سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (15)
منظومةٌ في وجوب التمسك
بالكتاب والسنة
نظمها وعلق عليها:
محمود مصطفى رشيد اليوسفي
قام بنشره
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
منظومة في وجوب التمسك
بالكتاب والسنة
بسم الإله خالق الأكوان
الحمد لله الكريم الهادي
وأفضل الصلاة والسلام
وآله وصحبه الكرام
وبعد فالإسلام والإيمان
فديننا إذاً هو الإسلام
دستوره الحديث والقرآن
فالدين: قال الله والرسول
فلا تقدم أي قول كانا
علمنا الأئمة الأخيار
بأن من قدم قول الناس
فما له في الدين من نصيب
الشافعي: إذا يصح الخبر
فن يكن ما قلته بعكسه
بمثل هذا القول قد قال الأولى
فأحمد كذا أبو حنيفة
فكلهم قد أجمعوا إجماعاً
لله والرسول أينما ظهر
(فلا تَقَدَّموا) جاء بها القرآن
كذا ? وَمَا كَانَ ? لنا إيذان
إذا قضى الله أو الرسول
كذا ? فَلا وَرَبِّكَ ? البرهان
إذا اختلفنا في قضاء كان ما
دون انزعاج أو توان أو حرج
وهكذا ? فَلْيَحْذَرِ الْذِينَ ... ?
بأن من يخالف الرسولا
مصيره الفتنة والهوان
(عليكم بسنتي ) دليل
فإن تمسكنا بما فينا ترك
فإنه سفينة النجاة
والأرض والسماء والأزمان
من أرسل النبي بالرشاد
على النبي أفضل الأنام
من زينوا الأخلاق بالإسلام
من ربنا إلى الورى أركان
شعاره التوحيد والسلام
منهاجه الأعمال والإيمان
وهو الذي من حقه القبول
وتهمل الحديث والقرآنا
وأرشدتنا السادة الأبرار
على حديث المصطفى النبراس
وهو من الإسلام كالغريب
فمذهبي في حكمه منحصر
فاضرب به الجدار لا تعبأ به
وصرحوا للناس أجمعونا
ومالك أقوالهم شريفه
وأوجبوا على الورى اتباعاً
نص كتاب أو حديث أو أثر
نذارة من ربنا الرحمن
بأننا واجبنا الإذعان
أمراً فإن ديننا القبول
بأن فرض المسلم الإذعان
قضى به الرسول حكماً لازماً
مما قضاه بعد الحق انبلج
تبين للعاملين الدين
ويرفض الإذعان والقبولا
وحقه الخيبة والخسران
مقولة قد قالها الرسول(1/1)
فزنا.. ومن لم يلقه بالاً هلك
فيها فقط بشائر الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
1- بسم الإله خالق الأكوان
2- الحمد لله الكريم الهادي
3- وأفضل الصلاة والسلام
4- وآله وصحبه الكرام
5- وبعد: فالإسلام والإيمان
والأرض والسماء والأزمان
من أرسل النبي بالرشاد
على النبي أفضل الأنام
من زينوا الأخلاق بالإسلام
من ربنا إلى الورى أركان
اعلم هدانا الله وإياك إلى الصراط المستقيم بأن لكل من الإسلام والإيمان أركاناً. بتطبيقها يكون المرء مسلماً مؤمناً. وقد بينها الرسول الكريم ( في الحديث الصحيح الذي رواه سيدنا عمر بن الخاب رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله ( ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي (، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله (: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، قال : صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)، قال: صدقت..) الحديث (1).
فبين الرسول ( أن أركان الإسلام خمسة، هن:
1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
2- إقامة الصلوات الخمس التي فرضها الله سبحانه وتعالى على المسلمين كل يوم وليلة.
3- إيتاء الزكاة التي بين الرسول ( نصابها والأصناف التي تجب فيها الزكاة، ومقدار ما يؤخذ من الأموال، بأحاديث صحيحة مما لم يدع فيها مجالاً للاستفهام.
4- صوم شهر رمضان.
5- حج البيت من استطاع إليه سبيلاً.
كما بين عليه الصلاة والسلام بأن أركان الإيمان ستة بالتصديق بها يكون المرء مؤمناً:(1/2)
1- الإيمان بالله، بأنه هو المستحق وحده للعبادة بأنواعها، من الدعاء والاستعانة فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة والنذر، والحلف، وكل ما هو من خصائص الألوهية والربوبية.
2- الإيمان بالملائكة، بأنهم عباد مكرمون لا يعصون فيما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
3- الإيمان بالكتب السماوية التي أتت بالتوحيد الخالص، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، موجهة إلى الخير، محذرة من الشر.
4- الإيمان بالرسل جميعاً، بأنهم رجال مرسلون من قبل الله، وقد أمروا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويبلغوا ذلك إلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم.
5- الإيمان باليوم الآخر - يوم القيامة - ، بأنه يوم يحاسب المرء فيه على ما قدمت يداه في الدنيا من أعمال وأقوال، إن خيراً فخير وإن شراً فشرن إلا أن يتغمده الله برحمته وعفوه فإنه لا راد لفضله يفعل ما يشاء.
6- الإيمان بالقدر خيره وشره، بأن الله خالق جميع أفعال العباد، ولكنهم المباشرون لتلك الأعمال، فأثابتهم وعقابهم إنما تكون حسب مباشرتهم لتلك الأعمال بعد أن هداهم الله النجدين وبين لهم الطريقين، فمن اختار برضا نفسه طريق الخير وفقه الله لذلك ومن اختار غير مجبر طريق الشر وفق إلى ذلك قال تعالى: ? فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ? (الليل: 5-10).
الإسلام ديننا
6- فديننا إذن هو الإسلام
7- دستوره الحديث والقرآن
شعاره التوحيد والسلام
منهاجه الأعمال والإيمان(1/3)
قال تعالى: ? وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ? (الأنعام:155) وقال تعالى: ? اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? (الأعراف:3).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (( ففرض الله على الناس اتباع وحيه، وسنن رسوله فقال في كتابه: ? لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ? (آل عمران:164)، وقال: ? هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ? (الجمعة:2)، وقال: ? وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ? (البقرة: من الآية231) مع آي سواها. ذكر فيهن الكتاب والحكمة، قال: (( فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال والله أعلم، لأن القرآن ذكر، واتبعته الحكمة. فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وإن الله افترض طاعة رسوله، وحتم على الناس اتباع أمره - فلا يجوز أن يقال القول: فرض. إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به، وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد. دليل على خاصة وعامة، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله)) (2). ثم قال الشافعي رحمه(1/4)
الله: (( باب فرض الله طاعة رسول الله مقرونة بطاعة الله ومذكورة وحدها (3) قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ... ? (النساء: من الآية59) الآية، وقال: ? مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ? (النساء:80) ، فأعلمهم أن طاعتهم رسوله طاعته.
وقال تعالى: ? وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ? (الحشر: من الآية7)، تدل هذه الآيات وغيرها مما ورد في القرآن الكريم على اتباع أمر الرسول ( ولزوم طاعته، فلا يسع أحداً رد أمره لفرض الله طاعة نبيه)) انتهى.
وقولي: (( منهاجه الأعمال والإيمان)) أعني أن أحدهما لا يغني عن الآخر.
قال تعالى: ? وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ? (العصر:1-4)، وقال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ? (البينة:7)، وقال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ? (الكهف:107)، وقال تعالى: ? وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ? (النور: من الآية55).
8- فالدين: قال الله والرسول
9- فلا تقدم أي قول كانا
وهو الذي من حقه القبول
وتهمل الحديث والقرآن(1/5)
قال الشافعي رحمه الله: (( فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ? (ابراهيم: من الآية1)، وقال تعالى: ? وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ? (النحل: من الآية44)، وقال جل ذكره: ? وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ? (النحل: من الآية89)، وقال تعالى:? وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? (الشورى:52) "(4).
وقال الشافعي رحمه الله في بيان فرض الله في كتابه إتباع سنة نبيه: (( وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه، الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علماً لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به، فقال تبارك وتعالى: ? فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ? (النساء: من الآية171)، وقال:? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ? (النور: من الآية62).(1/6)
فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله، فلو آمن عبد به ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبداً، حتى يؤمن برسوله معه (5).
10- علمنا الأئمة الأخيار
11- بهن من قدم قول الناس
12- فما له في الدين من نصيب
وأرشدتنا السادة الأبرار
على حديث المصطفى النبراس
وهو من الإسلام كالغريب
وقد استنكر أئمة هذا الدين على التقليد الأعمى الذي يضر بصاحبه ولا ينفعه قال ابن القيم رحمه الله: " وقد نهى الأئمة الأربعة عن تقليدهم، وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة، قال الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب فيها أفعى تلدغه وهو لا يدري" (6) ذكره البيقهي.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فقد ضيق رسول الله ( على الناس أن يردوا أمره بفرض الله عليهم اتباع أمره" (7).(1/7)
وقال رحمه الله تعالى: (( وهكذا يجب على من سمع شيئاً من رسول الله ( أو ثبت له عنه شيء، أن يقول منه بما سمع حتى يعلم غيره (8). فلا عذر في خلاف حديث رسول الله ( لمقلد ولا لغيره )) قاله أحمد محمد شاكر، وقال رحمه الله تعالى: (( وإذا ثبت عن رسول الله الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره بل الفرض الذي على الناس اتباعه، ولم يجعل الله لأحد مع أمراً يخالف أمره)) (9)، وقال رحمه الله: (( وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، والله يغفر لنا ولهم)) (10)، فقال أحمد محمد شاكر تعليقاً على كلام الشافعي رحمه الله: (( الشافعي لا يرضى لأهل العلم أن يكونوا مقلدين، وكان رضي الله عنه حرباً على التقليد، وداعياً إلى الاجتهاد، والأخذ بالأدلة الصحيحة، ومن هذا قال تلميذه أبو إبراهيم المزني المتوفى سنة 264هـ في أول مختصره الذي أخذه من فقه الشافعي : (( اختصرت هذا الكتاب من علم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، ومن معنى قوله لأقربه على من أراده مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره، لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه)).(1/8)
وقال الشافعي في صدد وجوب العمل بحديث رسول الله ( وعدم جواز تقديم أي قول عليه: (( أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي، قال: حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح الكعبي: (( أن النبي ( قال عام الفتح: ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إن أحب أخذ العقل، وإن أحب فله القول) قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحاً كثيراً ونال مني، وقال: أحدثك عن رسول الله ( وتقول: تأخذ به؟ نعم، آخذ به، وذلك الفرض علي وعلى من سمعه. إن الله اختار محمداً من الناس فهداهم به وعلى يديه، واختار له، وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك، قال: وما سكت حتى تمنيت أن يسكت)) (11) واستدل الشافعي رحمه الله بحديث، فقال خصمه، كرهه ابن مسعود، فقلنا، وفي أحد مع النبي حجة؟ قال: لا، إن ثبت عن النبي ( (12). وقال الربيع: قال الشافعي: (( ما كان الكتاب والسنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإذا لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي ( )) (13) وقال الشافعي رحمه الله تعالى: (( فيما وصفت من هذا وأشباهه كما وصفت، يعلم أن الحديث إذا رواه الثقات عن رسول الله ( فذلك ثبوته، وأن لا نعول على حديث ليثبت إن وافقه بعض أصحاب رسول الله، ولا يرد لأن بعض أصحاب رسول الله عمل عملاً يخالفه، لأن أصحاب رسول الله والمسلمين كلهم بحاجة إلى أمر رسول الله، وعليهم اتباعه، لا أن شيئاً من أقاويلهم تبع ما روى عنه ووافقه يزيد قوله شدة، ولا شيئاً خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لأن قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله )) (14).(1/9)
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: (( لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله ( والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لمن بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله (، وأن ما سواهما تبع لهما وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخير عن رسول الله ( واحداً لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله ( إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى )) (15).
الشافعي: إذا يصح الخبر
فإن يكن ما قلته بعكس
بمثل هذا القول قد قال الأولى
فأحمد كذا أبو حنيفة
فكلهم قد أجمعوا إجماعاً
لله والرسول إينما ظهر
فمذهبي في حكمه منحصر
فاضرب به الجدار لا تعبأ به
وصرحوا للناس أجمعونا
ومالك أقوالهم شريفه
وأوجبوا على الورى اتباعا
نص كتاب أو حديث أو أثر
يسرني أيها القارئ المسلم أن أقدم إليك نبذة من كلام الأئمة الأعلام رحمهم الله في صدد وجوب تقديم قول الرسول ( على كل قول خالفه، إذا ثبت لدينا صحة الحديث فأقول وبالله التوفيق:
أ- الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله :
قد روى عنه أصحابه رحمه الله عبارات شتى تدل على وجوب الأخذ بالحديث الصحيح وترك الأقوال المخالفة له:
1- فقد أخرج البيهقي عن ابن المبارك قال: سمعت أبا حنيفة يقول: " إذا جاء عن النبي ( فعلى الرأس والعين، وإذا جاء من أصحاب النبي ( نختار من قولهم، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم " (16).
2- " إذا صح الحديث فهو مذهبي" (17).
3- " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " وفي رواية: " حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي " زاد في رواية: " فإننا بشر، نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً" وفي أخرى: " ويحك يا يعقوب - هو أبو يوسف تلميذه - لا تكتب كل ما تسمع فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد" (18).(1/10)
ب - الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى:
1- أخرج السيوطي بسنده عن ابن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس نتذاكر السنة، فقال مالك، " السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"(19).
2- " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" (20).
3- " ليس أحد بعد النبي ( إلا ويؤخذ من قوله، ويترك إلا النبي ( "(21).
جـ - الإمام الشافعي رحمه الله:
ما أكثر ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في الدفاع عن السنة المطهرة، فمما يروي عنه رحمه الله:
1- أخرج أبو نعيم في الحلية بسنده عن الحميدي قال " كنت بمصر، فحدث محمد بن إدريس الشافعي بحديث عن رسول الله ( ، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أتأخذ بهذا؟ فقال: أرأيتني خرجت من كنيسة؟ ترى علي زناراً حتى لا أقول به؟ " (22).
2- وأخرج أبو نعيم عن الربيع بن سليمان - وهو الذي روى الرسالة عن الشافعي - قال: سأل رجل الشافعي عن حديث، فقال: هو صحيح، فقال الرجل: فما تقول؟ فارتعد الشافعي، وانتفض وقال: " أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رويت عن النبي ( وقلت بغيره"(23).
3- وأخرج عن الربي أيضاً قال: ذكر الشافعي حديثاً، فقال له رجل: أتأخذ بالحديث؟ فقال: " اشهدوا أني إذا صح عندي الحديث عن رسول الله ( فلم آخذ به، فإن عقلي قد ذهب"(24).
4- وأخرج عن الوليد بن أبي الجارود قال الشافعي: " إذا صح الحديث عن رسول الله ( وقلت قولاً، فأنا راجع عن قولي، وقائل بذلك"(25).
5- وأخرج عن الزعفراني قال: قال الشافعي: " إذا وجدتم لرسول الله ( سنة فاتبعوها ولا تلفتوا إلى قول أحد" (26).
6- أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله ( لم يحل له أن يدعها لقول أحد (27).(1/11)
7- أنتم أعلم بالحديث والرجال مني - والخطاب للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله - فإذا كان الحديث صحيح فأعلموني به أي شيء يكون، كوفياً أو بصرياً، أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً (28).
د- الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى:
1- أخرج اللالكائي بسنده عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: " السنة عندنا آثار رسول الله (، والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن" (29).
2- " لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا" (30).
3- " من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال "(31).
4- " رأى الأوزاعي ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة، كله رأي، وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار"(32).
5- " من رد حديث رسول الله ( فهو على شفا هلكة "(33).
هذه كانت بعض أقوال الأئمة الكرام في وجوب التمسك بما يصدر عن الرسول ( وترك كل ما يخالفه.
عن أبي وائلة أنه قال: لما قدم سهل بن حنيف من صفين، أتيناه نستخبره، فقال:
" اتهموا الرأي، فقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول الله ( أمره لرددته والله ورسوله أعلم"(34).
سنة رسول الله ( على ثلاثة أوجه
قال البيهقي في باب بيان وجوه السنة: قسم الشافعي رحمه الله سنة رسول الله ( إلى ثلاثة أوجه:
أحدها: ما أنزل الله فيه نص كتاب، فسنة رسول الله صلى الله عيه وسلم بمثل نص الكتاب.
والثاني: ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين رسول الله ( معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها، عاماً أو خاصاً وكيف أراد أن يأتي به العباد.(1/12)
والثالث: ما سن رسول الله ( مما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال: جعله الله له بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، ومنهم من قال: لم يسن سنة قط، إلا ولهذا أصل في الكتاب كما كانت سنته، كتبيين عدد الصلاة عملها على أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سن في البيوع وغيرها من الشرائع، لأن الله تعالى ذكره، قال: ? لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ? (النساء: من الآية29)، وقال ? وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ? (البقرة: من الآية275)، فما أحل وحرم فإنما بين فيه عند الله، كما بين في الصلاة، ومنهم من قال: بل جائته به رسالة الله فأثبتت سنته بفرض الله تعالى،، ومنهم من قال ألقي في روعه كل ما سن، وسنته الحكمة التي ألقيت في روعه عن الله تعالى. انتهى (35).
كما قال الشافعي رحمه الله: " وليس تعدو السنن كلها واحداً من هذه المعاني التي وصفت باختلاف ما حكيت عنه من أهل العلم، وكل ما سن فقد ألزمنا الله تعالى اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن اتباعه معصيته التي لم يعذر بها خلقاً، ولم يجعل له من اتباعه سنن نبيه مخرجاً " (36).
وقال رحمه الله: " ولا أعلم من الصحابة ولا من التابعين أحداً أخبر عن رسول الله ( إلا قبل خبره، وانتهى إليه وأثبت ذلك سنة " (37).
ثم أخرج البيهقي عن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب نهى عن الطيب قبل زيارة البيت وبعد الجمرة، قال سالم: فقالت عائشة: " طيب رسول الله ( بيدي لإحرامه قبل أن يحرم، ولحلة قبل أن يطوف بالبيت، وسنة رسول الله ( أحق" قال الشافعي: فترك سالم قول جده عمر في إمامته وعمل بخبر عائشة، وأعلم من حدثه أنه سنة، وأن سنة رسول الله ( أحق، وذلك الذي يجب عليه.(1/13)
قال الشافعي: وصنع ذلك الذين بعد التابعين، والذين لقيناهم كلهم يثبت الأخبار ويجعلها سنة، يحمد من تبعها، ويعادي من خالفها، فم فارق هذا المذهب كان عندنا مفارق سبيل أصحاب رسول الله ( وأهل العلم بعدهم، إلى اليوم، وكان من أهل الجهالة.انتهى (38). وهذا معنى قولي في الأرجوزة: " فما له في الدين من نصيب" وإلا كيف يعتبر نفسه مسلماً من يتبع غير سبيل المؤمنين، وقد قال تعالى: ? وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ? (النساء:115).
وللسلف الصالح في ذلك أقوال كثيرة لكها تؤكد بأن المسلم الصادق إيمانه، إذا وصله حديث عن الرسول ( يجب عليه أن يقف عنده ولا يخالفه. فقد صرح الإمام مالك رحمه الله: بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب، فكيف بمن ترك قول الله ورسوله من دون إبراهيم النخعي (39).
وأخرج البخاري عن مروان بن الحكم قال: " شهدت علياً وعثمان بين مكة والمدينة وعثمان ينهي عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهلّ بهما جميعاً فقال: لبيك حجاً وعمرة معاً، فقال عثمان: تراني أنهى الناس عن شيء وأنت تفعله؟ فقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله ( لقول أحد من الناس" (40).
وأخرج الترمذي (824) عن ابن شهاب أن سالم بن عبد الله حدثه أنه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج: فقال عبد الله بن عمر: " أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله ( ؟ أأمر أبي نتبع، أم أمر رسول الله (؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله (، فقال: لقد صنعها رسول الله ( (41).
19- ( فلا تقدموا) جاء بها القرآن
20- كذا ? وَمَا كَانَ ? لنا إيذان
21- إذا قضى الله أو الرسول
نذارة من ربنا الرحمن
بأننا واجبنا الإذعان
أمراً فإن ديننا القبول(1/14)
القول الأول إشارة إلى قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ? (الحجرات:1).
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رصي الله عنهما: ? لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ? لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال العوفي عنه: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه، وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله ( بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه.
وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم، قال ابن كثير: أي لا تسرعوا في الأشياء بين يديه أي قبله، بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له النبي ( حين بعثه إلى اليمن: ( بم تحكم؟) قال بكتاب الله تعالى، قال ( ( فإن لم تجد؟) قال : بسنة رسول الله ( قال ( : ( فإن لم تجد؟) قال رضي الله عنه اجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال: ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ( لما يرضى رسول الله ( ) فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله" (42).(1/15)
والبيت الثاني إشارة إلى قوله تعالى: ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ? (الأحزاب: من الآية36)، قال ابن جريج: أخبرني عامر بن مصعب عن طاوس قال: أنه سأل ابن عباس عن ركعتين بعد العصر فنهاه، وقرأ ابن عباس رضي الله عنه: ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ? فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول كما قال تبارك وتعالى: ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ? (النساء:65)،
وفي الحديث: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (43).
لهذا شدد في خلاف ذلك فقال: ? وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ? (الأحزاب: من الآية36)، كقوله تعالى: ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? (النور: من الآية63).
قال ابن القيم رحمه الله: " فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله فليس لمؤمن أن يختار شيئاً بعد أمره ( بل ذا أمر فأمره حتم، وإنما الخيرة في قول غيره إذا خفي أمره، وكان ذلك الغير من أهل العلم".
فبهذه الشروط يكون قول الغير سائغ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباع قول أحد سواه، بل غايته أنه يسوغ له اتباعه، ولو ترك الأخذ بقول غيره لم يكن عاصياً لله ورسوله.(1/16)
فأين هذا مما يوجب على جميع المكلفين اتباعه، ويحرم عليهم مخالفته، ويوجب عليهم ترك كل قول لقوله؟ فلا حكم لأحد معه، ولا قول لأحد معه، ولك ما سواه فإنما يجب اتباعه على قوله إذا أمر بما أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغاً محضاً ومخبراً لا منشئاً ومؤسساً.
فمن أنشأ أقوالاً وأسس قواعد بحسب فهمه وتأويله لم يجب على الأمة اتباعها ولا التحاكم إليها حتى تعرض على ما جاء به الرسول ( فإن طابقته ووافقته وشهد لها بالصحة، قبلت حينئذ، وإن خالفته وجب ردها وإطراحها، فإن لم يتبين فيها أحد الأمرين جعلت موقوفة، وكان أحسن أحوالها أن يجوز الحكم والإفتاء بها وتركه، وأما أنه يجب ويتعين فكلا، ولما" (44).
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين (2/308): " نقول لمن يفتي أو يحكم بقول من يقلده: هل تقول: إن هذا هو دين الله الذي أرسل به رسوله، وأنزل به كتابه، وشرعه لعباده ولا دين له سواه؟ أو تقول: إن دين الله الذي شرعه لعباده خلافه؟ أو تقول: لا أدري؟ لا سبيل لك إلى الأول قطعاً فإن دين الله الذي لا دين سواه لا تسوغ مخالفته، والثاني لا تدعيه، فليس لك ملجأ إلا الثالث".
فيا الله العجب كيف تستباح الفروج والدماء والأموال والحقوق، وتحلل وتحرم بأمور أحسن أحوالها وأفضلها (لا أدري)
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
22- كذا ? فلا وربك ? كان ما
23- إذا اختلفنا في قضاء كان ما
24- دون انزعاج أو توان أو حرج
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم(45).
بأن فرض المسلم الإذعان
قضى به الرسول حكماً لازماً
مما قضاه بعد الحج انبلج(1/17)
قال الحافظ: ابن رجب رحمه الله تعالى: " فالواجب على من بلغه أمر الرسول ( وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة، فإن أمر رسول الله ( أحق أن يعظم ويقتدى به من رأي أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما غلظوا في الرد، لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم، لكن رسول الله ( أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول ( بخلافه "(46).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: " قلت: كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مر، وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة، بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه ولو لم يأخذ بها، أو أخذ بخلافها، ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها انفراداً واجتماعاً في مجلد ضخم قال في أوله:
" إن نسبة هذه المسائل إلى الأمة المجتهدين حرام، وأنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فكذبوا عليهم"(47).(1/18)
وقولي: " كذا ? فَلا وَرَبِّكَ ? إشارة إلى قوله تعالى: ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ? (النساء:65)، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية (1/520) : " يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول ( في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له، باطناً وظاهراً، ولهذا قال: " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) (48).
فقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة قال: خاصم الزبير رجلاً في شراج الحرة، فقال النبي ( : ( اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) فقال الأنصاري يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ( ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك فاستوعى النبي ( للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري. وكان أشار عليهما ( بأمر لهما فيه سعة، قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? الآية. انتهى.
فيجب على المسلم أن يقف حيث أوقفه الرسول (، وأن يعلم أن الدين هو ما جاء به الرسول (.(1/19)
قال الشافعي رحمه الله: يجب على كل من سمع شيئاً من رسول الله ( أو ثبت له عنه، أن يقول فيه بما سمع حتى يعلم غيره، أي فلا يجب عليه البحث عن مخصص غيره، وعلى هذا جرى الصحابة ومن بعدهم، والكلام في الظهور والاحتمال لا يعارضه، والعمل تابع للعلم، أي يجب العمل به، ومن العجب أن ابن سريج كيف خالف؟ وابن الحاجب كيف ادعى نقل الإجماع على منع العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص؟ (49). قال ابن القيم رحمه الله:" كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله ( برأي أو قياس أو استحسن أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر في قلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان، بل كانوا عاملين بقوله: ? وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ? (الأحزاب: من الآية36) وبقوله تعالى: ? فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ? (النساء:65)، وبقوله تعالى: ? اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ? (الأعراف:3) وأمثالها.(1/20)
فدفعنا إلى زمان، إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي ( أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟ ويجعل هذا دفعاً في صدر الحديث، أو يجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفة الحديث وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله ( بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الاجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله ( وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان.
ولا يعرف إمام من أئمة المسلمين البتة قال: لا نعمل بحديث رسول الله ( حتى نعرف من عمل به، فن جهل من بله الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به كما يقول هذا القائل" (50).
فسنة الرسول ( ليست في الفعل فحسب بل هي في الترك أيضاً كما هي في الفعل.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " قف حيث وقف القوم، وقل كما قالوا واسكت كما سكتوا، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفوا، وهم على كشفها كانوا أقوى وبالفضل لو كانوا فيها أحرى، أي فلإن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه، ولإن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من سلك غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، وأنهم لهم السابقون ولقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم مجسر، ولقد قصر عنهم قوم فجفوا وطمح آخرون عنهم فغلوا، فإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم" (51).
قال في كتاب الإبداع في مضار الابتداع: (ص25-26): " وأما ما تركه الرسول ( فاعلم أن سنة النبي ( كما تكون بالفعل تكون بالترك، فكلما كلفنا الله تعالى باتباع النبي ( في فعله الذي يتقرب به إذا لم يكن من باب الخصوصيات، كذلك طالبنا باتباعه في تركه فيكون الترك سنة.(1/21)
وكما لا نتقرب إلى الله بترك ما فعل، لا نتقرب إليه بفعل ما ترك، فلا فرق بين الفاعل لما ترك، والتارك لما فعل، لا يقال: كيف ذلك وقد ترك النبي ( أموراً فعلها الخلفاء بعده. وهم أعلم الناس بالدين وأحرصهم على الاتباع؟ فلو كان الترك سنة كما تقول لما فعلت الخلفاء أموراً تركها النبي (؟ لأن الكلام مفروض في ترك شيء لم يكن في زمنه ( مانع منه، وتوفرت الدواعي على فعله، كتركه الآذان للعيدين والغسل لكل صلاة، وصلاة ليلة النصف من شعبان، والأذان للتراويح، والقراءة على الموتى، فهذه أمور تركت في عهد النبي ( السنين الطوال مع عدم المانع من فعله، ووجود مقتضيها لأنها عبادات والمقتضي لها موجود وهو التقرب إلى الله تعالى والوقت وقت تشيع وبيان للأحكام. فلو كانت ديناً وعبادة يتقرب بها إلى الله تعالى ما تركها السنين الطوال مع أمره بالتبليغ وعصمته من الكتمان، فتركه ( لها ومواظبته على الترك مع عدم المانع ووجود المقتضي ومع أن الوقت وقت تشريع دليل على أن المشروع فيها هو الترك. وأن العمل خلاف المشروع فلا يتقرب به لأن القرب لابد أن تكون مشروعة.
وأما ما فعله الخلفاء ولم يكن موجوداً قبل فهو لا يخرج عن أمور، إما أنه لم يوجد لها المقتضي في عهد الرسول بل في عهد الخلفاء كجمع المصحف، أو كان المقتضي موجوداً في عهد الرسول ، ولكن كان هناك مانع كصلاة التراويح في جماعة، فإن المانع من إقامتها جماعة والمواظبة عليها خوف الفريضة، فلما زال المانع بانتهاء زمن الوحي صح الرجوع فيها إلى ما رسمه النبي ( في حال حياته، وبهذا الأصل يسهل التوفيق بين الأدلة المتعارضة"(52).
وقال العلامة القسطلاني الشافعي في المواهب ما نصه: " وتركه ( سنة كما أن فعله سنة، فليس لنا أن نسوي بين فعله وتركه، فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به الموضع الذي فعله " انتهى (53).(1/22)
وقال ملا أحمد رومي الحنفي صاحب " مجالس الأبرار" ما ملخصه : " .. لأن عدم وقوع الفعل في الصدر الأول إما:
1- لعدم الحاجة إليه.
2- أو لوجود مانع.
3- أو لعدم تنبه.
4- أو التكاسل.
5- أو الكراهة وعدم مشروعية.
والأولان منتفيان في العبادات الدينية المحضة لأن الحاجة إلى التقرب إلى الله تعالى لا تنقطع، وبعد ظهور الإسلام لم يكن منها مانع، ولا يظن بالنبي ( عدم التنبه والتكاسل فذاك أسوأ الظن المؤدي إلى الكفر، فلم يبقى إلا كونها سيئة غير مشروعة، وكذلك يقال لكل من أتى في العبادات البدنية المحضة بصفة لم تكن في زمن الصحابة فمن أحدث شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى من قول أو فعل فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى، فعلم أن كل بدعة في العبادات البدنية المحضة لا تكون إلا سيئة" (54).
25- وهكذا ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ ...?
26- بأن من يخالف الرسولا
27- مصيره الفتنة والهوان
تبين للعالمين الدين..
ويرفض الإذعان والقبولا
وحقه الخيبة والخسران
إشارة إلى قوله تعالى ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? (النور: من الآية63).
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ? : أي عن أمر رسول الله ( ، وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله واعماله، فما وافق ذلك قبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله كائناً من كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله ( أنه قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول ( باطناً وظاهراً ? أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ٌ ? أي في قلوبهم من كفر ونفاق أو بدعة ? أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? أي في الدنيا بقتل أو حد أو حبس ونحو ذلك" (55).(1/23)
قال الإمام مالك رحمه الله عند موته: " وددت أني ضربت بكل مسألة تكلمت فيها برأيي سوطاً على أنه لا صبر لي على السياط" (56). فتدبر كلامه وهو مجتهد غير مقلد رحمه الله.
وقال أيضاً رحمه الله: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً لم يبلغ الرسالة أو خان الرسالة". اقرأوا قول الله: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ? (المائدة: من الآية3) قال: فما لم يكن يومها ديناً لا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" (57).
28- ( عليكم بسنتي) دليل
29- فإن تمسكنا بما فينا ترك
30- فإنه سفينة النجاة
مقولة قد قالها الرسول
فزنا، ومن لم يلقه بالاً هلك
فيها فقط بشائر الحياة
إشارة إلى حديث العرباض بن سارية الذي أتى فيه: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" (58).
(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه (1/157) والترمذي (2738) وأبو داود (4695) والنسائي (8/97).
(2) " رسالة الشافعي" بتحقيق أبي الأشبال أحمد محمد شاكر رحمه الله (1/21).
(3) المصدر السابق (ص79) و " مفتاح الجنة" للإمام السيوطي (ص 4-5).
(4) " رسالة الشافعي" (1/20).
(5) " رسالة الشافعي" (1/73 - 75).
(6) " رسالة الشافعي" (2/301).
(7) " الرسالة" (1/226).
(8) "الرسالة " (1/238).
(9) " الرسالة " (1/230).
(10) " الرسالة " (1/42).
(11) " الرسالة " (2/450).
(12) " الرسالة " (2/544).
(13) "تحكيم الناظر فيما جرى من الاختلاف بين أمة أبي القاسم" (ص89).
(14) كتاب " اختلاف الحديث" على هامش الأم للإمام الشافعي رحمه الله (7/138).(1/24)
(15) كتاب " الأم" للإمام الشافعي رحمه الله (7/250).
(16) " مفتاح الجنة" للسيوطي (27).
(17) ذكره ابن عابدين في " الحاشية" (1/63) وفي رسالة " رسم المفتي" (1/4) من مجموعة رسائل ابن عابدين والشيخ صالح الغلاني في " إيقاظ الهمم" (ص62) وغيرهم " صفة صلاة النبي " للشيخ الألباني رحمه الله " (ص22).
(18) ذكره ابن عبد البر في " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء" (ص 145) وابن القيم في " أعلام الموقعين" (2/309) وابن عابدين في حاشيته على البحر الرائق (6/293) وغيرهم، " صفة الصلاة" (ص 22) رواه ابن عبد البر في " الجامع" (2/91)، وابن حزم في " أصول الأحكام " (6/145 - 179)، " صفة الصلاة" (ص22).
(19) " مفتاح الجنة" للسيوطي (ص46).
(20) ذكره ابن عبد البر في " الجامع" (2/32) والفلاحي (ص 72) " صفة الصلاة " للألباني رحمه الله (ص 22)، وابن القيم في " أعلام الموقعين" (1/87).
(21) رواه عبد البر في " الجامع " (2/91)، وابن حزم في " أصول الأحكام" (6/145 - 179) صفة الصلاة (ص22).
(22) "مفتاح الجنة" للسيوطي (46)، " أعلام الموقعين" (2/363).
(23) " أعلام الموقعين" (2/364).
(24) " أعلام الموقعين" (2/363).
(25) " أعلام الموقعين" (2/363).
(26) ذكره الهروي في " ذم الكلام" (3/147) والنووي في " المجموع" (1/63) وابن القيم (2/361)، صفة صلاة النبي (ص26).
(27) ابن القيم (2/361)، والفلاني (ص68)، صفة صلاة النبي (ص26).
(28) ابن القيم في "أعلام الموقعين" (2/325).
(29) " مفتاح الجنة" للسيوطي (39).
(30) ذكره الفلاني (ص113) وابن القيم في " أعلام الموقعين" (2/302).
(31) " أعلام الموقعين" (2/302).
(32) ابن عبد البر في " الجامع" (2/149)، صفة الصلاة (328).
(33) ابن الجوزي (ص182)، صفة الصلاة، (ص29).
(34) أخرجه البخاري (4189) في المغازي والإمام مسلم (12/140) في صلح الحديبية.
(35) " مفتاح الجنة" للسيوطي (ص8-9).(1/25)
(36) " مفتاح الجنة" للسيوطي (ص10).
(37) " مفتاح الجنة " للسيوطي (ص 20 - 21).
(38) " مفتاح الجنة" (20- 21).
(39) أعلام الموقعين (2/302).
(40) أخرجه البخاري (1563- 1569)، فتح الباري (3/493).
(41) حسنه الترمذي (3/185) وقال في حاشية جامع الأصول (3/116) وإسناده صحيح.
(42) " تفسير ابن كثير" (4/205) وحديث معاذ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة.
(43) قال الإمام النووي بعد ذكره هذا الحديث: " حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح" وقال الحافظ ابن رجب في " جامع العلوم والحكم" (ص 364 - 365) ما ملخصه: قال الحافظ أبو موسى المدني: هذا الحديث مختلف فيه على نعيم بن حماد، وقيل فيه: حدثنا بعض مشيختنا مثل هشام وغيره، قلت: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه:
منها: أنه حديث ينفرد به نعيم بن حماد المروزي وهو لما كثر عثور أئمة الحديث على مناكيره حكموا عليه بالضعف، قال أبو داود: عن نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي صص ليس لها أصل. وقال النسائي: ضعيف، قال أبو زرعة الدمشقي: يصل أحاديث يوقفها الناس، ونسبه آخرون إلى أنه كان يضع الحديث.
ومنها: أنه قد اختلف على نعيم في إسناده، فروى عنه عن الثقفي عن هشام، وروى عنه عن الثقفي: حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره.
ومنها : أن في إسناده عقبة بن أوس السدوسي البصري ويقال فيه: يعقوب بن أوس أيضاً قال ابن عبد البر هو مجهول، وقال الفلاني في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمر، وإنما يقول: قال عبد الله بن عمر، فعلى هذا تكون روايته عن عبد الله بن عمر منقطعة والله أعلم.
(44) " زاد المعاد" (1/38).
(45) " أعلام الموقعين" (2/308).
(46) نقله في التعليق على " إيقاظ الهمم" (ص92) " صفة صلاة النبي " (ص30).
(47) الفلاني (ص99)، " صفة صلاة النبي " (ص30).
(48) تقدم تخريجه في (ص13).
(49) " المصقول في علم الأصول" لمحمد جلبي زادة (ص 56).(1/26)
(50) " أعلام الموقعين" (3/464 - 465).
(51) " أعلام الموقعين" (401 - 402).
(52) " الإبداع في مضار الابتداع" للشيخ علي محفوظ (ص 25-26).
(53) المصدر السابق (ص29).
(54) " الإبداع في مضار الابتداع" (ص 30-31).
(55) " تفسير ابن كثير" (3/307).
(56) " إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 349).
(57) " فتاوى الألباني الجزء الثاني" (ص 347).
(58) أخرجه أحمد في " المسند" (4/126/127) وأبو داود (4607) والترمذي (2678).
??
??
??
??
منظومةٌ في وجوب التمسك بالكتاب والسنة 13(1/27)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (5)
المَنظُومَةُ الحَائِيَّة في السُّنَّة
لِأَبِي بَكْر بْنِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ
(230 ـ 316 هـ )
قرأها وقدم لها وعلّق عليها
هانئ بن عبد الله بن جبير
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
[ المُقَدِّمَةٌ ]
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه , وبعد :
فإنّ علم التوحيد أشرف العلوم وأجلّها قدراً , وأوجبها مطلباً , لأنه العلم بالله تعالى , وأسمائه , وصفاته , وحقوقه على عباده , ولذا أجمعت الرسل على الدعوة إليه , قال تعالى : ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ? [ الأنبياء : 25] ولما كان هذا شأن التوحيد (1) فقد حرص أهل العلم على توضيحه وتيسيره بشتّى السُّبُل , ومنها جعله في شكل منظومات , فهو أدعى للحفظ , وكما قال السفاريني :
وصارَ مِن عادَةِ أهلِ العِلمِ
أنْ يَعتَنوا فِي سَبْرِ ذَا بِالنَّظْمِ
لأنَّهُ يَسْهُلُ للحِفظِ كَما
يَرُوقُ لِلْسَّمعِ وَيشفِي مَن ظَما
ومن هذه المنظومات , المنظومة التي بين يديك , والتي تعرف بالحائية لأبي بكر بن أبي داود السجستاني ـ رحمهما الله ـ والتي ستراها هنا محققة مضبوطة أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله على محمد وآله وصحبه .
ترجمة الناظم (2) ـ رحمه الله ـ :
اسمه وكنيته :
هو : أبو بكر , عبد الله بن أبي داود , سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني .
الحافظ ابن الحافظ .
ولادته ونشأته :
وُلِدَ بسجستان , سنة ثلاثين ومائتين , ونشأ بنيسابور وغيرها , ثم استوطن بغداد .
طلبه للعلم وشيوخه :
رحل به والده فطوّف به شرقاً وغرباً , وأسمعه من علماء ذلك الوقت . فأول شيخ سمع منه : محمد بن أسلم الطّوسي , وسرّ أبوه بذلك , لجلالة محمد بن أسلم .(2/1)
وروى عن أبيه , وأحمد بن صالح , وعلي بن خشرم , وأبي سعيد الأشج , وعَمْرو بن علي الفلاّس والحسن بن عرفه , ومحمد بن يحيى الذهلي , ومحمد بن عبد الرحيم , وخلق كثير بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام وأصبهان وفارس .
وكان له جلد على طلب الحديث فقد قال : " دخلت الكوفة ومعي درهم واحد , فاشتريت به ثلاثين مُدّاً باقِلاّ , فكنت آكل منه مداً , واكتب عن أبي سعيد الأشج ألف حديث , فلّما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث " أ.هـ .
تلاميذه ومصنفاته :
صنف المسند , والسنن , والمصاحف , والناسخ والمنسوخ , والبعث , وأشياء .
وحدث عنه خلق منهم : ابن حبّان , وأبو أحمد الحاكم , وأبو الحسن الدارقطني , وابن المقرئ , وأبو حفص بن شاهين , وابن بَطّة .
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
قال عنه الذهبي : " كان من بحور العلم ؛ بحيث إن بعضهم فضّله على أبيه " . أ.هـ .
وقال أبو بكر بن شاذان : " قدم أبو بكر بن أبي داود سجستان فسألوه أن يحدثهم , فقال : ما معي أصل . فقالوا : ابن أبي داود وأصل ؟! قال : فأثاروني , فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث فلمّا قدمتُ بغداد , قال البغداديّون : مضى إلى سجستان ولعب بهم , ثم فيّجوا فيجاً اكنزوه بستة دنانير إلى سجستان , ليكتب لهم النسخة , فكُتبت وجيء بها وعرضت على الحُفَّاظ فخطّئوني في ستة أحاديث , منها ثلاثة أحاديث حدثت بها كما حُدِّثت , وثلاثة أخطأت فيها " أ.هـ .
هذا , وقد أُخذت عليه أمور أوذي بسببها تناولها الذهبي في السيّر .
وفاته :
توفي سنة ستّ عشرة وثلاث مئة , وهو ابن ست وثمانين سنة وستة أشهر وأيام , وقد صُلّي عليه مراراً . وقد قيل : صُلّ عليه ثمانون مَرّة .
ودفن يوم الأحد لإثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة من سنة ست عشرة وثلاث مئة .
وقد خلَّف ثمانية أولاد , عبدالأعلى , ومحمداً , وأبا معمرٍ عبيد لله , وخمس بنات . رحمه الله وغفر له .
تحقيق نسبتها لابن أبي داود :(2/2)
اشتهرت نسبة هذه المنظومة لناظمها قديماً وحديثاً , حتى قال الذهبي : " هذه القصيدة متواترة عن ناظمها " (3) أ.هـ . وقد شرحها الآجري , محمد بن الحسين بن عبد الله , المتوفّى سنة ستين وثلاث مئة (4) .
وشرحها أيضاً السفاريني , محمد بن أحمد بن سالم , المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة وألف للهجرة , بشرح سماه " لوَائحُ الأَنْوَار السَّنِيَّة وَلوَاقِحُ الأفْكار السُّنِّيَّة شرْح قَصيْدة بْنِ أبيْ دَاودْ الحائيّة " (5).
ونسبها إليه جمع من المؤرخين , والمترجمين لحياته , كالذهبي في السيّر , والعلو .
وقد رواها عنه ابن أبي يعلى فقال : " أنبأنا علي المحدّث عن عبيد الله الفقيه قال : أنشدنا أبو بكر بن أبي داود من حفظه لنفسه ثم ساقها " (6) .
ورواها عنه تلميذه أبو حفص بن شاهين , وأوردها في كتابه " شرح مذاهب أهل السنة" (7) .
ورواها عنه الذهبي (8) فقال أخبرنا أحمد بن عبد الحميد , أنبأ محمد محمد بن قدامة سنة ثماني عشرة وست مئة , أخبرتنا فاطمة بنت علي الوقاياتي أنبأ علي بن بيان أنبأ الحسين بن علي الطناجيري أنبأ أبو حفص بن شاهين , قال أنشدنا أبو بكر عبد الله بن سليمان لنفسه هذه القصيدة ... ثم ساقها إلى نهايتها .(2/3)
وقد وقع في آخر شرح المنظومة للسّفاريني أن قال ناسخها عيسى القدومي (9) : " فائدة في ذكر سند شيخنا الشيخ محمد السّفاريني لمنظومة الإمام العلامة أبي بكر بن أبي داود , هذه التي شرحها قال : أنبأني كل واحد من مشايخي الثلاثة : الشيخ عبد القادر الثعلبي مفتي السادة الحنابلة وقدوتهم في عصره ومصره , وفي سائر بلاد الإسلام , والشيخ عبد الغني العارف ابن الشيخ إسماعيل الشهير بالنابلسي , والشيخ عبد الرحمن المجلد المعمر كلهم عن الشيخ الإمام عبد الباقي الحنبلي الأثري مفتي السادة الحنابلة بدمشق المحميّة , قال : أنا الشيخ حجازي الواعظ . عن ابن أركماس عن الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح البخاري عن أبي إسحاق إبراهيم البعلي عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجّار اخبرنا ابن عمر الأموي أخبرنا أبو الفتوح الهمذاني أخبرنا أبو محمد السمعاني قال : أخبرني والدي عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني لنفسه :
تَمسَّكْ بحَبْلِ اللهِ واتَّبِع الهُدَى
ولا تَكُ بِدْعِيّاً لَعلَّكَ تُفْلِحُ
إلى آخر القصيدة ... " أ.هـ .
الأصول المعتمدة :
وقفت على هذه المنظومة في عدة مواضع فقد أوردها ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة , وأوردها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة , وأوردها الذهبي في السيّر , وفي العلو , كما أوردها العليمي في " المنهج الأحمد " في تراجم أصحاب الإمام أحمد , وأوردها الشّطي في مختصر طبقات الحنابلة .
كما وقفت على شرحها " لوَائحُ الأَنْوَار السَّنِيَّة "
وقد انتسخها ثم قارنت بينها , واتبعت طريقة النصّ المختار , لأنه وإن كان ابن شاهين أقربهم للناظم , إلا أنّ النسخة المطبوعة مليئة بالأخطاء لذا حرصت على إثبات ما رأيته صواباً , مشيراً إلى ما عداه , إلا ان يكون من أخطاء الطباعة فإني لا أشير إليه غالباً , وإليك المنظومة .
نصّ المنظومة
[عدد أبياتها : 36]
تَمسَّكْ بحَبْلِ اللهِ واتَّبِع الهُدَى
(1)(2/4)
ولا تَكُ بِدْعِيَّاً لَعلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ والسُّنَنِ التِي
(2)
أَتَتْ عَن رَسُولِ اللهِ تَنْجُ(10) وَتَرْبَحُ
وَقُلْ غَيْرُ مَخْلِوقٍ كَلامُ مَليكِنا
(3)
بِذَلكَ دَانَ الأتْقِياءُ وأَفْصحُوا
وَلا تَكُ فِي القُرْآنِ بالوَقْفِ قَائِلاً
(4)
كَمَا قَالَ أتْبَاعٌ لِجَهْمٍ(11) وَأَسْجَحُوا(12)
ج
ولا تَقُلِ القُرآنُ خَلقاً(13) قرأتَهُ
(5)
فإنَّ كَلامَ اللهِ باللفْظِ يُوضَحُ(14)
وَقُلْ يَتَجلَّى اللهُ للخَلْقِ جَهْرةً
(6)
كَمَا البدْرُ لا يَخْفى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بمْولُودٍ وليسَ بِوَالِدٍ
(7)
وَلَيسَ لهُ شِبْهٌ تَعَالَى المسَبَّحُ
وَقَدْ يُنكِرُ الجَهْميُّ هَذَا وعِنْدَنَا
(8)
بِمِصْدَاقِ ما قُلْنَا حَدِيثٌ مُصَرِّحُ(15)
رَوَاهُ جَرِيرٌ(16) عن مَقَالِ مُحمَّدٍ
(9)
فقُلْ مِثْلَ ما قَدْ قَالَ في ذَاكَ تَنْجَحُ
وَقَدْ يُنكِرُ الجَهْمِيُّ أَيضًا يَمِيْنَهُ
(10)
وَكِلْتَا يَدَيْهِ بالفواضِلِ(17) تَنْفَحُ(18)
وَقُلْ يَنْزِلُ الجَبَّارُ في كُلِّ لَيْلَةٍ
(11)
بِلا كَيْف(19) جَلَّ الواحدُ المتَمَدِّحُ(20)
إلى طَبَقِ الدُّنيا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ
(12)
فَتُفْرَجُ أَبْوابُ السَّماءِ وتُفْتحُ
يَقولُ : ألا مُسْتغفِرٌ يَلْقَ(21) غَافِرًا
(13)
ومُسْتَمنِحٌ خَيْرًا ورِزقًا فأمْنَحُ(22)
رَوَى ذَاكَ قَومٌ لا يُرَدُّ حَدِيثَهم(23)
(14)
ألا خَابَ قَوْمٌ كذَّبوهُم وقُبِّحُوا
وَقُلْ إنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ
(15)
وَزِيراهُ قُدْمًا , ثُمَّ عُثْمَانُ أرْجَحُ(24)
وَرابِعُهُم خَيْرُ البريَّةِ بَعْدَهُم
(16)
عَلِيٌّ حَليفُ الخَيرِ , بالخَيرِ مُنْجِحُ(25)
وإنَّهمُ و الرَّهْطُ(26) لا رَيْبَ فِيْهِمُ
(17)
عَلَى نُجُبِ الفِرْدَوْسِ في الخُلْدِ(27) تَسْرَحُ
سَعِيدٌ وسَعْدٌ وابنُ عَوْفٍ وطَلْحةٌ
(18)
وعَامِرُ فِهْرٍ والزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ(28)(2/5)
(وَعَائِشُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالُنا(29)
(19)
مُعَاوِيَة أَكْرِمْ بِهِ فَهْوَ مُصلحُ
وَأَنْصارُه وَالهَاجِرونَ دِيارَهم
(20)
بنصرهُمُ(30) عَنْ ظلمةِ(31) النَّارِ زحزحُوا
وَمَنْ بعدَهُم وَالتابِعُون بِحُسنِ مَا
(21)
حَذو حَذوهم قَولاً وَفِعلاً فَأفْلحوا ) (32)
وَقُلْ خَيْرَ قولٍ في الصَّحَابةِ كُلِّهِمْ
(22)
ولا تَكُ طَعَّاناً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبينُ بِفَضْلِهِمْ
(23)
وفي الفَتْحِ(33) آيٌ في الصَّحابةِ(34) تَمْدَحُ
وبِالقَدَرِ المقْدُورِ أيْقِنْ فإنَّهُ
(24)
دِعَامَةُ(35) عقْدِ الدِّينِ والدِّينُ أفْيَحُ(36)
وَلا تُنْكِرَنْ جَهلاً(37) نَكِيرًا ومُنْكَراً(38)
(25)
وَلا الحْوضَ والِميزانَ إنَّكَ تُنْصَحُ
وقُلْ يُخْرِجُ اللهُ العَظيمُ بِفَضلِهِ
(26)
مِن النارِ أجْسادًا مِن الفَحْمِ(39) تُطْرَحُ
عَلَى النَّهرِ في الفِردوسِ تَحْيا بِمَائِهِ
(27)
كَحَبِّ(40) حَميلِ السَّيْلِ إذْ جَاءَ يَطْفَحُ
فإنَّ رَسُولَ اللهِ للخَلقِ شَافعٌ(41)
(28)
وقُلْ فِي عَذابِ القَبرِ حقٌّ مُوَضَّحُ
ولا تُكْفِّرَنَّ أهْلَ الصَّلاةِ وإِنْ عَصَوا
(29)
فكلُّهُمُ يَعْصِي وذُو العَرشِ يَصْفَحُ
(ولا تَعتقِدْ رَأيَ الخَوارجِ إنَّهُ
(30)
مَقَالٌ لِمَنْ يهواهُ يُرْدِي ويَفْضَحُ
ولا تَكُ مُرْجِيًّا لَعُوبًا بِدِينِهِ
(31)
ألا إنَّمَا المُرْجيُّ بالدِّينِ يَمْزَحُ(42))
وقُلْ إنَّما الإيمانُ قَوْلٌ ونيَّةٌ
(32)
وِفعْلٌ عَلَى قَولِ النبيِّ مُصَرَّحُ
ويَنْقُصُ طَوْرًا بالمعَاصِي وَتَارةً
(33)
بطَاعَتِهِ يَنْمِي وفي الوَزنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عنكَ آراءَ الرِّجالِ وَقولَهُم
(34)
فَقْولُ رَسُولِ اللهِ أَزكى وَأَشْرَحُ
وَلا تَكُ مِن قوْمٍ تَلَهَّوْ بِدِينِهِم
(35)
فَتَطْعنَ في أَهَلِ الحَدَيثِ وتَقْدَحُ
إذا مَا اعتقدْتَ الدَّهْرَ يا صَاحِ هذِه
(36)
فَأَنْتَ عَلى خَيْرٍ تَبِيتُ وتُصْبِحُ(2/6)
قال أبو بكر بن أبي داود : هذا قولي , وقول أبي , وقول أحمد بن حنبل , وقول من أدركنا من أهل العلم , ومن لم ندرك ممّن بلغنا عنه , فمن قال غير هذا فقد كذب ..
وهنا تمت هذه المنظومة مع التعليق عليها بما تيسر , والحمد لله أولاً وآخراً , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
(1)مقتبس من مقدمة " شرح أصول الإيمان " لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
(2) مراجع هذه الترجمة :
1. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى : (2/51) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
2. المنتظم لابن الجوزي : (13/275) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1412هـ) .
3. سير أعلام النبلاء للذهبي : (13/221) , مؤسسة الرسالة, الطبعة الرابعة (1406 هـ) .
4. لسان الميزان لابن حجر : (3/364) , دار الفكر .
5. المنهج الأحمد للعليمي : (2/15) , دار عالم الكتب الطبعة الثانية (1404 هـ ) .
6. شذرات الذهب لابن العماد : (2/273) , المكتب التجاري للطباعة بيروت .
7. مختصر طبقا الحنابلة لابن الشطّي : ( ص 28 ) , دار الكتاب العربي الطبعة الأولى ( 1406 هـ ) .
(3) العلو : (ص 127) , مطبعة أنصار السنّة سنة (1357هـ) .
(4) قاله الذهبي في العلو ص : 127 .
(5) طُبع بتحقيق عبد الله البصيري دار الرشد .
(6) طبقات الحنابلة : (2/53).
(7) (ص321) , مؤسسة قرطبة . الطبعة الأولى (1415 هـ) .
(8) سير أعلام النبلاء : (13/233) , العلو : (ص 126) , وبينهما تفاوت في صيغ الأداء .
(9) لوائح الأنور السنية : (2/369) .
(10) كذا في العلو , وفي غيره : (تنجو) . وهو خطأ , إذ الفعل مجزم , قال في القطر : " فإن سقطت الفاء بعد الطلب وقصد الجزاء , جزم , نحو قوله تعالى ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ? [ الأنعام : 151] أ.هـ . وعلامة جزمه حذف آخره وهو الواو .(2/7)
(11) هو أبو محرز جهم بن صفوان السمرقندي , الضال المبتدع , رأس الجهمية . قتل سنة ثمان وعشرين ومئة لسان الميزان : (2/179) . قال حافظ حكمي في " معارج القبول " (1/280) : " قضى السلف الصالح رحمهم الله على الطائفة الواقفة وهم القائلون لا نقول القرآن مخلوق ولا غير مخلوق , بأن من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي , ومن لم يحن الكلام منهم , بل علم أنه كان جاهلاً جهلاً بسيطاً فهذا تقام عليه الحجة والبيان والبرهان فإن تاب وآمن أنه كلام الله تعالى , وإلا فهو شر من الجهمية " أ.هـ. وانظر مجموع الفتاوى : (12/359 ,395) , وما بعدها.
(12)هكذا في عامة المراجع قال في القاموس : " سَجَح لَه بكلامٍ : عَرّض" , أي قالوا وعرضوا . وفي لوائح الأنوار : (1/231) , قال [ واسمحوا ] بالميم بعدها حاء مهملة , ثم شرحها بقوله : " أي جادوا بالقول بخلق القرآن و لانوا , يقال سمح ككره ... جاد وكرم " أ.هـ. وهذا البيت لم يرد في العلو .
(13)في شرح مذاهب أهل السنة : (خلق قراءته) , وفي العلو : (خلق قرانه) , وفي مختصر الشطّي : (خلق قرائه) وفي لوائح الأنوار السنية : (خلق قراءة) وقال في شرحها : " القرآن مبتدأ وخلق بمعنى مخلوق خبره , وقراءة منصوب على الحال , أو بنزع الخافض أي في القراءة ... يعني لا تقل قراءتي مخلوقة " (1/232) أ.هـ.
(14) قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله : " اشتهر عن السلف أن اللفظية جهمية وهم من قال لفظي بالقرآن مخلوق وقالوا : ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع , يعنون غير بدعة الجهمية , وذلك لأن اللفظ يطلق على معنيين أحدهما الملفوظ به , وهو القرآن وهو كلام الله ليس فعلاً للعبد , ولا مقدوراً له .(2/8)
والثاني : التلفظ وهو فعل العبد , فإذا أطلق لفظ الخلق على المعنى الثاني شمل الأول , وهو قول الجهمية وإذا عكس الأمر بأن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق شمل المعنى الثاني , وهي بدعة أخرى من بدع الإتحادية , إذ اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد وبين الملفوظ به الذي هو كلام الله عز وجل , وهذا بخلاف ما ذكر السلف بقولهم : الصوت صوت القارئ , والكلام كلام الباري , فإن الصوت معنى خاص بفعل العبد لا يتناول المتلو المؤدى بالصّوت " أ.هـ . باختصار (1/292) .
(15) في المنهج الأحمد ومختصر الشطي : (مُصَحّح).
(16) وردت أحاديث الرؤية عن جمع من الصحابة تبلغ حد التواتر , أما حديث جرير فقد رواه البخاري في صحيحه " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى : ?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ? [ القيامة : 22] . (فتح 13/429) برقم (7434) ؛ و رواه مسلم في صحيحه " كتاب المساجد " , باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظه عليهما : (1/439) برقم (633) , ولفظه : "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا " .
(17) في شرح مذاهب أهل السنة : (بالنواضل) .
(18) في شرح مذاهب أهل السنة : (ينفح) , وفي المنهج الأحمد : (تفتح) , وفي لوائح الأنوار : (تنضح) , وتنفح : أي تعطي وتمنح , يقال نفح فلاناً بشيء أي أعطاه .(2/9)
(19) مراد السلف بقولهم عن الصفات نؤمن بها بلا كيف : أي لا نكيّف هذه الصفات ؛ لأن تكييفها ممتنع ؛ إذ لا تعرف كيفية الشيء إلا بواحد من ثلاثة أمور : إما بمشاهدته , أو بمشاهده نظيره , أو الخبر الصادق عنه , ولمّا لم يحصل شيء من ذلك امتنع على الخلق معرفة كيفية صفات الله وكنهها , وليس مرادهم من قولهم بلا كيف أن لاكيفيّة لصفاته , لأن صفاته ثابته حقاً , وكل شيء ثابت فلا بدّ له من كيفية , لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا . انظر شرح التدمرية لابن مهدي (ص110) و شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين : (ص20) .
(20) في شرح مذاهب أهل السنة : (الُمَدَّح) .
(21) في مختصر الشطي : (أنا غافر).
(22) في شرح مذاهب أهل السنة : (والسيّر والعلو فيُمنح) .
(23) وردت صفة النزول للرب عز وجل في أحاديث صحيحة عن كثير من الصحابة , وممّن استقصاها الدارقطني في كتاب " النزول " وابن خزيمة في كتاب " التوحيد " والآجريّ في " الشريعة " وانظر لزاماً شرح الحديث لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/321) إلى آخر المجلد ؛ ومعارج القبول (1/294 ـ 301 ) .
(24) كذا في شرح مذاهب أهل السنة , وفي عامة المصادر : (الأرجح) .
(25) المنجح من الناس كالناجح , والنجاح : هو الظفر بالشيء وفي العلو : (ممنح) .
(26)في السير والمنهج الأحمد : (للرهط) , وجاء في شرح مذاهب أهل السنة حاشية عن الأصل المخطوط , أن الصواب : (الرهط) بلا واوٍ .
(27) في السِّير والعلو : (بالنور) .
(28) في نسخة عندي بعد هذا البيت :
وَسِبْطي رَسول الله وابْني خديجةٍ
وَفَاطمة ذات النقاء تَبحبحوا
أبو مهند النجدي .
(29) سماه خال المؤمنين : لأنه أخو أم حبيبة إحدى أمهات المؤمنين , وإنما ذكره للرد على الروافض الذين يسبونه , وقد ذكر شيخ الإسلام نزاعاً بين العلماء هل يقال لإخوة أمهات المؤمنين أخوال المؤمنين أم لا ؟! منهاج السنة : (2/199) , وانظر شرح لمعة الإعتقاد : (ص 107) .(2/10)
(30) في شرح مذاهب أهل السنة : (بنصرتهم) .
(31)في شرح مذاهب أهل السنة : (عن كَيّة) .
(32) هذه الأبيات الثلاثة انفردت بزيادتها شرح مذاهب أهل السنَّة , ولوائح الأنوار : (2/68) ؛ ومختصر الطبقات للشطي .
وقد جاءت في شرح مذاهب أهل السنَّة زيادة أخرى انفرد بها وهي :
و مالكُ والثويُّ ثم أخوهم
أبو عَمْروٍ الأوزاعي ذاكَ المسبِّحُ
وَمَنْ بعدهم فالشافعي وأحمد
إماماً هدى من يتبع الحقَّ يفصحُ
أولئكَ قومٌ قَدْ عفا الله عَنْهُم
وَأَرْضاهم فأجابهم فإنَّكَ تَفرحُ(؟)
(33)قوله تعالى ?مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا? [ سورة الفتح : 29].
(34) في شرح مذاهب أهل السُّنَّة والسِّير : (للصحابة).
(35) الدِعامة بالكسر : عماد البيت .
(36) الأفيح : الواسع .
(37) في مختصر الشطي : (جهراً) .
(38) سمعت الشيخ عبد الرحمن البراك في شرحه لهذا البيت يقول " اسمان للملكان الذين يأتون في القبور يسألونه وجاء اسمهما في حديث رواه الترمذي والمشهور أنه ضعيف وما ثبت من أسماء الملائكة أربعة فقط جبريل وميكائيل و إسرافيل ومالك .أ.هـ من شرح الحائية (نقله أبو مهند النجدي) .
(39)في مختصر الشطي : (من اللحم).(2/11)
(40) الحَبِّ : ومفردها حِبّه بالكسر , بزور الصحراء مما ليس بقوت , وفي الحديث : (وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) أخرجه البخاري في صحيحه " كتاب التوحيد " باب قول الله تعالى : ?وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ? [ القيامة : 22] الفتح : (13/430 , 431) برقم (7437) ومسلم في صحيحه " كتاب الإيمان " باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار : (1/172) برقم (185) , واللفظ له عن أبي سعيد الخدري . والضبائر : الجماعات , هذا وللحديث طرق وروايات.
(41) مراده أن إخراج هؤلاء العصاة من أهل التوحيد من النار كان بشفاعة رسول الله ( .
واعلم أن الشفاعة التي ورد إثباتها في الكتاب والسنة : هي التي تطلب من الله بإذنه لمن يرضى قوله وعمله , والله لا يرضى إلا التوحيد فأما المنفية فهي التي تطلب من غير الله , أو بغير إذنه , أو لأهل الشرك به , قال تعالى : ?وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ? [سبأ : 22] وقال : ? وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ? [الأنبياء : 28] أما من علق قلبه بأحد من المخلوقين يرجوه ويخافه , فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة .
(42) في الطبقات , ومختصر الشطّي : (يمرح) بالراء , وقع في مختصر الشطّي تأخير البيتين إلى ما بعد البيتين الذين تليانهما وهو أولى إلا أن أكثر النسخ على ما أثبتناه .
??
??
??
??(2/12)
رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل ... يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي
لا يَنْثَني عَنهُ ولا يَتَبَدَّل ... اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَولِه
وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّل ... حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ
لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَل ... وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ ساطِعٌ
آياتُهُ فَهُوَ القَديمُ المُنْزَلُ ... وأُقِرُّ بِالقُرآنِ ما جاءَتْ بِهً
حَقاً كما نَقَلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ ... وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّها
وأصونُها عن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ ... وأَرُدُّ عُقْبَتَها إلى نُقَّالِها
وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ ... قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ الكِّتابَ وراءَهُ
وإلى السَّماءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ ... والمؤمنون يَرَوْنَ حقاً ربَّهُمْ
أَرجو بأنِّي مِنْهُ رَيّاً أَنْهَلُ ... وأُقِرُ بالميزانِ والحَوضِ الذي
فَمُوَحِّدٌ نَاجٍ وآخَرَ مُهْمِلُ ... وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ
وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ ... والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ
عَمَلٌ يُقارِنُهُ هناك وَيُسْأَلُ ... ولِكُلِّ حَيٍّ عاقلٍ في قَبرِهِ
وأبي حنيفةَ ثم أحمدَ يَنْقِلُ ... هذا اعتقادُ الشافِعيِّ ومالكٍ
وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَوَّلُ ... فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَحِّدٌ(3/1)
الهَائِيَّة (1)
تَألِيفُ
الشَّيخِ العَلاَّمَةِ حَافِظِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَكَمِيِّ
رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى
1342-1377 ه
قام بنشرها
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
ما لي و للدُّنيا وليستْ ببُغْيَتي ... وَ لاَ مُنْتَهى قَصْدي ولستُ أَنا لها
ولستُ بميّالِ إِليها ولا إِلى ... رئاساتِها فتناً وقبْحاً لحالها
هي الدارُ دارُ الهمِّ والغمِّ والعَنا ... سريعٌ تقضِّيها قريبٌ زوالُها
مياسيرُها عُسْرٌ وحزنٌ سرورُها ... وأَرباحُها خسرٌ ونقصٌ كمالُها
إِذا أَضحكتْ أَبكتْ وإِن رامَ وصلَها ... غبيٌّ فيا سُرْعَ انقطاعِ وصالِها
فأَسأَلُ ربي أَنْ يحولَ بحوله ... وقُوَّتِهِ بيني وبين اغتيالِها
فيا طالبَ الدنيا الدنيئةِ جاهداً ... أَلا اطلبْ سواها إِنها لا وفا لها
فَكَمْ قَدْ رأَينا من حريصٍ ومشفقٍ
... عليها فلمْ يَظْفَرْ بِها أَن ينالَها
لَقَدْ جاء في آيِ الحديدِ ويُونسٍ ... وفي الكهفِ إِيضاحٌ بضربِ مثالِها
وَفي آلِ عمرانَ وسورةِ فاطرٍ ... وفي غافرٍ قد جاء تِبْيانُ حالِها
وَفي سورةِ الأَحقافِ أَعظمُ واعظٍ ... وكمْ من حديثٍ موجبٍ لاعتزالِها
لَقَدْ نظروا قومٌ بعينِ بصيرةٍ ... إِليها فلمْ تَغْرُرْهُمُ باختِيالها
أُولئك أَهلُ اللهِ حقّاً وحزبُه ... لهم جنةُ الفردوسِ إِرثاً ويا لها
ومالَ إِليها آخرونَ لِجَهْلِهِمْ ... فلمَّا اطمأَنُّوا أَرشَقَتْهُمْ نِبالُها
أولئك قومٌ آثروها فأَعقبوا ... بها الخِزْيَ في الأُخرى وذاقوا وَبالَها
ومالَ إِلَيْها آخَرونَ لِجَهْلِهِمْ ... فلمَّا اطْمَأَنُّو أَرْشَقَتْهُمْ نِبالُها
فَقُلْ للذينَ اسْتَعْذَبوها رُوَيْدَكُم ... سَيَنْقَلِبُ السُّمُّ النقيعُ زلالَها
لِيَلْهوا ويغترُّوا بها ما بدا لهُمْ ... متى تبلُغِ الحلقومَ تُصْرَمْ حبالُها
__________
(1) نقلتها من كتاب مجموع الأبيات والمنظومات لتقريب المحفوظات إعداد : سيف الطلال الوقيت .(4/1)
ويوم توفَّى كلُّ نفسٍ بكَسْبِها ... تَوَدُّ فداءً لو بَنيها ومالها
وتأْخذُ إما باليمينِ كتابَها ... إِذا أَحسنتْ أَو ضدَّ ذا بشِمالِها
ويبدو لَدَيْها ما أْسَرَّتْ وأَعلنتْ ... وما قدَّمَتْ من قولِها وفعالِها
بأَيدي الكرامِ الكاتبينَ مسطرٌ ... فلم يُغْنِ عنها عُذْرُها وجدالُها
هنالك تدري ربحَها وخسارَها ... وإِذ ذاك تَلْقى ما إليه مآلُها
فإن تكُ من أَهل السعادةِ والتُّقى ... فإِنَّ لها الحسنى بِحُسنِ فِعالِها
تفوزُ بجنَّاتِ النعيمِ وحورِها ... وتُحْبَرُ في روضاتِها وظلالِها
وترزقُ ممَّا تَشْتَهي من نعيمِها ... وتشربُ من تَسْنيمها وَزُلاَلِها
وَإِنَّ لهم يومَ المزيدِ لموعداً ... زيادة زُلْفى غيرُهُم لاَ ينالُها
وجوهٌ إِلى وجهِ الإِلهِ نواظرُ ... لقد طالَ ما بالدمعِ كانَ ابتلاؤها
تجلى لها الربُّ الرحيمُ مسلِّماً ... فيزدادُ من ذاك التَّجلِّي جمالُها
بمقْعَدِ صدقٍ حبَّذا الجارُ ربُّهم ... ودارِ خلودٍ لم يخافوا زوالَها
فواكِهُها ممَّا تَلَذُّ عيونهُم ... وتَطَّرِدُ الأَنهارُ بين خلالِها
على سُرُرٍ موضونةٍ ثم فرشهم ... كما قال فيه ربُّنا واصفاً لها
بطائِنُها إِسْتَبْرَقٌ كيف ظَنُّكُم ... ظواهِرُها لا مُنْتَهى لجمالِها
وإِن تكنِ الأُخرى فويلٌ وحسرةٌ ... ونارُ جحيمٍ ما أَشدَّ نَكالَها
لهم تحتَهُم منها مهادٌ وفوقَهم ... غواشٍ ومِنْ يحمومٍ ساء ظلالُها
طعامُهُمُ الغسلينُ فيها وإِن سُقُوا ... حميماً بهِ الأَمعاءُ كان انْحِلالُها
أَمانِيُّهم فيها الهلاكُ وما لَهم ... خروجٌ ولا موتٌ كما لا فنا لها
مَحَلَّيْنِ قل للنفسِ ليس سواهما ... لِتَكْسَبْ أَو فَلْتَسْكُتْ ما بدا لها
فطوبى لنفسٍ جَوَّزَتْ وتَخَفَّفَتْ ... فَتَنْجو كفافاً لا عليها ولا لها(4/2)
سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة (4)
المنظومة الدَّاليَّة في السُّنَّة
لأبي الخطابْ الكلوَذاني
• دَعْ عَنْكَ تِذْكَارَ الخَليْط المُنْجِدِ •
قرأها وقدم لها وعلّق عليها
هانئ بن عبد الله بن جبير
قام بنشرها
أبو مهند النجدي
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وآله وصحبه , وبعد :
فإن الله ـ سبحانه ـ قد بعث نَبِيّه بالهُدى والنور , فنصح وبَلّغ , وبَيّن وأرشد , حتّى أتاه اليقين , و قد ترك أمَّتَه على المحجة البيضاء , ليلها كنهارها , لا يزيغ عنها إلا هالك , وعلى ذلك مضى أصحابه , والتابعون لهم بإحسان .
ثم ظهر ـ لضعف الإيمان , والأخذ عن علوم السابقين , واعتماد العقل , واطِّراح النقل ـ طوائف متعددة , تكلمت في الاعتقاد , بما قدّمته عقولها وما تخيلته تصوّراتها , فأولوا نصوص الكتاب والسنة بما يوافق مذاهبهم , ورَدّوا أخبار المصطفى ؛ لتقوى طرقهم .
فقيّض الله لهذا الدين من ينفي عنه انتحال المبطلين , وتحريف الغالين وتعرّض الطاعنين .
ثم لم يزل هذا الصراع بين فسطاط السنة وأهلها , وفسطاط البدعة ومتّبعيها :
تحقيقاً لخبر الصادق المصدوق : ( أن لا تزال طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم , ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تعالى ) (1) .
وفي خِضَمِّ هذا الصراع . حرص أهل العلم الكبار , وأهل التبرير من غيرهم (2) , على تدوين عقائدهم , لئلا يرموا بما لا يعتقدونه , أو يتهموا بما لا يدينون به , ولكي يكون سبيلاً يسلكه من تتلمذ على أيديهم , أو اقتفى سبيلهم , أو كان من تابعيهم .
ومن هنا برزت هذه الأجزاء الصغيرة المعروفة بالمعتقدات (3) .
ومن بين المعتقدات التي اشتهرت بين أهل العلم , المنظومة الداليّة لأبي الخطّاب , محفوظ بن أحمد الكلوذاني ـ رحمه الله ـ والتي ستراها محققةً مضبوطةً , لعظم نفعها , ولما لها من مميزات , والله الموفق .
كتبه(5/1)
هانئ بن عبدالله بن محمد بن جُبَيْر
ترجمة الناظم (4) ـ رحمه الله ـ :
نسبه ولقبه وكنيته :
هو : أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكُلوَذاني , نسبَةً إلى كلوذا , وهي من نواحي بغداد , ويُلقَّب بنجم الهُدى .
ولادته :
ولد في الثامن من شوّال سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة للهجرة .
طلبه للعلم وشيوخه :
أخذ رحمه الله عن جملة من الشيوخ , وكتب بخطه كثيراً من مسموعاته .
فمن شيوخه في الحديث : الجوهرِيّ , والعشاري , وأبو علي الجازري , والمباركي , وأبو الفضل بن الكوفي , وأبو الحسين بن المهتدي .
وأما في الفقه : فقد أخذ عن القاضي أبي يعلى , ولازمه , وانتفع به , وتخرّج على يديه , مما برع في المذهب والخلاف .
وأخذ أيضاً عن أبي عبدالله الوَنِّي , الفقه والفرائض , وبرع فيهما .
وصار ـ رحمه الله ـ إمام عصره , وفريد وقته , في الفقه والأصول , ودرّس , وقصدهُ الطلبة .
تلاميذه ومصنّفاته :
روى عنه : محمد بن ناصر الحافظ , وأبو المعمّر الأنصاري , وأبو طالب بن خضير , وغيرهم .
وأخذ عنه الفقه : عبدالوهاب بن حمزة , وأبو بكر الدينوري , والشيخ عبدالقادر الجيلي الزاهد .
وصنّف الكثير من الكتب الحسان , في الفقه , والفرائض , والأصول , والخلاف منها :
1. الهداية في الفقه .
2. الانتصار في المسائل الكبار , ورؤوس المسائل , في الخلاف .
3. التهذيب في الفرائض .
4. والتمهيد في الأصول .
مكانته العلمية , وثناء العلماء عليه :
قال السّلفي : أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد .
وقال أبو بكر بن النقور : كان الكِيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلاً قال :
" قد جاء الفقه " .
وقال الذهبي في " العبر " عنه : " كان إماماً , علامةً , ورعاً , صالحاً , وافر العقل , غزير العلم , حسن المحاضرة , جيد النظم " .(5/2)
فقد كان بالجملة أحد أعلام المذهب , ومجتهديه ؛ له من التحقيق , والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله , شيء كثير جداً , وله مسائل ينفرد بها عن سائر الأصحاب , وقد ذكر ابن رجب في ذيله على الطبقات جملة منها .
وفاته :
توفي ـ رحمه الله ـ في جمادى الآخرة سنة عشرة وخمس مئة , وفي تحديد الوقت اختلاف , فقيل في آخر يوم الأربعاء الثالث والعشرين , وقيل سحر يوم الخميس .
واتفقوا على أنه دفن يوم الجمعة .
قال ابن رجب رحمه الله : قرأت بخط أبي العبّاس بن تيمية في تعاليقه القديمة : رئُي الإمام أبو الخَطّاب في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فأنشد :
أتيت ربّي بمثل هذا
فقال ذا المذهبُ الرشيدُ
محفوظ نَم في الجنان حتّى
ينقلك السائق الشهيدُ
رحم الله أبا الخطاب , وغفر له , وأسكنه فسيح جناته .
مميزات هذه المنظومة :
هذه المنظومة منظومة اشتهرت بين طلاب العلم , وانتشرت في أوساطهم لمزاياها , والتي نستعرضها في النقاط التالية :
1. قِصَرُها : إذ هي ثلاثة وأربعون بيتاً (5) , وهذا مما يساعد على حفظها , وسهولة مراجعتها , وهذا القِصَر مهم مفيد إذ يحصل على الفوائد الغزيرة في الألفاظ المحصورة القليلة .
2. احتوائها على جملة من أهم مباحث الاعتقاد , مع ما تشير إليه من توجيه واستدلال , وتأمل قول ناظمها :
قَالوا : فهل فعلُ القبيح مُرَادُهُ
قلتُ : الإرادةُ كلُّها للسَّيدِ
لو لم يُْرده لَكَان ذَاك نَقيصَةً
سُبْحَانه عن أن يُعَجَّزَ في الرَّدِي
3. متانة أسلوبها , وجزالة عباراتها , مما يفيد الطالب في لغته , وبجعله حسن الإسلوب , جميل التعبير .
4. كون الناظم لها متقدّماً , و لا يخفى ما في الأخذ عن المتقدمين من الأهمية .(5/3)
5. أنه ابتدأها بمقدمة اشتملت على عدة توجيهات , ونصائح , ووصف فيها طالب العلم بعلو الهمة , والحرص العظشم على طلب العلم , والتسابق فيه , وبذل المُهَج لتحصيله , وفي هذا تشجيع لطالب العلم , ورفع لهمته ؛ بما ضرب له من مثال .
6. أنّه جعلها بشكل الحوار , والمناظرة , وفي هذا فائدتان :
أ - أنه اسلوب السؤال والجواب , اسلوب يقرب المعلومة لطالب العلم ويزيدها رسوخاً في ذهنه .
ب - أن في تصوير المناظرة , والأخذ والرّد ما يعمق يقين القارئ بما يقرأ .
هذه جملة من ميزات هذه المنظومة , وإن ما يزيدها أهمية سوى ما ذُكِر , أنَّ ناظمها هو عالم فذ من كبار علماء الحنابلة , ومن مشاهيرهم , وممن شُهد له بالتبحّر في العلم .
تحقيق نسبتها لأبي الخطّاب :
اشتهرت نسبة هذه المنظومة لأبي الخطاب رحمه الله , بين طُلاب العلم , ونصّ على نسبتها له غير واحد ممن ترجم له .
وقد ذكر مترجموه أنه كان ينظم الشعر الحسن (6) .
وقد رواها ابن الجوزي في " المنتظم " (7) قال : " أنشدنا محمد بن ناصر الحافظ (8) قال : أنشدنا أبو الخطاب محفوظ بن أحمد لنفسه . ثم ساق المنظومة إلى آخرها " أ. هـ .
وهذا إسنادٌ متصل صحيح .
وقد رواها عن أبي الخطاب أيضاً سعد الله بن نصر بن سعيد المعروف بابن الدجاجي (9).
وممن نسب المنظومة إليه من المؤرخين ابن كثير , كما في " البداية والنهاية " (10).
والذهبي في " سير أعلام النبلاء " (11) . وابن شطي في مختصر طبقات الحنابلة (12) . وقال ابن رجب في ذيله على الطبقات (13) : " وله قصيدة دالية في السُّنة معروفة " أ.هـ .
الأصول المعتمدة :
وقفت لهذه المنظومة على عدة طبعات (14) وأضبطها : المنظومة كما في " المنتظم " , وقد نقلها عن هذا الكتاب جماعة , كالشيخ أحمد شاكر في مجموع طبع باسم كتاب " التوحيد " , والشيخ إسماعيل الأنصاري في مقدمة تحقيقه لكتاب " الهداية " لأبي الخطاب (15) .(5/4)
ومن الطبعات التي وقفت عليها , التي أوردها : زامل الصالح الزامل في " المجموع المنتخب من المواعظ والأدب " (16) .
وكما ترى فإن أوثقها ما جاء في النتظم ؛ لصحة إسنادها , ولكونه الأصل الذي نقل عنه أكثر من بعده , إلا أن بينها اختلافاً , حرصت على تبيينه , واتبعت طريقة النص اختصاراً , إذ مرادي إخراج النص على أكمل وجه , وأضبط صورة .
وقد بينت الاختلاف متى وُجد , أمّا سبب الاختلاف مع أن المرجع في الغالب واحد , فلعله لاختلاف نسخ المنتظم , كما هو معلوم هذا وأسأل الله أن يجعل في الأجل فُسحة , وأن يُيَسِّرَ شرح هذا النظم , إنه ولي ذلك والقادر عليه .
[ المنظومة ]
دَعْ عَنْكَ تِذْكَارَ الخَليْط المُنْجِدِ(17)
(1)
والشَّوْقَ(18) نَحْوَ الآنِسَاتِ الخُرَّدِ
وَالنّوحَ في أطلال سُعَْدى إِنَّمَا
(2)
تذكارُ سُعْدَى شُغْلُ من لم يَسْعَدِ
واسْمَع مَقالي إن أردتَ تَخلُّصًا
(3)
يومَ الحسابِ وخُذْ بهَدْيي(19) تَهْتَدِ
وَاقْصِد فإِنِّي قد قَصَدْتُ(20) مُوَفّقاً
(4)
نهجَ ابن حنبلٍ الإمام الأوْحَدِ
خيرِ البريَّة بعد صحِْب مُحمَّدٍ
(5)
وَالتَّابِعينَ إمام كُلِّ مُوَحِّدِ
ذِي العِلْم والرأي الأصيلِ من حَوَى
(6)
شرفًا عَلا فوقَ السُّها(21) والفَرْقَدِ
واعْلَم بِأَنِي قََدْ نَظَمْت مَسائِلًا
(7)
لم آلُ فيها النُّصْحَ غيرَمقَلِّدِ
وَأَجَبْتُ عن تَسآل كُلِ مُهَذَّبِ
(8)
ذِي صَوْلَةٍ عند(22) الجَِدال مُسَوَّدِ
هَجَر الرُّقادَ وباتَ سَاهِرَ ليْلِهِ
(9)
ذي همَّةٍ لا يستلذُّ بِمَرقدِ
قَومٌ طعامُهُم دِرَاسةُ علْمِهِم
(10)
يَتسَابَقُون إِلى العُلا وَالسُّؤدَدِ
قَالوا : بِما عَرَفَ المكلَّفُ رَبَّهُ ؟
(11)
فَأجبتُ : بالنَّظرِ الصحيح المُرْشِدِ(23)
قَالوا :فهل ربُّ الخلائق واحدٌ ؟
(12)
قلتُ : الكمالُ لِرَبّنا المتفرِّدِ
قَالوا : فهل للهِ عِنْدَك مُشْبِهٌ ؟
(13)
قلتُ : المشبِّهُ في الجحيم الموصَدِ(24)(5/5)
قَالوا : فَهَل تَصِف الإله ابن لنَا ؟
(14)
قلتُ:الصفاتُ لِذي الجلال السَّرْمَدِي
قَالوا : فهل تلك الصّفاتُ قَدِيمةٌ ؟
(15)
كالذاتِ ؟ قلتُ:كذاك لم تتجَدد(25)
قَالوا: فأنتَ تَرَاه جسماً مِثْلَنا(26)
(16)
قلتُ : المجسّم عِنْدَنا كَالمُلْحِدِ
قَالوا : فَهل هَوْ في الأمَاكِن كلها ؟
(17)
فأجبتُ : بَل في العُلْوِ مذهبُ أَحمدِ(27)
قَالوا:فتزعم(28) أَنْ على العرشِ استوى ؟!
(18)
قلتُ : الصَّواب كذاك أخبر سَيّدي
قَالوا : فما معنى استواءه أَبِن لَنَا ؟
(19)
فَأجَبْتُهم : هَذا سُؤَال المُعْتَدِي(29)
قَالوا : النزول ؟ فقلت : ناقله لنا(30)
(20)
قوم ٌتمسُّكُهم بِشَرع مُحَمَِّد(31)
قَالوا : فَكَيْفَ نُزولُه ؟ فأجبتهم :
(21)
لم يُنْقل التكييف لي في مُسْنَدِ
قَالوا : فيُنْظُُر بِالعيونِ ؟ أبَِن لَنَا:
(22)
فأجبتُ :رؤيتُهُ لمن هَوْ مُهْتَدي(32)
قَالوا : فهل لله علمٌ ؟ قلتُ : ما
(23)
من عَالِم إلا بعلمٍ مرتدي(33)
قَالوا : فيوصَف(34) أَنه مُتَكَلِّمٌ ؟
(24)
قلتُ : السكوتُ نقيصَةٌ المتَوَحِّدِ(35)
قَالوا : فَما القرآن ؟ قلتُ كَلاَمه
(25)
مِنْ غير ما حَدَثٍ وغَيْر تَجَدُّدِ(36)
قَالوا : الَّذِيْ نَقلوه(37) ؟ قلتُ : كَلاَمه
(26)
لا رَيب فيه عند كل مُسَدَّدِ(38)
قَالوا : فأفعال العباد ؟ فقلتُ : ما
(27)
مِنْ خَالِقٍ غير الإلهِ الأمجَدِ
قَالوا : فهل فعلُ القبيح مُرَادُهُ
(28)
قلتُ : الإرادةُ كلُّها للسَّيدِ
لو لم يُْرده لَكَان ذَاك نَقيصَةً(39)
(29)
سُبْحَانه عن أن يُعَجَّزَ في الرَّدِي
قَالوا : فما الإيمان ؟ قلتُ : مجاوبًا
(30)
عملٌ وتصديق(40) بغير تَبَلُّدِ
قَالوا : فَمَن بَعْد النَّبي خَلِيفةً ؟
(31)
قلتُ : الموحد قبل كل مُوَحِّدِ
حَامِيه(41) في يَوم العَرِيش وَمَْن لَه
(32)
في الغار يُسْعِدُ(42) يا له من مُسْعِدِ
خَيْرُ الصَّحَابةِ والقَرَابةِ كلهِم
(33)
ذاك المؤيِّدُ قبل كلِّ مؤَيِّدِ(43)(5/6)
قَالوا : فمن صدّيق أحمد ؟ قلتُ : من
(34)
تصديقُهُ بين الوَرى لم يُجْحَد(44)
قَالوا : فَمَن تالي أَبِي بكر الرِّضا ؟
(35)
قلتُ : الإمارة في الإمامِ الأزْهَدِ
فاروق أحمد والمُهَذِّبُ بَعْدَه
(36)
نَصَر(45) الشَّرِيعَة بِاللسان وَباليَدِ
قَالوا : فثالثهم ؟ فقلتُ مسارِعًا(46)
(37)
من بايَعَ المختار عَنْه باليْدِ
صهر النَّبي عَلَى ابنَتَيه وَمَنْ حَوى
(38)
فضلين , فضْلَ تلاوَةٍ وتهجُّد(47)
أعني ابن عَفان الشهيد وَمَن دُعِي
(39)
في الناسِ ذو(48) النورين صِهْرُ مُحَمَّدِ
قَالوا : فرابعهم ؟ فقلتُ : مُبَادِراً(49)
(40)
مَنْ حَاز دونهم أخُوَّةَ أَحمدِ(50)
زوجُ البتولِ وخيرُ مَنْ وَطِئ الحَصى(51)
(41)
بَعْدَ الثلاثة والكريم المحْتِدِ(52)
أعني أبا الحسَنِ الإمامَ وَمَْن لَه
(42)
بَيْنَ الأَنام فضائل لم تُجْحَد
(وَلا بن هندٍ في الفؤادِ محَبَّةٌ
(43)
وَمَوَدَّةٌ فليرْغَمَنّ مُفَنِّدِي) (53)
ذاكَ الأمينُ المجتبى لكتابة الـ
(44)
ـوحي المنزّل,ذو التُّقى والسُؤدَد) (54)
ولعمِّ سيدنا النَّبي مناقِبٌ
(45)
لَو عُدِدت لم تنحَصِرْ بتَعَدُّدِ
أَعْنِي أَبِا الفَضْل الَّذِي استَسْقَى به
(46)
عُمْرُ أوان الجَدْب بين الشُهَّدِ(55)
ذاك الهُمامُ أبوالخلائفِ كلِّهم
(47)
نَسَقَاً إلى المستظهرِ بن المقتدي
صلّى عليه(56) الله ماهَبَّت صَبًََا
(48)
وَعَلى بنيه الرْاكعين السُّجَّدِ
وَأَدَام دولتهم عَلَيْنا سَرمدًا
(49)
ما حَنْ في الأسحار كُلُّ مُغَرِّد) (57)
(فعلَيْهِمُ وَعَلى الصَّحَابةِ كلِّهِم
(50)
صلواتُ ربهم تروح وتغتدِي
إني لأرجو أن أفوزَ بحبِّهم(58)
(51)
وَبِمَا اعتقدتُ من الشريعةِ في غَدِ) (59)
قَالوا : أَبان(60) الكلوذانِيَّ الهُدى
(52)
قلتُ : الَّذِي فوقَ(61) السماءِ مُؤيِّدي
والحمد لله أولاً وآخراً , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(1) انظر السلسلة الصحيحة للألباني : (1957) , وما بعده .(5/7)
(2) انظر ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب : (1/20) . في معتقد الخليفتين القائم والقادر .
(3) هذا سوى الكتب التي ألفت في السُّنَّة ؛ لبيان منهج السلف في الاعتقاد مدعماً بأدلته , وسوى كتب الرد على المبتدعة وتفنيد أدلتهم وأقاويلهم .
(4) مراجع هذه الترجمة :
1. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى : (2/258) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
2. ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب : (1/116) , مطبعة السنة المحمدية , سنة (1372هـ).
3. البداية والنهاية لابن كثير : (12/193) , دار الريان , الطبعة الأولى (1408 هـ) .
4. سير أعلام النبلاء للذهبي : (19/348) , مؤسسة الرسالة, الطبعة الأولى (1412 هـ) .
5. العبر في خبر من غبر للذهبي : (2/395) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1405هـ) .
6. المطلع على أبواب المقنع للبعلي : (ص 453) , المكتب الإسلامي , الطبعة الأولى (1385 هـ ) .
7. مختصر طبقات الحنابلة لابن الشطي : (ص35) , دار الكتاب العربي , الطبعة الأولى (1406 هـ) .
8. المدخل لابن بدران : (ص 211) , إدارة الطباعة المنيرية .
9. وانظر أيضاً المنتظم لابن الجوزي : (17/152) , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى (1412هـ) .
(5) أي بدون الزيادات , أما معها فهي اثنان وخمسون بيتاً , كما سترى .
(6) انظر مثلاً ذيل الطبقات لابن رجب : (1/118) , المطلع للبعلي : ( ص453).
(7) انظر : (17/153) , من طبعة دار الكتب العلمية , وانظر (9/190) , دار صادر مصورة عن دائرة المعارف العثمانية .
(8) هو محمدج بن ناصر بن علي بن عمر السلامي , الحافظ أبو الفضل ... ولد سنة سبع وستين وأربع مئة للهجرة .
أخذ عن أبي القاسم ابن البسري , وأبي محمد التميمي , وجماعةٌ كثيرين , وأجازه ابن ماكولا الحافظ . قال السّلفي : " كان شافعياً أشعرياً , ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع , ومات عليه , وله جودة حفظ وإتقان , وحسن معرفة , وهو ثبت إمام " .(5/8)
وقال أبو موسى المدني : " هو مقدم اصحاب الحديث في وقته ببغداد " .
وقال ابن الجوزي : " كان حافظاً , ضابطاً , متقناً , ثقة , من أهل السنة , وهو الذي تولى تسميعي الحديث , وعنه أخذت ما أخذت من علم الحديث " .
وأثنى عليه جماعة من أهل العلم , وروى عنه جماعة , كالسلفي , وابن عساكر , وابن الجوزي , وابن السمعاني , توفي ليلة الثلاثاء , الثامن عشر من شعبان سنة خمسين وخمس مئة رحمه الله برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته . انظر ذيل الطبقات لابن رجب (1/225 , 226 ) فما بعدها .
(9) قال ابن رجب في ذيل الطبقات (1/203) : " تفقه على أبي الخطاب حتى برع , وقد روى عنه كتابه " الهداية " , وقصيدته في السنة وغيرها " . أ.هـ. وفيه أيضاً قال ابن نقطة : " شيخ جماعة فاضل صحيح السماع حدثنا عنه جماعة من شيوخه , وكان ثقة " .أ.هـ. وقد روى عنه جماعة , كالموفق , وابن الأخضر . توفي آخر نهار بوم الإثنين لاثنتي عشرة خلت من شعبان سنة أربع وستين وخمس مئة للهجرة ..
(10) (12/193) , وقد ذكر مطلعها وأبياتاً منها .
(11) (19/348) , وقد ذكر بيتين منها .
(12) (ص 35) , وذكر مطلعها.
(13) انظر مثلاً ذيل الطبقات لابن رجب : (1/118) , المطلع للبعلي : ( ص453).
(14) (ص 197 , 198 , 199 ) والطبعة التي وقفت عليها هي الطبعة الأولى لعالم الكتب عام (1406هـ) .
(15) (ص 4 ,5) وذلك من الطبعة الأولى للكتاب في عام (1390 هـ ) .
(16)(ص 220 , 221 , 222) . من المجلد الأول .
وقد قال محمد جميل الشّطي في مختصر الطبقات (ص36) : " قد وفقت ـ ولله الحمد ـ فطبعت القصيدة الدالية المنوه عنها , في دمشق سنة (1326هـ), برسالةٍ لطيفةٍ , وهي عبارة عن (43) بيتاً " أ.هـ . ولم أقف على هذه الطبعة والله المستعان .(5/9)
ومن الطبعات التي وقفت عليها ما أورده العليمي في المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد (2/234) , عالم الكتب وتعليق عادل نويهض , الطبعة الثانية(1404هـ) , بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد .
(17) الخليط المنجد : هو الركب المتجه لنجدٍ , أو النازل نجداً . يُقالُ أنجد : إذا أتى نجداً . والخليط : القوم الذين أمرهم واحد , ويطلق على النديم والجليس , ويطلق على الواحد والجمع بلفظٍ واحد . وقد كثر الخليط في أشعار العرب ؛ لأنهم كانوا ينتجعون أيّام الكلأ, فتجمع منهم قبائل في مكانٍ واحد . فتقع بينهم ألفةٌ فإذا افترقوا , ورجعوا لأوطانهم ساءهم ذلك . انظر " اللسان " مادة خلَطَ : (7/294) .
(18) في مطبوعة شاكر : (والسَّوقَ) بالمهملة , وكلاهما ممكن ؛ فعلى المعجمة : المراد الاشتياق إليهنَّ والتفكير فيهن , وعلى المهملة المراد : السير نحوهن واتِّباعهن .
(19) في المنهج الأحمد : (بهذا) .
(20) في المنهج الأحمد : (قضيت) .
(21) في مطبوعة الزامل : (السَّمَا) . والسُّها : كوكب صغير خفي الضوء في بنات نعش . المعجم الوسيط : (1/459) , والفرقد : نجم يهتدى به المعجم الوسيط : (2/686) .
(22) في المنهج الأحمد , ومطبوعة الزامل : (يوم) .(5/10)
(23) قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في الأصول الثلاثة : " فإذا قيل لك بم عرفت ربك ؟ فقل : بآياته و مخلوقاته ..." . ومراده الآيات الكونية و الشرعية قال العلامة محمد بن عثيمين في شرحه للأصول الثلاثة : " معرفة الله تكون بأسباب : منها النظر في مخلوقاته عز وجل , فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه , وتمام قدرته , وحكمته , ورحمته قال تعالى ? أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ? [ الأعراف : 185] , وقال تعالى ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ? [ آل عمران : 190] ومن أسباب معرفة العبد ربه : النظر في آياته الشرعية , وهي الوحي الذي جاءت به الرسل , فينظر في هذه الآيات ,وما فيها من المصالح العظيمة التي لا تقوم حياةُ الخلق في الدنيا و لا في الأخرة إلا بها ... ومنها ما يلقيه الله في قلب المؤمن من معرفة لله تعالى ..." إلى آخر كلامه (ص37 ـ 38 ) . وانظر مجموع الفتاوى : (3/330) , (4/36) .
(24) هذا البيت جاء في المنهج الأحمد , مطبوعة الزامل بعد بيتين.(5/11)
(25) قال العلامة الشيخ عبدالله أبا بطين في تعليقاتٍ له على عقيدة السَّفاريني " لوامع الأنوار " (1/112) : " إن أرادَ المؤلف رحمه الله بكونها قديمةٌ أنها غير مخلوقة , فصحيح , لكن كان ينبغي أن يعبر بقولة غير مخلوقة, ولا يأتي بلفظ مجمل , وإن أراد أنها قديمة في الأزل , فهذا مما يحتاج فيه إلى التفصيل الذي يتبين به الحق من الباطل , فإن الصفات قسمان : ذاتية : كالحياة والعلم والقدرة ونحوها , مما لا ينفك الله عنها فهي صفات قديمة والثاني : صفات فعلية : فهذه نقول فيها أن جنسها ونوعها قديم , وأما بالنسبة إلى كل فعل فإن الله لم يزل , و لا يزال يوجد أفعاله شيئاً فشيئاً , فهذا استواؤه على عرشه بعد أن خلق العرش ... و لايمكن أن يتصّور عاقل , أن استواءه كذلك قبل أن يخلق العرش . " .أ.هـ .
(26) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : (قل لنا) , فالبيت عندهما بعد البيت الذي يليه.
(27)في المنهج الأحمد : (قلت الأماكن لا تحيط بسيّدي) وقوله في العُلوِ : بالتخفيف وإسكان اللام ليستقيم البيت , وتراه قد صرف أحمد , وهو جائز في ضرورة النظم , قال في الملحة :
وجائز في صنعةِ الشعر الصَّلِفْ
أن يصْرِفَ الشاعِرُ ما لا يتصرَف
(28) في المنتظم : (أتزعم) .
(29) علق الشيخ إسماعيل الأنصاري على هذا البيت بقوله : " يريد أبو الخطاب بهذا الكيفية , وأما كون الاستواء بمعنى العلو فغير خافٍ عليه " أ.هـ .وهذا تخريج طيب إذ معاني الصفات معروفة معلومة , وإنما الذي نجهله كيفيتها على حد قول مالك وغيره , الاستواء معلوم , والكيف مجهول . ولا يخفى مثل هذا على أبي الخطاب , و لا يُظنّ فيه التفويض , لما عُرِفَ من حاله رحمه الله . وانظر مجموع الفتاوى (5/40).
(30)في المنتظم ( ناقله له ).
(31) جاء في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل هذا الشطر هكذا ( قومٌ هُمُو نَقَلُوا شريعة أحْمَدِ ).
(32) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد , و لا في مطبوعة الزامل.(5/12)
(33)لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد , و لا في مطبوعة الزامل.
(34)في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( تصفه بأنه ).
(35)في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( بالسِّيد ).
(36) قال الشيخ ابن سحمان في تعليقات له على عقيدة السَّفاريني " لوامع الأنوار " (1/131) : " والذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة : أن كلام الله سبحانه وتعالى حادث الآحاد , قديم النوع . وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء , لا يمتنع عليه شيء أراده " وقال الشيخ أبا بطين : " و لا ريب أن الأدلة , تدل على أن الله تعالى يتكلم متى شاء , كيف شاء , وأن القرآن غير قديم , ومن ذلك قوله تعالى : ? مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ? [ الأنبياء : 2] ? قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ? [ المجادلة : 1] فإن الأخبار عن سماع المرأة التي تجادل بلفظ الماضي دليل على سبق ذلك للخبر , و لا يصحأن يكون قد قال في الأزل : قد سمع الله قول التي تجادلك , مع أنها ـ أي المجادلة ـ لم تكن قد خلقت " أ.هـ . باختصار .
(37) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( فما نتلوه ).
(38) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( مُوَحِّدِ )..
(39) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( لو لم يرده وكان ؛ كان نقيصَةً ) , والمثبتُ أولى : فإن حقِهِ ؛ إذ يدل على عجزه عن فعل القبيح والرديء وعلى ما ما في الرواية الأخرى , فإن ( كان ) الأولى تامةً بمعنى : وُجِدَ .
(40) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل: ( عملاً وتصديقاً ) . والمثبت أولى , ويكون الدفع على الخبرية , والمبتدأ محذوفُ للعلم به , أي الإيمان عمل وتصديق .
(41) في مطبوعة الزامل : ( صاحبِه ).(5/13)
(42) في المنتظم ومطبوعة الأنصاري : (مسعد ) , وفي المنهج الأحمد : ( أسعد ) , وفي مطبوعة الزامل : ( سَعْدٌ ) . وقد عَلّق الشيخ أحمد شاكر على هذا البيت بقوله : " أي يوم بدر , وقد أقام الصحابة للنبي عريشاً لا زمه فيه صديقه وصاحبه أبو بكر الصدّيق " . أ.هـ .
(43) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد ولا في مطبوعة الزامل.
(44) لم يرد هذا البيت في المنهج الأحمد ولا في مطبوعة الزامل.
(45) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( سند ) . .
(46) في المنهح الأحمد ومطبوعة الزامل : ( مجاوباً ).
(47)في مطبوعة الزامل خلط الشطر الأول من هذا البيت بالشطر الثاني من البيت الذي يليه
صهر النَّبي عَلَى ابنَتَيه وَمَنْ دُعِي
في الناسِ ذو النورين صِهْرُ مُحَمَّدِ
(48) في المنتظم ومطبوعتي شاكر والأنصاري بالنصب (ذا) والرفع أحسن , وهو كذلك في المنهج الأحمد .
(49) في المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل : ( مجاوباً ) .
(50) قوله (أخُوَّةَ أَحمدِ) : وهو يشير مؤاخاة النبي لعلي , وهو حديث موضوع [ المجلة ] .
(51) في المنهح الأحمد ومطبوعة الزامل : ( الثَّرى ).
(52) في مطبوعة الزامل : ( عند كل مُوَحِّد ) والمحتد : الأصل , والطبع " اللسان " : حَدَدَ , (3/139) .
(53) في مطبوعة الزامل : ( مغنّد ) بالغين المعجمة والظاهر أنها تحريف , والمثبت من المنهج الأحمد .
(54) هذان البيتان انفرد بروايتهما المنهج الأحمد والزامل في مطبوعته , والمراد بابن هند معاوية بن أبي سفيان ( .
(55) يريد بالأبيات : العباس عم رسول الله ( , وقد طلب منه عمر بن الخطاب أن يدعو لهم بإنزال المطر والسُّقْيَا ـ لما أصابهم من الجدب ـ وهذا معنى الاستسقاء به والحديث في البخاري [ المجلة ] .
(56) في المنتظم : (صلى الإله عليه ) .(5/14)
(57) هذه الأبيات الخمسة انفرد بها المنتظم و مطبوعة الأنصاري , وعندي شَكٌّ في ثبوت نسبتها إلى الناظم إذ لا مدخل لها فيما أراده بهذه المنظومة , فلعل بعضهم ألحقها والله أعلم .
(58) يريد أن محبة الصحابة من أعمال البر , والتي يرجو أن تنفعه في يوم الحساب .
(59)هذان البيتان انفرد بهما المنهج الأحمد ومطبوعة الزامل , وهما أحسن حالاً من الأبيات التي قبلهما.
(60) في مطبوعة الزامل : ( إذاً رأى ) .
(61)في المنهج الأحمد : ( رفع ).
??
??
??
??(5/15)
الأُرْجُوْزَة المُفِيْدَة
فِي مَسَائِلِ التَّوحِيْدِ
نظمها
الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
1276 – 1319 هـ
تقديم ومراجعة
إسماعيل بن سعد بن عتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله يسر الخير لطالبه, وأعان على فعله لنيل مآربه .. وبعد : فقد كانت صلتي بالشيخ الفاضل نجل الأفاضل محمد بن عبد الرحمن ابن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ صلة ود واحترام , أتواصل معه بالزيارة فيتحفني بمروياته وأخباره , وذات يوم دعاني لمنزله بعد العشاء في مدينة الرياض في عليشة , وفتح لي خزانة الكتب في ملحق خارج المنزل , وقال لك الإطلاع على ما تريد ولك تصوير ما تختار فوجدت مكتبة ثرية بفنون العلم مخطوطة ومطبوعة إلا أنني اقتصرت على ما وقفت عليه من مؤلفات الشيخ إسحاق رحمه الله , وكان من ضمن تلك الكتب أرجوزة مفيدة تشمل على مسائل في التوحيد مما يحتاج إليه المستفيد , نظمها الشيخ إسحاق في رحلته إلي الهند لطلب العلم ونشرت هذه الأرجوزة عام 1310 هـ في الهند في طبعة حجرية , ولمضي قرن وخمسة عشر عام على طبعتها الأولى وقد احتجبت على الأنظار وحرم قراءتها الكبار والصغار راق لي نشرها وإبرازها فلعل من يطلع عليها يزيدها حسنا بتهميش أو تعليق , وقد اجتهدت في مقابلة النص بالنسخة المطبوعة .
نسأل الله القبول فيما نفعل أو نقول
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
إسماعيل بن سعد بن عتيق
2/2/1425هـ
المؤلف(6/1)
هو الشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ولد في الرياض عام 1276 هـ توفي والده العلامة عبد الرحمن بن حسن وله من العمر تسع سنين فكفله أخوه الشيخ عبد اللطيف ورعى شؤونه فكان ملازمًا له في الدراسة والتوجيه وقد حظي الشيخ إسحاق بنبوغ وذكاء أدت إلي تنمية مداركه العلمية ومواهبه الفطرية غير أن الأقدار بحكم الملك الجبار تمضي على ما يشاء الله ويختار ففي عام 1309 هـ كان انتهاء حكم آل سعود في الرياض قاعدة نجد والممالك السعودية وتولى محمد بن عبد الله الرشيد ودخل الرياض حاكمًا وقاهرًا فلم يطب المقام للشيخ إسحاق فغادر الرياض متجهًا إلي الهند ليأخذ عن علمائها جهابذة الحديث وأرباب الرواية والدراية وبالأخص منهم في مدينتي دهلي وبوهوبال وفيها أقام حتى عام 1315 هـ ثم اتجه إلي مصر مستفيدًا مفيدًا ومن مصر إلي الحجاز ومن الحجاز إلي بلده فأقام مدارس التعليم ولكنه الأجل المحتوم المقسوم توفي ودفن بالرياض عام 1319 هـ عليه رحمة الله وبركاته وقد خلف تركة علمية وتراثًا إصلاحيًا من ذلك .
الأجوبة السمعيات أو سلوك الطريق الأحمد .
إيضاح المحجة والسبيل .
حكم التكفير المعين .
حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
أرجوزة في التوحيد وهي هذه .
قصيدة في الرد على أمين بن حنش .
رسائل متفرقة قد طبعت في الدرر السنية .
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ اللَّطِيفِ الْهَادِي ... إِلَى سِلُوكِ مَنْهَجِ الرَّشَادِ
مَنْ خَصَّهُ بِفَضْلِهِ فَقَامَا ... بِحَقِّهِ وَشَكَرَ الْإِنْعَامَا
أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى ... حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا تَوَالَى
كَمَا يُحِبُّ وَكَمَا يُرْضِيهِ ... لَهُ الثَّنَاءُ وَالْمَجْدُ لَا أُحْصِيهِ
عَرَّفَنَا مِنْ فَضْلِهِ الْإِسْلَامَا ... لَْولَاهُ كُنَّا نُشْبِهُ الْأَنْعَامَا(6/2)
شَهِدْتُّ بِالصِّدْقِ الْيَقِينِ أَنَّ لَا ... إِلَهَ إِلَّا اللهُ ربًّا جلَّا
وَأَنَّّهُ قَدْ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَا ... عَلَى النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ تِبْيَانَا
فَأَرْشَدَ الْخَلْقَ لِهَذَا الدِّينِ ... بِسَيْفِهِ وَشَرْعِهِ الْمُبِينِ
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... مَعَ آلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غِيثَ هُمْا
وَبَعْدُ فَالْعِلْمُ أَصْلٌ الدِّينِ ... حَتْمٌ عَلَيْنَا لَازِمُ التَّبْيِينِ
لِأَنَّهُ سَفِينَةُ الْوُصُولِ ... إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ الْمَأْمُولِ
وَهَذِهِ أُرْجُوزَةٌ نَظَمْتُهَا ... فِي مُدَّةٍ مِنْ غُرْبَتِي أَقَمْتُهَا
فِي بَلْدَةٍ مَعْدُومَةِ الْأَنِيسِ ... جَعَلْتُ فِيهَا كُتُبِي جَلِيسِي
بَيَّنْتُ أَنْوَاعًا مِنَ الْعِبَادَهْ ... إِخْلَاصُهَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ
وَرَدُّ إِفْكِ مَنْ إِلَيْنَا نَسَبَا ... عَظَايِمًا فِيهَا عَلَيْنَا كَذِبَا
مُسْتَغْفِرًا ذَنْبِي وَأَرْجُو رَبِّي ... قَبُولَهَا وَالصَّفْحَ فَهُوَ حَسْبِي
فَهُوَ الَّذِي يُرجَى تَعَالَى لَا سِوَى ... بِهِ أَلُوذُ مِنْ مُضِلَّاتِ الْهَوَى
وَأَرْتَجِي لِي مِنْهُ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ ... وِعِصْمَتِي عَنْ شَرِّ نَفْسِي لَائِمَةٌ
وَالْمُسْلِمِينَ وَالْقَرِيبِ وَالْوَلَدْ ... فَهُوَ الَّذِي يُعْطِي الْمُرِيدَ مَا قَصَدْ
بَيَان تَوحِيْد الرُّبُوْبِيَّة الذَّي هَوْ حُجَة فِي تَوْحِيدِ العِبَادَةِ وَالقَصْدِ
إِذَا أَرَدْتَّ أَصْلَ كُلِّ أَصْلٍ ... وَالْحِكْمَةَ الْكُبْرَى لِبَعْثِ الرُّسْلِ
فِإِنَّهُ عِبَادَةُ الْإِلَهِ ... وَتَرْكُ مَا يُدَّعَا مِنَ الْأَشْبَاهِ
مِنْ دُونِ مَوْلَانَا الْمَلِيكِ الْبَاقِي ... مَوْلَى الْجَمِيلِ الْخَالِقُ الرَّزَّاقُ
قَدْ شَهِدَ اللهُ الْعَظِيمُ الْمَاجِدُ ... بِأَنَّهُ الْإِلَهَ نِعْمَ الشَّاهِدُ(6/3)
وَخَلْقُهُ أَمْلَاكُهُمْ وَالْعُلَمَاءُ ... أَشْهَدَهُمْ فَشَهِدُوا إِذْ أَلْهَمَا
فَخَابَ عَبْدٌ جَعَلَ الْمَخْلُوقَا ... نِدًّا لَهُ وَأَبْطَلَ الْحُقُوقَا
اللهُ رَبَّانَا وَأَسْدَى النِّعْمَةَ ... لِنُخْلِصَ التَّوْحِيدَ هَذِي الْحِكْمَةُ
فَمَا لَبِثْنَا أَنْ دَعَا الْمُضْطَّرُّ ... مَنْ لَيْسَ ذَا نَفْعٍ وَلَا يَضُرُّ
دَسِيسَةٌ فِيهِمْ مِنَ اللَّعِينِ ... يُوحِي بِهَا فِي النَّاسِ كُلَّ حِينِ
فَصْلٌ فِي بَيَان ضَلاَلِ مَنْ يُنَادِي بِالأَمْوَاتِ الغَائِبِيْن
وَدَعْوَةُ الْأَمْوَاتِ تُبْطِلُ الْعَمَلَ ... وَتَسْلَخُ الْإِيمَانَ خَابَ مَنْ فَعَلْ
شَبَّهْتُ مَنْ يَدْعُو دَفِينًا فِي الثَّرَى ... بِطَالِبِ الْعُْريَانِ سِتْرًا مِنْ عَرَا
وَصَرْفُ حَقِّ اللهِ لِلْمَخْلُوقِ ... ظُلْمٌ عَظِيمٌ جَاءَ فِي الْمَنْطُوقِ
لَوْ قَدَرَ الْإِلَهُ حَقَّ الْقَدْرِ ... مَا قَالَ يَا مَعْروفُ أَوْ يَا لِبَدْرِي
وَإِنْ نَصَحْتُ قَايِلًا لَا تُشْرِكْ ... بِخَالِقِكَ وَبَاعِثِكَ لِحَشْرِكْ
لَقَالَ أَنْتَ الْمُلْحِدُ الْوَهَّابِيُّ ... أَنْتَ الْجَهُولُ مُنْكِرُ الْأَسْبَابِ
جَحَدْتَّ قَدْرَ سَيِّدِي الْجِيلَانِ ... وَالْعَيْدَرُوسِ الْمُسْتَغَاثِ الثَّانِي
وَالْبَدَوِيُّ وَسَيِّدِي الرِّفَاعِيُّ ... مَحَطُّ رَحْلِ الْمُسْتَجِيرِ الدَّاعِي
وَهُمْ أُنَاسٌ كُوشِفُوا فَأَشْرَفُوا ... عَلَى الْغُيوبِ فَلَهُمْ تَصَرُّفُ
أَقُولُ دَعْوَى كُلُّهَا ضَلَالٌ ... وَقَوْلَةً مَصْنُوعَةً مُحَالُ
سِفْسَاطُ يَصْبُوا إِلَيْهَا الْفَاسِقُ ... يَمُجُّهَا السُّنِّيُّ ذَاكَ الْحَاذِقُ
هَلْ كَانَ أَمْرُ الْكَوْنِ بِالتَّنَاوُبِ ... أَمْ دَفْعَةً أَمْ حِصَصًا فِي الْغَالِبِ
فَصْلٌ فِي حَقِّ الأَوْلِيَاءِ الشَّرْعِيِّ
وَالْأَوْلِياءُ حَقُّهُمْ مَحَبَّتِي ... لَا جَعْلُهُمْ جَهْلًا بِهَذِي الرُّتْبَةِ(6/4)
واللهِ مَا قَالَ الْوَلِيُّ ادْعُونِي ... وَإِنْ دَهَاكُمْ مَا دَهَى نَادُونِي
فِي غُنْيَةِ الْجِيلِ رَدُّ الشِّرْكِ ... فَارْجِعْ إِلَيْهَا لَا تَكُنْ فِي شَكِّ
حَتَّى الْعَجِينُ مِلْحُهُ سَوَّالُهُ ... نَصَّوُهُ قَالُوا تَرْكُهُ أَوْلَى لَهُ
قَدْ خَرَجُوا مِنْ عُهْدَةِ الْبَيَانِ ... لَكِنَّكُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعُمْيَانِ
حَاشَا هُمُوا أَنْ يَسْمَعُوا الَقَرْنَا ... وَيَرْتَضُوا أَنْ تَسْلُكُوا طُغْيَانَا
لَا يَعْلَمُ الْمَاضِي وَمَا يَصِيرُ ... إِلَّا الْعَلِيمُ الْقَادِرُ الْبَصِيرُ
وَإِنْ تَقُلْ هُمْ سَبَبٌ فِي النَّفْعِ ... فَبِالْبَلَاغِ لَا كَزَعْمِ الْبِدْعِيِّ
مَا السَّبَبُ الْعَادِيُّ مِن ذَا الْبَابِ ... فَارْجِعْ تَرَى دَلَايلَ الصَّوَابِ
كَمْ سَبَب يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ ... هُوَ هُلْكُهُ يَسْخَطُهُ الدَّيَّانُ
مُسَلَّمُ الثُّبُوتِ هَذَا عِنْدَهُمْ ... لَكِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رُشْدَهُمْ
يَاءُ النِّدَاءِ الطَّلَبِيِّ إِلَى الْعَلِيِّ ... قَدْ وَجَّهْتُ مَا وَجَّهْتُ إِلَى الْمَوْلَى
إِنْ قُلْتُ رَبِّي خَالِقُ الْأَفْعَالَ ... قُلْنَا نَعَمْ يَنْهَى عَنِ الْأَمْثَالِ
قَدْ خَلَقَ الْأَفْعَالَ مِنَّا وَقَضَى ... مَا خَلَقَهَا مُسْتَلْزِمٌ مِنْهُ الرِّضَا
أَرَادَهَا إِرَادَةً كَوْنِيَّةً ... لَكِنْ مَا يَرْضَى لَنَا الشَّرْعِيَّةَ
حَاشَا وَكَلَّا أَنْ يُحِبَّ الْمَعْصِيَةَ ... بَلْ شَاءَهَا لِحِكْمَةٍ مُقْتَضِيَةٍ
أَنْ جَادَلُوا بِمَا رَمَيْتَ ظَنُّوا ... نُهُوضَهَا لِغَارَةٍ أَشَنُّوا
قُلْ خَلَقَ الْحَكِيمُ فِعْلَ الْعَاصِي ... فَلَا تَلُمْ مُرْتَكِبَ الْمَعَاصِي
بِاللهِ يَا هَذَا اتْرُكَنَّهُ يَعْبَثْ ... وَقُلْ لَهُ أَنْتَ الْمُطِيعُ فَالْبَثْ
نَسْأَلُكُمْ هَلِ النِّكَاحُ عَادِيٌّ ... وَالْأَكُْل وَالشُّربُ إذًا لِلصَّادِي(6/5)
لَأَنَّ هَذَا فِي عُمُومِ الْقَاعِدَةِ ... مِنْ جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا مَفَاسِدَهُ
فَالِاعْتِزَالُ وَطَرِيقُ الْمُجْبِرَهْ ... مَا عَنْهُمَا بُدٌّ لَكُمْ مَا الْمَعْذِرَةْ
فَالْمُلْحِدُ الْمُعْتَزِلِيُّ قَدْ قَالَا ... مَا لِشَرِّ خَلَقَ رَبُّنَا تَعَالَى
بِضِدِّهِ الْجَبْرِيُّ قَالَ الْعَاصِي ... مُمْتَثِلٌ مُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ
لَكِنَّمَا السُّنِّيُّ طَوْعَ الشَّرْعِ ... وَلَمْ يَزَلْ يَسْعَى بِبَذْلِ الْوُسْعِ
قَدْ عَبَدَ الْمَوْلَى بِفِعْلِ الْأَمْرِ ... مُخَالِفًا لِلْقَدَرِيِّ وَالْجَبْرِيِّ
يَقُولُ لِي كَسْبٌ وَلَكِنْ خَالِقِي ... خِلَافُهُ رِبْحِي وَإِثْمِي لَاحِقِي
مُفَادُ كُتَبِ اللهِ هَذَا وَالرُّسُلِ ... مَا نَفَعَهُمْ إِنْ كَانَ تَحْصِيلٌ حَصُلْ
فَصْلٌ فِي إِيْضَاحِ مَا مَرَّ مِنْ إِطْلَاقِ الْأَسْبَابِ فِي نَقْضِ أَصْلِهِمْ
وَعِنْدَنَا الْأَسْبَابُ مِنْهَا مَا حُمِدْ ... فَفِعْلُهُ كَيِّسٌ إِذَا لَمْ يُعْتَمَدْ
وَبَعْضُهَا عَنْهُ النَّبِيُّ يَنْهَى ... فَابْحَثْ عَنِ الْمَطْلُوبِ تَدْرِي الْكُنْهَا
وَالِاحْتِجَاجُ مُطْلَقًا بِالْقَدَرِ ... مَعَ تَرْكِكَ الْأَسْبَابَ رَأْسُ الْمُنْكَرِ
فَفِي الْحَدِيثِ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ... وَاحْذَرْ تَقُلْ لَولَا فَعَنْهَا يَمْنَعُكَ
قَالَ الرَّسُولُ لِلصَّحَابَةِ اعْمَلُوا ... فَكُلُّكُمْ يَلْقَى وَلَا تَتَّكِلُوا
فَارْجِعْ إِلَى رَدِّ التَّقِيِّ الْهَادِي ... مَقَالُهُمْ تَجِدْهُ يَرْوِي الصَّادِي
سَرَّحْتُ طَرْفِي بُرْهَةً فِي غِرَرِهِ ... لَكِنَّ نَظْمِي قَاصِرٌ عَنْ أَكْثَرِهِ
فَصْلٌ فِي مَسْأَلِةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْكَلَامِ فِيهِمَا إِجْمَالًا
وَالدِّينُ هُوَ الْإِسْلَامُ عِنْدَ اللهِ ... مَنْ يَتَّبِعْ سِوَاهُ فَهُوَ اللَّاهِي(6/6)
فَأَسْلِمِ الْوَجْهَ لِمَنْ أَحْيَاكَا ... وَانْقُدْ لَهُ تَلْقَى غَدًا مُنَاكَا
لَا تَحْسَبِ الْإِيمَانَ فِعْلَ الْقَلْبِ ... مِنْ دُونِ أَعْمَالٍ نَشَتْ عَنْ حُبِّ
فَيُطْلَقُ الْإِسْلَامُ فِي مَوَاضِعَ ... وَيُقْصَدُ الْعُمُومُ عِنْدَ السَّامِعِ
وَيُقْرَنَانِ مِثْلُ قَوْلِ (آمَنُوا ... وَعَمِلُوا) وَالْحُكْمُ فِيهِ بَايِنٌ
هُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِفْظِ ... وَالْخُلْفِ مِنْ بَابِ النِّزَاعِ اللَّفْظِي
وَعِنْدَهُمْ إِسْلَامُكَ الْحَقِيقِيُّ ... مُرَادِفُ الْإِيمَانِ بِالتَّحْقِيقِ
إِذَا جُزْؤُهُ الْأَعْمَالُ عِنْدَ السَّلَفِ ... خِلَافُ قَوْلِ الْمُرْجِئِ الْمُنْحَرِفِ
وَكَوْنُهُ جُزْءًا لَهُ إِذَا انْتَفَى ... يَنْتَفِي الْإِيمَانُ هَذَا فِي خَفِي
وَالسَّلَفُ الْمَاضُونَ عَنْهُ سَكَتُوا ... وَإِنَّمَا الْأَخْلَافُ عَنُْه نَكَّتُوا
وَعِلْمُ مِثْلِي قَاصِرٌ عَنْ جَزْمِي ... أَرْجُو إِلَهِي أَنْ يَقْوَى فَهْمِي
فَكَانَ إِسْلَامٌ مِنَ التَّسْلِيمِ ... بِالظَّاهِرِ احْتَاجَ إِلَى التَّقْسِيمِ
يَشْتَرِكُ النِّفَاقُ وَالْإِيمَانُ ... فِي أَصْلِهِ فَلَزِمَ الْبَيَانُ
حَاشَا نِفَاقِ عَمَلِ الْأَرْكَانِ ... فَإِنَّ إِيمَانًا بِهِ لَا يَنْتَفِي الْإِيمَانُ
قُلْ فَاسِقٌ مَنْ فَعَلَ الْكَبِيرَةَ ... وَمُؤْمِنٌ يُحْسِنُ بَعْضَ السِّيرَةِ
فَظَاهِرُ الْأَعْمَالِ قُلْ إِسْلَامٌ ... خَوفَ اشْتَرَكَ قَالَهُ الْأَعْلَامُ
لَأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْقَيْسِ ... مَعْنًى صَرِيحًا عِنْدَ أَهْلِ الْكَيْسِ
فَاعْتُبِرْنَ الْأَصْلَ إِنَ قُرِنَتَا ... ظَهْرًا وَبَطْنًا مِثْلَ مَا عُلِمَتَا
وَمَا أَتَى لَا يَزِنُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... أَيْ كَامِلٌ لَمْ يَنْفِهِ الْمُؤْتَمَنُ
يُوَضِّحُهُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقْ ... فَاحْذَرْ تُضَاهِي فِي الضَّلَالِ مَنْ مَرَقْ(6/7)
مِنْ أَجْلِ ذَا قَدْ قَالَ بِالْعُمُومِ ... وَبِالْخُصُوصِ حَافِظُ الْعُلُومِ
الْقُدْوَةُ الزَّاكِي تَقِيُّ الدِّينِ ... لِيَجْمَعَ النُّصُوصَ عَنْ يَقِينِ
وَقَبْلَهُ الْإِمَامُ أَيْضًا أَحْمَدُ ... مَعَ الْبُخَارِيِّ لَا خِصَامَ اقْصُدْ
فَكُلُّ مَنْ آمَنْ فَهُوَ الْمُسْلِمُ ... مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْإِلَهُ أَعْلَمُ
فَصْلٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَاعْتِقَادِهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلٍ وَتَكْيِيفٍ يُفْضِي إِلَى تَمْثِيلٍ
وَفَوِّضِ الْأُمُورَ إِخْلَاصًا إِلَى ... مَنْ قَدْ تَعَالَى عَنْ سَمِيٍّ وَعَلَا
عُلُوَّ قَدْرٍُ وَعُلُوَّ الذَّاتِ ... سُبْحَانَ رَبِّي كَامِلِ الصِّفَاتِ
مُنَزَّهٌ عَمَّا يَقُولُ الْجَهْمِيُّ ... مُعَطِّلُ الْأَوصَافِ عَبْدُ الْوَهْمِ
مُكَابِرُ الْمَنْقُولِ وَالْعُقُولِ ... مُكَذِّبُ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ
فَكُلُّ مَنْ أَوَّلَ فِي الصِّفَاتِ ... مِنْ غَيْرِ مَا عَلِمَ وَلَا إِثْبَاتِ
فَقَدْ تَعَدَّى إِذْ صِفَاتُ الْكَامِلِ ... كَذَاتِهِ فِي النَّفْيِ لِلْمُمَاثِلِ
وَكُلُّهَا يَحْتَمِلُ التَّأَوِيلَا ... إِنْ لَمْ تَصُنْهَا حَاذِرِ التَّبْدِيلَا
أَسْمَعَهَا النَّبِيُّ مِنَّا الْبَدَوِيَّ ... وَالْحَضَرِيَّ الْمَدَنِيَّ وَالْقُرَوِيَّ
وَلَمْ يَقُلْ إِنْ اعْتِقَادَ الظَّاهِرِيِّ ... مِنْهَا ظِلَالٌ فَاطْلُبُوا مِنْ مَاهِرٍ
قَدْ كَابَرَ الْمَوْلَى وَقَالَ جَهْلًا ... عُقُولُنَا بِالِاتِّبِاعِ أَوْلَى
أَيَعْلَمُ الْعَلَّافُ وَالْفَارَابِي ... صَوَابَهَا وَيَجْهَلُ الصَّحَابِي
هَذَا مِنَ الطَّعْنِ عَلَى الرَّسُولِ ... أُوصِيكَ يَاسُنِيُّ بِالْمَنْقُولِ
أَمَا تَرَى اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعَقْلِ ... فِيهِ وَحُسْنَ مَا نَحَا ذُو النَّقْلِ(6/8)
كُنْ مُؤْمِنًا بِجُمْلَةِ الْأَوْصَافِ ... وَذَا الْجِدَالِ احْذَرْهُ لَا تَصَافِي
فَمَالَكَ مِنْ دَارِهِ قَدْ أَخْرَجَا ... مُجَادِلًا لَا يَبْغِي الْأَمْرَ عِوَجًا
فَادْرُجْ عَلَى مَا قَدْ نَحَاهُ السَّلَفُ ... فَغَيْرُهُ وَاللهِ فِيهِ التَّلَفُ
مَا فِيهِ تَفْرِيطٌ وَلَا إِفْرَاطٌ ... كُنْ وَسَطًا يَا حَبَّذَا الْأَوسَاط
وَالْكَيْفُ مَمْنُوعٌ ذَرِ التَّمْثِيلَا ... وَحَاذِرِ الْجُحُودَ وَالتَّعْطِيلَا
وَنَزِّهِ الْبَارِي عَنِ الْحُلُولِ ... وَالْاتِّحَادِ وَاقْضِ بِالْمَنْقُولِ
وَلَا تُطِعْ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ ... مِنْ جَاحِدٍ مُعَطِّلٍ أَوْ غَالٍ
فَجَاحِدُ الصِّفَاتِ عَبْدُ الْعَدَمْ ... وَسَالِكُ التَّشْبِيهِ عَبْدُ الصَّنَمْ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعَبِيدِ
وَحَقِّقِ التَّوْحِيدَ إِخْلَاصًا وَلَا ... تَبْغِ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ مَعْدَلًا
لَأَنَّ فِيهِ وَقَعَ الْخِصَامُ ... وَشُرِعَ الْجِهَادُ وَالْإِمَامُ
يَقُولُ جَلَّ (وَلَقْدْ بَعَثْنَا) ... فَافْهَمْ خَطَابًا عَمَّنَا مَا اسْتَثْنَى
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) اتْرُكُوا الطَّاغُوتَا ... مَا صَحَّ إِخْلَاصٌ وَهَذَا يُؤْتَى
قَدْ عَدَّهُ أَهْلُ الْبَيَانِ شَرْطًا ... لِصِحَّةٍ فَاسْلُكْ طَرِيقًا وَسَطًا
مَعْنَاهُ أَنْ تُحَقِّقُوا الْعِبَادَةَ ... وَتُخْلِصُوا النِّيَّاتِ وَالْإِرَادَةَ
فِي الْخَوْفِ وَالْحُبِّ مَعَ الرَّجَاءِ ... وَالذَّبْحِ وَالنَّذْرِ مَعَ الدُّعَاءِ
وَتَسْتَعِينُوا تَسْتَغِيثُوا تَخْضَعُوا ... تَوَكَّلُوا ثُمَّ اسْتَعِيذُوا وَاخْشَعُوا
للهِ إِذْ جَمِيعُهَا يُسَمَّى ... عِبَادَةً وَاللَّفْظُ مِنْهُ عَمَّا
فَصَرْفُهُ لِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ ... شِرْكٌ بِهِ مُخَالِفٌ مَنْ دَانَهُ(6/9)
قَدْ جَعَلَ الْحَسَبَ لَهُ وَالرَّغْبَةَ ... دُونَ الرَّسُولِ فِي عِتَابِ الْعُصْبَةِ
وجَعَلَ الصَّلَاةَ وَالْأَنْسَاكَا ... لَهُ تَعَالَى حَاذِرِ الْإِشْرَاكَا
وَفِي تَعَالَوْا اتْلُ لَفْظًا لِنَكِرَهْ ... وَآيَةٌ فِي الْجِنِّ غَيْظُ الْكَفَرَهْ
إِذْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ قَالُوا إِنَّهَا ... تِعِمَّ فَاعْرِفْ لَا حَرُمْتَ مِنْهَا
وَقَوْلُهُ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّا ... قَدْ قَطَعَتْ كُلَّ الشُّكُوكَ عَنَّا
لِأَنَّهَا هِيَ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ ... لَهَا خُلِقْنَا حِكْمَةٌ مَرْعِيَّةٌ
قَدْ رَضِيَهَا دِينًا لَنَا وَمِلَّهْ ... أَقَامَهَا بِوَاضِحِ الْأَدِلَّهْ
وَصَّى أُولِي الْعَزْمِ بِهَا الْعَزِيزُ ... إِنَّ السَّعِيدَ مَنْ لَهَا يُجُوزُ
وَحَقُّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْنَا ... تَوْحِيدُهُ لَوْلَاهُ مَا اهْتَدَيْنَا
وَحَقُّنَا عَلَيْهِ بِالْإِخْلَاصِ ... أَوْجَبَهُ فَضْلًا بِلَا قِيَاسِ
وَمُحْكَمُ الْقُرْآنِ يَكْفِي الْمُنْصِفَا ... إِذَا رَأَى الْبُرْهَانَ فِيهِ اعْتَرفَا
وَمَا أَتَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ ... وَفَاطِرٍ مَعَ سَبَأ قُلْ كَافٍ
إِنْ قَالَ فِي الْأَصْنَامِ ذَا فَاسْأَلْهُ ... هَلْ يَعْرِفُ الْقُرْآنَ كِيْ يَقْبَلْهُ
قُلْ فِي جِدَالِ بْنِ الزَّبْعَرِيِّ لِلنَّبِيِّ ... فِي آيَةِ التَّعْمِيمِ تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ
قَدْ أَخْرَجَتْ مَا بَعْدَهَا مِنْ سَبَقَتْ ... مِنْ رَبِّنَا الْحُسْنَى لَهُمْ وَفَرَّقَتْ
إِنَّ قُرَيْشًا وَافَقَتْ إِذْ سَمِعَتْ ... تِلْكَ الْغَرَانِيقَ الْعُلَا فَسَجَدَتْ
وَقَدْ نَهَانَا عَنْ دُعَاءِ الْأَنْبِيَا ... فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ عَنْهُ مُنِبِيَا
قَدْ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَالْمَلَائِكَةَ ... مَعَ قُرْبِهِمْ لِيُبْطِلَ الْمُشَارَكَةَ
وَيَقْتَضِي أَنَّ الَّذِينَ دُونَهُمْ ... أَوْلَى وَلَكِنْ حَكَمُوا ظَنُّوهُمْ(6/10)
قَدْ عَارَضُوا هَذَا بِتَلْفِيقِ الشَّبَهْ ... وَغَيَّرُوا الْأَسْمَاءَ مِنْ قُبْحِ السَّبَهْ
وَلَقَّبُوا أَهْلَ الْهُدَى أَلْقَابَا ... شَنِيعَةً فَالْمَوْعِدُ الْحِسَابَا
وَطَعَنُوا فِي دِينِ مَن دَعَاهُمْ ... أَنْ يُخْلِصُوا لِرَبِّهِمْ دُعَاهُمْ
سَمُّوهُمُوا خَوارِجًا قَدْ كَفَرُوا ... مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ نَحْوَهُمْ بَلْ هَجَرُوا
وَخَالَفُوا الْمَذَاهِبَ الْمَشْهُورَةَ ... وَيُنْكِرُوا الزِّيَارَةَ الْمَأْثُورَةَ
وَزَعَمُوا بِأَنَّهُ مِنْ أَعْصُرٍ ... وَالنَّاسُ قَدْ عَادُو السُّبَلَ الْمُنْكَرِ
وَأَنَّهُ بِمُطْلَقِ التَّوَسُّلِ ... بِالصَّالِحِينَ احْكُمْ بِتَكْفِيرٍ جَلِي
حَاشَا هُمُوا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ... صُدُورُهَا لَا شَكَّ مِنْ جُهَّالِ
وَقَتَلُوا جَمْعًا كَثِيرًا عِلْمًا ... مِنْ بَلْدَةِ الَاحْسَا وَأَهْرَقُوا الدَّمَا
نَعَمْ وَلَكِنْ يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ ... بِقَتْلِهِمْ مَنْ لِلْفَلَاحِ يَدْعُو
وَكُلُّهُمْ قُرآءُ فِي الْمَسَاجِدْ ... مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ مَا لِقَوْلِي جَاحِدْ
قَدْ عَدَّهُمْ حُسَينٌ فِي تَارِيخِهْ ... فَادْمَغْ بِهِ الْكَذَّابَ فِي يَافُوخِهْ
وَأَنَّه قَدْ قَتَلَ الْمُصَلِّي ... عَلَى النَّبِيِّ بِأَشْرَفِ الْمَحِلِّ
وَيَنْهَبُ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْقَافَ ... يُبْطِلُهَا وَيَدَّعِي الْإِنْصَافَا
وَيَدَّعِي بِأَنَّهُ يُجَاهِدْ ... مَعْ هَدْمِهِ الرِّبَاطَ وَالْمَسَاجِدْ
وَأَنَّهُ يَقُولُ إِنَّمَا النَّبِيُّ ... كُرْمَةٌ فِي الْقَبْرِ تَحْتِ النُّصُبِ
سَوْطِي بِهِ نَفْعٌ وَلَيْسَ فِيهِ ... نَفْعٌ لَهُمْ وَخَابَ مَنْ يَأْتِيهِ
وَإِنَّهُمْ قَدْ كَشَفُوا الْحِجَابَا ... عَنْ قَبْرِهِ وَقَلَعُوا الْأَخْشَابَا
وَأَسْقَطُوا مِنْ بَغْيِهِمْ لِحُرْمَتِهْ ... وَكَفَّرُوا مِنْ غَيِّهِمْ لِأُمَّتِهِ(6/11)
قَدْ عَمَّمُوا بِالْكُفْرِ مَنْ سِوَاهُمْ ... أَقُولُ حَاشَاهُمْ إِذَنْ حَاشَاهُمْ
عَنْ ضِدِّهِمْ نَقَلْتُمُوا مَا قُلْتُمْ ... جَهَِّلْتُمُوا بِدَّعْتُمُوا ضَلَّلْتُمُوا
لَا أَنَّكُمْ وَاللهِ قَوْمٌ بُهْتُ ... مِثْلَ الْيَهُودِ أَبَدًا شَابَهْتُوا
جَوَانِبًا يَا فُرْقَةَ الطُّغْيَانِ ... سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ مِنْ بُهْتَانِ
أَقُولُ وَامَقْتُ يَاإِلَهِي مِنَّا ... مِنْ أَبْغَضِ الْهَادِي وَمَا قَدَّسْنَا
سَلِمْتُ إِنْ فِي الْبِلَادِ الشَّاسِعَهْ ... مَنْ قَاتَلُوا مِنْ غَيْرِ مَا مُرَاجَعَهْ
وَأَخْطَئُوا فِي نَادِرِ الوَقَايِعْ ... مَا لِقَدْحٍ فِينَا وَالْمَلامُ رَاجِعْ
مَا قَدَحَ الْخَطَأُ مِنْ أُسَامَةَ ... وَخَالِدٍ فِي الْمُصْطَفَى مَنْ لَامًهُ
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الدُّعَاةِ الْعِصْمَةُ ... إِذَا صَفَى إِخْلَاصُهُمْ مِنْ وَصْمَهْ
قَدْ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ اجْعَلْ لَنَّا ... الْأَنْواطَ حَقُّ قَوْمِ مُوسَى خُلَّنَا
مَنْ طَعَنَ ذِي طَعْنٍ فَإِنَّ الْحَقَا ... كَالشَّمْسِ فَانْصُرَا مَا تَرَهُ الصَّدَقَا
وَلَمْ نُكَفِّرْ غَيْرَ قَوْمٍ جَعَلُوا ... وَسَايِطًا يَدْعُونَهُمْ وَسَأَلُوا
الْأَمْواتَ وَالغِيابَ مَا لَا يَقْدِرْ ... عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ وَهُوَ الْأَكْبَرُ
وَشَرْطُهُ يَا ذَا قِيَامِ الْحُجَّةِ ... وَعِنْدَنَا فِي ذَاكَ قَوِيُّ حُجَّةِ
رُكْنُ الصَّلَاةِ عِنْدَنَا صَلَاتُنَا ... عَلَى الرَّسُولِ مَا سَخَى عُدَاتُنَا
هُوَ عِنْدَنَا أَحَبُّ مِنْ نُفُوسِنَا ... بِشَرْعِهِ تَقْدِيمُنَا تَقْدِيسُنَا
فَصْلٌ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ
وَعِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فِي الزِّيَارَةِ ... فَاعْرِفْهُ بِالتَّصْرِيحِ لَا الْإِشَارَةِ
مَنْ قَالَ زُورُوا قَالَ لَا تُشِدُّوا ... رَحْلًا إِلَى غَيْرِ الَّذِي أُعِدُّوا(6/12)
كِلَاهُمَا قَدْ قَالَهُ الشَّفِيعُ ... فَأَنْكَرُوا النَّصَّيْنِ أَوْ أَطِيعُوا
نَدِينُ مَوْلَانَا بِإِتْيَانِ النَّبِي ... إِتْيَانَ تَسْلِيمٍ وَهَذَا مَذْهَبِي
لَا كَالَّذِي يَزُورُهُ اسْتِمْدَادَا ... مَعْ لَعْنِهِ مَنْ جَعَلَ الْأَعْيَادَا
وَلَعْنُهُ مَنْ جَعَلَ الْقُبُورَ ... مَسَاجِدًا فَاجْتَنِبِ الْمَحْظُورَا
فَصْلٌ فِي بَيَانِ الشَّفَاعِةِ الْمُثْبَتَةِ وَالْمَنْفِيَّةِ
شَفَاعَةٌ مِنْ قَبْلِ يَوْمِ الْمَوْقِفِ ... أَوْ دُونَ إِذْنِ اللهِ هَذَا مُنْتَفِي
أَوْ لِلَّذِي لَا يَرْتَضِيهِ الْمَوْلَى ... قَدْ أَبْطَلَتْهُ وَاضِحَاتٌ تُتْلَى
وَعِنْدَنَا لَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ ... مِنْ غَيْرِ مَوْلَانَا بِشَرْطِ الطَّاعَةِ
لِأَنَّهَا مَوْعُودَةٌ فِي الْمَوْقِفِ ... لِمُخْلِصٍ لِا مُشْرِكٍ مُنْحَرِفِ
قُلْ يَا إِلَهَ الْحَقِّ شَفِّعْ عَبْدَكَا ... مُحَمَّدًا فِينَا وَحَقِّقْ وَعْدَكَا
وَعَافِنَا مِنْ فِتْنَةِ الْإِشْرَاكِ ... فَإِنَّهَا حبَالَةِ الْأِشْرِاكِ
فَصْلٌ فِي تَغْيِرِهِمْ اسْمَ الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ وَتَسْمِيَتِهِ تَوَسُّلًا تَوَصُّلًا إِلَى الضَّلَالِ وَتَعْمِيَةً عَلَى الْجُهَّالِ
قَدْ فَتَحُوا لِلشِّرِكِ بَابًا وَاسِعًا ... بِشُبَهٍ وَأَبْطَلُوا الشَّرِايعَا
قَالَ لَهُمْ جُهَّالُهُمْ لَا تَسْجُدُوا ... وَكُلَّ شِيْءٍ فَافْعَلُوه تَرْشُدُ
وَنَادَوْا الدَّفَيْنِ عَاكِفِينَ رُكَّعَا ... قُولُوا النَّدَا هَذَا وَلَيْسَ بِالدُّعَا
أَقُولُ فَالْخُضُوعُ وَالْخُشُوعُ ... لُبُّ السُّجُودِ إِنَّهُ الْمَمْنُوعُ
وَقَدْ نَهَى أَنْ يَسْتَغِيثَ أَحَدٌ ... بِأُحُدٍ أَوْ يَسْتَعِيذَ أَحْمَدُ
نَهَاهُمُوا عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يُقَدَّرْ ... عَلَيْهِ سَدًّا لِلَّذِي هُوَ أَكْبَرُ
لَمْ تَعْرِفُوا مَقَاصِدَ الشَّرِيعَهْ ... فَجِئْتُمُوا بِبِدَعٍ فَظِيعَهْ(6/13)
شَبَّهْتُمُوا عَلَى الطَّعَامِ وَالْبَقَر ... بَانَ إِجْمَاعًا عَلَى هَذَا اسْتَقَر
وَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرُ أَهْلِ الْعَارِضْ ... لَا دَلِيلَ عِنْدَهُمْ يُعَارِضْ
مَعَ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدْ ... قَدْ أَطْلَقُوا عِبَارَةَ لَا تَجْحَدْ
دَلِيلُهُمْ تَوَسُّلُ الصَّحَابَةِ ... أَقُولُ أَبْعَدْتُهُمْ عَنِ الْإِصَابَةِ
مِنْ جَهْلِكُمْ لَمْ تَفْهَمُوا الْمَقْصُودَ ... احْدَثْتُمُوا مَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودَا
فِي السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَهْلِ الْعِلْمِ ... الْخَائِضِينَ فِي بِحَارِ الْفَهْمِ
يَفْعَلُهُ الْمَخْصُوصُ مَنْ ذَا يُنْكِرُهُ ... فِي الزَّمَنِ الْمَخْصُوصِ أَوْ مَنْ يُحْضِرُهُ
لَا بَاسَ يَسْتَسْقِي بِأَهْلِ الدِّينِ ... فِي مَحِلَّاتِ الْقَحْطِ وَالسِّنِينَ
فَيَخْرُجُ الصَّلَاحُ لِلْمُصَلِّي ... فَيَرْفَعُونَ الْأَيْدَ نَحْوَ الْأَعْلَى
مِنْ أَيْنَ صَحَّ أَنَّهُ بِالْغَائِبِ ... وَالْمَيِّتِينَ تُدْفَعُ النَّوايِبَ
وَفِي عُدُولِ الرَّاشِدِ الْفَارُوقِ ... عَنْ الرَّسُولِ عِنْدَ ذِي التَّحْقِيقِ
مِنْ بَعْدِهِ بَعَمِّهِ مُسْتَسْقِيًا ... بِخَاطِرٍ يَدْعُو شِجَاءَ الَاغْبِيَا
قَالَ لَهُ قُمْ فَادْعُ يَا عَبَّاسُ ... وَهَذِهِ أَسْقَطَهَا الْأَرْجَاسُ
وَلَا يُقَاسُ الْمَيْتُ بِالْأَحْيَاءِ ... هُوَ فَارِقٌ وَالْجَهْلُ رَأْسُ الدَّاءِ
مَا فِيهِ وَاللهِ لَهُمْ تَعَلُّقْ ... وَمَنْ يَزِغْ عَنِ الصَّوَابِ أَحْمَقْ
لَو كَانَ لِلْجَوَازِ فِيمَا يَزْعُمْ ... مَنْ ضَلَّ عَادُوا عِنْدَ دَهْيَا تُؤْلِمْ
وَسْأَلُوهُ حَيْثُ كَانَ لِلْجَوَازِ الْمَحْيَا ... مِثْلَ الْمَمَاتِ وَيْحَهُ مَا اسْتَحْيَا
حَتَّى السُّؤَالُ بِالنَّبِيِّ الْحَنَفِيِّ ... يُنْكِرُهُ حَكَاهُ كُلُّ مُنْصِفِ
يَقُولُ لَا تَسْأَلْ بِغَيْرِ الْخَالِقْ ... أَوْ بِاسْمِهِ أَوْ صِفَةِ الْمُطَابِقْ(6/14)
لَو كَانَ حَيًّا قُلْتُمْ تَوَهُبَّا ... وَاخْتَارَ دِينَ الْعَارِضِي مَذْهَبَا
فَأَيْنَ أَيْنَ خَرَقْنَا الْإِجْمَاعَا ... وَقَوْلُنَا عِنْدَ الْهُدَاةِ شَاعَا
وَلِلْإِمَامِ بْنِ عَقِيلِ الْحَنْبَلِي ... عِبَارَةٌ بِهَا الشُّكُوكُ تَنْجَلِي
عَنَاهُ سَلِ التَّقِيَّ فِي رَسَائِلِهِ ... وَابْحَثْ تَرَى الْإِقْنَاعَ فِي مَسَائِلِهِ
وَاتَّبِعْ أَخِي فِي الدِّينِ مَنْ تَقَدَّمَا ... وَاحْذَرْ شُرُوحًا سَرَحَتْ وَادِي عَمَا
فَصْلٌ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ
قَدْ كَابَرُوا الْمَعْقُولَ وَالْمَنْقُولَا ... وَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالرَّسُولَا
قَدْ خَطَبَ الصِّدِّيقَ أَنَّ أَحْمَدَا ... قَدْ مَاتَ يَبْكِي وَبَكَى مَنْ شَهِدَا
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَةً وَعُمَرُ ... كَأَنْ لَمْ يَتْلُهَا قَدْ ذَكَرُوا
وَكَانَ قَدْ رَثَا حَسَّانُ الَّذِي ... قَدْ صِينَ عَنْ لَغْوِ وَلَيْسَ بِالْبَذِي
فَاقْتَدِ بِهِمْ أَوْ قُلْ هُمُوا الْجُهَّالُ ... أَوْ أَنَّهُمْ بِضِدِّ هَذَا قَالُوا
أَوْ أَنَّهُمْ صَدُّوا عَنِ الْحَقَايقْ ... قَدْ حَجَبُوا عَنْ وَاضِحِ الطَّرَائِقْ
حَاشَا وَكَلَّا بَلْ هُمْ اتْقَى الْوَرَى ... وَهُمْ بِهِ أَوْلَى وَأَهْدَى مَنْ دَرَى
أَعْطُوا عُلُومًا وَعُقُولًا ثَابِتَةْ ... وَفِطَرًا لِلتُّرَّهَاتِ مَاقِتَةْ
أَمَا حَيَاةُ الْبَرْزَخِ الْمَنْقُولَةِ ... فَإِنَّهَا إِلَى الْعَلِيِّ مَوْكُولَةْ
وَلَيْسَ لِلظِّنُونِ فِيهَا مَدْخَلُ ... وَالْحُكُمْ بِالْعُقُولِ فِيهَا يَعْضِلُ
الشُّهَدَا فِيهِمْ أَتَى الْمُصَرِّحْ ... أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ تَسْرَحْ
وَلِلنَّبِيِّ فَوْقَهُمْ مَزِيَّةْ ... سُنِيَّةً رَفِيعَةً عَلِيَّةْ
لَهَا اتِّصَالٌ وَهِي فِي الرَّفِيقِ ... وَكُنْهُهَا مَا بَانَ لِلْمَخْلُوقِ(6/15)
مَا عَرَفَ الْإِنْسَانُ كُنْهَ نَفْسِهِ ... فِي نَوْمَةٍ فَكَيْفَ حَالُ رَمْسِهِ
قَدْ شَبَّهُوا بِهَذِهِ الْمَسَائِلْ ... ذَرِيعَةً لِجَعْلِهِمْ وَسَائِلْ
وَإِنَّهُمْ غِيَاثُ مَنْ أَرَادُوا ... مَا سَمِعُوا أَخْبَارَ مَنْ يُرَادُ
عَنْ حَوْضِهِ يَقُولُ هُمْ أَصْحَابِي ... يُقَالُ لَا تَدْرِي عَنِ الْأَسْبَابِ
كَيْفَ اجْتِهَادُ سَاغَ مَعْ حَيَاتِهِ ... مِنْ صَحْبِهِ أَحْبَابٌ حُمَاتِهِ
وَالنَّصُّ يَنْفِي حُكْمَ قَوْلِ الْمُجْتَهِدْ ... لِأَنَّهُ مِنَ النَّبِيِّ قَدْ وُجِدْ
لَوْ سَاغَ هَذَا تَقَعُ الَاصْحَابَا ... بِحِرَّةٍ أَيَّامِهِا الصِّعَابَا
وَيَوْمَ صِفِّينَ الْعَظِيمِ وَالْجَمَلْ ... مَنْ جَاءَهُ مُسْتَنْجِدًا وَمَنْ سَأَلْ
أَنْتُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبَّا مِنْهُمُوا ... أَوْ أَنْتُمْ عَمَّا عَلِمْتُمْ أُجْمِوا
هَذَا عَلِيٌّ قَالَ لَيْسَ عِنْدَنَا ... بَعْدَ الْكِتَابِ عَنْهُ شَيْءٌ خَصَّنَا
بَلْ فِي قُرَابِي الْحُكْمِ فِي الدِّيَاتِ ... وَالْعَقْلِ مَعَ فَرايِضِ الزَّكَاةِ
فَاعْجَبْ لَمَنْ يَقُولُ كَانَ حَالُهُ ... مِثْلَ الٍْحَيَاةِ بِكْرًا آصَالُهُ
أَقُولُ لَا وَاللهِ حَاشَا كَلَّا ... لَوْ كَانَ مَا اخْتَارَهُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى
تَصَوَّرُوا بِالْعَقْلِ ضِدَّ الشَّرْعِ ... بِلَا دَلِيلٍ يَقْتَضِيهِ مَرْعِي
لَوْ كَانَ يُفْتِي أَوْ يُغِيثُ ذَا لِزَمَنْ ... لَمْ يَتْرُكِ الْحُسَينَ تَعْرُوهُ الْمِحَنْ
أَيَتْرُكُ الطُّغَاةُ وَالرَّيْحَانَهْ ... قَدْ مَثَّلُوا بِرَاسِهِ أَهَانَهْ
وَيَتْرُكُ الْبَتُولَ فِي إِشْكَالِ ... مِيرَاثِهَا يُجْبَى لِبَيْتِ الْمَالِ
تَأْتِي إِلَى الصَّدِيقِ عَنْهُ تَسْأَلُهُ ... حَتَّى رَوَي نَصَّا صَرِيحًا تَجْهَلُهْ
بِاللهِ يَا قَوْمِ اتْرُكُوا الضَّلَالَ ... وَوَحِّدُوا مَوْلَاكُمْ تَعَالَى(6/16)
وَاتَّبِعُوا الرَّسُولَ فَهُوَ الْهَادِي ... وَهُوَ الْحَرِيصُ مُرْشِدُ الْعِبَادِ
صَلُّوا عَلَيْهِ وَاتْرُكُوا السَّفَاسِطْ ... وَحَكِّمُوا وَاحْذَرُوا الْمَغَالِطْ
تَبْلُغُهُ صَلَاتُنَا مِنْ بَعْدِنَا ... تَرُدُّ رُوحُ الْمُصْطَفَى مِنْ قُرْبِنَا
هَذَا لِعَمْرِي نِعْمَةٌ عَظِيمِةٌ ... وَمِنَّةٌ جَلِيلَةٌ جَسِيمَةٌ
إِذَا نُصَلِي مَرَّةً فَعَشْرُ ... مِنْ رَبِّنَا نِعْمَ الْجَزَاءِ وَالْأَجْرِ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنْ أَسْعَدَ الْوَرَى ... بِالْمُصْطَفَى شَفَاعَةً مَنْ طَهَّرَا
تَوْحِيدُهُ مِنْ مُبْطِلٍ وَحَقَّقَا ... شَهَادَةَ الْإِخْلَاصِ فِيهَا صَدَّقَا
أَنْ الرَّسُولَ أَنْذَرَ الْقَرَابَةْ ... مُعَمِّمًا مُخَصِّصًا أَحْبَابَةْ
يَقُولُ يَا عَبَّاسُ عَمَّ الْمُصْطَفَى ... لَا أُغْنِ شَيْئًا عَنْكَ كُنْ عَبْدَ الْوَفَا
وَقَالَ يَا قُرَيشُ إِنِّي مُنْذِرُ ... فَأَخْلِصُوا وَالرِّجْزَ فِيكُمْ فَاهْجُرُوا
وَيَا بِنْتِي فَاطِمَةُ اطْلُبِينِي ... مِنْ مَالٍ أَعْطِي قُدْرَتِي سَلِينِي
فَصْلٌ فِي وُقُوعِ الشِّرْكِ فِي الْعَالَمِ
فَلْيُورِدُوا اسْتِغَاثَةً بِالْمَيِّتْ ... عَنْ صَفْوَةِ الْقُرُونِ حِصْنِ السُّنَّةْ
أَوْ خَبْرًا يُعَارِضُ الصَّحِيحَا ... مُسَاوِيًا أَوْ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَا
إِنَّ الْأَوْلَى سَدُّوا طَرِيقًا سَدَّهُ ... لَمْ يَفْعَلُوا الْإِسْلَامُ عِنْدَهُ
وْالْخُلْفُ فِي اسْتِقْبَالِهِ وَقْتَ الدُّعَا ... وَالْجُلُّ عَنْ حُكْمٍ بِهَذَا امْتَنَعَا
سَدُّ الذَّرَايعِ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ ... وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُهُ فِي السَّمْعِ
إِنْ الرَّسُولَ قَالَ لَا تُطْرُونِي ... خَوفَ الْغُلُوِّ الْمُفْسِدِ الْمَلْعُونِ
وَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ ... مَقْصُودُهُ حِمَايةُ التَّوْحِيدِ(6/17)
فَاهْجُرْ أُنَاسًا قَدْ شَيَّدُوا الْقِبَابَ ... وَطَلَبُوا دَفِينَهَا الثَّوَابَا
يَأْتُونَهُ دَاعِينَ يَا فُلَانَا ... جِئْنَاكَ مِنْ بَعْدُ فَلَا تَنْسَانَا
وَإِنْ عَلَاهُ الْمَوْجُ نَادَى سَيِّدَهْ ... مَا عَرَفَ الْإِلَهَ حَتَّى يَعْبُدُهْ
أَمَّنْ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَّرِ ... وَمَنْ يُنْجِي فِي ظُلُمَاتِ الْبَحْرِ
سُبْحَانَ رَبِّي مَا عَرَفْتُمْ قَدْرَهُ ... خَالَفْتُمُوا أَحْكَامَهُ وَأَمْرَهُ
جَعَلْتُمُوا الْمَخْلُوقَ كَالْخَلَّاقِ ... هَذَا لِعَمْرِي غَايَةَ الشِّقَاقِ
ظَنَنْتُمُوا بِأَنَّ بِالْإِقْرَارِ ... يَصِحُّ إِسْلَامٌ مِنَ الْكُفَّارِ
وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَكْفِي ... لَوْ كَانَ ذَا الشِّرْكِ صُرَاح صِرْفِ
فَالْأَوَّلُونَ بِالْمَعَانِي أَعْرَفُ ... لَأَنَّهُمْ لَوْ نَطَقُوا مَا انْحَرَافُوا
لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ ... مِنْ أَجْلِهِ قَدْ نُهُوا قَصْدُ النَّبِيِّ
وَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقُوا ... أَوْثَانَهُمْ بِعَمَلِ يُطَابِقُ
قَالُوا لَهُ لَمَّا أَتَاهُمْ بِالْهُدَى ... أَجَعَلَ الْأَرْبَابَ رَبًّا وَاحِدًا
لَوْ عَلِمَ الْمَصْدُودُ عَمُّ الْمُصْطَفَى ... بِأَنْ يَكْفِيَهُ نُطْقُ لَاكْتَفَا
وَقَالَها يُرْضِي بِهَا الْمَعْصُومَا ... لَمَّا أَتَاهُ مُشْفِقًا مَهْمُومَا
وَقاَلَ قُلْهَا إِنَّمَا شَفَاعَتِي ... لِتَارِكِ الْإِشْرَاكِ ذَا الشَّنَاعَتِي
فَصَدُّهُ الْجُلَسَا يُوصُونَهْ ... وَذَكَّرُوهُ الْحُجَّةَ الْمَلْعُونَهْ
لِفَهْمِهِ الْمَدْلُولِ يَدْرِي أَنَّهُ ... إِنْ لَمْ يُفَارِقْ عِنْدَهَا مَا سَنَّهُ
وَاخْتَارَهُ الْأَبَاءُ فَالتَّلَفُظُ ... مِنْ دُونِ صِدْقٍ وَيَقِينٍ يَنْقُضُ
فَصْلٌ فِي بَيَانِ شِرْكِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَشِدَّتِهِ
وَكَانَ شِرْكُ الْأَوَّلِينَ فِي الرَّخَا ... وَالْآنَ بَاضَ الْمُغْتَوِي وَفَرْخَا(6/18)
أَرْضَاهُمُوا قَالَ اجْعَلُوا الْوَلَايْجَا ... وَاقْضُوا فِي الشِّدَةِ الْحَوَايِجَا
أَعْمَالُكُمْ قَدْ ضَعُفَتْ قَصَّرْتُمُوا ... فَادْعُوهُمُوا فِي كُلِّ مَا أَرَدْتُّمْ
فَامْتَثِلُوا أَمْرَ اللَّعِينِ السَّاعِي ... فِي أَنَّهُمْ يَعْصُونَ أَمْرَ الدَّاعِي
مَا أَنْكَرُوا جَمِيعُهُمْ أَنْ يُعْبَدَا ... بَلْ أَنْكَرُوا مِنْ جَهْلِهِمْ أَنْ يُفْرَدَا
فَصْلٌ فِي وُجُوبِ الْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ
وَالْكُفْرُ بِالطَّاغُوتِ فَرْضٌ لَازِمُ ... فِي الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فَأَيْنَ الْعَالِمُ
فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالنَّحْلِ الَّذِي ... يَكْفِي وَيَشْفِي فَاشْرَبِ الصَّافِي الْعَذِي
فَكُلُّ مَا جَاوَزَ الْمَشْرُوعَا ... فَإِنَّهُ الطَّاغُوتُ قُلْ مَمْنُوعَا
عِبَادَةٌ أَوْ طَاعَةٌ أَوْ حَبَا ... سَمَّى الْمُطَاعَ فِي الضَّلَالِ رِبًا
هَذَا عَدِيٌّ قَالَ لَسْنَا نَعْبُدُ ... قَالَ النَّبِيُّ لَيْسَ هَذَا الْمَقْصِدُ
يَتْلُو عَلَيْهِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ... أَرْبَابُهُمْ مُبْينًا أَخْبَارُهُمْ
هِيَ طَاعَةُ الْأَحْبَارِ فِي التَّحْلِيلِ ... كَذَلِكَ فِي التَّجْرِيمِ بِالتَّظْلِيلِ
وَالْحُكْمُ بِالْقَانُونِ أَمْرٌ مُنْكَرٌ ... لَا حَبَّذَا مَأْمًُورهُمْ وَالْآمِرُ
مَا عَلِمَ الْمِسْكِينُ حِينَ يَدَّهِنْ ... لَا تَجِدُ لَا تَقْعُدْ وَلَا تَرْكَنُوا
يَقُولُ دِينِي لِي وَقُلْ يَأَيُّهَا ... تَكْفِي وَلَكِنْ قَدْ دَهَاهُهُمْ جَهْلُهَا
قَدْ أُنْزِلَتْ لِلْفِرَقِ وَالْمُصَادَمَةِ ... فَاتَّخَذَتْ لِلْجَمْعِ وَالْمُسَالَمَةِ
فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّنَاهِي ... هُوَ طَهَ الْخَلِيلُ لَا تَبَاهِي
إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ فِيمَا سَنَا ... مُرُوا تَنَاهُوا أَوْ لِيُوشِكَنَّا(6/19)
وَالْحُبُّ فِي اللهِ بِهِ تُنَالُ ... وِلَايَةُ الْحَبِيبِ وَالْآمَالِ
وَالْبُغْضُ فِيهِ لَازِمُ التَّوْحِيدِ ... فَاكْرَهْ مُفَارِقَ أَمَّةِ التَّنْدِيدِ
وَاصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ فَهَذَا نَعْتُهُ ... وَاقْبِضْ عَلَى الْجَمْرِ فَهَذَا وَقْتُهُ
وَاعْرِفْ بَأَنَّ الدِّينَ فِي أَهْلِ الزَّمَنِ ... عَادَ غَريِبًا طَبَّقَ نَصُّ الْمُؤْتَمَنِ
يَحِقُّ أَنْ يَبْكِي دَمًا عَلَيْهِ ... كُلُّ امْرِئٍ مُنْتَسِبٍ إِلَيْهِ
وَخَيْرُ خَتْمِي بِالصَّلَاةِ سَرْمَدَا ... عَلَى النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ أَحْمَدَا
وَالْآلِ وَالْأَصْحَابِ أَنْصَارِ الْهُدَى ... الْبَاذِلِينَ الْجُهْدَ فِي نَفِي الرَّدَا
مَا غَرَّدَ الْقَمْرِيُّ أّعْلَاهُ الرَّاكِي ... وَمَا بَكَى عِنْدَ الْحَطِيمِ الْبَاكِي
وَمَا حَدَا الْعِيسُ الْجِيادُ الْحَادِي ... مِيمَمًا أَعْلَامُ ذَاكَ الْوَادِي
تَمَّتْ بِخَيرِ عَمَّتْ(6/20)