محمود نقشو:
سقط الرؤى
- شعر -
عن منشورات اتحاد الكتاب العرب
1997
الغلاف
تصميم الفنان :سرور علواني
(- الإهداء :
إلى لونه ..
ابنتي ....
......
محمود
صراخ في حانة الحي
في آخر بلدتنا حانوتٌ يسكنه خمّار الحيِّ..
يبيعُ ظلالاً هائمةً،
ورفوفاً من وهمِ الساعات..
خوابي نشربها حتَّى يتراخى العقربُ فوقَ القلبِ،
وينتشَر النحلُ المسمومُ على الجدرانِ..
فنخبو بينَ الثلجِ وبينَ الماءْ
ويغورُ الرأسُ إلى الردهاتِ ثقيلاً..
يحملُ تابوتاً في جمجةٍ..
تتأرجح ذاتَ يمينٍ مشتعلٍ،
وشمالٍ منحطم الأضواءْ
مراًتٍ..
يسألنا الّخمار عن الآتي..
عمّا يتضاءلُ فينا..
عن أفقٍ للغيث تباعدَ..
عن لغةٍ لا تسألنا..
لا نسألُها..
عن فاتحةِ الوقتِ الموبوء،
وقيظِ الداءْ
وفحيحِ سعارٍ مختبيءٍ في باطنِ ليل..
محترقِ الأرجاءْ
والليلة باردةٌ،
والبوحُ شهيٌّ في شطحاتِ الخمرِ،
وأفياءِ الخدرِ المترامي في الأنحاءْ
والليلةُ طازجةٌ،
والوقتُ شتاءْ
قال الأصحابُ: " ستعبرنا عرباتُ الخوف قريباً يا خماّرُ..
فهيّءْ داليةً ودناناً..
قبلَ جفافِ الغصنِ،
وقبل جفافِ الرأسِ،
وقبلَ رحيلِ اللونِ إلى منفاهُ،
ودفقِ اليابس في الأشياءْ
والصمتُ سيرسمُ خطوتنا في أقصى الريحِ..
لنعبر جسرَ المهزومين فرادى..
ذات مساءْ
هيّءْ حانوتك.. فالغيم المتراخي..
يهطلُ شؤماً في الأفياءْ "
والليلةُ باردةٌ تتأرجحُ خائفةً،
والريحُ مسافرةٌ في الروحِ،
وعصفورٌ في البالِ يرفُّ..
يجيءُ القيظُ فيرجمنا،
والقلبُ إناءْ
يا خمّارُ انتصفَ الوقتُ الآجرُّ..
فمن في العتمةِ يكسرنا؟..
لنعودَ قبائل في بطن الصحراءِ تلوبُ،
ويصبحُ عبدٌ سيّدنا،
والجاريةُ الروميّةُ ترقصُ في الكأسِ المحموم..
فنبكي حتى ينتصفَ القمرُ المهزومُ،
ونركبُ راحلةً تتهاوى..
قبل طلوع الصبح..
نعدُّ الموتى..
نحصي قافلةَ البلهاءْ
والبعضُ يجدّفُ في طميِ المجرى،
والريح حداءْ
يا خمّارُ احتشدتْ في الرأس جيوش النملِ..(1/1)
تلاقت ثانيةً بجموع النحلِ..
فمتنادونَ قتالٍ،
واحترقتْ خطواتُ الليل..
فمالَ الكأس،
وغامَ الرأسُ،
وعدنا ثالثةً للسير وراءْ
والأرضُ جدارٌ يفصلنا،
والخمرُ مواتٍ للموت الغسقيِّ..
مواتً للموجعِ الأبديّ
يُعيدُ الكونَ فنحصي أشجارِ المنفى في بهو دمانا..
تسقطُ أفعى..
يسقطُ نهرٌ محترقٌ..
جسدٌ،
وحفيفُ رداءْ
ماذا في الخمرِ أجبني؟..
قلت: فحيحٌ في ظلماتِ الدربِ..
نزيفٌ أسودُ في أغصانِ الروح..
رحيلٌ في الفوضى
ونشيحُ دماءْ
وهروبٌ في قلقِ الرملِ المترمّدِ..
ذكرى دافئةِ الأطياف..
حنينٌ مؤتلقُ الأمداءْ
يا خمّار افترق الآتي..
فإليَّ ببضعِ نسيماتٍ..
إليَّ بدنّ..
فالأفقُ الحجريُّ يُعيدُ إليَّ صليلَ الأمس..
يُعيد إليَّ جميع الأصحابِ الأعداءْ
وتُريدُ سؤالي ثانيةً: ماذا في الخمرِ..؟
أجبني يا خمّار.
فأنتَ فسيحُ الصمتِ..
فسيحُ الصوت،
وبعضُ الوقتِ خواءْ
وكلانا مشتعلٌ من أسفلهِ..
تتراقصُ داخلهُ الأنواءْ
قال: " الساعاتُ سواسيةٌ..
لا تنبيء شيئاً محتملاً،
وجميعُ الصحبِ سيجتمعونَ،
وترقصُ أطيافٌ وعرائسُ في المنفى الخمريّ..
يعومُ مساءٌ من زغبٍ،
وتطوف ظباءٌ في طرفِ الليلِ المبتور..
تدورُ نساءْ
ويدور الوقتُ فنرمي جعبتنا في النهر اليابسِ..
يزهرُ صبارٌ في جذع الروحِ..
يطيرُ حمام الدوحِ إلى اقصى الليل المكسور..
فنبكي دونَ بكاءْ "
والحانةُ غاربةٌ لا ريبَ،
وبعض الدمع بكاءٌ..
بعض الدمع دماءْ.
والليلة باردة يا خمّارُ..
ابتدأ العدُّ العكسيُّ،
وحان الركضُ قبيل العاصفةِ السوداءْ
و لديكَ جرارٌ من صخب الأيامِ تئنُّ..
لديكَ حِوارٌ عرّشَ فينا منذُ الألفَ الثاني..
قبلِ ولوعِ الصمت،
وقبل حلولِ الداءْ
وإليكَ يعودُ المهزومونَ..
فنشربُ نخب العشاّق الحمقى،
والطقس مواتٍ حينَ تصبُّ الثلجَ..
ليصرخ فينا الموتُ،
ويصرخ فينا الصمتُ..
فنشربُ.. نشربُ حتىّ نعتصرَ القمرَ المخمورَ بكأس الليلِ
ونبكي دون بكاءْ(1/2)
أو نرحل في الخدر الشمعّي إلى الصحراء الأولى
نرسم خيمتنا في باطن وادٍ..
يهوي نحوَ وهادٍ غائرةِ الزفرات،
ونرسم ضفتنا في البحر شراعاً من ورقٍ،
وسؤالاً من أرقٍ،
والوقتُ شتاءْ
وهشيم دون دمانا..
يحرقُ ركناً يشربهُ الأصحابُ..
إذا غام القمرُ الوثنيُّ،
وضلّتْ حانتنا اطيارٌ خائفةٌ،
وظباءْ
ماذا في الخمرة.. يا خمّارُ؟
أجبني..
اقترب الصبحُ المسلولُ..
فهاتِ الخمر وهاتِ الماءَ لأمزجَ حزني الغافي في الحانة..
إنَّ خريفاً يعبرنا،
وشمالاً مسموماً يتقدمُ في الجسد العاري..
يتفقّدُ شاطئنا،
ويعدُّ مدائننا،
وكرومَ الصيفِ..
يعدُّ الخيلِ..
يعدُّ الليل،
ويرسمُ دائرةَ الفقراءْ
والوقتُ طريٌّ مرتجفٌ،
والليلُ بغاءْ
ولديكَ قطيعُ المخمورينَ يدقُّ كؤوسَ الحزن،
ويفتحُ ساقيةً في الوقت..
تعدُّ الممكن..
لا تحصي غير الطرقاتِ الخاوية الزرقاءْ
ماذا أعددتَ لهمْ؟،
وجميعُ المقهورينَ امتدوا شرقاً..
غربَ الحانةِ..
بين النهر وبينَ الجسر،
وسدّوا كلّ ممراتِ الوطنِ المنهوبِ هناكِ،
وقالوا: " نطلبُ خبزاً..
نطلبُ خمراً..
نطلبُ ماءٍْ
ومواءٌ يتبعهم،
وعواءْ
ألديكَ مزيدٌ يا خمّارُ..
لينطفئ الباقي من ضوءِ رؤانا ثانيةً..
ألديكَ مزيدْ؟
لا شيء نخافُ..
رحلنا في بدءِ الخطوات..
غربنا في قيدِ الضحكاتِ،
وغابت أسطحنا،
والانَ نريدْ
خمراً وقديدْ
وخيالات سكرى تتماوجُ حائرةً،
وظلالَ قصيدْ
ألديكَ جديدْ؟
كان الخمّارُ يميلُ،
وبعضُ الصحبِ هياكل عظمٍ باردةً،
والروحُ هباءْ
والوردةُ ذابلةٌ في الركن،
وخمسُ أصابع يابسة وهواء مسمومٌ يتنفّسنا،
والليلةُ باردة الأضواءْ
في آخر بلدتنا حانوتٌ..
تابوتٌ،
وخوابٍ فارغةٌ هي والأصحاب سواءْ
ركنٌ..
قفص،
وبداخله الصحبُ،
وهالاتُ الخمرِ الجرداءْ
يأتيه الجنُّ،
وتأتيهِ الأشباحُ،
وقطّاعُ الطرق الجوفاءْ
حانوتٌ أصغر من وطنٍ في البال يعشّشُ..
أكبر من كأسٍ خرساءْ
حانوتٌ من زبدِ الأيّام تحدّر..
يسكنهُ الأموتُ..(1/3)
يئنُّ بداخلهِ الأحياءْ
هل غابوا مِنْ خمرٍ..
أم أنَّ الخمر براء؟.. ... ... ... حزيران 1995
قراءة في دفتر النسيان..
- الآخر
- العشق
- الغابة
-الآخر...
مَنْ تراني..
مَنْ تُراهْ؟
ذلك الوجهُ الذي عادَ منَ القيظِ وحيداً..
مثل عنقودٍ تدلَى آخر الصيفٍ،
وغامتْ ضّفتاه
عندما ضاقَ المدى في آخرِ النهرِ،
وسبّحتُ الإلهْ
وقتها..
لم ينطقِ الحزنُ دمائي
والمساءُ البكرُ لم ينطقْ بعشقٍ
حين أرخى الليلُ فوضاهُ على طولِ مداهْ
فتلفّتُ يميناً،
ويقيناً..
كي أُلاقيه..
ولكن ليس يبقى الدفقُ في مجرى دمائي..
وقت تفترُّ المياهْ
إنّهُ ظلّي..
ولكنْ لا أراهْ
***
إنّه جذوةُ حزنٍ
ونثاراتُ انينْ
ولظى شوقٍ تعرّى في لهاث الياسمينْ
وأنا بعضُ ثناياهُ
وذكراهُ
وبعضُ الدفءِ من تلكَ السنينْ
وكلانا وجهةٌ لا يصل الوقتُ إليها
جزرٌ غارتْ بعيداً في اليقينْ
زفرة من حالك الصيفِ
ونبعٌ جفَّ فيه اللون حزناً..
منذ حينْ
***
وحده يجمعُ انقاضَ صباحٍ كان مذبوحاً
على سقفِ السكون المرتخي..
عندَ السواقي الغارباتْ
وحدَهُ في ليلة السبتِ يصلّي بين أوثانٍ حفاةْ
لإلهٍ من خرابٍ،
وسماءٍ من شتاتْ
***
كيف أبكي..
وأنا بَعْدُ أداري فكرةَ الدمع،
واستدني قوايا؟
ويطيرُ الناسُ من أشلاء أحزاني..
ولا يأتي سوايا..
***
يدخلُ الليلُ اخيراً في تكايا الوهمِ
يمضي ليلهُ عندَ حوانيتِ الحكايا
يطلبُ الماءَ،
وأقداحَ نبيذٍ..
عتّقتهُ الريحُ منذ الألفِ قبل الصمتِ..
في بئرِ دمايا
بين فرعينِ من الحزنِ
وقوسينِ مرايا
***
يسألُ الليلُ عن الأصحابِ،
والخمر،
وشطآنِ الهروب
يطلب الليلة ماءً وطيوبْ
ويغني في مداه الأعزل الصداح ساعاتٍ
ويستدني الغروبْ
في نهار يابسِ الطلعةِ..
غاضتْ مقلتاهْ
عند نهرٍ مستعاد من سنيّ القحطِ..
مكسور الشفاه
إنه يسبحُ ضدّي،
والنهاياتُ مداهْ
***
ذلك المملوءُ حباً وجراحاً،
وغمامات خريفٍ،
ومدى
يقطُرُ الآن حنيناً،
وسؤلاً،
وردى
***
وحدهُ يسرقُ في الليل من الخمر الصدى(1/4)
عندَ نهرٍ جمع الورد إلى الوردِ..
بياضاً،
وشمالاً،
وسدى
العشق
أشتاقُ مساءً من زغبٍ
يتأرجحُ بينَ العين وبينِ الظلّ،
ويفتحُ نافذتي نحو المطلقِ..
يأتي طيرٌ من ملكوتِ خريفٍ منكسرٍ،
من خاتمةِ الوقت المحفورِ على ظلّ الأشياءْ
أشتاقُ،
وتنداح امرأةٌ من اقصى المطلق..
ذاتَ مساءْ
تأتي من وجع الأطيافِ،
وبوْحِ الماءْ
وتبللُ وقتي من جَدْب الأيامِ..
فأمشي نحو النهرِ
وأغسل روحي من طمي المجرى،
وسكونِ الياءْ
ويطلُّ شتاءْ
***
أشتاقُ ضفافاً حائرةً..
تتأرجح عند اللون المخمور
وعند الظلِّ المحترقِ الأضواءْ
وخريفاً،
وامرأةً يتوالى فيها الوقت سريعاً..
حتّى ينتصف الآتي،
ويدورُ وراءْ
وأراني نصفَ قتيلٍ..
أدخلُ صومعتي..
وأصلّي دون فضاءْ
كي ينتصفَ الماضي المخذولُ
وآخر ساعاتِ الخوفِ المتواصلِ
في الأرجاءْ
وبريقَ الصمتِ على جهةٍ تزدانُ..
بآلافِ الأضواءْ
أشتاقُ إلى بعض القطراتِ،
وركنٍ منعتقٍ في آخر ظلّ منحطمٍ،
وبكاءْ
***
الديكِ مساءٌ مشتعلٌ..
في أقصى الوقتِ المكسورْ؟
يا زنبقتي،
ولهاث ضلوعي..
حين يعومُ النورْ
فوق الأشياءِ الباردة الخلجاتِ..
فتومصُ فيها بضعُ زهورْ
وتحيلك لوناً ماسيَّ القسماتِ،
وورديّ الضحكاتِ
فأبعثُ ذاتَ نشورْ؟
أو أعشقُ في سرّي امرأة من طيب الصيف،
وفوْحِ النرجس والمنثورْ
ويجيءُ إليها الطلُّ صباحَ مساء،
والزفراتُ دهورْ
في جوْفِ اللحظاتِ تلمُّ اللونَ،
وتطلعُ أجنحةً،
وتدورْ
في هذا الركن المحترق الأطرافِ
وهذا الظلّ المسحورِ..
المسحورْ
ألديكِ الساعة مفترقٌ..
بين الغيمات يمورْ؟
وأحبكِ..
حتى يذبلَ وجه العالم في كفّي..
أو تسقط كلُّ جهات الحزن،
وبضعُ سطورْ
من دفترهِ المسعورْ
3 \ 1994
الغابة
الغابة هادئةٌ،
والوقتُ شتاءٌ أرخى اللون على جهة الأحزان،
وهالاتِ الفرحِ المكسورِ
فمال مساءٌ نحو دمائي،
والتفتتْ شرفاتُ العشقِ إليَّ
بكيتُ الراحل من هذا القمر المهزومِ
بكيتُ القادمَ في الريح الأولى،(1/5)
والغابةُ هادئةٌ..
لا تدخلُ في طقسٍ وثنيٍّ أطبقَ فوقَ الروحِ
فعامتْ فوقَ مياه الوقت رؤايَ،
وعامتْ أشجارُ المنفى...
فرجعتُ إليَّ عساني أدخلُ في ملكوتِ الصمتِ المتواري..
تحتَ لحاء اللونِ
وأدخلُ في وجع الساعات..
ألمُّ الأقمار السوداءَ..
أعدُّ جهاتِ الحزن
ألمُّ حطامَ خريفٍ أزبدَ
أرغى،
وارتجفتْ فيه الأطيارُ،
وأحجارُ الرأسِ المخمورِ
عساني أطلبُ جرعةَ ماءٍ باردةً..
ويجيءُ إليَّ النهر فأشربهُ..
والوردةُ ذابلةٌ لا يدركها ألقُ الضحكاتِ..
فتوغل في جهةٍ لا يعرفها قمرٌ
او شجرٌ
والغابةُ هادئةٌ..
دافئةٌ
تتوارى خلفَ الآتي
ينتقلُ العصفورُ إلى وطنٍ يتوالى فيه اللونُ..
فأعرفُ ان الضفّة توغلُ نحوي..
تطلبُ رشفة حزنٍ
تطلبُ دفقة ماءٍ فارقةً..
في هذا الليل الأزرقِ
تطلبُ رفّة ذكرى
يعترفُ الآتي بدمي..
أعبرُ كأساً أبيضَ..
ينفجرُ الينبوعُ،
وترخي دالية اوراق حنيني فوق الجسر،
وأرخي جفني عند الشرفةِ،
أسلمهُ للنوم قليلاً
يبدأ نهرٌ رحلتهُ في بعض دمائي
تسبحُ أسماكٌ ضدّ التيارِ
تجيءُ إليَّ
وتسبحٌ افلاكٌ في يمّ رؤايَ
وتنجدلُ الأغصانُ فتغدوَ أفعى يابسةً..
تتسلّلى بينَ ضفافي
تدخل في فجوات الرأس،
وتوغلُ حتّى تنتصفَ الأشياءُ،
وحتّى أسمعَ نبضَ الليل،
ونبصَ الأحجارِ،
الأشجارِ
ونبضَ الخمر،
واوشكُ أن أهذي،
والغابة هادئةٌ
والليلة باردةٌ
ولساني يبحث عن قطراتٍ
عن كلمات يانعةٍ
عن بيتٍ يسترني فأموتُ كما شاءَ الموتُ
وعن ظلّ لروائي،
وكوخٍ يستعرُ الأصحابّ لديه،
ويرتشفونَ الصمتَ الآسِنَ..
علّ صباحاً يولدُ من خدَرِ الضحكاتِ
وعلّ رياحاً تبدأ من روحي..
فيصيرُ العالمُ قطاً مرتعداً
ويصيرُ النايُ حَجَرْ
والغابةُ نائمةٌ في قاعِ سقرْ
حمص 5 / 1994
داخل الوقت.. خارج السرب
(1) - إلى فاروق قندقجي
أذكرُ الشارعَ والبابَ،
وقوسين من العطرِ المذابْ
اذكرُ الساعةَ واللون،
وموسيقا الرغابْ
.. ركوة البنّ،
وركناً راحلاً صوبَ استداراتِ اليبابْ(1/6)
إنه المرسمُ / فاروقُ،
وقوسانِ من الماضي يلوحانِ
فتفترُّ الخوابي في مساءاتِ العتابْ
ويضيعُ الوقتُ في الأخشابِ والألوانِ والذكرى،
وأطياف القبابْ
هاهنا نهرٌ..
هناكِ الأخضرُ الممدودُ في ذاكَ السرابْ
وجدار مستريحٌ طالعٌ من دفقة الطين،
وأكوام الخرابْ
نحومَا يشبهُ خوفاً..
نحوَ ترنيمةِ حزنٍ مشرقيّ..
في فضاءات الحُبابْ
إنه العالمُ / فاروقُ،
وصمت الحزنِ في قوسِ الربابْ
( ) إلى خلدون الأزهري
كيف حالُ اللونِ في هذا الخريفْ؟
يا صديقَ الشهواتِ البِكرِ..
إن الريحِ تعوي،
والمدى رخْو تمطَى فوقِ أغصانِ الرؤى..
حتّى تخضّ شاطئ الوقتِ على وَقْعِ النزيف
وأنا مثلكَ مشطورٌ إلى نصفينِ
والرأسُ قطيفْ
ودماءٌ غضّةٌ في الأفقِ لا تُنذُر خيراً
والمدى بِكْرٌ رهيفْ
بين قوسينِ من الوهمِ
وحزنينِ من العشقِ الشفيفْ
يا صديقٍ الضحكاتِ البكرِ..
يا بعض ذهولي وهطولي..
في المدى الزاهي الوريفْ
آهِ مّما لا يجيءُ الآنَ..
مّما أسلم الَدربُ إلينا..
من شمالٍ داكنِ الطلْعةِ
مقطوعِ الحوافي..
راعشِ الخطوْ تدلّى فوقَ أشلاءِ رصيفْ
يا صديقَ الأخضرِ المحروقِ في صيف الفيافي،
والمساءاتُ رفيفْ
كيف حال الروح في هذا الخريفْ؟
(3) إلى عبدالنبي تلاوي
يَطُلعُ الليلُ أخيراً
من شقوق الحزنِ نديانِ الرؤى
والقلبُ داجٍ
والمسافاتُ أنينْ
يا صديق الصمتِ..
يا لون انطفاءات السنينْ
أين قوسٌ من فضاءِ الشعر يمضي..
كيف حالُ الطيبّينْ؟
كيف صَارَ الصَحْبُ في منفى اليقينْ؟
ويطيرُ الظلُّ..
تأتيكَ أخيراً ( حين تبكي آخر الليلِ ) الفراشاتُ
وشطآنُ الحنينْ
هو وقتٌ غارقٌ عند حوافي الليل
حزنٌ حارقٌ فيما تبقّى من شتاءِ الياسمينْ
يا صديقي..
هاجرَ اللونُ إلى أشيائنا حيناً،
ومنذٌ الصبحِ كنّا نقرعُ الأبوابَ
لكن لا أحَدْ
غير جدران الجسدْ
(4) / إلى قصي أتاسي
عندَ قوسينِ ترامى في بعيدِ الظّلِ..
عند النقطة الخرساء في بؤرةِ حزنٍ(1/7)
يدخل الليلُ وحيداً دون وجهٍ في ثنايانا،
وينداحُ الغروبْ
عند أنثى أشعلتنا..
عند لونين على شطِّ الهروبْ
إنّهُ الوقتْ السماويُّ
وبَوْحُ الشايِ..
نزْفُ الخمرِ..
وقعُ الصمتِ في أقصى الشحوبْ
واحتمالُ الوجهةِ الأخرى من المنفى،
وساعات الهبوبْ
عند قوسينِ من الشوق وكأسينٍ منَ السكُوبْ
حينِ يأتي الصبحُ مخموراً،
وتمضي رعشة الكأسِ اللعوبْ
نحو وقْتٍ مستباحٍ..
ليسَ تحكيهِ الدروبْ
آخر الخمرِ الشَروبْ
(5) إلى عبد القادر الحصني
ليسَ في البالِ مكانٌ لارتشاف الظلِّ..
في هذا المساءْ
غابَ نصفانِ من الروح
ومالتْ ضفّة الحزنِ أخيراً..
فانتصفنا..
ساعةَ ارتاحَ على القلبِ شتاءْ
واقتفي العصفورُ أشلاءَ الفيافي،
واحتراقات الوراءْ
في اشتعالٍ غامضِ اللونِ..
كترجيعِ السماءْ
ليس في البالِ زمانٌ لاندلاعِ الفلِّ
إني غاربُ ما بينَ شطّينِ وماءْ
وحزينٌ..
كلُّ أيامي خُواءْ
غادر الطيرُ الفضاءَ المرتخي..
صوبَ انكساراتِ الدماءْ
وتلاقى بنثارِ الصَحْبِ..
كان الوقتُ يزقو في جحيمِ الأصدقاءْ
ويغنّي دون صوتٍ
" ليسَ في البالِ خريفٌ
لاشتعال الروح في هذا المساءْ "
أطبق الليل على القلب..
وأنثى ترسمُ الصمتَ عواءْ
في جحيم الاشتهاءْ
(6) إلى سرور علواني
مرّةً ضلّ نهارٌ شاطيءَ الصبحِ
وكان الوقتُ حزناً،
والرؤى بكر
وصيف هاربٌ من جوْفِ ذكرى،
ورصيفٌ أرْجُوانْ
كانت الريحُ شمالاً تستعيدُ اللون من حّزْمةِ شوقٍ..
مُسْتعادٍ من زمانْ
كانت الأشياءُ تعوي في خريف الشهوة الأولى،
وتنسلُّ اليدانْ
لتصلّي في محاريبِ رؤانا لحظتانْ
ويغيمُ اللونُ ساعاتٍ على شطِّ المكانْ
عند قوسينِ،
دخانْ
1 / 1994
حريق الكوى
(1)
أَمَنْ شقوةِ الغارباتِ أتيتَ،
وذاك المساءُ حطيمُ؟
أمِ النهرُ ألقى عليكَ الصباحَ..
فرُحْتَ تلمُّ الكؤوسَ،
وبعض الشراب تروم؟
أنادي على لجّةٍ من لدنك،
ووقتٍ هناكَ يعومُ
أُنادي على ضفتيكَ..
لتأتي كغصنٍ تكسّرُ فيهِ الهمومُ(1/8)
فعلّي أحدّك لوناً وظلاًّ،
وقنطرةً من شرودِ الطريقِ..
تَعتّقُ فيها الكرومُ
وأنت تجرُّ البريقَ إلى خامدٍ لا يُضيءُ،
وسقفُ الشرابِ سديمُ
تقدّم فينا الوراءُ كثيراً..
فلا رفّةٌ تُستعادُ،
ولا حالكٌ مستديمُ
وليسَ الذي ماتَ ماتَ،
وبعضُ الجديدِ قديمُ
ويكبرُ فينا الشقاءُ،
ونصغرُ حتى يموتَ الحمامُ بصدرِ الحكايا..
فَهَلْ لي هناكِ حميمُ؟
وكيفَ نموتُ،
وبعضُ الصباحِ سديمٌ،
وبعضُ المساءِ عقيمُ
أليسَ لحزني بلادٌ هناكَ وبَوْحٌ..
يجيءُ متى حانَ ذاك الشميمُ؟
وهل لي سوى دفقةِ المستحيل المُسجّى..
تطلُّ..
على ضفّةٍ لا تغيمُ؟..
تقدّم فينا الهشيمُ
حمص- 11 / 1994
(2)
أتمضي بعيداً رفوفُ الحمام،
ويغربُ لونٌ تمطّى على الروَح..
حتّى أطلَّ الغروبُ حزيناً قُبيلَ الغروب؟
أيامن أراهم على مفرقينِ استماحوا لهاث الطيوبِ،
وغاموا..
فلمْ ألتقيهمْ على وجهة الحزنِ عند الهروبِ
يموت لدينا حنينُ الطلوع،
ولا نرتقي ظلَّ ذكرى..
فنبقى حفاةَ القلوبِ
طوتنا السنينُ بُعيدَ الفراقِ..
فمامن شمالٍ يطلُّ شمالُ الجنوبِ
وظلَّ البيعدُ طريّاً،
وظلَّ القريبُ عصيّاً..
شديدَ الندوبِ
هو الليلُ باقةُ حزنٍ،
وجرعةُ خمرٍ بطيء الهبوبِ
وتمضي بعيداً طيوفُ الشراب..
إلى آخرِ الذكريات اللواتي سئمنَ دروبي
لأبكي حُروبي
(3)
يكاد البريقُ يضيقُ،
وحزنُ المرايا يقدُّ شفاهي..
فأغمضُ روحي عليَّ
وأشربُ صبحاً على ضفّة المستحيلِ تراخى،
وغصنُ الصباح يجيءُ طريّا
وأعدوا إليكِ..
يعودُ الخريفُ من الحلمِ..
أبكيكِ حتّى تضلَّ حدودُ الشرابِ يديَّ
وحتّى أرومَ الهروبَ..
وأدنو قليلاً من الظلِّ
أهوي على نفحةٍ من سالف الفلِّ
حتّى يطلَ الصباحُ شهيّا
ويزقو الطريقُ..
يفيقُ فآتي الفتونَ عشيّا
فماذا إذا غمتُ حيناً هناكَ يكونُ،
وماذا يظلُّ من اللونِ حيّا
دعيني أبعثر بعضَ الكلامِ..
على ساحلِ العشقِ حتى يجيء الكلامُ بهيّا
وحتّى ألمَّ البنفسجَ من ضفّتيكِ،
ويغدو النهارُ نديّا..(1/9)
فهيّا إليَّ...
أفول البياض
في ليلٍ يستعرُ الآتي في غربته
ويموجُ القلبُ غريقاً في دمع السكراتِ..
أجرُّ الخطوَ إليكَ،
وأنتَ الباقي في وَضَحِ الأشياء تعومْ
فأراكَ هناكَ تغيبُ على الكرسّي وحيداً..
في مقهى يتناثرُ عند الضفّةِ والأصحاب..
أسيراً دونَ وثاقٍ
منحطمَ الكلماتِ على طرفِ الشكوى،
والريح تحومْ
تتساءلُ مستعراً:
" كيف القبلاتُ تصيرُ شتاءً..
يبحثُ عن كاسٍ وكرومْ؟
كيفَ الآتونَ من الريحِ افترقوا في أرض جدودي؟
وانقسمَ التيّارُ إلى ضدّينِ،
وهاجرَ أعرابٌ في الرومْ؟ "
والنبعُ خريرٌ منقطعٌ ،
والماء سمومْ
وأجيئُكَ..
أسألُ مغفرةً..
اتوسّلُ بالآتي،
وبآخرِ رفّ منُ زمَرِ الأصحابِ
وحرِّ الأشياءِ الأولى..
أن يهطلَ نهرٌ في الكأس المترامي في أقصى وجعي..
أن يطلعَ وجهٌ من زَبًدٍ ويقومْ
من قبرٍ يوشكُ أن يمتدّ إلى وطنٍ..
في فوضى الوقتِ يسافرُ،
والقلبُ نجومْ
اتوسّلُ بالقمر المكبوتِ وشطآن الفوضى..
أن تبرأَ وردتيَ الصغرى من حبٍّ يقتلها..
من ربٍّ يرسمها شوكاً،
وغماماً أسود..
حينَ يريدْ
هذا المترامي شرق دمائي..
فوقَ مسائي..
فوقَ المحترقِ المسموم من الروح الثكلى،
ولهاث البيدْ
وبكلّ المطعونينَ
وكلِّ المنبوذينِ
وكلّ الموبوئينَ،
ونسّاكِ الوطن المحفورِ على القمر المسطورِ على خصلاتِ الضوءِ
أوانَ العتمةِ..
إني مفترقٌ..
محترقٌ في هذي الساعةِ..
من هذا السفرِ المحفوف بأوجاعِ المنفى،
والروحُ قديدْ
ماذا في الريحِ،
وماذا في قطراتِ الصبحِ البارد..
ماذا فيَّ يدورُ ويتّسعُ المجرى؟
ماذا في الروح من الذكرى؟
وشفاهي أين؟،
وأين الكاهنُ؟..
إني مرتعدٌ في هذا المعبدِ..
أبكي علَّ دموعي تدخل في دَنَس الأشياء،
وعلَّ ضلوعي تشعلُ هذا العالمَ..
في الجهةِ الأخرى.
أشعلتُ شموعَ القلبِ
ورحتُ انادي في سكراتِ النهرِ على الأشلاءِ..
على الأشياءِ
فعلَّ خريفاً غادر ظلّي يعبرُ
علَّ رصيفاً من زمنِ العشّاقِ يبوحُ،(1/10)
وعلّي في رَهَقِ الزفراتِ ألمُّ مساءً من زغبِ الماضي..
أو أترعُ خمراً مختلفاً..
من دنِّ دمائي
أستدني صلوات الليل اليائسِ..
من شفقِ الأمواتْ
والليلُ مُواتْ
في هذا السمتِ لتبتديء الظلماتُ العَدْوَ ورائي،
او أتوارى خلف الأعمدةِ المسحورة..
تحت السقفِ
وبين الجدرانِ الصدئاتْ
لكن عواءً في الأركانِ توزّعَ فيَّ..
تركتُ الرأسَ.
رحلتُ قليلاً كي يتوالى فيَّ هروبٌ آخرُ..
قبل خرابِ الظّل على الشرفاتْ
وأُلملمُ ظلّي في الطرقاتْ
وأعدُّالأصحابَ..
الضحكاتِ
وأمشي في وجعِ الأسماءِ إلى مأوايَ..
فقد آنَ الحزنُ،
وحان غروبُ الذاتْ
إنيّ أتوسلُ..
أذوي في فجواتِ دمائي
يحترقِ الآسُ..
الخطواتْ
والآتي..
لا يصلُ الآتي
في ظلّ حصاةْ
هل أبحثُ عن رَغَدٍ،
والبحر أمامي يصرخ في الجنباتْ؟
أم أبحثُ عن جسدٍ..
سرقتهُ الريحُ إلى أقصى الفلواتْ؟
والعالمُ نامَ..
فهل تستيقظُ فيَّ شطوطُ الأمس،
وأجمعُ باقةَ لونٍ منطفئ الزفراتْ؟
والعالمُ غامَ..
فكيف يغيمُ النهرُ قُبيل ذراعي..؟
آهٍ يا خَدَرَ الموجاتْ
العالمُ نامَ..
سأدخلُ صومعتي كي لا تترصدني الشبهاتْ
وسأغلقُ هذا القلبَ على الأشياءِ..
فقد أصحو والعالمُ ماتْ
منذُ القطراتِ الأولى..
من دمعِ الحسراتْ
منذُ الألفِ الثاني قبلَ الضحكاتْ
وأنينِ النرجسِ والخصلاتْ
ورحيل القافلة الأولى..
في ذاكرةِ الشرفاتْ
حمص - 7 / 1994
شتاء الوردة الأول :
- رحيل
- سؤال الآخر
- مراثي المساء الأخير
- دموع السنديان
- لونه
- النهر
- عشاء الميّتين
رحيل:
في أوّلِ الليلِ الرخاميِّ الحزينْ..
يأتي إلى المنفى جميعُ الصحبِ..
نعقدُ لحظةً خمريّةً..
في أوّلِ القمرِ الخريفيّ السجينْ
نتلو على الماءِ السؤالَ..
فيصطلي النهر القريبُ،
وتركضُ الموجاتُ نحوَ الرأس..
تطلبُ شاطئاً في حانةٍ منسيّةٍ،
وشرابَ دالية السنينْ
في آخر الليل الرخاميِّ الحزينْ..
ينفضُّ عقدُ الصحبِ..
أرجعُ مرّة أخرى إلى هذا اليباسِ
تحيطني لجج،(1/11)
واربضُ كالمدى،
والروحُ تدلفُ والجبينْ
حتّى الصباحِ اللولبيِّ،
ودفقةِ الدفلى على جهةِ الأنينْ
في أوّلِ الصبحِ الجنينْ
سؤال الآخر:
أنا واحدٌ..
أمْ وجهتانِ،
وشاطىءٌ يرتاحُ في اقصى المساءْ؟
وقت اشتعال دقائق المنفى..
على طرفِ الشتاءْ
رأسي تحدّبَ،
والخواء يُحيطني..
مُذ غابَ فيَّ البيلسانُ
وقدَّ فيَّ الأرجوانُ
وغمتُ حيناً في تلاوينِ البكاءْ
أنا واحدٌ..
بل لّجتان تزقزقانِ،
وليسَ من دوحٍ يُعيدُ إليَّ ترجيعَِ الغناءْ
وورائيَ الباقي من الوجعِ القديمِ..
فمن يجئ من الخواءْ؟
ماذا اعتراني..؟
أيُّ صمتٍ..؟
أيُّ مفترقٍ أنا؟،
ومتى يُعتّقني الشراب فأغتدي شلواً حزيناً،
يحتدى فيه الحداءْ؟
أنا واحدٌ..
لكنّني أشتاقُ داليةً تنقّط دمعها في أضلعي،
وُتعيدُ فيَّ تلّونَ الذكرى..
على طلل الخشوعِ،
وعند بارقةِ السماءْ
أشتاقُ أصحابَ الشتاءِ،
وحانة الوقتِ الظليلِ..
تهبُّ من منفى البلاد فنرتقي وجعَ الدماءْ
حتّى يلملمنا الشرودُ..
فلا نعودُ من الوراءْ
مراثي المساء الأخير:
أتراكَ جئتَ من الغروبِ إلى الشحوبِ..
وأنتَ تمشي خارجَ الطقسِ النهائيِّ السحيقْ
يا واحةً،
والقيظ يتلو فكرة الآتي
فيصفرُّ الشمالُ على خطاها،
والحدائق لا تفيقْ
إنيّ غريقٌ يا صديقَ الليل في أقصى دمائي،
والشقائقُ ترتمي في حالكِ المنفى الغريقْ
واشدُّ روحي كي أراكَ..
فلا أرى إلا شحوبَ الوجهِ في هذا الشهيقْ
وأمدُّ وقتي كي ألاحقَ موجةً في راحتيكَ..
دقائقَ الزمن الوريقْ
فأراكِ ترحلُ بالوداعةِ في جحيم الغارقينَ،
وترتقي الوردَ الأنيقْ
ودوحة الظلّ الأنيقْ
في لحظةٍ ملتاعةٍ..
من آخر الوجعِ الرجيم،
وغابر الحزنِ العتيقْ
أتراكَ جئت من الغروبِ..
إلى الشحوبِ،
وكنت في قاع الشرابِ..
ألملمُ الذكرى..
فما انفتحَ المضيقْ؟
يا أيّها الضدٌّ الصديقْ
دموع السنديان:
وإليَّ تأتي القبّراتُ..
إليَّ تأتي كلّما اشتقتُ الصباحَ
وكلّما اشتقتُ القراحَ،(1/12)
وكلّما جفّتْ مآقي السنديانْ
يا دفء أوردتي متى حان المكانُ بما اظلّ،
وأطرقَ الوجعُ القديمُ،
وهاجرتْ فيّ المسافةُ برهتين من الزمانْ
وتقدّمَ اللاشيءُ في طقسِ الهواجسِ..
خطوتينِ من الخرابِ..
فمن يصفّقُ للرؤى..
في حانةِ الوقتِ الدخانْ؟
إن غامَِ رأسي..
أو تأرجَح شاطئانْ
لونَه
ظلّي الوداعةَ حين يُطلقنا المساءُ فنقتفيهِ..
على شحوبِ المطلقِ
والريحُ ترسمنا على خزفِ الشتاءِ..
حمامتينِ من الرؤى..
تتلّفتانِ إلى الخليجِ المغلقِ
حتّى يؤذّنَ صبحنا بجداولِ اللقيا..
وتهربُ ضفّتان من المسارِ،
ويسقطُ النهرُ القديمُ..
على ضفاف المشرقِ
ظلّي الوداعةَ،
واقطفي الوقتَ الوريقَ..
من الفراغِ الأزرقِ
وتقدّمي في أضلعي..
وجعاً على طللِ المساءِ،
وزقزقي
النهرُ
رحلَ الشمالُ..
فأينَ قنطرةُ المساءِ اللولبيّ،
وأينَ ركنُ العاشقين ؟
يا أيّها النهرُ الحزينْ
والماءُ اينَ؟..
ودمعتي الأولى على طرفِ الشتاءِ المستكينْ؟..
يا وجهَ أميّ،
والبداياتِ اللواتي جئن باللغةِ السماحِ،
وتمتماتِ الطيبّينْ
ضحكَ القنوطُ..
أوانَ أمطرتِ السماء دماءنا،
والريحُ قاطبةُ الجبينْ
والماءُ غابَ..
وأطبقتْ في البالِ هاتيكَ السنينْ
فمتى أعلّقُ دمعةً في بابِ حزني..
كي يضلَّ العاشقونَ الدربَ..
في الشرقِ السجينْ؟
ومتى سيشتعلُ الجبينْ..
يا أيّها النهرُ الحزينْ؟
عشاء الميّتين
مُدَّ المساءَ على تخومِ الطاولهْ
واستجلبِ الخَدَرَ الطويلَ،
وزنبقَاتِ الليلِ في قارورة الوقتِ..
استعِدْ بعضَ الندامى،
والخزامى..
مِنْ غثاءِ القافلهْ
يا أيّها الضدُّ الذَي غربتْ رؤاهُ..
مع الرفوفِ الافلهْ
إنيّ أمجّدُ ضفّتيكَ،
وشوقَ أوردة الشرابِ،
وزرقة المنفى،
وأشرعةَ المساءِ الغافلهْ
ودوائرَ الصمتِ المثيرِ..
إذا تهدَّجَ زورقٌ في حافل الذكرى،
وأوقدَ دمعتينِ على البلادِ القاتلهْ
يا صاحبي..
غرقَ المساءُ ولم نصفّقْ مرّةً..
لحدائقِ الشوقِ المسمَّرِ
فوقَ أوردةِ الشرابِ الحافلهْ(1/13)
مُدَّ المساءَ وأيقظِ الوقتَ الرجيمَ..
لكي تنامَ العائلهْ
قطار الخامسة والعشرين :
- يباس
- هم
- المواجع
- الغفران
- أحبّك
- رفوف الشتاء
- قراءات
- فتون
يباس:
لا تعجبي..
هي زرقةٌ والليلُ غافٍ في منافي غيمةٍ سكرى..
تقطّبَ وجهها..
حتّى أفولِ الغيثِ في جهةِ الغمامْ
إنيّ على خَدَر الكلامِ مُمَدّدٌ..
وقتي زجاجٌ،
والمسافة شقوةٌ،
والريحُ غاربةُ الحمامْ
ماذا أسجّلُ في بياضِ دوائري؟..
لغةً؟..
وهل لغتي سوى وجع الكلامْ؟
وطناً؟..
وهل حانتْ ولادةُ وردتين من اليباسِ..
بآخرِ الأرض الحطامْ؟
هيَ زرقةٌ في الرأسِ..
في العينين..
في شتّى مساحات الظلامْ
والخوفُ منسدلٌ كعنقود الضياءِ..
يُحيطني بجليدِ اروقة الشرابِ،
ونزفِ اوراقِ الخزامْ
لا تعجبي..
إنْ ماتَ طيرٌ في فراغٍ أبيضٍ..
أو رفَّ حزنٌ في تجاعيدِ الرخامْ
إن اليباسَ يُحيطنا،
ولسوفَ نغرقُ في سواد دمائنا يوماً،
ويرتجفُ اليمامْ
لا تعجبي..
ضاق الأمَاَمْ.
هم
مرّوا على جسرِ المساءِ،
وأوغلوا في حانةِ الليلِ الظليمْ
وتدفّقَ المنفى سويعاتِ الأفولِ على حديقتهمْ
ومالَ اللونُ ناحية الرماد..
على السديمْ
كانوا على طلل الخريفِ يسامرونَ الليل،
واللغة السوادَ،
وشارع الحزنِ القديمْ
وعلى مشارفهمْ تهاوى الزيزفونُ،
وأطبقِ النخلُ العقيمْ
ما كاد أوّلهم يصبُّ الوقتَ في قدحِ الرؤى..
حتى تجرّعهُ الأفولُ،
وغابَ في الوجعِ الرجيمْ
حتّى طواهم أوّلُ الفجرِ الضحوكِ
وأينعَ الكأسُ الحطامُ بما تندّى
أو تبدّى من شميمْ
فتوزعوا زمراً على جسرِ الصباحِ،
وأجهشوا بالوقتِ..
ناحيةَ الهشيمْ
والحانةُ امتدتْ إلى وطنِ النشورِ
فعربدَ الخمرُ الحميمُ،
وأطلقَ الوطنَ الحميمْ
فوقَ الشفاهِ اليابساتِ،
وذابلِ الشوقِ الظليمْ
حتّى تحجّرَ ظلهمْ حين استراحوا في مهبّاتِ اللهاث،
وأطبقَ النهرُ الرخيمْ
فوق السؤال،
وفوق أشرعة الهروبِ من الجحيمْ
ماتوا..
وظلَّ النهرُ في المنفى..
مُقيمْ
المواجع:(1/14)
لأيّ مدائنٍ تمضي؟
وينكشفُ المساءُ على خطاكَ
وتبتدي فيكَ البراءةُ
والهوى يذوي
تناثّر رشفتينِ الكأسُ
وانعتقَ البعيدُ...
فهل تراكَ لحيّنا تأوي؟
إلى لغة تمنّع وجهها زمناً،
وعيناك اشتعال ومسافة المنفى..
على شفق الرؤى يعوي فأين تراك
تمضي والقوافلُ رثّةٌ..
في عالمٍ يهوي؟
بعيداً في الدناءةِ
والغوايةِ
والمدى رخوٌ..
فهل يثبُ الصباحُ إليكَ ثانيةً
ويبتدئُ النهارُ..
وأنت لا تلوي؟
الغفران:
يسافرُ في الشمالِ،
وفي المحالِ،
وكم يحدّقُ في الوراءِ،
وفي المساءِ يعومُ في كأسٍ تسوّرهُ
وتطلقهُ إلى وضح الغروب مخضبّاً برؤاهُ..
مشتعلاً كبارقةٍ وتنثرهُ
على مرأى الشحوبِ..
قُبيل تنشرهُ
من الروحِ الخرابِ..
من الوساوسِ والسؤالِ المستحيلِ..
إلى الهبوبِ المستطيلِ كعاشقٍ..
حتى تزًنرهُ
بآخر ضمّةٍ من ياسمينِ الصبحِ،
والأنسامُ تعبرهُ
يسافرُ في الظلالِ،
وليس من جهةٍ يراها في السؤالِ فيرتقيها..
قبل تعصرهُ
دروب الليلِ،
والآهاتُ تغفرهُ
أحبّكِ..
أحبّكِ..
كم أوَدُّ هروبنا من زحمة الأشياءِ..
أعرفُ ليسَ من برٍّ لينقشعَ الأفولُ،
ويستديرَ الصمتْ
تُرى..
هل كنتُ أرسمُ صحوتي..
أمْ أنَّ داليةً تنقّطُ في شفاهي الوقتْ؟
أحبّكِ..
يا زمردةً يغالبها اليباسُ..
ولا تغادرهُ إلى ألقِ الشروقِ،
ولا تُريدُ الموتْ
دخلنا في براري الليل..
حتى ساعة صَدِأ الهواءُ بها..
فأخمدنا لهيب الصوتْ
أحبّكِ..
عمديني باللظى،
ودعي على خصلِ المساءِ دفاترَ العشقِ الخؤونِ..
فليتني كنتُ احترقتُ..
وذبتْ
رفوف الشتاء:
دعيني أرتقي شفقَ الشرابِ
لأبتديكِ من الصباحِ إلى غروبِ الماءْ
لمن هذا المساءُ المخمليُّ يوزّع الدفلى،
ومن يرتادُ أروقةِ الفتونِ
ويرسم الآتي هناكَ دماءْ؟
مضى زمنٌ وأنت حبيبتي
ويداكِ سربٌ حائرٌ في وجهتينِ..
تزقزقَان بكاءْ
وليسَ يُحيطنا قمرٌ،
ولا مطرٌ سيرسمنا رفوفَ شتاءْ
تقدّمَ حالكٌ من أزرقِ الفلواتِ في نسغ الشتاءِ..
فغرّدتْ في المغربينِ سماءْ(1/15)
هي الأشياءُ تمضي في مهبَ المستحيلِ،
ويقتفي فينا الأمامُ دماءنا،
والريحُ تعوي..
والرؤى سوداءْ
قراءات:
يدورُ الليلُ والأصحابُ في رأسي،
وأغفوا ساعةً عند النعاسِ...
يجيئني طيرٌ من الفلواتِ..
يدخلُ في فضاءاتي
أسامِرُهُ.. فعلَّ ضفافنا تخضرُّ
علَّ دماءنا تفترُّ
علَّ الماء يجري في السواقي..
حينَ تقطرُ روحُنا مطرَ الحصاراتِ
يدورُ الليلُ في أقصى قطاراتي
يدورُ هناك.. أعثرُ بقعةً في الحائط الغافي...
ترفٌّ على مهبّ الذكريات..
فيرجفُ الآتي
هي الأشياءُ غائمةٌ،
وليسَ يمرُّ طيفٌ في مداراتي
أنا الصمتُ- اليباسُ..
أنا اللهاثُ..
انا المجوَّفُ بالبراءاتِ
يدور اليللُ في كأسي..
فأبحثُ عن شمالٍ دافيءٍ في وجهِ أنثى..
عن مساءٍ يانعٍ..
عن طيبِ قنطرةِ الفتونِ،
وعن قُراحاتي
ظمئنا والشتاءُ محلّقٌ في الروحِ..
يبحثُ عن محاراتِ
وأبحثُ في البعيدِ عن الأحبّةِ..
في قصاصاتي
أحدّقُ في اليباسِ فلا أرى..
غيري يدورُ مع النعاسِ،
ويصطلي شرّ القراءاتِ
فتون:
بعيداً في أقاصي هدأةٍ
تنداحُ في دفق الفتونِ
أعوامُ في المجرى
وانتظرُ الشواطيءَ..
أرتقي أفق النعاسِ هناك مُنْتظرا
ويحملني مساءٌ طالعٌ من لفتةِ الدفلى..
يجوبُ شواطئي السكرى
فأرفعُ حرقتي نحو السماءِ..
فتمطرُ الأخرى
بلاداً او قصائدَ من غروبِ الوقتِ
تنسجُ برعماً في شقوةِ الغصنِ الذي يعرى
بعيداً في خليجِ الذكرياتِ..
أعومُ هناكَ..
في طرفِ الخريفِ،
وغابة الذكرى
دمي واليباس الأخيرْ
"1"
يطوفُ المساءُ على ظلّنا،
والخوابي القديمات تهفو إلى رعشة الجلنّارِ
ونأتي أماكننا البكرَ..
نبكي قطوفَ القفارِ
هو الليلُ آخرُ لونٍ عقيمٍ،
وآخرُ حزنِ البراري
فأينَ الصحابٌ؟،
وأينَ الشرابُ،
وقوسُ المرارِ؟
وأينَ يداكِ اللواتي حملنَ الفتونَ إليَّ..
أوانَ الحصارِ؟
وأينَ الغروبُ الشفيفُ،
وقطفُ الشفاهِ..
إذا آنَ قطفُ انتظاري
يغيمُ المساءُ ولا ألتقيكِ..
هنالكَ..
أينَ الرفوفُ الحواري؟(1/16)
ولثمُ الكوؤسِ الحبالى،
ونزفُ الجرارِ؟
"2"
هو الحزنُ يأتي اوانَ الفرارِ إلى وجهةٍ..
في ارتحالِ المساءْ
ويسكنُ فينا الدمَاء
فنبكي الوراء،
وصمت الوراءِ
هو الحزنُ ساعةُ ظلٍّ على كأسنا المستحيلِ،
ودفقةَ داءِ
غربنا إلى واحةٍ من نزيفِ النخيلِ،
وما في القتيلِ ظلالٌ لأرواحنا..
حينَ تزقو على شرفةِ الاستواءِ
وتغفو على الصمتِ أشياؤنا دونَ بدْءٍ
ودونَ انتهاءِ
غفونا طويلاً،
ومازال غصنُ اليباسِ يريدُ الأمامَ،
ومازالَ ظلّي ورائي.
"3"
تعالي إليّ..
فقد لا يبوحُ الخريفُ بموعدِ حبّ قُبيلَ الدوالي
وقد لا يبوحُ الرصيفُ بشيءٍ
سوى لجّةِ العشقِ..
صمتِ السؤالِ
تعالي..
فإنيّ ارتحلتُ طويلاً،
وقد حانَ هذا الرجوعُ..
تعالي
هناكَ احترقنا..
هناكَ افترقنا..
هناكَ تعومُ الفتونُ ببالي
ولا أستطيعُ الكلامَ،
ولا أستطيعُ الليالي
وإنيّ أحبك.
إني أحبكِ
هل لي ضمامَةَ وردٍ من الظلِّ
حتّى ارتعاشِ الشمال؟
وهل لي إليكِ سبيلٌ
وأنتِ المساءُ الطريُّ،
وهل لي إليكِ ولوعٌ..
أوانَ المحالِ
تعالي إليّ لنمشي قليلاً على شاطيء المنتهى
واحتراق المحالِ
تعالي
"4"
على ضفّةِ المستحيلِ غفوتُ
ومالَ النهارُ عليَّ..
فملتُ
وكنتُ ارتشفتكِ ظلاً على شاطيءٍ لاغتراب المكانِ،
وعدتُ
إلى رشفتينِ: مساءٌ يموج
وحزنٌ على شرفةِ الوقتِ يلهو..
فرحتُ وجئتُ
وما كنتُ أنوي سوى رفةٍ في مساء جريحٍ،
وقطفَ الفتونِ اللواتي عشقتُ
هوَ الوجهُ باقةُ شوقٍ إليها رحلتُ
هو الحزنُ من خارجِ الوقت يأتي إليَّ،
وطقسُ المسافة صمتُ
كثيراً عشقنا،
ومازالِ فينا يسافرُ عشقٌ
ومازالِ فينا يهاجر وقتُ
قطفنا السؤالَ فهل من مجيبٍ؟..
سألتُ السماءَ
وبابي سألتُ
يوميات عاشق متّجول
- الزنزانة
- حادثة
- قبل النوم وبعد الحلم
- حدث قبل الصباح
- مفاجأة
- فوضى الصمت
- غروب
- خاتمة.
الزنزانة:
من يقرعُ نافذتي في هذا البردِ؟
ويقرعُ رأسي كي أتوارى تحت غطاءِ دمائي مثلَ القطِّ(1/17)
ويشعلُ حزني في هذي الظلماتِ..
فأدخلُ سرّاً في وجعٍ يتقدّمُ حتّى نصفِ دمائي..
حينَ يطلُّ الوقتُ مسجّى عند كؤوسِ الليلِ
وتقرعُ نافذتي..
أستوثقُ بالوقتِ المترامي في أنحاءِ الغرفةِ
أُمسكُ بالضوءِ المتراخي ..
امسك.بالأوجاعِ لكي لا تهربَ قوقعةُ الأحلامِ..
إلى زنزانةِ هذا الليلِ،
وتهربَ جمجمتي نحوَ الأرجاءِ،
وأغربَ في وضحِ الذكرى
عنْ هذا العالمِ..
في لججٍ أخرى
وتموت الأحلامُ الكبرى
حادثة:
في الساعة قبلَ الخاتمةِ..
انتحرَ الظلُّ الباقي من ليلةِ حزنٍ يابسةٍ،
وتراخى المخملُ فوقَ المخملِ..
حينَ لمستُ الماءْ
كانت في البالِ تخومٌ من رَهَقِ الأشياءِ..
تلملمُ وقتي كي أتهاوى عند حطامِ الخمرِ،
وأغرفَ صمتَ الهاءْ
لكنَّ ظلالاً من وجعٍ غارتْ في لُجّة صوتي..
فارتعشتْ أنثى في الكأسِ تعومُ
فملتُ إلى خُصَلٍ في اللونِ تشفُّ كقلبي..
انداحَ شتاءْ
وانداحَ الغابرُ من تلكَ الكلماتِ السود،
وزقزقَ داءْ
في آخرِ موتِ منسكبٍ كالبردِ مضى،
والنهرُ غثاءْ
إني لا أذكرُ هذا السقفَ،
وتلك النافذة البلهاءْ
هل أبكي هذا القنديل المحروق،
وهذي البقعة..
هذا الركنَ؟
ولست أعي غيرَ السكرات تفرُّ
ويبقى الرأسُ غريقاً في خمرِ الأشياءْ
في ذاتِ شتاءٍ محترقٍ
في ذات مساءْ
قبل النوم وبعد الحلم:
أغمضتُ دمائي..
عليّ أدخلُ في ملكوتِ الليلِ وحيداً...
في اقصى الزفرات.
كانت خصلات الليل
تجرُّ شتائي نحو حدود الذاتْ
وأنا في يمّ الأشياء الأولى..
أتوالى في صَخبِ التجديفِ،
وأعبرُ في حرِّ الصلواتْ
لكنَّ الظلمةَ تخترقُ الذكرى،
وتعودُ بباقي الصحبِ..
فيشتعلُ المنفى..
تسّاقطُ غيماتُ الوقتِ المنهوبِ،
وأمشي في عكسِ رؤايَ
فأعبرُ أشلاءَ الفلواتْ
لكنيّ منحطمٌ
أتقلّبُ في جهةٍ،
وتضيعُ جهات
مقهورٌ واللغةُ الأنثى تتماهى في مرآة دِمائي..
ترسمُ طيراً في خدراتِ الخمرِ
وترسمُ نهراً يمخرُ رأسي..
ينقطعُ المجرى..
اشتاق ضفافي في سري..
أشتاقُ حصاةْ(1/18)
أشتاقُ لطميٍ يغمرني،
ونباتْ
مَذْ كانت في الأشلاءْ حياةْ
حدث قبل الصباح:
يتبدى في حرِّ الزفراتِ
ويطلعُ من غصنِ الكلماتِ الأولى..
نحو صباحٍ مشتعلِ القطراتْ
هذا المكسورُ كأيلولَ..
المقهورُ كطيرٍ في منفاهُ يصلّي لإلهِ الحلمِ،
ويبكي مكسورَ النبراتْ
يتسلّى بالموجِ المترامي عندَ الشطآنِ الأخرى
ويعومُ مساءٌ فوقَ رؤاهُ يُباعدهُ،
والوقتُ مُواتْ
ويموتُ ..
يموتُ أخيراً دونَ نُباحٍ تحت السقفِ كقطٍّ مهزومٍ،
وتوارى الذاتْ
أنتِ:
يا زهرةَ صيفٍ في تمّوز تجيءُ كبستانٍ،
ويجيءُ النهرْ
من أنتِ..
وكيفَ رميتِ نثاري في أرضٍ صدئتْ
منذُ القطراتِ،
ومنذ الزهرْ؟
وأنا في باديةِ الأشياءِ أرومُ يديكِ..
فيطلعُ وردٌ
يطلعُ وعدٌ في أقص لغتي،
ويضيءُ العمرْ
يا وجهةَ روحي في ليلٍ محروقٍ..
يبحثُ عن صيفٍ..
عن حرفٍ يسكنني في أقصى السطرْ
إنيّ أتقوقعُ في أطيافِ دمائي،
والأيامُ تمرُّ..
تفرُّ من الأخدودِ بليلةِ صيفٍ..
في أيلولَ تموجُ،
ويأكلني في الليلِ الصبرْ
مناجاة:
يا اللهُ..
اقترب الصبحُ..
انطفأت في الأعماقِ الموجاتُ،
وعامَ القلبْ
فوقَ المعطوبِ من الأشياءِ،
وفوق ندوبِ الوقتِ الصعبْ
منذ القطراتِ وأشلائي يَبِسَتْ فيها الشطآنُ..
ولستُ إليها مرتحلاً..
يا ربْ
منذُ القطراتِ..
ودربي محترقُ الدروبْ
لا دفءَ يجيءُ،
ولا الأطيارُ تُعيدُ إليَّ بهاءَ الحُبّْ
هذا زمنٌ رخوٌ،
ودمائي تركضُ في الأسحار..
تريدُ زماناً في جهةِ العشاّقِ،
وترسم دائرة في المطلقِ
تجترحُ الشريانَ الرطبْ
وتمدُّ إليَّ فضاءَ الصَلبِ على خشبِ الآتي..
وفحيحَ الصلبْ
فوضى الصمت:
شيءٌ ما يحترقُ..
اللغةُ..
الصمتُ القاني،
وفراشُ الوقتْ
وشمالُ الدفلى حينَ يرفُّ
وبعضُ الأصحابِ..
الطرقاتُ..
الصوتْ
شيءٌ ما ينطفيءُ
الظلُّ..
الضدُّ..
اللحظاتُ البكرُ قبيلَ الموتْ
ويدورُ الصمتُْ..
يدورُ اللونُ..
فأبحث عن بارقةٍ..
عن سَمْتٍ..
عن خبزٍ وامرأةٍ من فوضى الصمتْ(1/19)
لكنَّ الخمرَ تدورُ،
ورأسي يحملُ جثّتهُ،
في هذا السمتْ
غروب:
هل يُدركني القمرُ المهزومُ..
إذا الدربُ الثلجيُّ تعرَّجَ في أنحائي فبكيتْ؟
وشربتُ شجونَ الليلِ الأزرق في كأس الإخفاقِ،
وصمتِ الأشياءِ السكرى..
حتّى يتوارى البيتْ
حتّى تتلاشى الأشجارُ..
الأطيارُ،
ويصحو فيَّ الغافلُ..
حينَ يُضيءُ الزيتْ
هل قلتُ:
بكيتْ؟؟.
خاتمة:
تتساوى في الليل الأشباحُ،
وحاناتُ الوطنِ المترامي في انحاءِ الروحْ
ويداكِ،
وسربُ دمائي،
والأطيافُ،
وكلُّ المهزومينَ..
أوانَ يجيءُ الظلُّ من المنفى،
ويُسِرُّبصمتِ الريحِ..
يبوحْ
في آخرِ منعتقٍ قبل الشرفاتِ،
وآخرِ أعمدةِ الطرقاتِ..
فتسقطُ داليةٌ في بئر رؤايْ..
فأصيرُ سوايْ
حمص - 8 /1994
سِقْطُ الرؤى
أهطولُ حزنٍ عندَ بارقة الصباحِ..
أم الخشوعُ يورّدُ الوجهَ المعتّقَ بالبكاءْ؟
في شرفتينِ تنقطانِ العمرَ من شفةِ اللهاثِ،
وتشربان تنهّد الأطيافِ..
من شفةِ المساءْ
خيرٌ صباحكما،
وطابَ تنهدّي..
يا دمعتينِ ارتاحتا في العينِ..
إنّي مُتعبٌ..
أتلمَّسُ الأشياءَ مذعوراً..
فيرتجفُ الشتاءْ
وأضمُّ بعضي بينَ عاصفتينِ من خوفٍ ولقيا..
لا تريدان افتراقي،
والمساءُ على شفا وهمِ اللقاءْ
إنّي ألوبُ..
دوائري لا تستميلُ مع الهبوبِ،
وصحوتي خصلٌ مدلاّةُ الشحوبِ..
تُفَتِتُ الذكرى على جهة البقاءْ
هذا صباحٌ أجردٌ يلهو بذاكرةِ المحبّ،
ولستُ معترفاً تماماً بالسقوطِ،
وأدّعي أن الرفوفَ تحيطني بطيوفها..
كي لا أغيمَ،
ولا يجرجرني الشرابُ إلى الشرابِ
ويبتدي فيَّ الحداءْ
هذا صباحٌ أسودُ القطراتِ..
لا نملٌ يقطّعني فيصحو الميتونَ على احتراقِ تلهّفي..
لا نحلةٌ تلجُ السكونَ،
وبَوحُ هاءْ
إنَّ المسافةَ ضفّتانِ ويسقطُ النهرُ القديمُ،
ودمعتانِ وينتهي فينا الغناءْ
لكنني المسكونُ بالفوضى وباللاشيء..
كنتُ شربتُ خابيةَ القنوطِ وما أفاقتْ نْهدةٌ
وأراكَ منحطماً عليَّ تُحيطني بفضائكَ الشوكيِّ..(1/20)
أدخلُ في دوائركَ العصيّةِ..
لم أَجِدْكَ ولم تجدني أيّها الباقي من الجدوى سؤالاً..
في عناقيدِ السماءْ
هل ظلمةٌ مرَّتْ على دمنا؟..
أوانَ تقطعّتْ فينا خيوط الصمتِ،
والأشياءُ باهتةٌ على خطِّ الأفولِ،
ونقطةٌ زرقاءُ حائرةٌ على أفقِ البياضِ..
تدورُ في رحم المكانِ..
فلا يُضاءْ
وأراكَ منقسماً عليَّ تزيدني حلكاً..
فيخبو الأخضرُ المحزونُ في فلكِ اليباس،
وأنتَ لا تذكيهِ..
لا تبكيهِ
إمّا يطلعُ القمرُ الشفيفُ من الشرابِ..
على الخطوطِ الداكنْه
وأنا حمامُ الوقتِ يصدحُ في الرفوف الساكنهْ
وأراكَ تبحثُ في الفراغِ عن الذينَ ضممتهُمْ شطرينِ منغلقينِ..
يحتارُ الخرابُ بأيّ إسمٍ يبتديهمْ،
والرؤى بكْرٌ وعيناكَ انتهاءْ
هاتانِ قنطرتانِ من لوزِ المساءِ،
وذاكَ وجهٌ يابسُ القسماتِ ينأى بالفتونِ،
وهذهِ أشلاءُ خابيةٍ تُعتّقُ حزننا حتّى النبيذِ،
ودفقةِ البلّور من شفةِ الدعاءْ
وأنا أودعُ وجهتين من الشرودِ،
وأختبي في الفكرتينِ:
دمي،
وهدأة وجهها النبويّ..
يا وجع النداءْ
يا زرقةً لا تنتهي،
ومسافةً في المستحيل من البلادِ..
تُمَزِقُ الرؤيَا..
فنكسَرُ مرّتين على تخوم الاشتهاءْ
زمنٌ تكسّرَ بين بارقتينِ من عسلٍ،
وخمرٍ يانعٍ..
ثم استراحَ على الورقْ
في دفقتينِ من النعاسِ،
وحرقتينِ من الألقْ
يا خالقي..
يمّمتُ وجهي للقلوعِ فلم يَعُدْ وجهي،
وجفني ما احترقْ
وشربتُ داليةَ القنوطِ فلم يَبُحْ كأسي بشيءٍ من مراثينا القديمةِ
والشجونْ
يا خالقي..
هربَ الصحابُ إليَّ حينَ شربتُهُمْ..
دمعاً وقافيةً حرونْ
واستوثقوا بدمي زمانَ السنديانِ..
فما توزّعَ نرجسٌ عندَ الجدارِ،
ولا تفتّح زيزفونْ
حتى استراحَ الوقتُ في جهةِ الخزامى..
ساعة الوجعِ الخؤون
فإذا البلادُ سوى البلادِ،
ونصفُهُمْ في الكأس يغرقُ،
والسدى ظلٌّ لخيلهُمُ الجريحة،
واللظى نصفانِ في هذا السكون
واللجتان تراودان الأقحوانَ على الهطولِ..
فلا أُودّعُ في الطلولِ مسافةَ الأصحابِ،(1/21)
أو وجعَ المطرْ
كي أستعيدَ قطافهمْ
فيما تبقّى من أثرْ
وأسيرُ عكسَ الوقتِ..
أدخلُ في وحولِ الخوفِ.
ألهو بالكلامِ المرتخي،
والغارباتِ من الصورْ
زمنٌ تحدَّبَ وانكسرْ
وأنا الوصولُ،
وليسَ من جسرٍ إلى جهتي يلملمهمْ،
وينقطعُ الخرابْ
وأنا الحصولُ،
وآخرُ الصيفِ الكسيرِ يلملمُ الأيّامَ..
في الدفقِ المذابْ
عشرونَ صمتاً،
والسرابُ هو السرابْ
والموتُ ليسَ الموتَ،
والساعاتُ عاثرةُ الخطى
فيما تبقّى من شرابْ
وحدي أموتُ دقيقةً وأعودُ للشفقِ الرخيمْ
والجرحُ مندملٌ كأنَّ مساءَنا عِنَبٌ،
وحانتنا سديمْ
وكأنَّ حُرْقتنا تجدّفُ في الدماءِ،
وتشربُ وكأننا الوجع الرجيم
وكأننا قصبٌ على طرفِ الخسوفِ يئنُّ..
في المجرى الأخيرِ،
وحارقِ الشوقِ القديمْ
والعاشقونَ الطيبّونَ تحدّروا..
فأفاقَ نجمٌ صار غيماً..
أمطرتْ زفراتهُ شوقَ الرمالِ
تنهّدتْ كلُّ الظلالِ..
فمرَّ صيفٌ..
مرَّ لونٌ ..
مرَّ دَهْرٌ فوقَ شرفتنا الصغيرةِ..
والورى يتقاسمونَ الخوفَ والذكرى،
وأصرخُ..
علَّ ينتبه المكانُ،
وشقوتي فوقَ الشراعِ،
وآهِ يا خَدَري الرغيدَ إذا ترامى الظلُّ في كأسي،
ومدَّ الحزنُ ساقيةً إليَّ فملتُ غرباً..
في مرامي لجةٍ سكرى..
على جهةِ الوداعْ
وارتاحَ قوسُ الصمتِ فوقَ تدفّقِ المنفى،
وأسئلة الشراعْ
وتماوجوا.. حتى الهشيمِ ونارهمْ لا تُرتجى،
والليلُ منسدلُ اليقينْ
يا خالقي..
نزفَ السقوطُ دماءَهُ،
وتقدّمتْ فينا الحرائقُ والسنينْ
وأنا أبعثرُ ما استطعتُ الخوفَ..
علّي في التشكّلِ أرتقي جمر الخصوبةِ والحنينْ
فمتى ينامُ الطيبّونَ..
متى ينامُ الليلُ عندَ لها ثهمْ
والنارُ تخبو في الجبينْ؟
والصبحُ يطلعُ في الوريدِ،
وفي شغافِ العاشقينْ؟
هل كانَ يُمكنُ أن نموتَ بغير ما متنا بهِ..؟
هل كان يمكنُ أن نفصّلَ وقتنا لغةً وذاكرةً،
ولا تصحوا الوساوسُ كي تلامسَ قبّةَ الروحِ الكسيرةَ
أو يجلجلنا المكانْ؟
يا صاحبي..
أينَ الزجاجةُ إنني متناثرٌ جهةً،(1/22)
ومنعقدُ اللسانْ ؟
فمتى سترتعش الحروفُ،
ووجهها جُمَلٌ من النجوى،
وأرصفتي دخانْ؟
يا صاحبي.
والقيظُ في جوفي يُرَمّدُ ما تبقّى من أساورَ..
في القطوفِ الوارفهْ
ودمي على دمهِ يعومُ،
وبيننا تلكَ الخطوطُ الراجفهْ
وتحدّني حزناً وعاصفةً..
شبابيكُ البلادِ الخائفهْ
تلك التي هربتْ إليَّ..
فما التقيتُ بضوئها جهةً لأشواقِ الصباحْ
إنّي أعوذُ بوقتها والخوفُ أروقتي،
وأطلبُ رشفتينِ وضمّةً من دفئها،
وخزامتينِ ودفقةً من سالفِ الألقِ المذابِ،
وشرفتينِ بلا صُدَاحْ
وحمامتين تنقّرانِ الحبّ من شفةِ الجراحْ
إنّي أعوذُ بصمتها..
تلك المدينةُ حينَ تثقبني وأعشقُها..
وترجمني فأذرفها..
متى حانَ الهروبُ المستحيلْ
إنّي أعوذُ بحزنها،
وأعوذُ باللقيا إذا هامَ المحبُّ بها،
وأنهكهُ الجوى،
وهواجسُ التذكارِ، والقمرُ النحيلْ
وأرى دمي أرجوحةَ الموتِ العقيمِ،
وموجةً بين التمنّعِ والصهيلْ
أمضي إلى اللاشيء..
أو يأتي إليَّ أوانَ ترحلُ غيمةٌ بدمي..
ويشربني الرحيلْ
يا خالقي..
يا خالقي وجعي طويلْ
والروحُ عائمةٌ على سطحِ الشرابِ،
ولستُ منهزماً تماماً كي أصدّقَ ما اراهُ،
ولستُ منتظراً تفتّحَ موجةٍ في الكأسِ..
ترسمني على الألقِ القليلْ
إنّي أصدّقُ وجهها،
والعاشقين،
ووجهةً تمتدُّ من روحي إلى الوجعِ الظليلْ
وبقيّةَ الباقينَ من وطنِ النسورِ،
وموجةَ الصيفِ الجميلْ
لم يبقَ منهمْ غيرَ نزفِ السنديانِ،
وشائكِ الوقتِ القتيلْ
إنّي أعوذُ بظلهّمْ..
حين المرافيءُ لا تلوحُ،
ولا يعرّشُ سوسنٌ في الروحِ
ساعةَ يغربونَ إلى الهباءْ
وترومهمْ عيني،
فيشتعلُ الهبوبُ بوردتي الأولى..
فأمشي في الأمامِ إلى الوراءْ
وتبوحهمْ شفتي فيرتفعُ الشحوبُ..
ولا أرى وطناً،
وذاكرةً تخرّبَ شكلها،
وتمزّقَ الوجهُ الخضيلُ..
فما الوعودُ،
وما الحدودُ،
وما رؤايْ؟
إلاّ الحرائقُ في اليبابِ،
وشقوةُ الدربِ المحدَّدِ في خطايْ
وأعدُّ أحبابي..
فلا أُحصي سوايْ
ذهبوا..(1/23)
فلا تجدينَ منهم رفّةً..
يا دفأهمْ بينَ الضلوعِ ورجفةِ المنفى،
وأطواقِ الغيابْ
ناموا.. فمّدي ظلّكِ الزاهي إلى رئتي،
وأشرعة الشرابْ
أنتَ الأخيرةُ في مسائي السرمديّ،
ودفقةَ الأطيابِ في لججِِ الرِغابْ
والبعضُ منكِ تلعثمٌ،
وجميعكِ استعصى عليَّ..
فما ألوّنُ زرقةً في المستحيلِ من السرابْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
أمطَرَنا الحنينُ بدفقهِ،
والخصب يرجمنا،
وساقيةُ الضياءْ
والكلُّ يدخلُ في العقيمِ من النهارِ،
ولا تميلُ الشمسُ غرباً..
حين يحرقنا الشروقُ..
فنمتطي ظلاًّ هباءْ
ونمرُّ بينَ الخمرِ والسيفِ الجليلِ..
فلا نشاءُ لقاءَنا..
حتى يشاءْ
والظلُّ مرتفعٌ،
وقافلةٌ تمزَّقُ في العراءْ
والليلُ منطفيءُ العواءْ
قالوا: " تمنّعَ وقتنا..
عقمَ النهارُ..
فلا البذورُ
ولا النذورُ
ولا الرجاءْ
تنهلُّ من جرحٍ تمزَّقَ مرّتينِ،
وغامَ ثالثةً..
فماتَ بظلّهِ الدوريُّ،
واحترقَ الهواءْ "
قالوا: " ويقتلنا الأحبَّةُ في ضفافِ خميلةٍ سكرى..
ندورُ..
ندورُ في طمي المسيلِ ويغربُ الآتي بعيداً..
كي نراهُ،
ولا نراهْ "
لكنَّ بعضاً من رؤاهْ
تنسابُ في دمنا عناقيدَ اشتعالٍ..
تستميلُ ملامحَ الآتينَ..
ترسمهمْ على الشفقِ النضيرْ
ويلّفنا تذكارهمْ فيصيبهمْ وجعُ الدماءِ،
ولا تورّقُ فكرةٌ في الطيبينِ،
ولا تزهّرُ كأسنا عنباً وشكوى..
آخرَ الوجعِ المريرْ
حتّى الحدائقُ لا تصفّقُ
والفصاحةُ لا تطيرْ
ونمرُّ في الأفقِ الرمادِ..
دقائقَ الوطنِ الأخيرْ
فنفيضُ نجوى وافتتاناً..
في ارتعاشاتِ الحريرْ..
إنّي اعوذُ برشفةٍ..
هي آخرُ الوطنِ المصفّى في فراغِ الرأسِ..
آخر ما يظللّني إذا عصفَ الدويّْ
ومتى تقدَّمَ في المشيبِ الكأسُ،
وانتبهَ الشرودُ لما لَدَيّْ
إنّي أعوذُ بهدأةٍ لا تُرتجى..
زمنَ الدموعْ
يا سيّدَ الفلواتِ..
وحدي في الهشيمِ أعدُّ أشياءَ الصباحِ..
فما أرى النهرَ الولوعَ،
وليسَ للظلّ اكتمالُ أو طلوعْ
لا شيءَ يطلعُ في البياضِ لأبتديهِ،(1/24)
وننتمي جهراً لوقتٍ واضحِ القسماتِ..
أوسرّاً لصمتٍ غامضٍ..
وقتَ الولوعْ
إنّي على خشبِ النزوعْ
أهوي إلى جسدٍ تفرّقَ بعضهُ ضديّنِ،
والباقي تضاءل في الضلوعْ
صبيّ المساءْ بكأسنا،
و لنبتدىء هذا الخشوعْ
يا هدأةً تنسابُ في شفقِ الخريفِ..
إذا الخريفُ يريدني حجرَ الذهولِ،
ونقطةً حيرى على ماءِ الأفولِ،
وفكرةً غرقى..
كأسئلةِ الشراب المُختصرْ
هذا دمي..
هذا اليبابُ،
وهذه أرجوحتي،
ولهاثَ أوردةِ الحجرْ
هذا مساءُ الطيّبينَ،
وشاهدٌ هذا الحصى..
هذا الخواءْ
أنَّ الشغافَ سخيّةٌ
والروحُ بالغةُ الشقاءْ
وغداً ستلتهم الحروفُ لساننا،
ويموتُ بعضُ الميتّينَ بمستهلّ دمائهمْ،
والطيبّون يهللونّ:
" متى اللقاءُ..
متى اللقاءُ...
متى اللقاءُ؟ "
حزيران 1994
المحتويات :
صراخ في حانة الحي ...
قراءة في دفتر النسيان.. ...
1. -الآخر... ...
2. العشق ...
3. الغابة ...
داخل الوقت.. خارج السرب ...
1. - إلى فاروق قندقجي ...
2. إلى خلدون الأزهري ...
3. إلى عبدالنبي تلاوي ...
4. إلى قصي أتاسي ...
5. إلى عبد القادر الحصني ...
6. إلى سرور علواني ...
حريق الكوى ...
أفول البياض ...
شتاء الوردة الأول : ...
1. رحيل: ...
2. سؤال الآخر: ...
3. مراثي المساء الأخير: ...
4. دموع السنديان: ...
5. لونَه ...
6. النهرُ ...
7. عشاء الميّتين ...
قطار الخامسة والعشرين : ...
1. يباس: ...
2. هم ...
3. المواجع: ...
4. الغفران: ...
5. أحبّكِ.. ...
6. رفوف الشتاء: ...
7. قراءات: ...
8. فتون: ...
دمي واليباس الأخيرْ ...
يوميات عاشق متّجول ...
1. الزنزانة: ...
2. حادئة: ...
3. قبل النوم وبعد الحلم: ...
4. حدث قبل الصباح: ...
5. أنتِ: ...
6. مناجاة: ...
7. فوضى الصمت: ...
8. غروب: ...
9. خاتمة: ...
سِقْطُ الرؤى ...(1/25)