رسالة الشيخ الفضالي
في إعراب لا إله إلاّ الله
تأليف
الأشتاذ الشيخ محمد الفَضالي
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1430هـ / 2009 م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي جعل كلمة التوحيد علامة على الأيمان ، والصلاة والسلام على سيد كل إنسان ، وعلى آله وأصحابه وذريته ذوي الإحسان / ، أما بعد ... 2ب
فأقول : قد اضطربت أقوال المعربين للكلمة المشرّفة ، وهي لا إله إلاّ الله ، فقال الجمهور : لا نافية للجنس ، وإله اسمها ، وخبرها محذوف ، التقدير ممكن ، وإلاّ أداة استثناء ، والله بدل من الضمير المستتر في الخبر ، فهو مرفوع ، والمعنى : لا إله ممكن هو إلاّ الله .
فإن قلت : قد أفاد هذا الإعراب نفي إمكان الآلهة ما عدا الله تعالى / ولم يُفِد أنّ 3أ الله موجود ، إذ التقدير : لا إله ممكن ، فهو ممكن ، ولا يلزم من ذلك أنه موجود .
قلت : المقصود بالكلمة المشرّفة نفي إمكان ما عدا الله ، لا إفادة أنه تعالى موجود ، إذ لم يًنازع أحد في وجوده تعالى ، وبهذا يُعلم أنّ تقدير ممكن أولى من تقدير موجود ؛ لأنه عليه لا يُستفاد نفي إمكان غير الله تعالى ؛ لأن المعنى حينئذ (1) : لا إله إلاّ الله ، ويلزم من / عدم وجوده عدم إمكانه الذي هو المقصود ، ويصح أن يكون اللفظ الشريف منصوبا3ب على الاستثناء ، والأرجح أن يكون استثناء متصلا؛ لأنّ المستثنى منه لفظ إله ، ومعناه المعبود بحق ، وهوعام يشمل المستثنى وغيره ، وإن كان وجود غيره مستحيلا ، والمعنى حينئذ : لا معبود بحق في الواقع إلاّ الله تعالى ، وأورد على جعله متصلا في الاستثناء /4أ
__________
(1) يكتب بدل هينئذ :ح ، حيثما وردت .(1/1)
أن الاتصال يلزم عليه أن يكون المستثنى منه جنسا لقولهم في ضابط الاستثناء المتصل : أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه ، والجنسية هنا مستحيلة ؛ لاقتضائها التركيب في الإله لأن كل شيء له جنس ، كان مركبا من جنسه ، وشيء آخر ، والتركيب على الله محال ، مثلا الإنسان له جنس ، وهو حيوان ، فهومركب منه ومن شيء آخر ، وهوناطق ، وأُجيب بإمكانه إنما يلزم لو أريد بالجنس الجنس / المنطقي ، كما مثل ، وليس مرادا 4 ب بل المراد الجنس اللغوي ، وهو مطبق مفهوم كلي ، ولا شك أنّ إله بمعنى المعبود بحق كذلك ، وأورد أيضا أنْ يجب أن ينوي المستثنى خروج المستثنى من المستثنى منه ، وإلاّ ناقض آخر الكلام أوله .(1/2)
مثلا : لوقيل هنا أنّ النفي متوجه على جميع أفراد الإله حتى المستثنى ، كان الكلام باعتبار أوله مقتضيا لنفي المستثنى ، وقد / أثبت في آخره ، 5أ ولا شك أنه تناقض وإن لم يدخل المستثنى في المستثنى منه ، فلا يكون متصلا ؛ لأن اتصال الاستثناء فرع عن دخول المستثنى في المستثنى منه ، وهوهنا غير داخل ، فكيف يُحكم بأنه متّصل ؟ وأُجيب بأن المنصوص عليه أنّ المستثنى منه عام مخصوص، وهو ما كان العموم فيه مرادا تناولا ، لا حكما ، أي أن اللفظ باق على عمومه وشموله للمستثنى ، والحكم منصب /على غير المستثنى، فالمعنى هنا إنتفت الألوهية عن غير هذا الفرد 5 ب من هذا المفهوم الكلي ، فباعتبار كون اللفظ شاملا للمستثنى وغيره ، كان الاستثناء متصلا وباعتبار كون الحكم منصبا على غير المستثنى ، لم يناقض آخر الكلام أوله ، ومعنى كون المستثنى خارجا من المستثنى منه باعتبار الحكم ، ملاحظة خروجه أولا قبل الحكم على المستثنى منه / ولا يصير لفظ المسنثنى منه بهذه الملاحظة غير شامل للمستثنى حتى6 أ يكون الاستثناء منقطعا ، ولا يناقض آخر الكلام أوله ، إلاّ إذا كان الحكم على جميع أفراد المستثنى منه ، ثم يخرج المستثنى عن هذا الحكم ، فإن قلت : يرد على قولهم أن المستثنى خارج من المستثنى منه حكما قولهم : أنّ لا إله إلاّ الله من عموم السلب ؛ لأنها لا تكون من عموم السلب / أي شمول النفي إلاّ إذا كان المستثنى محكوما عليه بالنفي ؛ لأجل أن 6ب يكون السلب عَلَما ، قلت : مراد مَنْ قال بعموم السلب فيها عمومه وشموله لغير المستثنى ، أي أنّ النفي شامل لكل فرد غير المستثنى ، أو يقال في الجواب : إنها من عموم السلب لولا الاستثناء هذا ، وقال بعضهم : إنها من سلب العموم ، ونفي الشمول ، ومراده أنّ السلب انتقض بإلاّ ، أي بعد / أن كان النفي عاما سلبته إلاّ ، وليس مراده سلب العموم 7أ المصطلح عليه ؛ لأنه لا يصح هنا .
تنبيهات :(1/3)
... الأول :الإمكان يطلق على عدم الامتناع ، وهو المراد هنا ، فمعنى الله ممكن ، غير ممتنع وجوده ، وهذا وإنْ صدق بالجواز إلاّ أنّ المراد به الوجوب ، وبهذا المعنى يصح أنْ يقال : زيد ممكن ، أي غير ممتنع وجوده ، ويطلق الإمكان عند المناطقة على سلب الضرورة أي / الوجوب عن الطرف المخالف للمنطوق به ، مثلا : الله موجود 7 ب بالإمكان العام ، فالطرف الموافق للمنطوق به ثبوت الوجود ، ولا تسلّط للإمكان عليه ، والطرف المخالف عدم الوجود ، وهو منصب الإمكان ، فالمعنى حينئذ عدم وجوده تعالى ليس بواجب ، فيصدق بالجائز والمستحيل ، والواقع أنه مستحيل ، وهذا يسمى الإمكان العام، ويُطلق الإمكان / أيضا على سلب الضرورة عن الطرفين معا ، الموافق للمنطوق8 أ ، والمخالف له ، ويُسمّى هذا بالإمكان الخاص ، مثلا : إذا قلت : زيد موجود بالإمكان الخاص كان المعنى وجوده ليس بواجب ، وعدمه ليس بواجب ، ولا يصح كلا من المعنيين هنا ؛ لأن الإمكان بقسميه وصف للنسبة في القضية ، فلا بد أن يكون لفظ الإمكان غير المحمول ، فلا يقال : إذا كان المعنى لا إله ممكن / إلاّ الله ، فإنه ممكن ، إن ممكنا وقع محمولا 8ب هنا ، لا وصفا للنسبة ، وأين النسبة التي هو وصفها ، لما علمت أنّ المراد بالإمكان هنا عدم الامتناع .(1/4)
... الثاني : العلم الشخصي ما وضع لمعنى في الخارج ، غير متناول ما أشبهه ، والعلم بالغلبة التحقيقية لفظ عام ، غلب على فرد بعد الاستعمال ، بحيث صار لا يُطلق على غير هذا الفرد ، كالنجم فإنه اسم / للثريا وغيرها ، وكان يطلق على فرد ، ثم غلب على 9 أ الثريا ، فصار إذا قيل النجم لا يُغهم منه إلاّ الثريا ، وبالغلبة التقديرية لفظ عام، لم يستعمل إلاّ في فرد من أفراده ، إذا عرفت هذا ، فقال الجمهور : اللفظ الشريف علم شخصي جزئي وإن كان هذا لا يقال إلاّ في مقام التعليم ، وقال البيضاوي : يُحتمل أن يكون عَلَما بالغلبة التقديرية ، وعلل ذلك بأمور ثلاثة ، الأول :
ـ الأول : / الاشتقاق بينه وبين إله ، وهو التوافق في اللفظ والمعنى ، أي أنْ حروف9 ب الله هي حروف إله ، والمعنى واحد ؛ لأن معنى لفظ الجلالة المعبود بحق ومعنى إله عبد بحق ، فتوافقا في المعنى ، أي فوجود معنى الاشتقاق المذكور دليل على أنه عَلَم بالغلبة التقديرية ، وردَّه الشهاب الملوي بأنّ هذا المعنى ، أعني التوافق في اللفظ والمعنى موجود في الأعلام الشخصية ، مثلا / إذا سمي شخص 10 أ حجة الإسلام ، وكان في الواقع كذلك فقد حصل التوافق بينه وبين المعنى الإضافي الذي هو الأصل في اللفظ والمعنى .أ هـ
المراد منه :أي فلم يلزم من التوافق المذكور نفي العلمية الشخصية ، وردّه شيخنا بأنّ هذا إنما يتجه به الرد على البيضاوي لو كانت العَلَمية محققة ، أي والواقع ليس كذلك ؛ لأن الغرض أنّا لم نتحقق أنه عَلَم بالوضع ، بل يحتمل أن / 10 ب يكون عَلَما بالغلبة التقديرية ، اهـ
المراد منه وفيه أنّ ما قاله الشهاب ردّ للدليل ، فكأنه يقول تخلف المدلول على الدليل في الأعلام الشخصية .(1/5)
ـ الثاني : أنه لوكان اللفظ عَلَما شخصيا لم يفد طاهر قوله تعالى : [وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ] (1) معنى صحيحا ؛ لأن المعنى حينئذ ، والذات المعنية في السموات وفي الأرض ، وهو باطل ، ورده الشهاب الملوي بأن الجار والمجرور متعلق / بـ[ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ] (2) ، قال شيخنا : وهذا لا يحتاج له بعد قول11 أ البيضاوي ظاهر قوله تعالى ، وهو وجيه .
ـ الثالث : إنّ ذاته تعالى من حيث هي ، أي بقطع النظر عن أوصافها غير معقولة للبشر ، فلا يمكن أنْ يدل عليها بلفظ ، أي لا يمكن أن يستعمل فيها أحد لفظا ؛ لعدم علمه بها ، ورده الشهاب أيضا بأن الواضع هوالله تعالى ، قال شيخنا : وهذا الرد منه سهو / لأن كلام البيضاوي في الدلالة حال استعمالنا ، فكيف يُردعليه بأن 11 ب الواضع هو الله بعد قوله : ذات الله لا يمكن أنْ يدلّ عليها ، فأنت تراه قد التفت للدلالة ، ولم يلتفت للوضع ، ولو (3) التفت له لقال : لا يمكن أنْ يوضع لها ، نعم لو ردّ على البيضاوي بأنه يمكن أن يدلّ عليها بوجه ما ، بأن نتوصل في الدلالة عليها بأوصافها لكان حسنا ، فإن قيل : إذا كانت / هي التي جاءت الدلالة12أ بسببها كانت هي المستعمل فيها اللفظ ، لا في الذات ، قلنا : لا يلزم من كون الصفة جهة دلالة أن تكون هي المستعمل فيها ، أ هـ ، بالمعنى .
الثالث : قال الشهاب الملوي : لو كان اللفظ الشريف عَلَما بالغلبة التقدبرية لما أفادت الكلمة المشرّفة التوحيد ، إذ يصير المعنى عليه : لا إله إلاّ هذا الأمر الكلي ، وهي تفيده إجماعا من غير احتياج إلى قرائن ، أو عرف ، /انتهى . ... ... ... 12 ب
__________
(1) الأنعام 3
(2) الأنعام 3
(3) كتبت : وإن .(1/6)
قال شيخنا : وهذا لا ينهض على البيضاوي ؛ لأن عرق الشركة انقطع بالغلبة ، وقوله من غير احتياج إلى قرائن ، أو عرف غير محتاج إليه ؛ لأن هذا ليس من باب الاحتياج إلى قرائن ،أوعرف لما عرفت من أنّ الغلبة تقطع عرق الشركة ، على أنّا لا نُسلِّم نفي العرف العام في الخطابات ، قال الشيخ الملوي : ولإنه يلزم عليه ، أي على جعله عَلَما بالغلبة التقديرية / استثناء الشيء من نفسه إذا أُريد بالإله المعبود بحق . ... ... 13 أ
... وقال غيره : يلزم الكذب إنْ أُريد بالإله مطلق معبود ، وقد عرفت ردّه مما سبق من أنّ الغلبة قطعت عرق الشركة ، فلم يلزم استثناء الشيء من نفسه .
خاتمة : قد عرفت أنّ الإعراب الذي سبق هو إعراب الجمهور ، وقال بعضهم : إنّ الاسم الشريف مبتدأ ، وإله خبر مقدم ، ودخلت لا ، وإلاّ لإفادة الحصر/ وقد عرفت 13 ب
أيضا مما سبق أنّ النفي مُنصبٌ على المعبود بحق في الواقع ، وليس منصبا على ما في أذهان الكفار ، كما قيل ، إذ يصير المعنى عليه :لا معبود بحق في أذهان الكفار إلاّ الله ، وهم لا يقولون بذلك ، إذ يقولون إنّ المعبودات بحق متعددة ، وحينئذ لا يصح الحصر ، وعرفت أنّ الاستثناء متصل ، لا منقطع ، وعرفت توجيه المتصل ، وتوجيه بعضهم أنه / منقطع ولمَّا رأى بعضهم التوجيهين قال : إنّ الاستثناء قي لا إله إلاّ الله لا متصل 14 ولا منقطع ، ويُرد بأنه لا ثالث للقسمين .
... ... ... وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ،
... ... ... كلما ذكرك الذاكرون ، وغفل عن ذكرك الغافلون .
تمت بحمدالله وعونه ، وحسن توفيقه
... ... ... ... وصلى الله على سيدنا محمد
... ... ... ... ... وأله ةصحبه وسلم .(1/7)