النبوية 7/ 37 ، قواعد في علوم الحديث ص :443 ، هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري ص : 12 0
(3) قاله محمد بن اسلم الطوسي كما في التدريب:2/160 0(2/63)
وقال الإمام احمد بن حنبل : " الإسناد العالي سنة عمن سلف " (1) 0
وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: " ما تشتهي؟ قال: " بيت خال وإسناد عال " (2) 0 أي بيت خال للقراءة والمذاكرة ، كما أفادنا بذلك بعض شيوخنا - نفعنا الله تعالى بهم - 0
بل علو الإسناد ثابت قراناً وسنة ، وفعله الصحابة الكرام فكانوا يرحلون في طلب العالي من الأسانيد (3) 0
أما القرآن الكريم ، فما قصه الله تعالى علينا من نبأ موسى والعبد الصالح الخضر ، كما في سورة الكهف 0(4)
قال الإمام القرطبي )رحمه الله تعالى( : " في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم وذلك كان دأب السلف الصالح وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح وحصلوا على السعي الناجح ، فرسخت لهم في العلوم أقدام وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام " (5) 0
وقال الإمام المحقق محمد بن علي الشوكاني )رحمه الله تعالى( : " قال الزجاج : وفيما فعل موسى وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأن يتواضع لمن هو أعلم منه " (6) 0
قلت: ومن فوائد الرحلة التماس العوالي من الأسانيد والأحاديث والروايات 0
__________
(1) الرحلة في طلب الحديث ص : 47، مناقب الإمام احمد،ابن الجوزي:230،الجامع لاداب الشيخ والسامع ،الخطيب البغدادي 1 /123، تدريب الراوي2/660، اختصار علوم الحديث ص: 146 ، علوم الحديث ص: 231 0
(2) علوم الحديث ص : 231 ، اختصار علوم الحديث ص : 146 0
(3) معرفة علوم الحديث ص : 5 – 6 ،الرحلة في طلب الحديث ص : 53-57 0
(4) الرحلة في طلب الحديث ص : 50-53 0
(5) تفسير القرطبي 11/ 11 0
(6) فتح القدير : الشوكاني 3 / 299 0(2/64)
وفي السنة المطهرة من حديث انس بن مالك قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شي فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فأتاه رجل منهم فقال: يا محمد ، أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال : صدق 000) الحديث بطوله (1) 0
قال الحاكم )رحمه الله تعالى( : " فيه دليل على إجازة طلب المرء العلو من الإسناد ، وترك الاقتصار على النزول فيه ، وان كان سماعه من الثقة ، والبدوي لما جاءه رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما فرض الله عليهم لم يقنعه بذلك حتى رحل بنفسه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع منه فابلغه الرسول عنه ، ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه المصطفى سؤاله إياه عما اخبره رسوله عنه ، ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه " (2) 0
والإسناد العالي كما قال الناظم ( رحمه الله ):
وكل ما قلت رجاله علا ـــــــــــــ
وان شئت قلت: ما قل عدد الرواة فيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0
أو: ما قربت رجال سنده من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -بسبب قلة عددها ، بالنسبة إلى سند أخر يرد بذلك الحديث بعينه بعدد كثير ، أو بالنسبة لمطلق الأسانيد (3) 0
وهو في الجملة قسمان:
العلو المطلق: وهو ما كان قريباً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0
والعلو النسبي: وهو القرب من إمام حافظ ، أو مصنف ، أو بتقدم السماع ونحو ذلك (4) 0
__________
(1) اخرجه : مسلم في صحيحه – بشرح النووي 1/ 170- 171، أحمد 3/ 143 ، الدارمي في سننه 1 / 164 ، البيهقي في سننه الكبرى 4 / 325 ، الطبراني في الأوسط 5/ 198 ، الحاكم في المعرفة ص : 5 0
(2) معرفة علوم الحديث ص:5-6، توضيح الأفكار 2/399-400 0
(3) قواعد التحديث ص:127، الخلاصة ص : 53-54 ، جواهر الأصول ص : 62-63 0
(4) اختصار علوم الحديث ص:147، نزهة النظر ص:156 0(2/65)
وفي كل منها تفصيلات يطول إيرادها وشرحها وتوضيحها من الموافقة والبدل والمساواة والمصافحة وغيرها ، مع أنه لا يندرج تحت ذلك كبير فائدة (1) 0
وإنما يمدح العلو من جهة صحة السند ، فان كان السند ضعيفاً وهو عال لم يمدح ، ولم ينفعه علوه شيئا ، وذلك لأن المقصود هو صحة الحديث ، وبالتالي ما يبتنى عليه من العمل 0
قال ابن الصلاح: " العلو يبعد الإسناد من الخلل ، لأن كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخلل من جهته سهواً أو عمداً، ففي قلتهم قلة جهات الخلل ، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل ، وهذا جلي واضح " (2) 0
وقول الناظم ( رحمه الله ) :
ـــــــــــ وضده ذاك الذي قد نزلا
أي أن أحكام السند النازل هي عكس أحكام السند العالي ، التي تقدم بيانها ، فمن عرف العلو ، فقد عرف ضده 0
قال الحافظ ابن كثير ( رحمه الله تعالى ) : " وأما النزول فهو ضد العلو ، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو ، اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجل من رجال العالي وان كان الجميع ثقات " (3) 0
فالنازل:
هو ما كثرت الوسائط فيه حتى ينتهي به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو إمام من أئمة الحديث 0
وقد ذهب بعض من لم يتحقق بهذا العلم إلى تفضيله على العلو بدعوى : أن كثرة الوسائط توجب مزيد بحث في أحوال الرواة ، والأجر على قدر المشقة (4) 0
__________
(1) يراجع بيانها في : تدريب الراوي2/161و165-171، علوم الحديث ص :233-234، الباعث الحثيث ص:147-149، اختصار علوم الحديث ص:147، جوهر الأصول ص: 63 0
(2) علوم الحديث ص :231 ، النزهة ص:156-157.،الباعث الحثيث ص:146 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 149 وينظر : قواعد التحديث ص :128،التقريب بشرح التدريب2/ 172 0
(4) معرفة علوم الحديث ص:12،النزهة ص:157، التدريب2/172 ، جواهر الأصول ص : 64 0(2/66)
ولا يخفاك إن شاء الله تعالى ضعف هذا القول ، وانه قول مرجوح ، بل قال علي بن المديني )رحمه الله تعالى( : " النزول شؤم " (1) 0
فائدة:
أعلى ما في الكتب الستة والمسند من المرويات ما تسمى بالثلاثيات ، وهي الروايات التي فيها ثلاثة رواة ثم ينتهي السند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعدتها في الجامع الصحيح للبخاري : 22، وفي جامع الترمذي :1 وفي سنن ابن ماجه : 5، وفي مسند الإمام احمد : نحوا من مائتي حديث 0 وليس في صحيح الإمام مسلم ، ولا في سنن أبي داود والنسائي من الأحاديث الثلاثية شيئا 0
وقد تصدى لشرحها العديد من الفضلاء ، منهم العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن احمد السفاريني الحنبلي الذي شرح ثلاثيات المسند وسماها نفثات الصدر المكمد شرح ثلاثيات المسند (2) ، والله تعالى اعلم 0
تنبيه:
يقع في كلام كثير من أئمة الحديث وحفاظه ، كالخطيب البغدادي والمزي والذهبي وابن حجر وغيرهم ذكر العوالي من أحاديثهم ، وأنواعها المختلفة التي أشرنا إليها كالموافقة والمصافحة 000
قال الحافظ ابن كثير ( رحمه الله تعالى ) : " وعندي: انه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون " (3) 0
ووجه قلة جدواه ما ذكره الحافظ السيوطي ( رحمه الله تعالى ) بقوله: " وذلك لان العالي والنازل من الفضلات لا من الأصول المهمة " (4) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
ومرسل منه الصحابي سقط وقل غريب ما روى راو فقط
__________
(1) علوم الحديث ص : 238 0
(2) ينظر : مقدمة تحفة الأحوذي 1/249 ، كشف الظنون 1 / 522 و541 ، هدية العارفين 1 / 162 و441 و752 و 2 /16 و 186 و234و 340 ، معجم المطبوعات العربية 1 / 535 ، الأعلام 1/92 و4 / 65 و 95 و 6 / 188، إيضاح المكنون 1/ 298 و346، و 2/150 و 660 ، معجم المؤلفين 1 / 152 و 5 / 90 و 8 / 262 و 9 / 180 و 213 و 11 / 206 و 209 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 147، النزهة ص : 156 0
(4) طبقات الحفاظ ، السيوطي ص:362 0(2/67)
الحديث المرسل
الإرسال في اللغة يطلق على عدة معان منها :
أ.الإطلاق ، فكأن المرسل أطلق الإسناد ولم يقيده براو معروف (1) 0
ب. التفرق والاقتطاع ، وهذا واضح في أن كل طائفة لم تلق الأخرى ، ولا لحقتها ، فيبقى الإسناد مقطوعا غير متصل (2) 0
ج.الاسترسال ، وهو الطمأنينة إلى الإنسان والثقة به في ما يحدثه فكأن المرسل للحديث اطمأن إلى من أرسل عنه ، ووثق به وهذا في الغالب ، وإلا فان منهم من يرسل مع عدم الثقة برواية الذي أرسل عنه (3)0
د 0 السرعة في المسير ، فكأن المرسل للحديث أسرع فيه عجلاً فحذف بعض إسناده 0 وكل معنى من هذه المعاني الأربعة محتملة في المرسل (4) 0
أما في اصطلاح أهل الحديث فعبر عنه الناظم )رحمه الله تعالى( بأنه: ما سقط اسم الصحابي منه ، وبه قال جماعة من أهل الحديث (5) 0
والاكثرون من أهل الفن - وهو الصواب - على انه : ما أضافه التابعي ، صغيراَ كان أو كبيرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول ،أو فعل ،أو تقرير،أو صفة 0
وان شئت قلت اختصاراً :
المرسل : هو مرفوع التابعي. وبذلك يشمل كل صور الرفع الصريح والحكمي ، من غير تفريق بين تابعي كبير وصغير. وقد قيده بعض أهل العلم كالطيبي وابن جماعة : برواية التابعي الكبير كسعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عدي بن الخيار (6) 0
حجيته :
__________
(1) جامع التحصيل، العلائي ص:14،النكت على ابن الصلاح 2 / 542، مناهج المحدثين ص:117 0
(2) جامع التحصيل ص:14، مناهج المحدثين ص :117- 118 0
(3) جامع التحصيل ص :14، مناهج المحدثين ص : 118 0
(4) جامع التحصيل ص:15،النكت على ابن الصلاح2/542، مناهج المحدثين ص: 118 0
(5) لقط الدرر ص:63 ، قواعد التحديث ص:133 0
(6) الخلاصة في أصول الحديث ، الطيبي :65، علوم الحديث ص : 47، توضيح الأفكار 1/283، جامع التحصيل ص :24، اختصار علوم الحديث ص:46، لقط الدرر ص:63 ، توجيه القاري ص : 167 0(2/68)
جمهور أهل العلم بالحديث ، يردون المرسل فلا يحتجون به ، وذلك للجهل بحال الساقط في الإسناد ،
قال الإمام مسلم ( رحمه الله تعالى ): " والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بألاخبار ليس بحجة " (1) 0 وقال أبو بكر الخطيب )رحمه الله تعالى( : " والذي نختاره من هذه الجملة سقوط فرض العمل بالمراسيل ، وأن المرسل غير مقبول ، والذي يدل على ذلك أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه ، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه ، ولا يجوز قبول الخبر إلا ممن عُرفت عدالته ، فوجب لذلك كونه غير مقبول " (2) 0
وذهب كثير من الفقهاء إلى الاحتجاج به مطلقاً ومنهم من قيده بشروط ، وللاطلاع على ذلك ينظر تحريره في كتب أصول الفقه 0 قال الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( : " وأما كونه حجة في الدين ، فذلك يتعلق بعلم الأصول 0" (3) ، يعني أنه ليس من المباحث التي يتناولها علماء الحديث ، وانما يبحثها علماء أصول الفقه ، وبالله التوفيق 0
فوائد :
__________
(1) . مقدمة صحيح مسلم- بشرح النووي1/30 ، وينظر: قواعد التحديث ص :133-141 ، توجيه القاري ص : 168 0
(2) الكفاية في علم الرواية ، الخطيب البغدادي ص : 550 ، جامع التحصيل ص : 12 ، قواعد التحديث ص : 133 ، لقط الدرر ص : 64 ، التدريب 1 / 198 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 47 ، وينظر : الخلاصة ص : 66 ، جواهر الأصول ص : 44 0(2/69)
1 .التابعي يقسم إلى قسمين : تابعي كبير ، وتابعي صغير 0أما التابعي الكبير : فهو الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم ، وكانت اكثر روايته عنهم (1) 0 أما التابعي الصغير : فهو الذي لم يلق من الصحابة إلا القدر اليسير ، أو لقي جماعة من الصحابة ، لكن غالب مروياته عن التابعين ، كمحمد بن شهاب الزهري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، وقتادة بن دعامة السدوسي ، وحُميد الطويل (2) 0
2- المرسلات منها ما هو صحيح ، ومنها ما هو حسن ، ومنها ما هو ضعيف ، على تفصيل تجده في المطوّلات (3)0
3- مراسيل الصحابة حجة عند جمهور العلماء ، وحكاه بعضهم إجماعاً ، وذلك لأن رواية الصحابي عن غير الصحابي نادرة جداً ، وإذا رووها بيّنوها ، فإذا أطلقوا ذلك ، فالظاهر انه عن الصحابة ، والصحابة كلهم عدول (4) 0
قال ابن الصلاح )رحمه الله تعالى( : " ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي ، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمعوه منه لان ذلك في حكم الموصول المسند ، لان روايتهم عن الصحابة ، والجهالة بالصحابي غير قادحة ، لان الصحابة كلهم عدول " (5) 0
قال خاتمة الحفاظ ابن حجر العسقلاني )رحمه الله تعالى( : " وقد اتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك إلا من شذَّ ممن تأخر عصره عنهم ، فلا يعتد بمخالفته " (6) 0
__________
(1) ألفية الحديث ص : 162 ، لقط الدرر ص : 74 ، اختصار علوم الحديث ص : 174، توضيح الأفكار 1 / 286 0
(2) علم الرجال ص : 49 0
(3) قواعد التحديث ص : 135 و 141 و 143و148 - 159 ، توجيه القاري ص : 169 ، توجيه النظر ص : 166 0
(4) اختصار علوم الحديث ص : 48 وينظر : الخلاصة ص : 67 ، جواهر الأصول ص : 45 0
(5) علوم الحديث ص : 50 – 51 0
(6) هدي الساري ص : 537 ،وينظر : قواعد في علوم الحديث ص : 138 – 148 ، توجيه النظر ص : 152 ، مناهج المحدثين ص :137 0(2/70)
4- بذل علماء الحديث جهداً بارزاً في تمييز الرواة والمرويات ، نرى ذلك بينا واضحا من خلال قائمة المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع ، كالمراسيل لأبي حاتم ، وأبي داود ، وجامع التحصيل للحافظ العلائي ، وللحافظ ولي الدين أبي زرعة كتاب في هذا الشأن أيضا وغيرها 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
وكلُّ ما لم يتصل بحالِ إسناده منقطع الأوصالِ
الحديث المنقطع
إذا فقد الحديث شرط الاتصال ، فهو المنقطع 0 وعلى هذا مشى طائفة من أهل الحديث ، إلا أن هذا التعريف سيدخل فيه كل ما فقد هذا الشرط ، ليشمل : المعلق ، والمعضل ، والمرسل ، والمرسل الخفي ، وغيرها مما لا يعرف لها الاتصال 0 فإن هذه جميعاً توصف بالانقطاع 0
والذي عليه جمهور أهل الحديث : أن المنقطع ما سقط من أثناء إسناده ،لا أوله ، ولا آخره ، راوٍ واحد فقط ، ولو تعدد السقط ، أي سقط أكثر من راوٍ ، ولكن ليس على التتابع (1) 0وقولنا : لا من أوله خرج بذلك الحديث المعلق ، وهو ما حذف مبدأ إسناده ، أو السند كله (2) 0
وقولنا : ولا آخره ، خرج بذلك المرسل ، فإنه حذف من آخره اسم الصحابي 0
حكمه :
الحديث المنقطع حديث ضعيف لا يُحتج به ، عند جمهور المحدثين ، وذلك للجهل بحال الساقط من الإسناد ، فلا يعلم حال هذا الراوي ، من الوثاقة أو الضعف (3) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
والمُعْضَلُ السَّاقِطُ منه اثنانِ وما أتى مدلَّسَاً نوعانِ
الحديث المعضَل
المعضل في اللغة :
__________
(1) علوم الحديث ص : 52 ، قواعد التحديث ص : 130 ، اختصار علوم الحديث ص : 48 - 49 ، توجيه النظر ص : 167 ، الخلاصة ص : 68 ، جواهر الأصول ص : 45 0
(2) علوم الحديث ص : 20 ، هدي الساري ص : 18 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 162 ، مناهج المحدثين ص : 223 وفيه أمثلة على هذا النوع ص : 232 - 242 ، قواعد التحديث ص : 130 ، توجيه القاري ص : 167 ، الخلاصة ص : 65 0(2/71)
العضل : المنع والشدة ، وأعضله الأمر : غلبه ، وداءٌ عضال : شديد ؛ كأن المحدث الذي حدث به أعضله ، حيث ضيق المجال على من يوفيه إليه ، وحال بينه وبين معرفة رواته بالجرح والتعديل ، وشدد عليهم الحال (1) 0
أما في الاصطلاح : فانه الحديث الذي سقط من إسناده راويان اثنان ، كذا قال الناظم (رحمه الله تعالى )
وهذا يحتمل أن يكون في موضع واحد فقط سقط منه راويان متواليان ، أو في عدة مواضع ، فكان يتعين تقييده بالتوالي ، كما فعل الحافظ السيوطي )رحمه الله تعالى( في ألفيته إذ قال :
منقطعٌ في موضعين اثنين لا تواليا ومعضلٌ حيث وَلَاْ (2)
ولو كان الساقط من الإسناد ثلاثة من الرواة المتوالين فهو معضل أيضا 0 قال الحافظ ابن كثير ) رحمه الله تعالى( : " المعضل هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً ومنه ما يرسله تابع التابعي " (3) 0أي لكونه يُسقط التابعي والصحابي على التوالي 0
حجيته :
وهو من أقسام الحديث الضعيف ، التي لا يُحتج بها ، وذلك للجهل بحال الراويين الساقطين من الإسناد ، قال ابن جُماعة )رحمه الله تعالى( : " والمعضل من أقسام الضعيف "(4) 0
فائدة :
__________
(1) ينظر : مختار الصحاح ص : 438 ، لقط الدرر ص : 65 ، مناهج المحدثين ص : 245 ، علوم الحديث ص : 54 0
(2) ألفية السيوطي ص : 31 0
(3) اختصار علوم الحديث ص : 50 ، لقط الدرر ص : 60 و 65 ، الخلاصة ص : 69 ، جواهر الأصول ص : 46 0
(4) ينظر : توجيه القاري ص : 170 0(2/72)
المعضل اشد ضعفاً من المنقطع ، والمنقطع اشد ضعفاً من المرسل 0 وذلك واضح لا يخفى إن شاء الله تعالى من حيث أن المعضل سقط منه راويان متواليان ، بينما المنقطع سقط منه راوٍ واحد فضَعُفَ من اجله ، وما ضعف بعلة واحدة أيسر حالاً مما ضعف بعلتين ، ولذلك يكون المرسل اقل ضعفاً من المنقطع والمعضل ، لأن الذي سقط اسمه من السند في الغالب هو الصحابي ، والصحابي عدالته معلومة ، ولم يكن الضعف في التابعين مشهوراً ، بل هو في القليل والنادر ، والله تعالى اعلم 0
فائدة أخرى :
من مظان الحديث المعضل ، مؤلفات أبي بكر بن أبي الدنيا (1) ، وسنن سعيد بن منصور وغيرها 0
وقول الناظم (رحمه الله تعالى ):
ــــــــــ وما أتى مُدَلساً نوعانِ
شروع منه في بيان أحكام الحديث المدلًّس ، فنقول :
الدلس في اللغة : هو إخفاء العيب ، وسماه المحدثون تدليساً لاشتراكه مع المعنى اللغوي في الخفاء ، وفي تغطية وجه الصواب فيه ، قال الحافظ : سمي بذلك لاشتراكه في الخفاء (2) 0
أما في اصطلاح أهل الحديث فذكر له الناظم )رحمه الله تعالى( نوعين(3) بقوله :
الأوّلُ : الإسقَاطُ للشيخِ وأنْ يَنْقُلَ عَمَّنْ فوقَهُ بعَنْ وأنْ
والثاني : لا يُسقِطُهُ لكنْ يصِفْ أوصافَهُ بما بهِ لا يَنْعَرِفْ
أما النوع الأول : فهو تدليس الإسناد : وهو رواية الراوي عمن قد سمع منه ، ما لم يسمعه منه ، من غير أن يذكر انه سمعه منه 0 فتراه يستخدم لفظاً غير صريح في السماع كقال ، وعن ، وهذا أدق ما عُرِّفَ به (4) 0
__________
(1) انظر بعضا منها في الرسالة المستطرفة ص : 50 0
(2) ينظر : مختار الصحاح ص : 209 ، نزهة النظر ص : 66 ، مناهج المحدثين ص : 259 0
(3) ينظر لأنواعه : توجيه النظر ص : 181 – 182 0
(4) النكت على ابن الصلاح 2 / 614 ، الخلاصة ص : 74 ، جواهر الأصول ص : 49 ، مناهج المحدثين ص : 260 0(2/73)
مثاله : روى الحاكم ( رحمه الله تعالى ) من طريق محمد بن إبراهيم السكري قال : ثنا علي بن خشرم قال : قال لنا ابن عُيينة ، عن الزهري 0 فقيل له : سمعته من الزهري ؟ فقال : لا ، ولا ممن سمعه من الزهري ، حدثني عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري (1) 0
فأنت ترى أن سفيان بن عُيينة ( وهو أحد المدلسين )(2) اسقط اثنين متواليين من السند ، أحدهما : شيخه ، والآخر شيخ شيخه ، مستخدماً لفظة عن ، وهذا يصلح أن يكون مثالاً للحديث المعضل أيضا ، وذلك لسقوط راويين منه على التوالي 0
حكمه :
من ثبت عنه التدليس ، وكان عدلاً ، فإنه لا يُقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث أو السماع ، أو الإخبار على الأصح عند أهل الحديث 0
قال الحافظ السيوطي ( رحمه الله تعالى ) : " والصحيح التفصيل : فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع ، فمرسل لا يُقبل ، وما بين فيه : كسمعت ، وحدثنا ، واخبرنا ، وأشباهها فمقبول يُحتج به " 0 وهو ما نص عليه الحافظ ابن الصلاح قبله (3) 0
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص : 52 ، معرفة علوم الحديث ص : 104 0
(2) فائدة دقيقة : حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث انهم قالوا : يقبل تدليس ابن عيينة لانه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما ، ورجحه ابن حبان قال : وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة فانه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن 0 ينظر : قواعد في علوم الحديث ص : 159 0
(3) علوم الحديث ص : 67 – 68 ، تدريب الراوي 1 / 229 – 230 ، النكت على ابن الصلاح 2 / 625 ، اختصار علوم الحديث ص : 53 ، قواعد التحديث ص : 132 ، لقط الدرر ص : 67 0(2/74)
النوع الثاني : تدليس الشيوخ ، وهو أن يروي عن شيخه حديثاً لم يسمعه منه فيسميه ، أو يكنيه أو ينسبه ، أو يصفه بما لم يشتهر به كي لا يُعرف ، ولو وصف شيخ شيخه بذلك كان من التدليس أيضا (1)0
مثاله : كما قال ابن الصلاح )رحمه الله تعالى( : " ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد الإمام المقرئ ، انه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني ، فقال : حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله " (2) 0
فأبو بكر بن أبى داود ، هذا هو المشهور في الرواية عنه ، فإذا سماه باسمه عبد الله ، ثم كناه : ابن أبي عبد الله ، فهذا غير مشهور به ، ولا يُعرف به ، عُدّ هذا من تدليس الشيوخ 0
حكمه :
يختلف حكمه باختلاف المقاصد الحاملة عليه ، ولذلك فهو درجات متعددة ، قال الحافظ السيوطي )رحمه الله تعالى( : " وتختلف الحال في كراهيته بحسب غرضه ، فإن كان المُغَير اسمه ضعيفاً فيدلسه حتى لا تظهر روايته عن الضعفاء فهو شر قِسْم " (3) ، بل نص الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( على حرمة هذا القِسْم (4) 0
والتدليس في الجملة مذموم من جهة :
1- إيهامه السماع ممن لم يسمع منه 0
2- عدوله عن الكشف إلى الاحتمال ، وذلك خلاف موجب الورع والأمانة 0
3- انه لو بين من روى عنه ، لعلم انه لم يكن مرضياً مقبولاً عند أهل النقل 0
4- إيهام علو الإسناد ، والأنفة من الرواية عمن حدثه (5) 0
فوائد :
__________
(1) الكفاية للخطيب البغدادي ص : 520 ، النكت على ابن الصلاح 2 / 651 ، اختصار علوم الحديث ص : 53 ، قواعد التحديث ص : 132 ، تدريب الراوي 1 / 228 ، جواهر الأصول ص : 49 0
(2) علوم الحديث ص :66 - 67، لقط الدرر ص : 67 0
(3) تدريب الراوي 1 /230 ، لقط الدرر ص : 68 ، جواهر الأصول ص : 50 ، الخلاصة ص : 75 0
(4) اختصار علوم الحديث ص : 53 0
(5) الكفاية ص : 510 – 511 ، مناهج المحدثين ص : 277 ، اختصار علوم الحديث ص ، 52 – 53 0(2/75)
المدلسون ليسوا على درجة واحدة ، وإنما هم على مراتب مختلفة (1) 0
2- ما وقع من التدليس في الصحيحين فهو محمول على الاتصال (2) 0
- في بيان المدلسين ،ومراتبهم صُنفت كتبٌ عدة منها : للسبط العجمي )رحمه الله تعالى( ( ت841 هـ ) ( رسالة في التدليس والمدلسين ) ، وللسيوطي )رحمه الله تعالى( ، ( المدلسون ) وللعلامة العلائي )رحمه الله تعالى( بحث في المدلسين في كتابه القيم ( جامع التحصيل ) ، وللحافظ ابن حجر العسقلاني )رحمه الله تعالى( في نكته على ابن الصلاح بحث مهم في ذلك ، وأفرده أيضا بكتاب نفيس هو ( مراتب التقديس في الموصوفين بالتدليس ) ، وكلها مطبوعة والحمد لله رب العالمين 0
– هناك تداخل دقيق بين مباحث التدليس والإرسال والارسال الخفي ، فتنبه لذلك ، ولا تختلط عليك المصطلحات ، وليس هذا محل التفصيل ، والله الموفق لما يحب ويرضى 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
وما يُخَالِفُ ثقةٌ فيهِ المَلا فالشاذُ ، والمقلوبُ قسمانِ تَلَا وهذا نوع جديد من أنواع علوم الحديث يتناوله الناظم )رحمه الله تعالى( وهو الشاذ 0
فالشاذ في اللغة : المنفرد عن الجمهور(3)0
أما في اصطلاح أهل الشأن : فالمشهور هو ما عرّفه به الإمام الشافعي ( رحمه الله تعالى ) بقوله : " الشاذ ، أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس " (4) 0 ويعني بالناس : الثقات من أهل الحديث 0
وإن شئت فقل في تعريفه : الشاذ ، ما رواه المقبول مخالفا من هو أولى منه 0
__________
(1) ينظر : توجيه النظر ص : 182 0
(2) اختصار علوم الحديث ص : 53 0
(3) مختار الصحاح ص : 232- 233 0
(4) معرفة علوم الحديث ص : 119 ، آداب الشافعي ومناقبه ، لابن أبي حاتم ص : 233 – 234 ، مناقب الشافعي ، البيهقي 2 /30 ، معرفة السنن والآثار ، البيهقي 1 /143 – 144 ، علوم الحديث ص : 68 ، توجيه النظر ص : 183 و 221 ، الموازنة ص : 246 – 248.(2/76)
وإن شئت فقل : هو مخالفة الثقة لمن هو أرجح منه ، سواء كانت بالزيادة أو النقص في المتن أو السند (1)0
أقسامه :
ينقسم الشاذ بحسب موضعه من الحديث إلى قسمين : شاذ في السند ، وشاذ في المتن ، ومن الممكن أن يقع فيهما معا (2) 0
حكمه :
قال ابن الصلاح : " أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في انه شاذ غير مقبول ، لأن راويه وإن كان ثقة لكنه ، لما خالف من هو أقوى منه ، علمنا انه لم يضبط الحديث فيكون مردوداً (3) 0
مثاله :
ما أخرجه الإمام الدارقطني (4) )رحمه الله تعالى( في سننه عن عائشة ( رضي الله عنها ) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقصر في السفر ويتم ، ويفطر ويصوم 0
__________
(1) توجيه النظر ص : 222 ، الحديث المعلول ص : 52-66 0
(2) منهج النقد ص : 428 ، توجيه النظر ص : 222 ، نظرات جديدة ص : 34- 36 0
(3) علوم الحديث ص : 69 ، كفاية الحفظة ص : 160 ، منهج النقد ص : 428 ، توجيه القاري ص : 170 0
(4) 2/ 119 ، وقال : وهذا إسناده صحيح ، وينظر : السنن الكبرى ، البيهقي 3/ 142 ، و قال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي 3/85 –86 : " وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم رواه الدارقطني فهو حديث فيه كلام لا يصلح للاحتجاج وإن صحح الدارقطني إسناده " 0 وفي سبل السلام 2/38 : " استنكره احمد فان عروة روى عنها أنها كانت تتم وأنها تأولت كما تأول عثمان كما في الصحيح فلو كان عندها رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل عروة أنها تأولت ، وقد ثبت في الصحيحين خلاف ذلك " 0(2/77)
فهذا الحديث رجال إسناده ثقات ، وقد صحح إسناده الدارقطني ، لكنه شاذ سندا ومتناً ؛ فأما السند فلأنه خالف ما اتفق عليه الثقات عن عائشة ) رضي الله تعالى عنها ) من فعلها غير مرفوع ، وأما المتن فلأن الثابت عندهم مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على قصر الصلاة في السفر ، لذلك قال الحافظ ابن حجر )رحمه الله تعالى( : " والمحفوظ من فعلها " (1) 0 أي رواية ذلك موقوفا عليها لا مرفوعاً ، وله أمثلة كثيرة (2) 0
مثال آخر للشذوذ في المتن :
روى أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة(رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه " (3)0
__________
(1) بلوغ المرام – بشرحه سبل السلام2/ 38 0
(2) يُراجع : منهج النقد ص : 428 0
(3) المسند 2 / 415 ، السنن الكبرى ، البيهقي 3 / 45 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 167 – 168 ، صحيح ابن حبان 6 / 220 ، موارد الظمآن ، الهيثمي ص : 161 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر 67 / 349 ، وصحح إسناده على شرط البخاري ومسلم ، الإمام النووي في شرحه على مسلم 6 / 19 وصحح إسناده أيضا في : رياض الصالحين ص : 477 ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه كما في تحفة الاحوذي للمباركفوري 2 / 394 – 395 حيث انتصر لصحته ،وقال الشوكاني في نيل الاوطار3 / 25 – 26 : " ورجاله رجال الصحيح " وصححه الالباني في : ابي داود (1261 ) ، والترمذي ( 420 ) ، صحيح الجامع ( 642 ) ، مشكاة المصابيح ( 1206 ) ، وينظر : عون المعبود 4/ 98 ، فيض القدير 1 / 500 ، سبل السلام 2/ 6 ، المحلى 3 / 196 0 تنبيه : الذي عليه أكثر أهل العلم استحباب هذه الضجعة ، وخالف ابن حزم فذهب إلى الوجوب ، والحق انه مستحب ، والله تعالى اعلم 0(2/78)
قال الإمام البيهقي )رحمه الله تعالى( : " خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا ، فان الناس إنما رووه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا من قوله ، وانفرد عبد الواحد من بين ثقات أصحاب الأعمش بهذا اللفظ " (1)
وقد أشار إلى نحو من هذا الإمام الترمذي )رحمه الله تعالى( فقال : " وقد روي عن عائشة) رضي الله تعالى عنها(، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى ركعتي الفجر في بيته ، اضطجع على يمينه " ، فجعله من فعله - صلى الله عليه وسلم - لا من قوله " 0
وبذلك أعله شيخ الاسلام ابن تيمية ، فيما نقله عنه تلميذه ابن القيم ( رحم الله تعالى الجميع ) في زاد المعاد (2)0
وقال البيهقي )رحمه الله تعالى( : " وقد رواه محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح عن أبي هريرة حكاية عن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا خبرا عن قوله 000 وهذا أولى أن يكون محفوظا لموافقته سائر الروايات عن ابن عباس وعائشة "(3) 0
وقال الإمام الذهبي )رحمه الله تعالى( : " عبد الواحد بن زياد ، أبو بشر العبدى البصري ، أحد المشاهير ، احتجا به في الصحيحين ، وتجنبا تلك المناكير التى نقمت عليه 0 [ فيحدث عن الأعمش بصيغة السماع ، عن أبى صالح ، عن أبى هريرة ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه " أخرجه أبو داود ] (4) 0
تنبيه :
__________
(1) توجيه النظر ص : 222 0
(2) زاد المعاد 1/ 82 0
(3) السنن الكبرى ، البيهقي 3 / 45 0
(4) ميزان الإعتدال 2 / 672 0(2/79)
وهذا النوع دقيق جداً ، لأنه يشتبه كثيراً بزيادة الثقة في السند ، أو المتن ، ويحتاج إلى نظر دقيق للفصل بينهما (1) 0 وكذلك يُشتبه بين الحديث الشاذ والمنكر من جهة التفرد الذي يقع فيهما 0
أما الشاذ فهو تفرد الثقة ، مخالفاً الأوثق ، أو جماعة الثقات ، أما المنكر فهو تفرد الضعيف ، مخالفاً الثقات ، وبذلك بان الفرق بينهما 0
أما مطلق التفرد من غير مخالفة ، فيُنظر في حال الراوي إن كان ثقة فحديثة مقبول ، وان كان ضعيفاً فحديثه مردود ، ويستفاد هذا من مجموع كلام أئمة الحديث في الشذوذ ، والنكارة ، والتفرد (2)0
فائدة :
يقع في كلام أئمة الجرح والتعديل ، وكتب التخريج ، التنبيه على الشذوذ وغيره من العلل ، إلا انه لم يفرده أحد في التصنيف سوى الشيخ عبدالعزيز الغماري الطنجي )رحمه الله تعالى( في كتابٍ سماه ( الفرائد المقصودة في الأحاديث الشاذة المردودة ) كما أفادنا بذلك بعض شيوخنا – أحسن الله جزائهم في الدارين 0
ثم شرع الناظم ( رحمه الله تعالى ) في بيان المقلوب وانه قسمان فقال :
إبدالُ راوٍ ما براوٍ قِسْمُ وقَلبُ إسنادٍ لمتنٍ قِسْمُ
الحديث المقلوب
القلب في اللغة : ما جاء على غير وجه الصواب (3) 0
أما في الاصطلاح فلا يمكن وضع تعريف دقيق شامل لكل أنواعه ، قال الشيخ العلامة محمد محي الدين عبد الحميد ( رحمه الله تعالى ) : " لا يمكن تعريف أنواع المقلوب كلها في تعريفٍ واحد ، وذلك لأنها أنواع مختلفة لحقائق ، والحقائق المختلفة لا يمكن جمعها في حقيقة واحدة " (4) 0
__________
(1) منهج النقد ص : 429 ، كفاية الحفظة ص : 160 – 166 ، الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص : 89 – 95 ، عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح ، د 0 حمزة المليباري ص : 62 – 63، الحديث المعلول ص: 31-52
(2) هدي الساري ص : 544 0
(3) ينظر : مختار الصحاح ص : 447 0
(4) توضيح الأفكار 2 / 98 – 99 الهامش ، وينظر : النكت على ابن الصلاح 2 / 864 0(2/80)
ومع ذلك فالقلب له صورتان :
الصورة الأولى : أن يقع القلب في الإسناد ، وهو على وجهين :
أن يقدم الراوي ويؤخر في اسم أحد الرواة واسم أبيه كأن يكون في الأصل : كعب بن مرة ، فيقول الراوي : مرة بن كعب 0
2- أن يكون الحديث مشهوراً عن راوٍ من الرواة ، أو مشهوراً بإسناد من الأسانيد ، فيعمد أحد الوضاعين ، أو الكذابين إلى تغييره براوٍ آخر ، كأن يكون الحديث مشهور عن عبد الله ، فيجعله الكذاب عن نافع ، أو يكون الحديث مشهورا عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فيجعله عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي هريرة (1) 0
وهذا هو الذي عبر عنه الناظم )رحمه الله تعالى( بقوله : ( إبدال راوٍ ما براوٍ قسم ) فأنه شامل للقلب الذي يقع في الإسناد 0
الصورة الثانية : أن يقع القلب في المتن ، وهو على وجهين أيضا :
1- أن يجعل الكلمة في غير موضعها ، كحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله 0 وفيه : ( ورجل تصدق بصدقةٍ أخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ) رواه مسلم 0 وقد جاءت الرواية في الصحيحين على الجادة : ( حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) 0
أن يجعل الوضاع الحديث على غير إسناده ، ويضع إسناده على غير متن هذا السند (2) 0
وهذا هو الذي عبر عنه الناظم )رحمه الله تعالى( بقوله : ( وقلب إسناد لمتن قسم ) 0
تتمة :
نتساءل فنقول : لماذا يقع القلب في الروايات الحديثية ؟ والجواب : إن الحامل على ذلك أسباب كثيرة أهمها :
إظهار الراوي أن لديه من الروايات ما لا يوجد عند أقرانه ، فيرغب الناس في الأخذ عنه لما عنده من روايات لا يشاركه فيها احد0
__________
(1) توضيح الأفكار ، وحاشيته 2 / 99 – 102 ، الشذا الفياح ص : 151 ، الخلاصة ص : 76 ، الحديث المعلول ص : 77-81 0
(2) منهج النقد ص : 152 توضيح الافكار2 / 105 – 107 ، كفاية الحفظة ص :255 – 256 0 وتنظر أمثلته في : الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ص : 82 – 83 0(2/81)
خطأ الراوي وغلطه ، وهذا إذا كثر منه فهو دال على عدم إتقانه وضبطه لما يرويه ، وان كان من القليل النادر فان هذا لا يضر في ضبطه ، ولا يوجد راو إلا والخطا وارد عليه 0
الاختبار والامتحان للمحدث هل هو حافظ أم غير حافظ ؟ كما وقع مع محمد بن عجلان ، والإمام البخاري ، والدارقطني ، وابن عدي وغيرهم (1) 0
حكمه :
إذا وقع القلب بقصد الاختبار والامتحان فأنه جائز عند اكثر أهل الحديث ، لما فيه من أن القالِب أراد أن يتثبت من حفظ المحدث حتى يطمئن قلبه إلى الأخذ عنه ، وهذا ينتهي بانتهاء الحاجة إليه ؛ أما ما يفعل بقصد الإغراب فهو غير جائز ، وإن وقع من غير قصد ، وانما نتيجة غفلة ، فإن صاحبه معذور لعدم القصد ، إلا انه يجعل المحدث ضعيفاً لضعف ضبطه (2) 0
قال العلامة المحدث الشيخ احمد محمد شاكر )رحمه الله تعالى( : " وهذا العمل محرم ان يقصده العالم به ، إلا إذا كان يريد به الاختبار ، وشرط الجواز كما قاله الحافظ ابن حجر : أن لا يستمر عليه ، بل ينتهي بانتهاء الحاجة " 0 (3)
فائدة :
قال الإمام الذهبي )رحمه الله تعالى( : " ومن تعمد ذلك – أي القلب في الحديث – وركب متنا على إسناد ليس له ، فهو سارق الحديث ، وهو الذي يقال في حقه : فلان يسرق الحديث " (4) 0
قال الناظم ( رحمه الله تعالى ):
والفَرْدُ ما قَيدتَهُ بثقةْ أو جمعٍ ، أو قَصْرٍ على روايةْ
الحديث الفرد
الفرد : هو ما تفرد به راويه بأي وجهٍ من وجوه التفرد(5).
__________
(1) توضيح الأفكار 2 / 103 – 105 ، اختصار علوم الحديث ص : 82 ، الشذا الفياح ص : 152، الباعث الحثيث ص : 83 – 84 ، كفاية الحفظة ص : 256 – 257 ، جواهر الأصول ص : 51 0
(2) نزهة النظر ص : 125 ، توضيح الأفكار 2 /105 – 106 والهامش 2 /101 0
(3) الباعث الحثيث ص : 84 0
(4) الموقظة مع شرحها كفاية الحفظة ص : 256 – 257 0
(5) منهج النقد ص : 399 ، الرسالة المستطرفة ص : 114 0(2/82)
وان شئت قلت : هو أن يروي شخص من الرواة حديثا ، دون أن يشاركه الآخرون(1) 0
وهو قسمان :
الفرد المطلق : وهو ما تفرد به راويه عن جميع الرواة ، لم يروه أحد غيره ، فيدخل فيه : الغريب إسناداً ومتناً ، والشاذ ، والمنكر 0
الفرد النسبي : وهو ما يقع فيه التفرد بالنسبة إلى جهة خاصة ، أيا كانت هذه الجهة ، وبذلك فهو يشمل :
1 - تفرد الثقة عن الثقة ، بأن لا يروي الحديث عن راوٍ ثقة إلا هذا الثقة 0 بمعنى انه لا يروى من طريق الضعفاء عن الثقة ، فانفرد هذا الراوي الثقة من بينهم بالرواية عن الثقة ، وهذا هو الذي عبر عنه الناظم بقوله : ( والفرد ما قيدته بثقة ) (2) 0
2- تفرد الراوي بالحديث عن راوٍ ، بأن لا يرويه غيره ، وإن كان مروياً من وجوه أخرى عن غيره 0 وهذا هو الذي عبر عنه الناظم بقوله : ( أو جمع ) أي ينفرد عن جمع بالرواية عن راوٍ لا يشاركه فيه أحد غيره (3)0
3- تفرد أهل بلد أو قطر أو قبيلة بحديث لا يرويه غيرهم كحديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد 0 أخرجه مسلم 0قال الإمام الحاكم )رحمه الله تعالى( : " تفرد أهل المدينة بهذه السنة " (4) 0
حكمه :
ينقسم الفرد إلى ثلاثة أقسام من حيث القبول والرد : فمنه ما هو صحيح ، ومنه ما هو حسن ، وهذا الذي يقول فيه الإمام الترمذي في جامعه : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه 0 ومنه ما هو ضعيف ، والمعتبر في ذلك كله توفر شروط الحديث المقبول أو عدم توفرها (5) 0
فائدتان :
__________
(1) الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص : 71 0
(2) قواعد التحديث ص 128 ، علوم الحديث ص : 80 ، الرسالة المستطرفة ص : 114 0
(3) الموازنة ص : 72 0
(4) معرفة علوم الحديث ص : 96 ، قواعد التحديث ص : 128 ، الرسالة المستطرفة ص : 114 ، منهج النقد ص : 400، توجيه النظر ص : 180 – 181 0
(5) منهج النقد ص : 401 0 402 ، الموازنة ص : 74 0(2/83)
1 0 إن التفرد من المسائل المهمة التي اعتنى بها نقاد الحديث إذ أن له علاقة مباشرة بتعليل الأحاديث ، فهو أحد وسائل الكشف عما يكمن في الأحاديث من أوهام واخطاء ، فمن ثم أولاه المحدثون عناية بالغة واهتموا به اهتماما خاصا فافردوه بالتصنيف ، وألّفوا فيه التآليف النافعة ، منها :
( السنن التي تفرد بكل سنة منها أهل بلدة ) لأبي داود السجستاني ، ( والافراد ) للإمام الدارقطني ، وهو كتاب كبير حافل بالفوائد رتبه الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابٍ سماه : ( أطراف الأفراد ) ،و ( الأفراد ) لأبي حفص بن شاهين ، و ( الافراد المخرجة ) من أصول أبي الحسن بن زريق ، و( غرائب مالك ) للدارقطني ، و( الفوائد المنتخبة ) له ايضا ، والفوائد لتمام ، والمسند المعلل للبزار ، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ، والتاريخ الكبير للبخاري ، والكامل لابن عدي ، والضعفاء للعقيلي ، والمعجم الصغير والأوسط كلاهما للإمام الطبراني وغيرها كثير (1) وبالله التوفيق 0
2 0 لمعرفة التفرد في الحديث والكشف عنه يقوم نقاد الحديث بعملية تسمى الاعتبار ، وهي عبارة عن المقارنة بين الروايات كي يتبين هل الراوي تفرد بروايته ، أم شاركه فيها غيره ، وهذا في كل طبقة من طبقات الإسناد ، وهي عملية علمية دقيقة ، يقوم بها أهل الشأن من علماء الحديث (2)0
قال الناظم ( رحمه الله تعالى ) :
وما بِعلَةٍ غُمُوضٍ أو خَفَا مُعَلّلٌ عندَهُمْ قَدْ عُرِفا
تقدم في مبحث الحديث الصحيح إشارة سريعة على التعليل ، ونزيده هنا إيضاحاً وبياناً – بما يناسب حال الطالب المبتدئ0 فنقول : من أنواع علوم الحديث : المعلل ، ويسمى أيضا المُعلّ ، والمعتل ، والمعلول 0
__________
(1) منهج النقد ص : 401 ، الرسالة المستطرفة ص : 114 ، الموازنة ص : 72 ، الحديث المعلول ص : 93 0
(2) الموازنة ص : 73 ، الحديث المعلول ص : 93- 100 مهم جدا 0(2/84)
والعلة في اللغة : المرض (1) 0
وفي اصطلاح أهل الحديث :
العلة هي : عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة (2)طرأت على الحديث ( أي أن الأصل في الحديث السلامة من العلة ) فأثرت في صحته ولذا اخذوا في تعريف الحديث الصحيح : أن لا يكون شاذاً ولا معللاً (3) 0
قال ابن الصلاح )رحمه الله تعالى ( : " قد يُطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف ، المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل " (4) 0
كيفية معرفة العلة :
1- قال الخطيب البغدادي )رحمه الله تعالى( : السبيل إلى معرفة علة الحديث أن تجمع طرقه ، وتنظر في اختلاف رواته ، وتعثر بمكانهم من الحفظ ، والضبط ، والإتقان 0 وقال علي بن المديني : الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه (5) 0
2- قال ابن الصلاح )رحمه الله تعالى ( : " ويُستعان على إدراكها بتفرد الراوي ، وبمخالفة غيره له ، مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول ، أو وقف في المرفوع ، أو دخول حديث في حديث ، أو وهم واهم لغير ذلك " (6) 0
أهمية هذا العلم :
__________
(1) مختار الصحاح ص : 451 ، الشذا الفياح ص : 131 ، أسباب اختلاف المحدثين 2 / 413 ، مقدمة شرح علل الترمذي 1 /19 –21 0
(2) تقييدهم العلة بالخفاء ، وكونها قادحة على خلاف اصطلاح المحدثين فهو أوسع من ذلك ، وهذا من فكرة تطوير المصطلحات، ينظر : المنهج المقترح ، حاتم العوني ص : 220،الحديث المعلول ص : 16-17 ،الباعث الحثيث ص : 60 0
(3) توضيح الأفكار 2 / 26 – 27 ، وينظر : الحديث المعلول قواعد وضوابط ، د0 حمزة المليباري ص : 10 0
(4) علوم الحديث ص : 84 0
(5) تنقيح الأنظار ، ابن الوزير 2 /29، علوم الحديث ص : 82 ، أسباب اختلاف المحدثين 2 / 417، الخلاصة ص : 71 0
(6) علوم الحديث ص : 81 – 82 0(2/85)
قال الحافظ ابن حجر )رحمه الله تعالى (: " وهذا الفن ( يعني التعليل ) اغمض أنواع الحديث ، وأدقها مسلكاً ، ولا يقوم به إلا من منحه الله فهماً عالياً ، وإطلاعاً حاوياً ، وإدراكاً لمراتب الرواة ، ومعرفة شافية ، ولم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذّاقهم ، واليهم المرجع في ذلك ، لما جعل الله عز وجل فيهم من معرفة ذلك ، والاطلاع على غوامضه ، دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك " (1) 0
وقوع العلة في أحاديث الثقات :
قال الحافظ ابن الصلاح ( رحمه الله تعالى ) : " ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات ، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر " (2) 0
أين تقع العلة ؟
تقع العلة في إسناد الحديث ، وهو الأكثر ، وقد تقع في متنه ، وقد تقع فيهما معا (3) 0
ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً كما في التعليل في الإرسال والوقف وقد يقدح في صحة الإسناد من غير أن يقدح في صحة المتن 0
مصادر علل الحديث :
عني أئمة النقد بالتصنيف في هذا الفن وأودعوا تصانيفهم زبدة أبحاثهم الدقيقة منها :
العلل الكبير للامام الترمذي ، علل الحديث لابن أبي حاتم ، العلل الواردة في الأحاديث النبوية للإمام الدارقطني وهو اجلها واعظمها ، العلل لعلي بن المديني ، العلل للإمام احمد ، التاريخ والعلل ليحيى بن معين ، برواية عباس الدوري ، وغيرها الكثير (4) 0
__________
(1) نزهة النظر مع حاشية لقط الدرر ص : 75 – 76 ، وينظر : الخلاصة ص : 70 0
(2) علوم الحديث ص : 81 0
(3) ينظر لأمثلته : علوم الحديث ص : 82 – 83 ، الباعث الحثيث ص : 63 – 67 ، الخلاصة ص : 71 ، منهج النقد ص : 448 – 450 ، أسباب اختلاف المحدثين 2/419 0
(4) اختصار علوم الحديث ص : 61 – 62 ، مقدمة شرح العلل 1 / 59 – 90 ، منهج النقد ص : 454 ، الرسالة المستطرفة ص : 147و148و 211 0(2/86)
قال العلامة المحدث الشيخ احمد محمد شاكر )رحمه الله تعالى ( : " وتجد الكلام على علل الأحاديث مفرقا في كتب كثيرة من أهمها : نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ، للحافظ الزيلعي ، والتلخيص الحبير وفتح الباري كلاهما للحافظ ابن حجر ، ونيل الاوطار للشوكاني ، والمحلى للإمام الحجة أبي محمد بن علي بن حزم الظاهري ، وكتاب تهذيب سنن أبى داود للعلامة المحقق ابن قيم الجوزية " (1) 0
قلت : ومن احسن ما كتبه المعاصرون وأجَلِّهِ وأفحَلِهِ " سلسلة الأحاديث الصحيحة " و" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " و " ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " جميعها لمحدث العصر وحافظه وناقده أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني )رحمه الله تعالى( ، فانه أتى بما يستجاد في هذا الباب ، ولا اعلم أحدا يشاركه فيه على البسط والتوسع ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
وذُو اختلافِ سَنَدٍ أوْ مَتنِ مُضْطَرِبٌ عِنْدَ أُهَيْلِ الفنِّ
المضطرب : اسم فاعل من اضطرب ، يُقال : اضطرب الموج أي ضرب بعضه بعضاً واضطرب الأمر اختل (2) 0
أما في الاصطلاح : فهو أن يروي الراوي الحديث على وجوه مختلفة متساوية ، لا يمكن ترجيح بعضها على بعض ، أو الجمع بينها بوجهٍ من الوجوه (3) 0
__________
(1) الباعث الحثيث ص : 62 ، وينظر : الخلاصة ص : 73-74 الهامش ، مقدمة تحفة الأحوذي 1/279- 287 0
(2) مختار الصحاح ص: 378 0
(3) علوم الحديث ص : 84 ، اختصار علوم الحديث ص : 68 ، منهج النقد ص : 433 ، قواعد في علوم الحديث ص : 165 0(2/87)
وقد مثل له ابن الصلاح )رحمه الله تعالى( بحديث أبي بكر ( رضي الله عنه ) قال : ( يا رسول الله ، أراك قد شبت ؟ قال : شيبتني هود وأخواتها ) (1) 0
__________
(1) للوقوف على طرق هذا الحديث يراجع : المستدرك على الصحيحين 2/ 343 وقال : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وقال الترمذي : حسن غريب ( رقم 3279 بتحقيق الألباني ): " حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت ؟ قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت 0 قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه 0 وروى علي بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة نحو هذا وروي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا وروى أبو بكر بن عياش عن أبي إسحق عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث شيبان عن أبي إسحاق ولم يذكر فيه عن ابن عباس حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهروي حدثنا أبو بكر بن عياش " ، مجمع الزوائد 7/ 37و118و 133 ، مصنف عبدالرزاق 3/ 368 ،مصنف ابن أبي شيبة 7/ 201 ، مسند أبي يعلى 1/ 102و2 / 184 ، المعجم الأوسط ، الطبراني 8 / 160 ، المعجم الكبير ، الطبراني 6/ 148 و 17 /286 و 22 / 123 0(2/88)
قال الدارقطني )رحمه الله تعالى( : هذا حديثٌ مضطرب ، فأنه لم يروَ إلا من طريق أبي إسحاق وقد اختلف فيه على نحو عشرة أوجه : فمنهم من رواه عنه مرسلاً ، ومنهم من رواه موصولاً ، ومنهم من جعله من مسند أبي بكر ، ومنهم من مسند سعد ، ومنهم من جعله من مسند عائشة ، ورواته ثقات لا يمكن ترجيح بعضهم على بعض والجمع متعذر (1) 0 وقد رجح بعض أهل العلم بالحديث بعض الروايات المتقدمة على غيرها (2) ، فحكم بصحة الحديث المذكور(3) ، فخرج بذلك عن حد الاضطراب 0
__________
(1) سؤالات حمزة السهمي للدارقطني ص : 74-77 ، تذكرة الموضوعات ، الفتني ص : 82 ، فيض القدير 4 / 221 ، كشف الخفا ، العجلوني 2 / 15 ، الباعث الحثيث ص : 73 0
(2) من هؤلاء العلامة الألباني )رحمه الله تعالى( ، فراجع : السلسلة الصحيحة رقم ( 955) ، السلسلة الضعيفة رقم ( 1930 و1931) ، الترمذي ( 3279 ) ، صحيح الجامع ( 3720 – 3723 ) ، ضعيف الجامع ( 3418 – 3421 ) وغيرها 0
(3) فائدة لطيفة جدا : عدَّ الشيح محمد بن جعفر الكتاني في كتابه " نظم المتناثر من الحديث المتواتر " ص : 186 – 187 هذا الحديث من الأحاديث المتواترة وذكر له الطرق التالية : من حديث ( 1 ) عقبة بن عامر الجهني ( 2 ) وأبي جحيفة ( 3 ) وسهل بن سعد الساعدي ( 4 ) وابن عباس ( 5 ) وأبي بكر الصديق ( 6 ) وسعد بن أبي وقاص ( 7 ) وأنس بن مالك ( 8 ) وعمران بن حصين ( 9 ) ومحمد بن علي مرسلا ( 10 ) وأبي عمران الجوني مرسلا أورده في الجامع قبل الحديث السابق من أحاديث هؤلاء كلهم ويمكن أن يقال أنه أشار بذلك إلى أنه متواتر سيما وقد زاد في الدر المنثور ممن ورد عنه ( 11 ) أبا سعيد الخدري ( 12 ) وأبا هريرة ( 13 ) وابن مسعود ( 14 ) وعكرمة مرسلا ، وقد خرج هذا الحديث الشيخ مرتضى الحسيني في جزء سماه بذل المجهود في تخريج حديث شيبتني هود وتكلم عليه أيضا في شرح الإحياء في كتاب السماع والوجد وفي المقاصد الحسنة " 0(2/89)
وقول الناظم )رحمه الله تعالى ( : ( أُهَيْل ) تصغير كلمة أهل ، واستخدم التصغير هنا للتحبب ، وله استعمالات أخرى ليس هنا موضع ذكرها ، وانما تنظر في مظانها من كتب اللغة ، والله الموفق 0
تنبيهات :
1- الاضطراب قد يقع في المتن فقط وهو النادر ، وقد يقع في السند ، وهو الأكثر ، وقد يقع فيهما معاً (1) 0
2- إذا ترجحت إحدى الروايات بأحد وجوه الترجيح كحفظ راويها ، أو ضبطه ، أو طول صحبته لمن روى عنه (2)، كانت الراجحة صحيحة والمرجوحة شاذة أو منكرة 0 ولا يوجد ضابط كلي لهذا ، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص ، ونقد خاص ، ولا يخفى هذا على الممارس النابه ، الذي عنى بجمع الطرق (3) ، فدل هذا على أن الاضطراب يقع في الأحاديث الصحيحة والحسنة 0
3- إذا تساوت الروايات ، وامتنع الترجيح كان الحديث مضطرباً ، والاضطراب موجب لضعف الحديث لأنه يُشعر بعدم ضبط الراوي للحديث (4) 0
4- إذا اختلف في اسم راوٍ أو اسم أبيه أو نسبته مثلاً وهو ثقة ، فان الحديث يُحكم له بالصحة ، ولا يضر الاختلاف فيما ذُكِر ، مع تسميته مضطرباً (5) 0
__________
(1) تُراجع له أمثلة في : تمام المنة ص : 66 ، الارواء حديث رقم (252 ) ، تحفة الاحوذي 1 / 15 ، النكت 2 / 202 ، كفاية الحفظة ص : 231 – 234، قواعد في علوم الحديث ص : 165، الحديث المعلول ص : 92 0
(2) ينظر طرق الترجيح في : توجيه القاري ص : 133 – 138 0
(3) كفاية الحفظة ص : 226 ، الباعث الحثيث ص : 72 ، قواعد في علوم الحديث ص : 165، الموازنة ص : 248 0
(4) الباعث الحثيث ص : 72 ، الموقظة ، علوم الحديث ، كفاية الحفظة ص : 23، هدي الساري ص : 504 ، توجيه القاري ، حافظ ثناء الله الزاهدي ص : 173، قواعد في علوم الحديث ص : 165 ، الخلاصة ص : 76 ، جواهر الأصول ص : 50 0
(5) النكت على ابن الصلاح 2 / 785 – 787 ، الباعث الحثيث ص : 72 ، توجيه القاري ، ص : 173 ، قواعد في علوم الحديث ص : 166 0(2/90)
5- للحافظ ابن حجر كتاب سماه : ( المقترب في بيان المضطرب ) التقطه من كتاب ( العلل ) للإمام الدارقطني ، وصفه الشيخ المتولي ( ت 1003 هـ ) في مقدمة شرحه على الجامع الصغير فقال : " أفاد وأجاد " (1) 0 قلت : ولكنه مفقود 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
والمُدْرَجَاتِ في الحديثِ ما أَتَتْ من بعضِ ألفاظِ الرواةِ اتصَلَتْ
الحديث المدرج
الإدراج في اللغة هو : الطيّ ، واللّف ، وإدخال الشيء في الشيء (2) 0
أما في الاصطلاح فهو الذي بينه الناظم )رحمه الله تعالى(: بأن المدرج هو ما اتصل بالحديث من ألفاظ الرواة من غير بيان انه ليس من الحديث 0
قال الحافظ الذهبي )رحمه الله تعالى( : " هي ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن ، لا يُبين للسامع أنها من صلب الحديث ، ويدل دليل على أنها من لفظ راوٍ بأن يأتي بالحديث من بعضِ الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا " (3) 0
ويقع الإدراج في السند والمتن ، وإذا وقع في المتن فانه يحصل في أوله وأوسطه وآخره (4) 0
الطريق إلى معرفة الإدراج من وجوه :
1- أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - 0
2- أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي - صلى الله عليه وسلم - 0
3-أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج عن المتن المرفوع فيه بأن يضيف الكلام إلى قائله 0
__________
(1) الباعث الحثيث ص : 69 0
(2) مختار الصحاح ص : 202 ، كفاية الحفظة ص : 234 0
(3) الموقظة – بشرح الكفاية ص : 234- 235 ، وينظر : 0قواعد في علوم الحديث ص : 39 0
(4) علوم الحديث ص: 86 – 88 ، النكت 2 / 832 – 837 ، الباعث الحثيث ص : 74 ، كفاية الحفظة ص: 235 – 237 ، توجيه النظر ص : 172 – 173، جواهر الأصول ص : 30-33 ، الخلاصة ص : 49 ، الحديث المعلول ص : 82-87 0(2/91)
4 0 أن ينص بعض الأئمة المطلعين على ذلك (1) 0
حكمه :
قال الشيخ احمد شاكر : أما الإدراج لتفسير شيء من معنى الحديث ، ففيه بعض التسامح ، والأولى أن ينص الراوي على بيانه . وأما ما وقع من الراوي من غير عمد ، فلا حرج على المخطئ إلا أن كثر خطؤه ، فيكون جرحاً في ضبطه وإتقانه (2) 0
فائدة :
ولعل سائلا يقول : لماذا يحصل الإدراج في الأحاديث النبوية ؟ 0فالجواب : أن الحامل على الإدراج أمور عدة منها :
1- استنباط حكم فقهي من الحديث 0
2- استدلال على مسألة معينة 0 3- شرح لفظة غريبة وردت في الحديث ( كالتحنث ) فسرها الزهري فقال : ( وهو التعبد ) (3) 0
تنبيهات :
1 0 الأصل في الأخبار عدم الأدراج فيها ، حتى يقوم الدليل على وقوعه (4) 0
2 0 في هذا النوع صنف أبو بكر الخطيب كتابه الموسوم " الفصل للوصل المدرج في النقل " وقد لخصه الحافظ ابن حجر في " تقريب المنهج بترتيب المدرج " واختصره السيوطي في " المدرج إلى المدرج " ، ورتب الجميع مع الاختصار والزيادة الشيخ الغماري في " تسهيل المدرج إلى المدرج " (5) 0
3 0 قال الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( : " وقد وقع من ذلك – أي الإدراج – كثير في الصحاح والحسان والمسانيد وغيرها " (6) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ) :
وَمَا رَوَى كلُّ قرينٍ عنْ أخِهْ مُدَبجٌ فاعْرِفْهُ حَقَّاً وانتخِهْ
__________
(1) علوم الحديث ص : 89 ، تدريب الراوي 1 / 274 ، الباعث الحثيث ص : 77 ، كفاية الحفظة ص: 239 ، توجيه القاري ص : 172 ، الحديث المعلول ص: 81 0
(2) الباعث الحثيث ص : 70 0
(3) كفاية الحفظة ص : 239 ، توجيه النظر ص : 172 0
(4) توجيه القاري ص : 172 0
(5) ينظر : علوم الحديث ص: 89 ، اختصار علوم الحديث ص : 70 ،النكت على ابن الصلاح 2/811 ، تدريب الراوي 1/274 ، هدي الساري ص : 518 0
(6) اختصار علوم الحديث ص : 70 ، توجيه النظر ص : 171 – 173 0(2/92)
المُدَبَّج : بضم الميم ، وفتح الدال المهملة ، وتشديد الباء الموحدة ، وآخره جيم 0وهو لغة : المزين (1) 0
وفي الاصطلاح : هو أن يروي كل قرين عن قرينه (2)، كذا عبر عنه الناظم )رحمه الله تعالى( 0ومعنى هذا انه إذا لم يرو عن الآخر لا يسمى مدبجا (3) 0
ونعني بالقرينين هما : من استويا أي تماثلا أو تقاربا في الأخذ عن الشيوخ ، مع التقارب في السن غالباً (4) 0
وأول من سماه بذلك الإمام الدار قطني )رحمه الله تعالى( أخذاً من ديباجتي الوجه ، وهما الخدان ، لتساويهما وتقابلهما (5) 0
وفائدة ضبطه :
الأمن من ظن الزيادة في الإسناد ، أو إبدال الواو بعن إن كان بالعنعنة (6) 0
وقد صنف فيه بعض العلماء منهم : الإمام الدارقطني : التعريج على التدبيج ويسمى أيضا : المخرج من المدبج ، وقد لخصه الحافظ ابن حجر (7) 0
أمثلته :
__________
(1) مختار الصحاح ص : 197 ، فتح المغيث 3 / 139 ، التدريب 2 / 247 ، الشذا الفياح ص : 380 ، الباعث الحثيث ص : 179 0
(2) وينظر : فتح المغيث 3 / 139 ، شرح ألفية السيوطي ص : 141 ، اختصار علوم الحديث ص : 179 ، توجيه النظر ص : 195 0
(3) علوم الحديث ص : 279 ، اختصار علوم الحديث ص : 179 0
(4) علوم الحديث ص : 278 ، التقريب – بشرحه التدريب 2 / 246 ، فتح المغيث 3 / 139 ، اختصار علوم الحديث ص : 179، قواعد في علوم الحديث ص : 47 0
(5) التقييد والإيضاح ص : 337 ، فتح المغيث 3 / 140 ، التدريب 2 / 247 و 248 ، الشذا الفياح ص : 380 – 381 0
(6) تدريب الراوي 2 /246 ، فتح المغيث 3 / 139 0
(7) فتح المغيث 3 /140 ، هدي الساري ص : 518 0(2/93)
وله أمثلة يطول استقصائها فمن الصحابة : أبو هريرة وعائشة كلٌ منهما عن الآخر ، وأبو بكر وعمر كلٌ منهما عن الآخر ، ومن التابعين : الزهري وأبو الزبير كلٌ منهما عن الآخر ، ومن أتباع التابعين : مالك والاوزاعي كلٌ منهما عن الآخر ، واحمد وعلي بن المديني كلٌ منهما عن الآخر ، وفي المتأخرين : المزي والبرزالي ، وابن حجر والتقي الفاسي (1)0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
مُتَفِقٌ لفْظَاً وخَطّاً مُتَفِقْ وضدُّهُ فيما ذَكَرْنا المُفْتَرِقْ
الحديث المتفق والمفترق :
وهو ما اتفقت أسماء الرواة فيه لفظاً وخطاً ، لكن افترقت أشخاصهم 0
ويندرج تحت هذا النوع أقسام كثيرة ، ذكرها الحافظ ابن الصلاح وغيره ، ونحن نذكر لك إن شاء الله تعالى بعضاً منها :
1 0من اتفقت أسماؤهم واسماء آبائهم ، وافترقت أشخاصهم 0 مثاله : الخليل بن احمد ستة : أولهم : النحوي البصري صاحب العروض ، والثاني : أبو بشر المزني البصري ، والثالث : الأصفهاني ، والرابع : أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي ، من خراسان ، والخامس: أبو سعيد البُستي القاضي المهلّبي ، والسادس : أبو سعيد البُستي ثم الأندلسي 0
0من اتفقت أسماؤهم واسماء آبائهم واجدادهم أو اكبر من ذلك وافترقت أشخاصهم 0
مثاله : محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري ، اثنان في عصر واحد ، رويا عن أبي عبد الله الحاكم وغيره 0
أولهما : أبو العباس الأصم ، والثاني : أبو عبد الله بن الأخرم الشيباني ويُعرف بالحافظ 0
0 من اتفق في الكنية والنسبة معاً وافترقت أشخاصهم 0 مثاله : أبو عمران الجَوْني اثنان ، أحدهما : التابعي عبد الملك بن حبيب ، والثاني : موسى بن سهيل ، بصري سكن بغداد 0
__________
(1) شرح ألفية السيوطي ص : 141 ، التدريب 2 / 247 ، التقريب 2 / 247 ، فتح المغيث 3 /140، توضيح الأفكار 2 / 476 ، الشذا الفياح ص : 381 – 382 ، اختصار علوم الحديث ص : 179 0(2/94)
4- من اتفقت أسماؤهم واسماء آبائهم ، ونسبتهم ، وافترقت أشخاصهم 0 مثاله : محمد بن عبد الله الأنصاري ، اثنان متقاربان في الطبقة 0 أحدهما : هو الأنصاري المشهور القاضي أبو عبد الله روى عنه البخاري وخلق ، وله جزء مشهور في الحديث يسمى : جزء الأنصاري والثاني : كنيته أبو سلمة ، ضعيف الحديث (1) 0
وأنت تلاحظ انه وان وقع الاتفاق في كثير من الأمور إلا أن هناك وسائل للتمييز بين الرواة ، كأن يكون أحد الراواة متقدم الولادة والآخر متاخرها ، أو أحدهما بصري والآخر كوفي ، أو أن يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفا ، أو أن يكون أحدهما نحويا والآخر فقيها ، إلى غير ذلك من طرق التمييز بين الرواة ، والله تعالى اعلم 0
فوائد :
1- هذا العلم نوع جليل يعظم الانتفاع به ، وفائدة ضبطه : الأمن من اللبس فربما ظُن الأشخاص شخصاً واحداً ، عكس المذكور بنعوت متعددة ، وربما يكون أحد المشتركين ثقة ، والآخر ضعيفاً ، فيضعف ما هو صحيح ، أو يصحح ما هو ضعيف (2) 0
2- ألف الخطيب البغدادي )رحمه الله تعالى( كتاناً حافلاً في هذا النوع سمّاه : ( المتفق والمفترق ) إلا انه لم يستوعب جميع الأقسام المندرجة تحته ، وله : الموضح لأوهام الجمع والتفريق ، ولأبي بكر الجوزقي : المتفق والمفترق ، ولمحمد بن النجار ( المتفق والمفترق ) وغيرها (3)0
__________
(1) ألفية الحديث ص : 179 – 181 ، علوم الحديث ص : 324 – 331 ،اختصار علوم الحديث ص : 206 – 207 ، علم الرجال ص : 207 – 209 ، هدي الساري ص : 546 و 551 ، جوهر الأصول ص : 118- 122 0
(2) فتح المغيث 3 / 208 ، منهج النقد ص : 181 0
(3) علوم الحديث ص : 324 ، اختصار علم الحديث ص : 206 ، منهج النقد ص : 181 ، علم الرجال ص : 210 – 211، الرسالة المستطرفة ص : 115 0(2/95)
3- لا يوجد ضابط كلي يندرج تحته كل أنواع ( المتفق والمفترق ) ولذا قال الحافظ ابن كثير )رحمه الله تعالى( : " وهذا باب واسع كبير الشعب ، يتحرر بالعمل والكشف عن الشيء في أوقاته " (1) 0
قال الناظم ( رحمه الله تعالى ) :
مُؤْتلَِفٌ مُتفقُ الخطِّ فَقَطْ وضدُّه ُ مُخْتَلِفٌ فاخْشَ الغَلَطْ
الحديث المؤتلف والمختلف
وهو : أن تتفق الأسماء خطاً وتختلف نطقاً 0
قال الحافظ ابن الصلاح )رحمه الله تعالى( : " هذا فنٌ جليل ، من لم يعرفه من المحدثين كثر عثاره ولم يَعْدم مخجلاً ، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يُفزع إليه ، وإنما يُضبط بالحفظ تفصيلاً " (2) 0
ولأن الضابط فيها معدوم ، كثرت التصانيف في هذا النوع ، ومن أجلها : الإكمال لأبي نصر بن ماكولا ، والمشتبه للإمام الذهبي ، وتبصير المنتبه وتحرير المشتبه للحافظ ابن حجر وهو من احسن الكتب في هذا الباب ، ضبطاً ، واتقاناً ، وتحريراً واستدراكاً ، لما فات من تقدمه ، والمؤتلف والمختلف: للدارقطني ، وابن الفرضي ، وعبد الغني بن سعيد المصري الازدي ، ولأبي سعد الماليني ، ولأبي الفضل بن طاهر المقدسي وغيرهم كثير (3) 0
وهو أقسام كثير لا حصر لها ، نذكر طرفاً منها :
سلّام و سلام : فالغالب تشديد اللام إلا خمسة وهم : سلام ، والد عبد الله بن سلام الإسرائيلي الصحابي ، وسلام والد محمد بن سلام البيكندي البخاري شيخ البخاري ، وسلام بن محمد بن ناهض المقدسي ، وسلام جد محمد بن عبد الوهاب بن سلام المتكلم الجبائي المعتزلي .
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص : 107 0
(2) علوم الحديث ص : 310 ، ويُنظر : التدريب 2 / 297 ، الخلاصة ص : 131 ، علم الرجال ص : 199 0
(3) علوم الحديث ص : 310 ، اختصار علوم الحديث ص : 202 ، منهج النقد ص : 184 ، علم الرجال ص : 200 - 205 ، الرسالة المستطرفة ص 103و118 و 211 ، كفاية الحفظة ص : 361 ، الباعث الحثيث ص : 205 0(2/96)
زُبيد ، بضم أوله ، زَبيد بالفتح . حبان بكسر المهملة بعدها موحدة ، وحيان بفتح المهملة بعدها تحتية . وجيان بالجيم والتحتية ، وحباب ، بضم المهملة ، آخره موحدة (1) 0
قال الحافظ العراقي )رحمه الله تعالى(: ثم المؤتلف والمختلف ينقسم إلى قسمين : أحدهما : ما ليس له ضابط يُرجع إليه ، وإنما يُعرف بالنقل والحفظ وهو اكثر . والثاني : ما يدخل تحت الضبط (2) 0
ثم ينقسم القسم الثاني إلى قسمين : أحدهما : على العموم من غير تقييد بتصنيف ، ويُضبط بأن يُقال : ليس لهم فلان إلا كذا ، والباقون كذا ، مثل سلّام و سلام جميعهم بالتشديد إلا خمسة 0 والثاني : مخصوص بما في الصحيحين والموطأ " (3)0
قلت : نالت بقية الكتب كمسند الإمام احمد والسنن الأربعة وغيرها عناية بالغة من أهل العلم بالرجال في ضبط أسماء الرواة وتمييز المؤتلف منها والمختلف ، لكنها لم تبلغ في العناية ما بلغ الصحيحان ، وذلك لاجماع الأمة على تلقيهما بالقبول ، سوى أشياء يسيرة انتقدها بعض الأئمة 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى) :
والمُنْكَرُ الفَرْدُ بهِ راوٍ غَدَا تعديلُهُ لا يحْمِلُ التفَرُدَا
الحديث المنكر
وهو ما عبر عنه الناظم : بأنه رواية انفرد بها راوٍ لم يبلغ درجة أن يحتمل تفرده 0 وهذا هو رأي الأكثر من أهل الحديث المتأخرين(4) أن المنكر : هو رواية الضعيف المخالفة للثقات 0
__________
(1) المصادر السابقة 0
(2) ينظر : علوم الحديث ص : 310 – 232 ، علم الرجال ص : 199 – 200 0
(3) ، علم الرجال ص : 200، علوم الحديث ص : 89 ، تدريب الراوي 1 / 274 ، الباعث الحثيث ص : 77 ، كفاية الحفظة ص: 239 ، توجيه القاري ص : 172 0وفي المؤتلف والمختلف من رجال البخاري ينظر : هدي الساري ص : 335 – 349 0
(4) في اصطلاحات المتقدمين ينظر : الحديث المعلول ص : 67 0(2/97)
وكأن الناظم )رحمه الله تعالى( قد اخذ هذا التعريف من قول ابن الصلاح )رحمه الله تعالى( : " 000 وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ، ما يحتمل معه تفرده "(1) 0
وإن شئت قلت : ما رواه الضعيف مخالفاً للمقبول 0 فدخل بذلك مخالفة الضعيف لرجال الحديث الصحيح والحسن (2) 0
وتعرف النكارة بما نص عليه الإمام مسلم )رحمه الله تعالى( في مقدمة صحيحه : " وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم ، أو لم تكن توافقها ، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله " (3)0
تنبيه :
أطلق بعض أئمة الحديث من المتقدمين وصف ( المنكر ) على كل ما تفرد به راويه ، خالف أم لم يخالف ، ولو كان المتفرد ثقة ، وعلى هذا القول فمن المنكر ما هو صحيح ، وحسن ، وضعيف ، وهذا الاصطلاح يستعمله الإمام احمد ، والإمام النسائي ، والإمام أبو بكر احمد بن هارون البرديجي الحافظ ، والإمام يحيى القطان وغيرهم (4)0
حكم المنكر :
__________
(1) علوم الحديث ص: 74 ، الرفع والتكميل ص : 200 0
(2) النكت على ابن الصلاح 2 /675 ، تدريب الراوي 1 /240 ، علوم الحديث ص :73 – 74 ، قواعد التحديث ص : 131 ، اختصار علوم الحديث ص : 56 ، قواعد في علوم الحديث ص : 42 0
(3) مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 5 ، وينظر : قواعد التحديث ص : 111 ، كفاية الحفظة ص : 167،توجيه القاري ص :171 ، توجيه النظر ص : 223 ، الحديث المعلول ص: 72 0
(4) تنظر أمثلته في : منهج النقد ص : 430 – 432 ، قواعد في علوم الحديث ص : 433 – 434 و 262 ، علوم الحديث ص : 72 – 74 ، النكت على ابن الصلاح 2/674 ، هدي الساري ص : 544 ، كفاية الحفظة ص : 170 – 176، توجيه القاري ص :171 ، الرفع والتكميل ص : 201 ، الحديث المعلول ص : 73 0(2/98)
على التعريف المشهور الذي ذكرناه ، فان المنكر ، ضعيف جداً ، وازداد بالمخالفة ضعفاً ، وقد نص الإمام البيهقي بأن المنكر لا يحتج به (1) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
مَتروكُهُ ما واحِدٌ بهِ انفرَدْ وأجْمَعُوا لضَعْفهِِ فَهُوَ كَرَدّ
الحديث المتروك
هذا النوع ذكره الناظم ، تبعاً لشيخ الإسلام ابن حجر ، في نزهته ، ولم يسبقه أحد من أئمة الحديث إلى ذكره ، وان كان يقع في كلام المتقدمين ما هو قريب منه 0
وقد قال الإمام احمد بن حنبل ، والإمام احمد بن صالح المصري (رحمهم الله تعالى ) : لا اترك حديث محدث حتى يجمع أهل مصر على ترك حديثه 0
وقال الإمام الذهبي )رحمه الله تعالى( : " لم يجتمع اثنان من أهل هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ، ولا تضعيف ثقة ، ولهذا كان مذهب النسائي ، ونحوه أبي داود ، أن لا يترك حديث الرجل حتى يجمع الجميع على تركه " (2) 0
وأما المتروك اصطلاحاً : فعرفه الناظم( رحمه الله تعالى ) بأنه : ما انفرد بروايته من أُجمع على ضعفه 0
وعرفه الحافظ ابن حجر بأنه : ما كان راويه متهماً بالكذب على رسول الله ، بأن يكون حديثه مخالفاً للقواعد المعلومة ، غير مروي إلا من جهته ، أو بأن يكون كذبه في كلام الناس خاصة (3) 0
وله أمثلة تجدها مستوفاة في كتب علوم الحديث تحت عنوان أوهى الأسانيد ، وفي " العلل المتناهية " لابن الجوزي (4) 0
حكمه :
__________
(1) اختصار علوم الحديث ص : 56 ، تدريب الراوي 1/240 ، منهج النقد ص : 432 ، توجيه القاري ص : 171 0
(2) علوم الحديث ص : 33 – 34 ، قواعد في علوم الحديث ص : 176 ، تدريب الراوي 1/ 167، الخلاصة ص : 45 0
(3) قواعد التحديث ص : 137 ، قواعد في علوم الحديث ص : 43 0
(4) كفاية الحفظة ص : 94 –100 ، الموقظة – بشرح الكفاية ص:97- 98 ، معرفة علوم الحديث ص : 56 – 58 ، النكت على ابن الصلاح 1/495 وما بعدها 0(2/99)
الحديث المتروك : حديث ضعيف جداً ، ولكنه لا يبلغ درجة الوضع ، لأن مجرد كون الراوي متهماً بالكذب ، لا يعطينا الحق بالحكم عليه بالوضع (1) 0
قال الناظم (رحمه الله تعالى ):
والكذِبُ المختلَقُ المصنوعُ على النبيِّ فذلكَ الموضوعُ
الحديث الموضوع
الموضوع : هو الكذب المختلق المصنوع ، كذا عرفه الناظم (رحمه الله تعالى ) ، أي انه المكذوب المفترى المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوراً وبهتانا 0
وما أحسن ما قاله الحافظ العراقي في ألفية الحديث :
شرُّ الضعيف الخبرُ الموضوعُ الكذبُ المختَلقُ المصنوعُ
فبين لنا حده ( أي تعريفه ) ثم زادنا فائدة لطيفة ببيان حكمه ، وانه شر أنواع الضعيف ، وبذلك ظهر لنا أن الموضوع قسم من أقسام الحديث الضعيف ، وهو شرّها وأدناها (2) 0
قال الحافظ ابن الصلاح (رحمه الله تعالى ): " ولا تحل روايته لأحدٍ علم حاله ، في اي معنى كان ألا مقروناً ببيان وضعه " (3) 0
فوائد :
1- يُعرف كون الحديث موضوعاً بإقرار واضعه ، أو ما يتنزل منزلة إقراره ، وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي والمروي ، وللعلماء تفصيلات يطول إيرادها في كيفية معرفة الحديث الموضوع (4) 0
2- للوضع أسباب كثيرة منها : العصبية الجاهلية للمذاهب ، وللرجال ، وللأوطان ، أو التقرب من السلطان ، أو بقصد التكسب والارتزاق كالقصاص (5) 0
__________
(1) منهج النقد ص : 299 0
(2) توضيح الأفكار 2 /69 ، التدريب 1 / 274، الخلاصة ص : 77 ،جواهر الأصول ص : 51 0
(3) علوم الحديث ص : 189 ، توضيح الأفكار 2 /70 – 71 ، تدريب الراوي 1 / 274 0
(4) علوم الحديث ص : 89 ، تدريب الراوي 1 / 274 – 277 ، منهج النقد ص : 310 – 317 ، توضيح الأفكار 2 / 93 – 97 ،الخلاصة ص : 78 ، جواهر الأصول ص : 51 0
0
(5) علوم الحديث ص : 90 ، تدريب الراوي 1 /286 ، توضيح الأفكار 2 / 75 – 76 ، منهج النقد ص : 302 – 307 ، جواهر الأصول ص : 52 –53 0(2/100)
3- الحديث الموضوع هو كلام يضعه الراوي من عند نفسه ، أو ربما اخذ كلام من بعض الحكماء ، أو غيرهم ، فيفتريه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأحيانا يقع الوضع غلطاً من غير قصد ولا تعمد وهذا دال على ضعف الراوي وعدم إتقانه وضبطه لما يرويه (1) 0
4- ما زالت أيادي علماء الحديث بيضاء على السنة النبوية جاهدين على تنقيتها من الروايات المدخولة المنحولة ، ومن هؤلاء الإمام الجورقي في كتاب ( الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير ) وابن الجوزي في كتاب ( الموضوعات ) ، والسيوطي في ( اللآلئ المصنوعة ) وابن عراق في ( تنزيه الشريعة المرفوعة ) ، والإمام الشوكاني في ( الفوائد المجموعة ) ، والعلامة علي القارئ المكي في ( الموضوعات والمصنوع ) ولأبي الحسنات اللكنوي ( الآثارالمرفوعة ) وغيرها الكثير الكثير مما يصعب عده على العادِّ الحاصر (2) 0
- من اجل ما أُلف في الوضّاعين كتاب ( الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث ) للحافظ برهان الدين سبط بن العجمي رحمه الله تعالى ، وهو مطبوع مشهور 0
تنبيهان :
1 0 قال الحافظ السيوطي في ألفيته : (3)
شر الضعيف الوضع ، فالمتروك ثُمْ ذو النكر ، فالمعل ، فالمدرج ضُمْ
وبعد المقلوب ، فالمضطربُ واخرون غير هذا رتبوا
قلت : هذا ترتيب لأنواع الحديث روعي فيها مراتب الضعف : فبدأ بأشدها ضعفا وهو الموضوع ، ثم تلاه المتروك ، ثم المنكر ، ثم المعلول ، ثم المدرج ، ثم المقلوب ، ثم المضطرب ، وان كان من أهل الحديث من يخالف في هذا الترتيب ،وقد مر بك بيان سبب ضعف كل واحد من هذه الأنواع ، والحمد لله رب العالمين0
__________
(1) علوم الحديث ص 90 ، تدريب الراوي 1 / 287 ،وقد ساق العلامة الطيبي جملة وافرة من الاحاديث الموضوعة في الخلاصة ص : 82- 87 0
(2) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 287-292 ، الرسالة المستطرفة ص: 148و149 و153و151و152و 199 ، منهج النقد ص : 318 – 319 وغيرها 0
(3) ص : 61 0(2/101)
2 0قال الإمام الحافظ ابن الجوزي البغدادي ( ت 597 هـ ) )رحمه الله تعالى( : " وقد يكون الإسناد كله ثقات ، ويكون الحديث موضوعا أو مقلوبا ، أو جرى فيه تدليس ، وهذا من أصعب الأمور ، ولا يعرف ذلك إلا النقاد " (1) 0
ولم يقل )رحمه الله تعالى( : " الإسناد صحيح " بل قال : " الإسناد كله ثقات " ، أي سلسلة الإسناد الظاهر من رواة ثقات (2)0 وقد قال )رحمه الله تعالى( في موضع آخر : " والا فمثل هذا الحديث لا يحتاج إلى اعتبار رواته ، لان المستحيل لو صدر من الثقات رُدَّ ، ونسب إليهم الخطأ " (3) 0
قال الناظم ( رحمه تعالى ):
وقد أتَتْ كالجَوْهرِ المكنونِ سمَّيْتها منظومةَ البيقوني
وبعد ذكر تلك الأنواع الحديثية المختلفة يضع الناظم (رحمه الله تعالى ) خاتمة لطيفة لمنظومته ، التي يصفها بأنها نفيسة وغالية حَوَتْ على الفوائد الخفية التي تحتاج الغوص للوصول إلى معانيها ، كما يحتاج الباحث المتأمل عن اللؤلؤ المكنون إلى الغوص في أعماق البحر 0
ووصف الناظم المنظومة بأنها ( كالجوهر المكنون ) ليس من المدح المذموم المنهي عنه ، فإنها كذلك حقاً ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( البيّعان إنْ بيّنا وصدقا بورك لهما في بيعهما ) (4) 0 فبصدق نية صاحبها وإرادته الخير لطلبة العلم ، بارك الله فيها ، وكتب لها الذيوع والقبول 0
__________
(1) الموضوعات ، ابن الجوزي 1 99 – 100 0
(2) نظرات جديدة ص : 97 0
(3) الموضوعات 1 / 105 – 106 0
(4) حديث صحيح أخرجه : الشيخان البخاري ومسلم ، وأبو داود ( 3459 ) ، الترمذي ( 1246 ) ، النسائي ( 4457و4464 ) كلها بترقيم العلامة الألباني وتصحيحه ، ويراجع : ارواء الغليل 5 / 24 0(2/102)
ومن الفوائد التي تضمنها البيت السابق ، ذكر الاسم العَلَمي لهذه المنظومة فقال : ( سميتها منظومة البيقوني ) ، وبذلك وقعت الموافقة بين اسمها الذي اشتهرت به ، واسمها العَلَمي ، مع أن كثيراً من الكتب اشتهرت باسم هو ليس اسمها العَلمي ( بفتح العين واللام ) ومن ذلك : صحيح البخاري ، اشتهر بهذا واسمه : ( الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه ) (1)0
قال الناظم (رحمه الله تعالى) :
فوقَ الثلاثينَ بأرْبعٍ أتَتْ أبياتُها تمَّتْ بِخَيرٍ خُتِمَتْ
وقد جاء تمامها في أربع وثلاثين بيتاً ، وقوله : ( بخيرٍ خُتمت ) 0
قلت :الأمر كما قال (رحمه الله تعالى )فان الله تعالى بارك فيها ، وجعل وراءها خيراً كثيراً ، فبسط لها القبول بين أهل الحديث يدلك على ذلك كثرة ما عليها من حواشٍ ، وتعليقات ، وتقريرات ، وشروح ، المطبوع منها والمخطوط ، المقروء منها والمسموع ، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم 0 سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك ، وصلى الله على النبي الكريم ، وآله ، وصحبه أجمعين 0
وقع الفراغ منه بحمد الله وفضله ، وتوفيقه وتسديده ، عقب صلاة العصر يوم السبت 12 / رجب / 1425 هـ الموافق 28 / آب / 2004 م 0
وكتبه الفقير إلى عفو ربه : أبو أنس عبد الله جاسم الجنابي ، والحمد لله رب العالمين على البدء وعلى الختام 0
ملحق بأسئلة تدريبية
بسم الله الرحمن الرحيم
اشرح قول الناظم (رحمه الله تعالى) :
والحسن المعروف طرقا وغدت * رجاله لا كالصحيح اشتهرت
مبينا ما عليه من انتقادات واعتراضات 0
__________
(1) ينظر : فهرست ابن خير الاشبيلي ص: 94 ، برنامج ابن أبي الربيع ص : 264 ، ما تمس إليه حاجة القاري لصحيح الإمام البخاري ، النووي ، تحقيق : علي الحلبي ص : 39 ، علوم الحديث ص : 32 ، اختصار علوم الحديث ص : 34 ، هدي الساري ص : 8 ، نظرات جديدة ص :54 0(2/103)
ما الفرق بين المصطلحات التالية : الضعيف ، المضعف ، المتروك ؟
استشهد من المنظومة لكل مما يأتي : المدبج ، المؤتلف والمختلف ، العزيز والمشهور ، التدليس ، المضطرب 0
كيف تعرف النكارة في حديث المحدث ؟
ما حجية الأنواع التالية مع التعليل : المبهم ، المعضل ، الصحيح ، الحسن لغيره ، الموضوع 0
هات كتابا واحدا ألف في الأنواع التالية : الوضاعين ، المدلسين ، الصحابة ،الاضطراب ، المتواتر.
وقع التنبيه في شرحنا للمنظومة على جملة من الأبحاث الأصولية ليست من مباحث هذا الفن 0 اذكر ثلاثة مواطن على الأقل 0
اكتب بيانا دقيقا للتفريق بين الحديث الغريب وغريب الحديث 0
لماذا العالي والنازل قليل الجدوى بالنسبة لبقية الفنون ؟ 0
هات ثلاثة تعاريف للحديث المرسل 0
ما حكم حديث المدلس ؟ 0
هات مثالا تطبيقيا للحديث الحسن لذاته بذكر السند والمتن والكلام في رجاله 0
استشهد من المنظومة لما يأتي : المقلوب ، المعلل ، المسلسل ، المتصل ، المسند 0
وضح معنى قولنا:"الصحابة محكوم بعدالتهم جميعا ، وليس معنى العدالة العصمة "0
ما هي ضوابط العمل بالحديث الضعيف عند القائلين بها ؟0 مبينا قول علماء أهل السنة والجماعة في ذلك 0
هات نصين عن أئمة الجرح والتعديل في أهمية علم العلل 0
من هو العدل ؟ اشرح ذلك مفصلا 0
اذكر سبعة علماء شرحوا المنظومة البيقونية 0
ما هي الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في الحديث المقبول ؟0
اذكر ثلاثة فوائد حصلت عليها من دراستك لهذا العلم علوم الحديث 0
اذكر ثلاثة عقبات واجهتك في دراسة هذا العلم 0
ما الضوابط العلمية في التفريق بين الحديث الصحيح والحديث الحسن ؟ 0
ما الفرق بين الشاذ والمنكر ؟ 0
ما مفهوم العدالة ؟ 0
ما هو المرفوع حكما ؟ وما صوره ؟ 0
هل يوجد تداخل بين الموقوف والمقطوع ؟ 0
عرف التسلسل 0 مبينا فوائده 0
مثل بحديث واحد للعزيز والغريب والمشهور 0
ما فائدة العلو ؟0
ما الفرق بين المدلس والمعنعن ؟ 0(2/104)
رتب انواع الحديث من حيث الضعف 0
ما هو المرسل ؟ وما هو المرسل الخفي ؟ وما هو مرسل الصحابي ؟ 0
اختر تعريفا دقيقا للحديث الصحيح ، مع التوضيح 0
هات كتابا واحدا ألف في الأنواع التالية : المتفق والمفترق ، الموضوع ، المعلل ، الشذوذ ،الأفراد ، المؤتلف والمختلف 0
عرف : المسند ، المتصل ، الموصول ، المنكر ، المرفوع ، الموقوف 0
لماذا يقع القلب في الحديث ؟ 0
ما هي مظان الحديث الحسن ؟ 0
ما فائدة معرفة المؤتلف والمختلف ؟ 0
اذكر اشهر كتب المسانيد 0
ابحث في العلاقة بين الشذوذ والتفرد والنكارة وزيادة الثقة 0
ثَبَت المصادر
الأجوبة الفاضلة ، اللكنوي ، تحقيق عبد الفتاح أبو غُدَّة ، مكتب المطبوعات الاسلامية ، حلب 0
أحاديث الصحيحين بين الظن واليقين ، حافظ ثناء الله الزاهدي ، دار ابن رجب ، المدينة المنورة ، ط1/1993م0
إختصار علوم الحديث ، ابن كثير ،مع شرحه الباعث الحثيث ، للشيخ أحمد محمد شاكر ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1/1995 م 0
إرواء الغليل ، الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط2/1985م0
الأربعون النووية ، النووي ، الصفا ، مصر 0
أسباب اختلاف المحدثين ، د0 خلدون الأحدب ، الدار السعودية للنشر ، الرياض0
الإصابة ، ابن حجر ، ت: عادل احمد ، دار الكتب العلمية ط1/1415هـ0
الأذكار ، النووي ، دار الفكر ، بيروت ، 1994م0
الأعلام ، الزركلي ، دار العلم للملايين ، ط5 ، بيروت 0
إعلام الموقعين ، ابن قيم الجوزية ، ت : محمد محي الدين عبد الحميد ، دار الفكر ، بيروت 1955 م
ألفية الحديث ، السيوطي ، دار السلام ،القاهرة ، ط 1/ 1422هـ 0
ألفية الحديث ، أبو الفضل العراقي ، دار ابن حزم ، بيروت ، ط1/1422هـ 0
الإقتراح ، ابن دقيق العيد ، تحقيق : د0 قحطان الدوري ، مطبعة الإرشاد ،بغداد، 1402هـ 0
الإلماع ، القاضي عياض ، ت: السيد احمد صقر ، المكتبة العتيقة ، تونس 0(2/105)
الأنساب ، أبو سعد السمعاني ، ت : عبد الله عمر البارودي ، ط1/1408هـ ، دار الجنان ، بيروت
إيضاح المكنون ، إسماعيل باشا ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 0
الباعث الحثيث ، للشيخ أحمد محمد شاكر ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1/1995 م 0
برنامج ابن أبي الربيع ، إصدارات معهد المطوطات العربية 0
بلوغ المرام ، ابن حجر ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 0
التأسيس في فن دراسة الأسانيد ، د0 عمر أبو بكر 0
تحفة الاحوذي ، المباركفوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1/1410هـ0
تدريب الراوي ، السيوطي ، ت:عبدالوهاب عبداللطيف ، دار الفكر 0
تفسير السعدي ( تيسير الكريم الرحمن ) ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، جمعية إحياء التراث0
تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن )، القرطبي ، دار احياء التراث العربي ، بيوت ، 1985م0
تفسير ابن كثير ( تفسير القرآن العظيم ) ، ابن كثير ،المكتبة القيمة 0
التقريب والتيسير ، النووي ، مع شرحه تدريب الراوي 0
تقريب التهذيب ، ابن حجر العسقلاني ، بعناية عادل مرشد ، الرسالة ، بيروت 0
تقسيم الحديث ، الشيخ ربيع المدخلي ، مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة النبوية ، ط2/1997م0
توجيه القاري ، حافظ ثناء الله الزاهدي ، جامعة العلوم الأثرية ، الباكستان ، ط1/1986م0
توجيه النظر ، طاهر الجزائري ، دار المعرفة ، بيروت 0
التقييد لرواة السنن والمسانيد ، ابن نقطة ، ت : كمال الحوت ، دار الكتب العلمية ، بيروت 0
التقييد والإيضاح ، العراقي ، ت : عبد الرحمن عثمان ، المطبعة السلفية ، المدينة المنورة 0
تمام المنة ، الألباني ، دار الراية ، ط3/1409هـ 0
تيسير مصطلح الحديث ، محمود الطحان 0
تنقيح الأنظار ، ابن الوزير اليماني ، مع شرحه توضيح الأفكار ، ت : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة الخانجي ، ط1/1366هـ0
توضيح الأفكار ،الصنعاني ، ، ت : محمد محي الدين عبد الحميد ، مكتبة الخانجي ، ط1/1366هـ0(2/106)
تاريخ دمشق ، ابن عساكر ، ت: علي شيري ، دار الفكر ، 1415هـ0
تذكرة الموضوعات ،محمد طاهر الفتني الهندي ، بلا بيانات نشر0
الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية ،الشيخ عبد الله الجبرين ، ت : سعد عبد الله السعدان ، دار العاصمة ، الرياض ، ط1/1997م0
الثمر المستطاب من فقه السنة والكتاب ، الألباني 0
جامع التحصيل ، العلائي ، ت : حمدي السلفي ، عالم الكتب ، ط2/1986م 0
الجرح والتعديل ، ابن أبي حاتم ، دار الكتب العلمية مصورة عن الطبعة الأولى دائرة المعارف العثمانية 0
جلاء الأفهام ، ابن القيم ، ت: طه يوسف شاهين ، مطبعة منير ، بغداد ، 1983م 0
جواهر الأصول ، أبو الفيض محمد بن علي الفارسي ، ت : اطهر المباركفوري ، المطبعة الهندية ، بومباي
حاشية السندي على سنن النسائي ، ط1/1930م ، دار الفكر0
الحديث المعلول قواعد وضوابط ، د0 حمزة المليباري ،دار ابن حزم ، ط1/1996م0
الخلاصة في أصول الحديث ، الطيبي ، ت: صبحي السامرائي ، بغداد 0
الدعاء ، الطبراني ، ت: مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، ط1/1423هـ 0
الرحلة في طلب الحديث ، الخطيب البغدادي ، ت: صبحي السامرائي ( ضمن مجموعة رسائل في علم الحديث ) ، المكبة السلفية ، المدينة المنورة 0
الرسالة ، الشافعي ، ت: احمد شاكر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 0
الرسالة المستطرفة ، محمد بن جعفر الكتاني ، ت : محمد المنتصر الزمزمي ، دار الفكر ، دمشق ، ط3/1964م0
الرفع والتكميل ، أبو الحسنات اللكنوي ، ت: عبد الفتاح أبو غدة ، كتب المطبوعات الإسلامية ، حلب ، ط3/1987م0
الروض الداني في الفوائد الحديثية للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ، عصام موسى ، المكتبة الإسلامية ، عمان ، ط1/1422هـ0
رياض الصالحين ، النووي ، ت : اجمد راتب عرموش ، دار الفكر المعاصر ، بيروت 0
زاد المعاد ، ابن القيم ، دار الكتب العلمية ، بيروت 0
سبل السلام ، الصنعاني ،مطبعة مصطفى البابي الحلبي.(2/107)
سنن أبي داود ، ت : الألباني ، مكتب التربية لدول الخليج العربي 0
سنن الترمذي ، ت : الألباني ، مكتب التربية لدول الخليج العربي 0
سنن النسائي ، ت : الألباني ، مكتب التربية لدول الخليج العربي 0
سنن ابن ماجة ، ت : الألباني ، مكتب التربية لدول الخليج العربي 0
سنن النسائي ، بحاشية السيوطي والسندي وابن عبدالهادي ، ط1/1930م ، دار الفكر 0
سنن الدارمي ، بعناية محمد احمد دهمان ، مطبعة الاعتدال ، دمشق0
سنن الدارقطني ، ت : مجدي بن منصور الشوري ، ط1/1996م، دار الكتب العلمية 0
السنة ، ابن ابي عاصم ، ت: الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت 0
السنن الكبرى ، البيهقي ، دار الفكر ، بيروت0
سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني ، المكتب الإسلامي 0
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، الألباني ، المكتب الاسلامي0
سؤالات الحاكم للدارقطني ، ت : د0 موفق عبد الله عبد القادر ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1/1984م 0
سؤالات حمزة السهمي للدارقطني ، ت : د0 موفق عبد الله عبد القادر ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط1/1984م 0
الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح ، برهان الدين الأبناسي ، ت: محمد علي سمك ، دار الكتب العلمية ، ط1/1998م0
شرح الأربعين النووية ، النووي ، الصفا ، مصر 0
شرح ألفية السيوطي في علم الحديث ، احمد شاكر ، مطبعة عيسى البابي الحلبي 0
شرح ألفية الحديث ، العراقي ، تعليق : محمد بن الحسين العراقي الحسيني ، المطبعة الجديدة ، فاس 0وأحيانا الطبعة المصرية ذات المجلد الواحد 0
شرح البيقونية ، عبدالله سراج ، دار الفكر ،دمشق 0
شرح البيقونية ، ابن عثيمين 0
شرح صحيح مسلم ، النووي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط2/1407هـ0
شرح علل الترمذي ، ابن رجب ، ت: د0همام عبد الرحيم سعيد ، مكتبة المنار ، الزرقاء ، ط1/1987م0
شرح العقيدة الطحاوية ، ابن ابي العز الحنفي ، ت: الأرناؤوط ، والتركي ، مؤسسة الرسالة 0(2/108)
صحيح الأدب المفرد، الألباني ،المكتب الإسلامي 0
صحيح الجامع الصغير ، الألباني ، المكتب الإسلامي 0
صحيح الترغيب والترهيب ، الألباني ، المكتب الإسلامي
صحيح ابن حبان ، بترتيب ابن بلبان ، ت: شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، ط2/1993م0
صحيح ابن خزيمة ، ت: مصطفى الأعظمي ، المكتب الاسلامي ، ط2/1421هـ0
ضعيف الترمذي ، الألباني ، مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي 0 0
عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح ، د0 حمزة المليباري ، دار ابن حزم ، 1997م 0
علل الحديث ، ابن أبي حاتم ، مكتبة المثنى ، بغداد 0
علم الرجال ، محمد مطر الزهراني 0
علوم الحديث ، ابن الصلاح ، ت: نور الدين عتر ، دار الكتب العلمية 0
عون المعبود ، شمس الحق العظيم أبادي ، دار الكتب العلمية ،ط2/1995م0
فتح الباري ، ابن حجر ، دار المعرفة ، ط2 0
فتح الباقي ، زكريا الأنصاري ، تعليق : محمد بن الحسين العراقي الحسيني ، المطبعة الجديدة ، فاس
فتح القدير ، الشوكاني ، دار احياء التراث العربي ، بيروت 0
فتح المغيث ، السخاوي ، ت : صلاح عويضة ، دار الكتب العلمية ، ط3/ 1993م0
فيض القدير ، المناوي ، ت : احمد عبد السلام ، ط1/ دار الكتب العلمية 0
فهرس الفهارس والأثبات ، الكتاني ، ت : د0 إحسان عباس ، دار الغرب الإسلامي 0
فهرست ابن خير الأشبيلي ، ت : المستشرق فرانشسكة 0
قصب السكر ، الصنعاني ، مكتبة الإيمان بالمنصورة / 1999 0
قواعد التحديث ،محمد جمال الدين القاسمي ، ت : محمد بهجة البيطار ، دار إحياء الكتب العربية ، ط2/1961م0
قواعد في علوم الحديث ، التهانوي ، ت : عبد الفتاح أبو غدة ، المطبوعات الإسلامية ، حلب ، ط5 /1984م
كشف الخفا ، إسماعيل العجلوني ، ط3/1408هـ ، دار الكتب العلمية 0
كشف الظنون ، حاجي خليفة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 0
الكفاية ، الخطيب البغدادي ، دائرة المعارف العثمانية ،1970م 0(2/109)
كفاية الحفظة شرح المقدمة الموقظة ، سليم الهلالي ، مكتبة الفرقان ، عجمان ، ط1/200م 0
لب اللباب ، السيوطي ، دار صادر ، بيروت 0
لقط الدرر حاشية على نخبة الفكر ، عبد الله خاطر ، مطبعة التقدم العلمية ، مصر 1323هـ 0
ما تمس إليه حاجة القاري لصحيح البخاري ، النووي ، ت: علي الحلبي ، عمان 0
المستدرك على الصحيحين ، الحاكم ، ترقيم : يوسف المرعشلي ، دار المعرفة ، بيروت ، 1406هـ0
مشكاة المصابيح ، الخطيب التبريزي ، ت : الألباني ، المكتب الإسلامي ، ط3/1985م0
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ، ابن حبان ، ت : محمود إبراهيم زايد ، دار الوعي ، حلب ، 1975م0
مخطوطات الحديث الشريف وعلومه في دار المخطوطات ، أسامة النقشبندي ، وزارة الثقافة والإعلام ، بغداد ، 1988م0
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ، د0 محمد حسين الجيزاني ، دار ابن الجوزي ، ط2/1998م0
معجم البلدان ، ياقوت الحموي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1979 م0
معجم المؤلفين ، عمر رضا كحالة ، مكتبة المثنى ، بيروت 0
معجم المطبوعات العربية ، اليان سركيس ، مكتبة المرعشي ، قم 0
معرفة السنن والآثار ، البيهقي ، ت: السيد احمد صقر ، القاهرة 0
مسند الإمام احمد ، دار صادر 0
مسند أبي داود الطيالسي ، دار الحديث ،بيروت0
مسند ابي يعلى الموصلي ، ت : حسين سليم أسد ، دار المأمون للتراث ، دمشق 0
مسند إسحاق بن راهويه ، ت: د0 عبد الغفور البلوشي ، ط1/1991م ،مكتبة الإيمان ، المدينة المنورة0
المعجم الكبير ، الطبراني ، ت: حمدي السلفي ، مكتبة ابن تيمية ، القاهرة ،ط2 0
المعجم الأوسط ، الطبراني ، ت: إبراهيم الحسيني ، دار الحرمين ، الرياض ، ط1/1995م 0
المصنف ، عبد الرزاق الصنعاني ، ت : حبيب الرحمن الأعظمي ، المجلس العلمي 0
المصنف ، ابن ابي شيبة ، ت: سعيد اللحام ، ط1/1409هـ ، دار الفكر ، بيروت 0
المحلى ، ابن حزم ، ت : احمد شاكر ، دار الفكر 0(2/110)
مختار الصحاح ، الرازي ،دار الرسالة ، الكويت 0
موارد الظمآن الى زوائد ابن حبان ، الهيثمي ، ت : محمد عبدالرزاق حمزة ، دار الكتب العلمية 0
الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ، د0حمزة المليباري ، دار ابن حزم نط2/2001م0
محاسن الاصطلاح وتضمين ابن الصلاح ، البلقيني ، ت : د0 عائشة بنت الشاطئ ، دار الكتب ، القاهرة ، 1974م0
مقدمة تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ت : محمد عبدالرحمن عثمان ، دار الفكر 0
المقنع في علوم الحديث ، ابن الملقن ، ت : يوسف بن عبدالله الجديع ، دار الكتب العلمية 0
منهج النقد في علوم الحديث ، د0 نور الدين عتر ، دار الفكر ، دمشق ، ط3/1992م0
منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة ، عثمان بن علي حسن ، مكتبة الرشد ،ط3/1995م0
مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث ، د0 المرتضى الزين أحمد ، مكتبة الرشد ، ط1/1994م0
المنهج المقترح ،د0 الشريف حاتم بن عوني عارف ، الرياض 0
منهاج السنة النبوية ، ابن تيمية ، ت : د0رشاد محمد سالم ، مطابع جامعة الامام محمد بن سعود ، ط1/1986م 0
الموقظة ، الذهبي ، ت: عبدالفتاح ابو غدة ، المطبوعات الاسلامية ، حلب ،ط1/1405هـ0
مقدمة الكامل ، ابن عدي ، ت: السيد صبحي السامرائي ، بغداد 0
معالم سنن ابي داود ، الخطابي ، المطبعة الميمنية 0
ميزان الاعتدال ، الذهبي ، ت : علي البجاوي ، دار المعرفة ، ط1، بيروت 0
المدخل الى مذهب الامام احمد ، ابن بدران الدمسقي ، ادارة الطباعة المنيرية 0
مجموع فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية ، الأدارة العامة للبحوث والافتاء ، الرياض 0
معرفة علوم الحديث ، الحاكم ، ت: د0 معظم حسين 0
الموضوعات ، ابن الجوزي ، ت: عبدالرحمن عثمان ، المكتبة السلفية ، ط1/1966م0
نزهة النظر ، ابن حجر ، ت: علي الحلبي ، دار ابن الجوزي ، السعودية 0
نظرات جديدة في علوم الحديث ، د0 حمزة المليباري ، دار ابن حزم ، 1995م 0(2/111)
نظم المتناثر من الحديث المتواتر ، الكتاني ، ت :اشرف حجازي ، دار الكتب السلفية ، مصر 0
نظرات في أصول الفقه ، د0 عمر سليمان الأشقر ، دار النفائس ، عمان ، 2004م 0
النكت على ابن الصلاح ، ابن حجر ، ت:د0 ربيع بن هادي المدخلي ، دار الراية ، ط2/ 1988م0
نيل الأوطار ، الشوكاني ، دار الجيل بيروت ، 1973م.
هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري ، عبد العزيز الراجحي ، مكتبة الرشد ، ط1/2001هـ 0
هدي الساري مقدمة فتح الباري ، ابن حجر ، دار الكتب العلمية ، ط1/1989م0
هدية العارفين ، إسماعيل باشا ، دار إحياء التراث العربي ، 1951م 0
تمت والحمد لله رب العالمين
المحتويات
الموضوع
المقدمة 1-9
أبدأ بالحمد مصليا 10-13
وذي من أقسام 13-16
أولها الصحيح 16-22
يرويه عدل ضابط 23-29
والحسن المعروف طرقا 30 -39
وكل ما عن رتبة 39 – 46
وما أضيف للنبي 46- 54
والمسند المتصل الإسناد 55-56
وما بسمع كل راو يتصل 57-58
مسلسل قل ما على وصف 59 – 61
وقل غريب ما روى راو فقط 62-64
عزيز مروي اثنين 64-70
معنعن كعن سعيد 70-75
وكل ما قلت رجاله 76-82
ومرسل منه الصحابي 83-86
وكل ما لم يتصل بحال 87
والمضل الساقط منه اثنان 88 -89
وما أتى مدلسا نوعان 90 -94
وما يخالف ثقة فيه الملا 94-98
إبدال راو براو قسم 99-102
والفرد ما قيدته بثقة 102-104
وما بعلة غموض أو خفا 105 – 108
وذو اختلاف سند أو متن 109-112
والمدرجات في الحديث ما أتت 113-115
وكل ما روى قرين عن اخه 116-117
متفق لفظا وخطا متفق 118-120
مؤتلف متفق الخط فقط 120- 122
والمنكر الفرد ما راو به غدا 123-124
متروكه ما واحد به انفرد 125-126
والكذب المختلق المصنوع 127-130
وقد أتت كالجوهر المكنون 130-131
فوق الثلاثين بارع أتت 131
ملحق باسئلة تدريبية 132 – 134
ثبت المصادر 135-145
الفهرست 146-147(2/112)