طالب العلم والتقنية الحديثة
إن ثمت عبارة لها رنين، ولها وَقع له صدى في نفوس السامعين ؛ ألا وهي:
( التقنية الحديثة )، فما المراد بها ؟ إنها كلمة مأخوذة من التِّقْن والإتقان ؛ فهي تدل على إتقان الشيء ، ثم استعملت على مايستجد من المخترعات والبرامج والأجهزة التي يتقن بها العمل، وتوفر وقتاً جهداً ومالاً وأيدٍ عاملة ونحوها .
إن العالم غدا بعد هذا التقنيات قرية صغيرة؛ حيث اختزلت الزمن والمسافات، ناهيك عن الثروة المعلوماتية الهائلة التي يتيحها الإنترنت في مختلف المعارف وبشتى اللغات
ولما كان العالم في تسارع وتسابق تقني لم يسبق له مثيل، كان حقاً عل المسلمين أن يدخلوا هذا المضمار بكل ثِقَلهم ليُسَخِّروه خدمة للإسلام والمسلمين، وكلٌ في مجاله الذي ينفع فيه [وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ] .
وإن من أولى الناس بالانتفاع بهذه التقنية الحديثة: طالب العلم والعالم؛ ذلك أنهم من أحرص الناس على حفظ الوقت واغتنامه، ولا يشك كل متابع للجديد كيف يكون اختصار الأوقات بهذه التقنيات .
لكن استفادة طالب العلم من التقنية الحديثة ليست لمجرد الثقافة أو مطالعة الأخبار؛ وإنما للبحث وتنزيل البرامج المساعدة وحضور الدورات والدورس عبر الإنترنت مثلاً . ومن أطيب ما في هذه التقنية لطالب العلم: تحميل الكتب. وهذا سبيل جديد ومتطور للحصول على أي كتاب يمكن أن يكون محملاً على الإنترنت .
علماؤنا المعاصرون والتقنية(1/1)
فهذا فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – كان متابعاً للجديد من الأجهزة لديه اهتمام كبير بالتقنيات ، وخصوصا أجهزة الاتصالات . قال عنه أحد الملازمين له: كل من أراد أن يدخل السرور على شيخنا ويفرحه فعليه أن يخبره بجهاز اتصال جديد نزل في السوق فستجده بعد أيام في بيته أو مكتبته !!وكان رقم التلفون يتغير في بعض الأحوال يوميا وذلك بالاتصال على الجهاز وإدخال شفرة معينه فيملي الشيخ بصوته الرقم الجديد. وأذكر مرة أنني جئته ودخلت معه للبدروم حيث مكتبته الثانية فأراني دولاباً كبيراً به رفوف كثيرة وقد حشرت به عشرات الأجهزة من كل الأنواع والأصناف ..!!
ولنعلم أن بعض البرامج التقنية قد يكون غرض من أخرجها تجارياً بحتاً، فيكون إدخال المعلومات فيها غير موثوق أو غير دقيق، فحينها لا غنى عن الكتاب، وهذا لم يفت الراسخين من أهل العلم؛ فمن العجائب في ذلك؛ أنه في يوم من الأيام أهدى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد إلى سماحة الشيخ جهاز كمبيوتر قد خُزِّن فيه جميع ما في الصحيحين، والسنن والمسانيد.
وعندما حضر المختص لإطلاع سماحته على نظام الجهاز، وكيفية استخراج الحديث المراد، والبحث عنه، وفي كم رواية ورد، وفي أي الأبواب يوجد_سأل سماحتُهُ عن بعض الأحاديث في كم رواية ورد؟ وفي أي الأبواب؟ فجعل المختص يبحث عن بعض الأحاديث والشيخ يسأل ويقول: صحيح، وفي بعضها يقول الشيخ: بل ورد بلفظ كذا وكذا، ورواه فلان. وإذا بحث المختص عنه لم يجده في الجهاز، وعند الرجوع إلى أصل الكتاب يوجد طبق ما كان يحفظه سماحة الشيخ! وبعد أن سأل سماحته عدة أسئلة وصار يُصَوِّب ويخطِّئ قال المختص: يا شيخ! أتينا بالجهاز على أننا قد حفظنا فيه كل شيء، وأن هذا الجهاز قد اعتني بإدخاله المعلومات ولكننا فوجئنا بأنك يا شيخ أحفظ من الكمبيوتر! من جوانب من سيرة ابن باز (ص 129)
نماذج لبرامج تقنية لطالب العلم:(1/2)
موسوعة المكتبة الشاملة ( الإصدار الثاني 2.9) وهذه المكتبة مجانية ولا يجوز التربح من بيعها، وهذا الإصدار يتميز بأنه يمكن إضافة وحذف وتعديل الكتب فيه ح ولذا أوصلها بعض الإخوة إلى 2700 كتاب من شتى الفنون، بينما كان عدد كتبها في الأصل 1800 كتاب . وهي متوفرة لدى بعض محلات الحاسب .
المصحف المساعد على الوورد وللإنترنت، ويتميز بأن طريقته سهلة للبحث، وذلك بأن
تكتب كلمة ثم اضغط مفتاح .ctrl + Q وإذا كانت نتيجة البحث واحد فإن الآية تكتب مباشرة.
إذا كانت نتيجة البحث أكثر من واحد فإن البرنامج يعرض الآيات للاختيار منها .
برنامج التنسيق السريع للباحث والكاتب على ( الوورد ) بحيث ينزل على الجهاز، وتظهر خانات على الصفحة تسهِّل على الكاتب وضع الحاشية وأقواسها وحجم الخط للعناوين الرئيسية والفرعية وللنص العادي، وللتصحيح السريع لعلامات الترقيم مثلاً؛ وكل ذلك يتم تلقائياً بمجرد الضغط على خانة من هذه الخانات الست البارزة على الصفحة .
طريقتان سهلتان مهمَّتان، وتوفِّران وقتاً على طالب العلم أثناء الكتابة على الوورد
الأولى: نسخ أجزاء متفرقة من كتاب بأخصر طريق
1- فتح الـ(وورد) وتنزيله أسفل سطح المكتب .
2- النسخ لما شئت من أي ملف، بشرط ألا تزيد مرات النسخ عن 24 مرة .
3- العودة للوورد . 4- فتح (تحرير) . ... 5- حافظة . ... ...
6- لصق الكل . 7- مسح الكل .
الثانية: تثبيت عبارات متكررة في الكتابة مثل ( صلى الله عليه وسلم ) :
كتابة الكلمة .
أدوات .
خيارات التصحيح التلقائي .
نص تلقائي .
إضافة .
مواقع مرشحة ليستفيد منها طالب العلم في تحميل الدروس والكتب:
ملتق أهل الحديث .
صيد الفوائد .
مكتبة مشكاة .
البث الإسلامي .
الإسلام اليوم .
المفكرة الدعوية .(1/3)
رِسَالَةٌ إلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ
...وَاَلَّذِي أَوْجَبَ هَذَا : أَنَّ وَفْدَكُمْ حَدَّثُونَا بِأَشْيَاءَ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَكُمْ حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ الْأَمْرَ آلَ إلَى قَرِيبِ الْمُقَاتَلَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ " الْمَسْأَلَةَ " لَيْسَتْ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَنْبَغِي كَثْرَةُ الْكَلَامِ فِيهَا وَإِيقَاعُ ذَلِكَ إلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ حَتَّى يَبْقَى شِعَارًا وَيُوجِبَ تَفْرِيقَ الْقُلُوبِ وَتَشَتُّتَ الْأَهْوَاءِ . وَلَيْسَتْ هَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " فِيمَا عَلِمْت مِمَّا يُوجِبُ الْمُهَاجَرَةَ وَالْمُقَاطَعَةَ ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهَا قَبْلَنَا عَامَّتُهُمْ أَهْلُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا مَنْ لَمْ يتهاجروا وَيَتَقَاطَعُوا . وَمَعَ هَذَا فَمَا أَوْجَبَ هَذَا النِّزَاعُ تَهَاجُرًا وَلَا تَقَاطُعًا . وَكَذَلِكَ نَاظَرَ الْإِمَامُ أَحْمَد أَقْوَامًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي " مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ " حَتَّى آلَتْ الْمُنَاظَرَةُ إلَى ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَكَانَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَهْجُرُوا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ ؛ إلَى مَسَائِلَ نَظِيرِ هَذِهِ كَثِيرَةٍ . وَالْمُخْتَلِفُونَ فِي هَذِهِ " الْمَسْأَلَةِ " أعذر مِنْ غَيْرِهِمْ .
وَهُنَا آدَابٌ تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا : - مِنْهَا : أَنَّ مَنْ سَكَتَ عَنْ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَدْعُ إلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ هَجْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ ؛ فَإِنَّ الْبِدَعَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا لَا يُهْجَرُ فِيهَا إلَّا الدَّاعِيَةُ ؛ دُونَ السَّاكِتِ فَهَذِهِ أَوْلَى .(2/1)
وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنْ الْفِتَنِ وَلَكِنْ إذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ .(2/2)
وَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ مَعْرِفَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّفَقُّهِ فِيهِ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَمُلَازَمَةِ مَا يَدْعُو إلَى الْجَمَاعَةِ وَالْأُلْفَةِ وَمُجَانَبَةِ مَا يَدْعُو إلَى الْخِلَافِ وَالْفُرْقَةِ ؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بَيِّنًا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيهِ بِأَمْرِ مِنْ الْمُجَانَبَةِ فَعَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ . وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَ الْأَمْرُ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مِمَّا يُعَاقَبُ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ أَوْ مَا لَا يُعَاقَبُ ؟ فَالْوَاجِبُ تَرْكُ الْعُقُوبَةِ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّك إنْ تُخْطِئْ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ } رَوَاهُ أَبُو داود وَلَا سِيَّمَا إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى شَرٍّ طَوِيلٍ وَافْتِرَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ؛ فَإِنَّ الْفَسَادَ النَّاشِئَ فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ أَضْعَافُ الشَّرِّ النَّاشِئِ مِنْ خَطَأِ نَفَرٍ قَلِيلٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ . وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَمْرٌ فَلْيَدْعُ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ - { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .(2/3)
وَبَعْدَ هَذَا : فَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَ هَدْيِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَيَجْمَعَ عَلَى الْهُدَى شَمْلَنَا وَيَقْرِنَ بِالتَّوْفِيقِ أَمْرَنَا وَيَجْعَلَ قُلُوبَنَا عَلَى قَلْبِ خِيَارِنَا وَيَعْصِمَنَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُعِيذَنَا مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا . وَقَدْ كَتَبْت هَذَا الْكِتَابَ وَتَحَرَّيْت فِيهِ الرُّشْدَ وَمَا أُرِيدُ إلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْت وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ أُحِطْ عِلْمًا بِحَقِيقَةِ مَا بَيْنَكُمْ وَلَا بِكَيْفِيَّةِ أُمُورِكُمْ وَإِنَّمَا كَتَبْت عَلَى حَسَبِ مَا فَهِمْت مِنْ كَلَامِ مَنْ حَدَّثَنِي وَالْمَقْصُودُ الْأَكْبَرُ إنَّمَا هُوَ إصْلَاحُ ذَاتِ بَيْنِكُمْ وَتَأْلِيفُ قُلُوبِكُمْ . وَأَمَّا اسْتِيعَابُ الْقَوْلِ فِي " هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " وَغَيْرِهَا وَبَيَانِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِيهَا فَرُبَّمَا أَقُولُ أَوْ أَكْتُبُ فِي وَقْتٍ آخَرَ إنْ رَأَيْت الْحَاجَةَ مَاسَّةً إلَيْهِ فَإِنِّي فِي هَذَا الْوَقْتِ رَأَيْت الْحَاجَةَ إلَى انْتِظَامِ أَمْرِكُمْ أَوْكَدُ . وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .(2/4)
رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه
بسم الله الرحمن الرحيم
الله المسؤول المرجو الإجابة أن يحسن إلى الأخ علاء الدين في الدنيا والآخرة وينفع به ويجعله مباركا أينما كان فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل ونصحه لكل من اجتمع به قال الله تعالى إخبارا عن المسيح وجعلني مباركا أين ما كنت أي معلما للخير داعيا إلى الله مذكرا به مرغبا في طاعته فهذا من بركة الرجل ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة ومحقت بركة لقائه والاجتماع به بل تمحق بركة من لقيه واجتمع به فإنه يضيع الوقت في الماجريات ويفسد القلب وكل آفة تدخل على العبد فسببها ضياع الوقت وفساد القلب وتعود بضياع حظه من الله ونقصان درجته ومنزلته عنده ولهذا وصى بعض الشيوخ فقال احذروامخالطة من تضيع مخالطته الوقت وتفسد القلب فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها وكان ممن قال الله فيه ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا
ومن تأمل حال هذا الخلق وجدهم كلهم إلا أقل القليل ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى واتبعوا أهواءهم وصارت أمورهم ومصالحهم فرطا أي فرطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم واشتغلوا بما لا ينفعهم بل يعود بضررهم عاجلا وآجلا
ومن تأمل فساد أحوال العالم عموما وخصوصا وجده ناشئا عن هذين الأصلين فالغفلة تحول بين العبد وبين تصور الحق ومعرفته والعلم به فيكون من الضالين واتباع الهوى يصده عن قصد الحق وإرادته واتباعه فيكون من المغضوب عليهم وأما المنعم عليهم فهم الذين من الله عليهم بمعرفة الحق علما وبالانقياد إليه وإيثاره على ما سواه عملا وهؤلاء هم الذين على سبيل النجاة ومن سواهم على سبيل الهلاك ولهذا أمرنا الله سبحانه أن نقول كل يوم وليلة عدة مرات اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
والعبد مفتقر إلى الهداية في كل لحظة ونفس في جميع ما يأتيه ويذره فإنه بين أمور لا ينفك عنها(3/1)
أحدها أمور قد أتاها على غير وجه الهداية جهلا فهو محتاج إلى أن يطلب الهداية إلى الحق فيها ، أو يكون عارفا بالهداية فيها فأتاها على غير وجهها عمدا فهو محتاج إلى التوبة منها ، أو أمور لم يعرف وجه الهداية فيها علما ولا عملا ففاتته الهداية إلى علمها ومعرفتها وإلى قصدها وإرادتها وعملها ، أو أمور قد هدي إليها من وجه دون وجه فهو محتاج إلى تمام الهداية فيها ، أو أمور قد هدي إلى أصلها دون تفاصيلها فهو محتاج إلى هداية التفصيل ، أو طريق قد هدي أليها وهو محتاج إلى هداية أخرى فيها فالهداية إلى الطريق شيء والهداية في نفس الطريق شيء آخر ألا ترى أن الرجل يعرف أن طريق البلد الفلاني هو طريق كذا وكذا ولكن لا يحسن أن يسلكه فإن سلوكه يحتاج إلى هداية خاصة في نفس السلوك كالسير في وقت كذا دون وقت كذا وأخذ الماء في مفازة كذا مقدار كذا والنزول في موضع كذا دون كذا فهذه هداية في نفس السير قد يهملها من هو عارف بأن الطريق هي هذه فيهلك وينقطع عن المقصود وكذلك أيضا ثم أمور هو محتاج إلى أن يحصل له فيها من الهداية في المستقبل مثل ما حصل له في الماضي ، وأمور هو خال عن اعتقاد حق أو باطل فيها فهو محتاج إلى هداية الصواب فيها ، وأمور يعتقد أنه فيها على هدى وهو على ضلالة ولا يشعر فهو محتاج إلى انتقاله عن ذلك الاعتقاد بهداية من الله ، وأمور قد فعلها على وجه الهداية وهو محتاج إلى أن يهدي غيره إليها ويرشده وينصحه فإهماله ، ذلك يفوت عليه من الهداية بحسبه كما أن هدايته للغير وتعليمه ونصحه يفتح له باب الهداية فإن الجزاء من جنس العمل فكلما هدى غيره وعلمه هداه الله وعلمه فيصير هاديا مهديا كما في دعاء النبي الذي رواه الترمذي وغيره اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين سلما لأوليائك حربا لأعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك . والله أعلم والله المستعان وعليه التكلان وإليه الرغبة وهو(3/2)
حسبنا ونعم الوكيل(3/3)
أثناء قراءتي لرحلة الأخ مالك الرحبي رحمه الله ، شدني كثيراً عرضه لرسالة شيخنا العلامة محمد العثيمين رحمه الله وجمعنا بهما في جنات النعيم على سُرر متقابلين ، فأردت أن انقلها لكم لسببين :الأول : لكي يستفيد منها من لم يطلع عليها في مذكراته .الثاني : لنشر علم و نصائح إمام رحل عن الدنيا ولم يرحل حب الناس له وقبولهم لعلمه ههه من محمد الصالح العثيمين إلى الابن (..) حفظه الله تعالى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:فقد سألتني بارك الله فيك أن أضع لك منهجا تسير عليه في حياتك.وإني لأسال الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه الهدى والرشاد والصواب والسداد وأن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين فأقول أولا : مع الله عز وجل : 1- احرص على أن تكون دائما مع الله عز وجل مستحضرا عظمته متفكرا في آياته الكونية مثل خلق السموات والأرض وما أودع فيهما من بالغ حكمته وباهر قدرته وعظيم رحمته ومنته . وآياته الشرعية التي بعث بها رسله ولا سيما خاتمهم محمد ^ 2- أن يكون قلبك مملوءا بمحبة الله تعالى لما يغذوك به من النعم ويدفع عنك من النقم ولا سيما نعمة الإسلام والاستقامة عليه حتى يكون أحب شيء إليك. 3- أن يكون قلبك مملوءا بتعظيم الله عز وجل حتى يكون في نفسك أعظم شيء. وباجتماع محبة الله تعالى وتعظيمه في قلبك تستقيم على طاعته قائما بما أمر به لمحبتك إياه تاركا لما نهى عنه لتعظيمك له. 4- أن تكون مخلصا له جل وعلا في عباداتك متوكلا عليه في جميع أحوالك لتحقق بذلك مقام [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ].وتستحضر بقلبك أنك إنما تقوم بما أمر امتثالا لأمره وتترك ما نهى عنه امتثالا لنهيه فإنك بذلك تجد للعبادة طعما لا تدركه مع الغفلة وتجد في الأمور عونا منه لا يحصل لك مع الاعتماد على نفسك. ثانيا : مع رسول الله ^ : 1- أن تقدم محبته على محبة كل مخلوق وهديه وسنته على كل هدي وسنة . 2- أن تتخذه إماما لك في عباداتك(4/1)
وأخلاقك بحيث تستحضر عند فعل العبادة أنك متبع له وكأنه أمامك تترسم خطاه وتنهج نهجه.وكذلك في مخالقة الناس أنك متخلق بأخلاقه التي قال الله عنها[وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ]ومتى التزمت بهذا فستكون حريصا غاية الحرص على العلم بشريعته وأخلاقه. 3- أن تكون داعيا لسنته ، ناصرا لها ، مدافعا عنها ؛ فإن الله تعالى سينصرك بقدر نصرك لشريعته. ثالثا : عملك اليومي غير المفروضات : 1- إذا قمت من الليل فاذكر الله تعالى وادع الله بما شئت فإن الدعاء في هذا الموطن حري بالإجابة واقرأ قول الله تعالى[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ]حتى تختم سورة آل عمران وهي عشر آيات. 2- صل ما كتب لك في آخر الليل واختم صلاتك بالوتر. 3- حافظ على ما تيسر لك من أذكار الصباح . قل مئة مرة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. 4- صل ركعتي الضحى. 5- حافظ على أذكار المساء ما تيسر لك منها. رابعا: طريقة طلب العلم. 1- احرص على حفظ كتاب الله تعالى واجعل لك كل يوم شيئ معينا تحافظ على قراءته ولتكن قراءتك بتدبر وتفهم . وإذا عنت لك فائدة أثناء القراءة فقيدها. 2- احرص على حفظ ما تيسر من صحيح سنة الرسول ^ ومن ذلك حفظ عمدة الأحكام. 3-احرص على التركيز والثبات بحيث لا تأخذ العلم نتفا من هذا شيء ومن هذا شيء لأن هذا يضيع وقتك ويشتت ذهنك. 4- أبدا بصغار الكتب وتأملها جيدا ثم انتقل إلى ما فوقها حتى تحصل على العلم شيئا فشيئا على وجه يرسخ في قلبك وتطمئن إليه نفسك. 5- احرص على معرفة أصول المسائل وقواعدها وقيد كل شيء يمر بك من هذا القبيل فقد قيل: من حرم الأصول حرم الوصول. 6- ناقش المسائل مع شيخك أو من تثق به علما ودينا من أقرانك ولو بأن تقدر في ذهنك أن أحدا يناقشك فيها إذا لم تمكن المناقشة مع من سمَّيْنا. هذا وأسال الله تعالى أن يعلمك ما ينفعك وينفعك بما علمك ويزيدك علما ويجعلك من عباده الصالحين(4/2)
وحزبه المفلحين .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه : محمد الصالح العثيمين في 3 رجب 1412 هـ التوقيع.(4/3)