تأليف
أبي عمر توفيق بن عمر بن علي السيدي
الطبعة الأولى
19 شوال سنة 1414 هـ
31 آذار سنة 1994 م
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم } [يونس 62_64 ] .
وقال تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات } [المجادلة 11 ] .
فضيلة العالم العامل الفقيه النبيه الفاضل ، العارف بالله ، خادم العلم الشريف والدين الإسلامي الحنيف : المرحوم الشيخ محمد عبد المجيد الأزهري البروقيني النابلسي .
انتقل إلى جوار ربه بعد صلاة العشاء يوم الجمعة 9 رجب 1413 هـ ، وفق 1/1/1993 م
3
الإهداء
إلى حضرة نبينا وسيدنا وحبيبنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والأنبياء والمرسلين وآل كل أجمعين ، والصحابة والتابعين ، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وإلى حضرة سيدي أبي العباس الخضر عليه السلام ، ولفضيلة شيخيّ ، سيدي محمد هاشم البغدادي ، وسيدي محمد عبد المجيد الأزهري البروقيني ، رضي الله عنهما ونفعنا بهما والمسلمين ، ولوالدي والأولياء والشهداء والصالحين ولسائر المؤمنين ، أهدي هذا الكتاب.
4
المقدمة
الحمد لله عظيم المحال ، القادر الفعال ، الأحد فلا نظراء له ولا أمثال ، غافر الذنوب ولو كانت أمثال الجبال ، منشيء الخلق جميعهم على غير سابقة مثال ، عالم الغيب لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فلا تضرب له الأمثال .
أحمده تعالى على جزيل نعمائه ، وعظيم آلائه ، ووفير عطائه ، حمدا كثيرا جزيلا طيبا مباركا فيه ، كما يحب ويرضى ربنا المتعال .(1/1)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، شهادة نحشر بها مع السابقين الأوال . وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله ، سيد الخليقة وصفوة الرجال . صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته وأحبته ، عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته . وجزاه عنا ما هو أهله ذو الإكرام و الجلال ، فإنه صلى الله عليه وسلم أهل لكل فضل وجمال وكمال .
أما بعد : فقد خطر لي أن أجمع كتابا في سيرة شيخنا الأزهري البروقيني رحمه الله ، فعرضت عليه الفكرة والعزم وطلبت منه أن يملي علي شيئا من سيرته . فقال : " طلب ذلك مني أشخاص قبلك فرددتهم ، ولكني أرضى ذلك منك لثقتي بك ". ثم أملى علي ورقات فيها .
... ثم صرفتني شواغل وشغلتني صوارف عن المضي قدما فيما قطعته على نفسي حتى قضى الشيخ نحبه ، فرأيت لزاما علي إنفاذ العهد وإنجاز الوعد . فاستعنت بالله على إتمامه ،فجاء بحمد الله ومنّه كتابا محققا مدققا . واعتمدت في توثيق مادته وتحريرها على ما يلي :
[1] - ما أملاه عليّ الشيخ رحمه الله في سيرته .
[2] - ما وقفت عليه من خلال مذاكرته وطول مجالسته والتتلمذ على يديه .
5
[3] - ما أخبرنيه الثقات .
[4] - فتاواه المحررة بخطه .
[5] - كراريسه ، ومذكراته ، وأوراقه ، ورسائله ومكاتباته ، ومقالاته ، والتي أوقفني عليها بلال ولده .
[6] - ما وقفت عليه من الشعر والمسائل والفوائد ، والتي أثبتها في قصاصات ورقية وجعلها بين رفوف مكتبته وفي حواشي الكتب وطياتها .وغالبها يحمل توقيعه .
[7] - خرجت أحاديث الكتاب بالرجوع إلى كتب السنة المطهرة .
التعريف بالكتاب
جعلته على مقدمة وتسعة وثلاثين بابا وخاتمة .
{ المقدمة } تشتمل على تعريف بالكتاب ، الداعي إلى تأليفه ، ومصادر البحث .
{ الأبواب } :
1 - في ذكر اسمه ولقبه ومولده 2 - في ذكر تحصيله وطلبه للعلم .
3 - في ذكر استدعائه إلى قرية الرينه 4 - في ذكر اعتقال الإنجليز ونفيهم(1/2)
له في ظل الثورة الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني .
5 - انتقاله إلى صفوريه 6 - توالي المحن والإبتلاءات في حياة الشيخ
7 - ثمرة صبره وثباته 8 - في ذكر شيوخه رحمهم الله تعالى
9 - في ذكر تلامذته 10 - في ذكر عقيدته السنية
11 - في ذكر مشربه 12 - صفاته وأخلاقه
13 - في ذكر تمسكه بالسنة والأثر 14 - في ذكر تعبده
15 - أدعيته وأوراده 16 - توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم
17 - احترامه وتقديره للعلماء العاملين وحبه وتوقيره للصالحين
18 - إعراضه عن المناصب 19 - ثناء العلماء وأهل الصلاح عليه
6
20 - في ذكر فطانته وذكائه 21 - مطالعته ونظره في كتب العلم
22 - محفوظاته 23 - في ذكر خطه وتوقيعه ونقش خاتمه
24 - كراماته 25 - في ذكر رُآه وما رؤي له
26 - أسرته 27 - في ذكر مرضه الذي مات فيه
28 - تاريخ موته ومبلغ سنه 29 - ما رؤي له بعد موته
30 - آثاره 31 - مقالاته
32 - موقفه من أزمة الخليج وظروف المسلمين الراهنة
33 - خطبه ومواعظه ودروسه 34 - في ذكر أشعاره
35 - رسائله ومكاتباته 36 - في ذكر أقواله وما أثر عنه
37 - في ذكر رثائه
38 - نماذج من المسائل والفوائد التي أفادها من شيوخه الأزهريين
39 - في مسائل وفوائد في فنون مختلفة
في : ( العلم ، والعقيدة ، والسيرة ، والفقه ، والتصوف ، والتفسير ) .
و{ الخاتمة } .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وارزقنا السداد في القول والعمل ، وجنبنا الخطأ
والخلل والزلل . اللهم اغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحاب الحقوق علينا ولجميع المسلمين ، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله على البشير النذير السراج المنير سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
7
الباب الأول
في ذكر اسمه ولقبه ومولده
اسمه : هو العالم الزاهد العامل ،والفقيه النبيه الفاضل ،الشيخ محمد بن عبد المجيد سمارة بن عبد المجيد سمارة الأزهري البروقيني النابلسي .(1/3)
وأمه خميسة سمارة.
لقبه وكنيته : يلقب بالأزهري نسبة الى الأزهر الشريف ، والبروقيني نسبة الى قرية بروقين (1) من قرى نابلس ، ولذا قيل النابلسي .
ويكنى بأبي تميم .
مولده : ولد في قرية بروقين سنة 1329هـ وفق 1911م .
الباب الثاني
في ذكر تحصيله وطلبه للعلم
قال شيخنا البروقيني رحمه الله : دخلت المدرسة الأميرية في القرية ومكثت بها حتى أتممت الصف الرابع ،وتلقيت كل معلوماتي عن الشيخ محمد الريماوي الأزهري رحمه الله (المتوفىسنة 1975) وقد أحرزت على يديه شهادة في أربعة عشرة علما والتي كانت مقررة ،وختمت عليه القرآن بالتجويد والتفسير ثلاث مرات .وبعد ذلك حبب الشيخ إلي الإلتحاق بالأزهر الشريف ، فدخلت الأزهر وعمري (15) خمسة
____________________________________________________________________
1 - إبروقين بإثبات الهمزة أو اسقاطها ، أنظر "بلادنا فلسطين" لمصطفى مراد الدباغ (6/547 ) .
8
عشرة عاما ، فدرست فيه سبع سنوات ، وقد تفوقت والحمد لله تفوقا عظيما في علوم الأزهر .(1/4)
قال : هذا ولما كنت طالبا في الأزهر الشريف كان لي نخبة من أندنيسيا فكنت أتعلم وألقي عليهم ما تعلمته حتى حببت إليهم فطلبوا مني أن أذهب إلى بلادهم لأكون مديرا لجامعة إسلاميه تضم ألفي طالب في بلاد الجاوة (1). وفي هذه الأثناء جئت مأذونا في فرصة الأزهر الصيفية ، فعرضت هذا الطلب على سماحة الحاج أمين الحسيني فرفضه وقال : "إننا بحاجة ماسة لأمثالك ". فرجعت إلى الأزهر وأخذت أجتهد في نيل الشهادة العالِمية ، والتي هي أعلى شهادة ولا ينالها إلا الكبار العلماء ، وقدحال بيني وبين نيلها شيخ رواق الشوام ، الشيخ عيسى منون العِكرماوي ، فكان يحاول حتى طردي من الأزهر لأنني كنت دوما واقفا له بالمرصاد وأنتقده في أشياء كثيرة ، وأعظمها تصرفه في الوقف المعد لطلبة العلم في رواق الشوام .فأوعز إلى رئيس الإمتحان وأعضائه بأن لا يوافقوا على نيلي تلك الشهادة المومأ إليها ، وكان من أعضاء لجنة الإمتحان الشيخ شافع ، أخو شيخ الأزهر محمد أحمد الظواهري ، الذي حاول إسقاطي بتاتا ، بيد أن رئيس الإمتحان كان عالما فاضلا صالحا ، فانتهره قائلا : يا شيخ إختش ، إخجل من الله فإني أشهد بأنه عالم فاضل صالح بدليل أنا نمتحن كل يوم طالبين ولقد أمضينا طيلة اليوم على إمتحانه ، فحرمانه من تلك الشهادة العالِمية هذا إجحاف منا وظلم ، ونحن الآن نمنحه الشهادة الخاصة بالغرباء . وكان حصولي على تلك الشهادة سنة 1351 هـ .
بعد ذلك رجعت إلى مسقط رأسي قرية بروقين التابعة لقضاء نابلس ، وأخذت أعظ أهالي قريتي .
___________________________________________
1 - بلاد الجاوة : اندونيسيا حديثا .
9
الباب الثالث
في ذكر استدعائه إلى قرية الرينة ليكون إماما ومدرسا(1/5)
قال رحمه الله : في سنة 1934م قام أشخاص من مسلمي قرية الرينه ممن يعملون في سلك المساحة مع حسن بك بن رأفت بك الحسيني ، وهو ابن أخت سماحة الحاج أمين . فطلب أولئك الأشخاص الموظفون معه منه أن يقنع خاله الحاج أمين بأن يعين واعظا وإماما ومدرسا لمسلمي قرية الرينه قضاء الناصرة . وبالفعل ورد الي كتاب من سماحة الحاج أمين بتعييني لتلك الوظائف ولكن شريطة أن أذهب إلى عكا لمقابلة الشيخ عبد الله الجزار مفتي عكا وعلماء الجامع الجزار ـ علماء المدرسة الأحمدية ـ فاجتمعت بالشيخ عبد الله الجزار وعلماء المدرسة الأحمدية ، وكلهم أزهريون ، فسألوني أسئلة عدة في الفقه وفي أصوله . فكتبوا : " لقد ثبت كفاءة هذا الشيخ وأهليته للقيام بهاتيك الوظائف " . وفعلا دخلت قرية الرينه فمكثت عامين وأنا أعظ وأدرس وأخطب حتى سنة 1936م . وخلالها أو على نهايتها ابتدأت الثورة .
0 1
الباب الرابع
في ذكر اعتقال الإنجليز ونفيهم له في ظل الثورة الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني [ سنة 1936 - 1938 ]
قال رحمه الله : اعتقلتني السلطة البريطانية 13 شعبان 1356 هـ ، وفق 17 تشرين أول سنة 1937م ، ونفيت إلى مدينة نابلس تحت الرقابة المشددة ليل نهار . مكثت على هذا الحال ثلاثة أشهر ثم أفرج عني ورجعت إلى محل تعييني قرية الرينه ، ثم بعد ثلاثة أشهر من عودتي إلى تلك القرية جاء الأمر باعتقالي إلى سجن عكا حتى أمضيت خمسة أشهر ، وخلال هذه المدة كنت لا أترك القاء الخطب على الفي نسمة ، ثم جاء الأمر في 15 أيلول سنة 1938 م بنفيي إلى عمان تحت الرقابة المشددة من حكومة الأردن مدة ثلاثة أشهر بعدها رجعت إلى قرية الرينه في 15 كانون أول سنة 1938 م ، وبالرغم من هذا كله لم تنقطع عني الوشايات إلى المخابرات البريطانية .
الباب الخامس
في ذكر انتقاله إلى صفوريه ليكون إماما ومدرسا فيها(1/6)
قال رحمه الله : ولما علم أهل صفوريه باضطهادي قاموا بنقلي إلى قريتهم لأنهم كانوا بحاجة ماسة لعالم يفقههم في دينهم ، ويأخذ بناصرهم إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وكان نقلي إلى تلك القرية في شهر آب سنة 1940 م وقد قام أهل صفوريه ببناء دار لي وملكوني إياها ، ولا تزال باسمي .
قال : بقيت في صفوريه حتى احتلها اليهود . وبعد احتلالهم إياها طلبوا مني أن
11
أكون قاضيا شرعيا فأبيت ، فاخذوا يضطهدونني لرفضي تلك الوظيفة ، وقد حاولوا بيع داري لهم فأبيت ولا تزال واقفة ، وهاأنذا أطلب من الله تعالى أن يثبتني على ديني وعلى عدم موافقتي لما يطلبونه مني مما لا يرضاه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، حتى القاهما وهما راضيان عني سائلا المولى العلي القدير أن يمن على المسلمين بالفرج القريب حتى تعود الينا عزتنا التي فقدناها بإعراضنا عن اتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم . ...
قال : كنت في آخر من أخرج من صفوريه فلقد فاجأني الجيش وأنا أدفن عددا من الشهداء ، فقضوا بإخراجي من البلدة .
قال : في 16 تموز سنة 1948 م كان احتلال صفوريه ، وأخرجنا منها في 7 كانون ثاني سنة 1949 م .
الباب السادس
توالي المحن والإبتلاءات في حياة الشيخ
عندما أجلي الشيخ عن بلدته صفوريه نزل مدينة الناصرة واستقر بها مدة ليست مديدة ، ثم تحول عنها إلى قرية المشهد فلبث فيها إلى سنة 1951 م ومن ثم إلى قرية الرينه .
وكتب الشيخ في مذكرته : " في هذا اليوم 21/6/1951 نقلنا من المشهد إلى الرينه واستلمنا بيتا وأرضا من الأموال المتروكة بموجب كتاب من القيم على أموال الغائبين "إسفي " .
ونشرت صحيفة المرصاد في 19 /4/1956 تحت عنوان " رسائل القراء " ما يلي : " ... غير أنه في الفترة الأخيرة أخذ الحاكم العسكري للناصرة يضطهده ويحاول
12(1/7)
إرغامه على التخلي عن الحقل بشتى الطرق التعسفية ، وهو يناشد المسؤولين ردع اولئك الأشخاص الذين اضطهدوه ويضطهدونه بأصناف العذاب ، إما بترك الحقل تحت تصرفه أو ارجاعه إلى أملاكه السابقة في صفوريه " .
وأضافت الصحيفة قائلة : " راجت إشاعات في القرية أن شخصية ( دينية ، سياسية ) من سكان حيفا تطالب بحقل الشيخ الأزهري ليقيم عليه مكان عبادة لطائفته ، وتشم من عملية الإنتزاع روح إثارة النعرات الطائفية ، فنود أن نسمع رأي السلطات المسؤولة في القضية " .
ويعتقد أهل قريتنا أن محاولة نزع ملكية الشيخ عن الحقل المذكور هي رد انتقامي على فتواه لأهل صفوريه وغيرهم بحرمة بيع أراضيهم والتنازل عنها ، ولعدم تنازله عن أملاكه في قرية صفوريه .
وقد تقدم قول الشيخ : " وقد حاولوا بيع داري لهم فأبيت ، ولا تزال واقفة "
وبعد سنوات من المعاناة نزعت يد الشيخ عن الأرض وترك له المسكن .
وكتب الشيخ في مذكرته : " في هذا اليوم [ الثلاثاء 17 جمادى الآخر 1380 هـ وفق ، 6 كانون أول 1960 م ] نزعت يدي عن الأرض واستلمها القيم ليسلمها للمطران حكيم " .
وفي حزيران سنة 1962 م كابد الشيخ وزوجته وأبناؤه لونا جديدا من الإضطهاد فرجمت الحجارة بيته ليلا ، وما ذاك إلا لإرغامه على التخلي عن مسكنه أيضا . ثم توقف هذا اللون الممقوت بعد أن استمر أكثر من شهر .
وفي 30 أيلول 1966 م انتقل الشيخ للسكنى في الناصرة في حي كرم الصاحب ، الواقع على طريق عيلوط ، ولبث فيه حتى اختاره الله لجواره .
13
الباب السابع
ثمرة صبره وثباته
إن المؤمن في حياته كثيرا ما يتعرض للابتلاء والتمحيص ، لكنه يبدي ثباتا كالجبال الراسيات وكالنخل الباسقات ، أو كجلمود صخر لا يثنيه عن عقيدته الضيم والقهر . وقد بيّن نبيّنا صلى الله عليه وسلم أن الأصفياء هم الأشدّ بلاء ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " (1) .(1/8)
إن الإبتلاء في حياة الشيخ لم يقتصر على ما وصفنا ، ولم يوقعه عليه أعداء الدين فحسب ، بل ومن أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا ، فأخذ هؤلاء لإنحرافهم عن النهج السديد ، يصفونه بالتعصب والتشديد ويسمونه " بالتزمت والتعقيد " ، وما ذاك إلا لالتزامه السنة وتتبعه الأثر ، ودعوته لتحكيم شرع الله في حياة البشر .
_____________________________________________
1 - أخرجه الترمذي 4/601(2398) كتاب الزهد ، باب ما جاء في الصبر على البلاء
، وقال : حديث حسن صحيح . وابن ماجه 2/1334 (4023) كتاب الفتن ، باب الصبر على البلاء وأحمد في مسنده (1/172 ، 174 ، 180 ، 185 ) ، وفي الزهد ص 53 . والحاكم في المستدرك 1/40 . والدارمي في السنن 2/412 (2783 ) . والبيهقي في " السنن الكبرى " 3/372 - 373 ، وفي الآداب ص 297 رقم ( 902 ) . والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف 3/318 . الطحاوي في المشكل 3/62 . وابن أبي شيبة في المصنف 3/233 . وابن حبان في صحيحه (699 ، 700 ) . وأبو نعيم في الحلية 1/368 . والطيالسي في مسنده 5/2 . وبحشل في تاريخ واسط ص 283 . وأبو يعلى ( 830 ) . وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده ص 78 رقم (146 ) ، وابن سعد في الطبقات 2/209 . والخطيب في تاريخ بغداد 3/378 . والبغوي في شرح السنة 5/244. والشاشي القفال في مسنده (69 ) .
من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .
14
إن الصبر وإن كان مُرَّ المذاق فإن عقباه تطيب للمؤمن ، فشيخنا لصدقه وصبره وثباته على مبدئه وعلى الحق ، عُمّر مجلسُه ، وكثُر أتباعه ومريدوه وأحبابُه ، واحترمت
عندهم أقواله ، واعتبرت فتاواه ، فصار علَما للهداية ، وما قبضه الله إليه إلا وقد هدى به خلقا كثيرا .
فلله الحمد الجزيل والثناء الجميل .
الباب الثامن
في ذكر شيوخه رحمهم الله تعالى
قال شيخنا رحمه الله :
إن الأكابر يحكمون على الورى وعلى الأكابر تحكم العلماءُ(1/9)
أما اليوم فالزعماء يحكمون على العلماء ، وقد كان الأمراء سابقا إذا طرقهم أمر ديني أو دنيوي يذهبون لأخذ رأي العلماء ، والعلماء العاملون الذين لا يخضعون ولا يخنعون لأمر الزعماء في خبر كان .
... قال : ولقد أدركت منهم شيخنا الفذ الفطحل ، الشيخ محمد بخيت المطيعي ، مفتي الديار المصرية سابقا ، فكان الملك فؤاد الأول ، رحمة الله عليه ، إذا أراد اللقاء والإجتماع بالعلماء يوعز إليهم بأنني في ساعة كذا سأحضر للإجتماع . وكان في طليعة اولئك العلماء مولاي وشيخي الشيخ محمد المذكور ، فلما كان يدخل عليهم المرحوم الملك فؤاد يقومون قومة رجل واحد لإجلاله وتعظيمه ، إلا الشيخ محمد فلا يعبأ بدخول الملك ، ويبقى قاعدا متكىءََ على عصاه كأنه لم يشعر بدخول الملك ، ولما رآه الملك في تلك الهيئة هرع إليه وأخذ يده وقبلها وقفل راجعا على قفاه ولم يدر ظهره للشيخ .
15
وقد دون شيخنا البروقيني أسماء العلماء الذين تلقى عنهم العلم الشريف بالأزهر المعمور ، وهم :
1 - الشيخ سلامة العزامي النقشبندي ( ما يتعلق بالإسراء والمعراج ) .
2 - الشيخ محمد الشنواني (شرح ابن عقيل ) .
3 - الشيخ علي الشائب ( شرح ابن عقيل) .
4 - الشيخ عبد الرحمن محروس ( التوحيد ) .
5 - الشيخ محمد راسخ التركي ( التوحيد ) .
6 - الشيخ محمد عزتو ( صحيح البخاري ) .
7 - الشيخ محمد الأخضري العيساوي ( علوم البلاغة ) .
8 - الشيخ محمد بخيت المطيعي (التفسير ) .
9 - الشيخ محمد هاشم ، وهو غير شيخنا البغدادي الكيلاني أيده الله (علوم البلاغة ). 10 - الشيخ محمد السروي ( الفقه الشافعي ) .
11 - الشيخ محمد صفوت ( النحو ) .
12 - الشيخ محمد سوبرة البيروتي ( النحو ، والتجويد ) .
13 - الشيخ أحمد محيى الدين العجوز البيروتي ( علم الفرائض ) .
14 - الشيخ علي محفوظ ( علم التفسير ) .
15 - الشيخ فريد ضرغام ( النحو )
16 - الشيخ عبد المجيد الشرقاوي ( الفقه الشافعي ثلاث سنوات ونصف ) .
((1/10)
وأصول الفقه ) .
17 - الشيخ حسن الطويل ( الفقه الشافعي ) .
18 - الشيخ محمد إمام إبراهيم السقّا ( علوم البلاغة ) .
19 - الشيخ رحيم الفيومي ( علم المنطق ) .
16
20 - الشيخ محمد حسين مخلوف ( علم الوضع ) .
21 - الشيخ محمد أمان السوداني ( فلسفة علم التوحيد ) .
22 - الشيخ محمد عبد الجواد اللدي ( النحو ) .
23 - الشيخ محمد إسماعيل غريب ( النحو ) .
24 - الشيخ إبراهيم التخارتمي ( التوحيد ) .
25 - الشيخ محمد خضر الشنقيطي ( فلسفة التوحيد ) .
26 - الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ، أخو الشنقيطي المذكور
( علم الحديث الشريف مع مصطلحه ) .
27 - الشيخ محمد إبراهيم السمالوطي ( علم الحديث ) .
28 - الشيخ مختار علايلي البيروتي ( النحو ) .
29 - الشيخ محمد الرواد المغربي ( علوم البلاغة ) .
فجزاهم الله عن المسلمين خير الجزاء ، ورحمهم وشيخَنا رحمة واسعة .
الباب التاسع
في ذكر تلامذته
كان شيخنا رحمه الله تعالى ممن عَلِم وعمل وعَلَّم ، ولقد تتلمذ على يديه خلق كثيرون ، وتخرج على يديه أئمة في البلاد . وكان مجلسه منارا للعلم ، يفد إليه طلاب الآخرة ، ويقصده المستفتون ، وعنده البغية ، ولديه ايضاح السبيل .
17
الباب العاشر
في ذكر عقيدته السنية
كان شيخنا على اعتقاد أهل الحق ، أهل السنة والجماعة ، متبعا فيه الإمام أبا الحسن الأشعري ، رحمه الله تعالى ، وهاك تفصيل معتقده :
العالم حادث ، وصانعه الله الواحد قديم ، لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء . هو الأول والآخر . ذاته مخالفه لسائر الذوات ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير . وصفاته قديمة ، وهي : الحياة ، والإرادة ، والعلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام القائم في ذاته المعبر عنه بالقرآن المكتوب في المصاحف المحفوظ في الصدور المقروء بالألسنة . منزه تعالى عن الجسم ، واللون ، والطعم ، والعرض ، والحلول والإتحاد .(1/11)
وما ورد في الكتاب والسنة من المشكل نؤمن بظاهره وننزه عن حقيقته ، ثم نفوض معناه إليه تعالى أو نؤول (1) .
________________________________________________
1 - التأويل : هو حمل المشكل أو المتشابه في كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه
وسلم ،على خلاف المعنى الظاهر مع بيان المعنى المراد .ولأهل السنة في المنتشابه طريقتان :
إحداهما : أن يمر كما جاء من غير تمثيل ولا تعطيل ولا تشبيه ، دون بحث عن معنى ودون
تأويل ، وهذا هو التفويض ، وهو طريقة السلف رضي الله عنهم . فهم يؤمنون به ويمرّونه
كما جاء ، لكنهم يفوضون علمه إليه تعالى من غير إعمال فكر أو امعان نظر .
{ والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } آل عمران 7 .
وطريقة السلف أسلم لما فيها من السلامة من تعيين معنى قد يكون غير مراد له تعالى .
ثانيهما : التأويل ، وهو طريقة الخلف رضي الله عنهم ، فهؤلاء أولوا المتشابه ، لا لهوى
وإنما تنزيها للمولى جل وعلا . وقد اضطرهم إلى التأويل ظهور الفرق الضالة والمبتدعة =
18
والقدر خيره وشره منه تعالى ، ما شاء كان وما لا فلا ، ومع كون القدر من الإيمان لا يجوز الإحتجاج به إلا بعد الوقوع ، ومعنى ذلك : أن العبد لا يجوز له الإقدام على المعصية بحجة أنها مقدرة عليه أزلا ، حتى أنه لو كشف الغطاء له بأنها مقدرة عليه أزلا لا يجوز أن يقدم عليها لأنها ربما كانت من القضاء المعلق الذي يرد بالدعاء والطاعات .
لا يغفر الله الشرك بل غيره إن شاء .
لا يجب عليه شيء إن عفى وغفر ورحم فبرحمة منه وفضل ، وإن عذب وعاقب وانتقم فبعدله { ولا يظلم ربك أحدا } (1) . { لا يسأل عما يفعل } (2) .
أرسل رسله بالمعجزات الباهرات وختم بهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وإن عذاب القبر حق ، كذا نعيمه ، وبرزخ القبر أول منازل الآخرة .(1/12)
وسؤال الملكين حق ، وهما منكر ونكير في حق غير المؤمن ، فيأتيانه على صورة مرعبة أسودان أزرقان ، رؤيتهم عذاب ، ويأتيان المؤمن في صورة حسنة
_____________________________________________
= وعمدوا إلى ذلك نقضا لشبههم ودحضا لافتراءاتهم وردا لضلالاتهم . وطريقة الخلف أعلم
وأحكم لمافيها من مزيد إيضاح والرد على الخصوم .
ولقد ظهرت نحلة أساءت فهم طريقة السلف وبدّعت الخلف ، فزعمت أن طريقة السلف
حمل المشكل أو المتشابه على ظاهره أو على حقيقته ، فلزمهم التجسيم ، لأن حملهم هذا
يقتضي إثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجارحة ، وهي ممتنعة في حقه تعالى باتفاق
أهل الحق وغيرهم ما عدا المجسمة والمشبهة ، قال تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ }
أي : المجسمة { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } فحمل المتشابه على
ظاهره أو على الحقيقة ، هو تأويل له في الحقيقة ، ولكنه تأويل أهل الزيغ والغواية لا تأويل
أهل الحق والهداية .
1 - الكهف الآية رقم (49) . 2 - الأنبياء الآية رقم (23) .
19
فيأنس بهما وهما له مبشر وبشير . والرجل الصالح ينتفع به من جاور قبره ، والفاجر يتأذى به من حوله . والشهيد يشفع في سبعين من أهله .
والحشر والمعاد حق . والصراط حق .والميزان حق . والشفاعة حق . ورؤية المؤمنين له تعالى حق .
والإسراء إلى بيت المقدس ومنه المعراج إلى السماوات بجسد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يقظة ، حق .
وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام في المسجد الأقصى إماما كانت بالأجساد وكانت الصلاة المعهودة على الأصح .
ونزول عيسى عليه السلام قرب الساعة ـ وقد رفع إلى السماء حيا ـ مؤيدا للمهدي وجنده ، ناصرا للإسلام وحاكما بشريعة خير الأنام صلى الله عليه وسلم ؛ حق ، وقتله الدجال عند بئر بباب لد ؛ حق .
ورفع القرآن حق ، وأول شيء يرفع من الأرض الخشوع .(1/13)
والجنة والنار مخلوقتان اليوم ، وأن الجنة في السماء قطعا ، والنار ليست فيها قطعا ، وهي في الأرض السابعة (1) .
والروح باقية ، وأن الموت بالأجل ، وإنما وجب القصاص من القاتل حقنا للدماء وحسما لمادة الشحناء ، أو تقول : لما كان فعل القاتل سببا في انتهاء الأجل في الظاهر ونحن مأمورون بالحكم به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أحكم بالظاهر ولم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم " (2) لذلك أنطنا الحد بالفعل الظاهر .
_____________________________________________
1 - واختار قوم التوقف ، فلم يتعرضوا لتحديد مكانها .
2 - البخاري في صحيحه 7/666 (4351) كتاب المغازي ، باب (61). ومسلم في =
20
وأن لازم الإيمان سعادة الأبد ولازم الكفر شقاوة الأبد . وأن الفسق لا يزيل الإيمان . ولا نقطع بعذاب من لم يتب ولا يخلد موحد في النار .
وأن أفضل الخلق على الإطلاق حبيب الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم بقية أولي العزم ثم بقية المرسلين فسائر الأنبياء ، وأن أفضل الخلق بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ ... ، وأفضل النساء مريم البتول وفاطمة الزهراء وأمهات المؤمنين : خديجة وعائشة .
والأنبياء أفضل من الملائكة ، وهم أحياء في قبورهم يصلون ، وحرّم الله على الأرض أن تأكل أجسادهم وكذا الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله ، والعلماء العاملين ، وقارىء القرآن ، والمؤذن احتسابا لله تعالى ، وقد نظمها بعضهم فقال :
لا تأكل الأرض جسما لنبي ولا لعالم وشهيد قتل معترك
ولا لقارىء قرآن ومحتسب أذانه لإله مجري الفلك
وحياة الأنبياء والشهداء أتم وأكمل من حياتهم في الدنيا بدليل قوله تعالى :
{ وللآخرة خير لك من الأولى } (1) أي في كل شيء .(1/14)
والأنبياء عليهم السلام معصومون من الخطأ كله صغيره وكبيره ، وما جاء في القرآن من اثبات العصيان لآدم ومن معاتبته جماعة منهم على أمور فعلوها فإنما هو من باب أن للسيد أن يخاطب عبده بما شاء ، وأن يعاتبه على خلاف الأولى معاتبة غيره على المعصية ، لأن الملام على قدر المقام ، وتجوز عليهم الأمراض غير المنفرة كالحمى وغيرها .
____________________________________________________
= صحيحه وأحمد في مسنده . والبيهقي في السنن الكبرى 8/196 من حديث أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه .
وانظر : كشف الخفاء 1/192 (585) وعزاه لمسلم .
وعزاه السيوطي 3/17(2637 ـ فيض ) لأحمد والبخاري عن أبي سعيد رضي الله عنه .
1 - الضحى الآية 4 .
21
وما جاز لنبي معجزة جاز لولي كرامة شريطة عدم التحدي ، وعند نهاية درجات الولاية تبدأ أولى درجات النبوة .
وأكمل أولياء هذه الأمّة وأفضلهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، وكلهم عدول بتعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم .
وإن الشافعي ومالكا وأبا حنيفة وأحمد وسائر الأئمة على هدى من ربهم ، وإن أبا الحسن الأشعري وأبا منصور الماتوريدي إمامان في السنّة ، والأشعري عليه مقدم ، وطريق الجنيد وصحبه طريق مقوم .
الباب الحادي عشر
في ذكر مشربه
قال شيخنا البروقيني رحمه الله : تلقيت الطريقة النقشبندية العلية قدّس الله أسرار أهلها عن شيخي الشيخ محمد أمين الكردي البغدادي ، شيخ أواخر الطريقة النقشبندية ، اعتقادا مني بأنه لم يخلفه أحد إلا الدعاة الذين يطلق عليهم ؛ " ومن لم يجد ماءً فليتيمم بالتربة " هذا في الأقطار العربية ، وإن كان في غيرها ما له الشهرة كالسيد الجليل والولي النبيل الشيخ ناظم النقشبندي في قبرص الإسلامية فلقد بلغ شأواً بليغا في الولاية رضي الله عنه وعنا به آمين ، فلم يبق للطريقة العلية إلا اسم بلا مسمى .
22
الباب الثاني عشر
في ذكر صفاته وأخلاقه(1/15)
كان رحمه الله تعالى حسن السمت طويل الصمت ، دائم الإفتكار كثير الإعتبار وافر الهمة عظيم الهيبة ، صادق اللهجة قوي الحجة ، لين الجانب وفيا للصاحب ، حسن المعشر جميل المنظر ، عفيفا نظيفا ، ديّنا صيّنا ، تقيا نقيا ، شديدا في الحق ، لا يخشى فيه اللوم ولا عتاب القوم ، محافظا على السنة وآدابها، مجانبا للبدعة وأصحابها ذابا عن الشريعة وأهلها ، آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ، محبا للصالحين والأولياء ، شغوفا بالعلم والعلماء .
كان يستخير الله إذا أراد السفر ، وإذا سافر غدا وبكّر التماسا لبركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " (1) .
________________________________________________________________________
1 - أخرجه أبو داود في سننه 3/35 (2606) كتاب الجهاد ، باب (78) الإبكار في
السفر . والترمذي في سننه ( 1212) وقال : حسن . وابن ماجه في سننه ( 2236 ،
2237 ، 2238 ) . وأحمد في مسنده ( 3/ 416 ، 417 ، 431 ، 432 ) ، (4/
384 ، 390 ، 391 ) . والدارمي في السنن 2/ 283 ( 2435) . والبغوي في شرح
السنة . وسعيد بن منصور في السنن 2/ 147 ( 2382) والقضاعي في مسندالشهاب
2/ 342 ( 1491 ، 1493 ) . والديلمي في الفردوس 1/ 504 ( 2061) .
وعبد بن حميد في المنتخب (432).والطبراني في الكبير ( 7275، 7276 ، 7277 ) .
من حديث صخر بن وداعة الغامدي رضي الله عنه .
ولفظه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم بارك لأمتي في بكورها "،
وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار . وكان صخر تاجرا ، فكان يبعث
تجارته أول النهار ، فأثرى و كثر ماله).
ـ وهذا الحديث ( اللهم بارك لأمتي ... ) جاء من عدة طرق عن عدد من الصحابة .
وعده بعضهم من المتواتر .
23
كان شديد الورع .
كان إذا أهدي طعاما من عرس فيه الجهالة والشطط ، صيره علفا يحظى به الدجاج والقطط .(1/16)
كان لا يستظل في ظل البنوك ولو أداه ذلك إلى طول مكث في الحر الشديد .
كان دائما يحث على الإتيان بلفظ السيادة عند ذكر اسم نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (1) .
كان قليل الضحك ،ولا يضحك إلا تبسما .
كان إذا أعطي عطرا يقول لمعطره :" عطرك الله من عطر الجنة " .
كان لا يتناول طعامه على طاولة إنما يجعل صحفة الطعام على الأرض وروجع في ذلك فقال : " ما أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خوان قط " (2) .
________________________________________________________________________
1 - وللعلامة محمد بن جعفر الكتاني الحسني ، رحمه الله (المتوفى سنة 1345 ه ) رسالة "
في حكم السيادة في الاسم النبوي " . وبيّن حكمها العلامة الشيخ يوسف بن اسماعيل
النبهاني رحمه الله تعالى في كتابه " أفضل الصلوات على سيّد السادات " صلى الله عليه
وسلم (ص10ـ12)ثم قال : والحق أن تسييده حسن في كل حال صلى الله عليه وسلم .
2 - أخرجه البخاري في صحيحه 11/ 278 كتاب الرقاق ، باب فضل الفقر (6450)
. والترمذي في سننه (2364 ) كتاب الزهد ، وفي" الشمائل " رقم (153) . وابن ماجه
في سننه ، كتاب الأطعمة ، مختصرا . وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
وآدابه " ص 288 (832) . والنسائي في الوليمة ( في السنن الكبرى ) . والبيهقي في
الكبرى 7/47 . من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، ولفظه : " لم يأكل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات ، وما أكل خبزا مرققا حتى مات " .
وفي رواية أخرى عند البخاري 9/ 460 (5415) في الأطعمة ، باب ما كان النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون . والترمذي ج 4 رقم (1788) في الأطعمة . =
24
كان لا يشرب متكىءً ، لأن الشرب على تلك الهيئة من صفات الكبر .
كان يحب التيامن في شأنه كله ، فإذا أعطى فعطاؤه باليمين ، وإذا تناول فأخذه باليمين .
كان يداوي الناس بالقرآن ، فينتفعون به .(1/17)
كان يفض نزاع المتنازعين الذين يختارونه حكما بينهم .
الباب الثالث عشر
في ذكر تمسكه بالسنّة والأثر
كان رحمه الله تعالى محافظا على السنة وآدابها ، مجانبا للبدعة وأصحابها ، متابعا للحبيب الأعظم ، والرسول الأفخم ، صلى الله عليه وسلم ، في اوامره ونواهيه ، وافعاله واخلاقه .
وهذه المتابعة ، هي مقام شريف بديع ، وخلق سني رفيع ـ ولا مقام أشرف من مقام متابعة الشفيع ، صلى الله عليه وسلم ـ جعلها الشيخ لحياته شرعة ومنهاجا ، ولطريقه ____________________________________________________
= وفي كتاب " الشمائل المحمدية " رقم (150) . والنسائي في الرقائق ( في الكبرى ) .
وابن ماجه في سننه 2/ 3292 ، في الأطعمة . وأحمد 3/ 130 . وأبو الشيخ في
" أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه " ص 213 (613) . من حديثه ، ولفظه :
" ما علمت النبي صلى الله عليه وسلم أكل على سُكُرُجة قط ، ولا خبز له مرقق قط ، ولا
أكل على خوان قط . قيل لقتادة : فعلام كانوا يأكلون ؟ قال على السفر " .
وأخرجه ابن منده في " المعرفة " كما قال الحافظ في الفتح (9/442) من حديث
عاصم بن حدرة .
25
سراجا وهاجا ، وهي من محاسنه الفاخرة الجسيمة ، ومفاخره الوافرة العظيمة
وكان هذا الالتزام دأبه ، دون توان أو فتور ، ودون تهاون أو تقصير .
عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : " الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة " (1) .(1/18)
قال الشيخ رحمه الله : أي أن المسلم إذا قام باليسير والنزر من السنة ، كان ذلك موصلا له إلى الله تعالى ، عكس الابتداع في الدين فإن ذلك مهلك له ومبعده عن مولاه . فقوله رحمه الله تعالى : "خير من الاجتهاد في البدعة " ، لا يفهم منه مشاركة البدعة للسنة في الخيرية ، لأن الابتداع في الدين لا خير فيه بل كله شر ، فأفعل التفضيل إذاً ليس على بابه . بل المراد من التفضيل أصل الفعل فكأنه رحمه الله قال :لا خير في الاجتهاد فيما ذكر البتة . فهو كقولك : الإيمان خير من الشرك . والله وحده الملهم للصواب .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ألفين أحدكم متكىء على أريكته يأتيه الأمر من أمري ، مما أمرت به أو نهيت عنه ، فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ، وإنما أمرت بما أمر الله " . (2) قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } (3) .
قال الشيخ : ومعنى (لا ألفين أحدكم ...) فيه تحذير لنا معشر الأمة الإسلامية
من أن نقعد على الأسرة ونقول لا نأخذ إلا ما أتى به القرآن الكريم وأما أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نعتد بها ، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول : ______________________________________________________________________
1 ـ رواه المروزي في " السنة " ص 30 رقم ( 88 و 89 ) عنه موقوفا.
2 ـ رواه الترمذي في سننه 4/ 144 ( 2800) ، وإبن ماجه في سننه 1/ 6 في المقدمة ،
من حديث أبي رافع رضى الله عنه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
3 - النساء الآية رقم 80 .
26
لا أجدن ، أي لا يكن أحدكم على هذه الحالة حتى أجده عليها .
قال الشيخ : قال الجنيد : إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء ولا يسير على الكتاب والسنة فاضرب بكلامه عرض الحائط .
وكان الشيخ رحمه الله كثيرا ما يتمثل هذه المقولة :
عليك بطريق الهداية ، ولو قل السالكين ، وإياك وطريق الغواية ، ولا تغتر بكثرة الهالكين .
الباب الرابع عشر(1/19)
في ذكر تعبده
كان رحمه الله محافظا على الطهارة في جميع أحواله ، وما توضأ إلا صلى ركعتين اقتداء بسيدنا بلال رضي الله عنه .
كان لا يتكلم حال الوضوء ، وسئل عن ذلك فقال : إن المتوضئ تظله خيمة من نور فإذا تكلم خرقها ، فإذا أكثر رفعت .
كان يقرأ عقب وضوئه ـ بعد التلفظ بالشهادتين والدعاء ـ { إنا أنزلناه في ليلة القدر }.
كان يسرح لحيته عقب وضوئه ، مبتدئا بالعارض الأيمن ويقرأ { الفاتحة } ، ثم العارض الأيسر ، ويقرأ { ألم نشرح } ، ثم القبضة ، ويقرأ { الإخلاص } .
حافظ على التسوك ما يزيد على خمسين سنة ، فكان يشوص فاه بالسواك قبل الوضوء وقبل كل صلاة .
كان يصلي الصلوات المكتوبة في أول وقتها ويقرأ فيها بالمأثور .
كان مداوما على التنفل ، كثيرُهُ .
27
كان يقنت للنوازل ـ عقب الركوع الأخير من كل صلاة مكتوبة ، حافظ على ذلك ما يزيد على الأربعين عاما .
كان يصلي التراويح عشرين ركعة .
حافظ على صلاة الليل ، فكان يقوم بركعات يجعلها في جوف الليل أو عقب صلاة العشاء ، وضاعف عبادته في آخر سنة من سني حياته ، فصلى في كل ليلة أربعين ركعة .
كان إذا فاته التسبيح عقب الصلاة لشاغل ، فإنه يقضيه .
كان في ريعان شبابه صوّاما ، فصام ثمان وأربعين يوما في العام في غير الفريضة . واقتصر في آخرسني حياته على الصوم المفروض مع صيام السابع والعشرين من رجب والخامس عشر من شعبان ، والثامن والتاسع من ذي الحجة (يوم التروية ويوم عرفة ) والعاشر من محرم ( يوم عاشوراء ) .
وقد قام الحاج أبو أحمد محمد أحمد يوسف أبو راس ، من قرية عيلوط بالحج سنة 1989 نيابة عن الشيخ .
28
الباب الخامس عشر
في ذكر أدعيته وأوراده(1/20)
دأب الصالحون من هذه الأمة المباركة المرحومة على التزام الأدعية والأذكار ، يرددونها آناء الليل وأطراف النهار ، بغية الانتفاع بها ، ويستديمونها تقربا إلى الله سبحانه بأحب الأعمال إليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " (1) .
فالتزم شيخنا رحمه الله أذكار الطريقة العلية النقشبندية وأورادها .
وداوم على قراءة خمسة سور من القرآن الكريم كل ليلة ، وهي :
( آلم السجدة ، يس ، الدخان، الواقعة ، وتبارك الذي بيده الملك ) .
داوم على مائتي آية يقرؤها كل يوم ، فكان يختم القرآن في كل شهر مرة ، وفي السنة إثنا عشرة مرة ، فتم له فيما يزيد على الأربعين عاما نحو خمسمائة ختمة .
كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر ثمانين مرة ، قبل أن يقوم من مقامه . وسئل غير مرة عن ذلك؟ فقال " هي كفارة لذنوب ثمانين عاما ".
____________________________________________________
1 - أخرجه البخاري 8/22 . ومسلم 8/141 ( 782) . والترمذي ( 2856) .
ومالك (125). وأحمد في المسند ( 6/32 ، 165 ، 176 ، 180 ، 249 ، 250 ) .
وعبد بن حميد في مسنده ص 438 رقم ( 1515 ) . وابن المبارك ص 45 رقم (77) .
والنسائي (2/68) (3/ 199 ، 249 ) . وابن خزيمة (1177، 1178، 1283) .
من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .
وذكره السلمي في " آداب الصحبة " ص 60 رقم 47 ، بغير إسناد .
29
كان دعاؤه للنوازل : " اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر ، اللهم احقن دماء المسلمين ، اللهم اهلك أعداء المسلمين ، يا الله يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأميّ وعلى آله وصحبه وسلم ".
دام على ذلك ما يقرب من خمس وأربعين سنة .(1/21)
كان دعاؤه عقب كل صلاة مكتوبة : " استغفر الله العظيم ، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، وأتوب إليه ، (ثلاثا) ، اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، وإليك يعود السلام ، فحيّنا ربنا بالسلام ، وأدخلنا دار السلام بسلام ، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ولا تجعلنا عن ذكرك يا مولانا من الغافلين ، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ، اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى ، ربنا تقبل منا الصلاة والدعا ، بجاه نبيك ، [صلى الله عليه وسلم ] ، وسرّ الفاتحة .
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحاب الحقوق علينا ، ولإخواننا الحاضرين ووالديهم ولكافة عامة أموات المسلمين { سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين } (1) " .
_____________________________________________
1 - الصافات الآيات ( 180 ـ 182 ) .
30
الباب السادس عشر
في ذكر توسله بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
قال الشيخ : كنت أحضر على شيخي وأستاذي ومولاي خاتمة المحدثين الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي كتابه " زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم " رضي الله تعالى عن الثلاثة وعني بهم آمين، وأوصاني بأن أواظب على إنشاد هذين البيتين(1) :
إلهي نجني من كل ضيق بجاه المصطفى خير الجميع
وهب لي في مدينته قرارا ورزقا ثم دفنا بالبقيع .
قال : ولقد زدت عليهما من قريحتي الفاترة ، وفكرتي المضطربة القاصرة هذه الثلاثة الأبيات :
فهذي منيتي من كل سؤل أريد بها نجاتي بالشفيع
فحققها لعبدك إلهي بجاه محمد أسمى مطيع
سميّ حبيبك الداعي أجبه فإنك مانح الفضل الوسيع .(1/22)
قال رحمه الله : كفانا دليلا زاجرا لمانعي التوسل ، توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما ، قائلا : " إنا كنا نتوسل بنبيك فتسقنا ، واليوم نتوسل إليك بعم نبيك " وكان في القوم من هو أفضل من العباس كعلي وعثمان ، رضي الله تعالى عنهم ، فلم ترك التوسل بهما وجنح إلى التوسل بالعباس ؟ إذا هذا كان لقرب العباس من الرسول صلى الله عليه وسلم .
_____________________________________________
1 - وممن واظب على إنشاد هذين البيتين ، ولي الله تعالى سيدي الشيخ حسن حشمه ،
وهو من تلامذة شيخنا البروقيني رحمهما الله تعالى .
31
يؤخذ من كل هذا أن كل من يتقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاح والعبادة فيتوسل به . ومن الذين يتوسل بهم الأولياء والعلماء والشهداء .
قال : ودليل آخر قوله تعالى { وابتغوا إليه الوسيلة } (1) .
وقال : قال الشافعيُّ رحمه الله (2) :
آل النبي ذريعتي وهمو إليه وسيلتي
أرجو بهم أعطى غدا بيدي اليمين صحيفتي .
وقال أيضا (3) :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنت شريكا في البضاعة .
فأجابه المُزني :
تحب الصالحين وأنت منهم ومنك سيلقون الشفاعة
وتكره من تجارته المعاصي وقاك الله شر تلك البضاعة .
قال الشيخ : ومن كانت له حاجة عند الله تعالى ، فليقل : اللهم إني أسألك ، وأتوجه إليك بحبيبك المصطفى ، يا سيدنا يا محمد يا رسول الله ! إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى ، اللهم شفعه فينا بجاهه عندك .
______________________________________________
1 - المائدة الآية رقم (35) .
2 - ديوان الشافعي ص 57 .
3 - ديوان الشافعي ص 90 ، وفيه الشطر الثاني من البيت الثاني : " ولو كنا سواءً في
البضاعة ".
32
الباب السابع عشر
في ذكر احترامه وتقديره للعلماء العاملين ، وحبه وتوقيره للصالحين(1/23)
إن الناظر في مكتوباته ورسائله ومذكراته ، يجده كلما ذكر صحابيا أو تابعيا أو عالما من علماء هذه الأمة المرحومة قرن اسمه بالترضي عنه بقوله : " رضي الله عنه وعنا به آمين " . وما ذاك إلا تقديرا وتوقيرا للعلماء والصالحين ، وتبركا بهم ، واعتقادا منه بثبوت شفاعتهم يوم الدين.
ولقد وقفت على تقريض له ، بخطه ، لكتاب الأمير شكيب أرسلان " لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم " ، قال : " وأنا لو كان اطلاعي على هذا الكتاب مع أولئك الأقطاب ( 1) لقلت فيه : إن مؤلفه رحمه الله تعالى لم يكن أمير بيان فحسب ، بل أمير إيمان .
وقولة أخرى أقولها : إنه رحمه الله تعالى لم يك أمير أقلام ، بل أمير إسلام ، والسلام .
وهذا التقريض كتبه الشيخ في 22ذي الحجة الحرام 1388 هـ ، وفق 19 شباط 1969 م. وكان رحمه الله إذا كتب تعليقا أو شرحا لقول إمام من أئمة المسلمين في كراسته أو على هامش كتاب يبدؤه ، أحيانا ، بقوله : " قلت وأنا الطفيلي على موائد أهل العلم " ، أو بقوله : " قلت وأنا الطفيلي على علم هذا العالم " وهذا أيضا من تقديره للعلماء ، ورؤيته لفضلهم .
_____________________________________________
1 - يعني من قرض الكتاب .
33
الباب الثامن عشر
في ذكر اعراضه عن المناصب
بعد احتلال صفوريه طلب منه أن يكون قاضيا للقضاة في المحاكم الشرعية ، فأبى خشية أن يحكم بغير ما أنزل الله .
قال الشيخ : " فأخذوا يضطهدونني لرفضي تلك الوظيفة " . فبقي رحمه الله كما هو معلوم من سيرته ، ثابتا على عقيدته ومبدئه ، يصدع بالحق ، لا يخشى في الله لومة لائم ، حتى لقي الله وهو على ذلك .
قال الشيخ : وقلت أنا الطفيلي على موائد أهل العلم :
ضدان يستحيل لقاهما حب الزعامة مع خوف معاد
فاهرب أخي من الزعامة عاجلا حتى تفوز أخي بالإسعاد .
الباب التاسع عشر
في ذكر ثناء العلماء وأهل الصلاح عليه
لقد أثنى عليه من أهل العلم والصلاح كثيرون .(1/24)
وأثنى عليه الولي الكبير والامام الرباني سيدي الشيخ محمد هاشم البغدادي
رضي الله عنه فقال : " عالم عامل زاهد صديق من العارفين " . ووصفه بقوله :
" هو عالِم آخرة ، وليس بعالِم كراسي " .
وحدثني أخي حسن ، وغير واحد ، قالوا : قال سيدنا الشيخ محمد هاشم أيده الله فيه : " هو جوهرة عندكم " .
وقدم يوما لزيارته في منزله ، فلما دخل الشيخ البروقيني لإحضار واجب الضيافة قال شيخنا البغدادي لمن حضر : " علم وسر " مشيرا بذلك إلى الشيخ الأزهري . يعني بذلك انه ذو علم وذو سر ، فهو عالم وولي .
34
الباب العشرون
في ذكر فطانته وذكائه
ان من جالس شيخنا البروقيني أو قصده مستفتيا أو ذاكره لمس فيه النجابة والذكاء . وحسبنا دليلا على فطانته أنه تخرج من الأزهر الشريف عالما وله اثنان وعشرون سنة .
الباب الحادي والعشرون
في ذكر مطالعته ونظره في كتب العلم
كان يدعو الله عند الشروع في المطالعة ، بعد البسملة والحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ، وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم " .
كان لا يعدل عن كتاب إلى غيره حتى يفرغ منه ، ويثبت في حواشي الكتاب ما يراه من تصويب وتصحيح ، وتفسير وتوضيح ، وتأصيل وتحقيق واستدراك وتعليق .
فما طالعه من الكتب كثير ووفير ، وغالبها يحوي هذه الفوائد وينطوي على عديد من الفرائد ، وهي حقيقة بالجمع والتتبع ، وجديرة بالبحث والتوسع .
وجعل الشيخ مطالعته على مجالس ، وأثبت في ختام كل مجلس ـ في هامش الكتاب ـ عبارة " الله حسبي "، تعبيرا عن اكتفائه وتعيينا للموضع الذي وقف عنده .(1/25)
وعند ختام القراءة وتمام المطالعة ، يكتب ـ بعد الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقت وتاريخ الفراغ من الكتاب ، ويثبت عدّة المجالس ثم يدعو لنفسه وللمؤلف بالخير متوجها إلى الله تعالى بجاه نبيه المصطفى وصفيه المرتضى صلى الله عليه وسلم .
35
الباب الثاني والعشرون
في ذكر خطه وتوقيعه ونقش خاتمه
(خطه ) : إن خطه حسن بديع كشأن الكثيرين ، ولبيان جودته وحسنه ، عمدت إلى اختيار أبيات (1) من منظومة " إضاءة الدجنّة في عقيدة أهل السنة " في التوحيد ، [503] أبيات ، لناظمها الإمام الكبير العلامة أحمد المقَّري ، وهي عندي بخط الشيخ الأزهري البروقيني ، أودعها كراسته الجامعية ، وقد فرغ من نسخها في 23 ذي الحجة سنة 1350 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية ، حال دراسته في الأزهر الشريف .
_________________________________________________
1 - الأبيات 255 ـ 265 .
36
توقيعه
كان توقيعه على الفتاوى والرسائل والمكاتبات حال إقامته في قرية صفوريه :
" محمد عبد المجيد الأزهري ، رئيس الديانة الإسلامية في صفوريه " .
فلما أجلي عنها أصبح توقيعه : " رئيس الديانة الإسلامية في صفوريه سابقا " .
ثم أصبح توقيعه بعد ذلك : " كتبه خويدم العلم الشريف ، والدين الإسلامي الحنيف ، في الناصرة والجليل الأعلى ، أفقر الورى بلا مِرا ، محمد بن عبد المجيد الأزهري البروقيني عفا الله عنه آمين " . ثم يثبت التاريخ ومحل الإقامة .
نقش خاتمه
كان يتختم بخاتم من فضة ، نقش عليه ( كفى لي بربي هاديا ونصيرا ) .
الباب الثالث والعشرون
في ذكر محفوظاته
حفظ الشيخ نصوصا في العلم لا سبيل إلى حصرها ، وخصوصا في التوحيد والتهذيب واللغة والأحكام وفي أصولها ، وحفظ فيها المتون .
ولقد أوقفني رحمه الله تعالى على أشياء من محفوظاته ، والذي يحضرني منها :(1/26)
" ألفية إبن مالك " في علم النحو ، و" جوهرة التوحيد " للعلامة إبراهيم اللقاني ، وهي أرجوزة تشتمل على مائة وأربعة وأربعين بيتا في علم التوحيد .
ولقد كان بارعا في عزو النصوص إلى مظانها ، وفي نسبة الأقوال إلى قائليها ، وكان في جعبته كمّ هائل من أسماء المؤلفات ومصنفيها .
37
الباب الرابع والعشرون
في ذكر كراماته
إن من سار إلى الله تعالى سالكا نهجه السوي ، مصطحبا في سيره ميزان الأمر والنهي سلك أقوم الطرق وأقرب السبل ، وأتحفه الله بالبشرى ، وأجرى على يديه الكرامة .
إن الكرامة لا تستدعى وإنما هي ثمرة من ثمار السير إلى الله تعالى ، وفق النهج الذي ارتضاه ، من امتثال أوامره في كتابه ، ومتابعة حبيبه ومصطفاه ، صلى الله عليه وسلم ، ولا يركن السالك إلى الكرامة ، لأن الركون إليها استدراج ، ولا يتخذها غاية ومقصدا ، لان من يعبد الله لتجري على يديه الكرامة ، فإن عبادته معلولة ، وإن جرت على يديه خارقة فليعلم أنه مستدرج ، فليتدارك نفسه بإخلاص النيّة والقصد لله ، فإنما يعبد الله لأنه إله يستحق العبادة ، سبحانه ما أعظم شأنه وأرفع مكانه .
أما الشيخ البروقيني رحمه الله لانتهاجه النهج القويم ، وسلوكه الصراط المستقيم ؛ ألهمه الله المعرفة ، وأنطقه بالحكمة ، وأجرى على يديه الكرامة ، لكنه لم يبدها إلا نادرا ، ولم يحدث بها إلا لغاية مشروعة أو قصد نبيل .
لقد كان رحمه الله صاحب كشف وشهود .
وأخبر أنه رآى نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، مشاهدة وعيانا ،في عمره مرتين .
وهذه الرؤيا (1) من أعظم البشارات ، وأجل الكرامات ولا تحصل إلا للفذ النادر من أولياء هذه الأمة .
________________________________________________________________________
1 - رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، في اليقظة هي مشاهدة حقة وموعدة صادقة .(1/27)
" وأكثر ما تقع ـ كما أفاد الإمام السيوطي في " تنوير الحلك " ـ بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر ، لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم =
38
000000000000000000000000000000000000000000000000
_____________________________________________________________________
= لبعض وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته الا من باشره ".
والأدلة على إمكانها ووقوعها :
أ - ما أخرجه البخاري في صحيحه 12/399 ( 6993) كتاب التعبير ، ومسلم 7/54
كتاب الرؤيا ، وأبو داود 4/305 (5023) باب ما جاء في الرؤيا ، والطبراني (كما في
مجمع الزوائد 7/182) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ، ولا يتمثل الشيطان بي " وفي لفظ مسلم
وأبي داود بزيادة " أو لكأنما رآني " .
وهذا الحديث على ظاهره ، ولفظه يفيد العموم ولا دليل على الخصوص .
وقد ادعى هذه الرؤية حفاظ ثقات وأئمة ربانيون وأولياء محققون ، وهم أبعد الناس من
الكذب .
قال الحافظ ابن أبي جمرة الأندلسي في " بهجة النفوس " 4/237 : " وقد ذكر
عن السلف والخلف وهلم جرا ، عن جماعة ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم
وكانوا ممن يحملون هذا الحديث على ظاهره فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء
كانوا منها متخوفين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم عن الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء
الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص .(1/28)
ب ـ ما ثبت بالأحاديث الصحيحة من كون الأنبياء عليهم السلام أحياء حياة حقيقية ، وموتهم راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم إلا من خصه الله بكرامته ، وقد ثبت اجتماع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بهم ليلة الإسراء والمعراج ، وفي هذا دليل على إمكانية رؤيتهم والإجتماع بهم وسماع كلامهم ، فإذا كشف للنبي رآهم وتكون له معجزة ، وإذا كشف للولي رآهم وتكون له كرامة ، ورؤية الولي لهم جائزة لثبوت الكشف أيضا للأولياء ، وللقاعدة المحققة المختارة عند جمهور أهل السنة ؛ ما جاز للأنبياء معجزة ، جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ، ولأن العلماء ورثة الأنبياء .
39
00000000000000000000000000000000000000000000000000
________________________________________________________________________
= ج ـ أنها جائزة في قدرة القادر جل وعلا .
قال ابن أبي جمرة : فالذي جعل ضرب الميت ببعض البقرة سببا لحياته ، وجعل دعاء إبراهيم سببا لإحياء الطيور ، وجعل تعجب العزير سببا لإحيائه وإحياء حماره ، بعد بقائه مائة سنة ميتا ، قادر على أن يجعل رؤيته صلى الله عليه وسلم في النوم سببا لرؤيته في اليقظة .
د ـ كونها من قبيل الكرامة .
قال الحافظ ابن أبي جمرة : والمنكر لهذا لا يخلو أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها ، فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبته السنة بالدلائل الواضحة ، وإن كان مصدقا بها فهذه من هذا القبيل ، لأن الأولياء تكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين ، العلوي والسفلي عديدة ، فلا تنكر هذا مع التصديق بذلك .
ـ وللحافظ السيوطي ، رحمه الله ، رسالة في أثبات هذه الرؤية أسماها " تنوير الحلك بإمكان رؤية النبي والملك " أتى فيها بالبرهان والحجة وملأها بالفائدة .(1/29)
ـ وانظر : في ذلك ما كتبه الحافظ محمد بن أبي جمرة الأندلسي في كتابه " بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها " في شرحه للحديث (278) من أحاديث مختصرِهِ لصحيح البخاري .
ـ وانظر أيضا : ما كتبه العلامة الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني في " سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين " صلى الله عليه وسلم ، فإنه أتى فيه بجميع ما ذكره سابقوه .
وقد أفردت في إثبات هذه الرؤية مؤلفا حافلا ، أتيت فيه بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة على إمكانها ووقوعها ، أسميته " بشرى القلوب اليقظة في رؤية النبي في اليقظة " صلى الله عليه وسلم ، وهو مطبوع ، فلله الحمد والمنّة والفضل والثناء ،
40
واجتمع بالخضر عليه السلام (1) .
تم له ذلك عند انتقاله إلى مسكنه الجديد في كرم الصاحب ، فبعد أن فرغ من صلاة المغرب ، رآه عليه السلام قائما خلفه ، فسلم عليه ، ولبث هنيّة ، ثم اختفى .
قال الشيخ رحمه الله : " أصابتني يوما فاقة حال دراستي في الأزهر الشريف ، فاقترضت عدة قروش لأشتري بها طعاما أو ما أسد به الرمق ، وفي طريقي مررت على بائع للكتب ، فاشتريت بالقروش كتبا . ولما عدت إلى منزلي ، وفرغت من صلاتي رأيت السجادة تضطرب أمامي فرفعتها وإذا رغيف تحتها ، فتناولته وأكلت منه فإذا هو من ألذ ما أكلت ، ثم تكرر الأمر ثانيا ، فحدثت بها أحد مشايخي في الأزهر . فقال لي : يا شامي ! لو لم تحدث بها لدامت لك . فانقطعت عني .
________________________________________________________
1 ـ الخضر عليه السلام ، حيّ باق ، وهو الذي يكذب الدجال في آخر الزمان .(1/30)
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (13/135) : " جمهور العلماء على أنه حي ، موجود بين أظهرنا ، وذلك متفق عليه عند الصوفية ، وأهل الصلاح والمعرفة ، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به ، والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في الأماكن الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصر وأشهر من أن يستر ".
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في " فتاواه " ص 54 : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك ، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين " .
ونقل الحافظ جلال الدين السيوطي قولهم في " تأييد الحقيقة العلية " ص 88 ، واعتمده .
قال الإمام اليافعي ، رحمه الله ، في " روض الرياحين " ص 478 : الصحيح عند جمهور أهل العلم أنه الآن حي ، وبهذا قطع الأولياء ورجحه الفقهاء والأصوليون وأكثر اهل الحديث " .
وهذا الذي ذهبوا إليه هو الحق والصواب ، لتوافر الأدلة على حياته ، وتظافرها على بقائه ، وقد ألّفت فيهاوفي نبئه وشأنه تأليفا ، أسماه سيدي الشيخ البروقيني " القول النضر في إثبات حياة الخضر " عليه السلام ، فأغنى عن بسط الكلام هنا ، والكتاب بحمد الله تعالى ومنّه مطبوع ومتداول ، فمن أراد الإستزادة فلينظرها هناك.
41
وحدثنا قال : خرجت من الأزهر يوما تعبا من عبء الدراسة فصادفني بائع فجل ينادي : " وِرْوِر ، ورور" ، وطلب مني أن أشتري منه ، فقلت له : " فك عني يا شيخ " ثم قعدت جانبا من أجل المذاكرة ، ففتحت الكتاب فوجدت صفحاته بيضاء كلها ، لا كتابة فيها ، ففطنت للأمر ، وعرفت أن البائع من أولياء الله تعالى ، وما حدث لي هذا إلا لأنني انتهرته ، فتوجهت إليه ملاطفا ، وقلت له : بعني من هذا الورور ، فاشتريت منه وعدت للمذاكرة ، فوجدت الكتاب قد عاد له خطه ورسمه .(1/31)
وأخبرني هاني بن إبراهيم السيدي قال : " كنت وأخي في الله تعالى كارم بن محمود بن ياسين السيدي ، رحمه الله ، عند سيدنا البروقيني ، رضي الله عنه ، فقلت له : يا سيدي أتعرف المعتقد من المنتقد إذا جاءك زائرا ؟
قال : نعم ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : يخرج مني نور فإذا وقع على الشخص علمت أنه معتقد ، وإلا فمنتقد " .
الباب الخامس والعشرون
في ذكر مرائيه وما رؤي له
لقد كان الشيخ رحمه الله كما أسلفنا صاحب كشف وشهود ، وله رؤى حسنة ، وقد دون شيئا منها .
كتب الشيخ في مذكرته : " ليلة هذا اليوم ـ الإثنين23 ذي القعدة ، 15 تشرين ثاني نوفمبر 1976 ـ قد منَّ الله عليّ ونعمت المنّة ، بأن حظيت بالسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقبّلت عارضيه الشريفين وبين عينيه المنيفتين . فقال لي :لما هذا ؟فقلت :لئلا تأكلهما النار أو لئلا يروحوا إلى النار (يعني بذلك شفتيه ).
42
وحدثنا غير مرة ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن الدخان ؟ فقال : " هو حرام ، هو حرام ، هو حرام " .
وحدثني الشيخ جمال محمد زغل ، أبو حذيفة ( دير الغصون ـ طولكرم ) ، وكان زوّارا للشيخ شغوفا به ، قال : حدثني شيخنا البروقيني قال : رأيت حضرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وقد حملني على ظهره الشريف ،
فقال لي : أأنت مهتم بالمسلمين يا شيخ ؟
فقلت : كيف لا يا رسول الله .
فقال عليه الصلاة والسلام : " المسلمون عند الله صور " .
قال شيخنا : فإذا كان حال المسلمين في سنوات الخمسين هكذا فما بالك بحالهم اليوم ؟ .
قال أبو حذيفة : وحدثني الشيخ قال : " رأيت نفسي في المنام وأنا أقول لمن حولي : سوف أريكم ما سأفعله بالملكين" .
يعني ثباته عند سؤالهما .
وقد بشر رضي الله عنه بالعلم حال دراسته بالأزهر الشريف ، في رؤيا منامية ، فأثبتها في كراسته الجامعية ، وقد وجدتها بخطه .(1/32)
قال : " الحمد لله الذي يعز من يتقرب إلى أحبابه وأوليائه ، والصلاة والسلام على من هو أصل في كل كمال ، وصفوة رسله وأنبيائه .
أما بعد : فلما كنت شغوفا بالعلم الشريف وضروبه ، مجدا منذ الصغر في تحصيله وتقريبه ، وذلك بعد أن تخرجت من مدرسة بلدتي إبروقين الإبتدائية التي مدتها [4] سنوات بالسنين العربية ، فرغبت في تحصيل العلوم السنية ، من معهد سطع نوره في الآفاق ، وملأت معارفه الأرض والسبع الطباق ، كعبة الأمم الإسلامية ، وروح السعادة الدنيوية والأخروية ، ألا وهو الأزهر الشريف المعمور المنيف . فحاول جم
43
غفير من أهلي وأقربائي صدي عن ذلك ، فأبيت بلطف الموفق المالك ، فجئت إلى الأزهر ودخلته على ما بي من السرور للعلم الشريف ، وأخذت أتلقى ما أستطيع أخذه من الفنون ، وكان دخولي (1) سنة 1346 ـ 23 جمادى الآخرة هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية .
ولما جاءت سنة 1348 ه من ذلك التاريخ ، رأيت ولي الله الأكبر وشيخ مشايخ المسلمين صاحب الفضل الأنور سيدي وقدوتي وأستاذي ... ، الشيخ العلامة والمحقق البحر الفهامة ، الشيخ إبراهيم الباجوري ضاعف الله أجره ومعيَّتَه أُجوري ، مناما يذكر الله تعالى مستندا إلى مسند فقص عليّ ما حصل بيني وبين أهلي ولم يكن لي معرفة بفضيلته .
وبعد ذلك مال إلي وقال لي بهذا اللفظ " ولكن أبشر " (2) ورجاء لبلوغي ما بشرني به بمن الله تعالى وكرمه حفظت تلك البشرى لتكون لفضيلته عندي ذكرى .
رب يسر ولا تعسر ، رب تمم بالخير ، رب حقق ذلك بجاه المبشر وخير أنبيائك صلى الله عليه وسلم والتابعين إلى يوم الدين ، آمين .(1/33)
ووجدت بخطه : " في منتصف ليلة السبت 1 ذي القعدة 1378 هـ ، وفق 9 أيار 1959 م ، رأت ابنتي الكبيرة تميمة ما يلي : رأت أنني كنت بالناصرة ثم حضرت وقلت لأمها إن ...[فلانا] الذي أريد مصاهرته يريد المجيء لطرفنا فأخذت أمها تصيح وتهرب وتقول : لا أريد أن يأتي إلينا ، وفتحت الخزانة كي تلبس ثيابها
_____________________________________________________________________
1 - يعني الشيخ رحمه الله تعالى بذلك : دخوله واستأنافه المرحلة الجامعية .
2 - قلت : حدثني خالي حسين بن إبراهيم السيدي ، قال : كنت ووالدك في مجلس سيدنا
الشيخ البروقيني ، رضي الله عنه ، فقال الشيخ : " يا أبا توفيق أبشر فإن ابنك
سيكون من العلماء " . وقد سطرت مقولته هذه عند ذكر ما بُشر به ، رجاء
بلوغها وتحققها كما تحقق له ، بمن الله تعالى وكرمه ،فإنه سبحانه قريب مجيب .
44
وتخرج من الدار ، وإذا بطاقة فتحت من جدار محل السكنى القبلي ، ودخل منها طير أبيض مكتوب على كل من جناحيه " لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، صلى الله عليه وسلم . ثم خاطبني قائلا : " صل على النبي يا شيخ " ثم خرج من الطاقة ، وبعد خروجه رجع الجدار كما كان . وانسدت الطاقة وبعد خروجه بدقيقة تقريبا وإذا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا موسى عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام مقبلين من الجهة القبلية وهي الجهة التي جاء منها الطائر ورجع ، ولما اقتربوا من المحل قلت أنا لأمها : اسكتي فقد جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسيدنا موسى عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام ثم لاقيتهم وعانقت كل واحد منهم ، وقبلت لحية كل منهم ، مبتدئا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فعيسى عليه السلام فموسى عليه السلام . ثم أخذت أهل بيتي تحكي لهم عن نسبي ...[ مصاهرته لأناس ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إبعد عنهم ... " ثم قال : " أنت أخوي عمرك ما أزعلتني إلا من مدة 12 شهرا " .(1/34)
فقالت له أهلي : لا يسمع من أحد .
فقال : " أنا دللته على السواك ، فسمع " .
وبعد ذلك قلت له : يا رسول الله ! إن ...[ فلانا ونفرا معه ] باعوا أملاكهم لليهود . فأجاب صلى الله عليه وسلم ـ وفتح يده الشريفة ضاما أصابعه ـ بقوله :"من حمل حبة تراب ونوى بيعها للكفار ،لا يدخل الجنة ولا يقبر مع المسلمين " ثم قال :
" اصبروا فإن الفرج قريب ".
وفي أثناء الحديث بيني وبينهم وإذا بِ " شيخة الأنس " أم أصحاب الدار والأرض [ التي يسكنها الشيخ من أموال الغائبين ، في الرينة ] آتية من جهة الغرب بثياب بيضاء وهي تقبل أرض أولادها ومعها رزمة مغطاة بورقة . ولما وصلت محل سكنانا الذي نحن جلوس فيه مع الأنبياء المذكورين صلى الله عليهم وسلم ، دخلت
45
المحل وسلمت عليهم واحدا واحدا مع تقبيل أيديهم ثم سلمت عليّ وقبلت يدي ، وجلست معنا ، ثم أخذت أنا أحدثها عن عمل " المطران حكيم " فيما يتعلق بأرض أولادها التي هي تحت يدي . فقالت أنا كنت أريد المجيء من أمد بعيد ، ولكن إياك أن تخرج من الأرض ، ولو لم يبقوا لك إلا الممر . ثم أعطتني رزمة الورقة وإذا بها جبة بيضاء ، أي " شقفة جبة " . ثم سألت الأنبياء المذكورين عليهم الصلاة والسلام هل معكم وضوء كي نصلي الظهر فقال المسيح عليه السلام أنا أريد الوضوء ، ثم خرج من المحل وجلس يتوضأ على جذع شجرة الروزة ، وإذا معه إبريق أبيض منقوش نقوشا ذهبية وفضية ، وبعد الوضوء دخل المحل ، ثم أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم بالأذان . فقلت له : لا أتقدم عليك يا رسول الله . فأذن هو صلى الله عليه وسلم ، ثم تقدم إماما وأنا عن يمينه ، والسيدان الكريمان ، موسى وعيسى عليهما السلام صفّا معا خلفنا ، واقتدينا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وصلى خلفنا أهل بيتي وشيخة المذكورة .
وبعد انتهاء الصلاة خرجوا من المحل ومشيت معهم لأودعهم ، وبعد ذهابهم رجعت إلى المحل وأخذت أبكي .(1/35)
ثم في الصباح وجدنا التراب الذي فيه شجرة الروزة والذي توضأ المسيح ، عليه السلام ، عليه ، تخرج منه رائحة المسك .
اللهم صل وسلم وبارك عليهم ، وآلهم أجمعين ، وعلى كافة الأنبياء والمرسلين ، وآل كل وعلينا معهم يا أرحم الراحمين ، آمين " .
46
الباب السادس والعشرون
في ذكر أسرته
اقترن الشيخ الأزهري بزوجته الأولى ، وهي بدرية بنت إسماعيل محروم ، يوم الإثنين 20 جمادى الأولى 1354 هـ وفق 19 آب 1935 م ، وانجبت له أربعة أولاد وثلاث بنات .
أما الأولاد : فتميم ، وبه تكنى ، قال الشيخ : " ولد محمد تميم أثناء وجودي منفيا من الإنجليز بمدينة نابلس سنة 1937 م " ، ثم إبراهيم ثم علي ثم أحمد .
وأما بناته : فتميمة ثم نفيسة ثم فاطمة .
وله منها أربعة أفراط ؛ ابنان وبنتان ، عاجلتهم المنية صغارا وهم : سعاد وعلي الأول وفاطمة الأولى وسفيان .
* زوجته الثانية هي : رحمة الحاج شريف .
قال الشيخ : " في ليلة الخميس 29 شعبان 1390هـ وفق 29 تشرين أول 1970 قد تم ولله الحمد ابتنائي وتزوجي بالمرأة الصالحة رحمة الحاج شريف من"علار ـ طولكرم " .
وللشيخ من زوجته الثانية ابنان وبنت ، وهم : ميمونة وهي أكبرهم ثم بلال ثم أويس .
وقد أرخ الشيخ لجميع أبنائه مولدهم .
مثال ذلك ما كتبه في مذكرته : " ولد لنا مولود سميناه أويسا ، وكانت ولادته في هذا اليوم ـ [ الثلاثاء 9 محرم 1395 هـ ، وفق 21 كانون ثاني 1975 م ] ـ قبل الظهر بساعة ونصف الساعة ؛ هذا وإني أشهد الله تعالى بأني ما أسميته أويسا إلا حبا في سيدي وحبيبي أويس القرني رجاء أن يحشرني معه ربي ، رضي الله عنه وعني به آمين .
47
الباب السابع والعشرون
في ذكر مرضه الذي مات فيه
لقد كان مرضه الأخير مرض الوفاة ، فقد تخثرت قطرة دم في رأسه شاء الله أن تكون سببا في قبضه من بين ظهرانينا . رحمه الله رحمة واسعة ، وأجزل مثوبته ، وأسكنه فسيح جناته . وجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء .(1/36)
الباب الثامن والعشرون
تاريخ موته ومبلغ سنه
في يوم الجمعة 9 رجب 1413 هـ ، وفق 1/ 1/ 1993 م ، بعد صلاة العشاء ، اختار الله الشيخ البروقيني إلى جواره وقد جاوز الثمانين من عمره . فرحل رحمه الله إلى الرفيق الأعلى وقد خلّف بعده زوجته الثانية وستة أولاد وأربع بنات .
وقام بتغسيله وتجهيزه الشيخ علي خليل غرابة ، أبو جمال ، والشيخ ياسين خطيب ، أبو خالد ، بوصية من الشيخ رحمه الله . واختلف في مكان دفنه ، فقال نفر من أهل الرينه نريده في قريتنا ، فقد سكنها وكان إمامها . وقال غيرهم نريده في الناصرة ، ففيها مسكنه وفيها مثوى زوجته ، وقال آخرون غير ذلك ، واتفقوا على رفع الأمر للعالم الرباني سيدي الشيخ محمد هاشم البغدادي ، رضي الله عنه ، فأفتى بدفن الشيخ رحمه الله في ساحة بيته . فانقشعت بذلك غمامة الإختلاف . وصُلِّي عليه في مسجد النبي سعين عليه السلام ، يوم السبت عقب صلاة الظهر ثم نقل لدفنه في المحل المذكور .
وأوصىالشيخ رحمه الله تعالى أن يكتب على قبره هذان البيتان وهما من نظمه :
لا تشمتن فإن موتك آت لقد دفنت من الأنام مئات
هلا سمعت أن حيا خالد سوى الإله مكوّن النشآت .
48
الباب التاسع والعشرون
فيما رؤي له بعد موته
حدثني أحمد بن الشيخ رومي بن الشيخ حسن الملكاوي ( من قرية عين ماهل ) قال : رأيت بعد وفاة الشيخ البروقيني ، أني جالس وبلال وأويس وزوجة الشيخ على التلة مقابل غرفة الشيخ من جهة القبلة ، وقد سبق لي وأن اجتمعت ببلال ولي معرفة به ، أما أويس وأمه فلم أرهما من ذي قبل . وكان من حديثي معهم : لقد كان الشيخ من كبار الأولياء ، فلا تحزنوا .
وقدم لي بلال كأسا من الشاي وقطعة خبز ، وبينما أنا أحتسي الشاي إذا بالشيخ يرتفع إلى أعلى القبر كهيئته وهو نائم ، لباسه الكفن ، واضعا يده اليمنى على اليسرى ، مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم .
فقلت : هذا سيدنا البروقيني حي ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم .(1/37)
فقام وهو يردد مستبشرا : أنا حي ، أنا حي . وضم إليه زوجته وأبناءه ، ثم توجه نحوي معانقا وطلب مني الدعاء .
فدعوت : اللهم أني أسألك باسمك العظيم الأعظم ، واسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم ، اللهم يا سابق كل صوت ، ويا مكسي العظام لحما بعد الموت ...
فقاطعني الشيخ قائلا : لا أريد الرجوع إلى اللحد .
فأكملت دعائي : اللهم أحيه حياة طيبة هنيئة . ثم استيقظت على صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر .
وحدثني خالي عادل بن ابراهيم السيدي ، أبو أحمد قال : رأيت في منامي بعد وفاة الشيخ البروقيني بيوم واحد ، نفسي واقفا قريبا من قبره انظر إلى أناس حول شجرة عظيمة على بعد أمتار مني ، وإذا بتوفيق (يعنيني ) يهبط من تلة مقبلا نحونا ،
49
وهو يقول : عهدي بالشيخ البروقيني كذا وكذا ،ويثني عليه ويطريه بخصاله الحميدة . فنظرت إلى قبر الشيخ وإذا بالشيخ مضطجعا على وجه القبر ، فاستند وقال : ما لكم ولهذا لماذا تقولون عهدي بالشيخ كذا وكذا ؟
فقلت له : يا سيدي نم مرتاحا الآن دورنا .
فسكت رحمه الله تعالى مرتضيا قولي .
الباب الثلاثون
في ذكر آثاره
1ـ كتاب شرع فيه ولم يتمه ،وهو" تحذير أهل الملل والأديان من فتنة قاديان" .
2ـ " التحذير ممن حرف وخان وأفتى بحل التمباك والدخان " ، على المذاهب الأربعة ، يرد فيه على قاض أفتى بحل الدخان .
3ـ صفحات في سيرته الذاتية أملاها علي ، وقد ضمنتها هذا الكتاب .
الباب الحادي والثلاثون
في ذكر مقالاته
1ـ " القول الكاشف عن هذيان الناشف " أو " الصفع العجاب لمن ينكر الحجاب من السنة والكتاب " مقالة يرد فيها على معلم يدعى " حمد نجم الدين الناشف ، في مسألة الحجاب الشرعي .
2ـ " مفاجأة عصر الأقمار الاصطناعية بأوهام المبشر الاستعماري أبي رقيبة التشريعية " ( مقال ) .
يرد فيه على مقال للحبيب أبي رقيبة الذي يبيح فيه زواج المسلمة من غير المسلم ، ويمنع من تعدد الزوجات ، ومن الطلاق .
50(1/38)
3ـ " دفع أ وهام وصفع أفهام ". وقد رأيت أن أورده بنصه ، فعقدت له فصلا
{ فصل : دفع أوهام وصفع أفهام }
بقلم : خادم العلم والدين الشيخ محمد الأزهري البروقيني
3 جمادى الأولى سنة 1381 هـ ، وفق 13 تشرين أول سنة 1961 م
لقد هزلت حتى بدا من هزالها طلاها وحتى استامها كل مفلس
أجل إنك لمضطهد ومصادر أيها الدين الإسلامي الحنيف من بين الأديان ، فلقد استامك في إسرائيل من ليس من أهلك ، وادعاك من لم يحسن السير في وعرك ولا سهلك ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل حدا الغرور ببعض المخادعين المخدوعين أن يهرفوا بما لم يعرفوا ، وأن يظهروا بمظهر المشرعين في الكلام حول قانون القضاة الشرعيين .
فأول مقال طالعتنا به جريدة اليوم في عددها 3855 تاريخ 8/6/1961 بعنوان :( أحكام قانون القضاة مطابقة للشريعة ) بقلم اسم شخص مختلق يدعى عبد الصمد الحنفي .
وثاني مقال طالعتنا به الجريدة نفسها في عددها 3864 بتاريخ 28/6/1961 بقلم شخص كله تلفيق ، يدعى جميل الرفيق .
هذا وإني أظنك تجفل من أول وهلة أيها القارئ الكريم ، عندما تسمع قولي : أن اسمي ذينك الكاتبين ملفقان ومختلقان ، فعلى رسلك وسلني أجبك . أنني لا أعلم بشخصين من أولي العلم في إسرائيل بهذين الاسمين ، اللهم إلا أن يكونا مصادرين في دائرة القيم على أموال الغائبين عملا بقانون ( الحاضر غائب ) ، ثم أفرج عنهما قبل الإنتخابات ، ليتقولا على الدين الإسلامي ، ما لم يقله ولا يقره . فراحا يكتبان ، وبئس ما كتبت يداهما انتصارا وتأييدا لذلك القانون الجائر ، قانون ( تعيين القضاة
51
الشرعيين الإسلاميين ) .(1/39)
والهدف أيها الأخ القارئ معروف . فما علي إلا أن أصدع بالقول الفصل في تعيين أولئك القضاة ، مفندا مزاعمهما ورادا عليهما أباطيلهما وبرهانهما ، راجيا منه تعالى أن أكون من حملة العلم الذين وصفهم رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " (1) .وأن أندمج فيمن وصفهم مولانا عمر بن الخطاب [رضي الله عنه ] بقوله : " الحمد لله الذي من على العباد بأن يجعل في كل زمان فترة من الرسل ، بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون فيه على الأذى ، ويحيون بكتاب الله أهل العمى " .
هذا وإنما كان سكوتي عن ذينك المخادعين وعن أضرابهما ممن كتبوا حول _____________________________________________________________________
1 ـ الديلمي في الفردوس 5/537 (9012) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
وفي جمع الجوامع 1/ 995 أخرجه أبو نصر السجزي في الإبانة ، وأبو نعيم والبيهقي
وابن عساكر عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري .
ـ وأخرجه الخطيب وابن عساكر عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
ـ وابن عساكر عن أنس ، رضي الله عنه .
ـ والعقيلي عن أبي أمامة ، رضي الله عنه .
ـ والبزار والعقيلي عن ابن عمر وأبي بكر ، معا ، رضي الله عنهم .
قال الخطيب : سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث ، وقيل له كأنه موضوع . قال : لا ،
هو صحيح سمعته من غير واحد .
ـ وانظر : تحقيق الفردوس لبسيوني زغلول رقم (8832) .
قلت : ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } والذكر
هو الكتاب والسنة كما أفاد إمامنا الشافعي رضي الله عنه .
52(1/40)
ذلك القانون ، لم يكن ذلك مني إلا تربصا لنبض عرق من عروق أولئك المتعالمين ، وما أكثرهم ، على الغيرة الدينية تدفعهم فيلقموا حجرا من سجيل ذينك الثرثارين المتفيهقين المتشدقين المختلقين المأجورين ، عبد الصمد الحنفي وجميل الرفيق ، جزاء ما كتبت يداهما زورا وبهتانا على ديننا الحنيف . ولكن ولأسفي فقد تحقق ذلك التربص مني ووجدتهم رقودا ، وخاب فيهم ظني ، ولكن كيف لا وقد اكتفوا بعمائم كالأبراج ، وأكمام كالأخراج ، ورواتب شهرية براقة كضوء السراج ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون .
هذا ولأعد بك أيها القارىء الكريم إلى كشف تدليس عبد الصمد الحنفي ، الذي أقول له : ثب إلى رشدك ، وتب إلى مولاك خالقك ، ولا تعزو إلى إبن عابدين ما هو برىء منه والدين .
إن كافة أرباب المذاهب الإسلامية الأربعة يقولون إن للمسلمين الحرية المطلقة في انتخاب من يرونه أهلا ليكون قاضيا عليهم . فإذا ما تم ذلك بتراضيهم واختيارهم فلا بأس من أن يصدر الحاكم غير المسلم أمره بالتصديق على تعيينه ، حتى يكون ذا سلطة وصرامة في أمره ونهيه مهابا في نفوس من يقضي لهم وعليهم من المسلمين ، وبهذا ينقشع سحاب افتراء وإفك عبد الصمد على البزازية والهندية والابن عابدينية ، كما يتلاشى ويضمحل تلفيق جميل الرفيق .
وإليك الفتوى الشرعية الإسلامية التي لا معول إلا عليها ، ولا رجوع في هذا الموضوع إلا إليها ، رغم أنف كل منافق متزلف .
قال صاحب كتاب " جامع الفصولين في مطلب صيرورة دار الإسلام دار حرب وعكسه " : وأما في بلاد عليها ولاة لا يدينون بالإسلام فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ، ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين " . ( الجزءالأول صفحة 11) .
53(1/41)
ومن هذا يتضح لنا جليا أن عبد الصمد وجميل الرفيق جاهلان جهلا مركبا لا بسيطا ، هذا على فرض وجودهما عالمين من علماء المسلمين في إسرائيل ، وأما على أنهما مستعاران ملفقان " لحاجة في نفس يعقوب " ؛ فما كتب في عددي الجريدة المذكورة السابق ذكرهما ، هو فرية بلا مرية ، وتقول على ديننا الحنيف .
هذا ، ولكي يتم نفاق عبد الصمد واختلاقه أخذ يكيل المدح والاطراء على القضاة الموجودين حاليا ، حتى أنه وضعهم في مكانة الأئمة الأربعة المجتهدين ، في تمسكهم بحبل الدين وخدمة أهله . فلو كان أولئك قضاة بحق وصدق ، لاستمسكوا بأهداب دينهم وقاوموا كل قانون يتنافى وأحكام شريعتهم الإسلامية ، ولطالبوا الحكومة الإسرائيلية تنفيذ ما اشترطه " بلفور " وزير الخارجية البريطانية يوم أعلن عن تأييده لتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين . فقد صرح ذلك الوزير ، في 9 تشرين الثاني سنة 1917 م ، بما يلي :
" إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعطف على تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، وتسعى ما استطاعت لتسهيل تحقيق هذه الأمنية ، على أن يكون مفهوما أن ما سيجري من العمل في هذا السبيل ، لا يخل بالحقوق المدنية والدينية للسكان المقيمين في فلسطين ، من غير اليهود أو بما يتمتع به اليهود في الممالك الأخرى من الحقوق والمنزلة السياسية " ـ من كتاب "رسائل الأهالي على طريق الهند " ص 325 .
أجل يا جميل التلفيق ويا عبد القروش إن القضاة الذين امتدحتماهم لهم كل الحرية ولكن في الصمت والسكوت عن العبث في دينهم وأحكامه ، ولهم كل الرضا والاختيار ولكن فيما تسنه وزارة الأديان في إسرائيل من القوانين التي قد تكون مضادة لقوانين دينهم .
وإني سائلكما أين معارضة القضاة للقانون العابث بأحكام الميراث الإسلامي
54
والإيصاء ؟ أين هم من الأوقاف الإسلامية المصادرة ؟(1/42)
من هذا يتضح لك أيها القارىء المسلم وغير المسلم أن ما كتبه عبد الصمد وجميل الرفيق ، هو دجل وتحريف للكلم عن مواضعه .
لهذا فإني أهيب بكل مسلم ... أن يعارض القوانين المضادة لقوانين ديننا الحنيف ، وأن يسعى جادا مجتهدا في المطالبة بتحرير أوقافنا الإسلامية ، أسوة بغيرنا من الطوائف الأخرى التي أعطيت لها الحرية المطلقة في شؤونها الدينية بلا قيد ولا شرط ، واضعا نصب عينيك أيها المسلم ، أن لا حكم لأحد في شؤوننا الدينية إلا بما يقره قرآننا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام ،وأقوال أئمتنا المجتهدين ، وأتباعهم من الفقهاء والعلماء المتفق على مكانتهم العلمية ، وأمانتهم الدينية ، إذ الشرائع السماوية وما فيها من الأحكام لاتتغير ولا تتبدل بتغير وتبدل الزمان والحكام ، فليترك ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر (1) .
الباب الثاني والثلاثون
في ذكر موقف الشيخ البروقيني من أزمة الخليج وظروف المسلمين الراهنة
في عددها الخامس ( تشرين أول 1990 ) أجرت مجلة النبراس ، والتي تصدر في الناصرة معه لقاء ، جاء فيه :
الشيخ محمد عبد المجيد البروقيني ، الشيخ الأزهري الذي عرف بورعه وتقواه ، والذي لا يخشى في الحق لومة لائم ، معتكف في بيته منذ فترة طويلة . وقد رأت النبراس أن _____________________________________________________________________
1 - لعله يعني بمقولته هذه : فليترك لنا شأن ديننا من غير أن يعبث فيه عابث .
55
تقتحم محراب هذا الشيخ لاستطلاع آرائه في أزمة الخليج والظروف الراهنة فماذا تراه يقول وقد تكرم علينا باللقاء .
* سيدي متى تخرجت من الأزهر ، وهل البعض ممن تخرجوا معك لا يزالون أحياء وأين هم الآن ؟(1/43)
تخرجت عام 1933 من دفعة طلاب " الشوام " وعددنا ثمانون طالبا ، لا يزال منهم أحياء حتى الآن : الشيخ محمود أمين طاهر ، الشيخ مصطفى الشوا ، الشيخ محمد عواد ، الشيخ إسماعيل السوافيري ، وجميعهم من غزة . الشيخ سعيد الآغا ، من خان يونس . الشيخ محمد البسطامي من نابلس . الشيخ نمر الخطيب ، من العراق . الشيخ عبد علايلي ، وأخيه الشيخ مختار (1) ، والشيخ محمد الداعوق ، والشيخ محمد صبرا ، والشيخ محمد الفيومي ، وجميعهم من بيروت . والشيخ محمد حسن العقاد ، من خان يونس . وما تبقى حسب معلوماتي انتقلوا إلى الرفيق الأعلى .
* إن دور الأزهر في نشر العلوم الإسلامية في الدنيا كلها مشهود ، فهل الأزهر اليوم هو الأزهر الذي عرفته في حينه ؟
الأزهر الذي عرفته كان منبع العلم لوجه الله ، أما الأزهر اليوم فإنه يتهافت على حطام الدنيا وحب الكراسي والشهرة بين الناس . العلماء اليوم [ من كان شأنهم التهافت على الحطام ، هم ] علماء زعماء وليسوا بعلماء سيد الأنبياء [ صلى الله عليه وسلم ] .
_____________________________________________________________________
1 - تقدم ذكره في شيوخه ، وذكره هنا في زملائه وأقرانه ، فلعله سهو منه ، رحمه الله ،
في أحدهما .
56
* ما هو دور العالِم في حياة الأمة ، وقد ذكر في القرآن الكريم جنبا إلى جنب مع الأنبياء [ عليهم السلام ] ؟(1/44)
أن يقوم بوظيفة مورثية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ بأن يطلب العلم لإنقاذ نفسه أمام الله تعالى ، ولينقذ أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الجهل والظلام ، فإن لم يقم بهذا فلا يكون عالما لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يكون العالم عالما حتى يكون بالعلم عاملا "(1) وأكبر شاهد على هذا قوله تعالى { شهد الله أنه لا أله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط } (2) فإذا لم يقوموا بالقسط فقد خانوا الله وخانوا الأمانة ، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حقهم : " إذا رأيتم العلماء داخلوا الدنيا وخالطوا السلطان ، فقد خانوا الرسل فاحذروهم " (3) .
_________________________________________________________________________________________
1 - أخرجه الخطيب في " اقتضاء العلم العمل " رقم (17) ، وابن عبد البر في " جامع
بيان العلم وفضله " (2/7 ) ، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه ، موقوفا .
2 - آل عمران 18 .
3 ـ أخرجه الديلمي في الفردوس3/75(4210)من حديث أنس وحذيفة رضي الله عنهما.
ـ وفي فيض القدير 4/383 (5701) رواه الحسن بن سفيان والعقيلي في الضعفاء
عن أنس ، ورمز له السيوطي بالحسن .
ـ قال المناوي : " قال ابن الجوزي : موضوع . قال المؤلف [يعني السيوطي ] : قوله موضوع
ممنوع ، وله شواهد فوق الأربعين ، فنحكم له على مقتضى صناعة الحديث ، بالحسن .
وفي جمع الجوامع (11288)ـ الديلمي والحسن بن سفيان والعقيلي والحاكم في تاريخه
والقاضي أبو حسن عبد الجبار بن أحمد الأسد أبادي في أماليه ، وأبو نعيم والرافعي
عن أنس رضي الله عنه .
ـ وأخرجه العسكري من حديث علي رضي الله عنه ، بلفظ :" الفقهاء أمناء الرسل ...".
ـ وانظر : جامع بيان العلم وفضله 1/185. كنوز الحقائق ـ للمناوي ص 99. كشف
الخفاء 2/65 (1748) ، 2/87 ( 1838) . وتحقيق الفردوس لبسيوني زغلول .
57
* العلماء والأمراء ما دورهم اتجاه الرعية ؟(1/45)
أن يكونوا حاكمين بما أنزل الله ، لقوله تعالى في سورة المائدة { ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } (1) .
* ديار المسلمين مصانة أم مهانة ؟
ديار المسلمين مهانة نتيجة لظلم الأمراء وخضوع العلماء لهم .
* العربي أو المسلم لا يشعر بالأمان رغم التعداد الهائل للمسلمين . والثروات الطائلة ، ولكن الفقر والضياع من نصيب الأكثرية ، ما هو الدواء لهذا الداء ؟
التضامن والتكافل ، بأن يعملوا جميعا على إيجاد المرافق الحيوية ، من أعمال دينية ودنيوية . وتلك الثروة العظيمة ، من بترول وسواه ، التي أوجدها الله لدى المسلمين ، أن توزع بالإنصاف والعدل ، بحيث يكون ريعها من نصيب المجاهدين والفقراء وما تبقى يصرف على مشاريع إنمائية وخيرية ، يعود نفعها على الأمة جميعها . ولا ضير في مقايضة هذه الثروة بما يعادلها من مسببات الحياة والتقدم ، والتي بحيازة دول أخرى ، وليست بالضرورة أن تكون دولة إسلامية ، المهم أن تكون السلعة فيها حاجة للمسلمين ، بما يعود نفعها على عامة المسلمين .
* حروب طاحنة ، وقتال مرير جرى بين المسلمين ، فما هو مصيرهم يوم الحساب ؟
كل منهم إذا كان يجاهد لنصرة الدين وإعلاء كلمة الحق ، شرط أن يكون ملتزما بأركان الإسلام ، وقتل ، كان شهيدا ، ومن كانت نيته غير ذلك لا يكون شهيدا ، وأمره مفوض إلى الله ، إن شاء رحمه وعفى عنه ، [وإن شاء عذبه ] ،
________________________________________________________________________________________
-1 المائدة 44 .
58
لقوله صلى الله عليه وسلم : " يعطى الرجل على قدر نيته ، وإنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى "(1) .
* ما يجرى اليوم من حشد عسكري هائل في الخليج ، هل تنبأ به أحد ، وكيف تكون نهايته وفق هذه التنبؤات ؟ .(1/46)
كل ما يجرى الآن فهو تحقيق وتصديق لقول سيدنا محمد ، صلى الله عليه وسلم " توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قالوا : ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن .
____________________________________________________________________
1 - الشطر الثاني من الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع : في كتاب بدء الوحي 1/ 15 (1) ، وفي الإيمان 1/164(54) ، وفي العتق 5/ 190 (2529) ، وفي مناقب الأنصار 7/ 267 (3898) وفي النكاح 8/ 17 (5070) ، وفي الطلاق ، وفي الأيمان والنذور 11/ 580 (6689) ، وفي الحيل 12/ 342 (6953) . ومسلم في الصحيح 3 / 1516 (1907) في الإمارة . وأبو داود في سننه (2201) . والترمذي في سننه 4/ 179 (1647) في الجهاد . وابن ماجه 2/1413 (4227) في الزهد . والنسائي في سننه (1/58) (6/158) (7/3) . وأحمد في مسنده ( 1/25 ، 43 ـ شاكر ) . ومالك في الموطأ (983) . والدارقطني في السنن (1/51) . والحميدي في المسند 1/16 (28) . وابن خزيمة (142، 143 ) . وابن منده في مسند " إبراهيم بن أدهم " رقم (13) . والطيالسي في مسنده (1/9) . وأبو أحمد الحاكم في " شعار أصحاب الحديث " ص 35 رقم (20) . والبيهقي في السنن الكبرى ( 1/298 ) (2/14) ، وفي" الآداب " رقم (999) ، وفي الأربعين الصغرى (35) . وأبو القاسم بن عساكر في " الأربعين حديثا لأربعين شيخا من أربعين بلدة " الحديث الأول . جميعهم من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ـ أما الشطر الأول منه : فهو من قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
59(1/47)
قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت " (1) وها نحن اليوم نلهث وراء الدنيا فعبدناها وألهتنا عن الجهاد في سبيل الله . ولكن نهاية هذه الواقعة النصر للإسلام ويأتي معه الفرج لقوله تعالى { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } (2) .
* أرض الحجاز أو ما يعرف اليوم بالسعودية مليئة بجند الأجانب وعلى نفقة حكام السعودية ، ماذا يقول الشرع الحنيف في هذه الظاهرة المريبة ؟
إن الذين استدعوا المستعمرين كي يكونوا حماية لهم من المسلمين ـ وإنما تداعوا لإذلال الإسلام في عقر بيته وأقدس مقدساته ، وهذا أمر فظيع لم يسبقه مثيل إطلاقا ، ولم ينزل به الله من سلطان . ولا حجة لمن اعتمد على فتاوى بعض العلماء المنزلقين والعاملين على ارضاء حكامهم ـ فهم ومن أفتوهم بذلك ومن دخل تلك الديار [ من أولئك المعتدين ]، كلهم كفار حذو القذة بالقذة ، والنعل بالنعل ، جميعهم حطب نار جهنم وبئس المصير .
* هل من حق أي حاكم عربي أن يستدعي قوات أجنبية لديار المسلمين حتى لو كان هو حاكمها ، وما هو حكم الإسلام في مثل هذا التصرف ؟
ليعلم ذلك الحاكم الذي استدعى الأجانب إلى ديار المسلمين ، ليكونوا حماة له من المسلمين ، ويبتغي عندهم العزة ، ليعلم أنه عدو لله ورسوله وللمؤمنين ، وأن دين الإسلام الحنيف منه براء . وكذلك الحال لمن أطاع أمره في ذلك . ومن ينفق من ماله ولو درهما على أولئك الذين استدعاهم ليكونوا حماة له وسلطانه ، إنما يعمل على
________________________________________________________________________________________
1 - أبو داود في سننه 4/111 (4297) . والروياني في مسنده ، وأحمد 5/278 .
وابن أبي الدنيا ، وأبو نعيم في الحلية 1/182. وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/97/2).
والديلمي في الفردوس 5/527(8977) . من حديث ثوبان رضي الله عنه .
2 ـ البقرة الآية 249 .
60(1/48)
هدم مقدسات الإسلام وإهانته .وعلى كل مسلم عنده استطاعة أن يطيح بكل حاكم يعمل أو يساعد على ما أقدم عليه أولئك الحكام ، فهم في الكفر سواء الحامي والمحمي . في هذا الوضع الراهن الواضح للعيان ، أصبح الجهاد واجبا على كل مسلم ومسلمة ، قادرين على حمل السلاح ، حتى يتم تطهير تلك البلاد المقدسة من الطواغيت .كذلك يجب مطاردتهم بكل قوة حتى يجلوا عن الأماكن المقدسة وإلا فالحرب حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون مهما كلفت التضحيات.
إن الإسلام الحنيف لا يعرف أنصاف الحلول ، أو الحلول الإستسلامية .
* بعض العلماء المعروفين في كل من مصر وسوريا أجازوا الإستنجاد بالأجانب وقضوا بالشرعية على استمرار تواجدهم في ديار المسلمين بحجة الدفاع عن بيت الله الحرام وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم . ما هو قول الشرع الحنيف في حقهم وبهتانهم؟
ليكون معلوما لكل مسلم من عالم وجاهل وافقوا على ذلك ، فهم كفار ولا مناص لهم من عذاب الله . ومن مكاني هذا أتوجه لمن أفتوا أن يجددوا إسلامهم وعقود أنكحتهم وأن يعتزلوا تلك المناصب الخلابة سائحين في الأرض حتى يتوفاهم الموت أويجعل الله لهم سبيلا .
* هل من الممكن توحيد المسلمين تحت ظلال القرآن دون تسجيل أعمال عنف في التاريخ ؟
إن توحيد المسلمين أمر رباني لقوله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } (1) ، ولا عزة ولا منعة للأمة الإسلامية إلا بتوحيدها . ولا يكون ذلك إلا على يد خليفة عام للمسلمين يعمل ويحكم بما أنزل الله . وبغير ذلك لا يكون
______________________________________________________________________
1 - آل عمران الآية 103 .
61
للمسلمين عزة لا في الأرض ولا في السماء . وإن أعمال العنف الواسعة وغيرها مقدرة جميعا من الله ، لقوله تعالى { لله الأمر من قبل ومن بعد } (2) .(1/49)
* الحدود الجغرافية بين الأقطار العربية سببا مباشرا لما يعرف اليوم بأزمة الخليج ، ما هو قول الشرع الحنيف بهذه الحدود ؟
...إن الحدود الجغرافية بين الأقطار العربية مصطنعة وقائمة برؤوس الحكام فقط . وأي حاكم عادل ، يستطيع الذود عن ديار المسلمين ، ويحمى أرضه وماءه وسماءه من الهوان ، ولا يخشى إلا الله ، هو جدير بالثقة . ولا ولاء لحاكم أعمى البصيرة يكدس أموال المسلمين في بنوك المستعمرين ويسرف الكثير منها في كبريهات الشياطين .
* أعلنت إيران عن نيتها تزويد العراق بالمؤن والدواء رغم الحظر الدولي على ذلك .
هذا عمل إسلامي مشرف وعلى كافة المسلمين أن يحذوا حذوها .
________________________________________________________________________________________
2 - الروم الآية 4 .
62
الباب الثالث والثلاثون
خطبه ومواعظه ودروسه (1) .
* الحمد لله الذي لا يموت ، الحمد لله ذي الملك والملكوت ، الحمد لله رب العزة والجبروت ، الحمد لله على الدوام والتأبيد ، وأشهد أن لا إله الا الله القوى ، وأشهد أن سيدنا محمدا رسوله الصفي ، اللهم صل على هذا النبي الصادق الوفي ، وعلى آله وصحبه الأبطال الصناديد .
أما بعد : أما بعد فيا عبد الله كم اجتهد العالم في وعظك واستعد ، كم قوي في صياحه على المنبر واشتد ، لكن لك قلب كالحجارة قسوة أو أشد ، ينمو بالوعظ قساوة ويزيد ، تسمع المواعظ في كل جمعة فلا تهتم ولا تتق ، تخوف بشدائد أهوال القيامة فلا تخاف ولا ترق ، تسرع إلى العصيان كأن العصيان عليك مفروض ومنك مطلوب ، لمَ هذا التهاون وأنت عبد للرب المجيد ، هل أخذت من ربك موثقا بالأمان ؟ أولست تعلم أن المرء كما يدين يدان ؟ أو هل تظن أنه ينفعك مجرد الإيمان ؟ (2) .
انتبه ! فقد مضى من عمرك غالب السنين .
اعتبر ! فقد سودت كتابك بالإثم المبين .
تأمل ! فالحساب ثقيل عليك يا مسكين .
تبصر ! فالإسلام ضعف وأهله في تنكيد .(1/50)
كان الوفاء قليلا فأصبح الصدق أقل . كان الجسم عليلا فأصبح القلب أعل . كان الكافر ذليلا فأصبح المسلم أذل . كان الشرع في قوة الملوك فصار في ضعف العبيد .
________________________________________________________________________________________
1 - وجدت بخطه شيئا منها فعقدت لها بابا ، ويترجح عندي أنها من صياغته وإنشائه .
2 - أي الإيمان المجرد عن العمل والإمتثال .
63
تيقظ ! فالحساب أمامك ، والمصائب وراك .
التفت ! فالدين يشكو عن يمينك ، والمعاصي تزداد عن يسراك .
اعتبر ! فتحتك أرض فيها الفجور ، وفوقك سماء منها الهلاك .
تدبر ! فالإسلام يدعوك إلى العمل الحميد .
اعمل لدينك ودنياك تكن في أمان ، سلّم لله تسلم من الخزي والخذلان ، اتق الله يعطيك الرحمة والرضوان ، إن ربك فعال لما يريد .
روى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي هريرة ، [ رضي الله عنه ] ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يقول : " ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت يدك شغلا ، ولم أسد فقرك " (1) .
وقال عليه [ الصلاة ] والسلام : " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " (2) .
________________________________________________________________________________________
1 - رواه الترمذي في سننه 3/308 (2466) كتاب الزهد ، وابن ماجه في السنن
2/1376(4107) كتاب الزهد ، باب الهم بالدنيا ، وأحمد في مسنده 2/358 ، وابن
حبان في صحيحه (2477) ، والحاكم في المستدرك 2/443 وصححه ووافقه الذهبي .
والطبراني والديلمي في الفردوس 5/232(8045) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2 - رواه ابن ماجه (4250) ، والطبراني في الكبير (10/185) وأبو نعيم في الحلية
4/210 والشجري في أماليه 1/198 والقضاعي في مسند الشهاب (108) ، والبيهقي
في الشعب ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
قال السخاوي في "المقاصد الحسنة " : رجاله ثقات .(1/51)
وقال الهيثمي في الزوائد 10/200 : رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح .
ورواه أبو نعيم في الحلية 10/398 ، والطبراني في الكبير بسند ضعيف عن أبي سعيد
الأنصاري ، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا ولفظه " الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا
ذنب له " .
وأخرجه الديلمي في الفردوس2/77(2432)وابن النجار والقشيري في الرسالة ص49=
64
* الحمد لله الذي اختار الإسلام دينا ، الحمد لله الذي جعل الشرع متينا ، الحمد لله الذي وهب المتقين يقينا ، الحمد لله الواحد الباقي الذي لا يزول .وأشهد أن لا إله إلا الله مبيّن الحلال والحرام ، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله سيد الأنام اللهم صلّ على هذا النبي بدر التمام،وعلى آله وصحبه أصحاب الأدب وأهل الأصول
أما بعد : فيا عبد الله ! الإسلام جميل بلطف أحكامه ، ولكن أنت بالمعاصي شوهته . الدين شريف في علو مقامه ، ولكن أنت بالذنوب أهنته . الشرع قوي بالطاعات ، ولكن أنت بالملاهي هدمته . الوعظ مفيد ، ولكن ليس له عندك قبول .
يا أخا العقل ! إفرض أن كلام العالم لا يفيد ، ألست مكلفا بالشرع ؟
يا صاحب الفكر ! إن لم يكن لنفسك زاجر بالشرع فليكن لها زاجر بالطبع .
يا غيورا على الإسلام ! قد اشتد الكرب واتسع الصدع .
يا أيها المسلم ! غدا الحساب فماذا يكون جوابك أو ماذا تقول .
يا من أسلمته المعاصي لأبواب الشقاء وأنياب الأعداء !
يا من قضى العمر في غفلة ! متى تخاف من رب الأرض والسماء .
يا من يخاف من حاكم الأرض وهو عن حاكم السماء في عماء !
متى تفيق من نومك وعن المعاصي تحول ؟ دنياك مآلها الفناء فلم لم تعتبر بما يكون وما كان . النار دار العصاة ، فلماذا ...العصيان .
دعاك الملك الديان للطاعة فلماذا لا يجاب الملك الديان .
الموت حق .والحساب حق ، فبماذا تقابل ربك والرسول [صلى الله عليه وسلم ]
________________________________________________________________________________________(1/52)
= من حديث أنس رضي الله عنه ، ولفظه " التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا أحب الله عبده لم يضره ذنب " . وله شاهد عند البيهقي وابن عساكر ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وانظر : كشف الخفاء 1/296(944) ، ومشكاة المصابيح (2363) .
65
أطع ربك فربما زارك الموت اليوم أو غدا . احترز من الذنوب ، ففي الذنوب الهلاك والردى ، تزود من التقوى ، فإنك مسافر والسفر بعيد المدى . عوّد نفسك على التقوى يعطيك ربك الرضا والمأمول .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحب الله عبدا أبعده عن الدنيا " (1) .
وقال عليه الصلاة والسلام : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " (2) .
وقال عليه السلام : " التائب ... " ألخ .
________________________________________________________________________________________
1 - أخرجه الترمذي (2107) ، وابن حبان (668) ، والطبراني في الكبير 19/12 ، والحاكم في المستدرك 4/309 وصححه ووافقه الذهبي ، والديلمي في الفردوس (971) وابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " رقم (38) ، وابن أبي عاصم في الزهد (190) ، من حديث قتادة بن النعمان ، رضي الله عنه ، ولفظه " إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء " .
ـ وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير ( 4296)من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/285) : إسناده حسن .
ـ وللحديث شاهد عند أحمد في المسند 5/427 والحاكم في المستدرك 4/208 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . صححه الحاكم ووافقه الذهبي .
ولفظه " إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن الدنيا وهو يحبه ، كما تحمون مريضكم الطعام والشراب ، تخافون عليه " .
ـ وله شاهد عند أبي نعيم في الحلية 1/277 من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه . وذكره ابن عبد البر في " جامع بيان العلم 2/16 باسقاط الراوي الأول بغير إسناد .(1/53)
2 ـ ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " ص 15 رقم (9) عن الحسن البصري مرسلا ، وعزاه العراقي في تعليقه على الإحياء إلى البيهقي في " شعب الإيمان " من رواية الحسن مرسلا .
66
* الحمد لله مذل من استعز بالعبيد ، الحمد لله مهمل من أهمل دينه السديد ، الحمد لله ممهل العصاة إلى يوم الوعيد الحمد لله بيده الأقضية والأحكام . وأشهد أن لا إله إلا الله ، ما شاء فعل ، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ، جاهد في الدين حتى بلغه الأجل ، اللهم صلّ على هذا النبي السيد السند البطل ، وعلى آله وصحبه الأئمة الفخام .
أما بعد : فيا عبد الله ! ما أقول في هذا الشهر ، وقد قلت في غيره ما يلين الجماد ؟ بماذا أنصحك وقد كلت المنابر ، واهتزت الجدران واضطربت الأعواد ؟ متى ترجع وقد أسف عليك الأحباب وشمت فيك الحساد ؟ متى تستقيم ؟ متى تقوم بحقوق الإسلام ؟ .
إذا كنت تسمع الدروس وكأنك لم تسمع ، فماذا تفيد المواعظ والخطب وماذا تنفع ؟بل إذا كنت بالحوادث لا تتعظ ولا تقنع ، فكيف يفيد أو يؤثر معك الكلام ؟ تشكو من حرج الإسلام وأنت أصل الحرج . تعجب من قدح الدين ومنك أتاه القدح . تلوم على فعل الغير ، وفي فعلك يطول الشرح . أنت المقصر ، أنت في غفلة أو منام ، بأي فؤاد تظهر الشفقة على الدين وأنت لصه المكار ؟ بأي لسان تطلب النصر وأنت معرض عن سنة المختار ؟ بأي قلب تحب المؤمن ، والكافر في كل شيء لك إمام ؟ يحسن لك القبيح وأنت به تأتم ، يضعف دينك وأنت على ذلك لا تندم ، يتخذك رفيقا وأنت بذلك لا تهتم ، فمن مثلك أيها المسلم ذليل بين الأنام ؟
أهذا من سوء الرأي أم ضعف الإيمان ؟
_____________________________________________________________________
= قال العجلوني في كشف الخفاء 1/344 (1099) . : بإسناد حسن .(1/54)
وهو من كلام مالك بن دينار رحمه الله ، كما رواه ابن أبي الدنيا في " مكائد الشيطان " . أو من كلام سيدنا عيسى عليه السلام كما رواه البيهقي في " الزهد " ، وأبو نعيم في الحلية .
67
أهذا من سواد القلب أم من فساد الزمان ؟
أهذا من حب الكفار أم من ترك القرآن ؟
أهذا من غفلة العقول أم من عجائب الأيام ؟
ارجع ! فالمصائب شتى وأنت لا تعتبر .
اسمع ! فالعواقب مرة وأنت لا تفتكر .
التفت ! فقد زجرتك ولم تنزجر .
اتق الله ! فبالتقوى تنال المراد والمرام .
روى الترمذي عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا مشت أمتي المطيطاء ، أي تبخترا ، وخدمها ابناء الملوك ، ابناء فارس والروم ، سلّط الله شرارها على خيارها " (1) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " التائب ..." الخ .
________________________________________________________________________________________
1 - أخرجه الترمذي في سننه 3/359(2363) ، وابن المبارك في الزهد (52) ، وابن حبان في صحيحه (1864ـ موارد ) ، وابن أبي الدنيا في " التواضع " ص 220 رقم (249) ، وبحشل في " تاريخ واسط " ص 223 ، وابن عدي في " الكامل " 6/2335 ، والعقيلي في الضعفاء (408)، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "1/308 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
68
خطبة عيد النحر
وفيها بيان لأحكام الأضاحي .
* الله أكبر [9] ، الله أكبر ما أهل مسلم بالتهليل والتكبير ، الله أكبر ما ابتهج بالعيد صغير وكبير ، الله أكبر ما تعطف غني على فقير .
الله أكبر [3] ، الله أكبر ما رقى خطيب على منبر ، الله أكبر ما أمر آمر بالمعروف ونهى ناه عن المنكر ، الله أكبر ما أفاق غافل من غفلته وبأحوال الإسلام تفكر.
الله أكبر [3] ، الله أكبر ما صلى إمام في محراب ، الله أكبر ما اجتمع لصلاة العيد شباب وشُيّاب، الله أكبر ما رجع مصل من المسجد بجزيل الثواب .(1/55)
الله أكبر [3] ، الله أكبر ما اعتز الإسلام وانتصر ، الله أكبر ما تزعزع حزب الكفر وانكسر ، الله أكبر ما شاع الحق واشتهر .
الله أكبر [3] ، ما تجلى الله في مثل هذا اليوم بالجنان على عبيده ، الله أكبر ما فرح مسلم بيوم عيده ، الله أكبر ما انشرح صدر مؤمن بلبس جديده .
الله أكبر [3] ، الله أكبر ما خطت الذنوب والخطايا بعرفات ، الله أكبر ما تقرب الحجاج إلى مولاهم بالقرابين والقربات ، الله أكبر ما زار المصطفى [ صلى الله عليه وسلم ] زائر فنال البركات والنفحات .
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا . وأشهد أن لا إ له إلا الله المدافع عن الأمة المحمدية ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المحامي عن الإسلام بقوته المادية والمعنوية . اللهم صل علىهذا النبي صاحب الغيرة والحمية ، وعلى آله وصحبه أبطال البرية ، وسلم تسليما .
69
أما بعد : فيا عباد الله ، إن يومكم هذا ، يوم التجلي الأعم بصفات الاحسان والرضوانومواسم الربح الأتم لمن أتجر في مرضات الكريم المنان . ومورد الفضل الخضم لمن أقبل بالحسنات على مفيض الاحسان .
فهنيئا لمن تخلى عن الأوزار وبدموع الندم تطهر ، فاتقوا الله وأحيوا الشعائر تكونوا من المفلحين ، وانحروا الضحايا تفوزوا مع الفائزين ، فقد أمر الله بذلك سيد الأولين والآخرين ، فقال : { إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر } فسرت الصلاة بصلاة العيد ، والنحر بنحر الضحية ، وأمره أمر لأمته لعدم دليل الخصوصية .
فحمل أبو حنيفة الأمر على الوجوب ، وحمله غيرة على السنية .
واتفقوا على ان المخاطب بها القادر لا من ثمنها عليه تعسر .
وعمّ الشافعي الطلب وخصه أبوحنيفة بالمقيم ، وخصه مالك بغير الحاج ، وعنده يضحي الولي عن اليتيم ، وكذلك أبو حنيفة ، ومنع ذلك الشافعي في الجديد والقديم ، وهي من الإبل والبقر والغنم ، وليس في ذلك خلاف يذكر .(1/56)
واشترطوا السلامة من المرض وبيّن العرج والعور . واغتفروا الخصاء وشق الآذان فإن ذلك غير معتبر . ولا يضر عند غير أحمد كسر القرن إذا لم يحدث في البدن ضرر .
واتفقوا على أن المجزئ من الإبل ما تم له خمس سنين كما هو مقرر ، ومن البقر ما طعن في الثالثة ، إلا مالكا فبالرابعة ضبط . ومن الضأن ما تم له حول ، إلا أحمد فشرط نصفه فقط ، وقال الشافعي وأبو حنيفة ليس تمام الحول يشترط ، بل المراد عند ابي حنيفة أن لا يتميز عن ابن سنة على ما عنه يؤثر ، وعنده المعز كالضأن . وشرط فيه الشافعي سنتين على التمام .
وجوز غير مالك الإشتراك في البقرة والبدنة لسبعة من الأنام . وقال مالك : لا تسقط الضحية وإن كان بذلك يؤجر .
70
وافضل انواعها الغنم فالبقر فالإبل عند مالك ، وراعى الشافعي كثيرة اللحم فقدم الإبل لأجل ذلك . وراعى القيمة أبو حنيفة ، فإن استوت راعى كثيرة اللحم فيما هنالك ، فإن فقدت الكثرة قدم الأطيب الأنضر .
وأول وقتها عند أبي حنيفة لأهل الأمصار من صلاة العيد ، ولأهل القرى من فجر هذا اليوم من غير ترديد . واعتبر مالك شروع الإمام في الذبح . وينتظر لقرب الزوال لعذر شديد .واعتبر الشافعي قدر ركعتين وخطبتين بعد أن تطلع الشمس وتظهر .
وينتهي وقتها بغروب الثالث عند الثلاثة الأعلام ، وبغروب الرابع عند الشافعي بهجة الأنام .
وتصح بالليل والنهار . وشرط مالك النهار في جميع الأيام .
وأوجب الشافعي التصرف بشئ منها . وقال غيره هو الأفضل الأفخر .
ولا يجوز للمضحي إعطاء الجزار ولا بيع لحم ولا جلد من الضحيّة .
والأفضل أن يذبحها بنفسه ، اقتداء بسيد البرية ، ويضع المذبوحة على اليسار ، ويعقل المنحورة كما هي السنة المرضية ، ويستقبل بها القبلة . وليقل بسم الله الله أكبر.
فتقربوا رحمكم الله بالضحايا إلى الكريم ، واستسمونها فإنها لكم مطايا على الصراط المستقيم ، وامتثلوا أمر خالق البرايا ، فإنها سنّة أبيكم إبراهيم .(1/57)
فتلقوها بحسن القبول ذلكم ازكى لكم وأطهر .
( ....... )
وقال عليه الصلاة والسلام : " التائب من الذنب ....إلخ .
71
الخطبة الثانية
* ـ الحمد لله المنعوت بصفات التنزيه والكمال ، وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم المفضال ، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله سني الخصال . اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
عباد الله ! اتقوا الله فإنكم عليه تعرضون ، وأخلصوا له الأعمال فإنكم عليها محاسبون ، واعلموا أن الله صلى على نبيه في كتابه المكنون ، وأمركم بذلك ، فأكثروا من الصلاة عليه تكونوا من الفائزين .
اللهم صل وسلم عليه ، وارض عن الأربعة الخلفا ، وبقية العشرة الكرام ، وأزواج نبيك المصطفى ، وعن عميه حبيبيك ، وسبطيه ذوي الإخلاص والصفا ، وعن الأنصار والمهاجرين إلى يوم الدين .
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين ، اللهم أيّد الإسلام والمسلمين ، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين ، واشمل بنصرك وعنايتك جماعة المؤمنين ، وأيدهم ، واخذل أعداءهم إلى يوم الدين ، واجعل بلدنا آمنا مطمئنا [ وسائر بلاد المسلمين ] ، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا ، وارفع اللهم مقتك وغضبك عنّا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، يا أرحم الراحمين .
اللهم بك نستنصر فانصرنا ،وإياك نسأل فلا تخيبنا ، وإليك نلجأ فلا تطردنا ، وعليك نتوكل فاجعلنا لديك من المقربين .
إلهي هذا حالنا لا يخفى عليك ، وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك ، فعاملنا بالإحسان إذ الفضل منك وإليك ، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين .
عباد الله { إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... } ...
72
الباب الرابع والثلاثون
في ذكر أشعاره(1/58)
كان رحمه الله ذا ملكة شعرية ، فكان إذا خلا أمسك قصاصة ورقية فأثبت فيها ما تفور به قريحته ثم يجعلها في طيات الكتب أو بين رفوف مكتبته . وقد قمت وبلال ابنه بجمع شئ منها :
* قال في مدح النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم :
لمثل مرامي كل شئ يطلق على حب ليلى إنني الموفق
فلا تلمني يا عذول فإنني أصم عن العذال مثلي يصدق
ولا تقل قد باع بالرخص موطنا لأجلك ليلى فالغرام محقق
وهل أخاف اللوم في حب أحمد وما مثله في العالمين مخلّق
نبي له عند الإله محبة صفي له في المرسلين تفوق
بربك قل لي هل رأيت كأحمد حبيبا له في السامعين تشوق
بيا أيها جاء النداء مخصصا بأحمد حقّا و[ السليم ] يصدق
فذاك دليل الحب إن كنت مؤمنا وذاك دليل القرب إن كنت تنطق
وخلق به لولاه ما كان آدم ولا كانت الأكوان من قبل تخلق
لآدم من بعد الخطيئة توبة بحرمته جاء الحديث يحقق
فمن نوره الأشياء لا شك أوجدت ومن قبله الايجاد باب مغلق
فآدم مولود وإن كان والد وحواء في هذه العجيبة تحقق
فإن قلت مولود فأنت مؤيد وإن قلت عكسا فالكلام مصدق
73
وكل نبي جاء بالشرع نائبا فعن كونه من البشائر يسبق
فلذ به يا صاح إن كنت مؤمنا فنوح به أنجى وما كان يغرق
ونار لنمرود تأجج وقدها فأخمدها إبرام بالآن ينطق
وبحر لموسى عند عبر تجمدت مياه له مثل الصخور وأفرق
وهكذا عند الشدائد كلها بأحمد انقاذ وما زال يرفق
وفي محكم الآيات قد جاء معلنا وفي قوله للعالمين يحقق
فجد لي إلهي بالقرار بقربة وعيشا هنيئا ليس فيه تعوق
وهب لي وفاة بالبقيع فإنني شغوف بها وفي الفؤاد تحرّق
فبابك مفتوح وجودك واسع وعبدك ملهوف لبابك يطرق
وحاشا إلهي أن ترد متيما محبا لطه ليس فيه تملق
ومني صلاة لا تعد مسلِّما على أحمد والصحب والآل ملحق
ولا سيما الصديق من كان صاحبا بغار له في الضيق نعم المصدق
ومن بعده الفاروق أعدل حاكم به عز اسلام وشرك يمزق
ومن بعده عثمان ذو الخوف والتقى عفيف له في الزاهدين تحقق(1/59)
ورابعهم ذو العلم والفهم والوفا عليّ له كل العلوم تدفق
يا رب بالمختار ثم بجمعهم أنلني ما أملت لا زلت تغدق
ففي الآية ادعوني وعدت مبينا وفاء لنا إن الكريم مصدّق
ومني صلاة لا تعد مسلّما على أشرف مبعوث بها الكون يعبق
وآل وصحب يا كريم [معمِّا] لتابعهم بالخير ما دمت تخلق
كذا الكرام الأنبياء وآلهم بأحمد في تلك التحية ملحق
إلهي بهم أدعوك حقق لسائل وعجل بيسر إن وعدك يصدق
74
فقد عمت البلوى وضاقت مذاهب وضاعت شعوب والصحاب تفرقوا
فكم مرضع عما ترضع اذهلت وكم حامل قد جاءها الوضع يسبق
وكم مَنزل بالأمس قد كان زاهرا فأضحى خرابا بالدمار يطوق
بعفوك مولانا ولطفك عمّنا فأنت الذي من كل هول تعتق
وكن راحما إن الملوك تعوّدوا إذا أخطأ مملوك بعفو أعتقوا
* وقال مسلّما على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام :
إليك أبا الزهراء ألف سلام من سويداء قلبي لا من لسان كلامي
وهذه مني الروح تحضر نائبتي تقبل الأعتاب طوع هُيامي
وللصديق والفاروق مني تحية تضيق بها رحاب الأرض بل مكان غمام
فتقبلوا سادتي مني السلام وعجلوا بجذبي قبل حلول حمامي
سميّك رسول الله يرجو وفاته بطيبتك الغرام تلك مرامي
ودفنا بالبقيع جوار قوم كرام للجيران حامي (1)
صلاة الله يا خير البرايا عليك وعلى الصحب الكرام
وعلى جاريك صديق يليه إمام العدل في عصر [ الوئام](2)
وعلى شهيد الدار مني تحية أشد بها يوم النشور حزامي
وعلى أبي السبطين والسبطين تحية وعلى سكان في البقيع كرام
وعلى عباد الله الصالحين جميعهم صلاة تبجيل وخير سلام
________________________________________________________________________________________
1 - لأن الرجل الصالح ينتفع به من جاوره في قبره ، والفاجر يتأذى به من حوله .
2 - كلمة " الوئام " أثبتها وليست من قوله .
75
*وقال:
أبا الزهراء إليك مني تحية يفوق شذاها كل مسك وعنبر
وللصديق والفاروق مني تحية يفوح شذاها بين قبر ومنبر(1/60)
* ومن مناجاته وابتهالاته :
يا أنيسي في وحشتي وغرامي يا حسبي في وحدتي وامامي
لا أبالي بهجر السوى بك اعتصامي يا كعبتي يا قبلتي إليك هيامي.
* وله أيضا :
يا رب بالمصطفى وبسورة الإخلاص يا خالقي أحسن لديك خلاصي
وامنن بعفو سيدي يوم اللقا قد عمني الذنب ولات حين مناص
إن الكريم إذا تفضل بالرضا فاز الفقير وليس ثم معاصي
* وقال :
لم لا أعرض باسم عزة إنها أخذت علي مواثقا وعهودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها خرّوا لعزة ركعا وسجودا
ومن رباعياته :
دع الأناسي جانبا وابق لهم مجانبا
وارض بالله صاحبا إنه نعم الرفيق
ليس في الناس ثبات كلهم إلى الشر وثبات
بناتهم بئس البنات ودادهم كله تلفيق
يبدون نسكا للملا فؤادهم حقدا غلا
لسانهم مكرا جلا فاختبرهم عند الضيق
معبودهم فلس في الجيب لابسهم شين وعيب
ذاك حق دون ريب خذه نصحا من شفيق .
76
* وقال ذامّا الدخان ومحذرا منه :
سألت شيخا ذا شيب عما اعتراه من الصبْغ
وشحوب مع سعال ودخان للدبْغ
فأجاب في صدق من غير ميْن ولا زيْغ
إن ذاك يا صاح كيف تسمّى بالتَّبْغ
* وقال معاتبا أهل قرية قد تنازعوا ، بلسان حالهم :
في دفع للبوليس ما جربت نفسي ولكن في الهزيمة كالغزال
وعلى ابن العم كالأسدالضواري بضرب أشد من ضرب النزال
* ووجدت بخطه : وقلت في جار لي حانوتي :
إني بليت بجار لا وفاء له يبدي القبيح وأما الحسن يخفيه
حلو اللسان واما القلب ذو سقم بالحق مضطرب كل المساوي فيه
الدين دنياه وأما القرش مذهبه إن غاب عنه فما طب يعافيه
في السر يعبده في الجهر يزهده هيهات كنزك يا قارون يكفيه
بالحرص يركض بالآمال منهمك لا يعرف الأكل إلا مشيا وهو في فيه
إن صلى ولى وإن جاءت مرابحة يسعى نشيطا وحق الجهد يوفيه
في النوم يحلم بالأسعار يحسبها بالخفض يحمى وأما الرفع يشفيه
لا يرحم الناس إلا عن مضاربة والفضل فيها لمن في الظلم يطغيه
من كان مثل جويري لا دواء له إلا التراب من الأرساس كافيه(1/61)
* ونظم يمتدح كتابيا ذا شان يكتم إسلامه ، أبياتا ، وجعلها على حروف اسمه :
سبقتني سمعان باللطف والوفا وحملتني عبئا ثقيلا بلا خفا
ملأت مني الروح شكرا ومنّة وصيرتني المدين بالصدق والصفا
77
علامة صدق الخل تذكار خله وإن كان ذاك الخل من طبعه الجفا
أنا ذلك الجافي لخلتي حقبة ولكن ذاك الخل يعذر من هفا
نزيه نصوح للأخوة حافظ صفوح عن الإخوان بالعهد قد وفا
* وأوقفني أبو حذيفة على أبيات بعث بها شيخنا إليه (1) ، مرتبة علىحروف اسمه ، يشكره فيها على هدية قدمها له ، كان قد أحضرها من مدينة الخليل :
جوزيت خيرا يا جمال بتحفة جاءتني حاملة أسنى التحف
من مصدرها الخليلي (2) وإنها يمن خليلي (3) حائز كل الشرف
أهديتني فروا جميلا فائقا كل الفراء ما لها تلك الظرف
لا زلت خلا وفيّا دائما فهاك شكري بالثناء تحف
* ونظم أبيتا يسخر فيها ويتهكم من عبدة الأصنام فقال:
عجبت لناحت صخر إلها يخر له سجودا وهو يدري
بأن يديه أولى أن تكونا له ربا عظيما دون صخر
هما نحتاه مقهورا مطيعا فبئس الرّب يعبد بعد قهر
* وقال في ذم الدنيا وفي التحذير من الإغترار بزخرفها ومتاعها:
مصيرك يا دنيا مصير فناء فلست يا دنيا دار هناء
أنعشت قوما وانتعاشك باطل إن انتعاشك مثل طيف هباء
أواه من دار يغر متاعها عقلاء أقوام ليسوا في غباء
فاحذر أخي دار الفناء مجاهدا حتى تفوز بدار الخلد دار بقاء
________________________________________________________________________________________
1 ـ في 6 رجب 1405 .
2 ـ مدينة الخليل .
3 ـ يمن وبركة من أجل سيدنا إبراهيم عليه السلام .
78
* وأحب أن يدفن في جوار مقام النبي سَعين فنظم قائلا :
عشقتك قبل الكشف يا سعين فمثلك لإمثال المفلسين معين
رغبت في جوارك فاقبل جواري فأنا وإياك بعون الله نستعين(1/62)
* وأسمعته من كتابي " بشرى القلوب اليقظة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة " شيئا كثيرا فقرظه وجعل في تقريظه أبياتا من النظم جعلها على حروف اسمي وهاك تلك الأبيات:
تأليفك يا توفيق در منظم وسفرك الترياق بل هو أعظم
وزن الفتى بالعلم فأقبلن على جمعه فالجمع منه معظم
فكن عالما ولا تك مثريا فما الثراء عند الإله يعظم
يمن كتابك كله بإثبات ما لا ينفيه مسلم
قبحا للمكابر يقظة رؤيا الحبيب القطع فيها مسلم
* ونظم أبياتا يخاطب بها طبيبا ضمن رسالة بعث بها إليه :
يوسف أيها الدكتور مني الوكة أمد بها حبل التعارف والحب
وُدّي حدا بي مذ سمعت بذكركم والأذن تعشق قبل الطُرُف بالغيب
سبى روحي صلاحك فجأة فَخر الشبيبة في الديانة والطب
فاشدد يديك بحبل الدين معتصما فهو الحياة وفيه النصر للعرب
* وقال في ذم الحشوية والأجلاف ، وهم أولئك الذين يعتنون بظواهرهم ، ولا يلتفتون إلى صقل قلوبهم أو تطهير سرائرهم وبواطنهم :
ليس التعبد لِجة أوسجة أو صوت ذكر عالي
بل التعبد صقل قلب مظلم ومن المخافة دوما خالي
يخفون فتكا يبدون نسكا يا ويلهم ليس لهم من والي
يلبسون ثوب الزهد تسترا والزهد فيهم بالي
79
يعطون كالحرير نعومة هم كالأفاعي بل أشد نكال
فاحذرهم أخي وحذِّر منهم والويل لمن يكن لهم بالقالي
* وقال في علماء السلاطين والزعماء الذين قضوا بالشرعية على حرب الخليج وضرب العراق :
علماء الدين قد ضلوا فقد بانت خسارتهم
إذ خانوا الرسل جهارا فما ربحت تجارتهم
باعوا الدين بالدنيا لقد حقت حقارتهم
نواب الرسل إن زاغوا زالت عنهم أمارتهم
سفراء الله في الورى إن صينت سفارتهم
فإن خانوا هم سفارتهم فقد حلت بهم صفارتهم
* وقال يخاطب أحد قرابته :
شفاؤك يا عليّ هو المرام وبرؤك رحمة فيه السلام
وعيد في الحقيقة عند قلبي وإني صادق كلي غرام
بروحي يا عليّ أزف بشرى لإبروقين ليس لها انفصام
ويصحبها تهان من فؤادي تنادي جهرة ذهب السقام(1/63)
فروحي من خلاصك في انتعاش وجسمي بعد ذلك لا يضام
ولست بقاطع عنكم ودادي ولا عطفي وإن شط المُقام
وما أنا بالحقود على ابن عمي ولا أهلي وإن طال انصرام
بحكم العلم مأمور بوصل وإلا فهل غيري يلام
إذا أمر العليم بفعل خير ولم يفعل فقد فسد الأنام
صلاح الزاد مقرون بملح وخبث الملح للزاد انهدام
ولا تنظر لكيتي عند ضيق فقلبي وقتها فيه اضطرام
80
فطب نفسا ولا تحقد فإني وفي للقربة والسلام
* ومن حكمته :
وكل مودة لله تبقى ولا يبقى على العكس الوداد .
الباب الخامس والثلاثون
في ذكر رسائله ومكاتباته
* أوقفني بلال على شيء من رسائل والده ومكاتباته . فاخترت إحداها لما تنطوي عليه من الفوائد . وهي في الرد على داعية ضلال قادياني . وهاك نصها :
" الرينة ، في 5/4/1952 م . حضرة المبشر البريطاني ( فلان ) الأحمدي القادياني ، سلام على من اتبع الهدى ،وخشي عاقبة الردى ، ولم يذهب حياته سدى .
أما بعد : فلقد تلقيت منشورك ، وفهمت من مكنونك ومستورك ، وبه اتضح جهلك المركب ، وركبت في البذاءة طيّة كل مركب ، إذ تقول فيه إنني لم أنشر كتابك شفقة عليك ، وهذا تمويه منك على السذج والبسطاء من العوام لأن فيه الحجة عليك ، فانشره بالحرف إن كنت طالب حق أو على حق . وتقول أيضا لو كنت أزهريا لآمنت بوفاة المسيح . وأنا في كتابي ما تعرضت لحياة المسيح عليه السلام . ولكن قاتل الله الجهل والجهلاء ، لأن حياته صلى الله عليه وسلم مفروغ منها لدى علماء المسلمين وأئمتهم ، لا يرتاب فيها إلا كافر أو ملحد أو متنبئ ضال مضل جاحد ، نطق بذلك القرآن الكريم ، وأحاديث ذي الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم . فعلى رِسْلِك أيتها الدسيسة البريطانية . وتقول في منشورك إن مشيخة الأزهرالجليلة قد أفتت بوفاته صلى الله عليه وسلم . وهذا منك افتراء عليها . إرجع إن شئت الوصول إلى الحق لمجلتها نور الإسلام ، الجزء السابع ، رجب 1351 هـ
81(1/64)
المجلد الثالث فهناك تجد افتتاحية لهذا الجزء بعنوان [ طائفة القاديانية أو غلام أحمد ] . هذا واستنادك على فتوى شلتوت ، أيها اللتوت ، الذي لا يميز بين الجميز والتوت ، فاستناد ممقوت ، إذ المسيح ما مات ، وإنه سيموت . فدع هذه الخزعبلات ، لأن عاقبتها عند الله اللعنات والويلات . وهلم إلى المناظرة إن كنت تدعي للإسلام المناصرة ، وحينئذ يظهر صدق الشاعر الحكيم :
سوف ترى إذا انجلى عنك الغبار أفرس تحتك أم حمار .
وذلك لا يتم إلا بعقد اجتماع في الناصرة إما بالمحكمة الشرعية أو بدار البلدية ... يشهده الناس مسلمون وغير مسلمين . فعيّن المناسب من الوقت ، ولا تنظر إلى أمثالي المحقين بعين المقت ، ولا تركن إلى بذاءة اللسان ، إن كنت من بني الإنسان .والسلام على أبناء الإسلام . "
طالب الحق بالرفق والصدق
محمد عبد المجيد الأزهري .
* وأوقفني الشيخ محمود عامر عمري أبو إمام ( من قرية صندلة ) على رسالة من رسائل شيخنا البروقيني الأزهري ، بخطه ، كان قد أوقفه عليها الفاضل ، عمر سعيد عمري ، أبو برهان ، وهي جواب على استفتاء رفعه إليه أحد زملاء أبي برهان في السجن .
وقد راسل أبو برهان ومن معه حال سجنهم ، الشيخ رحمه الله مستوضحين ومسترشدين ومستفتين وكان الشيخ يبعث إليهم بما ينير الدرب ويهدي إلى سواء السبيل . وهاك نص الرسالة :
( الناصرة في 27 رجب 1392 هـ بسم الله الرحمن الرحيم
وفق 5 أيلول 1972 م ) . وصلوات الله وسلامه على سيدنا محمد ذي الخلق العظيم ، وعلى آله وصحبه ذوي النهج القويم ، وتابعيهم بأحسان إلى يوم إحياء
82
العظيم الرميم ، آمين . حضرة أخي في الله تعالى السيد محمد حميدي حفظك مولاك ورعاك آمين تحيات إسلامية صادقة .
وبعد : فقد تلقيت كتابك الكريم المؤرخ في 23/8/1972م وفيه تسألني خمسة أسئلة ، وهاك أيها الأديب الأجوبة عليها من بضاعتي العلمية المرخاة ، أسأل الله تعالى الفوز والنجاة .
[(1/65)
1 ] كان عليك ايها الأخ أن تذكر اسم الكتاب ذي الورق الأصفر الموجود لديكم حتى أعرف مؤلفه من هو ، لأن كل كتاب تعرف قيمته بقيمة مؤلفه . هذا وإن أمكن إرساله مع أحد الزوّار ، فآمل إرساله حتى أقف على حقيقته . أما قولك : فيه ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية المطهرة وهو ما يسمونه بعلم الباطن ، فأنا معك فإننا حسب علم الظاهر قد يتراآى لنا أنه مناف للشريعة ولكن الحقيقة عند من يفهم شطحات الأولياء رضي الله تعالى عنهم وعنا بهم آمين ، لا يرى شيئا من ذلك منافيا للشريعة . وكم أخطأ كثير من العلماء بتكفيرهم بعض ساداتنا الأولياء كمحي الدين بن العربي ، والحلاج ، وأبي يزيد البسطامي ، من جراء أنهم لم يفهموا شطحات أُولئك السادة رضوان الله تعالى عليهم ، لأنها تصدر عنهم وهم في حالة الفناء في حب مولاهم جل شأنه فالتسليم لهم أسلم ، والله أعلم .
[ 2 ] وأما ما يتعلق بالقصيدة ( الجلجلوتية ) فليست نسبتها إلى مولانا عليّ كرّم الله تعالى وجهه صحيحة ، وكذلك ما ينسب إليه فيها من الألفاظ السريانية .
وأما كتاب تنبيه الغافلين وإخوته ـ بدائع الزهور ـ إعلام الناس ـ الروض الفائق ـ ففيها حشو كثير من الإسرائليات ، وغيرها ، وبالرغم من ذلك كله ، فكل حديث فيها يدعو إلى صالح العمل وفضائله ، فلا بأس بالأخذ به إذ أن كثيرا من الأحاديث فيها الترغيب والترهيب ، ما لم يخالف ما كان عليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم .
83
[3 ] الأدعية والأوراد التي هي واردة عن مولانا عليّ كرم الله وجهه ، وعن بعض الأولياء رضوان الله تعالى عليهم ـ كلها صحيحة ومسلمة ، وفيها الخير الكثير لمن يثابر على قراءتها ، وخصوصا إذا تلقى تلك الأدعية والأوراد عن شيخ كامل ومرشد فاضل .
[(1/66)
4] إن الشاب المسئول عنه من حيث الحالة الجنسية فخير علاج له ، هو علاج سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "(1) . المراد بالباءة : ما يلزم من مهر ونفقة ومسكن . والوجاء : بوزن كتاب هو قطع الشهوة والقضاء عليها ، فعلى الشاب المشار إليه في أسئلتك أن يكبح جماح شهواته بعلاج من لم ينطق عن الهوى صلى الله تعالى عليه وسلم .
[5 ] إن الكتب التي تحتوي على أدعية بألفاظ سريانية لا يفهمها الداعي لا يحل العمل بها ولا قراءتها . وعلى كل مسلم يريد النفع لنفسه أن يرجع إلى كتاب الحصن الحصين فقد حوى كل الأدعية التي قد جاءنا بها سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وهو مطبوع على هامش كتاب خزينة الأسرار للسيد العلامة محمد حقي الحنفي
____________________________________________________________________
1ـ أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
فأخرجه البخاري 9/106 ومسلم في كتاب النكاح (4/128 ) وأبو داود ، كما في عون المعبود 6/39 . والترمذي كما في تحفة الأحوذي 4/199 والنسائي 6/56 . وابن ماجه 1/566 ( 1845 ) ، والدارمي ، وأحمد 1/424 ، 425 ، 432 . وابن أبي شيبة 4/126 . والحميدي ( 115 ) والطيالسي ( 272 ) . وعبد الرزاق في المصنف ( 10380 ) والطبراني في الكبير 10/149 ( 10168 ) .
ـ وأخرجه الطبراني في الأوسط والبزار والضياء المقدسي من حديث أنس رضي الله عنه .
قال الهيثمي في المجمع ( 4/252 ) : رجال الطبراني ثقات .
84
رحمه الله تعالى . فهذان الكتابان يغنيان المسلم عن التطلع إلى غيرهما .
هذا ما ألهمنيه ربي سبحانه وتعالى على قدر بضاعتي العلمية . وفقنا الله تعالى جميعا للعمل على مرضاته ومرضاة نبيه الكريم [ صلى الله عليه وسلم ] آمين .
واقبل فائق تحيات أخيك(1/67)
خويدم العلم الشريف والدين الإسلامي الحنيف
الفقير لعفو ربه اليقيني
محمد الأزهري النابلسي البروقيني .
الباب السادس والثلاثون
في ذكر أقواله وما أثر عنه
* كان رحمه الله يكثر من قول : " يا حي يا من لا يخفى عليه شيء " .
* وكثيرا ما يردد : " يا حاكمي وحكيمي أفعالك الكل حكمة " .
* كان رحمه الله يأسف لحال الأمّة الإسلامية ، ويعتصر قلبه ألما وحسرة لمصابها ، ويضرع إلى الله دوما في إصلاحها وتفريج كربها .
وذكر يوما حال الأمّة وما آلت إليه من ضعف وما نزل بها من بلاء ، وما حل بها من هوان ، فقال : " على قدر الخيانة تأتي الإهانة " .
قلت : يعني بذلك أن السواد الأعظم من الأمّة قد اعرضوا عن كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم . فكانوا بإعراضهم خائنين لله وللرسول صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون } (1) . وعلى قدر هذا الإعراض نخرت في جسم الأمّة
_____________________________________________________________________
1ـ الأنفال الآية رقم (27) .
85
الأمراض ، وحلت بها المهانة والإهانة ، ووقع بها القتل والتشريد ، والإذلال والتنكيد ، والهتك والفتك ، والاختلاف والافتراق ، والتمزق والشقاق .
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟
قال : " نعم ، إذا كثر الخبث " . (1)
فلا عزّة للأمّة ولا تفريج لكربتها ، ولا شفاء لسقمها إلا بالرجوع إلى كتاب الله ، وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ، والنهول من معينهما الصافي ، وأداء حقهما الوافي ، وقد بشر نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله سيصلح هذه الأمّة بعد فسادها . وهي موعدة حقّة أسأله تعالى تعجيل انفاذها .(1/68)
فإذا ربا الخير على الشر نزل النصر حليفا للموصوفين بالخيرية ، والطريقة المرضية ، فيتصدرون للريادة وينعمون بالسيادةويحتلون الصدارة ، وهي ركنهم الركين ومقامهم الأصيل ، ليخرجوا العالم من التخبط والظلمات إلى الهداية والنور المبين .
* ومن أقواله " كما تكونون يولى عليكم ومن أعمالكم سلط عليكم " .
وهذا يوافق ما تقدم ، وفيه زيادة معنى ، وهو أن الأمّة إذا صلح حالها ، فإن الله يهئ لها من يمسك زمام أمرها ، ويتولى رعاية شؤونها ويأخذ بيدها لما فيه نجاحها وفلاحها .أما إذا أعرضت عن النهج الذي ارتضاه الله وأنزله ، كثر فيها الخبث
______________________________________________________________________
1 - البخاري في الصحيح 6/440 كتاب الأنبياء (60) ، باب (7) قصة يأجوج
ومأجوج (3346) . وفي 6/707(3558) المناقب ، باب (25) علامات النبوة .
وفي /14(7059) الفتن ، باب (4) قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ويل للعرب من
شر قد اقترب " ، وفي باب (28) يأجوج ومأجوج 13/113(7135) . ومسلم في
في سننه 3/325(2282) وقال : هذا حديث حسن صحيح .
من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش ، رضي الله تعالى عنها .
86
والسفه ، ووسد الأمر إلى غير أهله . وهذا ما حصل وبساحتها قد حل ونزل ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .
* وكان إذا بلغه أن أناسا تنكبوا لشرع الله سبحانه أو تلبسوا بمحظور ، أو مالؤوا أعداء الدين وتولوا الكافرين ، أو حملوا أفكارا كفرية ومبادىء الحادية ، ونافحوا دونها ، فإنه يقول : " قوم ضلت ما ظلت " .
يقول هذه المقولة غضبا لله وإنكارا للمنكر .
وهذه يمكن استخلاصها من استقراء تاريخ السالفين والغابرين ، ومن النظر في مصائر السابقين والأقدمين . فما من قوم ناوءوا رسولهم وتنكبوا لدعوته ، ودعا عليهم الرسول ، إلا أخذوا وأهلكوا ودمّروا وتبروا ، فأغرق الطوفان قوم نوح ، وأخذت ثمود وغيرها بالصيحة ، وأهلكت عاد بالدبور ...(1/69)
* وأخبرته يوما عن نيتي الالتحاق بجامعة القدس ـ كلية الدعوة وأصول الدين ، في القدس الشريف . فشجعني على الإقدام ونبذ الإحجام ، وبذل لي النصح والإرشاد ، وتمنّى لي التوفيق والسداد . ولما التحقت بهذا الصرح العامر طلب مني الإعتناء بالكتب والمؤلفات ، وأن أشغل بها غالب الأوقات ، وخص منها مصنفات العلماء المتقدمين والأئمة المحققين ، ففيها بغية الباحثين وغنية الطالبين .
وقال لي مقولة جعلتها في التحصيل نبراسا ، وفي اقتنائي للكتب منهاجا ، وهي قوله : " تعرف المؤَلَف من مؤلِفه " .
فما تخرجت إلا وقد أثريت مكتبتي حتى أني لا أملها ولو طال فيها مجلسي . فلله الحمد أولا وآخرا ، وجزى الله عنا مشايخنا خير الجزاء .
* وقال يمتدح جهود العلماء السابقين في التأليف والتصنيف : " هم ألفوا وخلفهم أتلفوا " أي بإعراضهم عن الهداية والتهافت على الحطام وتحصيل المتاع .
87
* قال أبو حذيفة : ومن أقوال الشيخ رحمه الله : " يا ليتني مت في أحضان الأزهر " .
قلت : الحمد لله الذي جعله علم هداية ، وأطال عمره حتى قبضه بين ظهرانينا ، فجالسناه وأفدنا منه ، وانتفع به خلق كثير .
* ومن أقواله : " اعتراف واقتراف لا يجتمعان " أخذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... " (1) .
________________________________________________________________________________________
1ـ أخرجه البخاري ( 2475 ، 5578 ، 6772 ، 6810 ) ، ومسلم في
صحيحه 1/55 (57 ) وابن أبي شيبة في كتاب " الايمان " ص 12 رقم ( 38 )
والحميدي 2/ 478 ( 1128 ) والترمذي ( 2760 ) والنسائي 8/64 ، 65 ، 313
وابن ماجه ( 3936) وابن حبان ( 186ـ موارد الظمآن ) والبغوي في شرح السنة
( 46 ، 47 ) وأبو نعيم في الحلية ( 3/ 164 ، 322 ، 369 ) ( 6/ 256 ) ( 9/
248 ) ، وأحمد في مسنده ( 2/ 244 ، 317 ، 386 ) والبغوي في مسند علي بن الجعد
((1/70)
758) ، والدارقطني في " جزء القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد بن بجير الذهلي " رقم
(3) وانظر :تحقيقه لحمدي عبد المجيد السلفي. من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
ـ وأخرجه ابن أبي شيبة في الايمان ( 61 ) من حديثه ، موقوفا .
ـ وأخرجه البخاري في صحيحه ( 6782 ، 6809 ) من حديث ابن عباس .
ـ وأخرجه ابن أبي شيبة في الايمان ( 40 ، 41 ) وفي المصنف (4/ 404 ) ،
8/194 ـ195( 4125 ) ، 11 / 32 ( 10439 ) . وأحمد في مسنده 4/ 352 ،
وعبد بن حميد في المنتخب ص 182 رقم ( 525 ) وابن نصر المروزي في " تعظيم قدر
الصلاة " ( 549 ، 553) والطيالسي ص 110 ( 823)
من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه .
ـ وأخرجه ابن أبي شيبة في " الإيمان " (39،73) وبحشل في تاريخ واسط
من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
88
* قال أبو حذيفة : ومن أقوال شيخنا البروقيني رحمه الله :
" إن هي إلا مدة تمر وتنقضي ـ ولا يغلب الأيام إلا من رضي " .
* وعنه قال الشيخ : زلة العالم يضرب بها الطبل ، وزلة الجاهل يخفيها الجهل
* قلت : وعن شيخنا عن شيخه الشيخ علي الشائب رحمه الله تعالى قال : الكريم إذا وعد وفى ، وإذا قدر عفا ، وإذا صاحب صفا .
وقال : العاقل لسانه وراء قلبه ، فإذا أراد أن يتكلم تفكر ، فإذا كان له تكلم ، وإذا كان عليه أمسك .
قال شيخنا رحمه الله : وأما الجاهل فلسانه أمام قلبه فإذا أراد أن يتكلم ، تكلم بلا تفكر ولا يميز بين الغث والسمين ، فتدبر .
________________________________________________________________________________________
= قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/100) : رواه أحمد ، والبزار ببعضه ، والطبراني في
الأوسط ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحق مدلس ، ورجال البزار رجال الصحيح .
ـ ورواه الديلمي في الفردوس 5/143 (7762) من حديث أبي سعيد رضي الله
عنه موقوفا .
89
الباب السابع والثلاثون
في رثائه
* قلت مرتجزا :(1/71)
لله حمدي وعليه أعتمدْ مفوضا أمري إليه أستندْ
ثم صلاة وسلام دائما ما ثمر أزهى وما نبت نما
على سراج للهداية علمْ بالسؤدد خصصه من القدمْ
وهذه منظومة تحكي الدررْ ضمنتها رثاء تابع الأثر
له لإبروقين نسبة كما بالأزهر المعمور قد تسمى
منذ نعومة على أظفاره زاده تقوى الله في أطواره
وعابدا نشا لمن صوّره قُنوتُه دوما لمن كَوَّره
وعارفا في عالي المراتب وزاهدا لا يصب للمناصب
ويرقب الله الخبير محسنا لغيره الخير يحب مؤمنا
نصيبه من العلوم وافر وراثة ممن له المفاخر
فالعلما للأنبياء وارثونْ به أتى حديث خير العالمين
أشياخه في العلم هم أكابر يا صاح كن لعلمهم مثابر
منهُمُ أوليا وفيهم عارفونْ صدورهم منابت الدر الثمين
ما العلم إلا بالتقى معتبر فاصحب عليما قلبه مطهّر
واجنب دعاة فتنة أصاغر المصدوق قد أنذرهم وحذر
وفي حياته علاج المحن لصبره إتحافه بالمنن
للدعوة قام على بصيرة مبينا لشرعة منيرة
90
نحلته مرضية سَنيَّة نقيَّة صافية سُنِّيَّة
ولازم الطريقة العلية أعني الطريق النقشبندية
أثنى عليه سيد الأكارم لما له من وافر المكارم
العلم قبضه يقينا وبلا نزع بموت العالِمين الكملا
فيرحم الله الكريم عالما ذا خِصل حميدة وأنعما
وهذه المنظومة قد ختمت سلكت فيها دررا فانتظمت
صل وسلم يا سلام على النبي صفيك الهادي إلى نهج سوي
والآل والصحاب والتابعين ما فاضت المزن بماء معين
91
الباب الثامن والثلاثون
نماذج من المسائل والفوائد التي أفادها من شيوخه الأزهريين
{ الفصل الأول }
في قواعد وفوائد نحوية منثورة
* المميز لأفعل التفضيل : هل هو على بابه أو لا ؟
ومعنى كون أفعل التفضيل على بابه : دلالته على المشاركة والزيادة .
ومعنى كون أفعل التفضيل ليس على بابه : كونه بمعنى اسم الفاعل ، أي دلالته على أصل الفعل .
* أن بعد لما زائدة كما في قوله تعالى : { ولمّا أن جاء البشير } . (1)(1/72)
* تقدم الظرف والجار والمجرور يسوغ الإبتداء بما بعده ، إذا كانا مضافين لما يصح الإبتداء به نحو ( عندي كتاب ) و ( في بيتي غلام ) وهكذا .
* لكل فعل فاعل ما عدا أربعة : قلما ، وطالما ، وكثرما ، وقصرما . ما لم تجعل ما مصدرية ، وإلا كان بعدها هو الفاعل ، وأما جعلها كافة فهذا مستثنى .
* أحسن تعريف للصفة المشبهة ، أن يقال : هي الصفة المصوغة من الفعل اللازم للدلالة على الثبوت والدوام .
* حرف الجر الأصلي ما أفاد معنى واحتاج إلى متعلق ، والزائد ضده .
والشبيه بالزائد : ما أفاد معنى ولم يحتج إلى متعلق .
* متعلق الجار والمجرور والظرف ، يجب حذفه إذا كان عاما ( كالكون ) وما
________________________________________________________________________________________
1ـ يوسف الآية رقم (96) .
92
شابهه . ومن الغلط الفاحش قولهم في الحجج : قد باع فلان الدار الكائنة في كذا وكذا . وأما إذا كان خاصا فلا يحذف ما لم يدل عليه دليل .
* في ثلاثة مواضع يقدر الضمير وجوبا وإن كان جوازا في التعجب ، وفي نعم وبئس ، وفي خلا وعدا ، وبيكون يعدلا .
إنما حذفت النون والتنوين في الإضافة لأنهما يدلان على تمام الكلمة في اللإسمية ، والإضافة عكس ذلك ، فبينهما وبينها التنافي ، فلذلك حذفا .
* الأدوات الجازمة إن كان جوابها مقترنا بإذ الفجائية أو الفاء ، فالجملة في محل جزم ، وإلا فالجملة جواب لا محل لها من لإعراب .
وأما الأدوات التي ليست بجازمة ( كلما ، وإذا ، ولولا ، ولو ، ولوما ) فالجملة هي الجواب لا محل لها من الإعراب.
* الكاف حرف في أربعة مواضع : في اسم الإشارة نحو ( ذاك ) ، وفي الضمير المنفصل ، نحو ( إياك ) ، وفي اسم الفعل ، نحو ( هاك ) ، وفي ( أرأيتك ) .
* التاء في ( أرأيت ) تلزم الفتح في جميع حالاتها . والمميز للجمع والتثنية وغيرها : الكاف .(1/73)
ـ هذه الفوائد والقواعد قيض من فيض ما تلقاه ( شيخنا البروقيني عن شيخه علي الشائب رحمه الله ) . وقد جعلها برسم خطه مع عزوها لشيخه .
* اعراب ( أرأيتَك ) ، وفروعها تقاس عليها .
الهمزة : للإستفهام التقريري : وهو حمل المخاطب على الإقرار بما عنده .
والتاء : ضمير المخاطبين ، فاعل مبني على الفتح في محل رفع .
والكاف : حرف خطاب لا محل لها من الإعراب .
وهذه الصيغة لا تستعمل إلا في الإستخبار عن حالة عجيبة . ( نقلها الشيخ
93
البروقيني من القسطلاني على البخاري مع بعض تصرف منه ) .
وفيها إعراب آخر وهو : انها كلها اسم فعل بمعنى ( أخبرني ) مبني على السكون في محل جزم . ( وهذه كتبها شيخنا عن شيخه محمد عزتو رحمه الله تعالى ) .
* الحال المتداخلة : هي الاسم المنصوب الواقع بعد حال من صاحبها ، وتكون الحال الأخرى من ضمير يعود على صاحب الحال ( كجاء زيد راكبا نائما ) ، يجعل نائما حالا من راكبا ، أو يجعل نائما حالا من زيد . ( عن شيخه برديسي ) .
* حمل المواطأة وحمل الإشتقاق : فحمل المواطأة هو : أن يكون الخبر عن المبتدأ ، بمعنى أنه لا يحتاج تأويلا ، كقولك ( الصرف علم ) و (أحمد إنسان ) .
وحمل الإشتقاق هو : ما احتاج التأويل ، كقولك ( زيد عدل ) أي عادل أو ذو عدل ، وهكذا .
* فائدة لغوية في ( ميِّت ، بتشديد الياء ، وميْت بإسكان الياء ) :
الموت ضد الحياة وهو عبارة عن مفارقة الروح الجسد ، ويستوي فيه المذكر والمؤنث ، قال تعالى { لنحيى به بلدة ميْتا } (1) ولم يقل ميتة .
ثم مُوات أيضا بالمعنى السابق مثل الموت . وبفتح الميم عبارة عن الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد .
والميْتة : ما لم تلحقه الذكاة ، قال تعالى { وإن يكن ميْتة فهم فيه شركاء } (2) . وميِّت بتشديد الياء يطلق على من سيموت ، قال تعالى { إنك ميِّت وإنهم ميِّتون } (3) . وبالتخفيف على الميت حقيقة .(1/74)
________________________________________________________________________________________
1 - الفرقان الآية رقم 49 .
2 - الأنعام الآية رقم 139 .
3 - الزمر الآية رقم (30) .
94
قال الشاعر :
يا سائلي تفسير ميْت وميِّت فدونك قد فسرت إن كنت تعقل
ومن يكن ذا روح فذلك ميِّت وما الميْت إلا من إلى القبر يحمل
وقال آخر :
ليس من مات فاستراح بميْت إنما الميْت ميِّت الأحياء
إنما الميْت من يعش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء
{ الفصل الثاني }
فوائد في التفسير
{ لا إكراه في الدين } (1) أي لا ينبغي للعاقل أن يحجم عما يراه فيه المصلحة والخير وكل ما يوافق الشرع الشريف .
وفي معنى قوله تعالى { ولا تنس نصيبك من الدنيا }(2) أي لا تنس نصينك الذي ينفعك في الآخرة من الدنيا ، بل ليكن لك نصيب من العمل النافع في الآخرة بأن تحصل عليه من الدنيا ، لانها دار عمل ولا عمل بعد الموت ، وهذا المراد من الآية الكريمة ، لا ما يفهمه كثير من الناس .
ومعنى قوله تعالى { فامشوا في مناكبها }(3) أي للإعتبار والنظر في أحوال من سبقكم.
هذه الفوائد تلقاها شيخنا البروقيني عن شيخه علي الشائب رحمهما الله تعالى .
________________________________________________________________________________________
1 - البقرة الآية رقم 256 .
2 - القصص الآية رقم 77 .
3 - الملك الآية رقم 15 .
95
{ الفصل الثالث }
فوائد ومسائل في الفقه وأصوله
لقد أثبت شيخنا رحمه الله في كراسته الجامعية فوائد ومسائل عن شيخه العلامة الشيخ عبد المجيد الشرقاوي ، وشيخه الشيخ محمد عزت ، وشيخه الكُشمِهي نقلت شيئا منها وسأوردها إن شاء الله تعالى في الباب الذي يلي هذا الباب مع عزوها لهم .
الباب التاسع والثلاثون
في مسائل وفوائد في فنون مختلفة(1/75)
إن الغاية من هذا الباب حفظ شيء ولو يسير من علوم شيخنا رحمه الله تعالى ، ليكون منهلا عذبا ينهل منه الناس ، ومن ثم يعود عليه بالأجر ، ففي الحديث " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " (1) .
________________________________________________________________________________________
1 - البخاري في " الأدب المفرد " ص 20 رقم (37) . ومسلم في الصحيح
3/1255(1631) كتاب الوصية ، باب (3) ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته .
وأبو داود في سننه 3/117(2880) كتاب الوصايا ، باب (14) ما جاء في الصدقة عن
الميت . والترمذي في سننه 2/418(1390) كتاب الأحكام ، باب (36) ما جاء في
الوقف . والنسائي في سننه 6/251 كتاب الوصايا ، باب (8) . وأحمد في المسند
(2/316 ، 350 ، 372). وابن حبان في صحيحه 5/9(3004). والدارمي في السنن
1/148(559). الطحاوي في مشكل الآثار 1/95. وابن عبد البر في " جامع بيان العلم
1/15. والبغوي في شرح السنة 1/30 (139) والبيهقي في السنن الكبرى 3/377 =
96
{ في العلم }
* العلم إذا أطلق في لسان الشرع ينصرف للعلم المعهود عندهم ، وهو ثلاثة : الفقه والحديث والتفسير . ( شيخنا عن شيخه محمد عزتو ) .
* العلم خزائن ومفتاحها السؤال (1) .
* قال الشيخ في شرح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جالسوا الكبراء وتعلموا من العلماء " (2) : المراد بهم الكبراء في الدين والتقوى لا غيرهم ، فإن مجالسة كبراء الدنيا تقسي القلب وتذهب الزهد والقناعة وتورث عدم الرضا بقسمة الباري سبحانه وتعالى .
________________________________________________________________________________________
= 6/278 ، وفي الصغرى 2/372 ( 2331) . والدولابي في الكنى 1/190 ،
والشجري
في أماليه 1/70 ، 79 . وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين ص 93 رقم ( 82 )(1/76)
من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه .
1 ـ ثبت من قول ابن شهاب الزهري رحمه الله كما رواه عنه أبو نعيم في الحلية(3/36 )
والبيهقي في المدخل(429) وابن عبد البر في جامع العلم 1/89 ولا أصل له في المرفوع .
2 ـ أخرجه الديلمي في الفردوس 2/107 ( 2561 ) والطبراني في الكبير عن أبي
جحيفة رضي الله عنه.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/125 : رواه الطبراني في الكبير من طريقين أحدها هذه
والأخرى موقوفة عليه ، وفيه عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي، وهو منكر الحديث ،
والموقوف صحيح الإسناد . وأخرجه الخطابي في العزلة ص 72 ( 175 ) .
وعزاه السيوطي في الجامع الصغير ( 3/343 ـ 3577 ـ فيض القدير ) للطبراني
ورمز لصحته .
وانظر : كنز العمال ( 24661 ) ، كشف الخفاء 1/329 ( 1059 ) .
97
* وقال رسول الله صلى عليه وسلم : " العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا ، فإذا خالطوا السلطان وداخلوا الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم " (1) . من منحة الباري نقلا عن الجمع الصغير .
قوله ( العلماء ) أي بعلوم الشريعة من فقه وحديث وتفسير .
( أمناء الرسل ) أي هم مؤتمنون على ما وهبهم الله تعالى من العلم الذي وصل إليهم من الرسل في تعليم الخلق وهدايتهم فيجب عليهم أداء الأمانة كالرسل .
وقوله ( ما لم يخالطوا السلطان ) أو نوابه ، ما لم يكن محفوظا مطهرا بحيث يحفظ نفسه من المداهنة ومن مدحهم بغير حق ومما يدسه الشيطان على بعض أهل العلم إذ يقول لهم : لازموا الأمراء لأجل قضاء حوائج المسلمين فإن ذلك خير . مع أن ملازمتهم تؤدي إلى الخيانة في الدين لبذل جهدهم في طلب ما يرضيهم .
قوله ( ولم يداخلوا الدنيا ) أي يحصلوها بأي وجه كان ، ويعكفون على ذلك بخلاف من جاءته الدنيا من غير طلب مع عزة نفسه واحترام علمه فلا بأس بها ولا سيما إن صرفها في الخير .(1/77)
* طلب العلم خير من الصلاة النافلة . وقيل للإمام مالك رضي الله عنه : ألا نقوم للصلاة ؟ ـ لما سمعوا النداء ـ فقال : " ما أنتم فيه خير مما تقومون إليه " يعني ركعتي النافلة بين الأذان والإقامة .
* لا يوضع المصحف وكتاب العلم خلف المصلي وليس لأحد أن يتوسدها .
* من نادى عالما عاملا باسمه تصغيرا لشأنه أو تحقيرا للعلماء فقد كفر .
* ثواب قراءة القرآن إذا أهدي لميت فإنه يبلغه ويدخل عليه قبره على طبق من نور فيستبشر ويسر .
_______________________________________________________________________
1 - تقدم تخريجه في الباب الثاني والثلاثين ، انظر : ص 57 .
98
* وكتب بخطه ما يلي : إعلم أن لكل نسبة قضية كيفية في نفس الأمر تسمى
( مادة ) أو ( عنصرا ) ، ويسمى اللفظ الدال عليها في القضية الملفوظة ، وحكم العقل بتكييف النسبة بها في القضية المعقولة ( جهة ) .
والكيفيات أربع :
[1] الضرورة ، وهي : وجوب النسبة عقلا .
[2] والدوام ، وهو استمرارها عقلا .
[3] والإمكان ، المنقسم قسمين : عامّا : وهو سلب الضرورة عن الطرف المخالف للحكم . وخاصا ، وهو : سلب الضرورة عن الطرفين المخالف والموافق .
[4] والإطلاق ، وهو تحقيق النسبة بالفعل .
وقسمت القضية باعتبار تلك الكيفيات الأربع إلى خمسة عشر قسما سميت
{ بالموجهات } وهي :
الضروريات السبع :
1 - الضرورة المطلقة ، 2 - والمشروطة العامة ، 3 - والمشروطة الخاصة ،
4 - والوقتية المطلقة ، 5 - والوقتية اللادائمة ، 6 - والمنتشرة المطلقة ،
7 - والمنتشرة اللادائمة .
والدوائم الثلاث :
8 - الدائمة المطلقة ، 9 - والعرفية العامة ، 10 - والعرفية الخاصة .
والممكنات :
11 - العامة ، 12 - والخاصة .
والمطلقات الثلاث :
13 - العامة ، 14 - والوجودية اللادائمة ، 15 - والوجودية اللاضرورية .
99
* شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ، وإن جاء ما يقرره . ( عن شيخه عبد المجيد الشرقاوي ) .(1/78)
* القربة : هي ما يتقرب به مع معرفة المتقرب إليه والطاعة .
والعبادة : هي ما يتعبد به مع النيّة ومعرفة المعبود ( الشيخ الشرقاوي ) .
* الحقيقة العرفية : هي أن يستعمل لفظ في معنى غير ما وضع له ، ويهجر المعنى الأول بالكلية ، بحيث لا نحتاج لقرينة في الاستعمال الثاني تمنع من إرادة المعنى الأول ، وذلك كلفظ الصلاة فإن معناه في اللغة الدعاء ثم استعمل عند الشرعيين في الأقوال والأفعال المعلومة .
* البدعة تنقسم إلى قسمين عملية واعتقادية .
والأولى تعتريها الأحكام الخمسة ، والثانية هي المرادة من حديث :
" وكل بدعة ضلالة " (1) . وهذا جواب من جوابين .
والجواب الثاني : أن قوله ( وكل بدعة ضلالة ) عام مراد به الخصوص .
* لا يعذر في ديار الإسلام إلا اثنان : قريب عهد بالإسلام ؛ بطرس إذا أسلم ، وأعرابي نشأ ببادية بعيدة عن العلماء .
_____________________________________________________________________
1ـ رواه أبو داود ، والترمذي ، من حديث العرباض بن سارية ، رضي الله عنه .
ـ وأخرجه النسائي 3/188 ، والبيهقي في السنن الكبرى 3/213 ، والمروزي في "
السنة " (74) من حديث جابر ، رضي الله عنه .
ـ وأخرجه المروزي في " السنة "(78 ، 79 ، 89 ) من حديث ابن مسعود ، رضي الله
عنه ، موقوفا . والطبراني في " المعجم الكبير " .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/186) : رجاله رجال الصحيح .
ـ وأخرجه المروزي في " السنة " ص 29 (82) عن عمر ، رضي الله عنه ، موقوفا .
100
{ مبحث }
القول في الاجتهاد والتقليد
قال رحمه الله : إن باب الاجتهاد لم يغلق للأمة المحمدية [ على نبيها أفضل الصلاة وأتم وأكمل السلام ] حتى تقوم الساعة ، وذلك إذا توفرت لدى المجتهد شروط الاجتهاد التي :
أولها : أن يكون عدلا .
وثانيها : أن يكون حافظا لكتاب الله .
وثالثها : أن يكون حافظا لمائة ألف حديث .
ورابعها : أن يكون ملمّا باللغة العربية .(1/79)
وخامسها : أن يكون قادرا على استنباط حكم من الكتاب والسنة .
وسادسها : أن يكون على بصيرة من علوم البلاغة الثلاثة .
وسابعها : أن تكون لديه مقدرة تامة في علم مصطلح الحديث .
وثامنها : أن يكون عالما بإجماع الأمة .
وتاسعها : أن يكون عارفا بعلوم القرآن ، ذا معرفة بالناسخ والمنسوخ ،
والتفسير ، والقراءات ، وأسباب النزول ، والمكي والمدني ...
وعاشرها : أن يكون على علم بالحديث المتواتر .
و { التقليد } يكون لمن لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد .والعامي لا مذهب له ، ومذهبه من أفتاه . والأفضل في حق طالب العلم أن يلتزم مذهبا معينا . أما إذا تعسر عليه أمر معين في مذهب مقَلَده (بفتح اللام) فله أن يأخذ برخصة المذاهب الأخرى . أما ذاك الذي همه وهمته في تتبع رخص المذاهب الفقهية ، فمتلاعب .
________________________________________________________________________________________
1 - وضرب لهذا مثلا فقال : أنا شافعي المذهب وأقلد داود رحمه الله في بعض الأمور .
101
{ العقيدة }
قلت : تقدم في الباب العاشر عند تفصيل معتقده ، ذكرُنا لمسائل مهمة ، فلتنظر هناك (1) . ورأيت أن أتبعها مسائل أخرى زيادة في الفائدة .
{ مبحث } : في أن الصفات العلية جلالية وجمالية
صفات الله تعالى وأسماؤه قسمان جلالية وجمالية .
فالأولى مثل : جبار ، ومنتقم ، وقهار ، وشديد البطش .
والثانية مثل : رحمن ، رحيم ، كريم ، حليم ، رؤوف ، غفور ، لطيف .(1/80)
وكذلك ترى الأولياء ، رضي الله عنهم وعني بهم آمين ، إذا تحقق أحدهم بالأولى تصاغر ونسي نفسه حتى أن بعضهم يذوب جسمه من ذلك ويشم من جوفه رائحة الكبد المشوي كما وقع لسيدنا ومولانا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وعني به آمين . فالعارف دائما بين المظهرين . تارة يشهد القسم الأول ، فيذوب وتضيق عليه الأرض بما رحبت ، ويقول كماقال الصديق رضي الله تعالى عنه وعني به آمين : " لا آمن مكر الله ، ولو كانت إحدى قدمي داخل الجنة " .
وتارة يشهد الثاني ، فربما قال : أنا أشفع لأهل عصري .
فالكاملون تجليهم جلالي وجمالي .
{ مبحث } في تنزيه المولى جل وعلا
إن الله سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والحلول . أما حكمه صلوات الله عليه وسلامه بالإيمان للجارية لما أشارت إلى السماء ، لأنها كانت خرساء فقد كان يظن بها أنها من عبدة الأصنام ومن يعتقد وجود الآلهة في بيت الأصنام فأزالت ذلك الظن ، لما استنطقت عن معتقدها، بإشارتها نحو السماء مريدة تنزيه خالقها بعلو الرتبة لا الجهة .
________________________________________________________________________________________
1 - انظر الباب (10) ص 18ـ 22 .
102
أو ان الجارية تريد : إن ظنكم بي ما تظنون بعيد عني بعد السماء عن الأرض
مبالغة في النفي لما يظن بها .
قال : وهذا الأخير مما فتح الله تعالى به على عبده الفقير لفتوحه اليقيني ، محمد عبد المجيد الأزهري البروقيني .
{ حديث في القضاء والقدر }(1/81)
أخرجا في الصحيحين (1) أنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نفس منفوسة ـ أي مخلوقة ـ إلا وكتب الله سبحانه وتعالى مكانها في الجنة والنار . فقال رجل : يا رسول الله ، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فميسرون لعمل أهل الشقاوة . ثم قرأ { فأما من أعطى واتقى *وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى } (2) " .
________________________________________________________________________________________
1 - البخاري في صحيحه 2/120 ، 6/211 ، 8/ 59 و 154 ، 9/195 .
ومسلم في صحيحه 8/46 و 47 . وأبو داود (4694) . والترمذي (2136)
(3344) . وابن ماجه (78) . وأحمد 1/82 و 129 و 132 و 140 و 157 ) .
وعبد بن حميد في المنتخب ص 57 رقم (84) . وابن أبي عاصم في السنة (171) . من
حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه .
2 - سورة الليل الآيات ( 5 ـ 10) .
103
{ حديث } " من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة " (2) .
قال الشيخ رحمه الله : لا يكون من شهد ان لا اله الا الله مخلصا الا بان تحجزه عن محارم الله كما أجاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من سأله قائلا : وما إخلاصها يا رسول الله ؟ قال : " أن تحجزه عن محارم الله " .
{ حديث } " إن الله خلق آدم على صورته " (3) . الضمير عائد إلى أقرب مذكور وهو آدم ـ عليه وعلى أمنا حواء وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة وأكمل السلام ـ ويكون المعنى أن الله خلق آدم على الصورة التي أراد إبرازها إلى حيز الوجود ، فما ظهر من صورته موافق لما قدر أزلا .
________________________________________________________________________________________
1 - أخرجه الطبراني وأبو نعيم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه .(1/82)
ـ وأخرجه البزار والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ،
وأبو نعيم في " صفة الجنة "(48) ، من حديث معاذ رضي الله عنه .
وإسناد البزار رجاله ثقات ، ولفظه " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة " .
ـ ورواه البزار بإسناد صحيح من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
رضي الله عنه ، ولفظه " من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة " .
ـ وانظر : نظم المتناثر من الحديث المتواتر ـ للكتاني ص 49 ـ 50 ، كشف
الخفاء 2/269 (2561) .
2 - البخاري في صحيحه 11/5 (6627) كتاب الإستئذان ، باب بدء السلام .
ومسلم في صحيحه 8/ 32 كتاب البر والصلة ، باب النهي عن ضرب الوجه . والبخاري
في الأدب المفرد . وأحمد في مسنده (2/251 ، 323 ) وفي السنة . والحميدي في المسند
2/476 (1120 ، 1121) والبيهقي في الأسماء والصفات ص 216 ، من حديث أبي
هريرة رضي الله عنه ، بأكثر من لفظ .
104
{ السيرة }
{ مبحث في نجاة أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم }
إن والدي المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، ناجون .
وقد ورد في الحديث " أن الله قد أحيا له والديه فآمنا به " (1) .
________________________________________________________________________________________
1 - للحافظ السيوطي رسالة مفيدة في اثبات نجاة أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم
أسماها " مسالك الحنفا في نجاة إسلام أبوي المصطفى " .
ولقد أورد الحافظ العجلوني في كتابه كشف الخفاء 1/59 ـ 63(150) نصوصا وآثارا
في إثبات نجاتهما ، ونقل عن رسالة السيوطي الآنفة الذكر ، فقال : وحاصل ما ذكره في
ذلك ثلاثة مسالك :
المسلك الأول : أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى { وما كنا معذبين
حتى نبعث رسولا } .
المسلك الثاني : أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما أبراهيم عليه
السلام ، كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل
وورقة بن نوفل .(1/83)
المسلك الثالث : أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من
حفاظ المحدثين .
قال الحافظ السهيلي [ بعد ايراده حديث إحيائهما ] : والله قادر على كل شيء
وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يختص بما شاء من
فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته .
وقال الإمام القرطبي : ولا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الإستغفار
فإن إحياءهما متأخر عن الإستغفار لهما بدليل حديث عائشة " إن ذلك كان في حجة
الوداع" ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا لما ذكر من الأخبار . =
105
{ مبحث } في مشروعية الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
* إن الإحتفال (1) بمولده صلى الله عليه وسلم سنة مؤكدة . وقد ألّف في إثباته وتقريره أئمة أعلام منهم الإمام السيوطي ، فألّف رسالة سماها " حسن المقصد في عمل المولد "
قلت : وحدثني أبو حذيفة قال : رأيت في منامي في يوم الأربعاء ________________________________________________________________________________________
= قال العجلوني : وما أحسن قول حافظ الشام ابن ناصر الدين :
حبا الله النبي مزيد فضل على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه لإيمان به فضلا لطيفا
فسلّم فالقديم بذا قدير وإن كان الحديث به ضعيفا
1ـ أن الأدلة على جواز الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتينة .
وقد ألف الشيخ العلامة السيد محمد بن علوي المالكي الحسني جزءا ، أورد فيه عشرين
دليلا على جوازه مع فوائد أخرى طيبة وقيمة ، وجعل عنوانه " حول الاحتفال بذكرى
المولد النبوي الشريف " .
وقد قام الدكتور حسين أحمد علي الدراويش ، المدرس في كلية الدعوة وأصول
الدين ـ جامعة القدس، في القدس الشريف ، وهو أحد أساتذتي الذين تلقيت عنهم العلم
حال دراستي في هذا الصرح العامر ، بوضع فهرسة لمخطوطات المولد النبوي الشريف مع(1/84)
عزوها إلى أماكن حفظها ووجودها ،والإشارة إلى المطبوع منها والمفقود ،فذكر في فهرسته
( 272 ) عنوان كتاب ، جلّها مؤلفات لأئمة أعلام .
إن في هذين السفرين الحجة البالغة الداحضة لشبهات كل معاند ،والبرهان الساطع
القاطع لاعتراض كل جاحد .
فجزى الله مؤلفيهما خير الجزاء .
106
29/10/1986 أنني في القبر وقد نزل الملكان في صورة حسنة جميلة لسؤالي ، فما أن رأيتهما نطقت بالشهادتين . فسألاني عن الأربعة أسئلة ؛ من ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقول في هذا النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما الذي عشت ومت عليه ؟ ثم سألاني ما تقول في المولد ؟ فقلت : قبل أن تعرفت على شيخي محمد هاشم وشيخي محمد البروقيني قدس الله أسرارهما كنت أقول إنه بدعة وبعدها بدأت أجيز ذلك وأحض عليه .وكان القبر مضاء . وبشرني الملك بالجنة . ولقد ضمني القبر ضمة لم اتضايق بها . وبعدها خرجت إلى الدنيا مرة أخرى لأحدث الناس .
ثم استيقظت .
{ مبحث في الإسراء }
* إنما ركب مولانا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم البراق ولم يحمل على الريح ولا على أجنحة الملائكة ، لإظهار فضل العبودية التي اختارها مع النبوة على المُلك . بخلاف سيدنا سليمان عليه السلام فإنه اختار مع النبوة المُلك .
فالعبودية يناسبها تسخير ما هو معد لأربابها ، وهو النعيم الأخروي ، والبراق منه . والريح يناسب المُلك الذي هو من النعيم الدنيوي .
* إن رؤيته صلى الله عليه وسلم للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وهم مائة وأربعة وعشرون ألفا ، حقيقة بأرواحهم وأجسادهم ، ولا مانع من ذلك لأن تلك الليلة ليلة ظهور الخوارق . فقد غلّب الله الأجسام الشريفة اللطيفة على الأجسادالطاهرة النظيفة الكثيفة لخرق تلك الحجب السماوية .
* وفي الختم بين كتفيه صلى الله تعالى عليه وسلم الإشارة إلى أن النبوات بعد نبوته لا تحقق لها ، كما أن الكتاب عندما يختم لا يكتب بعد الختم شيء .
107
{ بيعة النساء }(1/85)
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تمس يدي يد امرأة ، ولكن قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة " ( 1) .
يعني صلى الله عليه وسلم أنه لو بايعته امرأة واحدة بالكلام وهناك نسوة يستمعن تلك المبايعة فقلن مثل قولها لكفى ذلك في تحقيق المبايعة مهما بلغ عددهن ، دون أن يضع يده الشريفة في أيديهن .
قلت : وعن أبي حذيفة قال الشيخ : لا تجوز مصافحة الشيخ أو الإمام من فوق حائل للنساء . وأجازه بعض الأحناف .
________________________________________________________________________________________
1ـ أخرجه أحمد في المسند 6/375 ، والترمذي 4/151 كتاب السير ، باب بيعة النساء . والنسائي 7/149 بيعة النساء . وابن ماجه كتاب الجهاد ، باب الوفاء بالبيعة ، 2/959 (2874) . وأبو بكر الخلال في " السنة " ص 104 رقم (45) . ومالك في " الموطأ " ص 332 رقم (942) .
من حديث أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها .
108
{ الفقه }
ولقد رتبت مسائله على الكتب الفقهية .
{ الطهارة }
ـ لا تستقبل القبلة قي الخلاء أو الصحراء للحاجة ، ويرخص استقبالها في الأبنية والعمران.
ـ إزالة النجاسة لا تحتاج إلى نيّة .
ـ يعفى عن رشاش البول يصيب الثوب .
ـ لا يجوز أن يبول الرجل قائما .
ـ لا يجوز دخول الحمام بشيء مكتوب فيه اسم الله أو اسم نبي أو آية سواء أكان خاتما أو ورقة ، ويستثنى من ذلك الحرز .
ـ الدم نجاسة إذا أصابت الثوب وجبت إزالتها ، إذا كانت تزيد على الدرهم ، ويعفى عن الدم في ثوب الجزار .
ـ المني طاهر لأنه أصل الخلقة .
ـ ينتقض الوضوء بمس الذكر بباطن الكف (وحد باطنها يعرف بتطابق الكفين).
* ( فائدة ) ذكر الشهادة بعد غسل الملابس والأواني والأشياء المتنجسة حرام ، معذب الآتي به . وكثيرا ما يقع فيه النساء الجاهلات فينبغي تنبيههن عليه وردعهن عنه ، والله الموفق . [شيخنا البروقيني نقلا عن "منحة الباري على مجالس الأبياري "] .(1/86)
* يحجب الوضوء : الدهان ، الدبق ، الشحمة ، وكل شيء ذي كثافة يحول دون وصول الماء إلى الجلد . لكن يعفى عنه عند أصحاب المهن الذين يكثرون من استعمالها .
ـ يسن أن يشرب المتوضئ عقب الوضوء من فضل وضوئه .
109
ـ(فائدة) عن الإمام جعفر الصادق: ان من سرح لحيته على وضوء تقل همومه .
ـ يحرم على المحدث والجنب مس المصحف وحمله لقوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون} (1) .
ـ إذا كان الشرح والتفسير في كتاب أكثر من الآيات ، فإنه يجوز لغير المتوضئ حمله ومسه والمطالعة فيه .
* قلت : وأخبرني أبو أحمد عادل السيدي قال علمني الشيخ كيفية التسوك فعقلتها قال : " تبدأ بالفك الأعلى يمينا من الخارج ثم من الداخل ، ثم الفك الأسفل من الخارج ثم من الداخل . ثم الفك الأعلى يسارا من الخارج ثم من الداخل ، ثم الفك الأسفل من الخارج ثم من الداخل . ثم سقف الحلق طولا ، ثم اللسان طولا ، ثم تمر السواك على جميع الأسنان ذهابا وإيابا " .
وعنه عن الشيخ : " إن العالم إذا أمّ المصلين ثم سهى أو تلعثم فهذا دليل على أن في القوم من هو على غير وضوء أو لا يحسنه " .
ـ إذا أردت أن لا ينتقض وضوؤك بملامسة الأجنبية ، بلا قصد أو نيّة ، فعليك أن تقلد الإمام مالك بن أنس ، رحمه الله ، في مسحه للرأس .
فتقول :" نويت أن أقلد الإمام مالك في مسح الرأس لعدم انتقاض الوضوء بملامسة الأجنبية ". فتبدأ بمقدم الرأس ثم تذهب بيديك إلى الوراء ثم تنهي حيث بدأت.
* يجوز للمحدث أن يسجد للشكر وللتلاوة ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يسجد للتلاوة وهو على غير وضوء . وكلاهما يفتتح بالتكبير ويختم بالتسليم .
* التيمم ضربتان ؛ ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين .
________________________________________________________________________________________
1 - الواقعة الآية رقم (79) .
110
* المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ، جائز بثلاثة شرائط :
[(1/87)
1] - أن يبتدي لبسهما بعد كمال الطهارة .
[2] - أن يكونا ساترين لمحل الغسل من القدمين .
[3] - وأن يكونا مما يمكن متابعة المشي عليهما .
ويجوز المسح على الجوارب السميكة التي لو مشي عليها خمسة فراسخ لاحتملت .
قال سيدنا علي كرّم الله وجهه : " لو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن القدم أولى من ظاهره .
* إذا أراد الغسل ينوي رفع الحدث عن السبيلين ، ( بعد الإستنجاء ) .
يقول : نويت رفع الحدث عن هذين المكانين وما حولهما وما بينهما ، وخاصة إذا كان سمينا . ثم يصب الماء على يده اليسرى ، ناويا رفع الحدث الأصغر عن هذا المحل .
ـ يتوضأ قبل الغسل ، يقول : نويت سنن الوضوء المندوب للغسل ، وعند غسل الوجه يقول نويت فرائض الوضوء .
ـ بعد ذلك يقف ويقول : نويت رفع الحدث الأكبر ( هذا إن كان في الوقت متسع ، أما إذا كان الوقت ضيقا ، يقول : نويت رفع الحدث الأكبر مع الأصغر ) فيبدأ برأسه وعنقه ثم يصب الماء على شقه الأيمن من الأعلى ومن الخلف والأمام وهكذا ...
وهذه الطهارة التامة الكاملة التي لا يشوبها شك .
* إمرأة حائض نفاس وجنب من احتلام لا يلزمها إلا غسل واحد
111
{ الصلاة }
ـ يستحب التلفظ بالنيّة ليسهل استحضارها بالقلب . وإذا نوى شخص بقلبه نيّة وأخطأ في لفظه فلا ضير ، إذ العبرة بنيّة القلب لأنه محلها .
ـ يستحب لمن يسمع النداء أن يردد مع المؤذن . ويكره الكلام حال الأذان .
ويستحب لمن لم يسمع الأذان أن يؤذن للفرض الحاضر مسمعا نفسه ، ويؤذن للقضاء .
ـ لا يجوز للمؤذن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان .
ـ قلت : وعن أبي حذيفة قال : سألت شيخنا هل يجوز توحيد المساجد في البلد بصوت مؤذن واحد ؟ قال : " نعم ، والأفضل كل على حدة " .
ـ يسن القنوت بعد الركوع الثاني في صلاة الفجر ، وفي الوتر بعد الخامس عشر من رمضان إلى آخر الشهر .
ـ يستحب القنوت للنوازل في الصلوات المفروضة .(1/88)
ـ السنن التابعة للفرائض : ركعتا الفجر ، وأربع قبل الظهر ، وأربع بعدها ، وأربع قبل العصر ، وهن مستحبات لقوله صلى الله عليه وسلم ، " رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا "(1)، وركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء ، والوتر .
________________________________________________________________________________________
1 - أبو داود في السنن ( 1271) في الصلاة ، باب الصلاة قبل العصر . والترمذي في
السنن (430)في الصلاة ، باب ما جاء في الأربع قبل العصر . وأحمد في مسنده 2/117
وابن حبان في صحيحه (616 ـ موارد ) . وابن خزيمه 2/206 في الصلاة ، باب فضل
صلاة التطوع . والبيهقي في السنن الكبرى 2/473 ، وفي الصغرى 1/733 . والديلمي
في الفردوس 2/259 (3207) ، من حديث ابن عمر ، رضي الله تعالى عنهما .
ـ وانظر : فيض القدير (4424) ، مشكاة المصابيح (170) ، شرح السنة 3/470 ،
كشف الخفاء 1/426 (1366) .
112
ـ ويستحب أن يُصلي قبل المغرب ركعتان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين ... قال في الثالثة لمن شاء " (1) .
ـ ويستحب أن يسجد المصلى ، بعد الوتر ، سجدتي الشكر ، يقول في كل منهما " سبوح قدوس رب الملائكة والروح " (خمس مرات ) ، ويقرأ في الجلوس بينهما ( آية الكرسي ) ، يفتتحهما بالتكبير ويختمهما بالتسليم .
* وصلاة التراويح سنة مؤكدة . وهي عشرون ركعة ، يوتر بعدها .
{ حديث } قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( 2) .
معنى ( إيمانا ) : تصديقا بما وعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم لأمّته بغفران ما تقدم من ذنوبهم ، إن هم قاموا ليلة القدر .
ومعنى ( احتسابا ) : أي لا يرجو على قيامه تلك الليلة أجرا من أحد ولا مدحا ولا سمعة ، مهما بلغت مشقته من أجل ما يقوم به من العبادة تلك الليلة ، إلا من(1/89)
________________________________________________________________________________________
1 - البخاري في الصحيح 3/59 (1183) في التهجد ، باب الصلاة قبل المغرب ، و 13/348 (7368) في الإعتصام بالكتاب والسنة ، باب (27) نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم إلا ما تعرف إباحته . والبيهقي في السنن الكبرى 2/472 ، وفي الصغرى 1/735 . والدارقطني في السنن 1/265 . من حديث عبد الله المزني ، رضي الله تعالى عنه .
2 ـ البخاري ، كتاب (30) الصوم ، باب (6) من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونيّة 4/138 (1901) ، كتاب (32) فضل ليلة القدر ، باب (1) فضل ليلة القدر 4/300 (2014) . وأبو داود في السنن (1372)، والنسائي 4/156 ، والحميدي في المسند 2/423 (950) ، وأحمد في المسند 2/241 ، والبيهقي في السنن الكبرى 4/304 ، وابن خزيمة (1894) ، وابن نصر في قيام رمضان ، انظر مختصره ـ للمقريزي رقم (30) .
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
113
الكريم المنان ذي الفضل والإحسان سبحانه وتعالى .
ـ وليلة القدر باقية ، ولكن رفع علم عينها ، لأن الليلة لا ترفع ولا تزول ما بقي رمضان .
* صلاة التسابيح (1) : أربع ركعات ، فإن صلى شخص هذه الصلاة نهارا ،
________________________________________________________________________________________
1 - رواها أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه في سننهم ، وابن السكن ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، في صحاحهم من طرق .
ووردت من طريق العباس ، وولديه عبد الله والفضل ، وابن عمر ، وأبي رافع ، وعلي بن أبي طالب ، وأخيه جعفر ، وأم سلمة ، ورجل من الأنصار ، رضي الله عنهم .
قال الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ج 2 ص 7 ـ 8 : " لا بأس بإسناد حديث ابن عباس وهو من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه " .
وقال الحاكم : " قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علّم ابن عمه هذه الصلاة " .(1/90)
وقد صحح هذا أو حسنه جماعة من الحفاظ : منهم أبو داود والحاكم والدارقطني وابن مندة والخطيب البغدادي وأبو عمرو بن الصلاح والسبكي وسراج الدين بن الملقن .
قال سراج الدين بن الملقن في " خلاصة البدر المنير " ج 1 ص 165 : وغلط ابن الجوزي حيث ذكرها في الموضوعات .
فال السبكي : " صلاة التسابيح من مهمات مسائل الدين ، ولا تغتر بما فهم من النووي في الأذكار (ص 167) من ردِها فإنه اقتصر على رواية الترمذي وابن ماجه .
قال الحافظ ابن حجر : " اختلف كلام الشيخ محيى الدين النووي فوهاها في شرح المهذب فقال حديثها ضعيف وفي استحبابها عندي نظر ، وقال في تهذيب الأسماء واللغات : قد جاء في صلاة التسابيح حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره ، وذكره المحاملي وغيره من أصحابنا ، وهي سنة حسنة . ومال في " الأذكار " أيضا إلى استحبابه .قلت (أي الحافظ ) : بل قواه واحتج له " . وصنف أبو موسى المديني جزءا في تصحيحه .
وللحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي " الترجيح لصلاة التسابيح " .
114
صلاها بإحرام واحد وهو الأحسن .وإن صلاها ليلا ، فبإحرامين وهو الأحسن . وهنا لا بد من الموالاة بين الإحرامين بحيث ...صلاة واحدة .
قول المصلي : " نويت أن أصلي أربع ركعات سنة التسابيح " إن صلاها نهارا أو ركعتين إن صلاها ليلا ...
ويقرأ في الأولى { ألهاكم } و { العصر } وفي الثانية { الكافرون } و{ الإخلاص } بأية كيفية صلاها . ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ... الخ . خمس عشر مرة بعد قراءة الفاتحة والسورتين ، وفي الركوع عشرا ، وفي الاعتدال عشرا ، وفي السجود الأول عشرا ، وبين السجودين عشرا ، وفي الثاني عشرا ، وفي جلسة الاستراحة عشرا ، وقبل التشهد أو بعده عشرا .(1/91)
والدعاء يقال بعد التشهد وقبل السلام من التسابيح ، وهو : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وجد أهل الخشية ، وطلب أهل الرغبة ، وتعبد أهل الورع ، وعرفان أهل العلم حتى أخافك ، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك ، حتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك ، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك ، وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور كلها حسن الظن بك ، سبحانك خالق النور ، ربنا أتمم لنا نورنا ، واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
ـ يجوز أن يصلى بنية واحدة سنة الوضوء مع تحية المسجد وله ان يصليهما مع السنن الروتب أو الفريضة .
فلو شاء أن يصليها مع ركعتي الفجر ، يقول : " نويت أن أصلي فرض صلاة الصبح الحاضر ومعه ركعتي الوضوء ومعه ركعتي تحية المسجد " فيصلي ركعتين وله ثواب ست ركعات .
ولو شاء أن يصليها مع سنة الظهر القبلية يقول : نويت أن اصلي ركعتي سنة
115
الظهر القبلية ومعها ركعتي سنة الوضوء ومعها ركعتي تحية المسجد " فيأتي بركعتين وله ثواب ست ركعات ، ولا يجوز أن يجمع سنة راتبة مع الفريضة ، او سنة راتبة مع أخرى .
* قضاء الفوائت واجب على الفور ، ولا يسقطها الحج . ولا يلزم الترتيب فيها إذا زادت على خمس فرائض ولا يتنفل مطلقا سواء كانت الصلاة راتبة أو غيرها (1) حتى يقضي جميع ما فاته ، فلا تقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة .
قلت : وضرب الشيخ لهذا مثلا فقال : " أتتصدق وعليك دين ؟ فكما لا تتصدق وأنت مدان فليس لك أن تتطوع وعليك قضاء ".فدين الله أحق أن يقضى .
و" الإسلام يجب ما قبله " هذا في حق الكافر الأصلي إذا اعتنق الإسلام . أما المسلم الذي تهاون بأمر الصلاة فتركها زمنا ثم تاب ورجع فإنه يؤمر بالقضاء تغليظا . كمن استحفظ جوهرة ففرط فيها فإنه يعاقب لتفريطه .
ـ لا تقضي الحائض ما تركت من الصلاة في أيام حيضتها .(1/92)
* من سها فلم يدرِ كم صلى فإنه يبني على الأقل ويسجد للسهو .
________________________________________________________________________________________
1 - أن ما ذهب إليه الشيخ هو مذهب الشافعية ، ووافقهم الحنابلة في المنع من النفل المطلق ، فلو صلاه لا ينعقد عندهم ، وخالفوهم في النفل المقيد ، فأجازوا السنن الرواتب والوتر .
وقال الأحناف : الاشتغال بصلاة النوافل لا ينافي القضاء فورا ، وإنما الأولى أن يشتغل بقضاء الفوائت ويترك النوافل إلا السنن الرواتب ،وصلاة الضحى وصلاة التسبيح وتحية المسجد والأربع قبل الظهر والست بعد المغرب.
وقال المالكية : يحرم على من عليه فوائت أن يصلي شيئا من النوافل إلا السنن الرواتب وصلاة العيد ، ورخصوا في يسير النوافل كتحية المسجد .
انظر : الفقه على المذاهب الأربعة ـ للعلامة عبد الرحمن الجزيري (1/492) .
116
* إن المصلي لو ترك سجدة من الأولى ، أو ترك الركوع ، ناسيا ، وسجد في الثانية أو ركع ، تمت الأولى .
أو نقول : إذا تنبه المصلى وهو في صلاته أنه أتى بسجود واحد في إحدى الركعات أو ترك ركوعا . فالمخرج من هذا ؛ أن لا يعتبر تلك الركعة ولا يحسبها من صلاته .
ـ يكره التنكيس في القراءة ، في الركعة نفسها ، أما في غيرها فلا يكره لأنها تجبر بالفاتحة . قلت :وهذه المسألة حدثنيها عن الشيخ سبطه خالد بن الحاج طارق الزعبي .
ـ من خالف الإمام في حركتين متواليتين بطلت صلاته .
ـ القهقهة في الصلاة تفسدها ولا تفسد الوضوء ، ولا يفسدها التبسم .
ـ إذا صلت المرأة وشعرها باد أو قدميها أو معصميها فتلزمها الإعادة .
ـ لا يصلى وراء حاسر الرأس ، وحالق اللحية ، والمدخن ، والذي امرأته أو ابنته على الموديل ، والمبتدع .
* قلت : وأوقفني الفاضل محمد عبد الله السعدي على اثنتين من فتاوى الشيخ رحمه الله
الأولى : في كون اسم طه صلى الله عليه وسلم له أصل في لغة العرب .(1/93)
والثانية : في لبس العمامة .وسأورد بعون الله تعالى قدرا يسيرا من الثانية وهو قوله :
" إن العمامة سنة مؤكدة وهي فرق بين المسلم والمشرك ، وارتداؤها ولبسها في حق العلماء آكد لأنها تميزهم من غيرهم ولأنهم قدوة للأمة ، والاستمرار على تركها تهاون في الدين (1) .
_____________________________________________________________________
1 - وللعلامة محمد بن جعفر الكتاني كتاب " الدعامة في أحكام سنة العمامة " ذكر في
مطلعه ما جاء فيها من أخبار ، قال بعدها (ص 14) : " فهذه كما ترى عدة أحاديث في
فضل التعمم ، ولا يضر ضعف أكثرها ، وإن اشتد في بعضها ، لأن بعضها يجبر بعضا
ويشده كما هي القاعدة عند المحدثين : ( إن كثرة الطرق تجبر الحديث ويصير بهذا أصل
117
ـ من أراد أن يجمع بين صلاتين في جماعة فلا يجوز له أن يفصل بينهما بركعتي السنة . أما إذا أراد الجمع بين الصلاتين منفردا ، جاز له ذلك ، والأولى عدم الفصل .
ـ يحرم الكلام حال الخطبة على من وجد في المسجد ولساحة المسجد حكمه لأن رحابته منه ومن أتى الجمعة حال الخطبة فلا يحرم الكلام عليه في طريقه .
* ( مسألة ) كنا نلغز في الأزهر فنقول : " نوى ولم يصل صلى ولم ينو "
هذا في الجمعة ؛ من أتى الجمعة فوجد الناس في الصلاة ،صلى معهم فإذا تبين له أنه مسبوق وقد فاته الركوع من الثانية فإنه يتم أربعا ، أي يصلي ظهرا .
فهذا نوى الجمعة ولم يصلها ، وصلى الظهر ولم ينوه .
* صلاة العيد سنة مؤكدة ، وهي من شعائر الإسلام وتركها تهاون في الدين .
* قلت : وعن ابي حذيفة قال شيخنا : لا يجوز إخراج صدقة الفطر خارج البلد إلا لشخصين ؛ عالم ينتفع المسلمون بعلمه ، او فقير تعيّر بفقره .
________________________________________________________________________________________
معتبر ) . ومما يعضدها فعل النبي صلى الله عليه وسلم للعمائم ومواظبته على لبسها(1/94)
وإلباسها لأصحابه ، وأمره لهم بلبسها ، وقد ترجم البخاري في صحيحه بقوله : ( باب
العمائم ) ثم أورد في الترجمة حديث ابن عمر " لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا
السراويل ... الحديث وكأنه كما قالوه لم يثبت عنده على شرطه في فضل العمائم شيء ،
فأشار بالحديث المذكور إلى أن لبسها في غير الإحرام من سنة المسلمين ، فلذلك
أمر بتركها فيه والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقال : يؤخذ من الأحاديث السابقة واللاحقة (التي ذكرها في كتابه ، فلتنظر هناك)
ندبها وتأكدها ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنها من شعار الإسلام والمسلمين ،
ولما فيها من التمييز بيننا وبين الكفار ، ومن التجمل " .
وانظر : كشف الخفاء ومزيل الإلباس2/72 (1783) ،وفيض القدير (5723).
وللعلامة أحمد المقرَّي " صاحب نفح الطيب في غص الأندلس الرطيب " ، أرجوزة
في العمامة وهي : " زهر الكمامة في العمامة ـ خ " . انظر : الأعلام (1/237) .
118
ـ ( فائدة )وعنه عن الشيخ : في علاج الوسوسة وحديث الجن مع الإنسان في الصلاة .
قال : خير علاج أن يخاطب الإنسان نفسه قائلا أيتها النفس ... وتعني نفسك ، أسألك لو كنت واقفة بين يدي حاكم من خلق الله عز وجل وكانت أمامك قضية هل تفكرين في غيرها ( يكررها مرارا ) فإذا تعوذي من كل عارض يريد صدّك عن الخشوع لمن أنت بين يديه .
ـ يستحب ان يدعو بين السجودين : رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني واعف عني ، رب هب لي قلبا ....الخ ، رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ( ثلاثا ) .
* ( فائدة ) ما يقال عند السفر : اللهم انت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل . اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكور ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال .
{ الزكاة }
أنصبة زكاة الماشية(1/95)
نصاب الغنم : أربعون ، وفيها شاة وهي جذعة ضأن لها سنة وطعنت في الثانية ، أو ثنية معز لها سنتان وطعنت في الثالثة .ثم في مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه وفي أربعمائة أربع شياه ثم في كل مائة شاة .
نصاب البقر : ثلاثون ، وفيها تبيع له سنة . وفي الأربعين مسنّة لها سنتان وطعنت في الثالثة وفي الستين تبيعان . فلا يتغير الفرض بعد الأربعين إلا بزيادة عشرين
119
ثم يتغير زبادة كل عشر . ففي سبعين تبيع ومسنة ، وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاثة أتبعة ، وفي مائة مسنة وتبيعان وفي مائة وعشرة مسنتان وتبيع وعلى هذا فقس .
نصاب الإبل : خمس فيها شاة ، وفي عشر شاتان ، وفي خمسة عشر ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض من الإبل لها سنة وطعنت في الثانية .وفي ستة وثلاثين بنت لبون لها سنتان وطعنت في الثالثة . وفي ستة وأربعين حقة لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة .وفي إحدى وستين جذعة لها أربع سنين وطعنت في الخامسة . وفي ستة وسبعين بنتا لبون . وفي إحدى وتسعين حقتان . وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون (1) .
* إن الزكاة لا يجوز دفعها إلى من تلزمه نفقتهم كالوالدين والولد والزوجة [أي في الحال التي يجبر الدافع على النفقة عليهم] ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته ويسقطها عنه فيعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم يجز كما لو قضى بها دينه .
* إن الزكاة يشترط فيها التمليك ، فلا بد أن تملك لشخص ، فلا يجوز صرفها لبناء مسجد أو نحوه كبناء القناطر والسقايات وإنشاء المدارس وإصلاح الطرقات وإنما عبء هذه الأمور على موارد بيت المال الأخرى من الفيء والخراج وغيرها ، أو جمع التبرعات لها . وأما قوله تعالى { ... وفي سبيل الله ...}(2) ففي الجهاد ، فتصرف في تجهيز الغازي المجاهد .(1/96)
ولشيخنا الشيخ محمد بخيت المطيعي رسالة (3) في بيان هذا المصرف ( وفي سبيل الله ) أورد فيه نصوص فقهاء المذاهب الأربعة واشتراطهم للتمليك .
________________________________________________________________________________________
1ـ قلت : ثم في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة . 2 ـ التوبة الآية(60) .
3ـ أوقفني عليها شيخنا رحمه الله وقرأتها عليه في مجلسه ، فإذا هي قيمة ومفيدة كسائر
مؤلفات الشيخ المطيعي رحمه الله تعالى .
120
* إن المسلم إذا أراد الصلاة تصدى له شيطان واحد ، وإذا أراد اخراج زكاة ماله تصدى له سبعون شيطانا .
{ الصيام }
* { حديث } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " (1) .
لا مانع من كونها تسلسل حقيقة ، وما يقع من الشرور في شهر رمضان إنما يكون مصدره من النفس الأمارة بالسوء .
ـ من أكل أو شرب ناسيا لصومه لم يفطر .
* والذي يفطر به الصائم عشرة أشياء :
[1] و [2] ما وصل عمدا إلى الجوف أو الرأس، فمن قطر في أذنه شيئا أو
أدخل عودا لتنظيفها أفطر لأنها جوف
[3] والحقنة الشرجية ، أما الإبرة فلا تفطر وإن كانت مغذية .
[4] والقيء عامدا ، فمن غلبه القيء لم يفطر ، ومن استقاء فعليه القضاء .
[5] والجماع ، فمن أتى امرأته في نهار رمضان ذاكرا لصومه أفطر ، وعليه
القضاء والكفارة ، وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا .
________________________________________________________________________________________
1 - رواه مسلم في صحيحه 3/121 ، وأحمد في مسنده 2/375 و 378 ، والدارمي
في سننه 2/26 ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ـ وأخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده 6/387
(3277) من حديثه ، ولفظه " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلِّقت أبواب(1/97)
النار وسلسلت الشياطين " .
121
[6] والإنزال عن مباشرة [7]والحيض [8]والنفاس [9]والجنون [10]والردة .
ـ إن على الحائض قضاء ما تركت من صوم رمضان في أيام حيضتها .
ـ ويباح السواك للصائم حتى الزوال ، ويكره بعده .
ـ يحرم صيام خمسة أيام : العيدين ، وأيام التشريق الثلاثة .
ـ يكره الصوم بعد الخامس عشر من شعبان إلى رمضان ، إلا أن يوافق عادة له بأن كان يسرد الصوم أو يصوم يوما ويفطر يوما ، أو يصوم يوما معينا كالإثنين والخميس ، أو كان له سبب (1) .
ـ قلت : وحدثني أبو حذيفة قال : " قال شيخنا : يحرم صيام يوم الشك تطوعا بلا سبب ، وأجازه الحنابلة من باب الاحتياط " .
ـ إن من يصوم الدهر ما عدا الأيام المحرمة ، إن كان يقوم بطاعاته مثل قيامه بها حال إفطاره فليصم الدهر ، بل هو أفضل فضلا عن كونه لا يكره .
ـ ويستحب الاكثار من صوم التطوع ، فيستحب صوم الإثنين والخميس ، والأيام البيض من كل شهر ، وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر .
ويستحب صوم ستة أيام من شوال .
ويستحب صوم عاشوراء ، وهو العاشر من المحرم ، وصوم يوم قبله أو بعده أو ثلاثتهم . وصيامه كفارة لسنة ماضية .
ويستحب صوم يوم التروية ويوم عرفة ، وهما الثامن والتاسع من ذي الحجة .
وصوم عرفة كفارة لسنة ماضية وأخرى مستقبلة .
ويستحب صوم السابع والعشرين من رجب وصيامه كفارة لذنوب ستين عاما .
كما ويستحب صوم الخامس عشر من شعبان .
________________________________________________________________________________________
1 - كنحو نذر أو قضاء ، مسارعة إلى براءة الذمة .
122
* ( فائدة ) : عن الإمام جعفر الصادق قال : خامس رمضان الماضي أول رمضان الآتي . وقد جربت فكانت صحيحة .
{ حديث } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (1) .(1/98)
إن المسك الذي تفضله رائحة فم الصائم هو المسك الذي يدَّهن منه من يريد الاجتماع بالمؤمنين في مواطن العبادة من صلاة ، ودروس علم ديني ، وذكر ، مما فيه قربة إلى الله عز وجل ، إذ أن المسك إذا أريد به غير ذلك فهو ممقوت ومذموم ومردود على فاعله ومعذب عليه . وإنما أوضحت هذا المعنى حتى تكون للمفاضلة سبيل لأنها لا تكون إلا في شيئين قد اشتركا في صفة من الصفات وزاد أحدهما على الآخر فيها بميزة امتاز بها عما شاركه في تلك الصفة .
________________________________________________________________________________________
1 - البخاري في الصحيح ، كتاب (77) اللباس ، باب (78) ما يذكر في المسك
10/381(5927)، وفي كتاب الصوم (30) باب (2) فضل الصوم 4/125(1894)
، وباب (9) هل يقول إني صائم إذا شتم ؟ (1904) ، وفي كتاب التوحيد (97) باب
(35) قول الله تعالى { يريدون أن يبدلوا كلام الله } 3/472(7492) ، وفي باب
(50) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه (7538) . ومسلم 1/465 .
وأبو داود (2363) . والترمذي (764) . والنسائي 4/135 ، 136 . وابن ماجه
(1769) ومالك في الموطأ (58) . والطيالسي (2367) . وأحمد في مسنده 2/257
و 265 و 273 و 306 و 313و 408 و 443 و 462 و 477و 504 و 505 .
والحميدي في مسنده (1010) . والدارمي (1769) . والدارقطني في سننه 2/203 .
وعبد الرزاق في المصنف 4/307 . وابن أبي شيبة في المصنف 3/5 . وابن حبان في
صحيحه (897 ـ موارد) وابن خزيمة في صحيحه (1896 ، 1994) . وأبو عمرو بن
مندة في الفوائد (46) . والبيهقي في السنن الكبرى 4/270 .
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
123
* وفي قوله صلى الله عليه وسلم : " ... فليفطر على تمر ... " (1) .
هذا إن وجد التمر وإلا فيقدم الحلو على الماء . فهو [أي الماء] في المرتبة الثالثة .
{ الحج }
((1/99)
فائدة ) إن الكعبة شرفها الله تعالى قد بنيت ست مرات : فأول من بناها الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام ، ثم أبونا آدم عليه الصلاة والسلام ، ثم أبونا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ثم قريش ، ثم عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وعني به آمين ، ثم الحجاج بن يوسف الثقفي غفر الله تعالى له ولنا وللمسلمين أجمعين آمين . شيخنا البروقيني نقلا من كتاب "ضوء الشمس" للصيّادي .
ـ يحرم على المحرم أن يلبس مخيطا (2) .
ـ عرفة كلها موقف،والوقوف بها مغفرة للذنوب كلها إلا التبعات فلا تسقط حقوق الآدميين،ومنها الديْن ولا الصلوات الفائتة .
* ( فائدة ) الوصية في العبادة البدنية لا تصح . وأما في العبادة المالية فتصح الوصية بها ، كالحج ( شيخنا عن شيخه الكشمهي ) .
________________________________________________________________________________________
1 ـ أخرجه أبو داود في سننه 2/305(2355) كتاب الصوم ، باب (22) ما يفطر عليه
والترمذي في سننه 3/78(695) ، في الصوم ، باب ما يستحب عليه الإفطار ، وقال
: هذا حديث حسن صحيح . وأحمد في مسنده . وابن ماجه 1/542(1699) في
الصوم ، باب ما جاء على ما يستحب الفطر . والدارمي في السنن 2/13(1701) .
والنسائي في السنن الكبرى (التحفة 4/25) . والبيهقي في الكبرى 4/238 ، وفي
الصغرى 2/1389 من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه .
ـ وأخرجه الترمذي (694) ، والنسائي ، والحاكم في المستدرك 1/431 ، والديلمي في
الفردوس 3/480(5490) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه .
2 ـ فيحرم عليه لبس القمص والعمائم والسراويلات والخفاف والقلانس .
124
{ الوقف }
ـ شرط الواقف كنص الشارع لا يخالف .
{ الفرائض }
( في الحجب )
الجد : يحجب في أحواله الثلاثة بالأب .
الجدات : يحجبن باللأم .
أولاد الابن : يحجبون بالابن .
الأخ الشقيق : بالأب ، والابن ، وابن الابن .(1/100)
الأخ لأب : بالمذكورين ، وبالأخ الشقيق ، والأخت الشقيقة إذا
صارت عصبة مع الغير .
ابن الأخ الشقيق : بالأب ، والجد ، والابن ، وابن الابن ، والأخ الشقيق
والأخ لأب، والأخت الشقيقة أو لأب عصبة مع الغير .
ابن الأخ لأب : بالمذكورين ، وبابن الأخ الشقيق .
الإخوة لأم : يحجبون بستة : بالجد ، والأب ، والابن ، وابن الابن
والبنت ، وبنت الابن .
العم الشقيق : يحجب بتسعة : الأب ، والجد ، والابن ، وابن الابن
والأخ الشقيق ، والأخ لأب ، والأخت الشقيقة أو لأب
إذا صارتا عصبتين مع الغير ، وابن الأخ الشقيق أو لأب .
العم لأب : يحجب بمن ذكر ، وبالعم الشقيق .
ابن العم الشقيق : يحجب بمن ذكر ، وبالعم لأب .
وابن العم لأب : بالمذكورين في حجب ابن العم الشقيق،وبابن العم الشقيق .
125
* قلت : وعن أبي حذيفة ، قال شيخنا رحمه الله : " يحرم أولاد المتوفى في حالة وجود الجد ووجود الأعمام ، لأنهم لا يكلفون في حالة فقر الجد بالنفقة عليه ، إنما يكلف الأعمام الأحياء . وكلما كان الوارث أقرب [ فإنه ] يَحجب وتكون الأولوية له . وإذا كان الولد المتوفى عليه دين فالمكلف بسداد الدين الجد .
أما الوصية الواجبة كتبرع فهي جائزة لهم .
{ النكاح }
* وأما الحكم الشرعي في المرأة التي وجد بها عيب من تلك العيوب [ وهي العفل والقرن والرتق ] بعد الدخول بها ، فيرد نكاحها من قبل القاضي الشرعي إن وجد ، إذا لم [ تمكن ] إزالة العيب بجراحة أو علاج . ولزوجها حينئذ مفارقتها بالطلاق في هذه الحالة ، لأن الزوجية قائمة على الإستمتاع . ومتى وجد عيب من تلك العيوب فلا استمتاع وله الخيار في فسخ النكاح . وإذا فسخ لا يلزمه شيء من المهر ويرجع عليها بجميع ما غرمه . وإذا فقد القاضي الشرعي ، أي الذي يقضي بالشريعة الإسلامية المطهرة حتى يفسخ النكاح المشار إليه فلأي عالم من علماء المسلمين المعترف من قبل المسلمين بعلمهم أن يتولى فسخ النكاح المذكور .(1/101)
جرى تلخيصه وتم تخليصه من كتب الفقه المختصه بالبت في مثل هذه الواقعة . والله الهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل . وأملاه بفمه وسطّره بقلمه خويدم العلم الشريف والدين الإسلامي الحنيف ، فقير رحمه ربه ، أسير وصمة ذنبه ، راجي غفو ربه اليقيني محمد الأزهري الشافعي البروقيني عفا الله تعالى عنه وعن كافة المسلمين آمين . عصارى يوم الأربعاء الموافق اليوم الثاني عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1398 هـ وفق اليوم التاسع عشر من شهر نيسان سنة 1978م .
ملاحظة : كان تلخيص الحكم في القضية المتعلقة بالمرأة الرتقاء القرناء العفلاء وكلها بمعنى واحد ، من كتاب " الفقه على المذاهب الأربعة " قسم الأحوال
126
الشخصية الجزء الرابع ، تأليف العلامة الجليل الشيخ عبد الرحمن الجزيري . وكتب " الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية " تأليف العلامة الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد ، الأستاذ في قسم التخصص بكلية اللغة العربية بالجامع الأزهر الشريف ، وأستاذ الشريعة الإسلامية بمدرسة الحقوق العليا بالخرطوم . وكتاب فتاوى مولانا شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري رضي الله تعالى عنه وعن العلماء العاملين وعنا بهم أجمعين . وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اه .
* لا بد من تحديد مدة المؤجل من المهر ، والأرجح إلى مهر المثل (الشرقاوي) .
* قلت : وعن أبي حذيفة قال شيخنا : المرأة الصالحة في الجنة تتزوج رجلا من المؤمنين إذا كان زوجها دخل النار أو مات كافرا .
* الوليمة على العرس مستحبة ، والإجابة إليها واجبة إلا من عذر .
ـ وكل وليمة ( في نكاح أو ختان ، أو غيرهما ) لا يقصد بها وجه الله تعالى لا يجوز حضورها ، ولا الأكل منها .
* عن الإمام الشعبي رحمه الله تعالى قال : " لُعن المغنِّي والمغنَّى له " . (1)(1/102)
وكتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، إلى مؤدب ولده : ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن عز وجل ، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم ، أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ، ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب . ولعمري لتوقي ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذي الذهن من الثبوت على النفاق في قلبه .
________________________________________________________________________________________
1 - ورواه من قول الشعبي ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ص 40 رقم (18) .
127
اه(1) شيخنا نقلا عن كتاب "العلم والعلماء" أو (تلبيس إبليس )لابن الجوزي رحمه الله .
* والحداة في هذا العصر هم فسقة ، ومن يستأجرهم في الأعراس وغيرها من الأفراح فهو أفسق منهم . كيف لا وهم الباعث الأكبر على اختلاط الجنسين واستعمال الأشربة المحرمة . فإنا لله وإنا إليه راجعون .
* نكاح الشغار : هو جعل بضع أحد البديلتين صداقا للأخرى ، كأن يقول : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك . ويضع كل منهما صداق الأخرى .
والثانية : كأن يقول السيد : جعلت رقبة فلان صداقا لفلانة الحرة .
ففي الصورتين يبطل العقد المسمى بخلاف غيرهما من الصور .
* (مسألة ) ما إذا ادعت الزوجة خُلعا فأنكر الزوج ، صدق بيمينه . لأن الأصل عدمه . فإن أقامت بينة رجلين عمل بها ولا مال ويقع الخلع طلاقا بائنا ما لم يعترف بعد العودية .
ـ كيفية الحلف في الخلع : بأن يحلف يمينا واحدة تجمع نفيا لقول الزوجة وإثباتا لقوله . هذا من الزوج .
والزوجة بالعكس ؛ فإنها تحلف يمينا واحدة تجمع نفيا لقول الزوج وإثباتا لقولها .
________________________________________________________________________________________(1/103)
1 - أوردها ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ص 40 رقم (20) ، وابن الجوزي أيضا في " سيرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز " ص 296 .
128
* ( فائدة ) يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وبنيها بغير علمه ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لهند أم سيدنا معاوية ، رضي الله تعالى عنه ، حينما قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وبني أفنأخذ من غير علمه ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف (1) " .
[شيخنا نقلا من الشبرخيتي ] .
{ الطلاق }
* طلاق الثلاث يقع ثلاثا .
ـ لو طلق رجل امرأته ألف تطليقة ، وقع ثلاثا وأثم في الباقي .
________________________________________________________________________________________
1 - أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب المظالم (46) ، باب (18) قصاص المظلوم إذا
وجد مال ظالمه 5/128(2460) ، وفي المناقب (63) باب (23) ذكر هند بنت عتبة
رضي الله عنها 7/175(3825) ، وفي النفقات (69) ، باب (4) نفقة المرأة إذا غاب
عنها زوجها ونفقة الولد 9/414 (5359) ، وفي باب (9) إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن
تأخذ بغيرعلمه ما يكفيها وولدها بالمعروف 9/418 (5364)، وفي باب(14) قوله تعالى
{ وعلى الوارث مثل ذلك } 9/424 (5370) ، وفي كتاب الأيمان والنذور (83)
باب (3) كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم 11/533 (6641) ، وفي كتاب
الأحكام (93) باب (14) من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس 13/148
(7161) ، وفي باب (28) القضاء على الغائب 13/183 (7180) .
ومسلم في صحيحه في الأقضية ، باب قضية هند ، رضي الله عنها 5/129 . والنسائي في
عشرة النساء ( من الكبرى ) رقم (312). والبيهقي في السنن الكبرى 7/466 و 477
، 10/141 و 270 ، وفي الصغرى 3/2893 و 4/4152 .
من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها .
129
{ الرضاع }
* يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب .(1/104)
ـ لا تحرم المصة ولا المصتان ، وإنما خمس رضعات مشبعات .
ـ قلت : وعن أبي حذيفة ، عن الشيخ رحمه الله : " لو رضع إنسان من امرأة مع بنت لها ، وكان للرضيع أخ ، فلا تحرم الأخت عليه ، أي الأخ . كما لو رضعت [ بنت من امرأة مع ابن لها ] ، وكانت للرضيعة أخت فلا تحرم الأخت على الذي رضعت معه أختها .
{ الحدود }
* كل معصية لا حد فيها ففيها التعزير : كالتزويج بغير ولي . ( الشرقاوي )
{ الجهاد }
* وهو واجب على المسلمين إذا توفرت لديهم قوة تقدر بربع قوة عدوهم .
{ الصيد والذبائح }
* يجوز الأكل من صيد البندق ( الرصاص ) .
ـ قال الشيخ محمد البناني في حاشيته على مختصر الشيخ خليل : " وأما الصيد بالبندق من الرصاص فلم يوجد فيه نص للمتقدمين واختلف فيه المتأخرون من الفاسيين لحدوث الرمي به بحدوث البارود [ الذي ] استخرجه حكيم كان يستعمل الكيمياء ففرقع له فأعاده فأعجبه فاستخرج هذا البارود وذلك في وسط المائة الثامنة .
وأفتى فيه بجواز الأكل الشيخ أبو عبد الله القوري ، وابن غازي ، وسيدي علي بن هارون ، والشيخ المنجور ، والعارف بالله سيدي عبد الرحمن الفاسي ، وهو الذي اختاره شيخ الشيوخ سيدي عبد القادر الفاسي . لما فيه من الإنهار والإجهاز بسرعة الذي شرعت الذكاة من أجله .
130
قال : بل الإنهار به أبلغ وأسهل من كل آلة يقع بها الجرح . وكون الجرح المراد به الشق كما قيل وصف طردي غير مناسب لإناطة الحكم به ، إذ المراد مطلق الجرح ، سواء كان شقا أو خرقا كما في محدد المقراص .(1/105)
وقياسه على البندقة الطينية فاسد لوجود الفارق ، وهو وجود الخرق والنفوذ في الرصاص تحقيقا ، وعدم ذلك في البندقة الطينية ، وإنما شأنها الرص والدفع والكسر ، وما كان هذا شأنه لا يستعمل لأنه من الوقذ المحرم بنص الكتاب . مختصرا من خط العلامة سيدي عبد القادر الفاسي في جواب له طويل " . انتهت عبارة البنابي بحروفها ( جزء ثالث باب الذكاة ) اه [ شيخنا البروقيني نقلا عن الحاشية المذكورة ] .
* قلت : عن أبي حذيفة قال : " سألت الشيخ رحمه الله ، هل يجوز شرب الحليب من الشاة بعد ذبحها ؟
فأجاب : " نعم ، وكذلك إذا ذبحت شاة أو بقرة أو غيرهما مما يؤكل لحمه وفي بطنها جنين ، يجوز أكله لقوله صلى الله عليه وسلم : "ذكاة الجنين ذكاة أمه "(1) .
________________________________________________________________________________________
1 - رواه أبو داود في سننه (2826) في الأضاحي ، باب المبالغة في الذبح . والحاكم في
المستدرك 4/114 وصححه ووافقه الذهبي . والدارمي في السنن 2/ 84
من حديث جابر رضي الله عنه .
ـ وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده
والدارقطني في السنن 4/274 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه .
ـ وأخرجه مالك في الموطأ رقم (651) موقوفا . والحاكم في المستدرك والدارقطني 4/271
والديلمي في الفردوس 2/246 (3160) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
ـ وأخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في السنن 4/275
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ـ وأخرجه الدارقطني 4/275 من حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه . =
131
{ الأضاحي (1) }
ـ يجوز في الأضحية والعقيقة اخراج القيمة .
* قلت : وعن أبي حذيفة ، عن الشيخ : يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة في العيد بنية واحدة ( وذبيحة واحدة ) وله ثواب الإثنتين .
{ الإيمان }(1/106)
* ( كفارة اليمين ) : من حنث في يمينه وجبت عليه الكفارة ، وهي : عتق رقبة ، أو اطعام عشرة مساكين ، من أوسط ما يطعم أهله ، أو كسوتهم . ويجوز اخراج القيمة . فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام .
ـ إن الحالف الواجد للاطعام أو الكسوة أو الرقبة ، لا يجزيه الصوم إذا حنث في يمينه .
ـ إذا حلف لا يكلم فلانا ، فكاتبه أو راسله . الصحيح عدم الحنث وذلك لأن المحلوف عليه مجهول لعدم ضبطه وتقديره شرعا .
* الحلف على المستحيل إن كان اثباتا ، فينعقد اليمين ، وإن كان نفيا فلا يقع ، وهذه القاعدة عامة تجيء في كل موضع . ثم إن كان الحلف مطلقا بأن لم يقيد بوقت وقع في الحال ، وإن كان مقيدا فلا يقع إلا عند مجيء الوقت المقيد به الحلف .
[شيخنا عن شيخه عبد المجيد الشرقاوي ، رحمهما الله تعالى ] .
_______________________________________________________________________
= والدارقطني 4/275 من حديث علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه .
ـ والدارقطني 4/276 من حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما .
ـ وعده الكتاني في " نظم المتناثر " ص(149) من المتواتر وأورده عن اثني عشر صحابيا .
وانظر : : كشف الخفاء 1/417 (1338) ، فيض القدير (4327) .
1 - تقدمت في الباب الثالث والثلاثين ، عند ذكر خطبة العيد ، مسائل وأحكام الأضاحي ،
انظر : ص 69 ـ 71 .
132
ـ قال الشيخ : " والحلف على الواجب عكس المستحيل " .
{ الأقضية }
ـ " اليمين على نيّة المستحلِف " [ بكسر الام ] (1) .
ـ عدل الرواية لا يشترط فيه الحرية والذكورة بخلاف عدل الشهادة .
* " شهادة التحمل : هي مباشرة الحادثة ، كرؤية شخص يضرب آخر ، مثلا .
والأداء : هي ما كانت أمام القاضي " . ( شيخنا عن شيخه الشرقاوي ) .
{ العتق }
* " الولاء قسمان :
[1] ولاء مباشرة : وهو الذي يثبت على من مسه رق لمن وقع منه العتق .
[2] وولاء سراية : وهو الذي يثبت على من لم يمسه رق من جهة أصوله " .
( شيخنا عن شيخه الشرقاوي ) .
{(1/107)
الرقائق }
* " المعتمد أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر ، ولا يرده أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار الفقر على الغنى ، لأنه إنما اختار الفقر ليتأسى به الفقراء فلا يضجرون " . ( شيخنا عن شيخه محمد عزتو رحمهما الله تعالى ) .
________________________________________________________________________________________
1 - هو حديث ، أخرجه مسلم في صحيحه ( 17 / 118 ـ نووي ) ، وابن ماجه
عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، مرفوعا .
133
* معنى زيادة الرزق والعمر الواردة في حديث البخاري (1) : وهو عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه وعني به آمين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من سره أن يبسط له في رزقه ، أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه ".
ان معنى البسط في الرزق : البركه فيه ، إذ الصلة صدقة ، وهي تربي ألمال ، وتزيد فيه فينمو . وفي العمر : حصول القوة في الجسد ، أو يبقى ثناؤه الجميل على الألسنة فكأنه لم يمت . ويجوز أن يكون من باب التعليق ، بأن يكتب في بطن أمه : إن وصل رحمه فرزقه وأجله كذا ، وإن لم يصل فكذا .
* وفي حديث الحسنة بعشر أمثالها ، قوله صلى الله عليه وسلم : " وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة " (2) . هذا فيما لو هم بها وتركها خوفا من الله تعالى ، أما إذا ترك السيئة لمانع عن ذلك فلا ثواب له .
وعلى هذا يحمل أيضا ما رواه الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
" الكف عن الشر صدقة " .
________________________________________________________________________________________
1 - رواه البخاري في صحيحه 4/353 (2067) في البيوع (34) باب (13)
من أحب البسط في الرزق . ومسلم في صحيحه 8/8 كتاب البر والصلة ، باب صلة
الرحم وتحريم قطيعتها ، من حديث أنس رضي الله عنه .
ـ وأخرجه البخاري في 10/429 (5985) الأدب (78) باب (12) من بُسط له في(1/108)
الرزق بصلة الرحم ، من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه .
2 - البخاري في الصحيح 11/331 (6491) كتاب الرقاق ، باب من هم بحسنة أو
سيئة . ومسلم في الصحيح ، من حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما .
ـ ورواه أحمد (2/234، 411 ، 498) ومسلم(130) من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه .
134
* ( قانون طلب المعيشة ) على الإنسان أن يسعى في طلب عيشه من الوجه المباح له ، ومتى سعى العبد على الوجه الذي يجب وكما يجب يكون سعيه عبادة وجهادا في سبيل الله تعالى كما قال عليه الصلاة والسلام : " من طلب الرزق على ما يسن فهو في جهاد " (1) ومن لم يكن على ذلك فسعيه يكون هباءً منثورا . [شيخنا نقلا من كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة ـ للراغب الأصبهاني،صاحب مفردات القرآن]. ـ { حديث } : " احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت " (2) .
لأن الله تعالى يقول في حقهما : { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر }(3) الآية . أما الدنيا ، أيها الموفق ، فإنها تسحر بدون أن تنبه على فتنتها بل تخدع المسحورين .
والدنيا مشتقة من الدناءة . قال الشاعر :
أعاف دنيا تسمى من دناءتها دنيا وإلا فمن مكروهها الداني
قوله ( أعاف ... ) أي أمقت وأشمئز من دناءتها ، أي خستها .
وقوله ( وإلا فمن ... ) أي إن لم تسم الدنيا من الدناءة ، فتسمى دنيا لدنو مكروهها وكدرها .
________________________________________________________________________________________
1 - لم أجده فيما بين يدي من مصادر ، فلينظر .
2 - أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الدنيا " ص 54 رقم 132 عن أبي الدرداء الرهاوي
مرسلا . والحكيم الترمذي ، عن عبد الله بن بسر المازني .
قال العراقي في المغني عن حمل الأسفار ( 3/200 الإحياء ) ، رواه البيهقي في الشعب من
رواية أبي الدرداء الرهاوي مرسلا ، وقال البيهقي : أن بعضهم قال : عن أبي الدرداء عن(1/109)
رجل من الصحابة والحديث ضعفه المناوي في فيض القدير1/139 (145) و 1/187
( 245 ) ، والعجلوني في كشف الخفاء 1/57 (139) .
3 - البقرة الآية رقم (102) .
135
ويصح أن تكون سميت دنيا لدنو أجلها .
{ حديث } " أكثر أهل الجنة البله "(1) .
يعني البله في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها ، وهم أكياس في أمر الآخرة .
وَبَلِه من باب طرِب وسلِم ، والمصدر البَلَه والبلاهة ، ورجل أبله أي بيّن البله والبلاهة ، وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر .
من أجل تفسير البله أو البلاهة بسلامة الصدر كان ( أكثر أهل الجنة البله ) لسلامة صدورهم ، ولا شك أن من سلم صدره وما حواه كان من أكياس الآخرة ، فخذه وكن من الشاكرين .
________________________________________________________________________________________
1 - رواه البيهقي والبزار والديلمي (1463) والخلعي ، بسند فيه لين عن أنس رفعه ،
وقال ابن الجوزي : لا يصح ، وضعفه الدارقطني . ووجه ضعفه ما قاله الهيثمي : أن فيه
سلامة بن روح وثقه ابن حبان وضعفه أحمد ابن صالح وغيره (الزوائد 8/79، 10/264
و 402) .
قلت : معناه صحيح باعتبارهم عقلاء .
قال الزمخشري صاحب تفسير الكشاف في صفة الصلحاء :" هينون لينون ، غير أن
لا هوادة في الحق ولا دهانة ، بله ، خلان ، غوصهم على الحقائق يعمر الألباب والأذهان ،
وذلك لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها ، واقبلوا على آخرتهم فشغلوا
بها ، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهلها .
وجاء عن سهل التُستري في تفسير البُله : بأنهم الذين ولهت قلوبهم وشغلت بالله
عز وجل .
وعن أبي عثمان : الأبله هو الأبله في دنياه ، الفقيه في دينه .
وروى البيهقي عن الأوزاعي أنه قال : هو الأعمى عن الشر ، البصير بالخير ،
ومثله قول القرطبي : هم البله عن معاصي الله .
وقال في " النهاية ":( البله ) هم الذين غلبت عليهم سلامة الصدور ، وحسن =
136
* لعن الدواب حرام .(1/110)
* تجوز الغيبة في ستة مواضع (1) ، منظومة في قول بعضهم :
القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
[ شيخنا نقلا من حاشية الشرقاوي على التحرير ] .
________________________________________________________________________________________
= الظن بالناس لأنهم أغفلوا أمر دنياهم فجهلوا حذق التصرف فيها وأقبلوا على آخرتهم
فشغلوا أنفسهم بها فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنة ، فأما الأبله وهو الذي لا عقل له
فغير مراد في الحديث .
وقال المناوي : " ( البله ) أي الغافلون عن الشر المطبوعون على الخير . أو الذين
خلوا عن الدهاء والمكر وغلبت عليهم سلامة الصدر ، وهم عقلاء .
انظر : كشف الخفاء 1/164 (495) ، فيض القدير 2/79 (1379) ،
كنز العمال ( 39283)، وإتحاف السادة المتقين 7/157 ، 244 ، 627 و 9/236 .
1ـ قال العلامة الشيخ الباجوري رحمه الله في تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص 205 :
واعلم أن العلماء ذكروا أن الغيبة تباح في أحوال للمصلحة بل وربما وجبت وتلك
الأحوال ستة ، وقد نظمها الجوجري في قوله :
لست غيبة كرر وخذها منظمة كأمثال الجواهر
تظلم واستعن واستفت حذر وعرف واذكرن فسق المجاهر
قلت : هناك موضع سابع وهو الكلام في الرجال جرحا وتعديلا ، وقد عده الإمام
النووي رحمه الله من النصيحة لدين الله . وهو كما قال ، وقد جاء أن أبا تراب النخشبي
رحمه الله حضر مجلس الإمام أحمد فسئل الآخر عن رجال ، فتكلم فيهم جرحا وتعديلا .
فقال أبو تراب : لا تغتب الناس . فقال له الإمام أحمد : إنما أنصح .
137
{ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر }(1/111)
قال عليه الصلاة والسلام : " إئتمروا بينكم بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ودع عنك العوام . فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله "
رواه ابن ماجه ، وابو داود ، مرفوعا (1) .
وزاد في رواية أبي داود : قيل يا رسول الله ، أجر خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال : " بل أجر خمسين منكم " .
ـ وروى ابن ماجه (2) عن أنس رضي الله تعالى عنه : قيل يا رسول الله : متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم " . قلنا يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال : " الملك في ________________________________________________________________________________________
1 - أبو داود في سننه 4/123 (4341) ، والترمذي (3058) وقال : هذا حديث
حسن غريب . والبيهقي في " السنن " 10/92 ، وفي " الآداب" ص 62 رقم (182)،
وفي " الاعتقاد " ص 126 رقم (689) ، وابن ماجه (4014) ، وابن جرير في " جامع
البيان " 7/97، وابن وضاح ص 71 و 76، وابن حبان (1850 ـ موارد) والطحاوي
في المشكل 2/65، والحاكم في المستدرك 4/322 وصححه ووافقه الذهبي . وأبو نعيم في
الحلية 2/30 ، والبغوي في شرح السنة 4/347 .
من حديث أبي ثعلبة الخشني ، رضي الله عنه .
2 - ابن ماجه في سننه 2/ 488 ، ط ـ التازية ، كتاب الفتن ، باب قوله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم } . وأحمد في مسنده .
ـ وانظر : النهاية في الفتن والملاحم 1/67 ـ 68 .
138
صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رُذالتكم " ( بضم الراء ) .
قال زيد بن يحيى : أي إذا كان العلم في الفساق .
قال الشيخ : أقول وأنا الطفيلي على موائد العلماء : ليس المراد بالملك الملك(1/112)
المتعارف بين الناس ، بل الولايات كلها بما فيها الملك . وهذا الآن واقع في زماننا فإنك ترى ولاة الأمور صغارا في الأعمار ، وإلا ففي العلم المشروط في الملوك .
والفاحشة المراد بها التهتك من قلة حياء النساء والرجال ، وارتكابهم الفاحشة ( الزنا ) وهذا قد وقع ويقع كل يوم ، وأكثره من الأكابر ونسائهم وبناتهم .
والعلم في الرُذالة : أي الفسقة ، وهذا قد تحقق في المنتسبين إلى العلم من حلق اللحى ، واتخاذ المعازف وآلات اللهو في بيوتهم واستماع الغناء بلا مبالاة ، وحضورهم الحفلات الساهرة والأعراس المنكرة . فمنهم من ببيته الراديو أو التلفزيون أو العرطبة ( العود ) أو الكوبة ( الدربكة ) ... اللهم ثبتنا على ما يرضيك ويرضي نبيك سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم .
* وأمُرْ بالمعروف وإن لم تفعله كله وانه عن المنكر وإن لم تجتنبه كله .
{ الفتن }
حديث في سبب حلول البلاء بالمسلمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء ، إذا اتخذ الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأدنى صديقه وعق أباه ، وظهرت اللأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور
، ولَعن آخر هذه الأمة أولَها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا
139
ومسخا وقذفا ، وآيات تتَّابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع " (1) .
قال الشيخ : لعل الخامسة عشر هي لبس الحرير . وقوله ( آيات تتَّابع ) أصله تتتابع ، إلا أن التاء الأولى تحذف تخفيفا . قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته :
وما بتاءين ابتدي قد يقتصر فيه على تا كتبين العبر .
{ المهدي }(1/113)
المهدي عليه السلام محفوظ في شأنه كله لأنه ولي ، معصوم في حكمه لأنه خليفة المصطفى (2) صلى الله تعالى عليه وسلم كأبي بكر ، رضي الله عنه .
فأبو بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمر خلف أبا بكر ، وعثمان خلف عمر ، وعلي خلف عثمان ، رضي الله تعالى عنهم . وهذه مزية للمهدي على عمر فمن دونه ، والمزية لا تقتضي الأفضلية .
________________________________________________________________________________________
1 - الترمذي في سننه 3/335 (2308) من حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ،
وقال : غريب . وفي الباب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2307) .
2 - قلت : إن المهدي خليفة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يتقدمه خليفة .
فإنه عليه السلام يبايع خليفة على المسلمين بعد اختلاف الأمة وفرقتها ، وبه يكون
صلاحها ونجاحها ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى :
" يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل فيبايع بين الركن والمقام ... "
الحديث أخرجه أبو داود (4286) بإسناد صحيح .
إن الخليفة الذي عناه الحديث هو السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد ، رحمه الله تعالى
ورضي الله عنه . فبعد عزله وموته صارت الخلافة صُوريّة ـ ثم عطلت سنة 1924 م ـ
ووقعت الفرقة والاختلاف . وهذا الاختلاف هو مرحلة الملك الجبري القسري المستبد
، الذي جاء عقب الملك الوراثي ، وهو الذي يتقدم الخلافة الراشدة .
ولقد بيّن نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم ، في الحديث الصحيح ، هذه المراحل بقوله :
140
* علامات الساعة العظام مجموعة في كلمة " معديش " .
قلت : وذكر شيخنا رحمه الله منها : المهدي ، عيسى ، عليهما السلام ، دابة الأرض ، الدجال ، الدخان ، يأجوج ومأجوج ، طلوع الشمس من مغربها .
{ التفسير }(1/114)
* قلت : تقدم في الفصل الثاني من الباب الثامن والثلاثين ، ذكرنا لبعض الفوائد في التفسير ، والتي أفادها شيخنا من شيخه علي الشائب رحمهما الله تعالى(1).
ـ قال تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ... } (2) .
قال الشيخ : هي خصال الفطرة .
وفي قوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم}(3).
يقول سبحانه : إن كنتم ترون في مخالطتكم إياهم مشقة ، فالله تعالى قادر على أن يكلفكم بشيء فيه مشقة أعظم من مشقة المخالطة ، فما عليكم إذا إلا أن تخالطوهم بالمعروف والإصلاح .
وفي قوله تعالى : { الطلاق مرتان } (4) . أي اثنان . وينبغي لمن يطلق أن
________________________________________________________________________________________
= " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم
تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم يكون
ملكا عضوضا ، أوعاضا ( وراثيا ) ، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ثم يكون ملكا
جبريا ، ثم يرفعه الله إذا شاء أن يرفعه ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة " .
1 - انظر : ص 95 .
2 - البقرة الآية رقم ( 124) .
3 - البقرة الآية رقم (220) .
4 - البقرة الآية رقم (229) .
141
يتروى في الطلاق بأن لا يزيد على مرة عند تلفظه به . وهذا هو الحكمة في ايثار ايراد مرتان لا اثنان ، لما يفهم من الأخير أن الطلاق قد يكون إثنين في مجلس واحد (1) .
ـ المناسبة في قوله تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى }(2) . لما قبله من الآيات ، هي : لما كان الاشتغال والاعتناء بشأن الأولاد ، من ارضاع وغيره ينشأ عنه غالبا غفلة عن أداء الصلاة في أوقاتها . نبهنا الله تبارك وتعالى ، وأمرنا بالمداومة عليها بأدائها في مواقيتها .(1/115)
ـ وقال تعالى : { وإن تبدوا الصدقات فنعمّا هي ، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء ... }(3) . هذا في الصدقات المفروضة . وأما في صدقة التطوع فالاخفاء أفضل . ولا يبعد أن يكون إظهار الصدقات المفروضة مطلوبا ، وذلك كأن يكون فيه تنشيط للآخرين .
ـ وفي معنى قوله تعالى : { قالوا أضغاث أحلام } (4) .
أي مختلطة ، لا يميز منها الخبيث من الطيب ، فيكون في الآية الشريفة أضافة مشبه إلى مشبه به أي أحلام كالأضغاث .
ـ وفي معنى قوله تعالى { ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا } (5) . أي لنعلم ذلك علم إظهار .
قال : لما كانت الأشياء معلومة له سبحانه وتعالى بداية ونهاية كان تفسير قوله
_____________________________________________________________________
1 - قلت : فحقهما أن يقعا مرة بعد مرة وإن صحا دفعة واحدة .
وهذا مراد الشيخ رحمه الله تعالى .
2 - البقرة الآية رقم (238) .
3 - البقرة الآية رقم (271) .
4 - يوسف الآية رقم (44) ، والأنبياء الآية رقم (5) .
5 - الكهف الآية رقم (12) .
142
جل شأنه وعز سلطانه : لنظهر علمنا لغيرنا .
* وأصحاب الكهف سبعة وثامنهم كلبهم . واسم كلبهم قطمير ، وسيدخل معهم الجنة لحبه إياهم .
قال تعالى : { ما يعلمهم إلا قليل } (1) .
قال ابن عباس ، رضي الله عنه : أنا من القليل ، لقد كانوا سبعة وثامنهم كلبهم (2) .
________________________________________________________________________________________
1 - الكهف الآية رقم (22) .
2 - قلت : ويؤيد هذا القول ما جاء عن بعضهم : " إن الله تعالى لما ذكر المقولتين
الأوليين { ثلاثة رابعهم كلبهم } و { خمسة سادسهم كلبهم } عقب عليهما بقوله
{ رجما بالغيب } . ولما ذكر المقولة الثالثة سكت عنها ، وأدخل عليها الواو للتأكيد
{ ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم } .
ولقد ألهمني الله تعالى بمنه وكرمه دليلا في تقرير ما ذهبوا إليه : وهو في قوله تعالى :
{(1/116)
وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم . قال قائل منهم : كم لبثتم ؟ } السائل واحد
{ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم } هؤلاء المجيبون هم ثلاثة أو أكثر .
{ قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم ...} هؤلاء القائلون هم ثلاثة أو أكثر .
فتبيّن من هذا أن عددهم لا يقل عن سبعة . فهم سبعة وثامنهم كلبهم .
143
{ علم التصوف }
قال الإمام مالك رضي الله عنه وعني به آمين : " من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تصوف وتفقه فقد تحقق " (1) .
* تعريف علم التصوف في اصطلاح السادة الصوفية رضي الله تعالى عنهم وعني بهم آمين :
قال سيدي الجنيد رضي الله عنه وعني به آمين : " التصوف : استعمال كل خلق سني ، وترك كل خلق دني " .
وقال سيدي أبو بكر الشبلي رضي الله تعالى عنه وعني به آمين : " التصوف : ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك " .
وقال سيدي ذو النون المصري ، رضي الله تعالى عنه وعني به آمين : " الصوفي من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق ، وإذا سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق " .
وقال سيدي أبو علي الروذباري ، رضي الله تعالى عنه وعني به آمين : " الصوفي من لبس الصوف على الصفا ، وأذاق الهوى طعم الجفا ، ولزم طريق المصطفى ، وكانت الدنيا منه على القفا " .
وكان سيدي الإمام العلامة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي ، رضي الله تعالى عنه وعني به آمين ، يقول : " الصوفي من لزم الصدق مع الحق ، والحق مع الخلق " .
________________________________________________________________________________________
1 - قلت : وفي هذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
فقيها وصوفيا فكن ليس واحدا فإني وحق الله إياك أنصح
فذلك قاس لم يذق قلبه تقى وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
(ديوان الشافعي ص66) .
144
وينشد :
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا قديما وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أيخل هذا الاسم غير فتى صافي فصوفي حتى لقب الصوفي(1/117)
اه . [ من خط شيخنا البروقيني نقلا من كتاب " معيد النعم ومبيد النقم "
ـ للإمام تاج الدين السبكي ، رضي الله عنه ] .
* وفي قول الجنيد رضي الله عنه ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) .
قال الشيخ : المعنى أن المقرب إذا طلب منه أن يفعل الأكمل ويترك الكامل ، ففعل الكامل وترك الأكمل ، كان ذلك سيئة في حقه نظرا لعلو مرتبته ومقامه ، بحيث لو عمل البار ، الكامل كان فعله حسنة في حقه ، لنزول رتبته عن رتبة المقربين .
{ فوائد أخرى }
* ( فائدة ) لرؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام : قراءة سورة الكوثر ألف مرة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ قبلها ـ قبل النوم ، مدة ثلاثة أيام أو خمسة أو سبعة ، وهي مجربة .
ـ فائدة أخرى : ينام مستقبلا القبلة واضعا رأسه على يده اليمنى قائلا : اللهم إني أسألك بجلال وجهك الكريم أن تريني وجه نبيّك سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، رؤية تقر بها عيني ، وتفرج بها كربتي ، وتشرح بها صدري ، وتؤلف بها شملي ، وتجمع بها بيني وبين نبيّك سيّدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يوم القيامة في الدرجات العلى ،
ولا تفرق بيني وبينه برحمتك يا أرحم الراحمين .
145
* فائدة للفتوح : يا من بيده مقاليد الخير كلها ، وإليه يرجع الأمر كله ، يا
فتاح يا عليم ، افتح علي فتحا قريبا ، يا فتاح يا عليم .
* فائدة للحفظ : آمنت بالله الواحد الأحد ، الحي لا شريك له .
ـ وأخرى : قبل القراءة : اللهم افتح علي حكمتك وانشر علي رحمتك يا ذا الجلال والإكرام .
وعند الفراغ من القراءة : بسم الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، عدد كل حرف كتب أو يكتب أبد الآبدين ودهر الداهرين .
* وأخرى لعدم النسيان : قبل القراءة بحضور قلب : اللهم إني أستودعك جميع ما أنظره في هذا الكتاب ، حتى ترده علي وقت احتياجي إليه .(1/118)
ـ وأخرى : اللهم صل على سيّدنا محمد وآله كما لا نهاية لكمالك وعدد كماله . تقرأ بين المغرب والعشاء بلا عدد معين .
* العتاقة الكبرى : من قرأ { قل هو الله أحد } مائة ألف مرة ، كانت فكاكه من النار .
والعتاقة الصغرى : من قال :( لا إله إلا الله) سبعين ألف مرة ، فقد أعتق رقبته من النار .
* فائدة لرد الضالة : تقرأ والضحى في أربع جهات المكان الذي ضاع فيه الشيء ، في كل جهة مرة ، ثم تقول : اللهم أنت تعلم أين ضالتي وأين ضلت ، اللهم يا راد الضالة ، ويا هادي من الضلالة ، ويا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي ، إنك على كل شيء قدير .
146
الخاتمة
تم ولله الحمد والمنّة والفضل والثناء ، هذا الكتاب الوجيز في سيرة شيخنا البروقيني وسيرته .
وكان الفراغ منه في 20 رمضان 1414 هجرية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية ، وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ، عدد ما في صحائف الخلائق من حسنات ، وفق 2 آذار 1994 م .
اللهم انفعني به وقارئه والناظر فيه وارزقنا جزيل الثواب ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحاب الحقوق علينا ، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب .
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
147
الفهرس
العنوان أو ترجمة الباب رقم الباب الصفحة
المقدمة ـ ... ... 5
اسمه ، لقبه ، مولده 1 ... ... 8
تحصيله وطلبه للعلم 2 ... ... 8
استدعاؤه إلى قرية الرينة 3 ... ... 10
في ذكر اعتقال الإنجليز ونفيهم له في ظل
الثورة الفلسطينية ضد الإنتداب البريطاني ... 4 ... ... 11
انتقاله إلى صفورية 5 ... ... 11
توالي المحن والإبتلاءات في حياة الشيخ 6 ... ... 12
ثمرة صبره وثباته 7 ... ... 14
في ذكر شيوخه رحمهم الله تعالى 8 ... ... 15
في ذكر تلامذته 9 ... ... 17
في ذكر عقيدته السنية 10 ... ... 18
في ذكر مشربه 11 ... ... 22
صفاته وأخلاقه 12 ... ... 23
في ذكر تمسكه بالسنة والأثر 13 ... ... 25
في ذكر تعبده 14 ... ... 27
أدعيته وأوراده 15 ... ... 29
توسله بالنبي صلى الله عليه وسلم 16 ... ... 31(1/119)
احترامه وتقديره للعلماء العاملين وحبه وتوقيره للصالحين 17 ... ... 33
إعراضه عن المناصب 18 ... ... 34
148
رقم الباب ... الصفحة
ثناء العلماء وأهل الصلاح عليه 19 ... ... ... 34
فطانته وذكاؤه 20 ... ... ... 35
مطالعته ونظره في كتب العلم 21 ... ... ... 35
في ذكر خطه وتوقيعه ونقش خاتمه 22 ... ... 36
محفوظاته 23 ... ... 37
كراماته 24 ... ... ... 38
مرائيه وما رؤي له 25 ... ... 42
أسرته 26 ... ... 47
في ذكر مرضه الذي مات فيه 27 ... ... ... 48
تاريخ موته ومبلغ سنه 28 ... ... 48
ما رؤي له بعد موته 29 ... ... ... 49
آثاره 30 ... ... 50
مقالاته 31 ... ... ... 50
- فصل " دفع أوهام وصفع أفهام" . " ... ... ... 51
موقفه من أزمة الخليج وظروف المسلمين الراهنة 32 ... ... ... 55
خطبه ومواعظ ودروسه 33 ... ... ... 63
في ذكر أشعاره 34 ... ... ... 73
في ذكر رسائله ومكاتباته 35 ... ... ... 81
في ذكر أقواله وما أثر عنه 36 ... ... ... 85
رثاؤه 37 ... ... ... 90
149
رقم الباب الصفحة نماذج من المسائل والفوائد التي أفادها من شيوخه الأزهريين 38 ... ... 92
- الفصل الأول : في قواعد وفوائد نحوية منثورة " " ... ... 92
- الفصل الثاني : فوائد في التفسير . " ... ... 95
- الفصل الثالث : فوائد ومسائل في الفقه وأصوله " " ... 96
في مسائل وفوائد في فنون مختلفة 39 ... ... 96
* في العلم " ... 97
- مبحث في الإجتهاد والتقليد " ... ... 101
* في العقيدة . " ... ... 102
- مبحث في الصفات العلية جلالية وجمالية . " ... 102
- مبحث في تنزيه المولى جل وعلا . " ... 102
* في السيرة . " ... 105
- مبحث في نجاة أبوي المصطفى صلى الله عليه وسلم " ... 105
- مبحث في مشروعية الإحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم " ... ... 106
- مبحث في الإسراء " ... 107
بيعة النساء في غير مصافحة " ... ... 108
* في الفقه " ... 109
- الطهارة . " ... ... 109
- الصلاة . " ... ... 112
- الزكاة . " ... ... 119
- الصيام . " ... ... 121
- الحج . " ... ... 124
150
رقم الباب الصفحة ـ الوقف 39 ... ... 125
- الفرائض . " ... ... 125
- النكاح . " ... ... 126
- الطلاق . " ... ... 129
- الرضاع . " ... ... 130
- الحدود . " ... ... 130
- الجهاد . " ... ... 130
- الصيد والذبائح . ... ... ... " ... ... 130
- الأضاحي . ... ... ... ... " ... ... 132(1/120)
- الأيمان . ... ... ... ... " ... ... 132
- الأقضية . ... ... ... ... " ... ... 133
- العتق . ... ... ... ... " ... ... 133
- الرقائق . ... ... ... ... " ... ... 133
- الفتن . ... ... ... ... " ... ... 139
ـ المهدي ... ... ... ... " ... ... 140
* في التفسير ... ... ... " ... ... 141
* علم التصوف ... ... ... " ... ... 144
* فوائد أخرى ... ... ... " ... ... 145
الخاتمة ... ... " ... ... 147
151
{ للمؤلف }
إن للشاب المؤلف توفيق بن عمر بن عليّ السيّدي ، غفر الله له ولوالديه وللمسلمين ، مؤلفات عدة منها المطبوع ومنها المحفوظ بخطه .
التآليف المطبوعة :
[1] ـ " القول النضر في إثبات حياة الخضر " عليه السلام .
وهو باكورة تآليفه ، ألفه وقد مضى من عمره ( 19) عاما .
[2] ـ " بشرى القلوب اليقِظة في رؤية النبي في اليقَظة " صلى الله عليه وسلم .
[3] ـ " قبسات من الأحاديث الصحيحة في الكرامات " مع تخريج الأحاديث .
[4] ـ " أربعون حديثا في العلم والتعلم " . جمع وتخريج .
[5] ـ سيرة الشيخ البروقيني ، المسماة :
... " اتحاف النابه المجيد في مناقب الشيخ محمد بن عبد المجيد " .
[6] ـ " المبشرون بالجنة " .
ومن المخطوط :
[7] ـ " الفائزون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم " .
[8] ـ " لقط العناقيد في حصر المسانيد " .
في كتب المسانيد ، والتعريف بها وبأماكن حفظها ووجودها ،والترجمة لمؤلفيها.
152(1/121)