جلال قضيماتي
سنابل الحرمان
* شعر *
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
1998
تصميم الغلاف للفنانة : ريم الخطيب
الإهداء..
..وعاد العمر عطاء سنابل
تخاف التماهي في فضاءات الحرمان
وتسأل..!؟
جلال
((
"النفي إلى ذاكرة الصَّمت"
وحدي
أتجوَّل في أقليم الضوءِ
أطارد أنسامَ الظل الهاربِ
من منفى الغاباتِ
إلى الزمن الغاربْ
وحدي
أتحسَّسُ في نوء الكلماتِ
صريرَ الريحِ على حاشيةِ الفيءِ
فأهربُ
من زمن الطوفانِ
إلى طقس النيرانِ
لأكتبَ
أو أتقرَّى
في ردهات الوقتِ
نزيفَ التاريخ الآيبْ
وحدي
ولهاث العشبِ
نبايع أنفاسَ الأرضِ
نلوّنُ بالأفكارِ
تضاريسَ الزمن الشاحبْ
نرسلُ في ميناء الصمتِ
قواربَ مجهولٍ ينأى
ثم يعودُ
مع الصبحِ الغائبْ
وكلانا
سَفَرٌ في أروقةِ الغيبِ
نُصِرُّ على الفتحِ المسكونِ بنا
ويلاحقنا
خلفَ جبال التيهِ
عزيفُ المقبل والماضي
وكلانا
لا نعرف من سرِّ الأنداءِ
سوى
أنَّ الأنفاسَ يردِّدها
في غَلَسِ البوحِ
طريقُ العودةِ والغربهْ
أتحاشى
وأنا أتحاور مع ظلّي
أن أعلنَ -لو في همس البوحِ-
بأنّي
ما زلتُ على شطآن العمرْ
أتحاشى
وأنا أتحدَّرُ من موتي
أن أكتمَ -لو في عقمِ الصوتِ-
بأنّي
ما كنتُ على شطآن العمرْ
لكنْ...
وأنا أتحاشى
أو أوغلُ في التذكارِ
وفي التسآلْ
ينهمرُ الظلُّ عليَّ
من المنفى المسكونِ
سؤالاً
في ذاكرةِ الصمتْ
ما لونُ الظلِّ
إذا خَبَّأهُ الظلُّ بنهدِ الريحْ.؟
ما وقْعُ الصوتِ
إذا أرَّخه الصوتُ بقيظ الرملْ؟
ما سرُّ الصمتِ
إذا سَجَّاهُ الماء بوعي الماءْ.؟
أتحاشى
ثم يداخلني
بالرغم حفيف القحطْ
فأقايضُ أحلامي
بنزيف الفكرة إذ تهمي
ناراً تتجرَّعني
وأنا المقتولُ على أبراجِ الروحْ
فأمدُّ إلى الأبعاد يداً
تتقصّى سرّاً ما يمليهِ المرجُ
على صفحاتِ الروحْ
وأحسُّ بأنَّ أوابدها
تترى
وغبارُ الطلعِ يعيد إلى الأعشابِ
نثار اللمح
فيجيب النزفُ دمي
وتظلُّ على الهمساتِ أماني الصبحْ
ماذا... لو أنّ الجرحَ تؤاخذُهُ(1/1)
في ثورتهِ
آلامُ النزفْ..؟
ماذا.. لو أنّ الصوتَ تقاضيهِ
فيما يحكي
أصداءُ الحرفْ.؟
ماذا.. لو أنّ البحرَ تساورُهُ
وهو الممتدُّ على الآفاقِ
طيوف الخوفْ.؟
ماذا..
لا شيءَ سوى:
أنْ ينسى الجرحُ
وينسى الصوتُ
وينسى البحرُ
بأنّ الصبحَ إذا غَشَّى الأكوانَ
فكلٌّ بعدهُ فانٍ
إلاّ الموتْ
وبأنّ الماءَ إذا يترقرقُ
يغدو من نعماءِ الماءِ
خرابُ الكونِ
فكلُّ أوانٍ إثْرَهُ ميْتْ
ويقاضيني
وأنا المصلوبُ على جذع اللحظاتِ
مطافُ العمرْ
أتوسَّمُ
إذ أتوحَّدُ في نار الأشياءِ
بأنَّ نقيضَ الشيءِ القادمِ
من أوجِ النسيانِ
هو الزمنُ المنقادُ إلى أصقاعِ الصفرْ
وأنا في ساعةِ إعدامِ الأزمانِ
رهانٌ متروكٌ
لا يسألُهُ عن سرِّ الحكمِ
سوى المشدودِ إلى ساحاتِ القتلْ
فأظلُّ وراءَ سياجِ الفكرةِ
مصلوبَ الإحساسِ
على أعمدة الهزءِ
تعرّيني المرآةُ
أمامَ ضمير الليلِ
وتلقيني..
كالثلج على قارعة القمرْ
وتباغتني
لحظاتُ العمرِ الهاربِ من ظلّي
وتذكرّني
بضميري حين يحاورني
فأقول لهُ
ما لستُ أقول اليومَ
-وإن أرغمتُ-
وأسرح في ملكوتِ الصبرْ
لا شيءَ هنا
يرتاح على واجهة العمقِ
سوى زبدٍ
يمتدُّ غثاءً إذ يلفظه السيلُ
إذا ما انهمر السيلْ
لا شيءَ..
وطعم الماء تغيِّرهُ
أعشابُ الطحلبِ..
تمطرهُ..
بهوَام السفحِ
وتعلنهُ
-وهو المنهيِّ عن الأزهارِ-
رحيقَ النحلْ
لا شيءَ..
وكل جفونِ الزهوِ
تغشيّها أصدافُ الليلْ
وإذا شرنقةُ الصُدْفةِ ما سألتْ
عمّا يعلنه الزهر من الأنفاسِ
يجيب الغيثُ
أمَا انحبستْ عنّي الأعماقُ
وبدّلها
زمنُ الإسفلتِ
بنزفِ الصدرْ..؟
وعروقُ الأرضِ تعاطاها
نسغُ الأهواءِ
وألقاها
خلفَ النسيانِ
تضاجعها حين الإخصابِ
جذور العمرْ..؟
ماذا..
لا شيء
وشيء يسكنني
فأرى..
في قطبِ الشيء الكامنِ
موتَ الشيءْ
وحدي
أتجوَّلُ في لاهوتِ الضوءْ
أتوارى في ناسوتِ الهزءْ
أتسلَّق أسوارَ الظلمهْ
وأنا المحكومُ بما تنبي عنه الكلمهْ؟
(((
" مسافة دون الرحيل "
تعبتُ..(1/2)
تعبتُ من عمري
وهذا القيظُ
لم يبرَحْ بقائي
وهو في دربي
مقاديرٌ
وأفئدةٌ..
تناديني
أماناً..
أيها المأخوذ بالإذعانِ
لا ترسم بوجه الماء ظَّلّكَ
واتَّئدْ..
إن رحتَ تقرأ في حواشي الغيبِ
ما خطَّته عاديةُ الرؤى
واعلمْ
بأنكَ ما تزال على ضفاف الريحِ
مأموراً
لما يرث التراب لدنكَ
من ماءٍ
ومن طينِ
وحولكَ..
تُبْعَثُ اللمحاتُ
أمداءً
فهل شاهدت فيها
بعثك الموعودَ
أم ألقيتَ رحلكَ
مطلقاً فيها
سراحَ العمرِ
أو موت الأحايينِ.؟
لعلّكَ.. والرؤى نفقٌ
يعاندُ خطوَكَ -المنفى
فترجعُ..
مكرَهاً تأوي
إلى نزعات روحِكَ
ثم تحبو
لا إلى أفق تسافرُ
لا إلى بَرًّ تراودهُ
فتطلق روحَكَ الظمأى
إلى ما ترسم الهمساتُ
في غبش الأفانينِ
دعوتُكَ..
باسم ما اغتصبتْ
حروف الطمي من ذكرٍ
وباسم بقائكَ المنسابِ
من وهمٍ
ومن ماءِ
دعوتُكَ ..
هل سمعتَ
صريخَ ما نفثتْ
رقاقُ الطينِ
في رمل المدى المنثالِ
في هَذْرِ الأجنّةِ
إن بكتْ عرسَ المنى المنبثِّ
في ظلمات أوداءِ؟
دعوتُكَ..
ها أنا وحدي
أسير ولا أسيرُ
ولست أدركُ
ما مدى دربي
أبعد البعدِ
أم في البُعدِ
سوف أكونُ
أم سأكونُ
لا إسماً
ولا همساً
وراء الموعد المأمولِ
في يومٍ
يباغتني
فَتُكتبُ فيه خاتمتي
وأرحلُ
دون أن أدري
ولا يدري سوايَ
بأن ما أبقتْ لي الأيامُ
شاهدةٌ
تشير إلى
البقاءِ
أو الفناءِ
غريبةً تجثو
وتعلنُ..
أنها الخطواتُ قد سكنتْ
صقيعَ
النسكِ
والهذيانِ
وانهمرتْ
على طِلّسْمِِ
آمالي
وأرزائي
دعيني..
يا ثواني العمرِ!
ها قلبي
تعانده المواجدُ
آنَ يقترفُ الرجاءَ
وتنتهي
في لحظة الإشراقِ
سانحةٌ
أسائلها
فتهرب من هنيهاتٍ
تركت بها
بقايا قلبي الواني
دعيني
ها هي الصبواتُ
أرصدها
فتنأى عن مدى بصري
وتسكن في شجى قدري
وتنهرني
وتضحك ملءَ عطفيها
من الأبد المسافر فيه
تكويني
ووجداني
دعيني..
إنها اللحظاتُ
آخذةٌ
رؤايَ إلى أقاصي ما يشاء الدهرُ
من سَفَرٍ
وإن لمعتْ
أو انطفأتْ
ثواني المشهد الباقي
على ألواح إنساني(1/3)
دعيني..
إنها السكَراتُ
ولتنزفُ عروقي
ما يؤرّقها
فقد ألِفَتْ
تعلاّتي
وأحزاني
ألا يا أيها الصوتُ المنادي
باسم من تدعوهُ
للّقيا
أماناً..
إنها الرعشاتُ
تسبقني إلى الرؤيا
أماناً..
لا تشح عَمّنْ
سعى للمنتهى سعيا
أماناً..
إنه وعدٌ
وباسمك يلهج الموعودُ
لا أمراً
ولا نهيا
أماناً..
سوف أشرعُ
-مؤمناً-
ركبي
إلى من سوف يورِثُ بعديَ
الدنيا
وها أنذا..
مصير في يد التوق المسافر بي
إلى فيض يناديني
أطوف على روابي الحلمِ
أسألها
إذا اغتالتْ خطايَ
فملّتِ الترحالَ
حاملةً
رهينَ الماءِ
والطينِ
أما سمع المدى صوتي
فلبّى دعوة حرّى
تشيل إلى حفافي الغيبِ
قلباً
ظل في غسق الرؤى يرنو
إلى شفقٍ
بطيف ظلاله الفيناءِ
يؤويني
فتسكن في مداه الروحُ
حانيةً
على أنفاس تربتها
وناعمةً
بآي الذّكْرِ
من حينٍ
إلى حينِ؟
(((
بانتظار الموسم الآتي
ضاقَ المدى
عن حملِ نورِ الشمسِ
فاستشرى الضبابُ
وقالَ للدنيا:
-قفي
قد سَمّرتْنا الأرضُ
في وجهِ الرياحِ
وضمّدتنا
بانتظارِ الموسمِ الآتي
عسى
أن نستريحَ بموقفِ
فتنازَعَتنا
لهفةُ الإخصابِ
في عرسِ الرؤى النشوى
ولهفةُ
أنْ نكونَ على بساطِ الوعدِ
لحناً بعدُ لمّا يُعزَفِ
يا روعةَ الذكرى.!
تُرى..
ماذا سنصبح
بعدَ طولِ السيرِ
في طُرُقِ الهوى
قولي:
ألا تدرينَ
أم أنَّ المدى
لم يَعْرِفِ.؟
رَعَشاتُ حبّكِ
إنْ يُحرّكْها الجنونُ
فإنَّ في عينيكِ
تاريخَ انتظارْ
لا تحلمي بالذكرياتِ
وأوقفي
عرباتِ نفْيِكِ
في تضاريسِ المدارْ
هَمَساتُنا عَتْبى
وتدري
أنّنا من بعدِ ما كنّا سؤالاً
في ضميرِ الغيبِ
في سكَناتِ أحلامِ القفارْ
عُدْنَا
لنخصبَ في بهاءِ الصحوِ
لكنْ..
قبلَ أنْ نُروى بأمطارِ النّضارْ
سكَنَتْ بنا سُحُبُ الرجاءِ
فَيافيَ الأملِ المسوّر بالنهارْ
فتقا سَمَتْنا
خطوةٌ تحدو بنا
نحو الظلامِ
وخطوةٌ أخرى
تهِمُّ
فيصفعُ الدّربَ المسارْ
فنعودُ..
لا نَلْوي على وطنٍ
سوى
ما سيجّتْهُ ببالِنا
حِزَمُ الدُّوارْ
منْ أنتِ..(1/4)
يا رؤيا تلوحُ على الصراطِ
وحينَ أعبرُ شأْوَهُ
أهوي إلى الدّرَكِ الرجيمْ
لا تأخذي مني العتابَ
ولا الإيابَ
إلى محطاتِ النعيمْ
دأبي
وإيّاكِ انتمى
للشوقِ
للوجدِ المعنِدلِ
في انطفاءاتِ العيونِ
لمرفأٍ
يبكي على الشطِّ القديمْ
ولأنّني
ما زلتُ أعلمُ أنّنا
توقٌ يسافرُ في الإيابِ
ويمحزُ الأزمانَ
في الزمنِ العقيمْ
أزمعتُ
أن ألقي إليكِ
بقيّةً من ومضةٍ
حينَ التألّقِ
أغطشَتْ
وتوكأَتْ
حيرى.. تدبُّ على متاهاتِ السّديمْ
فَتَوَصّلَتْ
وتَوَاصَلَتْ
وكأنّها
كانتْ .. وما كانتْ
سوى ألقٍ
تردّدَ مفضياً بالسرِّ
دونَ وشايةٍ
حتى يُوائمَ بيننا
لكنّهُ..
لم يدرِ أنّ لقاءَنا
أضحى محالاً
بعدما أفضتْ إليهِ رسالةٌ
من جانحيكِ
تقولُ:
وَدّعْنا الشبابَ
وَهَا خطانا
عَثرْةٌ
تمضي.. ولا تمضي بنا
إلاّ إلى أملِ الحطيمْ
وَهُنا
تَجاوَزْنا خطانا
وانتهجنا خُلْسَةً
والعمرُ يجري خلفنا
وصياحُ ماضينا
يُرَجّعُ ما تَرَكنا بعدَنا
فاستغفرتْ روحي اللقاءَ
وأيقنتْ
أنّا كتبنا عمرَنا
في صفحةٍ طُوِيتْ
وآلى دربُنا
أن يستريحَ بلا خطانا
متعَباً
يقضي على ما قد حَلُمْنا
واقترفْنا
من لذاذاتِ الهوى
حتى انهزمنا
دونَ أنْ ندري
بأنّ الدربَ أفضى بعدَنا
للهجرِ
والسلوانِ
لكنْ..
لم تَزَلْ في زعمِنا
ذكرى
_ولولا الزعمُ-
ما كانتْ لنا
إلاّ ذُؤاباتُ الطريقِ
نحثُّ فيها خطوَنا
ونضيعُ في كرْمِ الهوى
آنَ اعتصرنا كرمَنا
مُتسابقينِ
وقد نسينا ظلّنا
نعدو.. ونعدو.. كالظّبي
ونظنُّ
أنَّ الدربَ أشرعَ سيرَنا
نحوَ السنا
لكنّنا..
يكفي الذي
قُلنا..
وقُلنا..
حَسْبُنا
أنّا التقينا
وافترقنا
بانتظارِ الموسمِ الآتي
عسى
أنْ نستريحَ بموقفِ..؟
(((
"الحصَار"
بكلِّ انكفاءِ المفازاتِ
جئتكِ..
زوّادتي :
حلمٌ..
وانكسارٌ
ألوب على نُسْغِ ضوعٍ
تمثّلْتُ فيه بأنكِ
ومضُ انطفاءٍ
تردَّدَ
ثم تأوّدَ
ثم انتهى في التلاشي
فأيقنتُ
أن الحقيقةَ وهمٌ
وأن الوصول سرابٌ
وأن التوحُّدَ فيكِ.. اندحارْ(1/5)
لماذ تجيئينَ في خُلْسَةِ الطرْف عتبى.؟
أما تعلمينَ..
بأني أسيرٌ بفيضِ الحنينِ
وأن ارتمائي لديكِ
يؤاخذني فيه وَطْءُ انعتاقي
فيحملني
لا إلى واحة الوصلِ
لكنْ .. إليكِ
يحمّلني
وزْرَ أني هناكَ
بعيدٌ .. بعيدٌ
وعيناكِ.. رفٌّ من الوجدِ
حين أذوب لديهِ
أكون بعيداً
وحين أواصل سيري إليهِ
أكون على جُرُفِ الانهيارْ
أراسمةَ الأمنياتِ على كحل ذاتي.!
أما تحلمينَ
بما خبّأْتهُ لدنْكِ العيونُ
وحين تَماهَتْ لديها المسافاتُ
نامت على شاطئيها
مشارف رؤيايَ
لكنْ..
وحين صحوتُ
رأيتُكِ فيها
فكنتِ مدايَ
وكانت مغانيكِ
برجَ انتظارْ
هي الآنَ أحلامنا المترفاتُ
تناديكِ
تأتينَ.. أو تحجمينَ
ولكنْ..
أُحِسُّكِ شأواً يحثُّ انتظاري
وآنَ أرى فيكِ بعضَ التمرُّدِ
ألقي
يداً من ظلال السجوفِ
فلا تكتمينَ اغتصابَ الرِّغابِ
وَهَوْناً
تنادينَ قلبي
فيأتيكِ
خِيْفَةَ أنْ توقفي زحفَ توقِكِ
إِثّرَ انطلاقي
فأشرد في وهلةِ الرَّوْعِ
أكتم سهماً
تَوّطنَ في عنق الوصلِ
ثم استدارَ إليَّ
يسوّرُ أطلالَ ظلّي
بأوهامِهِ السافياتِ فانساكِ حيناً
وحيناً أفتّحُ شجوي
على بقعةِ العمر عمراً
فألقاكِ:
فاتحةَ القلبِ
شاهدةَ الحبِ
نازفةً في صميمي
شحوبَ الحصارْ
وإيّاكِ.. أمضي إليكِ
تؤاخي ظنوني
مداراتُ خطوي
بُعَيْدَ الفطامِ عن الرعشةِ البكْرِ
في ذكريات الطفولةِ
مُذعُلّقَتْ خصلةُ الروحِ
في شرفة النأيِ
تحرسها
بعد أن أرهقتها
بما علّمتها من العشقِ
واستعبدتْها
بعينينِ... مثلَ الفضاءِِ الرحيبِ
إذا شئتُ أن أرسلَ الروحَ فيهِ
تضيقُ بيَ الأمنياتُ
فأسقط في فسحةِ الصمتِ
أنسلُ من وَقْعِ ذاتِكِ ذاتي
لعلّ الذي تمنعينَ
يكون انطلاقي إليكِ
ويبعدني عن جنوحِ الدمارْ
تعلَّمتُ من خفقةِ القلبِ
أن أكتم الوجدَ
إمّا نسيتُ بأن رحابَ اللقاءِ
تمادتْ على ساعديكِ
فأنكرتِ
أنَّكِ أنتِ التي علّمتهُ الوجيبَ
وأنتِ التي علّمتهُ بأن يكتمَ الشوقَ
واليومَ..
ماذا تريدينَ أن تتركي للغريبِ(1/6)
وقد أنكرتْه سوانحُ لقياكِ
هل توقفينَ الحنينَ
وهل تنظرينَ إليَّ بعينيَّ
أم بعيونكِ
مُذ ألِفَتْ في سكونِ انتمائي إليكِ-
هواها
فألقتْ إليهِ رمادَ الجمارِ
وعادتْ..
لتقرأ سطراً
وتنسى سطوراً
قُبَيْلَ التوغُّلِ في قاعِ ذاتي
رأتْها تلوّحُ للذكرياتِ
مودِّعةً ساعةَ البوحِ
ما كانَ منها
وموغلةً في صميمِ السِّفارْ
وآتيكِ..
أخرجُ منكِ
وأدخلُ في جانحيكِ
يعلِّمني الحبُّ
أن أسكنَ الصمتَ
أن أنهلّ الوقتَ
لكنْ..
وحين تكونينَ تغريبةَ السُّكرِ
أصحو على ناركِ السرمديّةِ
تحرقُ فيَّ رفاتَ انطفائي
فَأُبعثُ في لحظةِ النعْيِ
أقفو تباريحَ شجوكِ
ثم أطوِّحُ رأسي
على لمحةِ السعيِ نحو رؤاكِ
فألقاكِ في كل صبوة لحظٍ
ولكنْ..
وأنتِ المسافرُ فيكِ حنيني
وأنتِ المؤرَّقُ فيكِ سكوني
تلاشيتِ
لا عن رؤايَ
ولكنْ..
عن القلبِ والطرفِ
دون اختيارْ
لأجلِكِ
إن يهتفِ القلبُ:
عودي..
دعيهِ
فليس لديهِ سوى أن يناديكِ
أو فانهريه بقولكِ:
دعني
ألستَ وقد أرهقَتْكَ المحطاتُ
ما زلتَ تحلمُ
دعكَ إذن من نثارِ الشتَّاتِ
وكن ما تشاءُ
فبيني وبينَكَ طوفانُ مدٍّ
تمرَّدَ في سبحةِ الشوقِ
حينَ سَبَتْهُ المتاهاتُ
فارتدَّ
لا الليلُ يهمي على جانحيهِ
ولا الفجرُ يهدي إليه النهارْ
فكلُّ انكفاءِ المفازاتِ
ما كانَ إلا لتهربَ منا الدروبُ
ونبحثَ في ظلِّها عن مدارْ
فَنُقْرِئُها وَهْيَ في الغيبِ نشوى
لإيلافِ قلبِكِ
إيلافه
رحلةَ القربِ والبعدِ
هيهاتَ تجمعُنا
بعدَ تلك الديارِ ديارْ؟
(((
"أتوحُّد فيكِ.. وَأنسى"
أتهجَّدُ في صومعة الحلمِ
على ترتيل صلاة البوحِ
وأبحرُ في عينيْ سانحةٍ
ضلَّتْ في غدها الأنداءْ
كشراع في وَهَنِ اللحظاتِ
تسابق زورقَه الأنواءْ
مسكوناً.. لا بالهمِّ
ولكنْ
بسؤالٍ
ما زال يباغتني
كرياح الصدفةِ في الرمضاءْ
ماذا أودعتَ الريحَ
وأنتَ على غبش التذكارِ
قريبٌ من جُرُفٍ هارٍ
ينقضُّ.. ولا ينقضُّ
فيمسكهُ الإعصارُ
إذا طوَّحَهُ السيلُ(1/7)
وأذرتْ برؤاه الأوداءْ..؟
ماذا أسكنتَ الشمسَ
وعينُ الشمسِ غَدَتْ نفقاً
تتوكأ في رؤياه عيونُكَ
لا تدري
هل أنتَ أسيرُ الليلِ
أم الأيامُ تسافر فيكَ
فترجعُ
لا صبحٌ يتبسَّمُ في رؤياكَ
ولا أهدابُ مساءْ..؟
يتقاضى فيك المَحْلُ
ويسكن فيكَ الخصبُ
وأنتَ غداةَ الحكمِ
تقاضي الحكمَ
تطوّحُ أشرعةَ الإذعانِ
وتوقظ عينَ الظَّعنِ
بلا وَطَرٍ
تختارُ مماتَكَ
أو أثمالَ حياتكَ
لا رُطَباً تسَّاقَطُ من أغصانِ مصيرِكَ
لكنْ..
والدربُ المسكونُ بهاجِسِ همِّكَ
إذْ يمتدُّ
تلوحُ وراءه عينا سانحةٍ
كالحلمِ
فترسمُ في رمل مداها-
رؤياكَ
وتُبقي في صمت رؤاها
آبادَ الوهمِ..
وتنسى
أن على عَصف ثراها
ينداحُ الشاطئُ
لا بالموج.. ولكنْ
بصراطٍ
لا تعبُرهُ
إلاّ لمحَاتٌ بكماءُ
ولا تسري
إلا كالقيظِ بأزمنةٍ عجفاءْ
وأنا
بل أنتَ
وراء الزمن اللاهثِ
نلهثُ..
نكتبُ..
نمحو
ثانيةً
من ثَبَجِ العمرِ
وندري
أن ثوانيه الرقطاءَ
كرفَّةِ أهدابٍ
كانت -مذ كانتْ-
آخرَ ما تسعى في زبد الغَمْرِ
فقد جَفَّتْ
وتشقَّقَ في أعطافِ هواها الشوقُ
فأغفَتْ كالذكرى
تجترُّ معانيها الخرساءْ
أتوحَّدُ فيكِ
وأنتِ القاتلةُ الآمالِِ
وأَنحتُ من ضوء عيوني
تمثالَ رؤاكِ
فيخدعني
وأظلُّ أصدِّقُ أنكِ آخرةُ الأحزانِ
فينهرني من لمِحكِ ضوءٌ
يشحبُ
إن رفَّتْ من رمشِكِ ثانيةٌ وطفاءْ
أتوحَّدُ فيكِ
وأنتِ الماثلةُ الأعطافِ
ولكنْ..
ينهارُ التكوينُ
فأسقطُ في أصقاعِ الحلمِ.
ألوِّنُ بالأفكارِ تضاريساً
لبقايا وهمٍ
يكتبني
سطرَ دخانٍ
أقرأهُ
وأعودُ كفيفَ اللمحِ
كفيفَ الخطوِ
فأدركُ
أن الجرحَ ينزُّ على ضوء عيوني
ويغشِّي ما أبصرتُ
فأنسى الحلمَ
وأنسى الموتَ
وأدركُ أني ذاكرةٌ
تمحو الأيامَ
وتكتبها
سطراً في الرملِ
تذرِّيهِ
أرياحُ الفتنة والخيلاءْ
لكنّي..
عبثاً أحضنهُ
فيغاويني
ويهدهدني
ويطوِّحُ عمري مغترباً
فأعود إليكِ
وقد ملكتْ كفَّايَ الريحَ
وعاجَلني
من صوتِكِ رجعٌ يحدوني
كالتائه في ظمأ الصحراءْ(1/8)
أتفصَّدُ عنكِ
تمزّقني
أصدافُ هواكِ
فأمسكُ عن نفسي الرؤيا
وأسافر فيكِ
وأمعن في الترَّحالِ
فيفجأ خطوي القيظُ
ولكني..
أسري بعيونِكِ -قاتلتي-
لأعودَ
وخضرةُ أكواني
تنداحُ
تلوِّن ألواني
كالطيفِ
وحين تدورُ بيَ الرؤيا
أغدو وهواكِ -ولو ألماً-
لوناً كالماءِ بلا لونٍ
فقد امتزجتْ
ألوانُ الطيفِ بأعماقي
فغدوتُ بهِ
وهواك يضمِّخ وجداني
لوناً كبياض الصحوِ
يوحِّدني
فأشطُّ وإيّاكِ زماناً
وبرغم البعدِ يوحّدنا
لوناً
فأعودُ وإن أرهقني الطيفُ-
وأضواني
أتوحَّدُ فيكِ..
وأنسى
أن على شفقِ الرؤيا
شلالَ ضياءٍ
يدعوني
لأضمَّ بقايا أزمنتي
وألملمَ ذاتي فيكِ
وحيداً
إلاّ من زَمَنٍ
يسبقُني فيهِ إليكِ
وجيبٌ من ظمأٍ
يغتالُ البعدَ
ويزرعني
في قلبكِ خفقةَ أزمنةٍ
أتعمَّدُ فيها مؤتلقاً
ومداكِ يضمُّ سوانحها
ويوحِّدُها
في لحظةِ بوحٍ تدعوني
وتوحِّدني
إذ كنتُ بها
أتوهَّجُ في محراب هواكِ
لتعلنَنَا
زمناً ينأى بجوائِحِهِ
عن كلِّ تباريح الأنواءْ
فقفي في ردهةِ ذاكرتي
وأطلّي منها نحو غدٍ
لا بد سنعبره ألَقَاً
ليباركنَا
لا عبر الظلِّ
ولكنْ..
عبر مساحاتِ الأضواءْ؟
(((
"صَبوة البدء انتهاءْ"
وعيتُكِ في خاطرِ الظن حلماً
تجيئينَ عبرهُ
دون انتظار الزمانِ
وتغوين أحلام روحي
بما لا يشاء الزمانْ
ألا أيها الطيفُ.!
هذا مدى القلبِ
اَقْصِرْ عتابَكَ
إن المحبةَ أن تسكنَ القلبَ
لا أن تقولَ:
تناءيتُ
أين شراعُ الرجوعِ
إلى مرفأ القلبِ
ننسى
ونذكرُ
ننأى
ونعبرُ
كلَّ الدروبِ القفارْ
وأنتِ تنادينَ طيفَ انتمائي إليكِ
بأحرفِ نورٍ
بأحرف نارٍ
ولكنْ..
وذكراكِ تلمحني في الضبابِ
أسارعُ خطوي
فألقاكِ..
رفَّةَ هدبٍ
هنيهةَ قربٍ
فأغضي
وكلّي إليكِ يسابق كلّي
وأنتِ..
إذا ما تَفَرَّسْتُ وجهَكِ
في جانحيَّ
أراكِ جنوحَ انتظارٍ
فأعدو إليكِ
ولكنْ..
أراني وأنتِ وميضُ انطفائي
رجوعي إلى واحةٍ
لستِ فيها
سوى زفرةٍ من ضياعي
فأعلمُ
أنَّكِ سافرتِ في البعدِ
أمعنتِ في الصدِّ(1/9)
خَوْفَ الحَذَرْ
فأكتُم كلَّ الذي حاصرتْهُ الأماني
وألقي إلى اليأسِ
باقي الصُّوَرْ
.. وأذكرُ
أن احتراقَ المسافاتِ
يسألني عنكِ
أنتِ التي أشعلتْ بيننا النارُ
أجواءَها
هل تنادينَ رؤيا تَوَلَّتْ
إلى غيرِ ما مقصدٍ من رؤاها.؟
وأنتِ التي أهْرَقَتْ بيننا الأرضُ
أهواءَها
هل تعودينَ صبوةَ قلبٍ
ترامى إلى سِدْرَةٍ
ضاع في بدئها منتهاها.؟
وأذكرُ
كيفَ دخلتُ وإيَّاكِ برزخَ أحلامِنا
ثم عدنا
وأنتِ تشيحين عن كل درب سلكنا
وقلبي يفتِّشُ عنكِ
ويعلمُ أن الذي حفظتْه الضلوعُ
تناهى بقولي عن الأمسِ:
كانَ
وكنَّا
لماذا إذن تعبرين الفؤادَ
وكلُّ الذي تعلمينَ
تمطَّى كسحبِ الدخانْ.؟
وها أنا في البعد طيفٌ
إذا ما تساءَلَ عنكِ
يعود أسيرَ الهوانْ
لماذا..
وإمّا ذكرتُكِ
أرجعُ
والقلبُ يعلمُ أن هوانا كأصداءِِ:
كنَّا
وكانْ.؟
لماذا..
وإمّا أتيتُكِ في الذكرياتِ
أعودُ..
وفي القلبِ:
لطف الزمانِ
وعنف الزمانْ؟
لماذا...
لماذا..
ويندى سؤالٌ
ويذوى سؤالْ
فنفضي
وفي سرِّنا السرُّ
يغري دروبَ المحالْ
ألا أيّها القلبُ.!
هَبْ لي إذا ما ذكرتُ
أراجيحَ روحٍ
تعودُ
وتنأى
وَهَب لي إذا ما عبرتُ الهنيهاتِ
دنيا
تشاطرني العمرَ
نوراً
ودفئاً
لأنَّكَ أنتَ البقيةُ
هَبني الحياةَ
ودعني
أسامِرُ زهرَ الطيوفْ
فإني، وإن ذَهَبَ العمرُ، أدري
بأن الجذورَ
ستمنح جُرْدَ الغصونِ
حياة
وحباً
وفيئا
وأن المنارةَ تبقى
-وإن عصف البحرُ-
هدياً
وضوءا
ألا أيّها القلبُ.!
بعضَ التجمُّلِ
لم يبقَ إلا الخواءْ
فقد أفل النجمُ
وأنطفأ الحلمُ
والنفس أَقْوَتْ
فكلٌّ هباءْ؟
(((
"إسرَاء"
... وبعد انحسار المسافاتِ
بيني وبينَكِ
جئتُكِ
عيناكِ دربي
وحبُّكِ
بعضُ الذي أتمنّى
وقربُكِ
لا أتسامى إليهِ
ولكنْ..
وئيداً
أُحِسُّكِ ملءَ كياني
وكلَّ الذي سرَّبَتْهُ الحياةُ إليَّ
فكنتِ ملاذي
وقد أَعملَ الدهر فيَّ انطفائي
فسارعتُ نحوَكِ
أنهلُ منكِ الرجاءَ
وأعلمُ
أنَّكِ تَوْقي(1/10)
وقد فاضَ في عمريَ الشوقُ
لكنْ...
أراكِ
وفي البعدِ والقربِ
أسْرُبُ في جانِحَيْكِ
رويداً..
رويداً..
وأقفو خطايَ إليكِ
فألقاكِ
فاتحةَ العمرِ
خاتمةَ التَّوقِ
والإنتظارْ
أَفيءُ إليكِ
وللدَّربِ سانحةٌ
أستعيذُ بها من رجائي
فهل تعلمينَ
بأنّي
وإيَّاكِ
والنُّعميَاتُ
أشَرِّعُ كلَ البيارقِ
أجثو على المنهلِ العذبِ
أسألهُ الوِرْدَ
لا تكتمي
ساعةَ البوحِ
جائحةً
في فؤاديَ
أسْرَتْ إليكِ
فكنتِ
وكانت مغانيكِ
دربي
ولقياكِ
آخرَ ما أستحثُّ إليهِ مدايَ.
وأعلمُ
أنّي أطوفُ بدنياكِ
أحلمُ
لكنَّ حلمي
يسائلُكِ اليومَ
هل تَبْرمَينَ
برؤياهُ
أم أنَّكِ اليومَ
ساريةٌ بي
نحو دنيا
أسافرُها
وفؤادي لديكِ
يحطُّ على ذكرياتٍ
إذا شئتُ أطوي رؤاها
يسارعني نحوكِ العمرُ
يَنْهَدُ بي إثْر دنيا
أراكِ
فتنهار دونَ مداها
مدارجُ
كانت تريد اللقاءَ
فاغفتْ
على شرفات المدارْ..؟
أسائلُكِ اليومَ
-سَيِّدةَ الحلمِ..!-
مدِّي
بعالَمي الأفقَ
وانتشري
في صعيدِ رؤايَ
اخضراراً
أما آنَ للتَّوقِ
أن يستريحَ
على شرفات الخيالِ
فقد طالَ بي الدربُ
لا تسأليني:
لماذا أسيرُ.؟
وأين أسيرُ؟
ولكنْ
أجيبي فؤادي:
لماذا
عيونُكِ
إن طالها الشَّوقُ
تكتُم تَوقاً
تحاولُ
أن ترسمَ البعدَ
بين رؤانا..؟
لماذا
ودونَكِ من عالمي الرحْبِ
أفقٌ
تسامى
يريدكِ أن تَقرئيهِ
على جانحِ الومضِ
سِفْراً
يبوحُ بما خَبَّأَتْهُ العيونُ
لتعلنَ
أن الطريقَ
وإن كان صعباً
فإنَّا
إليه سنُفضي
أسيرَيْنِ
نَعْمُرُ بالحبِّ روحاً
تمطَّى لديها العذابُ
فأغفتْ
تسائلهُ الوحيَ
تندى
وقد جَفّ فيها
النَّدى
والنُّضارْ.؟
أحبُّكِ
فاستقبلي البوحَ
واستعذبي الوصلَ
إني أراكِ
بقلبي
بروحي
بكلِّ الجوانحِ
فانسي بأنّي
وقد جئتُ وحدي
أريدُكِ
ظلاًّ لروحي
مداراً لقلبي
فكوني
لروحي الظلالَ
وكوني
لقلبي المدارَ
وإلاّ..
فكوني انطفائي
وكوني مدى الصمتِ
أبْحِرُ فيهِ
وأغرقُ..
أغرقُ..
حتى القرارْ
إليكِ..
وقد سارع القلبُ سَيْرَهُ(1/11)
أدنو
بكلِّ انتمائي
بكلِّ انكفائي
فأزهَدُ فيكِ وجودي
وحين أحِّدقُ
في موج عينيكِ
أبصرُ ذاتي
تعاند كلَّ المواجدِ
تمضي..
كما الطيفُ.. حيرى
تعانق دربَ الحياةِ
وترمي إلى الغد حلماً
تُؤَنِّقُ فيه المصيرَ
وتحضنُهُ شَغَفَاً
ثم تُؤوي
لديهِ البقيَّةَ
من حلمها العذبِ
حتى تعودَ
-كما البدءُ-
نشوى
تسافر في الحلمِ
تسكن في الحلمِ
كالدِّر في ردهات المحارْ
فهاتي يديكِ
نرودُ الفضاءَ
امنحيني البقاءَ
ولا تحسبي أنَّ دربي
يكونُ
إذا لم يكن فيهِ
طيفٌ لحبكِ
يمنحني العمرَ
حتى أكونَ
-كما تأذنينَ-
طيوفَ رجاءٍ
بروجَ انتظارْ
وحين اللقاءِ
بروحِكِ أسري
بروحيَ تسَرْينَ
حتَّى تَلاقى رؤانا
على سدرة الوصلِ
نكتب في قدسِ عالمها العمرَ
إنَّا التقينا
وآنَ التقينا
نسينا الزمانَ
نسينا الأوانَ
وعدنا
إلى عالم الحبِّ
نعنو لديهِ
ونشهد في عارضَيهِ الحياةَ
فننسى :
بأنّا اغتربنا
وأنّا رجعنا
وفي توقنا التّوقُ
يقضي على مايشاءُ الحصارْ؟
(((
"الندى في مَسَالِكِ الحرمَان"
نَهرٌ عُصِيُّ الموجِ
أرَّقهُ الترقُّبُ
حمَّلتهُ الريحُ أسرارَ التمنّي
فانتشى ظمأً
يحنُّ إلى بواكيرِ الصباحْ
نَهَرُ تلكّأ في رحابِ الصمتِ
فارتعَشَتْ حَواليهِ السكينةُ
فارتمى
يجري على لِمَمِ المدارجِ
كالرياحْ
نَهَرٌ تصاخَبَ في المدى
حيرانَ
أرهَقَهُ المسيرُ
تملّكتْهُ سَماحَةُ الأَلَقِ الرَّهيفِ
وأنهكتْهُ
بِوابِلِ الطّوفانِ
فانتبهتْ إلى مجراهُ حالِيَةُ الربى
فأباحَ من مخضلِّ نُضْرتِها الأليفَةِ
ما أباحْ
نَهَرُ تدفَّقَ في فيافي الروحِ
فارتاحتْ لديهِ مسالكُ الحرمانِ
فانهمرتْ عليهِ الأمنياتُ
وحينما أغوتْهُ
قَبَّلَ وجهَهَا المنثالَ من نَهَمِ السَّرائرِ
فاستراحْ
قَمَرْ..
وفي عينيهِ أغوارُ الحقيقةِ
لم يكدْ ينأى عن الجرحِ القديمِ
فعاجَلَتْ
دنياهُ أمداءُ التَضَوُّعِِ
فاحتمى
بمرارةِ الشوقِ المهاجرِ
في دنى عينين تأوي في اخضرارِهِمَا
ظلالُ الذكرياتِ
وَجُذْوَةٌ من لهفةٍ(1/12)
كانت تؤرِّقُهُ
فأينَعَ زرعُها
في لحظةٍ
راحت تسائلهُ عن الدنيا
فأعلَنَها
وأغلقَ دونَها ما اجتاحَهُ
من نَفْحِ أحلامٍ
يعاقرُها
بكأس دونَ راحْ
يا أنتِ..!
يا مَنْ عرَّشتْ
في رحْبِ دنياكِ الأماني
هذه روحي
قد انَسَفَحتْ على كفيَّكِ
رُدِّيها
إِذِ انهَمَرَتْ على عِطْفَيكِ
سائلةً هواكِ
فهلْ تَرى في الجرحِ نزفاً
أم تَرَى أملاً يباغتُها
فتدنو من رؤاهُ
وتقتفي دنيا المنى
تجني لديها
كلَّ ما تعطي المواسمُ من أقاحْ
أعلنتُ باسمِكِ
باسم حبِّكِ
كلَّ خفقةِ خافقٍ
وَأمِنْتُ تحتَ رموشِ لحْظِكِ
أسألُ الحزنَ الأبيدَ
هل استرحتَ
أَمِ انكَفأْتَ
وكلُّ بارقةٍ لديكَ
يعيدها للصدر نَزْفٌ
لم تباغِتْهُ الجراحُ
وإنَّما
والقلبُ ينشدُ سكرةً
تهفو لديهِ هُنيهةٌ
ما إنْ تسامرْها الأماني
تنثني
وتقولُ:
باسم الحبِّ
أعلَنَتِ الخليقَةُ
أنّني
ما اشتَقْتُ إلاّ كي أكونَ على المدّى
أملاً
وذكرى
وانتماءً
وارتياحْ
فتدفَّقي
في أضلعِ التَّوقِ الحميمِ
وأعلني
للصّمتِ
أو للبوحِ
أنَّ الملتقى
ما كانّ إلاّ من رُعافِ الجرحِ
مُذْ هَفَتِ الجراحْ
وتوسَّدي
صدرَ المولَّهِ
واكتبي
في الغيبِ ملحَمَةَ الشذى
كُنَّا قُبَيْلَ الملتقى
سطراً تداوَلَهُ الدُّخَانُ
وحينما انهمَرَ السحابُ
على المفازَةِ
أينَعَتْ في الكونِ
أوردةُ النَّدى
فتماوَجَتْ روحانِ
وانكفأَ الصَّدى
واجتازَ شَأْوَ الوقتِ
قلبٌ
أيقَظَتْهُ ثِمَالَهٌ
كانتْ
وما زالتْ تسائِلُهُ
لماذا
لم نكن قلبينِ
نجتازُ المدائنَ
مُغْرَمَيْنِ
وحالِمَيْنِ
بأنْ نظلَّ مواكباً
تروي حديثَ الحبِّ
عبرَ الأمنياتِ
تحيلُ رمضاءَ الحياةِ
نداوةً
تخضلُّ دونَ الذكرياتِ
بُعَيْدَ ما كانت أمانينا
سُدى..؟
فتمرَّدي
لا تجرحي شَجْوَ التَّرقُّبِ
ها هيَ الأحلامُ
تعلنُنا
وقد أُزِفَ الإيابْ
أنَّا
وإنْ كنَّا انكفاءً
ربَّما
نمضي إلى غَدِنا خِفافاً
نقتفي
أَثَرَ الغيابِ
ونبعثُ الآمالَ
في صَلَفِ العذابْ؟
(((
"المدارُ المستحيل"
آتٍ(1/13)
وقلبي في يمينِكِ
مستريحاً
يسأل الطَّرْفَ الكليلَ
متى اللقاءُ
على شعاب المستحيلْ؟
أستافُ ريحَكِ
من هدير الصمتِ
يعلنُ
أنّ في قلبي وقلبكِ
واحةً
تمتدُّ
آسرةً مجالي الوجدِ
موقِظَةً
بقايا ما تحمِّلنا المواجدُ
من سكونِ الحبِّ
آنَ يُغيِّبُ الزمنُ المسافرُ
كلَّ ما كنّا نعاني
من سُباتِ الروحِ
في السفر الطويلْ
لا توقظي فيَّ الكوامنَ
حاذري
إن أنتِ أرهقتِ المسافةَ
أن تغادرَنا المشاعرُ
نحو أصقاع التوجُّسِ
أن تحوِّلَنا طيوراً
غادرت قبلَ الشتاءِ
عشاشها
فتغرَّبَتْ حيرى
تسائلُ دربَها
عن عمرها المسكونِ
بالشوق المهاجرِ
في دروبٍ
لا ترى فيها سوى
ما خَطَّهُ الشَّفَقُ المدمَّى
في مفازات الرحيلْ
وتوسَّدي
قلبَ المتيَّمِ
آنَ يعتصرُ الكرومَ
مدامةً
من ضَوْعِ وصلِكِ
تُسكِرُ المأخوذَ
من سحرِ العيونِ
لعلَّهُ
يصحو على لقياكِ
مشتاقاً
إلى زمنٍ
يراكِ..
هناكَ.. في أعطافِهِ
حلماً
وسلوى
واكتبي
في دارةِ القلبِ الحزينِ
ملاحِنَ التَّوقِ المغرِّدِ
في متاهات الحنينْ
يا رعشةَ الروحِ الشغوفةِ.!
حدِّقي
فيما تخطُّ العينُ
من لغةِ السكونِ
حروفُها..
قلبي
وقلبُكِ
سحرُها..
ما تلهمُ الأشواقُ من بوحٍ
وما تعنو إليه الآهُ
من ألم دفينْ
ولأنني
في درب عمرِكِ آيةٌ
ولأنَّ دربَكِ
في ضلوع العمرِ
سيرةُ مُغْرَمٍ
أعنو إليكِ
مكبَّلاً
بالشوقِ
بالخوف المباغِتِ خطوةً
تمضي إليكِ كليلةً
وتموج بالآمالِ
إذ تَلقى لديكِ هنيهةً
مكتوبةً
لا بالمشاعرِ
إنّما:
بالصمت
بالرعشاتِ
بالخفق الجموحِ
لعلَّ ما ترجو لديكِ
تراهُ
منقوشاً على حِقَبِ السنينْ
وهناك روحانِ
استظلَّ هواهما
أملَ اللقاءِ
وحينما
أغوى الزمانُ رؤاهُما
ضاقتْ بأفقهما الرؤى
فتعانقتْ
سَكَناتُ ظلِّهما
وضاعت
في مدى جنات حلمِهما
الحقيقةُ
وانتهى بهما المطافُ
على دروب الخالدينْ
وتدثَّري
ظِلَّ اللقاءِ
فإنّ في قلبي ظلالاً
لا تفيءُ
سوى إليكِ
ولا تكونُ
سوى لتعلنَ
أن سُكنى القلبِ
ما كانت لغيركِ
واقرئي(1/14)
عمري على سِفْرِ الزمانِ
لتعلمي
أنّي إليكِ
وأنّ أحلامي لديكِ
وإنْ مررتِ غريبةً قربي
رأيتِ بكوثر الأحلامِ
صورةَ عمريَ المسكونِ فيكِ
فآثري
بوحَ الشعورِ
وها أنا
ألقى بدربكِ غايتي
وأرى الهوى
يغريكِ
أو تغرينَهُ
بالصمتِ
لكنّي
وفي عينيكِ ألقى جنَّتي
وأراكِ حلماً
ما يغادرني
لأنَّكِ تُقْبلينَ عليهِ
آخذةً رؤايَ
بكلّ ما أبقى الزمانُ لديكِ
من وجدٍ حزينْ
فقفي
على حلم الحقيقةِ
واعلمي
أنّى اتجهتِ
أو اتجهتُ
فما لقلبي غيرَ قلبِكِ
ما لقلبِكِ غيرَ قلبي
من مدارٍ
وهو يخفقُ
إِثْرَ حبكِ
في المدار المستحيلْ؟
(((
"صَحارى الصقيع"
وقلتِ:
انهمرنا على الشوق شوقاً
ولكنْ..
أخاف انهيار السكونِ
بقلبي وقلبكَ
أخشى
تمرُّدَ ما حمَّلتْنا الضلوعُ
فهل في هوانا
-إذا ما عصتنا المشاعرُ-
ما يستبيح رؤانا
ويردع أحلامَنا المذعنةْ.؟
لعلَّ الهوى
إذ تسرَّبَ فينا
رويداً.. رويداً
رماناً على عالم اليأسِ
نقرأ فيه ظلال العذابِ
ونمحو من العمرِ
كلِّ الذي حمَّلتْنا الحقيقةُ
أنَّا سمونا على موئل التُرْبِ
أنّا ارتقينا
أسيرَينِ
ننشدُ في هدأةِ السرِّ
آمالَنا المعلنةْ
وماذا..
-إذا أرَّقتنْا المواجدُ-
نخفي
ونعلنُ
والعمرُ أدركَنا منه نهرٌ
عصيُّ الإرادةِ
ماذا سننهلُ
والنهر ظمآنُ
لكنَّ وِرْدَ المريدِ
إذا لم يكن منه بدٌّ
تُراهُ
سيعلن للروحِ
أنَّ الهوى غالَبَ الوجدَ
فانسابَ
ينهلُ من واحة القلبِ
ما أرهقته المناهلُ
فارتاح في شفق الغربِ
يعلنُ
أنَّ اللقاءَ
تماهى على شرفة الإنتظارْ.؟
وماذا
يخبِّيء فينا العذابُ
ونحن على جمره سادرَيْنِ
تُرانا
سنمضي إلى عالمٍ
لا يساورنا فيهِ
غيرُ التمنِّي
أو الألم المستكينُ
بأعماقنا الموهَنَةْ.؟
وماذا
إذا ما تبعنا هوانا
سيجمعنا بعد طول اغترابٍ
ودربي
ودربُكَ
قطبانِ
لا يجمعان بدنياهما
غيرَ ما قد تشاء رؤانا
وغيرَ انحسارِ التَّفاني
بجنَّاتِ أحلامنا المقفرةْ.؟
وماذا..
وماذا..
وكلُّ المواسمِ
بيني وبينَكَ
إن زهّرَتْ(1/15)
أو تجلّتْ علينا
بما أغدقت من
عطاءٍ
وخصبٍ
سنسعى إليها
ولكنْ..
إذا ما وصلنا
تجفُّ بأيدي التمنّي
وتتركنا
عشبةً صوَّحتْ
لا تغنّي لديها الحياةُ
إذا ما دعتْها
لطيفٍ تناجيهِ
في جنَّةٍ مقمرةْ
تُرانا نكونُ..
تُرانا نهونُ..
ويقضي علينا العذابُ
ويتركنا
في صحارى الصقيعِ
غريبَيْنِ
نبدأُ
من حيثُ خاتمةُ البدءِ
نبحثُ
عمَّا نراهُ
ولا نستطيع الوصولَ إليهِ
لأنّا
كتبنا بقيَّةَ أيامنا المرهَفاتِ
على سحب الإغترابْ
وإلاّ..
فما غايةُ البدءِ
والحلمُ أغطَشَ
وانهارَ
في ردهاتِ العذابْ.؟
... ... ***
وقلتُ:
إذن
أنتِ في فلك العمرِ
تُؤوينَ روحي لديكِ
ولكنْ..
تخافينَ من عالمٍ ما يرانا
لأنّا لديهِ
غريبانِ
نحلمُ
في غفلةٍ من رؤاهُ
ولا يدرك الدرب شأواً
لخطوي وخطوِكِ
حسب الحياةِ
وإن أرهقتنا
بآلامها المستعيذةِ باليأسِ
أنّا سنكتب فيها
بدايتَنا المستجيرةَ
لا بالهجيرِ
ولكنْ
بأعماقنا المشرعاتِ
وراء الظنونِ
وراء القرونِ
لنحُيي لديها الخلودَ
ونمضي إليها
أليفَينِ فيها
غريبيَنِ عنها
نريدُ
ونفضي
ونعلم أن الحلولَ
وإن كان صعب المنالِ
فإنّا
-وحسبُ السموِّ-
سمونا إلى عالمٍ
على سِدرةِ الإخضرارْ
وحسبُ التواصلِ
بيني وبينَكِ
أنّي غرقتُ لديكِ
وكانت معانيكِ
دُرَّ المحارِ
وعمقَ البحارْ
فلا تعجبي
أنَّ روحيَ مسراكِ
لكنْ..
أجيبي ظنوني
تُراها ضلوعي
لديكِ المسارْ .؟
وقلنا..
وقلنا..
وما زال فينا التَّرقُّبُ شوقاً
ولكنْ..
نخاف إذا ما دعانا الوصالُ
يغيبِّنُا
في مداه الوصالْ
وما حرَّمتهُ علينا الحياة
تجود به رعشاتُ المآلْ
فماذا نقولُ
إذا ضمَّنا العمرُ في لحظةٍ
ثم ألقى علينا
ظلالَ الزوالْ!؟
(((
" صَلاَة لعيد الشفق "
وحيداً
وعيناكِ.. والحلمُ
تحملني مفعماً بالأريجِ
تُضمخِّني
بانتظار اللقاءِ
على ردهة الحبِّ
أتلو لديها
صلاةَ الوصولِ
وأعنو مع السحرِ
أستمطر البعدَ
أن يستحيلَ
شآبيبَ غيثٍ
بقلبي وقلبكِ
تزهر فينا
كرومَ اللقاءْ
أقارئتي
في سديم الوجودِ(1/16)
تُراني
أحسِّكُ طيفاً
وكلُّ معانيكِ
تأمرني
أن أكونَ الأسيرَ لديكِ
فهلاّ استبحتِ كياني
وألقيتِ في ضفة الوصلِ
لحظةَ قربٍ
تكون لديَّ
الندى
والرجاءْ؟
ومَنْ لي على البعدِ
والبعدُ
في طَرفة منكِ
يغدو لقاءً؟
فأين البقيَّةُ
ممّا اجترحتِ
ظنوناً
يكاد على حَرِّها
يستغيثُ الرجاءْ.؟
ولكنْ ..
أظلّ.. وإيّاكِ
أومن أن رؤاكِ
رؤايَ
وأن الطريقَ إليكِ
يمرُّ بقلبي
وأن مداكِ
-وإن غالبتكِ الأماني-
يعِّرشُ دربي
فلا تجرحي الوِرْدَ
بالظمأ المرِّ
أو بالعذاب الشهيِّ
فإنّكِ
مهما تناءيتِ
أفْقي
وإني
ومهما تشاغلتِ
أصداءُ عمرٍ
وأنداءُ توقِ
فهلاّ أبحنا الهوى
وارتضينا
بأن نعبر العمرَ
طيْفَيْنِ
يجمعنا العمر في لحظةٍ
تستبيحُ المدى
ثم نغفو لديها
حَبيبَيْنِ
نعنو..
على سندسٍ
أو أُوارْ.؟
وماذا أقولُ
وهذا الشعاعُ الذي يتراءى
اخضراراً
وينساب من نور عينيكِ
يأمرني اليومَ
أن أتحاشى
رؤاهُ
لئلا أكونَ لديهِ
حفيّاً
أخاف الذهابَ
إلى ما وراء أقانيم حبِّكِ
إني
وقد تهتُ فيكِ
إلى أفق ما لست أدري
وصلتُ وإيّاكِ
حَدَّ الزمانِ
إلى شأو مالستُ أدري
وآنستُ حبَّكِ
عبر رؤاكِ
بُعَيْدَ حدودِ المدى
والمكانْ
وآليتُ
أن أشرعَ الركبَ
حتى أكونَ المسافرَ
فيكِ
وإيّاكِ
كي لا يكونَ اللقاءُ
على شاطئ الحبِّ
لكنْ..
وراءَ حدودِ الزمانْ
فنغفو
على رعشاتِ المحبَّةِ
آنَ يغيّبنُا العمرُ
خلفَ بقاعِ الأوانْ
وماذا..
وهذا الشعاعُ الذي يتراءى
من الشفق المستبيح اخضرار مَداكِ
يؤّرقني
حين آوي إليهِ
ويتركني
تحت ظلِّ غيابِهِ
أرنو إليهِ
لعلّي
أعانقه آيةً
ثم أغفو
على الشفق الأخضر المستريحِ
بغارِكِ
في منزل الوحيِ
أصحو
وفي سِنَةٍ منهُ
يغفو..
يغيبّنُا في سديم المدارْ
وماذا..
وعيناكِ.. والحلمُ
تأمرني
أن أصلّي
على شرفة الانتظارْ
فإن صلاة الوصولِ
مثوبَةُ قلبٍ
تعبِّدَ
في السرِّ
حين أتتهُ
رسالةُ عينيكِ
زُلفى
فآمنَ..
مستلهماً ما تمنّين من جنةٍ
عرضُها..
الحبُّ
والوجدُ
والذكرياتْ(1/17)
وآياتُها..
الوصلُ
والبوحُ
والأمنياتْ؟
(((
" ظمأ الأرواح نهر "
أيُّ طقسٍ أنتِ في مغناهُ
لا تدرينَ
لكنّي..
وفي عينيكِ
شيَّعتُ
الأسى
واليأسَ
والحرمانَ
واخترتُ الهوى
شَرْعاً
إلى دنياكِ
يحييني
فأزهو
بانتصار الروحِ
عبر الوجدِ
أشتاقُ اللقا
عند بكور الأمنياتْ
علّليني
بالذي أدري ولا أدري
وقولي:
نحن روحانِ
استضاءتْ فيهما الرؤيا
فأغضتْ
تسألً الرعشاتِ
عن معنى
لخفق الروحِ
في ومض الحياةْ
يا ندى اللحظةِ..!
في عمق الزمانِ
المستحثِّ الخطوَ
في عمري
وفي عمرِكِ
هل نحن استجرنا
من حثيثِ الخطوِ
إذ يمضي بنا الدهرُ
إلى ما ليس ندريهِ
ولكنْ..
حبنا يدري
بأنّا
لن نرى
في شِرْعَةِ الآتي
سوى ما يُرعِشُ الروحَ
ويمضي إثْرَها
نحو الوصولِ الحيِّ
في بعثِ الرفاتْ؟
دثِّريني
بحفيف الصمتِ
إن نادتْكِ روحي
واستحثّي البوحَ
في آيِ السُّقاةْ
زمّليني
بتجلّي الفيضِ
إن أسكنتُ قلبي
في مدى عينيكِ
واسقيني
رحيقَ الحبِّ
إن آنستِ في حبِّيَ
إكسيرَ الحياةْ
دثرّيني
زمّليني
إنما
إن أنتِ أدركتِ المدى
في عمق ما أرجو
فقولي:
جادنا الدهرُ
وقد آنسَ فينا
كلَّ ما يبغيهِ
من حبٍّ
ومن وجدٍ
وممّا سوف يأتي
بعدما أدركَ
أنَّ الحبَّ
بعضُ البعضِ
ممّا هو آتْ
نَهَمُ الرعشةِ
يدعوني
فأدعوكِ
فهل في دعوة الأرواح للوصلِ
ابتهالٌ
أم تُرى
في دعوة الأرواح للوصلِ
صلاةْ؟
أنا ما عانيتُ بُعداً
إنّما عانيتُ سكراً
من جفونٍ(1/18)
أتْرَعَتْها خمرةُ العي__- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ___- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ______- ____ً
يسأل الآياتِ عن حرفٍ
تماهى في كتاب العمرِ
وارتدَّ إلى النفسِ
سناءً
يسكُنُ الروحَ
بأنداءٍ
وظلٍّ
ثم يستروحُ في الصدرِ
شعوراً
كاد من فرط التمنّي
لظلال الوصل نأياً
أن يفيءْ
علّلي قلبي الذي
أوليتِهِ الخصبَ
فما زَهَّرَ
إلاّ..
من رؤى عينيكِ
يستهدي صراطاً
كاد لولا حقبةٌ من توق أحلامِكِ
أن يُفْضي
إلى ما لا يجيءْ
وانقذي تلكَ البقايا
من رفاتِ العمرِ
من كُنْهِ مصيرٍ
عصفتْ في غصنهِ الذاوي
رياحٌ
ليسَ تُسفيهِ
ولكنْ..
ربّما إن أنتِ أشرعْتِ الأسى
يمضي.. ولا يمضي
إلى دربٍ تمادى
في مدى رؤياهُ
أَقْوتْ حولَهُ الآمالُ
فارتدَّ غريقاً
يسألُ الناجينَ
من وهم انتظار الغدِ(1/19)
أن يحدو بهم أيامَهُ
حتى إذا ما أُتْرعَتْ باليأسِ
أذكى حلمَهُ
في سِحْرِ عينيكِ
فأغْوى
روحَهُ الحيرى
بأنَّ الحبَّ لا بدَّ لَهُ
أن يوقظ الباقي من العمرِ
على رحْبِ الطريقْ
واذكري
أنّي وقد جاوزتُ في حبكِ
أمداءَ الأماني
أستعيذُ الآنَ
من ومْض الحريقْ
أمطريني
بسحاب الحلمِ
ما أقسى على الغيثِ
إذا ما انعقد القحط حوالَيْهِ
وما عادت عيونُ الأرضِ
تُؤوي فيهِ
غيرَ المحلِ والحرمانِ
آهٍ
أنتِ يا مَنْ أبدعَتْ دربي
وصاغَتْ عمريَ المجدولَ
من شوق الليالي
عاقريني
خمرةَ الحلمِ
وكوني
صحوتي إن أَغرقَتْني الحانُ
في قيظِ الحريقْ
أنتِ أشعلتِ المنى
حولي
وفي عمري
وكنتِ
الوحيَ
والإلهامَ
والنبعَ الرقيقْ
فاغرقي في حلم روحي
بعدما أغرقْتني
لكنْ..
وفي عينيكِ أطواقُ نجاتي
رحتُ في أهدابها النشوى
أجوبُ الصعبَ
أجني من رؤاها
أعذبَ الحبِّ
وأقسى ما أطيقْ
وخذيني
صوبَ محرابِكِ
أتلو
مصحفَ الحبِّ
على رؤياكِ
أستجدي به الوصلَ
وأرضى من ليالي الوصلِ
أن تحنو على قلبي
بلمحٍ من بريقْ
لحظةً
أعنوبها إن أشرقَتْ في عمق ذاتي
ثم أسري في مداها
مترعَ الروحِ بأنفاسِ لقاءٍ
سرتُ في أودائه النشوى
بلا أيِّ رفيقْ
فأعيدي
بعثَ روحي
لا تُراعي
وانشري ضوءَ الأماني
كادزيتُ الحبِّ في مصباح عمري
أن يضيءْ
قبل أن تَمَسسْه نارٌ
من معانيكِ تمنَّى
فإذا النارُ سلامٌ
وإذا اليأسُ رجاءٌ
فعفا عن كلِّ أشجانِ الليالي
وثوى
تحت سجاياكِ أليفاً
يستمدُّ العفوَ من عينيكَ
إنْ أَذنَبَ بالبعدِ
ليحيا
في مدى رؤياكِ
مأخوذاً بذنبٍ
وهو يدري
أنَّهُ من كلِّ ما تحكم عيناكِ
بريءْ
فهو المنسيُّ في بحرهما
يرنو إلى برهما النادي
صديءْ
فتعالي
نرشف الباقي من العمرِ
بأقداحٍ ظماءٍ
ترسم الآتي من العمرِ
على الكأس الظميءْ
فأنا
إذ أطلب الغفرانَ من عينيكِ
أدري
أن في عينيكِ
غفراني
وإيماني الوضيءْ
فاغفري
إن أَثِمَتْ روحي
بمحرابِ مغانيكِ
الدفيءْ
واقبلي
توبةَ مأخوذٍ بذنبٍ
إثْمُهُ(1/20)
أن الذي يرجوه من حُبيِّكِ
لا تدنيه رؤيا
أَوْ صَدَتْ من دونه الحلمَ
على الحلمِ الهنيءْ
(((
" سَديم المجرّة "
بانتظار الوعدِ
ما زلتُ أغنيّكِ
وفي عينيَّ أشواقٌ حيارى
سكنتْني الروحُ في مغناكِ
وانسابتْ إلى الأعماقِ
همساتٍ عذارى
لستُ وحدي في مدار البوحِ
لكنّي..
وقد آنستُ فيكِ:
الحبَّ
والأحلامَ
والهجرانَ
واللقيا
على دارة أنفاس انتظاري
غبتُ في دنياكِ مأخوذاً
وطرفي
يتمادى في مدى عينيكِ
يستجلي
من النظرة أمداءً
يراها
إن تَبُحْ بالحبِّ
ينهلُّ عليها
وابلٌ من صمتِكِ المخضلِّ بالأشواقِ
يذكي في فؤادي
كلَّ ما تبغينَ من ثورة حبٍّ
أنتِ فيها
أنتِ منها
إنّما..
إنْ أنتِ قاربتِ مداها
يستعيذُ البوحُ من صمتِكِ آناً
ثم يذوي
تحت أغصانِ الأماني
يسأل الوقتَ
انهماراً
يوقظ الحرمانَ
أشواقاً
ويُؤوي في مداكِ
الحبَّ
والذكرى
وأنسامَ انهياري
في ربى عينيكِ
لكنْ..
قبلَ أن أغرقَ توقاً
تمسحينَ القلب بالوصلِ
فأنسى
أنَّ فيها
كاد أن يقضي على الحبِّ استعاري
وحدَكِ الآنَ على الجرحِ
تنادينَ سكوني
فألبِّي
قبلَ أن تندى هنيهاتُ اغترابي
وأرى في ظلِّكِ الآتي بعيداً
أنَّ هذا البعدَ قربٌ
وإذا أَسرى على طيفِكِ طيفي
تغمرين الغربةَ النشوى
بآيٍ من معانيكِ
فأتلو
كلَّ عمري في هداها
ثم آتيك قريباً
فإذا عيناكِ
خمري
وإذا دنياكِ
سرِّي
وإذا لقياكِ
جهري
وإذا كلُّ الذي تؤوينَ من حبٍّ
يغنّي بلهاثِ الصمت:
إنّا
مذخُلقنا
مذحَلُمنا
لم نكن إلاّ فؤاداً واحداً
يخفق فيهِ
قلبُكَ المضنى.. وقلبي
قلبيَ العاني
وقلبٌ
إن يكن في صدرِكَ الصادي
يغنّي-
فلقلبي
فأنا أدري
وتدري
أننا حباً وشوقاً
قد نَهَلْنا العمرَ كأساً
وسنبقى
سورةً تتُلى.. وآياً
من كتاب الخلدِ
ولْتِدْرِ الأماني
أننّا
رغم انهمارِ المستحيلِ اليومَ
لكنْ..
في غدٍ
دربي
ودربُ الحبِّ.. دربٌ
سوف نعدو في مراميهِ
سكارى
ننشدُ الآتي من الوصلِ
وننسى
أنَّ ماضينا ثوى
وانهارَ في رجعِ صداهُ
زمنٌ(1/21)
فرَّقنَا يوماً.. فأودى
في مدى النسيانِ
واخضلَّتْ أمانينا
وحارتْ
أينّا أصبحَ للحبِّ مدارا
بعد ما كانت روابينا قفارا.؟
علّليني
إن أكنْ يوماً غريباً عنكِ
أنّي سوف أحيا
في ندى أشواقكِ
أو أني سأبقى
في رؤى عمرِكِ
أطيافاً
وذكرى
أنتِ
يا بوصلةَ القلبِ.؟
وَأَنَّى اتجهتْ روحي
فلا تلقى
سوى طيفِكِ يسري في رؤاها
فاتبعي دربي
وإلاّ..
أَتبعي دربَكِ روحي
واعلمي
أنّي.. وإن كنتِ مجراتِ سديمٍ
فبقلبي
وبروحي
نَهَرُ الأيام يجري
وعلى مجراه من عينيكِ -دربانِ:
فؤادي
وانتظاري
فاسمعي أنفاس أضلاعي خريراً
كلُّ ما فيه يؤدّي
لَكِ آياتِ صلاةٍ
تتمنّى..
تتغنّى..
بمعانيكِ.. وتدري
أن مثوى القلب دنياكِ
وإن تبغي ثواباً
فهنيهاتُ وصالٍ
تتركُ القلبَ على قارعة الزَّهْوِ نديماً
تسألين الحبَّ سَّراً عنه في الصمتِ
وتدرينَ
بأنَّ الصمتَ وصلٌ
لم يَبُحْ إلا بأنّا
تحت أعطافِه نأوي
عاشِقَيْنْ
وبأنّا
نهلةٌ من كأس خمرٍ
أُذهَلَتْنا
بين تحنانٍ.. وبَيْنْ
فانهليها
واسقنيها
بانتظارِ الوعدِ
ما زلتُ أناجيهِ بأشواقي الحيارى
ربّما إن ألهمتْنا ألحانُ
ننسى
أننّا كنّا..
فنعدو
في هديل الوصلِ
بالوعدِ سكارى؟
(((
" عرس الفناء "
هذا نذير الأرضِ
يهزأ بالأريجِ
يرنحّ الحلم الجميلَ
على اندحار الشمسِ
في الغَلَسِ المقيمْ
يستلُّ من رَحِمِ الحقيقةِ
نبضَ أحلام اليمامِ
ويستعيذ بهِ
من اليوم الرجيمْ
وكأنَّ أشواكَ الضلوعِ
وشايةٌ
تفضي بأسرار التوغُّلِ
في هسيسِ الحادثاتِ
تنمُّ
عن نوء اندلاع النارِ
في غَمْرِ التوسُّلِ
لارتطام الدفءِ
بالعقم المغلَّفِ
باغتصاب البرقِ
من عَتْمِ السَّديمْ
يا أيها الزمن المبارِكُ
كلَّ بركانٍ
تعمَّدَ
بالمحبةِ
والندى
لا تنطفئْ..
فالدرب من حمم انفجارِكَ
مشرعٌ
عكس اتجاه الريحِ
واللَّهبُ المقدَّسُ
لم يزل في الأفقِ
يرصدُ عَبر سارية النهارِ
غوايةَ الأبد العقيمْ
ويظلُّ وجهُ الذارياتِ
على حفافي النارِ
يرصد بالمُدى
شريانَ توق النقعِ
ينزفُ(1/22)
زيفكَ المأفونَ
ينحرُهُ..
يسمِّرُ وجهُه المنحوتَ
من عبثِ السنينْ
وكأنَّ أنسامَ الجحيمِ
رسالةٌ
كُتِبَتْ بأمواه الفناءِ
فلم تدعْ
لغشاوةِ المصدورِ
غيرَ نواظرٍ
هَتْكَتْ ستارَ الرفضِ
لكنْ..
بعدما وَسِعَتْ رؤاها الأرضَ
عادت
تنحتُ الآكامَ
من عقم الرجومْ
وكأنَّما في الكونِ
سرٌّ ذائعٌ
خَبَأَتْهُ في عُمْي العيونِ
تمائمٌ
حتى إذا انفجر الصراخُ
تبيَّنَ المأخوذُ
بالأَلَقِ المبرقَعِ
أنَّ في توقِ السجونِ
سرائراً
تُنبي
بما كتمته في الأملِ
السجونْ
وتظلُّ أنفاسُ الترابِ
تقول للنارِ:
-استعيذي
من سُعار النارِ..
لكنْ..
دونَ أنفاسِ الترابِ
مجامُر الصمتِ المدنَّسِ
في متاهاتِ الظنونْ
ولأنتِ..
إن سَبَرَ الزمانُ
بتوقِهِ
عمق انتظارِكِ
تدرك الآبادُ
أنَّ بغورِكِ الأبديِّ
أسرار القرونْ
ولأنتِ..
بعثُ الماءِ
إن صفع الجحيم غوايةً
تبدو لمن يلقاكِ
عبر الماءِ
سيدةَ المنونْ
لا تنقعي
بمياهِكِ النشوى
ظِماءَ الخزيِ
وانتظري..
لعلَّ قوافلَ الغُلَواءِ
آتيةٌ ..
على متنِ الرياحِ
على قنوط الموجِ
سافيةً رمالَ البيدِ
موغَرةً عليك
تريد أن تلقاكِ
أو تُلقيكِ
في مَلَقِ العيونْ
ولأنتِ..
مأتمهم إذا مرُّوا
ولكنْ..
هل لمن يدنو
-إذا عرف الطريقَ-
بأن يقولَ:
-أنا وصلتُ
وفي يديه سلاسلٌ
أنتِ ابتدعتِ سوارَهَا
ليرى بريقَ شعاعِها
فيظنّهُ
محضَ الوصولِ
إلى الوصولِ
وحين ينبجسُ المدى
يعشى
ولا يدري
بأنَّ وصولَهُ
شَرَكُ المنونْ؟
أنتِ ابتدعتِ الموتَ
لكنْ.. قبلَهُ
أنتِ ابتدعتِ
الخصبَ
والنسغَ الأليفَ
فإن يماطلْ وارِدٌ
يدري
بأنَّ موارِدَ الموت الزؤامِ
مسالكٌ
تَهَبُ الحياةْ
ولعلَّه يدري
بأنَّ قِصاصَهُ
أنتِ ابتدعتِ حِياضَهُ
ليعودَ
يجترع الحياةَ
من الجناةْ
لا فرقَ
بين الموتِ
أو بين الحياةِ
إذا نُهاكِ
يغولُه عِلْجٌ
تسربلُهُ
على خَدَرٍ
أظافرُها البزاةْ
فلأنتِ
قبلِ هزيمهمْ
فيكِ استحمَّ الطهرُ
وابتدرتْ لديكِ عطورَها
نِعَمُ الحياةْ
إن حاصرتكِ النارُ(1/23)
بالطوفانِ
أو شيَّعتِ أحلامَ العصاةِ
فليس يدري البحرُ
كيف يهادن المنفيُّ
أحلامَ الخطاةِ
وفي عُرى برديهِ
يقتصُّ الطغاةُ
من الطغاةْ
فامشي..
كما تبغينَ
مشرِعةً شعاعَ النورِ
آخذةً بناصية الزمانِ
وألهمي الأقدارَ
أن
لا يستحمَّ العهرُ
في عطر الزناةْ
حلّي جدائلَ شعرِكِ المضفورِ
واتّكئي ..
على جذع النخيلِ
على هديل الصحوِ
فالشمسُ الرهيفةُ
عرَّشَتْ منكِ الخمائلَ
أترعتْ منكِ المناهلَ
واعلمي..
أنَّ الربيعَ ونَوْرَهُ
أنَّ الصباحَ وسحرهُ
أنَّ الزمانَ وشعرهُ
منكِ استمدَّتْ عمرَها
وتأمَّلي..
والبدرُ يهتكُ مؤنساً
سرَّ المسافةِ
كيف يغسلُ نهرُكِ القدريُّ
آثارَ الغزاةْ
هذا نذيرُ الأرضِ
سِفْرُ الموتِ
آمالُ الأريجِ
مسافةٌ بين المسافة والمسافةِ
تسأل الأيامَ
عن عرس الفناءْ
فَلْتَنْطلقْ عبر التحفّزِ
جذوةٌ
تعنولها الدنيا
وتشهدُ
أنَّهم
رسموا مزاعمهم بماءْ...
(((
" الهَاوية "
الجذر يمتشق الغصونَ
ويعتلي
صهوات خيلِ الريحِ
يشرع إثْرَ غاشيةِ الزمانِ
نداوةَ الزهر المضمَّخ بانفتاح الآنِ
نحو غياهب اللَّمح المسافرِ
من عيون البوحِ
صوبَ الملتقى المسكونِ
آونةً..
بنفح الأمسِ
أحقاباً..
بما نَزَفَ السؤالْ
يا أيها النقْع المهاجر من ضمير البعدِ
حين تَوَغَّلَتْ ذرّاتُكَ الحبلى بأسئلةِ الرذاذِ
ألستَ تبصر أننا
من بعد ما حَمْلَتْكَ أفئدةُ الدروبِ
رحَلْتَ
لاجهةَ الإرادةِ
إنّما
حيث استبيحتْ في منافي القهرِِ
أنفاسُ الذبالْ
إصدَعْ بأمر الريحِ
واتركْ رحلَكَ الطاوي على حتفِ السرائرِ
واستَبِقْ خطو الوجودِ
فإنَّ في عِطْفِ المآثرِ نيزكاً
يهوي على قدرٍ
فإنْ حَطَّتْ على ركبِ المآل خطاكَ
أدرَكتِ الحقيقةُ
أنّ آثار الدروبِ
غوايةٌ
تَركَتْ وراءَ اللاهثينَ
مسافةً
رسَمَتْ على رَفَثِ الطريقِ
معالماً
كانت، ولا زالتْ، تقولُ
بأنّ من وصلوا هنا
لم يعرفوا
أن المآلَ بلا رؤى تبدو
ويبدو خلفها الخصبُ العقيمُ
ملوِّحاً بيد المصيرْ(1/24)
يا ذا الهوى المحمومِ بالهذيانِ.!
هل صَعَدَتْ اليكَ من الجوانح جذوةٌ
كانت تظنُّ
بأنّها تذكو ليومٍ
تكتبُ الأسفارْ عنه بريشةِ الآبادِ
أنَّ ضياءَهُ
ما زالَ في الآفاقِ
يهدي من يشاءُ
إلى دروب الخالدين.؟
أم أنّ ماأبقتْ لَكَ اللحظاتْ
من وَلَهِ انتظارِكَ
جذوةٌ..
حين انتحار الوقتِ
راحتْ تعلنُ الآمادَ مقبرةً
ثوى فيها شتاتُ الظامئينْ
هي ذي عيونُ الأرضِ
تفقؤها حُصيَّاتُ المقامرِ
بالدم المنذورِ
حباً ينتمي
-من يوم أن قال الشريدُ:
غداً نعودُ-
لموسمٍ..
ما كان يرعاهُ الزنيمُ
فهلْ تذمرَّتِ الخطوبُ من الدماءِ
فألَّبَتْ هِمَمَ الجرادِ
فراح يحصد زرعَها بمناجلٍ
كانت تؤهِّبُ حَدَّها لمواسمٍ
تعلو على غبش السنين.؟
ماذا يقول الزرعُ
إن_ روّتهُ أنهارُ الدماءِ ذكيَّةً
ثم استكانَ النزفُ
فانفجرَ الجفافُ
تُرى..
أيشرب بعدَ كوثَرِهِ
بقايا من كؤوس العابرينْ؟
ماذا تقول لنا البراعمُ
بعدما
غَنَّتْ لها الشطآنُ
فاهتزَّتْ على جفنِ الخلودِ
وحين زَهَّرَ غصنُها
انتحرتْ بلفحِ الضوءِ
مذعنةً
لمن أسروا الشعاعَ
ورمَّدوا عينَ اليقينْ.؟
ماذا يقول الماءُ
بل ماذا تقول النارُ
هل ضدَّان نحن تآلفا
من بعدما منذ الخليفةِ
لم تؤلِّفْ بيننا
حِقَبُ السنينْ.؟
ماذا يقول الحرفُ للأزمانِ
مذْ كتبَ الخلودَ مصاحفاً
ثم انزوى خَجِلاً
ولا يقوى على رفض الذي
يُمليهِ في الكلماتِ
صوتُ البائعينْ.؟
ماذا يقول القولُ
بل ماذا يقول الصمتُ
والمعنى تداخَلَ وحْيُهُ
فغدا الرجاءُ
كما العماءُ
وليس يدري القلبُ
ما شأنُ الوتينْ.؟
ماذا يقول الموتُ
إذْ تردُ الخطوبُ حياضَهُ
هل كان يحصدُ هَامَةَ الوُرَّادِ
من أجل انسكابِ الروحِ
في كأس السكارى الناعمينْ.؟
ماذا تقول لنا الحياةُ
وقد قتلْنا في معانيها الحياةَ
فغيبَّتنا
في كهوفِ الضائعينْ؟
وَهْناً على وَهْنٍ حملنا عمرَنا شغفاً
وحين توجَّسَتْ عينُ الرؤى
كان انفصال الأرض كرهاً عن تباريح الترابْ(1/25)
أمدٌ تَمرَّدَ في انهيارِ الزحفِ
فانكفأ المصيرُ
وأذعنتْ للقحط أوردةُ السحابْ
فَغَفَتْ على رئة السرابْ
وتوسَّدتْ
بين انكسار الحلمِ
صاغرةً
لما رسم الدخانُ على قباب الصحوِ
فانتبهتْ
وهاويةُ الفواجع تنتشي
بنوائبِ الأرضِ الخراب
فتسافحتْ
والحلم يرسم ذاتهُ
والجذر يمتشق الغصونَ
وينتحي
داراً يغشيّها الهوانُ
ليعلن الأرض التي حملته عبر نمائِهِ
(أرضاً برسم البيعِ)
فليدفع بها من شاءَ
عِرْضاً
أو ريالاً
فهي بعدُ بعريها
في الأسر تنتظر الذئابْ
(((
" الغاشية "
غادرتُ حلمَكِ
واغترابُ الطيف يسألني الإيابَ
ولم أَزَلْ
وحدي أطوف على المدائنِ
أسأل الوُرَّادَ
هل تدرون معنى
أن نكونَ
ولا نكونْ..؟
يا أيها الناجون من شَرَكِ انتظار الوهمِ.!
هذا مسكَنٌ للروحِ
أَمَّتْهُ الرَّهافَةُ
فانتمى
لبراعم الشوق المهاجِرِ
في مدى الطوفانِ
مأخوذاً
برابعة النهارِ
مُعلِّقاً آمالَهُ
فوق انبهارِ اللَّونِ
يسكنُهُ
ويسفحُهُ
ويكتبُ فوق عارضهِ النهايةَ
ثم يمضي
عبر آزفة المآبِ
يودِّعُ العمر المودِّعَ
ظلَّهُ
وسكونَهُ
ويعودُ
يسألُ دربَهُ
هل نحن في كنَفِ الحقيقةِ
سادرونْ؟
سِيَّانِ
حلم الوردِ
أو موتُ الموارِدِ
إن طغى
نَهَمُ التمرُّدِ
وانتشى
ظمأُ التوقُّدِ
وانتهتْ
عبر انزياحِ الوقتِ
قارعةُ الحياةِ
وأقبلتْ
تسعى وراء الزاحفينَ
إلى الضياءِ
أو العماءْ
لكنها..
نار ترودُ الظامئينَ
وتنطفي
فيها الغوايةُ
ثم تلْوي جيدَهَا
تحت النصالِ
ولا تبوحُ
بما يشاءُ الدهرُ
إلاَّ أن تقولَ:
أنا انتصبتُ
أنا انتصبتُ
فأقبلوا
فهنا أُخَلَّدُ
قصةً
ورسالةً
تَروي لِمَنْ نَزَفوا الحياةَ
سُلاَفةً
عمّا يكابده المطوَّقُ بالحياةِ
إذا انتهى عند المفارقِ
مرغماً
يدري.. ولا يدري
بأنَّهُ
قد يكونُ
وأنهُ
قد لا يكونْ
حسبُ الحقيقةِ
أنّها شَبَقُ التأمُّلِ
والتَّواصُلِ
بين أنديةِ الخيالِ
وبين ساحات الظلالِ
وإن تَكُنْ
أزهارُها عُمْياً
فإنَّ عبيرَها
لا بدَّ ينشرُ ضَوْعَهُ(1/26)
عبر انهيار الضوءِ
في موتى العيونْ
ولأنّها:
روحٌ
وذكرى
حسبُها
تجري على نار الأضالعِ
لا تحرِّقُها
وتدري أنها
من بعد ما سكنتْ كهوفَ الصمتِ
آخِذةٌ زمامَ الوقتِ
صَوْبَ النازفينَ العمرَ
في شَغَفِ القرونْ
فتأمَّلي
شدوَ الأضالعِ
واقرئي
صحفَ الحرائقِ
وانهَلي
من عشبة الصدر الخجولةِ
قصَّةَ المعراجِ
نحو مسافة الحرمانِ
أو فاستغفري
عند الجنانِ
وحاذري
أن تُقبِلي
إلا كبارقَةِ الرؤى
أو فانزلي
عبر ارتطامِكِ بالمصيرِ
إزاءَ هاوية الظنونْ
يا قصةَ الإذعانِ.!
هل تأتيكِ
من صدر الطفولةِ
رقصةُ الأجفانِ
أم تأتيكِ
من صدر الكهولةِ
ذَبْحَةُ الوسنانِ
إن هَمَّتْ حوالَيه الغوايةُ
أن تريه الصعب سهلاً
فانثنى
يرثي رؤاهُ
على محطات الجنونْ
ولعلَّ ريحَكِ
إن أتَتْ
عمياءِ
سافحةً مدادَ الكحلِ
في عينِ المراكبِ
تستعيدُ
من الطلولِ زمانَها
ومن القرونِ أو انَها
فتجرَّعي
كأسَ انتباهِكِ
واخذلي
من راحَ يرسمُ في طريق الصحوِ
أشرعةَ الظنونْ
فَلأَنْتِ
آسرةُ المعارجِ
أنتِ
ساكنةُ اللَّواعِجِ
فاقرئي
بعدي السلامَ
على الدروب السافياتِ
وخَلِّدي
بعدي المقامَ
على التخُّوم العارياتِ
وحاذري
أن تنقشي فوقَ الشواهدِ
كلمةً
تعني بأن الملتقي لأيٌ
فَكُنْهُ مصيرِنا
أبداً
سيرجعُ عبر أسرار الترابِ
يعيدُنا
للأرضِ
نقرأ من سلالَةِ عشقِها
قدراً
تَحوَّلَ عبر أوردةِ الغدوِّ
هنيهةً
أسْرَتْ بنا نحو النهايةِ
ثم أغَوتْنَا
بأنّ ضلوعَنا
أبداً
سَتَعْمُرُها السكينةُ
فانهمرنا
مُزْنَةً
عبر انزياحِ الدهرِ
نَعْمُرُ ذاتَنا
بالخلدِ
نُفْعمِهُا
بأزهارِ الترقُّبِ
والحنينْ
آتيكِ
يا دنيا الحقيقةِ!
لا بساً عمري إزاراً
لستُ أنضو زهوهُ
إلاّ على سُرُرِ الرَّغائبِ
مترعاً بالحبِّ
مأخوذاً
بآفاق السنينْ
فَتَورَّدي
في الصمتِ
أو فتردَّدي
نغماً
على شبَّابةِ الأحلامِ
وارتسمي
على ثغر الطفولةِ
بابتسامات الحنينْ
لا بُدَّ تذكرنا الحياةُ
إذا انطوينا
تحت أنقاضِ المرارةِ والأنينْ(1/27)
ولأنَّ غاشيةَ الزمانِ
رسالةٌ
طُوِيَتْ على نَزَقِ الرجولةِ
أَقْبَلَتْ
نشوى
تفارقُ ما تفارقُ
من ذؤاباتِ القرونْ
وَتَوَكَّأتْ
تمشي على قَدَرٍ
لِتَكْتُبَ
قصةَ الإنسانِ
والحرمانِ
من عبثِ الزمانِ
مدادُها
ماءُ الحياةِ
وما ثوى
في الصدر من ماءٍ
وطينْ
وتورَّدي
كالجمرِ
حسبُ الصمتِ
أن يُؤوي سكونَ الموتِ
والبعثَ المؤمَّلَ
عبر رحلتنا التي تطوي
وراءَ ضلوعِها
أنفاسَنا
ولهاثَنا
والباقياتِ
من العيونِ الظامئاتِ
إلى تِعِلاَّتِ الوتينْ
وخذي
إهابَ العيشِ من نفسي
وقولي:
من تُرى
يرتدُّ بعدي
نحو آفاقِ السنينْ
لأردَّهُ
-كرمى لَهُ-
أملاً
وصحواً
عَلَّهُ
عبرَ المدى
يندى
كما تندى الحياةُ
على دروب الخالدينْ؟
ما دَأْبُهُ
من ليس يدري
أنَّها
سِنَةٌ ونصحو من غوايَتهِا
لنعبرَ بعدَها
دربَ الحياةِ
إلى المماتِ
ونكتبَ الأقدار
عمراً
كلَّهُ دونَ الهنيهةِ
إن يَطُلْ
وإذا ارتدى أثمالَنا
فلأنَّهُ
يمضي بنا عبر الترابِ
إلى رحاب الغابرينْ.؟
وهناكَ
غاشيةُ الوصولِ
تعيدُنا
عبر انبعاث الأرضِ
أحياءً
نَرُودُ المنتهى
وسؤالُنا الأبديُّ للآبادِ
هل تدرونَ معنى
أن نكونَ
ولا نكونْ.؟
موتى
وإن كنَّا ارتدينا ذاتَنا
شَغَفَاً
وأحلاماً
وأفدحُ ما نُخَلِّفُهُ بُعَيْدَ الموتِ
إن بليَ الرداءُ
بأن نكونَ
كما نكونْ
متزلِّفينَ
مزيَّفينَ
وحسبُنا
أن نعبَر الدنيا
وليس بوسعِنا
إلاّ مكابَدَةَ الحياةِ
كأنَّنا
موتى
ونبحثُ في دروبِ العمرِ
عن معنى
نكاشِفُهُ
ليدركَ أنَّنا
نحيا
وإن كنا نعيشُ
كما يعيشُ الميتِّونْ؟
(((
المحتوى :
"النفي إلى ذاكرة الصَّمت" ...
" مسافة دون الرحيل " ...
بانتظار الموسم الآتي ...
"الحصَار" ...
"أتوحُّد فيكِ.. وَأنسى" ...
"صَبوة البدء انتهاءْ" ...
"إسرَاء" ...
"الندى في مَسَالِكِ الحرمَان" ...
"المدارُ المستحيل" ...
"صَحارى الصقيع" ...
" صَلاَة لعيد الشفق " ...
" ظمأ الأرواح نهر " ...
" بَراءة " ...
" سَديم المجرّة " ...
" عرس الفناء " ...
" الهَاوية " ...
" الغاشية " ...
((((1/28)
صَدر للشاعر
- بيادر الريح 1975
عن اتحاد الكتاب العرب
- أنهار الظمأ 1990
عن اتحاد الكتاب العرب
- نداء التراب 1993
عن اتحاد الكتاب العرب
(((
رقم الايداع في مكتبة الأسد الوطنية :
سنابل الحرمان : شعر / جلال قضيماتي- [دمشق]:
اتحاد الكتاب العرب، 1998- 172ص؛ 20سم.
1- 811.9561 ق ض ي س ... 2- العنوان
3- قضيماتي
ع: 44/1/1998 ... ... ... مكتبة الأسد
(
هذا الكتاب
مجموعة شعرية تطرح تساؤلات تأملية فلسفية تقرب من الوجد الصوفي، وتنبع عن استبطان للذات وكشف لأغوارها الحزينة الحائرة القلقة في مواجهة صريحة مع النفس والوجود والمخلوقات والطبيعة والعوالم السرية للمجاهيل الخفية في أعماق الذاكرة الانسانية.(1/29)