رسالة
للمتأخرين عن الإنجاب
إعداد
محمد بن علي العرفج
الحمد لله القائل: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ àM"ysد="¢ء9$# يژِچyz عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا يژِچyzur أَمَلًا (46) } [الكهف: 46]، والصلاة والسلام على رسوله القائل: "تزوجوا الودود، الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة"، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن مما لاشك فيه أن حب الأولاد من بنين وبنات شيء فطري، جبل عليه الإنسان، وهو من محاسن الإسلام؛ لبقاء النوع البشري ولعمارة الكون، وغيرها من الفوائد الكثيرة.
وفي هذه الرسالة ــ أخي الكريم ــ أخاطب شريحتين من شرائح المجتمع في هذا الجانب، كلاِّ بما يناسبها:
الأولى: هم أولئك المتأخرون عن الإنجاب بغير قصد، ولديهم رغبة جامحة، ونفوسهم تتوق إلى رؤية نسلهم وخلفهم، وتأخروا عن الإنجاب مع تلمسهم لأسبابه، بتقدير الله جل وعلا.
الثانية: المتأخرون عن الإنجاب بقصد، وهم أولئك الذين أخروا مسألة الإنجاب، وبرروا عملهم بمبررات واهية، أو تأثروا بشبه تلقفوها من هنا وهناك.
وهذه الرسالة محاولة لتلمس المشكلة وبيان علاجها بالدليل الشرعي، وبيان أقوال أهل العلم في ذلك، نصيحة لعامة المسلمين التي حثنا عليها نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
أسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً صواباً، وأن ينفع بهذه الرسالة كل من قرأها، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد.
الفصل الأول
المتأخرون عن الإنجاب بغير قصد
الأبناء والبنات من زينة الحياة الدنيا، كما قال تعالى:(1/1)
{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ دo4quٹysّ9$# الدُّنْيَا } [الكهف: 46]، لذا فإن من تزوج ولم يرزق بأولاد فإنه يعمل المستحيل من أجل إنجاب الأولاد، ومن رزق بالبنين فإنه يتمنى أن يكون له بنات، ومن رزق بالبنات فإنه يتمنى أن يكون له بنين، وتلك سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولكن الله سبحانه بحكمته وتدبيره قسم بين العباد، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال سبحانه: { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ ِNكgم_حiru"مƒ $ZR#uچّ.èŒ وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ زOٹد=tو قَدِيرٌ (50) } [الشورى: 49 ــ 50].
الأسباب المهمة لعلاج مشكلة هذا القسم:
السبب الأول: الرضا بالقضاء والقدر والصبر على ذلك:
من المعلوم أن الرضا بالقضاء والقدر من أركان الإيمان الستة، التي لا يتم إيمان عبد إلا بتحقيقها جميعاً، وإن الواجب على المسلم والمسلمة الاستسلام لقضاء الله وقدره والرضا بحكمه سبحانه، والحمد والشكر لعطائه ومنعه، والحذر كل الحذر من التبرم من قسمة الله، فبعض الناس هداهم الله خاصة حينما لا يرزقون إلا بنات يتبرمون من ذلك، وربما آذوا نساءهم، والمعطي والمانع هو الله لحكمة بالغة، فليس ذلك بيد المرأة ولا الرجل، بل المرأة محل الحرث والنسل.
ومن عرف طبيعة الدنيا وما جبلت عليه من الكدر والمشقة والبلاء هان عليه ما يلاقي فيها من أنواع
المكاره والمصائب.
طبعت على كدر وأنت تريدها
ڑٹڑ
ڑڑصفواً من الأقذار والأكدار(1/2)
وكما قيل: الشيء من معدنه لا يستغرب. وهذا مصداق قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) } [البلد: 4]، وعدم الإنجاب من مشاكل الحياة ومصائبها، والتي أخبرنا عنها ربنا بقوله: { Nن3¯Ruqè=ِ7sYs9ur بِشَيْءٍ مِنَ إ$ِqsƒù:$# وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ ةA¨uqّBF{$# وَالْأَنْفُسِ دN¨uچyJ¨W9$#ur حچدe±o0ur الصَّابِرِينَ (155) } [البقرة: 155]، فإنك لو تأملت أحوال الناس فإنك لن تجد فيهم من سلم، إما بفوات محبوب أو حصول مكروه، فعليك بالرضا بقدر الله، والثقة واليقين بعظيم الجزاء من الله كما وعدك ربك، فقال: { إِنَّمَا '¯ûuqمƒ tbrمژة9"¢ء9$# Nèduچô_r& بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]، وثق بقرب الفرج، فإن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا، ومن ليل المحنة يشع فجر المنحة، كما قال سبحانه: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ #¶ژô£ç" (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ #[ژô£ç" (6) } [الشرح: 5 ــ 6].
السبب الثاني: الدعاء سلاح المؤمنين:
الدعاء عبادة عظيمة من أشرف العبادات مرتبة، وأقربها إلى الله منزلة، وبه تكون حياة القلوب، وتفريج الكروب، وإغاثة اللهفات، وتنزل البركات.
قال ابن القيم ~: (الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل).
وكان عليه الصلاة والسلام يربي صحابته الأخيار على أن يكونوا موصولين بالله تعالى في كل مناسبة، وكم من القرآن العظيم من الدعوات الكريمة لخيار خلق الله وصفوته من عباده، يستعينون به على تحصيل المطالب ودفع المعاطب.
وإن المصيبة والخذلان أن يحال بين المرء وبين الدعاء عندما ينزل بلاء أو يشتد كرب أو تعظم حاجة.(1/3)
وهو عبادة سهلة ميسرة، لا يقيدها زمان ولا مكان، ومن أخذ به فإنه قد أخذ بسبب عظيم من أسباب رفع البلاء ودفع الشقاء، وكم من بلاء رفع بسبب الدعاء، وكم من بلية ومحنة وقعت دفعها الله بالدعاء، فهو حرز للنفس من الشيطان، وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة من نصر وعز وتمكين ورفع درجات في الدنيا والآخرة استجلبت بسبب الدعاء، فلله ما أعظم هذا السلاح والكنز العظيم الذي غفل عنه الكثيرون اليوم بسبب الإغراق في الحياة المادية:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
ڑٹڑ
ڑڑوتنسى ما فعل الدعاء
ٹڑ
ڑسهام الليل لا تخطي ولكن
ڑٹڑ
ڑڑلها أمد وللأمد انقضاء
وإذا كانت هذه الفضائل كلها لهذه العبادة الجليلة فحق علينا أن نعرف آدابها، والأسباب التي تجعل من اتصف بها حريًّا بالإجابة، والموانع التي يجب على العبد الحذر منها حتى لا ترد دعوته، وسأذكر ذلك بشيء من الإيجاز مع ذكر دليله من القرآن والسنة.
أولاً: آداب الدعاء:
1 ـ استقبال القبلة، كما فعل عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر.
2 ــ رفع اليدين عند الدعاء، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إن ربكم حيي ستير، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً".
3 ــ تقديم الحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام، سمع رسول الله @ رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي @ فقال رسول الله @: "عجلت أيها المصلي" ثم علمهم رسول الله @.
4 ــ إخفاء الدعاء، قال تعالى: { (#qممôٹ$# رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } [الأعراف: 55].
5 ـ تكرير الدعاء والإلحاح فيه، كما فعل عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر.
6 ــ الإتيان بجوامع الدعاء من القرآن والسنة.
7 ـ ختم الدعاء بما يناسب حال الداعي، فإن سأل الله الولد ـ مثلاً ـ فيستحب أن يختم دعاءه بصفة من صفات الله المناسبة لهذا الطلب كالرزاق والوهاب والجواد وغيرها.
ثانياً: أسباب قبول الدعاء:(1/4)
1 ــ حضور القلب، (فإن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه).
2 ــ العزم في الدعاء، (لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له).
3 ــ التوسل بالأعمال الصالحة، كما في حديث الثلاثة النفر الذين انطبق عليهم الغار، وفيه: (انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها، لعل الله أن يفرجها).
4 ــ اغتنام الأوقات والأحوال والأماكن الفاضلة، وهذا باب عظيم يجب على الداعي أن يتعرف على هذا من خلال الأدلة الشرعية، وهو كثير، ولكن أذكر منه على سبيل المثال لا الحصر.
فالأوقات الفاضلة: كشهر رمضان وخاصة العشر الأخيرة منه، وساعة الجمعة، وفي الأسحار، وفي جوف الليل الآخر.
والأماكن الفاضلة: كمكة، وفي بعض المشاعر لمن كان حاجاً.
والأحوال الصالحة: بعد الوضوء، بين الآذان والإقامة، وعند إقامة الصلاة، وحال السفر والصيام، وفي السجود، ودعوة الوالد، ودعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المظلوم.
ثالثاً: موانع الإجابة:
1 ــ الدعاء بإثم أو قطيعة رحم: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل"، قيل: يا رسول الله: ما الاستعجال؟ قال: "يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أر يستجب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء".
2 ــ أكل المال الحرام، قال رسول الله @: "أيها الناس إن الله طيب... " وذكر الحديث وفيه: "ويرفع يديه إلى السماء يا رب ومأكله حرام ومشربه حرام، فأنَّى يستجاب له".
3 ــ الاعتداء في الدعاء، قال @: "إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء".
وقال تعالى: { (#qممôٹ$# رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) } [الأعراف: 55].
4 ـ الاستعجال في الدعاء: يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل.
السبب الثالث: الاستغفار:(1/5)
من حكمة الله تعالى ورحمته أنه حينما خلق هذا الخلق وعلم ما فيهم من ضعف، وما هم عليه من قصور ونقص، قد يحملهم على ارتكاب الذنوب والمعاصي، فتح لهم سبحانه باب الأمل والرجاء في العفو والمغفرة، وأمرهم أن يلجؤوا إلى ساحات كرمه وخزائن فضله، فهو سبحانه رحيم بمن رجاه، قريب ممن دعاه، والخطأ والتقصير مما جبل عليه البشر، والسلامة من ذلك مما لا مطمع فيه لأحد، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، قال رسول الله @: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، وجاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا اغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني اغفر لكم".
ومن واسع فضل الله على العباد أنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يغفر الذنوب كلها، فعلى العبد ألا يقنط من رحمة ربه وإن عظمت ذنوبه وكثرة آثامه، فقد قال - عز وجل -: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } [الحجر: 56].
روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك > قال: سمعت رسول الله @ يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرضي خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة".
ولأهمية الاستغفار ومكانته العظيمة عند الله سبحانه فقد ذكره الله في مواضع من كتابه، ووردت آيات كثيرة جداً تختم باسمين من أسماء الله - عز وجل -: { الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، حتى يرغب عباده في مغفرته ورحمته وحلمه وعفوه، فيتوددون إليه بالطاعات وترك المعاصي والمنكرات، مستجيبين لأمره بكثرة الاستغفار والتوبة، كما أمرهم - سبحانه وتعالى - حيث قال:(1/6)
{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 199].
وامتدح الله الأنبياء وعباده الصالحين بأنهم يستغفرون ربهم في آيات عدة، حيث قال سبحانه: { وَكَأَيِّنْ مِنْ &cسة<¯R قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ ضژچدWx. فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا $sYt/qçRèŒ $sYsù#uژَ خ)ur فِي $tRحچّBr& وَثَبِّتْ $sYtB#y‰ّ%r& وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ دouچ½zFy$# وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) } [آل عمران: 146 ــ 148].
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ $sYs9 $sYدR¨uq÷z\}ur الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا !$sY/u' y7¯Rخ) رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) } [الحشر: 10].
وقد أخبر النبي @ عن فضل لزوم الاستغفار، حيث قال: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيثُ لا يحتسب".
ولقد أمر الله تعالى رسوله @ وهو أتقى الخلق بإخلاص الدين وإدامة الاستغفار، فقال - عز وجل -: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ y7خ7/Rs%د! وَلِلْمُؤْمِنِينَ دM"sYدB÷sكJّ9$#ur } [محمد: 19].
فكان @ ملازماً للاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، حتى قال عن نفسه @: "والله إني لاستغفر وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" [رواه البخاري في صحيحه].
وروى أبو داود والترمذي وصححه عن ابن عمر { قال: كنا نعد لرسول الله @ في المجلس الواحد مائة مرة يقول: "رب اغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم".
وقت الاستغفار:(1/7)
يشرع الاستغفار في كل وقت وكل حين، في دبر الصلاة وفي ختام المجلس أو ختام الحديث، كما جاء عن النبي @ أنه ما كان يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" فحينما سئل عن ذلك قال @: "لا يقولهن من أحدٍ حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان منه في ذلك المجلس".
بعد أن فرغ رسول الله @ من تبليغ رسالة ربه، وبلّغ البلاغ المبين، أمره ربه أن يكثر من الذكر والاستغفار، فقال سبحانه: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ د‰ôJut؟2 رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ $L/#qs? (3) } [النصر: 1 ــ 3].
وكان عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من صلاته بادر إلى الاستغفار.
حجاج بيت الله الحرام مأمورون بالاستغفار بعد الإفاضة من عرفة والمشعر الحرام، { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ ك]ّxm أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) } [البقرة: 199].
ومن الأوقات المفضلة للاستغفار أوقات السحر في الثلث الأخير من الليل. قال الله تعالى عن صفات المتقين: { كَانُوا Wxد=s% مِنَ اللَّيْلِ مَا tbqمèyf÷ku‰ (17) ح'$utôF{$$خ/ur هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) } [الذاريات: 17 ــ 18]، وقال تعالى: { الَّذِينَ يَقُولُونَ !$sY/u' !$sY¯Rخ) آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا $sYt/qçRèŒ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ ڑْïحچدےَّtGَ،كJّ9$#ur بِالْأَسْحَارِ (17) } [آل عمران: 16ــ 17].
فضل الاستغفار:
كثرة التوبة والاستغفار من أسباب تنزل الرحمات الإلهية، قال سبحانه: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ ڑcqكJxmِچè? } [النمل: 46].
وهو من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، قال - عز وجل -:(1/8)
{ (#ûqç/qè?ur إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ِ/ن3¯=yès9 ڑcqكsد=ّےè? } [النور: 31].
إذا كثر الاستغفار في الأمة وعم أفرادها، وصدر عن قلوب موقنة مخلصة دفع الله به عن العباد والبلاد ضروباً من البلاء والنقم، وصنوفاً من الرزايا والمحن، قال - عز وجل -:
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33]، قال أبو موسى >: كان لنا أمانان: ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا، فإن ذهب هلكنا.
كثرة التوبة والاستغفار من أعظم الأسباب لحلول الأمن في البلاد، وإضفاء الطمأنينة في نفوس العباد، وهو وحده الكفيل بحفظ أمة الإسلام في كافة بلادها، ومختلف مجتمعاتها، من كل ما تخشى وتحاذر.
أثر الاستغفار:
الاستغفار له فضائل ومنافع ــ في الدنيا والآخرة على الفرد والجماعة ــ جلاَّها لنا ربنا في كتابه، وأفصح عنها رسوله @ فيما صح من خبره، تحمل أهل الإيمان وأرباب التقوى على المسارعة إليه، وكثرة الاتصاف به، فمن ذلك:
غفران جميع الذنوب:
الاقتداء بالرسول @ وما يتبع ذلك من البركة وحصول الخيرات، فقد كان @ يستغفر الله في المجلس الواحد سبعين مرة، وفي رواية مائة مرة.
حصول الخيرات:
* حيث إنه سبب لنزول الغيث المدرار.
* وحصول البركة في الأرزاق والثمار.
* وكثرة النسل والنماء.
قال سبحانه حكاية عن نوح #: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) /ن.ôٹد‰ôJمƒur 5A¨uqّBr'خ/ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ #Xچ"pk÷Xr& (12) } [نوح: 10 ــ 12].
سبب للمتاع الحسن والحياة الطيبة الهانئة:
{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ (#ûqç/qè? إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا $·Z|،xm إِلَى 5@y_r& 'wK|،-B وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي 5@ôزsù فَضْلَهُ } [هود: 3].(1/9)
في ملازمة الاستغفار تفريج الكرب والهموم، والمخرج من ضائقات الأمور.
حصول الرزق من حيث لا يحتسب العبد:
قال @: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
وقال تعالى على لسان نبيه نوح عليه وعلى جميع الأنبياء الصلاة والسلام: { ثُمَّ 'دoTخ) دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ 'دoTخ) أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) /ن.ôٹد‰ôJمƒur 5A¨uqّBr'خ/ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ #Xچ"pk÷Xr& (12) } [نوح: 8 ــ 12].
واستدلالاً بهذه الآية كان السلف يفتون بكثرة الاستغفار لمن جاءهم يشكو القحط، أو عدم الإنجاب للأولاد، أو لقلة ذات اليد.
المحافظة على سلامة القلب وصفائه من آثار الذنوب، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة > قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب: صقل قلبه". وقد قال رسول الله @: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".
الاعتراف بالتقصير في الطاعات والخوف من الذنوب هو مطية الإقبال على التزود من النوافل وعمل الصالحات والاستكثار من الحسنات.
أنه يذهب الحزن والغم، فعن ابن عباس { عن النبي @ قال: "من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب".
من ثمرات الاستغفار تيسير العلم، لأن القلب له نور، ويزداد نوراً وتوهجاً ويصقل كلما استغفر العبد ربه وتاب وأناب، والمعصية تفعل ضد ذلك، فهي تحرم من نور العلم، وقد جاء الشافعي إلى الإمام مالك فأعجب بذكائه وفطنته، فقال له: (إني أرى الله قد ألقى في قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية).
وإن مما يجب التنبيه عليه:(1/10)
إن هذه المنح الإلهية الجزيلة إنما تحصل للمستغفرين الله تعالى حقًّا وصدقاً، فليس الاستغفار أقوالاً ترددها الألسن فحسب، وإنما الاستغفار الحق ما تواطأ عليه القلب واللسان، وندم صاحبه على ما سلف منه من الذنوب والعصيان، وعزم ألا يعود على اقتراف شيء من ذلك، فهذه أركان التوبة النصوح التي أمر الله تعالى بها العباد، ووعدهم عليها تكفير الخطيئات ورفع الدرجات، فقال عز شأنه:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#ûqç/qè? إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ uچدeےs3مƒ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ِNà6n=½zô‰مƒur جَنَّاتٍ "حچّgrB مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [التحريم: 8].
قال الإمام القرطبي ~: "قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار، ويثبت معناه في الجنان، وليس التلفظ بمجرد اللسان، فمن استغفر بلسانه، وقلبه مصرّ على معصيته، فاستغفاره يحتاج إلى استغفار"، وقال بعض العلماء: "من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه".
صيغ الاستغفار من القرآن الكريم:
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم بعض صيغ الاستغفار، ومنها:
" { رَبِّ 'دoTخ) ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي } [القصص: 16].
" { وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ َOxmِ'$#ur وَأَنْتَ مژِچyz tûüدH؟q¨چ9$# (118) } [المؤمنون: 118].
" { رَبِّ اغْفِرْ لِي £"t$د!¨uqد9ur وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ دM"sYدB÷sكJّ9$#ur وَلَا دٹح"s? الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } [نوح: 28].
" { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ستپ{ur $sYù=½zôٹr&ur فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ مNxmِ'r& ڑْüدH؟q¨چ9$# (151) } [الأعراف: 151].
" { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا y7¯Rخ) عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم: 8].(1/11)
" { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا $sYt/qçRèŒ $sYsù#uژَ خ)ur فِي $tRحچّBr& وَثَبِّتْ $sYtB#y‰ّ%r& وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [آل عمران: 147].
" { رَبَّنَا اغْفِرْ $sYs9 $sYدR¨uq÷z\}ur الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا !$sY/u' y7¯Rخ) رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10].
" { !$sY/u' !$sY¯Rخ) آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا $sYt/qçRèŒ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
[آل عمران: 16].
" { $sY/u' فَاغْفِرْ لَنَا $sYt/qçRèŒ وَكَفِّرْ عَنَّا $sYد?$t"حhy™ $sY©ùuqs?ur مَعَ ح'#uچِ/F{$# } [آل عمران: 193].
" { رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا !$sY/u' y7¯Rخ) أَنْتَ الْعَزِيزُ قOٹإ3utù:$# (5) } [الممتحنة: 5].
" { أَنْتَ $sYoد9ur فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ مژِچyz tûïحچدے"tَّ9$# } [الأعراف: 155].
" { سَمِعْنَا $sY÷èsغr&ur y7tR#uچّےنî $sY/u' وَإِلَيْكَ مژچإءyJّ9$# } [البقرة: 285].
صيغ الاستغفار من السنة النبوية:
وأما صيغ الاستغفار من السنة النبوية فذلك البحر الذي لا ساحل له، لذلك سأختار بعضاً منها، فمن ذلك:
صح عنه عليه الصلاة والسلام من جوامع أدعية الاستغفار، ما روى البخاري في صحيحه عن شداد بن أوس > أن رسول الله @ قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".(1/12)
ومن صيغ الاستغفار: استغفر الله سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه، اللهم أغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت، اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وأخره وسره وعلانيته، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
قال ابن أبي جمرة: جمع @ في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالألوهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو. [فتح الباري 11/100، وفيض القدير 4/120].
السبب الرابع: اتخاذ الدواء، ويتمثل في الآتي:
1 ــ الكشف الطبي والعلاج العضوي لدى المتخصصين، فلربما كان السبب شيئاً بسيطاً، وبعد علاج يسير يبدأ الإنجاب بإذن الله.
2 ـ أن يستعمل العلاج الشرعي كالرقية الشرعية بقراءة القرآن واستعمال الأدوية النبوية المذكورة في الطب النبوي.
تنبيهات:
1 ـ على الزوج إذا عرف سلامته وقابليته للإنجاب أن يتزوج أخرى، ويستحسن له بسط الأسباب لزوجته الأولى، وإشعارها بأنه لن يتخلى عنها ولن يقصر في حقها، وأن ما فعله أمرٌ مشروع.(1/13)
2 ـ فإن أنجبت الثانية ولم تنجب الأولى فلا يعيِّرها ولا يعنفها، لأن هذا شيء لا تملكه، وإن لم تنجب الثانية فعلى الأولى ألا تنغص على زوجها ولا تؤذيه، فإن ثبت لها صلاحيتها للإنجاب ولم تنجب معه فلا بأس أن تطلب الفسخ إن رغبت في ذلك، وعلى الزوج أن لا يستعجل في الطلاق، فلربما كانت الزوجة الثانية مفتاح للإنجاب، وغالباً يكون الإنجاب للأولى والثانية، وهذا مجرب.
3 ــ إذا لم يكتب لكما الإنجاب فإياكما واليأس والقنوط فذلك ليس من صفات المؤمنين، وعليكما بالدعاء فقد قال @: "الدعاء هو العبادة" ولنذكر شروط الدعاء المستجاب فإن الله لا يقبل إلا الطيب لقوله @: "إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً" ويحرص الداعي أن يكون على تقوى من الله، لأن التقوى سبب الفوز في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27].
4 ــ اغتنام الأزمان الفاضلة والأماكن المعظمة التي تضاعف فيها الحسنات وتتنزل فيها الرحمات كالمسجد الحرام والمشاعر المقدسة، وإدبار الصلوات والثلث الأخير من الليل وفي رمضان وقبل إفطار الصائم وغير ذلك.
5 ـ تقديم حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله بين يدي الدعاء، فهو أحرى بالإجابة.
6 ــ أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ 4سo_َ،çtù:$# çnqممôٹ$$sù بِهَا } [الأعراف: 180].
7 ــ أن يعزم المسألة ويوقن بالإجابة، فإن الله تعالى لا مكره له، ولا يتعاظمه شيء.
8 ـ أن يُكرر الدعاء ويلح فيه، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، قال ابن مسعود: كان # إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً.
9 ــ ألا يدعو المسلم بإثم ولا قطيعة رحم.
تحذير وتنبيه هام:(1/14)
لاشك أن الرجل والمرأة إذا مضى عليهما مدة طويلة ولم يحصل لها إنجاب، فإنهما يسعيان لاستعمال بعض العلاجات الطبية أو القراءات والأذكار القرآنية والنبوية، كي يتم لهما ما أراداه بإذن الله، وهذا لا غبار عليه، ولكن بعض الناس هداهم الله قد يغلب عليهم الحرص الزائد والحب للإنجاب فيكونون كالغريق إذا أشرف على الموت، يتمسك بأي شيء، فيخرجون عن الطوق، ويتساهلون في كل شيء حتى بالعقيدة، فيعمون ويصمهم الهوى والعاطفة فليحرص المسلم على حفظ توحيده، فلا يذهب إلى الكهنة والعرافين والدجالين، كما يفعل بعض الجهال، فقد حذر المصطفى @ عن ذلك بقوله: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد @"، وفي رواية: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" وعلى المسلم أن يلجأ إلى الله الذي يقول:
{ 'دTqممôٹ$# َ=إftGَ™r& لَكُمْ } [غافر: 60]، وسؤال الله كما فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومنهم زكريا # حيث قال: { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ Zpƒحh'èŒ طَيِّبَةً } [آل عمران: 38]، أي ولداً صالحاً، والذرية: النسل، يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى. والمراد هنا ولد واحد ــ وذلك يدل على أن الصلاح المبني على توحيده وإفراده بالعبادة في الأقوال والأعمال والاعتقادات؛ أشرف مقامات السالكين الذين يرجون الله ويخافونه ويحبونه ويحسنون الظن بربهم - سبحانه وتعالى - رغبة فيما عند الله ورهبةً من عقابه ورجاءً في ثوابه، مع المسابقة إلى الخيرات وفعل الطاعات، إخلاصاً لله وتأسياً برسولنا محمد @ وعلى آله وصحبه أجمعين، جعلنا الله من أتباعهم.
ما المقصود بالعقم؟
العقم: هو عدم الإنجاب ــ سواء أكان سبب هذا العقم من الرجل أو من المرأة أو من كليهما معاً. وقد تحدث القرآن عن زكريا # أنه قال: { رَبِّ لَا 'دTِ'xs? فَرْدًا وَأَنْتَ مژِچyz ڑْüدOح'¨uqّ9$# } [الأنبياء: 89].(1/15)
دعا بهذا الدعاء نبي الله زكريا #، فاستجاب الله له.
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى $sYَsn=ô¹r&ur لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا ڑcqممحچ"|،ç" فِي دN¨uژِچy‚ّ9$# $sYtRqممô‰tƒur رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } [الأنبياء: 90].
وقال تعالى عنه وهو يتضرع سبحانه داعياً بخشوع:
{ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ Zpƒحh'èŒ طَيِّبَةً y7¯Rخ) سَمِيعُ الدُّعَاءِ }
[آل عمران: 38].
دلت هذه الآية على مشروعية طلب الولد، وهي سنة المرسلين والصديقين، قال الله تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ y7د=ِ6s% وَجَعَلْنَا لَهُمْ %[`¨urّ-r& Zpƒحh'èŒur } [الرعد: 38]، وقال:
{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ $sY/u' هَبْ $sYs9 مِنْ $uZإ_¨urّ-r& $sYدG"ƒحh'èŒur قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [الفرقان: 74]، وقال مخبراً عن إبراهيم الخليل:
{ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي tûïحچ½zFy$# (84) } [الشعراء: 84]، وروي من حديث أنس قال: قال النبي @: "أي رجل مات، وترك ذرية طيبة، أجرى الله له مثل أجر عملهم، ولم ينقص من أجورهم شيئاً".
وخرج ابن ماجه عن عائشة قالت: قال رسول الله @: "النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، وأخرج أبو داود من قوله @: "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم"، والأخبار في هذا المعنى كثيرة، تحث على طلب الولد وتندب إليه؛ لما يرجوه الإنسان من نفعه في حياته وبعد موته، روى مسلم وغيره أنه @ قال: "إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث"، فذكر: "أو ولد صالح يدعو له" ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية.(1/16)
ودلت الآية أيضاً على أن الواجب على الإنسان أن يتضرع إلى ربه وحده لا شريك له أن يهدي ولده وزوجه وطلب التوفيق لهما، والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونوا مُعينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه.
ألا ترى قول زكريا: { وَاجْعَلْهُ رَبِّ $wإتu' } [مريم: 6]، وقال: { $sY/u' هَبْ $sYs9 مِنْ $uZإ_¨urّ-r& $sYدG"ƒحh'èŒur قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [الفرقان: 74]، ودعا رسول الله @ لأنس، فقال فيما رواه البخاري ومسلم: "اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه".
فليحذر المسلم من دعاء الأموات أو القبور أو الأنبياء أو الأولياء أو الملائكة أو الجن، كما يفعله بعض الجهال، وإنما يستعين بالله وحده { x8$ƒخ) نَعْبُدُ x8$ƒخ)ur نَسْتَعِينُ (5) } [الفاتحة: 5]، ويدعو الله وحده { وَأَنَّ y‰إf"|،yJّ9$# لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) } [الجن: 18].
قال المفسرون رحمهم الله تعالى:
ينبغي للإنسان أن يطلب ولداً من الصالحين، لأنه من سنن الأنبياء والمرسلين، ذلك لأن الصلاح أفضل الصفات بدليل أن إبراهيم الخليل # طلب الصلاح لنفسه فقال: { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا سة_ّ)إsّ9r&ur ڑْüإsد="¢ء9$$خ/ (83) } [الشعراء: 83]، وطلبه لولده فقال: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ tûüإsد="¢ء9$# (100) } [الصافات: 100]، وأثنى به عليه ربه فقال: { çm"sY÷ s?#uنur فِي الدُّنْيَا ZpuZ|،xm وَإِنَّهُ فِي دouچ½zFy$# لَمِنَ tûüإsد="¢ء9$# (122) } [النحل: 122]، وطلبه سليمان # فقال: { سة_ù=½zôٹr&ur y7دGuH÷quچخ/ فِي عِبَادِكَ ڑْüإsد="¢ء9$# } [النمل: 19]، وطلبه يوسف # فقال: { سة_©ùuqs? $VJد=َ،مB سة_ّ)إsّ9r&ur tûüإsد="¢ء9$$خ/ } [يوسف: 101].(1/17)
كما اهتم إبراهيم # بطلب الولد من الله سبحانه بقوله: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ tûüإsد="¢ء9$# (100) } [الصافات: 100]، فإنه كان شديد الحرص على أن يكونوا طائعين لله موحدين غير مشركين، وفي سورة إبراهيم #:
{ سة_ِ7مYô_$#ur ¢سة_t/ur أَنْ نَعْبُدَ tP$sYô¹F{$# } [إبراهيم: 35]، وقال: أي باعدني يارب وبني من عبادة الأصنام واجعل عبادتنا خالصة لك على منهج التوحيد، وهذا دليل على أنه ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته بما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة ثم قال إبراهيم: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ 'دn1u' لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) } [إبراهيم: 39]، هذا حمد وشكر من إبراهيم # لربه جل وعلا على ما رزقه من الولد بعد الكبر أي الحمد والشكر كله لله، الذي أعطاني ومنحني الولد بعد الكبر واليأس من الولد، حيث أعطاني ولدين هما إسماعيل من أمه هاجر، وإسحاق من أمه سارة.
وإنما قدم إسماعيل لأنه كان أكبر من إسحاق، وهو الذي بشر به في سورة الصافات خاصة، وأما الذي بشر به في المواقع الأخرى من القرآن فهو إسحاق، كما في هود والذاريات، وقوله تعالى: { عَلَى الْكِبَرِ } ، لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم، إذ الظفر بالحاجة وقت اليأس من أعظم النعم، وهي دالة على آيات الله وقدرته، وأنه لا يعجزه شيء سبحانه.
وكذلك من علاج العقم كثرة الاستغفار:
وذلك لقوله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) /ن.ôٹد‰ôJمƒur 5A¨uqّBr'خ/ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ #Xچ"pk÷Xr& (12) } [نوح: 10 ــ 12].
وعن ابن عباس { قال: قال رسول الله @: "من لزم الاستغفار؛ جعل لله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لايحتسب" [رواه
أبو داود].
وخلاصة القول:(1/18)
يقول رسول الله @ ما أنزل الله من داء إلا وجعل الله له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فلابد من الرجوع إلى العلاجات السابقة، ويضاف إلى ذلك الاستغفار فأمره عظيم وشأنه كبير مع التوكل على الله وحده، مع بذل الأسباب المشروعة، والحذر مما حرمه الله علينا من السحر والكهانة والعلاجات المشبوهة والمحرمة.
وليعلم الزوجان أن الفرج مع الصبر، وأن مع العسر يسراً. فهذا إبراهيم # حصل له الولد هو وزوجته من الكبر عتيا (عمراً طويلاً) هذا في ماضي أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، وفي العصر الحاضر من الناس من مكث عشرين عاماً وثلاثين عاماً ثم رزقهم الله الذرية.
والبحث عن العلاجات الطبية المباحة أمر مشروع، مع الحذر من الطرق الطبية المشبوهة التي يحذر منها علماء الإسلام وعقلاء البشرية.
} - { } - {
الفصل الثاني
المتأخرون عن الإنجاب بقصد وإرادة
سبق في الفصل الأول فريق من الناس حرموا من نعمة الإنجاب، وابتلوا بعدم الذرية، وفقد الأولاد، اختبار من الله وابتلاء وحكمة أرادها سبحانه، لا يسأل عما يفعل وكل يوم هو في شأن، لذا لم ييأس هؤلاء من البحث والتنقيب واتخاذ الوسائل والأسباب التي قد يكون فيها الفرح وزوال الغمة وحلول الفرج وقدوم طفل يملأ على الأبوين الدنيا بهجة وسعادة، فنسألك اللهم أن تهب لهؤلاء المحرومين ما تقر به أعينهم، ويملأ عليهم بيوتهم فرحة وهناء وحبوراً وسروراً.
بينما في هذا الفصل نتعرض لأولئك النفر الذين مد الله لهم ووهبهم وأعطاهم، ثم هم يردون عطايا ربهم وهباته سبحانه، فتراهم إذا أنجب الواحد منهم ولداً أو اثنين رفع شعارات ولفتات: تحديد النسل، تنظيم النسل، ومنع النسل، يرددون مقولات أقوام لا خلاق لهم ولا دين لديهم.(1/19)
ولقد وفق الله - سبحانه وتعالى - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية(1)، فبحثت موضوع تحديد النسل فأفادت وأجادت، ونحن هنا نورد خلاصة هذا البحث، ليعم النفع به وينتشر في أوساط المسلمين، عسى أن يرد الله به الشارد ويهدي به الضال والحيران ويفيق السكران.
شرع الله جلت حكمته الزواج لحكم كثيرة منها: أنه أحصن للفرج وأغض للبصر. ومنها: الإبقاء على الجنس البشري في الأرض لعمارتها وإصلاحها. ومنها: كثرة الأولاد الذين يتم بهم بناء الأسرة وتقوى بهم الأمة ويتحقق التعاون بينهم لعمارة الأرض.
أما بواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة.
إن الدعاة إلى تحديد النسل ومنع الحمل قد اعتمدوا على عدة دواع وأسباب في دعايتهم لرأيهم وترويجهم له نذكرها فيما يلي مع مناقشتها:
الأول: إن مساحة الأرض محدودة والتناسل في نمو مستمر وزيادة غير محدودة، فإذا استمر الحال على ذلك ضاقت الأرض بسكانها ولم تسعهم وسائل المعاش وهبط مستواهم في جميع النواحي: صحة وعلماً وثقافة وعاشوا عيشة بؤس وشقاء.
المناقشة:
أولاً: هذا حكم مبناه الخرص والتخمين والنظر الاقتصادي الخاطئ الذي كذبه الواقع، إن الأرض لم تضق بسكانها مع كثرة نموهم وتزايدهم ولم تزل وسائل المعاش تتسع لهم منذ خلقوا إلى يومنا الحاضر.
ثانياً: إن دعوى أن مساحة الأرض التي تصلح للسكنى والزراعة والإنتاج محدودة دعوى غير صحيحة، فإن ما سكن واستثمر منها في الزراعة والإنتاج وإخراج دفائنه وخاماته قدر ضئيل بالنسبة لما لم يسكن وما لم يستغل غير أنه يحتاج إلى تهيئة للسكنى والاستثمار وسعة في العلم بالكونيات وما أودعه الله في الأرض. فعلى تقدير وجود مشكلة فهي لم تنشأ بسبب كثرة النسل ولكن بسبب الجهل بما أودعه الله في الأرض من خيرات وعدم استغلاله وإهمال الناس وإعراضهم عن العمل والسعي.
__________
(1) …مجلة البحوث الإسلامية العدد 5 (ص 111 ــ 128).…(1/20)
ثالثاً: إن الواقع لأقوى وأعدل شاهد وإنه لدليل واضح على خطأ النظرية الاقتصادية التي بنى عليها دعاة تحديد النسل مقالتهم، وقد اضطر بعضهم إلى الرد على من يقول بتحديد النسل وطفقوا يبينوا لهم مخالفته للواقع حينما أحسوا بعواقبه السيئة من ضعف في قوى حماية البلاد والدفاع عنها وفي قوى الإنتاج لقلة الأيدي العاملة. وراحوا يدعون إلى التناسل ويرغبون في كثرته بإعطاء المكآفات إنقاذاً لأنفسهم من الخطر الذي أصابهم من جراء الدعوة المشؤومة إلى تحديد النسل.
رابعاً: إن الدعاة إلى تحديد النسل خشية أن تضيق الأرض بالسكان وبوسائل العيش من كثرتهم مع خطئهم في تقديرهم وقصور عقولهم يظنون بالله الظنون ويتدخلون في تقديره لشئون عباده، وهذا هو الضلال البعيد، قال الله تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود: 6].(1/21)
وقد أنكر الله على المشركين قتل أولادهم خشية الفقر، لاشتماله على جرائم: جريمة قتل النفس، وجريمة ظن السوء بالله، ودخول الإنسان فيما لا يعنيه مما هو شأن من شئون الله، وكل من قتل النفس وظن السوء بالله والدخول فيما هو من شئون الله وحده جريمة، قال الله تعالى: { وَلَا (#ûqè=çFّ)s? أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ ِNèd$ƒخ)ur } [الأنعام: 151]، وقال: { وَلَا (#ûqè=çGّ)s? أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ ِ/ن.$ƒخ)ur إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ $Z"ôـ½z #[ژچخ6x. (31) } [الإسراء: 31]، وقال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) } [الإسراء: 36]، فمن حدد النسل بإجهاض قد يكون مرتكباً لهذه الجرائم الثلاث أو لبعضها، ومن حدده بمنع الحمل بوسيلة غير الإجهاض فهو مرتكب لجريمة ظن السوء بالله، وجريمة الدخول فيما هو من شئونه وحده، وكفى بذلك عدواناً وضلالاً مبيناً.
الثاني: أن طبقات الناس متفاوتة: غني وفقراً، والطبقة الفقيرة لا تتسع ثروتها لتربية الأولاد تربية تكفل لهم السعادة والهناء، وليس في أموالهم ما ينهض بتعليمهم تعليماً عالياً يسمون به وتسمو به أمتهم ومع زيادة العدد تشتد الكارثة ويعجز الأولياء عن القيام بشئونهم تغذية وكسوة وتعليماً على ما يرام.(1/22)
والمناقشة: هذه الشبهة وليدة للشبهة الأولى وصنو لها، فيجاب عنها بما تقدم ثم هي لا تزيد على أن تكون دعاية لتحديد النسل بتزيين الباطل والتلبيس على الناس ليخدعوهم عن مقتضى نظرتهم السليمة التي فطرهم الله عليها ويصدوهم عن مصدر سعادتهم، فإن الأولاد هم الأيدي العاملة وهم مصدر الثروة والنماء وزيادة الرخاء فبكثرتهم تكثر الخيرات ويزداد العمران وتنهض الأمم في جيشها وقوتها وعلمها واختراعها وإنتاجها ورعايتها لجميع مرافق حياتها، وكثيراً ما وجدنا بيوتاً قد فتحت على أيدي الأولاد وعمها الخير والرخاء، وكثيراً ما شاهدنا العلماء من أبناء الفقراء والطبقات المتوسطة، وأنهم نهضوا بأممهم وقاموا بمصالحهم وكانوا ملاك سعادتها وزهرة حياتها وعنوان مجدها، فإن تخلف شيء من ذلك فهو من الفوضى والإهمال والتفريط لا من زيادة التناسل.
الثالث: زعم دعاة تحديد النسل أو منع الحمل أنه يحفظ للمرأة صحتها وجمالها وأن تتابع الحمل والولادة وما يتبع ذلك من رعايتها لأولادها وقيامها بشئونهم ورعايتها لهم وسهرها على مصالحهم يهدم كيانها ويذهب قواها وجمالها ويحدد حياتها الزوجية، فقد يزهد فيها زوجها فيطلقها أو ينصرف عنها إلى غيرها لسوء حالها واشتغالها عنه بأولادها.
المناقشة: إن هذه الشبهة إنما يتشدق بها ويروج لها من طغت عليه شهوته الحيوانية وانحرفت فطرته الإنسانية، فلا هم له إلا الاستمتاع بزوجته وقضاء وطره منها ويفر من تكاليف الذرية وتحمل أعبائها استجابة لدواعي الشهوة البهيمية وإيثاراً لجانب اللذائذ الحيوانية.
كما أن عزل المرأة عن وظيفة الحمل والولادة يولد فيها عقداً نفسية ويورثها بؤساً وكآبة تذهب بجمالها وحسن رونقها وإذا استعملت لمنع الحمل أو إسقاطه العقاقير وأمثالها زادها ذلك همًّا وضاعف آفاتها ومضارها. ولاشك أن هذا الخطر يزيد على ما يذكره دعاة تحديد النسل في شبهتهم من المضار الناشئة عن كثرة الحمل والولادة.(1/23)
الحكم مع الدليل: تبين مما تقدم أن ما ذكره الدعاة إلى تحديد النسل أو منع الحمل من البواعث التي اعتمدوا عليها في ترويج ذلك والدعاية له لا تصلح مبرراً له، بل هي غير صحيحة لمناقضتها الواقع ومنافاتها مقتضى الفطرة والإسلام، وتبين أيضاً أن لتحديد النسل أو منع الحمل بأي وسيلة من الوسائل مضارًّا كثيرة دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية ونفسية وجسمية.
وعلى هذا يكون تحديد النسل محرماً مطلقاً، ويكون منع الحمل محرماً إلا في حالات فردية نادرة لا عموم لها كما في الحالة التي تدعو الحامل إلى ولادة غير عادية ويضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد وفي حالة ما إذا كان على المرأة خطر من الحمل لمرض ونحوه، فيستثنى مثل هذا منعاً للضرر وإبقاء على النفس، فإن الشريعة الإسلامية جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد وتقديم أقوى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين عند التعارض، والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
} - { } - {
قرار رقم 42 وتاريخ 13/4/1396هـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396هـ بحث المجلس موضوع منع الحمل وتحديد النسل وتنظيمه، بناء على ما تقرر في الدورة السابعة للمجلس المنعقد في النصف الأول من شهر شعبان عام 1395هـ من إدراج موضوعها في جدول أعمال الدورة الثامنة، وقد أطلع المجلس على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، وبعد تداول الرأي والمناقشة بين الأعضاء والاستماع إلى وجهات النظر قرر المجلس ما يلي:(1/24)
نظراً إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنّة عظيمة منَّ الله بها على عباده، فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله مما أوردته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المعد للهيئة والمقدم لها، ونظراً إلى أن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الرب تعالى لعباده، ونظراً إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد وأهلها، وحيث إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها لذلك كله، فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق؛ لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة تكون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره عملاً بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جمع من الصحابة } من جواز العزل. وتمشياً مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة، وقد توقف فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان في حكم الاستثناء، وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتوى لفضيلة الشيخ ابن عثيمين ~(1/25)
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ~ عن ذلك، قال السائل: متى يجوز للمرأة استخدام حبوب منع الحمل، ومتى يحرم عليها ذلك؟ وهل هناك نص صريح، أو رأي فقهي بتحديد النسل؟ وهل يجوز للمسلم أن يعزل أثناء المجامعة بدون سبب؟
فأجاب ~:
الذي ينبغي للمسلمين أن يكثروا من النسل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن ذلك هو الأمر الذي وجه النبي @ إليه في قوله: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"؛ ولأن كثرة النسل كثرة للأمة وكثرة الأمة من عزتها، كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل بذلك: { ِNن3"sYù=yèy_ur uژnYٍ2r& #¶ژچدےtR } [الإسراء: 6]، وقال شعيب لقومه: { وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ Wxد=s% فَكَثَّرَكُمْ } [الأعراف: 86]، ولا أحد ينكر أن كثرة الأمة سبب عزتها وقوتها على عكس ما يتصوره أصحاب ظن السوء الذين يظنون أن كثرة الأمة سبب لفقرها وجوعها.
إن الأمة إذا كثرة واعتمدت على الله - عز وجل - وآمنت بوعده في قوله: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } [هود:6]، فإن الله ييسر لها أمرها، ويغنيها من فضله.
بناء على ذلك تتبين إجابة السؤال؛ فلا ينبغي للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون في حاجة لذلك، مثل أن تكون مريضة ولا تتحمل الحمل كل سنة، أو نحيفة الجسم أو بها موانع أخرى تضرها أن تحمل كل سنة.
والشرط الثاني: أن يأذن لها الزوج، لأن للزوج حقًّا في الأولاد والإنجاب، ولابد كذلك من مشاورة الطبيب في هذه الحبوب هل أخذها ضار أو ليس بضار. فإذا تم الشرطان السابقان فلا بأس باستخدام هذه الحبوب، ولكن على ألا يكون ذلك على سبيل التأبيد، أي أنها لا تستعمل حبوباً تمنع الحمل منعاً دائماً؛ لأن في ذلك قطعاً للنسل، وقطع النسل محرم شرعاً.(1/26)
وأما الفقرة الثانية من السؤال: فالجواب عليها أن تحديد النسل أمر لا يمكن في الواقع، ذلك أن الحمل وعدم الحمل كله بيد الله - عز وجل -، ثم إن الإنسان إذا حدد عدداً معيناً، فإن هذا العدد قد يصاب بآفة تهلكه في سنة واحدة، يبقى حينئذ لا أولاد له ولا نسل له، والتحديد أمر غير وارد بالنسبة للشريعة الإسلامية، ولكن منع الحمل يتحدد بالضرورة على ما سبق في جواب الفقرة الأولى.
وأما الفقرة الثالثة والخاصة بالعزل أثناء الجماع بدون سبب، فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه لا بأس به؛ لحديث جابر >: "كنا نعزل والقرآن ينزل" يعني في عهد النبي @.
ولو كان هذا الفعل حراماً لنهي الله عنه، ولكن أهل العلم يقولون: إنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها؛ لأن لها حقًّا في الأولاد، ثم إن في عزله بدون إذنها نقصاً في استمتاعها فاستمتاع المرأة لا يتم إلا بعد الإنزال.
وعلى هذا ففي عدم استئذانها تفويت لكمال استمتاعها وتفويت لما يكون من الأولاد، ولهذا اشترطنا أن يكون بإذنها(1).
المحتوىڑالصفحةٹڑ
ڑالمقدمة…ڑ5ٹڑ
ڑالفصل الأول: المتأخرون عن الإنجاب بغير قصد…ڑ8ٹڑ
ڑالأسباب المهمة لعلاج مشكلة هذا القسم…ڑ9ٹڑ
ڑالسبب الأول: الرضا بالقضاء والقدر والصبر على ذلك…ڑ9ٹڑ
ڑالسبب الثاني: الدعاء سلاح المؤمنين…ڑ11ٹڑ
ڑأولاً: آداب الدعاء…ڑ14ٹڑ
ڑثانياً: أسباب قبول الدعاء…ڑ15ٹڑ
ڑثالثاً: موانع الإجابة…ڑ17ٹڑ
ڑالسبب الثالث: الاستغفار…ڑ18ٹڑ
ڑوقت الاستغفار…ڑ23ٹڑ
ڑفضل الاستغفار…ڑ25ٹڑ
ڑأثر الاستغفار…ڑ26ٹڑ
ڑمما يجب التنبيه عليه…ڑ30ٹڑ
ڑصيغ الاستغفار من القرآن الكريم…ڑ32ٹڑ
ڑصيغ الاستغفار من السنة النبوية…ڑ34ٹڑ
ڑالسبب الرابع: اتخاذ الدواء…ڑ36ٹڑ
ڑتنبيهات…ڑ37ٹڑ
ڑتحذير وتنبيه هام…ڑ40ٹڑ
ڑما المقصود بالعقم؟…ڑ42ٹڑ
ڑوخلاصة القول…ڑ49ٹڑ
ڑالفصل الثاني: المتأخرون عن الإنجاب بقصد وإرادة…ڑ51ٹڑ
__________
(1) …من فتاوى الشيخ محمد بن صالح بن صالح العثيمين (2/764).…(1/27)
ڑبواعث منع الحمل وتحديد النسل مع المناقشة…ڑ53ٹڑ
ڑقرار مجلس هيئة كبار العلماء رقم 42…ڑ62ٹڑ
ڑفتوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ~… ڑ65
`(1/28)