شَذَرَات الذَّهَب
دراسة عربية في بيان الْقُرْآن الكَريم
إعداد
محمود توفيق محمد سعد أستاذ البلاغة والنقد ورئيس القسم في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر الشريف شبين الكوم
ـــــــــــــــــ
الطبعة الأولي1422
الحقوق محفوظة للمؤلف
بيان مهم :هذا الكتاب قد شسبق نشره ورقيًا في طلاب العلم في مصر ، وقدأذنت الآن لكلّ مسلم أن ينشر هذا الكتاب نشرا غير تجاري شريطة أن يحافظ على النّص دون زيادة أو نفص أو تغيير إلا ما كان من خطأ في آية قرآنية أو حديث نبوي .
وأذنت لكل مسلم أن يعلق في الحواشي بما يراه من مسائل العلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
أللهم صلِّ على محمد وعلى آله كما صليت على إبراهيم وعلىآل إبراهيم إنّك حميد مجيدٌ وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
أما بعد فهذه شذرات الذهب من معدن بيان لسان العربية عن معانى الهدى في بيان الوحي العَلِيِّ : قرآنا كريماً ، وسنة نبوية ، ومن البيِّن أن بيان كل مبين على مقدار علمه بما يبين عنه ، وبمقدار اقتداره على الإبانة عنه ، فانظر كم يكون كمال وجمال وجلال وإعجاز بيان الله عز وجل الذي وسع كلَّ شيءٍ علما ، والذي هو على كلِّ شيء قدير ، وكم يكون بيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى ،والذي قال له ربه عزَّ وجلَّ : وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما(1/1)
وهذه الدراسة إنما تعنى بفقه العربية في هذا الميدان العلى من البيان : بيان الوحي قرآنا وسنة ، والدراسة العربية لأي بيان إنما هى التى لاتتخذ منهاها إلا من واقع الأمة العربية حين كان ذلك البيان فيها ، وليست التى تفتن بمقولات أعجمية نبتت في غير ديارنا العربية المسلمة ، فإن تلك المقولات ، وإن كانت صالحة مصلحة ما في بيان قومها من الأعاجم ، فإنها ليست إلا عقيما في ديارًا لاتنتج إلا شؤمًا وإلباسًا وتعمية ، ولسانا والحمد لله رب العالمين لسان عربي مبين ، فكيف بعاقل يرغب عن لسان عربي مبين إلى لسان أعجمى بهيم 0
وإن من النصيحة لكتاب الله تعالى ولسنة رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن تصرف العناية البالغة والاجتهاد البلغ إلى إتقان فقه هذا البيان العلى ، والمصابرة على الغوص في أعماق قاموسه المحيط ، فإنك لن تجد فقيها بالكتاب والسنة غلآ من فقهه عربية هذا البيان العلى المعجز ، وإذاما كان فقه الكتاب والسنة فربضة لازبة ، فإن ما كان طريقا إلى ذلك وهو فقه عربية الكتاب والسنة ليكون إيضًا فريضة لازمة لازبة على كل طالب علم بالكتاب والسنة 0
ولهذا حرصت هذه الدراسة العربية على أن تتخذ منهجا يتلبث قليلا عند الكلمات التى بني منها هذا البيان العلى المعجز وهي كلمت عربية ، ليست من العجمة في شيء ، فليس في القرآن الكريم كله كلمة أعجمية واحدة هي فيه على ما في أي لسان أعجمى ، فما ظُنَّ أنه أعجمي في أصله كما جاء عن بعض أهل العلم ، فإن بيان الوحي قد أعاد صسلغته بما يوائم عربية البيان ، وكأن في هذا إشارة إلى أن من كان أعجميًا واتخذ الإسلام دينًا فإنه يستحيل بهذا من أعجميته الفكرية والعقدية والبيانية إلى أن يكون عربيا مسلم الفكر والعقيدة والبيان
تلبثت الدراسة عند بعض المفردات تنظر في صورها وصيغها ودلالاتها لعل في ذلك عونًا على حسن فقه التراكيب(1/2)
وحرَصت على أن تتلبث قليلا عند بيان الوجوه الإعرابية للتراكيب هذا البيان تنظر في العلاقات الإعرابية بين الكلمات في بناء الجمل ،وفي العلاقات الإعرابية بين بعض الجمل ، فإنَّ حسن فقه مواقع الكلمات والجمل وعلاقتها غلإعرابية مفتاح عظيم من مفاتح فقه بيان الوحي : كتابا وسنة 0
ثم كان لهذا الدراسة تلبثًا مديدًا في النظر في السمات البلاغية لهذا البيان ، وحرصت على أن تمزج النظر في السمات البلاغية بالنظر في لطائف معانى الوحي ، وما تفيض به تراكيب بيان الوحي من دقائق ولطائف معانى الهدى
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ورسوله سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وأمته والحمد لله رب العالمين
وكتبه
محمود توفيق محمد سعد
الأستاذ في جامعة الأزهر الشريف
ضَوَابِطُ الْعِلْمِ
بمَعانِي بَيَانِ الْوَحْيِ
? العلم بصفات المتكلم ببيان الوحي 0
? العلم بكمال وتكامل بيان الوحي 0
? العلم بمقاصد بيان الوحي 0
? العلم بخصائص بيان العربية 0
? العلم بالسياق المقامى 0
? العلم بالسياقات المقالية 0
مدخل
لايتعلق العلم بشيء إلا وكان لذلك العلم به ضوابط تضبط حركة من يقوم بذلك العلم يلتزم بها في تحصيله وإلا كان ما يحصله منه غيرمحرر بل ولا محقق فلا يوثق به ولا يرجع إليه 0
وإن من العَلِىِّ في هذا العِلمَ بمعانى بيان الوحي كتابا وسنة ، فمن أراد إدراك شيء من معانى الوحي ثم فقهه، وعلمه وفهمه عن الله رب العالمين فإن عليه فريضة لازمة لازبة أن يقف على ضوابط هذا الفقه والعلم والفهم ، ثُمَّ الالتزام السلوكي بما فقه وعلم وفهم ،
إن علما لايعمل به إنما هو وبال في الدنيا والآخرة على من علمه ، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لاينفع 0(1/3)
وقد حرَصْتُ على أن أبسط القول هنا في ضوابط العلم بمعانى بيان الوحي وأن ألحَّ على المذاكرة بها طلاب العلم بالكتاب والسنة لتبقى حقائقها شاخصة في قلوبهم حاضرة سعيهم إلى فقه معانى الكتاب والسنة ، فيكون منها حجازًا بينهم وبين ما ينعق به كثير من أدعياء العلم بالكتاب والسنة ،وهم ما جلسوا لتلقى أصول العلم ببيان القرآن الكريم والسنة المطهرة بين يدي خبير بهما مؤمن بمن أنزل الوحي بهما ، بل كان مجلسهم إلى شرذمة اتخذت التجنى على الكتاب والسنة مذهبا ومنهاج حياة ، فتنادوا فيما بينهم بأنَّ السبيل إلى إضلال الأمة الإسلامية إنما هو إضلالها في فقه بيان الوحي ، وإغراء طلاب العلم فيها بأن تتخذ سبيلا إلى هذا الفقه غير السبيل الذي وسع الصحابة والتابعين في القرون الأولى ، فدقُّوا بمقابض سيوفهم أبواب حصون الفرنجة
ولن تؤتى هذه الأمة من قِبَلِ أسياف الأعداء ،وإنما تؤتى من قبل خيانة المنتسبين إليها المتكلمين بلسانها المنتسبين إلى ديارها وعقيدتها ، ولو أن ديار الإسلام تطهرت من إخوان وأخدان بنى صهيون وعبدة الصليب في ذلك الغرب الملحد لما أمكن لأعجمى أن تطأ قدمه أو قلمه ديارنا 0
إنَّ علينا أن نرابط في تلك الثغور التى يتلصص منها أعداء إسلامنا وعروبتنا 0
" يأيها الذين آمنوا اصبِرُوا وَصَابِروا وَرَابِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
الضابط الأول
العلم بصفات الله عز وجلَّ وبصفات نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه سلم 0(1/4)
كلام كل مُبِينٍ هو منه كاشف عن مراده إعلاما وأمرا ونهيا ، وهذا يوجب العلم بحال المتكلم ، ليسترشد بالعلم بحاله على فقه ما أودعه في بيانه من معانيه ، والنهج العربي المسلم في فقه البيان الوقوف على حال المتكلم من بعد التيقن بنسبة هذا البيان إليه فالدرس العربي لأي بيان أو القراءة العربية لأي بيان لاتكون عربية إذا ما تغافلت عن معرفة من ينسب إليه ذلك البيان ، فهذه المعرفة مفتاح من مفاتح الإحسان في الدرس والقراءة ، فالمتكلم به قائم في وعي القارئ لايغيب عنه ، هو حاضر شاهد ببيانه في قلب المتلقي حضورا مُعِينًا على حسن فقه مراداته من بيانه 0
ذلك أصل رئيس من أصول الدراسة والقراءة العربية للبيان إلهيا كان ذلك البيان أونبويا أو إنسانيا ، وهذا الأصل الذي نستمسك به إيمانا واحتسابا يقوم في وجه ما تسعى شرذمة من المستغربين المستعجمين في زماننا هذا من أدعياء التثقيف والتنوير الأعجمي بالمناداة به وإغراء الشبيبة به بل وإرهابهم بالإعراض عن إجازة أو قراءة أوترويج ما يكتبون والتشهير بهم ووصمهم بالرجعية والظلامية التى تعادل عندهم الأخذ بما هو عربي إسلامي
تسعى هذه الشرذمة إلى حمل الشبيبة من طلاب العلم على الأخذ بمقولة إلحادية يتصايح بها على الشاطئ الغربي من ديارنا فريق من الأعجمين : مقولة " موت المؤلف " التى هي منسولة ومنجولة من مقولةأعظم إلحادا : مقولة " موت الإله " المبنية على إنكار الإيمان بالغيب، ورفض كل ما هو غيبي ، أو كما يقول أولئك المرجفون في المدينة بالفتنة المبيرة: رفض كل ما هو " ميتا فيزيقي " والمؤلف عندهم ذو قوة غيبية متسلطة على القارئ في تلقيه البيان ،ومن ثمَّ دعا أولئك إلى " سلطة النص" و" موت المؤلف " ومثل هذا متعاند تعاندا عظيما مع أصل إسلامي ركين : الإيمان بالغيب(1/5)
قد جعل الحق عز وعلا أول صفة من صفات المتقين في استهلال سورة " البقرة " هو صفة " الإيمان الغيب" فقال :" هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ..." ورأس هذا الإيمان الإيمان بالله عز وعلا ،وليس الإيمان بشي إلا من العلم المحقق له وتصديقه والاطمئنان به 0
إن معرفة الدارس والمتدبر بحال المتكلم بالبيان الذي هو مناط الدراسة والقراءة أصل عظيم من أصول الدراسة والقراءة العربية وأحق من يؤخذ بهذا الأصل في دراسة وقراءة بيانه إنما هو الله عز وعلا ورسوله صلى الله عليه وسلم 0
وأنت إذا ما قرأت القرآن الكريم سمعت الله عز وعلا يُعْلِمُك في آيات كثيرة ومواضع عديدة من كتابه بصفاته وأسمائه الحسنى في سياق ذكره تنزيل القرآن الكريم :
" الم * الله لاإله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل" {آل عمران : 1-3}
بين لك أن المُنَزِّلَ هو الله الواحد الحي القيوم حتى تكون على معرفة بصفة المنزل فلا يكون منك فهم لايليق بجلال من هذه الصفات ،وكأنَّ فقه هذه الصفات في صدر هذا الكلام الحكيم مفاتح أبواب العلم بمعانيه
" الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير " { هود:1}
قوله" من لدن حكيم خبير" إعلام بصفته لتكون واعيا بما تقتضيه تلك الصفة وأنت تقرأ هذا البيان وتفهم ما فيه ،ولاسيما أنه قال لك " من لدن" وهي كلمة دالة على عظيم غرابة مافيه وعظمته ، فلا يقال " لدن" إلا لما كان غريبا غير مألوف أو مبتذل ، بخلاف " عند " فإنها تكون لما كان غريب وغير غريب ، فهي أعم من " لدن"
وهكذا تجد في مواضع أخرى ذكرًا لصفات الله عز وعلا في سياق ذكر تنزيل القرآن الكريم :
( يس : 1-5 * الزمر : 1 * غافر : 1-3 * فصلت : 1-2)
كلُّ هذه الصفات المذكورة في هذه الآيات يعين استحضارها في القلب على حسن فقه المعنى القرآني الكريم 0(1/6)
المتدبر كلام الله عز وعلا فريضة عليه أن يكون المعنى القرآني الذي ينتهي إليه درسه وقراءته وتدبره موافقا كل ما يليق بالله عز وعلا من صفات الجلال والجمال والكمال وإنَّ العقل وعلوم اللغة وحدهما ليسا بالمعيار الرئيس لصحة المعنى القول به0
إنَّ من قبل ذلك معيارًا أعظم هو معيار موافقة المعنى ما يليق بالمتكلم بالقرآن الكريم جل جلاله 0،فاستحضار جلال القرآن الكريم وقدسيته فريضة لازمة لازبة ، وكل من غفل عن ذلك أو تشاغل فإن ما يقوله مردود عليه كائنا من كان ، فكيف إذا ما تعمد الإعراض عن ذلك ، وذهب إلى أن يقرأ القرآن الكريم على أنه مجرد نص أدبي شأنه شأن أي نص بياني .
قد تقول: لا يقدم على ذلك أحد !!!
يقول شيخ الأمناء في تبيينه ما يجب أن يكون عليه تفسير القرآن الكريم اليوم :
" 000 المقصد الأسبق والغرض الأبعد هو النظر في القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر ،وأثرها الأدبي الأعظم [كذا]، فهو الكتاب الذي أخلد العربية وحمى كيانها فصار فخرها وزينة تراثها ،وتلك صفة للقرآن يعرفها العربي مهما يختلف به الدين أويفترق به الهوى 000
فالعربي القح أو من ربطته بالعربية تلك الروابط يقرأ هذا الكتاب الجليل ويدرسه درسا أدبيا كما تدرس الأمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة
وتلك الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولاً ولولم تنطو صدورهم على عقيدة مافيه أو انطوت على نقيض ما يردد المسلمون الذين يعدونه كتابهم المقدس
سواء أنظَرَ إليه النّاَظرُ على أنَّه كذلك في الدين أم لا. [كذا]
وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفنى دون نظر إلى أيِّ اعتبار دينى هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربيةأصلاوالعربية اختلاطا مقصدًا أوَّل وغرضا أبعد يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد 0000(1/7)
فجملة القول : أنَّ التفسير اليوم ـ فيما أفهم ـ هو الدراسة الأدبية الصحيحة المنهج الكاملة المناحي المتسقة التوزيع 0
والمقصد الأول للتفسير اليوم أدبي محض صرف غير متأثر بأي اعتبار وراء ذلك وعليه يتوقف تحقق كل غرض آخر يقصد إليه 0" انتهى
ما ذهب إليه الشبخ فيه حق قليل غلبه باطل كثير :
أول ما ندفعه دفعا أنه لم يرتض أن يكون المقصد الحقيقي من تفسير القرآن : " هو الاهتداء بالقرآن" ولو أنه راجع لرجع 0
لو أن الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ راجع آيات القرآن الكريم لرجع 0
أول ما استفتح به الحق عز وعلا كتابه بعد فاتحته في صدر سورة " البقرة" هوحديثه عن القرآن الكريم فقال:" ألم * ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين " فهذا إعلان من الله عز وجل أن القرآن الكريم هدى للمتقين ، ويأتى في آيات كثيرة أخرى الإعلان بأنه "هدى وبشرى للمؤمنين"(البقرة: 97)و"هدى للناس "(البقرة:185) و"هذا بيان لناس وهدى وموعظة للمتقين " (آل عمران: 138) و" هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"(الأعراف : 203) ،ط ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين "(النحل:89) و" هدى ورحمة للمحسنين" ( لقمان: 3) و" هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون"(الجاثية:20)
فهل يبقى من بعد هذا البيان القرآني للمقصد الحقيقي من القرآن الكريم أن يقال إن الاهتداء به ليس هو المقصد الحقيقي من تفسيره ؟ إن الذي يحدد المقصد الحقيقي من تفسير أي بيان إنما هو المقصد الحقيقي من البيان نفسه ،والشيخ نفسه قد أخذ بذلك عندما رفض الأخذ بما يعرف بالتفسير العلمى للقرآن الكريم ومما علل به رفضه أنه" يوشك أن يخرج به ـ أي بالقرآن ـ عن هدفه الإنساني الاجتماعي في إصلاح الحياة ورياضة الناس جميعا على اختلاف حظهم من العلوم الطبيعية والرياضية وما إليها 0(1/8)
ومما نرده على الشيخ قوله: إن القرآن أثر العربية الأدبي الأعظم " فالقرآن الكريم ليس أثرا أدبيا ،وإنما هو بيان إلهي مقدس لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، كما قال عنه الله عزوعلا ، وليس لنا أن نصف القرآن بغير ما وصفه به الله عز وجل ، فإن القرآن الكريم كلام الله عز علا ،وكلامه صفته
ويدخل في الرد أيضا قوله عن القرآن الكريم إنه :"زينة تراث العربية" فليس القرآن تراثا البتة وليس من زينة تراث العربية 0
ومما نرده على الشيخ أن العربي القح أو من ربطته بالعربية تلك الروابط يقرأ هذا الكتاب الجليل ويدرسه درسا أدبيا كما تدرس الإمم المختلفة عيون آداب اللغات المختلفة "
هذا مما ندفعه دفعا فمعاذ الله جل جلاله أن يكون درسنا القرآن الكريم كدرسنا عيون شعر العربية ، كيف يكون ذلك والقرآن كلمة الله عز وعلا ؟ !!
إن الدرس الأدبي للشعر والنثر الفنى قائم على طبيعة الأدب التى تقوم على عنصر الخيال فهو أصل عظيم في التصوير الأدبي للأشياء
هذا لايمكن لمسلم أن يقول :إن في القرآن خيالا ، وإذا فقد الكلام عنصر الخيال فقد الانتساب إلى البيان الأدبيِّ ، ولايصح أن يقال عنه أدبا ، فالقرآن الكريم ليس أدبا ودرسه اللائق به لايصح أن يكون درسا أدبيا ، فقول الشيخ :ان الدراسة الأدبية للقرآن الكريم هي ما يجب أن يقوم به الدارسون أولا وفاء بحق هذا الكتاب ، إنما هو قول مردود على الشيخ ،
الدرس الأدبي لايصلح البتة لتدبر القرآن الكريم أو السنة النبوية لاعتماده على فريضة النظر في عنصرالخيال وأثره في التصويرالفنى في الأدب وبغيرهذا لايكون درس أدبي 0(1/9)
ومما أرده على الشيخ زعمه التسوية في درس القرآن الكريم بين أن يكون الدارس مؤمنا به أو كافرا أو معاندا ،وكأن الإيمان بالقرآن الكريم ليس له أدنى أثر في فقه بيان القرآن الكريم ،وهذه من الشيخ جد عظيمة ، بل أن الإيمان بالقرآن الكريم أمر مهم جدا في حسن فقه البيان القرآني، فحسن علاقة المتدبر للقرآن الكريم بمُنزِّله ومن أنزل عليه معين على حسن فقه البيان القرآني 0
ومما أرده على الشيخ أيضا قوله:" القرآن كتاب الفن العربي الأقدس"
إن القرآن ليس فنا عربيا ،ولاسيما أن كلمة " فن"و" فنان" تحمل من محيطها الاجتماعي الذي تلاك فيه كثيرا من الإيحاءات التى لاتليق بالقرآن الكريم ، وإن كنا نؤمن بأن الدلالة اللغوية لكلمة " فن "، وهي كثرة التنوع والتصريف إنما هي قائمة في منهج القرآن في الإبانة عن معانى الهدى فيه ، ولكن الكلمات لاتدل عن معانيها الأولى وحدها فهي تحمل في رحلتها كثيرا من المعانى التى اكتسبتها في مسيرحياتها ، وتكاد هذه المعانى الطارئة عليها توارى المعنى الأول عن قلوب كثير من الناس 0
ومما نرده على الشيخ ادعاؤه إجماع الأمم العربية على الأخذ بمنهج الدرس الأدبي للقرآن الكريم ، فهذا ادعاء يتنافى مع أدنى أصول أهل العلم ، ولو أنه قال إن غير قليل من أهل العلم بالقرآن والعربية من المسلمين لايأخذون بمنهج الدرس الأدبي للقرآن الكريم لكان الشيخ أقرب إلى الحقيقة 0
وما قرره الشيخ قد فتن به بعض الناظرين في البيان القرآني ، فكان سبب في أن تزل أقدامهم إلى ما لم تحمد عقباه لهم ولغيرهم على نحو ما تجده عند صاحب كتاب :" مفهوم النص : دراسة في علوم القرآن " وقد نص على اتخاذه منهج شيخ الأمناء في الدرس الأدبي للقرآن فقال في القرآن مقالة سوء
وعلى نحو ماتجده عند صاحب كتاب : "الكتاب والقرآن : قراءة معاصرة" وقد نص على أنه ينطلق في دراسته من نظرية لغوية تعامل بها مع القرآن على أنه نص لغوي 0
00000(1/10)
وإذا ما كنت ذاهبا إلى فريضة العلم بصفات الحق عز وجل في فقه معانى البيانى القرآني ، والوعي المحقق المحررلأصول العقيدة في باب الإلهيات على منهاج أهل السنة والجماعة ورفض كل ما هو مخالف لذلك من التوجهات العقلية المخالفة التى اتخذتها طوائف عديدة من أشعرية وماتريدية ومعتزلة وخوارج وشيعة ...إلخ فإنى ذاهب أيضا إلى القول بفريضة العلم بصفات النبي صلى الله عليه وسلم على المنهاج نفسه فإن ذلك يعصمنا من أن نسقط على بيانه ما ليس منه ،فقد كان خلقه القرآن الكريم ،وهو القائل :
" بعثت لأتمم حسن الخلق " {الموطأ:1742ـ احمد :2/ 381}
والقائل: إنى لستُ بِمَلِكٍ إنما أنا ابن أمة كانت تأكل القديد " {ابن ماجة:3312}
والقائل :" خيركم خيركم لأهله ،وأنا خيركم لأهلى " {ابن ماجة:1977}
وقد جاء عن سيدنا على بن أبي طالب ،وسيدنا عبد الله بن مسعود قولهما:
"إذا حدثتم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديثا فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهيأ والذي هو أتقى" {أحمد: 1/122،والدارمي: مقدمة}
والحق أن كثيرا من التأويلات الضالة التى غرقت فيها الفرق الكلامية مرجعها إلى الغفلة أو التغافل عن العلم بما يجب لله عز وعلا من الصفات العُلَى والأسماء الحسنى ، وما يتصف به النبي صلى الله عليه وسلم من جليل النعوت
0000000
الضابط الثانى :
العلم بكمال وتكامل بيان الوحي قرآنا وسنة 0
من خصائص بيان القرآن الكريم وسننه البيانية أنه لايكتفي بذكر الشيء الواحد مرة واحدة بل تراه يذكره أكثر من مرة وفي صور بيانية متنوعة ، يسميها تصريفا :
" ولقدصرفنا في هذا القرآن ليذكروا "{الإسراء:41}
" ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل "{الكهف:54}
" وكذلك انزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا"{طه :113}(1/11)
وهذا تجده يكثرفيما كان من الأصول الكلية للإسلام كالتوحيد والبعث وغير ذلك ، بل إن حقيقة التوحيد لتكاد تجد بيان القرآن الكريم عنها قائما لك تصريحا أوتلويحا في أغلب آيات القرآن الكريم مما يجعل الإحاطة بآيات الوحدانية في دراسة واحدة أمرا جد عسير 0
والقرآن الكريم وهو يصرِّف بيانه عن المعنى الكلى الواحد إنما يضيف جديدا يتناسب مع سياق التصريف والمقام والمقصود الأعظم للسورة التى يرد فيها ذلك التصريف 0
وهذا يستوجب أن يكون المتدبر على وعي بمواقع التصريف البياني للمعنى الذي هو بصدد تدبره وأن يجمع صور التصريف فينظر إليها نظرتين :
النظرة الولى : بحسب الترتيب النزولى للآيات ، إذا ما أمكن التحقق من ذلك وهو غير متيقن في كل آية
والنظرة الأخرى بحسب ترتيب التلاوة 0
وأمر آخر هو من كمال البيان القرآني وتكامله أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا 0
يقول الإمام " ابن تيمية" :" إنَّ أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن ، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر ،وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر " { مجموع الفتاوى :13/ 363}
وقد نقل هذا عنه " الزركشي " في البرهان :{2/175} وابن كثير في مقدمة تفسيره 0
ويزيد الشيخ" الذهبي" الأمر جلاء بقوله:
" الناظر في القرآن الكريم يجد أنه قد اشتمل على الإيجاز والإطناب وعلى الإجمال والتبيين وعلى الإطلاق والتقييد وعلى العموم والخصوص ،وما أوجز في مكان قد يبسط في مكان آخر، وما أجمل في موضع قد يبين في موضع آخر ،وما جاء مطلقا في ناحية قد يلحقه التقييد في ناحية أخرى وما كان عاما في آية قد يدخله التخصيص في آية آخرى 0(1/12)
لهذا كان لابد لمن يتعرض لتفسير كتاب الله تعالى أن ينظر في القرآن أولا فيجمع ما تكررمنه في موضوع واحد ويقابل الآيات بعضها ببعض ، ليستعين بما جاء مسهبا على معرفة ما جاء موجزا ،وبما جاء مبينا على فهم ما جاء مجملا وليحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص ،وبهذا يكون قد فسر القرآن بالقرآن ،وفهم مراد الله بما جاء عن الله وهذه مرحلة لايجوز لأحد مهما كان أن يعرض عنها ويتخطاها إلى مرحلة أخرى؛لأن صاحب الكلام أدرى بمعانى كلامه وأعرف به من غيره" {التفسير والمفسورون:1/40}
ويستطرد الشيخ في ضرب الأمثلة لكل نوع مما ذكره من ضروب تفسير القرآن بالقرآن 0
وأنت إذا ما قرأت أول سورة " هود" وجدت الحق عز وجل يهدينا إلى ذلك :
" ألر 0 كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير "
في التفصيل تفسير لما أحكم ، بل إن سورة الفاتحة تجد ما جاء من بعدها من السور كالتفسير لما أحكم من معناها
وقد علمنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك الأصل العظيم :
قد أشكل على سيدنا الفاروق " عمر بن الخطاب" رضي الله عنه المعنى القرآني في قول الله تعالى :
" قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد000" الآية{النساء:176} فلم يفهم منها ما فهم سيدنا " الصديق أبوبكر " من أن الكلالة من لاولد له ولا والد ، وأسقط الإخوة بالجد" وراجع عمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فدله على آية الصيف{النساء: 12}(1/13)
يروي الإمام مسلم في كتاب " الفرائض" بسنده عن " معدان بن أبي طلحة، أنَّ " عمربن الخطاب" خطب يوم جمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم ،وذكر أبابكر ، ثمَّ قال : إني لاأدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة . ماراجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لى في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال :" ياعمر، ألا تكفيك آية الصيف التى في آخر سورة النساء"وإنى إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لايقرأ القرآن"{ح:9/1617}
فآية الصيف{ي:176} تفسر آية سابقة عليها{ي: 12} وهذا نهج جليل هدى إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم {ينظر: أعلام الموقعين:1/354}
وقد اتخذ" الفاروق "رضي الله عنه هذا نهجا في الفهم من بعد ذلك :
لما فتح العراق سأله اصحابه قسمته في الغانمين ، فقال لهم: إنْ قسمْتُها بينهم بقي آخر الناس لاشيء لهم ،واحتج عليهم بقول الله عز وعلا:
" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى 000الآيات "{الحشر:7 – 10}
وشاور عليا وجماعة في ترك القسمة وأن يجعل الأرض في أيدي أهلها ويضع عليهم الخراج فأشاروا عليه بذلك
وهو لم يجعل آية الحشر منسوخة بل قرن إليها آية الأنفال{ي: 41}
" واعلموا أنما غنمتم من شيء 0000"
واستنبط منهما معا معنى لم يلحظه من نازعه في هذا فصار المعنى القرآني بهذا النهج :
" واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه في الأموال سوى الأرضين ، وفي الأرضين إذا اختار الإمام ذلك،وما أفاء الله على رسوله من الأرضين فلله وللرسول إن اختار تركها على ملك اهلها ،ويكون ذكر الرسول ههنا لتفويض الأمر إليه في صرفه إلى من رأى " {احكام القرآن للجصاص:5/319}(1/14)
الفاروق بهذا جعل قول الله تعالى:" الذين جاءوا من بعدهم" معطوفا على " الذين تبوءوا الدَّارَ " وهو معطوفا على " ذي القربي" ، فيكون الفيء في ثلاث طوائف كما يقول ابن العربي المالكي:" المهاجرين والأنصار والتابعين من بعدهم إلى يوم القيامة" {أحكام القرآن:4/1779}
000000
ومن باب تفسير البيان القرآني بعضه بعضا القراءات القرآنية الصحيحة ، فهذه القراءات هي قرآن من عند الله ليس لأحد من الخلق فيه أثر ، وقد يظن ظان أن نسبة قراءة ما لعالم أنه هو الذي جاء بها ،كقراءة نافع أوعاصم،وهذا ليس من الحق في شيء البتة ، فهؤلاء ليس لهم من القراءات غير تحمل القراءة بالسند المتصل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا جبريل عليه السلام عن رب العزة جل جلاله 0
فما زُعِمَ من أن القراءات القرآنية إنما هي لهجات عربية قرأ بها الصحابة على لهجات قبائلهم وأن لكل عربي أن يقرأ القرآن بلهجة قومه إذا لم يستطع أن يقرأ بلهجة قبيلة أخرى إنما هو قول مردود ،
إن القرءات توقيف ليس لأحد من الخلق كافة أي أثر في القراءة بها وليس لأحد أن يرجح قراءة متصلة السند بالله رب العالمين على قراءة أخرى متصلة السند بالله رب العالمين فضلا عن ان يردها زعما أنها لغة أي لهجة رديئة أو غير فصيحة، فلا يكون لأحد كائنا من كان أن يجعل من نفسه حكما على لغات العرب فضلا عن القراءات القرآنية المتصلة السند برب العالمين ، فإنَّ لسان العربية لايحيط به أحد إلا أن يكون نبيا ، كما يقول الشافعي في" الرسالة"
وبهذا الذي بينته لك يتضح لك تهافت بعض ما تراه في كتب المفسرين واللغويين من ترجيح قراءة صحيحة السند على أخرى مثلها صحيحة السند أو ردها أو القول بعدم صجة الصلاة بها أو عدم صحة استنباط أحكام شرعية منها ، فكل ذلك مردود على قائله كائنا من كان(1/15)
وهنا ينبغي التفريق بين أمرين : الأول القول بأن القراءات القرانية مأخوذة من اللهجات العربية أي مصدرها هذه اللهجات ،والآخر القول بأن القراءات مصدر رئيس لدراسة اللهجات العربية
الأول باطل مرفوض والآخر حق مفروض 0
إن كل قراءة لآية كأنها آية جديدة بما تحمله من المعنى فهي تضيف إلى المعنى القرآني في القراءة الأخرى ما يؤكدها وما يضيف إليها 0
والمرء لايكاد يطمئن لفهمه معنى من آية إذالم يكن قد وقف علىما جاء فيها من القراءات الصحيحة الإسناد ومراجعة ماذهب العلماء في تأويلها ففي كل قراءة معنى يكون لطيفا لاتدركة كل القلوب ، فإن القرآن الكريم يجمع في بيانه ضروبا من المعانى الإحسانية التى لايشعر بها إلا أهل القرب والإحسان في عبادة الله سبحانه وتعالى،فكلما ازددت علما بربك جل جلاله وبكتابه الكريم كلما كنت مؤهلا لأن تشعربشيء من تلك المعانى الإحسانيةالتى تكون إفادة البيان القرآني لها إلاحة وإشارة هي عندأهل الإحسان ألذُّ وأكرم من التصريح
ويبقى أمر آخر جدُّ جليل هو الاعتماد على السنة النبوية في فقه المعنى القرآني ، فإنها الرافد الثانى لبيان الوحي ، فهي تبيين بيان القرآن الكريم لاشك عندنا في هذا البتة ، فالوحي ضربان :
بيان هو القرآن الكريم ، وتبيين هو السنة النبوية ، والله عز وجل قد جعل من رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم تبيان ما نزل من القرآن الكريم :
" وَما أرْسَلْنا مِن قبْلِك إلاَّ رِجالاً نُوحِي إليهم فاسْألُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاتَعْلَمُونَ *بِالبَيِّنأتِ والزُّبُرِ وأَنْزَلْنَا إليكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاس مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" {النحل: 43-44}(1/16)
ومن توثقت علاقته بمعانى الهدى في القرآن الكريم ومعانى الهدى في السنة النبوية الصحيحة يجد أن ما في السنةالنبوية المطهرة من معدن معانى البيان القرآني الكريم وأن المعنى قد يكون تصريحا في أحدهما وتلويحا في الآخر، أو إجمالا في أحدهما وتفصيلا في الآخر ،ولن تجد البتة شيئا في أحدهما ينقضه شيء في الآخر ـ معاذ الله أن يكون ، فهما من مشكاة واحدة : من الوحي المقدس وإن اختلفت المنازل ،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :
" ألا إِنِّي أُوتيتُ الكتابَ ومِثْلَه معه" وفي رواية " مايعدله" {أبوداود: كتاب السنة}
يقول الإمام "أبو سليمان حمد الخطابي" في "معالم السنن" في قوله صلى الله عليه وسلم :" ومثله معه" :
" يحتمل وجهين : أحدهما : أن معناه أوتى من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو 0
والثاني : أنه أوتى الكتاب وحيا يتلى وأوتي من البيان مثله أي أُذِنَ له أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخص ويزيد عليه ويشرح ما في الكتاب ، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن "0
وإذا ما كانت أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تطبيقا لما جاء به القرآن الكريم فإن هذا التطبيق تبيان لمعانى الهدى فيه تبيانا مشهودا تعيه الأبصار،وكذلك كان تبيان من وجه آخر لمعانى الهدى القرآني تعيه تعيه الآذان : أقوال النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان من التبيين النبوى للبيان القرآنى قرى العين وقرى الأذن وهذا من فيض جوده صلى الله عليه وسلم وجزاه عنا خير ما جزى نبيا عن أُمَّته .
وإذا ما جئنا إلى فقه بيان النبوة فإنه فريضة أن يستوثق المتدبر من صحة نسبة ما يرغب في تدبره منها ، ثم النظر في الروايات التى جاء بها البيان النبوى في مظانها وقراءة ما فيها وتدبره في ضوء ما في البيان القرآني من معانى الهدى حتى لايقع في قلبه معنى يتعاند مع أصل من أصول المعنى في البيان القرآني 0(1/17)
إن البيانين : القرآني والنبوى كل واحد منهما كامل في نفسه ومتكامل أيضا في نفسه ومتكامل بالضرب الآخرمن البيان ،فهما معا من الوحي المقدس 0
وكل فتنة تقول بالاستغناء بالقرآن الكريم عن السنة النبوية المطهرة إنما هى فتنة إبليسية يلقيها الشيطان على ألسنة وأقلام طائفة من المتعالمين الآخذين علوم الإسلام من الصحائف غير المحققة ، فظنوا أنهم القادرون على أن يقولوا في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ما يشاؤون 0
وأمثال هؤلاء الذين يُغَرَّرُالشبيبةُ بتسميتهم بالمفكرين الإسلاميين وهم في الحقيقة المفككين لوحدة الأمة في سعيها إلى مرضاة ربهاعلىهدي الكتاب والسنة 0
0000000
الضابط الثالث
العلم بمقاصد بيان الوحي 0
لكل متكلم غايات يرمىغليه ببيانه ،ويجعل من هذا البيان آيات دالة على مقاصد ومعانيه ومغازيه التى يغز السير إليه ببيانه ،وفي هذا هداية لمستمعيه وعون لهم علىإدراك مراداته ومفاصده ،متر كان ذلك المتكلم قادرا علىأن يجعل بيانه مبينا عن تلك المقاصد غباة ظهور وانكشاف أو إبانة خفاء واحتجاب ، فغير قليل لجوء المبين إلى إخفاء مغازيه ومعانيه في أستار بيانه لأمور جليلة يعرفها أهل فقه البيان 0
والقرآن الكريم في مفتتح تفصيل ما أحكمه في سورة" أم الكتاب" في سورة " البقرة" أبان لنا عن ذلك القرآن في جمل ثلاث :" ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين " فكان هذه الجمل الثلاث مفاتح المعرفة بالقرآن الكريم :
الجملة الأولى :" ذلك الكتاب" أنبأتنا بعلو كمال القرآن الكريم فيما يكون له ،وبعد منزلته وقدره وبعده عن أن يكون كمثله كتاب آخر ، فهو الكتاب الكامل الجامع ما فيه تحقيق الهداية إلى الصراط المستقيم المرغوب فيها في قوله :" اهدنا الصراط المستقيم" فكانه لما قيل : اهدنا الصراط المسقيم " قيل ذلك الصراط المستقيم هو الكتاب ، ففي اسم الإشارة "ذلك " إيماء إلى " الصراط المستقيم" في سورة الفاتحة "(1/18)
الجملة الثانية:" لاريب فيه" أنبأتنا أن ذلك الكتاب البعيد المنزلة والقدر العلى الكامل الجامع ما فيه تحقيق الهداية إلى الصراط المستقيم كتاب منزه عن أن يكون فيه ما يحرك شيئا من الريب في صدر عاقل منصف ، وكأن في هذا تحديا لكل عاقل منصف أن يجد فيه ما يحرك في صدره أثارة من الريب فيه ،ولايجد في القرآن الكريم من يبيد هذه الأثارة ويمحوها 0
الجملة الثالثة : أنبأتنا أن ذلك الكتاب العلى البعيد المنزلة والقدر المنزه عن أن يكون فيه ما يمكن أن يحرك أثارة من الريب فيه في صدر عاقل منصف إنما هو هدى للمتقين يتسامى بهم إلى الدرجات العلى من الهداية فيبلغ بهم مقام الإحسان ويقيمهم فيه ، فيعبدون الله كأنَّهم يرونه 0 فيكونون المحقيقين كمال الإخلاص في العبادة وكمال افخلاص في الاستعانة المقرر في قلب سورة " الفاتحة :أم الكتاب " في قوله تعالى :" إياك نعبد وإياك نستعين"
فهذه الآية هي المحور الرئيس الذي ترتبط به كل آيات القرآن الكريم ,كل أحاديث السنة النبوة ، فما من آية من آيات القرآن الكريم إلا معناها من معدن معنى قوله تعالى :" إياك نعبد وإياك نستعين" وكل حديث من أحاديث السنة المطهرة إنما معناه منسول من معنى هذه الآية الكريمة مربوط بها بسبب قد يكون جليا لثُلًّةٍ من أهل العلم وخفيا لثُلَّةٍ أخرى منهم 0
من الذي أوجزته لك هنا تبين لك أمران :
الأول : أن كل معنى قرآني أو نبوي إنما معدنه الذي يخرج منه ويرتبط به ارتباطا وثيقاً محكمًا قوله تعالى : " إياك نعبد وإياك نستعين" الذي جعله الحق عز وعلا بينه وبين عباده قسمين كما جاءت به السنة المطهرة ، فمعيار قرآنية المعنى في تأويل أو تدبر آية آية أو فهم وتدبر أي حديث مسند من أحاديث السنة المطهرة انتسابه الوثيق بمعنى قوله تعالى:" إياك بعبد وإياك نستعين"
وتستطيع أن تقول : إن هذه الآية هي المفتاح العظيم لفهم وتدبر أي آية قرآنية أو حديث نبوي صجيح 0(1/19)
الآخر : أن كل معنى من معانى آيات القرآن الكريم أو من معنى أحاديث السنة المطهرة فيه ما يحقق شيئا من ضروب الهدى إلى الصراط المستقيم في إخلاص العبادة وإخلاص الاستعانة بالله رب العالمين والارتقاء بالعباد في مدارج الدايةحتى يرتحل بهم من منازل المتقين إلى منازل المحسنين فيقيمهم فيها 0
إن الوحي بيان وتبيينا له مقصد كلى متعين هو هداية العباد على اختلاف درجاتهم غلى الصراط المستقيم في إخلاص العبادة وإخلاص الاستعانة ليكون بحق عباد الرحمن جل جلاله 0
ذلك هو المقصد الكلى الأعظم للوحي بيانا وتبيينا: قرأنا وسنة ، ومن هذاالمقصد الكلى الأعظم تنسل مقاصد جزئية تدور في فلك هذا المقصد الكلي الأعظم الذي أشرت إليه 0
كل دارس ومتدبر لشيء من الوحي بيانا وتبيينا علىه فريضة عين أن يقيم حركة درسه وتدبره في حديقة هذا المقصد الكلى الأعظم لايند عنها ولا يتسلل إلى خارجها وإن أغرته الخواطر النفسية التى قد تتقاذف إلي نفسه ، فيظنها من الفتح الربانى ، وهي إذا ما حقق رأها زنيمة لاترتبط بالمقصد الكلى الأعظم للوحي بنسب وسبب ، وكم من المعانى التى تقاذف على ألسنة من ينتسبون إلى يعرف بالصوفية هو إلى الوساوس النفسية أقرب منه إلى المعانى الربانية ،وإن سماها أولئك بلطائف الإشارات ، فليحذر الناشئة في طلب العلم الافتتان بمثل هذا إلى أن يكون لهم من العلم المقق ما يمكن لهم أن يحرروا الأمر فيبصروا الحق من الباطل ، ويميزوا الخبث من الطيب ، فإن الأمر في هذا العلم دين يلقى المرء ربه عليه فليتق لقاءه بغير ماهوم محقق محرر 0
" يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا " {النساء :26- 28}
0000000
الضابط الرابع
العلم بخصائص العربية(1/20)
يقررالقرآن الكريم في آيات عدة أنه عربي وبلسان عربي مبين :" إنا أنزلنه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون"{يوسف:2}
" ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الي يلحدون غليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين "{النحل: 102}
"وكذلك أنزلناه حكما عربيا" {الرعد:37}
" وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا" {طه: 113}
" وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين" {الشعراء: 192-195
" ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " {الزمر:27- 28}
" حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآناعربيا لقوم يعلمون " {فصلت : 1-3}
" وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولهاوتنذر يوم الجمع لاريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير " {الشورى : 7}
" حم* والكتاب المبين* إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " {الزخرف: 1-3}
" ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين " {الأحقاف:12}
في كل هذه الآيات دلالة بينة على أن عربية القرآن إنما هي عربيةمنهج إبانة وليس عربية مصدر تنزل ،ولذا كثر في هذه الآيات قوله: لعلكم تعقلون ، لعلهم يتقون ، لعلهم يتذكرون" وهذا كله إنما يكون من منهاج الإبانة على معانيه ومقاصده ومغازيه ،ولذا قال الحق عز وعلا :
" ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي 000" {فصلت: 44}
وفي ذلك دلالة بينة على أنه لايسطيع ناظر في القرآن الكريم أيا كان قدره أن يفقه شيئا منه إلا من سبيل فقهه لسان العربية الذي كان في أمة العرب عند نزوله، فذلك هو السبيل الأول إلى الاقتراب من حمى المعنى القرآني الكريم 0(1/21)
وقد حرص الإمام الشافعي في سفره الجليل " الرسالة" أم أسفار علم أصول فقه الكتاب والسنة على أن يبين في جلاء هذه الحقيقة لأنها أم الحقائق التى تبنى عليها كافة الحقائق العلمية في هذا الباب :
يقول رضي الله عنه وارضاه :
" ومن جماع علم كتاب الله العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب"
فانظر قوله: " جماع علم كتاب الله" فهذا دال على أن علم ما في كتاب الله عز وعلا من معانى الهدى إنما هو من علم لسان العرب فمن علمه وأتقنه كان أهلا لأن يسلك السبيل ، ومن جهله فلن يخطو خطوة واحدة على الطريق ، وإن جمع علوم أهل الأرض أجمعين ، فكان لزاما على كل متكلم في معانى القرآن الكريم على تعدد أنواعها وضروبها ومجالاتها الجامعة كافة شئون الحياة أن يكون أول أمره قائما على كمال تحقيق العلم بلسان العربية 0
وهذا يدل على عظيم ما يتردى فيه كثير من المتجرئين على القول في معانى القرآن الكريم ، والواحد منهم لايكاد يقيم لسانه النطق بجملة عربية واحدة على النحو والنهج العربي القويم ، ثم يقال لنا عنه : المفكر الإسلامي العظيم 0
وقد أنكر " الإمام الشافعي " على من زعم أنَّ في القرآن الكريم حرفا واحدا من غير العربية :
" الواجب على العالمين انَّ لايقولوا إلا من حيث علموا 0وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له ـ إن شاء الله 0
فقال منهم قائل: إنَّ في القرآن عربيا وأعجميا 0
والقرآن يدل على أنْ ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب 0
ووجد قائل هذا القول من قَبِلَ ذلك منه تقليدًا وتركًا لِلْمسئَلة له عن حُجَّتِه ، ومسئلةِ غيره ممَّنْ خالفه0
وبالتقليد أغفل من أغفل منهم والله يغفر لنا ولهم 0
ثمَّ يقول رضي الله عنه وأرضاه :
" فعلى كلِّ مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جَهدُه 0000(1/22)
وما ازداد من العلم باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته وأنزل به آخر كتبه كان خيرًا له 0000
ثُمَّ بين وجه إعلانه هذ الحقيقة العلمية الراسخة في صدر كتابه قائلا:
" وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره ؛ لأنَّه لايَعلمُ من إيضاح جُملِ عِلمِ الكتابِ أحدٌ جهلَ سَعةَ لسانِ العربِ ،وكثرةَ وجوهِهِ وجِماعَ معانيهِ وتَفرُّقَها 0
ومن علِمه انتفت عنه الشُّبَهُ التى دَخلت على من جهلَ لسانها 0
فكان تنبيهُ العامَّةِ على أن القرآن نزل بلسان العرب خاصة نصيحةً للمسلمين ، والنصيحة لهم فرضٌ لاينبغى تركُه ، وإدراكُ نافلةِ خيرٍ لايَدعُها إلا من سفه نفسه وترك موضعَ حَظِّهِ 0
وكان يجمع مع النصيحة لهم قياما بإيضاح حقٍ وكان القيامُ بالحقِّ ونصيحةُ المسلمين من طاعةِ اللهِ، وطاعة اللهِ جامعةٌ للخيرِ "
{الرسالة : 40، 41، 42، 48،49، 50 }
بسطت لك النقل عن بيان الشافعي رضي الله عنه وأرضاه ، لتقف ـ أولا ـ بنفسك على بيانه البليغ ،فقد كان الشافعي ممن تؤخذ منه اللغة فهو قرشي قح لم يَشُبْ لسانَه هجنة أعجمية أو عامية ،وكان عالم لغة وراوية شعر من قبل أن يكون فقيها ، فهو الذي أخذ عنه " الأصمعى" شعر الهذليين ، فيقوم في صدرك فرق ما بين هذا الإمام الجليل وبين ما يسكب في أذنك صباح مساء من همهمات أعجمية ممن قيل عنهم المفكرون الإسلاميون في وسائل الإعلام
ولتقف ـ ثانيا ـ بنفسك على تقريره الحقيقة العلمية التى لاينبغى أن يُوقَفَ طالبُ علمٍ بمعانى كتاب الله عز وعلا على شيء من قبل أن يوقف عليها وقوفَ تبصرٍ وتدبرٍ وتمثلٍ وتمكنٍ(1/23)
ولو أحسن القائمون على تعليم طلبة العلم في الجامعات الإسلامية النصح إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والنصح إلى من كلفوا بالولاية عليهم ورعاية مسيرهم في طلب العلم بالكتاب والسنة لكان واجبا أن يجعلوا العلم بلسان علوم العربية مدارسة وممارسة أداء وتذوق وتدبر عديلَ العلم بكافة علوم الكتاب والسة بل والمقدمَ عليها، ولكنك حين تنظر في كثير من كليات الشريعة الإسلامية وأصول الدين تجد أن الأخذ بتعليم لسان العربية مدارسة جد نزير ، وهو عندهم نافلة يستحب الأخذ بشيء منها ، أما العلم به ممارسة أداء وتذوق وتدبر فهذا ما يكاد الإصرار على الأعراض عنه يكون أساسًا وقانونا يؤخذ به ولا يقبل حوارًا في شأنه 0
إذا ماكان هذا الذي سمعت من الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه المهدي إلينا أول وأجلَّ كتاب في علم أصول فقه معاني الهدى إلى الصراط المستقيم في الكتاب والسنة ، فإن "الإمام : أبا إسحاق الشاطبى (ت: 790) يقتدي به قائلا :
" إن هذه الشريعة المباركة عربية ، لامدخل فيها للألسن الأعجمية 0000
القرآن نزل بلسان العرب على الجملة ، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة 0000
فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة "
" انه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين ـ وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم ـ فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة ،وإن لم يكن ثَمَّ عُرفٌ فلا يصحُّ أن يجري في فهمها على ما تعرفه 0
وهذا جار في المعانى والألفاظ والأساليب "
" لايستقيم للمتكلم في كتاب لله أو سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتكلف فيهما فوق ما يسعه لسان العرب ،وليكن شأنه الاعتناء بما شأنه أن يعتنِي العربُ به والوقوفَ عند ما حَدَّتْهُ "(1/24)
" الاعتناء بالمعانى المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم بناء على أنَّ العرب إنما كانت عنايتها بالمعانى ،وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها ،وهذا الأصل معلومٌ عند أهلِ العربيةِ ، فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد،والمعنى هو المقصود ،ولا أيضا كل المعانى ، فإن المعنى الإفرادي قد لايعبأُ به إذا كان المعنى التركيبي مفهوماً دونه "{الموافقات:2/64،82 ،58،87}
ويقرر في باب " الاجتهاد " أنه إذا ماكان هنالك علم تتوقف صحة الاجتهاد عليه " فالأقرب في العلوم إلى أن يكون هكذا علمُ اللغة العربية ،ولا أعنى بذلك " النحو" وحده ،ولا" التصريف " وحده ،ولا "اللغة" ولا" علم المعانى" ولا غير ذلك من أنواع العلوم المتعلقة باللسان بل المراد جملة علم اللسان ألفاظ أو معانى كيف تصورت 0000
فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة ، أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة ، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية ، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة ، فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فههموا القرآن حجة0
فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم وكل من قصر فهمه لم يعد حجة ولا كان قوله فيها مقبولا 0
فلا بد من أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها ،كـ" الخليل " و" سيبويه " و" الأخفش " و" الجرمي" و" المازنى " ومن سواهم " {الموافقات :4/114- 115}(1/25)
كل الذي نقلته لك عن " الشاطبي" ومن قبله" الشافعي" دالٌ دلالة بينة محققة على أنه فريضة علمٍ ودينٍ على كل من قام إلى النظر في معانى الهدى في بيان الوحي:الكتاب والسنة أن يكون العليمَ بلسان العربية عما يخرجه عن الجهالة بمنهاج الناطقين به زمن نزول الوحي في الإبانة والتلقي ، فلا يتلبس بشيء من الجهالة بخصائص هذا اللسان التى هي قائمة على كمالها في بيان الوحي كيما يتحقق الفهم عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد هدي الله عز وجل إلى أن من نعمه على خلقه أن جعل من أرسله إليهم من النبيين والمرسلين بلسان من أُرْسِلُوا اليهم في كلِّ عصرٍ ومصرٍ :
" وَمَا أَرْسَلْنا مِن رسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" {ابراهيم:4}
وقد كان من " الشافعي" في الرسالة تبيان لبعض خصائص لسان العربية زمن الوحي يغري به طلاب العلم بمعانى الهدي إلى الصراط المستقيم في كتاب الله عز وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قائلا :
" إنما خاطب الله بكتاب العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها 0
وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها ، وأنَّ فِطرتَه أن يُخاطبَ بالشيء منه عاما ظاهرًا يراد به العام الظاهر ، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره 0
وعاما ظاهرا يراد به العام ، ويدخله الخاص ، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه 0
وظاهرًا يراد به الخاص0
وظاهرا يُعرفُ في سياقه أنه يراد به غير ظاهره
فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره 0
وتبتدأُ الشيء من كلامِها يُبينُ أوَّلُ لفظها فيه علم آخره
وتبتدئُ الشيْءَ يُبِينُ آخرُ لفظها منه عن أولِه 0
وَتَكَلَّمُ بالشيْء تُعَرِّفُهُ بالمعنَى دون الإيضاحِ باللفظِ ،كما تُعَرِّفُ اٌشَارةَ ،ثُمَّ يكونُ هذا من أعلى كلامها ؛لانفرادِ أهلِ علمِها به دون أهلِ جهالتها 0(1/26)
وتسمى الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة
وتسمى بالاسم الواحد المعاني الكثيرة 0
وكانت هذه الوجوه التى وصفت اجتماعها في معرفة أهل العلم منها به ـ وإن اختلفتْ أسباب معرفتها ـ معرفةً واضحةً عندها ، ومستنكرًا عند غيرها ممن جهلَ هذا من لسانها ، وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة ، فتكلف القول في علمها تكلُّف مايجهلُ بعضه0
ومن تكلف ما جهل ومالم تثبته معرفته كانت موافقته للصواب ـ إن وافقه من حيثُ لا يعرفه ـ غير محمودة ،والله أعلم ، وكان بخطئه غير معذور ، إذا ما نطق فيما لايحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه 0 {51-53}
هذا بعض خصائص لسان العربية التى نزل عليها الوحي في بيانه وإفهامه مراد الله عز وجل من عباده ،وهي خصائص مذهبية منهجية كلية من تحتها خصائص دقيقة جليلة يقف عليها علماء بيان العربية 0
والشافعي قرر فيما قرر قي رسلته الجليلة :
" ولسان العربِ أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظا ، ولانعلمه يُحيطُ بجميع علمه إنسان غير نبي ، ولكنه لايذهب منه شيء على عامتها حتى لايكون موجودًا فيها من يعرفه"{الرسالة: 42}
فانظر قوله:" أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا" جاعلا الاتساع للمذهب والكثرة للألفاظ ،وإذا ما كانت الإحاطة بالألفاظ جد عسيرة فكيف تكون الإحاطة بالمذاهب المتسعة ؟!0
وإذا ما كانت المذاهب متسعة وهي في بيان البشر وهم مهما علا علمهم وقدرهم وأطاق اقتدارهم عاجزون عن الإحاطة وعن التطهر من الغفلة والإبهام في البيان عن المراد، فكيف يكون الأمر حين يكون البيان بيان الله عز وعلا الذي لاتنفد كلماته :
" قُلْ لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَدًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي ولَو جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا "{الكهف: 109}
يقول " أبو الحسنِ الحَرَالَّيُّ "(ت: 637هـ ) :(1/27)
" بيان كل مُبِينٍ على قدْرِ إحاطَةِ علمه ، فإذا أبانَ الإنسانُ عن الكائن أبان بقدر ما يدرك منه ،وهو لايحيطُ به علمًا ، فلا يصلُ إلى غايةِ البلاغةِ فيه بيانُهُ 0
وإذا أنبأ عن الماضي فبقدر ما بقي من ناقص علمه به كائنا في ذكره ، لما لزم الإنسانَ من نسيانه 0وإذا أراد أن ينبئَ عن الآتى أعوزهُ البيان كله إلاَّ ما يقدِّره أو يُزَوِّرُهُ 0
فبيانه عن الكائن ناقص ،وبيانه في الماضي أنقص ، وبيانه في الآتي ساقط 0
ثم يقول :" بلاغة البيان تعلُو على قدر علو المبين ،فعلو بيان الله على بيان خلقه بقدر علو الله على خلقه" {مفتاح الباب القفل ـ خط ـ ق: 3ب }
وقد هدى إلى ذلك ماقاله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في جامعه الصحيح من " كتاب فضائل القرآن" :
" فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه "
وكل هذا الذي بسطت لك القول فيه دال دلالة بينة محققه على أن العرفان بخصائص العربية ضابطٌ حركةَ الناظرِ في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يستخرج منهما معانى الهدى إلى مايرضي ربنا جل جلاله ، فإن في العلم المحقق بمناهج العرب في الإبانة عن معانيها عونا عظيما على ذلك 0
يروي " الزجاجي" أنَّ " أبا عمر: صالح بن إسحق الجرمِيّ" كان يَدِلُّ بمعرفته بالعربية ، ويقول أنا من ثلاثين سنة أفُتِي الناس من كتاب " سيبويهِ" فأُخبر " المبرد" بذلك ، فقال : أنا سمعته يقول هذا 0
وذلك أنَّ " أبا عمر" كان صاحب حديثٍ ، فلما علِمَ كتابَ " سيبويهِ " تفقَّهَ في الدِّينِ والحديثِ ؛ إذْ كان ذلك أي كتاب " سيبويهِ " يُتَعَلَّمُ منه النظر والتفتيش " {مجلس ثعلب:191}
يقول " الشاطبي " : " والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في " النحو" فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب ،وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها ، ولم يقتصر فيه على بيان أنَّ " الفاعل " مرفوع ، و" المفعول" منصوب ونحو ذلك(1/28)
بل هو يبين في كل باب ما يليق به حتى إنه احتوى على " علم المعانى والبيان" ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني " {الموافقات :116}
" فالحاصل أنه لاغنى بالمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقَّف فيه في الغالب إلاَّ بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب " {الموافقات :118}
وإذا ماكان بلوغ درجة الاجتهاد في فقه مذاهب العربية في الإبانة عن المعانى أداة ريئسة للمتدبر بيان الكتاب والسنة يستخرج منهما أحكام الشريعة فإنَّ ذلك الأمر ليبدو أثرُه قويًا في الوقوفِ على معالم " التثقيف" والتهذيب للنفس الإنسانية في البيان القرآني 0
وتفاوت العلماء في الوقوف على هذا أعظم من تفاوتهم في إدراك أحكام الحلال والحرام منه 0
إن اتقان فقه مذاهب الإبانة في العربية لمن أعظم آلآت العالم في استجلاء وتفرس مسالك التهذيب والتربية والترغيب والترهيب للأمة ؛ لتقبل على أحكام الله عز وجل إقدامًا مبعثه الحب والخوف والرجاء ، فتكون إقامتهم في رياض الطاعة الخالدة 0
والله عز وجل لم يرض من عباده أن يحتمكوا إلى كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فحسب بل أوجب عليهم التسليم والرضا بذلك ،وإلا كانوا الخارجين من حمى الإسلام والإيمان :
" فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفِسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "{النساء: 65}
الضابط الخامس
العلم بالسياق المقامى لبيان الوحي 0
لم يكن البيان القرآنى نازلا على النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، بل كان تنزله في ساحة زمنية امتدت ثلاثة وعشرين عاما من العمر المبارك للنبي صلى الله عليه وسلم 0
بدات رحلة التنزيل ليلة القدر بقوله تعالى :(1/29)
" اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم* علم الإنسان مالم يعلم " {العلق : 1-5}
وانتهت بقوله :" واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثمَّ توفى كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون " {البقرة: 2281}
بين الأمر بالقراءة والأمر بالتقوى توالى تنزُّلُ القرآن الكريم في مكة أم القرى منبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَرْباهُ والمدينة النبوية مثواه وروضته 0
انظر مبتدأ الوحي ومنتهاه يبصر قلبك جليلا من معانى الهدى أيسرها وأقربها أن بلوغ الغاية : " التقوى" لايكون إلا بالقراءة :
قراءة الآيات المتلوة في الكتاب الكريم
وقراءة الآيات المشهودة في الكون الفسيح ، ومن القراءتين يكون العبد متسنما مدارج القرب الأقدس
والله عز وجل قدير على أن ينزل القرآن الكريم جملة واحدة ،وأن يجمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم لايخرم منه حرفا واحدا :
" إنَّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثمَّ إنَّ عليْنا بيانَه "{ القيامة :}
" سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله " { الأعلى :}
أنزله الله عز وجل منجما في ثلاثة وعشرين عاما رحمة بهذهالأمة وتحقيقا للمقصد الأعظم لهذا القرآن الهداية إلى الصراط المستقيم إلى إخلاص العبادة وإخلاص الإستعانة ،ولكن الكافرين لايعلمون ولايشعرو ن فكان اعتراضهم الذي سجله القرآن الكريم عليهم :
" وقالَ الذينَ كَفَرُوا لضوْلا نُزِّلَ عليْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً "
فكان بيان الله عز وجل حكمته في هذا التنزيل قائلا:
" كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلاَّ جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا"{الفرقان: 32-33}(1/30)
قوله " لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا " إحكامٌ تفصيله لاتطيق القلوب وعيه ولا الأقلام رقنه ولاالأطمار حمله ، إنَّ تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم بالتنزيل القرآني في زمن النبوة كله معنى جليل ، فما تكون نازلة إلا كان من القرآن الكريم ما يثبن فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو أثبت من الجبال الصمِّ .
وقوله : ولايأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا" فيه هداية إلى أن تنجيم النزول فيه من معانى التبيين لماهو واقع فيم من أحداث الحياة تبيينا لا يستبقى ما يخفى على ذي قلب
ومن البين أن تنزل الدواء عند وقوع الداء أنجع وأنفذ ،ولهذا نشأ في علوم القرآن الكريم ما عُرِفَ بعلم أسباب النوزل ،وهو علم السياق المقامى للتنزيل ، وقد كانت الصحابة معنية بتحمل رواية هذه الأسباب 0
وعلماء الذكر الحكيم كانت لهم أسفارهم الجليلة في هذا الباب ، وهم يقررون أن علم أسباب النزول أو علم السياق المقامى للتنزيل ليس قيدًا يقيد حركة العالم في تدبره آيات الذكر الحكيم ، بل هو علم يستعان به على حسن الفقه ، علم إرشاد وهداية وإعانة على إحسان الفقه عن الله عز وجل ، وقد جاء في السنة الصيحة ، ما يبين أن الجهل بسبب نزول الآية قد يؤدي إلى مجاوزة الصواب في فهمها واستنباط المعنى القرآني منها 0
يروي " الإمام البخاري " في صحيحه بسنده من كتاب "الحج" عن" الزهري" قال عروة:
" سألت " عائشة" رضي الله عنها ،فقلت لها :"أرأيت قول الله تعالى :
" إنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَواعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عليْهِ أَن يطَّوْفَ بِهِمَا " فوالله ما على احد جناح أن لايط
وف بالصفا والمروة 0(1/31)
قالت: " بئس ما قلت ، يابن أختى 0 إنَّ هذه لو كانت كما أولتهاعليه كانت لاجناح عليه أن لايطوف بهما ،ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يُهلُّون لِمَناةَ الطاغية التى كانوا يعبدونها عند" المشَلَّلِ" فكان من أَهَلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك : قالوا يارسول الله : إنا كُنَّا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : " إنَّ الصفا والمروة من شعائر الله " الآية0
قالت عائشة رضي الله عنها :وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطَّواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما 000" الحديث 0
فانظر كيف أن عروة بن الزبير وابن أخت أم المؤمنين عاشئة رضي الله عنهم أجمعين وهو من هو في العلم كيف حد عن المعنى القرآني لما جهل سبب النزول ، فكان جهله به سببا في أن يتأول الآية على نقيض معناها ، فكان علم أم المؤمنين سبب نزول الآية هادية إلى الفقه الصحيح لمعنى الآية 0
ذلك شاهد علىأن في العلمي السياق المقامى للنزول عونا للمتدبر على حسن الفقه عن الله رب العالمين 0
ويقول " الإمام: أبو غسحق الشاطبي ـ ت: 790" في سفره الجليل:" الموافقات في اصول الشريعة " :
" معرفة اسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران :
أحدهما : أنَّ علم المعانى والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن ، فضلا عن معرفة مقاصد كلام العرب إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوا :
حال الخطاب من جهة نفس الخطاب أو المخاطِب ، أو المخاطَبِ أو الجميع ؛ إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين وبحسب مخاطبين ،وبحسب غير ذلك 000
ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجية ،وعمدتها مقتضيات الأحوال، وليس كل حال يُنقَلُ ،ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول ، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة أو فهم شيء منه(1/32)
ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمط ، فهي من المهمات في فهم الكتاب بلا بد ، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال 0
وينشأُ عن هذا الوجه الوجه الثانى :
وهو أن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشبه والإشكالات ومورد للنصوص الطاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف وذلك مظنة وقوع النزاع " [3/347]
ولايكون من قوله هذا ما يظن معه ان كل آية من كتاب الله عز وعلا لها سبب نزول،فهذا ينقضه حال التنزيل، فإنَّ الكثير الغالب منه لم يك له سبب نزول كان التنزيل عنده
وأهل العلم بكتاب الله عز وجل لايجعلون أسباب النزول مخصصة للمعنى القرآني بحيث لايؤخذ من البيان إلا ما كان معتلقا بسبب نزوله وإن كان ذلك السبب متواترًا ، فإنهم على وعي بالغ أنَّ ذلك ما سمي سببا من أنه كان علة نزول الآية أو الآيات وأنه لولاه ما تنزلت الآيات ، بل النزول كان عند حدوث هذا الحدث فبينهما علاقة اقتران ، لاعلاقة تسبب وتعللبحيث إذا حدثت العلة حدث المعلول، وإذا ارتفعت العلة ارتفع المعلول ، فذلك ليس لايقول به المحققون من أهل العلم بكتاب الله عز وعلا ، ولذا كان من قولهم في هذا الباب:" العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب"
ويذهب الشيخ " محمد الطاهر بن عاشور" رضي الله عنه في المقدمة الخامسة من مقدمات تفسيره الجليل:" التحرير والتنوير" إلى أنه قد تصفح أسباب النزول التى صحت أسانيدها فوجدها خمسة أقسام :
" الأول : هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه ، فلا بد من البحث عنه للمفسر 000
والثانى : هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لاتبين مجملا ،ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد ،ولكنها إذا ذكرت أمثالها وُجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها 000(1/33)
وهذا القسم لايفيد البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى تآية وتمثيلا لحكمها ،ولا يخشى توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة إذ قد اتفق العلماء ـ أو كادوا ـ على أن سبب النزول في مثل هذا لايخصص ، واتفقوا على أن أصل التشريع أنلايكون خاصًا 0
والثالث : هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد ، فنزلت الآية ، لإعلانها ، وبيان أحكامها ،وزجرمن يرتكبها ،فكثيرًا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا ،وهم يريدون أن من الأحوال التى تشير إليهاتلك الآية الحالة الخاصة ، فكأنهم يريدون التمثيل 000وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآية 0
والرابع : هو حوادث حدثت ،وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة ، فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادثُ هى المقصودُ من تلك الآيات مع أنَّ المراد أنها مما يدخل في معنى الآية 000
والخامس: قسم يبين مجملات، ويدفع متشابات مثل قوله تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
فإذا ظنَّ أحدٌ أنَّ " من " للشرط اشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرًا ، ثُمَّ لإذا علم أنَّ سبب النزول هم النصارى علم أنَّ " من " موصوله وعلم أنَّ الذينتركوا الحكم بالإنجيل لايتعجب منهم أن يكفروا بمحمد000"
{التحرير 1/ 47-50}
ومثل هذا أنت واجده في فقه بيان النبوة ، فإن للأحاديث أسباب ورود ، وفي هذا العلم أسفار جليلة ، ومنزلة هذا العلم من منزلة علم أسباب النزول ، فريضة علمية على كل متفقه متدبر بيان الوحي كتابا وسنة أن يقوم للعلم بالسياق المقامي لنزول القرآن الكريم ولورود أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
وثَمَّ فرقٌ جليلٌ بين علاقة أسباب النزول في صورة البيان القرآني ، وعلاقة أسباب الورود في صورة البيان النبي :(1/34)
القرآن الكريم أنزله الله عز وجل جملة واحدة ليلة القدر إلى اللوح المحفوظ ، فكان تحت العرش ، ثم أنزله جملة واحدة من تحت العرش ليلة القدر إلى البيت المعمور في السماء الدنيا ، وهو قبالة البيت الحرام يعلوه كأنه سقفه، ثم نزَّله منجما من البيت المعمور على قلب النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة وعشرين عاما ،كلما كانت واقعة كان لها من القرآن ما يهدى إلى الصراط المستقيم في شأنها ، وجلى أنه ليست كل آية لها سبب نزول ، فما كان له سبب نزول من الآيات من دون ما لم يكن له سبب نزول .
والبيان القرآني لم تكن أسباب نزولهذات اثر في منهج تصوير معانيه فقد قاله الله تعالى قبل أن يخلق الكون كله
والبيان النبوي إنما يكون من بعد ما تقع الحادثة فيون بيان النبي صلى الله عليه وسلم ناظرًا إليها ،فإن معانى الهدى في البيان النبوى وحي من الله عز وجل بطرسيق غير طريق وحي القرآن الكريم إليه ، وبناء الكلام الدال على معانى الهدى الموحاة إلي النبي صلى الله عليه وسلم إنما هى من النبي صلى الله عليه وسلم 0
وإذا ماكانت أسباب النزول وأسباب الورود من السياق المقامي لبيان الوحي فإن ثم أمرا آخر مهم في حسن الفقه عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم هو سياق الاستنباط وسياق التطبيق(1/35)
لايكفي العلم بسياق النزول وسياق الورد ، بل لابد من أن يضاف إلى ذلك العلم بسياق استنباط المعتى القرآنى ، فإن القرآن الكريم صالحٌ لكل عصر ومصر ، ومُصْلِحٌ كلَّ عصْرٍ ومِصْرٍ ،وفي كل عصر ومصرعلماؤه القائمون فيه المطلعون على أحواله وأحوال أهله التى يفرضها عليهم تطور جركة الحياة ،فعليهم أن يكونوا على وعى بالسياق الذي يستنبطون فيه معانى الهدى ومنازل الناس في هذا العصر والمصر على طريق الدعوة ، وقد كان الإمام الشافعي رضي الله عنه عليما حكيما ، كان له في العراق منهج وحركة استنباط تناسبت مع حال أهل العراق ، فلما كان في " مصر" أعاد النظر فيما كان منه في ديار العراق ، وكان له مذهبه الجديد في مصر ، وقد كان الإمام " مالك" لايفتى في أمر لم يقع في دياره ، وكان يحيل أهل المغرب على علماء المغرب فهم الحاضرون الشاهدون على الواقعة العليمون بأسرارها ، فيكون استناطهم المعنى القرآنى ناظرا إلى تلك الأحوال ، وهذا من بلاغة الفتوى والاستناط(1/36)
وليس الذي ذكرته يعنى أن يكون في كل عصر ومصر إسلام مغاير لما في بلد آخر فيكون عندنا أكثر من إسلام في وقت واحد : هنا إسلام مصري، وهناك إسلام حجازي ،وإسلام نجدي وإسلام تونسي ...إلخ كلا فإن الأصول ثابتة وما هو مقطوع بحله أو حرمته ،ومافيه نص قطعي الثبوت جلى الدلالة لايمكن أن يختلف فيه المعنى في أيِّ عصر أو مصر ، فالسرقة والاختلاس والرشوة وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق والزنا وكشف المسلمة الحرة ما عدا وجهها وكفيها أمام عيرذي رحم محرم كل ذلك محرم في كل عصر ومصر ،ولكن ما لم يكن النص قطعيا في دلالته تختلف اجتهادات العلماء فيه وفق ما يحيط بعصرهم ومصرهم ،ولو أن الله عز وجل أراد عدمالاختلاف فيه بين العلماء لجاء البيان فيه قطعى الثبوت قطعي الدلالة ،أما أن يكون أحد الوجهين غير قطعي : ثبوتا أو دلالة فإن في الأمر متسعا ، يحسن بالمحققين من أهل الهعلم فقه سياق الاستنباط من مثل ذلك البيان غير قطعي الثبوت أو غير قطعي الدلالة 0
وغير خفي أن اتنباط المعانى من بيان الوحي في قوم يسوسهم حاكم مسلم يعين قومه على طاعة الله عز وجل ويبجل أهل العلم والدعاة إلى الله عز وعلا لايكون كمثله استنباط المعانى من البيان القرآني في قوم متسلط عليهم طاغية فاسق لاينام إلا مخمورا ولايستعذب فحيح القيان من حوله 0(1/37)
وغير خفي أيضا أن استنباط المعانى من بيان الوحي في مجتمع الجاليات المسلمة المقيم في يار الكفر يحتاج إلى لقانة وحكمة وعلم ركين بأحوالهم وما يحيط بهم ، ويحتاج إلى وعى بما يستبقى هؤلاء الناس في حمى الإسلام من جهة ويستبقيهم في تلك الديارمسلمين من جهة أخرى فإن وجودهم في تلك الديار وإن لم يفعلوا إلا ما هو فريضة إنما هو جهاد ،لأنهم يمثلون غصة في حلق أعداء الإسلام وهؤلاء بوجودم هناك بأسمائهم المسلمة وأخلاقهم الإسلامية ولباسهم المسلم خير تذكير لأبناء تلك الديار الكافرة بالإسلام ، فإلم يدخلوا بذلك الإسلام بقى هذا غصة في حلقهم ،وكان صورة من صور إرهاب أعداء الله رب العالمين ،فإرهابهم إن عاندوا واعتدوا قولا أو فعلا فريضة عين لابد أن يسعى إليه كل مسلم امتثالا لقول ربنا جلَّ جلاله :
" وَأعِدُّوا لَهُم ما اسْتطَعْتُم مِنْ قُوةٍ وَمِن رِّباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وآخرِينَ مِنْ دُونِهِم لاتَعْلَمونَهُم اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبيلِِ اللهِ يُوَفَّ إِليكمْ وَأنتُمْ لاتُظْلَمُونَ" {الأنفال: 60}
ويبقى سياق آخر مرتبط بسابقه يحسن بأهل العلم النظر فيه إنه سياق التطبيق لأحكام الشريعة ، ففريضة عليهم أن يقيموا في نفوسهم قول الحق عز وعلا :
"وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ النَّاسَ وَبِما كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"(1/38)
هذه الربانية في تربية الناس فرادى وجماعات أمر مهم جدا فعلينا أن نسوس الناس بالحسنى في حملهم إلى التأدب بأدب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ،فنربيهم بصغار المسائل ثم كبيرها ثم أكبرها ،ولاسيما الشعوب التى رزحت تحت وطأة الاستعمار الصليبي أو الصهيونى أو تسلط عليها طاغية من أهلها يحجزأهلها عن الأخذ بكتاب ربها عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذه الشعوب إنما تساس بالحسنى وتحمل إلى شرع ربها ولا تحمل عليه كرها 0
وإنى لأزعم أن فقه السياق المقامى لبيان الوحي تنزيلا وورودا واستنباطا وتطبيقا رافد ريس من روافد تجديد الدين {التدين} في قلوب الناس وحياته 0
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين أنبأنا بقوله فيما رواه " أبوداود في سننه من كتاب الملاحم :
" إنَّ اللهَ يَبْعثُ لهذه الأمةِ على رأس كلِّ مئة سنةٍ مَنْ يُجدِّدُ لها دينَها "
لايعنى تجديد الدين الذي هو الوحي القائم في الكتاب والسنة ، فإنَّ الله عز وجل يقولُ :
" وَتَمَّتْ كلِمَةُ ربِّك صِدقًا وعَدْلاً لامُبدِّلَ لِكلِماتِه وهُوَ السَّميعُ العليمُ "{الأنعام: 115}(1/39)
وإنما يعنى تجديد استنباط معانى الهدى من بيان الوحي على أصول محكمة محررة بما يتساوق مع أحوال الناس في أعصارهم وأمصارهم ،وإنما يقوم بهذا علماء الأمة لادهماؤها وطغامها يبينون لهم هدي الله عز وعلا فيما هو قائم فيهم من أحداث حياتهم ، يُحّدِّثونهم فيما يَهُمُّهم لا فيما لاوجود لهم في حياتهم وبمصطلحات عصرهم ومصرهم لابمصطلحات عصور خلت وأمصار نأت ،وأنت ما تزال ترى بعض أهل العلم يحدثنا بالدينار العراقي والدرهم المدنى والمثاقيل والمكاييل التى لاوجود لها في حياتنا من غير أن يذكر لنا المقابل لذلك بموازيننا ومكاييلنا فيبقى السائل على جهله الذي كان عليه قبل سؤاله ، ويبقى جواب العالم على سؤاله عقيما ، وخشى أن يكون الله عز وجل سائلا ذلك العالم يوم القيامة لم تحدث الناس بما لا يعقلون ؟
إنَّ تجديد فقه بيان الوحي في ضوء السياق المقامى للتنزيل والورود والاستنباط والتطبيق فيه عون للناس على أن يقبلوا على ربهم عز وجل ويفروا من الشبهات إلى حقائق العلم ويقينه الوضاء 0
إنَّ من أكثر أهل العلم فقها لبيان الوحي م أولئك الذين يعيشون في أنفسهم وأنفس الكائنات من حولهم ، تثقب بصائرهم حجب الغموض التلبد من حولهم في حياة النَّاس ، فيبصرون في خطاب الوحي صنوفا من الهدى بها يتبدد ذلك الغموض ،وبها يقوج عوج الحياة ،ويستكمل النقص ، فينقشع الضلال 0
السياق المقامى لبيان الوحي تنزلا وورودا ، واستنباطا وتطبيقا جد رحيب ، وفقهه من فقه الدين وفقه التدين الذي ما يزال غير معتنى به كثيرا في جامعاتنا الإسلامية على الرغم من أنه لايقل منزلة في العلم عن منزلة فقه نصوص الدين 0
السياق المقامي يعيم على كشف وجوه المعنى في النسق البياني ولا يحصر هذه الوجوه، هو يهدى إلى دلالات متعددة متنامية متصاعدة تتناسب في درجاتها مع ما عليه الأمةمن منازل في السعي على لاحب الصراط المستقيم إلى مرضاة ربنا عز وجلَّ(1/40)
العناية بالسياق المقامي قائمة إلى التفاعل مع السياق المقالى لفتح طاقاته الدلالية ، وليس حبسها في سرادقات الموروث المعجمى لعناصره الإفرادية والتركيبية ، فنحن بالسياق المقامي ذي الأنحاء المتعددة نطلق النص ونحرره من سطوة الإسقاط الدلالي ؛ليتمتع بحرية الإيحاء وفاعليته 0
نحن لانعتني بالسياق المقامي لنتحدث عنه وإنما لنفقهه ،والحديث إنما يكون في النص نفس ماثلا في بنيته اللغويةونسقه البياني لنفقه ما هو مكنون فيه من المعانى والإشارات ، فالنص ليس وجودًا لغويا منفصما عن سياقه البتة ،فإذا ماكان بيان الوحي إلهيا في مصدره فإنه آدمي في رسالته وغايته نزل من أجل الناس وما فيه صالحهم 0
0000000
الضابط السادس
العلم بالسياق المقالى لبيان الوحي 0
إنَّ كلَّ آية من كتاب الله عز وجل لها سياق مقالى ممتد من ثلاث مراحل يدخل أولها في ثانيها ، وثانيها في ثالثها 0
هذه المراحل الثلاث يؤثر فقهها واعتبارها والاعتداد بها في فقه المعنى القرآني من الآية مناط الدرس والتدبر .
المرحلة الأولى سياق معقد الآية :
كلُّ آية ترتبط بمجموع آيات من قبلها ومن بعدها يكون من هذا المجموع معنى قرآني تام ، هذا المجموع من الآيات المحقق لمعنى قرآني تام أسميه " معقدا" وقد يسميه غير" فصلا" ولكن تسميته" معقدا" فيه إشارة إلى ارتباطه الدلالى بما قبله وما بعده وتناسله مما قبله كما هو الشأن في الكلام العالى من تلاحم أجزائه، كما يقول علماء البيان 0
الغالب على جُلِّ آيات القرآن الكريم أن الآية المفردة عن أقرانها من المعقد لاتكون خواء من المعنى فهي كحبة الدر واللؤلؤ حين تفرد : لها قيمتها في نفسها ،ولكنك إذا ما جمعتها إلى أخواتها ونسقتها نسقا بديعا كانت قيمتها أعلى وكلما امتد العقد كانت القيمة أجلَّ وأعلى(1/41)
الآية القرآنية الواحدة حين تقرد بالقراءة والتدبر تمنحك فيضا عاليا من المعنى القرآني ، وهذا المعنى يحقق للعبد بقاءه في الإسلام ويحفظ عليه دينه وإيمانه ، لكنه لايرتقي به إلى درجة أعلى من مدارج القرب الأقدس ، سيبقى في الدرجة الدنيا من درجات الطاعة والقرب 0
وإذا ما امتد النظر في الآية إلى سياق معقدها ونظر فيها في صحبة النظر فيما قبلها وما بعدها من الآيات كان عطاؤها أعلى من عطائها مفردة ، فيرتقي العبد بذلك درجة في الفهم عن الله عز وجل ، وهذا فيه عون له على الارتقاء في مدارج الصراط المستقيم ، فيكون أقرب منه إلى الله عز وجل إذا ما اقتصر نظره في الآية مفردة
وإذا ما امتد نظره في المرحلة الثانية من السياق المقالى : سياق السورة كلها التى وردت فيها الآية فإن عطاء الآية حين ذاك يكون أعلى من سابقه ويكون فهم العبد حينئذ أكرم مما يعينه على أن يكون مهيئا لمزيد من السمو في مقامات القرب 0
وإذا ما اجتاز تلك المرحلة إلى المرحلة الأخيرة من السياق المقالى : مرحلة السياق القرآني كله فإن عطاء الآية حينئذ يكون العطاء العَلِىّ المعين على أن يتسامى العبد إلى شرف مقامات القرب وشرف منازل السالكين على الصراط المستقيم إلى رب العالمين 0
هذه مراحل ثلاث للسياق المقالى للبيان القرآني : تدخل الأولى : مرحلة سياق المعقد في المرحلة الثانية: مرحلة سياق السورة، وتدخل المرحلة الثانية : مرحلة سياق السورة في المرحلة الأخيرة : مرحلة السياق القرآني كله 0
وأنت إذا نظرت في ضوء البيان القرآني إلى منازل السالكين من أمة الإجابة على الصراط المستقيم إلى رب العالمين ألفيت المنازل عديدة تجمعها ثلاث مقامات كليه :
مقام الإيمان ، من فوقه مقام التقوى من فوقه مقام الإحسان
ولكل مقام من هذه الثلاثة مبدأ ومنتهى وهذا تجد ه في البيان القرآني :(1/42)
المقام الأول: " مقام الإيمان " يسمى الله عز وجل النازلين في مبدئه :" الذين آمنوا" ويسمى النازلين في منتهاه :" المؤمنون"
والمقام الثانى : "مقام التقوى " يسمى النازلين في مبدئه :" الذين اتقوا " ويسمى النازلين في منتهاه :" المتقون"
والمقام الثالث الأخير :" مقام الإحسان " يسمى النازلين في مبدئه :" الذين أحسنوا" والنازلين في منتهاه : " المحسنون"
المبدأ في كل مقام يكون التعريف بالنازلين فيه باسم الموصول وصلته ، وهذا فيه دلالة على أنهم المعروفون بالصلة ، وكأنهم لايعرفون إلا بهذه الصلة ، وكأنه لاقيمة لهم إلا بتحقيق هذه الصلة فيهم
وفيه دلالة على أن : الإيمان والتقوى والإحسان ، على ترتيب القامات ما تزال فعلا من أفعالهم معرضة للنقصان فيهم بل ولزوالها منهم غن لم يقوموا بكمال حقها ، وأنهم لذلك بحاجة إلى مزيد هداية وتربية 0
والمنتهى في كل مقام جاء تعريف النازلين فيه بالصفة " المؤمنون ، والمتقون ،والمحسنون" وفي هذا دلالة على أن هذه الأمور قد أصبحت من نعوتهم التى لاتغيب عنهم ولا يتخلون عنا ولا تفارقهم في نعتهم ووصفهم ،وكأن في "أل" هذه معنى الكمال في انعت الداخلة عليه 0
وقد فسر حديث جبريل حقيقة المقام الأول والأخير ، وفسرحقيقة المقام الثانى ما رواه " الترمزي" من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
" لايكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لابأس به حذرا لما به البأس "
وفي البخاري في : كتاب الإيمان " من قول" ابن عمر" موقوفا : " لايبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر "
وكأنى بالنازلين في المقام الأول عطاؤهم من عطاء المرحلة الأولى من مراحل السياق المقالى للبيان القرآني
وكأنى بالنازلين في المقام الثانى عطاؤهم من عطاء المرحلة الثانية من مراحل السياق المقالى
وكأنى بالنازلين في المقام الأخير عطاؤهم من فيض عطاء المرحلة الأخيرة من مراحل السياق المقالى للبيان القرآني 0(1/43)
وإذا ماكان القرآن الكريم هدى للناس وهدى ورحمة لقوم يؤمنون وهدى وبشري للمؤمنين ، فإنه أيضا هدى وموعظة للمتقين وهدى ورحمة للمحسنين وفي كل هداية من العطاء ما يتلاءم مع من كان لهم ، على قدر ما يستطيعون تلقيه منه فيضه وكرمه 0
وليس يخفى أن إدراك المعنى القرآني وتحصليه من الآية القرآنية في سياق المعقد سهلٌ يسيرٌ على كثير من طلاب العلم وأيسر منه إدراكه من الآية مفردة عن سياق معقدها
وقد عُنِيَ غير قليل من علماء القرآن الكريم بالنظر في علاقة الآية بما قبلها وقليل منهم من تجاوز الدائرة الأولى من دوائر السياق 0
أما إدراك المعنى وتحصيله وفقهه وفهمه ـ وكلها منازل في التدبر ـ في سياق السورة كلها فإنه يقتضي من طالب العلم بالمعنى القرآني في هذه المرحلة آلات وأدوات للتلقى جد عظيمة بعضها ليس من الأدوات الكسبية ، وإن كان أكثرها كسبي اجتهاديّ
وهذا قد عُنِىَ به قليل من علماء القرآن الكريم في تدبر معانيه ،ومن أشهرهم " العلامة : برهان الدين البقاعي " في تفسيره :" نظم الدرر في تناسب الآيات والسور "(1/44)
وفوق هذا كله إدراك المعنى القرآني من الآية وتحصيله وفقهه وفهمه في السياق القرآني كله ، والوقوف على وجه علاقتها بما في سورة " الفاتحة : أم الكتاب " وكيف كان هذا المعنى من قبل في منازله عبر السياق القرآني ، وكيف تصاعد حتى بلغ إلى ما هو عليه في هذه الآية، فإن المعنى القرآنى يتصاعد حتى يبلغ ذروته في سورة الإخلاص فإذا بلغ العبد به هذه الذروة كانت الاستعاذة بالله رب العالمين في " المعوذتين" من الهبوط منها، ولو أنك نظرت إلى العلاقة بين سورة الإخلاص في آخر سياق المعنى القرآني بمركز المعنى القرآني في سورة :" الفاتحة: أم الكتاب " وهو قوله تعالى :" إياك نعبد وإياك نستعين" علمت أن ذلك من قبيل ما يسميه البلاغيون في شأن البيان البشري :" رد الأعجاز على الصدور ، أو رد المقطع على المطلع " فهمامن باب واحد هو باب : إخلاص العبادة والاستعانة ، ولعلك تبصر معنى :" إياك نعبد" في قوله تعالى " الله أحد" وتبصر معنى قوله تعالى " إياك نستعين" في قوله سبحانه :" الله الصمد "
إن تلاحظ المعانى القرآنية في السياق القرآني وتناديها أمر جليل ، نحن مفتقرون إلى محاولة السعى إليه 0
وهذا يحتاج إلى أن يكون القائم للتحقيق بعض حقه مقتدرا مالكا لكثير من أدوات وآلات الفقه والتلقى عن الله رب العالمين وغير قليل من هذه الأدوات غير كسبي ، وإنما هو وهبي من فيض الرحيمية الأعظم
وعطاءُ هذا غذاء وشفاءُ قلوب المحسنين 0
000000
البيان النبوي يفتقرمتدبره إلى أن يسعى إلى الإحاطة بسياق النص الذي هو بصدد درسه وتدبره فيجمع إليه ما كان في موضوعه من الأحاديث الأخرى وما كان رواية أخرى له ويقارن بينها فلا يضبط دلالة عنصر من عناصره إلا وهو ناظر إلى دلالتها من نص آخر من نصوص الباب ، ويمكن لنا أن نقول إن حركته هذه تمتد أيضا عبر مراحل :
الأولى : مرحلة النظر في الروايات الأخرى للنص(1/45)
والثانية : مرحلة النظر في أحاديث الباب من المصادر الصحيحة الموثقة
والثالثة : مرحلة النظر في دلالة العنصر في المعجم الدلالى لبيان النبوة ، فينظر وجوه المعانى التى جاء بها البيان النبوي لهذا العنصر وسياق كل معنى من المعانى
لو أن كلمة "البر" مثلا جاءت في النص الذي أنت بصدد درسه وتدبره ، فإنك تنظر أولا الكلمة في الروايات الأخرى لهذا النص في مصادر أخرى مرتبا لها بحسب درجاتها في الرواية فقد تسبدل رواية بها كلمة أخرى في معناها ، فيكون في هذا الاستبدال هداية لك إلى البصر ببعض ملامح معانى هذه الكلمة0
وتنظر ثانيا في الكلمة نفسها في أحاديث الباب الذي جاء فيه النص في المصدر الذي اعتمدته أم المصادر ثم في المصادر الأخرى لعل الكلمة تتكشف لك معانيها الأخري في أحاديث الباب نفسه ، أو يستبدل بها كلمة أخرى .
وتنظر ثالثا فيها في المعجم النبوي كله ، فتسعى إلى الإحاطة بالمواقع التى استخدمها فيها البيان النبوى ، وتسعى إلى الوقوف على وجوه المعانى التى جاءت بها في سياقاتها المختلفة وما بين هذه الوجوه من الاتفاق والافتراق او العموم والخصوص أو الاطلاق والتقيد 0000إلخ
وهذا الذي نقوله في عنصر الكلمة نقوله في عنصر الجملة والتركيب في البيان النبوى ، مثل تركيب :" عليكم الا تفعلوا" ماذا يفيد في سياق النص الذي معك وفي الروايات الأخرى له، وفي أحاديث الباب الذي ينتمى إليه النص ، ثم ماذا يراد به في البيان النبوي كله ، أجاء على وجه واحد على تعدد السياقات والمقامات أم كان له وجوه متعددة ، وكان هذا التعدد مختلفا في علاقات بعضه ببعض تقابلا أو تناظرا أوإطلاقا وتقييدا 000إلخ
ومن ثمَّ تكون دراسة أي نص من نصوص البيان النبوي دراسة سياقة شاملة ذات مستويين : الأول أفقي والآخر : رأسي
السياق الأفقي هو السياق القريب للنص نفسه(1/46)
والسياق الرأسي ماثل في دراسة النص في ضوء أحاديث الباب من جهة وفي ضوء البيان النبوى كله ، على نحو ما يعرف في الدرس البيانى للقرآن بمشتبه النظم أو كما أحب أن أسميه :" التصريف البيانى للمعنى القرآني " فهذا أعلى من القول بمشتبه النظم ، لأن التصريف البياني مصطلح قرآني 0
وهذا يفرض أيضا مراجعة حركة التدبر في بيان النبوة على هدي ما هو قائم في البيان القرآني كيما لايكون من المتدبر ما لايتناسب مع الهدى في القرآن الكريم، وكذلك مراجعته على ما يتعارض معه من البيان النبوي ، فيحكم النظر في المتعارضات جمعا وترجيحا وفق أصول وضوابط الجمع أو الترجيح بين النصوص المتعارضة
الخزانة الأولى
شذرات الذهب من بيان القرآن الكريم
" يَأَيُّهَاَ الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالحياةالدُّنْيَا من الآخِرَة فَمَا متَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ *
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًاغَيْرَكُمْ وَلا تضروه شيئا وَاللَّهُُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إَذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ معَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَاوَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ *
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"
(التوبة : 38-41)
? سياق الآيات(1/47)
لهذه الآيات سياقان : سياق نزول و سياق تلاوة ، ومن حسن فقه بيان القرآن الكريم أن يُعنى طالب العلم بفقه السياقين معا ، فإنَّ لهما أثرًا عظيمًا في تحقيق المعنى وتحريره .
سياق النزول :
ذكر " ابن جرير الطبرى : ت/310 " عن ابن أبي جريج عن مجاهد قوله :" يأيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " الآية . قال: هذا حين أُمِرُوا بغزوة " تبوك " بعد " الفتح " " وحنين " وبعد " الطائف " ، أمرهم بالنفير في الصيف حين أخْترَفت النخيلُ ، وطابت الثمار واشتهوا الظلالَ ، وشقَّ عليهم المَخْرَجُ )1)
وغزة " تبوك" كانت في شهر " رجب" من السنة التاسعة " وتبوك" مكان في شمال الجزيرة ، وهذه الغزوة تعرف بغزوة " العسرة" ؛ لما أصاب فيها المسلمين من ضيق اليد بالنفقة 0
وقد أنفق " عثمان بن عفان " في هذه الغزوة نفقة عظيمة : جهز عشرة آلاف ، وأنفق عشرة آلاف دينار " أي ما يعادل اثنين وأربعين ألفا وخمس مئة جرام من ذهب ، وتسع مئة بعير ومئة فرس وجاء " أبو بكرالصديق" رضي الله عنه بكل ما يملك ، وجاء " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه بنصف ما يملك ، وتطوع كثير من الصحابة رجالا ونساء بأموالهم ، وقد بلغ عدد جيش المسلمين ثلاثين ألف مقاتل وقد خلَّف النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على "المدينة النبوية" على بن أبي طالب " وقال له : أنت منى بمنزلة هارون من موسى " هى منزلة اسخلاف ولاية موقوتة ، وليس منزلة نبوة اومنزلة استخلاف ممدود
وقد كانت هذه الغزوة اختبارًا عظيما لكثير من المسلمين ، فقد كانت في
زمن الصيف الشديد حرُّه ، وكانت هذه آخر عزوة غزاها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)جامع البيان :6/ 418، أسباب النزول للواحدي : 165(1/48)
وقد كان من شأنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن يورِّي حين يريد الغزو إلا في غزوة تبوك فإنه صرح للمسلمين بمقصده حتى يتموا استعدادهم 0
يقول " كعب بن مالك " رضي الله عنه ، فيما رواه البخاري بسنده :
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلَّما يريد غزوة يغزوها غلا ورى بغيرها حتى كانت غزوة تبوكٍ ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرٍ شديدٍ ، واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا ، واستقبل غزو عدوٍ كثيرٍ ، فجلّى للمسلميت أمرهم ؛ ليتأهبوا أهبة عدوهم ، وأخبلرهم بوجهه الذي يريد " ( البخاري : الجهادـ باب من أراد غزوة فورى بغيرها )
وفي هذا السبب بيان لعظيم ما كان من بعض الصحابة الذين أخلدت نفوسهم إلى شيء من نعيم الدنيا ، فكان منهم ما لم يك من قبل : تثاقلٌ عن الفرار إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الإخلادَ إلى الحياة الدنيا ومتاعها الزائل 0
وقد كان من النبي الهادي ـ صلى الله عليه وسلم عظيم التحذير من السقوط في حمأة التشاغل بنعيم الدنيا عن الآخرة :
روى " مسلم " في صحيحه من كتاب " الزهد" بسنده عن عمرو بن عوف " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
"000 أَظُنكم سمعْتُم أنَّ " أبَا عُبَيْدَةَ " قدمَ بشَيْءٍ من " البَحْرَيْنِ" ؟ فقالوا : أجلْ يارسولَ اللهِ
قال:" فأبشِرُوا وأمِّلُوا مايسرُّكُمْ ، فواللهِ ماالفقرَ أخشى عليكم ، ولكنى أخشى عليكم أنْ تُبسطَ الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلَكُم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم " [ ح: 6/2961]
وهذا يبين لنا خطر ما نحن فيه ، فقد أفعم حب متاع الحياة الدنيا قلوبنا وقيد حركتنا إلى الجنة ، ففررنا من جنة العزة بالإسلام في الدنيا إلى هاوية الاستسلام ، فنزع الله عز وعلا مهابتنا من قلوب أعدائنا ،وملأ قلوبنا حبًا للحياة في رَغْدة الخَبال والفَرَقَ من الموت في سبيل الله عز وعلا 0(1/49)
ونزل قوله تعالى:(انفروا خفافا وثقالا) في الذين اعتذروا بالضيعة والشغل وانتشار الأمرفأبى الله تعالى أن يعذرهم دون أن ينفروا على ما كان منهم
0000
عن " انس " قال : قرأ " ابو طلحة " : انفروا خفافا وثقالا، فقال: ما أسمع الله عذرأحد ، فخرج مجاهدًا إلى الشام حتى مات 0
وقال " السدي " : جاء " المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عظيما سمينا ، فشكا إليه وسأله أن يأذن له ، فنزلت فيه : انفروا خفافا وثقالا، اشتد شأنها على الناس ، فنسخا الله تعالى ، وأنزل :" ليس على اضعفاء ولا على المرضى ـ الآية" (2)
سياق الترتيل :
جاءت هذه الآيات في سياق سورة " التوبة" وهي سورة معقودة للحث على البراءة مما لا يُرضي الله عز وجل ، وممن يدعو إلى مخالفته واتباع الهوى
وهذه السورة جاءت عقب سورة الأنفال " سورة الجهاد ،النازلة في شأن غزوة " بدر الكبرى " [ البخاري : كتاب التفسير ] وكان من السُّنة قراءة هذه السورة قبل التحام المقاتلين فإن فيها من التحفيز والتثبيت ما فيها
وسورة " التوبة" قد بعث بها النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم " أبابكر" رضي الله عنه في الحج ، وأمَرَ " عليابن أبي طالب " رضي الله عنه أن يتلوها على الناس [ الترمزي : ح" 3090- 3092]
وهي سورة قد كثر فيها الحث على مجاهدة المخالفين لله عز وجل ، لرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وقد كان من نصح أمير المؤمنين :" عمربن الخطاب " رضي الله عنه :" تعلموا سورة التوبة ، وعلموا نساءكم سورة النور" (3)
افتتح الله عز وعلا سياق القول في السورة بإعلان البراءة من عهد المشركين ، والحث على قتالهم حيث وجدوا ،وبيان أنه لايكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله وهم الذين لايرقبون في المسلمين إلاَّ ( قرابة )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) الواحدي : 166
(3) مصاعد النظر ، للبقاعي ج 2ص 158(1/50)
ولا ذمة وعهدًا ، فهل لنا نحن المسلمين في زماننا هذا أن نستمع إلى قول ربنا جلَّ جلالُه ونصدقه ونطمئن إليه ؟
وحث الله عز وعلا وحرض على قتال أولئك النا كثين أيمانهم الهامّين بإخراج الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم البادئين بالعدوان ، وحذر من خشيتهم ووعد بتعذيبهم بأيدي المسلمين إن أطاع المسلمون أمر ربهم ، وبين أن المشركين لن يكونوا يوما يعمرون مساجد الله تعالى فذلك من شأن المؤمنين وحدهم ، وبين أن الجهاد في سبيل الله عز وجل أجل من تعمير المسجد الحرام
وأعلنت السورة عظيم النهي عن الولاء لمن حارب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كانوا الآباء والأبناء والإخوان والأزواج ، فكيف حالنا وقد والينا من مزقوا أعراضنا وداسوا مقدستنا ، ثم لايكون منا إلا الإعلان بأنا أمة السلام !!!!
ويؤكد الله عز وجل لنا أنه هو الناصر للإسلام في مواطن كثيرة ، وذلك حين يكون المسلمون أهلا لذلك النصر بطاعتهم لله رب العالمين ، فيقص الله عز وعلا علينا ما كان في غزوة " حنين" علَّنَا بتخذ العبرة الهادية
ويحثنا على أن نقاتل الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الآخر حتى يخضعوا ويذلوا لسلطان الإسلام ، ويقص علينا ما يكون منهم من إفساد في الأرض ليغرينا بقتالهم ومنع فسادهم في هذه الأرض التى استخلفنا فيها لنعمرها
في هذا السياق المنصوب للحث على البراءة من كل ما لايرضي ربنا جلَّ جلالة ، وعلى مقاتلة كل من يدعو إلى تلك المفاسد في الأرض جاءت هاتان الآيتان ، وفيهما من معانى الهدى ما فيهما ،وإنى أرى أن كلَّ مسلم وقافٍ عندهما يكاد لاتقر نفسه بنوم ، مادام على غير التحفز إلى ما تدعو إليه الآيتان ، وما تُهَدِّدُ به من ليس قائما لما يغرى به
فآيات السورة كما ترى متناسل تاليها من أولها ، فهى تجمع وحدة المقصد والمغزى إلى وحدة البيان إلى وحدة الموضوع ، فتحققت فيها هذه الوحدات على نحو لايكاد يغيم فضلا عن أن يغيب 0
0000000(1/51)
? الُمفْرَدات : الصورة والمدلول والدلالة :
جاء البيان القرآني الكريم بكلماته الإفرادية من مَعْدِن ما كان في لسان العرب في زمن نزول الوحي : صورة ومدلولا ودلالة ، لم يسقط عليهم مفردات لم تكن آذانهم قد سمعتها، ولم تكن ألسنتهم قد نطقتها ، وإلا لقالوا ماهذا بلساننا ، فأنَّى لنا أن نفهم عنه ؟
وقد قال الله عز وجل عنه إنه بلسان عربي مبين : { وَإِنَّه لَتَنْزِيلُ رَبَّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوح الأمينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِن المُنْذِرينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ( الشعراء )
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}( إبراهيم)
وما جاء به القرآن الكريم من مدلولات إسلامية لبعض مفرداته ، كالصلاة والزكاة إنَّما نَسَلَها من المدلولات التى كانت ساكنة ألسنتهم في أشعارهم وخطبهم وخطابهم
وهذا يقتضي كلَّ قائم إلى النظر في بيان القرآن الكريم عن معانى الهدى فيه إلى الصراط المستقيم أن يقوم أولا إلى النظر في مفردات الآيات التى هو قائم إلى رياض معانيها ، فينظر في صورها ومدلولتها في لسان العربية وطريق دلالتها على تلك المدلولات ليتخذ من ذلك زادًا كريما في سفره المديد في البيان القآني العليِّ المعجز ،
وهذاما أسعى إلى أن أغريك بشيء منه علَّك تذوق فتعرف ، ومن ذاق فعرف لزم وعكف ،وأبى إلا أن يرابط ،وأن يتخلق بذلك النداء الربانى في ذروة المعنى القرآني في سورة الاصطفاء : سورة " آل عمران "
{ يَأَ يُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَبِطُوا واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
ومن قبل النظر في معجم مفردات البيان القرآني في هذه الآيات نفتقر إلى الوقوف عند أمورمهمة تجدر الإشارة إليها :
? فصاحة المفردة القرآنية :(1/52)
علماء بيان العربية لهم عناية بالغة بتفرس مفردات البيان العالي وما تتسم به من سمات الفصاحة المنيرة في مجال أدائها وتنغيمها ، وفي مجال هيئتها وصورتها التكوينية ، وفي مجال دلالتها على معناها وهدايتها إليه ، وجعلوا لكل مجال معيارًا يعرف به ما يتحقق في تلك المفردات من سمات فصاحتها :
? كان من ذلك ما عرف عندهم بخلو الكلمة من تنافر حروفها
وجعلوا مرجع ذلك إلى العلائق النغمية بين أصوات الكلمات ، فكل كلمة مكونة من أصوات حروفها وحركاتها ، ولكل حرف وحركة مخرج يخرج منه وصفة يكون عليها حين مَخْرَجِه ، وهذه المخارج قد تتقارب جدًا وقد تتباعد ، وكلما تقاربت المخارج كلما كان ذلك ادعى إلى ان تُمْنَى أصوات الكلمة بالتنافر وكذلك صفات هذه الأصوات ق تتقارب وقد تتباعد ، فيؤدي تقاربها إلى تنافرها 0
من هنا ذهب البلاغيون إلى فريضة أن تكون مفردات الكلمات قد تحقق في علاقات اصواتها ببعضها مالا يكون معه ذلك التنافر ، فعقدوا المباحث في صدور أسفارهم للنظر في مثل هذا ، وكان منهم باسط لسانه بالبيان ، ومنهم موجز موفٍ،ومن اشهر من بسط " ابن سنان الحفاجي" في كتابه " سر الفصاحة" و" ابن الأثير " في كتابه " المثل السائر "
? وكان من ذلك أيضًا ما عرف عندهم خلو هيئة الكلمة وصورتها
التركيبيةمن الخروج على ما هو القياس في صياغة المفردات في لسان العربية ، فلكل كلمة من الأسماء والأفعال في لسان العربية قياس لايحسن مخالفته والخروج عنه لأن ذلك الخروج في بناء المفردة هو في حقيقته مدخل إلى المخالفة والخروج على ما هو قائم في لسان العربية من اصول بناء جمل الكلام من تلك المفردات ن وبناء معاقد الكلام من تلك الجمل ، وإذا ما شاع بين الناس خروج المتكلمين ومخالفتهم أصول بناء الكلام في مفرداته وجمله ومعاقده لم يكن للسامعين والمتلقين سبيل يمكن من خلاله الوصول إلى مرادات المتكلمين من كلامهم ، فيفقد البيان رسالته التى كان لها(1/53)
من هنا حرص البلاغيون على ان تكون الكلمة قد صيغة هيئتها على وفق اصول صياغة المفردات في لسان العربية ، وإلا كانت هذه الكلمة معيبة بمعابة مخالفة القياس ، وهو ضرب من ضروب الفِسْقِ البيانى " فإن ترضوا عنهم فإنَّ اللهَ لايَرْضَى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقِين " {التوبة}
? وكان من ذلك أيضًا ما عرف عندهم بخلو الكلمة من غرابةمعناها،
فإنَّ النفس تنفر مما هو غريب ،ولعل من معانى الإنسانية الأنس بالأشياء ، فالغربة فيها ابتعاد بالسامع عن شيء هو من جوهر إنسانيته
الكلمات حين تكون غريبة لاتأنس النفس إليها فتكلفها فوق طاقتها ، وهذا ما لاتحبه النفس المستقبلة البيان ، فكان من البلاغيين عناية بأن تكون كلمات البيان العالى مأنوسة غير مستغربة أو مستجهلة حتى تقبل النفس على تلقيها بالحبور 0
وأنت إذا ما نظرت في مفردات البيان القرآني في جميع آياته ألفيت أنها مفردات قد عصمت من أن يكون في شيء منها أدنى شائبة من تلك المعابات ، فهى مفردات في ذروة فصاحة بيان العربية لايقال ذلك تدينا فحسب بل نقوله تدينا أيده الفحص العلمي ممن آمن بهذا الكتاب المجيد، وممن لم يؤمن به ممن عرف العربية وذاقها 0
ولعلك تقول إننا نسلم لك أن مفردات القرآن الكريم قد خلت من تنافر حروفها ومخالفتها القياس ، لكن كيف السبيل إلى التسليم بأن بعض مفرداته ليست بالغريبة ، والمكتبة القرآنية زاخرة بالأسفار المعقودة لبيان غريب القرآن الكريم ،وأحد علومه ما يعرف بعلم غريب القرآن الكريم ؟
الأمر في هذا جِدُّ يسير لايقتضى سوى النظر في مناط الوصف بغربة الكلمة أمرجعه إلى الكلمة نفسها أم إلى سامعها ؟
إن يكن إلى سامعها ، أفكل سامع لها يصلح أن يكون أم ذلك الذي له بمفردات البيان الذي يسمع علم وسيع فسيح لاتتناظر شطآنه ، ولا يبصر شرقيُّه غربيَّه ؟(1/54)
لسان العربية كما قال الإمام الشافعي من أوسع الأسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ، ولايحيط به أحدٌ إلا أن يكون نبيا كما يقول الإمام الشافعي في كتابه " الرسالة " فأي شخص ذلك الذي يمكن أن يقيم نفسه أو أن يقيمه أحد معيارًا لغرابة الكلمة القرآنية وأنسها ؟
واتخاذ أفراد مناطا ومعيارًا توزن بعرفانهم صفات المفردات غربة وأنسا يجعل كل كلمة تقريبا آنسة غريبة من أنها آنسة عند واحد غريبة عند آخر ، ولهذا أنت واجد ما يسمى بالغريب يزداد عدده في أسفار القوم كلما مرَّ الزمان ، فما كان أنيسًا في زمن مضى بات غريبا في زمت قد أتى ، وهكذا دواليك ، وأنت الآن واجد في زماننا هذا جمهور المنتسبين إلى العلم والثقافة لايكادون يعرفون من معانى مفردات القرآن الكريم أف نزبرًا(1/55)
وإذا ما علمت أن القرآن الكريم ما نزل بلسان قبيلة واحدة بل اصطفي من كل قبيلة أفصح ما فيها ، وأنسها بسياقها ومغزى البيان الذي تقام على لاحبه ، ولو أن قبيلة كانت هي الأولى بأن يأتى القرآن الكريم ببيانها وحدها لكانت أحق القبائل بذلك " قريش " من أنها قبيلة سيد الخلائق : محمدبن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ومن أنها أفصح القبائل ، ولسانها أكثر الألسنة انتشارًا في القبائل لمكانها من البيت الحرام مقصد كل القبائل العربية ولكنك لاتجد لسان قريش هو المختص بنزول القرآن الكريم به ، بل فيه من ألسنة القبائل الأخرى كثير، اقتضاه انس السياق ومناسبة المقصد والمغزى ـ أنت إذا ما علمت ذلك علمت أنه لايكون لأحد أن يكون العليم بكل كلمة قرآنية ، وقد جاءتك الأخبار الوثيقة أن الصديق والفاروق وابن عباس رضي الله عنهم وهم من هم في عرفان بيان العربية لم تك لهم إحاطة بالغة بكل مفردات القرآن الكريم ، فثمَّ كلمات ماعرفها الصديق ،واخرى سأل عنها عمر من حوله من القبائل الخرى ، وأكلمات جهلها " ابن عباس ن وعلمها من بيان اعرابية سمعها تتكلم 0000إلخ ، فدلك ذلك على أن القرآن الكريم ليس فيه كلمة غلايبة على العرب قاطبة ، فما جهله واحد علمه كثير غيره
وثَمَّ إبانة من الإمام الخطابي :"أبي سليمان حَمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البُسْتِيِّ :ت/ 388هـ" في مقدمة سفره القيم :" غريب الحديث 0ج1/70-71 " يكشف لنا بها عن معنى " الغريب " يقول ـ رضي الله عنه ـ
" الغريب من الكلام إنما هو الغامضُ البعيدُ من الفهمِ ، كالغريبِ من الناسِ ، إنما هو البعيدُ عن الوطن المنقطع عن الأهل ، ومنه قولك للرجلِ إذا نحَّيْتهُ وأقصَي’ته : اغربْ عنِّي : أي ابعدْ ، ومن هذا قولهم : نوىً غُرْبَةً : أي بعيدةً ، وشَأْوٌ مُغَرِّبٌ ، وعنقاءُ مُغْرِبٌ : أي جائيةٌ من بُعْدٍ 0(1/56)
وكلُّ هذا مأخُوذٌ بعْضُهُ من بعْضٍ ، وإنما يختلفُ في المصادرِ ، فيقال : غرب الرجلُ يغْرُبُ غَرْبًا إذا تنحَّى وذهبَ ، وغرُبَ غُرْبةً إذا انقطع عن أهله ، وغرُبت الكلمةُ غَرَابةً ، وغرُبتِ الشمس غرُبًا 0
ثُمَّ إنَّ الغريب من الكلام يقال به على وجهين :
= أحدهما : أن يراد به بعيد المعنى غامضه لايتناوله الفهمُ إلا عن بعدٍ ومعاناة فِكْرٍ
= والوجه الآخرُ : أن يُرادَ به كلامُ من بعُدَتْ به الدَّار ونأى به المحلُّ من شواذِّ قبائلِ العربِ ن فإذا وقعت إلينا الكلمةُ من لغاتهم استغربناها ، وإنما هي كلام القوم وبيانهم 0
وعلى هذا ما جاء عن بعضهم ، وقال له قائلٌ : أسألك عن حرف من الغريبِ
فقال: هو كلام القوم ، إنَّما الغريب أنت ، وأمثالك من الدُّخلاء فيه " اهـ
وليس يخفى عليك من بيان " الخطابي" أن مفردات القرآن الكريم لن تكون البتة من الوجه الأول من وجهي الغريب ، وإنما هي من الوجه الآخر ، فنحن الغرباء عن بيانها ، الذين ارتحلت بنا العجمة عن ديار أجدادنا الفرسان ارحال جنان ولسان لا ارتحال أجساد وديار 0
55555
? مفردات القرآن الكريم بين الترادف والتباين
بلغك في الفقرة التى مضت بيان الإمام " إبى سليمان الخطابي" في شان الغريب من الكلام ، فإن شئت أن تقف على بيانه في شأن القول بالترادف في البيان العالى البليغ ، والبيان العلىّ المعجز ، فإنك تراه قائما في رسالته المعقودة لبيان " إعجاز القرآن الكريم (ص:29)" يقول " الإمام " :
" اعلمْ انَّ عَمُودَ هذه البلاغة ... هو وضع كل نوع من الألفاظ التاى تشتمل عليها فصول الكلامِ موضِعَه الأخَصَّ الأشكلَ به الَّذي إذا أُبْدِلَ مكانَه غيْرَهُ جاءَ منْهُ :
إمَّ تبدُّلُ المعنى الذي يكونُ منه فسادُ الكلامِ
وإمَّا ذهابُ الرونقِ الذي يكونُ معهُ سقوطُ البلاغةِ(1/57)
ذلك انَّ في الكلامِ الفاظًا متقاربةً في المعانى يحسَبُ أكثَرُ الناسِ أنَّها متساويةٌ في إفادةِ بيانِ الخطابِ .....والأمرُ فيها وفي ترتيبها عند العلماءِ أهلِ اللغةِ بخلافِ ذلكِ ؛لأنَّ لكلِّ لفظةٍ منها خاصيَّةٌ تتميَّزُ بها عن صاحبتها في بعضِ معانيها ، وإن كانا يشْتركان في بعضها 0"
فالخطابي ذو بصيرة بيانية واعية تدرك جوهر البيان وطبيعته قد أعانته على أن يقف على كثير من روافد بلاغة بيان العربية
وأنت تسمع من إمام آخر من أئمة العلم ببيان القرآن الكريم : الإمام " عبد القاهر الجرجاني ت / 471هـ"مقالا من معدن مقال " الخطابي "
يقول " الإمام عبد القاهر في معرضِ بيانه خصال بلاغة الخطاب ومقوماته الرئيسة ومن بعد ان أبان أنها : حسن دلالة الكلام على المعانى ، وتمام دلالته عليه ، و تبرج الدلالة في صورة بهية معجبة يقول :
" ولا جهةَ لاسْتعمالِ هذه الخصالِ غيرُ أن تأتِيَ المعنى من الجهةِ التى هيَ أصحُّ لتأديتِهِ
وتختارَ له اللفظَ الَّذي هو أخصُّ به ،وأكشف عنه ،وأتمُّ له ،وأحرى بأن يكسبه نُبْلا ويظهرَ فيه مزيَّةً "{دلائل الإعجاز:43}
فانظر قوله :" هو أخصُّ به" إنه القاطع بأن لكل معنى لفظًا يخصه لايكون غيره له ولايكون هو لغيره من المعانى ، وقضى بجملة واحدة فتية في قضية ما يعرف بالترادف، فكان المبين الموجز
ويقول"ابن عطيَّة الأندلسي:ت:546هـ"في مقدمةتفسيره :" المحررالوجيز 0ج:1/49" :
" كتاب الله لو نزعت منه لفظة ، ثُمَّ أُدير لسان العربِ في أن يوجد أحسن منها لم يوجد 0
ونحن تبيَّنُ لنا البراعة في اكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذٍ في سلامة الذوق وجودةِ القريحةِ ومَيْزِ الكلام 0"اهـ(1/58)
فهذا كما ترى جدُّ بيِّنٍ في أنه ما من كلمة في البيان العالى البليغ والبيان العلِيِّ المعجز يمكن أن تقوم مقامها إن أحسن اختيارها كلمة أخرى وإن شاكهتها والتقت معها في أصل معناها ، فلكل كلمة من تنغيمها ومضمونها وشكلها من السمات الخاصة التى لن تكون مجتمعة في غيرها البتة ن وإذا ماقُدِّرَ لناقد حصيف نافذ البصيرة أن يقيم كلمة في قصيدة ما لشاعر فحل مقام كلمة اختارها الشاعرفكنت كلمة الناقد أنس بالسياق واكرم عطاء ن فإن ذلك مما قد يعترى الشاعر نوإن كان الفحلَ ، لكن ذلك لست بالواجده البتة في بيان الوحي قرآنا وسنة 0
والكلمةُ القرْآنيةُ ذات أبعاد عدة كلُّ بعد منها رافد من رواد الدلالة على معانى الهدى إلى الصراط المستقيم الذي جاء القرىن الكريم لتحقيقه
لها بعد صوتي تنغيمي، وبعد هيئة وصيغة . وبعد أصل لغوي تكونت منه ، وبعد موقع وقعت فيه بدوائره المتعددة:دائرة الموقع في الجملة ودائرة الموقع في الآية ودائرةالموقع في المعقد(الفصل) ودائرة الموقع في السورة ودائرة الموقع في القرآن كله، فهذه خمس داوئر متداخلة كل دائرة في داخل التى من بعدها وأعمها جميعا دائرة الموقع والسياق الكلى للقرآن الكريم
هذه الأبعاد كلها ينحدر منها العطاء الدلالى للكلمة القرآنية، وعلى قدر وعي المتلقي هذه الأبعاد والجمع بينها في تلقيه يكون اقتداره على ان يقترب من المعنى القرآني الكريم المجيد
فالنظر في الكلمة القرآنية لن يكون في حقيقته نظرًا في مفردة بل هو نظر في كلمة نورانية ربانية قامت في بناء جملةٍ قامت في بناء آية قامت في بناء معقد قام في بناء سورة قامت في بناء القرآن الكريم كله وكل بناء من هذه الأبنية المتصاعدة يأخذ من سابقه ويعود عليه بفيض من عطائه ن ذا يجعل الناظر في المفردة القرآنية حالا مرتحلا ، لايحل في دائرة من دوائر السياق إلا ليرتحل منها إلى أخرى يجمع منها فيضًا من العطاء(1/59)
الأمر كما ترى جدُّ جليل ، لايتهاون بحقه إلا غافل عن منزلته العَلِيَّة ،وهذا لا يكون من النصيحة لكتاب الله عز وعلا التى هى ركن من اركان النصيحة العامة التى جعلها النبي ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم هي الدين ، إذ قال:" الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم " { مسلم: 95/55= ك: الإيمان }
ــــــــــــــــــــ
المعجم : صورة ودلالة
? (1)[ أليم ]
" الهمزة واللام والميم أصل واحد ، وهو الوجع ، و" أليم" على زنة " فعيل" بمعنى " مفْعِلٌ" أي واقع منه الإيلام، على نحو كريم أي مكرم غيره ، وهي صيغة صفة مشبهة باسم الفاعل
يقول :" الفيروزبادي ":الأَلَمُ محرَّكةً: الوَجَعُ، كالأَيْلَمَةِ، جمعه: آلامٌ. وألِمَ، كفرِحَ، فهو أَلِمٌ، وتَألَّمَ وآلَمْتُه.
والأَليمُ: المُؤْلِمُ، و من العَذابِ: الذي يَبْلُغُ إيجاعُه غايةَ البُلوغِ. "(اهـ)0
والقرآن الكريم يصف " العذاب " بأوصاف عديدة منها الأليم والعظيم ، والمهين والشديد والمقيم
وكل نوع من هذه الأنواع مختلف عن الآخر يتناسب مع اذنب الذي يعاقب المرء عليه
************
? (2) [ آمن ]
والفعل" آمن" من أصل ثلاثي :" أ0م0ن "على " زِنة" أَفْعَل " كمثل : أحْسَنَ ،وأصله " أَأْ مَنَ" فحدث فيه إعلال بالقلب ، قلب الهمزة الثانية " فاء " الكلمة " ألفا" وهو يأتي على وجهين : متعديا بنفسه ، ولازماالمتعدى بنفسه كما في آمنته أي جعلت له الأمن والطمأنينة ،واللازم بمعنى صار ذا أمن وطمأنينة(1/60)
فهو دال على معنى الطمأنينة ، وهو ضد الخوف ، ولهذا المعنى أسباب تحققه ، فدلالة هذا الفعل على أسباب معنى الطمأنينة من قبيل دلالة الشيء على السبب ، فالطمأنينة لابد لها من أسباب ،وقد استخدم القرآن الكريم هذا الفعل بمعنى : التصديق ، وغيرخفي أن التصديق لايكون إلا من علم بما يصدق به ، فإذا تحقق العلم بالشيء والتصديق به تحققت الطمأنينة التى هي أصل المعنى ،
وجملة الأمر أنَّ الإيمان الشرعي المقبول والذي هو فعل المرء المكلف إنما يقوم على أمور هي
العلم بما يؤمن به علما محققا ، فمن آمن بشيء يجهله ، أو لايتيقن به ، فإيمانه مردود عليه ، فأساس الإيمان تحقيق العلم بما يؤمن به القلب
والثانى : التصديق بما آمن به
والثالث : التسليم لما يؤمن به ، فمن علم وصدق ، ولم يسلم فلم يؤمن 0
والرابع : الاطمئنان إلى ما آمن به
وهذه الأربعة أعمال القلب ،ويأتى مكن بعدها عمل اللسان وهوالإعلان جهرًا بما آمن به ، ومن بعد ذلك خضوع الجوترع في حركتها لما آمن به القلب ونطق به اللسان 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول"ابن منظور":
" آمَنَ بالشيء: صَدَّقَ و أَمِنَ كَذِبَ مَنْ أَخبره.
الجوهري: أَصل آمَنَ أَأَمَنَ، بهمزتين، لُيِّنَت الثانيةُ....
وحدَّ الزجاجُ الإِيمانَ فقال: الإِيمانُ إِظهارُ الخضوع والقبول للشَّريعة ولِما أَتَى به النبيُّ ، واعتقادهُ وتصديقُه بالقلب، فمن كان على هذه الصِّفة فهومُؤْمِنٌ مُسْلِم غير مُرْتابٍ ولا شاكَ، وهو الذي يَرى أَن أَداء الفرائِض واجبٌ عليه لا يدخله في ذلك ريبٌ.
وفي التنزيل العزيز: {وما أَنْتَ بمُؤْمِنٍ لنا}؛ أَي بمُصدِّقٍ و الإِيمانُ: التصديقُ. التهذيب: وأَمَّاالإِيمانُ فهو مصدر آمَنَ يُؤْمِنُ إِيماناً، فهو مُؤْمِنٌ. واتَّفق أَهلُ العلم من اللُّغَويّين وغيرهم أَن الإِيمان معناه التصديق.
قال الله تعالى: {قالتِ الأَعْرابُ آمَنّا قل لَمْ تُؤْمِنوا ولكن قولوا أَسْلمنا} (الآية)(1/61)
قال: وهذا مَوْضِعٌ يحتاج الناس إِلى تَفْهيمه وأَين يَنْفَصِل المؤمِنُ من المُسْلِم وأَيْنَ يَسْتَوِيان، والإِسْلامُ إِظهارُ الخضوع والقبول لما أَتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبه يُحْقَنُ الدَّمُ، فإن كان مع ذلك الإِظْهار اعْتِقادٌ وتصديق بالقلب، فذلك الإِيمانُ الذي يقال للموصوف به هو مؤمنٌ مسلم، وهو المؤمنُ با لله تعالى جده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم غير مُرْتابٍ ولا شاكَ، وهو الذي يرى أَن أَداء الفرائض واجبٌ عليه، وأَن الجِهادَ بنفسِه وماله واجبٌ عليه لا يدخله في ذلك رَيْبٌ فهو المؤمنُ وهو المسلم حقّاً، كما قال الله عز وجل ( إِنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأَموالهم وأَنفِسهم في سبيل الله أَولئك هم الصادقون}؛
أَي أُولئك الذين قالوا إِنّا مؤمنون فهم الصادقون فأَما مَن أَظَهر قبول الشريعة واسْتَسْلَم لدفع المكروه فهو في الظاهر مُسْلمٌ وباطِنُه غيرُ مصدِّقٍ، فذلك الذي يقول أَسْلَمْتُ لأَن الإِيمان لا بدمن أَن يكون صاحبُه صِدِّيقاً، لأَن قولَك: آمَنْتُ بالله تعالى، أَو قال قائل آمَنْتُ بكذا وكذا فمعناه صَدَّقْت، فأَخرج الله عز وجل هؤلاء من الإِيمان فقال: {ولَمّا يَدْخل الإِيمانُ في قُلوبِكم}، أَي لم تُصدِّقوا إِنما أَسْلَمْتُمْ تَعَوُّذاً من القتل، فالمؤمنُ مُبْطِنٌ من التصديق مثلَ ما يُظْهِرُ، والمسلمُ التامُّ الإِسلام مُظْهِرٌ للطاعة مؤمنٌ بها، والمسلمُ الذي أَظهر الإِسلام تعوُّذاً غيرُ مُؤمنٍ في الحقيقة، إِلاَّ أَن حُكْمَه في الظاهر حكمُ المسلمين.
وقال الله تعالى حكايةعن إِخوة يوسف لأَبيهم: {ما أَنت بمُؤْمنٍ لنا ولو كُنّا صادِقين}؛ لم يختلف أَهل التفسير أَنّ معناه ما أَنت بِمُصدِّقٍ لنا(1/62)
والأَصلُ في الإِيمان الدخولُ في صِدْقِ الأَمانةِ التي ائْتَمَنه الله تعالى جده عليها، فإِذا اعتقد التصديقَ بقلبه كما صدَّقَ بلِسانِه فقد أَدّى الأَمانةَ وهو مؤمنٌ، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤدَ للأَمانة التي ائتمنه الله تعالى عليها، وهو مُنافِقٌ، ومَن زعم أَن الإِيمان هو إِظهار القول دون التصديقِ بالقلب فإِنه لا يخلو من وجهين
أَحدهما أَن يكون أَن يكون مُنافِقاً يَنْضَحُ عن المنافقين تأْييداً لهم، أَو يكون جاهلاً لا يعلم ما يقول وما يُقالُ له، أَخْرجَه الجهل واللَّجاجُ إِلى عِنادِ الحقِّ وتَرْكِ قبولِ الصَّوابِ، أَعاذنا الله تعالى من هذه الصفة وجعلنا ممن عَلِم فاسْتَعْمل ما عَلِم، أَو جَهِل فتعلَّم ممن عَلِمَ، وسلَّمَنا من آفات أَهل الزَّيْغ والبِدَع بمنِّه وكرمه.
وفي قول الله عز وجل: (إِنما المؤمنون الذين آمنوا با ورسوله ثم لَمْ يرتابوا وجاهَدوا بأَموالهم وأَنفسهم في سبيل الله أُولئك هم الصادقون}؛ ما يُبَيّنُ لك أَن المؤمنَ هو المتضمّن لهذه الصفة، وأَن مَن لم يتضمّنْ هذه الصفة فليس بمؤمنٍ، لأَن إِنما في كلام لعرب تجيء لِتَثْبِيتِ شيءٍ ونَفْي ما خالَفَه، ولا قوّةَ إِلا بالل"{ اللسان : أ م ن } ...
...
? [ أيَّد] (14)
" الهمزة والياء والدال" أصول ثلاثة تدل على معنى قائم فيما تولد من هذه الأصول ، وهو معنى الحفظ والقوة ،و" أيَّد" فعل على زنة " فعَّل" مضعف العين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور :"أَيد : الأَيْد ُو الآدُ جميعاً: القوة؛ وفي خطبة علي، كرم الله وجهه: وأَمسكها من أَن تمور بأَيدِه أَي بقوّته؛ وقوله عز وجل: {واذكر عبدنا داود ذا الأَيْد}؛ أَي ذا القوة؛...... و التأْييد: مصدر أَيَّدته أَي قوّيته
قال الله تعالى: {إِذ أَيدتك بروح القدس}، وقرىء: {إِذ آيَدْتُك} أَي قوّيتك تقول منه: آيَدْته على فاعَلْته وهو مؤيَّدٌ.......(1/63)
وفي حديث حسان بن ثابت: إِن روح القدس لا تزال تُؤَيِّدُك أَي تقويك، وتنصرك. و الآد: الصُّلب. و المؤيدُ مثال المؤمن: الأَمر العظيم والداهية، قال طرفة:
تقول وقد تَرَّ الوظيفُ وساقُها * أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قد أَتيتَ بمُؤيِدِ؟
وروى الأَصمعي بُمؤْيَد، بفتح الياء، قال:وهو المشدّد من كل شيء
(اللسان أ0ي0د)
0000000
? [ استبدل ]
" الباء والدال ، واللام " أصل واحد ، وهو قيامكُ الشيء مقام الشيء الذاهب ، يقال هذا بَدَلُ الشيءِ وبديلُه
والسين والتاء للتأكيد وليس الطلب كما في يستعلم، وهذا الاستبدال يحمل دلالة الرغبة عن المتروك المستبدل، وفي هذا من التهديد ما فيه ، ولاسيما في سياق مخاطبة المصاحبين أعظم نعمة أنعم به الله عز وجل على أحد من خلقه من بعد نعمة العبودية له، ألا وهي نعمة مصاحبة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور " في اللسان " :" قال الفراء: بَدَلٌ و بِدْلٌ لغتان، ومَثَل ومِثْل، وشَبَه وشِبْه، ونَكَلَ ونِكْل. وقال أَبو عبيد: ولم يُسْمَع في فَعَلَ وفِعْل غير هذه الأَربعة الأَحرف. و البَدِيل: البَدَل. و بَدَلُ الشيء: غَيْرُه.
ابن سيده: بِدْل الشيء و بَدَله و بَدِيله الخَلَف منه، والجمع أَبدال. قال سيبويه: إِنَّ بَدَلك زَيد أَي إِنَّ بَديلك زَيْد، قال: ويقول الرجل للرجل : اذهب معك بفلان، فيقول: معي رجل بَدَلُهُ أَي رجل يُغْني غَناءه ويكون في مكانه.
و تَبَدَّل الشيءَ و تَبدل به واستبدله واستبدل به، كُلُّه: اتخذ منه0000 . و استبدل الشيء بغيره و تبدَّله به إِذا أَخذه مكانه00000"( اللسان ) 0
والبدل أعمُّ من العوضِ ،فإن العوض ـ كما يقول "الراغب " في : " المفردات " ـ هو أن يصير لك الثانى بإعطاء الأول
وهذا ما يفهم من قوله " يستبدل"في هذه الآية ، ففيه معنى الإتيان بآخرين مكانهم 0
000000
? (5)[ تثاقل ] (5)(1/64)
تكلف الثقل أي التظاهر بأنه ثقيل غير قادر على أن ينهض إلى ما يدعى إليه فرارًا من تحمل مسئوليته، وهو ثمرة انفعال نفسي كاره لما يدعا إليه
أصلها : تثاقل على زنة : تفاعل ، قلبت " التاء" " ثاء" لقرب المخرج، فيدغمان ، وجاءت همزة الوصل ليمكن إدغام المثلين
0000000
يقول :" ابن منظور " : " ثقل : الثِّقَل: نقيض الخِفَّة.... و تَثَاقل عنه: ثقُل. وفي التنزيل العزيز: { اثَّاقَلْتم إِلى الأَرض}؛ وعَدَّاه بإِلى لأَن فيه معنى مِلْتُم. وحكى النضر بن شميل: ثَقَل إِلى الأَرض أَخْلَدَ إِليها واطْمَأَنَّ فيها، فإِذا صح ذلك تَعَدَّى اثَّاقَلْتم في قوله عزّوجلّ { اثَّاقَلْتم إِلى الأَرض} بإِلى، بغير تأْويل يخرجه عن بابه. و تَثاقل القومُ: اسْتُنْهِضوا لنَجْدة فلم يَنْهَضوا إليها. و التَّثاقُل: التَّباطُؤُ من التَّحامُل في الوطء، يقال: لأَطَأَنَّه وَطْءَ المُتَثَاقل ....{اللسان : ث0 ق0 ل }0
يقول " الراغب " في : المفردات :" كلُّ مايترجح على ما يوزن به أو يقر به يقال هو ثقيل ، واصله في الأجسام ، ثم يقال في المعانى ، نحو اثقله الغرمُ والوِزْرُ 0
? [ ثانى اثنين]
تدل الأصول الثلاثة ( الثاء والنون والياء) على تكرار الشيء ، فكأنه عطف بعضه على بعض ، ففيه دلالة على مجانسة ما عطف عليه ، ومن ثمَّ جاء عن العرب هذا واحد اثنين وثاني اثنين ، الأول يعنى أنه أحد الاثنين ، والآخر يعنى أنه جاعل الواحد اثنين ، فكأنَّه من إضافة العامل إلى معموله 0يقول الشاعر : حُمَيْد بن ثور الهلالي يصف سحابا:
وَلقَدْ نظَرْتُ إِلَى أَغَرٍ مُشَهَّرٍ بشكْرٍتوَسَّنَ بِالْخَمِيلَةِ عُونَا
مُتَسَنِّمٍ سَنَمَاتِهَا مُتَفجِّس ٍ بِالْهَدْرِ يَمْلأُ أَنْفُسًا وَعُيُونَا
بِتْنَا نُرَاقِبُهُ وَبَاتَ يَلُفُّنَا عَمِدَ السَّنَامِ مُقَدِّمًا عُثْنُونَا
لَقِحَ الْعِجَافُ لَهُ لِسَابِعِ سَبْعَةٍ وَشَرِبْنَ بَعْدَ تَحَلُّؤٍ فَرَوِينَا
((1/65)
" قوله لقح العجاف له لسابع سبعة " معناه أنَّ الأرض التى أجدبت فأضحت عجافًا قد لقحت بالسحاب فأنبتت ، فقوله لقحت له تصوير لأنباتها من بعد نزوله عليها بسبعة أيامٍ ، وكأنها قد حملت غيث السحاب في رحمها سبعًا فتمخضت عن كلإٍ وعشب كثير )
...............................
? (5)[ جعل ] الجعل يقال على تصيير الشيء شيئا آخر ،ويقال على ظن الشيء على خلاف ما هو جعلت فلانا فلانا ظننته ، وجعل بعنى شرع يفعل كذا ،فهو كما ترى ينصرف إلى معان كثيرة ، وقال قال عنه " ابن فارس" في :" معجم مقاييس اللغة ":" الجيم والعين واللام كلمات غير منقاسة لايشبه بعضها بعضًا "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور" " جعل : جَعَلَ الشيءَ يَجْعَله جَعْلاً و مَجْعَلاً و اجتعله: وضَعَه
و جَعَلَه يَجْعَلُه جَعْلاً: صَنَعَه، و جَعَلَه صَيَّرَه. قال سيبويه: جَعَلْت مَتَاعَكَ بَعْضُه فَوْقَ بَعْضٍ أَلقيته، وقال مرة: عَمِلْته، والرفع على إِقامة الجملة مُقام الحال؛ و جَعَلَ الطينَ خَزَفاً والقَبِيحَ حَسَناً: صَيَّره إِياه. و جَعَلَ البَصْرَة بَغْداد: ظَنَّها إِياها.و جَعَل يفعل كذا: أَقْبَلَ وأَخذ 0"
وقال الزجاج: جَعَلْت زيداً أَخاك نَسَبْته إِليك. و جَعَلَ: عَمِلَ وهَيَّأَ و جَعَلَ: خَلَقَ. و جَعَلَ: قال، ومنه قوله تعالى: {إِنا جَعَلناه قرآناً عربيّاً}؛ معناه إِنّا بَيَّنَّاه قرآناً عربيّاً؛ حكاه الزجاج، وقيل قُلْناه، وقيل صَيَّرناه؛ 0000
ويقال: جَعَلَ فلان يصنع كذا وكذا كقولك طَفِقَ وعَلِقَ يفعل كذا وكذا. ويقال: جَعَلْته أَحذق الناس بعمله أَي صَيَّرته. وقوله تعالى: {و جَعَلْنا من الماء كل شيء حيَ}، أَي خَلَقْنا. وإِذا قال المخلوق جَعَلْتُ هذا الباب من شجرة كذا فمعناه صنعته
وقوله عزّوجلّ: { فجعلهم كعصف مأْكول}؛ أَي صَيَّرهم. (اللسان: ج0ع0ل )(1/66)
ويقول " الراغب ":" جعل لفظ عام في الأفعال كلها ، وهو أعم من فعل وصنع وسائر أخواتها ويتصرف على خمسة أوجه :
الأول : يجري مَجرى صار وطفق فلا يتعدى نحو جعل زيد يقول كذا والثانى يجرى مَجرى" أوجد" فيتعدى إلى مفعول واحد نحوقزله عز وجل :" وجعل الظلمات والنور
والثالث : في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه نحو :" " وجعل لكم من أنفسكم أزواجا
والرابع : في تصيير الشيء على حالة دون حالة ، نحو :" الذي جعل لكم الأرض فراشًا
والخامس : الحكم بالشيء على الشيء حقا كان أو باطلا ، فأما الحق ، فنحو قوله تعالى :" إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين وأما الباطل ، فنحو قوله عز وجلَّ :" وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا "
? [ جنود ]
" الجيم والنون والدال" أصول ثلاثة تدل على معنى قائم فيما تولد منه وهو معنى الآجتماع والنصرة ،وقد قيل للعسكر جند لاجتماعهم ونصرة من يقوم معه ، وربما شبهوا بالأرض الغليظة التى تجتمع فيها الحجارة، في تسمى " جَنَدٌ"
ــــــــــــــــــــــــــ
[ تحزن ]
" الحُزْنُ :، بالضم ويُحَرَّكُ: ‘ و حَزِنَ، كفَرِحَ وتَحَزَّنَ وتَحازَنَ واحْتَزَنَ، فهو حَزْنانٌ ومِحْزانٌ.وحَزَنَهُ الأَمْرُ حُزْناً، بالضم، وأحْزَنَهُ، أو أحْزَنَهُ وهو في أصل دلالته : خشونة حسية أو معنوية، هو خشونة في الأرض، وخشونة في النفس لما يعتريها من الهم والغم ، ويكون على ما فات، ( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم) فمن فات أمر لم يحصله حزن على فوته ،ومن فعل ما لايحب يخاف عاقبته ، وهذا هو الفرق بين الحزن والخوف
(9) [ حكيم ]
" الحاء والكاف والميم" أصول صلاثة دالة على معنى واحد قائم في الكلمات المتولدة من هذا الأصل ، وهذا المعنى هو " المنع"، فالجكم بين المتخاصمين فيه معنى منع أحدهما من ظلم الآخر، وحَكَمَةُ الدابة تمنعها من الشرود، والحكمة : منع المرء من الجهل والطيش ،(1/67)
والحكيم على زنة" فعيل" بمعنى مُفْعِل أي " محْكِم" وهوصفة مشبهة باسم الفاعل ، أي متقن الأشياء :" صنع الله الذي أتقن كلَّ شيء " { النحل} ، فهو فعيل المصروف إلى " فعيل" كما في "أليم" أي " مؤلِم"
ــــــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور ": " حكم : اللَّه سبحانه وتعالى أَحْكَمُ الحاكمِينَ، وهو الحَكِيمُ له الحُكْمُ، سبحانه وتعالى. قال الليث: الحَكَمُ اللَّه تعالى. الأَزهري: من صفات اللَّه الحَكَمُ و الحَكِيمُ و الحاكِمُ، ومعاني هذه الأَسماء متقارِبة، واللَّه أَعلم بما أَراد بها، وعلينا الإِيمانُ بأَنها من أَسمائه. ابن الأثير: في أَسماء اللَّه تعالى الحَكَمُ و الحَكِيمُ وهما بمعنى الحاكِم، وهو القاضي، فَهو فعِيلٌ بمعنى فاعِلٍ، أَو هو الذي يُحْكِمُ الأَشياء ويتقنها، فهو فَعِيلٌ بمعنى مُفْعِلٍ، وقيل: الحَكِيمُ ذو الحِكمة، والحِكْمَةُ عبارة عن معرفة أَفضل الأَشياء بأَفضل العلوم. ويقال لمَنْ يُحْسِنُ دقائق الصِّناعات ويُتقنها: حَكِيمٌ، والحَكِيمُ يجوز أَن يكون بمعنى الحاكِمِ مثل قَدِير بمعنى قادر وعَلِيمٍ بمعنى عالِمٍ.00000
قال الليث: بلغني أَنه نهى أَن يُسَمَّى الرجلُ حكِيما قال الأَزهري: وقد سَمَّى الناسُ حَكِيماً و حَكَماً، قال: وما علمتُ النَّهي عن التسمية بهما صَحيحاً.
ابن الأثير: وفي حديث أَبي شُرَيْحٍ أَنه كان يكنى أَبا الحَكَمِ فقال له النبي، صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِن اللَّه هو الحَكَمُ، وكناه بأَبي شُرَيْحٍ، وإِنما كَرِه له ذلك لئلا يُشارِكَ الله في صفته؛
وقد سَمّى الأَعشى القصيدة المُحْكمَةَ حَكِيمَةً فقال:
وغٍريبَةٍ، تأْتي المُلوكَ، حَكِيمَةٍ، قد قُلْتُها ليُقالَ: من ذا قالَها؟(1/68)
وفي الحديث في صفة القرآن: وهو الذِّكْرُ الحَكِيمُ أَي الحاكِمُ لكم وعليكم، أَو هو المُحْكَمُ الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب، فَعِيلٌ بمعنى مُفْعَلٍ، أُحْكِمَ فهو مُحْكَمٌ. وفي حديث ابن عباس: قرأْت المُحْكَمَ على عَهْدِ رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلّم؛ يريد المُفَصَّلَ من القرآن لأَنه لم يُنْسَخْ منه شيء، وقيل: هو ما لم يكن متشابهاً لأَنه أُحْكِمَ بيانُه بنفسه ولم يفتقر إِلى غيره00000
[خفاف ]
" الخاء والفاء والفاء" أصول ثلاثة دالة على ضد الثقل سواء كان حسيا أو معنويا ، لافرق في هذا بينهم إلا من قرب إدراك المرء لأحدهما قبل الآخر، فالخفة الحسية أقرب إدراك ، وأظهر من الخفة المعنوية ، والاختلاف بقرب الظهور وكثرته ليس اختلافا في جوهر المتماثلين ولكنه اختلاف في قدرهما
و" خفاف " على زنة " فعال" وهوجمع "خفيف " على زنة " فعيل" صفة مشبة باسم الفاعل
ـــــــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور ": ”خفف : الخَفَّةُ و الخِفَّةُ: ضِدُّ الثِّقَلِ والرُّجُوحِ، يكون في الجسم والعقلِ والعملِ. خفَّ يَخِفُّ خَفّاً و خِف
وقيل: الخَفِيفُ في الجسم، و الخُفاف في التَّوقُّد والذكاء، وجمعها خِفافٌ. وقوله عزوجل: {انفروا خِفافاً وثقالاً } قال الزجاج أَي مُوسرين أَو مُعْسِرين، وقيل: خَفَّتْ عليكم الحركة أَو ثَقُلَت، وقيل: رُكْباناً ومُشاة، وقيل شُبَّاوقيل: خَفَّتْ عليكم الحركة أَو ثَقُلَت، وقيل: رُكْباناً ومُشاة، وقيل شُبَّاناً وشيوخاً و خَفَّ فلان لفلان إِذا أَطاعه وانقاد له
الليث: الخِفَّةُ خفَّةُ الوَزْنِ وخِفّةُ الحالِ. و خفَّة الرَّجل: طَيْشُه وخِفَّتُه في عَمله، والفعل من ذلك كلِّه خَفَّ يَخِفُّ خِفَّة، فهو خفيف، فإِذا كان خَفِيفَ القلب مُتَوَقِّداً فهو خُفافٌ
(اللسان :خ0ف0ف)
55555
(11)[ رأي ](1/69)
" الراء والهمزة والياء " أصول ثلاثة دالة على إدراك الأشياء بالباصرة الحسية أو المعنوية ، فما يكون حسيا يكون بالعين ، وما يكون إدراكا معنويا يكون بالبصيرة ،
وفي القرآن الكريم ثلاثة أفعال : نظر ، أبصر ، ورأى " وهي تتفق في معنى الإدراك ، ولكنها تختلف في مداه ومنتهاه، فالنظر يكون بالعين ، وقد لايتجاوز ما هو محسوس، وهو أدنى الثلاثة ،
والإبصار إدراك للأشياء بعين الرأس ، وهو ما كان حسيا ، وقد يتجاوزه إلى ما في باطبه بالبصيرة ،
والرؤية إنما تكون للنفوذ إلى باطن الأشياء وأهل العلم باللغة يستخدمون " الرؤية " بمعنى العلم ويجعلون الفعل منها متعديا إلى مفعولين ، فمن المهم إدراك الفروق الدلالية بين هذه الأفعال التى قد يظن أنها سواء 0
55555
000000000
(12)[ سبيل]
السبيل هو الطريق المديد، وهي مما تذكر وتؤنث ، يكون التأنيث في الغالب للدلالة على سهولة السير فيه وما يكتنفه من أسباب الأمن أو الراحة ، ويغلب على التذكير الدلالة على عظمته وما قد يعتريه من المشاق والوعورة وما يتطلبه من اجتهاد وحمل النفس على اجتيازه ففي التذكير معانى القوة وفي التأنيث معانى السهولة والضعف
والفرق بين السبيل والطريق أن الطريق يلاحظ فيه معنى التعبيدر سواء كان ممتدًا أو غير ممتد ، والسبيل ما كان ممتدا معبدًا أو غير معبد
ــــــــــــــــــ(1/70)
يقول " ابن منظور " :" السَّبيلُ الطريقُ وما وَضَحَ منه يُذَكَّر ويؤنث سَبِيلُ اللَّه طريق الهُدى الذي دعا إِليه0000 وقوله عزّ وجلّ {وأَنْفِقُوا في سَبيل اللَّه} أَي في الجهاد؛ وكُلُّ ما أَمَرَ اللَّه تعالى به من الخير فهو سَبيل اللَّه أَي من الطُّرُق إِلى اللَّه تعالى واستعمل السَّبيل في الجهاد أَكثر لأَنه السَّبيل الذي يقاتَل فيه على عَقْد الدين وقوله: {في سَبيل اللَّه} أَريد به الذي يريد الغَزْو ولا يجد ما يُبَلِّغُه مَغْزاه فيُعْطى من سَهْمه وكُلُّ سَبيل أُريد به اللَّه عزّ وجلّ وهو بِرٌّ فهو داخل في سَبيل اللَّه وإِذا حَبَّس الرَّجُلُ عُقْدةً له وسَبَّل ثَمَرَها أَو غَلَّتها فإِنه يُسْلَك بما سَبَّل سَبيلُ الخَيْر يُعْطى منه ابن السَّبيل والفقيرُ والمجاهدُ وغيرهم وسَبَّل ضَيْعته جَعَلها في سَبيل اللَّه000
**********
(13)[ سكينة ]
مادة (س0ك0ن) أصل ثلاثي دال على ما هو خلاف الحركة الحسية أو المعنوية ، والسكينة على زنة " فعيلة" وهي الوقار والطمأنينة النفسية والقلبية بحيث يستقر القلب ، فلا يزعجه شيء 0
ذلك مدلولها في لغة العرب، وهي تختلف باختلاف من تنزل فيه ومن ينزلها فيه ، فليست سكينة أنزلت في قلب ولى أو صديق كسكينة أنزلت في قلب نبي فهي من المعانى الإضافية التى يتصرف معناها وفقا لما تضاف إليه ، وسياتيك شيءٌ من مزيد بيان في تأويل :" فأنزل الله سكينته عليه "
ــــــــــــــــــــــ
يقول الفيروزبادي : " سَكَنَ : سُكوناً: قَرَّ، وسَكَّنْتُهُ تَسْكيناً. وسَكَنَ دارَهُ، وأسْكَنَها غيرَهُ، والاسمُ: السِّكَنُ، محرَّكةً، والسُّكْنَ ، كبُشْرَى. والمَسْكنُ، وتُكْسَرُ كافُه: المَنْزِلُ. والسَّكينةُ والسِّكِّينةُ بالكسر مشدَّدةً: الطُّمَأْنينَةُ، وقُرِىءَ بهما قوله تعالى: {فيه سَكِينةٌ من رَبِّكُمْ}، أي: ما تَسْكُنُونَ به إذا أتاكُم (القاموس)(1/71)
ويقول" الراغب الأصفهانى":" السكون : ثبوت الشيء بعد تحرك ، ويستعمل في الاستيطان ، نحو : سكن فلان مكان كذا أي استوطنه ... والسَّكنُ : السكون وما يسكن إليه ،
والسكينة: قيل هو ملك يسكِّنُ قلب المؤمن ويؤمِّنه ...
وقيل هو العقل،وقيل: له سكينة إذا سكن عن الميل إلى الشهوات ... وقيل السكينة والسكن واحد : وهو زوال الرعب "{المفردات }
*********
(14)[ ضر ]
مادة (ض0ر0ر)تعطي ثلاثة أبواب من المعانى هي متناسلة من بعضها:
الأول: خلاف المنع ، والثانى " اجتماع الشيءِ، والثالث : القوة 0
والذي في هذه الآية من الباب الأول الذي هو ضد النفع ، وفيه من البابين الآخرين شيء
ــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور : "الضَّرُّ (بالفتح)و الضُّرُّ (بالضم) لغتان: ضد النفع. و الضَّرُّ المصدر، و الضُّرَ الاسم، وقيل: هما لغتان كالشَّهْد والشُّهْد، فإِذا جمعت بين الضَّرّ والنفع فتحت الضاد، وإِذا أَفردت الضُّرّ ضَمَمْت الضاد إِذا لم تجعله مصدراً، كقولك: ضَرَرْتُ ضَرّاً؛ هكذا تستعمله العرب
و يقول " الراغب " في المفردات :
" الضر: سؤء الحال إمَّا في نفسه لقلة العلمِ والفضلِ والعفةِ
وإما في بدنه لعدم جارحة ونقص وإمَّا في حالةٍ ظاهرة من قلةمالٍ وجاهٍ
*********
(عذاب)
على زنة " فِعال" وهو من أعْذَبه اي منعه ، فالمعذَّب هو الممنوع مما ينفعه أو مما يشتهيه ، فكلُّ من منعته من شيء ينفعه أو يرغب فيه فقد عذبته ، وليس من العذوبة التى هي التلذذ كما زعم " ابن عربي الصوفي" في كتابه الضال المضل : فصوص الحكم، وادعى أن أهل النار يستعذبون النار ويتلذذون بها ، وهذا من الجهالات التى فاضت بها كتابات هذا الضَّال المُضِّلِّ، وعجيب أن قومًا ينسبون أنفسهم إلى العلم يجهدون أنفسهم في تأويل ضلالاته، وكأنه نبي مرسل(1/72)
والفرق بين العذاب والعقاب أن العذاب من المنع عن المشتهى أو النافع ، سواء كان ذلك مما يتعقب الممنوع أو لايتعقبه نوفي العقاب معنى التعقب أي أنه يتتبع صاحبه لايتركه فهو ملازم له 0
يقول " ابن منظور" :" عَذَبَ الرجلُ والحِمارُ والفرسُ يَعْذِبُ عَذْباً و عُذُوباً، فهو عاذِبٌ والجمع عُذُوبٌ، و عَذُوبٌ والجمعُ عُذُبٌ: لم يأْكل من شِدَّةِ العطَشِ. و يَعْذِبُ الرجلُ عن الأَكل، فهو عاذِب: لا صائم ولا مُفْطِرٌ. ويقال للفرس وغيره: بات عَذوباً إِذا لم يأْكل شيئاً ولم يشرب. قال الأَزهري: القول في العَذُوب و العاذِب أَنه الذي لا يأْكل ولا يشرب، أَصْوَبُ من القول في العَذُوب أَنه الذي يمتنع عن الأَكل لعَطَشِه.
و أَعْذَبَ عن الشيء: امتنع. و أَعْذَبَ غيرَه: منعه000000000
و عَذَبَه عنه عَذْباً، و أَعْذَبَه إِعْذاباً، و عَذَّبَه تَعْذيباً: مَنَعه وفَطَمه عن الأَمر. وكل من منعته شيئاً، فقد أَعْذَبْتَه و عَذَّبْته. و أَعْذَبه عن الطعام: منعه وكَفَّه.
و اسْتَعْذَبَ عن الشيء: انتهى. و عَذَب عن الشيء و أَعْذَب و اسْتَعْذَبَ: كُلُّه كَفَّ وأَضْرَب. و أَعْذَبَه عنه: منعه. ويقال: أَعْذِبْ نَفْسَك عن كذا أَي اظْلِفْها عنه. وفي حديث عليّ، رضي الله عنه، أَنه شَيَّعَ سَرِيَّةً فقال: أَعْذِبوا، عن ذِكْرِ النساء أَنْفُسَكم، فإِن ذلك يَكْسِرُكم عن الغَزْو؛ أَي امْنَعوها عن ذكر النساء وشَغْل القُلوب بهنَّ. وكلُّ من مَنَعْتَه شيئاً فقد أَعْذَبْتَه.
و أَعْذَبَ: لازم ومُتَعدَ. 00000000(1/73)
و العَذَابُ: النَّكَالُ والعُقُوبة. يقال: عَذَّبْتُه تَعْذِيباً و عَذَاباً، وكَسَّرَه الزَّجَّاجُ على أَعْذِبة فقال في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لها العَذَابُ ضِعْفَيْن}؛ قال أَبو عبيدة: تُعَذَّبُ ثَلاثَة أَعذِبَةٍ؛ قال ابن سيده : فلا أَدري، أَهذا نَصُّ قولِ أَبي عبيدة، أَم الزجاجُ استعمله. وقد عَذَّبه تَعْذِيباً، ولم يُسْتَعمل غيرَ مزيد. وقوله تعالى {ولقد أَخَذناهُم بالعَذاب}، قال الزجاج: الذي أُخذُوا به الجُوعُ. واسْتعار الشاعِرُ التَّعْذِيبَ فيما لا حِسَّ له؛ فقال:
لَيْسَتْ بِسَوْداءَ من مَيْثاءَ مُظْلِمَةٍ * ولم تُعَذَّبْ بإِدْناءٍ من النارِ
[ عزيز ] " العين والزاي والزاي" أصول ثلاثة تدل على معنى الشدة 0والقوة والغلبة ، تقول عزنى فلان: غلبني ، ومنه " وعزَّنى في الخطاب" أي غلبني ،و" فعززنا بثالث" أي قويناوالعزيز على زنة" فعِيل: وهوالمنيع الذي لايغلب 0
ـــــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور : " العزة : حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ، من قولهم : أرض عَزازٌ أي صُلْبَةٌ .... وتعزَّزَ اللحمُ : اشتد ، وعزَّ كأنه حصل في عزاز يصعبُ الوصول إليه ، والعزيز الذي يُقْهِرُ ولا يُقْهَرُ 000000
عزز : العَزِيزُ: من صفات الله عز وجل وأَسمائه الحسنى؛ قال الزجاج: هو الممتنع فلا يغلبه شيء، وقال غيره: هو القوي الغالب كل شيء، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء. ومن أَسمائه عز وجل المُعِزُّ، وهو الذي يَهَبُ العِزَّ لمن يشاء من عباده. و العِزُّ: خلاف الذُّلِّ. وفي الحديث: قال لعائشة: هل تَدْرِينَ لِمَ كان قومُك رفعوا باب الكعبة؟ قالت: لا، قال: تَعَزُّزاً أَن لا يدخلها إِلا من أَرادوا أَي تَكَبُّراً وتشدُّداً على الناس، وجاء في بعض نسخ مسلم: تَعَزُّرا ، براء بعد زايٍ، من التَّعزير والتوقير، فإِما أَن يريد توقير البيت وتعظيمه أَو تعظيمَ أَنفسهم وتَكَبُّرَهم على الناس 0(1/74)
و العِزُّ في الأَصل: القوة والشدة والغلبة. و العِزُّ و العِزَّة: الرفعة والامتناع، و العِزَّة ؛ وفي التنزيل العزيز{ولله العِزَّةُ ولرسوله وللمؤمنين}؛ أَي له العِزَّة والغلبة سبحانه. وفي التنزيل العزيز: {من كان يريد العِزَّةَ فللَّه العِزَّةُ جميعاً}؛ أَي من كان يريد بعبادته غير الله فإِنما له العِزَّة في الدنيا و العِزّة جميعاً أَي يجمعها في الدنيا والآخرة بأَن يَنْصُر في الدنيا ويغلب 0
? [ الغار ]
" الغور المنهبط من الأرض ، يقال : غار الرجل ، وأغار ، وغارت عينه غَوْرصا وغُورا " الغَوْرُ القَعْرُ من كلِّ شيءٍ،.
الغارُ: كالبَيْتِ في الجَبَلِ، أو المُنْخَفِضُ فيه، أو كلُّ مُطْمَئِنٍّ من الأرضِ، أو الجُحْرُ يَأوِي إليه الوَحْشِيُّ جمعه: أغْوارٌ وغِيرانٌ، غْوارٌ وغِيرانٌ،
*********
? [قدير] (10)
يذهب " ابن فارس" في معجم مقاييس اللغة إلى أن "القاف والدال والراء" أصول ثلاثة تدور الكلمات المشتقة منه على معنى مبلغ الشيء وكنهه ونهايته 0
القدير اسم من أسماء الله تعالى على زنة " فعيل" وجاء في القرآن الكريم معه اسمان آخران:" القادر"{ الأنعام: 37، 65} و" المقتدر" {الكهف:45}
فالقادر اسم فاعل من " قدَرَ" و" القدير" صيغة مبالغة على زنة " فعيل" ،
والمبالغة هنا بمعنى بلوغ صاحب الحدث به نهايته ، أي كمال إيقاعه وليس معناها ما جاء عند البلاغيين من أن " المبالغة المقبولة : أن يُدَّعَى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدًا مستحيلاً أو مستبعدًا لئلا يظن أنه غير متناه في الشدَّةأو الضعف " فهذا المعنى لايتحقق في أسماء الله الحسنى ولا في البيان القرآنى
والمقتدِرُ اسم فاعل من " اقْتَدَرَ" وصيغة افتعل أدل على بلوغ الحدث حدًا 0(1/75)
يقول " ابن منظور ":قدر : القَدِيرُ و القادِرُ: من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير. وقوله تعالى: {إِن الله على كل شيء قدير}، من القُدْرة، فالله عزوجل على كل شيء قدير، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه. ابن الأثير: في أسماء الله تعالى القادِرُ و المُقْتَدِرُ و القَدِيرُ، فـ ـالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، و القَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة، و المقتدر مُفْتَعِلٌ من اقْتَدَرَ، وهو أبلغ.( لسان العرب : ق0د0ر)
ويقول " أبو إسحاق الزجاج:ت/311 في تفسير أسماء الله الحسنى ص59:
"القادر: الله القادر على مايشاء ، لايعجزه شيء ولايفوته مطلوب، والقادر منَّا ـ وإن استحق هذا الوصف فإنَّ قدرته مستعارة ، وهي عنده وديعة من الله تعالى، ويجوز عليه [ أي العبد ]العجز في الحال والقدرة في أخرى ، والله تعالى هو القادر، فلا يتطرق عليه العجز، ولايفوته شيء 0
المقتدر: المقتدر مبالغة في الوصف بالقدرة ، والأصل في العربية أنَّ زيادة اللفظ زيادة المعنى ، فلمَّا قلت اقتدر أفاد زيادة اللفظ زيادة المعنى "
ويقول " الخطابي"ت : 388
"القادر : هو من القدرة على الشيء ، يقال : قدَر يقدِرُ قُدْرَةً ، فهو قادرٌ وقديرٌكقوله تعالى:" وكان الله على كل شيءٍ قديرًا" {الأحزاب:27}ووصف الله نفسه بأنه قادر على كلِّ شيءٍ أراده لايعترضه عجز ولا فتور0000
المقتدر: هو التَّام القدرة الذي لايمتنع عليه شيءٌ ، ولايحتجزه عنه بمنعةٍ وقوة ، ووزنه " مُفْتَعِلٌ" من القدرة إلا أنَّ الاقتدار أبلغ ، وأعم ؛ لأنه يقتضي الإطلاق والقدرة قد يدخلها نوع من التضمين بالمقدور عليه ، قال الله سبحانهه:" عند مليك مقتدر" {القمر:55} أيْ قادر على ما يشاء "(شأن الدعاء : 85-86)
[قوم](1/76)
القاف ،والواو، والميم " أصلان صحيحان يدلُّ أحدهما على جماعة ناسٍ ، ؤربما استعير في غيرهم والآخر : على انتصاب وعزم ، فالأولُ " القوم" ولايكون ذلك إلا لرجال ، وأماألآخر: فقولهم قام قياما 0"اهـ
وفي هذا دلالة على أن القائم مالك لقوة لايملكها غير القائم ، فمن عزم على فعل شيء واستعد له فهو قائم له وإن كان مما يؤدى ذلك الفعل على غير قيام ، فالقوَّام على شيء هو المعتنى به المنتصب للوفاء بحقه ورعايته، ولذلك قال الله تعالى :" الرجال قوَّامون على النساء" فهي قوامة تكليف يثمر تشريفًا فعلى مقدار قيام الرجل بحق المرأة عليه يكون حقه عليها 0
والذي في الآية هنا عام يراد به الرجال والنساء ، فإن للنساء جهادًا خاصًا بهنَّ لايكاد يقوم به غيرهنَّ ، فهنَّ محمولات على الوفاء بحقه
يقول " ابن منظور " في " اللسان " :" و القَوْمُ: الجماعة من الرجال والنساء جميعاً، وقيل: هو للرجال خاصة دون النساء، ويُقوِّي ذلك قوله تعالى: {لا يَسْخَر قَوْم من قوم عسى أَن يكونوا خيراً منهم ولا نِساء من نساء عسى أَن يَكُنَّ خيراً منهن} أَي رجال من رجال ولا نساء من نساء
وكذلك قول زهير:
وما أَدرِي، وسوفَ إِخالُ أَدري، أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟
و قَوْمُ كل رجل: شِيعته وعشيرته.
وروي عن أَبي العباس: النَّفَرُ و القَوْم والرَّهط هؤُلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم للرجال دون النساء. وفي الحديث: إِن نَسَّاني الشيطانُ شيئاً من صلاتي فليُسبِّح القومُ وليُصَفِّقِ النساء؛
قال " ابن الأَثير: القوم في الأَصل مصدر قام ثم غلب على الرجال دون النساء، ولذلك قابلهن به، وسموا بذلك لأَنهم قوّامون على النساء بالأُمور التي ليس للنساء أَن يقمن بها.”اهـ
والقوم يذكر ويؤَنث، لأَن أَسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إِذا كانت للآدميين تذكر وتؤَنث مثل رهط ونفر وقوم،(1/77)
قال تعالى: {وكذَّبَ به قومك} فذكَّر، وقال تعالى: {كذَّبتْ قومُ نوح} فأَنَّث؛ قال: فإِن صَغْرْتَ لم تدخل فيها الهاء وقلت قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير، وإِنما يلحَقُ التأْنيثُ فعله، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإِبل والغنم لأَن التأْنيث لازم له، وأَما جمع التكسير مثل جمال ومساجد، وإِن ذكر وأُنث، فإِنما تريد لجمع إِذ ذكرت، وتريد الجماعة إِذا أَنثت.0" اهـ
(لسان العرب)
000000
? [ كفر ]
" الكاف والفاء والراء " أصول ثلاثة دالة على معنى عام قائم في الكلمات المتولدة من هذه الأصول الثلاثة وهو معنى التعطية والستر الحسي والمعنوي ، وليس أحدهما أصل والآخر فرع ، فالستر المعنوي كمثل الستر الحسي أصل أصيل ، فلا معنى للقول بأن الستر المعنوي مستعار من الستر الحسي ، فإن الإنسان الأول يتوي عنده غلآدراك المعنوى مع اللإدراك الحسي وليس كما يزعم بعض مؤرخي حياة الإنسان
المهم أن " كفر بمعنى غطى وستر ، وهو لايغطى إلا ماكان موجود ، فالذي يكفر بالله عز وجل إنما يغطى الفطرة التى فطر عليها وهي الإيمان والتوحيد ....
والكفر بالله يقابله الإيمان ، والكفر بالنعمة يقابله الشكر
ـــــــــــــــــ
يقول " ابن منظور"" كفر : الكُفْرُ: نقيض الإِيمان، آمنَّا با و كَفَرْنا بالطاغوت؛ كَفَرَ با يَكْفُر كُفْراً و كُفُوراً و كُفْراناً. ويقال لأَهل دار الحرب: قد كَفَرُوا أَي عَصَوْا وامتنعوا.(1/78)
و الكُفْرُ: كُفرُ النعمة، وهو نقيض الشكر. و الكُفْرُ: جُحود النعمة، وهو ضِدُّ الشكر. وقوله تعالى: ِ {إنا بكلَ كافرون}؛ أَي جاحدون. و كَفَرَ نِعْمَةَ الله يَكْفُرها كُفُوراً كُفُوراً و كُفْراناً و كَفَر بها: جَحَدَها وسَتَرها. و كافَرَه حَقَّه: جَحَدَه. ورجل مُكَفَّر: مجحود النعمة مع إِحسانه ورجل كافر: جاحد لأَنْعُمِ الله ، مشتق من السَّتْر، وقيل: لأَنه مُغَطًّى على قلبه. قال ابن دريد: كأَنه فاعل في معنى مفعول والجمع كُفَّار و كَفَرَة و كِفَارٌ مثل جائع وجِياعٍ ونائم ونِيَامٍ
قال بعض أَهل العلم: الكُفْرُ على أَربعة أَنحاء: كفر إِنكار بأَن لا يعرف الله أَصلاً ولا يعترف به، و كفر جحود، و كفر معاندة، و كفر نفاق؛ من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فأَمَّا كفر الإِنكار فهو أَن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد، وكذلك روي في قوله تعالى: {إِن الذين كفروا سواء عليهم أَأَنذرتهم أَم لم تنذرهم لا يؤمنون}؛ أَي الذين كفروا بتوحيد ا، وأَما كفر الجحود فأَن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه فهو كافر جاحد ككفر إِبليس كفر أُمَيَّةَ بن أَبي الصَّلْتِ، ومنه قوله تعالى: {فلما جاءهم ما عَرَفُوا كَفَرُوا به}؛ يعني كُفر الجحود، وأَما كفر المعاندة فهو أَن يعرف الله بقلبه ويقرْ بلسانه ولا يَدِينَ به حسداً وبغياً ككفر أَبي جهل وأَضرابه، ، وفي التهذيب: يعترف بقلبه ويقرّ بلسانه ويأْبى أَن يقبل كأَبي طالب حيث يقول:
ولقد علمتُ بأَنَّ دينَ محمدٍ من خيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دِينَا
لولا المَلامةُ أَو حِذارُ مَسَبَّةٍ، لوَجَدْتَني سَمْحاً بذاك مُبِينا
وأَما كفر النفاق فأَن يقرّ بلسانه ويكفر بقلبه ولا يعتقد بقلبه. قال الهروي: سئل الأَزهري عمن يقول بخلق القرآن أَنسميه كافراً؟ فقال: الذي يقول كفر، فأُعيد عليه السؤال ثلاثاً ويقول ما قال ثم قال في الآخر قد يقول المسلم كفراً.(1/79)
قال شمر: و الكفر أَيضاً بمعنى البراءة، كقوله تعالى حكاية عن الشيطان في خطيئته إِذا دخل النار: " إِني كفرت بما أَشْركْتُمونِ من قَبْلُ " أَي تبرأْت. وكتب عبدُ الملك إِلى سعيد بن جُبَيْر يسأَله عن الكفر فقال: الكفر على وجوه: فكفر هو شرك يتخذ مع الله إِل?هاً آخر، و كفر بكتاب الله ورسوله، و كفر بادِّعاء ولد ، و كفر مُدَّعي الإِسلام، وهو أَن يعمل أَعمالاً بغير ما أَنزل الله ويسعى في الأَرض فساداً ويقتل نفساً محرّمة بغير حق، ثم نحو ذلك من الأَعمال كفران: أَحدهما كفر نعمة الله، والآخر التكذيب بالله " (لسان العرب)
ويقول الراغب الأصفهاني :
" الكفر في اللغة : ستر الشيء ووصف الليل بالكافر لستره الاشخاص ، والزارع لستره البذر في الأرض ، وليس ذلك باسم لهما000 0والكافور : اسم أكمام الثمرة التى تكفرها ....وكفر النعمة وكُفْرانها : سترها بترك أداء شكرها ، قال تعالى :" فلا كفران لسعيه "
وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا ، والكفر في الدين أكثر ، والكفور فيهما جميعا .... ولما كان " الكفران" يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود ، قال:" ولاتكونوا أول كافر به " والكافر علىالإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها ، وقد يقال : كفر لمن أخلَّ بالشريعة ،وترك ما لزمه من شكر الله عليه {المفردات
000000
[ متاع ]
" الميم والتاء والعين " أصل صحيح يدل على منفعة وامتداد مدة في خير ، ويقولابن فارس : " وذهب من أهل التحقيق بعضهم إلى أنَّ الأصل في الباب : التلذذ ، ومتع النهارُ ؛ لأنه يُتَمَتَّعُ بضيائه ، ومتع السَّراب ، مشبه بتمتُّع النهار والمتاع : الانتفاع بما فيه لذة عاجلة
وذهب منهم آخرُ إلى أن الأصل الامتداد والارتفاع
والمتاع:انتفاع ممتد، وشراب ماتع:أحمر،أي به يُتمتَّعُ ؛لجودته 0"اهـ(1/80)
المتاع إذن الالتذاذ بالشيء وتنعم النفس به سواء كان نافعا في نفسه أو ضارا ، ويغلب على ما كان نفعه غيرلازمٍ أو ممتدٍ
وقد غلب اتيانه في القرآن الكريم في سياق دال على دنوه أو انقطاعه ، بخلاف كلمة " نعيم" فهي في البيان القرآني آتية في سياق دال على العلو والدوام 0
[نصر]
مادة نصر (ن0 ص 0ر) فيها معنى الإيتاء والإعطاء ، وقد غلب على معنى إيتاء العون على شيء يحتاح المنصور الإعانة عليه
النَّصر: إِعانة المظلوم؛ نَصَره على عدوّه ينصرُهُ و نصَره ينصُره نَصْراً، ورجل ناصِر من قوم نُصَّار ونَصْر مثل صاحب وصحْب وأَنصار
0 و النُّصْرة: حُسْن المَعُونة.
و تَنَاصَرُوا: نَصَر بعضُهم بعضاً. و النَّصِير فعيل بمعنى فاعِل أَو مفعول لأَن كل واحد من المتَناصِرَيْن ناصِر ومَنْصُور.
*********
[ نفر ]
" النون والفاء والراء " أصل ثلاثة تدل الكلمات المكونة منها على تجاف وتباعد، كما يقول " ابن فارس" والفعل على زنة " فَعَلَ "
فالنفور هو الانزعاج وسرعة الخروج إلى موضع لأمر لجليل ، ويغلب عليه أن يكون لمناداة واستنصار ، ومن ثمَّ غلب على الخروج إلى الحرب
يقول " ابن منظور " في اللسان :": النَّفْرُ: التَّفَرُّقُ. يقال: لقيته قبل كل صَيْحٍ و نَفْرٍ أَي أَولاً، والصَّيْحُ: الصِّياحُ. و النَّفرُ: التفرق؛ نَفَرَتِ الدابةُ تَنْفِرُ و تَنْفُر نِفاراً و نُفُوراً ودابة نافِرٌ، قال ابن الأَعرابي: ولا يقال نافِرَةٌ، وكذلك دابة نَفُورٌ، وكلُّ جازِعٍ من شيء نَفُورٌ. ومن كلامهم: كلُّ أَزَبَّ نَفُورٌ
*********
[ يا](1/81)
حرف من حروف المعانى موضوع للنداء مكون من حرفين" الياء" و"الألف " وفي " الألف " امتداد يعين المنادي على أن يتصرف فيه على قدر حاجته وما يقتضيه المقام ، وهذا من ثراء اللغة واقتدارها، ليبقى للمتكلم حسن تقديره ما يأخذ منها وفقًا لما يقضي به ظاهر الحال أو باطنه ، وحرف النداء هذاقال أهل العلم بالعربية إنه " أم" الباب، فيحذف تارة ويبقى في الكلام دلالته على معناه ،وهم لايقدرون سواه عند حف حرف النداء
يقول :" ابن منظور " في " لسان العرب:
يا : يا: حَرْفُ نِداء، وهي عامِلةٌ في الاسم الصَّحِيح وإِن كانت حرفاً، والقولُ في ذلك أَنَّ لِـ"يا" في قيامِها مَقامَ الفعل خاصةً ليست للحروف، وذلك أَنَّ الحروفَ قد تَنُوبُ عن الأَفعال كـ"َهَلْ" فإِنها تَنُوبُ عن أَسْتَفْهِمُ، وكـ"ما" و"لا" فإِنهما يَنُوبانِ عن النفِي، و"إِلاَّ " تَنُوبُ عن أَسْتَثْناء
وتلك الأَفعال النائبةُ عنها هذه الحروفُ هي الناصِبة في الأَصل، فلما انصرَفَتْ عنها إِلى الحَرْف طَلَباً للإِيجاز ورَغْبةً عن الإِكثار أَسْقَطْتَ عَمَلَ تلك الأَفعال ليَتِمّ لك ما انْتَحَيْتَه من الاختصار
وليس كذلك "يا"، وذلك أَنَّ "يا" نفسَها هي العامِلُ الواقِعُ على زيد، وحالُها في ذلك حال أَدْعُو وأُنادي، فيكون كلُّ واحد منهما هو العامِل في المفعول0000000000
وقولُك أُنادي عبدَ اللَّهِ وأُكْرِمُ عبدا ليس هنا فعلٌ واقعٌ على عبدِ الله غير هذا اللفظِ، و"يا" نفسُها في المعنى كأَدْعُو، أَلا ترىأَنك إِنما تذكر بعد " يا "اسماً واحداً، كما تذكرُه بعد الفِعْلِ المُسْتَقِلِّ بفاعِلهِ، إِذا كان مُتَعَدِّياً إِلى واحد ك كضربت زيداً00000000000000000000وربما قالوا فلانُ بلا حرف النداء أَي يا فلانُ. قال ابن كيسان: في حروف النداء ثمانية أَوجه: يا زَيْدُ ووازَيْدُ وأَزَيْدُ و أَيا زَيْدُ و هَيا زَيْدُ و أَيْ زَيْدُ و آيا زَيْدُ وزَيْدُ؛ وأَنشد:(1/82)
أَلم تَسْمَعي أَيْ عَبْدُ في رَوْنَقِ الضُّحى غِناءَ حَماماتٍ لَهُنَّ هَدِيلُ
وقال:
هَيا أُمَّ عَمْروٍ هل ليَ اليومَ عِنْدَكُمْ بِغَيْبَةِ أَبْصارِ الوُشاةِ رَسُولُ
وقال: أَخالِدُ مَأْواكُمْ لِمَنْ حَلَّ واسِعُ
وقال: أَيا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بَيْنَ حُلاحِلٍ
? الوجوه الإعرابية في الآيات :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسطت لك القول في تبيان صور كثير من كلمات هذه الآيات ودلالاتها الإفرادية في لسان العربية لتقف على فيضها واتساع مجالات الدلالة فيها ، فتعرف أن الوقوف على صورة الكلمة ودلالتها الإفرادية أمرٌ جِدُّ مُهِمٍّ بَيْدَ أنه غير كاف وحدَهُ في عِرفان المعنى البياني للكلام الحامل مقاصد المتكلم ومغازيه من كلامه ، ولتعلمَ أهمية علائق الكلم بعضها ببعض وأهمية الوعْىِ الْفَاقِهِ السياقَ المقالىَّ والمقامِىَّ الذي يُساق الكلام على لاحِبِ مَهْيَعِهِ
السياق وقرائن الأحوال لهما أثر عظيم مع العرفان بوجوه العلاقات الإعرابية ، وبغير ذلك لايكاد المرء يدرك شيئا من مرامي ومقاصد ومغازي المتكلم ، وحين إذن يكون الكلام عقيما غير منتج ، من أنه أنزل غيثه على أرض قيعان لاتمسك ماء ولاتنبت كلأً
وكل عقلٍ يُحاجِزُ نفسه عن أن تكون في شيء من ذلك العقم ، فإنَّ أعظم ما يبتلى به المتلقى أن يُؤْتَى المتكلمُ من جهته هو ، بأن يكون المخاطبُ غير قدير على أن يتلقى عنه ما يهدى إليه من بيانه عن نفسه ومقاصده 0(1/83)
وإنِّي مردفٌ لك البيان عن صور المفردات ودلالاتها بانا آخر أعلى وأجلَّ منه هو البيان عن الوجوه الإعرابية بين الكلمات في بناء الجملة ، وبين الجمل في بناء الفقر ، وتلك الوجوه هي التى يتناسل من رحمها الودود الولود المعانى البيانية الحاملة مقاصد المتكلم ومراميه ، فاشتدد يدك ، وأيقظ قلبك فإنها وجوه وفروق عديدة تعطيك من نوالها ما أعطيتها من عناية قلبك ،فإن بخلت فإنما أنت باخلٌ على نفسك ، فانظر أين أنت 0
000000
? يا أيها الذين آمنوا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يا) حرف نداء مبنى على السكون لامحل له من الإعراب وهو أعمُّ أدوات النداء، ؛ لأنه أم الباب، ويدخل في كلِّ نداء ، وهو الذي يقدر عند حذف حرف النداء ، وهو المتعين في نداء " اسم الجلالة" "
(أيها) أيُّ منادى مبنى على الضم لأنه منادى مفرد ، و(ها) للتنبيه ،وهي زائدة ،ولازمة للفظ" أي"
(الذين) اسم موصول مبنى على الفتح نعت لـ "أي " وهو اسم مبهم لايتعرف إلا بصلته، (1)
( آمنوا) آمنَ فعل ماضٍ مبنى على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، وواو الجماعة فاعل مبنى على السكون في محل رفع ، وجملة ( آمنوا) لامحل لها من الإعرام صلة الموصول 0
? (مالكم إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سبيلِ اللهِ اثَّاقلتم إلى الأرض)
" ما " اسم استفهام يفيد الإنكار التوبيخي مبتدأ مبني على السكون في محل رفع ، و(لكم) اللام حرف جر مبنى على الفتح لامحل له من الإعراب ، و( الكاف) مجرور مبنى على الضم في محل جر ، و(الميم) علامة الجمع حرف مبني على السكون لامحل له من الإعراف ، والجار المجرور متعلق بمحذوف خبر 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/84)
1)يقول " ابن منظور ":"وقال الخليل وسيبويه,...: الذين لا يظهر فيها الإِعراب، تقول في النصب والرفع والجر: أَتاني الَّذين في الدار ورأيت الَّذين ومررت بالَّذين في الدار، وكذلك الَّذي في الدار، قالا: وإِنما مُنِعا الإِعرابَ لأَنَّ الإِعراب إِنما يكون في أَواخر الأَسماء، والَّذِي والَّذِينَ مُبْهَمَان لا يَتِمَّان إِلاَّ بِصلاتِهما فلذلك مُنعا الإِعراب
وأَصل الَّذِي لَذْ، فاعلم، على وزن عَمْ، فإِن قال قائل: فما بالك تقول أَتاني اللَّذانِ في الدار ورأَيْتُ اللَّذَيْنِ في الدار فتُعْرِبُ ما لا يُعْرَبُ في الواحد في تَثْنِيَتِه نحو هَذَانِ وِهَذَيْنِ وأَنت لا تُعْرِب هذا ولا هَؤُلاء؟
فالجواب في ذلك: أَن جميع ما لا يُعْرَب في الواحد مُشَبَّه بالحرف الذي جاء لمعنى، فإِن ثَنَّيْته فقد بَطَل شَبَهُ الحرف الذي جاء لمعنى، لأَنَّ حروف المعاني لا تُثَنَّى، فإِن قال قائل: فلم منعتهالإِعراب في الجمع؟ >>>>>
(إذا قيل لكم) إذا ظرفية لاتفيد معنى الشرط هنا لما فيه من معنى المضي وهو مبنى على السكون ، و(قيل) فعل ماضٍ مبنى لغير الفاعل ، مبنى على الفتح ، و( لكم) اللام حرف جر ، والكاف مجرور ، والميم علامة جمع، والجار والمجرور متعلق بقوله ( قيل) 0
( انفروا في سبيل الله )
انفروا : " انفر" فعل أمر مبنى علىما يجزم به مضارعه ، والواو فاعل مبنى على السكون ، وفي حرف جر مبنى ، و" سبيل" مجرور بفي مضاف ، واسم الجلالة مضاف إليه مجرور بالاضافة ، والجاروالمجرور متعلق بمحذوف حال ، والتقدير : انفروا إلى الجهاد سائرين في سبيل الله
وجملة " انفروا 000 في محل رفع نائب فاعل للفعل ( قيل) ويجوز أن يكون الجر والمجرور (لكم) هو نائب الفاعل، على رأي من يذهب إلى أنه إذا تأخر المفعول وتقدم عليه ما يصلح للنايبة يجعل المتقدم هو نائب الفاعل
55555
? ( اثَّاقلتم إلى الأرض )(1/85)
اثاقل : فعل ماض مبنى على السكون لاتصاله بتاء الفاعل ، و" التاء" مبنى على الضم في محل رفع ، و" الميم" علامة جمع ، وجملة " اثاقلتم" حال ، وظرف هذه الحال هو قوله :" إذا قيل لكم" وقد تقدم عليه ، وتقدير الكلام أي شيء ثبت لكم من الأعذار حال كونكم متثاقلين في وقت قول الرسول لكم انفروا ( إلى الأرض) جار ومجرور متعلق بـ " اثاقلتم" لتضمنه معنى الميل والإخلاد أي ملتم عن الجهاد إلى الأرض عند من يقول بالتضمين فيه ، ومن أهل العلم من لايرى فيه تضمينا، بل تعلُّق (إلى) به على بابه 0
55555
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
<<<<<
قلت: لأَنَّ الجمع ليس على حدّ التثنية كالواحد، أَلا ترى أَنك تقول في جمع هذا هَؤُلاء يا فتى؟ فجعلته اسماً للجمع فَتَبْنِيهِ كما بَنَيْتَ الواحد
ومَن جَمَعَ الَّذِينَ على حدّ التثنية قال جاءني اللَّذُون في الدار، ورأَيت الَّذين في الدار، وهذا لا ينبغي أن يقع لأَنَّ الجمع يُسْتَغْنَى فيه عن حدّ التثنيةِ، والتثنيةُ ليس لها إِلا ضرب واحد. ثعلب عن ابن الأَعرابي: الأُلى في معنى الذين؛ وأَنشد:
فإِنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِهاشِمٍ "(أهـ) (لسان العرب)
? ( أرضيتم بالحياة الدنيا)
" أرضيتم" الهمزة حرف استفهام توبيخي مبني على الفتح ، و" رضي" فعل ما ض مبنى على السكون المقدر لاتصاله بتاء المخاطبين ، وتاء المخاطبين فاعل مبنى على الضم في محل رفع ، والميم علامة الجمع ، و" بالحياة" جار ومجرور متعلق بالفعل " رضي" و" الدنيا" نعت لـ " الحياة" مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
(من الآخرة) من حرف جر مبنى على السكون ، وهو هنا بمعنى " بدل " أي بدل الآخرة ، و" الآخرة " مجرور بمن وعلامة جره الكسرة الظاهرة
55555
? ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)(1/86)
" الفاء" فصيحة : تفصح عن شرط مقدر أي إن كنتم رضيتم بالحياة النيا فما متاع ، و" ما" حرف نفي مبنى على السكون ، و" متاع " مبتدأ مرفوع ، متاع مضاف ، والحياة مضاف إليه مجرور، و" الدنيا" نعت " الحياة "
( في الآخرة) في حرف جر ، والآخرة مجرور بفي ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال تقديره : فما متاع الحياة الدنيا محسوبا في الآخرة ، وصاحب الحال هنا " متاع"
وقيل : إن الجار والمجرور متعلق بـ " قليل" الذي هو خبر المبتدأ" متاع" وجاز تقدم المتعلِّق" على المتعلَّق المقرون بـ "إلا" لأنه ظرف يتوسع فيه مالا يتوسع في غيره ( إلا قليل) "إلا" أداة استثناء ، و" قليل" خبر المبتدأ" متاع"
55555
? (إلاَّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما )
" إلاَّ" مكونة من "إنْ" و"لا" وإن هنا شرطية جازمة مبنية على السكون لامحل لها من الإعراب ، و"لا" نافية مبنية على السكون
و" تنفروا" تنفر" مضارع مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف " النون" ؛ لأنه من الأفعال الخمسة ، و"واو الجماعة " فاعل مبنى على السكون في محل رفع 0
? (يعذبكم عذابا أليما )
( يعذِبكم ) يعذب مضارع مجزوم بأداة الشرط ، وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضميرمستترتقديره "هو" يراد به "الله سبحانه وتعالى،و" الكاف" مفعول به مبنى ، و" الميم " علامة الجمع مبنى " عذابًا" مفعول مطلق منصوب بالفعل " يعذب" ، و" أليما" نعت " المفعول المطلق " 0
555555
? ( ويستبدل قوما غيركم)
"الواو" حرف عطف مبنى على الفتح ، و" يستبدل" مضارع معطوف على " يعذب" مجزوم على التبعية ،والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ،و" قومًا" مفعول به للفعل " يستبدل" منصوب بالفعل وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، " غير" نعت " لقوم " منصوب بالتبعية ، غيرمضاف و" الكاف" مضاف إليه ، و" الميم" علامة جمع
55555
? ( ولا تضروه شيئا)(1/87)
"الواو" عاطفة ، و"لا" نافية " تضروه" تضر: مضارع مجزوم بالعطف على مجزوم" يستبدل" وعلامة الجزم حذف " النون" ، و" الواو " فاعل مبنى في محل رفع ، و" الهاء" مفعول به مبنى في محل نصب ، و" شيئا " مفعول به ثان ، أو نائب عن المفعول المطلق
55555
? ( والله على كلِّ شيء قدير)
" الواو" استئنافية ،أوحالية واسم الجلالة مبتدأ مرفوع ، و"على" حرف جر و" كل " مجرور ، " كل " مضاف و" شيء " مضاف إليه مجرور بالإضافة ، و" قدير" خبر مرفوع ، وقوله " على كلِّ شيء " متعلق بقوله " قدير" مقدَّم عليه ،والجملة إن قلنا إنَّ " الواو" استئنافية تذييل أو اعتراض لامحل لها من إعراب عند من يصحح مجيء جملة الاعتراض آخر الكلام ،وإن قلنا إن الواو حالية ، فالجملة في محل نصب حال، والتقدير يعذبكم ويستبدل قوما غيركم ولاتضروه حال كونه قادرًا على كلِّ شيء ، وهي حال لازمة وليست منتقلة ؛ لأنَّ قدرة الله لازمة له 0
55555
? ( إلاَّ تنصروه فقد نصره الله)
إلآ : مكونة من (إن) الشرطية و(لا) النافية، و (تنصروه) تنصر مجزوم وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة فاعل مبنى في محل رفع ، والهاء مفعول به مبنى في محل نصب ( فقد نصره الله) " الفاء" في جواب الشرط ، و" قد" حرف تحقيق مبنى ، نصر : فعل ماض مبنى على الفتح ، و" الهاء" مفعول به مبنى أُريد به النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، و" اسم الجلالة " فاعل مرفوع
وجملة ( فقد نصره الله) أقيمت مقام جواب الشرط ؛ لأنها تعليل له ، وتقدير الكلام : إن لا تنصروه فسينصره الله ،فقد نصره الله إذ أخرجه
55555
? (إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين)
( إذ) ظرفية للزمن الماضي،مبنية على السكون ، أخرج : فعل ماض مبنى ، و" الهاء" مفعول به مبنى ، ،و" الذين" اسم موصول " فاعل " أخرج" مبنى في محل رفع ، ، و" كفر" فعل ماض ، والواو فاعل في محل رفع وجملة ( كفروا) صلة الموصول لامحلَّ لها من الإعراب(1/88)
وجملة ( أخرجه الذين كفروا ) مضافة إلى (إذ)( ثانى اثنين )
ثأنىَ : حال من الضمير المفعول به في (أخرجه) وثانى مضاف ،و" اثنين" مضاف إليه
55555
? (إذ هما في الغار )
إذ : بدل من (إذ) التى في (إذ أخرجه ) عند النحاة ولكنى لاأذهب إلى ذلك بل إلى أنَّ ذلك على سبيل التعديد ، وسوق يأتيك بيان ما أذهب إليه في موطن آخر : باب السمات البلاغية
و" هما" مبتدأ مبنى على السكون في محل رفع ، في جار والغار مجرور ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ، وجملة (هما في الغار ) مضافة إلى (إذ)
55555
? (إذ يقول لصاحبه لاتحزن إنَّ الله معنا )
" إذْ" بدل من "إذ" التى في " إذ هما في الغار،أومن" إذأخرجه" ، وما ذهبت إليه في (إذ هما في الغار ) أذهب إليه هنا أيضًا
و" يقول" مضارع مرفوع ، والفاعل ضمير مستتر يراد به النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، لصاحبه :اللام حرف جر ، وصاحب مجرور باللام ، وصاحب مضاف ، والهاء مضاف إليه
لاتحزن : لاناهية جازمة ، وتحزن مضارع مجزوم بلا الناهية ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت ( إنَّ الله معنا ) إن : حرف توكيد ناسخ ، واسم الجلالة اسمها منصوب ، ومع ظرف أو حرف جر عند قوم، وقيل إن كانت العين محركة فهي ظرف ، وإن كانت العين ساكنة فهي حرف جرٍّ ، فإن قلنا إنها ظرف وهو الأقوى فهي مضاف ونا مضاف وشبه الجملة متعلق بمحذوف خبر وقوله ( لاتحزن إنالله معنا ) في محل نصب مقول القول
55555
? ( فأنزل السكينة عليه )
الفاء حرف عطف يفيد الترتيب والتعقيب أو يفيد التفريع مبنى على الفتح ، فرعت ما بعدهاعن كلام سابق عليها وهومحتملٌ وجهين :(1/89)
الأول قوله : إذ يقول لصاحبه ، أي أن هذا القول تفرع عنه إنزال السكينة على صاحبه ، فيكون " الضمير في " عليه" راجعا إلى الصديق ـ رضي الله عنه ـ ويقوي هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دائم السكينة لايخاف ولايجزع ، فقوله لصاحبه لاتحزن إن الله معنا قاطع في ذلك وعلى هذا يتم الكلام بقوله (عليه) ويكون قوله ( وأيده) معطوفا على ( قد نصره الله ) والضمير في ( أيده) يراد به النبي صلى الله عليه وسلم
والآخر : أن يكون متفرعا عن قوله ( قد نصره الله) والمعنى : قد نصره الله فأنزل السكينة عليه وأيده بجنود ،وهذا التأويل ذكره " ابن جرير وقدمه ، مما يدل على علوه عنده على التاويل الآخر (أنزل ) ماض مبنى والفاعل ضمير مستتر يعود على اسم الجلالة ، و( السكينة) مفعول به منصوب و(عليه) جار ومجرور متعلق بأنزل
55555
? ( وأيده بجنود لم تروها )
" الواو"عاطفة ما بعدها على ( أنزل) و( أيَّد) ماض مبني ، والفاعل ضمير مستتر يعود على اسم الجلالة ، والضمير مفعول به في محل نصب ، بجنود جار ومجرور متعلق بأيَّد ، ( لم تروها) لم نافية جازمة ، و" تر" مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف النون ، والواو فاعل في محل رفع ، والـ" ها" مفعول به في محل نصب
55555
? ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى )
"الواو" عاطفة ما بعدها على ( أيد) وجعل ماض مبنى والفاعل مستتر وكلمة مفعول به أوَّل لجعل منصوب ، كلمة مضاف واسم الموصول (الذين) مضاف إليه في محل جر ، و(كفروا) فعل وفاعل صلة الموصول لامحل لها من الإعراب ، و(السفلى) مفعول به ثان منصوب بفتحةمقدرة علىالألف للتعذر
? ( وكلمة الله هي العليا )(1/90)
" الواو" استئنافية ، و" كلمة " مبتدأ مرفوع ، واسم الجلالة مضاف إلى "كلمة" و" هي" ضمير فصل " و" العليا" خبر كلمة مرفوع بضمة مقدرة على آخره للتعذر ، وجملة ( وكلمة الله هي العليا) استئنافية ن وهي غير معطوفة على معمول ( جعل ) إلا على قراءة " يعقوب " بنصب ( كلمة) فتكون :" كلمة " معطوفة على " كلمة " التى هي معمول جعل
? ( والله عزيز حكيم)
الواو عاطفة ما بعدها على جملة ( كلمة الله هي العليا ) واسم الجلالةمبتدا وعزيز خبره وحكيم خبر ثان، وو من عطف الجمل بعضها على بعض 0
55555
? ( انفروا خفافا وثقالا )
انفروا فعل أمر مبنى على ما يجزم به مضارعه وواو الجماعة فاعل ، وخفافا حال من الفاعل،والوا حرف عطف ، وثقالا معطوف على خفافا
? ( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)
الواو عاطفة ما بعدها على جملة ( انفروا ) وجاهدوا إعرابه مقثل (انفروا) بأموالكم جار ومجرو ومضاف إليه ، وأنفسكم ، الواو عاطفه ما بعدها على ( أموالكم ) و( انفس ) مضاف معطوف على ( اموال)،(كم) مضاف إليه و" في سبيل" جار ومجرو"وسبيل مضاف واسم الجلالة مضاف إليه
( ذلكم خير لكم)
اسمالإشارة مبتدا في محل رفع ، وخير خبره ،ولكم جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لخير تقديره كائنلمأو حاصل لكم 0
? ( إن كنتم تعلمون)
إن شرطية مبنية على السكون ، وكان ناسخ ، والتاء " اسمها في محل رفع و" الميم" علامة الجمع ، ،و" تعلمون " مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ، وواو الجماعة فاعل ،وهو فعل متعد نزِّل منزلة اللازم ، فلا يذكر له مفعول ولا يقدر،والجملة المكونة من الفعل والفاعل في محل نصب خبر ( كان )
وجملة ( كنتم تعلمون) جملة الشرط وجملة الجواب محذوفة تعلم من السابق عليها000
0000000
? السمات البلاغية وفقه المعنى القرآني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/91)
اتسعت بين يديك عطاءات البيان القرآني الكريم في مجال صور مفرداته ومدلولاتها ومجال علاقاتها إلإعرابية الكاشفة عن مواقع المفردات في بناء الجملة ،ومواقع الجمل في بناء الآيات وكلُّ ذلك مُسْلِمُكَ إلى مجال أعظم رحابة وأجلُّ عطاء وأكرم نوالا ، به كان إعجاز البيان القرآني الكريم عند جمهور أهل العلم بالقرآن الكريم ، وأنت فيه نازل في رياض البيان العلىَّ وفراديس الهدى الربانية ، تغترف منه غذاء قلب سليم وشفاء نفسٍ عليلة ،
إنها سمات بلاغة البيان القرآني الكريم ظاهرة في مجالات التركيب ، والتصوير والتحبير ،وهي مجالات ،وإن تَفَاصَلَتْ في مسلك التصنيف العلمي إلا أنها المتمازجة في الواقع البياني الكريم ، ففي كل تصوير تركيب ، وفي كل تركيب تصوير ، وفي كل تصوير تحبير، ولايكون تحبير إلا من تركيب ، هي متمازجة في واقعها البيانية ممايقتضي تمازجها في تذوقها وتدبرها ، ومن بعد ذلك إِنْ عَنَّ لمثلك أن يصنف الظواهر التركيبية،والتصويرية والتحبيرية ، فله ذلك ضبطا لمسالك النظر وتقريبا للأفهام
55555
? ( يأيها الذين آمنوا)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جملة إنشائية طلبية : نداء يفيد تنبيه المنادى إلى أمر عظيم يجدر به أن يكون على وعى به وأخذ بما فيه من معانىالهدى ، وقد كثر النداء في القرآن الكريم ، وهو نداء من خالق إلى خلقه ، وهذا وحده في فيض من التكريم ، والتنبيه إلى أنه في علمه قائمون ، وفي رحمته غارقون ، وتحت قهره نازلون ، ومن أقام هذه المعانى في قلبه لايكاد يغفُل عن ذكر ربه ن والوجل من تقصيره في القيام بحق ربِّه جلَّ جلالُه .
والسنة البيانة للقرآن الكريم في نداء " أمة الإجابة" أنه ينادى عليهم بقوله" يأيها الذين آمنوا" تذكيرًا لهم بالعهد الذي عاهدوا الله عز وجل عليه ، وهو الإيمان بما أمرهم بالإيمان به ، وكأنه يحثهم بهذا الوصف على ان يقبلوا على ما يأمرهم به فيأخذوه ،وعلى ما ينهاهم عنه فيجتنبوه(1/92)
وقد قال " ابن مسعود" إذا ما سمعت الله عز وجل يقول : يأيها الذين آمنوا" فأرِعْه سمعك فإنَّ من بعده خيرًا يأمر به أوْ شرًا ينهى عنه
وفي اختيار "يا" للنداء ، وهي عند بعض أهل العلم لنداء البعيد للدلالة على أن المنادى فيه شيء من البعد بالمعصية والذنوب عن المنادِى جل جلاله، فعليه أن يصغى لما ينادى عليه به ليزداد بهذه الطاعة قربا
وجاء تعريف المنادَى باسم الموصول دلالة على أنه المعروف بالصلة التى هي الإيمان وكأنَّ هذا الإيمان هو أجل ما يعرف به ذلك المنادَى ، فهو شرفه الذي عليه أن يستمسك به ، وأن يفخر بنعته به ، وأن يسعى إلى زيادته وتثبيته بالإكثار من الطاعات ، والفرار من السيئات ، فعليه العناية بفقه ما هو آت من بعد ذلك النداء من أمر بمعروف ونهي عن منكر 0
ولم يأت في القرآن الكريم نداء " المؤمنين" إلا في آية واحدة في سورة " النور " حيث يقول الله تعالى : " وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون "
فأنت تلاحظ هنا أمورًا مهمة :
تلاحظ أنه أخَّر النداء عن الأمر ، فقال أولا :" توبوا" ثم قال " أيه المؤمنون" لأن النداء في اصله لتنبيه الغافل أو البعيد ، وهؤلاء ليسوا بالغافلين ولا بالمحل البعيد ، ذلك أنهم مؤمنون ، ا]ْ صارَالإيمان نعتا لهم ، فهم معرفون بالصفة لابالصلة أي أن الإيمان في قلوبهم صار ملازما لهم ملازمة النعت منعوته ، فهو فيهم كالطول في الطويل والقصر في القصير لايكاد يتخلى عنه ، وقد جاء البيان بكلمة " المؤمنون" في سياقات التشريف والتكريم والثناء
" إِنَّما المؤمِنُون الَّذينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ... ."{ألأنفال}
" والْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنات بَعْضهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ "{التوبة}
" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون َ" {المؤمنون}
" وكانَ حَقًا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنينَ" {الروم}
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةً" {الحجرات }(1/93)
" وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ"{المنافقون }
أما " الذين آمنوا " فإن الإيمان ما يزال فعلا من أفعالهم ، فيحتمل ان يزول وأن يحول ، فكانوا بحاجة إلى الإكثار من أمرهم ومن نهيهم 0
وتلاحظ أن النداء في " أيُّه المؤْمِنُونَ" جاء بقوله " أيه" من غير حرف ندا " يا" وفي حذف حرف الناء دلالة على قرب المنادَى من المنادِي جلَّ جلالُه
وفي قوله ( آمنوا) حذف للمتعلِّق بفعل الإيمان ، وفيه دلالة على أنهم آمنوا بكل ما أمر الله عز وجل الإيمان به لم يتركوا منه شيئا ، لأن من آمن بما أمر بالإيمان به وترك شيئا واحدًا لم يؤمن به فهو كافر لايدخل في زمرة الذين آمنوا
وجاء البيان عن فعل صلة الموصول " آمنوا" بالإيمان دون الإسلام ، فلم يقل : يأيها الذين أسلموا ؛ ذلك أن كلمة " أسلموا" لها دلالتان :
الأولى الدلالة التى هي قسيم الإيمان والتى بيَّنها حديث "جبريل " المشهور وهذه الدلالة هي مفتاح الدخول في الإسلام بمعناه الشامل ، ولايكفي أن يقف المرء عندها لايتعداها ، ولا يصلح اًصحابها الواقفون عندها لما جاءت له تلك الأوامرن فلابد من أن يصحب الشهادتين اعتقاد وعمل
والأخرى الدالة الشاملة التى يكون الإيمان جزءًا منها وليس قسيما لها ، وهي دلالة إسلام الوجه لله تعالى في كافة شئون الحياة ، وهذا هو المعنى العام الذي جاءت به كل الرسالات الإلهية
فأدنى درجات السلوك هي درجة الإيمان ، يعلوها درجات منها التقوى ،وأعلاها درجة الإحسان التى فسرها حديث " جبريل " المشهور 0
55555
? ( مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/94)
في قوله ( مالكم) استفهام توبيخى يجلد ظهر كل متثاقل عن الجهاد وقدهُيِّئ له فكيف بمن دُعِى إليه وحُثَّ وأُغْرِيَ بِه، ولم يُحرم منه أو يُحَرَّم عليه ، كما هو حالنا في زماننا هذا ، وقد حُرَّمَ علينا أن نجاهد أعداء الإسلام ، فمن يفعل ، فقد باء بجريرة لاقرار له معها في أرض تطلع عليها الشمس
ومعنى الاستفهام :" أي شيء لكم في التثاقل عن الجهاد وقت أن يقال لكم انفروا في سبيل الله تعالى ؟
وغيرخفي أن في هذا نفيا عظيما لأن يكون لهم أدنى ما يحملهم على التثاقل عند دعوتهم إلى الجهاد ، وهذا مسلك من مسالك النفي المؤكد ، الذي لاقبل للمعاند إلى نقضه
وهو يحمل مع معنى التوبيخ وتقرير النفي وتأكيده معنى الذم بأن يكون منهم من المعابات ما لم يجدوا ما يدعوهم إليه في مقابلة ما يجتهد في دعوتهم إلى نقيضه الذي فيه عزهم ، فإذا كان غير حميد من العاقل أن تكون منه معابة وإن أغري به وحمل إليها بل حمل عليها ، فكيف الأمر إذا لم يك شيء من ذلك بل كان ما هو مغرٍ بنقيضه من المكرمات ؟
إنَّ في هذا الاستفهام من المعانى ما يهز القلب المعافى من داء الغفلة هزًا لا يستقر الجنب معه على فراش 0
وفي قوله ( إذا قيل لكم) بناء لفعل القول لغير الفاعل ، فلم يصرح بفاعله إيماء إلى أن مناط التوبيخ والمذمة ليس متعلقًا بأن القائل فلان أو فلان ، بل ذلك متحقق، وإن كان الداعى إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل استنصارًا للحق ودعوة إلى الله تعالى أصغرَ رجال الأمة أو نسائها ، فكيف إذا ماكان القائل هو النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟!!!
في عدم تعيين القائل حث على النفار إذا ما سمع المسلم : حيَّ على الجهاد ، من غير أن يتلبث ليعرف مَنْ الداعِى ، فإن كان عظيما خرج ، وإلا فلا ، بل هو الخرَّاج إلى الجنة كلَّما دعي إليها ، ولن يكون العاقل البتة آبيا دخولها بالتثاقل عن الجهاد في سبيل الله تعالى(1/95)
وفي عدم تعيين الفاعل بالتصريح بذكره إبلاغ في توبيخ من تثاقل ـ وهم قليل ـ وقددعاه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه للجهاد في سبيل الله تعالى ، وقد جاء البيان القرآني مؤكدًا فريضة الطاعة لدعوته :
" يأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ ولِلرسولِ إذا دَعَاكُمْ لِما يحْييكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِليْهِ تُحْشَرُونَ 0 وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاتُصيِبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " { الأنفال:24-25}
وفي قوله ( لكم ) زيادة في تصوير ما كان من المتثاقليين ـ وهم غير كثيرمن الصحابة ـ وأنهم قد أعرضوا عن خير عظيم قد ووجهوا به وكوفحوا به مباشرة ، فهم المنصوب لهم القول الملقي به في آذانهم ، والمؤذن به في ديارهم ، ومن كان هذا شأن دعوته لايكون منه إلا القومة نصرة للداعي ، وهم الذين كانت أجدادهم في الجاهلية ، لا تنتهى صرخة الاستنصار بهم إلا وهم على صهوات جيادهم ، وقد عَلِقَتْ السيوفُ في عواتقهم يطيرون حيث المستنصر زرافات ووحدانا ، فما بالهم اليوم ، وقد سلك الله تعالى بفضله الإيمان في قلوبهم ، وأقامهم من خلف أحب وأعظم من خلق من العالمين ؟
أي فعلة تلك التى كانت من تلك الشرذمة القليلة من المتثاقلين من الصحابة ؟، وأىُّ إخلاد إلى النعمة الزائلة الذي أخذ بهم ؟ وكم هي محطمةٌ مقاربةُ المحبةِ لشهواتِ الدنيا الدَّانية الدَّنِيَّة
في قوله ( لكم ) تصوير لماكان من حالهم لايكون لنا علم به إذا ما طوي ذكره، ويزيد في هذا اقتدارًا تقديمُه على " نائب الفاعل: انفروا000" فكأنهم قد بلغوا حدًا من الرغبة عن النِّفار في سبيل الله افتقروا معه إلى أن يقال لهم انفروا ، وشأن المسلم أن يكون على أهبة واستعداد وتطلع إلى نعيم الجنة 0(1/96)
وقوله " ( انفروا) جملة طلبية أُريد بها وجوب تحقيق ما طلب ، وجاء البيان بالفعل ( انفروا) دلالة على أنه لايراد منهم مجرد الخروج في سبيل الله على أي حال كان ذلك الخروج ، وإنما يراد منهم النفرة : أي الخروج السريع والفزع العظيم بجٍِّد دونما تَلَبُّثٍ وترددأو تبيُّن ، وكأنَّ أمرًا مُبِيرًا سيَحِلُّ بهم ، فما عليهم إلا المبادرة والمسارعة إلى الخروج في سبيل الله
ويبقى افْتِقاري إلى النظر في تعدية الفعل ( انفروا) بـ" في" من دون قوله " إلى" كما يهدي إليه ظاهر النظر، إذ يقال : نفر إليه ونفر عنه
يقول " الطبري" في تفسيره ج6/417":" انفروا : أي اخرجوا من منازلكم إلى مغزاكم وأصل " النفر" مفارقة مكان إلى مكان لأمر هاجه على ذلك ، ومنه نفور الدَّابة" غير أنَّه يقال من النفر إلى العزو: " نفر فلان إلى ثغر كذا ينفر نفرًا ونفيرًا " وأحسب أن هذا من الفروق التى يفرقون بها بين اختلاف المخبر عنه ، وإن اتفقت معانى الخبر، فمعنى الكلام : مالكم أيها المؤمنون ، إذا قيل لكم : اخرجوا غزاة ( في سبيل الله) أي في جهاد أعداء الله "(1/97)
ويقول " الزمخشري " في " أساس البلاغة " : " ونَفَرَ القومُ إلى الثَّغْرِ نَفيرًا، وجاء نفيرُ بنى فلانٍ ونَفْرُهُم وَنَفْرَتُهُم ، وهم الجماعة الذين ينفرون إلى العدو " وكأنَّ مآل المعنى : انفروا إلى الجهاد سائرين في سبيل الله ، فلا يكون الجار والمجرور" في سبيل الله" متعلقا بالفعل " انفروا" بل متعلقا محذوف حال من فاعل الفعل "انفر" فهو من ضروب الإيجاز بالحذف اللطيف أنت تراه قد حذف متعلِّق الفعل المحذوف ، وذكر متعلقِّ الحال المحذوف ، وكأنَّ في هذا إيماءً إلى أن النِّفارَ الذي هو مناط الطلب إنما ما كان نفارًا إلى الجهاد ، وأن غيره ليس محلا لأن يطلب وأن يحمل الناس عليه وأن يوبخوا على التقاعس عنه ،وفي هذا إبلاغ عظيم في تصويرمنزلة الجهاد في سبيل الله تعالى ، فكأنَّ من عطاء اسلوب الحذف هنا الإبلاغ في تصوير المعنى المراد ، فانظر كيف يكون ترك الذكر إبلاغًا في الإبانة عن معانيك ، فليست العبرة في بيان العربية أن يكثر ملفوظ لسانك ، بل العبرة أن يفيض مكنون جنانك من رحم قليل من ملفوظ لسانك 0
وقوله ( في سبيل الله ) فيه تصوير لمن نفر إلى الجهاد مخلصا قصده ومطلبه بأنه إنما هو سائر في سبيل الله ،ومن كان كذلك فإن قلبه غارق في الطمأنينة ، لأن سبيل الله تعالى محصَّنٌ من أن يحوم من حوله من كان عدوًا لله تعالى ، فهذا منادٍ للمجاهد أنك إن أخلصت النية واحتسبت ، فاعلم أنك سائر في سبيل الله عز وجلَّ المحفوف بالعناية الربانية(1/98)
وأهل العلم شاع عنهم أنهم يقولون إن قوله ( في سبيل الله) يراد به مجاهدة أعداء الله تعالى وما هذا منهم إلا من تخصيص الدلالة العامة ، وكأنَّ فيه صورة من صور مايعرف عند البلاغيين بالمجاز المرسل حيث عبر بالكلِّ وأراد بعضه ، أو عبر بالمطلق وأراد المقيد ، وهذا من الإبلاغ في تصوير منزلة الجهاد على الرغم من أن كل عمل صالح (أي أريد به وجه الله تعالى ووافق الشرع) فاعله سائر في سبيل الله تعالى
وفي اصطفاء(في)إيماءإلى احتواء العناية الربانية من يسير فيه بدْءًا ومنتهى
وفي اصطفاء كلمة " سبيل" إيماء إلى أنَّ فيه امتدادًا وسهولة ، يقال: للمطر " سَبَلٌ" إذا ما كان نازلا ، وإسبال الثياب امتدادها أسفل الكعبين ، وفي هذا إيماء إلى أن سبيل الله إلى الجنة ممدود لايتناهى يتفاوت العباد في اجتيازه، وهذا فيه حثٌ على ان يشمر المسلم عن ساقيه
( يَأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اصْبِرُواوصَابُرُواورَابِطُواواتَّقُوااللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ){آل عمران }
ويأتي قوله ( اثاقلتم) دالا بما فيه من ذلك الإدغام على جسامته ، فهو تثاقلٌ جد جسيم ، والتثاقل فيه معنى التساقط ، إيماء لهم أنهم من قبل حالهم هذه كانوا في علياء وترفع عمَّا هو لائط بالأرض ، وهذا لايكون من العبد إلا إذا اعتراه ما يعطل طاقاته الحافزة على النهوض المتسارع إلى ما يُدْعَى إليه وكأنَّ في هذا مقابلةً بين ما طلب منهم(انفروا) وما كان منهم ( اثقالتهم) :
كان من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لهم دعوة إلى المسارعة والمبادرة والفزع إلى ما أمروا به ، وكان منهم نقيض ذلك : التثاقل
إنها لمفارقة تصور عظيم ما وقع فيه المتثاقلون ـ وهم من الصحابة قليل ـ مفارقة ترهب وترعب ، كيف يكون من مسلم ما هو مناقض تماما لما يدعوه إليه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قصدًا ومواجهة ؟ !!
إن النفس المؤمنة لاتكاد تطيق مجرد الحسبان أن ذلك يمكن أن يكون منها(1/99)
وفي هذا ابلاغ في تصوير فداحة ما كان ، وفي الوقت نفسه فيه إبلاغ في تصور الأثر المقيت لمقاربة محبة شهوات الدنيا وإفساح مكان لها في قلوبنا ونقلها مما جُعِلَ لها من مكان غير قرارفي أكُفِّنا إلى قرارمكين في أفئدتنا
إن أثر ذلك جد عظيم : أدناه أن يجعل صاحبه يقابل دعوة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلىالفزع للجنة والمسارعة إلى ملاقاة رب العالمين ـ يقابل هذه بما هو نقيضه ، وكأنه ضرب من التحدي والمجابهة
هذا أدنى ما تُسْقِطُ مقاربة حب شهوات الدنيا صاحبها فيه فكيف بمافوقه ؟
وأهل العلم يقولون إنه قد عُدِّي الفعل " اثاقلتم" بإلى لتضمنه معنى " مال" و" أخلد" فكانه قيل : إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ملتم وأخلدتم إلى الأرض ، فالتضمين عندهم :
" إشراب لفظ معنى لفظ آخر ، فيعطى حكمه في تعديته بالحرف الذي يتعدى به الثانى "
وهم يرون في هذا جمعا للفظ بين المعنيين ، فيكون في الحرف المعدى قرينة على المعنى المضمن من اللفظ الآخر ممزوجا في المعنى الأصلى للفظ الدال عليه لفظه المنطوق 0
يقول " الزمخشري "في كشافه:ج2/189 : " ( اثاقلتم) 000أي تباطأتم وتقاعستم ، وضمن معنى الميل والإخلاد ، فعدي بإلى ، والمعنى : ملتم إلى الدنيا وشهواتها وكرهتم مشاق السفر ومتاعبه ونحوه ـ أخلد إلى الأرض واتبع هواه ـ وقيل ملتم إلى الإقامة بأرضكم ودياركم"
ويقول عصريه : ابن عطيه ت: 546" وقوله :( اثاقلتم إلى الأرض ) عبارة عن تخلفهم ونكولهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم وهونحو من اخلد إلى الارض " " المحرر الوجيز:ج8/148
وإذا ما نظرت في دلالة الفعل الذي قيل إن فعل( اثاقلتم) قد ضمن معناه وهو( مال) رأيت أن في هذا الفعل( مال) وداعة ورقة في التصوير لاتتناغى من عنف ما كان منهم(1/100)
وإذا قلنا إنه مضمن الفعل (أخلد) فإن في هذا الفعل معنى السكون إلى الشيء ، وهذه المدلول مفتقرإلى الحركة التى تراها في قوله ( اثاقلتم) ومفتقر إلى معنى القوة والعنف الذي تراه في ( اثاقلتم)
القول بالتضمين هنا فيه ضعف ، فإن في قوله ( اثاقلتم) معنى التساقط من علو ،وهذا المعنى لاتجد منه شيئا في الفعل ( مال ) و( أخلد)
على أن من أهل العم بلسان العربية على أن " اثاقل" مما يتعدى بإلى من غير تضمينه معنى فعل آخر
وفي قوله : ( اثاقلتم إلى الأرض) استعارة تمثيلية ، فقد شيه حال من يدعى إلى الفزع إلى المجاهدة في سبيل الله وهو كاره ما يدعى إليه راكن إلى متاع الدنيا بحال من يدعى إلى ما هو أعلى فيتساقط رغبة عن العلو
وهذا مما يقيم حالهم في صورة مشهودة تصويرًا لمقدار حالهم ، وما بلغوه من التمسك بنعيم حاضر ناقص زائل ، ورغبة عن نعيم مقيم خالد
وليس شك في أن تصوير حالهم في الرغبة عن الدعوة إلى الجهاد في هذه الصورة الحسية تقريرًا لها في النفوس لتنفر منها وتتقي أن تكون من أهلها ، فكل عاقل يأبى أن يكون في حال كحال من يرفع عمَّا هو دنيءٌ ومستقذر فيتساقط فيه ويرغب عن الارتفاع عنه
وفي اصطفاء هذه الصيغة " اثَّاقلتم" تصوير بجرسها لدقائق ولطائف معناها، وهذا نهج من أنهاج البيان القرآني في تصوير معانيه ، وقد أشرت لك من قبل إلى أبعاد الكلمة القرآنية ، وقلت لك إنَّ كل بعد منها رافد من روافد الإبانة عن معانى الهدى ، وقد كانت للأستاذ " الشهيد": سيِّد قطب " ـ رفع الله ذكره في عباده الصالحين ـ عناية حميدة بكثير من تصوير القرآن الكريم معانيه بجَرْس كلماته ،يقول في هذه الآية :" الظلال :ص 1655:(1/101)
" إنها ثقْلةُ الأرضِ ومطامعُ الأرضِ ،وتصورات الأرضِ ثقلة الخوف على الحياة ،والخوف على المال ، والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع ، ثقلة الدعة والراحة والاستقرار ، ثقلة الذات الفانية ،والأجلِ المحدودِ ،والهدفِ القريبِ ، ثقلة اللحمِ والدَّمِ والترابِ
والتعبير يُلْقِي كلّ هذه الظلال بجَرْسِ ألْفأظه " اثاقلتم" وهي بجرسها تمثل الجسم المسترخى الثقيل ، يرفعه الرافعون في جهد فيسقط منهم في ثقلٍ ، ويلقيها بمعنى ألفاظها :" اثاقلتم إلى الأرضِ" وما لها من جاذبية تشد غلى أسفل وتقاوم رفرفة الأرواح وانطلاق الأشوق "
وهذه القراءة " اثاقلتم" وهي قراءة الجمهور ادلُّ على عظيم التثاقل الذي كان منهم ، وفي قراءة "يعقوب" تثاقلتم" دلالة على أن فريقا منهم قد كان تثاقله من دون ذلك ، فقراءة الجمور ملاحظة كثرة الراغبين عن الجهاد ،المبالغين في تثاقلهم وتساقطهم وفي قراءة يعقوب ملاحظة لقلة من كان تثاقله غير مبالغ فيه
ويذهب " الطاهر بن عاشور " في تفسيره" ج10/189" إلى أن " قوله :" إلى الأرض " كلام موجه بديع : لأن تباطؤهم عن الغزو ، وتطلبهم العذر كان أعظم بواعثه رعبتهم البقاء في حوائطهم وثمارهم حتى جعل بعض المفسرين معنى : اثاقلتم إلى الأرض : ملتم إلى أرضكم ودياركم "
والتوجيه الذي ذكره " الطاهر " هو ضرب من ضروب البديع عند البلاغيين ، وهم يريدون به :
" إيراد كلام محتمل لوجهين مختلفين "" التبيان للطيبي:300"
والاختلاف هنا اختلاف تباين لااختلاف تضاد
ويمكن أن تذهب إلى أنَّ في قوله " إلى الأرض" تورية " فيكون لها معنيان أحدهما قريب غير مقصود إليه قصدًا رئيسًا والآخر بعيد هو المقصود إليه قصدًا رئيسًا :
الأول هو الأرض المعرفة لنا، أو الأرض التى كانوا قد أخلدوا إلى ظِلِّها ، كما جاء في أسباب النزول ، والأخر هو ما سفل من المنزلة والدرجة 0
الأول خاص مرتبط بسبب النزول، والثانى عام صالح لكل من تساقط عن(1/102)
العلِيِّ من المنازل الماجدة إلى الدركات السافلة من متع الحياة الدنيا في كل شأن من شئون الحياة وفي الوجهين تثريب عظيم لايطيقه عربي فضلا عن عربي مسلم صحابي ، فشأن العربي أنَّه أهل تجارة وجهاد ، وليس أهل زراعة ، وقد هدى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أنَّه قد جعلت الجنة تحت ظلِّ السيف0
روى الشيخان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه قال:
" اعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف" الرواية لمسلم(الجهاد:حد20/ 1742)
فمن مال إلى ظلِّ شجرة وأعرض عن ظل السيف فقد غبن نفسه، وشأن العربي القُحّ أنَّه لايرضى الدنية في شيء من حياته ، فكيف بعربي مسلم صحابي ؟!!
ومن ثَمَّ جاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي التسفيهي الدَّال على ضلال الاختيار في الجملة التى من بعدها :
? ( أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستفهام في " أرضيتم" إنكاريٌّ توبيخي تسفيهي ، بمعنى ما كان ينبغي لكم أن يكون منكم ذلك ، وفي تسليط الاستفهام الإنكار التوبيخي على فعل ( رضي) دلالة على أن الذي كان منهم ليس مجرد ميل أو تطلُّعٍ إلى شيء من الحياة الدنيا ، إنهم قد تجاوزوا ذلك إلى ما هو أوْغَلُ في البُعدِ عما يُرضي ربهم سبحانه ، إنهم السَّاقطون في درْكِ الرضوان بهذه الدنيا
والرضا قائم من انشراح النفس بما ترضى به ، فهو استغراق في مُخادَنَةِ الشيء مخادنة فتَّحت المغاليق فانشرحت النفس وأنست ،وهذا ما تنفر النفس السَّوِيَّةُ من مجرد أن يُنْسضبَ إليها ، فكيف الرِّضا بالوقوع منها؟ بل كيف الرضا بالوقوع فيه ؟(1/103)
وفي قوله ( أرضيتم) من بعد ( إلى الأرض ) توقيع نغميٌّ يلفت القلب إلى ما بين الأمرين ، وهما عظيمان في تآخيهما ، وتناغيهما : هنالك تساقط وتثاقل إلى التى لايلوط بها إلا ساقط الهِمَّة ، وهنا إنكار لانشراح النفس بما هو دنيء وضيع ، فهما وإن تناغيا إيقاعًا الإإنهما أيضًا متقاربان غاية، فهذامن التجنيس الحامل في نغمه فيضًا من لطائف المعانى ، والذي تركه عقوق بالمعنى يقول " الإمام : عبد القاهر في " اسرار البلاغة:ص11":
"...لاتجد تجنيسًا مقبولا،ولاسجعًا حسنا حتى يكون المعنى هوالذي طلبه واستدعاه وساق نحوه،وحتى تجده لاتبتغى به بدلاولا تجدعنه حولا"
وعُدِّيَ الفعلُ " رَضِيَ " بـ"الباء" وكان يمكن أن يعدى بنفسه: رضي كذا ، وقد جاء ت تعديته بنفسه في القرآن الكريم كثيرًا:
" فلنولينك قبلة ترضاه" {البقرة}،
"ومساكن ترضونها"{ التوبة} "
"وأن أعمل صالحا ترضاه "{الأحقاف}
وفي التعدية"بـ" الباء" دلالة على كمال تلبس الفعل بماوقع عليه،فـ"الباء" حرف " إلصاق" فإذا ما استحضر،والفعل مستغنٍ في نفسِه عنه في تعديته ، فإنَّ في استحضاره إشارةً إلى كمال تحقق معناه في علاقة الفعل بماوقع عليه وأن فاعله قائم به قيامًا بليغا، وهذاغيرقليل في القرآن الكريم ، فإنَّ مواقع" الباء" في البيان القرآني يفتقرالمرء إلى تقصِّيها وتدبُّر كل موقع في سياقه ومقاصد ذلك السياق 0
المهم أن في هذا دلالةً على أنَّه قد كان منهم الرِّضا الكاملُ ،وكأنَّهم في رضوانهم بالحياة الدنيا لايتطلعون إلى شيء من الحياة الآخرة ، وهذا من المَعابات التى ينفر منها كلُّ عاقلٍ إذا ما انْتَبَه إليْها أو نُبِّه إليها
وفي نعت الله عز وعلا " الحياة" بأنها "الدنيا" تنفير بليغ من الإخلاد إليها ، والركون إلى متاعها الناقص الزائل ،وإغراء عظيم بالفرار من قبضتها إلى رحابة الحياة الآخرة(1/104)
ومن اللطيف أنَّ الله جلَّ جلاله لم يتركنا نَخْبُر متاعَ الحياة التى نحن فيها لنعلم خبرها: أعَلِيٌّ هوأم دنِيٌّ ، بل نادى عليها في مواطن كثيرة من كتابه المجيد بأنَّها الحياة الدنيا ، ولم يقل الحياة الدانية أو الدَّنِيَّة بل بلغ بها الغاية " الدنيا ": افعل تفضيل ، وكأنه ليس من دون ذلك حياة 0
وكلُّ نفسٍ سامية شريفة تنفرُ من كلِّ ماهو دانٍ ودَنِيءٍ ، وإن كان فيه متعتها أوْ بقاؤها ، فهي تُفَضِّلُ الموت على أن تقترف ما هو الدنيُّ الدَّنِيء ، كذلك دَيْدَنُ الشرافاء أشراف النفوس لا أشراف الأنساب المزعومة 0
وفي قوله " من الآخرة" إيماء إلى أنَّهم كأنَّهم أقاموا موازنة في نفوسهم بين حياتين : حياة عاجلة دانِيَةٍ دَنِيَّة ،وحياة آجلة سَنِيَّة ، فوثقت نفوسهم المتثاقلة فيما هو حاضر زائل ورغبت عما هو آجل خالد فرضيت بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة ،فقوله " من الآخرة" متعلق بمحذوف تقديره " بدلا" من الآخرة
يقول القرطبي :" ومعنى {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} أي بدلاً؛ التقدير: أرضيتم بنعيم الدنيا بدلاً من نعيم الآخرة. فـ «مِن» تتضمن معنى البدل؛ كقوله تعالى:
{وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزخرف: 60) أي بدلاً منك.وقال الشاعر:
فليت لنا من ماء زمزم شربةً مُبرّدة باتت على طَهيَان
ويروى من ماء حَمْنان. أراد: ليت لنا بدلاً من ماء زمزم شربة مبرَّدة. والطَّهيَان: عود ينصب في ناحية الدار للهواء، يعلّق عليه الماء حتى يَبْرُد.
عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلاَّ بنصَبب الدنيا.
قال صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد طافت راكبة: «أجْرُك على قدر نَصَبِك». خرجه البخاريّ. " اهـ(1/105)
وفي نعت الحياة الثانية بقوله " الآخرة " وكان مقتضي الظاهر أن يقابل " الدنيا" بـ"العليا" أو يقابل الآخرة بالأولى ، ولكنه صرف البيان عن الحياة المقابلة للحياة الدنيا إلى نعت "الاخرة " إشارة إلى أنه وإن لم يكن لها من فضل ومزية سوى أنها الاخرة التى ليس من بعدها حياة ، وإن كانت في مستوى الحياة المقابلة لها " الحياة الدنيا" فإنَّ العاقلَ لَيُقْبِلُ على ما هو خالد لاينقطع وإنْ كان قليلا ، فكيف إذا ماكان هذا الآخر هو العَلِىَّ الذي ليس يُقاربه غيره؟
وكأنَّ في هذه المقابلة بين الحياتين تعليما وتربية لنا : إنَّه إذا ما قابَلْنا بين أمْرين متساويين في القدر إلا أنَّ أحدَهما منقطعٌ والآخرُ دائمٌ لاينقطع فإنَّ مَنْطِقَ الحكمة اختيارُ ما هو دائم لاينقطعُ وإنْ كان من دون الزائل المنقطع ، فكيف إذا ما كان أاعلى منه وأخلد؟
إَّن هذا لَيُصَوِّرُ لك عظيم ما أَوْقَعَ فيه الرَّاضون بالحياة الدنيا أنفسهم فيه من بلية الغبن العظيم
( قَالَ يَاقَوْمِ إنماهذه الحياة الُّدنْيَا متاع وإنََّ الآخِرَةَ هِيَ دَار القَرار){غافر39}
وفي قوله " من الآخرة" حذف للموصوف وإقامة للصفة مقامه ، والتقدير : من الحياة الآخرة ، في مقابل :" الحياة الدنيا "
ولا أعلم أنَّ في القرآن الكريم آية قد صرح فيها بالموصوف فيقال " الحياة الآخرة" أمَّا " الدنيا" فقد جاءت آيات بذكر الموصوف ، وأخرى بحذفه 0
ويبدو لى أن في قوله " أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة" وجهًا تركيبيا آخر قائما على الحذف فيكون التقدير : أرضيتم بالحياة الأولى الدنيا من الحياة الآخرة العليا، فاختار من كلٍّ ما هو أدلُّ على المراد ، وحذف الآخر :
اختار من نعت الأولى النعت بالدُّنُوِّ وحذف النعت بالأَوَّلِيَّة لدلالة المذكور من بعد " الاخرة "عليه ، والوصف بالدنو في المنزلة هو المُهِمُّ هنا ،فكان الأجدر بالذكر(1/106)
واختار من الحياة الثانية وصف " الاخرة " وحذف الوصف بأنَّها "العليا" لدلالة مقابله عليه " الدنيا" ولأن المذكور هنا "الاخرة" هو الأدل على أصْلِ الأفضلية وإِنْ تساويا في القدر ، فكيف إذا ماكانت هي الآخرة وهي العليا؟0
? ( فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عطف هذه الجملة بـ "الفاء" إشارة إلى تفرعها عمَّا قبلها ، وفيها معنى التسبيب، فكان هذا الاستفام الإنكاري التوبيخي منسول من هذه الحقيقة المقررة المؤكدة المؤطدة قلة متاع الحياة الدنيا نظرا إلى متاع الاخرة
وفي قوله " الحياة الدنيا" إظهار في موضع الإضمار ، فإنَّ مقتضى الظاهر أن يقال في غير القرآن الكريم : فما متاعها في الآخرة إلا قليل، غير أنه اظهر ليستحضر في قلبك هذا الوصف " الدنيا" ولتكون منه على ذكر دائم ، فإذا ما اقترن به قوله" متاع" ازدادت المفارقة بين الحياتين ، فالحياة الدنيا ليست متاعًا صرفا لايشوبه بلاء ، بل إنَّ بلاء الدنيا لأضعاف أضعاف متاعها مقدارًا وزمانا وآثارًا
وفي البيان هنا بقوله " متاع " مايزيد المفارقة بين الحياتين ، فإنَّ المتاع ما كان إلىزوال ، فهو انتفاع منقطع غيرخالد وغير كامل
وفي قوله " في الآخرة" حذف لمتعلق " في" أي محسوبًا في نعيم الآخرة ، وهو حال من " متاع"{ البحر المحيط: ج5/42، الفتوحات الإلهية للجمل: ج2/283}
والعلماء يذهبون إلى أنّ حرف (في) هنا دالٌ على معنى المقايسة ، يقول:" ابن هشام" في معانى " في":" (الثامن) المقايسة ، وهي الداخلة على مفضول سابق وفاضل لاحق نحو : فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل (المغنى :1/146)
وقد نقد " الطاهر بن عاشور " ذلك قائلا:(1/107)
" جعلوا المقايسة من معانى (في) كما في التسهيل والمغنى ن واستشهدوا بهذه الآية أخذا من " الكشاف" ، ولم يتكلم على هذا المعنى شارحوهما ، ولا شارحوا الكشاف ، وقد تكرر نظيره في القرآن ، كقوله في سورة" الرعد " :"وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع" وقوله ـ صلى الله عليه وسلم : في حديث "مسلم" :" ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل مايجعل أحدكم أصبع في اليم ، فلينظر بم يرجع "وهو في التحقيق من الظرفية المجازية : أي متاع الحياة الدنيا إذا أقحم في خيرات الآخرة كان قليلا بالنسبة إلى كثرة خيرات الآخرة ، فلزم أنَّه ما ظهرت قلته إلا عندما قيس بخيرات عظيمة ةنسب إليها ، فالتحقيق أنَّ المقايسة معنى حاصلٌ لاستعمال حرف الظرفية ، وليس معنى موضوعا له حرف النفي " { التحرير والتنوير ج10/198
و هذه الحقيقة القرآنية مازجة بين تسفي شأن المفتون بمتاع دنيا ناقص زائل وإغراء ليبي بنعيم الاخرة المقيم متربص
وقد جاء البيا نعها في اسلوب تخصيص حصري على سبيل قصر الموصوف على صفة قصرًا تحقيقيا ، فمعنى على أن متاع الدنيا في حساب نعيم الاخرة مقصور على صفة القلة ، وهي صفة عامة ، فليست القلة هنا قلة عديدية بل قلة تعم كل شأن من شئون متاع الدنيا في حساب نعيم الآخرة
والقرآن الكريم لم يصرح بما يقابل متاع الدنيا من شان الآخرة ، فلم يقل : فما متاع الحياة الدنيا في نعيم الحياة الاخرة إلا قليل ،إشارة إلى أمرين :
الأول : أن الدنيا ليست كلها متاعًا بل بعض من أبعاضها العديدة متاع
الآخر : أن الاخرة كلها نعيم ، فليس النعيم بعضها ليقابل بعض الدنيا ، بل الآخرة كلها قائمة مقام النعيم ، فما من شيء فيها إلا هو نعيم مقيم(1/108)
وفي هذاإبلاغ في توسيع شقة المقايسة بين أمرين هما في الحقيقة ليسا بمنزلة ما تقام بينهما مقايسة ، فإنَّ العاقل لايقايس متاع دنيا بنعيم آخرة ، وكأنَّ البيان القرآني الكريم يتنزل هنا على ما هو قائم في نفوس أولئك ، مجاراة لهم وتأليفا لقلوبهم ، وكأنَّه يقول لهم وإن قايستم بينهما تنزلا ، فإنَّ أعلى ما تنتهي إليه المقايسة التنزيلية أن متاع الدنيا في الآخرة قليل
وفي جعل طريق التخصيص هنا : " النفي والاستثناء" إشارة إلى أنَّ هذا مما قد ينازع فيه بعض المخاطبين
0000000
? (إلاَّ تَفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًأ أليمًا)
في هذه الجملة القرآنية شرط تهديديٌّ ، يختلع القلوب من الصدوربناه على أداة الشرط (إن) الداخلة على الفعل المنفي " لاتنفروا" وفي اصطفاء "إن" المقيمة جانبي الأمر على درجة سواء إقامةٌ للمخاطبين مقام المواجهة مع أنفسهم في حالتيها ،فينظرون عاقبتهم في كل حال، وأبرز لهم عاقبة الرغبة في عدم النِّفار: (إن لاتنفروا) حتى يتبين لهم ما إذا كانوا قادرين على تلقى ذلك الجزاء المرعب الذي صرح لهم به: يعذبكم عذابا أليما0000
فالتصريح بما تترتب عليه المضرَّة أقوى في البعث من التصريح بما تترتب عليه المسرَّة حين تكون النفوس لائطة بما هو حبيب إليها من الدّعةولا سيما أنها قد أُغْرِيت بما هو العَلِىُّ فلم تستقم، فأنت مفتقر إلى أن تنزعها منه إلى نقيضه المرعب ، لاأن تنقلها مما هي فيه إلى ما هو أعلى منه من جنسه ولو توهما أنه من جنسه ،فإنها لم تستجب من قبلُ إلى ذلك الإغراء ، فلا يبقى إلا التهديد بما يرهب ويرعب
من أخلد إلى راحة دنية لاتنزعه منها بالإغراء إلى راحة سنية بل تنزعه منها بالتهديد والوعيد
ذلك وجه من وجوه الإتيان بأسلوب الشرط على هذا النهج : أدخل الأداة على الفعل المنفي (إن لاتنفروا) ولم يقل ( إنْ تنفروا يدخلكم جنات 000(1/109)
وهو لم يذكر لهم ما ينفرون إليه ؛لأن السياق قد قام بتعيينه ،وهو النِّفار إلى الجهاد في سبيل الله والنفار عن أرضهم وديارهم التى أخلدت إليها نفوسهم الأمارة بالسوء
هكذا يؤوب بهم إلى صدر ذلك الاستفهام : "مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله0000" فيستحضرون تلك العانى في نفوسهم لعلها ترتدع فتقبل على ما تدعى إليه وتغْرى به ، وتخشى ما تهدد به فترتدع
وفي بيان عاقبة الإعراض عن النفار إلى الجهاد في سبيل الله بقوله "( يعذبكم عذابًا اليما) ملاحظة لجنس ما يعاقبون عليه : يعاقبلون على ترك النفار إلى الجهاد في سبيل الله للتمتع بمتاع الحياة الدنيا ، ومن تجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه ، فكان جزاؤهم عذابا ، والعذاب ، كما سبق أن بينت لك إنما هو منسول من معنى المنع ، فجزاؤهم على الرغبة عن النفارإلى الجهاد في سبيل لله للرغبة في متاع الحياة الدنيا هو منعهم مما تشتي انفسهم، فالمعذَّبُ في لسان الهربية هو الممنوع مما ينفعه و يمتعه ، فالجزاء كما ترى من جنس العمل
والعذابُ الذي هو المنع مما ينفع او يمتع ليس مقصورًا وقوعه في الآخرة ، وإن كان هذا كائنًا في أعلى صور تحققه، ولكنَّه متحققة بعض صوره في الدنيا ، فهو عذاب ممتد في الحياة الدنيا والآخرة
لو نظرت في واقع الحياة من حولك رأيت الذين لايمنعون أنفسهم عن التمتع بمالا يحلُّ لهم تكون عقباهم في دنياهم ان لايمنعوا من مما حرم عليهم فحسب بل يمنعوا أيضًا مما هو طيب لغيرهم الذين لم يقيموا أنفسهم من قبل في سياق التمتع بما لايحل التمتع به
إن أكثر من يمنعهم أطباؤهم مما أحلَّ الله عز وجل لم من قبل تراهم قد اجترؤوا على التمتع بما حرم الله تعالى عليهم فعذبهم الله عز وجل أي عاقبهم بالمنع مما هو حلال طيب لغيرهم ، ويبقى عقابهم في الاخرة(1/110)
وانظر في تاكيد الجزاء في قوله ( عذابا أليما ) وكيف أنه وصفه بأنه أليم ولم يصفه هنا بأنه شديد أو عظيم أو مهين ، فإن في قوله ( أليم) معنى الإيجاع الذي هو ضد التلذذ والتمتع لتكون العقوبة والجزاء بضد الجريمة المعصية
? وهو لم يكتف بهذا الجواب :" يعذبكم عذابًا أليما" بل عطف عليه لونا آخر : " ويسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ " جاء في مواطن عدة التهديد بمثل هذا :
" إن يشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّها النَّاسُ ويَأتِ بِآخَرينَ وَكانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا " {النساء:133}
" يأيُّها الَّذينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ منْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلايَخَافُونَ لوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "{المائدة: 54}
" إن يشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ "{إبراهيم:19-20}{فاطر:16-17{
{هَا أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَايَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم } {محمد:38}(1/111)
في الاستبدال معنى عظيم من التهديد الذي لايطيقه من علم عظيم الإنعام عليه بصحبة سيد الخلائق أجمعين ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم ، وكأنَّ فيه من النكال فوق ما في قوله ( يعذبكم عذابًا أليما ) فهو من تصعيد التهديد الآخذ بالنفوس ، وهو ـ أي الاستبدال ـ من بابة التعذيب أيضًا فهو منع مماتفتقر النفس إليه في أشدَّ الافتقار ، فإن منعهم من صحبته صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم هو من التعديب الأليم ، فبيْنَ قوله : ( يعذبكم) و( يستبدل) مراعاة نظير جدُّ بديعة ولطيفة
وصيغة " يستفعل:يستبدل" غير دالة على الطلب ، بل على تحقيق وقوع الفعل على كماله ، فهذا من مسالك التوكيد لوقوع الجزاء إذا وقع الشرط ، وهذا مما يزيد التهديد والوعيد تحقيقا وإرهابا وإرعابا 0
وفي الجملة ( يستبدل قومًا غيركم) حذفٌ والتقدير: " يستبدل بكم قومًا غيركم ، وكأنَّ في قوله " غيركم " إغناء عن ذكره ودلالة على أنهم غيرهم في طاعتهم ما استنفروا إليه ، فهو قائم بمعانٍ عدَّةً،فهذه الغيرية غيرية في الذّات وفي النعت
وجاء قوله " قومًا"بيانًا للمنعوت " المستبدل" ولم يقل " خلقًا" كما في سورة "إبراهيم:ي 19،وفاطر:ي:16" أويضمر ذكرالمنعوت :" المستبدل" كما في سورة النساء:ي:113" فإنَّ في اصطفاء كلمة " قوم" هنا معنى لطيفًا : هذه الكلمة تفيد معنى من يقوم للشيء ويقوم به أي من يجتهد في الوفاء بحق ما يطلب منه ، وفي هذا تعريض بهم أنهم لم يكون قوَّامين بما استنفروا إليه ، فهددهم بأن يتأتى بغيرهم يقومون بما لم يقوموا به
هذه الكلمة تفيد معنى من يقوم للشيء ويقوم به أي من يجتهد في الوفاء بحق ما يطلب منه ، وفي هذا تعريض بهم أنهم لم يكون قوَّامين بما استنفروا إليه فهددهم بأن يتأتى بغيرهم يقومون بما لم يقوموا به
? من بعد أنْ رتَّب اللهُ ـ تعالى ـ على ترك النِّفار إلى الجهاد في سبيل(1/112)
الله عز وجل أمرين جليلين : تعذيبهم عذابا أليما واستبدال غيرهم بهم هم خير منهم وأطوع لله عز وجلَّ وللرسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، زادهم تقريرًا بأنّ إخلادهم إلى الأرض عند استنفارهم لايضره شيئًا ، فقال لهم :" ولا تضروه شيئا"
فقوله " لاتضروه" معطوف على " يستبدل" ومرجع الضمير فيه يحتمل أن يكون اسم الله عز وجلَّ المضاف إليه في قوله من قبل : " سبيل الله" أي لاتضروا الله شيئٍا وقد جاء في القرآن الكريم مثله :" ومَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا "{آل عمران:144}،" ويَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا " {هود: 57}
والنفي هنا على سبيل التنزيل ، أي تنزيل المخاطب منزلة من يحسب أنَّه بتثاقله ضارٌ دين الله عز وجلَّ ، وذلك إذا ما قلنا إن النفي لايرد إلا على ما يصح إثباتُه ‘فعلا أو عقلا ، فلا يقال: لاتطلع الشمس ليلا مثلاً لأنَّ طلوعها ليلا غير محتمل تحققه فعلا ولاعقلا
ويمكن ان يقال الكلام على حذف مضاف أي : ولا تضروا دين الله شيئًا 0
ويحتمل مرجع الضمير أن يكون الفاعل المحذوف فيما بنى للمفعول في قوله :" مالكم إذا قيل لكم " فمن المعلوم من السياق المقامى لتنزل الآيات أن القائل لهم ذلك إنما هو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، فيكون المعنى ولاتضروا بترك النِّفارِ من يقول لكم : انفروا في سبيل الله عزَّ جلَّ وهو رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، ويؤيد لك ما سيأتي من بعد من قوله :" إلاَّ تنصروه "
وهنا تاتى قضية دلالية : أيصحُّ أن يكون مرجع الضمير المفرد أمرين على سبيل الجمع ؟
في تفسير البقاعي "نظم الدرر 3/318" ما يفيد هذا الجمع من غير تصريح فقال قال : " ولا تضروه : "أي الله ورسوله " فهذا يستفاد منه أنه ذاهب إلى الجمع في مرجع الضمير 0(1/113)
لعل لهذه القضية علاقة بما وقف عنده علماء العربية وأصول الفقه من جواز إرادة معنيين من المشترك ، وجواز الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وما نشأ من خلاف بين أهل العلمِ في هذا0
وإذا ما قلنا هنا إن المرجعين للضمير في ( لاتضروه) بينهما من العلاقة الوثيقة ما لايكون بين بعض معانى المشترك ، أو بين الحقيقة والمجاز ، فإنَّ هذا يغرى بقبول أن يكون المرجع للضمير في ( لاتضروه) هو اسم الجلالة أو المضاف المحذوف :" دين الله" أو رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم المفهوم من قوله :" قيل لكم انفروا "
هذه الجملة :" لاتضروه شيئًا " تحمل معنى جِدّ عظيمٍ من معانى التهديد والوعيد وتقرير أنهم موقعون بأنفسهم من الضُرُّ ما لايطاق ،وكان مقتضى ظاهر الحال أن يقال :" وإنكم لتضرون أنفسكم "ولكنه عدل عن ذلك إلى بيان أنهم لن يضروه شيئًا تصويرًا لهم أنهم يحسبون أنهم يضرون الله عز وجل أو دينه أو رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم شيئًا على سبيل التنزيل نظرًا إلىحالهم وفعالهم ، وأنه ينفي ذلك وفي هذا العدول مزيد تنفيرهم من حالهم الذي بالغ في تقبيحه
ووجه دلالته على تقرير أنهم موقعون بأنفسهم من الضُرِّ ما يُطاقُ أنَّه لمَّا كان تثاقلهم لابد أن يكون منه إضرار لإحدٍ ما ، وكانوا ـ عقلا ـ لايذهبون إلى أنهم سيضرون به الله تعالى أو دينه أو رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم شيئًا ، كان لزامًا أن يكون لهذا الإضرار محل ، وقد نفى أن يكون الله تعالى أو دينه أو رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم محله ، فلا يبقى محلٌ له غيرهم ، وفي هذا مزيد إبلاغ في تقرير إيقاع الضرر على أنفسهم(1/114)
وجاء تذييل الآية بقوله :"والله على كلِّ شيءٍ قدير " تقريرًا لتحقيق الجزاء المرتب على انتفاء نفارهم ،وإذا ماكان على كلِّ شيءٍ أي شيءٍ قدير فإنَّه على ما توعد به وهدد أيضًا جِدُّ قدير ، فذلك مسلك من مسلك التوكيد ، وكان مقتضى الظاهر أن يقال : وهو قادر علىذلك ، ولكنه جعل صدر الجملة اسم الجلة تربية للمهابة ، وكأنَّ فيه إعلامًا بأنه متجلٍّ بكل الصفات التلى يجمعها اسم الجلالة " الله" في إيقاعه ذلك المهدد به عليهم ن فوضع الظاهر موضع الضمير فيه استحضار لما يدل عليه ذلك الاسم الظاهر ، وفي تقديم المتعلِّقِ:" على كلِّ شيءٍ " على المُتَعَلَّقِ به :" قدير " تناغ نغمى بين آخر الآية التى قبلها :" قليل" وآخر هذه الآية :" قدير" وزنا وجرسًا ، والتنغيم رافد من روافد الإبانة عن المعانى ، فلا تسْتهِنْ به ، وإن عجزت عن استشعاره ، فلعلك يومًا تذوقُ فتعرفُ
وفي هذا التقديم أيضًا تأكيد معنى الاقتدار على كلِّ شيءٍ ، فإنَّك إذا ما سمعت قوله :" والله على كلِّ شيء" ثم لم يصل إلى سمعك قوله :" قدير" تطلعت إلى الخبر ما يكون ، فيأتيك ، وأنت المتطلع إلى أن تعرفه من بعد أن ملأ سمعك وقلبك بالتهديد والوعيد الذي فاضت به الجمل السابقة ، فيستقر المعنى في قلبك ويقيم فيه 0
ولم يأت في القرآن الكريم تقديم " قدير" على متعلِّقه :" على كلِّ شيءٍ" ولم يأت هذا التركيب في غير الفواصل
وقد جاء في القرآن الكريم خمسًا وثلاثين مرة : جاء مطلقًا في ثلاث وثلاثين مرة ( على كلِّ شيءٍ قدير" ومرة واحدة :" وكان الله على ذلك قديرًا" {النساء : 133} وأخرى :"وأنَّ الله على نصرهم لقدير" {الحج:39}
والغالب على اسمه " قادر" أن يتقدَّمَ على المتعلِّقِ به 0
وفي اصطفاء اسمه :" قدير" على " قادر" دلالة على الإبانة عن إبلاغه في تحقيق الفعل وكمال إيجاده ، وأن ذلك ثابت لازم له جلَّ جلاله
*******
? (إلا تنصروه فقد نصره الله )(1/115)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جملة شرط بنيت على (إن) التى هي أم أدوات الشرط ، وإذاما كان علماء البيان يقولون: إنَّ "إنْ" الأصل فيها أن تكون فيما لايجزم بوقوعه أو عدم وقوعه من فعل الشرط ، وذلك في لسان العرب
وأنت إذا ما جئت للنظر في موقعها في بيان الله تعالى جدُّه ، فما يكون لك أن تقول إن الله تعالى جدُّه لايجزم بوقوعه أو عدمه وقوعه ، كما تقول في بيان الناس ، ولكنا نقول إن الله تعالى جدَُّه إذ يأتى في بيانه هو غير محكى عن أحد من خلقه يفهم من ذلك الإتيان بـ"إنْ" حثُّه من يخاطبه على أن يفعل ما يغريه به ، أو يحثه على أن يكف عما لايليق به ، ويحمل هذا الحث معه معنى التحذير والتهديد ما تنخلع له أفئدة العارفين لطائف البيان الإلهي الحكيم ،فهو دالٌ على أنَّ نصره ليس بالمتوقف على مناصرتهم له ، فإنه المستغنى عن ذلك ، فشواهد الحال قائمة بين أعينهم وفي آذانهم لم تمسها يد العفاء فتنسى فهو كما يقول " الطبري " في تفسيره :"إعلام من الله تعالى أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم، أعانوه أو لم يعينوه، وتذكير منه لهم فعل ذلك به، وهو من العدد في قلة والعدوّ في كثرة، فكيف به وهو من العدد في كثرة والعدوّ في قلَّة؟ "
فهذه الأداة (إنْ) دخلت على فعل منفي ، فأدغمت " النون" في "لام" (لا) النافية، وجاء النفى بـ" لا" من دون " لن" أو " لم" يظهر لي فيه أمران :
الأول :استحضار الشرط في كل زمان يقع فيه النفي أي أن هذا الحكم المترتب على تحقق عدم نصركم له ليس خاصًا بهذه الواقعة : غزوة العسرة بل هو ممتد، فـ" الألف" في "لا" تشعر بهذا الامتداد ، وفي هذا إيناس عظيم لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم
الآخر : الإيحاء بعدم الجزم بأنَّ عدم النصر واقع منهم ، فلا يفهم أحد أن ذلك الترك مقطوع بوقوعه منهم فيتعلل بالقدر(1/116)
فاجتمع الإغراء بالإقدام على المناصرة من رافدين " (إن) من دون (إذا) و(لا) من دون (لن) أو (لم)
وجاء البيان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالضمير من غير أن يتقدم تصريح باسم الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو نعته إلا في آية سبقت هذه بست آيات (ي:33) فهو يرجع إلى ما يرجع إليه الضمير في ( لاتضروه شيئا) عند من يقول إن المراد به رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فهو مستحضر في قلب التالى أو المخاطب، أو ينبغي أن يكون مستحضرًا لايفتقر إلى أن يصرح له بذكره ، وفي هذا حمل المتلقى إلى أن يقيم في نفسه سياق الكلام حتى تتبين له المعانى ، فلا يضلُّ ، فيغبن نفسه حقها، فكأن المعنى :" إلاَّ تنصروا من أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون فسينصره الله تعالى جدُّه 0
وكأنَّ قوله تعالى :" هو الذي أرسل رسوله بالهدى0000" رأس معنى ممتد يبنى عليه ما يأتى من البيان في شأن غزوة العسرة وما تعلق بها 0
وجواب الشرط محذوف تقديره إلا تنصروه فسينصره الله تعالى جدُّه وأقيم مقام الجواب المحذوف دليله ( فقد نصره الله )، وهذامن بديع الإيجاز
ولو قيل في غير القرآن الكريم :إلا تنصروه فسينصره الله فقد نصره إذ أخرجه لما فهم منه أن " السين " التى في " سينصره" حاملة ما تحمله : قد" في " قد نصره" من التحقيق لكنه لما أقام ( قد نصره الله" مقام "سينصره" دلَّ ذلك على كمال تحقق نصر الله تعالى له ، فكان فيه جمع من الدلائل على تحقق نصر الله تعالى له : " قد" و الفعل الماضى وإسناد الفعل إلى اسم الجلالة " الله" فإسناد الفعل إليه تعالى جدُّه يحمل إلى قلب المسلم فيضًا من اليقين بتحقق ما أسند إلى اسمه جلَّ جلاله 0(1/117)
ويفهم من إقامة (فقد نصره الله) مقام (سينصره) أن نصره حينئذٍ أي حين ترغبون عن نصره سيكون من بابة نصره إذ أخرجه الذين كفروا ، وهم يعلمون كيفية نصره حين ذاك فقد كان من قبيل المعجزة المدهشة التى تقف أمامها العقول في غاية من الإبلاس 0
وفي هذا عظيم إيناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وعصمة قلبه من أن ينشغل بتصرفات أحد من الخلق ، فلا يتطلع إلى إقبال أحد أو انصرافه إلا بمقدار إشفاقه عليه لاخوفه على دين الله عز وجل ، فهو الذي قد رسخ في قبله في بدء الدعوة قول الله تعالى له في سورة " الضحى" : " وللآخرة خير لك من الأولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى" وهذا من مزيد حب الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ،إذ يريد أن يكون قلبه منصرفًا إليه وحده غير مشغول بشأن أحد من خلقه 0
? وفي قوله:" إذ أخرجه الذين كفروا " بيان عن الحمل على الإخراج
بما قابلوه وأصحابه به من التعذيب والتكذيب مقام الإخراج ، وفي هذا إعلام بأن من يكون منه ما يحمل على وقوع شيء هو في الحقيقة فاعل ذلك الشيء ، وهذا يفهم منه أهل الفراسة أن من يقع منه ما يكون سببًا لما لايحب الله تعالى جدُّه ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يكون فاعلا لذلك الفعل وإن لم يباشر ذلك الفعل بنفسه ، وهذا يحمل تهديدًا لمن تثاقل ورغب عن النفارفي سبيل الله تعالى وقد بينت السنة هذا بيانا جليًّا :
" من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله " {مسلم: إمارة حد:133/1893}
ويؤخذ من هذا أن من دلَّ على شر فله جزاء مثل فاعله ، فلو عقل الناس هذا لما أقاموا أنفسهم مقامًا يغرى غيرهم بالوقوع فيما لايرضي الله عز وجلَّ ، لإنَّ الله عز وجلَّ قد هدى إلى أن من أضلَّ غيره فإنه يحمل وزره ووزر من أضلَّه ، يقول جلَّ جلالُه( النحل: 24-25):(1/118)
" وإذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أسَاطِيرُ الأوَّلينَ * لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِالَّذينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِعِلْمٍ أَلاسَاء مَا يَزِرُونَ "
وفي البيان عن فاعل الإخراج باسم الموصول إعلام بأنَّ الوصف المنادى عليهم به " كفروا" هو الحامل لهم على ما اقترفوا في حقِّ من هم على يقين بأنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خير من رأت أعينهم وأعين آبائهم وأجدادهم ، ولكنهم كفروا بذلك كله وكفروا بما جاءهم به من الذكر والشرف " وإنَّه لذكر لك ولقومك "
حملهم كفرانهم على أن يقترفوا في حقه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما اقتضاه أن يخرج من أحبِّ بلاد الله تعالى جَدُّه إليه ، فودعها قائلا : لولا أنَّ قومك أخرجونى منك ماخرجت 0
وكأنِّي أستشعر من البيان بقوله " الذين كفروا " تهديدًا وتحذيرًا " لمن تقاعس وتثاقل فلم يرغب في النِّفار إلى الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأنَّ في موقفه هذا شائبة كفر أي تغطية لما يعلم من شأن الداعي له إلى جنة عرضها السموات والأرض وتغطية لما يوقن به أنه العَلِىُّ الأعظم مما يرغب إليه من متاع الحياة الدنيا، فكأنَّه بهذا قد شاكه وضارع بعضًا مما فعل أهل مكة برسول الله صلى الله علي وآله وصحبه وسلَّم ، وتلك التى ينخلع منها قلب كل ذي لب(1/119)
ولم يذكر البيان القرآني الكريم ما أخرج منه ، فلم يقل : أخرجه الذين كفروا من أم القرى مثلا ، لأنَّ ذلك كالمتعين الذي لايغيب عن عقل ، وكأنَّ في هذا أيضًا إلاحَةً إلى أن ما أُخْرِجَ منه : "أم القرى" هو عنده الأرض كلها فهم بهذا كأنهم أخرجوه من الأرض كلها وفي هذا تفظيع لما اقترفوا ،وبيان لما لحق به صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الأذى بذلك الإخراج 0وفي هذا عبرة لنا أنَّ أخراج أبناء صهيون والصليين والملحدين الآن إخواننا المسلمين من أوطانهم فيه من الأذى ما فيه وإن أخرجوا على متن المتاع والتكريم ، فكيف وقد أخرجوا من ديارهم ممزقة أعراضهم مسفوحة دماؤهم منهوبة أموالهم مسحوقة كرامتهم 0
وإذا ما كان سيدنا " عمر بن الخطاب " رضي الله عنه كان يستحث الناس على أن يعلموا رجالهم سورة "التوبة" ونساءهم سورة "النور" ، فإننا في زماننا هذا أحوج ما نكون إلى ان نعلم أبناءنا سورة "التوبة" وسورة "محمد" وسورة "الممتحنة " رجالا ونساء ، فإننا لمفتقرون افتقارًا جَدَّ عظيم إلى أن نعى بعضًا مما تهدي إليه هذه السور الثلاث : سور الانتصار لعزة الإسلام والمسلمين ، ولعلَّ الله عز وجلَّ يعين على حسن فقه تلك السور يومًا 0
وفي قوله :" ثانى اثنين" بيان للحال ، وإشارة غلىأن ذلك النصر المؤزر لم يكن بسبب من كثرة عدد أو عدَّة معهودة في النَّاس بل ذلك من الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه ولو كره الكافرون ، فهذه الحال ( ثاني اثنين) ناظرة إلى الآية الثالثة والثلاثين 0( )
وفي قوله ( ثاني اثنين) عظيم تكريم لأبي بكر الصديق ليس لأحد من ألأمة مثله ، فكفاه فخرًا أن جعل الله تعالى جدُّه نبيه ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ثانيه(1/120)
فالعدول عن " أول اثنين " أو أحد اثنين" إلى " ثانى اثنين" فيه من بعد تكريم " الصديق " رضي الله عنه إغراء للصحابة أن يكونوا معه فذلك شرفهم ،وتحريضٌ لمن أَخْلَدَ إلى الأرضِ ،وأَعْرَضَ عن النِّفارإلى الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فمن فقه معنى التكريم للصديق رضي الله عنه بقوله تعالى " ثانى اثنين " لايعدل بصحبة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أو بسنته شيئا أبدًا
وقد جاء في السنَّة أنه رضي الله عنه سيكون صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على الحوض يوم القيامة، وكأنه جزاءٌ له على ما كان من صحبته له فقد الغار ، فإنَّ الرواية لتجمع بينهما :
روى الترمزي في كتاب المناقب من جامعه بسنده عن " ابن عمر" :" انَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال لأبي بكر :" أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ وصاحبِي في الغار" {ح:3670}
وفي قوله " إذْ هُمَا فِي الغَار" ما يفيد أنَّه كان نصر الله عز وجلَّ له في إخراجهم له ، وكان له نصر آخر في الغار ، فهما نصران لم يكن لأحد من الخلق أدنى سبب في تحققه
? وفي قوله" إذْ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا " ما في قول تعالى
جدُّه : " إذ هما في الغار " من إفادة تجدد النصر لهما في تلك الأحوال
قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لصاحبه ما قال و من معدن النصر الذي كان من الله تعالى له ، فالتثبيت في الشدائد دعامة عظمى من دعائم النصر من حرمه فقد حرم النصر المقيم 0
هذه أنواع متعدد من النصر لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
ولصاحبه الصديق رضي الله عنه
? وقوله :" لاتحزن " جملة طلبية يُثَبِّتُ بها النبيُّ صلى الله عليه وآله
وصحبه وسلم قلبَ صاحبه الصديق رضي الله عنه الذي ما كان حزنه لنفسه بل على امر متعلق برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم 0
وإذا ما نظرنا أمقتضى الظاهر أن يقول له :لاتخف أم لاتحزن ؟(1/121)
بين الخوف والحزن فرق : الخوف هَمٌّ يأخذ القلب من أمر متوقع لم يأت ولايعلم شأنه ، والحزن هَمٌّ يأخذ القلب من أمر قد مضى أمره ، فالمرء يحزن على مافاته ،ويخاف مما يستقبله ، فظاهر الحال أن يقول له : لاتخف ، فإنه كان يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من أن يأخذه الطلب فقد جاء في البخاري من كتاب " المناقب" و مسلم من كتاب الزهد في باب حديث الهجرة : "..... ثُمَّ قال :" ألمْ يأْنِ الرحيلُ ؟ قلتُ : بلى 0 قال : فارتحلنا بعد ما زالتِ الشمسُ ،واتَّبَعضنَا سراقةُ بنُ مالكٍ 0 قال ونحن في جَلَدٍ من الأرضِ 0 فقلتُ : يارسول الله ! أُتِينَا 0 فقال:" لاتحزن إنَّ الله معنا " فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فارتطمت فرسُه إلى بطنها ...."
وفي رواية للبخاري :"... فقلت هذا الطلب قد لحقنا يارسول الله 0 فقال:" لاتحزن إنَّ الله معنا " (ح: 3652)
وفي رواية لأحمد :" ... قال : فارتحلنا والقوم يطلبوننا ، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جشعم على فرس له ، فقلتُ : يارسولَ الله هذا الطلب قد لحقنا ، فقال :" لاتحزن إنَّ الله معنا حتى إذا دنامنا ، فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة قال: قلت: يارسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيتُ 0 قال: لم تبكى ؟ قال : قلتُ : أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك ...." {مسند أحمد ج1ص2}(1/122)
لعل البيان بكلمة " لاتحزن" ناظر إلى ما قام في صدر الصديق من أنه حسب أنَّه قصَّر في الاحتياط لسلامة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فيسلك به ما لايكون لأحد أن يتوهم أنهما سالكاه من الطرق ، فلا يلقاهما ما لقيهما ، فحزنه على حسبانه التقصير في ما فاته من الآحتياط ، فهو هَمٌّ لما انقضى من الأمر ، فدله الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أنَّ الأمر ليس بالموكول إلى اجتهاده في الحيطة حتى يلوم نفسه ويحزن بل الأمر كله لله رب العالمين وهو معهما ، فلايحزن على ما حسبه تقصيرًا منه في الوفاء بحق كمال الحيطة 0 ذلك وجه وأخر:
أنَّه نظرإلى مآل الحال وليس إلى مبدئه : مبدأُ الحال خوف مما قد يلحق نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من الأذى إذا ما لحقهما الطلب ، وهذا يورث حزنا على ماينزل به ، ومن ثَمَّ كان البكاء كما في رواية " الإمام أحمد " 0
وأنت ترى أنَّ قول نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه :" لاتحزن إنَّ الله معنا " لم يكن وهو في الغار كما جاء في كتب السير والتفاسير بل كان من بعد ذلك ، وهذا مايدل عليه البيان القرآني الكريم إذ يقول :" إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين"
" إذ هما في الغار "
" إذ يقول لصاحبه لاتحزن إنَّ الله معنا "
فهذه أوقات ثلاثة كان في كلِّ واحدة منها نصر معجز لنبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم 0وهذا يجعلنى متوقفًا في أمرين :
الأول : في أن (أذ ) في قوله ( إذ هما في الغار) بدلٌ من (إذ) في( إذ أخرجه...) وكذلك ( إذ) في ( إذ يقول ...) فهذه أوقات متغارية لكل واحد منه نصره المعجر المختلف في طريقته وأداته
إنى أراه منسوقا على سبيل التعديد الذي لايفتقر إلى رابط خارجي من حروف النسق 0
الآخر : الأخذ بما قال به بعض المفسرين وأصحاب السير من أن هذا القول ( لاتحزن...) كان في الغار
يقول " ابن جرير الطبري " في تفسيره جامع البيان ":(1/123)
" ...(إذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) يقول: إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لصاحبه أبي بكررضي الله عنه : (لا تَحْزَنْ ) وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما، فجزع من ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ تَحْزَنْ لأنَّ اللَّهَ مَعَنا، واللَّه ناصِرُنا، فَلَنِ يَعْلَمَ المُشْرِكُونَ بِنا، وَلَنْ يَصِلُوا إلَيْنَا...." اهـ
فهذا دالٌّ على أنَّ " الطبري" يذهب إلى أن قوله :" لاتحزن إنَّ الله معنا" قد كان في الغار ، والأحاديث دالة على أنه كان في طريقهما إلى المدينة النبوية ، إلا إن قيل إن ذلك قد تكرر في الموضعين ، ولا دليل على ذلك التكرير 0
والذي كان في الغار قوله :" ماظَنُّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما " وليس (لاتحزن إن الله معنا) جاء في صحيح البخاري من باب فضائل المهاجرين
" عن أنسٍ عن أبي بكر رضي الله عنه قال : قلت للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأنا في الغار : لو أنَّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا 0 فقال : ما ظنك ياأبابكر باثنين الله ثالثهما " وكأنى ما اشتهر في كتب السير إنما هو من تداخل الروايات عندهم ، والأعلى تحرير مقال كل موطن 0
وفي قوله ( إنَّ الله معنا) توكيد اقتضاه جلال المقام ، ولم يقتضِه مثقال ذرة من الشك أو ما دونه في حال " الصديق " رضي الله عنه ، فهو أجلُّ من أن يفتقر في أحرج المواطن إلى أن يؤكد له الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ما يخبره به ، أليس هو القائل في شأن الإسراء وقد أخبر به : "إن كان صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قد قال فقد صدق " 0
كلمة لاينطقها إلا لسان الصديق في مثل هذا المقام(1/124)
التأكيد هنا كمثل التأكيد في خطاب الله تعالى جدُّه لرسوله صلى الله عليه وآله صحبه وسلم في بعض مواطن البيان القرآني الكريم يقتضيه حال المعنى والغرض وجلال المقام ، فكم من معنى لايكون المخاطب به إلا خالى الذهن كما يقول البلاغيون ، ولكن لجلاله وجلال مقامه وعلو منزلته وأهميته يأتى تأكيده بكثير من المؤكدات ، فمسالك التأكيد ومقتضِياته في القرآن الكريم ميدان تدبر وسيع فسيح لايكاد يُحاط به ، وما هو بَيْنَ أيدينا منه في أسفار البلاغيين والمفسرين إن هو إلا نزير من كثير 0
والمعية في هذه الآية إنما هي معية مناصرة ومؤزرة ورعاية ، وليست معية اختلاط وحلول تعالى الله عما يقول المشبهون والضالون علوًا كبير ن فالحق الذي نؤمن به ونعقد عليه قلوبنا هو ما عليه سلفنا الصالح من أهل السنة والجماعة من أن الله عز وجلَّ مع عباده معية إحاطة وعلم وقدرة وسمع وبصر وتربية .... وغير ذلك مما تفيض به ربوبيته مع علوه جل جلاله على عرشه فوق جميع العالمين ، فليس في الاية ادنى تاويل ؛لأنَّ من فقه بيان العربية علم أنَّ المعيَّة فيه ليست تعنى المخالطة بل تعنى المصاحبة وهي تتسع مجالاتها ولاتنحصر في المصاحبة الحسية ، فيفسرونها بحسب مقاماتها ،واختلاف صنوف الدلالة الواحدة باختلاف السياق والمقام لايكون من قبيل التأويل أو صرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه ( )
ـــــــــــــــــــــــــ
( ) يقول الطبري في تفسيره قول الله تعالى ( والله مع الصابرين ){البقرة :153} ".....عن الربيع ... "وأما قوله: إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فإن تأويله: فإن الله ناصره وظهيره وراض بفعله، كقول القائل: افعل يا فلان كذا وأنا معك، يعني إني ناصرك على فعلك ذلك ومعينك عليه.
ويقول في قوله تعالى ( والله مع الصابرين ) {البقرة:249}(1/125)
"وأما قوله: وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فإنه يعني: والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته، وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادّين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه. وكذلك يقال لكل معين رجلاً على غيره هو معه بمعنى هو معه بالعون له والنصرة
ويقول في قول الله تعالى( وقال الله إنى معكم ...) المائدة:12
يقول الله تعالى ذكره وَقالَ اللّهُ لبني إسرائيل إنّي مَعَكُمْ يقول: إنى ناصركم على عدوّكم وعدوي الذين أمرتكم بقتالهم إن قاتلتموهم ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم......."ويقول في قول الله تعالى (وإن الله لمع المحسنين ){العنكبوت :69}وَإنَّ اللّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ يقول: وإن الله لمع من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مُصَدّقا رسوله فيما جاء به من عند الله بالعون له، والنصرة على من جاهد من أعدائه.
ويقول في قول الله تعالى : والله معكم) {محمد 35}وَاللَّهُ مَعَكُمْ يقول: والله معكم بالنصر لكم عليهم. >>>>>>>
.
ولعل في قوله تعالى من بعد ذلك : " فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ...." تفسيرًا لصورة من المعية الربانية ، فإن للمعية الربانية صورًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
<<<<< " ويقول في ( وهومعكم أينما كنتم ) {الحديد : 4}وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَما كُنْتُمْ يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع ...."
********
ويقول الحافظ البيهقي (458هـ) في كتاب الأسماء والصفات (ص:430)
"... ثنا معدان العابد : سألت سفيان الثوري عن قول الله عز وجلَّ ( وهومعكم ) قال علمه "....
".... عن عن الضحاك قالكط ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هورابعهم ولاخمسة إلا هو ساديهم" قال : هو الله عز وجل على العرش ، وعلمه معهم"..........
" وهومعكم أينما كنتم" يعنى قدرته وسلطانه وعلمه معكم أينما كنتم " اهـ
********(1/126)
ويقول " ابن تيمية" : " ليس معنى قوله :" وهومعكم" أنه مختلط بالخلق ، فإنَّ هذا لاتوجبه اللغة ، وهوخلاف ما أجمع عليه سلف الأمة ، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق ....... وهوسبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع إليهم إلى غيرذلك من معانى ربوبيته 0
وكل هذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه من أنه فوق العرش وأنه معنا حق على حقيقته لايحتاج إلى تحريف ، ولكن يُصانُ عن الظنونِ الكاذِبةِ 0000
(مجموع الفتاوى :3م142)
ويقول في الفتوى الحموية الكبرى :" إنَّ كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت ، فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة يمين أو شمال ، فإذا قيدت بمعنى من المعانى دلت على المقارنة في ذلك المعنى ، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو النجم معنا 0 ويقال : هذا المتاع معى لمجامعته لك ، وإن كان فوق رأسك ، فاله مع خلقه حقيقة ، وهوفوق عرشه حقيقة 0
ثمَّ هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد ، فلما قال : ( يعلم ما يلج في الرض وما يخرج منها ) إلى قوله( وهومعكم أينما كنتم ) دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم ، شهيد عليكم ومهيمن عالم بكم ،
وهذا معنى قول السلف : إنه معهم بعلمه ، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته
وكذلك في قوله :( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم )إلى قوله
( هو معهم أينما كانوا ) الآية 0ولما قال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لصاحبه في الغار( لاتحزن إن الله معنا ) كان هذا أيضًاعلى ظاهره ، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد 0
وكذلك قوله تعالى ( إن َّ اللهَ معَ الذينَ اتقوا والذينَ همْ محسِنونَ) وكذلك قولُه لموسى وهارون
( إنّنِي معكُما أَسْمَعُ وَأَرى ) هنا المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتاييد .............
>>>>>>>>>(1/127)
لاتتناهى، ولعل في هذا ما يؤنس ورثة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: العلماء الدعاة إلى الله رب العالمين ، فإن تخلى عنهم كل من حولهم فلهم أسوة حسنة فيما كان من شأن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وَتَدَبُّرُ الآياتِ الآخيرةِ من سورة النحل والآيات الأولى من سورة العنكبوت يفتح أبوابًا من اليقين والمثابرة في قلب الداعية إلى الله رب العالمين 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
<<<<<<<
فلفظ " المعية" قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورًا لايقتضيها في موضع الاخر ، فأما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها ،وإن امتاز كلّ موضع بخاصية ، فعلى التقديرين ليس مقتضاا أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق حتى يقال قد صرفت عن ظاهرا " اهـ ( مجموع الفتاوى :5/103-104)
وقال في رسالة : الجمع بين العلو والقرب :
" والمعية معيتان : عامة وخاصة 0 فالأولى كقوله ( وهومعكم أينما كنتم) والثانية كقوله(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) إلى غير ذلك من الآيات 00000
فكل من قال : إن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة 00000
سلف الأمة وائمتها : أئمة العلم والدسين من شيوخ العلم والعبادة 000 أثبتوا وآمنوا بجميع ما جاء به الكتاب والسنة كله من غير تحريف للكلم 0 أثبتوا أن الله تعالى فوق سماواته ، وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون ، وهو أيضًا مع العباد عموما بعلمه ومع انبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية ، وهو أيضًا قريب مجيب ، ففي آية النجوى دلالة على أنه عالم بهم 00000
وقال في شرح حديث النزول :لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة 0000(1/128)
ثبت عن السلف أنهم قالوا : هو معهم بعلمه ، وقد ذكر " ابن عبد البر" ةغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولم يخالفهم فيه أحد ممن يعتد بقوله ، وهومأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم 00000
قال " ابن عباس " في قوله تعالى :" وهومعكم أينما كنتم " قال هو على العرش وعلمه معهم 0
وروي عن سفيان الثوري أنه قال:" علمه معهم 000000000000
وقد بسط الإمام أحمد الكلام على معنى المعية في الرد على الجهمية ،
ولفظ " المعية " جاء في كتاب الله عاما كما في هاتين الآيتين ، وجاء خاصًا كما في قوله : (إن الله مع الذين اتقوا والذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) وقوله( إنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) وقوله ( لاتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ معنا) فلو كان المراد انه بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص ، لإغنه قد علم ان قوله ( لاتحزن إنَ الله معنا) أراد به تخصيصه وأبابكر دون من عداهم من الكفار 0 ...
? وفي قوله: ( فأنزل الله سكينته عليه ) دلَّ الإنزال على بركة ماأُنْزِلَ
فإنَّ ما كان من أعلى من النعم الشأنُ فيه أنَّه الطَّيِّبُ الأكرمُ ، وكذلك أنت واجده في الثمر ما علا كان أطيب ، ، وإسناد الفعل إلى اسم الجلالة الجامع لمعانى أسمائه الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم إشارة إلى كمال الإنزال وكمال ما أُنْزِلَ وكمالِ مَنْ أُنْزِلَ عليه
والضمير في ( عليه) يحتمل عوده إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فيكون متوائمًا مع ما يرجع إليه الضمير من بعد في قوله ( وأيده بجنود لم تروها ) وللضمير في ( إذ يقول )
ويحتمل أن يعود إلى ما يعود إليه الضمير في (لاتحزن) وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه المعبر عنه في الآية بصاحبه ، وهذا ما قال به بعض أهل العلم منهم سيدنا " ابن عباس" ( )
لِننظرْ أولاً في مواطن النصر المعجز المذكورة في الآية وهي ثلاثة:(1/129)
موطن الإخراج من مكة ، وموطن الاختباء في الغار ،ثم موطن لحوق الطلب في الطريق وقوله لصاحبه : لاتحزن إن الله معنا 0
ولننظر فيما رتب على هذه الثلاثة نجدها أيضًا ثلاثة أشياء : إنزال السكينة ،والتأييد بجند وجعل كلمة الذين كفروا السفلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) يقول " ابن عطية" : " قال حبيب بن أبي ثابت: الضمير في " عليه" عائد على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلملم يزل ساكن النفس ثقة بالله عز وجل 0" {المحرر:8/187
ويقول " البقاعي" :" ( عليه) أي الصديق ـ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ لأنّ السكينة لم تفارق النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم "{نظم :3/321}
ويقول : " الألوسي" : (عليه) أي على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم 0 وأخرج ابن إبى حاتم ،وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للصاحب ، وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت نحوه ، وقيل وهوالأظهر ، لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لم ينزعج حتى يسكن ، ولاينافيه تعين ضمير( وأيد بجنودلم تروها ) له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لعطفه على ( نصره الله) لاعلى ( أنزل) حتى تتفكك الضمائر على أنه إذا كان العطف عليه كما قيل به يجوز أن يكون الضمير للصاحب أيضًا ،كما يدل عليه ما أخرجه " ابن مردويه" من حديث أنس ان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه :" يا أبا بكر إنَّ الله تعالى أنزل سكينته عليك وايدك " إلخ ، وإن أبيت ، فأي ضرر في التفكيك إذا كان الأمر ظاهرًا
واستظهر بعضهم الأول ،وادعى أنه المناسب للمقام ، وإنزال السكينة لايلزم أن يكون لدفع افنزعاج بل قد يكون لرفعته ونصره صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم 0أهـ ( روح المعانى :ج10/98)(1/130)
أيمكن القول إن كل واحد من هذه الثلاثة الممثلة لصور النصر المعجز عائد إلى واحد من مواطن النصر ايضًا على سبيل الترتيب فيكون الأول للأول ....إلخ أو العكس او التهويش إن صح القول به في القرآن الكريم أم أن الثلاثة كائنة في كلِّ موطن ؟
الذي أستشعره أن القول بأن الثلاثة كائنة في كل موطن من مواطن الابتلاء هو العلِيُّ ، فقدكان له صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من السكينة ومن التأييد ومن جعل كلمة الذين كفروا السفلى في كل واحد من هذه المواطن الثلاثة : الإخراج من مكة ، والإختفاء في الغار ، وملاحقة الطلب لهما في الطريق إلى اطيبة الطيبة وإن بدا لك أن بعض صور النصر المعجز أظهر من بعض في موطن منها في موطن آخر من الثلاثة المواطن ، وانها إن تحققت جميعها في كل موطن ، فليست سواء في الظهور في كل موطن منها فهو تفاوت ظهور لاتفوات تحقق ، وهذا ما لايكاد يغيم عنك إن تبصرت كل موطن من مواطن الابتلاء الثلاثة وما كان فيها من النصر المعجز 0 ( )
ـــــــــــــــــــــ
( ) للطاهر بن عاشور مقال في هذا ، يقول :
" ... تقدير الكلام : فقد نصره الله ، لإانزل السكينة عليه ،وأيده بجنود حين أخرجه الذين كفروا ، وحين كان في الغار ، وحين قال لصاحبه : لاتحزن إن الله معنا ، فتلك الظروف الثلاثة متعلقة بفعل " نصره" على الترتيب المتقدم ، وهي كالاعتراض بين المفرع عنه والتفريع 0
وجاء نظم الكلام على هذا السبك البديع للمبادأة بالدلالة على أن النصر حصل في أزمان وأحوال ما كان النصر ليحصل في أمثالها لغيره لولا عناية الله به ، وأن نصره كان معجزة خارقًا للعادة 0
وبهذا البيان تندفع الحيرة التى حصلت للمفسرين في معنى الآية حتى أغرب(1/131)
كثير منهم ، فأرجع الضمير المجرور من قوله " فأنزل الله سكينته عليه " إلى أبي بكر مع الجزم بأن الضمير المنصوب في " أيدهط راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فنشا تشتيت الضمائر ، وانفكاك الأسلوب بذكر حاة أبي بكر مع انَّ المقام لذكر ثبات النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وتأييد الله إياه ، وما جاء ذكر أبي بكر إلا تبعًا لذكر ثبات النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
،وتلك الحيرة نشأت عن جعل " فأنزل الله" مفرعا على " إذ يقول لصاحبه لاتحزن" وألجأهم إلى تأويل قوله " وأيده بجنود لم تروها " إنها جنود الملائكة يوم بدر ، وكل ذلك وقوف مع ظاهر ترتيب الجمل مع الغفلة عن أسلوب النظم المقتضِي تقديمًا وتأخيرًا" أهـ
وهذا من الطاهر وجيه 0
الضمير ـ إذن ـ فيما أذهب إليه راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، والقول بأن الضمير في (أنزل السكينة عليه) راجع إلى الصديق من أن السكينة لم تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وأنه لم يزل ساكن النفس ثقة بالله تعالى جده ، إنما هو ناظر إلى " السكينة " التى هي بمعنى سكون النفس وثباتها أمام البلاء وهذا قد يكون لغير النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وذلك ماتراه في مثل قوله تعالىجده في سورة الفتح :" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا "
وقوله:" فأنْزلَ السَّكينَةَ عَليْهِم وأَثابَهُم فَتْحًا قَرِيبًا "
على أنَّه قد جاء في الذكر قول الله تعالى :
" وكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَك "{هود:120}
" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَليْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا"{الفرقان: 32}(1/132)
فإذا قلنا إن في السكينة تثبيتًا للفؤاد ، فقد نسب إليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ذلك ، وقد جاء في الذكر الحكيم ما يدل على نسبة السكينة إليه :
" لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي موَاطِنَ كَثِيرةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكثمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحثبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ {*} ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمثؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهضا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وذَلِكَ جَزَاءُ الْكَفِرِينَ "{التوبة: 25-26}
" إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبهُم الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةَ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلى الْمُؤمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا "{الفتح: 26}
والبقاعي وهو ممن جعل الضمير في ( فأنزل الله سكينته عليه ) راجعًا إلى الصديق أبي بكر ؛ لأنَّ السكينة لم تفارق النبي صلى الله عليه وآله صحبه وسلم يقول في آية التوبة قبلها (ي:26) :
" سكينته " أي رحمته ، وهي الأمر الذي يسكن القلوب عن أن تتأثر بما يدهمها من البلاء من الوثوق به سبحانه ومشاهدة جنابه الأقدس والغناء عن غيره......."على رسوله" أي زيادة على ما كان من السكينة التى لم يحزْ مثلها أحد....ولعل العطف بـ" ثم " إشارة إلى علو رتبة ذلك الثبات ،واستبعاد أن يقع مثله في مجاري العادات " وعلى المؤمنين" أي أمَّا مَنْ كان منهم ثابتًا فزبيادة على ما كان له منذلك ، وأمَّا غيره فأعطي ما لم يكن في ذلك الوقت له...."(1/133)
فإذا ما كان ذلك فما الذي يمنع أن تكون السكينة التى نزلت على نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم زيادة على ما كان عنده منها ، ولا سيما أنه كان في منتصف طريق الدعوة وهو فرد ، والتى في " حنين" كانت في آواخر الدعوة وهو في جمع ، فأي الحالين أولى بالزيادة ، ثمَّ إن الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مفتقر إلى مزيد من التثبيت والسكبينة والقرب الذي لاتتناهى درجاته ومنازلها ، فليست السكينة ذات حد ينتهى إليه لنقول إن نبي الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قد انتهى إليه ، ولايفتقر إلى مزيد ، وإن من صور السكينة العلم ، وقد أمره الله عز وجل بأن يدعو ربه تعالى بالمزيد منه ( وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) {طه:114} ولا تكون سكينة إلا من علم محقق ، فهو معدن السكينة 0
وقد يقال إنَّ السكينة التىنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في هذه المواطن مما هو خاص بالأنبياء0
يقول " ابن عطية":" والسكينة عندي إنما هي ما ينزله الله على أنبيائه من الحياطة لهم والخصائص التى لاتصلح إلا لهم " (8/187)
والذي يعلى إرجاع الضمائر إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن السياق للكلام في نصرته هو ، وليس السياق للكلام في شأن ألصديق ، وما جاء الحديث عن الصديق هنا إلا استصحابًا ، فالكلام غير مسوق إليه بالقصد الأول الرئيس ، فيكون مآل المعنى على هذا:
إلا تنصروه بالنفار إلى الجهاد في سبيل الله فسينصره الله فيما حرضكم على النفارإليه فإنه قد نصره الله تعالى جدُّه من قبل ،وهو في غير ما عدد ولاعدَّةٍ في ثلاثة مواطن : إخراجه من مكة ، واختفاؤه في الغار ثاني اثنين ، وقوله لصاحبه عند لحوق الطلب لهما في الطريق : لاتحزن إن الله معنا
ثُمَّ بَيَّنَ الله تعالىالنصر الذي كان منه له في تلك المواطن بقوله أنزل السكينة عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وأيَّده بجنود لم تروها ، وحعل كلمة الذين كفروا السفلى 0(1/134)
ويذهب بعض أهل العلم منهم " أبو حيان الأندلسي" في تفسيره " البحر المحيط " إلى أنه يصح ان يكون الضمير في ( عليه) راجعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وإلى صاحبه الصديق رضي الله عنه معًا ن وأفرد لتلازمهما ، فيكون لكل منهما ما يخصه من السكينة التى تتلاءم مع منزله من القرب ، ويؤيده أنَّ في مصحف " حفصة" رضي الله عنها :" فأنزل الله سكينته عليهما وأيدهما ... "
تبين لك من هذا وجه نظم التراكيب في هذه الجمل القرآنية الكريمة ، واحتمالات التأويل التى يمكن أن يذهب إليها من خلال مناهج النظم البيانى للمعنى القرآني في هذه الجمل القرآنية الكريمة وهذا من حاق النظر البلاغي في البيان القرآني
0000000
? وعَطَفَ قولَه ( أيده بجنود لم تروها) على قوله ( أنزل الله سكينته(1/135)
عليه) بيانًا لأنَّه من جملة ما نصره الله تعالى جدُّه به وليس من عدد ولا عدة من الأصحاب والأتباع ، فكأنَّ في هذا تبيانًا لأن النِّفار إلى الجهاد في سبيل الله إنما هو لصالح النَّافرين ، وما نصرُ الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالمتوقف على نفارهم، فإنَّ لله جندًا لاترى ،( وما يعلم جنود ربك إلا هو) وفي اصطفاء كلمة (أيَّد) دلالة على معنى الحفظ والتقوية والمناصرة ، وإسناد الفعل للضمير الراجع إلى اسم الجلالة مستحضر جلال هذا التأييد ، فإن فاعله هو الله ، وما الجنود إلا كألآت لتحقيق هذا التأييد ، فإذا لم يتعال المعرضون عن النِّفار إلى الجهاد في سبيل بجعل أنفسهم آلات يحقق الله تعالى بها نصر نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، فإن لله تعالى من الجند ما يحصى وما لايرى ، فإدخال " الباء" على" جنود" تبيان لمنزلة هذه الجنود من تحقيق التأييد ، وأنها ليست بالفاعله المحققة له ، وإنما هي لاتعدو أن تكون كالأدوات والوسائل ، والفاعل الله عز وجلَّ ، فاعتبروا يا أولى الأبصار ( وَلَوْ يِشَاءُ الله لانتصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ){محمد:4}
( وَلَنَبْلُونَّكُم حتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدينَ مِنْكُمْ والصَّابِرينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ){محمد: 31}
وفي نعت الجند بأنهم (لم يروها) دلالة على أنها من اللطف بمكان عظيم، وأنَّ أسباب نصر الله لعباده المؤمنين ومن قبلهم نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليست بمحصورة فيما تدركه حواس العباد أو تستشعره قلوبهم ، ومن ثمَّ سلط النفي على فعل الرؤية ( لم تروها) وليس على فعل النظر أو البصر ، فإن في الرؤية إدراكًا لما كان غير محسوس ، فنفى عنهم درجات الإدراك جميعها
? وثلَّثَ صورَ النصرِ المُعْجِزِ بقوله ( جعل كلمة الذين كفروا السفلى)(1/136)
كَنَّى بالكلمة عن كل أمر من أمورهم الحسية والمعنوية ، فكل أمر الذين كفروا جعله الله الأسفل الذي ليس أسفل منه ، وفي اصطفاء فعل ( الجعل) جمع لعديد من الدلالات التى يأتى لها ذلك الفعل، فهو متسع الدلالة ،وقد أنبأنا " الراغب الأصفهاني" في " مفردات غريب القرآن " أنَّه لفظ عام في الأفعل كلها ، فهو أعم من فعل وعمل وصنع وسائر ما يجري مَجراها ، وذهب إلى أن دلالته على خمسة وجوه ، قد أشرت إليها في مبحث المفردات : الصورة الدلالة "
فهذا الجعل من الله تعالى جدُّه لكلمة الذين كفروا السفلى متحقق فيه كافة الدلالات للجعل ،وهومن الإبلاغ في تصور حال السفول لكلمة الين كفروا ، وهو أيضًا من البشرى لكل مسلم مقبل على النِّفار إلى الجهاد في سبيل الله عز وجلَّ ، وتسفيه لكل معرض عن النِّفار إلى الجنة ، فليس إسفال كلمة الذين كفروا بحاجة إلى نِفاره إلى الجهاد في سبيل الله تعالى
ذلك نزير من معانى الهدى في بيان الله تعالى ما نصر به نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم نصرًا معجزًا 0
? ولمَّا كَمُلَ هذا البيانُ على أعظم وجه قرر الله تعالى جَدُّهُ الحقيقة
الثابتة الجامعة لكل الحقائق : ( وكلمة الله هي العليا) فكان هذا تانيسًا لكل نافر إلى الجهاد في سبيل الله ، فإن من نفر وهو موقن أن كلمة الله هي العليا جاهد وهو المطئنُّ قلبه بعلو شأن الدينه
وهذا أيضًا دامغ من يتساقط إلى التى هي أخزى فلا ينفر إلى جنة عرضا السموات والأرض أعدت للمتقين 0
قوله( وكلمة الله هي العليا) مستأنف غير معطوف على معمول الفعل ( جعل) فهو حقيقة ثابتة مستمرة لاتنقطع تتجلى حينا وتغيم شواهدها عن بعض الأنظار حينا ، ولكن بصائرالعلم بالله تعالى جده لاتغيب عنهم أو يغفلون هم عن رؤيتها في جلاء الشمس في رابعة النهارز(1/137)
بنيت هذه الحقيقة القرآنية الإيمانية على أسلوب التخصيص الحصرى جاعلا طريقه تعريف الطرفين ، مؤكدًا ذلك الطريق بضمير الفصل(هي) الحامل مع هذا التأكيد الحصري معنى أن الخبر متحقق في كنه المسند إليه وأن ذلك ليس أمرًا عارضًا قد يعتريه زوال أو نقص ، فأنت إذا ماقلت :" ممد هو الكريم"فقد دل هذا على أن اختصاصه بالكرم أمر قائم في حقيقته وطبعه لايغيب عنه أبدًا ، وهذا من دلالة البيان بالضمير وإن كان ضمير فصل
وبين جملة( جعل كلمة الذين كفروا السفلى ) وجملة( وكلمة الله هي العليا) مقابلة جليلة بين باطل زائل وحق راسخ ن كفي الأولى سفولا إضافتا إلى(الذين كفروا) وكفي الأخرى علوًا ( إضافتها إلى اسم الجلالة ، فإن المضاف ليكتسب من المضاف إليه صفت عديدة
ولو أن كل مسلم أقام في قلبه هذه المقابلة الإيمانية في كل موطن يتراءى له سراب علوٍ لكلمة الذين كفروا لأيقن أن هذا إنما هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وأن ذلك إنما ابتلينا به لنؤوب إلى ديننا وأنَّ حقًا علينا أن نعيد موقفنا من كتاب ربنا تعالى جَدُّه ومن سنة نبينا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تعلما وتعليما وتأدبا وتخلقًا على نحو يرضي عنا ربنا عز وعلا ويُرْغِمَ أنُوفَ أعدائه ويرهبهم وآخرين من دونهم في ديارنا من بنى جلدتنا(1/138)
إن علينا أن نبالغ في التمسك بالكتاب والسنة والإبلاغ في إظهار ما يقلق أعداءنا من مظاهر السنة النبوية حتى تمتلئ قلوبهم كمدًا وهما ، وذلك ضرب من ضروب المجاهدة في سبيل الله تعالى ، إن علينا أن نعلم أبناءنا وبناتنا في بيوتنا ومعاهد علومنا ثقافة المجاهدة في سبيل الله عز وجل ،وأن نعلمهم أن الجنة التى خلقنا لطلبها والعودة إليها إنما هي تحت ظلال سيوقنا ، وليس تحت ظلال قصورنا ومنتجعاتنا السياحية ، وأن نعلمهم أننا ولدناهم ليموتوا شهداء في سبيل الله إذا لم يكن من سبيل إلى إعمار الأرض التى استخلفنا فيها إلا ذلك السبيل سبيل الشهادة في سبيل الله ، وأن نعلمهم ثقافة إرهاب وإرعاب أعداء الله تعالى الذين لايتوانون عن إذلالنا في ديارنا ، وأن نعلمهم ثقافة مسالمة من يسالمنا ظاهرًا وباطنا ، ويفى بمواثيق معاهدتنا ،وأن من وفَّى فله من الحق ما لايجوز أن يغبن فيه ، كما أن لنا عنده من الحق الذي لايجوز لنا أن نقبل منه أن يغبننا في أثارة منه أبدًا ، وإلا كان نفارنا إلى الجنة هو سبيلنا 0
كلُّ هذا يترادف إلى قلبك وأنت تنظر في اسلوب المقابلة بين هاتين الجملتين ( جعل كلمة الذين كفروا السفلى) و( كلمة الله هي العليا) فهي وإن عدها البلاغيون مما عرف عندهم بالبديع ، فإنها حقًا من بديع المعانى المتجددة المترادفة على قلبك لاتتناهى ما كان قلبك قابلا للتلقى 0
وجاءت قراءة يعقوب والأعمش بنصب " كلمة" من " وكلمة الله" فتكون " الواو عاطفة " ما بعدها على معمول " جعل" ولم يعل بعض اهل العلم هذه القراءة
يقول " أبو البركات ابن الأنباري"(ت577) في كتابه:"البيان في غريب إعراب القرآن " :" وقد قُرئ : كلمة الله بالنصب عطفًا على كلمة الذين كفروا ، وفيه بعد ؛لأنَ كلمة الله لم تزل عالية ، فيبعد نصبها بجعل ؛ لما فيه من إيهام أنها صارت عالية بعد أن لم تكن ، والذي عليه جماهير القراء هو الرفع "{1/400}(1/139)
أمَّ الزمخشري فقد قال:" الرفع أوجه" وهي كلمة جيدة من الزمخشري، وقال أبو حيان :" وقراءة الجمهور بالرفع أثبت في الإخبار" وهي أيضًا كلمة فقيه واع 0
ولا أرى وجهًا لتضعيف قراءة النصب وهي متواترة لايستقيم البتة المفاضلة بين القراءات المتواترة في الصحة وضدها ، وإن قلتُ بالتفاوت بينها في ظهور المعنى وخفائه ، ولهذا قلت إن قولة " الزمخشري" :" الرفع أوجه " كلمة جيدة ، وقلت إن كلمة أبي حيان : الرفع أثبت في الإخبار" كلمة فيه ، فهذا دال على أن التفاوت عندهما بين القراءتين تفاوت في غير الصحة وضدها.( )
القول بالنصب في كلمة الله لايلزمه أن يكون معمولا للفعل جعل بمعناه الذي تسلط به على معموله" كلمة الذين كفروا" فإذا كان معنى " جعل" في :" جعل كلمة الذين كفروا السفلى" صيرها ، فإن الفعل " جعل" لاينحصر في معنى التصيير ، بل هو أعم الأفعال ومن معانيها :" حكم وقرر" وهذا المعنى متوائم مع " كلمة الله هي العليا" أي حكم وقرر كلمة الله ، ثُمَّ استأنف
ـــــــــــــــــــــــ
( ) يقول الفراء في معانى القرآن " :" ويجوز " كلمةَ الله هي العليا" [أي بالنصب ] ولست أستحب ذلك لظهور [كلمة] الله تبارك وتعالى ؛ لأنه لو نصبها ـ والفعل فعله ـ كان أجود أن يقال :" وكلمته هي العليا"
ألا ترى أنك تقول : قد أعتق أبوك غلامه " ولا يكادون يقولون : أعتق أبوك غلام أبيك"
وقال الشاعر في إجازة ذلك :
متى نَأْتِ زيْدًا قاعدًا عند حَوضِه لأِنَهْدِمَ ظُلْمًا حوضَ زيدٍ تقارعُ
فقد ذكر زيدًا مرتين ، ولم يُكَنِّ عنه في الثانية ، والكناية وجه الكلام "
ولم يدع " النحاس" في كتابه معانى القرآن مقالة " الفراء" غير منقودة ، بل نقد استشهاده ببيت الشعر قائلا: الذي ذكره الفراء لايشبه الاية ، ولكن يُشْبِهُها ما أنشده " سيبويه"
لاأرى الموت يشبه الموت شيءٌ نغص الموت ذا الغِنَى والفقيرَا(1/140)
فهذا جيد حسن لاإشكال فيه ، بل يقول النحويين الحاق : فيإعادة الذكر في مثل هذا فائدة ، وهي أنَّ فيه معنى التعظيم ....." معانى القرآن للفراء 1/438، والنحاس 2/216 ، وتفسير القرطبى 8/150
:" هي العليا" وهذا الاستئناف مبين وجه الحكم والتقرير ، فيصح أن تجعله استئنافًا بيانيا أو تجعله توكيدًا لمضمون " جعل كامة الله" أو بيانًا له
ولا يقال إن في هذا استعمالا للكلمة في أكثر من معنى من غير إعادة لها ؛ لأنَّ الفعل " جعل" سيكون من الكلمات المتواطئة التى يصح أن يراد منها أكثر من معنى بقرينة السياق ، والعلماء يتجاذبون وجوه القول فيعلو استعمال المشترك في معانيه ، ويتجاذبون القول في استعمال الكلمة في حقيقتها ومجازها في سياق وقصد واحد ، وهذه قضية متسعة قد عرضت لها في دراسة مستقلة منشورة في طلاب العلم 0
? ويذيل الحق عزَّ وجلَّ هذه الحقائق الإيمانية بقوله ( والله عزيز
حكيم) مقررًا بهذا ما أقامه في قوله ( وكلمة الله هي العليا) فإنَّ مضمون هذ الفاصلة ليتلاقى مع مضمون ( وكلمة الله هي العليا) وكان ظاهر الأمر ألاَّ تعطف عليها لما يسميه البلاغيون بكمال الاتصال ، ولكن البيان القرآنى الكريم قد عدل عمَّا هو معهود من سنن بيان لسان العربية إلى أمر آخر أقامك فيه جملة( الله عزيز حكيم ) مقام جملة جديدة قد فاضت بفيض من المعانى المتجددة التى لم تكن في التى قبلها ، وكأنَّه يَلْفُتُنَا بهذا العطف إلى أن نقف على ما تضمنته هذه الجملة التذييلية من معانى طريفة ، فذلك شأن الجمل القرآنية لاتتكرر معانيها بل هي إلى التصريف البياني ، وهذه السنة البيانية: سنة التصريف قد هدى إليها القرآن الكريم بقوله :
" وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآن لِيَذَّكَّرُوا " {الإسراء: 41}
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلاَّ كُفُورًا " {الإسراء: 89}(1/141)
"وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً "{الكهف: 54}
0000000
ما سبق من البيان القرآني الكريم فاضت منه معانى الترهيب والوعيد والتهديد على الرغبة عن النِّفار إلى الجنة : النِّفار إلى منازل العزة منازل الحهاد في سبيل الله ،والإخلاد إلى متاع الحياة الدنيا 0
وقد بلغ ذلك مبلغًا عظيمًا لم يدع في القوس منزعًا كما يقول ، فتهيأت القلوب التى فيهاأثارة من إيمان لأن تقبل على الإغراء الإلهي لها بالمسارعة إلى جنة عرضها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين فقال :
( انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدوُا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )
هذه الآية خطاب للذين آمنوا السابقِ الإنكار عليهم تَرْكَم النِّفارَ في سبيل الله تعالى في قوله ( يَأَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلِ لَكُمْ انفروا في سبيلِ الله ...) وهو غير محصورٍ فيهم انحصارهم في عصرهم ومصرهم ، فما نزل القرآن الكريم لطائفة من الأمة في زمان ومكان معين لايتعداهم ، بل هو لكل من كان مثلهم وفي سياقٍ كسياقهم زمانا ومكانًا، فنحن في زماننا هذا رجالا ونساءً ، وشبيبة وشيبًا أحق من يقع عليه ذلك الخطاب ، فلا يزعمنَّ زاعمٌ أنَّ هذا الأمر كان خاصًا بالصحابة في غزوة تبوك لايتعداهم، كما يذهب إليه بعض المرجفين بالفتنة فينا الداعين إلى تفسير القرآن الكريم تفسيرًا تاريخيا بحصر الأحكام التشريعية في زمان نزولها ومكانه ، وتلك ضلالة مدبر لها بليل بهيم 0
الأمر هنا للوجوب المقتضي للتكرار عند جمهرة من أهل العلم ، ولا يسقط بالنِّفار مرة واحدة في العمر ، بل هو واجب كلما استنفر المسلم ولم يك ذا عذر يحجزه عن تلبية النداء ومن ثمَ جاء قوله ( خفافًا وثقالا) وقد جاء في السنة المطهرة في صحيح البخاري :"(1/142)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال يوم الفتح لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "
فهذا دالٌ دلالة بينة على أن من استنفر بدعوة إمامه ، أو دعوة حال أمته ـ وإن كان إمامه متقاعسًا متثاقلا مثبطا قومه ـ أن ينفر حيث استنفره حال أمته ، فلسان حالها أبلغ من ألف لسان ، فهذا أوان النِّفار فريضةً لازمة على كل مسلم ومسلمة ، وهذا أوان خروج المرأة المسلمة إلى الجهاد في سبيل الله بغير إذن زوجها ،
يقول " القرطبي " " قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل.... وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا شبابا وشيوخا كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها وإحتل بها سقط الفرض على الآخرين ولو قارب العدو0 " اهـ
وقد أطلق الحق الأمر فلم يقيده بحال كمال الاستطاعة ، بل أعلن أنه فرض على كل من كان خفيفا أو ثقيلا ، ( خفافا وثقالا ) ( ) وهي كلمة مستعة الدلالة غير مقيدة الخفة والثقل بمجال من مجال المسلم 0
ويقول " ابوحيان"في تفسيره " البحر المحيط ":الخفة والثقل هنا مستعار لمن يمكنه السفر بسهولة ومن يمكنه بصعوبة وأما من لايمكنه كالأعمى ونحوه فخارج عن هذا " اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( ) وقد بسط أهل العلم القول في بيان هذه الحال ( خفافا وثقالا)
يقول الإمام الطبري في تفسيره :(1/143)
" واختلف أهل التأويل في معنى الخفة والثِّقل اللذين أمر الله من كان به أحدهما بالنَّفر معه، فقال بعضهم: معنى الخفة التي عناها الله في هذا الموضع: الشباب، ومعنى الثقل: الشيخوخة00000000.
،عن أبي طلحة: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً قال: كهولاً وشبانا، ما أسمع الله عذرَ أحدا فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.
عن المغيرة بن النعمان، قال: كان رجل من النخع وكان شيخا بادِنا، فأراد الغزو فمنعه سعد بن أبي وقاص، فقال: إن الله يقول: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً فأذن له سعد، فقتل الشيخ، فسأل عنه بعد عُمر، فقال: ما فعل الشيخ الذي كان من بني هاشم؟ فقالوا قُتلَ يا أمير المؤمنين.0000000000
وقال آخرون: معنى ذلك مشاغيل وغير مشاغيل.
عن الحكم، في قوله: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً قال: مشاغيل وغير مشاغيل
وقال آخرون: معناه: انفروا أغنياء وفقراء. عن أبي صالح: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً قال: أغنياء وفقراء.
وقال آخرون: معناه: نِشَاطا وغير نِشاط.000عن ابن عباس، قوله: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً يقول: انفروا نِشَاطا وغير نِشَاط.
وقال آخرون: معناه: ركبانا ومشاة قال أبو عمرو: إذا كان النفر إلى دروب الشأم نفر الناس إليها خفافا ركبانا، وإذا كان النفر إلى هذه السواحل ونفروا إليها خفافا وثقالاٍ ركبانا ومشاة.
وقال آخرون: معنى ذلك: ذَا ضَيْعة، وغير ذي ضيعة.
قال ابن زيد، في قوله: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً قال: الثقيل الذي له الضيعة، فهو ثقيل يكره أن يضيع ضيعته ويخرج، والخفيف الذي لا ضيعة له فقال الله: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً.0000000
عن محمد، قال: شهد أبو أيوب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، ثم لم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا وهو في أخرى إلا عاما واحدا وكان أبو أيوب يقول: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلاً. 00000000 >>>>>>>>>>>(1/144)
ويُفَصِّلُ "الطاهر بن عاشور" هذا بقوله إنهما كلمتان مستعارتان لما يشبههما من أحوال الجيش وعلائقهم،فالخفة تستعارللإسراع إلى الحرب ، وكانوا يتمادحون بذلك لدلالتها على الشجاعة والنجدة 0
قال قريط بن أنيف العنبري :
قومٌ إذا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ طاروا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا
فالثقل الذي يناسب هذا هو الثبات في القتال كما قال " أبو الطيب ":
ثقالٌ إذا لاقَوا خِفَافٌ إذَا دُعُوا
وتستعار الخفة لقلة العدو ، والثقل لكثرة عدد الجيش 000
وتستعار الخفة لقلة الأزواد أو قلة السلاح ، والثقل لضد ذلك
وتستعار الخفة لقلة العيال ،والثقل لضد ذلك
وتستعار الخفة للركوب ؛ لأن الراكب أخف سيرًا ، والثقل للمشي على الأرجل ، وذلك في وقت القتال 0قال النابغة :
علَى عَرَفاتٍ لِلطِعانِ عوابِسٌ بِهِنَّ كُلُومٌ بيْنَ دامٍ وجالِبِ
إذا اسْتُنْزِلُوا عَنْهُنَّ للضَّرْبِ ارْقَلُوا إلى المَوْتِ إِرْقَالَ الجِمَالِ المَصاعِبِ
وكل هذه المعانى صالحة للإرادة من الآية 0 { التحرير والتنوير 10/207}
وعطف ( ثقالا) على ( خفافًا) ليس للتنويع أي ليست " الواو" بمعنى " أو" ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
>>>> حدثنا سعيد بن عمرو السّكونيّ، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا جرير، قال: ثني عبد الرحمن بن ميسرة، قال: ثني أبو رائد الحبرانيّ، قال: وافيت المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، قد فضل عنه من عِظَمِه،[أي أن المقداد قد كان سمينا] يريد الغزو، فقلت له: لقد أعذر الله إليك فقال: أتت علينا سورة البحوث: انْفِرُوا خِفافا وَثِقالاً.(1/145)
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين بالنفر لجهاد أعدائه في سبيله خفافا وثقالا، وقد يدخل في الخفاف كلّ من كان سهلاً عليه النفر لقوّة بدنه على ذلك وصحة جسمه وشبابه، ومن كان ذا تيسر بمال وفراغ من الاشتغال وقادرا على الظهر والركاب. ويدخل في الثقال كلّ من كان بخلاف ذلك من ضعيف الجسم وعليله وسقيمه، ومن معسر من المال ومشتغل بضيغة ومعاش، ومن كان لا ظهر له ولا ركاب، والشيخ وذو السنّ والعيال. فإذ كان قد يدخل في الخفاف والثقال من وصفنا من أهل الصفات التي ذكرنا ولم يكن الله جلّ ثناؤه خصّ من ذلك صنفا دون صنف في الكتاب، ولا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نصب على خصوصه دليلا وجب أن يقال: إن الله جلّ ثناؤه أمر المؤمنين من أصحاب رسوله بالنفر للجهاد في سبيله خفافا وثقالاً مع رسوله صلى الله عليه وسلم على كلّ حال من أحوال الخفة والثقل.
فليس المعنى انفروا خفافا أو ثقالا ، بل انفروا في الحالين ، فكل مسلم له نصيب من الحالين فهو إن كان خفيفا من المرض فقد يكون ثقيلا من الأهل والولد ، وهكذا
ولم يصرح بتقييد الأمر بالنِّفار ،كما كان في قوله تعالى( إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله) لأن هذا القيد أضجى بيِّنًا مستحضرًا في النفس ، وأنَّ الله تعالى لن يكون منه أمر بالنِّفار إلى شيء إلا إلى سبيله ، ولاسيَّما بعد ما كلن من بسط في التهديد والوعيد والترهيب من ترك النِّفار إلى الجهاد في سبيله، ...
وجاء قوله ( جاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ) معطوفًا على( انفروا) على الرغم من أن قوله ( انفروا) معناه الدعوة إلى النّفارِ في سبيل الله ، أفيكون هذا من قبيل عطف المؤكِّد على المؤكَّد ؟
النِّفار فيه معنى الانزعاج وسرعة الحركة إلى الشيء ، وهذا يكون عند مقاربة الخطر للأمة المسلمة، بحيث يجب الانزعاج والإسراع إلى ساحات الوغى 0(1/146)
وفي الدعوة إلى الجهاد اتساع في الميدان الذي تكون فيه المجاهد ، واتساع في المنهاج والآلات ، فإن الجهاد في سبيل الله فرض عين على كل مسلم ومسلمة ، إذ هو شامل حركة المسلم بغير استثناء ، فما من مسلم إلا وهو قادر على صورة من صور الجهاد في سبيل الله ماكان يتردد في صدره زفير أو شهيق ، فإن صور الجهاد لاتكاد تُعَدُّ ولا تحصر ، فإن الاجتهاد في الدعاء الصالح بمنازل الاستجابة من الجهاد ، وهل يعجز عن تلك الصور أحد في صدره شهيق أو زفير ؟
فعطف ( جاهدوا) على ( انفروا) من عطف عام على خاص ، وهو في بيان العربية ، ثم في بيان الوحي العَلِيِّ جذُ كثير
وهذا العطف مسلك من مسالك التوكيد في العربية ، وهي كثيرة متنوعة
وقد جاءت السنة محرضة الأمة على الجهاد في سبيل الله تبليغًا لما جاء به الأمر الإلهى لرسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( يَأيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِين عَلَى الْقِتَال "( )فجاء في بيان النبوة :
روى " الترمزي " في صحيحه من كتاب الإيمان – ح: 2616" بسنده عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال".....
ألا أُخْبِرُكُمْ بِرَاْسِ الأَمْرِ كُلِّه وَعَمُودِه وذِرْوَةِ سَنَامِه ؟
قُلْتُ : بلَى يارسول الله
قال: رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الحهاد..."
وروى في كتاب " الجهاد: ح:1621 بسنده عن فضالةبن عبيد أن رسولالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال:
" كلُّ ميِّتٍ يختَمُ عَلى عملِهِ إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله ، لإإنه ينمى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبلر"
فهذا هو الاستثمار الأعظم وتلك هي التنمية الت يجدر بمن يسمون أنفسهم رجال الأعمال أن يكون لهم منها نصيب 0، فقد جاء في السنة أيضًا برواية الترمزى "ح: 1625" عن خُرَيْم بن فاتك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم :" من أَنْفَقَ فِي سبيلِ اللهِ كُتِبضتْ له سبعمائة ضعفٍ "(1/147)
وفي حديث آخر:"ج: 1628" " عن زيد بن خالد الجُهَنِيِّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال:" من جهز غازيًا فقد غزا ، ومن خَلَفَ غَازيًا في أهله فقد غَزَا"
وإن الأحاديث النبوية في التحريض على الجهاد في سبيل الله كثيرة لايتسع المقام لإشارة إليها فضلا عن ذكرا ،وهي في دواوين السنة المرفوعة المسندة محفوظة 0
ولا يعجبنى القول بأنَّ الجهاد :" حقيقة في المدافعة بالسلاح ، فإطلاقه على بذل المال في الغزو من إنفاق على الجيش واشتراء الكراع والسلاح مجاز بعلاقة السببية " كما يقول " الطاهر بن عاشور " فإن الجهاد دال على جميع صوره دلالة حقيقية فهو من الالفاظ المتواطئة التى يشمل معناها صورًا عديدة تنطوى تحت معنى عام لها ، وقد جاء في السنة ما يؤكد أن للجهاد صورًا عدَّة :
جاء في مسند أحمد(3/456) بسنده عن :" عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي فقال إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه فقال النبي إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " اهـ
وفيه أيضًا :" كان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث أن كعب بن ملك كان يحدث أن النبي قال والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر "اهـ
وفي " مسلم"من كتاب "الجهاد :{ح : 123/1802}عن سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع رسول الله إلى خيبر فَتَسَيَّرْنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع ألا تُسْمِعُنَا من هنياتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتفينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا إنا إذا صِيحَ بنا أتينا
وبالصِّياح عَوَّلُوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : من هذا السائق ؟
قالوا: "عامر" قال : يرحمه الله(1/148)
فقال رجل من القوم : وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به
قال :فأتينا خيبر فحاصرناهم .............
فلما تصاف القوم كان سيف "عامر" فيه قصر فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة " عامر" فمات منه
قال : فلما قفلوا قال سلمة وهو آخذ بيدي قال : فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ساكتا قال : مالك ؟ قلت له :فداك أبي وأمي زعموا أن " عامرا " حبط عمله
قال : من قاله ؟ قلت : فلان وفلان وأسيد بن حضير الأنصاري
فقال : كذب من قاله 0 إن له لأجران ، وجمع بين إصبعيه 0إنه لجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ 0 قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بها مثله ...."
قوله :" وجبت يارسول الله لولا أمتعتنا به" أي وجبت له الشهادة لقول الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : يرحمه الله" فقد فهم الصحابي ( وفي رواية في مسلم أنه عمر بن الخطاب – ح: 1807) أن هذا إنباء من النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأن سيستشهد، فقال الصحابي لولا أخرت هذه الدعوة ليبقى معنا نتمتع بصحبته 0
فهذا دالٌ دلالة بينة على أن صور الجهاد في سبيل الله وجل لاتعد ولا تحصى ، وإنما والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "
روى " البخاري " في " الجهاد " بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قوله"... من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهوفي سبيل الله "
فلسان المرء كسيفه إذا ما كان المرمى أن تكون كلمة الله هي العليا 0
إنِّ إخلاص النية ، واتباع ما جاء به الكتاب والسنة يجعل كل عمل صالحًا ، وكل عمل صالح هو مما يجعل كلمة الله هى العليا ، فإذا ما جاء مرفوعًا عن " ابن مسعود " :" من كثَّر سَوَادَ قَوْمٍ ، فهو منهم ، ومن رضي عمل قومٍ كان شريك من عمل به" أخرجه أبو يعلى ( فتح الباري 13/31= ك: الفتن) فإن في هذا دلالة لاتغيم على أنَّ كل عمل فيه القصد إلى أن تكون كلمة الله هي العليا هو من الجهاد في سبيل الله 0(1/149)
وجاء في هذه الآية تقديم الأموال والأنفس على قوله ( في سبيل الله) وجاء في غيرها بتقديم في سبيل الله :
? لايَسْتَوَي الْقَاعِدونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ والْمُجاهِدونَ
فِي سَبيلِ اللهِ بِأمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ..." (النساء: 95)
? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا وَجاهَدوا بِأمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم في سبيلِ الله"(الأنفال:72)
? الَّذِينَ آمَنوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبيلِ اللهِ بأمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمِ أَعْظَمُ دَرَجَةًعِنْدَ اللهِ " (التوبة:20)
? انْفِرُوا خِفافًا وثِقالاً وَجاهِدُوا بأمْوالِكُم وأنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ" (التوبة:41)
? فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُجاهِدُوا بِأمْوالِهِمْ وِأنْفُسِهِمْ فِي سَبيلِ اللهِ ..." (التوبة:81)
? إنَّماالْمُؤْمِنونَ الَّذِينَ آمَنوابِاللهِ وَرَسُولِه ثُمَّ لَمْ يَرْتابُواوجاهَدُوا بِأمْوالِهِم وَأنْفُسِهِم فِي سَبيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ"(الحجرات: 15)
? يَأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِه ، وَتُجاهِدونَ في سَبيلِ اللهِ بأمْوالِكِمْ وأنْفُسِكُمْ ذلِكم خَيْرٌ لكُم إنْ كُنتُم تَعْلَمُون " ( الصف : 10-11)
فهذه سبعة مواطن في أربعة منها قدم قوله ( بأموالهم وأنفسهم ) على قوله ( في سبيل الله) :(ألأنفال:72- التوبة:41، 81- الحجرات: 15)
وفي ثلاثة أخر عن قوله( في سبيل الله) (النساء: 95- التوبة:20- الصف: 11)
ولم يأت في أي موطن من هذه المواطن ولا في غيرها تقديم " الأنفس" على الأموال" إلا في آية واحدة في غير هذه المواطن هي قوله تعالى:
"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.."(التوبة:111)(1/150)
وهذا من تصريف البيان القرآني الكريم ، ولكل صورة من هذه صور التصريف في سياقها ما يقتضيها .
في سورة التوبة جاءت ثلاث آيات : الأولى كان فيها تقديم ( في سبيل الله) وما بقي أخر فيه ( في سبيل الله )
أي الصور هو الأصل في اللغة : تقديم الظرف أم الآلة ظ من البين أنَّ المتعلِّقات ليس فيما بينها ترتيب محفوظ يلزم إذا لم يكن ما يقتضي العدول عنه ،إلا أن يكون المفعول به ، فمن قال: أعنت محمدًا ليلة سفره بألف دينار محبة له ط أو قال : أعنت محمدًا بألف دينار ليلة سفره محبة له " لايكون أحهما و الأصل والآخر عدول عنه ، بل يكون في كل صورة إلاحَة إلى ما هو المهم عندك أو عنده 0
كذلك في تقديم الأموال والأنفس على السبيل إنما يكون لأمر راجع إلى بيان أهمية ما يجاهد به ، وتقديم السبيل إنما يكون لأمر راجع إلى بيان ما يجاهد فيه :
في الآية العشرين من سورة التوبة :" الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأؤلئك هم الفائزون )
هذه الآية جاءت في معرض الإنكار على من جعل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كالإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله ، فإن السقاية والإعمار بغير إيمان سراب بقية يحسبه الظمآن ماء ، فالسياق هنا لبيان أهمية أن تكون أفعالنا صادرة عن إيمان وأن تكون في سبيل الله الذي نوؤمن به ، فكان السياق مقتضيًا هنا تقديم ما يدل على أهمية أن يكون العمل مخلصًا لله رب العالمين ، ومن ثم قال الله تعالى مبينًا :" لايَسْتَوُون عِنْدَ اللهِ"(1/151)
وفي الآيتين (41،81) من سورة التوبة كان التقديم للآلة(أموالكم وأنفسكم ) ووجه هذا أن الآية الحادية والأربعين جاءت في سياق الإنكار والتوبيخ والتهديد والوعيد لم تثاقل عن النِّفار في غزوة العسرة حيث الحر وبعد الشقة وطيب الظلال تحت الأشجار في الديار والبساتين ، فرغبوا في هذه عن إنفاق أموالهم وإجهاد أنفسهم ،فاقتضى السياق تقديم ما كان سببا في تثاقهم ورغبتهم عن الجهاد : الأموال ومتاع الأنفس
وفي الآية الحادية والثمانين سياق الآية وسباقها يكتنفها بما يصرح بأن النكير عليهم كراهة الجهاد بأموالهم وأنفسهم .
تجد هذا جليًا من أول قوله تعالى :" " ومِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ الله لَئِنْ آتانا مِنْ فضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ "
وتراه في صدر الآية:" فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسولِ اللهِ "و" وَقَالُوا لاتَنْفِرُوا فِي الحَرِّ "
هذا كله دالٌ دلالة بينة على أن السياق قاضً بأن تقدم الآلة على السبيل 0
أمَّا تقديم الأموال على الأنفس في المواطن كلها خلا الآية الحادية عشرة بعد المئة (إن الله اشْتَرَى...) فإن محبة المرء لماله أكثر من محبته لنفسه ن وحرصه عليه أضعاف حرصه على سلامة نفسه ، وإن تظاهر كثير من الناس بغير ذلك ، ألا ترانا نلقى بأنفسنا في رهق الحياة الدنيا لنجمع ما فضل عن حاجاتنا إن كنا نجمعه من حلال ، وألا ترى كثيرًا منا يلقى بنفسه في المذلة في دنياه وفي الحطمة في أخراه ـ وهو العليم بذلك ـ من أجل جمعه لأموال من حرام ، كلنا أو جُلُّناالمال حبيب إليه أكثر من نفسه وولده
( وتُحِبُّونَ المَال حُبًّا جَمًّا){الفجر:20}( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ){العاديات:8}(1/152)
على أن المجاهدة المال مجالها متسع جدًا ، ويتمكن منه كثير من الناس إذا ما أخلصوا ن وحاجة الجهاد إلى ألموال أكثر من حاجته إلى الأنفس ، ولاسيما أن أكثر الأمة نساء ، وبعض الرجال غير صالح للجهاد بنفسه لعذر شرعيٍّ ، فكان هذا وجهًا آخر لتقديم المال على النفس ،وكأنَّ في تقديم المال بشرى للأمة أن المال فيها سيفيض ويكثر في أيدى كثير منهم مما ييسر لهم المشاركة في فريضة الجهاد في سبيل الله 0
وفي تقديم النفس على المال في " إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ......." فوجه هذا أن هذه الآية جاءت لبيان وجه البسط في كشف أستار المنافقين والمتثاقلين عن الجهاد في سبيل الله تعالى نوأنهم غنما ندبوا إلى القيام بالوفاء بالمبايعة التى بايعوا الله عز وجل عليها وأنها مبايعة كان المشترى فيها مشتريا لما كان هو المانحه لمن يشترى منه ، فاعجب لشار يشترى ما وهب ممن وهب ، لما كانت النفوس هي التى يتجلى فيها كمال الهبة و انتفاء أن يكون للمرء دخل في اكتسابها قدمت على المال الذي قد تظن بعض النفوس أن لها في اكتسابه دخل عظيم ، وذلك شأن السائرين على سنن قارون القائل : " إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي" {القصص: 78}
فاقتضَي المقام كما ترى تقديم ما كان أقوى في تصوير فضل الله على المؤمنين باشتراء ما وهبه وحده لهم بأنَّ لهم الجنة ، وبرغم من هذا يبخل المتثاقلون على أنفسهم أن يقدموا ما وُهِبُوا في سبيل الله ليفوزوا بهبة هى أعلى وأعظم :
" وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السذضمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"(آل عمران: 180)(1/153)
" هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعضوْنض لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمشنْكُمْ مَن يَبْخَلُ وضمَن يبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَالللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوا ي ... سْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لايَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ "{محمد: 38}
وفي اسم الإشارة (ذلكم) استحضار لما سبق الأمر به من النِّفار خفافًا وثقالا ، والجهاد بالأموال والأنفس في سبيل الله ليخبر عنه بذلك الخبر العظيم ( خير لكم) وهو خبر من الذي وسع علمه كل شيء ، فلا يبقى في نفس عال أن ثَمّض شيءٌ هو خير له مما يؤمر به في هذ الآية ،فأبطل جلَّ جلاله بهذا الخبر المجرد من المؤكدات كل سعى إلى زعم أن خيرًا ما في ترك شيءٍ مما أمر به تعالى في هذه الآية 0
وجاء المسند ( خير) منكرًا إشارة إلى تعظيمه وتنويعه وأنه لايحاط به ، وأنه غير مقصور أو محصور في زمان أو حياة من دون حياة ، فإن الجهاد فيه خير الدنيا والآخرة لمن جاهد واستشهد أو أبلى وصدق ، وفيه عز الدنيا لم جاء من بعد ، فلو الجهاد ما كان لمسلم عزة في الدنيا ، فإنه ما ترك المسلمون الجهاد في سبيل الله إلا ذلُّوا ، وقد أنبأ النبي ضلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بذلك
في مسندأحمد (2/42) بسنده عن عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال :" لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذنابالبقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لاتنفك عنكم حتى تتوبوا إلى الله وترجعوا عما كنتم عليه "
فانظر في حال قومك ، أليس هذا ما هدد به البي صلى الله عليهوآله وصحبه وسلم ، ولن يكون الفكاكمنه إلا بما أخبر أنه السبيل إلى الفكاك : أن تتوبوا إللى الله وترجعوا عما كنتم عليه "(1/154)
" يَأيُّهَا الذين آمنوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنةً لاتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خََاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"{الأنفال: 24-25}
وكان البيان بهذا الخبر مجردًا من المؤكدات إبلاغًا في أنه قد بلغ بما سبق من البسط في تسفيه من أخلد إلى الأرض وأعرض عن النِّفار إلى الجهاد في سبيل الله مبلغًا عظيمًا في التقرر والرسوخ لايبقى عاقل في حاجة إلى مزيد تأكيد معه ،وفي الوقت نفسه إلاحَة إلى أنه تعجز كل المؤكدات عن أن تضيف شيئًا إلى ماسبق من تقرير وترسيخ ، فإذا ما كان في الناس من يقضِي ظاهر حاله أنه لمَّا يزل مفتقرًا إلى تأكيد بعديد من المؤكدات ، فإن مثل هذا جدير بأن يعرض عنه ، فإنك لو ظلِلْت العمر كله تؤكد له تلك الحقيقة لبقى قلبه أغلف كصخرة صماء لايؤثر فيه شيء ، فذلك الذي ختم الله على قلبه0
" أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ"(الجاثية:23)
وقد جاء في سنة ما يصرف هذه الحقيقة القرآنية ( ذلكم خير لكم ) :
في البخاري من كتاب الجهاد :" قيل يارسول الله : ايُّ الناس افضل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ك " مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ..." (فتح6/5)
وفي (أحمد وقال رسول الله والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل تبتغى فيه درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله ولا ثقل ميزان عبد كدابة تنفق له في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله )(1/155)
الكتاب السنة هاديان إلى أن الجهاد في سبيل الله عزّ وجلَّ خير للعبد من متاع الحياة الدنيا
وجاءت الفاصلة ( إن كنتم تعلمون) لبيان أن هذا إنما ينتفع بهديه أولو العلم ، فقوله (كنتم) دال على أن ما سبق بيانه يفتقر المرء إلى أن يكون ممن يعلم لينتفع ب فيكون خيرًا له ، وهذا دال على أن الهدي القرآني إنما ينتفع به من كان مؤهلا أن يكون من أهل العم أما من كان غيرذلك فلن يكون إلا وبالا عليهم " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِين لايُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئكَ يُنَادَوْنَ من مَكَانٍ بَعيدٍ " ( فصلت: 44)َ
فالقرآن الكريم إنما ينتفع به من كان مهيئًا لذلك ، ومن لم يختم الله على قلبه
والله عز وجل يختم سورة " التوبة" بنقرير هذه الحقيقة:
" وَإذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهثمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتْمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَعَلَيْهِ تَوِكَّلْتُ وَهُوَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ "(1/156)
فشأن المؤمن أنه كلما جاءه الهدى من عند الله آمن به وصدقه ، فكان ذلك زيادة في رصيده الإيمانى إذ أضحى ما يؤمن به الآن أكثر وأكبر مما كان يؤمن به من قبل ، وإذا زاد رصيد العبد فيما يؤمن به زاد عطاءالإيمان على قلبه نورًا على نور ، وبضده شأن المنافق والمتهالك في المعاصي كلما جاءه الهدى أعرض عنه فزاد رصيده في الإعراض والعصيان فزداد بعدًا عن ربه ، وهذا تفسير قرآنى مبين لقوله ( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)فإن من كان ذا علم يحمله علمه على أن يوقن بأن ما أمره به ربه تعالى أنما هو خير عميم له في دنياه وأخراه
" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّواشَيْئًا وَهُوَشَرٌّلَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "{البقرة:216}
55555555555
ذاك بعضٌ من محاولة تدبر بعض السمات البلاغية في هذه الآيات الكريمة وما هو مكتنز فيها من فيوض معانى الهدى التى هي شفاء لما في الصدور
( يَأيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِن رَّبكُمْ وَشِقَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَموْعِظةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ "{يونس: 57-58}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخزانة الثانية
شذرات الذهب من بيان السنة النبوية
الأخذ على يد المفسدين في الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال:(1/157)
" مَثَلُ القَائمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأصأبَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِها إِذَا اسْتَقُوا مِنَ الْمَاء مَرُّوا عَلَى مَنْ فوْقَهُمْ ، فَقَالُوا إِنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَم نُؤْذِ منْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَما أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلى أيْدِيهِمْ نَجَوا وَنَجوا جَمِيعًا "
" البخاري : كتاب الشركة : باب :هل يقرع في القسمة والاستهام فيه" (فتح:5/99-100)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجاء في البخاري رواية أخرى :"
" بسنده عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ...
" مثلُ المُدْهِنِ في حدودِ اللهِ والواقِعِ فيها مثلُ قومٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بعضُهم في أسفلِها وصار بعضُهم في أعلاها فكان الذي في أسفلِها يَمُرُّون بالماء على الذين في أعلاها فتأذَّوا به فأخذ فأسًا فجَعلَ يَنْقِرُ أسْفلَ السفينَةِ فَأَتَوْهُ فقالوا : مالك ؟ قال : تَاَذَّيْتُم بي ولابُدَّ لى من الماءِ فإنْ أخَذُوا على يَدَيْه أنْجَوْهُ ونجَّوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " ( ك: الشهادات ، باب القرعةفي المشكلات : فتح جـ5صـ 224-225
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي البخاري (حد: ج2ص954) باب القرعة في المشكلات(1/158)
00 حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال حدثني الشعبي أنه سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول قال النبي مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بد لي من الماء فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ) ( ص0 البخارى)
============================
وروى الترمزى في كتاب الفتن باب جاء في تغيير المنكر ـ ح رقم2173
باب منه حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((1/159)
الترمزى: الفتن ـحـ 2168)باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق أنه قال أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وإني سمعت رسول الله يقول إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه حدثنا محمد بن بشار حدثنا يزيد بن هارون عن إسماعيل بن أبي خالد نحوه قال أبو عيسى وفي الباب عن عائشة وأم سلمة والنعمان بن بشير وعبد الله عمر وحذيفة وهذا حديث صحيح وهكذا روى غير واحد عن إسماعيل نحو حديث يزيد ورفعه بعضهم عن إسماعيل وأوقفه بعضهم 0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( الترمزى : الفتن: 2169) باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو وعبد الله الأنصاري عن حذيفة بن اليمان عن النبي قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم قال أبو عيسى هذا حديث حسن حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن أبي عمرو بهذا الإسناد نحوه حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله وهو بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله قال والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم قال أبو عيسى هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث عمر بن أبي عمرو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( الترمزى : الفتن/2172 )(1/160)
حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أول من قدم الخطبة قبل الصلاة مروان فقام رجل فقال لمروان خالفت السنة فقال يا فلان ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله يقول من رأى منكرا فلينكره بيده ومن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
( الترمزي : الفتن: 2174
باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر حدثنا القاسم بن دينار الكوفي حدثنا عبد الرحمن بن مصعب أبو يزيد حدثنا إسرائيل عن محمد بن جحادة عن عطية عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي أمامة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه
(ح:2175)باب ما جاء في سؤال النبي ثلاثا في أمته حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن خباب بن الأرت عن أبيه قال صلى رسول الله صلاة فأطالها قالوا يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليها قال أجل إنها صلاة رغبة ورهبة إني سألت الله فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح وفي الباب عن سعد وابن عمر0
((1/161)
ح:2176 ) حدثنا قتيبة حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأصفر وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الترمزى في (الفتن: حـ 2195 ) باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
(حـ 2196) حدثنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة هذا حديث حسن صحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي الترمزي : الفتن : حـ2210)(1/162)
باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عمر بن علي عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء فقيل وما هن يا رسول الله قال إذا كان المغنم دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه وارتفعت الأصوات في المساجد وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وشربت الخمور ولبس الحرير واتخذت القينات والمعازف ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء أو خسفا ومسخا قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد رواه عنه وكيع وغير واحد من الأئمة
ــــــــــــــــ
(ح: 2211 ) حدثنا علي بن حجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المستلم بن سعيد عن رميح الجذامي عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل امرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه 0
((1/163)
حـ2212)حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن هلال بن يساف عن عمران بن حصين أن رسول الله قال في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك قال إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن سابط عن مرسل وهذا حديث غريب 0
ــــــــــــــــــــــــــت
(الترمزى: الفتن حـ5 216 ) باب ما جاء في لزوم الجماعة حدثنا أحمد بن منيع حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة عن محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال خطبنا عمر بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد رواه بن المبارك عن محمد بن سوقة وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وىله وصحبه وسلم 0
.................. قال أبو عيسى وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهل الفقه والعلم والحديث قال وسمعت الجارود بن معاذ يقول سمعت علي بن الحسن يقول سألت عبد الله بن المبارك من الجماعة فقال أبو بكر وعمر قيل له قد مات أبو بكر وعمر قال فلان وفلان قيل له قد مات فلان وفلان فقال عبد الله بن المبارك أبو حمزة السكري جماعة قال أبو عيسى وأبو حمزة هو محمد بن ميمون وكان شيخا صالحا وإنما قال هذا في حياته عندنا 0 )
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(وفي مسند الإمام أحمد )(1/164)
النعمان بن بشير قال قال رسول الله مثل القائم على حدود الله تعالى والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أسفلها وأصاب بعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإننا ننقبها من أسفلها فنستقي قال فان أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وان تركوهم غرقوا جميعا 0 ( 4/268)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أحمد: 4/269)حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال ثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول وأومأ بأصبعه إلى أذنيه سمعت رسول الله يقول مثل القائم على حدود الله والواقع فيها أو المدهن فيها مثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها وأصاب بعضهم أعلاها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا لو خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فان تركوهم وأمرهم هلكوا جميعا وان أخذوا على أيديهم نجوا جميعا حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله مثل القائم على حدود الله فذكره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أحمد:4:270) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف ثنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي قال مثل القائم على حدود الله تعالى والراتع فيها والمدهن فيها مثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وإذا الذين أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على أصحابهم فآذوهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نمر على أصحابنا فنؤذيهم فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وان أخذوا على أيديهم نجوا جميعا0)
ـــــــــــــــــــــ
(أحمد :4/ 272 ـ حد:18435)(1/165)
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي سمعته من النعمان بن بشير سمعت النبي يقول مثل المدهن والواقع في حدود الله قال سفيان مرة القائم في حدود الله مثل ثلاثة ركبوا في سفينة فصار لأحدهم أسفلها وأوعرها وشرها فكان يختلف وثقل عليه كلما مر فقال أخرق خرقا يكون أهون على ولا يكون مختلفي عليهم فقال بعضهم إنما يخرق في نصيبه وقال آخرون لا فان أخذوا على يديه نجا ونجوا وان تركوه هلك وهلكوا )
ـــــــــــــــــــــــ
وفي ( ص0 ابن حبان: ج1/533ـ حد:298)
ذكر تمثيل المصطفى الراكب حدود الله والمداهن فيها مع القائم بالحق بأصحاب مركب ركبوا لج البحر أخبرنا أبو يعلى قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله يقول المداهن في حدود الله والراكب حدود الله والآمر بها والناهي عنها كمثل قوم استهموا في سفينة من سفن البحر فأصاب أحدهم مؤخر السفينة وأبعدها من المرفق وكانوا سفهاء وكانوا إذا أتوا على رجال القوم آذوهم فقالوا نحن أقرب أهل السفينة من المرفق وأبعدهم من الماء فتعالوا نخرق دف السفينة ثم نرده إذا استغنينا عنه فقال من ناوأه من السفهاء افعل فأهوى إلى فأس ليضرب بها أرض السفينة فأشرف عليه رجل رشيد فقال ما تصنع فقال نحن أقربكم من المرفق وأبعدكم منه أخرق دف السفينة فإذا استغنينا عنه سددناه فقال لا تفعل فإنك إن فعلت تهلك ونهلك0)
ـــــــــــــــــ
((1/166)
ابن حبان <1ص537ـ حد: 301 ) ذكر ما يستحب للمرء استعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعوام الناس دون الأمراء الذين لا يأمن على نفسه منهم إن فعل ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن مطرف عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله يقول مثل المداهن في حدود الله والآمر بها والناهي عنها كمثل قوم استهموا سفينة من سفن البحر فصار بعضهم في مؤخر السفينة وأبعدهم من المرفق وبعضهم في أعلى السفينة فكانوا إذا أرادوا الماء وهم في آخر السفينة آذوا رحالهم فقال بعضهم نحن أقرب من المرفق وأبعد من الماء نخرق دفة السفينة ونستقي فإذا استغنينا عنه سددناه فقال السفهاء منهم إفعلوا قال فأخذ الفأس فضرب عرض السفينة فقال رجل منهم رشيد ما تصنع قال نحن أقرب من المرفق وأبعد من الماء نكسر دف السفينة فنستقي فإذا استغنينا عنه سددناه فقال لا تفعل فإنك إذا تهلك ونهلك
(ح:302) ذكر توقع العقاب من الله جل وعلا لمن قدر على تغيير المعاصي ولم يغيرها أخبرنا محمد بن عبد الله بن الجنيد ببست قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال سمعت رسول الله يقول ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا
شرح الحديث في فتح البارى>>>>>>>>>>(1/167)
الرابع حديث النعمان بن بشير قوله مثل المدهن بضم أوله وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها نون أي المحابي بالمهملة والموحدة والمدهن والمداهن واحد والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر قوله والواقع فيها كذا وقع هنا وقد تقدم في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهو أصوب لأن المدهن والواقع أي مرتكبها في الحكم واحد والقائم مقابله ووقع عند الإسماعيلي في الشركة مثل القائم على حدود الله والواقع فيها وهذا يشمل الفرق الثلاث وهو الناهي عن المعصية والواقع فيها والمرائي في ذلك ووقع عند الإسماعيلي أيضا هنا مثل الواقع في حدود الله تعالى والناهي عنها وهو المطابق للمثل المضروب فإنه لم يقع فيه الا ذكر فرقتين فقط لكن إذا كان المداهن مشتركا في الذم مع الواقع صارا بمنزلة فرقة واحدة وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو القائم وإما ساكت وهو المدهن وحمل بن التين قوله هنا الواقع فيها على أن المراد به القائم فيها واستشهد بقوله تعالى إذا وقعت الواقعة أي قامت القيامة ولا يخفى ما فيه وكأنه غفل عما وقع في الشركة من مقابلة الواقع بالقائم وقد رواه الترمذي من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها وهو مستقيم وقال الكرماني قال في الشركة مثل القائم وهنا مثل المدهن وهما نقيضان فإن القائم هو الآمر بالمعروف والمدهن هو التارك له ثم أجاب بأنه حيث قال القائم نظر إلى جهة النجاة وحيث قال المدهن نظر إلى جهة الهلاك ولا شك أن التشبيه مستقيم على الحالين قلت كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن وهو التارك للأمر بالمعروف وعلى ذكر الواقع في الحد وهو العاصي وكلاهما هالك فالذي يظهر أن الصواب ما تقدم والحاصل أن بعض الرواة ذكر المدهن والقائم وبعضهم ذكر الواقع والقائم(1/168)
وبعضهم جمع الثلاثة وأما الجمع بين المدهن والواقع دون القائم فلا يستقيم قوله استهموا سفينة أي اقترعوها فأخذ كل واحد منهم سهما أي نصيبا من السفينة بالقرعة بأن تكون مشتركة بينهم إما بالإجازة وإما بالملك وإنما تقع القرعة بعد التعديل ثم يقع التشاح في الأنصبة فتقع القرعة لفصل النزاع كما تقدم قال بن التين وإنما يقع ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا نزلوها معا أما لو سبق بعضهم بعضا فالسابق أحق بموضعه قلت وهذا فيما إذا كانت مسبلة مثلا أما لو كانت مملوكة لهم مثلا فالقرعة مشروعة إذا تنازعوا والله أعلم قوله فتأذوا به أي بالمار عليهم بالماء حالة السقي قوله فأخذ فأسا بهمزة ساكنة معروف ويؤنث قوله ينقر بفتح أوله وسكون النون وضم القاف أي يحفر ليخرقها قوله فان أخذوا على يديه أي منعوه من الحفر أنجوه ونجوا أنفسهم هو تفسير للرواية الماضية في الشركة حيث قال نجوا ونجوا أي كل من الآخذين والمأخوذين وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها قال المهلب وغيره في هذا الحديث تعذيب العامة بذنب الخاصة وفيه نظر لأن التعذيب المذكور إذا وقع في الدنيا على من لا يستحقه فإنه يكفر من ذنوب من وقع به أو يرفع من درجته وفيه إستحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف وتبين العالم الحكم بضرب المثل ووجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررا وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه وأن لصاحب العلو منعه من الضرر وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة وإن كان فيه علو وسفل تنبيه وقع حديث النعمان هذا في بعض النسخ مقدما على حديث أم العلاء وفي رواية أبي ذر وطائفة كما أوردته خاتمة اشتمل كتاب الشهادات وما اتصل به من القرعة وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة على ستة وسبعين حديثا المعلق منها أحد عشر حديثا والبقية موصولة المكرر(1/169)
منها فيه وفيما مضى ثمانية وأربعون حديثا والخالص ثمانية وعشرون وافقه مسلم على تخريجها سوى خمسة أحاديث وهي حديث عمر كان الناس يؤخذون بالوحي وحديث عبد الله بن الزبير في قصة الإفك وحديث القاسم بن محمد فيه وهو مرسل وحديث أبي هريرة في الاستهام في اليمين وحديث بن عباس في الإنكار على من يأخذ عن أهل الكتاب وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وسبعون أثرا والله سبحانه وتعالى أعلم ( فتح الباري : جـ5 صـ 225-226)
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
شرح الحديث من العينى(عمدة القارى
3942 ـ حدَّثنا أبو نُعَيْمٍ قال حدَّثني زَكَرِيَّاءُ قال سَمِعْتُ عامِراً يقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ رضي الله تعالى عنهُما عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال مَثَلُ القائِمِ عَلَى حُدُودِ الله والْوَاقِعِ فِيها كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفينَةٍ فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاهَا وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها فكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا علَى مَنْ فَوْقَهُمْ فقالوا لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقاً ولَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنا فإنْ
يَتْرُكُوهُمْ وما أرَادُوا هلَكُوا جَميعاً وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعاً.
55555
مطابقته للترجمة في قوله: «استهموا على سفينة». وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين الأحول الكوفي، وزكرياء هو ابن زائدة الهمداني الكوفي الأعمى ، وعامر هو الشعبي، والنعمان بن بشير، بفتح الباء الموحدة: الأنصاري، مر في كتاب الإيمان.
والحديث أخرجه البخاري أيضاً في الشهادات عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش عن الشعبي به. وأخرجه الترمذي في الفتن عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن الأعمش به، وقال: حسن صحيح.(1/170)
قوله: «مثل القائم على حدود الله تعالى» أي: المستقيم على ما منع الله تعالى من مجاوزتها، ويقال: القائم بأمر الله معناه: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. وقال الزجاج: أصل الحد في اللغة المنع، ومنه حد الدار، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها، والحداد الحاجب والبواب، ولفظ الترمذي: مثل القائم على حدود الله تعالى والمدهن فيها أي: الغاش فيها،ذكره ابن فارس، وقيل: هو كالمصانعة، ومنه قوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} (القلم: 9). وقيل: المدهن المتلين لمن لا ينبغي التلين له. قوله: «والواقع فيها» أي: في الحدود، أي: التارك للمعروف المرتكب للمنكر. قوله: «استهموا» أي: اتخذ كل واحد منهم : اتخذ كل واحد منهم سهماً، أي: نصيباً من السفينة بالقرعة. قوله: «على من فوقهم»، أي: على الذين فوقهم. قوله: «ولم نؤذ»، من الأذى، وهو الضرر. قوله: «من فوقنا» أي: الذين سكنوا فوقنا. قوله: «فإن يتركوهم وما أرادوا». أي: فإن يترك الذين سكنوافوقهم إرادة الذين سكنوا تحتهم من الخرق، والواو، بمعنى: مع، وكلمة: ما، مصدرية. قوله: «هلكوا»، جواب الشرط وهو قوله: فإن... قوله: «هلكوا جميعاً» أي: كلهم الذين سكنوا فوق والذين سكنوا أسفل، لأن بخرق السفينة تغرق السفينة ويهلك أهلها. قوله: «وإن أخذوا على أيديهم» أي: وإن منعوهم من الخرق نجوا أي: الآخذون «ونجوا جميعاً» يعني: جميع من في السفينة، ولو لم يذكر قوله : «ونجوا جميعاً»، لكانت النجاة اختصت بالآخذين فقط، وليس كذلك، بل كلهم نجوا لعدم الخرق، وهكذا إذا أقيمت الحدود وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر تحصل النجاة للكل وإلاَّ هلك العاصي بالمعصية وغيرهم بترك الإقامة.(1/171)
ويستفاد منه أحكام فيه: جواز الضرب بالمثل وجواز القرعة، فإنه، صلى الله عليه وسلم، ضرب المثل هنا بالقوم الذين ركبوا السفينة، ولم يذم المستهمين في السفية ولا أبطل فعلهم، بل وضيه وضرب به مثلاً لمن نجى من الهلكة في دينه. وفيه: تعذيب العامة بذنوب الخاصة واستحقاق العقوبة بترك النهي عن المنكر مع القدرة. وفيه: أنه يجب على الجار أن يصبر على شيء من أذى جاره خوف ما هو أشد. وفيه : إثبات القرعة في سكنى السفية إذا تشاحوا، وذلك فيما إذا نزلوا معاً. فأما من سبق منهم فهو أحق. وذكر ابن بطال هنا مسألة الدار التي لها علوا وسفل لمناسبة بينها وبين أهل السفينة، فقال: وأما حكم العلو والسفل يكون بين رجلين، فيعتل السفل ويريد صاحبه هدمه فليس له هدمه إلاَّ من ضرورة، وليس لرب العلو أن يبني على سفله شيئاً لم يكن قبل إلاَّ الشيء الخفيف الذي لا يضر صاحب السفل، فلو انكسرت خشبة من سفل العلو فلا يدخل مكانها أسفل منها، قال أشهب: وباب الدار على صاحب السفل، فلو انهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه وليس على صاحب العلو أن يبني السفل، فإن أبى صاحب السفل أن يبني قيل له: بع ممن يبني. انتهى. قلت ت: الذي ذكره أصحابنا أنه ليس لصاحب العلو إذا انهدم السفل أن يأخذ صاحب السفل بالبناء، لكن يقال لصاحب العلو: ابن السفل إن شئت حتى يبلغ موضعه علوك ثم ابن علوك، وليس لصاحب السفل أن يسكن حتى يعطي قيمة بناء السفل، وذو العلو يسكن علوه، والسفل كالرهن في يده وسقف السفل بكل آلاته لصاحب السفل ولصاحب العلو سكناه، وصاحب العلو إذا بنى السفل فله أن يرجع بما أنفق على صاحب السفل، وإن كان صاحب السفل يقول: لا حاجة لي إلى السفل.)[عمدة القارى ـ العينى )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[شرح رواية الحديث في كتاب الشهادات : عمدة القارى للعيني](1/172)
6862 ـ حدَّثنا عُمَرَ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ قال حدَّثنا أبِي قال حدَّثنا الأعْمَشُ قال حدَّثني الشَّعْبِيُّ أنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بنَ بَشِيرٍ رضي الله تعالى عنهما يَقولُ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الْمُدهِنِ في حُدُودِ الله والواقِعِ فِيها مثَلُ قَوْمٍ اسْتهَمُوا سَفِينَةً فصارَ بَعْضُهُمْ في أسْفَلِهَا وصارَ بَعْضُهم في أعْلاهَا فكانَ الَّذِي في أسْفها يَمُرُّونَ بالْمَاءِ على الَّذِينَ في أعْلاهَا فَتأذَّوْا بهِ فأخَذَ فَأْساً فَجَعَلَ يَنْقُرُ أسْفَلَ السَّفِينَةِ فأتوهُ فقالوا مالَكَ قال تأذَّيْتُمْ بِي ولا بُدَّ لي مِنَ المَاءِ فإنْ أخَذُوا على يدَيْهِ أنْجَوْه ونجَّوا أنْفُسَهُمْ وإن تَرَكُوا أهْلَكُوهُ وأهْلَكُوا أنْفُسَهُمْ.
مطابقته للترجمة في قوله: «استهموا سفينة»، وهذا الحديث مضى في الشركة في: باب هل يقرع في القسمة؟ والاستهام فيه، فإنه أخرجه هناك: عن أبي نعيم عن زكرياء. قال: سمعت عامراً، ــــ وهو الشعبي ــــ يقول : سمعت النعمان بن بشير... إلى آخره، وفي بعض النسخ وقع حديث النعمان هكذا في آخر الباب.
قوله: «مثل المدهن»، وهناك: مثل القائم على حدود الله تعالى، والمدهن، بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء، وفي آخره نون من الإدهان، وهو المحاباة في غير حق، وهو الذي يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر، ووقع عند الإسماعيلي في الشركة: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمدهن فيها، وهذه ثلاث فرق، وجودها في المثل المضروب هو أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله، ثم من عداهم إما منكر وهو القائم، وإما ساكت وهو المداهن.
وقال الكرماني: فإن قلت: قال ثمة، يعني: في كتاب الشركة: مثل القائم على(1/173)
حدود الله، وقال ههنا: مثل المدهن، وهما نقيضان إذ الآمر هو القائم بالمعروف والمدهن هو التارك له، فما وجهه؟ قلت: كلاهما صحيح ، فحيث قال القائم نظر إلى جهة النجاة، وحيث قال المدهن نظر إلى جهة الهلاك، ولا شك أن التشبيه مستقيم على كل واحد من الجهتين. واعترض عليه بعضهم بقوله: كيف يستقيم هنا الاقتصار على ذكر المدهن، وهو: التارك للأمر بالمعروف، وعلى ذكر الواقع في الحد وهو العاصي، وكلاهما هالك، والحاصل أن بعض الرواة ذكر المدهن والقائم، وبعضهم ذكر الواقع والقائم، وبعضهم جمع الثلاثة.
وأما الجمع بين المدهن والواقع دون القائم فلا يستقيم. انتهى.
قلت: لا وجه لاعتراضه على الكرماني، لأن سؤال الكرماني وجوابه مبنيان على القسمين المذكورين في هذا الحديث، وهما: المدهن المذكور هنا، والقائم المذكور هناك، وهو لم يبين كلامه على التارك الأمر بالمعروف، والواقع في الحد، فلا يرد عليه شيء أصلاً، تأمل، فإنه موضع يحتاج فيه إلى التأمل.
قوله: «استهموا سفينة» أي: اقترعوها فأخذ كل واحد منهم سهماً، أي: نصيباً من السفينة بالقرعة، وقال ابن التين: وإنما يقع ذلك في السفينة ونحوها فيما إذا أنزلوا معاً، أما لو سبق بعضهم بعضاً فالسابق أحق بموضعه، وقال بعضهم: هذا فيما إذا كانت مسبلة،أما إذا كانت مملوكة لهم مثلاً فالقرعة مشروعة: إذا تنازعوا. قلت: إذا وقعت المنازعة تشرع القرعة سواء كانت مسبلة أو مملوكة، ما لم يسبق أحدهم في المسبلة. قوله: «فتأذوا به»، أي: بالمار عليهم، أو: بالماء الذي مع المار عليهم. قوله: «ينقر»، بفتح الياء وسكون النون وضم القاف من النقر، وهو الحفر سواء كان في الخشب أو الحجر، أو نحوهما، قوله: «فإن أخذوا على يديه» أي: منعوه من النقر، ويروى: على يده. قوله: «نجوه» أي: نجو المار، ويروى: أنجوه: بالهمزة، ونجوا أنفسهم، بتشديد الجيم، وهكذا إقامة الحدود(1/174)
وقال المهلب: في هذا الحديث: تعذيب العامة بذنب الخاصة، واستحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف، وتبيين العالم الحكم بضرب المثل )[ عمدة القارى: الشهادات)
شرح الحديث من كتاب تحفة الأحوذي : باب تغيير المنكر )(ج:6ص331)
قوله: (مثل القائم على حدود الله) أي الامر بالمعروف والناهي عن المنكر (والمدهن فيها) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء وبالنون، والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر، والمدهن والمداهن واحد (كمثل قوم استهموا على سفينة) أي اقتسموا محالها ومنازلها بالقرعة (فأصاب بعضهم أعلاها) أي أعلى السفينة، وفي رواية للبخاري: فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها (أسفلها) أي في أسفل السفينة بيان للبحر (لا ندعكم) بفتح الدال أي لا نترككم (فإنا ننقبها) أي نثقبها (فإن أخذوا على أيديهم) أي أمسكوا أيديهم (نجوا جميعاً الخ) المعنى أنه كذلك إن منع الناس الفاسق عن الفسق نجا ونجوا من عذاب الله تعالى، وإن تركوه على فعل المعصية ولم يقيموا عليه الحد، حل بهم العذاب وهلكوا بشؤمه. وهذا معنى قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} أي بل تصيبكم عامة بسبب مداهنتكم. والفرق بين المداهنة المنهية والمداراة المأمورة، أن المداهنة في الشريعة أن يرى منكراً ويقدر على دفعه ولم يدفعه حفظاً لجانب مرتكبه أو جانب غيره لخوف أو طمع أو لاستحياء منه أو قلة مبالاة في الدين. والمداراة موافقته بترك حظ نفسه وحق يتعلق بماله وعرضه فيسكت عنه دفعاً للشر ووقوع الضرر.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الشركة وفي الشهادات
شرح الحديث في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ك: الآدابـ ب: الأمر بالمعروفـ ح 5138ـ جـ8 صـ 860)
((1/175)
5138) ــ ( وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المداهن ) أي المداهن المتساهل ( في حدود الله ) أي ترك القيام لإقامتها أو بالنهي عن ارتكاب المعاصي التي توجب الحدود . ولعل التخصيص للإعتناء بها ، أو لأن ضررها قد يتعدى إلى غير فاعلها . ويمكن أن يراد بالحدود مطلق المعاصي ، فذكر الحدود لتغليب الأقوى أو لأن حد كل معصية معروف مقرر . ( والواقع فيها ) أي ومثل الفاعل للمناهي . وفي التعبير بالواقع فيها إشارة إلى أنه بسبب المعصية ، كأنه طارح من علو منزلته في هوى بئر عميق ومكان سحيق . ( مثل قوم ) بالرفع ، أي كمثل جمع مجتمع من الصالحين وغيرهم ( استهموا سفينة ) أي اقتسموا محالها ومنازلها بالقرعة . وهذا قيد اتفاقي ، وإنما يتصوّر في جمع خاص ملكوها بالشركة المتساوية ، وإلا فقد يكون الاقتسام بحسب أمر صاحب السفينة على مقتضى الإِجارة وغيرها . وقال بعضهم : فيه ندب القرعة إذا تشاجروا ، أي تنازعوا على الجلوس في الأعلى والأسفل وذلك إذا نزلوا فيها جملة . أما إذا نزلوا متفرقين فمن سبق منهم إلى مكان فهو أحق به من غيره . قلت : وهذا لا يصح إلا إذا كانت السفينة موقوفة على الفقراء أو على الحجاج والغزاة ، بخلاف ما إذا كانت مملوكة لأحد أو لجماعة على سبيل الاشتراك . ( فصار بعضهم في أسفلها ) أي من المنازل ( وصار بعضهم في أعلاها ) أي في المجلس ( فكان الذي ) أي ولو كان واحداً ( في أسفلها ) أي البعض الذي مستقر في أسفلها ، فأفرد الموصول نظراً إلى لفظة البعض وإيماء إلى أنه ولو كان واحداً فالأمر كذلك ، وإشعاراً بأن الصلحاء في الأمة كثيرون وأن الطلحاء قليلون مغلوبون مقهورون . أو إيماء إلى أن الصالح وإن كان واحداً فهو كثير كبير عال بعلو الدين ، والفسقة وإن كانوا جماعة فهم في مرتبة القلة ومنزلة الذلة ومقام أسفل السافلين . ((1/176)
يمر بالماء ) أي بسببه ( على الذين في أعلاها فتأذوا به ) أي فتأذى من بالأعلى بمروره عليهم . وحاصله أنه يجيء من أسفلها إلى أعلاها ليأخذ الماء ويذهب إلى موضعه ، ففي ذهابه وإيابه وإمراره بالماء عليهم تأذوا به بحيث ظهر له أو أظهروا له بالقول الغليظ أو الفعل الشنيع ، لا سيما إذاكان الماء كناية عن البول والغائط وإمراره لطرحه في البحر ، فإنه حينئذ يوجد التأذي أكثر ووجه المضايقة والمخالفة أظهر ، خصوصاً إذا كان أهل السفل فقراء على ما هو الغالب على مقتضى طالعهم ونازلهم في الحظ عن منازلهم . ثم الأظهر أنه صور محل الأ وّلين أعلى لخلوهم بأنفسهم عن المعاصي وجعل مقابلهم أسفل لإرتكابه المنهي . ( فأخذ فأساً ) بسكون الهمزة ويبدل ألفاً ( فجعل ) أي شرع ( ينقر ) بضم القاف أي يدق ويخرق ويقطع ( أسفل السفينة ) أي من ألواحها ( فأتوه ) أي فجاءه أهل العوالي ( فقالوا : ما لك ) أي أي شيء باعث لك على ذلك ( قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء ) أي من استعماله أو طرحه ( فإن أخذوا على يديه ) أي من عوه ، يقال : أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريد أن يفعله كأنك أمسكت يده ، كذا في النهاية . ( أنجوه ) أي خلصوه ( ونجوا ) بالتشديد ، أي وخلصوا ( أنفسهم ) أيضاً فخلصوا من الهلاك جميعاً . وفي الجمع بين اللغتين تفنن في العبارتين ( وإن تركوه ) أي على فعله ( أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ) والمعنى أنه كذلك إن منع الناس الفاسق عن الفسق نجا ونجوا من عذاب الله تعالى ، وإن تركوه على فعل المعصية ولم يقيموا عليه الحد حل بهم العذاب وهلكوا بشؤمه وهذا معنى قوله تعالى : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } [ الأنفال ـ 25 ] . أي بل تصيبكم عامة بسبب مداهنتكم .(1/177)
والفرق بين المداهنة المنهية والمداراة المأمورة ، إن المداهنة في الشريعة أن يرى منكراً ويقدر على دفعه ولم يدفعه حفظاً لجانب مرتكبه أو جانب غيره لخوف أو طمع أو لإستحياء منه أو قلة مبالاة في الدين ، والمداراة موافقته بترك حظ نفسه وحق يتعلق بماله وعرضه فيسكت عنه دفعاً للشر ووقوع الضرر . ومنه قول الشاعر :
* فدارهم ما دمت في دارهم *
وحاصل المعنى تحمل الأذى من الخلق رضاً بما قضى له الحق . ومجمله أن المداهنة إنما تكون في الباطل مع الأعداء ، والمداراة في أمر حق مع الأحباء . قال الأشرف : شبه النبي صلى الله عليه وسلم المداهن في حدود الله بالذي في أعلى السفينة وشبه الواقع في تلك الحدود بالذي في أسفلها ، وشبه إنهماكه في تلك الحدود وعدم تركه إياها بنقره أسفل السفينة . وعبر عن نهي الناهي الواقع في تلك الحدود بالأخذ على يديه وبمنعه إياه عن النقر ، وعبر عن فائدة ذلك المنع بنجاة الناهي والمنهي ، وعبر عن عدم نهي النهاة بالترك ، وعبر عن الذنب الخاص للمداهنين الذين ما نهوا الواقع في حدود الله بإهلاكهم إياه وأنفسهم . وكأن السفينة عبارة عن الإِسلام المحيط بالفريقين ؛ وإنما جمع فرقة النهاة إرشاداً إلى أن المسلمين لا بد وأن يتعاونوا على أمثال ل هذا النهي ، أو إلى أن من يصدر عنه هذا النهي فهو كالجمع قال تعالى : { إن إبراهيم كان أمة } [ النحل ـ 120 ] . وأفرد الواقع في حدود الله لأدائه إلى ضد الكمال .( رواه البخاري ) اهـ مرقاة المفاتييح
******************************************%%%%%%%%
معجم الكلمات: الصورة والدلالة
أخذ[ابن منظور في اللسان](1/178)
أخذ : الأَخْذ: خلاف العطاء، وهو أَيضاً التناول. أَخذت الشيء آخُذُه أَخذاً: تناولته؛ و أَخَذَه يأْخُذه أَخْذاً، و الإِخْذُ، بالكسر، الاسم. وإِذا أَمرت قلت: خذْ، وأَصله أُؤْخُذ إِلا أَنهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفاً؛ قال ابن سيده: فلما اجتمعت همزتان وكثر استعمال الكلمة حذفت الهمزة الأَصلية فزال الساكن فاستغني عن الهمزة الزائدة، وقد جاء على الأَصل فقيل: أُوخذ؛ وكذلك القول في الأَمر من أَكل وأَمر وأَشباه ذلك، ويقال: خُذِ الخِطامَ و خُذْ بالخِطام بمعنى. و التأْخاذُ: تَفْعال من الأَخذ؛ قال الأَعشى:
لَيَعُودَنْ لِمَعَدَ عَكْرَةً
دَلَجُ الليلِ وتَأْخاذُ المِنَحْ
قال ابن بري: والذي في شعر الأَعشى:
ليُعيدَنْ لمعدَ عَكْرَها
دَلَجَ الليلِ وتأْخاذَ المنحْ
أَي عَطْفَها. يقال: رجع فلان عَكْرهِ أَي إِلى ما كان عليه، وفسر العكْرَ بقوله: دلجَ الليلِ و تأْخَاذَ المنح: والمنَحُ: جمع مِنْحَة، وهي الناقة يعيرها صاحبها لمن يحلبها وينتفع بها ثم يعيدها. وفي النوادر: المنح: والمنَحُ: جمع مِنْحَة، وهي الناقة يعيرها صاحبها لمن يحلبها وينتفع بها ثم يعيدها. ............
وقد أُخِذَ فلان إِذا أُسر؛ ومنه قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم}. معناه، وا أَعلم: ائْسِروهم. الفراء: أَكذَبُ من أَخِيذ الجيش، وهو الذي يأْخذُه أَعداؤه فَيَسْتَدِلُّونه على قومه، فهو يَكْذِبُهم بِجُهْدِه. و الأَخِيذُ: المأْخُوذُ. و الأَخيذ: الأَسير. و الأَخِيذَةُ: المرأَة لِسَبْي. وفي الحديث: أَنه أَخذ السيفَ وقال مَن يمنعُك منى؟ فقال: كن خير آخِذٍ أَي خيرَ آسر. و الأَخِيذَةُ: ما اغْتُصِبَ من شيء فأُخِذَ.(1/179)
و آخَذَه بذنبه مُؤاخذة: عاقبه. وفي التنزيل العزيز: {فكلاًّ أَخذْنا بذَنْبه}. وقوله عز وجل: {وكأَيِّنْ من قرية أَمليتُ لها وهي ظالمة ثم أَخذتُها}؛ أَي أَخذتها بالعذاب فاستغنى عنه لتقدّم ذكره في قوله (عزّ وجلّ): {ويستعجلونك بالعذاب}. وفي الحديث: من أَصَابَ من ذلك شيئاً أُخِذَ به. يقال: أُخِذَ فلانٌ بذنبه أَي حُبِسَ وجُوزِيَ عليه وَعُوقِب به. وإِن أَخذوا على أَيديهم نَجَوْا. يقال: أَخذتُ على يد فلان إِذا منعته عما يريد أَن يفعله كأَنك أَمْسكت على يده. وقول عز وجل: {وهمَّت كلُّ أُمّة برسولهم ليأْخذوه}، قال الزجاج: معناه ليتمكنوا منه فيقتلوه و آخَذَه: كأخَذَه. وفي التنزيل العزيز: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا}؛ والعامة تقول و اخَذَه. وأَتى العِراقَ وما أَخذَ إِخْذَه، وذهب الحجازَ وما أَخذ إِخذه وولَى فلان مكة، وما أَخذ إِخذَها، أَي ما يليها وما هو في
ناحِيتها، واسْتُعْمِلَ فلانٌ على الشام وما أَخَذَ إِخْذَه، بالكسر، أَي لم يأْخذ ما وجب عليه من حسن السيرة ولا تقل أَخْذَه؛ وقال الفراء: ما والاه وكان في ناحيته 0(ابن منظور في اللسان)
================================
(إذا)
[غبن منظور]
[إِذا : الجوهري: إِذا اسم يدل على زمان مستقبل ولم تستعمل إِلاَّ مُضافة إِلى جملة، تقول: أَجِيئُك إِذا احْمَرّ البُسْر وإِذا قَدِمَ فلان، والذي يدل على أَنها اسم وقوعها موقع قولك آتِيكَ يوم يَقْدَمُ فلان، وهي ظرف، وفيها مُجازاة لأَنَّ(1/180)
جزاء الشرط ثلاثة أَشياء: أَحدها الفعل كقولك إِنْ تأْتِني آتِك، والثاني الفاء كقولك إِن تَأْتِني فأَنا مُحْسِنٌ إِليك والثالث إِذا كقوله تعالى: {وإِنْ تُصِبْهم سيئة بما قدّمتْ أَيديهم إِذا هُمْ يَقْنَطُون}؛ وتكون للشيء توافقه في حال أَنت فيها وذلك نحو قولك خرجت فإِذا زَيْدٌ قائمٌ؛ والمعنى خرجت ففاجأَني زيد في الوقت بقيام؛ قال ابن بري: ذكر ابن جني في إِعراب أَبيات الحماسة في باب الأَدب في قوله:
بَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ، والأَمْرُ أَمْرُنا،
إِذا نَحنُ فيهم سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
قال: إِذا في البيت هي المَكانِيَّة التي تَجيء للمُفاجأَة؛ قال: وكذلك إِذ في قول الأَفوه: بَيْنَما الناسُ عَلى عَلْيائِها،
إِذْ هَوَوْا في هُوَّةٍ فيها فَغارُوا
فإِذْ هنا غير مضافة إِلى ما بعدها كَإِذا التي للمفاجأَة، والعامل في إِذْ هَوَوْا؛ قال: وأَمّا إِذْ فهي لما مضى من الزمان، وقد تكون للمُفاجأَة مثل إِذا ولا يَلِيها إِلا الفِعلُ الواجب، وذلك نحو قولك بينما أَنا كذا إِذْ جاء زيد، وقد تُزادانِ جميعاً في الكلام كقوله تعالى: {و إِذْ واعَدْنا مُوسَى}؛ أَي وَواعَدْنا؛ وقول عبد منافٍ بن رِبْع الهُذَليّ:
حتَّى إِذا أَسْلَكُوهم في قُتائِدَةٍ، شَلاًّ كما تَطْرُدُ الجمَّالةُ الشُّرَدا
أَي حتى أَسلكوهم في قُتائدة لأَنه آخر القصيدة أَو يكون قد كَفَّ عن خبره لعلم السامع؛ قال ابن بري: جواب إِذا محذوف وهو الناصب لقوله شَلاًّ تقديره شَلُّوهم شَلاًّ، وسنذكر من معاني إِذا في ترجمة ذا ما ستقف عليه إِن شاء الله تعالى.(ابن منظور )
ويقول الفيروزبادي)
إذا
: تكونُ للمُفاجَأَةِ فَتَخْتَصُّ بالجُمَلِ الاسْمِيَّةِ، ولا تَحْتاجُ لِجوابٍ، ولا تَقَعُ في الابْتداءِ، ومعناها الحالُ: كَخَرَجْتُ فإذا الأسَدُ بالبابِ، {فإذا هي حيَّةٌ تَسْعَى}.الأخفشُ: حرفٌ.المُبَرَّدُ: ظَرْفُ مكانٍ.الزَّجاجُ:(1/181)
ظَرْفُ زمانٍ تَدُلُّ على زَمانٍ مُسْتَقْبَل، وتَجِيءُ للماضي: {وإذا رَأَوْا تِجارةً أو لَهْواً، انْفَضُّوا إليها}، وللحال: ذلك بعدَ القَسَمِ: {واللَّيْلِ إذا يَغْشَى}، {والنَّجْمِ إذا هَوَى}. وناصِبُها شَرْطُها، أو ما في جَوَابِها من فِعْلٍ أو شِبْهِهِ. وإذْ: لما مَضَى من الزَّمانِ، وقد تكونُ للمُفاجَأَةِ، وهي التي (تكونُ) بعدَ بَيْنَا وبَيْنَمَا )
[القاموسالمحط ]
-----------------------
############################
آذى
يقول "ابن منظور في اللسان]
أذي : الأَذَى: كل ما تَأَذَّيْتَ به. آذاه يُؤذِيه أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً و تَأَذَّيْت به. قال ابن بري: صوابه آذاني إِيذاءً، فأَما أَذًى فمصدر أَذِيَ أَذىً، وكذلك أَذاةٌ و أَذِيَّة. يقال أَذِيتُ بالشيء آذَى أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً فأَنا أَذٍ، قال الشاعر:
لقَدْ أَذُوا بِكَ وَدُّوا لو تُفارِقُهُم أَذَى الهَراسةِ بين النَّعلِ والقَدَمِ
وقال آخر:
وإِذا أَذِيتُ ببَلْدَةٍ فارَقْتُها،
ولا أُقِيم بغَيرِ دَارِ مُقامِ
ابن سيده: أَذِيَ به أَذىً وتَأَذَّى؛ أَنشد ثعلب:
تَأَذِّيَ العَوْدِ اشْتكى أَن يُرْكَبا
والاسم الأَذِيَّةُ والأَذاة،
أَنشد سيبويه:
ولا تَشْتُمِ المَوْلى وتَبْلُغْ أَذاتَهُ،
فإِنَّك إِن تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجْهَلِ
وفي حديث العَقيقة ” أَمِيطوا عنه الأَذَى، يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأْس الصبي حين يولد يُحْلَق عنهيوم سابعه. وفي الحديث: أَدْناها إِماطةُ الأَذَى عن الطريق، وهو ما يؤْذِي فيها كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها.
.(1/182)
وفي الحديث: كلُّ مؤْذٍ في النار، وهو وعيد لمن يُؤْذِي الناس في الدنيا بعقوبة النار في الآخرة، وقيل: أَراد كل مُؤذٍ من السباع والهوام يُجْعَل في النار عقوبةً لأَهلها. التهذيب: ورجل أَذيٌّ إِذا كان شديد التأَذِّي، فِعْلٌ لهلازمٌ، وبَعِيرٌ أَذيٌّ. وفي الصحاح. بَعيرٌ أَذٍ على فعِلٍ، وناقة أَذِيَّةٌ: لا تستقر في مكان من غير وجع ولكنخِلْقَةً كأَنها تشكو أَذىً. و الأَذِيُّ من الناس وغيرهم: كالأَذِي؛ قال:
يُصاحِبُ الشَّيطانَ مَنْ يُصاحِبُه، فَهْوَ أَذيٌّ حَمَّةٌ مَصاوِبُه(1)
وقد يكون الأَذِيُّ المؤْذي. وقوله عز وجل: {وَدَعْ أَذاهم}؛ تأْويلُه أَذى أذي : الأَذَى: كل ما تَأَذَّيْتَ به. آذاه يُؤذِيه أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً و تَأَذَّيْت به. قال ابن بري: صوابه آذاني إِيذاءً، فأَما أَذًى فمصدر أَذِيَ أَذىً، وكذلك أَذاةٌ و أَذِيَّة. يقال أَذِيتُ بالشيء آذَى أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً فأَنا أَذٍ، قال الشاعر:
لقَدْ أَذُوا بِكَ وَدُّوا لو تُفارِقُهُم
أَذَى الهَراسةِ بين النَّعلِ والقَدَمِ
وقال آخر:
وإِذا أَذِيتُ ببَلْدَةٍ فارَقْتُها،
ولا أُقِيم بغَيرِ دَارِ مُقامِ
ابن سيده: أَذِيَ به أَذىً وتَأَذَّى؛ أَنشد ثعلب:
تَأَذِّيَ العَوْدِ اشْتكى أَن يُرْكَبا
والاسم الأَذِيَّةُ والأَذاة، أَنشد سيبويه:
ولا تَشْتُمِ المَوْلى وتَبْلُغْ أَذاتَهُ،
فإِنَّك إِن تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجْهَلِ(1/183)
وفي حديث العَقيقة: أَمِيطوا عنه الأَذَى، يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأْس الصبي حين يولد يُحْلَق عنه يوم سابعه. وفي الحديث: أَدْناها إِماطةُ الأَذَى عن الطريق، وهو ما يؤْذِي فيها كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها. وفي الحديث: كلُّ مؤْذٍ في النار، وهو وعيد لمن يُؤْذِي الناس في الدنيا بعقوبة النار في الآخرة، وقيل: أَراد كلّ مُؤذٍ من السباع والهوام يُجْعَل في النار عقوبةً لأَهلها. التهذيب: ورجل أَذيٌّ إِذا كان شديد التأَذِّي، فِعْلٌ له لازمٌ، وبَعِيرٌ أَذيٌّ. وفي الصحاح. بَعيرٌ أَذٍ على فعِلٍ، وناقة أَذِيَّةٌ: لا تستقر في مكان من غير وجع ولكن خِلْقَةً كأَنها تشكو أَذىً. و الأَذِيُّ من الناس وغيرهم: كالأَذِي؛ قال:
يُصاحِبُ الشَّيطانَ مَنْ يُصاحِبُه،
فَهْوَ أَذيٌّ حَمَّةٌ مَصاوِبُه(1)
وقد يكون الأَذِيُّ المؤْذي. وقوله عز وجل: {وَدَعْ أَذاهم}؛ تأْويلُه أَذى أذي : الأَذَى: كل ما تَأَذَّيْتَ به. آذاه يُؤذِيه أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً و تَأَذَّيْت به. قال ابن بري: صوابه آذاني إِيذاءً، فأَما أَذًى فمصدر أَذِيَ أَذىً، وكذلك أَذاةٌ و أَذِيَّة. يقال أَذِيتُ بالشيء آذَى أَذىً و أَذاةً و أَذِيَّةً فأَنا أَذٍ، قال الشاعر:
لقَدْ أَذُوا بِكَ وَدُّوا لو تُفارِقُهُم
أَذَى الهَراسةِ بين النَّعلِ والقَدَمِ
وقال آخر:
وإِذا أَذِيتُ ببَلْدَةٍ فارَقْتُها،
ولا أُقِيم بغَيرِ دَارِ مُقامِ
ابن سيده: أَذِيَ به أَذىً وتَأَذَّى؛ أَنشد ثعلب:
تَأَذِّيَ العَوْدِ اشْتكى أَن يُرْكَبا
والاسم الأَذِيَّةُ والأَذاة، أَنشد سيبويه:
ولا تَشْتُمِ المَوْلى وتَبْلُغْ أَذاتَهُ،
فإِنَّك إِن تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجْهَلِ(1/184)
وفي حديث العَقيقة: أَمِيطوا عنه الأَذَى، يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأْس الصبي حين يولد يُحْلَق عنه يوم سابعه. وفي الحديث: أَدْناها إِماطةُ الأَذَى عن الطريق، وهو ما يؤْذِي فيها كالشوك والحجر والنجاسة ونحوها. وفي الحديث: كلُّ مؤْذٍ في النار، وهو وعيد لمن يُؤْذِي الناس في الدنيا بعقوبة النار في الآخرة، وقيل: أَراد كلّ مُؤذٍ من السباع والهوام يُجْعَل في النار عقوبةً لأَهلها. التهذيب: ورجل أَذيٌّ إِذا كان شديد التأَذِّي، فِعْلٌ له لازمٌ، وبَعِيرٌ أَذيٌّ. وفي الصحاح. بَعيرٌ أَذٍ على فعِلٍ، وناقة أَذِيَّةٌ: لا تستقر في مكان من غير وجع ولكن خِلْقَةً كأَنها تشكو أَذىً. و الأَذِيُّ من الناس وغيرهم: كالأَذِي؛ قال:
يُصاحِبُ الشَّيطانَ مَنْ يُصاحِبُه،
فَهْوَ أَذيٌّ حَمَّةٌ مَصاوِبُه(1)
وقد يكون الأَذِيُّ المؤْذي. وقوله عز وجل: {وَدَعْ أَذاهم}؛ تأْويلُه أَذى المنافقين لا تُجازِهِمْ عليه إِلى أَن تُؤْمَرَ فيهم بأَمر. وقد آذَيْتُه إِيذاءً و أَذِيَّةً، وقد تَأَذَّيْتُ به تأَذِّياً، و أَذِيتُ آذىً، أذىً، و آذى الرجلُ: فَعَلَ الأَذى؛ ومنه قوله للذي تَخَطّى رِقاب الناس يَوْمَ الجُمُعَة: «رأَيْتُك آذَيْتَ وآتَيْتَ».
و الآذيُّ: الموْجَ؛ قال امرؤ القيس يصف مطراً ثَجَّ، حَتَّى ضاق عن آذِيِّهعَرْضُ خِيمٍ فحِفاف فَيُسُرابن شميل: آذِيُّ الماء الأَطباق التي تراها ترفعها من مَتْنِ الريحُ دونَ المَوْج. و الآذيُّ: المَوْجُ؛ قال المُغِيرة بن حَبْناء:
إِذا رَمى آذِيُّهُ بالطِّمِّ،
تَرى الرَّجالَ حَوْلَه كالصُّمِّ،
من مُطْرِقٍ ومُنْصِتٍ مُرِمِّ
الجوهري: الآذيُّ مَوْجُ البحر، والجمع الأَواذيُّ؛ وأَنشد ابن بري لل حَوْلَه كالصُّمِّ،
من مُطْرِقٍ ومُنْصِتٍ مُرِمِّ
الجوهري: الآذيُّ مَوْجُ البحر، والجمع الأَواذيُّ؛ وأَنشد ابن بري للعَجّاج:
طَحْطَحَهُ آذيُّ بَحْرٍ مُتْأَقِ(1/185)
وفي حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وإِذ أَخَذَ رَبُّك من بَني آدم من ظُهورهم ذُرِّيَّاتِهم}، قال: كأَنَّهم الذَّرُّ في آذِيِّ الماء. الآذِيُّ، بالمد والتشديد: المَوْجُ الشديد. وفي خُطْبَة علي، عليه السلام: تَلْتَطِمُ أَواذيُّ مَوْجِها.
[لسان العرب](أخذ)
====================================
(إن )
[ابن منظور ][ وقال الفراء: إِن الخفيفةُ أُمُّ الجزاء، والعرب تجُازي بحروف الاستفهام كلها وتَجْزمُ بها الفعلين الشرطَ والجزاءَ، إِلاَّ الأَلِفَ وهَلْ فإِنهما يَرْفَعانِ ما يليِهما. وسئل ثعلبٌ: إِذا قال الرجل لامرأَته إِن دَخلتِ الدارَ إِن كَلَّمت أَخاكِ فأَنتِ طالقٌ، مَتى تَطْلُق؟ فقال: إِذا فَعَلْتَهما جميعاً، قيل له: لِمَ؟ قال: لأَنه قد جاء بشرطين، قيل له: فإِن قال لها أَنتِ طالقٌ إِن احْمَرَّ البُسْرُ؟ فقال: هذه مسأَلةُ محال لأَن البُسْرَ لا بُدّ من أَن يَحْمَرَّ، قيل له: فإِن قال أَنت طالِقٌ إِذا احْمَرَّ البُسْرُ؟ قال: هذا شرط صحيح تطلُقُ إِذا احْمرَّ البُسْرُ، قال الأَزهري: وقال الشافعي فيما أُثْبِت لنا عنه: إِن قال الرجل لامرأَته أَنتِ طالقٌ إِن لم أُطَلِّقْكِ لم يَحْنَثْ حتى يُعْلَم أَنه لا يُطَلِّقُها بموته أَو بموتها، قال: وهو قول الكوفيين، ولو قال إِذا لم أَطَلِّقْك ومتى ما لم أُطلِّقْك فأَنت طالق،
فسكت مدَّةً يمكنه فيها الطَّلاق، طَلُقَت؛ قال ابن سيده: إِنْ بمعنى ما في النفي ويُوصل بها ما زائدة؛ قال زهير:
ما إِنْ يَكادُ يُخلِّيهمْ لِوِجْهَتِهْم
تَخالُجُ الأَمْرِ؛ إِنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ
بُدّ
يقول "ابن منظور في اسان العرب:"".....وما لك بهذا بَدَدٌ ولا بِدَّة ولا بَدَّة أَي ما لك به طاقة ولا يدان.
ولا بُدَّ منه أَي لا محالة، وليس لهذا الأَمر بُدٌّ أَي لا محالة. أَبو عمرو: البُدُّ الفراق، تقول: لا بُدَّ اليوم من قضاء حاجتي أَي لا فراق منه؛ ومنه قول(1/186)
أُم سلمة: إِنّ مساكين سأَلوها فقالت: يا جارية أَبِدِّيهم تَمْرَةً تمرة أَي فرقي فيهم وأَعطيهم. و البَدَّة بالكسر القوة. و البَدُّ و البِدُّ و البِدَّة، بالكسر، و البُدَّةُ، بالضم، و البِدَاد: النصيب من كل شيء؛ الأَخيرتان عن ابن الأَعرابي، وروى بيت النَّمِر بن تولب:
فَمَنَحْتُ بُدَّتَها رقيباً جانِحاً
قال ابن سيده: والمعروف بُدْأَتَهَا، وجمع البُدَّةِ بُدَدٌ وجمع البِدَادِ بُدد؛ كل ذلك عن ابن الأَعرابي.)[ابن منظور]
============================
ترك
ترك: التَّرْكُ: وَدْعُكَ الشيء، تَرَكه يَتْرُكه تَرْكاً و اتَّرَكه. و تَرَكْتُ الشيءَ تَرْكاً: خليته. و تارَكْتُه البيعَ مُتَارَكَةً. و تَراكِ: بمعنى اتْرُك، وهو اسم لفعل الأمر؛ قال طفيل بن يزيد الحارثي: تَراكِها من إبل تَراكِها
أَما تَرَى المَوْت لَدَى أَوْراكِها؟
وقال فيه: فما اتَّرَكَ أَي: ما تَرَكَ شيئاً، وهو افْتَعَل. وفي الحديث: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمن تركها فقد كفر، قيل: هو لمن تركها مع الإِقرار بوجوبها أَو حتى يخرج وقتها،............
و التَّرْكُ: الإِبقاء في قوله، عزوجل: وَتَرَكْنا عليه في الآخرين؛ أَي: أَبقينا عليه.00000
و التَّريكة: التي تُتْرَكُ فلا تتزوج، قال اللحياني: ولا يقال ذلك للذكر. ابن الأعرابي: تَرَكَ الرجلُ إذا تزوج بالتَّرِيكةِ وهي العانِسُ في بيت أَبويها؛ وأَنشد الجوهري للكميت:
إذ لا تَبِضُّ إلى التَّرَا
ئِكِ والضَّرَائِكِ كف جازِرْ
و التَّرِيكةُ: الروضة التي يُغْفِلُها الناسُ فلا يرعونها، وقيل: التَّرِيكةُ المَرْتَعُ الذي كان الناس رعوه، إما في فلاة وإما في جبل، فأَكله المال حتى أَبقى منه بقايا من عُوَّذ. و التَّرْكُ: ضرب من البيض مستدير شبِّه بالتَّرْكَةِ و التَّرِيكة وهي بيض النعام المنفرد؛ وأَنشد:
ما هاجَ هذا القَلْبَ إلا تَرْكَة
زَهراءُ أَخْرَجَها خروج مُنفَج(1/187)
الجوهري: و التَّرِيكةُ بيضة النعامة التي يتركها؛ ومنه قول الأعشى
ويَهْماء قَفْر تخرج العَيْنُ وسْطَها
وتَلْقَى بها بَيْضَ النَّعامِ تَرائِكا
قال ابن بري: ومثله للمخبل:
كَتَرِيكةِ الأُدْحِيِّ أَدْفَأَها
قَرِدٌ كَأَنَّ جَناحه هِدْمُ
والهِدْمُ: كساء خَلَقٌ. ابن سيده: و التَّرِيكة البيضة بعدما يخرج منها الفرخ، وخصَّ بعضهم به بيض النعام التي تتركها بالفلاة بعد خلوها مما فيها، وقيل: هي بيض النعام المفردة، والجمع تَرائِك و تُرُك، وهي التَّرْكَة والجمع تَرْكٌ. والتَّرِيكةُ: بيضة الحديد للرأْس؛ قال ابن سيده: وأُراها بالتَّرِيكة التي هي البيضة، والجمع تَرائك و تَرِيك،
وهي التَّرْكَةَ أَيضاً، وجمعها تَرْكٌ؛ قال لبيد:
جميع الحقوق محفوظة لشركة العريس للكمبيوتر فَخْمَةَ ذَفْراء تُرْتى بالعُرى
قُرْدُمانيَّاً وتَرْكاً كالبَصَل )[ابن منظور]
=========================================جميع (ابن منظور)
جمع : جَمَعَ الشيءَ عن تَفْرِقة يَجْمَعُه جَمعاً و جَمَّعَه و أَجْمَعَه فاجْتَمَع واجْدَمَعَ، وهي مضارعة، وكذلك تجمَّع و اسْتَجْمع. و المجموع: الذي جُمِع من ههنا وههنا وإِن لم يجعل كالشيء الواحد. و اسْتَجمع السيلُ: اجتمع من كل موضع. و جمَعْتُ الشيء إِذا جئت به من ههنا وههنا. و تجمَّع القوم: اجتمعوا أَيضاً من ههنا وههنا. و مُتجمَّع البَيْداءِ : مُعْظَمُها ومُحْتَفَلُها؛ قال محمد بن شَحّاذٍ الضَّبّيّ:
في فِتْيَةٍ كلَّما تَجَمَّعَتِ البَيْداء، لم يَهْلَعُوا ولم يَخِمُواأَراد ولم يَخِيمُوا، فحذف ولم يَحْفَل بالحركة التي من شأْنها أَن تَرُدَّ المحذوف ههنا، وهذا لا يوجبه القياس إِنما هو شاذ؛ ورجل مِجْمَعٌ و جَمَّاعٌ.(1/188)
و الجَمْع: اسم لجماعة الناس. و الجَمْعُ: مصدر قولك جمعت الشيء. و الجمْعُ: المجتمِعُون، وجَمْعُه جُموع. و الجَماعةُ و الجَمِيع و المَجْمع و المَجْمَعَةُ: كالجَمْع وقد استعملوا ذلك في غير الناس حتى قالوا جَماعة الشجر و جماعة النبات.0000000000
وقول عمر ابن عبد العزيز، رضي اللَّه عنه: عَجِبْت لمن لاحَنَ الناسَ كيف لا يَعْرِفُ جَوامِعَ الكلم؛ معناه كيف لا يَقْتَصر على الإِيجاز ويَترك الفُضول من الكلام، وهو من قول النبيّ،: أُوتِيتُ جَوامِعَ الكَلمِ يعني القرآن وما جمع اللهَّ
عزّوجلّ بلطفه من المعاني الجَمَّة في الأَلفاظ القليلة كقوله عزّوجلّ: {خُذِ العَفْو وأْمُر بالعُرْف وأَعْرِضْ عن الجاهلين}. وفي صفته،: أَنه كان يتكلم بجَوامِعِ الكَلمِ أَي أَنه كان كثير المعاني قليل الأَلفاظ. وفي الحديث: كان يَستحِبُّ الجَوامِع من الدعاء؛ هي التي تَجْمَع الأَغْراض الصالحةَ والمَقاصِدَ الصحيحة أَو تَجْمع الثناء على الله تعالى وآداب المسأَلة. وفي الحديث: قال له أَقْرِئني سورة جامعة، فأَقرأَه: {إِذا زلزلت}، أَي أَنها تَجْمَعُ أَشياء من الخير والشر لقوله تعالى فيها: {فمن يَعمل مِثقالَ ذرَّة خيراً يره ومن يَعمل مثقال ذرَّة شرّاً يره}.
وفي الحديث: حَدِّثْني بكلمة تكون جِماعاً، فقال: اتَّقِ اللَّه فيما تعلم؛ الجِماع ما جَمَعَ عدداً أَي كلمةً تجمع كلمات. وفي أَسماء اللَّه الحسنى: الجامعُ؛ قال ابن الأَثير: هو الذي يَجْمع الخلائق ليوم الحِساب، وقيل: هو المؤلِّف بين المُتماثِلات والمُتضادّات في الوجود؛ وقول امرىء القيس:
فلو أَنَّها نفْسٌ تموتُ جَميعةً ولكِنَّها نَفْسٌ تُساقِطُ أَنْفُسا
إِنما أَراد جميعاً، فبالغ بإِلحاق الهاء وحذف الجواب للعلم به كأَنه قال لفَنِيت(1/189)
واسْتراحت. وفي حديث أُحد: وإِنَّ رجلاً من المشركين جَمِيعَ اللأْمةِ أَي مُجْتَمِعَ السِّلاحِ. و الجَمِيعُ: ضد الممتفرِّق؛ قال قيس بن معاذ وهو مجنون بني عامر:
فقدْتُكِ مِن نَفْسٍ شَعاعٍ فإِنَّني
نَهَيْتُكِ عن هذا وأَنتِ جَمِيعُ
...................
ورجل جميعٌ: مُجْتَمِعُ الخَلْقِ. وفي حديث الحسن، رضي اللَّه عنه: أَنه سمع أَنس بن مالك، رضي اللَّه عنه، وهو يومئذ جَمِيعٌ أَي مُجْتَمِعُ الخَلْقِ قَوِيٌّ لم يَهْرَم ولم يَضْعُفْ، والضمير راجع إِلى أَنس. وفي صفته،: كان إِذا مَشَى مشى مُجْتَمِعاً أَي شديد الحركة قويَّ الأَعضاء غير مُسْتَرْخٍ في المَشْي.............
ورجل جميعُ الرأْي و مُجْتَمِعُهُ: شديدُه ليس بمنْتشِره.
والمسجدُ الجامِعُ: الذي يَجمع أَهلَه، نعت له لأَنه علامة للاجتماع، وقد يُضاف، وأَنكره بعضهم، وإِن شئت قلت: مسجدُ الجامع بالإِضافة كقولك الحقُّ اليقين وحقُّ اليقين، بمعنى مسجد اليوم الجامعِ وحقِّ الشيء اليقين لأَن إِضافة الشيء إِلى نفسه لا تجوز إِلا على هذا التقدير، وكان الفراء يقول:
العرب تُضيف الشيءَ إِلى نفسه لاختلاف اللفظين؛ كما قال الشاعر:
فقلت: انْجُوا عنها نَجا الجِلْدِ إِنه
سَيُرْضِيكما منها سَنامٌ وغارِبُهْفأَضاف النَّجا وهو الجِلْد إِلى الجلد لمّا اختلف اللفظانِ، وروى الأَزهري عن الليث قال: ولا يقال مسجدُ الجامعِ، ثم قال الأَزهري: النحويون أَجازوا جميعاً ما أَنكره الليث، والعرب تُضِيفُ الشيءَ إِلى نفْسه وإِلى نَعْتِه إِذا اختلف اللفظانِ كما قال تعالى: {وذلك دِينُ القَيِّمةِ}؛ ومعنى الدِّين المِلَّةُ كأَنه قال وذلك دِين الملَّةِ القيِّمةِ، وكما قال تعالى: {وعْدَ الصِّدْق} و{وعدَ الحقِّ}، قال: وما علمت أَحداً منالنحويين أَبى إِجازته غيرَ الليث، قال: وإِنما هو الوعدُ الصِّدقُ والمسجِدُ الجامعُ والصلاةُ الأُولى. )[ابن منظور]
======================
حدود
[(1/190)
ابن منظور] حدد : الحَدُّ: الفَصل بين الشيئين لئلا يختلط أَحدهما بالآخر أَو لئلا يتعدى أَحدهما على الآخر، وجمعه حُدود. وفصل ما بين كل شيئين: حَدٌّ بينهما. ومنتهى كل شيء: حَدُّه؛ ومنه: أَحد حُدودِ الأرضين وحُدود الحرم؛0000000000000
وفلان حديدُ فلان إذا كان داره إلى جانب داره أَو أَرضه إلى جنب أَرضه. وداري حَديدَةُ دارك و مُحادَّتُها إذا كان حَدُّها كحدها. و حَدَدْت الدار أَحُدُّها حدّاً و التحديد مثله؛ و حدَّ الشيءَ من غيره يَحُدُّه حدّاً و حدَّدَه: ميزه. و حَدُّ كل شيءٍ: منتهاه لأنه يردّه ويمنعه عن التمادي، والجمع كالجمع. و حَدُّ السارق وغيره: ما يمنعه عن المعاودة ويمنع أيضاً غيره عن إتيان الجنايات، وجمعه حُدُود. و حَدَدْت الرجل: أَقمتعليه الحدّ................
و حُدُود اللَّه تعالى: الأشياء التي بيَّن تحريمها وتحليلها، وأَمر أَن لا يُتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أَمر فيها أَو نهى عنه منها، ومنع من مخالفتها، واحِدُها حَدّ؛ و حَدَّ القاذفَ ونحوَه يَحُدُّه حَدّاً: أَقام عليه ذلك.
الأزهري: والحدّ حدّ الزاني وحدّ القاذف ونحوه مما يقام على من أَتى الزنا أَو القذف أَو تعاطى السرقة. قال الأزهري: فَحُدود اللَّه، عزوجل، ضربان: ضرب منها حُدود حَدَّها للناس في مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وغيرها مما أَحل وحرم وأَمر بالانتهاءِ عما نهى عنه منها ونهى عن تعدّيها، والضرب الثاني عقوبات جعلت لمن ركب ما نهى عنه كحد السارق.............
سميت حدوداً لأنها تَحُدُّ أي تمنع من إتيان ما جعلت عقوبات فيها، وسميت الأُولى حدوداً لأنها نهايات نهى اللَّه عن تعديها(1/191)
قال ابن الأَثير: وفي الحديث ذكر الحَدِّ والحُدود في غير موضع وهي محارم اللَّه وعقوباته التي قرنها بالذنوب، وأَصل الحَدِّ المنع والفصل بين الشيئين، فكأَنَّ حُدودَ الشرع فَصَلَت بين الحلال والحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرمة، ومنه قوله تعالى: {تلك حدود اللَّه فلا تقربوها}؛ ومنه ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزويج الأرب) المحرمة، ومنه قوله تعالى: {تلك حدود اللَّه فلا تقربوها}؛ ومنه ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزويج الأربع،}[ابن منظورـ لسان العرب] خرق
==================
خرق : (ابن منظور)
خرق : الخَرْق: الفُرجة، وجمعه خُروق؛ خَرَقَهُ يَخْرِقُهُ خَرْقاً و خرَّقه و اخْتَرَقَه فتَخَرَّق و انْخَرَقَ و اخْرَوْرَق، يكون ذلك في الثوب وغيره. التهذيب: الخرق الشَّقُّ في الحائط والثوب ونحوه. يقال: في ثوبه خَرق وهو في الأَصل مصدر.
و الخِرْقة: القِطعة من خِرَقِ الثوب، و الخِرْقة المِزْقةُ منه.
و خَرَقْت الثوب إِذا شَقَقْتَه. ويقال للرجل المُتَمزِّق الثياب: مُنْخَرِق السِّرْبال. وفي الحديث في صفة البقرة وآلِ عمران: كأَنهما خِرْقان من طير صَوافَّ؛ هكذا جاءَ في حديث النَّوَّاسِ، فإِن كان محفوظاً بالفتح فهو من الخَرْق أَي ما انْخرقَ من الشيء، وبانَ منه، وإِن كان بالكسر فهو من الخِرْقة القِطعة من الجَراد، وقيل: الصواب حِزْقانِ،بالحاء المهملة والزاي، من الحِزْقةِ وهي الجماعة من الناس والطير وغيرهما؛ ومنه حديث مريم، عليهاالسلام: فجاءت خِرْقةٌ من جَراد فاصْطادَتْ وَشَوَتْ؛ وأَمّا قوله:
إِنَّ بَني سَلْمى شُيُوخٌ جِلَّهْ،
بِيضُ الوُجوهِ خُرُقُ الأَخِلَّهْ
فزعم ابن الأَعرابي أَنه عنى أَن سيوفهم تأْكل أَغمادَها من حِدّتها، فخُرُق على هذا جمع خارِق أَو خَرُوق أَي خُرُقُ السُّيوف للأَخِلَّة.
....................(1/192)
و خَرَقْتُ الأَرض خَرْقاً أَي جُبْتها. و خَرقَ الأَرض يَخرُقها: قطعها حتى بلغ أَقْصاها، ولذلك سمي الثور مِخْراقاً. و خَرَقْتُ الأَرض خَرْقاً أَي جُبْتها. و خَرقَ الأَرض يَخرُقها: قطعها حتى بلغ أَقْصاها، ولذلك سمي الثور مِخْراقاً. وقيل: إِنما سمّي الثور الوحشي مِخراقاً لقطْعِهِ البلادَ البعِيدة؛ ومنه قول عدي:
كالنَّابىءِ المِخْراقِ ][ ابن منظور]
=====================
دهن
(ابن منظور ) دهن : الدُّهْن: معروف. دَهَنَ رأْسه وغيره يَدْهُنه دَهْناً: بلَّه، والاسم الدُّهْن، والجمع أَدْهان و دِهان. وفي حديث سَمُرة: فيخرجُون منه كأَنما دُهنوا بالدِّهان؛ ومنه حديث قتادة بن مَلْحان: كنت إِذا رأَيته كأَنَّ على وجهه الدِّهان و الدُّهْنَة: الطائفة من الدُّهْن؛ أَنشد ثعلَب:
فما رِيحُ رَيْحانٍ بمسك بعنبرٍ،uu1-L2 برَنْدٍ بكافورٍ بدُهْنةِ بانِ،،وجدتُ حَبيبي خالياً بمكانِ
وقد ادَّهَن بالدُّهْن. ويقال: دَهَنْتُه بالدِّهان أَدْهنُه و تَدَهّن هو و ادَّهن أَيضاً، على افْتعل، إِذا تَطَلَّى بالدُّهن. التهذيب: الدُّهن الاسم، و الدَّهْن الفعل المُجاوِز، والادِّهان الفعل اللازم ...............
و المُداهَنَة و الإِدْهانُ: المُصانَعَة واللِّين، وقيل: المُداهَنَة إِظهارُ خلاف ما يُضْمِر. و الإِدْهانُ: الغِش. و دَهَنَ الرجلُ إِذا نافق. و دَهَنَ غلامَه إِذا ضربه، و دَهَنه بالعصا يَدْهُنه دَهْناً: ضربه بها، وهذا كما يقال مَسَحه بالعصا وبالسيف إِذا ضربه بِرِفْق. الجوهري: و المُداهَنة و الإِدْهان كالمُصانعَة. وفي التنزيل العزيز: {ودُّوا لو تُدْهِنُ فيدهنون } وقال قوم: دَاهَنت بمعنى واريت، و أَدْهَنت بمعنى غَشَشْت. وقال الفراء: معنى قوله عز وجل: ودّوا لو تدهن فيدهنون، ودُّوا لو تَكْفُر فيكفرون، وقال في قوله (عز وجل): {أَفبهذا الحديث أَنتم مُدْهِنون}؛ أَي مُكَذِّبون، ويقال: كافرون.(1/193)
وقوله: ودُّوا لو تُدْهن فيُدهِنون، ودّوا لو تَلِينُ في دِينك فيَلِينون. وقال أَبو الهيثم: الإِدْهان المُقارَبَة في الكلام والتَّليين في القول، من ذلك قوله: ودُّوا لو تدهن فيدهنون؛ أَي ودُّوا لو تُصانِعهم في الدِّين فيُصانِعوك
الليث: الإِدْهان: اللِّين. و المُداهن: المُصانع. قال زهير:
وفي الحِلْمِ إِدْهان، وفي العَفْوِ دُرْبَةٌ،
وفي الصِّدْق مَنْجاةٌ من الشَّرِّ، فاصْدُقِ
وقال أَبو بكر الأَنباري: أَصل الإِدْهان الإِبْقاء؛ يقال: لا تُدْهِنْ عليه أَي لا تُبْقِ عليه. وقال اللحياني: يقال ما أَدهنت إِلا على نفسك أَي ما أَبقيت؛ بالدال. ويقال: ما أَرْهَيت ذلك أَي ما تركته ساكناً، والإِرهاء: الإِسكان. وقال بعض أَهل اللغة: معنى داهَن وأَدْهن أَي أَظهر خلاف ما أَضمر، فكأَنه بيَّنَ الكذب على نفسه }[ ابن منظور ]
سفينة
(ابن منظور ) سفن السَّفْنُ القَشْر سَفَن الشيءَ يَسْفِنه سَفْناً قشره؛ قال امرؤُ القيس
فجاءَ خَفِيًّا يَسْفِنُ الأَرضَ بَطْنُه
تَرى التُّرْبَ منه لاصِقاً كلَّ مَلْصَق
وإِنما جاء متلبداً على الأَرض لئلا يراه الصيد فينفر منه السَّفِينة الفُلْك لأَنها تَسْفِن وجه الماء أي تقشره فَعِيلة بمعنى فاعلة وقيل لها سفينة لأَنها تَسْفِنُ الرمل إِذا قَلَّ الماء قال ويكون مأْخوذاً من السفن وهو الفأْس التي يَنْحَت بها النجارُ فهي في هذه الحال فعيلة بمعنى مفعولة وقيل سميت السفينة سفينة لأَنها تَسْفِنُ على وجه الأَرض أي تَلزَق بها قال ابن دريد سفينة فعيلة بمعنى فاعلة كأَنها تَسْفِنُ الماء أي تَقشِره والجمع سَفائن سُفُن سَفِين؛ قال عمرو بن كلثوم
مَلأْنا البَرَّ حتي ضاقَ عَنَّا
ومَوْجُ البحر نَمْلَؤُه سَفينا
قال العجاج
وهَمَّ رَعْلُ الآلِ أن يكونا بحْراً يَكُبُّ الحُوتَ والسَّفِينا
وقال المثَقَّب العَبدي
كأَنَّ حُدوجَهُنَّ على سَفِين(1/194)
سيبويه أما سَفائن فعلى بابه وفُعُلٌ داخل عليه لأَن فُعُلاً في مثل هذا قليل
وإِنما شبهوه بقَلِيب وقُلُب كأَنهم جمعوا سَفيناً حين علموا أن الهاء ساقطة شبهوها بجُفْرةٍ وجِفارٍ حين أجرَوْها مُجرى جُمْد وجِماد السَّفَّانُ صانع السُّفن وسائسها وحِرْفَته السِّفانة }[ابن منظور]
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
استقى (ابن منظور) :( سقي السَّقْيُ معروف والاسم السُّقْيا بالضم وسَقاهُ اللَّهُ الغيثَ أَسْقاهُ وقد جَمَعَهما لَبيدٌ في قوله
سَقى قَوْمي بني مَجْدٍ وأَسْقى
نُمَيْراً والقبائِلَ من هِلالِ
ويقال سَقَيْته لشَفَتِه أَسْقَيْته لِماشِيَ وأَرْضِهِ والاسْمُ السَّقْيُ بالكسر والجمع الأَسْقِيَةُ قال أَبو ذؤيب يَصِفُ مُشْتارَ عَسَل فجاء بمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مِثْلَهُ
هو الضِّحْكُ إِلاَّ أَنه عَمَلُ النَّخْلِ يَمانيةٍ أجبى لهَا مَظَّ مائِدٍ
والِ فُراسٍ صَوبُ أسقتةٍ كُحْلِ
قال الجوهري هذا قول الأَصمعي؛ ويرويه أَبو عبيدة
صوبُ أَرْمِيَةٍ كُحْلِوهما بمعنًى قال ابن بري والمَزْجُ العَسَل والضَّحْكُ الثَّغْرُ شبَّه العَسَل به في بياضِه ويمانِيةٍ يريدُ به العَسَل والمَظُّ رمّانِ البَرِّ الأَسْقِيةُ جمع سِقْيٍ وهي السَّحابة وكُحْلٍ سودٍ أَي سحائبَ سودٍ ؛ يقول أَجْبى نَبْتَ هذا الموضعِ صَوْبُ هذه السحائب 00000
===============================(1/195)
استهموا(ابن منظور )( سهم السَّهْمُ واحد السِّهَام السَّهْمُ النصيب المحكم السَّهْم الحظُّ والجمع سُهْمان سُهْمة؛ الأَخيرة كأُخْوة وفي هذا الأَمر سُهْمة أَي نصيب وحظّ من أَثَر كان لي فيه وفي الحديث كان للنبي سَهْم من الغنيمة شَهِد أَو غاب السَّهْم في الأَصل واحد السِّهام التي يُضْرَب بها في المَيْسِر وهي القِداح ثم سُمِّيَ به ما يفوز به الفالِجُ سَهْمُهُ ثم كثر حتى سمي كل نصيب سَهْماً وتجمع على أَسْهُمٍ سِهام سُهمان ومنه الحديث ما أَدري ما السُّهْمانُ وفي حديث عمر فلقد رأَيتُنا نَسْتَفِيءُ سُهْمانها،وحديث بُرَيْدَةَ خرج سَهْمُك أَي بالفَلْجِ والظَّفِرِ السَّهْمِ القِدْح الذي يُقارَع به والجمع سِهام اسْتَهَمَ الرجلان تقارعا ساهَمَ القومَ فسَهَمَهُمْ سَهْماً قارعهم فَقَرَعَهُمْ ساهَمْتُهُ أَي قارعته فَسَمَهْتُهُ أَسْهَمُه بالفتح أَسْهَمَ بينهم أَي أَقْرَعَ اسْتَهَمُوا أَي اقترعوا وتَساهَمُوا أَي تقارعوا وفي التنزيل
{فساهَمَ فكان من المُدْحَضِين} ؛ يقول قارَعَ أَهْلَ السفينة فَقُرِعَ
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
أصاب
(ابن منظور ){ صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ،000000000000
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوب
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيت لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة.
00000000000000(1/196)
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّه الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و ااسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
000000000000000
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون مانالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
000000000000000
صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.(1/197)
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ، وقوله تعالى: {أَو كَصَيِّبٍ من السماء}، قال أَبو إِسح?ق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمنافقين؛ كأَنَّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّب؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم}. وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوب؛ وأَنشد:
كأَنَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةُ،
صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ
وقال الليث: الصَّوْبُ المطر.
و صابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، و صابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها. و صابَ الماءَ و صَوَّبه. صبَّه وأَراقَه؛ أَنشد ثعلب في صفة ساقِيينِ:
وحَبَشِيَّينِ، إِذا تَحَلَّبا،
قالا نَعَمْ، وصَوَّبا
و التَّصَوُّبُ: حَدَبٌ في حُدُورٍ، و التَّصَوُّبُ: الانحدار. و التَّصْوِيبُ: خلاف التَّصْعِيدِ.
و صَوَّبَ رأْسَه: خَفَضَه. التهذيب: صَوَّبتُ الإِناءَ ورأْسَ الخشبة تَصْويبا إِذا خَفَضْته؛ وكُرِه تَصْويبُ الرأْسِ في الصلاة. وفي الحديث: من قَطَعَ سِدْرةً صَوَّبَ الله رأْسَه في النار؛ سُئِلَ أَبو داود السِّجسْتانيّ عن هذا الحديث، فقال: هو مُخْتَصَر، ومعناه: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فلاة، يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السبيل، بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأْسَه أَي نكَّسَه؛ ومن الحديث: و صَوَّبَ يَده أَي خَفَضَها.
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوْبِ.
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:(1/198)
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيتُ لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة. قال ابن بري: وفي هذا البيتِ شاهدٌ على أَن قولَهم مَلَك حُذِفت منه همزتُه وخُفِّفَت بنقل حركتِها على ما قبلَها، بدليل قولهم مَلائكة فأُعِيدت الهمزة في الجمع، ويقول الشاعر: ولكن لَمْلأَك، فأَعاد الهمزة، والأَصل في الهمزة أَن تكون قبل اللام لأَنه من الأَلُوكَة، وهي الرسالة، فكأَنَّ أَصلَ مَلأَكٍ أَن يكون مأْلَكاً، وإِنما أَخروها بعد اللام ليكون طريقاً إِلى حذفها، لأَن الهمزة متى ما سكن ما قبلها، جاز حذفها وإِلقاء حركتها على ما قبلها.
و الصَّوْبُ مثل الصَّيِّب، وتقول: صابَهُ المَطَرُ أَي مُطِرَ. وفي حديث الاستسقاء: اللَّهم اسقِنا غيثاً صَيِّباً؛ اي مُنْهَمِراً متدفقاً. و صَوَّبْتُ الفرسَ إِذا أَرسلته في الجَرْيِ؛ قال امرؤ القيس:
فَصَوَّبْتُه، كأَنه صَوْبُ غَيْبَةٍ،
على الأَمْعَزِ الضاحي، إِذا سِيطَ أَحْضَرا
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّهُ الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه؛ و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،(1/199)
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و اسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
و أَصابه بكذا: فَجَعه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم وأَموالهم: جاحَهُم فيها فَفَجَعَهم.
ابن الأَعرابي: ما كنتُ مُصاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرجلُ لآخر: أَنتَ مُصابٌ، قال: أَنتَ أَصْوَبُ مِني؛ حكاه ابن الأَعرابي، و أَصابَتْه مُصيبةٌ فهو مُصابٌ.(1/200)
و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، وكذلك المُصابةُ و المَصُوبة، بضم الصاد، والتاء للداهية أَو المبالغة، والجمع مَصاوِبُ و مَصَائِبُ، الأَخير على غير قياس، تَوَهَّمُوا مُفْعِلة فَعِيلة التي ليس لها في الياءِ ولا الواو أَصل. التهذيب: قال الزجَّاج أَجمع النحويون على أَنْ حَكَوْا مَصَائِبَ في جمع مُصِيبة، بالهمز، وأَجمعوا أَنَّ الاختيارَ مَصاوِبُ، وإِنما مَصائِبُ عندهم بالهمز من الشاذ. قال: وهذا عندي إِنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا وسادة وإِسادة؛ قال: وزعم الأَخفش أَن مَصائِبَ إِنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو، لأَنها أُعِلَّتْ في مُصِيبة. قال الزجَّاج: وهذا رديء لأَنه يلزم أَن يقال في مَقَام مَقَائِم، وفي مَعُونة مَعائِن. وقال أَحمدُ بن يحيى: مُصِيبَة كانت في الأَصل مُصْوِبة. ومثله: أَقيموا الصلاة، أَصله أَقْوِمُوا، فأَلْقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرت، وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف. وقال الفراء: يُجْمَعُ الفُواق أَفْيِقَةً، والأَصل أَفْوِقةٌ. وقال ابن بُزُرْجَ: تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم أَي على طَبَقاتِهِم ومَنازِلهم. وفي الحديث: من يُرِدِ اللَّهُ به خيراً يُصِبْ منه، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها، وهو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان.
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون ما نالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
و المُصابُ: الإِصابةُ: قال الحارثُ بن خالد المخزومي:
أَسُلَيْمَ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أَهْدَى السَّلاَمَ، تَحيَّةً، ظُلْمُ
أَقْصَدْتِه وأَرادَ سِلْمَكُمُ،
إِذْ جاءَكُم، فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ(1/201)
قال ابن بري: هذا البيت ليس للعَرْجِيِّ، كما ظنه الحريري، فقال في دُرَّة الغواص: هو للعَرْجِيِّ. وصوابه: أَظُلَيْم؛ وظُلَيم: ترخيم ظُلَيْمة، وظُلَيْمة: تصغير ظَلُوم تصغير الترخيم. ويروى: أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابكم. وظُلَيْمُ: هي أُمُّ عمْران، زوجة عبدِا بن مُطِيعٍ، وكان الحارثُ يَنْسِبُ بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلاً: منصوبٌ بمُصابٍ، يعني: إِنَّ إِصابَتَكم رجلاً؛ وظُلْم: خبر إِنَّ.
وأَجمعت العرب على همز المَصائِب، وأَصله الواو، كأَنهم شبهوا الأَصليّ بالزائد. وقولُهم للشِّدة إِذا نزلتْ: صَابَتْ بَقُرَ أَي صارت الشِّدَّة في قَرَارِها.
صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ، وقوله تعالى: {أَو كَصَيِّبٍ من السماء}، قال أَبو إِسح?ق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمنافقين؛ كأَنَّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّب؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم}. وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوب؛ وأَنشد:
كأَنَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةُ،
صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ
وقال الليث: الصَّوْبُ المطر.
و صابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، و صابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها. و صابَ الماءَ و صَوَّبه. صبَّه وأَراقَه؛ أَنشد ثعلب في صفة ساقِيينِ:
وحَبَشِيَّينِ، إِذا تَحَلَّبا،
قالا نَعَمْ، وصَوَّبا
و التَّصَوُّبُ: حَدَبٌ في حُدُورٍ، و التَّصَوُّبُ: الانحدار. و التَّصْوِيبُ: خلاف التَّصْعِيدِ.(1/202)
و صَوَّبَ رأْسَه: خَفَضَه. التهذيب: صَوَّبتُ الإِناءَ ورأْسَ الخشبة تَصْويبا إِذا خَفَضْته؛ وكُرِه تَصْويبُ الرأْسِ في الصلاة. وفي الحديث: من قَطَعَ سِدْرةً صَوَّبَ الله رأْسَه في النار؛ سُئِلَ أَبو داود السِّجسْتانيّ عن هذا الحديث، فقال: هو مُخْتَصَر، ومعناه: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فلاة، يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السبيل، بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأْسَه أَي نكَّسَه؛ ومن الحديث: و صَوَّبَ يَده أَي خَفَضَها.
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوْبِ.
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيتُ لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة. قال ابن بري: وفي هذا البيتِ شاهدٌ على أَن قولَهم مَلَك حُذِفت منه همزتُه وخُفِّفَت بنقل حركتِها على ما قبلَها، بدليل قولهم مَلائكة فأُعِيدت الهمزة في الجمع، ويقول الشاعر: ولكن لَمْلأَك، فأَعاد الهمزة، والأَصل في الهمزة أَن تكون قبل اللام لأَنه من الأَلُوكَة، وهي الرسالة، فكأَنَّ أَصلَ مَلأَكٍ أَن يكون مأْلَكاً، وإِنما أَخروها بعد اللام ليكون طريقاً إِلى حذفها، لأَن الهمزة متى ما سكن ما قبلها، جاز حذفها وإِلقاء حركتها على ما قبلها.
و الصَّوْبُ مثل الصَّيِّب، وتقول: صابَهُ المَطَرُ أَي مُطِرَ. وفي حديث الاستسقاء: اللَّهم اسقِنا غيثاً صَيِّباً؛ اي مُنْهَمِراً متدفقاً. و صَوَّبْتُ الفرسَ إِذا أَرسلته في الجَرْيِ؛ قال امرؤ القيس:
فَصَوَّبْتُه، كأَنه صَوْبُ غَيْبَةٍ،
على الأَمْعَزِ الضاحي، إِذا سِيطَ أَحْضَرا(1/203)
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّهُ الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه؛ و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و اسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
و أَصابه بكذا: فَجَعه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم وأَموالهم: جاحَهُم فيها فَفَجَعَهم.
ابن الأَعرابي: ما كنتُ مُصاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرجلُ لآخر: أَنتَ مُصابٌ، قال: أَنتَ أَصْوَبُ مِني؛ حكاه ابن الأَعرابي، و أَصابَتْه مُصيبةٌ فهو مُصابٌ.(1/204)
و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، وكذلك المُصابةُ و المَصُوبة، بضم الصاد، والتاء للداهية أَو المبالغة، والجمع مَصاوِبُ و مَصَائِبُ، الأَخير على غير قياس، تَوَهَّمُوا مُفْعِلة فَعِيلة التي ليس لها في الياءِ ولا الواو أَصل. التهذيب: قال الزجَّاج أَجمع النحويون على أَنْ حَكَوْا مَصَائِبَ في جمع مُصِيبة، بالهمز، وأَجمعوا أَنَّ الاختيارَ مَصاوِبُ، وإِنما مَصائِبُ عندهم بالهمز من الشاذ. قال: وهذا عندي إِنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا وسادة وإِسادة؛ قال: وزعم الأَخفش أَن مَصائِبَ إِنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو، لأَنها أُعِلَّتْ في مُصِيبة. قال الزجَّاج: وهذا رديء لأَنه يلزم أَن يقال في مَقَام مَقَائِم، وفي مَعُونة مَعائِن. وقال أَحمدُ بن يحيى: مُصِيبَة كانت في الأَصل مُصْوِبة. ومثله: أَقيموا الصلاة، أَصله أَقْوِمُوا، فأَلْقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرت، وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف. وقال الفراء: يُجْمَعُ الفُواق أَفْيِقَةً، والأَصل أَفْوِقةٌ. وقال ابن بُزُرْجَ: تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم أَي على طَبَقاتِهِم ومَنازِلهم. وفي الحديث: من يُرِدِ اللَّهُ به خيراً يُصِبْ منه، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها، وهو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان.
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون ما نالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
و المُصابُ: الإِصابةُ: قال الحارثُ بن خالد المخزومي:
أَسُلَيْمَ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أَهْدَى السَّلاَمَ، تَحيَّةً، ظُلْمُ
أَقْصَدْتِه وأَرادَ سِلْمَكُمُ،
إِذْ جاءَكُم، فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ(1/205)
قال ابن بري: هذا البيت ليس للعَرْجِيِّ، كما ظنه الحريري، فقال في دُرَّة الغواص: هو للعَرْجِيِّ. وصوابه: أَظُلَيْم؛ وظُلَيم: ترخيم ظُلَيْمة، وظُلَيْمة: تصغير ظَلُوم تصغير الترخيم. ويروى: أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابكم. وظُلَيْمُ: هي أُمُّ عمْران، زوجة عبدِا بن مُطِيعٍ، وكان الحارثُ يَنْسِبُ بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلاً: منصوبٌ بمُصابٍ، يعني: إِنَّ إِصابَتَكم رجلاً؛ وظُلْم: خبر إِنَّ.
وأَجمعت العرب على همز المَصائِب، وأَصله الواو، كأَنهم شبهوا الأَصليّ بالزائد. وقولُهم للشِّدة إِذا نزلتْ: صَابَتْ بَقُرَ أَي صارت الشِّدَّة في قَرَارِها.
جميع الحقوق محفوظة لشركة العريس للكمبيوتر صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ، وقوله تعالى: {أَو كَصَيِّبٍ من السماء}، قال أَبو إِسح?ق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمنافقين؛ كأَنَّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّب؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم}. وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوب؛ وأَنشد:
كأَنَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةُ،
صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ
وقال الليث: الصَّوْبُ المطر.
و صابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، و صابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها. و صابَ الماءَ و صَوَّبه. صبَّه وأَراقَه؛ أَنشد ثعلب في صفة ساقِيينِ:
وحَبَشِيَّينِ، إِذا تَحَلَّبا،
قالا نَعَمْ، وصَوَّبا
و التَّصَوُّبُ: حَدَبٌ في حُدُورٍ، و التَّصَوُّبُ: الانحدار. و التَّصْوِيبُ: خلاف التَّصْعِيدِ.(1/206)
و صَوَّبَ رأْسَه: خَفَضَه. التهذيب: صَوَّبتُ الإِناءَ ورأْسَ الخشبة تَصْويبا إِذا خَفَضْته؛ وكُرِه تَصْويبُ الرأْسِ في الصلاة. وفي الحديث: من قَطَعَ سِدْرةً صَوَّبَ الله رأْسَه في النار؛ سُئِلَ أَبو داود السِّجسْتانيّ عن هذا الحديث، فقال: هو مُخْتَصَر، ومعناه: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فلاة، يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السبيل، بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأْسَه أَي نكَّسَه؛ ومن الحديث: و صَوَّبَ يَده أَي خَفَضَها.
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوْبِ.
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيتُ لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة. قال ابن بري: وفي هذا البيتِ شاهدٌ على أَن قولَهم مَلَك حُذِفت منه همزتُه وخُفِّفَت بنقل حركتِها على ما قبلَها، بدليل قولهم مَلائكة فأُعِيدت الهمزة في الجمع، ويقول الشاعر: ولكن لَمْلأَك، فأَعاد الهمزة، والأَصل في الهمزة أَن تكون قبل اللام لأَنه من الأَلُوكَة، وهي الرسالة، فكأَنَّ أَصلَ مَلأَكٍ أَن يكون مأْلَكاً، وإِنما أَخروها بعد اللام ليكون طريقاً إِلى حذفها، لأَن الهمزة متى ما سكن ما قبلها، جاز حذفها وإِلقاء حركتها على ما قبلها.
و الصَّوْبُ مثل الصَّيِّب، وتقول: صابَهُ المَطَرُ أَي مُطِرَ. وفي حديث الاستسقاء: اللَّهم اسقِنا غيثاً صَيِّباً؛ اي مُنْهَمِراً متدفقاً. و صَوَّبْتُ الفرسَ إِذا أَرسلته في الجَرْيِ؛ قال امرؤ القيس:
فَصَوَّبْتُه، كأَنه صَوْبُ غَيْبَةٍ،
على الأَمْعَزِ الضاحي، إِذا سِيطَ أَحْضَرا(1/207)
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّهُ الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه؛ و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و اسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
و أَصابه بكذا: فَجَعه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم وأَموالهم: جاحَهُم فيها فَفَجَعَهم.
ابن الأَعرابي: ما كنتُ مُصاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرجلُ لآخر: أَنتَ مُصابٌ، قال: أَنتَ أَصْوَبُ مِني؛ حكاه ابن الأَعرابي، و أَصابَتْه مُصيبةٌ فهو مُصابٌ.(1/208)
و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، وكذلك المُصابةُ و المَصُوبة، بضم الصاد، والتاء للداهية أَو المبالغة، والجمع مَصاوِبُ و مَصَائِبُ، الأَخير على غير قياس، تَوَهَّمُوا مُفْعِلة فَعِيلة التي ليس لها في الياءِ ولا الواو أَصل. التهذيب: قال الزجَّاج أَجمع النحويون على أَنْ حَكَوْا مَصَائِبَ في جمع مُصِيبة، بالهمز، وأَجمعوا أَنَّ الاختيارَ مَصاوِبُ، وإِنما مَصائِبُ عندهم بالهمز من الشاذ. قال: وهذا عندي إِنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا وسادة وإِسادة؛ قال: وزعم الأَخفش أَن مَصائِبَ إِنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو، لأَنها أُعِلَّتْ في مُصِيبة. قال الزجَّاج: وهذا رديء لأَنه يلزم أَن يقال في مَقَام مَقَائِم، وفي مَعُونة مَعائِن. وقال أَحمدُ بن يحيى: مُصِيبَة كانت في الأَصل مُصْوِبة. ومثله: أَقيموا الصلاة، أَصله أَقْوِمُوا، فأَلْقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرت، وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف. وقال الفراء: يُجْمَعُ الفُواق أَفْيِقَةً، والأَصل أَفْوِقةٌ. وقال ابن بُزُرْجَ: تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم أَي على طَبَقاتِهِم ومَنازِلهم. وفي الحديث: من يُرِدِ اللَّهُ به خيراً يُصِبْ منه، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها، وهو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان.
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون ما نالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
و المُصابُ: الإِصابةُ: قال الحارثُ بن خالد المخزومي:
أَسُلَيْمَ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أَهْدَى السَّلاَمَ، تَحيَّةً، ظُلْمُ
أَقْصَدْتِه وأَرادَ سِلْمَكُمُ،
إِذْ جاءَكُم، فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ(1/209)
قال ابن بري: هذا البيت ليس للعَرْجِيِّ، كما ظنه الحريري، فقال في دُرَّة الغواص: هو للعَرْجِيِّ. وصوابه: أَظُلَيْم؛ وظُلَيم: ترخيم ظُلَيْمة، وظُلَيْمة: تصغير ظَلُوم تصغير الترخيم. ويروى: أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابكم. وظُلَيْمُ: هي أُمُّ عمْران، زوجة عبدِا بن مُطِيعٍ، وكان الحارثُ يَنْسِبُ بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلاً: منصوبٌ بمُصابٍ، يعني: إِنَّ إِصابَتَكم رجلاً؛ وظُلْم: خبر إِنَّ.
وأَجمعت العرب على همز المَصائِب، وأَصله الواو، كأَنهم شبهوا الأَصليّ بالزائد. وقولُهم للشِّدة إِذا نزلتْ: صَابَتْ بَقُرَ أَي صارت الشِّدَّة في قَرَارِها.
جميع الحقوق محفوظة لشركة العريس للكمبيوتر صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ، وقوله تعالى: {أَو كَصَيِّبٍ من السماء}، قال أَبو إِسح?ق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمنافقين؛ كأَنَّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّب؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم}. وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوب؛ وأَنشد:
كأَنَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةُ،
صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ
وقال الليث: الصَّوْبُ المطر.
و صابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، و صابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها. و صابَ الماءَ و صَوَّبه. صبَّه وأَراقَه؛ أَنشد ثعلب في صفة ساقِيينِ:
وحَبَشِيَّينِ، إِذا تَحَلَّبا،
قالا نَعَمْ، وصَوَّبا
و التَّصَوُّبُ: حَدَبٌ في حُدُورٍ، و التَّصَوُّبُ: الانحدار. و التَّصْوِيبُ: خلاف التَّصْعِيدِ.(1/210)
و صَوَّبَ رأْسَه: خَفَضَه. التهذيب: صَوَّبتُ الإِناءَ ورأْسَ الخشبة تَصْويبا إِذا خَفَضْته؛ وكُرِه تَصْويبُ الرأْسِ في الصلاة. وفي الحديث: من قَطَعَ سِدْرةً صَوَّبَ الله رأْسَه في النار؛ سُئِلَ أَبو داود السِّجسْتانيّ عن هذا الحديث، فقال: هو مُخْتَصَر، ومعناه: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فلاة، يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السبيل، بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأْسَه أَي نكَّسَه؛ ومن الحديث: و صَوَّبَ يَده أَي خَفَضَها.
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوْبِ.
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيتُ لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة. قال ابن بري: وفي هذا البيتِ شاهدٌ على أَن قولَهم مَلَك حُذِفت منه همزتُه وخُفِّفَت بنقل حركتِها على ما قبلَها، بدليل قولهم مَلائكة فأُعِيدت الهمزة في الجمع، ويقول الشاعر: ولكن لَمْلأَك، فأَعاد الهمزة، والأَصل في الهمزة أَن تكون قبل اللام لأَنه من الأَلُوكَة، وهي الرسالة، فكأَنَّ أَصلَ مَلأَكٍ أَن يكون مأْلَكاً، وإِنما أَخروها بعد اللام ليكون طريقاً إِلى حذفها، لأَن الهمزة متى ما سكن ما قبلها، جاز حذفها وإِلقاء حركتها على ما قبلها.
و الصَّوْبُ مثل الصَّيِّب، وتقول: صابَهُ المَطَرُ أَي مُطِرَ. وفي حديث الاستسقاء: اللَّهم اسقِنا غيثاً صَيِّباً؛ اي مُنْهَمِراً متدفقاً. و صَوَّبْتُ الفرسَ إِذا أَرسلته في الجَرْيِ؛ قال امرؤ القيس:
فَصَوَّبْتُه، كأَنه صَوْبُ غَيْبَةٍ،
على الأَمْعَزِ الضاحي، إِذا سِيطَ أَحْضَرا(1/211)
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّهُ الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه؛ و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و اسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
و أَصابه بكذا: فَجَعه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم وأَموالهم: جاحَهُم فيها فَفَجَعَهم.
ابن الأَعرابي: ما كنتُ مُصاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرجلُ لآخر: أَنتَ مُصابٌ، قال: أَنتَ أَصْوَبُ مِني؛ حكاه ابن الأَعرابي، و أَصابَتْه مُصيبةٌ فهو مُصابٌ.(1/212)
و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، وكذلك المُصابةُ و المَصُوبة، بضم الصاد، والتاء للداهية أَو المبالغة، والجمع مَصاوِبُ و مَصَائِبُ، الأَخير على غير قياس، تَوَهَّمُوا مُفْعِلة فَعِيلة التي ليس لها في الياءِ ولا الواو أَصل. التهذيب: قال الزجَّاج أَجمع النحويون على أَنْ حَكَوْا مَصَائِبَ في جمع مُصِيبة، بالهمز، وأَجمعوا أَنَّ الاختيارَ مَصاوِبُ، وإِنما مَصائِبُ عندهم بالهمز من الشاذ. قال: وهذا عندي إِنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا وسادة وإِسادة؛ قال: وزعم الأَخفش أَن مَصائِبَ إِنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو، لأَنها أُعِلَّتْ في مُصِيبة. قال الزجَّاج: وهذا رديء لأَنه يلزم أَن يقال في مَقَام مَقَائِم، وفي مَعُونة مَعائِن. وقال أَحمدُ بن يحيى: مُصِيبَة كانت في الأَصل مُصْوِبة. ومثله: أَقيموا الصلاة، أَصله أَقْوِمُوا، فأَلْقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرت، وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف. وقال الفراء: يُجْمَعُ الفُواق أَفْيِقَةً، والأَصل أَفْوِقةٌ. وقال ابن بُزُرْجَ: تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم أَي على طَبَقاتِهِم ومَنازِلهم. وفي الحديث: من يُرِدِ اللَّهُ به خيراً يُصِبْ منه، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها، وهو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان.
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون ما نالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
و المُصابُ: الإِصابةُ: قال الحارثُ بن خالد المخزومي:
أَسُلَيْمَ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أَهْدَى السَّلاَمَ، تَحيَّةً، ظُلْمُ
أَقْصَدْتِه وأَرادَ سِلْمَكُمُ،
إِذْ جاءَكُم، فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ(1/213)
قال ابن بري: هذا البيت ليس للعَرْجِيِّ، كما ظنه الحريري، فقال في دُرَّة الغواص: هو للعَرْجِيِّ. وصوابه: أَظُلَيْم؛ وظُلَيم: ترخيم ظُلَيْمة، وظُلَيْمة: تصغير ظَلُوم تصغير الترخيم. ويروى: أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابكم. وظُلَيْمُ: هي أُمُّ عمْران، زوجة عبدِا بن مُطِيعٍ، وكان الحارثُ يَنْسِبُ بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلاً: منصوبٌ بمُصابٍ، يعني: إِنَّ إِصابَتَكم رجلاً؛ وظُلْم: خبر إِنَّ.
وأَجمعت العرب على همز المَصائِب، وأَصله الواو، كأَنهم شبهوا الأَصليّ بالزائد. وقولُهم للشِّدة إِذا نزلتْ: صَابَتْ بَقُرَ أَي صارت الشِّدَّة في قَرَارِها.
صوب : الصَّوْبُ: نُزُولُ المَطَر.
صَابَ المَطَرُ صَوْباً، و انْصابَ: كلاهما انْصَبَّ. ومَطَرٌ صَوْبٌ و صَيِّبٌ و صَيُّوبٌ، وقوله تعالى: {أَو كَصَيِّبٍ من السماء}، قال أَبو إِسح?ق: الصَّيِّبُ هنا المطر، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه الله تعالى للمنافقين؛ كأَنَّ المعنى: أَو كأَصْحابِ صَيِّب؛ فَجَعَلَ دينَ الإِسلام لهم مثلاً فيما ينالُهم فيه من الخَوْفِ والشدائد، وجَعَلَ ما يَسْتَضِيئُون به من البرق مثلاً لما يستضيئُون به من الإِسلام، وما ينالهم من الخوف في البرق بمنزلة ما يخافونه من القتل. قال: والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَحْسَبُون كُلَّ صَيْحَةٍ عليهم}. وكُلُّ نازِلٍ من عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، فقد صابَ يَصُوب؛ وأَنشد:
كأَنَّهمُ صابتْ عليهم سَحابَةُ،
صَواعِقُها لطَيرهنَّ دَبيبُ
وقال الليث: الصَّوْبُ المطر.
و صابَ الغيثُ بمكان كذا وكذا، و صابَتِ السَّماءُ الأَرضَ: جادَتْها. و صابَ الماءَ و صَوَّبه. صبَّه وأَراقَه؛ أَنشد ثعلب في صفة ساقِيينِ:
وحَبَشِيَّينِ، إِذا تَحَلَّبا،
قالا نَعَمْ، وصَوَّبا
و التَّصَوُّبُ: حَدَبٌ في حُدُورٍ، و التَّصَوُّبُ: الانحدار. و التَّصْوِيبُ: خلاف التَّصْعِيدِ.(1/214)
و صَوَّبَ رأْسَه: خَفَضَه. التهذيب: صَوَّبتُ الإِناءَ ورأْسَ الخشبة تَصْويبا إِذا خَفَضْته؛ وكُرِه تَصْويبُ الرأْسِ في الصلاة. وفي الحديث: من قَطَعَ سِدْرةً صَوَّبَ الله رأْسَه في النار؛ سُئِلَ أَبو داود السِّجسْتانيّ عن هذا الحديث، فقال: هو مُخْتَصَر، ومعناه: مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً في فلاة، يَسْتَظِلُّ بها ابنُ السبيل، بغير حق يكون له فيها، صَوَّبَ الله رأْسَه أَي نكَّسَه؛ ومن الحديث: و صَوَّبَ يَده أَي خَفَضَها.
و الإِصابةُ: خلافُ الإِصْعادِ، وقد أَصابَ الرجلُ؛ قال كُثَيِّر عَزَّةَ.
ويَصْدُرُ شَتَّى من مُصِيبٍ ومُصْعِدٍ،
إِذا ما خَلَتْ، مِمَّنْ يَحِلُّ، المنازِلُ
و الصَّيِّبُ: السحابُ ذو الصَّوْبِ.
و صابَ أَي نَزَلَ؛ قال الشاعر:
فَلَسْتَ لإِنْسِيَ ولكن لَمْلأَكٍ،
تَنَزَّلَ منَ جَوِّ السماءِ يَصوبُ
قال ابن بري: البيتُ لرجلٍ من عبدِ القيس يمدَحُ النُّعْمانَ؛ قيل: هو لأَبي وجزَة يمدح عبدَا بن الزُّبير؛ وقيل: هو لَعلْقَمة بن عَبْدَة. قال ابن بري: وفي هذا البيتِ شاهدٌ على أَن قولَهم مَلَك حُذِفت منه همزتُه وخُفِّفَت بنقل حركتِها على ما قبلَها، بدليل قولهم مَلائكة فأُعِيدت الهمزة في الجمع، ويقول الشاعر: ولكن لَمْلأَك، فأَعاد الهمزة، والأَصل في الهمزة أَن تكون قبل اللام لأَنه من الأَلُوكَة، وهي الرسالة، فكأَنَّ أَصلَ مَلأَكٍ أَن يكون مأْلَكاً، وإِنما أَخروها بعد اللام ليكون طريقاً إِلى حذفها، لأَن الهمزة متى ما سكن ما قبلها، جاز حذفها وإِلقاء حركتها على ما قبلها.
و الصَّوْبُ مثل الصَّيِّب، وتقول: صابَهُ المَطَرُ أَي مُطِرَ. وفي حديث الاستسقاء: اللَّهم اسقِنا غيثاً صَيِّباً؛ اي مُنْهَمِراً متدفقاً. و صَوَّبْتُ الفرسَ إِذا أَرسلته في الجَرْيِ؛ قال امرؤ القيس:
فَصَوَّبْتُه، كأَنه صَوْبُ غَيْبَةٍ،
على الأَمْعَزِ الضاحي، إِذا سِيطَ أَحْضَرا(1/215)
و الصَّوابُ: ضدُّ الخطإِ. و صَوَّبه: قال له أَصَبْتَ. و أَصابَ: جاءَ بالصواب. و أَصابَ: أَراد الصوابَ؛ و أَصابَ في قوله، و أَصابَ القِرْطاسَ، و أَصابَ في القِرْطاس. وفي حديث أَبي وائل: كان يُسْأَلُ عن التفسير، فيقول: أَصابَ اللَّهُ الذي أَراد، يعني أَرادَ اللَّهُ الذي أَرادَ؛ وأَصله من الصواب، وهو ضدُّ الخطإِ.
يقال: أَصاب فلانٌ في قوله وفِعْلِه؛ و أَصابَ السهمُ القِرْطاسَ إِذا لم يُخْطِىءُ؛ وقولٌ صَوْبٌ و صَوابٌ. قال الأَصمعي: يقال أَصابَ فلانٌ الصوابَ فأَخطأَ الجواب، معناه أَنه قَصَدَ قَصْدَ الصوابِ وأَراده، فأَخْطَأَ مُرادَه، ولم يَعْمِدِ الخطأَ ولم يُصِبْ؛ وقولهم: دَعْني وعليَّ خطَئي و صَوْبي أَي صَوابي، قال أَوسُ بن غَلْفاء:
أَلا قالَتْ أُمامةُ يَوْمَ غُولٍ،
تَقَطَّع، بابنِ غَلْفاءَ، الحِبالُ:
دَعِيني إِنما خَطَئي وصَوْبي
عليَّ، وإِنَّ ما أَهْلَكْتُ مالُ
وإِنَّ ما: كذا مفصلة. قوله: مالُ، بالرفع، أَي وإِنَّ الذي أَهلكتُ إِنما هو مالٌ.
و اسْتَصْوَبَه و اسْتَصابَهُ و أَصابَه: رآه صواباً. وقال ثعلب: اسْتَصَبْتُه قياسٌ. والعرب تقول: اسْتَصْوَبْتُ رَأْيك.
و أَصابه بكذا: فَجَعه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم وأَموالهم: جاحَهُم فيها فَفَجَعَهم.
ابن الأَعرابي: ما كنتُ مُصاباً ولقد أُصِبْتُ. وإِذا قال الرجلُ لآخر: أَنتَ مُصابٌ، قال: أَنتَ أَصْوَبُ مِني؛ حكاه ابن الأَعرابي، و أَصابَتْه مُصيبةٌ فهو مُصابٌ.(1/216)
و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، وكذلك المُصابةُ و المَصُوبة، بضم الصاد، والتاء للداهية أَو المبالغة، والجمع مَصاوِبُ و مَصَائِبُ، الأَخير على غير قياس، تَوَهَّمُوا مُفْعِلة فَعِيلة التي ليس لها في الياءِ ولا الواو أَصل. التهذيب: قال الزجَّاج أَجمع النحويون على أَنْ حَكَوْا مَصَائِبَ في جمع مُصِيبة، بالهمز، وأَجمعوا أَنَّ الاختيارَ مَصاوِبُ، وإِنما مَصائِبُ عندهم بالهمز من الشاذ. قال: وهذا عندي إِنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا وسادة وإِسادة؛ قال: وزعم الأَخفش أَن مَصائِبَ إِنما وقعت الهمزة فيها بدلاً من الواو، لأَنها أُعِلَّتْ في مُصِيبة. قال الزجَّاج: وهذا رديء لأَنه يلزم أَن يقال في مَقَام مَقَائِم، وفي مَعُونة مَعائِن. وقال أَحمدُ بن يحيى: مُصِيبَة كانت في الأَصل مُصْوِبة. ومثله: أَقيموا الصلاة، أَصله أَقْوِمُوا، فأَلْقَوْا حركةَ الواو على القاف فانكسرت، وقلبوا الواو ياء لكسرة القاف. وقال الفراء: يُجْمَعُ الفُواق أَفْيِقَةً، والأَصل أَفْوِقةٌ. وقال ابن بُزُرْجَ: تركتُ الناسَ على مَصاباتِهم أَي على طَبَقاتِهِم ومَنازِلهم. وفي الحديث: من يُرِدِ اللَّهُ به خيراً يُصِبْ منه، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها، وهو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان.
يقال أَصابَ الإِنسانُ من المال وغيره أَي أَخَذَ وتَنَاول؛ وفي الحديث: يُصِيبونَ ما أَصابَ الناسُ أَي يَنالون ما نالوا. وفي الحديث: أَنه كان يُصِيبُ من رأْس بعض نسائه وهو صائم، أَراد التقبيلَ.
و المُصابُ: الإِصابةُ: قال الحارثُ بن خالد المخزومي:
أَسُلَيْمَ إِنَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أَهْدَى السَّلاَمَ، تَحيَّةً، ظُلْمُ
أَقْصَدْتِه وأَرادَ سِلْمَكُمُ،
إِذْ جاءَكُم، فَلْيَنْفَعِ السِّلْمُ(1/217)
قال ابن بري: هذا البيت ليس للعَرْجِيِّ، كما ظنه الحريري، فقال في دُرَّة الغواص: هو للعَرْجِيِّ. وصوابه: أَظُلَيْم؛ وظُلَيم: ترخيم ظُلَيْمة، وظُلَيْمة: تصغير ظَلُوم تصغير الترخيم. ويروى: أَظَلُومُ إِنَّ مُصَابكم. وظُلَيْمُ: هي أُمُّ عمْران، زوجة عبدِا بن مُطِيعٍ، وكان الحارثُ يَنْسِبُ بها، ولما مات زوجها تزوجها. ورجلاً: منصوبٌ بمُصابٍ، يعني: إِنَّ إِصابَتَكم رجلاً؛ وظُلْم: خبر إِنَّ.
وأَجمعت العرب على همز المَصائِب، وأَصله الواو، كأَنهم شبهوا الأَصليّ بالزائد. وقولُهم للشِّدة إِذا نزلتْ: صَابَتْ بَقُرَ أَي صارت الشِّدَّة في قَرَارِها.
و أَصابَ الشيءَ: وَجَدَه. و أَصابه أَيضاً: أَراده. وبه فُسِّر قوله تعالى: {تَجْرِي بأَمْرِه رُخاءً حيثُ أَصابَ}؛ قال: أَراد حيث أَراد، قال الشاعر:
وغَيَّرها ما غَيَّر الناسَ قَبْلَها،
فناءَتْ، وحاجاتُ النُّفوسِ تُصِيبُها
أَراد: تُريدها ولا يجوز أَن يكون أَصَابَ، من الصَّواب الذي هو ضدّ الخطإِ، لأَنه لا يكونُ مُصيباً ومُخْطِئاً في حال واحد.
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
فأس(ابن منظور)( فأس : الفَأْسُ: آلة من آلات الحديد يُحْفَرُ بها ويُقَطع، أُنثى، والجمع أَفْؤُس و فُؤُوس، وقيل: تجمع فُؤْساً على فُعْلٍ.
و فَأَسَه يَفْأَسُه فَأْساً: قطعَه بالفَأْس. قال أَبو حنيفة: فأَسَ الشجرة يَفأَسُها فَأْساً: ضربها بالفأْس، و فأَسَ الخشبةَ: شَقَّها بالفأْس. التهذيب: الفأْس التي يُفْلَق بها الحَطَب، يقال: فأَسَه يفأَسُه أَي يَفْلِقُه. وفي الحديث: ولقد رأَيت الفُؤُوس في أُصُولها، وإِنها لَنَخْلٌ عُمٌّ؛ هي جمع الفَأْس، وهي مهموز، وقد تُخَفَّف. و فأْس اللِّجام: الحَدِيدةُ القائمةُ في الحَنَك، وقيل: هي الحديدة المعترضة فيه؛ قال طُفَيل:
يُرادى على فَأْسِ اللِّجام كأَنما
تُرادى به مَرْقَاةُ جِذْعٍ مُشَذَّبِ(1/218)
و فَأَسْته: أَصبت فأْس رأْسِهِ. وفي الحديث: فَجَعَلإِحْدى يَدَيه في فأْس رأْسه؛ هو طَرَف مُؤْخِرِه المُشْرِفُ على القَفَا. وجمعُها أَفْؤُس ثم فُؤُوس.
(ابن منظور)
$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$$
(الكاف)
[ابن منظور][ الكاف من الحروف المَهْموسة وهي ضد المَجْهورة، قال الأَزهري: ومعنى المَجْهور أَنَّه لَزِمَ موضعه إِلى انقضاء حروفه وحَبَس النَّفس أَن يَجْرِيَ معه فصار مجهوراً لأَنَّه لم يخالطه شيء غيره، وهي تسعة عشر حرفاً: أ ب ج د ذ ر ز ض ط ظ ع غ ق ل م ن و ي والهمزة؛ قال: والمهموس حرف لانَ في مَخْرجه دون المجْهور وجرَى معه النفَسُ فكان دون المجهور في رفع الصوت، وعدة حروفه عشرة: ت ث ح خ س ش ص و ك هـ؛ قال: ومخرج الجِيم والقاف والكاف بين عَكَدَةِ اللسان واللهَّاةِ في أَقصى الفم
قال الليث: أُهملت القاف والكاف ووجوههما مع سائر الحروف.
[ابنمنظور]
####################
مثل
(ابن منظور )( مثل : مِثل: كلمةُ تَسْوِيَةٍ. يقال: هذا مِثْله و مَثَله كما يقال شِبْهه وشَبَههُ بمعنى؛ قال ابن بري: الفرق بين المُماثَلة والمُساواة أَن المُساواة تكون بين المختلِفين في الجِنْس والمتَّفقين، لأَن التَّساوِي هو التكافُؤ في المِقْدار لا يزيد ولا ينقُص، وأَما المُماثَلة فلا تكون إلا في المتفقين، تقول: نحوُه كنحوِه وفقهُه كفقهِه ولونُه كلونِه وطعمُه كطعمِه، فإِذا قيل: هو مِثْله على الإِطلاق فمعناه أَنه يسدُّ مسدَّه، وإِذا قيل: هو مِثْلُه في كذا فهو مُساوٍ له في جهةٍ دون جهةٍ، والعرب تقول: هو مُثَيْلُ هذا وهم أُمَيْثالُهم، يريد أَن المشبَّه به حقير كما أَن هذا حقير. و المِثْل: الشَّبْه. يقال: مِثْل و مَثَل وشِبْه وشَبَه بمعنى واحد؛ قال ابن جني: وقوله عزوجل: {فَوَرَبِّ(1/219)
السماءِ والأَرض إِنه لحقٌّ مثل ما أَنَّكم تَنْطِقون}؛ جَعَل مِثْل وما اسماً واحداً فبنى الأَولَ على الفتح، وهما جميعا عندهم في موضع رفعٍ لكونهما صفة لحقّ، فإن قلت: فما موضع أَنكم تنطِقون؟ قيل: هو جر بإِضافة مِثْلَ ما إليه، فإِن قلت: : أَلا تعلم أَن ما على بِنائها لأَنها على حرفين الثاني منهما حرفُ لِينٍ، فكيف تجوز إضافة المبني؟ قيل: ليس المضاف ما وحدّها إنما المضاف الاسم المضموم إليه ما، فلم تَعْدُ ما هذه أَن تكون كتاء التأْنيث في نحو جارية زيدٍ، أَو كالأَلف والنون في سِرْحان عَمْرو، أَو كياء الإِضافة في بَصْرِيِّ القومِ، أَو كأَلف التأْنيث في صحراء زُمَ، أَو كالأَلف والتاء في قوله:
في غائلاتِ الحائِر المُتَوّهِ
وقوله تعالى: {ليس كَمِثْلِه شيء} أَراد ليس مِثْلَه لا يكون إلا ذلك، لأَنه إن لم يَقُل هذا أَثبتَ له مِثْلاً، تعالى الله عن ذلك؛ ونظيرُه ما أَنشده سيبويه:
لَوَاحِقُ الأَقْرابِ فيها كالمَقَقْأَي مَقَقٌ. وقوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} قال أَبو إسحق: إن قال قائل وهل للإِيمان مِثْل هو غير الإِيمان؟ قيل له: المعنى واضح بيِّن، وتأْويلُه إِن أَتَوْا بتصديقٍ مِثْلِ تصديقكم في إيمانكم بالأَنبياء وتصديقكم كتوحيدكم(1) فقد اهتدوا أَي قد صاروا مسلمين مثلكم. وفي حديث المِقْدام: أَن رسولا، قال: أَلا إِنِّي أُوتيتُ الكِتاب و مِثْلَه معه؛ قال ابن الأثير : يحتمل وجهين من التأْويل: أَحدهما أَنه أُوتِيَ من الوَحْي الباطِن غيرِ المَتْلُوِّ مثل ما أُعْطِيَ من الظاهر المَتْلُوِّ والثاني أَنه أُوتي الكتابَ وَحْياً وأُوتي من البيَان مثلَه أَي أُذِنَ له أَن يبيِّن ما في الكتاب فيَعُمَّ ويَخُصَّ ويَزيد وينقُص، فيكون في وُجوب العَمَل به ولزوم قبوله كالظاهِر المَتْلوِّ من القرآن. 00000000000000(1/220)
و المَثَلُ و المَثِيلُ: كالمِثْل، والجمع أَمْثالٌ، وهما يَتَمَاثَلانِ؛ وقولهم: فلان مُسْتَرادٌ لمِثْلِه وفلانةُ مُسْتَرادةٌ لمِثْلِها أَي مِثْلُه يُطلَب ويُشَحُّ عليه، وقيل: معناه مُسْتَراد مِثْله أَو مِثْلها، واللام زائدة. و المَثَلُ: الحديثُ نفسُه. وقوله عزّوجل: {و المَثَلُ الأَعْلى} جاء في التفسير: أَنه قَوْلُ لا إله إلاّ الله وتأْويله أَن الله أَمَر بالتوحيد ونَفى كلَّ إلهٍ سِواهُ، وهي الأَمثالَ؛ قال ابن سيده: وقد مَثَّلَ به و امْتَثَلَهُ و تَمَثَّلَ به و تَمَثَّله؛ قال جرير:
والتَّغْلَبيّ إذا تَنَحْنَح للقِرى
حَكَّ اسْتَهُ وتَمَثَّلَ الأَمثالا
على أَن هذا قد يجوز أَن يريد به تمثَّل بالأَمثال ثم حذَفَ وأَوْصَل.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
مروا (ابن منظور )
(مرر : مَرَّ عليه وبه يَمُرُّ مَرًّا أَي اجتاز. و مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا و مُروراً: ذَهَبَ، واستمرّ مثله. قال ابن سيده: مَرَّ يَمُرُّ مَرًّا و مُروراً جاء وذهب، و مَرَّ به و مَرَّه: جاز عليه؛ وهذا قد يجوز أَن يكون مما يتعدَّى بحرف وغير حرف
ويجوز أَن يكون مما حذف فيه الحرف فأَوصل الفعل؛ وعلى هذينِ الوجهين يحمل بيت جرير:
تَمُرُّونَ الدِّيارَ ولَمْ تَعْوجُوا
كَلامُكُمُ عليَّ إِذاً حَرَامُ(1)
وقال بعضهم: إنما الرواية:
مررتم بالديار ولم تعوجوا
فدل هذا على أَنه فَرقَ من تعدّيه بغير حرف. وأَما ابن الأَعرابي فقال: مُرَّ زيداً في معنى مُرَّ به، لا على الحذف، ولكن على التعدّي الصحيح، أَلا ترى أَن ابن جني قال: لا تقول مررت زيداً في لغة مشهورة إِلا في شيء حكاه ابن الأَعرابي؟ قال : ولم يروه أصحابنا 0
000000000000
استمرّ الشيءُ: مَضَى على طريقة واحدة. و استمرَّ بالشيء: قَوِيَ على حَمْلِه. ويقال: استمرَّ مَرِيرُه أَي استحكم عَزْمه 000000000(1/221)
ووَلَقِيَه ذات مَرَّةٍ؛ قال سيبويه: لا يُسْتَعْمَلُ ذات مَرةٍ إِلا ظرفاً. ولقِيَه ذاتَ المِرارِ أَي مِراراً كثيرة
وجئته مَرًّا أَو مَرَّيْنِ، يريد مرة أَو مرتين. ابن السكيت: يقال فلان يصنع ذلك تارات، ويصنع ذلك تِيَراً، ويَصْنَعُ ذلك ذاتَ المِرارِ؛
معنى ذلك كله: يصنعه مِراراً ويَدَعُه مِراراً. [ابن منظور ]
نجا (ابن منظور ) (نجا : النَّجاءُ: الخَلاصُ من الشَّيءِ، نَجا يَنْجُو نَجْواً و نَجاءً، ممدود، و نَجاةً، مقصور، و نَجَّى و اسْتَنْجَى كَنَجا. قال الراعي:
فإِلاَّ تَنَلْني منْ يَزيدَ كَرامةٌ
أُنَجِّ وأُصْبحْ من قُرى الشام خالِيا
وقال أَبو زُبيد الطائي:
أَمِ اللَّيْثُ فاسْتَنْجُوا وأَينَ نَجاؤُكُمْ
فَهَذا، ورَبِّ الرَّاقِصاتِ المُزَعْفَرُ
و نَجَوْت من كذا. والصِّدْقُ مَنْجاةٌ. و أَنْجَيْتُ غيري و نَجَّيْته، وقرىءَ بهما قوله تعالى: {فاليوم نُنَجِّيك ببدنك} المعنى نُنَجِّيك لا بِفعْل بل نُهْلِكُكَ، فأَضْمَر قوله لا بِفعْل؛ قال ابن بري: قوله لا بفعل يريد أَنه إِذا نجا الإِنسان ببدنه على الماء بلا فعل فإِنه هالك، لأَنه لم يَفعل طَفْوَه على الماء، وإِنما يطفُو على الماءِ حيّاً بفعله إِذا كان حاذقاً بالعَوْم، و نَجَّاهُ الله و أَنْجاه. وفي التنزيل العزيز: {وكذلك نُنْجِي المؤمنين} وأَما قراءَة من قرأَ: وكذلك نُجِّي المؤْمِنين، فليس على إِقامة المصدر موضع الفاعل ونصب المفعول الصريح، لأَنه على حذف أَحد نوني نُنْجِي، كما حذف ما بعد حرف المضارعة في قول الله عز وجل: {تَذَكَّرُون} أَي تَتَذَكَّرون، ويشهد بذلك أَيضاً سكون لام نُجِّي، ولو كان ماضياً لانفتحت اللام إِلا في الضرورة؛ وعليه قول المُثَقَّب:
لِمَنْ ظُعُنٌ تَطالَعُ مِن صُنَيْبٍ؟
فما خَرَجتْ مِن الوادي لِحِينِ(1)
أَي تَتَطالَع، فحذف الثانية على ما مضى، و نَجَوْت به و نَجَوْتُه؛ وقول الهذلي: نَجا عامِرٌ والنَّفْسُ مِنه بشِدْقِه(1/222)
ولم يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا
أَراد: إِلاَّ بجَفْنِ سَيْفٍ، فحذف وأَوْصل. أَبو العباس في قوله تعالى: {إِنّا مُنَجُّوكَ وأَهْلَك} أَي نُخَلِّصُك من العذاب وآهلك 0
{ابن منظور }
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
نصيب[ابن منظور ]
[ و النَّصِيبُ: الحَظُّ من كلِّ شيءٍ. وقوله، عز وجل: {أُولئك يَنالُهم نَصِيبُهم من الكتاب} النَّصِيب هنا: ما أَخْبَر الله من جَزائهم، نحو قوله تعالى: {فأَنْذَرْتُكُم ناراً تَلَظَّى} ونحوُ قوله تعالى: {يَسْلُكْه عذاباً صَعَداً} ونحو قوله تعالى: {إِن المنافقين في الدَّرْكِ الأَسْفل من النار} ونحو قوله تعالى: {إِذ الأَغْلالُ في أَعْناقِهِم والسَّلاسِلُ }فهذه أَنْصِبَتُهم من الكتاب، على قَدْرِ ذُنُوبهم في كفرهم؛ والجمع أَنْصِباءُ وأَنْصِبةٌ.
النِّصْبُ: لغة في النَّصِيب و أَنْصَبه: جَعَلَ له نَصيباً. وهم يَتَنَاصَبُونه أَي يَقْتَسمونه.
و المَنْصِبُ و النِّصابُ: الأَصل والمَرْجِع.
$$
و النَّصْبُ: وَضْعُ الشيء ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِبُهُ نَصْباً، و نَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قال(1):
فباتَ مُنْتَصْباً وما تَكَرْدَسا
أَراد: مُنْتَصِباً، فلما رأَى نَصِباً من مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خففه تخفيف فَخِذٍ، فقال: مُنْتَصْباً.
و تَنَصَّبَ كانْتَصَبَ.
و النَّصِيبةُ و النُّصُبُ: كلُّ ما نُصِبَ، فجُعِلَ عَلماً. وقيل: النُّصُب جمع نَصِيبةٍ، كسفينة وسُفُن، وصحيفة وصُحُفٍ. الليث: النُّصُبُ جماعة النَّصِيبة، وهي علامة تُنْصَبُ للقوم.(1/223)
و النَّصْبُ و النُّصُبُ: العَلم المَنْصُوب. وفي التنزيل العزيز: {كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ} قرىء بهما جميعاً، وقيل: النَّصْبُ الغاية، والأَول أَصحّ. قال أَبو إِسحق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ ومن قرأَ إِلى نُصُب، فمعناه إِلى أَصنام كقوله: وما ذُبحَ على النُّصُب، ونحو ذلك قال الفراء؛ قال: و النَّصْبُ واحدٌ، وهو مصدر، وجمعه الأَنْصابُ.
و اليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ في الفلاةِ.
و النَّصْبُ و النُّصُبُ: كلُّ ما عُبِدَ من دون الله تعالى، والجمع أَنْصابٌ.
(ابن منظور )
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
نقر {ابن منظور }
{ نقر : النَّقْرُ: ضربُ الرَّحى والحجرِ وغيره بالمِنْقارِ. و نَقَرَهُ يَنْقُره نَقْراً: ضربه. و المِنْقارُ: حديدة كالفأس يُنْقَرُ بها، وفي غيره: حديدة كالفأْس مُشَكَّكَةٌ مستديرة لها خَلْفٌ يُقطع به الحجارة والأَرض الصُّلْبَةُ. و نَقَرْتُ الشيء : ثَقَبْتُه بالمِنقُارِ. و المِنْقَر، بكسر الميم: المِعْولَ؛ قال ذو الرمة:
كأَرْحاءِ رَقْدٍ زَلَّمَتْها المَناقِر
و نَقَرَ: الطائرُ الشيءَ يَنْقُره نَقْراً: كذلك.
و مِنْقارُ الطائر: مِنْسَرُه لأَنه يَنْقُرُ به. و نَقَرَ الطائر الحبة يَنْقُرُها نَقْراً. التقطها. و مِنْقارُ الطائر والنَّجَّارِ، والجمع المَناقِيرُ، و مِنْقارُ الخُفِّ: مُقَدَّمُه،
على التشبيه.
وما أَغْنى عَنِّي نَقْرَةً يعني نَقْرَةَ الديك لأَنه إِذا نَقَرَ أَصاب. التهذيب: وما أَغنى عني نَقْرة ولا فَتْلَةً ولا زُبالاً. وفي الحديث: أَنه نهى عن نَقْرَةِ الغراب، يريد تخفيف السجود، وأَنه لا يمكث فيه إِلا قدر وضع الغراب مِنْقارَهُ فيما يريد أَكله. ومنه حديث أَبي ذر: فلما فرغوا جعل يَنْقُرُ شيئاً من طعامهم أَي يأْخذ منه بأُصبع(1/224)
و النِّقْرُ و النُّقْرَةُ و النَّقِيرُ: النُّكْتَةُ في النواة كأَنَّ ذلك الموضعَ نُقِرَ منها. وفي التنزيل العزيز: {{فإِذاً لا يُؤْتُونَ الناس نَقيراً} وقال أَبو هذيل أَنشده أَبو عمرو بن العلاء:
وإِذا أَرَدْنا رِحْلَةً جَزِعَتْ وإِذا أَقَمْنا لم تُفِدْ نِقْرا
ومنه قول لبيد يرثي أَخاه أَرْبَدَ:
وليس النَّاسُ بَعْدَكَ في نَقِيرٍ ولا هُمْ غَيْرَ أَصْداءٍ وهامِ
أَي ليسوا بعدك في شيء؛ قال العجاج:
دَافَعْت عنهمْ بِنَقيرٍ مَوْتَتي
قال ابن بري: البيت مغير وصواب إِنشاده: دَافَعَ عَنِّي بِنَقِيرٍ. قال: وفي دافع ضمير يعود على ذكر اللَّه سبحانه وتعالى لأَنه أَخبر أَن اللَّه عز وجل أَنقذه من مرض أَشْفى به على الموت؛ وبعده:
بَعْدَ اللُّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتيوهذا مما يعبر به عن الدواهي 0
@@@@@@@@@@@@@@@@@@
هلك [ ابن منظور ] [هلك : الهَلْكُ: الهلاك. قال أَبو عبيد: يقال الهَلْك و الهُلْكُ والمُلْكُ والمَلْكُ؛ هَلَكَ يَهْلِكُ هُلْكاً و هَلْكاً و هَلاكاً: مات. ابن جني: ومن الشاذ قراءة من قرأَ: {و يَهْلَكُ الحَرْثُ والنَّسْلُ}، قال: هو من باب رَكَنَ
يَرْكَنُ وقَنَطَ يَقْنَطُ، وكل ذلك عند أَبي بكر لغات مختلطة، قال: وقد يجوز أَن يكون ماضي يَهْلِكُ هَلِك كعَطِبَ، فاستغنى عنه بهَلَكَ وبقيت يَهْلَك دليلاً عليها، واستعمل أَبو حنيفة الهَلَكة في جُفُوف النبات وبُيُوده فقال يصف النبات: من لَدُنِ ابتدائه إِلى تمامه، ثم تَوَلِّيه وإِدباره إِلى هَلَكَتِه وبُيُودِه0000.
و هَلَكَ الشيءَ و هَلَّكه و أَهْلَكَه؛ قال العجاج:
ومَهْمَهٍ هالِكِ مَنْ تَعَرَّجا،
هائلةٍ أَهْوالُه مَنْ أَدْلَجا
يعني مُهْلِك، لغة تميم، كما يقال ليل غاضٍ أَي مُغْضٍ. وقال الأَصمعي في قوله هالِكِ من تَعَرَّجا أَي هالِكِ المُتَعَرجين إِن لم يُهَذِّبوا في السير أَي من تعرَّض فيه هَلَكَ؛0000000000000000
وفي المثل: فلان(1/225)
هالِكٌ في الهَوالِك؛ وأَنشد أَبو عمرو لابن جذْلِ الطِّعانِ:
تَجاوَزْتُ هِنْداً رَغْبَةً عن قِتاله إِلى مالِكٍ أَعْشُو إِلى ذكْرِ مالكِ
فأَيْقَنْتُ أَني ثائِرُ ابن مُكَدَّمٍ غَداةَ إِذٍ، أَو هالِكٌ في الهَوالِكِ
قال ل: وهذا شاذ على ما فسر في فوارس؛ قال ابن بري: يجوز أَن يريد هالك في الأُمم الهَوالِك فيكون جمع هالكة، على القياس،
جميع الحقوق محفوظة لشركة العريس للكمبيوترل: وهذا شاذ على ما فسر في فوارس؛ قال ابن بري: يجوز أَن يريد هالك في الأُمم الهَوالِك فيكون جمع هالكة، على القياس، وإِنما جاز فوارس لأَنه مخصوص بالرجال فلا لبس فيه، قال: وصواب إِنشاد البيت: فأَيقنت أَني عند ذلك ثائرُ
0000000000000
و اسْتَهْلَكَ الرجلُ في كذا إِذا جَهَدَ نَفْسَه، واهْتَلَكَ معه؛ وقال الراعي:
لهنَّ حديثٌ فاتِنٌ يَتْرُك الفَتى
خفيف ـيفَ الحشَا مُسْتَهْلِكَ الرِّبْح طامِعا
أَي يَجْهَدُ قَلْبَه في إِثرها. وطريق مُسْتَهْلِكُ الوِرْد أَي يُجْهِدُ من سَلَكَه؛ قال الحُطَيْئة يصف الطريق:
مُسْتَهْلِكُ الوِرْدِ كالأُسْتِيِّ قد جَعَلَتْ
أَيدي المَطِيِّ به عادِيَّةً رُكّبا
الأُسْتِيُّ والأُسْديُّ: يعني به السَّدى والسَّتى؛ شبَّه شَرَك الطريق بسَدَى الثوب. وفلان هِلْكَةٌ من الهِلَكِ أَي ساقطة من السواقط أَي هالِكٌ. و الهَلْكَى: الشَّرِهُونَ من النساء والرجال، يقال: رجال هَلْكى ونساء هَلْكى، الواحد هالِكٌ وهالكة. ابن الأَعرابي: الهالِكَة النفس الشَّرِهَة؛ يقال: هَلَكَ يَهْلِكُ هَلاكاً إِذا شَرِهَ؛ ومنه قوله:
ولم أَهلِك إِلى اللَّبَنِ
أَي لم أَشْرَهْ. ويقال للمُزاحِمِ على الموائد: المُتَهَالِكُ والمُلاهسُ والوارش والحاضِرُ واللَّعْوُ، فإِذا أَكل بيد ومنع بيد فهو جَرْدَبانُ؛ وأَنشد شمر:
إِنَّ سَدى خَيْرٍ إِلى غيرِ أَهْلِه
كَهالِكَةٍ من السحابِ المُصَوِّبِ(1/226)
قال: هو السحاب الذي يَصُوبُ المطَر ثم يُقْلِعُ فلا يكون له مطر فذلك هَلاكه.{ابن منظور }
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&
الواقع
(ابن منظور )( وقع : وَقَعَ على الشيء ومنه يَقَعُ وَقْعاً و وُقُوعاً: سقَطَ، و وَقَعَ الشيءُ من يدي كذلك، و أَوْقَعَه غيرُه و وَقَعْتُ من كذا وعن كذا وَقْعاً، و وَقَعَ المطرُ بالأَرض، ولا يقال سَقَطَ؛ هذا قول أَهل اللغة، وقد حكاه سيبويه فقال: سَقَطَ المطرُ مكانَ كذا فمكانَ كذا. و مَواقِعُ الغيثِ: مَساقِطُه. ويقال: وقَعَ الشيءُ مَوْقِعَه، والعرب تقول: وَقَعَ ربِيعٌ بالأَرض يَقَعُ وُقُوعاً لأَوَّلِ مطر يقع في الخَريفِ. قال الجوهري: ولا يقال سَقَطَ. ويقال: سمعت وَقْعَ المطر وهو شدّةُ ضَرْبِه الأَرضَ إِذا وَبَلَ. ويقال: سمعت لحَوافِرِ الدّوابِّ وقْعاً و وُقُوعاً؛ وقول أَعْشَى باهِلةَ:
وأَلْجَأَ الكلبَ مَوْقُوعُ الصَّقِيعِ به وأَلْجَأَ الحَيَّ من تَنْفاخِها الحَجرُ
إِنما هو مصدر كالمَجْلُود والمَعْقُول.
و المَوْقِعُ و المَوْقِعةُ: موضِعُ الوُقُوع؛ حكى الأَخيرة اللحياني.
00000000000000
وفي المثل: الحِذارُ أَشدُّ من الوَقِيعةِ؛ يضرب ذلك للرجل يَعْظُمُ في صَدْرِه الشيءُ، فإِذا وقع فيه كان أَهْوَنَ مما ظنّ، و أَوْقَعَ ظَنَّه على الشيء و وَقَّعَه، كلاهما: قَدَّرَه وأَنْزَلَه.
ووَقع بالأَمر: أَحدثه وأَنزله. و وَقَع القولُ والحكْمُ إِذا وجَب. وقوله تعالى: {وإِذا وَقَعَ القولُ عليهم أَخرجنا لهم دابةً} قال الزجاج: معناه، وا لله سبحانه أعلم وإِذا وجب القول عليهم أَخرجنا لهم دابة من الأَرض، و أَوْقَعَ به ما يَسُوءُهُ كذلك.
00000000000000(1/227)
و الوَاقِعةُ: الدّاهِيةُ. و الواقِعةُ: النازِلةُ من صُرُوف الدهرِ، و الواقعةُ: اسم من أَسماء يوم القيامة. وقوله تعالى: {إِذا وقعَتِ الواقعةُ ليس لِوَقْعَتِها كاذبةٌ} يعني القيامةَ. قال أَبو إِسحق: يقال لكل آت يُتَوَقَّعُ قد وَقَعَ الأَمْرُ كقولك قد جاء الأَمرُ، قال: والواقِعةُ ههنا الساعةُ والقيامةُ.
0000000000000000
و الوَقِيعةُ في الناس: الغِيبةُ، و وَقَعَ فيهم وُقُوعاً و وقِيعةً: اغْتابهم، وقيل: هو أَن يذكر في الإِنسان ما ليس فيه. وهو رجل وَقَّاعٌ و وَقَّاعةٌ أَي يَغْتابُ الناسَ. وقد أَظْهَرَ الوَقِيعةَ في فلان إِذا عابَهُ. وفي حديث ابن عمر: فَوَقَعَ بي أَبي أَي لامَني وعَنَّفَنِي. يقال: وقَعْت بفلان إِذا لُمْتَه و وَقَعْتُ فيه إِذا عِبْتَه وذَمَمته ومنه حديث طارقٍ: ذَهَب رجل ليَقَعَ في خالد أَي يَذُمَّه ويعِيبَه ويَغْتابَه.
000000000000000
و التوْقِيعُ في الكِتابِ: إِلْحاقُ شيء فيه بعد الفراغِ منه، وقيل: هو مُشْتَقٌّ من التوْقيعِ الذي هو مخالفةُ الثاني للأَوَّلِ. قال الأَزهري: تَوْقِيعُ الكاتِب في الكتاب المَكْتُوبِ أَن يُجْمِلَ بين تَضاعِيفِ سُطُوره مَقاصِدَ الحاجة ويَحْذِفَ الفُضُولَ، وهو مأْخوذ من تَوْقِيعِ الدَّبَرِ ظهرَ البعير، فكأَنَّ المُوَقِّع في الكتاب يُؤَثِّر في الأَمر الذي كُتِبَ الكتابُ فيه ما يُؤَكِّدُه ويُوجبه. و التوْقِيعُ: ما يُوَقَّعُ في الكتابِ. ويقال: السُّرُورُ تَوْقِيع جائِزٌ
00000000000000
و الإِيقاعُ: من إِيقاع اللحْنِ والغِناءِ وهو أَن يوقع الأَلحانَ ويبينها، وسمى الخليل، رحمه الله، كتاباً من كتبه في ذلك المعنى كتاب الإِيقاع.
(ابن منظور)
5555555555555555555555
ايديهم
((1/228)
ابن منظور )( يدي : اليَدُ: الكَفُّ، وقال أَبو إِسحق: اليَدُ من أَطْراف الأَصابع إِلى الكف، وهي أُنثى محذوفة اللام، وزنها فَعْلٌ يَدْيٌ، فحذفت الياء تخفيفاً فاعْتَقَبت حركة اللام على الدال، والنسَبُ إِليه على مذهب سيبويه يَدَوِيٌّ، والأَخفش يخالفه فيقول: يَدِيٌّ كَنَديَ، والجمع أَيْدٍ، على ما يغلب في جمع فَعْلٍ في أَدْنى العَدَد. الجوهريّ: اليَدُ أَصلها يَدْيٌ على فَعْل، ساكنة العين، لأَن جمعها أَيْدٍ و يُدِيٌّ، وهذا جمع فَعْلٍ مثل فَلْسٍ وأَفْلُسٍ وفُلُوسٍ، ولا يجمع فَعَلٌ على أَفْعُل إِلا في حروف يسيرة معدودة مثل زَمَنٍ وأَزْمُنٍ وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وعصاً وأَعْصٍ، وقد جمعت الأَيْدي في الشعر على أَيادٍ؛ قال جندل بن المثنى الطُّهَوِيّ:
كأَنَّه بالصَّحْصَحانِ الأَنْجَلِ
قُطْنٌ سُخامٌ بأَيادي غُزَّلِ
وهو جمع الجمع مثل أَكْرُعٍ وأَكارِعَ؛ قال ابن بري: ومثله قول الآخر:
فأَمَّا واحداً فكفاكَ مِثْلي فَمَنْ لِيَدٍ تُطاوِحُها الأَيادِي
وقال ابن سيده: أَيادٍ جمع الجمع؛ وأَنشد أَبو الخطاب:
ساءها ما تَأَمَّلَتْ ففي أَيادِيـ ـنا وإِشناقَها إِلى الأَعْناقِ(2)
وقال ابن جني: أَكثر ما تستعمل الأَيادي في النِّعم لا في الأَعْضاء
00000000000000000000000000
قال سيبويه: وقالوا بايَعْتُه يَدَاً بيَدٍ، وهي من الأَسماء الموضوعة مَوْضِعَ المَصادِر كأَنك قلت نَقْداً، ولا ينفرد لأَنك إِنما تريد أَخذَ مني وأَعْطاني بالتعجيل، قال: ولا يجوز الرفع لأَنك لا تخبر أَنك بايَعْتَه ويدُك في يَدِهِ.
و اليَدُ: القُوَّةُ. و أَيَّدَه الله أَي قَوَّاه. وما لي بفلان يَدانِ أَي طاقةٌ. وفي التنزيل العزيز: {والسَّماءَ بَنَيْنَاها بأَيْدٍ} قال ابن بري: ومنه قول كعب بن سعد الغَنَوِيّ:
فاعمِدْ لِما يَعْلُو فما لكَ بالذي لا تستَطِيعُ من الأُمورِ يَدانِ(1/229)
وفي التنزيل العزيز: {مما علمت أَيدينا} وفيه: { بما كسَبَتْ أَيديكم} وقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وىلهوصحبه وسلم : المُسْلِمُون تتَكافَأُ دماؤُهم ويَسْعَى بذمَّتهم أَدْناهم وهم يدٌ على من سِواهم أَي كَلِمَتُهم واحدة، فبعضُهم يُقوِّي بَعْضاً،والجمع أَيْدٍ، قال أَبو عبيد: معنى قوله يَدٌ على مَن سواهم أَي هم مجتمعون على أَعدائِهم وأَمرُهم واحد، لا يَسَعُهم التَّخاذُل بل يُعاوِنُ بعضُهم بعضاً، وكَلِمَتُهم ونُصْرَتُهم واحدةٌ على جميع المِلَلِ والأَدْيان المحارِبةِ لهم، يتَعاوَنون على جميعهم ولا يَخْذُل بعضُهم بعضاً، كأَنه جعل أَيْدِيهِم يَداً واحدةً وفِعْلَهم فِعْلاً واحداً. وفي الحديث: عليكم بالجماعة فإِنَّ يَدَ ااِ على الفُسْطاطِ؛ الفُسْطاطُ: المِصْرُ الجامِعُ، ويَدُ الله تعالى كناية عن الحفظ والدِّفاع عن أَهل المصر، كأَنهم خُصُّوا بواقِيةِ الله ِ تعالى وحُسْنِ دِفاعِهِ؛ ومنه الحديث الآخر: يَدُ ااِ على الجَماعةِ أَي أَنَّ الجماعة المُتَّفِقة من أَهل الإِسلام في كَنَفِ ااِ، ووِقايَتُه فَوْقَهم، وهم بَعِيد من الأَذَى والخوْف فأَقِيموا بين ظَهْرَانَيهِمْ. وقوله في الحديث: اليَدُ العُلْيا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلى؛ العُلْيا المُعْطِيةُ، وقيل: المُتَعَفِّفةُ، والسُّفْلى السائلةُ، وقيل: المانِعةُ. وقوله، ، لنسائه: أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقاً بي أَطْوَلُكُنَّ يَداً؛ كَنَى بطُول اليد عن العَطاء والصَّدَقةِ. يقال: فلان طويلُ اليَدِ وطويلُ الباعِ إِذا كان سَمْحاً جَواداً. وكانت زينب تُحِبُّ الصَّدقة وهي ماتت قَبْلَهنَّ. وحديث قَبِيصةَ: ما رأَيتُ أَعْطى للجَزِيل(1/230)
عن ظَهْرِ يَدٍ من طَلْحَةَ أَي عن إِنْعام ابتداء من غيرِ مكافأَةٍ. وفي التنزيل العزيز: {أُولي الأَيدي والأَبصار} قيل: معناه أُولي القُوَّة والعقول. والعرب تقول: ما لي به يَدٌ أَي ما لي به قُوَّة، وما لي به يَدانِ وما لهم بذلك أَيْدٍ أَي قُوَّةٌ، ولهم أَيْدٍ وأَبْصارُهم أُولُو الأَيْدي والأَبْصار. و اليَدُ: الغِنَى والقُدْرةُ، تقول: لي عليه يَدٌ أَي قُدْرة. ابن الأَعرابي: اليَدُ النِّعْمةُ، و اليَدُ القُوَّةُ، و اليَدُ القُدْرةُ، و اليدُ المِلْكُ، و اليَدُ السُّلْطان، و اليَدُ الطاعةُ، و اليَدُ الجَماعةُ، و اليَدُ الأَكْلُ؛ يقال: ضَعْ يِدَكَ أَي كُلْ و اليَدُ النَّدَمُ، ومنه يقال: سُقِط في يده إِذا ندِمَ، وأُسْقِطَ أَي نَدِمَ. وفي التنزيل: {ولما سُقط في أَيديهم} أَي نَدِمُوا، و اليَدُ الغِياثُ، و اليدُ مَنْعُ الظُّلْمِ، و اليَدُ الاسْتِسلامُ، و اليَدُ الكَفالةُ في الرَّهْن؛ ويقال للمعاتِب: هذه يدي لَكَ. ومن أَمثالهم: لِيَدٍ ما أَخَذَتْ؛ المعنى من أَخذ شيئاً فهو له. وقولهم: يدي لكَ رَهْنٌ بكذا أَي ضَمِنْتُ ذلك وكَفَلْتُ به. وقال ابن شميل: له عليَّ يَدٌ، ولا يقولون له عندي يدٌ؛ وأَنشد:
له عليَّ أَيادٍ لَسْتُ أَكْفُرُها
وإِنما الكُفْرُ أَنْ لا تُشْكَرَ النِّعَمُ
0000000000000000
وذهب القومُ أَيدي سَبا أَي متفرّقين في كل وجه، وذهبوا أَيادِيَ سَبا، وهما اسمان جُعلا واحداً، وقيل: اليَدُ الطَّريقُ ههنا. يقال: أَخذ فلان يَدَ بَحْرٍ إِذا أَخذ طريق البحر.....................
رأَيت حاشية بخط الشيخ رضيّ الدين الشاطبي، رحمه ا، قال: قال أَبو العلاء المعَري قالت العرب افْتَرَقوا أَيادِيَ سبافلم يهمزوا لأَنهم جعلوه مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد، وأَكثرهم لا ينوّن سبا في هذا الموضع وبعضهم ينوِّن؛ قال ذو الرمة : فَيا لَكِ مِنْ دارٍ تحَمَّلَ أَهلُها
أَيادِي سَباً عنها وطالَ انْتِقالُها(1/231)
والمعنى أَن نِعَمَ سبا افترقت في كل أَوْبٍ، فقيل: تفرَّقوا أَيادِيَ سبا أَي في كل وجه. قال ابن بري: قولهم أَيادِي سبا يُراد به نِعَمُهم. و اليَدُ: النِّعْمة لأَنَّ نِعَمَهُم وأَموالعهم تفرَّقَتْ بتفرّقهم، وقيل: اليَدُ هنا كناية عن الفِرْقة. يقال: أَتاني يَدٌ من الناس وعينٌ من الناس، فمعناه تفرَّقوا تفرُّقَ جَماعاتِ سَبا، وقيل: إِن أَهل سبا كانت يَدُهم واحدة، فلما فَرَّقهم الله صارت يدُهم أَياديَ، قال: وقيل اليدُ هنا
الطريق؛ يقال: أَخذ فلان يدَ بحر أَي طريق بحرٍ، لأَن أَهل سبا لمَّا مَزّقهم الله أَخَذوا طُرُقاً شتَّى. وفي الحديث: اجْعَلِ الفُسَّاقَ يَداً يَداً ورِجْلاً رجْلاً فإِنهم إِذا اجتمعوا وَسْوَسَ الشيطانُ بينهم في الشر؛ قال ابن الأَثير: أَي فَرِّقْ بينهم، ومنه قولهم: تفَرَّقوا أَيْدِي سَبا أَي تفرَّقوا في البلاد ويقال: جاءَ فلان بما أَدت يَدٌ إِلى يَدٍ، عند تأْكيد الإِخْفاق، وهو الخَيْبةُ. ويقال للرجل يُدْعى عليه بالسوء: لليَدَيْنِ وللفَمِ أَي يَسْقُط على يَدَيْهِ وفَمِه.)(ابن منظور )
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
الوجوه الإعرابية للرواية الأم للحديث
? { مَثَلُ القَائمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا
" مَثَلُ " ميتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه الضمة الظاهرة ،مثل مضاف و"القائم" مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامةجره الكسرة الظاهرة ، " على" حرف جر مبنى على السكون، "حدود" مجرور بعلى وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، وحدود مضاف واسم الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
" الواو" حرف عطف مبنى على الفتح ، " الواقع" معطوف على " القائم مجرور بالتبعية وعلامة جره الكسرة الظاهرة، "في" حرف جر مبنى على السكون " ها" ضمير مبنى على السكون في محل جر 0
#####
? { كَمَثَلِ قوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ }(1/232)
" الكاف" حرف جر يفيد التشبي مبنى على الفتح، " مثل " مجرور بالكاف ، وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، مثل مضاف وقوم مضاف إليه مجرور ، " استهموا" : استهم : فعل ماضٍ مبني على الضم لاتصال واو الجماعة به ، وواو الجماعة فاعل مبنى على السكون في محل رفع 0
على سفينة جارومجرو متعلق باستهم ،وجملةاستهموا على سفينة نعت لـ" قوم" في محل جر بالتبعية 0
? {فَأصأبَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أسْفَلَهَا }
" الفاء" حرف عطف يفيد السبيبة مبنى على الفتح
" أصاب" فعل ماضٍ مبنى على الفتح
" بعضهم" بعض فاعل مرفوع بالفعل ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ، بعض مضاف وهم مضاف إليه مبنى في محل جر بالإضافة 0
" أعلاها" أعلى صفة لموصوف محذوف والتقدير مكانا أعلاها ، والموصوف المحذوف مفعول الفعل " أصاب" و" أعلى " مضاف و" ها" مضاف إليه
"وبعضهم أسفلها" الواو : حرف عطف ، و" أسفلها معطوف على " أعلاها ، وهو نعت لمحذوف تقديره " مكانا أسفلها 0
#####
? فَكَانَ الَّذِينَ فِي أسْفَلِها إِذَا اسْتَقُوا مِنَ الْمَاء مَرُّوا عَلَى مَنْ فوْقَهُمْ ،
" الفاء " هنا كالفاء في " فأصاب"
" كان" فعل ناسخ مبنى على الفتح
" الذين " اسم كان مبنى على الفتح في محل رفع "
" في أسفلها" جار ومجرور متعلق بمحذوف ، صلة الموصول لامحل له من الإعراب
"إذا" ظرفية لما يستقبل من الأحداث ، تفيد الشرط
" استقوا" استقى ماض مبنى على الضم لاتصال واو الجماعة به ، وواو الجماعة فاعل ، واستقى" فعل الشرط ،وجملة الشرط :" استقوا "
" من الماء" جار ومجرور متعلق بـ" استقى"
" مروا" ماض مبنى على الضم ، وواو الجماعة فاعل ، وجملة الجواب :" مروا"
" على من فوقهم" : على حؤرف جر مبنى ، و" من" موصول مبنى على السكون في محل جر بعلى ، " فوق" ظرف مبنى ، مضاف ، وهم مضاف إليه ، وشبه الجملة متعلق بمحذوف ، صلة الموصول 0
#####(1/233)
? { فَقَالُوا إِنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَم نُؤْذِ منْ فَوْقَنَا }
" الفاء " هنا كالفاء في " فأصاب" و" فكان"
" قالوا" قال ماضٍ مبنى على الضمنوواو الجماعة فاعل مبنى في محل رفع
" إنَّا " إنَّ حرف توكيد ناسخ مبنى على الفتح، و" نا" اسمها مبنى على السكون في محل نصب
" خرقنا" خرق ماض مبنى على السكون لاتصال " نا" به ونا فاعل مبنى في محل رفع وجملة خرقنا خبر نا في محل رفع
" في نصيبنا" : في حرف جر ، ونصيب مجرور بفي ، ، نصيب مضاف ، و"نا" مضاف إليه
" خرفا" مفعول مطلقمؤكد للفعل " خرق " منصوب على المفعولية المطلقة
" ولم نؤذ " الواو حالية مبنية على الفتح ، "لم" حرف نفي وجزم مبنى على السكون ، نوذ " مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمة حذف حرف العلة
وفاعل نؤذ ضمير مستتر تقديره نحن ،
" من فوقنا" : "من " موصول مبنى على السكون مفعول به في محل نصب ،
" فوق" ظرف مبنى مضاف و" نا" مضاف إليه مبنى في محل جر ، والظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول لامحل له من الإعراب 0
######
? فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَما أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا
" الفاء" سبيبة ، و" إن" شرطية ، و" يترك" مضارع مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون ؛لأنه من الأمثلة (الأفعال) الخمسة، وهو فعل الشرطوواوالجماعة فاعل مبنى في محل رفع و" هم" مفعول به مبنى في محل نصب
وجملة " يتركوهم" جملة الشرط
" وما أرادوا" الواو تفيد المعية و"ما" موصول مبنى مفعول معه في محل نصب،" أرادوا" أراد ماضٍ مبنى ، واوالجماعة فاعل مبنى في محل رفع ، وجملة " أرادوا" صلة الموصول لامحل لها من الإعراب
" هلكوا جميعًا" هلك : ماضٍ مبنى على الضم ، واوا الجماعة فاعل مبني في محل رفه ، وجميعًا حال منصوب والتقدير مجتمعين
#####
? {وَإِنْ أَخَذُوا عَلى أيْدِيهِمْ نَجَوا وَنَجوا جَمِيعًا " }
" الواو" عاطفة ما بعدها على " "إن تركوهم" وهومن عطف الجمل(1/234)
" إن" شرطيو، و" أخذ" ماض فعل الشرط مبنى على الضم نوواوالجماعة فاعل ، وعلى جار وأيدي مجرور ، مضاف وهم مضاف إليه
" نجوا" ماضٍ مبنى وواو الجماعة فاعل ، وجملة " نجوا" جواب السرط ، ،ونجوا معطوفة على نجوا الأولى من عطف الجمل ، وجميعا حال 0
################
السِّمات البَلاغِيَّة وَفِقْه المَعْنَى(1/235)