دولة الخلافة العثمانية? ?? ?عصر? ?الفاتحين? ?السقوط والانهيار? ?الإسلاميون الجدد
د/ رضاء الطيب
الأمين العام للجمعيات الشرعية
وعضو هيئة علماء الجمعية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمةالحمد لله رب العالمين والصلاة? ?والسلام علي سيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمين? ?وعلي آله وصحبه أجمعين?.?وبعد?...?فإن الأمم العظيمة? ?والشعوب العريقة?.. ?تولد بعقيدتها?.. ?وتحيا بذاكرتها?.?والذاكرة? .. ?هي الروح التي تسري في جسد الأمة فيطول بقاؤها?.. ?وهي الدماء التي تتدفق في عروقها فتشتد عافيتها?. ?وبالذاكرة?.. ?تتذكر الشعوب أحداث ماضيها?.. ?وتتفهمها وتتدبر معانيها?.. ?وتستخلص العبر منها?.. ?والدروس? ?التي فيها?.?وبالذاكرة?.. ?تتذكر الأمم عناصر قوتها وأسباب رفعتها فيما مضي من تاريخها فتبني حاضرها ومستقبلها علي نهجها?.?وعندما تذبل الذاكرة في أمة من الأمم?.. ?تذبل،? ?وعندما تموت?.. ?تموت?.?وفي الصفحات التالية نتناول تباعًا بعض أحداث وقضايا الأمة الإسلامية العظيمة وهموم المسلمين?.. ?نعرضها? ?ونحللها لتعيش في ذاكرة الأمة وتحيا بها?.?(1/1)
لقد أنعم الله سبحانه وتعالي علي هذه الأمة فهداها إلي دين الإسلام في رسالة حملها إليها خاتم النبيين والمرسلين وسيد الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة وأفضل السلام?.?وترك النبي? ??صلي الله عليه وسلم ?للمسلمين منهاجاً? ?لدنياهم وأخراهم إن تمسكوا به لن? ?يضلوا بعده أبداً?.. ?كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام?.. ?وترك لهم حبلاً? ?متيناً? ?يعتصمون به ويجتمعون عليه إن تمسكوا به اجتمعت صفوفهم وتوحدت أمتهم فقويت أركانها واشتد بنيانها وسادت الدنيا بأسرها?.. ?خلافة المسلمين?.. ?وقد بدأت تلك الخلافة عقب وفاته عليه الصلاة والسلام حين تولاها? (?أبو بكر الصديق?) ?رضي الله عنه وأرضاه فكان خليفة رسول الله? ??صلي الله عليه وسلم ?في خلافة راشدة حملها بعده? (?عمر بن الخطاب?) ?ثم? (?عثمان بن عفان?) ?ثم? (?علي بن أبي طالب?) ?رضي الله عنهم? ?وأرضاهم أجمعين?. . ?ثم جاءت من بعدهم خلافة? (?بني أمية?) ?ثم خلافة? (?بني العباس?) ?ثم خلافه? (?آل عثمان?).?كانت البداية بأبي بكر رضي الله عنه حين تولاها عام? (?11هـ?) ?أما النهاية فكانت بالسلطان? (?عبد المجيد الثاني?) ?آخر الخلفاء العثمانيين والمسلمين قاطبة حين تم خلعه منها عام? (?1924م?) (?1342? ?هـ?).?وطوال هذه القرون لم? ?ينقطع حبل الخلافة? ?يوماً? ?واحداً? ?حتي عندما قُتل? (?ابن الخطاب?) ?و(عثمان?) ?و(علي?) ?رضي الله عنهم وأرضاهم?.. ?وحتي عندما سقطت دولة? (?الأمويين?) ?ومن بعدها دولة? (?العباسيين?) ?فقد كانت الخلافة تجد دائماً? ?في الأمة من? ?يذود عنها ويحميها ومن? ?يحملها من جيل إلي جيل ومن دولة إلي دولة?.?فلما جاءت الخلافة العثمانية تغير الحال?.. ?فعندما سقطت انقطع حبلها وكانت النهاية مصيرها والانهيار قدرها?..(1/2)
?وبذلك فقد كان للخلافة العثمانية خصائص تفردت بها عما سبقها وذلك علي النحو التالي?:??1- ?أنه بسقوطها انتهت الخلافة في بلاد المسلمين للمرة الأولي في تاريخها?.??2- ?أن الذي أسقطها لم? ?يكن طامحاً? ?إليها أو راغباً? ?فيها سواء حباً? ?في حملها أم طمعاً? ?في شرفها?.. ?وإنما كان خائناً? ?لأمته عميلاً? ?لأعداء دينه وعقيدته حاقداً? ?ومبغضاً? ?للإسلام وشريعته وهؤلاء? ?يصدق عليهم قول نبينا? صلى الله عليه وسلم ??: "?سألت ربي ألا? ?يسلط علي أمتي عدوا من سوي أنفسهم?".??3- ?أنه بسقوطها انقلبت الدولة العثمانية علي أعقابها انقلاباً? ?جذرياً? ?مفاجئاً? ?وانسلخت من الإسلام انسلاخاً? ?كلياً? ?شاملاً?.. ?فبعد? ?أن كانت دار الخلافة الإسلامية أصبحت دولة تركيا العلمانية?.??4- ?عاشت تركيا بعدها فترة عصيبة من الزمان انعدم فيها ذكر كلمة الإسلام واندثر منها كل مظهر من مظاهره?.. ?وأصبح ارتداء الحجاب أو قراءة القرآن أو رفع الأذان كفيلاً? ?بإيراد صاحبه مورد التهلكة?.. ?ولم? ?يصبح الإسلام? ?غريباً? ?ومهاناً? ?فقط? ?وإنما طارده العلمانيون بقسوة واضطهدوه بعنف حتي ظن الناس أنه لن تكون له في تركيا عودة ولن تقوم له قائمة?.?والجدير بالذكر أن الدولة العثمانية في عصورها المتأخرة لم تكن هي دولة الخلافة الراشدة وكان لخلفائها أخطاؤهم وانحرافاتهم ولسلاطينها لهوهم ومجونهم ولحكامها استبدادهم واستعلاؤهم?.. ?لذلك فقد انهار بنيان الدولة في تلك العصور وتفسخت أركانها وصدق فيها قول أطلقه عليها أعداؤها أنها? (?الرجل المريض?) ?الذي? ?ينتظرون موته لينقضوا عليه ويمزقوا تركته ويستلبوا ميراثه وصدق فيها قول الرسول? ??صلي الله عليه وسلم: "?يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها?.. ?قيل أو من قلة نحن? ?يومئذ? ?يا رسول الله?..(1/3)
?قال?: ?بل أنتم كثير،? ?ولكنكم? ?غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم? ?وليلقين في قلوبكم الوهن?.. ?قيل وما الوهن? ?يا رسول الله?.. ?قال?: ?حب الدنيا وكراهية الموت?"??.?وعلي العكس من ذلك تماماً?.. ?ففي العصور المتقدمة من تاريخ الدولة العثمانية وبالتحديد في عصر السلاطين الفاتحين عاشت الدولة خلافة راشدة?.. ?اتسعت فيها رقعة البلاد ودخل الناس في الإسلام أفواجاً? ?وجماعات?.. ?وارتفعت راياته خفاقة عالية بين مشارق الأرض ومغاربها?.. ?وعلت أعلام النصر فوق قلاع أوروبا وأسوار القسطنطينية?.. ?ومن بعدها صحاري آسيا وغابات أفريقيا?. ?ومرت علي الدولة العثمانية العظيمة فترة من الزمان سادت الدنيا وهابها العالم وخطب ودها الأباطرة والملوك والأمراء،? ?فأعادت إحياء خلافة الأمويين في فتوحاتهم العظيمة والعباسيين في سيادتهم الدنيا وقيادتها?.?وللأسف الشديد?! ?فبعد سقوط دولة الخلافة العثمانية وعلو شأن أعدائها من اليهود والصليبيين عمدوا إلي تاريخ تلك الدولة العظيمة في عصورها الفاتحة فعملوا علي دفنه وإخفائه?.. ?وفي المقابل فإنهم جاءوا إلي فترة ضعفها وتفككها وانهيارها?.. ?فترة ضعف السلاطين وانشغالهم بلهوهم ومجونهم فنفخوا فيها وضخموا من حجمها وأظهروها للعالم كله علي أنها حالة الدولة العثمانية علي إطلاقها?.. ?وللأسف الأشد?!! ?فإن الغالبية العظمي من المسلمين قد تبعوهم في ذلك المنهج وراج عليهم ذلك الزور وانساقوا وراءهم في تلك المؤامرة?.. ?مؤامرة تشويه وتزوير تاريخ الدولة العثمانية العظيمة وإخفاء عصورها الزاهرة وسيرة سلاطينها الفاتحين العظام الذين فتحوا أوروبا وبثوا الرعب في قلوب ملوكها والفزع والهلع في نفوس أمرائها?.?ولقد ظلم التاريخ هذه الخلافة الإسلامية العظيمة?..(1/4)
?وذلك لأنه كُتِبَ? ?بأيدي أعدائها سواء من الأوروبيين الصليبيين أم العرب المتغربين الذين تربوا علي مناهج الغرب ورضعوا لبانه فوصموا الخلافة بأنها احتلال للدول العربية واستبداد بمقدراتها?.?وفيما? ?يلي وفي ثلاثة ملفات متتالية نحاول بفضل الله أن ننصف تلك الدولة الإسلامية العظيمة?.. ?دولة الخلافة العثمانية?.. ?فنجلي تاريخها العظيم في عصوره الزاهرة ونظهر سلاطينها الفاتحين في أيام مجدهم وبطولاتهم،? ?ونبين كيف نشأت الدولة العثمانية ومن أنشأها وكيف حملت أمانة الخلافة ومن قادتها وخلفاؤها?.. ?ثم كيف سقطت ومن أسقطها وأسباب سقوطها?.. ?وأخيراً? ?نُعرِّج عليها في عصرها الحديث فندرس ونحلل تجربتها الرائدة والفريدة في العودة إلي الإسلام بعد أن انسلخت منه انسلاخاً?.. ?وكيف استطاع قادتها الجدد ذوو الجذور الإسلامية أن? ?يوازنوا بين معتقد الأمة الإسلامي وواقع حالها العلماني وهل? ?يمكن إن شاء الله أن? ?يستمروا علي ذلك النهج?.. ?أو أن هناك ما تخبئه لهم الأقدار?.. ?أن? ?يوازنوا بن معتقد الأمة الإسلامي وواقع حالها العلماني?.?وفيما? ?يلي نبدأ بالملف الأول? (?عصر الفاتحين?).. ?نسأل الله أن? ?يعز الإسلام والمسلمين وأن? ?يوفق الولاة والأمراء لما فيه خير الدين?.. ?والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل?.?البداية والنشأة?>>?? ?كيف نشأت الدولة العثمانية؟?> ?في بلاد التركستان التي تقع في شمال أفغانستان وإيران وإلي الشرق من تركيا الحالية كان? ?يعيش شعب? (?الغز?) ?التركي?.. ?وكان العثمانيون قبيلة من قبائله?.?وعندما اكتسح القائد المغولي? (?جنكيز خان?) ?الدولة الإسلامية الخوارزمية ووصل إلي أراضي التركستان نزح العثمانيون منها بزعامة قائدهم? (?سليمان?) ?تجاه الغرب?..(1/5)
?وفي أثناء عبورهم نهر الفرات? ?غرق القائد فتزعم القبيلة من بعده ابنه? (?أرطغرل?) ?واستمر في مسيره? ?غرباً? ?حتي وصل إلي هضبة الأناضول وهي تركيا الحالية?.. ?وكانت هذه البلاد في تلك الفترة من الزمان خاضعة لحكم الدولة السلجوقية المسلمة التي كانت في حرب مع الإمبراطورية البيزنطية الصليبية في الغرب،? ?وكان? ?يقود هذه الحرب الأمير السلجوقي? (?علاء الدين?) ?فساعده? (?أرطغرل?) ?في حربه ضد البيزنطيين حتي حقق عليهم انتصارات عديدة?.. ?وكمكافأة له علي ذلك أهداه قطعة من الأرض حول أنقرة في محاذاة بلاد الروم البيزنطيين فاستقر بها هو وقبيلته?.?وبعد وفاة? (?أرطغرل?) ?تولي القيادة ابنه? (?عثمان?) ?وكان قوياً? ?محبوباً? ?بين أهله ذا مكانة في بلاط السلطان? (?علاء الدين?)?،? ?فلما مات ذلك السلطان بدأت الدولة السلجوقية تعاني من الضعف والتفكك فاستقل? (?عثمان?) ?بإمارته عنها عام? (?699هـ?).. ?وبذلك تأسست الدولة العثمانية التي سميت علي اسمه وكان ذلك في عام? (?710هـ?) (?1300م?).. ?وأخذت هذه الإمارة علي عاتقها حماية العالم الإسلامي من دولة الروم البيزنطية في الغرب وتولت قيادة الجهاد وأصبحت المتنفس الوحيد له في ذلك الوقت فجاءها كل راغب فيه?.?وظلت هذه الإمارة علي ذلك الحال لمدة تزيد علي قرنين من الزمان?.. ?وطوال هذه المدة كان العالم الإسلامي لا? ?يزال خاضعاً? ?بالاسم فقط للخلافة العباسية بعد أن أسقطتها جحافل المغول القادمين من الشرق وقتلوا خليفتها ودمروا حاضرة ملكها? (?بغداد?) ?في عام? (?656هـ?) ?وكان ولي العهد الذي أصبح فيما بعد الخليفة العباسي قد نجا من القتل علي? ?يد المغول وتنقل بين البلاد فراراً? ?منهم حتي استقر في القاهرة خليفة للمسلمين اسماً? ?ولكنه لا? ?يملك من شئون الحكم شيئاً?.(1/6)
?وفي تلك الفترة نفسها كانت الدولة العثمانية تتوسع في مختلف الاتجاهات وكان التوسع جنوباً? ?قد شمل بلاد الشام ثم مصر التي دخلها السلطان? (?سليم الأول?) ?في عام? (?923هـ?).. ?وفي ذلك العام تنازل الخليفة العباسي? (?المتوكل علي الله?) ?وهو آخر الخلفاء العباسيين للسلطان العثماني عن الخلافة فأصبح السلطان? (?سليم الأول?) ?خليفة للمسلمين وأول خلفاء? (?بني عثمان?) ?وأصبحت الدولة العثمانية دولة الخلافة الإسلامية?.?ومنذ ذلك التاريخ حملت الدولة العثمانية علي كاهلها راية الإسلام وأمانة نشره في البلاد وأقام قادتها وسلاطينها أكبر دولة إسلامية عرفها العالم في القرون المتأخرة،? ?وبقيت الحارس الأمين علي العالم الإسلامي طوال أربعة قرون من الزمان هي عصر المجد والقوة فأُطلق علي دولتهم? (?بلاد الإسلام?) ?وعلي حاكمها اسم? (?السلطان?) ?وكان أحب وأعز ألقابه إليه لقب? (?الغازي?) ?أي المجاهد?.. ?وحُكمت الدولة طوال تلك الفترة من تاريخها بالعدل وشريعة الإسلام?.?وبنشأة الدولة العثمانية في عام? (?699هـ? - ?1300م?) ?ثم انتقال الخلافة من العباسيين إليها عام? (?923هـ? - ?1517? ?م?) ?ثم سقوطها وانتهاء الدولة في عام? (?1342هـ? - ?1924م?) ?تكون الدولة العثمانية قد عاشت ما? ?يلي?:??- ?عمر الدولة بالكامل? (?623?) ?عاما أي ما? ?يزيد علي ستة قرون من الزمان?.??- ?عصر القوة والفتوحات والسلاطين الفاتحين? (?287?) ?عاما أي ما? ?يقل قليلاً? ?عن ثلاثة قرون?.??- ?عصر الخلافة منذ بدئها وحتي سقوط الدولة وانتهائها? (?405?) ?أعوام أي ما? ?يزيد عن أربعة قرون?.?وفي عهد هؤلاء الفاتحين توسعت رقعة بلاد الإسلام تحت راية الدولة العثمانية شرقاً? ?وغرباً? ?واندحرت أطماع الصليبية الأوروبية أمامهم وارتجفت أوروبا خوفاً? ?وفزعاً?.(1/7)
?الفاتحون?>> ?من هم السلاطين الفاتحون؟ ولماذا لُُُُقِبوا بتلك الصفة؟?> ?السلاطين الفاتحون هم السلاطين العشرة الأوائل لدولة الخلافة العثمانية?.. ?وهم الذين أسسوا الدولة وشيدوا أركانها وأقاموا بنيانها،? ?وعلي أيديهم تمت جميع الفتوحات والانتصارات التي أنجزتها الدولة في عصورها الأولي?.. ?عصور المجد والقوة والفتوحات والتي بلغت أقصاها ومنتهاها في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا علي? ?يد السلطان العاشر?.?وأول هؤلاء هو السلطان الأول? (?عثمان بن أرطغرل?) ?مؤسس الدولة العثمانية والذي بدأ حكمه عام? (?1299م?).. ?وآخرهم هو السلطان العاشر? (?سليمان القانوني?) ?الذي انتهي حكمه عام? (?1566م?) ?والذي بلغت الدولة في عهده أوسع فتوحاتها وعاشت أعظم أيام مجدها وسادت هيبتها الدنيا بأسرها?.. ?وعلي أبوابه وقف ملوك وأمراء أوروبا? ?يلتمسون الإذن لهم بنيل شرف المثول بين? ?يديه?.?وقد امتد حكم هؤلاء السلاطين الفاتحين إلي ما ما? ?يقل قليلاً? ?عن ثلاثة قرون هي قرون العزة والقوة والمجد في تاريخ دولة الخلافة الإسلامية العثمانية?. ?وبعد هؤلاء الفاتحين جاء سلاطين ضعاف وبدأت الشقاقات والنزاعات داخل الدولة وازدادت وانتشرت حركات التمرد خارجها?.. ?وبدأت أركان الدولة تضعف ودعائمها تتفكك? ?وتغيرت موازين القوي لصالح أعدائها?.. ?وظلت الإمبراطورية العثمانية العظيمة تسير من ضعف إلي ضعف حتي انهارت وسقطت معها الخلافة فصدق فيها قول ربنا سبحانه وتعالي?: ??{?وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ? ?رِيحُكُمْ?..??}??.?ويستثني من هؤلاء السلاطين العشرة الأوائل السلطان الخامس? (?محمد الأول?) ?بن? (?بايزيد الثاني?) ?الذي تولي الخلافة بعد هزيمة أبيه وأَسْرِه وقَتْلِه بأيدي التتار وبلغت مدة حكمه تسعة عشر عاماً?..(1/8)
?فقد انشغل بإعادة بناء الدولة وتجهيز الجيوش فلم تتم في عهده أي فتوحات أو انتصارات،? ?وتحاشي خوض المعارك أو القيام بالغزوات ولذلك فإنه لا? ?يُحسب من ضمن السلاطين العشرة الفاتحين?.. ?وقد عوض ذلك السلطان التاسع عشر? (?محمد الرابع?) ?الذي أضاف للدولة أراضٍ? ?جديدة وحقق لها انتصارات عديدة وأحيا عصر الفتوحات وكان هو آخر السلاطين الفاتحين وبلغت مدة حكمه تسعة وثلاثين عاماً? ?ومن بعده عادت الدولة للحالة التي بدأتها بعد السلطان العاشر?.. ?حالة الاضطرابات الداخلية والحروب والثورات والعصيان والتدخلات الخارجية التي ظلت تمزقها وتخسر فيها ما تحت أيديها من أراضٍ? ?ودولٍ? ?وممتلكات بشكل دائم ومستمر حتي انتهت الدولة بعد أن فقدت جميع ممتلكاتها?.. ?بل? ?يزيد علي ذلك أنه تم احتلال أجزاء من أراضيها وحوصرت عاصمتها?.. ?وأخيراً? ?سقطت في عام? (?1924م?).?وقد بلغ? ?عدد هؤلاء السلاطين الذين حكموا الدولة في فترة ضعفها? ?27? ?سلطاناً? ?امتدت فترة حكمهم بدءاً? ?من أولهم السلطان الحادي عشر? (?سليم الثاني?) ?الذي بدأ حكمه عام? (?1566م?) ?وانتهاءً? ?بآخرهم السلطان السابع والثلاثين? (?عبد المجيد الثاني?) ?الذي انتهي حكمه عام? (?1924م?). ?حيث عُزل وأُعلن إلغاء الخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية ويستثني منهم السلطان التاسع عشر? (?محمد الرابع?) ?الذي أمتد حكمه من? (?1648? - ?1687م?) ?حيث أنه من السلاطين الفاتحين?.. ?أي أن فترة حكم هؤلاء السلاطين الضعاف بلغت ما? ?يزيد قليلا علي ثلاثة قرون?.??>> ?ومن هؤلاء الفاتحون وما أهم أعمالهم وإنجازاتهم؟?> ?الإجابة علي ذلك في إيجاز علي النحو التالي?:?السلطان الأول? (?عثمان بن أرطغرل?)?مؤسس الدولة العثمانية وأول خلفائها وإليه نسبها ولد عام? (?1258م?) ?وتوفي عام? (?1326م?) ?ومدة حكمه سبعة وعشرون عاماً? (?1299? - ?1326م?)..(1/9)
?كانت سنة مولده هي سنة? ?غزو المغول بقيادة? (?هولاكو?) ?لبغداد وسقوط الخلافة العباسية?. ?وبعد أن أسس الدولة أصبح أقوي رجال المنطقة وقام بدعوة حكام الروم في آسيا الصغري للإسلام فمن أبي طالبه بالجزية فإن أبي شن عليه الحرب فخافوا منه واستعانوا عليه بالمغول فأرسل إليهم جيشاً? ?بقيادة ابنه? (?أورخان?) ?هزمهم جميعاً? ?وأكمل مسيرته ففتح? (?بورصة?).. ?وتوفي بعد أن عهد بالخلافة من بعده لابنه? (?أورخان?).?السلطان الثاني? (?أورخان? ?غازي?)?ولد عام? (?1291م?) ?وتوفي عام? (?1359م?) ?ومدة حكمه ثلاثة وثلاثون عاماً? (?1326? - ?1359م?) ?وقد واصل فتوحات أبيه حتي وصل? (?نِيقِيَه?) ?وتقع قرب مدينة? (?اسطنبول?) ?وخضعت له آسيا الصغري? (?تركيا?) ?بكاملها كما تمكن من عبور مضيق? (?الدردنيل?) ?والوصول إلي مقدونيا واليونان? ?غير أنه توقف ولم? ?يتقدم نحو أوروبا وإنما أخذ? ?ينظم دولته ويجهز جيوشه فأنشأ جيشاً? ?نظامياً? ?عرف باسم? (?الانكشارية?) ?أي? (?الجنود الجدد?) ?وكان هذا الجيش مكوناً? ?من أبناء البلاد المفتوحة حيث تم تنشئتهم منذ الصغر علي الإسلام وتربيتهم علي العسكرية وأُعِدت لهم ثكنات ومعسكرات خاصة? ?يعيشون فيها حتي لا? ?يختلطوا بغيرهم?.. ?وكانت مهمتهم التي أُعِّدوا لها هي الدفاع عن الإسلام مع الفرسان العثمانيين?..?السلطان الثالث? (?مراد الأول?)?تولي الحكم بعد وفاة أبيه? (?أورخان? ?غازي?) ?ولد عام? (?1326م?) ?وتوفي عام? (?1389م?) ?ومدة حكمه ثلاثون عاماً? (?1359? - ?1389م?).. ?عُرف عنه حبه للإسلام وغيرته الشديدة في الدفاع عنه ورغبته في نشره وتبليغ? ?دعوته?.. ?عبرت جيوشه مضيق? (?الدردنيل?) ?واحتل مدينة? (?أدرنة?) ?وهي المدينة الثانية في الإمبراطورية البيزنطية بعد? (?القسطنطينية?) ?وجعلهاعاصمة لملكه،? ?وبذلك? ?يكون قد نقل مقر قيادته إلي أوروبا استعداداً? ?لغزوها وفتحها?..(1/10)
?وانطلقت الجيوش العثمانية المسلمة في فتوحاتها التي شملت مقدونيا وبلغاريا وجزءاً? ?من اليونان وصربيا حتي وقفت علي أبواب? (?القسطنطينية?) ?وأُجبر أمبراطورها علي دفع الجزية?.. ?كما قام بتنظيم فرق الخيالة التي عرفت باسم? (?سيباه?) ?ويقصد بها الفرسان وفي عهده فُتحت مدينة? (?صوفيا?) ?عاصمة? (?بلغاريا?) ?بعد حصار دام ثلاث سنوات ومدينة? (?سالونيك?) ?اليونانية?.?وفي معركة? (?كوسوفو?) ?عام? (?791هـ?) ?انتصرت الجيوش العثمانية علي الصرب ووقع ملكهم أسيراً? ?بأيدي المسلمين فقتلوه انتقاماً? ?منه لافعاله الخسيسة بأسراه من المسلمين?.. ?وبينما السلطان? (?مراد الأول?) ?يتفقد الشهداء والجرحي من الجنود المسلمين في ميدان المعركة قام إليه جندي صربي تظاهر بالموت بين القتلي وطعنه بخنجر فأرداه شهيداً?.?السلطان الرابع? (?بايزيد الأول?)?المُلَّقب بالصاعقةتولي الحكم بعد استشهاد أبيه? (?مراد الأول?) ?ولد عام? (?1357م?) ?وتوفي في الأسر عام? (?1403م?) ?ومدة حكمه ثلاثة عشر عاماً? (?1389? - ?1402م?)?،? ?وكانوا? ?يلقبونه? (?بالصاعقة?) ?وذلك لسرعة تحركاته في ميادين القتال وانتصاراته الخاطفة?. ?كان في? ?غاية الشجاعة والحماسة للجهاد في سبيل الله? ?غير أنه امتاز عن سابقيه بسرعة الحركة وقوة الانقضاض وكان مجرد ذكر اسم? (?يلدرم?) ?أي? (?الصاعقة?) ?يوقع الرعب في قلوب الأوروبيين عموماً? ?وأهل القسطنطينية خصوصاً?.. ?بدأ? (?بايزيد?) ?بترتيب الشأن الداخلي والقضاء علي ثورات الأناضول وتأديب أمرائها ثم انطلق علي رأس جيوشه ناحية أوروبا فأكمل فتح اليونان واستولي علي جميع ممتلكات الدولة البيزنطية ما عدا العاصمة? (?القسطنطينية?).. ?وقام بتوجيه ضربة خاطفة إلي? (?بلغاريا?) ?وفتحها بالكامل عام? (?797هـ?) ?فأصبحت منذ ذلك الحين إمارة عثمانية?.(1/11)
?وعندما حاصر? (?بايزيد?) ?القسطنطينية فرض علي الإمبراطور? (?مانويل?) ?إمبراطور بيزنطة عدة شروط خضع لها ومنها?:??1- ?إنشاء محكمة إسلامية خاصة بالرعايا المسلمين? ?يُعَيَّن لها قضاة مسلمون?.??2- ?بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العثماني والسلطان? (?بايزيد?).??3- ?تخصيص? ?700? ?منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها?.??4- ?زيادة الجزية المفروضة علي الدولة البيزنطية?.?ولقد بلغ? (?بايزيد?) ?من القوة ما جعله? ?يمنع الإمبراطور من إصلاح أحد حصونها فأذعن لأمره ونزل علي رأيه?.?ونتيجة لهذه الفتوحات السريعة والخاطفة انتشر الذعر في جميع أنحاء أوروبا فقام رجال الدين في روما وعلي رأسهم البابا? (?يونيفاس التاسع?) ?ينادون بالجهاد المقدس ضد المسلمين?.. ?وتجمعت فرق الصليبيين المتطوعين من انجلترا وفرنسا وألمانيا واسكتلندا وسويسرا وإيطاليا والمجر وغيرها من دول أوروبا في جيش بلغ? ?تعداده مائة وعشرين ألف مقاتل تحت قيادة ملك المجر? (?سيجسموند?).. ?وانطلق ذلك الجيش الجرار للقاء العثمانيين،? ?وعند مدينة? (?نيقوبولس?) ?في شمال البلقان خرج عليهم? (?بايزيد?) ?الصاعقة ومعه مائة ألف مقاتل من المسلمين كأنما الأرض قد انشقت عنهم مما أوقع الرعب والهول في قلوب الصليبيين فانهزموا هزيمة ساحقة،? ?ودقت أجراس الكنائس في جميع أنحاء أوروبا حداداً? ?علي تلك الكارثة وخوفاً? ?وفزعاً? ?من جيوش المسلمين الفاتحين وصدق قول الله تعالي?: ??{?فَلَمْ? ?تَقْتُلُوهُمْ? ?وَلَكِنَّ? ?اللَّهَ? ?قَتَلَهُمْ? ?وَمَا رَمَيْتَ? ?إِذْ? ?رَمَيْتَ? ?وَلَكِنَّ? ?اللَّهَ? ?رَمَي وَلِيُبْلِيَ? ?الْمُؤْمِنِينَ? ?مِنْهُ? ?بَلاءً? ?حَسَناً? ?إِنَّ? ?اللَّهَ? ?سَمِيعٌ? ?عَلِيمٌ?}?? ?وأصبحت أوروبا تخشي مصيرها المحتوم إذا ما تقدم ذلك القائد المظفر نحو الغرب?.. ?أما? (?القسطنطينية?) ?فقد أوشكت علي السقوط أمام الجيش المنتصر?.(1/12)
?أسفرت معركة? (?نيقوبولس?) ?عن نصر عظيم للمسلمين كان له أكبر الأثر في العالم الإسلامي بأسره ووقعت بشارة الفتح في كل بيت مسلم وأرسل? (?بايزيد?) ?إلي كبار حكام العالم الإسلامي? ?يبشرهم بالفتح وبالعديد من أسري النصاري هدايا وسبايا لهؤلاء الحكام باعتبارهم دليلا مادياً? ?علي روعة ذلك النصر المظفر من عند الله?.??>> ?وهل أكمل? (?بايزيد?) ?فتوحاته في أوروبا وانتصاراته عليها؟?> ?للأسف الشديد?.. ?فقد حدث ما لم? ?يكن في الحسبان وقدَّر الله وما شاء فعل?.. ?فقد توقف ذلك الإعصار المجاهد والتقطت الصليبية في أوروبا بأسرها أنفاسها?.. ?ففي تلك اللحظات الفاصلة في التاريخ التي وقفت فيها جيوش الدولة العثمانية المسلمة علي أعتاب فتح القارة الأوروبية الصليبية بأكملها في الشمال والغرب تعرضت الدولة لإعصار مضاد جاءها من الجنوب والشرق?.. ?إنها جحافل التتار تهاجم الدولة للمرة الثانية بقيادة? (?تيمورلنك?) ?بعد أن هاجمتها للمرة الأولي بقيادة? (?هولاكو?) ?وكان? (?تيمور لنك?) ?قد? ?غزا بلاد فارس والعراق وأجزاء من سوريا ثم اتجه شمالاً? ?نحو تركيا?.?لذلك فقد أوقف? (?بايزيد?) ?تقدمه في أوروبا ورفع الحصار عن? (?القسطنطينية?) ?واتجه جنوبا لملاقاة التتار?.. ?وفي سنة? (?805? ?هـ? - ?1402م?) ?تقابل الجيشان وعلي رأسيهما القائدان الفاتحان? (?بايزيد?) ?العثماني? (?وتيمور لنك?) ?التتري في حرب طويلة ضروس دامت زمناً? ?طويلاً? ?كان النصر في نهايتها حليفاً? ?للتتار?.. ?ووقع البطل العظيم? (?بايزيد?) ?في أسر عدوه الذي عذبه عذاباً? ?شديدا حتي مات في أسره من شدة التعذيب? ??{?كَيْفَ? ?وَإِنْ? ?يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ? ?لا? ?يَرْقُبُوا فِيكُمْ? ?إِلاًّ? ?وَلا ذِمَّةً?...(1/13)
??} ?ودقت أجراس الكنائس في كل أنحاء أوروبا ابتهاجاً? ?وفرحاً? ?بهزيمة وأَسْر القائد المسلم العظيم الذي أذاقهم الرعب واقشعرت منه جلودهم ثم زاد فرحهم بموته في أسْرِه?.?السلطان الخامس? (?محمد الأول?)?خلف أباه? (?بايزيد الثاني?) ?بعد أن وقع في الأسر ولد عام? (?1387م?) ?وتوفي عام? (?1421م?) ?ومدة حكمه تسعة عشر عاماً? (?1402? - ?1421م?)?،? ?وقد عاشت الدولة في بداية عهده مدة تقرب من عشر سنوات في قلق واضطراب حيث نازعه أخوته علي الملك حتي استقر له الحكم حوالي تسع سنوات أخذ? ?يعمل فيها بحكمة وتعقل لمداواة جراح الدولة بعد الهزيمة القاسية علي? ?يد? (?تيمورلنك?) ?وأَسْر والده?.. ?فاتبع سياسة المهادنة والصداقة مع كل الأعداء?.. ?فعقد هدنة مع إمبراطور? (?القسطنطينية?) ?وترك للسلاجقة كل الأراضي التي تحت أيديهم وتفادي أي اشتباكات معهم وركز كل همه في إعادة بناء الدولة حيث أنشأ أسطولاً? ?بحرياً? ?قوياً? ?وأعاد تنظيم الجيش وحصن حدود البلاد?.. ?وفي عهده لم تتم أي فتوحات جديدة للدولة العثمانية?.. ?لذلك فإنه لا? ?يُعَدُّ? ?ضمن السلاطين الفاتحين?.?السلطان السادس? (?مراد الثاني?)?تولي الخلافة بعد وفاة أبيه? (?محمد الأول?) ?وكان عمره لا? ?يزيد علي? ?18? ?عاماً? ?ولد عام? (?1402م?) ?وتوفي عام? (?1451م?) ?ومدة حكمه ثلاثون عاماً? (?1421? - ?1451م?)?،? ?تميزت بحروب طويلة الأمد مع الصليبيين في البلقان والإمارات التركية في الأناضول?.?عندما تولي السلطنة كانت الدولة قد استردت بعض عافيتها واستعادت قدراً? ?من قوتها وعادت للعثمانيين ثقتهم بأنفسهم فاستردوا ما أخذه السلاجقة ثم اتجهوا نحو أوروبا?..(1/14)
?ولكن أوروبا التي لم تنس هزيمتها في? (?نيقوبولس?) ?علي? ?يد? (?بايزيد الثاني?) ?الصاعقة وما لحق بها من عار كانت قد أعدت جيشاً? ?كبيراً? ?من المجريين والبولنديين والصرب والبيزنطيين وهاجمت ممتلكات الدولة العثمانية في البلقان?.. ?وفي البداية حقق ذلك الجيش عدة انتصارات علي العثمانيين إلا أن السلطان? (?مراد?) ?جمع قواته وأعاد تجهيزها وتنظيمها ثم التقي مع أعدائه الصليبيين عام? (?849هـ? - ?1444م?) ?بقيادة ملك المجر? (?فلادسلاق?) ?فأوقع بهم هزيمة ساحقة وطاردهم حتي نهر? (?الدانوب?).?ويذكر أن السلطان? (?مراد الثاني?) ?قد أحب اللغة العربية وهو أول من تعلم ومارس فن الخط العربي من سلاطين? (?آل عثمان?).?السلطان السابع? (?محمد الفاتح?)?لما توفي? (?مراد الثاني?) ?خلفه ابنه? (?محمد الثاني?) ?المعروف باسم? (?الفاتح?) ?والذي قدر له الله أن? ?يكون بشارة رسول الله? ??صلي الله عليه وسلم ?وفاتح القسطنطينية?. ?وكان عمره? ?يقرب من العشرين عاماً?.. ?ولد عام? (?1432م?) ?وتوفي عام? (?1481م?) ?ومدة حكمه ثلاثون عاماً? (?1451م? - ?1481م?) ?كانت كلها عزاً? ?للإسلام وخيراً? ?للمسلمين?.?امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل وقد تربي علي? ?يد علماء أجلاء? ?غرسوا فيه حب الإسلام والإيمان والعمل بالقرآن وسنة سيد الأنام،? ?ولقد فاق أقرانه منذ الصغر في كثير من العلوم وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ?.. ?ورث عن أبيه دولة قوية الأركان عالية البنيان مترامية الأطراف ظافرة ومنتصرة?. ?ومع ذلك فقد بدأ بتقوية وتنظيم الدولة من الداخل وخاصة تطوير كتائب الجيش وإعادة تنظيمها وزيادة رواتب الجند وتزويد الجيش بأحدث الأسلحة المتوفرة في ذلك العصر?.(1/15)
?وبعد أن قطع شوطاً? ?مثمراً? ?في ذلك تطلع إلي المناطق الصليبية في أوروبا ليفتحها وينشر الإسلام فيها ولقد ساعدته عوامل كثيرة في تحقيق ذلك الهدف منها الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية في ذلك الوقف بسبب منازعاتها مع الدول الأوروبية الأخري وبسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها?.. ?ولم? ?يكتف? (?محمد الفاتح?) ?بذلك وإنما عمل بجد من أجل أن? ?يتوج انتصاراته بفتح? (?القسطنطينية?) ?عاصمة البيزنطيين والمعقل الاستراتيجي المهم للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لقرون طويلة خلت والعاصمة التي اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية خاصة والصليبية الأوروبية عامة كمعقل لا? ?يمكن للمسلمين اختراقه?.. ?? (?القسطنطينية?).. ?تلك المدينة التي صمدت واستعصت علي كل الجيوش الإسلامية منذ عهد? (?معاوية بن أبي سفيان?) ?في منتصف القرن السابع الميلادي وحتي منتصف القرن الخامس عشر?.?لقد كان فتح? (?القسطنطينية?) ?أملاً? ?يراود الكثيرين من قادة الدولة الإسلامية وخلفائها طوال عهديها الأموي والعباسي?.. ?وفخراً? ?حاول الكثيرون أن? ?ينالوه?.. ?ولم لا؟ وهي التي حث النبي? ??صلي الله عليه وسلم ?أتباعه علي فتحها?.?وزاد علي ذلك أن عَزَمَ? ?الفاتح علي أن? ?يجعل هذه المدينة عاصمة للدولة العثمانية وأن? ?يحقق ما عجز عن تحقيقه كل أسلافه من قادة الجيوش الإسلامية?.?فتح القسطنطينية?>> ?وكيف تم فتح القسطنطينية؟?> ?تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية تأسست عام? (?330م?) ?علي? ?يد الإمبراطور? (?قسطنطين الأول?) ?علي أنقاض مدينة? (?بيزنطة?) ?الرومانية?.. ?وعندما بدأ المسلمون الحرب والجهاد ضد دولة الروم البيزنطية كان لهذه المدينة مكانتها الخاصة في ذلك الصراع لذلك فقد بَشَّر الرسول? ??صلي الله عليه وسلم ?بفتحها فقال?: "?لتُفْتَحَّن? (?القسطنطينية?) ?علي? ?يد رجل،? ?فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش?".(1/16)
?لذلك فقد بذل المسلمون محاولات كثيرة لفتحها طوال العهدين الأموي والعباسي بدأت بمحاولات في عهد? (?معاوية بن أبي سفيان?) ?رضي الله عنه،? ?ثم في عهد? (?سليمان بن عبد الملك?).. ?وفي عهد الخلافة العباسية قامت دولة السلاجقة بعدة محاولات لفتحها?.. ?وبعد السلاجقة بدأ العثمانيون محاولات أخري لحصار المدينة وفتحها وتمكن? (?بايزيد الأول?) ?من محاصرتها ثم أضطر لفك الحصار عندما هاجمه التتار وبعده جاء? (?مراد الثاني?) ?فقام بعدة محاولات لم تنجح جميعها?.. ?وأخيراً? ?جاء? (?محمد الفاتح?) ?الذي قدَّر الله له أن? ?يكون فاتح هذه المدينة?.?الإعداد للفتح?:?? ?اشتمل إعداد? (?محمد الفاتح?) ?لفتح? (?القسطنطينية?) ?علي جانبين?:?الجانب المعنوي?: ?وتمثل في إعداد الجيش والجنود إعداداً? ?معنوياً? ?قوياً? ?وغَرْس روح الجهاد فيهم وتذكيرهم بحديث الرسول? ??صلي الله عليه وسلم ?عن الجيش الذي? ?يفتح? (?القسطنطينية?) ?وعسي أن? ?يكونوا هم ذلك الجيش فأعطاهم ذلك قوة معنوية عالية وشجاعة منقطعة النظير?.. ?كذلك فقد انتشر العلماء والشيوخ بين الجنود? ?يحثونهم علي الجهاد والصبر عند اللقاء مما? ?كان له أعظم الأثر في تقوية العزائم وشحذ الهمم والتعلق بالجهاد في سبيل الله?.?الجانب المادي?:?? ?أقام السلطان? (?محمد الفاتح?) ?قلعة علي الجانب الأوروبي لمضيق? (?البوسفور?) ?مقابل القلعة التي شيدها السلطان? (?بايزيد الأول?) ?علي الجانب الآسيوي لتتحكم القلعتان في المضيق وتمنع أي سفينة معادية من الوصول إلي المدينة بالإمدادات والمساعدات?.?ثم قام السلطان بإعداد وتجهيز الأسلحة والذخائر اللازمة للفتح ومن أهمها المدافع لدك حصون وأسوار المدينة?..(1/17)
?وقد أحضر مهندساً? ?مجرياً? ?بارعاً? ?في صناعة المدافع صمم ونفذ له عدة مدافع كان علي رأسها? (?المدفع السلطاني?) ?المشهور الذي? ?يُروي أن وزنه وصل إلي مئات الأطنان وكان? ?يحتاج لجره إلي مئات الثيران?. ?ثم وجه عناية خاصة للأسطول البحري فقام بتقويته وتزويده بالسفن المختلفة ليكون قادراً? ?علي القيام بحصار المدينة من جهة البحر تمهيداً? ?للهجوم عليها واضعاً? ?نصب عينيه قول الله تعالي?: ??{?وَأَعِدُّوا لَهُمْ? ?مَا اسْتَطَعْتُمْ? ?مِنْ? ?قُوَّةٍ? ?وَمِنْ? ?رِبَاطِ? ?الْخَيْلِ? ?تُرْهِبُونَ? ?بِهِ? ?عَدُوَّ? ?اللَّهِ? ?وَعَدُوَّكُمْ? ?وَآخَرِينَ? ?مِنْ? ?دُونِهِمْ? ?لا تَعْلَمُونَهُمْ? ?اللَّهُ? ?يَعْلَمُهُمْ?}??.?الهجوم?:?? ?كانت مدينة? (?القسطنطينية?) ?محاطة بالمياه البحرية من ثلاث جهات?.. ?مضيق? (?البوسفور?)?،? ?وبحر مرمرة،? ?والقرن الذهبي الذي كان محمياً? ?بسلسلة ضخمة جداً? ?تتحكم في دخول السفن إليه?.. ?أماعلي جهة البر فقد كانت المدينة محمية بخطين من الأسوار الحصينة? ?يحصران بينهما فراغاً? ?عرضه? (?60? ?متراً?) ?يتخلله نهر? (?ليكوس?).?أكمل? (?الفاتح?) ?استعداداته وتعرف علي أخبار المدينة وجهز الخرائط اللازمة لحصارها وقام بنفسه بزيارات استطلاعية لمعاينة استحكامات المدينة وتحصيناتها ثم نقل قواته ومدافعه وذخائره وأسلحته إلي مشارفها?.(1/18)
?وفي? ?يوم الخميس? (?26? ?ربيع الأول? ?857هـ? - ?6? ?أبريل? ?1453م?) ?جمع الجند وكانوا قرابة مائتين وخمسين ألفاً? ?فخطب فيهم خطبة قوية حثهم فيها علي الجهاد وطلب النصر أو الشهادة طاعة لله تعالي?: ??{?انفِرُوا خِفَافاً? ?وَثِقَالاً? ?وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ? ?وَأَنفُسِكُمْ? ?فِي سَبِيلِ? ?اللَّهِ? ?ذَلِكُمْ? ?خَيْرٌ? ?لَكُمْ? ?إِنْ? ?كُنتُمْ? ?تَعْلَمُونَ?}?? ?وذكرهم بالتضحية والصدق عند لقاء الأعداء وقرأ عليهم الآيات القرآنية التي تحث علي ذلك وذكَّرهم بالأحاديث النبوية التي تبشر بفتح? (?القسطنطينية?) ?وفضل الجيش الفاتح لها وما في فتحها من عز للإسلام وفخر للمسلمين?.. ?فما كان من الجنود إلا أن بادروه بالتكبير والتهليل والدعاء?. ?وقد استبشروا بالنصر أو الشهادة مستشعرين قول ربهم عز وجل?: ??{?إِنَّ? ?اللَّهَ? ?اشْتَرَي مِنْ? ?الْمُؤْمِنِينَ? ?أَنفُسَهُمْ? ?وَأَمْوَالَهُمْ? ?بِأَنَّ? ?لَهُمْ? ?الْجَنَّةَ? ?يُقَاتِلُونَ? ?فِي سَبِيلِ? ?اللَّهِ? ?فَيَقْتُلُونَ? ?وَيُقْتَلُونَ? ?وَعْداً? ?عَلَيْهِ? ?حَقّاً? ?فِي التَّوْرَاةِ? ?وَالإِنجِيلِ? ?وَالْقُرْآنِ? ?وَمَنْ? ?أَوْفَي بِعَهْدِهِ? ?مِنْ? ?اللَّهِ? ?فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ? ?الَّذِي بَايَعْتُمْ? ?بِهِ? ?وَذَلِكَ? ?هُوَ? ?الْفَوْزُ? ?الْعَظِيمُ?}?? ?فكان الجنود وكأنهم? ?يشمون ريح الجنة ويمدون أيديهم فيكادون? ?يلمسون حور عينها ويقطفون ثمارها?.?وفي اليوم التالي قام السلطان بتوزيع قواته أمام أسوار المدينة ونصب مدافعه الثقيلة قبالتها وانتشرت السفن العثمانية في المياه المحيطة بها إلا أنها لم تستطع الوصول إلي القرن الذهبي بسبب وجود السلسلة الضخمة التي منعت أي سفينة من الدخول إليه?.?وبدأ القتال وأحكم الجيش العثماني قبضته علي المدينة وقاوم البيزنطيون مقاومة شرسة وعنيفة?..(1/19)
?وأخذت المدفعية العثمانية تدك أسوار المدينة فتدمرها ولكن المدافعين سرعان ما كانوا? ?يعيدون بناءها?.. ?وكان السبب في تلك المقاومة الشرسة هو استمرار وصول الإمدادات الصليبية من أوروبا إلي المدينة عن طريق البحر إلي القرن الذهبي حيث كان? ?يتم إسقاط السلسلة الحديدية الضخمة عند دخول السفن البيزنطية فتسمح لها بالمرور ثم? ?يعاد رفعها لتغلق الميناء أمام السفن العثمانية فتمنعها من الدخول?.. ?وحاولت السفن العثمانية تخطي تلك السلسلة أو تدميرها ولكنها فشلت في ذلك فظل طريق الإمدادات الصليبية من أوروبا إلي المدينة متصلاً? ?عن طريق ذلك الممر المائي?.?كان الحصار ناقصاً? ?ببقاء مضيق القرن الذهبي في أيدي البحرية البيزنطية وبالرغم من هجوم العثمانيين بلا هوادة وشجاعة الجنود الانكشارية وبسالتهم النادرة وبالرغم من تدمير العثمانيين لبعض الأجزاء من أسوار المدينة وتحصيناتها إلا أن كل ذلك فشل في اختراق التحصينات ودخولها?. ?وأدرك? (?محمد الفاتح?) ?أنه ما لم? ?يستولِ? ?علي القرن الذهبي وتدخله السفن العثمانية فلن? ?يكون هناك أمل في سقوط المدينة?.?العبقرية الحربية?:?? ?وهنا لاحت للسلطان فكرة بارعة هي نقل السفن من مرساها في ميناء? (?بشكطاش?) ?في? (?البوسفور?) ?الذي كانت ترسو فيه إلي القرن الذهبي وذلك بجرها علي الطريق البري الواقع بينهما?.. ?وقد كانت المسافة بينهما حوالي ثلاثة أميال من التلال الوعرة والأراضي? ?غير الممهدة?.?وبعد أن جمع? (?محمد الفاتح?) ?قادته وأركان حربه وعرض عليهم خطته وأقروه عليها بدأ تنفيذها?..(1/20)
?فتم تمهيد الأرض وتسويتها في ساعات قليلة وأتي بألواح من خشب دهنها بالزيت والشحم ثم وضعها علي الطريق الممهد لتنزلق عليها السفن،? ?ثم جرَّ? ?السفن بالخيول والثيران والرجال من مياه? (?البوسفور?) ?إلي البر حيث تم سحبها علي تلك الأخشاب المدهونة بالزيت والشحم حتي وصلت إلي الجهة المقابلة للقرن الذهبي فأُنْزِلت إلي الماء فيه?. ?وفي هذه الليلة تمكن العثمانيون من سحب أكثر من سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي في? ?غفلة من العدو?.. ?وكان السلطان? ?يشرف بنفسه علي العملية التي استمرت طوال الليل?.?لقد كان منظر السفن بأشرعتها المرفوعة تسير علي اليابسة وسط الخيول والثيران كما لو كانت تمخر عباب البحر من أعجب المناظر وأكثرها إثارة للدهشة?.. ?ويرجع الفضل في ذلك إلي الله سبحانه وتعالي?: ??{?وَمَا رَمَيْتَ? ?إِذْ? ?رَمَيْتَ? ?وَلَكِنَّ? ?اللَّهَ? ?رَمَي?}?? ?ثم إلي همة السلطان وذكائه المفرط وعقليته الجبارة ثم قدرة وكفاءة المهندسين العثمانيين وتوافر الأيدي العاملة الماهرة التي قامت بتنفيذ تلك الفكرة العبقرية.وقد تم ذلك كله في ليلة واحدة?.. ?واستيقظ أهل المدينة في الصباح التالي علي تكبير العثمانيين وهتافاتهم المتصاعدة في القرن الذهبي وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر علي ذلك المعبر المائي ولم? ?يعد هناك حاجز مائي بين الجنود العثمانيين وبين المدافعين عن المدينة?.. ?ظهر اليأس بين أهل القسطنطينية وكانت قد انتشرت بينهم شائعة تقول?: (?ستسقط القسطنطينية عندما تري سفناً? ?تمخر عباب اليابسة?) ?وكان لوجود السفن الإسلامية في القرن الذهبي دور كبير في إضعاف الروح المعنوية لدي المدافعين عن المدينة الذين اضطروا إلي سحب أعداد كبيرة من المدافعين عن الأسوار الحصينة لكي? ?يتولوا الدفاع عن الأسوار الواقعة علي القرن الذهبي لأنها كانت أضعف الأسوار مما أوقع الخلل في الدفاع عن الأسوار الرئيسية?.(1/21)
?واستمر العثمانيون في دك أسوار المدينة بالمدافع وعمد السلطان إلي تنفيذ خطط عسكرية مبهرة لاختراق المدينة بعد أن ضعف المدافعون عن أسوارها?.. ?فقد عمد إلي حفر أنفاق تحت الأرض تصل إلي داخل المدينة?.. ?وصنع قلاعاً? ?خشبية ضخمة تتحرك علي عجلات وتغطيها الجلود المبللة بالماء حتي لا تشتعل فيها النيران وتحمل الجنود العثمانيين فتتحرك حتي تلتصق بأسوار المدينة ليقفزوا منها إلي الداخل?.?وطوال هذا القتال الشديد والاشتباكات الدامية بين الطرفين كان علماء المسلمين وشيوخهم? ?يتنقلون بين الجنود المجاهدين? ?يقرأون عليهم آيات الجهاد والقتال وسورة الأنفال ويذكرونهم بفضل الشهادة في سبيل الله وبالشهداء السابقين حول? (?القسطنطينية?) ?وعلي رأسهم? (?أبو أيوب الأنصاري?) ?الذي نزل رسول الله? ??صلي الله عليه وسلم ?في داره عند هجرته إلي المدينة?.?وظل العثمانيون? ?يواصلون هجومهم علي المدينة حتي تمكنوا من اقتحام أسوارها والاستيلاء علي أبراجها وتدفق الجنود إلي داخل المدينة وقُتل الإمبراطور? (?قسطنطين?) ?في المعركة وفر المدافعون عنها?.?وهكذا تمكن المسلمون من الاستيلاء علي المدينة التي استعصت علي السابقين وكان? (?محمد الفاتح?) ?رحمه الله بين جنده في تلك اللحظات? ?يشاركهم فرحة النصر من فوق صهوة جواده قائلاً? ?لهم?: "?الحمد لله ليرحم الله الشهداء ويمنح المجاهدين الشرف والمجد ولشعبي الفخر والشكر?" ?ووقف السلطان? ?يحدث جنده قائلا?: "?لقد أصبحتم فاتحي القسطنطينية الذين أخبر عنهم الرسول? صلى الله عليه وسلم?،? ?ثم ترجل عن فرسه وسجد علي الأرض شكراً? ?وحمداً? ?وتواضعاً? ?لله تعالي? ??{?قُلْ? ?بِفَضْلِ? ?اللَّهِ? ?وَبِرَحْمَتِهِ? ?فَبِذَلِكَ? ?فَلْيَفْرَحُوا?...??}??.(1/22)
?? ?وغير الفاتح اسم المدينة إلي? (?إسلام بول?) ?أي عاصمة الإسلام ثم حُرِّف الاسم إلي? (?استانبول?) ?كما جعل أكبر كنائس المدينة? (?أياصوفيا?) ?مسجداً? ?بعد أن صلي فيه الجيش الفاتح بعد النصر?.?الفتوحات الأوروبية?:?? ?بعد ذلك سار? (?محمد الفاتح?) ?إلي أعدائه في الغرب وأخضع معظم دول البلقان حتي وصل إلي بحر? (?الأدرياتيك?) ?فدخل بلاد الصرب وحاصر عاصمتها? (?بلغراد?) ?ثم فتحها وتمكن من فتح بلاد? (?المورة?) ?وضم البوسنة للدولة العثمانية وفتح الجُزر التي بين اليونان وإيطاليا?.. ?أما في آسيا فقد امتدت فتوحات العثمانيين حتي نهر الفرات فهزموا السلاجقة واستولوا علي جميع أراضيهم?.?وفي أثناء حصار القسطنطينية تعرف? (?الفاتح?) ?علي ضريح الصحابي الجليل? (?أبو أيوب خالد بن زيد?) ?الأنصاري رضي الله عنه الذي كان قد استشهد علي أسوار القسطنطينية أيام المحاولات الأولي لفتحها في العصر الأموي فبني بجواره مسجداً? ?وأصبح تنصيب السلاطين? ?يتم بهذا المسجد?.?وقد تميز عصر السلطان? (?محمد الفاتح?) ?بجانب قوة الجيش البشرية وتفوقه العددي بإنشاءات عسكرية عديدة فأقام دوراً? ?للصناعات العسكرية لسد احتياجات الجيش من الملابس والدروع ومصانع للذخيرة والأسلحة?.. ?وأقام القلاع? ?والحصون في المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية العسكرية?.. ?ويعده المؤرخون مؤسس الأسطول البحري العثماني?.?وتوفي السلطان? (?محمد الفاتح?) ?عن عمر? ?يناهز الخمسين سنة بعد أن حكم الإمبراطورية العثمانية ما? ?يقرب من ثلاثين عاماً? ?عاشتها كلها في فتوحات وانتصارات?.?السلطان الثامن? (?بايزيد الثاني?)?تقلد الحكم بعد وفاة أبيه? (?محمد الفاتح?) .. ?ولد عام? (?1452م?) ?وتوفي عام? (?1512م?) ?ومدة حكمه واحد وثلاثون عاماً? (?1481?- ?1512م?) ?وصلت الفتوحات فيها إلي دولة البندقية التي انتصر عليها فاستنجدت بالبابا وملك فرنسا فقامت حروب صليبية بين الطرفين?.(1/23)
?ظهرت في عهده دولة روسيا وأرسلت إليه سفيرها?.. ?أُجبر في آخر حياته من قبل الانكشارية علي التنازل عن الحكم لابنه سليم الأول?.?السلطان التاسع? (?سليم الأول?)?هو? (?سليم الأول?) ?بن? (?بايزيد الثاني?) ?بن? (?محمد الفاتح?) ?سلطان الدولة العثمانية وخليفة المسلمين وأول من لُقِّب بأمير المؤمنين من خلفاء? (?آل عثمان?) ?ولد عام? (?1466م?) ?وتوفي عام? (?1520م?) ?ومدة حكمه ثمانية أعوام? (?1512? - ?1520م?).. ?كان حوله ملكان عدوان اجتمعا عليه هما السلطان? (?إسماعيل الصفوي?) ?في إيران والسلطان? (?قنصوه الغوري?) ?في مصر فحارب الأول وانتصر عليه في معركة? (?سهل جالديران?) ?ودخل? (?تبريز?) ?عاصمة ملكه في عام? (?1514م?) ?وحارب الثاني وانتصر عليه وقتله في معركة? (?مرج دابق?) ?شمال حلب عام? (?1516م?) ?ثم زحف إلي مصر? ?وحارب خليفة الغوري المملوك? (?طومانباي?) ?وانتصر عليه في معركة? (?الريدانية?) ?القريبة من العباسية حالياً? ?وشنقه علي? (?باب زويلة?). ?واستولي علي مصر والشام وخضع له الحجاز ثم عاد إلي? (?القسطنطينية?) ?وهو? ?يحمل لقب? (?أمير المؤمنين?) ?وخليفة المسلمين بعد أن تنازل له عنه? (?المتوكل علي الله?) ?آخر الخلفاء العباسيين الذين قدموا إلي مصر بعد أن أزال? (?هولاكو?) ?خلافتهم وقتل خليفتهم وهدم حاضرة ملكهم?.?عاد السلطان إلي القسطنطينية متوجاً? ?بالانتصارات ومكللاً? ?بالفخار فأعد خطة لفتح جزيرة? (?رودس?) ?ولكن الموت لم? ?يمهله فتُوفي وخلفه ابنه السلطان? (?سليمان الأول?) ?القانوني?.?وفي فترة حكم السلطان? (?سليم الأول?) ?اتسعت مساحة الدولة العثمانية من? ?2?.?4? ?إلي? ?6?.?5? ?مليون كيلو متر مربع?.?وكان السلطان سليم شجاعاً? ?وذكياً?.. ?طموحاً?.. ?عظيم الهيبة?.. ?ذا عزيمة تفل الحديد ونفس تحب الغزو والجهاد وكان? ?يميل إلي القوة العسكرية?..(1/24)
?ويعده المؤرخون واحداً? ?من أرقي العبقريات العسكرية في التاريخ لشدة دهائه وحدة ذكائه وإنجازاته العسكرية الضخمة?.. ?ومما? ?يذكر للسلطان أنه أصدر في عام? (?1518م?) ?فرماناً? ?يمنع اليهود من الهجرة إلي فلسطين وسيناء?.?السلطان العاشر? (?سليمان القانوني?)?هو? (?سليمان الثاني?) ?بن السلطان? (?سليم الأول?) ?أحد أشهر السلاطين العثمانيين حكم الدولة لمدة? ?46? ?عاماً? ?فهو صاحب أطول فترة حكم بينهم،? ?ولد في عام? (?1495م?) ?وتوفي في عام? (?1566م?) ?ومدة حكمه ستة وأربعون عاماً? (?1520?-?1566م?) ?وفي عهده زادت مساحة الدولة العثمانية أضعاف ما كانت عليه في عهد أبيه?. ?وبلغت قمة درجات القوة والسلطان فاتسعت أرجاؤها علي نحو لم تشهده من قبل وبسطت سلطانها علي كثير من دول العالم في قاراته المعروفة حينئذ آسيا وأوروبا وأفريقيا?.. ?وامتدت هيبة الدولة العثمانية فشملت العالم بأسره وصارت هي سيدة العالم? ?يخطب ودها الأباطرة ويتقرب إليها الملوك ويقف علي بابها الأمراء،? ?وارتقت فيها النظم والقوانين التي تُسَيِّر الحياة في دقة ونظام دون أن تخالف شريعة الإسلام التي حرص? (?آل عثمان?) ?علي احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم?.. ?وقد نشأ مُحباً? ?للعلم والعلماء ومُقَرِّباً? ?الأدباء والفقهاء واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار?.?فتوحاتهفي أوروبا?:?? ?استولي علي? (?بلجراد?) ?عاصمة الصرب عام? (?1521م?) ?وحاصر? (?فيينا?) ?مرتين وضم أجزاء كبيرة من المجر بما فيها العاصمة? (?بودابست?) ?وجعلها ولاية عثمانية واستولي علي جزيرة? (?رودس?)..?في آسيا?:?? ?قام بثلاث حملات ضد الدولة الصفوية نجحت الأولي في ضم العراق والأخريان في ضم? (?تبريز?) ?عاصمة الدولة الصفوية وشرق الأناضول?..?أما في أفريقيا?: ?فقد بسطت الدولة العثمانية نفوذها علي ليبيا والجزء الأكبر من تونس وإريتريا وجيبوتي والصومال?.(1/25)
?وفي المحيط الهندي والخليج العربي?: ?استولي والي اليمن العثماني علي قلعة? (?تعز?) ?فأحكم السيطرة علي مضيق? (?باب المندب?) ?المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ودخلت عمان ومسقط والبحرين في طاعة الدولة العثمانية وأدت هذه الفتوحات إلي الحد من نفوذ البرتغاليين في المياه الإسلامية،? ?وفي عهد? (?سليمان القانوني?) ?ازدادت قوة البحرية العثمانية علي نحو لم تشهد له مثيلاً? ?من قبل?.. ?وكان أمير البحر? (?خير الدين برباروسا?) ?الجزائري? ?يقود أسطولاً? ?قوياً? ?يهاجم به السواحل الأسبانية والسفن الصليبية في البحر المتوسط باسم الخليفة العثماني،? ?وقد قام ذلك الأسطول بسبع رحلات إلي سواحل أسبانيا أنقذ فيها سبعين ألف مسلم من قبضة الصليبيين ومحاكم التفتيش الأسبانية?.. ?واتسع نطاق عمل الأسطول العثماني إلي البحر الأحمر حيث استولي العثمانيون علي ميناءي? (?سواكن?) ?و(مصوع?) ?وسواحل الحبشة مما أدي إلي إخراج البرتغاليين من مياه البحر الأحمر وانتعاش التجارة بين آسيا وأفريقيا عن طريق البلاد الإسلامية?.?وكان أهم ما اشتهر به? (?سليمان القانوني?) ?واقترن به اسمه هو وضعه القوانين التي تنظم الحياة في الدولة العثمانية والتي وضعها مع شيخ الإسلام? (?أبو السعود افندي?) ?والتزم فيها بالشريعة الإسلامية?.. ?وظلت تطبق في الدولة العثمانية حتي القرن التاسع عشر الميلادي?.?ولم? ?يطلق العثمانيون عليه لقب? (?القانوني?) ?لمجرد أنه واضع تلك القوانين ولكن لتطبيقه هذه القوانين بعدالة وإنصاف?.?السلطان التاسع عشر? (?محمد الرابع?)?آخر السلاطين الفاتحين?: ?ولد عام? (?1642م?) ?وتوفي عام? (?1693م?) ?ودامت مدة حكمه تسعة وثلاثين عاماً? (?1648? - ?1687م?)..(1/26)
?جلس علي العرش وهو في السابعة من عمره فتولت جدته نيابة السلطنة ومن بعدها أمه وفي تلك الفترة ساءت أحوال الدولة واضطربت أمورها وطمع فيها أعداؤها وعندما بلغ? ?سن الرشد بدأ في ممارسة سلطاته معتمداً? ?علي رجل دولة من الطراز الأول ألباني الأصل هو? (?محمد باشا كوبريللي?) ?الصدر الأعظم فكان له نعم السند في فتوحاته وخير المعين في انتصاراته?.?كانت النمسا قد انتهزت فرصة اضطراب أحوال الدولة العثمانية فاعتدت علي حدودها?.. ?فتحرك الصدر الأعظم علي رأس جيش هائل بلغ? ?نحو? ?120? ?ألف جندي مزودين بالمدافع والذخائر حتي وصل إلي قلعة? (?نوهزل?) ?الشهيرة وكانت تقع شمال? ?غرب? (?بودابست?) ?وإلي الشرق من? (?فيينا?) ?وكانت من أقوي القلاع في أوروبا،? ?وما أن وصل إليها حتي ضرب عليها حصاراً? ?قوياً? ?اضطرت القلعة بعده إلي طلب الصلح والاستسلام فوافق الصدر الأعظم بشرط جلاء الحامية عن القلعة بغير سلاح ولا ذخيرة?.. ?وبعد استسلام هذه القلعة العظيمة استسلمت حوالي? ?30? ?قلعة نمساوية واضطرت النمسا إلي طلب الصلح ودفعت للدولة العثمانية? ?غرامات حرب بلغ? ?قدرها? ?200? ?ألف سكة ذهبية وسلمت ببقاء كل القلاع التي فتحتها الجيوش العثمانية تحت سيادتها وذلك في عام? (?1685م?) ?وصدق فيها قول الله تعالي?: ??{?سَيُصِيبُ? ?الَّذِينَ? ?أَجْرَمُوا صَغَارٌ? ?عِنْدَ? ?اللَّهِ? ?وَعَذَابٌ? ?شَدِيدٌ? ?بِمَا كَانُوا? ?يَمْكُرُونَ?}??.?كريت?: ?بعد ذلك تحرك الصدر الأعظم علي رأس أسطول بحري إلي جزيرة? (?كريت?) ?فحاصرها حصاراً? ?طويلاً? ?تنازلت البندقية في نهايته عما كانت تحتله من الجزيرة بما فيها من مدافع وأسلحة للعثمانيين وأصبحت? (?كريت?) ?تابعة للدولة العثمانية?.(1/27)
?أما في جنوبي روسيا?: ?فقد دخلت بلاد القوقاز في حماية العثمانيين فلما حاولت بولونيا الاعتداء عليها استنجدت بالدولة العثمانية التي تحركت علي الفور لنجدتها وأجبرت ملك بولونيا علي طلب الصلح معها?.?الحملة علي روسيا?: ?غادر السلطان? (?محمد الرابع?) (?استانبول?) ?ومعه الصدر الأعظم? (?قرة مصطفي باشا?) ?الذي تولي المنصب بعد وفاة? (?كوبريللي?) ?علي رأس حملة هائلة هي الأولي لسلطان عثماني علي روسيا عام? (?1678م?) ?وسارت حتي وصلت إلي قلعة? (?جهرين?) ?في أوكرانيا فضربت حولها حصاراً? ?محكماً? ?وكانت القلعة محصنة تحصيناً? ?شديداً? ?ويدافع عنها جيش روسي ضخم? ?يقدر بمائتي ألف مقاتل?.. ?لكن القلعة سقطت بعد حصار دام اثنين وثلاثين? ?يوماً? ?ودخلها السلطان منتصراً?. ?ثم عاد السلطان فأرسل حملة ثانية علي روسيا بعد عامين من حملته الأولي انتهت بعقد معاهدة? (?أدرنة?) ?بين الدولتين اتفقتا فيها علي أن تقسما? (?أوكرانيا?) ?بينهما ويكون القسم الأكبر من البلاد تحت الحكم العثماني وأن تستمر روسيا في دفع الجزية السنوية إلي بلاد القرم التابعة للعثمانيين?.?فيينا?:?? ?كانت الدول الأوروبية قد أفزعها مابلغته الدولة العثمانية من قوة فأخذت تعد لها العدة لشن حروب عليها تستنفد بها قواها?.. ?فقررت الدولة العثمانية توجيه ضربة استباقية تجهض جهودها فخرجت حملة ضخمة من العثمانيين بقيادة الصدر الأعظم? (?قرة مصطفي باشا?) ?حتي وصلت إلي? (?فيينا?) ?وضربت عليها حصاراً? ?شديداً? ?استمر لمدة شهرين تهدمت أثناءه أسوار المدينة المنيعة،? ?واستشهد حولها آلاف الجنود العثمانيين الطامحين إلي نيل شرف الشهادة أو النصر?..(1/28)
?ففزع? (?البابا?) ?بعد أن أدرك خطورة الموقف وأرسل نداءات استغاثة إلي كل ملوك وأمراء أوروبا فجاءت الإمدادات والمساعدات من جميع أرجائها قاصدة? (?فيينا?)?،? ?وكان هناك جسر في الطريق لابد أن تعبر عليه تلك القوات والإمدادات حتي تصل إليها وقد وُضِع ذلك الجسر تحت سيطرة حامية من العثمانيين كانت مكلفة بنسفه وتدميره إذا اقتربت منه الإمدادات الصليبية لعبوره?.. ?وفي واحدة من أشهر الخيانات التي شهدها التاريخ العثماني خان قائد تلك الحامية أمته وتخلي عن مهمته وترك هذه القوات والإمدادات تعبر الجسر في سلام إلي المدينة المحاصرة?.. ?فكانت النتيجة عندما نشب القتال بين الطرفين أن انهزم العثمانيون وفكوا حصارهم عن المدينة?.. ?وفي ذلك اليوم دقت أجراس الكنائس في? (?فيينا?) ?وفي جميع أرجاء العالم الصليبي في أوروبا احتفالاً? ?وابتهاجاً? ?بذلك النصر? ??{?وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ? ?الأَعْلَوْنَ? ?إِنْ? ?كُنْتُمْ? ?مُؤْمِنِينَ? ?إِنْ? ?يَمْسَسْكُمْ? ?قَرْحٌ? ?فَقَدْ? ?مَسَّ? ?الْقَوْمَ? ?قَرْحٌ? ?مِثْلُهُ? ?وَتِلْكَ? ?الأَيَّامُ? ?نُدَاوِلُهَا بَيْنَ? ?النَّاسِ? ?وَلِيَعْلَمَ? ?اللَّهُ? ?الَّذِينَ? ?آمَنُوا وَيَتَّخِذَ? ?مِنْكُمْ? ?شُهَدَاءَ? ?وَاللَّهُ? ?لا? ?يُحِبُّ? ?الظَّالِمِينَ?}??.?فترة النكبات?: ?كان من أثر هذه الهزيمة أن تكالبت الدول الأوروبية وتجمعت لمحاربة العثمانيين باسم التحالف المقدس الذي ضم النمسا وبولندا والبندقية ورهبان مالطة وروسيا فأغارت النمسا علي المجر التي كانت في ذلك الوقت تابعة للدولة العثمانية واحتلت بعض مدنها واستولت علي قلعة? (?نوهزل?) ?الشهيرة?.. ?واحتلت جيوش البندقية أغلب مدن اليونان?.. ?كما تلقي الصدر الأعظم? (?سليم باشا?) ?الذي تولي بعد? (?قرة مصطفي باشا?) ?هزيمة منكرة في سهل? (?موهاكس?) ?أمام التحالف المقدس عام? (?1687م?).(1/29)
?وكان من نتائج تلك الهزائم المتتابعة التي لحقت بالدولة العثمانية في أواخر عهد? (?محمد الرابع?) ?أن ثار عليه الجيش وقام بخلعه وكانت الدولة في ذلك الوقت قد فقدت الكثير من أراضيها للبنادقة والنمساويين?.. ?وتولي من بعده أخوه? (?سليمان الثالث?).. ?وبذلك انتهي عصر السلاطين الفاتحين وآخرهم? (?محمد الرابع?) ?ودخلت الدولة العثمانية في عصر توقف الفتوحات?.?انجازات الخلافة?>> ?فما إنجازات دولة الخلافة العثمانية في عصر الفاتحين؟?> ?لقد كان للدولة العثمانية انجازات تاريخية عظيمة تركت أثراً? ?عميقاً? ?في توجيه مسيرة الأمة الإسلامية وتحديد مصير المسلمين في تلك الحقبة من التاريخ?.. ?ومن هذه الإنجازات?:??1- ?القضاء علي دولة الروم البيزنطية وفتح القسطنطينية?:?? ?كان ذلك هو الإنجاز الأعظم بين إنجازات الدولة العثمانية وأكثرها أثراً? ?في تاريخ الفتوحات الإسلامية?.. ?فقد كانت تلك الدولة هي العدو الأول للإسلام والمسلمين منذ بدايات الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ثم الدولة الأموية ثم العباسية فالعثمانية?.. ?فبالرغم من سقوط دولة الفرس في بداية الفتوحات الإسلامية في وقت قصير لسقوط عاصمتها? (?المدائن?) ?في أيدي المسلمين بعد هزيمتهم القاسية علي? ?يد الصحابي الجليل? (?سعد بن أبي وقاص?) ?رضي الله عنه وأرضاه في معركة? (?القادسية?) ?عام? (?14هـ?) ?فإن دولة الروم البيزنطية قد صمدت أمامهم لعدة قرون بالرغم من أنها قد انهزمت أمامهم أيضاً? ?في بلاد الشام علي? ?يد سيف الله المسلول? (?خالد بن الوليد?) ?رضي الله عنه وأرضاه في معركة? (?اليرموك?) ?فانسحبت من بلاد الشام وفلسطين ثم من مصر وشمال أفريقيا حيث امتدت الفتوحات الإسلامية?..(1/30)
?وقد عجز الجميع عن إسقاطها واحتلال عاصمتها? (?القسطنطينية?) ?حتي حقق الله ذلك علي? ?يد السلطان العثماني? (?محمد الفاتح?) ?الذي أسقط تلك الأمبراطورية واحتل عاصمتها عام? (?857? ?هـ?).??2- ?إحياء واستمرار الخلافة الإسلامية?:?? ?بعد سقوط الخلافة العباسية علي? ?يد المغول وقبل أن? ?ينقطع حبل الخلافة من دار الإسلام جاءت الدولة العثمانية لتكمل المسيرة ولتمثل لجميع الأقطار الإسلامية مركز الخلافة الجديد?.. ?فهي الملاذ الآمن لأي مسلم? ?يتعرض لغزو أو عدوان ومنها تخرج الجيوش التي تسبغ? ?الحماية علي أرض الإسلام وهي التي ترفع راية الجهاد ذروة سنام الإسلام?.. ?لذلك فقد كانت أوروبا تتعامل مع العثمانيين بصفتهم مسلمين قبل أن? ?يكونوا أتراكاً?.. ?وتري أنهم أحيوا روح الجهاد بعد أن خمدت في النفوس،? ?وأثاروا الحمية القتالية فيها بعد أن ركنت إلي المسالمة والدعة?.. ?كما تري فيهم أملاً? ?إسلامياً? ?جديداً? ?أحيا الأمة الإسلامية مرة ثانية وجمع شتاتها ووحد كلمتها ووطَّد أركانها?.??3- ?التصدي للصليبيين وحماية الدول الإسلامية من الاحتلال الأوروبي?:?? ?وذلك علي مختلف الجبهات?.. ?فقد تقدم العثمانيون إلي شرقي أوروبا ليخففوا الضغط عن المسلمين في الأندلس?.. ?كما انطلقوا إلي شمال البحر الأسود ودعموا التتار المسلمين في حروبهم ضد الروس الصليبيين?.. ?كذلك فقد تصدوا للأسبان في البحر المتوسط وللبرتغاليين في أفريقيا والخليج العربي?.. ?يضاف إلي ذلك أن دخول العثمانيين إلي بعض الدول الإسلامية كان هو الدرع التي حمتها من الاحتلال الصليبي?.??4-?? ?توسيع رقعة الدولة الإسلامية في أوروبا وضم معظم أجزاء البلاد الإسلامية?:?? ?فبعد أن فتح العثمانيون? (?القسطنطينية?) ?انطلقوا? ?يفتحون بلاد أوروبا وممالكها ففتحوا اليونان والمجر ورومانيا وبلغاريا والبوسنة وألبانيا حتي وصلوا إلي النمسا فدخلوها وحاصروا عاصمتها? (?فيينا?) ?مرتين?..(1/31)
?كذلك فقد امتدت أطراف الدولة العثمانية لتشمل البلاد العربية كلها باستثناء المغرب بالإضافة إلي شرقي أفريقيا وتشاد وتركيا وبلاد القوقاز في الشمال وبلاد التتار في الشرق?.??5- ?نشر الإسلام?:?? ?حرص العثمانيون في عصور المجد والقوة علي نشر الدعوة الإسلامية بين شعوب البلاد التي فتحوها وذلك بتوضيح وبيان سماحة الإسلام قولا و سلوكاً?.. ?ومعاملة هذه الشعوب بالعدل والرحمة وإظهار حقيقة الإسلام كدين للفطرة? ?يتفق وطبيعة البشر النقية الصافية كما جاء في قوله تعالي?: ??{?فِطْرَةَ? ?اللَّهِ? ?الَّتِي فَطَرَ? ?النَّاسَ? ?عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ? ?لِخَلْقِ? ?اللَّهِ? ?ذَلِكَ? ?الدِّينُ? ?الْقَيِّمُ? ?وَلَكِنَّ? ?أَكْثَرَ? ?النَّاسِ? ?لا? ?يَعْلَمُونَ?}??.??6- ?الدفاع عن الأماكن المقدسة?:?? ?عندما حاولت قوات الأسطول البرتغالي? (?مرتين?) ?أن تحتل جدة وتنفذ منها إلي الأماكن المقدسة في شبه الجزيرة العربية وقفت في وجهها الأساطيل العثمانية فارتَّدت علي أعقابها خاسئة?.. ?بل إن القوات البحرية العثمانية أغلقت مضيق عدن في وجه الأساطيل البرتغالية فحرَّمت عليها الإبحار في البحر الأحمر وكان عليها أن تأتي بالشحنات التجارية وتفرغها في مضيق عدن فيقوم الأسطول العثماني الإسلامي بنقلها من ميناء عدن إلي المواني الإسلامية ومنها إلي الموانئ الأوروبية?.(1/32)
??7- ?وقوف السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?في وجه اليهود?: ?ومنعهم من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين فيروي أنه بعد عقد مؤتمر? (?بازل?) ?بسويسرا عام? (?1897م?) ?والذي قرر اتخاذ فلسطين وطناً? ?قومياً? ?لليهود ذهب اليهودي? (?قره صو?) ?إلي الخليفة? (?عبد الحميد?) ?وذكر له أن الحركة الصهيونية مستعدة أن تقدم للدولة العثمانية قرضاً? ?قدره خمسون مليوناً? ?من الجنيهات وأن تقدم لخزانة السلطان هدية خاصة قدرها خمسة ملايين نظير السماح لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين فرد الخليفة قائلاً?: (?بلغوا الدكتور هرتزل ألا? ?يبذل بعد اليوم شيئاً? ?من المحاولة في هذا الأمر فإني لست مستعداً? ?لأن أتخلي عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب إلي الغير?.. ?فالبلاد ليست ملكي بل هي ملك شعبي،? ?وشعبي روي تربتها بدمائه،? ?فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب?)?،? ?وأصدر فرماناً? ?يمنع هجرة اليهود إلي فلسطين?.??8- ?إلغاء العبودية في أوروبا?:?? ?كان نظام الإقطاع سائداً? ?في أوروبا وكان الفلاح في البلاد الأوروبية? ?يولد عبداً? ?لسيد الإقطاعية التي? ?يعمل فيها ويعيش كذلك حتي? ?يقضي حياته في عبودية لسيده مالك الأرض?.. ?فقضت الدولة العثمانية علي نظام الإقطاع وألغت العبودية?.?هذه هي دولة الخلافة العثمانية الزاهرة?.. ?وفتوحاتها العظيمة?.. ?وهؤلاء هم أجدادنا الفاتحون العظام حماة الإسلام والمسلمين وحراس العقيدة والدين?.. ?ندعو الله أن نكون قد وفيناهم بعضاً? ?من حقهم وأمطنا اللثام عن بعضٍ? ?من جهادهم وفتوحاتهم?.?وفي الملف القادم نتناول إن شاء الله الوجه الآخر لتلك الدولة العظيمة?.. ?وجه الضعف والتفكك ومأساة السقوط والانهيار?.?والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل?.?دولة الخلافة العثمانية?..(1/33)
?السقوط والانهيارنشر هذا الملف في العدد التاسع? ?والثلاثين السنة الرابعةمن مجلة التبيان بتاريخ? ?? ?شوال? ?1428هـ? - ?أكتوبر? ?2007معلي مر ثلاثة قرون من الزمان?.. ?وبفضل من الله? ?الواحد المنان?.. ?ثم بجهاد عشرة من السلاطين الفاتحين قامت دولة الخلافة العثمانية?.. ?شاسعة المساحة،? ?مترامية الأطراف?.. ?امتدت رقعتها فوق قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا،? ?ورفعت رايات الإسلام خفاقة عالية بين مشارق الأرض ومغاربها?.. ?أعلت رايات النصر علي قلاع أوروبا وحصونها وأخضعت لسلطانها ملوكها وأمراءها?.. ?كانت جيوشها أكثر جيوش العالم عدداً? ?وأحسنها تدريباً? ?وأقواها تسليحاً? ?وأرقاها تنظيماً? ?وأرسخها إيماناً? ?وأصحها اعتقاداً?.. ?فسادت الدنيا وحكمت العالم?.?ثم مرت ثلاثة قرون أخري?.. ?وبقدر الله تعالي?.. ?وعلي أيدي ما? ?يقرب من خمسة وعشرين من السلاطين الضعفاء تغير الحال?.. ?فإذا بالدولة العظيمة قد تراجعت حدودها وتضاءلت مساحتها وضعفت جيوشها وطمع فيها أعداؤها?.. ?ابتعدت عن شرع الله فوهنت همم قياداتها وضعفت عزائم سلاطينها?.. ?وأخيراً? ?سقطت دولة الخلافة،? ?وبسقوطها انقطع حبل خلافة المسلمين لأول مرة منذ ثلاثة عشر قرناً? ?من الزمان?.. ?وانفرط عقد الأمة?.?وفي الملف الماضي تناولنا بحمد الله عصر? (?السلاطين الفاتحين?)..(1/34)
?وفي هذا الملف إن شاء الله نتناول عصر? (?السقوط والانهيار?) ?فنبين أسباب الضعف والسقوط،? ?ونضع أيدينا علي مواطن الأمراض و العلل ونستخلص الدروس والعبر ونستعرض في إيجاز خبايا ذلك الصراع المصيري بين قوي الحق والإيمان وقوي الكفر والطغيان المتمثلة في رأس الشر وأصابع الشيطان?: (?الماسونية العالمية?) ?و?(?يهود الدونمة?) ?وجمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?و(مصطفي كمال أتاتورك?) ?ومن ورائهم قوي الصليبية الحاقدة علي الإسلام المبغضة للمسلمين،? ?ليتذكر المسلمون دائماً? ?كيف? ?يدور الصراع بين الحق والباطل?.. ?ويستفيدوا من دروس الماضي ليأخذوا منها العبر للمستقبل والحاضر?.?أسباب سقوط?>>?? ?ما أسباب سقوط دولة الخلافة العثمانية؟?> ?يمكننا أن نقسم أسباب سقوط الدولة العثمانية إلي مجموعتين?:?المجموعة الأولي?:?? ?وهذه تمثل العلة الحقيقية والمرض الدفين والأصل الذي تشعبت منه الفروع?.?المجموعة الثانية?:?? ?وهذه تمثل الأعراض الظاهرة للمرض والنتائج التي ترتبت علي العلة الحقيقية?.?المجموعة الأولي?>> ?فما? ?المجموعة الأولي من الأسباب التي تمثل العلة الحقيقية؟?> ?هي مجموعة من الأسباب تدور كلها حول محور واحد هو الابتعاد عن شرع الله تعالي والخروج عن الحكم بكتابه الكريم وسنة نبيه المطهرة?..(1/35)
?فلقد كانت الدولة العثمانية في بداية عهدها تسير علي شرع الله ملتزمة بالكتاب والسنة في مسيرتها الدعوية والجهادية آخذة بشروط التمكين وأسبابه فصدق فيها وعد الله سبحانه وتعالي في قوله عز وجل?: ??{?وَعَدَ? ?اللَّهُ? ?الَّذِينَ? ?آمَنُوا مِنْكُمْ? ?وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ? ?لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ? ?كَمَا اسْتَخْلَفَ? ?الَّذِينَ? ?مِنْ? ?قَبْلِهِمْ? ?وَلَيُمَكِّنَنَّ? ?لَهُمْ? ?دِينَهُمْ? ?الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ? ?وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ? ?مِنْ? ?بَعْدِ? ?خَوْفِهِمْ? ?أَمْناً? ?يَعْبُدُونَنِي لا? ?يُشْرِكُونَ? ?بِي شَيْئاً? ?وَمَنْ? ?كَفَرَ? ?بَعْدَ? ?ذَلِكَ? ?فَأُوْلَئِكَ? ?هُمْ? ?الْفَاسِقُونَ?}??.?فلما كانت العصور المتأخرة خرج سلاطين الدولة عن شرع الله تعالي وتحولوا عن الحكم بما أنزل الله إلي الحكم بما وضعه البشر?.. ?وفي الوقت نفسه أصيبت الشعوب المسلمة بالتبلد والضعف في تمسكها بدينها الحنيف ورضخت لاستبداد حكامها الذين تباعدوا عن شرع الله فكانت النتيجة أن ذلت وهانت مصداقاً? ?لقول نبينا الكريم? [ ??: "?كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن علي? ?يد الظالم ولتأطرنه علي الحق أطراً? ?ولتقصرنه علي الحق قصراً? ?أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً? ?ثم ليلعنكم كما? ?لعنهم?".?ويمكن أن نجمل مظاهر ذلك الخروج عن شرع الله فيما? ?يلي?:?أولاً?: ?الانحراف عن الحكم بشرع الله?: ?ظلت الدولة العثمانية? ?طوال عصر الفاتحين تحكمها قوانين الشريعة الغراء وتستمد أحكامها بالكامل من كتاب الله وسنة نبيه الكريم? ??صلي الله عليه وسلم.. ?فلما كانت العصور المتأخرة بدأ بعض السلاطين الضعاف فيما? ?يسمي بعمليات الإصلاح وتوهموا أن ذلك? ?يكون بالانسلاخ عن شريعتهم والاقتداء بأعداء مِلَّتهم?..(1/36)
?فأحلوا القوانين الوضعية من فرنسا وسويسرا وبقية الدول الصليبية محل القوانين الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة?.. ?فكانت النتيجة أن انتشر الفساد وانحلت الأخلاق وسادت الفواحش والكبائر الموبقات?.. ?فتحقق فيهم قول الله عز وجل?: ??{?وَمَنْ? ?لَمْ? ?يَحْكُمْ? ?بِمَا أَنزَلَ? ?اللَّهُ? ?فَأُوْلَئِكَ? ?هُمْ? ?الْكَافِرُونَ?}?? ?وقوله تعالي?: ??{?فَأُوْلَئِكَ? ?هُمْ? ?الظَّالِمُونَ?} ?ثم قوله عز وجل?: ??{?فَأُوْلَئِكَ? ?هُمْ? ?الْفَاسِقُونَ?}??.?ثانياً?: ?موالاة الكافرين?:?? ?ففي عصور الفاتحين كانت الدولة العثمانية تعمل بقوله تعالي?: ??{?لا? ?يَتَّخِذْ? ?الْمُؤْمِنُونَ? ?الْكَافِرِينَ? ?أَوْلِيَاءَ? ?مِنْ? ?دُونِ? ?الْمُؤْمِنِينَ? ?وَمَنْ? ?يَفْعَلْ? ?ذَلِكَ? ?فَلَيْسَ? ?مِنْ? ?اللَّهِ? ?فِي شَيْءٍ?}??.?أما في عصور الضعف والانهيار فقد ضاع مفهوم الولاء والبراء وأخذ السلاطين والحكام? ?يقربون الكافرين ويتولونهم من دون المؤمنين ومثال ذلك? (?مرسوم السلطان الإصلاحي?) ?الذي أعلنه السلطان? (?عبد المجيد الثاني?) ?في عام? (?1856م?) ?والذي جاء فيه ما? ?يلي?: (?تقرير المساواة في دفع الضرائب وتمثيل? ?غير المسلمين في المجالس المحلية في القري والأقاليم ورفع الجزية عنهم ومشاركة أبنائهم في المدارس الحكومية? -?بعد أن كانت مقصورة علي المسلمين?- ?ومشاركتهم في الجيش والوظائف الحكومية وإنشاء الكنائس الخاصة بهم?).. ?وكان من أهم ما لفت الأنظار في ذلك المرسوم أنه لم? ?يستشهد بآية قرآنية أو نص شرعي كما جري عليه العرف?.. ?وقد ألحقت بهذا المرسوم مذكرة تؤكد عدم تطبيق عقوبة الإعدام علي المرتدين?.. ?كما أنها منحت الرعايا النصاري في الدولة امتيازات لم? ?يحصل المواطنون المسلمون علي مثلها?.(1/37)
?ومن هنا فقد نعمت المسيحية واليهودية في الدولة العثمانية في ذلك العصر بحرية كبيرة وانتشرت المؤسسات التنصيرية والمدارس المسيحية والإرساليات الصليبية انتشاراً? ?واسعاً? ?تحت رعاية السلطان وولايته?.?كذلك فقد وصل? ?غير المسلمين إلي أعلي المناصب التي لا? ?يمكن آن? ?يشغلها إلا أهل الثقة والكفاءة من المسلمين المؤمنين،? ?وأمعن سلاطين الدولة العثمانية وحكامها في موالاة الكافرين وألقوا إليهم بالمودة وركنوا إليهم واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين ولم? ?يخشوا تحذير الله لهم بسوء الخاتمة في قوله تعالي?: ??{?وَمَنْ? ?يَفْعَلْ? ?ذَلِكَ? ?فَلَيْسَ? ?مِنْ? ?اللَّهِ? ?فِي شَيْءٍ? ?إِلاَّ? ?أَنْ? ?تَتَّقُوا مِنْهُمْ? ?تُقَاةً? ?وَيُحَذِّرُكُمْ? ?اللَّهُ? ?نَفْسَهُ? ?وَإِلَي اللَّهِ? ?الْمَصِيرُ?}?? ?فكانت النتيجة المحتومة أن مزق الأعداء بلادهم شر ممزق?.?ثالثاً?: ?انحصار وانحسار مفهوم العبودية?:?? ?كان من شروط التمكين التي حققها السلاطين الفاتحون تحقق المفهوم الشامل للعبودية لله كما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة وهي أن تشمل حياة المسلم علي مختلف أحواله تصديقاً? ?لقوله تعالي?: ??{?قُلْ? ?إِنَّ? ?صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ? ?رَبِّ? ?الْعَالَمِينَ?}??.?فيوم أن كان قول الله تعالي?: ??{?انفِرُوا خِفَافاً? ?وَثِقَالاً? ?وَجَاهِدُوا? ?بِأَمْوَالِكُمْ? ?وَأَنفُسِكُمْ? ?فِي سَبِيلِ? ?اللَّهِ?}?? ?عبادة ساد المسلمون الدنيا واتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية لتشمل مشارق الأرض ومغاربها?..?ويوم أن كان قول النبي الكريم? ??صلي الله عليه وسلم ?عن الزكاة?: "?تؤخذ من أغنيائهم وترد إلي فقرائهم?" ?عبادة لم? ?يعرف المسلمون الفقر حتي أنه في عهد الخليفة? (?عمر بن عبد العزيز?) ?فاضت الأموال في بيت المال عن حاجة المسلمين?.(1/38)
?ويوم أن كان قوله تعالي?: ??{?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ? ?اللَّهِ? ?جَمِيعاً? ?وَلا تَفَرَّقُوا?}?? ?وقوله تعالي?:?? {?وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ? ?رِيحُكُمْ?}?? ?عبادة كانت الدولة الإسلامية وحدة واحدة لا? ?يجرؤ معتدٍ? ?علي العدوان علي شبر من أراضيها أو واحد من رعاياها ولو كان في أقاصي الأرض?.?وهذا هو المعني الشامل للعبودية الذي وعاه العثمانيون الأوائل وطبقوه في حياتهم فدانت لهم الممالك وخضعت أمامهم الطواغيت،? ?ومكن الله لهم في الأرض?.?فلما تبدل ذلك المعني وانحسر مفهوم العبادة وانحصر في دائرة الشعائر والطقوس فترت الهمم وضعفت العزائم ووهنت القلوب فكان الضعف وتلاه السقوط?.?رابعاً?: ?غياب السُنّة وانتشار الشركيات والبدع والخرافات?:?? ?كان السلاطين الفاتحون? ?يتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله? صلي الله عليه وسلم ?قولاً? ?وعملاً? ?وتبعهم في ذلك الشعب العثماني قاطبة أتباعاً? ?لقوله? ??صلي الله عليه وسلم: "?تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ولن? ?يتفرقا حتي? ?يردا الحوض?".. ?فلما جاءت العصور المتأخرة? ?غرقت الدولة في الكثير من مظاهر الشرك والبدع والخرافات وانحرفت عن منهج التوحيد الصحيح انحرافاً? ?شديداً،? ?واتخذ ذلك مظاهر عديدة منها?:?بناء المساجد والأضرحة علي القبور،? ?والتوسل بالموتي،? ?والذبح لغير الله،? ?والنذر للأضرحة والاستشفاء بأصحابها،? ?وانتشار البدع والخرافات انتشاراً? ?شديداً? ?بين الناس فقلما تخلو منها عبادة أو? ?يبرأ منها سلوك سواء في الجنائز والمآتم أم الأعراس والأفراح أم الموالد والاحتفالات?.. ?وللأسف الشديد?. ?فقد كان بعض العلماء? ?يتقدمون العامة ويُقِرِّون لهم تلك البدع حتي أصبحت عند عوام الناس وكأنها من أصول العقيدة أو فرائض العبادات?.(1/39)
?خامساً?: ?انتشار الصوفية المنحرفة?:?? ?كان انتشار الطرق الصوفية المنحرفة من أهم أسباب انحراف الدولة العثمانية عن المنهج الصحيح للكتاب والسنة وذلك لما تحمله من عقائد فاسدة وعبادات باطلة وأفكار بعيدة عن صحيح الدين?.. ?ومن مظاهر ذلك?:?أنها كانت تحترف البطالة وتبيح التسول وتدعي الفقر والفاقة وكانت تنكر علي الناس الأخذ بالأسباب فغابت عبادة السعي في مناكب الأرض لطلب الرزق وغابت فريضة الجهاد وطلب العلم وذهب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر?.. ?وذهبت عنهم الخيرية التي وعدهم الله بها في قوله تعالي?: ??{?كُنْتُمْ? ?خَيْرَ? ?أُمَّةٍ? ?أُخْرِجَتْ? ?لِلنَّاسِ? ?تَأْمُرُونَ? ?بِالْمَعْرُوفِ? ?وَتَنْهَوْنَ? ?عَنْ? ?الْمُنكَرِ? ?وَتُؤْمِنُونَ? ?بِاللَّهِ?}??. ?وكانت عقيدة القضاء والقدر عندهم سلبية وفاسدة?.. ?فقد كان التسليم بالقضاء والقدر عند هؤلاء الصوفية? ?يعني السكوت علي الظلم،? ?والاستكانة للتخلف،? ?والرضي بالفقر والمرض دون الأخذ بالأسباب لدفعها والقضاء عليها?.?وكان من أخطر العقائد الفاسدة في فكر المتصوفة المنحرفة عقيدة الحلول ووحدة الوجود?.. ?وكانت هذه العقيدة الفاسدة تعطل الأديان بالكلية فلا? ?يبقي معها دين ولا جهاد ولا عداء بين مسلم وكافر?... ?فالكل عندهم واحد?.. ?والوجود واحد?.. ?وإن تعددت المظاهر،? ?ثم? ?يزيد علي ذلك إسقاطهم التكاليف واستهانتهم بأوامر الدين ونواهيه?.?سادساً?: ?انتشار الفرق الضالة والكافرة?: ?كالشيعة الإسماعيلية والقاديانية والبهائية والدروز والعلوية النصيرية?.. ?وقد استفحل أمر هذه الفرق واشتد عودها في العصور المتأخرة للدولة العثمانية خاصة مع مجيء الاستعمار الصليبي الذي احتل معظم بقاع الأمة الإسلامية فكانوا دائماً? ?مع أعداء المسلمين عوناً? ?لهم وجنداً? ?مخلصين?.?سابعاً?: ?غياب القيادة الراشدة?: ?وذلك في جانبيها الديني والمدني?..(1/40)
?أي العلماء والأمراء وهذان هما قادة الأمة وعصب حياتها?.?ففي عصور الفاتحين كانت هذه القيادة الراشدة علي رأس الأمة?.. ?فعلي سبيل المثال عند فتح? (?القسطنطينية?) ?نجد الصنفين حاضرين?.. ?العلماء والأمراء?.. ?ونلاحظ الصفات المشتركة بينهما من صحة العقيدة والعلم الشرعي والكفاءة والأمانة وحسن اختيار البطانة?.?ففي القيادة المدنية كان? (?محمد الفاتح?) ?قائداً? ?لأمته? ?يحلم بتحقيق نبوءة النبي الكريم? ??صلي الله عليه وسلم ?بفتح القسطنطينية فاجتهد وأظهر بطولات خارقة وأفكاراً? ?نادرة في ميدان القتال وتسلح بعقيدة صحيحة راسخة وتزود بالتقوي في أعماله وأحواله?.. ?فكانت النتيجة المبهرة?.. ?فتح من الله ونصر قريب وتحققت فيه نبوءة الرسول? ??صلي الله عليه وسلم ?بعد أن عجز عنها من سبقوه من قادة الأمة وخلفائها?.?أما العلماء العاملون الراشدون وعلي رأسهم الشيخ? (?آق شمس الدين?) ?شيخ? (?محمد الفاتح?) ?ومعلمه،? ?فقد كانوا بجوارهم في قلب المعركة وكانوا قلب الأمة وعقلها?.. ?ومعلميها وقادتها?.. ?هم ملجؤها عند الكروب وملاذها عند الخطوب?... ?كانوا? ?ينصحون الحاكم ويوجهون الأمة وكانوا دعاتها إلي الجهاد في سبيل الله? ?يُذَكِّرون الجند بالله واليوم الآخر ويمنونهم بالجنة التي تنتظر الشهداء منهم ويشاركونهم الجهاد بأنفسهم?.?فلما كانت العصور المتأخرة انشغل السلاطين بشهواتهم وأهوائهم وانحصرت اهتماماتهم في مطالبهم ونزواتهم?.. ?وكذلك فعل الكثير من العلماء فقد أخلدوا إلي الأرض وتخاذلوا عن القيام بواجباتهم وغرق الكثير منهم في متاع الحياة الدنيا وأترفوا فيها،? ?واتبع الكثيرمنهم السلطان ومشوا في ركابه? ?يتملقونه ويباركون مظالمه ويمدونه في? ?غيه?...(1/41)
?المجموعة الثانية?>> ?وما المجموعة الثانية من أسباب سقوط الدولة العثمانية والتي تمثل الأعراض? ?الظاهرة للمرض؟?> ?تتمثل هذه المجموعة من الأسباب فيما حل بالدولة العثمانية من هزائم عسكرية وأزمات اقتصادية وتخلف صناعي وعلمي وتدهور حضاري وانحرافات أخلاقية ومصائب اجتماعية،? ?ويمكن تقسيمها إلي قسمين? ?يعود الأول إلي ظروف خارجية والثاني إلي ظروف داخلية?:?أولا?: ?الأسباب الخارجية لسقوط الدولة العثمانية?1- ?اتساع رقعة الدولة?:?? ?شغلت دولة الخلافة العثمانية في أيام قوتها وتوسعها مساحة من الأرض تزيد علي عشرين مليوناً? ?من الكيلو مترات المربعة?.. ?وفي ذلك الوقت كان التواصل والسيطرة علي أطراف الدولة أمراً? ?شديد الصعوبة،? ?فوسائل المواصلات هي الدواب والعربات،? ?والبريد? ?يستغرق الأسابيع والشهور ليصل إلي عاصمة الخلافة،? ?والحواجز الطبيعية واسعة ومنتشرة ما بين جبال وبحار وصحاري وأنهار?.. ?لذلك فقد كان إعلان حركات التمرد والعصيان المتكرر سهلاً? ?يسيراً? ?بينما إخمادها والقضاء عليها صعباً? ?عسيراً?.. ?ولولا حبل الدين ورابطة العقيدة لاستطاعت الكثير من الحركات الانفصالية وثورات التمرد أن تنفصل بأجزاء واسعة من الدولة?.. ?ولكن هذه الرابطة استطاعت أن تجمع الترك والعرب والشيشان والأكراد والشركس والداغستان وغيرهم لقرون طويلة?.. ?فلما مزق أعداء الدين هذه الرابطة وفرقوا شمل الأمة بدعاوي القومية والعصبية انقلب ذلك الاتساع وأصبح عبئاً? ?ثقيلاً? ?علي الدولة فتمزقت أطرافها وتقوضت أركانها وانهار صرحها?.?2?- ?الحركات الانفصالية?:?? ?حرص أعداء دولة الخلافة العثمانية من اليهود والصليبيين علي حياكة المؤامرات ضدها بإثارة الحركات الانفصالية وتشجيع الثورات والتمردات علي الدولة?.. ?ومثال ذلك حركة? (?محمد علي?) ?باشا بالاستقلال بحكم مصر والسودان ثم الشام وجزء من الجزيرة العربية?..(1/42)
?وكان? (?الشريف حسين?) ?الذي? ?يعد الجد الأكبر للملك? (?عبد الله الثاني?) ?ملك الأردن الحالي هو أول من أعلن العصيان المسلح وقيام الثورة العربية الكبري ضد الدولة العثمانية في عام? (?1916م?) ?بعد أن وعده الإنجليز بتولية أبنائه المُلْك في حال نجاحها?.. ?وبالفعل كانت المكافأة أن تولي ابنه الملك? (?فيصل?) ?حكم العراق قبل أن? ?يسحله الثوار في الشوارع بينما تولي نجله الأكبر الملك? (?عبد الله?) ?حكم الأردن حيث قُتل وتلاه ابنه الملك? (?طلال?) ?ثم الملك? (?حسين?) ?ثم? (?عبد الله الثاني?). ?ومن الحركات الانفصالية الأخري التي قامت ضد الدولة العثمانية في الولايات العربية حركة? (?آل العظم?) ?في سوريا و(المعنيون?) ?و(الشهابيون?) ?في لبنان و(ظاهر العمر?) ?في فلسطين و(أحمد الجزار?) ?في عكا و(علي بك الكبير?) ?في مصر?.?كل هذه الحروب والحركات الانفصالية وثورات التمرد أنهكت الدولة العثمانية إنهاكاً? ?شديداً? ?وكلفتها مبالغ? ?طائلة أثقلت كاهلها وأفرغت خزائنها وضاعفت ديونها وكانت النتيجة أن تآكلت أطرافها وتراجعت حدودها وتناقصت مساحتها وتضاءل حجمها?.?3?- ?الحروب الصليبية?:?? ?لم تتوقف الحروب والحملات الصليبية ضد الدولة العثمانية منذ نشأتها حتي انهيارها?.. ?ومن هذه الحروب تلك التي دارت في شرق أوروبا مع الصرب والمجر والنمسا وبلغاريا ورومانيا واليونان وألبانيا وكوسوفا والبوسنة والهرسك،? ?ومن ورائهم انجلترا وفرنسا?.. ?ومنها الحملة الفرنسية علي مصر والشام وعلي الجزائر،? ?والتوسع الروسي في بلاد القوقاز وتهجير سكانها من الداغستان والشركس والشيشان،? ?واحتلال الإنجليز مصر وعدن والعراق والأردن وفلسطين ثم الاحتلال الفرنسي لسوريا وبلاد الشام فالاحتلال الإيطالي لليبيا?.(1/43)
??4- ?الامتيازات الأجنبية?:?? ?كانت تلك الامتيازات من أقوي أسباب تدخل الدول الأوروبية الصليبية في الشئون الداخلية للدولة العثمانية وتوجيهها لما? ?يخدم مصالحها?.. ?فقد منحت الدولة العثمانية امتيازات للدول الأجنبية جعلتها فيما بعد شبه شريك لها في حكم البلاد?.. ?وقد مُنحت تلك الامتيازات للأجانب أولاً? ?ثم للسكان المحليين من رعايا تلك الدول لاحقا?.. ?وعندما أصاب الضعف الدولة العثمانية صارت هذه الامتيازات قوةً? ?ونفوذاً? ?لهؤلاء الأجانب ثم لرعاياهم النصاري من سكان ومواطني الدولة العثمانية?. ?فأصبح بإمكان السفن الفرنسية دخول الموانئ العثمانية تحت حماية العلم الفرنسي? ?ومُنح الفرنسيون حرية زيارة الأماكن المقدسة والإشراف عليها وحرية ممارسة الطقوس الدينية فيها?.. ?ثم توسعت هذه الامتيازات فشملت إعفاء هذه الدول ورعاياها من الضرائب،? ?وعدم المثول أمام المحاكم الشرعية العثمانية،? ?والتقاضي أمام محاكم خاصة بهم سموها? (?المحاكم المختلطة?) ?وأصبح لروسيا مثلا بموجب معاهدة? (?كينارجي?) ?حق بناء كنيسة بمدينة? (?اسطنبول?) ?وحق حماية النصاري الأرثوذكس من رعاياها?.. ?وفي عهد السلطان? (?عبد المجيد?) ?تقرر منح أهالي لبنان حكومة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية? ?يكون حاكمها نصرانياً،? ?ويكون للباب العالي قوة حماية مؤلفة من? ?300? ?جندي فقط ترابط علي الطريق الواصل بين دمشق وبيروت وليس داخل لبنان نفسها?.. ?ثم طالب نصاري الصرب في دولة البوسنة بنفس المزايا?.. ?وبذلك ساعدت تلك الامتيازات علي إشعال بؤر الفتن وأربكت الدولة وشغلتها عهوداً? ?طويلة واتخذتها الدول الأوروبية الصليبية ذريعة للتدخل لحماية رعاياها ثم ضرب الحكم الإسلامي وإسقاط الخلافة?.(1/44)
??5- ?تضخم الديون الأجنبية?: ?وكان من أهم أسباب تلك الديون ذلك الإسراف والبذخ الشديدان اللذان عاش فيهما السلاطين في العصور المتأخرة من تاريخ الدولة العثمانية لدرجة أن نفقات القصور السلطانية بلغت في بعض الأحيان ثلث إيرادات الدولة فحق عليهم قوله تعالي?: ??{?وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ? ?نُهْلِكَ? ?قَرْيَةً? ?أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ? ?عَلَيْهَا الْقَوْلُ? ?فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً?}??.. ?ثم نفقات الحروب وحملات قمع حركات التمرد والعصيان?.. ?وقد تضخمت الديون التي أقرضتها الدول الصليبية للدولة العثمانية حتي أن فوائدها الربوية أصبحت أكبر من قيمة الديون نفسها?. ?وكانت هي الفخ الذي نصبته تلك الدول للدولة العثمانية لتكبيلها والتدخل في شئونها والسيطرة علي مواردها بحجة المحافظة علي ديونها وضمان سدادها?.. ?وكانت هي الحرب التي آذنهم الله تعالي وهددهم بها لتعاملهم بالربا في قوله تعالي?: ??{?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ? ?آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ? ?وَذَرُوا مَا بَقِيَ? ?مِنْ? ?الرِّبَا إِنْ? ?كُنتُمْ? ?مُؤْمِنِينَ? ?فَإِنْ? ?لَمْ? ?تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ? ?مِنْ? ?اللَّهِ? ?وَرَسُولِهِ?}??.?ثانيا?: ?الأسباب الداخلية لسقوط الدولة العثمانيةوتنقسم هذه الأسباب إلي مجموعتين?.. ?الأولي تتعلق بالدولة?.. ?والثانية تتعلق بقصر السلطان?.. ?وذلك علي النحو التالي?:?المجموعة الأولي? (?ما? ?يتعلق بالدولة?):??1- ?فساد الحكم واستبداد الولاة?:?? ?كان السلطان هو رأس الدولة العثمانية الديني والمدني ويطلق علي مقر إقامته? (?الباب العالي?).. ?ويأتي من بعده? (?الصدر الأعظم?) ?وهو بمقام رئيس الوزراء ثم الوزراء?.. ?وكان لكل ولاية من الولايات والٍ? ?يعينه السلطان ولا? ?يبقي في الحكم أكثر من ثلاثة أعوام?..(1/45)
?وفي ظل ذلك النظام انتشر الفساد وعمت الرشوة وكان علي من? ?يريد أن? ?يُعيَّن والياً? ?في أي? ?من ولايات الدولة أن? ?يدفع الرشاوي ويقدم الهدايا للباب العالي والصدر الأعظم?.. ?وكان الوالي لقِصَر مدة حكمة? ?يعمل علي جمع أكبر قدر من الأموال وتحقيق أكبر قدر من المصالح باستخدام كل السبل المشروعة وغير المشروعة قبل أن? ?يترك الولاية?. ?فانتشر الظلم في الولايات وعمَّ? ?الفساد وساد الاستبداد وفُرٍضَت الضرائب الباهظة علي الناس واستُخْدِمت أشد الطرق قسوة في جمعها?... ?كذلك فقد ساد نظام السخرة في تجنيد شباب وأبناء الولايات في الجيش العثماني حيث? ?يؤخذون عنوة من بلادهم ويُرسَلون إلي بلاد أخري للقتال أو لاستخدامهم في الأعمال المدنية مثل حفر الترع والقنوات وبناء السدود والجسور?.. ?وكانوا? ?يعاملون بغاية القسوة والظلم فيعانون من الجوع والعطش ويموت الكثير منهم بعيداً? ?عن أوطانهم?.. ?كل هذا وغيره من مظاهر الظلم والاستبداد والفساد أذكت في الولايات نيران الثورة والتمرد علي الدولة ومهدت الطريق للانهيار والسقوط?.?2?- ?التخلف العلمي?:?? ?بالرغم من أن العثمانيين في العصور الأولي للدولة عملوا علي تقوية الجيوش والأساطيل واهتموا بصناعة السفن والمدافع والأسلحة والذخائر?.. ?فإن الأوروبيين تفوقوا عليهم بدخولهم عصر البخار واختراع? (?آلة الاحتراق الداخلي?) ?التي أحدثت ثورة في عالم الصناعة والأسلحة الحديثة ثم باكتشافهم الكهرباء وغيرها من الاكتشافات والاختراعات التي? ?غيرت وجه العالم?.. ?وقد حرص الأوروبيون حرصاً? ?شديداً? ?علي تخلف الدولة العثمانية وحرمانها من الحصول علي أي من سبل التقدم العلمي والتطور الصناعي?.. ?وقد مكن ذلك دول أوروبا الصليبية من التفوق علي الدولة العثمانية خاصة في صناعة السفن الحربية والأسلحة والمدافع ووسائل المواصلات والاتصالات وكافة الصناعات الحديثة?..(1/46)
?وطبعاً? ?كان العثمانيون هم أول من دفع ثمن ذلك التقدم الأوروبي الصليبي فقد كانوا أول مَنْ? ?استُعملت ضدهم تلك الأسلحة ووسائل الدمار?.?3?- ?الجيش الانكشاري?:?? ?تكون هذا الجيش علي? ?يد السلطان الثاني? (?أورخان بن عثمان?) ?الذي قام باختيار جنوده من أبناء البلاد الأوروبية المفتوحة ووضعهم في معسكرات وثكنات خاصة ومنفصلة بعيدة عن الحياة المدنية وعلمهم مبادئ الدين الحنيف ودربهم علي أرقي فنون الحرب والقتال?.. ?ولقد أبلي ذلك الجيش بلاءً? ?حسناً? ?في جميع المعارك التي خاضها العثمانيون في مراحل قوتهم ومجدهم وكان لهم الفضل بعد الله تعالي في ترجيح كفة النصر في المعركة الحاسمة? ?يوم فتح? (?القسطنطينية?) ?وغيرها من المعارك الشهيرة?.?ولكن بمرور الأيام تغيرت الأحوال فاختلط الجند بالحياة المدنية وذاقوا طعم الملذات والشهوات وتعلقت أفئدتهم بالمُلْك والسلطان?.. ?ثم وثبوا إلي مراكز القيادة في الدولة مما أدي إلي حالة خطيرة من الانفلات والفوضي وصاروا هم أصحاب الأمر والنهي وأصبح السلطان ألعوبة في أيديهم فاضطربت البلاد وعم الفساد ووصل الأمر بهم أن? ?يقتلوا أي سلطان? ?يتصدي لأطماعهم كما فعلوا بقتلهم السلطان? (?عثمان الثاني?) ?حين حاول القضاء عليهم،? ?ثم السلطان? (?إبراهيم الأول?) ?حين حاول التخلص منهم?.. ?أو? ?يخلعوا أي سلطان? ?يقاوم مخططاتهم كما فعلوا بخلعهم السلاطين? (?مصطفي الثاني?) ?و(أحمد الثالث?) ?و(مصطفي الرابع?) ?حين تمردوا علي أوامرهم إلي أن قيض الله لهم السلطان? (?محمود الثاني?) ?فسلط عليهم مدافعه فقضي عليهم وأنهي أمرهم?.?4?- ?تخلف السلاطين عن قيادة الجيوش وحكم الدولة?:?? ?كان الحال في عصور المجد والقوة أن? ?يخرج السلطان علي رأس الجيش فيبعث الحماسة في قلوب جنوده ويبث الحمية في صدورهم?..(1/47)
?فلما ذهبت تلك العهود ترك السلاطين أمر قيادة الجيوش إلي قيادات لا? ?يرقي بعضها إلي مستوي تلك المهام الجسيمة فانهزموا في مواقع كثيرة وتضاءل الحماس في قلوب الجند وفترت الحمية في صدورهم?.?وكذلك كان الحال في ممارسة الحكم وإدارة شئون الدولة فقد احتجب السلاطين ونأوا بأنفسهم عنها وانشغلوا بملذاتهم ومطالبهم وكلفوا بها? ?غير الأكفاء من الناس?.. ?ولقد كان من? ?غير المستغرب أن طباخ القصر والبستاني وخدام القصر? ?يصلون إلي رتبة الوزراء وقواد الجيش?.??5- ?انحراف المؤسسة الدينية وخضوعها للسلطان?:?? ?وقد حدث ذلك في القرون المتأخرة من عمر الدولة العثمانية?.. ?فقد انخرط شيخ الإسلام في السلطة وأصبح باستطاعته حيازة الثروات واستغلال النفوذ وتوريث المناصب والفتوي والحكم ليس بما أنزل الله ولكن بما? ?يُرضي السلطان فضعفت شرعية المؤسسات الدينية في نظر الحكام والسلاطين وفي نظر الشعب حتي أنه في عام? (?1703م?) ?قامت انتفاضة شعبية في? (?استانبول?) ?ضد شيخ الإسلام لاحتكاره الوظائف العليا لعائلته مما أدي إلي عزله من منصبه ثم إعدامه?.?المجموعة الثانية? (?ما? ?يتعلق بقصر السلطان?): ??1- ?زواج السلاطين بالأجنبيات?:?? ?تُعَدُّ? ?هذه الوسيلة من أشد وسائل الماسونية خبثاً? ?ودهاءً? ?في اختراق بيوت حكام المسلمين وتطويعهم لما فيه مصالح اليهود والصليبيين?.. ?تلك هي زواج حكام المسلمين ورؤسائهم وملوكهم من الأجنبيات أو أنصاف الأجنبيات ثم تسلط هؤلاء علي عواطف أزواجهن وتدخلهن في تصريف أمور الدولة والتحكم بمقدراتها بما? ?يخدم بلادهن وأوطانهن?.. ?وكم من ملوكٍ ? ?قتلوا أولادهم أو إخوانهم بدسائس زوجاتهم الأجنبيات وارتكبوا أعمالاً? ?تضر بمصلحة البلاد إرضاءً? ?لهن?.(1/48)
?ومثال ذلك أن السلطان الحادي عشر? (?سليم الثاني?) ?بن? (?سليمان القانوني?) ?كانت أمه روسية تسمي? (?روكسلان?) ?وقد حرضت أباه علي قتل ابنيه الآخرين من زوجة أخري لينفرد ابنها بالحكم بعده?.?كذلك فقد كانت أم السلطان الثالث عشر? (?محمد الثالث?) ?بن? (?مراد الثالث?) ?جارية بندقية الأصل اشتراها السلطان مراد واصطفاها لنفسه وكانت ذات أثر كبير في توجيه سياسة الدولة?.?ونموذج لتأثير هؤلاء النسوة الأجنبيات علي مجريات الأمور في الدولة العثمانية ما حدث في عهد السلطان? (?أحمد الثالث?) ?عام? (?1115هـ?) ?عندما حاصرت الجيوش العثمانية قيصر روسيا? (?بطرس الأكبر?) ?وخليلته? (?كاترينا?) ?بقيادة القائد العثماني? (?بلطة جي محمد باشا?) ?فما كان من تلك الخليلة إلا أن قامت بالاتصال بذلك القائد العثماني وأغرته بالمال? ?والثراء واستمالته إليها بشتي صنوف الإغواء والإغراء حتي رفع عنهما الحصار?.. ?وبذلك أضاع ذلك القائد الخائن علي أمته فرصة ثمينة للقضاء علي رأس الدولة العدوة لدولة العثمانيين والتي لعبت دوراً? ?كبيراً? ?في إضعافها وتدميرها وشاركت في زوالها?.??2- ?تعدد المحظيات وتفكك الروابط الأسرية في قصر? ?السلطان?:?? ?في عصور الضعف والتأخر في الدولة العثمانية استشرت تلك الظاهرة واستفحلت وأصبح لكثير من السلاطين أجنحة خاصة أو قصور متعددة تضم حريم السلطان?.. ?وأصبح تعدد الإماء والمحظيات من مظاهر العظمة والثراء?. ?وكان من البدهي أن? ?يحصل بين الزوجات والمحظيات وبين أولادهن تحاسد وتباغض? ?يؤديان إلي حياكة المؤامرات وتدبير الدسائس للفوز بالحظوة لدي السلطان?.. ?فيفضل أولاد بعضهن ويعزل أولاد الأخريات خضوعاً? ?لأهوائهن ودسائسهن?.. ?فانتشرت روح الخيانة في القصور العثمانية وغلب الخوف والفزع وساد التوجس والتربص وأصبح التآمر هو السمة السائدة فيها?.(1/49)
??3- ?قتل السلطان لإخوته الذكور?:?? ?كانت هناك عادة وحشية بربرية وهمجية صاحبت بعض سلاطين آل عثمان في عصر التخلف والتأخر وتم فيها سفك دماءٍ? ?بريئة كثيرة بلا ذنب ولا جريرة?.. ?حيث كان السلطان الجديد حين? ?يرتقي العرش? ?يقوم بقتل إخوته الذكور حتي لا? ?ينافسوه علي الحكم?.. ?وكمثال علي ذلك فإن السلطان السابع عشر? (?مراد الرابع?) ?قتل أخاه وولي عهده? (?بايزيد?) ?وكان في الثالثة والعشرين من عمره ثم قتل أخاه الثاني? (?سليمان?).. ?ثم الثالث? (?قاسم?) ?ولم? ?يبق من إخوته الذكور سوي الأخ الرابع? (?إبراهيم?) ?الذي أصبح ولياً? ?للعهد بعد قتل إخوته الثلاثة?.. ?وكانت الخلافة في البيت العثماني تنتقل بعد وفاة الخليفة إلي أكبر إخوته وليس أكبر أبنائه?... ?فإن مات إخوته جميعاً? ?أو قُتِلوا انتقلت الخلافة إلي أكبر أبنائه?.. ?وشاءت إرادة الله أنه كلما أنجب السلطان? (?مراد الرابع?) ?ابناً? ?تُوفي بعد فترة فلم? ?يعش له أي? ?من أولاده ليكون ولياً? ?للعهد?.. ?وقد بلغت الحماقة به أنه عزم علي قتل أخيه الرابع? (?إبراهيم?) ?لكن والدته السلطانة نصحته بتأجيل ذلك حتي? ?يُرْزَق بابن? ?يجعله ولياً? ?للعهد ولكن ذلك لم? ?يتحقق?.. ?وهكذا نجا? (?إبراهيم?) ?من القتل وأصبح الوحيد من? (?آل عثمان?) ?الذي بقي علي قيد الحياة وتولي الخلافة بعد وفاة أخيه السلطان? (?مراد الرابع?).. ?ولو كان قد قُدِّر له أن? ?يُقتل لكانت ذرية? (?عثمان?) ?قد انقرضت وسلسلة رجالهم قد انقطعت ودولتهم قد اندثرت?.??4- ?اختراق قصر السلطان وخيانة الوزراء من? ?غير المسلمين?:?? ?وهذه أيضاً? ?من أشد وسائل الماسونية خبثاً? ?ودهاءً? ?في اختراق مراكز الحكم في بلاد المسلمين وتطويعها لما فيه مصالح اليهود والصليبيين?..(1/50)
?فقد كان الكثير منهم? ?يتظاهرون بالإسلام ويدخلون في خدمة السلطان ثم? ?يرتقون بالدسائس والمؤامرات حتي? ?يصلوا إلي أعلي المراتب ثم? ?يوجهون دفة الحكم لتحقيق أهداف الماسونية العالمية وتنفيذ مؤامراتها للقضاء علي الخلافة الإسلامية?.?وقد وصلت هذه الطريقة إلي منتهاها بوصول? (?يهود الدونمة?) ?إلي أعلي المناصب والمراتب في الدولة حتي أن واحداً? ?منهم وهو الماسوني? (?مدحت باشا?) ?كان الصدر الأعظم في الدولة العثمانية في عهد السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?وهو ابن حاخام? ?يهودي من المجر?.??5- ?الإسراف والترف والانغماس في الشهوات?:?? ?في العصور المتأخرة للدولة العثمانية انغمس السلاطين والحكام في طلب الشهوات وسقطوا في وهدة الترف والبذخ والإسراف فاستنزفوا أموال البلاد وضيعوا حقوق العباد وفرغت قلوبهم من خشية الله واستعبدتهم الرغبات والشهوات?.. ?فحق عليهم قول الله تعالي?: ??{?وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ? ?نُهْلِكَ? ?قَرْيَةً? ?أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ? ?عَلَيْهَا الْقَوْلُ? ?فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً?}??.?هذه هي أهم الأسباب التي قضت علي الدولة العثمانية وأنزلتها من شامخ مجدها وعزها إلي حضيض ذلها وهوانها حتي كان سقوط الخلافة هو نهاية أمرها?..?سقوط الخلافة?>> ?وكيف سقطت الخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية؟?> ?يُعَّد عام? (?1908م?- ?1326هـ?) ?هو العام الذي بدأت فيه خطوات السقوط الفعلي للخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية?.. ?وذلك حين أُجْبر السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?علي إعادة مجلس النواب وإحياء الدستور المدني الذي كان قد أوقف العمل به عام? (?1877م?).. ?وتسلم زعماء? (?الاتحاد والترقي?) ?زمام الأمور في الدولة العثمانية وبدأت العجلة تدور في اتجاه إسقاط الدولة وإلغاء الخلافة?.(1/51)
?ولقد كانت جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?هي الواجهة أما? (?الماسونية العالمية واليهودية?) ?فقد كانت هي الأصابع التي لعبت في الخفاء وحاكت الدسائس ودبرت المؤامرات من أجل القضاء علي هذه الخلافة وذلك لعدائها التقليدي للإسلام والمسلمين ولأن السلطان? (?عبد الحميد?) ?رفض أن? ?يبيع لها أرض فلسطين?.. ?وبالطبع فلم? ?يكن سقوط الدولة وإلغاء الخلافة أمراً? ?يحدث بين? ?يوم وليلة وإنما كانت هناك مقدمات وممهدات وصلت بها إلي ذلك الحال?.??>> ?فما تلك المقدمات التي أوصلت إلي سقوط الخلافة العثمانية؟?> ?بدأ ذلك بظهور بعض الجمعيات والأحزاب السرية وعلي رأسها? (?يهود الدونمة?) ?وجماعة? (?الاتحاد والترقي?).?ومع بداية القرن العشرين انتشرت جمعيات سرية أخري كثيرة وخاصة في مدينة? (?سالونيك?) ?باليونان باسم الوطن والحرية تعاونت جميعها مع حزب? (?الاتحاد والترقي?) ?في محاربة الخليفة العثماني وتمكنت من الثورة عام? (?1326هـ?) ?وإسقاط السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?عام? (?1327هـ?).?وبذلك انهدمت الخلافة وانفصلت الدولة بتنظيماتها ومسارها عن الدين لأول مرة في تاريخ الإسلام?.. ??(?يهود الدونمة?)??>> ?فمن? (?يهود الدونمة?) ?وكيف ومتي نشأت تلك الطائفة في الدولة العثمانية؟?> ?أُطْلِق هذا الاسم علي فئة من اليهود كانوا? ?يعيشون في بلاد الأندلس أيام حكم المسلمين لها ثم فروا منها بعد سقوطها في أيدي الصليبيين الأسبان ولجأوا إلي الدولة العثمانية للنجاة بحياتهم وتظاهروا باعتناق الإسلام?. ?وأقامت? ?غالبيتهم في مدينة? (?سالونيك?) ?في اليونان التي كانت ولاية عثمانية في ذلك الوقت?.?وقد أسس هذه الفرقة? ?يهودي اسمه? (?شبتساي زيفي?) ?في القرن السابع عشر وادعي أنه المسيح المنتظر وأنه سوف? ?يقود اليهود ليحكم العالم من فلسطين ويجعل القدس عاصمة للدولة اليهودية?..(1/52)
?وراجت هذه الفكرة بين الكثير من? ?يهود العالم فجاءته وفود كثيرة منهم من مختلف البلاد وقلدته تاج? (?ملك الملوك?) ?مما أثار حفيظة حاخامات اليهود الآخرين وهدد بإشعال فتنة كبيرة بينهم،? ?فقبض عليه الصدر الأعظم? (?أحمد كوبريللي?) ?وحاكمه واستطاع أن? ?يدحض حجته ويرد إدعاءه بحيلة ذكية،? ?فقد أوعز إلي القاضي الذي حاكمه فقال له?: (?تدعي أنك المسيح فأرنا معجزاتك?... ?إننا سوف نجردك من ثيابك ونجعلك هدفاً? ?لسهامنا فإن لم تنغرس في جسمك فإن ذلك? ?يكون دليل صدقك وسيقبل السلطان ادعاءك?).. ?وفهم اليهودي المراد فأعلن إنكاره ما أُسند إليه وعندما عُرض عليه الإسلام دخل فيه تحت مسمي? (?محمد عزيز أفندي?) ?وطلب من السلطات العثمانية أن تسمح له بدعوة اليهود إلي الإسلام فأذنت له فانطلق بينهم? ?يدعوهم ويحثهم علي ضرورة تجمعهم معلنين في ظاهرهم الإسلام ومبطنين في داخلهم اليهودية?.?ولقد كان لهذه الطائفة دور كبير في هدم القيم الإسلامية في المجتمع العثماني فعملت علي نشر الإلحاد والأفكار الغربية وانتشار المحافل الماسونية والدعوة لهتك حجاب المرأة المسلمة واختلاطها بالرجال وخاصة في المدارس والجامعات وكان كثير من أبنائها أعضاء في جماعة? (?الاتحاد والترقي?) ?وقد قام? (?يهود الدونمة?) ?بدور كبير وفعال في إذكاء نار العداء للسلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?وكانوا وراء معظم حركات التمرد والثورات المسلحة ضده كما كانوا وراء قوي الثورة التي تحركت من? (?سالونيك?) ?في اليونان واتجهت إلي? (?الآستانة?) ?وعزلته?.. ?وهم الذي سمموا أفكار الضباط الأتراك الشبان وقاموا بنشر الشقاق والتمرد بين صفوف الجيش ونشروا الأفكار المسمومة في عقول الناس من خلال دور النشر والطباعة التابعة لهم واستطاعوا أن? ?يسيطروا علي البنوك والمصارف المالية وأن? ?يتغلغلوا في الاقتصاد والتجارة وكل مناحِي الحياة في الدولة العثمانية?.(1/53)
??(?الاتحاد والترقي?)??>> ?فما جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?وكيف ومتي تأسست ومن أنشأها؟?> ?كانت أولي الجمعيات التي ظهرت في دولة الخلافة هي جمعية? ??(?العثمانيون الجدد?)?? ?التي تأسست عام? (?1865م?) ?برئاسة أمير مصري كان? ?يعيش في باريس في ذلك الوقت هو الأمير? (?مصطفي فاضل?) ?وكان من أبرز أعضائها الشاعر التركي المشهور? (?نامق كمال?) ?وكانت تطالب بإيجاد نظام سياسي ديموقراطي علي النمط الأوروبي للدولة العثمانية واستطاعت استقطاب الصدر الأعظم? (?مدحت باشا?) ?إليها?.. ?وقد انتهي مصير هذه الجمعية بالقضاء عليها وتشتيت أعضائها ونفي كبيرها? (?مدحت باشا?) ?علي? ?يد السلطان? (?عبد الحميد الثاني?).??- ?وفي عام? (?1886م?) ?تأسست منظمة طلابية في? (?المدرسة الطبية العسكرية?) ?في? (?استانبول?) ?بهدف مقاومة السلطان وتحويل الدولة إلي النموذج الغربي وأطلق علي هذه المنظمة? ??(?الاتحاد العثماني?)?? ?وكان مؤسسها رومانيا? ?يُدعي? (?إبراهيم تيمو?) ?وهو أحد أتباع المحفل الماسوني الإيطالي?.??- ?تشكل لهذه المنظمة جناح مدني تحت مسمي? ??(?الانتظام والترقي?)?? ?رأسه? (?أحمد رضا بك?) ?الذي كان رئيساً? ?للمجلس الإسرائيلي في مصر سابقاً?.??- ?اتفق الجناحان العسكري? (?الاتحاد العثماني?) ?والمدني? (?الانتظام والترقي?) ?في باريس علي وحدة العمل بينهما ضد السلطان وتم اختيار اسم مشتق من الاسمين معاً? ?هو? ??(?الاتحاد والترقي?)?? ?للجمعية الموحدة?.??- ?تغلغلت خلايا? (?الاتحاد والترقي?) ?في وحدات الجيش وبين موظفي الدولة من المدنيين ونجحت في العمل ضد السلطان واستطاعت بالفعل إجباره عام? (?1908م?) ?علي إعادة إحياء الدستور المدني الذي كان قد أمر سابقاً? ?بإيقاف العمل به عام? (?1877م?).??- ?قام الفكر السياسي لجمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?علي الانسلاخ من الإسلام وإثارة النزعة القومية التركية? (?الطورانية?)..(1/54)
?وهي كلمة تشير إلي وطن الترك الأصلي في جبال? (?طوران?) ?شرق إيران،? ?وكانت هذه النزعة تهدف إلي تمجيد العنصر التركي علي? ?غيره من العناصر مثل العرب والشركس والألبان وغيرهم وإظهاره علي أنه من أقدم أمم الأرض موطناً? ?وأسبقها مجداً? ?وأعرقها حضارة،? ?وكان شعارهم عدم التدين وإحياء عقائد الترك الوثنية القديمة عند أسلافهم مثل الوثن التركي القديم? (?بوز قورت?) ?أو? (?الذئب الأغبر?) ?الذي اتخذوه رمزاً? ?لهم وصوروه علي طوابع البريد ووضعوا له الأناشيد وألزموا الجيش أن? ?يصطف لإنشادها عند كل? ?غروب وكأنهم? ?يُحِلَّون تحية الذئب محل الصلاة مبالغة منهم في تعظيم الشعور العرقي القومي علي الشعور الإسلامي?.?وقد قام هذا الفكر العنصري الطوراني علي أكتاف اليهود والماسونية العالمية ومعهم مجموعة من الأتراك المفتونين بالغرب?.. ?فمؤسس هذا الفكر هو? (?مؤيز كوهين?) ?من? ?يهود الدونمة وكتابه الذي كتبه معبرا عن هذا الفكر هو الكتاب المقدس للسياسة الطورانية?.. ?ولم? ?يكل هذا اليهودي? ?يوماً? ?أو? ?يمل عن نشر هذا الفكر وترسيخه في عقول العثمانيين لتفتيت الدولة العثمانية وعزل تركيا عن بقية جسد الإمبراطورية الإسلامية?.?لقد قامت جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?علي إثارة المشاعر العنصرية عند الأتراك تحت حلم? (?القومية الطورانية?).. ?ونادت بمفاهيم أوروبية مثل الدستور المدني ومحاربة الاستبداد والحرية?.. ?وكانت? ?غايتها النهائية الإطاحة بالسلطان وإلغاء الخلافة والقضاء علي الدولة العثمانية?.??(?عبد الحميد الثاني?)??>> ?ومن هو السلطان? (?عبد الحميد الثاني)؟?> ?هو السلطان الرابع والثلاثون وآخر من امتلك سلطة فعلية من السلاطين العثمانيين?.. ?وهو المقاتل الأخير وآخر المحاربين في معركة بقاء دولة الخلافة العثمانية والذي بسقوطه انهارت الدولة وسقطت الخلافة دون اعتبار لمن جاء بعده من السلاطين الضعفاء?.(1/55)
?تولي الخلافة عام? (?1876م?) ?وعُزل عنها عام? (?1909م?) ?بتهمة الرجعية ووضع تحت الإقامة الجبرية حتي مات عام? (?1918م?).?ارتبط اسم السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?بفكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها واتخذها سياسة رسمية له?.. ?وقد عمل علي جمع شمل المسلمين تحت راية الخلافة لعلهم? ?يتمكنون من صد الهجمة الاستعمارية الشرسة التي وصلت إلي ذروتها في عهده?.?تآمر عليه اليهود لأنه رفض التنازل لهم عن أي شبر من أرض فلسطين ورَفَضَ? ?كافة العروض المغرية رفضاً? ?حاسماً? ?وقاطعاً?.?فما سُلِّمَت فلسطين? ?لليهود تسليماً? ?إلا بعد سقوط دولة الخلافة كما توقع رحمه الله?.?الإطاحة بالخليفة?>> ?فكيف تمت الإطاحة بالسلطان? (?عبد الحميد الثاني)؟?> ?كانت جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?هي الخصم اللدود الظاهر للعيان للسلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?في معركة القضاء علي الخلافة وإسقاط الخليفة?.?وكان السلطان شديد الحذر من تلك الجمعية واستطاع جهاز المخابرات الخاص به أن? ?يرصد حركتها ويجمع المعلومات عنها إلا أنها سارعت بتدبير مظاهرات صاخبة في المدن التركية مطالبة بإعادة الدستور المدني الذي كان السلطان قد عطَّل العمل به وهددت بالزحف إلي العاصمة? (?الآستانة?) ?في حالة رفضه فرضخ السلطان لمطالبها وقام بإعلان عودة العمل بالدستور المدني وإحياء البرلمان في عام? (?1908م?).. ?وبذلك حققت الجمعية انتصاراً? ?كبيراً? ?عليه إلا أنها لم تجرؤ علي خلعه عن العرش لعدم امتلاكها القوة الكافية لذلك?.. ?ولاتباع السلطان معها سياسة المرونة والمهادنة،? ?ولولاء الكثير من العثمانيين لشخص السلطان?.(1/56)
?بعد ذلك دبرت الجمعية مع المحافل الماسونية خطة للتخلص من السلطان فافتعلت أحداثاً? ?ومشاحنات في إبريل عام? (?1909م?) ?في? (?استانبول?) ?ترتب عليها اضطرابات كبيرة قُتل فيها عدد من أفراد الجناح العسكري? (?للاتحاد والترقي?) ?وعلي إثرها اتهمت السلطان بأنه المدبر لتلك الأحداث وتحركت قواتها العسكرية من مدينة? (?سالونيك?) ?ودخلت الآستانة وقامت بعزل خليفة المسلمين السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?من كل سلطاته المدنية والدينية?.?شكلت الجمعية لجنة من أربعة أفراد لإبلاغ? ?الخليفة بقرار خلعه كان علي رأسها اليهودي? (?إيمانويل قره صو?) ?الذي كان السلطان قد طرده من قبل وهو? ?يهودي أسباني كان مسئولاً? ?عن إثارة الشغب والتحريض ضد السلطان ولعب دوراً? ?هاماً? ?في احتلال إيطاليا لليبيا وكان الأستاذ الأعظم لمحفل مقدونيا الماسوني?.?حكومة? (?الاتحاد والترقي?)??>> ?وماذا حدث بعد عزل السلطان? (?عبد الحميد الثاني)؟?> ?تولي الخلافة بعد السلطان? (?عبد الحميد الثاني?) ?أخوه? (?محمد الخامس?) ?وهو السلطان الخامس والثلاثون في ترتيب سلاطين الدولة العثمانية?.. ?فلما تُوفِّي تولي الخلافة من بعده أخوه? (?محمد السادس?) ?وهو السلطان السادس والثلاثون?. ?وكانت هذه الولاية صورية حيث أصبحت السلطة الفعلية في البلاد في? ?يد جمعية? (?الاتحاد والترقي?)?،? ?وعلي الفور بدأت الحكومة التي شكلتها الجمعية في تطبيق سياسة التتريك أي العودة بالبلاد إلي القومية التركية الطورانية التي ذكرناها آنفاً? ?وبدأت ذلك بجعل اللغة التركية هي اللغة الرسمية الوحيدة بعد أن كانت اللغة العربية تقف إلي جانبها?.. ?وبالتالي فقد اشتعلت حركة الدعوة إلي? (?القومية العربية?) ?في الولايات العربية لمواجهة حركة? (?القومية الطورانية?) ?في تركيا?. ?وكون العرب عدة أحزاب تدعو كلها إلي استقلال الولايات العربية عن الدولة العثمانية?.(1/57)
?عندما قامت الحرب العالمية الأولي? (?1914? - ?1918م?) ?بين دول المحور? (?ألمانيا والنمسا?) ?وبين الحلفاء? (?بريطانيا وفرنسا وروسيا?) ?دفعت حكومة? (?الاتحاد والترقي?) ?تركيا إلي الدخول في الحرب إلي جانب دول المحور دون أن? ?يكون لها فيها ناقة ولا جمل بينما تمكن الحلفاء من جر العرب إلي الدخول إلي جانبهم فوقع صدام بين العرب والترك وتعاظمت فكرة? (?القومية العربية?).??- ?انتهت الحرب بهزيمة دول المحور ومعها تركيا فقام الحلفاء ومعهم دولة اليونان التي كانت ولاية عثمانية قبل ذلك باحتلال أجزاء من أراضي الدولة التركية ودخل الإنجليز? (?الآستانة?) ?عاصمة الدولة العثمانية وأصبح الخليفة بمقام الأسير لديهم وأصبح المندوب السامي البريطاني والجنرال? (?هازنجتون?) ?قائد قوات الحلفاء في? (?استانبول?) ?هما أصحاب السيادة الفعلية?.??- ?ونتيجة لخلع السلطان وقيام جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?بالسيطرة علي البلاد ثم جرها إلي حرب ليس لها فيها أي مصلحة وهزيمتها فيها بدأ التحالف الصليبي اليهودي الماسوني العالمي? ?يكشف عن وجهه القبيح صراحة ويجني ثمار مخططاته ومؤامراته طوال عقود طويلة وذلك علي النحو التالي?:?أولا?: ?تم تقسيم العالم الإسلامي الخاضع للدولة العثمانية وعلي رأسه الولايات العربية بين الحلفاء الذين كانوا قد خدعوا العرب ووعدوهم بالاستقلال إن دخلوا الحرب إلي جانبهم ضد الدولة العثمانية?.. ?وقد تم ذلك باتفاقية سايكس بيكو عام? (?1916م?) ?والتي تضمنت ما? ?يلي?:??1- ?انجلترا تحتل العراق وشرق الأردن بالإضافة إلي مصر التي كانت تحتلها من قبل?.??2- ?فرنسا تحتل سوريا ولبنان بالإضافة إلي بلاد المغرب العربي? (?تونس والجزائر والمغرب?) ?التي كانت تحتلها من قبل?.(1/58)
??3- ?روسيا تحتل? (?الآستانة?) ?عاصمة الدولة العثمانية ومضايق? (?البوسفور والدردنيل?) ?التي تصل بين البحر الأسود?- ?حيث السواحل والموانيء الروسية?- ?والبحر الأبيض المتوسط حيث حركة الملاحة العالمية في ذلك الوقت?.??4- ?فلسطين تكون دولية تحت الانتداب البريطاني تمهيداً? ?لتسليمها لليهود?.?ثانياً?:?? ?أصدرت بريطانيا وعد بلفور عام? (?1917م?) ?الذي وعد اليهود بأن? ?يكون لهم وطن قومي في فلسطين?.?ثالثاً?: ?? ?تم? ?غزو تركيا قلب الدولة العثمانية،? ?بأبشع حركة تغريب وتدمير للقيم الإسلامية وإعلان حرب شعواء علي كل ما? ?يمت إلي الإسلام بصلة? ??{?وَلا? ?يَزَالُونَ? ?يُقَاتِلُونَكُمْ? ?حَتَّي? ?يَرُدُّوكُمْ? ?عَنْ? ?دِينِكُمْ? ?إِنْ? ?اسْتَطَاعُوا?}??.?وبعد هذه الانتصارات السريعة المتلاحقة للتحالف الصليبي اليهودي الماسوني العالمي وبعد سقوط دولة الخلافة العثمانية واحتلال عاصمتها وأجزاء من أراضيها جاء الموعد مع الجولة الأخيرة والضربة القاضية?.. ?إلغاء الخلافة والقضاء علي دولة الإسلام?.. ?وهنا عاد ذلك التحالف الشيطاني إلي جعبته ليخرج منها مخططاً? ?شيطانياً? ?مثله ليحقق به ذلك الهدف?..?مصطفي كمال? (?أتاتورك?)??>> ?وما ذلك المخطط الشيطاني لإلغاء الخلافة والقضاء علي دولتها؟?> ?كان ذلك المخطط? ?يعتمد علي اصطناع بطل قومي? ?يُصنع صنعاً? ?من بين أبناء الوطن ومن داخل البيت التركي? ?يتصدي لتلك الكارثة التي حلت بالأمة فيشعل فيها روح المقاومة ويقودها ضد الجيوش الغازية وينجح في طرد المحتلين من البلاد فيبزغ? ?نجمه وتلتف حوله الأمة وتسلمه قيادها وتضع في? ?يده مصيرها?.. ?وعندما? ?يصبح في أوج عظمته وانتصاراته? ?ينقلب عليها وينقض علي ما تبقي منها ليجهز عليه ويهدم البيت المسلم من داخله?.. ?وبذلك تنتهي ملحمة الخلافة وتزول دولتها?.(1/59)
?وبالفعل تمت صناعة البطل بواسطة المخابرات الإنجليزية والماسونية اليهودية وظهر الضابط? (?مصطفي كمال?) ?بمظهر المنقذ لشرف الدولة من الحلفاء الذين احتلوا العاصمة ومن اليونانيين الذين كانوا قد عبروا مضيق? (?الدردنيل?) ?واحتلوا مدينة? (?أزمير?) ?وأجزاء من أراضي الدولة التركية?.. ?فقام باشعال روح الجهاد بين الأتراك ورفع القرآن علي أسنة البنادق وقام برد اليونانيين علي أعقابهم بعد أن هزمهم في موقعة? (?سقاريا?) ?عام? (?1921م?) ?وأجلاهم عن كل الأراضي التي احتلوها في تركيا?.. ?ثم تراجعت أمامه قوات الحلفاء وأخلت مواقعها دون قتال وبدأ? (?مصطفي كمال?) ?يظهر علي السطح كبطل للجهاد ورمز لإرادة الأمة وابتهج العالم الإسلامي بانتصاراته وأطلق عليه لقب? (?الغازي?) ?وهو اللقب الذي كان? ?يطلق علي الخلفاء?.. ?ومدحه الشعراء وأشاد به الخطباء?.. ?وفي قصيدة للشاعر أحمد شوقي شبهه بسيف الله المسلول? (?خالد بن الوليد?) ?فقال في مطلعها?:? الله أكبر كم في الفتح من عجب * يا خالد الترك جدد خالد العربوكان الناس? ?يقارنون كفاح? (?مصطفي كمال?) ?وجهاده في سبيل الله وأمته باستسلام الخليفة? (?محمد السادس?) ?واستكانته في? (?الآستانة?) ?وضعفه وقلة حيلته فيكبر في نظرهم الأول وتعظم مكانته بقدر ما? ?يهون الأخير وتتضاءل قيمته?.?وأصبح? (?مصطفي كمال?) ?في نظر الأمة الإسلامية بطلاً? ?مجاهداً? ?يضحي بحياته لاستعادة مجد الخلافة الذي ضيعه الخليفة ومرغه تحت أقدام الجيوش المحتلة?..?وبالفعل وثقت الأمة بالبطل?.. ?فأسلمته قيادها ووضعت في? ?يده مصيرها?. ?وبذلك تحققت المرحلة الأولي من الخطة الشيطانية?..?وهنا بدأت المرحلة الثانية?.. ?انكشاف البطل والهجوم الصريح والمباغت علي الخلافة وكل مظاهر الإسلام وإعلان العلمانية في تركيا?..(1/60)
?وقد تم ذلك علي النحو التالي?:??- ?في عام? (?1923م?) ?أصبحت? (?أنقرة?) ?عاصمة للدولة التركية الحديثة بدلاً? ?من? (?استانبول?) ?عاصمة دولة الخلافة الإسلامية وأعلنت الجمعية الوطنية التركية قيام الجمهورية في تركيا وانتخبت? (?مصطفي كمال?) ?أول رئيس لها وأطلقت عليه فيما بعد لقب? (?أتاتورك?) ?أي أبو الأتراك وبذلك تمت الخطوة الأولي لإلغاء الخلافة وهي فصلها عن السلطة?.. ?وفي جلسة افتتاح البرلمان وقف? (?مصطفي كمال?) ?يقول ساخراً? ?ومستهزئاً? ?بالقرآن الكريم?: (?نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع? ?يبحث في التين والزيتون?).?وحتي لا? ?يثير? ?غضب العالم الإسلامي وحتي لا? ?يكتشف الشعب التركي حقيقة مؤامراته وأهدافه تظاهر? (?مصطفي كمال?) ?بالاحتفاظ بالخلافة فعين? (?عبد المجيد الثاني?) ?وهو السلطان السابع والثلاثون والأخير بين سلاطين الدولة العثمانية بدلاً? ?من? (?محمد السادس?) ?الذي? ?غادر البلاد منفياً? ?إلي مالطة علي ظهر بارجة حربية بريطانية?.??- ?حكم? (?مصطفي كمال?) ?البلاد بالحديد والنار وأعدم المئات شنقاً? ?ورمياً? ?بالرصاص وسجن عشرات الألوف من معارضيه وأصبح اسمه? ?يثير الرعب في القلوب والفزع في النفوس?.??- ?في عام? (?1923م?) ?وبناء علي التخطيط الشيطاني بين? (?مصطفي كمال?) ?والصليبية واليهودية الماسونية تم فرض? (?معاهدة لوزان?) ?من قبل انجلترا وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبلتها تركيا وتضمنت أربعة شروط هي?:??1- ?إلغاء الخلافة الإسلامية?.??2- ?إخراج الخليفة من البلاد?.??3- ?قطع كل صلة لتركيا بالإسلام?.??4- ?اتخاذ دستور مدني بدلاً? ?من الدستور الإسلامي?.(1/61)
??- ?وفي عام? (?1924م?) ?قام? (?مصطفي كمال?) ?بضربته الكبري وحقق أعظم هدف وأكبر حلم لأعداء الإسلام في العصر الحديث بل علي مر العصور وذلك بإلغاء الخلافة وخلع السلطان? (?عبد المجيد?) ?وإخراجه من البلاد كآخر خليفة للمسلمين في دولة? (?آل عثمان?).. ?وبذلك نجح فيما عجز عنه المغول حين دمروا دولة الخلافة العباسية وأسقطوا عاصمة ملكها وقتلوا خليفتها ومع ذلك لم تسقط الخلافة?.. ?وانطفأت علي? ?يد? (?مصطفي كمال?) ?شعلة الخلافة?.. ?تلك الشعلة التي لم تنطفئ طيلة ما? ?يقرب من ثلاثة عشر قرناً? ?من الزمان كانت للمسلمين فيها في شتي بقاع الأرض رمز وحدتهم واستمرار كيانهم وبقاء أمتهم?.?وعم الغضب العنيف والاستياء الشديد العالم الإسلامي?.. ?وبعد أن نال? (?أتاتورك?) ?من الشعراء مدحهم عادوا فصبوا عليه جام? ?غضبهم?.. ?وها هو الشاعر أحمد شوقي بعد أن مدحه عاد? ?يوبخه ويقرِّعه تقريعاً? ?شديداً? ?فيقول?:? بكت الصلاة وتلك فتنة عابث بالشرع عربيد القضاء وقاح أفتي خزعبلة وقال ضلالة وأتي بكفر في البلاد بواحواستمر المسلسل الجهنمي في الدوران?.. ?والمخطط الشيطاني في التنفيذ?.. ?وسقطت تركيا تحت سنابك خيل الصليبية وتوالت أشرس وأبشع خطوات التغريب والانسلاخ من الإسلام علي النحو التالي?:??- ?في عام? (?1924م?) ?أُلغيت وزارة الأوقاف وفي عام? (?1925م?) ?أُغلقت المساجد وضُرب أي حضور ديني بقسوة بالغة?.(1/62)
?وتم إغلاق أشهر مسجدين في استانبول وحُوِّل أولهما وهو مسجد? (?آيا صوفيا?) ?إلي متحف بينما حُوِّل الثاني وهو مسجد? (?الفاتح?) ?إلي مستودع فحق عليهم قوله تعالي?: ??{?وَمَنْ? ?أَظْلَمُ? ?مِمَّنْ? ?مَنَعَ? ?مَسَاجِدَ? ?اللَّهِ? ?أَنْ? ?يُذْكَرَ? ?فِيهَا اسْمُهُ? ?وَسَعَي فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ? ?مَا كَانَ? ?لَهُمْ? ?أَنْ? ?يَدْخُلُوهَا إِلاَّ? ?خَائِفِينَ? ?لَهُمْ? ?فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ? ?وَلَهُمْ? ?فِي الآخِرَةِ? ?عَذَابٌ? ?عَظِيمٌ?}?? ?ثم سُمح بفتح بعض المساجد في أضيق الحدود?.??- ?في عام? (?1926م?) ?تم إلغاء الشريعة الإسلامية?. ?وحل محلها قانون مدني أخذته تركيا من القانون السويسري?. ?وتم إلغاء التقويم الهجري وحل محله التقويم الميلادي?.??- ?في دستور عام? (?1928م?) ?تم إسقاط النص علي أن تركيا دولة إسلامية?.??- ?في عام? (?1929م?) ?تم إلغاء استخدام الحروف العربية في الكتابة وحلت محلها الحروف اللاتينية?.??- ?في عام? (?1933م?) ?ألغت الحكومة التعليم الديني في المدارس وجعلته علمانياً? ?وتم إغلاق كلية الشريعة في جامعة? (?استانبول?).??- ?في عام? (?1935م?) ?غيرت الحكومة العطلة الرسمية فأصبحت? ?يوم الأحد بدلاً? ?من? ?يوم الجمعة?. ?وأصدرت قراراً? ?بإلغاء لبس الطربوش وأمرت بلبس القبعة وإلغاء الحجاب للمرأة وأمرت بالسفور وألغت قوامة الرجل علي المرأة وأُطلق لها العنان باسم الحرية والمساواة?.??- ?تم ترجمة القرآن إلي اللغة التركية ففقد الكثير من معانيه ومدلولاته وصدرت الأوامر أن? ?يكون الآذان باللغة التركية?.?وطوال تلك الحقبة المريرة من الصراع الدامي بين قوي الكفر وقوي الإيمان كان للإعلام اليهودي ومعه كل المنافقين والملاحدة من العرب والمسلمين الذين استهواهم الغرب الصليبي والماسونية العالمية فجعلوهما قبلتهم?.. ?كان لهم دور كبير في الترويج لهذه الردة بادعاء التحضر والتنوير?..(1/63)
?وكان لهم دورهم البارز في تشجيع? (?أتاتورك?) ?علي البطش بأي معارضة إسلامية وكانت تدعي أن كل ما? ?يقوم به من المذابح الوحشية ضد المسلمين ليست سوي معارك بطولية?.. ?وأن التشبه بالغرب الصليبي والمناداة بالحرية الفاجرة للمرأة التركية?. ?والانحلال الخلقي وشرب الخمر والزنا كلها ليست إلا مظاهر للتمدن والتحضر?.?ورغم البطش والتنكيل المروعين لم? ?يستسلم المسلمون المخلصون الغُيَّر علي دينهم فقاموا بعدة ثورات مسلحة ضد ذلك الطاغوت المعادي للإسلام?.. ?ولكنها قُمِعت بقسوة بالغة وبشدة منقطعة النظير وأُعدم فيها العشرات والمئات من العلماء والمجاهدين رمياً? ?بالرصاص أو تعليقاً? ?علي أعواد المشانق?.?وأصبح? (?مصطفي كمال أتاتورك?) ?الذي سلخ تركيا من الإسلام وقضي علي كل مظاهره فيها وقضي علي دولة الخلافة ونفذ ما عجزت عنه قوي الصليبية واليهودية الماسونية طوال قرون من الزمان?.. ?أصبح نموذجاً? ?صارخاً? ?لكثير من الحكام العرب والمسلمين?.. ?وأصبح أسلوبه الاستبدادي المرعب مثالاً? ?يحتذي به لمن جاء بعده من الذين باعوا آخرتهم بدنياهم?.??- ?وفي عام? (?1934م?) ?توفي? (?مصطفي كمال أتاتورك?) ?بعد أن أتم رسالته الخبيثة ونفذ خطته الشيطانية وحقق لأعداء الإسلام والمسلمين ما ظلوا? ?يحلمون به طوال ستة قرون من الزمان?.. ??{?وَمَثَلُ? ?كَلِمَةٍ? ?خَبِيثَةٍ? ?كَشَجَرَةٍ? ?خَبِيثَةٍ? ?اجْتُثَّتْ? ?مِنْ? ?فَوْقِ? ?الأَرْضِ? ?مَا لَهَا مِنْ? ?قَرَارٍ?}??.?وقبل وفاته بسنين تعرض لمرض عضال في الكلية لم? ?يُعرف سببه ولا طبيعته وكان? ?يتعرض لآلام مبرحة لا تطاق?.. ?وكان مدمناً? ?علي شرب الخمر مما أدي إلي إصابته بتليف في الكبد ونزف متكرر والتهاب في الأعصاب وتعرضه لحالات متكررة من الكآبة والانطواء وتدهور في المستويات العليا للمخ ومراكز التفكير?..(1/64)
?وكان هذا الديكتاتور مثالاً? ?فريداً? ?في القسوة والتنكيل والحقد والكراهية? ?غير المسبوقة للإسلام والمسلمين فتحقق فيه قول الله تعالي?: ??{?وَسَيَعْلَمُ? ?الَّذِينَ? ?ظَلَمُوا أَيَّ? ?مُنقَلَبٍ? ?يَنقَلِبُونَ?}??.??>> ?فمن هو مصطفي كمال? (?أتاتورك)؟?> ?اسمه? (?مصطفي?) ?ووالده? (?علي رضا?) ?كان? ?يعمل مسئولاً? ?بالجمارك في مدينة? (?سالونيك?) ?اليونانية التي كانت تابعة للدولة العثمانية في ذلك الوقت والذي كان كما? ?يقول هو عنه?: (?رجلاً? ?ضائع الفكر? ?يقاوم علماء الدين ويؤيد الأفكار التي تتسرب إليه من الغرب ويتشبث بها?).. ?وقد ولد? (?مصطفي?) ?في تلك المدينة عام? (?1881م?) ?والتحق بالمدارس الدينية التقليدية ثم تحول إلي المدارس الحديثة وفي عام? (?1893م?) ?دخل? (?المدرسة العسكرية العليا?) ?وفيها أظهر تفوقاً? ?ملحوظاً? ?فمنحه مدرس الرياضيات الاسم الثاني? (?كمال?) ?ويعني الكمال وبعدها عُرف باسم? (?مصطفي كمال?).?في عام? (?1905م?) ?تخرج من الكلية العسكرية في? (?استانبول?) ?برتبة نقيب أركان حرب وأُرسل إلي دمشق حيث كون خلية سرية لمحاربة السلطان?.. ?وقد خدم في الجيش في كافة أرجاء الإمبراطورية العثمانية ونال شهرة كبيرة وترقيات عديدة?.. ?انضم إلي جمعية? (?الاتحاد والترقي?) ?وسرعان ما أصبح زعيمها والمتحكم بأمرها?. ?عندما انتصر الحلفاء? (?الإنجليز والفرنسيون واليونانيون?) ?في الحرب العالمية الأولي علي تركيا واحتلوا جزءاً? ?من أراضيها تصدي لهم? (?مصطفي كمال?) ?وردهم علي أعقابهم فرُقي إلي رتبة? (?جنرال?) ?ثم إلي رتبة? (?مارشال?).?في? ?29? ?أكتوبر من عام? (?1923م?) ?أعلن الجمهورية وتم انتخابه رئيساً? ?لها بالإجماع وأطلق عليه لقب? (?أتاتورك?) ?أي أبو الأتراك،? ?وفي عام? (?1924م?) ?ألغي الخلافة?.(1/65)
?تقول دائرة المعارف الماسونية?: (?إن الانقلاب التركي الذي قام به الأخ العظيم مصطفي كمال أتاتورك أفاد الأمة كثيراً?.. ?فقد أسقط السلطنة وألغي الخلافة وأبطل المحاكم الشرعية وألغي دين الدولة الإسلام?.. ?وهذا هو الإصلاح الذي تتبعه الماسونية في كل أمة ناهضة?.. ?فمن? ?يماثل أتاتورك من رجالات الماسون سابقا ولاحقاً؟?!!).? الخاتمةمن الملف السابق? (?عصر الفاتحين?) ?والملف الحالي? (?السقوط والانهيار?) ?نخلص إلي ما? ?يلي?:??1- ?أن وعد الله للمؤمنين بالتمكين في الأرض له شروط لا? ?يقوم إلا بها?.. ?فإن استوفت الأمة الشروط تحقق التمكين وإن فقدتها فقدته?.??2- ?أن تفسير الأحداث التي تمر بها الأمة علي مر الزمان واختلاف المكان? ?يجب أن? ?يكون تفسيراً? ?إيمانياً?.. ?فالحروب والصراعات التي تتعرض لها في أي بقعة من بقاعها ما هي إلا صور لصراع الحق مع الباطل والكفر مع الإيمان لا فرق في ذلك بين الحروب الصليبية والحرب علي دولة الخلافة العثمانية ولا فرق بين الحرب علي البوسنة والهرسك والعراق وأفغانستان والحرب علي الصومال وكشمير وفلسطين والشيشان?.??3- ?كانت الخلافة هي الإطار الديني والدنيوي الشامل الذي جمع صف المسلمين ووحد كلمتهم وجعل من القوة والاعتصام بحبل الله ركائز لأمتهم?.??4- ?أن وسائل وأدوات الصراع بين قوي الكفر والإيمان لا تتغير بتغير الزمان والمكان?.. ?فمن? ?ينظر في أسباب سقوط الدولة العثمانية? ?يجدها بعينها مازالت تنخر في جسد الأمة المسلمة?.. ?ما بين خروج علي شرع الله وحكم بغير ما أنزل سبحانه وتعالي،? ?وتفريط في أسباب العلم والتقدم والقوة،? ?واستبداد الحكام والرؤساء وإسراف الملوك والأمراء،? ?وموالاة الكافرين ومعاداة المؤمنين،? ?وزواج بالأجنبيات من اليهوديات والصليبيات،? ?واختراق دوائر الحكم من? ?غير المخلصين الكارهين للإسلام وسقوط في شرك القروض والديون وطلب المنح والهبات والعطايا والمساعدات?..(1/66)
?وانحراف العلماء وموالاتهم للسلطان والفتوي بما? ?يهواه وصدق الله العظيم إذ? ?يقول?: ??{?ذَلِكَ? ?بِأَنَّ? ?اللَّهَ? ?لَمْ? ?يَكُ? ?مُغَيِّراً? ?نِعْمَةً? ?أَنْعَمَهَا عَلَي قَوْمٍ? ?حَتَّي? ?يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ?}??.?هذه هي أسباب وتاريخ وأحداث سقوط دولة الخلافة العثمانية?.. ?وفي الملف القادم إن شاء الله نتناول عودة تركيا إلي الإسلام وانبعاث صحوة المسلمين?..?ندعو الله أن? ?يعز الإسلام ويحفظ المسلمين?.. ?والله من وراء القصد وهو الهادي إلي سواء السبيل?.?دولة الخلافة العثمانية?..?? ?الإسلاميون الجددنشر هذا الملف في العدد الأربعين? ?السنة الرابعة? ?من مجلة التبيان بتاريخ? ?? ?ذو القعدة? ?1428هـ? - ?نوفمبر? ?2007ممنذ نشأة الدولة العثمانية وعلي مدي ستة قرون شكل الإسلام العنصر الأساسي في بناء شخصية الإنسان وصياغة حياة الأمة?.. ?فقد امتدت جذور هذا الدين العظيم طوال ذلك التاريخ في أعماق النفوس وخالط شغاف القلوب وتعلقت به الأرواح وتشربته العقول?.. ?واستطاع الأتراك من خلاله بناء أكبر وأعظم امبراطورية إسلامية عرفتها العصور المتأخرة امتدت علي مدي ستة قرون من الزمان وانتشرت في قارات العالم القديم بأجمعها?.?ثم جاء? (?مصطفي كمال أتاتورك?) ?العدو الأول للإسلام ومدمر دولة الخلافة العثمانية فلم? ?يدخر وسيلة لمحاربة الإسلام إلا لجأ إليها ولا سبيلا إلي سلخ تركيا عن دينها إلا سلكه،? ?وانتهج علمانية لم تفصل الدين عن الدولة كما فعل الآخرون وإنما كان همها محاربة الإسلام علي الخصوص،? ?وكان حلم حياته ألا? ?يري له أثراً? ?في تركيا حتي أنه في الذكري العاشرة لتأسيس الجمهورية جمع المصاحف والكتب الدينية ووضعها علي ظهور الإبل وقادها رجل? ?يرتدي العقال العربي واتجه بها نحو الجزيرة العربية وقد عُلّقت في رقابها لافتة تقول?: "?جاءت من الصحراء ولتعد إلي الصحراء?.. ?جاءت من العرب ولتعد إلي العرب?".(1/67)
?واشتعل الصراع بين العلمانية الأتاتوركية المبغضة للإسلام والكارهة للدين وبين الشعب التركي المسلم وريث دولة الخلافة الإسلامية?.. ?فقبض ذلك الشعب علي دينه كالقابض علي الجمر في? ?يده وضرب مع علمائه الأمثال الفريدة في الدفاع عن عقيدته والتمسك بدينه كما فعل بعضهم حين كانوا? ?يستأجرون المزارع البعيدة عن المدن ويأخذون طلبتهم ليعملوا في الحقول بالنهار ويحفظوا القرآن ويدرسوا علوم الدين بالليل?.?وفي الملفين السابقين تناولنا بفضل الله عصر السلاطين الفاتحين الذين أقاموا صرح دولة الخلافة العثمانية العظيمة،? ?فوطدوا أركانها ورسَّخوا دعائمها?.. ?ثم عصر السقوط والانهيار حيث سقطت الدولة وضاعت الخلافة وطُورد الإسلام واضُهد المسلمون?.. ?وحكمت العلمانية وساد العلمانيون?.?وفي هذا الملف إن شاء الله نتناول عودة تركيا إلي الإسلام فنبين متي بدأت العودة وكيف كان ذلك?.. ?وكيف تعرض المسلمون للمحن والابتلاءات ثم كيف توالت خطوات العودة وتحققت الانتصارات?.. ?محاولين أن نوضح بعض الأمور التي اختلطت علينا ومنها?: ?هل هذه العودة ظاهرية ركب موجتها سياسيون متأسلمون؟?.. ?أم أنها عودة حقيقية حمل لواءها بصدق وإخلاص قادة إسلاميون؟البدايةكانت مهمة الحفاظ علي الوجه الإسلامي لتركيا سراً? ?عسيرة وشاقة?.. ?وأشق منها إظهاره إلي الوجود مرة أخري?.. ?أما الأشق والأصعب فهو عودته للحياة السياسية بل بروزه وتفوقه علي منافسيه ليصل إلي قمة السلطة في المجتمع التركي العلماني?.. ?ولكن كان ذلك قدر الله ورحمته بذلك الشعب المسلم المجاهد فحفظ عليه دينه وقدر له العودة المظفرة?.?وقد استطاعت الحركة الإسلامية في تركيا أن تقدم نموذجاً? ?فريداً? ?في التعامل مع الواقع السياسي والاجتماعي المفروض عليها والتكيف معه والاستفادة منه دون أن تضطر إلي اللجوء إلي أحد النقيضين?..(1/68)
?إما الاستسلام والتخلي عن العقيدة والدين أو اللجوء إلي العمل المسلح والثورة علي مجتمع العلمانيين?.. ?فاستطاعت أن تستغل كل فرصة لترسيخ أقدامها والتعبير عن نفسها،? ?وكان منهجها أن تأخذ ما? ?يتاح لها حتي تتهيأ الظروف لتأخذ? ?غيره وهكذا حتي? ?يتم التغيير الذي تنشده?.. ?وطوال مسيرة الحركة الإسلامية المعاصرة في تركيا لم تحصر دورها في بيان الحلال والحرام وتعليم الناس أمور دينهم فقط ولكنها كانت تقدم حلولاً? ?واقعية لمشكلات الشعب العديدة التي تسبب فيها العلمانيون وعجزوا عن حلها في سياق تصارعهم علي السلطة?.?ومنذ أنشأ? (?أتاتورك?) ?الجمهورية عام? (?1923م?) ?في تركيا أسس? (?حزب الشعب?) ?ليكون حزباً? ?واحداً? ?محتكراً? ?للسلطة جاعلاً? ?هدفه الوحيد استكمال المخطط الأتاتوركي الشيطاني لاستئصال شأفة الإسلام من هذه الدولة?.. ?وطوال تلك الفترة انعدم كل صوت مسلم أو مظهر إسلامي في أنحاء الجمهورية علي الإطلاق إلا ما كان سراً? ?في القلوب?.?وبعد وفاة? (?أتاتورك?) ?عام? (?1938م?) ?خلفه? (?عصمت إينونو?) ?حتي عام? (?1950م?)?،? ?وكانت بداية الانفراج في عهده وبالتحديد في عام? (?1945م?) ?أي بعد إلغاء الجمهورية باثنين وعشرين عاما وبعد وفاة? (?أتاتورك?) ?بأحد عشر عاماً? ?عندما سمح النظام بتعدد الأحزاب إذ شكل ذلك علامة فارقة علي بدء مرحلة جديدة من العلاقات بين الدين والدولة في اتجاه? ?يمكن أن نقول عليه أنه تصالحي حيث أصبحت بعض الأحزاب متنفساً? ?للمشاعر والأفكار الإسلامية?.. ?فظهر علي الساحة? (?الحزب الديموقراطي?) ?لينافس حزب? (?الشعب?).. ?ووجد الإسلاميون في ذلك الحزب متنفساً? ?لهم وأصبح نشاطهم ممكناً? ?بعد أن كان مصادراً? ?وذلك حين سمح لهم رئيسه? (?عدنان مندريس?) ?بالظهور علي استحياء?..(1/69)
?ولكن هذا الظهور دفع قيادة الجيش إلي القيام بانقلاب عسكري في عام? (?1960م?) ?بقيادة الجنرال? (?جمال جورسيل?) ?وتم إعدام? (?عدنان مندريس?) ?بعد أن تولي رئاسة الوزراء عقابا له علي سماحه بعودة المظاهر الإسلامية وتهديد العلمانية الأتاتوركية?.?وفي فترة الستينيات شهدت تركيا تحولات كبيرة في شتي مجالات الحياة وعلي رأسها المجال السياسي فانتشرت الأحزاب اليسارية بين صفوف الطلاب والمثقفين وظهرت بعض التوجهات الإسلامية علي الساحة السياسية?.. ?وكانت البداية المعلنة للحركة الإسلامية هي ظهور المهندس? (?نجم الدين أربكان?) ?الذي حقق فوزاً? ?كاسحاً? ?وانتصاراً? ?ساحقاً? ?في انتخابات عام? (?1969م?) ?كمرشح مستقل عن دائرة? (?قونية?) ?معقل الإسلاميين في تركيا?.. ?وفي عام? (?1970م?) ?كانت بداية الظهور المعلن للأحزاب ذات التوجه والمرجعية الإسلامية لأول مرة في تركيا?.??>> ?ومن نجم الدين أربكان؟?> ?ينحدر من نسل السلاجقة وكان جده آخر وزير للمالية في دولتهم?.?ولد? (?نجم الدين أربكان?) ?في عام? (?1926م?) ?في مدينة? (?قونية?) ?علي ساحل البحر الأسود وتخرج من كلية? (?الهندسة الميكانيكية?) ?في? (?استانبول?) ?عام? (?1948م?) ?ثم سافر في بعثة إلي ألمانيا فنال شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات من جامعة? (?أخن?) ?عام? (?1953م?).?في عام? (?1965م?) ?عُين أستاذاً? ?مساعداً? ?ثم أستاذاً? ?في كلية الهندسة التي تخرج منها ولم? ?يكن قد تجاوز التاسعة والعشرين من عمره?.?بدأ? (?أربكان?) ?أول تجربة سياسية له في حياته في مدينة? (?قونية?) ?عام? (?1969م?) ?حين أصبح ممثلاً? ?للمدينة في مجلس النواب?.?وفي عام? (?1971م?) ?أسس? (?أربكان?) ?مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين أول حزب ذي مرجعية إسلامية في تركيا العلمانية أطلق عليه حزب? (?النظام الوطني?) ?وأعلن عن هويته بوضوح حين قال?: "?إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام?".(1/70)
?أسباب الاهتمام?>>?? ?ولكن ما أسباب ازدياد الاهتمام بالحركة الإسلامية في تركيا من قبل المسلمين عموماً? ?ومن قبل الغرب خصوصاً؟?> ?ازداد الاهتمام بالحركة الإسلامية في تركيا لما? ?يلي?:?أولاً?:?? ?الانهيار المفاجئ للاتحاد السوفيتي الذي أصاب العالم بالذهول،? ?وتفككه إلي دول متناثرة عام? (?1991م?).. ?وغياب تلك الإمبراطورية العظمي التي ظلت تمثل العدو الأول والأكبر للتحالف اليهودي الصليبي العالمي طوال ما? ?يزيد عن سبعين عاماً?.. ?وفي ظل الصراع معها تراجعت أولوية الصراع مع الإسلام والمسلمين?.. ?فلما سقطت استدار الغرب إلي الإسلام ليضعه في بؤرة المعركة وعلي رأس أولوياته بصفته العدو الأول الجديد?.?ثانياً?:?? ?انفجار الثورة الإسلامية في إيران عام? (?1979م?) ?التي مثلت زلزالا أصاب التحالف اليهودي الصليبي بالصدمة والذهول?.. ?فبين عشية وضحاها انهار أقوي الأنظمة ديكاتوريةً? ?في منطقة الشرق الأوسط وأشدها بطشاً? ?وأعنفها قهراً? ?لشعوبها?.. ?وبين? ?غمضة عين وانتباهتها انهار أقوي حليف لإسرائيل وأمريكا ليحل محله نظام حكم ديني مُغْرِق في الأصولية مَثَّلَ? ?اعصاراً? ?كاسحاً? ?دَمَّر في طريقه كل مخططات الغرب واستراتيجياته في تلك المنطقة?.. ?خاصة بعد أن امتلك ذلك النظام التكنولوجيا النووية وتخصيب اليورانيوم?.. ?ولقد مثل احتمال تكرار ذلك الأمر في تركيا ومازال? ?يمثل كابوساً? ?ثقيلاً? ?يجثم علي صدر الغرب الصليبي وإسرائيل?.?ثالثاً?:?? ?تمثل تركيا للتحالف اليهودي الصليبي العالمي قلعة العلمانية الحصينة ضد التمدد الإسلامي وحائط الصد الذي? ?يحمي شرق أوروبا من خطر أي زحف إسلامي تماماً? ?كما كان حال مدينة? (?القسطنطينية?) ?التي ظلت حصناً? ?حصيناً? ?يحمي الصليبية في أوروبا ضد الفتوحات الإسلامية الزاحفة من الشرق حتي سقطت علي? ?يد? (?محمد الفاتح?) ?فتحولت إلي قاعدة للفتوحات في شرق أوروبا?..(1/71)
?ثم ها هي أوروبا قد أعادتها مرة أخري علي? ?يد? (?كمال أتاتورك?) ?لتؤدي وظيفتها قبل الفتح?.. ?قلعة حصينة تتصدي للزحف الإسلامي?.. ?ثم عملت علي عزلها عن محيطها الإسلامي فجعلتها عضواً? ?في حلف شمال الأطلنطي وأوهمتها بالاستعداد لقبولها عضواً? ?في الاتحاد الأوروبي الصليبي?.. ?فإذا كانت إيران وعلي الرغم من الفارق الشاسع بينها وبين أوروبا الصليبية جغرافياً? ?وتسليحياً? ?وصناعياً? ?تمثل كابوساً? ?مزعجاً? ?وهماً? ?مقيماً? ?لها فما بالك بتركيا الملاصقة لها وعلي حدودها وذات التاريخ الذي لا? ?ينسي في الحروب والانتصارات الإسلامية عليها إذ أصبحت مثل إيران؟رابعاً? :?? ?نمو وتعاظم الحركات الإسلامية داخل أوطان وبلدان العالم الإسلامي بعد أن جربت جميع النظم الأخري ما بين شيوعية واشتراكية ورأسمالية وأنظمة حكم دكتاتورية واستبدادية وأنظمة ملكية وراثية?.. ?وبعد كل هذه النظم لم تجن الدول الإسلامية إلا كل خراب وضياع وعودة للسقوط تحت أقدام اليهودية والصليبية العالمية?.. ?فآمنت وصدقت بقول ربها سبحانه وتعالي?: ??{?وَمَنْ? ?أَعْرَضَ? ?عَنْ? ?ذِكْرِي فَإِنَّ? ?لَهُ? ?مَعِيشَةً? ?ضَنكاً? ?وَنَحْشُرُهُ? ?يَوْمَ? ?الْقِيَامَةِ? ?أَعْمَي?}?? ?لذلك فقد بدأت الشعوب أخيراً? ?تدرك أن لا ملجأ لها من الله إلا إليه وأن النجاة والعودة للقوة والمنعة لا تكون إلا بالعودة إلي الإسلام?.. ?وبالفعل بدأت الحركات الإسلامية السياسية في العالم الإسلامي تقوي وتحتل مكانة بارزة في مجتمعاتها كما حدث في مصر وفلسطين والأردن والمغرب ثم ذلك النموذج المبهر في تركيا?.?خامساً?:?? ?تأتي تركيا في صدارة الدول الإسلامية المؤهلة لقيادة قاطرة النهضة المرتقبة للعالم الإسلامي والتي تدفع به ليستعيد مكانته الجديرة به في عالم لا بقاء فيه إلا للأقوياء?..(1/72)
?فتركيا تملك عناصر للقوة قل أن تجتمع في دولة إسلامية مناظرة ومنها?:??1- ?إرث تاريخي عظيم ملئ بالانتصارات والفتوحات وتاريخ حكم لدولة كانت في وقت من الأوقات سيدة العالم?.??2- ?ميراث حضاري عريق شمل كافة أنواع التقدم في مختلف المجالات فكرياً? ?وثقافياً? ?وعسكرياً? ?وسياسياً? ?واقتصادياً? ?وذلك في عصر السلاطين الفاتحين?.??3- ?أغلبية سكانيه إسلامية ساحقة فمن بين سبعين مليوناً? ?هم عدد سكان تركيا تبلغ? ?نسبة المسلمين حوالي? (?99?.?8??).. ?وهذا? ?يزيل عن تركيا مشكلة عويصة أعضلت وتعضل الكثير من الدول الإسلامية المناظرة وهي قضية الأقليات? ?غير المسلمة ووقوفها عقبة كأداء في طريق تطبيق شريعة الإسلام في بلاد المسلمين?.??4- ?قوة اقتصادية ناهضة وواعدة وثروات طبيعية واسعة ومتعددة?.??5- ?موقع جغرافي متميز? ?يربط آسيا بأوروبا وعلي مشارف أفريقيا وتواصل مباشر مع قارة أوروبا جغرافياً? ?وبشرياً? ?مما? ?يتيح لها سهولة انسياب عناصر التقدم العلمي والتقني والصناعي من أوروبا إليها?.??6- ?نظام حكم ذو مرجعية إسلامية? ?يتبع استراتيجية? ?غاية في الحكمة والذكاء?.. ?هادئة ومعتدلة?.. ?تسير بأسلوب التدرج والوسطية في العودة بالبلاد إلي جذورها الإسلامية?.?لذلك فإن الغرب الصليبي واليهود والماسونية العالمية? ?ينظرون إلي تركيا بتوجس وريبة،? ?وقلق وترقب من أن تكون هي قائد تلك القاطرة?.. ?قاطرة النهضة الإسلامية المرتقبة خاصة أنهم شاهدوا بأعينهم تجربة أثارت قلقهم الشديد في ذلك المجال حين دعا? (?نجم الدين أربكان?) ?وقت أن كان رئيساً? ?للوزراء إلي تكوين تكتل اقتصادي إسلامي? ?يحتل مكانة بين الأقوياء من ثماني دول إسلامية قوية وواعدة هي? (?مصر وتركيا واندونيسيا وباكستان وماليزيا ونيجيريا وإيران وبنجلاديش?).(1/73)
?وبالفعل عقد ذلك التكتل أول اجتماع له في? (?استانبول?) ?بتاريخ? (?1997م?) ?ولولا خروج أربكان من الوزارة لكان لذلك التكتل شأن عظيم?.?الخصائص والمكونات?>> ?فما خصائص الحركة الإسلامية في تركيا؟?> ?تتميز الحركة الإسلامية في تركيا بما? ?يلي?:??1- ?أن لها جذوراً? ?قوية ومتشعبة وضاربة في الأعماق في دولة ظلت لقرون طويلة دولة الخلافة الإسلامية صاحبة الفتوحات والانتصارات وكانت أوروبا الصليبية واليهودية والماسونية العالمية تعتبرها العدو الأكبر فاجتمعوا عليها جميعاً? ?بقضهم وقضيضهم?.. ?فكانوا ومازالوا? ?ينظرون إليها بتوجس وريبة?.. ?وحتي الآن لم? ?يستطيعوا أن? ?يمحوا من ذاكرتهم تاريخ فتوحاتها وانتصارات سلاطينها الفاتحين عليهم?.??2- ?أنها اصطدمت بأشرس تيار معادي من الممكن أن تتعرض له حركة إسلامية وهو التيار العلماني الأتاتوركي الذي لم? ?يكتف بمحاربة الإسلاميين إنما جعل هدفه القضاء علي الإسلام واستئصال جذوره من قلوب المتدينين?.??3- ?وفي المقابل فإنها تتمتع بميزة خطيرة? ?يندر أن تتمتع بها حركة إسلامية في بلد إسلامي آخر وهي أنها تعمل في ظل ديموقراطية? ?يحترمها جميع الأطراف?.. ?فبالرغم من العداء المطلق والشراسة الشديدة التي تبديها قيادات التيار العلماني تجاه الإسلاميين فإنهم لم? ?يُزَوُِّروا الانتخابات ولم? ?يُزِّيفوا إرادة الناخبين وتقبلوا فوزهم برئاسة البرلمان والحكومة ثم برئاسة الجمهورية?.. ?وإن كان ذلك قد تم علي مضض وتوجس وتربص منهم?.??4- ?فازت الحركة الإسلامية في تركيا بأكبر قدر من المكاسب ووصلت إلي أعلي مراكز قيادية في الدولة بشكل لم تصل إليه أي حركة إسلامية في أي دولة إسلامية من قبل علي الإطلاق?.??5- ?تتميز الحركة الإسلامية في تركيا في هذه المرحلة بقيادة شابة ذكية وحكيمة?.. ?تنهج نهجاً? ?وسطاً? ?معتدلاً? ?وتتبع استراتيجية التدرج والهدوء والتأني في تحقيق أهدافها والوصول إلي? ?غاياتها?.(1/74)
??>> ?وما مكونات الحركة الإسلامية في تركيا؟?> ?تتكون الحركة الإسلامية في تركيا من ثلاث تيارات?..??1- ?الطرق الصوفية?.??2- ?الجماعات التربوية?.??3- ?الجماعات السياسية?.?وتفصيل ذلك علي النحو التالي?:?أولا?: ?الطرق الصوفية?:?? ?ولها جذور تاريخية متشعبة تمتد لمئات السنين بين أفراد المجتمع بمختلف طبقاته وكان هدف هذه الطرق هو حفظ التراث الإسلامي والمحافظة علي أداء العبادات والشعائر وإحياء العقيدة في نفوس الشعب التركي?.. ?ولكن اختلطت عليها المفاهيم فانحرف بعضها عن الفهم الصحيح للصوفية وبعض آخر انحرف عن الفهم الصحيح لأصل العقيدة وصحيح الدين?.?وفي بداية الحركة العلمانية الأتاتوركية اتصف موقف الدولة من الطرق الصوفية بالتفاهم والاحترام لأن الدولة كانت تهدف للقضاء علي الإسلام الرسمي أولاً? ?ممثلاً? ?في السلطان والخليفة فأرادت أن تتجنب الصدام مع تلك الطرق وتبقيها علي الحياد إلي حين?.. ?فلما تم لها ما أرادت وألغت الخلافة انقلبت عليها فنالها ما نال كل الإسلاميين من بطش واضطهاد وأصابها ما أصابهم من تشريد ونفي وتهجير مما اضطرها إلي العمل سراً? ?وبعيداً? ?عن أعين المسئولين?.. ?ومع بداية الانفراجة السياسية في بداية الخمسينيات وتخفيف الحصار والتضييق علي الدين وأهله عادت الطرق الصوفية إلي نشاطها بشكل علني?.. ?وساعدها علي ذلك تنافس الزعماء السياسيين علي كسب أصوات أتباعها في الانتخابات?.. ?لدرجة أن بعض زعماء الأحزاب كانوا لا? ?يترددون عن أن? ?يعلنوا انتسابهم إليها?.. ?ويأتي علي رأس هذه الطرق الطريقة? (?النقشبندية?).. ?وهناك طرق أخري أقل انتشاراً? ?وأعضاءاً? ?مثل الطريقة? (?التيجانية?) ?و(القادرية?) ?و(الرفاعية?) ?وهي منتشرة في كثير من المدن ومناطق الريف التركية ولها حضورها في دعم بعض الأحزاب السياسية?.(1/75)
?ثانياً?: ?الجماعات التربوية?:?? ?وهي جماعات تأسست كرد فعل علي الإصلاحات العلمانية الأتاتوركية التي هدفت إلي علمنة المجتمع وتغريبه من خلال القضاء علي كل المظاهر الإسلامية?.. ?وقد ظهرت هذه الجماعات في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات ومنها علي وجه الخصوص?: ??(?جماعة النور?): ?وتُنْسَب إلي مؤسسها? (?بديع الزمان سعيد النورسي?) ?الذي كانت كتاباته ودعوته صريحة في ضرورة أن? ?يدرك الإنسان أن سعادته وحل مشاكله تكمنان في الارتباط الوثيق بالله وحده ولا أحد سواه مؤكداً? ?بذلك علي البعد التربوي في حياة الإنسان وعلي ضرورة ترسيخه وتعميقه باعتباره الأساس والمنطلق إلي أي عملية إصلاحية للفرد أو الجماعة انطلاقاً? ?من قول النبي? ??صلي الله عليه وسلم: ??"?اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن?"??.??(?الجماعة السليمانية?): ?وتنتشر داخل تركيا وخارجها في أوروبا الغربية ولا سيما ألمانيا?.. ?وتولي هذه الجماعة أهمية للمجال الثقافي?.. ?لذلك فأتباعها? ?يملكون مراكز ثقافية في الكثير من مدن تركيا كما عملوا علي تأسيس مؤسسات دينية موازية للمؤسسات التي تشرف عليها الدولة?.. ?أما في الجانب الاقتصادي فللجماعة مواردها الاقتصادية المهمة عبر مشاريع تجارية متعددة?.??(?الجماعة الأشيكشيكية?): ?ظهرت في أواخر السبعينيات وأسسها ضابط متقاعد في الجيش وتعرف باسم? (?جماعة تركيا?) ?نسبة إلي صحيفة? (?تركيا?) ?التي تصدرها الجماعة?. ?وتصنف بأنها من جماعات? (?الغلاة?) ?داخل تركيا وهي تعادي الفكر الحركي وتناصر الأحزاب التي تبادلها المنافع وتحقيق المصالح?.(1/76)
?ثالثاً?- ?الجماعات? ?السياسية?:?? ?في الوقت الذي اهتمت فيه بعض التيارات الإسلامية بالمداخل التربوية والفكرية والثقافية للتغيير واعتبرتها اللبنات الأولي لإصلاح المجتمع والتي? ?يتأسس عليها المدخل السياسي فإن الجماعات الحركية اعتبرت المدخل السياسي هو البداية للمداخل الأخري وهو أقدر علي أن? ?يوفر لها فرصاً? ?أكبر للفعل والتأثير ويضمن لها ظروفاً? ?أحسن للبقاء والاستمرارية دون أن? ?يقلل ذلك من اهتمامه بها وتقديره لها وقد تبلور فكر وعمل هذه الجماعات في المسيرة السياسية التي بدأت منذ الانفراجة الحزبية عام? ?1945م ومازالت مستمرة حتي الآن متمثلة في? (?حزب العدالة والتنمية?) ?وحزب? (?السعادة?).?التاريخ والمعاناة?>> ?ما تاريخ الحركات الإسلامية في تركيا؟?> ?طوال تاريخ دولة الخلافة العثمانية لم? ?يكن هناك ما? ?يسمي بالحركات الإسلامية لأن الدولة كلها كانت إسلامية?.. ?ولكن في أواخر عهدها وفي عصر الضعف والانهيار ظهر تياران متضادان وقع بينهما صراع عنيف?: ?تيار علماني? ?يحارب الإسلام?.. ?وتيار مضاد? ?يدافع عنه وهو ما سمي بالتيار الإسلامي?.?وفي المرحلة الأولي من الصراع استطاع التيار العلماني أن? ?يحقق انتصارات ساحقة وصلت قمتها بإعلان الجمهورية وإلغاء الخلافة?..(1/77)
?ثم بدأ التيار الإسلامي في المرحلة التالية وفي أقل من خمسة عقود من الزمان في الانبعاث والعودة للظهور علي ساحة الصراع بثبات وقوة ليحقق هو أيضاً? ?انتصارات ساحقة وصلت إلي قمتها حتي الآن علي? ?يد حزب? (?العدالة والتنمية?) ?بحصوله علي ثلاثة من أخطر وأعلي أربعة مناصب في الدولة هي رئيس الجمهورية وهو أعلي سلطة في الدولة،? ?ورئيس المجلس النيابي حيث السلطة التشريعية،? ?ورئيس الحكومة حيث السلطة التنفيذية،? ?ولم? ?يبق له إلا الحصول علي منصب رئيس المحكمة الدستورية وهي أعلي سلطة قضائية لتكتمل للإسلاميين السيطرة علي جميع المناصب العليا المتحكمة في مصير البلاد?.?ويمكن تلخيص مسيرة الحركة السياسية الإسلامية في تركيا منذ إلغاء الخلافة وإعلان الجمهورية وحتي الآن في ثلاثة مراحل?:?المرحلة الأولي?: ?محاولات إنشاء أحزاب إسلامية?: ?بدأت بعد الانفراج الذي حدث في عام? (?1945م?) ?وتمثلت في محاولات لتكوين أحزاب تتبني المشاعر والمظاهر الإسلامية علي النحو التالي?:??1- ?في? ?19? ?يوليو? (?1946م?): ?قام كل من? (?نجمي كوناش?) ?و(مصطفي أوزبك?) ?بتشكيل حزب? (?حماية الإسلام?) ?فقامت قيادة الأحكام العرفية بإغلاقه في نفس العام بحجة اتخاذه الدين أداة للسياسة?.??2- ?في ?8 ?يوليو? (?1947م?): ?قام? (?جواد رفعت أتيل خان?) ?وهو جنرال سابق بالجيش التركي معروف بعدائه لليهود والصهيونية ومعه مجموعة من زملائه بإنشاء حزب? (?المحافظين?) ?وذكر في لائحته أنه? ?يعتمد علي الأسس الإسلامية فأغلقته السلطات قبل أن? ?يبدأ نشاطه?.??3- ?في? ?20? ?يوليو? (?1948م?): ?قام المارشال? (?فوزي جاقماق?) ?وكان أحد أعوان أتاتورك المقربين بإنشاء حزب? ?يميني بروح إسلامية سماه حزب? (?الأمة?) ?ونصت لائحته علي احترام الدين فألغته الدولة بحجة أنه? ?يعمل ضد النظام الجمهوري الذي أسسه? (?أتاتورك?).(1/78)
?وفي هذه المرحلة لم تنجح الحركة الإسلامية في إنشاء أي حزب سياسي معترف به من الدولة?.?المرحلة الثانية?: ?الانخراط والمشاركة في الأحزاب القائمة?: ?في هذه المرحلة ونتيجة لتعدد الأحزاب فإن عامة أفراد الشعب التركي المسلم بدأوا? ?يتجهون لدعم وتأييد الحزب الذي? ?يلبي بعض مطالبهم ومشاعرهم الدينية ولقد أدرك السياسيون ذلك وعلي رأسهم قادة الأحزاب العلمانية فحاولوا إيهام الرأي العام التركي أن حربهم علي الإسلام لم? ?يكن المقصود منها القضاء علي الدين وإنما كان هدفها القضاء علي سلطة العلماء والشيوخ واصفين إياهم بالرجعية والتخلف?. ?حتي أن حكومة حزب? (?الشعب الجمهوري?) ?برئاسة? (?عصمت إينونو?) ?وريث? (?كمال أتاتورك?) ?اتخذت عدة قرارات لصالح الدين منها السماح بتدريسه في المدارس?.?لذلك فقد اتجهت الحركة الإسلامية في هذه المرحلة إلي انتهاج نهج جديد بدلاً? ?من محاولة إنشاء أحزاب خاصة بها?. ?وذلك بالانخراط والمشاركة في الأحزاب القائمة لعلها تستطيع من خلالها التعبير عن أفكارها وطموحاتها?.. ?وقد وافق هذا النهج هوي في نفوس قيادات تلك الأحزاب التي وجدت فيه وسيلة فاعلة لاكتساب المزيد من الأنصار والمؤيدين لأحزابهم من عامة الشعب التركي المسلم?.. ?وقد تحقق ذلك بشكل واضح مع? (?الحزب الديمقراطي?) ?الذي تزعمه? (?عدنان مندريس?) ?والذي? ?يعد أول حزب معارض? ?ينشأ في مواجهة حزب? (?الشعب الجمهوري?) ?الأتاتوركي،? ?وكان? (?مندريس?) ?معروف بعدم معاداته الصريحة للمشاعر الإسلامية،? ?وقد شكل الدين عنصراً? ?قوياً? ?في برنامج حزبه ومطالبه وإصلاحاته?.. ?لذلك فقد جاء فوزه الكبير علي منافسة عام? (?1950م?) ?إقراراً? ?واعترافاً? ?بذلك الاتفاق الضمني بين الأحزاب العلمانية والشعب التركي المسلم بأن الحزب الذي? ?يعطي مساحة أكبر للمطالب الدينية سيكون هو الفائز?..(1/79)
?وبالفعل شهدت الحياة التركية عودة تدريجية ومتأنية لبعض المظاهر الإسلامية امتدت طوال فترة الخمسينيات وحتي عام? (?1960م?) ?تقريباً?.. ?فقد سمح? (?مندريس?) ?برفع الأذان باللغة العربية وألغي الحظر علي البرامج الدينية وقرر تدريس الدين في المرحلة المتوسطة?.. ?كما قام ببناء بعض المساجد ومنح الصفة القانونية لمعاهد الأئمة والخطباء?.. ?ولكنه في المقابل استمر علي رفضه السماح بظهور أي حزب إسلامي التزاماً? ?بالدستور والقانون?.. ?ونتيجة لهذه الإجراءات التي أدت إلي عودة المظاهر الإسلامية بشكل علني وواضح للحياة التركية وقع أول انقلاب عسكري في تاريخ تركيا في مايو عام? (?1960م?) ?بدعوي حماية العلمانية وتم علي أثره إعدام? (?عدنان مندريس?) ?كما ذكرنا آنفاً?.?المرحلة الثالثة?: ?إنشاء أحزاب ذات مرجعية إسلامية?:?? ?عقب الانقلاب العسكري عام? (?1960م?) ?ساد المجتمع التركي حالة من الاحتقان السياسي حاول قادة الانقلاب التخفيف منه فسمحوا بتكوين عدة أحزاب منها حزب? (?العدالة?) ?برئاسة? (?سليمان ديميريل?) ?الذي مثل امتداداً? ?لسلفه? (?الحزب الديموقراطي?)..?وقد قدم? (?نجم الدين أربكان?) ?أحد أهم رموز وأعمدة الحركة الإسلامية طلباً? ?لذلك الحزب ليترشح باسمه في مسقط رأسه بمدينة? (?قونية?) ?في انتخابات عام? (?1969م?) ?لكن طلبه رُفِض?.. ?فخاض الانتخابات مستقلاً? ?حيث فاز بها فوزاً? ?كاسحاً? ?كما فاز عدد آخر من رفاقه من رموز الحركة الإسلامية في محافظات أخري فكونوا جميعاً? ?داخل البرلمان كتلة موحدة سميت باسم? (?حركة المستقلين المسلمين?)..(1/80)
?وفي تلك الفترة ازدادت المشاعر والمظاهر الإسلامية ظهوراً? ?علي ساحة المجتمع وازدهرت الكتابات الداعية إلي إقامة دولة إسلامية وتُوِّج ذلك بتأسيس? (?أربكان?) ?لأول حزب إسلامي شكل الواجهة السياسية للحركة الإسلامية في تركيا هو حزب? (?النظام الوطني?) ?عام? (?1970م?) ?وبعده وعلي خطاه تأسست عدة أحزاب إسلامية حتي عام? (?2001م?) ?حيث انقسمت الحركة الإسلامية السياسية في تركيا إلي اتجاهين?: ?اتجاه قديم محافظ قاده من البداية وحتي الآن? (?نجم الدين أربكان?) ?وبدايته حزب? (?النظام الوطني?) ?ومازال مستمراً? ?حتي الآن في حزب? (?السعادة?).. ?واتجاه جديد قاده? (?رجب طيب أردوغان?) ?و(عبد الله جول?) ?ويتمثل في حزب? (?العدالة والتنمية?) ?الذي? ?يحكم تركيا حالياً?.. ?ويمكن تفصيل تلك المسيرة علي النحو التالي?:??1- ?حزب? (?النظام الوطني?):?? ?كان انشاء ذلك الحزب عام? (?1970م?) ?بدعم من التجار والحرفيين في منطقة الأناضول هو التجربة الأولي لإنشاء حزب إسلامي في تركيا العلمانية?.. ?ولم? ?يكتب لذلك الحزب البقاء طويلا?.. ?فبعد خطاب أعلن فيه? (?أربكان?) ?هويته الإسلامية بوضوح قام العلمانيون ومن ورائهم جنرالات الجيش بحله ومصادرة أمواله وممتلكاته ومنع أي عضو من أعضائه من العمل في السياسة لمدة خمس سنوات وذلك بتهمة العمل علي إلغاء العلمانية وإقامة حكومة إسلامية?.??2- ?حزب? (?السلامة الوطني?):?? ?في عام? (?1972م?) ?وبعد عامين من حل حزب? (?النظام الوطني?) ?دفع? (?أربكان?) ?بعض الإسلاميين ممن لا? ?ينطبق عليهم حكم المحكمة السابق إلي تشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم حزب? (?السلامة الوطني?) ?وأصدر صحيفة خاصة به اسمها? (?مللي جازيت?) ?مازالت تصدر حتي اليوم?..(1/81)
?وفي عام? (?1973م?) ?صدر عفو عام عن الجرائم السياسية شمل? (?أربكان?) ?ورفاقه فتولي بنفسه قيادة الحزب وخاض به الانتخابات التي جرت في نفس العام ليفوز بعدد? (?48?) ?مقعداً? ?في المجلسي النيابي?.?في ذلك الوقت كان هناك حزبان رئيسيان علي رأس العمل السياسي في تركيا هما حزب? (?الشعب الجمهوري?) ?الأتاتوركي وله? (?186?) ?مقعداً? ?في البرلمان ويقوده? (?بولنت أجاويد?).. ?وحزب? (?العدالة?) ?وله? (?149?) ?مقعداً? ?ويقوده? (?سليمان ديميريل?).. ?ونظراً? ?لأن أياً? ?من الحزبين لم? ?يكن? ?يملك الأغلبية المطلقة وهي نصف مقاعد البرلمان بزيادة مقعد واحد والتي تتيح له حق تشكيل الحكومة منفرداً? ?فقد أضطر حزب? (?الشعب الجمهوري?) ?صاحب العدد الأكبر من المقاعد إلي الإئتلاف مع حزب? (?السلامة الوطني?) ?بزعامة? (?أربكان?) ?لتشكيل الحكومة فحصل الأخير علي سبع وزارات مهمة وتقلد منصب نائب رئيس الوزراء?. ?وحقق الإسلاميون من وراء ذلك التحالف مكاسب كبيرة منها فتح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء،? ?وتدريس مادة الأخلاق كمادة إجبارية في المدارس?.?وقد مثلت تلك المشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب علماني أول اختراق إسلامي للسلطة التنفيذية في جمهورية تركيا العلمانية منذ تأسيسها علي? ?يد? (?كمال أتاتورك?). ?لذلك فقد تحرك العلمانيون ومعهم جنرالات الجيش للضغط علي تلك الحكومة وتهديدها حتي استقالت بعد تسعة أشهر من تشكيلها?. ?وكان البديل أن? ?يتولي حزب? (?العدالة?) ?التالي لحزب? (?الشعب الديموقراطي?) ?مهمة تشكيل الحكومة?.. ?ولكن نظراً? ?لأنه أيضاً? ?لم? ?يكن? ?يملك الأغلبية المطلقة فقد اضطر إلي الائتلاف مع حزب? (?السلامة الوطني?) ?ما مكن الأخير ورجاله وعلي رأسهم? (?أربكان?) ?من العودة مرة أخري إلي الحكومة وبنفس العدد السابق من الوزراء?.(1/82)
?وفي عام? (?1974م?) ?اتخذ? (?أربكان?) ?واحداً? ?من أخطر القرارات في حياته السياسية وذلك بإصدار أوامره للجيش التركي باجتياح شمال جزيرة? (?قبرص?) ?واحتلالها لحماية ا(لقبارصة الأتراك?) ?فيها بعد أن قام? (?القبارصة اليونانيون?) ?بانقلاب في جنوبي الجزيرة بدعم من الحكومة العسكرية في اليونان الخصم اللدود لتركيا?.. ?وكان ذلك القرار بموجب صلاحيات? (?أربكان?) ?في ظل? ?غياب رئيس الوزراء في الخارج?. ?وحصلت الوزارة بعد هذا القرار علي تأييد شعبي جارف،? ?ولمع نجم? (?أربكان?) ?في سماء السياسة التركية ولمع معه الاتجاه الإسلامي المتمثل في حزب? (?السلامة الوطني?) ?في ذلك الوقت?.?وطوال فترة مشاركة حزب? (?السلامة الوطني?) ?في الحكومة ازداد انتشار المظاهر الإسلامية في تركيا مثل التوسع في إنشاء المدارس الإسلامية وازدياد عدد الصحف ذات التوجه الإسلامي وإصدار رئاسة الشئون الدينية بياناً? ?أكدت فيه علي دعوة المرأة التركية إلي الحجاب?.?وفي السادس من سبتمبر عام? (?1980م?) ?نظم? (?أربكان?) ?مظاهرة باسم الحزب في مدينة? (?قونية?) ?شارك فيها أكثر من نصف مليون تركي بمناسبة? (?يوم القدس?) ?العالمي رفعوا فيها الأعلام الخضراء ونادوا بإقامة دولة إسلامية في تركيا وهتفوا بشعارات معادية لإسرائيل?.. ?وبعد ذلك بيوم واحد فقط وكما توقع الجميع وقع انقلاب عسكري بزعامة الجنرال? (?كنعان إيفرين?) ?الذي صرح بأنه جاء ليوقف المد الإسلامي وليقضي علي روح التعصب الذي ظهر في المظاهرة?.. ?وعلي الفور تم اقتياد? (?أربكان?) ?وعدد من رفاقة إلي السجن حيث حكم عليه بأربع سنوات في الحبس?.(1/83)
?وتم حل الأحزاب ومن بينها حزب? (?السلامة الوطني?) ?وتركزت السلطة في? ?يد? (?مجلس الأمن القومي?) ?وفي عام? (?1983م?) ?لم? ?يسمح بدخول الانتخابات إلا لثلاثة أحزاب فقط هي?: ?حزب? (?الديموقراطية?) ?ويتكون من جنرالات الجيش المتقاعدين وحزب? (?الشعب الديموقراطي?) ?الأتاتوركي وحزب? (?الوطن الأم?) ?بقيادة? (?تورجوت أوزال?) ?وهو الذي فاز في تلك الانتخابات?. ?وكانت له ميول إسلامية فشهدت الحركة الإسلامية في عهده انفراجة أكبر واحتلت مساحة أوسع في الشارع التركي حيث كثف البرامج الإسلامية في الإذاعة والتلفاز وسمح بارتداء الحجاب بعد أن كان محرَّماً? ?وبعودة مؤسسات الأوقاف الخيرية?.??3- ?حزب? (?الرفاه?):?? ?في بداية التسعينيات من القرن الماضي حدثت تعديلات قانونية أتاحت لأربكان تأسيس حزب جديد أطلق عليه حزب? (?الرفاه?).. ?وبالرغم من المضايقات الشديدة التي تعرض لها الحزب وزعيمه كما هو متوقع فقد حقق مفاجأة أذهلت الجميع في الانتخابات النيابية التي جرت في عام? (?1996م?) ?حيث فاز بعدد? ?185? ?مقعداً? ?في البرلمان وأصبح هو الحزب الأكبر عدداً? ?متقدماً? ?علي جميع الأحزاب العلمانية في ذلك الوقت وعلي رأسها حزب? (?الطريق القويم?) ?بزعامة? (?تانسو شيللر?) ?وحزب? (?الوطن الأم?) ?بزعامة? (?مسعود? ?يلماظ?). ?وبالرغم من أحقية حزب? (?الرفاه?) ?بتشكيل الوزارة إلا أن رئيس الجمهورية في ذلك الوقت? (?سليمان ديميريل?) ?كلف حزب? (?الطريق القويم?) ?بتشكيلها ففشل?.. ?ثم كلف حزب? (?الوطن الأم?) ?ففشل أيضاً?.. ?ونتيجة لذلك فقد تم تكليف? (?أربكان?) ?فشكلها بالائتلاف مع حزب? (?الطريق القويم?)...(1/84)
?وكانت هذه هي الحكومة الأولي ذات المرجعية الإسلامية في تاريخ جمهورية تركيا العلمانية منذ عهد? (?أتاتورك?) ?وكان جنرالات الجيش والعلمانيون? ?يأملون من وراء تكليف حزب? (?الرفاه?) ?بتشكيل الحكومة في فشله والالتفاف عليه حتي? ?يفقد شعبيته إلا أن? (?أربكان?) ?كان? ?يدرك قواعد اللعبة السياسية ويستشعر التوازنات التي تحيط به فنجح في أقل من عام في تحقيق انجازات زادت من رصيده الشعبي والسياسي?.. ?لذلك فقد كانت النتيجة المتوقعة هي الصدام بينه وبين جنرالات الجيش،? ?وزاد من حدة الصدام ما أعلنه? (?أربكان?) ?عن عزم حكومته بناء مسجد ضخم في ميدان? (?تقسيم?) ?في? (?استانبول?) ?حيث? ?ينتصب أكبر تمثال لكمال أتاتورك ليكون المسجد في مواجهته?.. ?وكذلك إنشاء مسجد آخر في أنقرة في منطقة? (?شانكايا?) ?التي تقع فيها مقار مؤسسات الجمهورية العلمانية الرسمية?.. ?وذلك ما اعتبره جنرالات الجيش والعلمانيون تحدياً? ?صارخاً? ?لهم?. ?وكانت نتيجة الصدام أن انفرط الائتلاف بين حزب? (?الرفاه?) ?وحزب? (?الطريق القويم?) ?واستقالت الحكومة في? ?يونيو? (?1997م?).. ?وفي شهر ديسمبر من نفس العام أصدرت المحكمة الدستورية حكماً? ?بحل حزب? (?الرفاه?) ?ومنع زعيمه? (?أربكان?) ?وعدد من رفاقة من العمل السياسي لمدة خمس سنوات?.?وكان لوصول? (?نجم الدين أربكان?) ?زعيم الحركة الإسلامية السياسية في ذلك الوقت إلي رأس الحكومة ولأول مرة في تاريخ تركيا العلمانية وقع الصاعقة علي العلمانيين وقيادات الجيش فقاموا باتخاذ العديد من القرارات والقوانين التي تزيد من التضييق علي الإسلاميين وتسد عليهم منافذ الحركة?..(1/85)
?فبالإضافة إلي حل حزب? (?الرفاه?) ?وحرمان? (?أربكان?) ?ورفاقه من العمل السياسي صدر قرار? ?يمنع المحجبات من دخول المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية للدولة وصدر قانون? ?يضيق علي مدارس الأئمة والخطابة ويقلل عدد خريجيها،? ?وتم إغلاق معاهد تحفيظ القرآن?.. ?كذلك فقد صدرت تهديدات صريحة لموظفي بعض وزارات الدولة بالطرد إن ثبت عليهم أي ارتباطات أو علاقات بالتيار الإسلامي سواء من قريب أم من بعيد?.?أما في الجانب الاقتصادي فقد تم إغلاق بعض الشركات والمصانع وإيقاف التعامل معها لمجرد العلم بأنها تخص أحد أبناء التيار الإسلامي?.?وكان لهذه التضييقات أثر كبير علي فئة عريضة من أعضاء الحركة الإسلامية نتيجة ما أصابهم وأقاربهم ومؤيديهم من أضرار ومضايقات?.. ?فأعلنت بعض الجماعات والاتجاهات الإسلامية أن السبب في ذلك هو الأسلوب المعلن والتصادمي لحزب? (?الرفاه?) ?وزعيمه? (?أربكان?) ?مع التيار العلماني بعد وصوله إلي الحكم?.. ?وكانت هذه هي البداية لظهور تيار جديد في الحركة الإسلامية? ?يدعو إلي تغيير سُبل التعامل مع التيار العلماني وطرق تناول قضايا الأمة المصيرية?.. ?وقد تجسد ذلك التيار داخل الحزب الذي أنشأه أربكان بعد? (?الرفاه?) ?وهو حزب? (ا?لفضيلة?).??4- ?حزب? (?الفضيلة?):?? ?ما كاد قرار حل حزب? (?الرفاه?) ?يصدر حتي دفع? (?أربكان?) ?بعدد من رفاقه الذين لم? ?يشملهم قرار المنع إلي تشكيل حزب جديد أطلق عليه حزب? (?الفضيلة?) ?برئاسة? (?إسماعيل ألب تكين?) ?أحد رفاق? (?أربكان?) ?ثم حل محله? (?رجائي قوطان?).. ?وفي عام? (?2000م?) ?مر الحزب بموقف مثل منحني خطيراً? ?في مسيرة الحركة الإسلامية السياسية في تركيا?..(1/86)
?ففي ذلك الوقت كان تيار جديد من شباب الحزب من تلاميذ? (?أربكان?) ?قد بدأ في الظهور وكانت رؤيتهم أن الحزب? ?يجب أن? ?يغير من أساليبه وطرق تعامله وتناوله للقضايا الحيوية ليتجنب الصدام مع المؤسسة العسكرية والعلمانية المتربصة به علي الدوام وكان علي رأس ذلك التيار الشابان? (?رجب طيب أردوغان?) ?و(عبد الله جول?).. ?وفي المؤتمر العام لحزب? (?الفضيلة?) ?عام? (?2000م?) ?تقدم? (?جول?) ?في سابقة من نوعها لمنافسة? (?رجائي قوطان?) ?علي رئاسة الحزب،? ?وبالفعل كاد أن? ?يتحقق له ذلك لولا أن? (?أربكان?) ?ألقي بكل ثقله وراء? (?قوطان?) ?ففاز بعدد? (?632?) ?صوتاً? ?مقابل? (?521?) ?صوتاً? ?حصل عليها? (?جول?).. ?وقد مثلت هذه المنافسة? ?غير المسبوقة أولي بوادر الانقسام الذي ظهر فيما بعد في صف الحركة الإسلامية السياسية في تركيا?.?وفي عام? (?2000م?) ?أصاب حزب? (?الفضيلة?) ?ما أصاب الأحزاب السابقة فصدر قرار بحله من المحكمة الدستورية وتمت محاكمة زعيمه بتهمة معاداة العلمانية وفي هذه المرة كان جنرالات الجيش ورموز العلمانية في تركيا قد فاض بهم الكيل من? (?أربكان?) ?وصموده ومثابرته علي الحفاظ علي الوجود الإسلامي في الساحة السياسية في تركيا فلم? ?يكتفوا بمنعه من العمل السياسي لفترة محدودة كما كان? ?يحدث في المرات السابقة وإنما عمدوا إلي منعه منعاً? ?نهائياً? ?وإلي سد كل المنافذ المحتملة لعودته إلي الساحة السياسية مرة أخري?.. ?ففي الخامس من? ?يوليو عام? (?2000م?) ?أكدت محكمة التمييز حكماً? ?بسجن? (?أربكان?) ?لمدة عام كانت قد أصدرته محكمة أمن الدولة في مدينة? (?ديار بكر?) ?بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية والعرقية?.. ?وفي اليوم التالي أصدرت المحكمة الدستورية في? (?أنقرة?) ?قراراً? ?بحرمان? (?أربكان?) ?من العمل السياسي مدي الحياة?.(1/87)
??5- ?حزب? (?السعادة?):?? ?تأسس في أغسطس عام? (?2001م?) ?ليكون امتداداً? ?لحزب? (?الفضيلة?) ?المحظور وسار علي نفس النهج المحافظ في اتخاذ المواقف تجاه القضايا القائمة والمستجدة?.. ?ونتيجة لذلك ولبروز التيار التجديدي فقد انصرف الكثير من النواب الإسلاميين الذين كانوا أعضاء في الحزب المحظور عن الانضمام للحزب الجديد فلم? ?ينضم إليه إلا? (?48?) ?نائباً? ?من أصل? (?102?) ?بينما انضم باقي الأعضاءً? ?إلي حزب? (?العدالة والتنمية?) ?الذي أنشئ بعد ذلك بأسبوع واحد?... ?وفي الانتخابات الأخيرة التي اكتسحها حزب? (?العدالة والتنمية?) ?لم? ?يتجاوز حزب? (?السعادة?) ?حاجز الـ? (?10??) ?من الأصوات الواجب الحصول عليها لدخول المجلس النيابي حيث حصل علي? (?2?.?1??) ?فقط وبالتالي فقد حُرِم من المشاركة فيه?.. ?ويعزو الكثير من المحللين ذلك الإخفاق إلي استمرار الحزب علي نفس النهج المحافظ،? ?والمضايقات التي تعرض لها أعضاؤه وظهور التيار التجديدي الداعي إلي التوسط والاعتدال?.??6- ?حزب? (?العدالة والتنمية?):?? ?تأسس في أغسطس عام? (?2001م?) ?برئاسة? (?رجب طيب أردوغان?) ?ومعه? (?عبد الله جول?) ?زعيما التيار التجديدي في الحركة الإسلامية بعد أسبوع واحد من تأسيس حزب? (?السعادة?). ?وقد ضمت الهيئة التأسيسية للحزب ما? ?يقرب من? ?13? ?امرأة بين محجبات وغير محجبات ومنهن معلمة وطبيبة ومطربة وممثلة،? ?وذلك إضافة إلي العديد من الشخصيات التي كانت تمثل التيار المعتدل داخل حزب? (?الفضيلة?) ?المحظور?.?وفي الانتخابات التي جرت في عام? (?2002م?) ?اكتسح حزب? (?العدالة والتنمية?) ?بقية الأحزاب وحصل علي? (?363?) ?مقعداً? ?من أصل? (?550?) ?هي عدد مقاعد المجلس النيابي في تركيا وامتلك الأغلبية المطلقة التي أتاحت له تشكيل الحكومة منفرداً?.(1/88)
?الإسلاميون الجدد?>> ?وكيف ظهر ذلك التيار التجديدي في الحركة الإسلامية السياسية في تركيا؟?> ?خلال تجربة حزب? (?الرفاه?) ?ونتيجة للتضييقات التي تعرضت لها الحركة الإسلامية ظهرت نقاشات واسعة بين أبناء الحزب حول أسلوب قيادته،? ?وقد اشتدت تلك النقاشات مع إنشاء حزب? (?الفضيلة?).. ?وفي العامين الأخيرين من عمر ذلك الحزب تبلورت الحركة الإسلامية داخله إلي تيارين?: ?الأول?: ?تيار محافظ بزعامة? (?نجم الدين أربكان?)?،? ?والثاني تيار تجديدي بزعامة? (?رجب طيب أردوغان?) ?و(عبد الله جول?).. ?ولم? ?يكن الخلاف بين التيارين في الأهداف ولا في المنطلقات بقدر ما كان حول أسلوب العمل ووسائل الحركة في تناول القضايا الحيوية والمصيرية المطروحة علي الساحة?.?ولقد? ?غذي من ظهور ذلك التيار التجديدي شعور الجيل الجديد من شباب الحركة بعدم وجود ديموقراطية كافية في تدبير شئون الحزب وقيادته وأن كل قرار? ?يظل مرهوناً? ?بأوامر وتعليمات زعيم الحزب? (?نجم الدين أربكان?) ?وقد ولَّد ذلك تذمراً? ?بين الشباب بدأ هيناً? ?ثم تصاعد بشدة بعد حل حزب? (?الرفاه?) ?خاصة بعد أن كان? (?أربكان?) ?قد قام ببعض المبادرات السياسية أثناء رئاسته للحكومة اعتبرها زعماء التيار التجديدي? ?غير محسوبة النتائج وحذروه من مضاعفاتها وتداعياتها ولكنه أصر عليها?.. ?ومن هذه المبادرات وعلي سبيل المثال زيارته لليبيا عام? (?1979م?) ?فقد نصحه? (?عبد الله جول?) ?وكان وزيراً? ?للدولة للشئون الخارجية في حكومته بعدم القيام بهذه الزيارة لأنها تتعارض مع السياسة الخارجية لتركيا كما أنه لا? ?يضمن كيفية تصرف العقيد? (?معمر القذافي?) ?في هذه الزيارة?.. ?وبالفعل حدث ما توقعه? (?جول?) ?تماماً? ?فقد وجه العقيد في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع? (?أربكان?) ?هجوماً? ?واضحاً? ?علي الدولة التركية نقلته مختلف الصحف التركية وأثار استياء الرأي العام في تركيا?..(1/89)
?كذلك فقد عارض? (?جول?) ?دعوة بعض العلماء ومشايخ الطرق الصوفية إلي مأدبة إفطار في شهر رمضان في مقر رئاسة الوزراء حيث نبه? (?أربكان?) ?حينها بأن ظروف تركيا لا تحتمل ذلك التصرف وأنه سيجر عليهم متاعب هم في? ?غني عنها?.. ?وفعلاً? ?حدث ما توقعه? (?جول?) ?أيضاً? ?فقد كانت هذه الدعوة أحد الأدلة التي قدمها المدعي العام ضد حزب? (?الرفاه?) ?وكانت سبباً? ?في حله?.?وبعد حل حزب? (?الرفاه?) ?وتأسيس حزب? (?الفضيلة?) ?وتسلم? (?رجائي قوطان?) ?رئاسته نصحه أعضاء التيار التجديدي بضرورة تغيير أسلوب إدارة الحزب ولكنه ظل? ?يسير علي خطي رفيقه? (?أربكان?) ?نفسها?.. ?ثم جاء تراجع نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب الرفاه في انتخابات عام? (?1995م?) ?من? (22???) ?إلي? (51???) ?إلي تضاعف تذمر التيار التجديدي وبدأ أعضاؤه في التفكير الجدي في تغيير هذا الأمر الواقع بأن? ?يتسلموا هم قيادة الحزب بالأسلوب الديموقراطي أي بترشيح أنفسهم في المؤتمر العام للحزب الذي انعقد في مايو? (?2000م?) ?وبالفعل تم ترشيح? (?عبد الله جول?) ?أمام? (?رجائي قوطان?) ?الذي فاز برئاسة الحزب بعد أن ألقي? (?أربكان?) ?وراءه بكل ثقلة كما ذكرنا?.?ولكن المجددين استفادوا من التجربة فأعادوا تنظيم صفوفهم وحسموا أمرهم واتخذوا قرارهم?... ?لذلك فما كاد? ?يصدر قرار بحل حزب? (?الفضيلة?) ?حتي ظهر الانقسام في الحركة علي السطح واضحاً? ?وتجسد علانية في تكوين حزبين منفصلين? ?يمثلان الحركة الإسلامية السياسية في تركيا هما?: ?حزب? (?السعادة?) ?المحافظ،? ?وحزب? (?العدالة والتنمية?) ?المجدد?.??>> ?فمن رجب طيب أردوغان؟?> ?ولد? (?أردوغان?) ?في? ?26? ?فبراير عام? (?1954م?) ?في مدينة? (?استانبول?) ?بأحد الأحياء الشعبية وتعلم في مدارس الأئمة والخطباء ثم تخرج من كلية? (?علوم الاقتصاد والتجارة?) ?ومارس رياضة كرة القدم لمدة? ?16? ?عام?.(1/90)
?خاض الحياة السياسية بدءاً? ?من حزب? (?السلامة الوطني?) ?بزعامة? (?أربكان?) ?وتتلمذ علي? ?يديه ولم? ?يفارقه طوال هذه الفترة?.. ?وفي عام? (?1985م?) ?تولي منصب رئيس حزب? (?الرفاه?) ?في? (?استانبول?) ?وفي عام? (?1994م?) ?فاز في الانتخابات? ?وأصبح عمدة المدينة?.?ظل منتمياً? ?للتيار المحافظ بزعامة أربكان حتي تم حل حزب? (?الفضيلة?) ?عام? (?2000م?) ?فقام ومعه? (?عبد الله جول?) ?بتأسيس حزب? (?العدالة والتنمية?) ?ليمثل التيار التجديدي في الحركة الإسلامية السياسية في تركيا ويحقق نجاحات ساحقة تَوّجَها بفوز? (?جول?) ?برئاسة الجمهورية عام? (?2007م?).??>> ?ومن عبد الله جول؟?> ?ولد في? ?26? ?أكتوبر عام? (?1950م?) ?بمحافظة? (?قيصري?) ?وهي من المحافظات الشهيرة بالتمسك بالإسلام?.. ?تعلم في مدارس الأئمة والخطباء ثم تخرج من كلية الاقتصاد جامعة? (?استانبول?) ?عام? (?1972م?) ?وحصل علي درجة الماجستير في عام? (?1978م?).?كان والده متديناً? ?وعضواً? ?في حزب? (?السلامة الوطني?) ?فسار? (?عبد الله?) ?علي نهجه وأصبح عضواً? ?في الحزب ثم صار مقرباً? ?جداً? ?من? (?أربكان?) ?لدرجة أن الإعلام التركي أطلق عليه لقب? (?أمير?) ?علي أساس أنه أحد الشباب المقربين من? (?أربكان الملك?).. ?عينه? (?أربكان?) ?وزيراً? ?للدولة للشئون الخارجية وقضايا العالم الإسلامي ومتحدثاً? ?رسمياً? ?في الحكومة الإئتلافية عام? (?1996? - ?1997م?).?ترشح? (?جول?) ?ضد أستاذه? (?قوطان?) ?لرئاسة حزب? (?الفضيلة?) ?ثم قام هو و(الطيب أردوغان?) ?بقيادة التيار التجديدي داخل الحركة الإسلامية والذي انتهي بإنشاء حزب? (?العدالة والتنمية?).?يعتبر? (?عبد الله جول?) ?أول رئيس إسلامي? ?يحكم تركيا منذ إلغاء الخلافة الإسلامية عام? (?1923م?).(1/91)
?أسئلة مُحَيّرة?>> ?بعد فوز حزب? (?العدالة والتنمية?) ?في الانتخابات الأخيرة فوزاً? ?ساحقاً? ?وحصوله علي ثقة الشعب التركي كانت المفاجأة أن الحزب لم? ?يعلن صراحة عن هويته الإسلامية?.. ?بل زاد علي ذلك أن صرحت قياداته ورموزه بتصريحات لم? ?يتوقعها الكثيرون مثل أن الحزب ليس إسلامياً? ?وأنه? ?يتعهد باحترام العلمانية في تركيا وعدم المطالبة الصريحة والعاجلة بعودة الحجاب?.. ?فبماذا? ?يمكن أن نسمي تلك السياسة؟ هل هي تحول عن المرجعية الإسلامية؟ أو تنازل عن بعض الثوابت لتحصيل مكاسب أكبر منها؟ أو هي مناورات أمام خصومها للوصول إلي أهدافها؟?> ?في الحقيقة أن هناك عدة عوامل لابد من بيانها قبل الإجابة عن هذه التساؤلات ومنها?:?أولا?: ?أدرك العلمانيون بعد كل ما فعلوه بالتيار الإسلامي في تركيا أن الإسلام له جذوره العميقة والمتشعبة بين الأتراك وأنهم مهما فعلوا فلن? ?يقدروا علي استئصالها والقضاء عليها وأن الإسلام عائد بقوة ولا قبل لهم بالتصدي له تصديقاً? ?لقول الله عز وجل?: ??{?بَلْ? ?نَقْذِفُ? ?بِالْحَقِّ? ?عَلَي الْبَاطِلِ? ?فَيَدْمَغُهُ? ?فَإِذَا هُوَ? ?زَاهِقٌ? ?وَلَكُمْ? ?الْوَيْلُ? ?مِمَّا تَصِفُونَ?}??.. ?لذلك فقد قبلوا صاغرين أن? ?يتعايشوا مع التيار الإسلامي وتغير هدفهم من القضاء علي الإسلام إلي محاولة احتوائه والعمل علي تحجيم عودته وإبطاء مسيرته وإضعاف فاعليته? ??{?وَيَمْكُرُونَ? ?وَيَمْكُرُ? ?اللَّهُ? ?وَاللَّهُ? ?خَيْرُ? ?الْمَاكِرِينَ?}??.?ثانياً?: ?أدرك العلمانيون أن سياسة العصا الغليظة قد ولي زمنها وأن الصدام مع الإسلاميين لايزيدهم إلا قوة واصراراً? ?وثباتاً? ?علي مبادئهم وتمسكاً? ?بعقيدتهم?.. ?وأن زمن الانقلابات العسكرية قد مضي?.(1/92)
?ثالثاً?: ?وفي المقابل أدرك الإسلاميون أن التيار العلماني وعلي رأسه قادة الجيش ومن ورائه اليهود والماسونية العالمية ما? ?يزال تياراً? ?قوياً? ?وشرساً? ?وأنه لن? ?يتورع في أي لحظة? ?يشعر فيها بالخطر الحقيقي عليه أن? ?يطيح بأي حكومة إسلامية?.?رابعاً?: ?أدرك الإسلاميون أن الإعلان الصريح عن التوجه الإسلامي? ?يؤلب عليهم ذلك التيار ويعرضهم للصدام معه في وقت لم تصل فيه الحركة الإسلامية السياسية إلي القوة التي تمكنها من التصدي له ومصارعته?.. ?ودليل علي ذلك ما فعله التيار العلماني بالحكومات ذات المرجعية الإسلامية وبزعمائها بدءا من حزب? (?النظام الوطني?) ?وحتي حزب? (?الفضيلة?).?خامساً?:?? ?أدرك الإسلاميون أن هناك مطالب تحقق لهم أهدافهم ولو مرحلياً? ?ولا تتعارض ظاهرياً? ?مع مطالب العلمانيين فعملوا علي تحقيقها?.. ?وعلي رأس هذه المطالب اثنان?:?المطلب الأول?:?? ?المطالبة بتحقيق العلمانية بمفهومها المتعارف عليه وهو فصل الدين عن الدولة وعدم تدخل الأخيرة في الحياة الشخصية أو الدينية للأفراد والسماح لهم بممارسة شعائرهم وإعلان هويتهم ما دامت لا تتعدي علي حقوق ومعتقدات الآخرين?.. ?وهذا المطلب لو تحقق فإنه? ?يعتبر مكسباً? ?كبيرا للإسلاميين حيث أن العلمانية الأتاتوركية في تركيا تختلف عنه اختلافاً? ?كبيراً?.. ?فهي لا تفصل الدولة عن الدين وإنما تجعل منه عدواً? ?لها تتصدي لمحاربته وتهدف للقضاء عليه?.?المطلب الثاني?:?? ?الانضمام للاتحاد الأوروبي?: ?ويحقق هذا المطلب للإسلاميين عدة مكاسب? ?يستطيعون أن? ?ينتزعوها من بين براثن التيار العلماني بذريعة تطبيق المعايير الواجب توافرها في تركيا ليتم قبولها عضواً? ?في الاتحاد الأوروبي وأهم هذه المكاسب هي حرية المرأة في ارتداء الحجاب من منطلق احترام حقوق الإنسان?.. ?والتوقف عن سياسة حل الأحزاب من منطلق تعميق الديموقراطية?..(1/93)
?وحل المسألة الكردية بالطرق السلمية من منطلق حماية حقوق الأقليات?.?لذلك فإن بعض الآراء تري أن الإسلاميين ويمثلهم حزب? (?العدالة والتنمية?) ?ما? ?يزالون علي مرجعيتهم الإسلامية?. ?ولكنهم اختاروا سياسة الهدوء والنفس الطويل وإحكام التدبير والعمل المتقن? ?غير المباشر وتجنب الصدام مع التيار العلماني وهم علي? ?يقين كامل بأن ذلك التيار لابد أن? ?ينحسر ويتآكل مع الزمن حتي? ?يختفي وتعود تركيا لإسلامها? ??{?وَلَقَدْ? ?سَبَقَتْ? ?كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ? ?إِنَّهُمْ? ?لَهُمْ? ?الْمَنصُورُونَ? ?وَإِنَّ? ?جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ? ??}??.?المجددون بين المحافظين والعلمانيين?>> ?فما موقف الحركة الإسلامية المحافظة والتيار العلماني من نجاح حزب العدالة والتنمية؟?> ?كانت هذه من المرات القلائل التي? ?يتفق فيها الإسلاميون المحافظون بقيادة? (?أربكان?) ?مع العلمانيين وجنرالات الجيش علي رأي واحد?.. ?فالاثنان? ?يهاجمان الحزب ويتهمانه بالخداع ولكن لكل أسبابه ومبرراته علي النحو التالي?:?أولا?: ?يري الإسلاميون المحافظون الذين? ?يمثلهم الآن حزب? (?السعادة?) ?أن حزب? (?العدالة والتنمية?) ?سرق التجربة الإسلامية وشوهها?.. ?وأنه فصل نفسه عن مسيرة الأحزاب الإسلامية في تركيا وصور نفسه علي أنه تجربة جديدة بمنهج جديد معتدل?.. ?فصحيح أن مؤسسي الحزب جاءوا من جذور إسلامية وخرجوا من رحم التجربة الإسلامية في تركيا وتربوا في معية إسلامية?. ?إلا أن سياسات الحزب وممارساته طوال الخمسة أعوام الماضية في السلطة خالفت ذلك?.?وتبالغ? ?تيارات إسلامية أخري في تقويمها السلبي لتجربة حزب? (?العدالة والتنمية?) ?فتري أنها هزيمة حقيقية للحركة الإسلامية السياسية في تركيا وطعنة في جنبها بأيدي أبنائها وردة عن مسيرتها الحقيقية التي استمرت ما? ?يقرب من ثلاثة عقود علي? ?يد? (?نجم الدين أربكان?).(1/94)
?أما العلمانيون وجنرالات الجيش فيعتبرون حزب? (?العدالة والتنمية?) ?خصماً? ?داهية? ?يتبع سياسة خبيثة ويحاول أن? ?يخدعهم وأنه بكل ما? ?يدعيه من انتهاج سياسات بعيدة عن الإسلام إلا أنه في الحقيقة له? (?أجندة إسلامية?) ?يعمل علي تحقيقها بهدوء شديد وبنفس طويل من خلال تغييرات دستورية? ?يضمن تحقيقها بأغلبيته النيابية المطلقة?.. ?وأن علاقاته الجيدة مع أوروبا وأمريكا وإسرائيل وإعلانه تأييد العلمانية ما هي إلا? ?غطاء? ?يخفي تحته هواه الديني وانتماءه الإسلامي?.?رؤية محايدة?>> ?فهل? ?يمكن تقويم حزب? (?العدالة والتنمية?) ?برؤية محايدة؟?> ?في الحقيقة أن الإجابة علي هذا السؤال ليست سهلة ولا? ?يسيرة?.. ?فهناك عناصر تصب في وصفه بالإسلامي?.. ?وأخري تصب في التيار المعاكس?.?ومن العناصر التي تصب في? ?إسلاميته?:??1- ?مولد الحزب من رحم حزب? (?الفضيلة?) ?الإسلامي المحافظ بغرض تصحيح مسار الحركة الإسلامية السياسية وليس معارضتها أو التبرؤ منها?.??2- ?نشأة قياداته وبالتحديد? (?أردوغان?) ?و(جول?) ?علي? ?يد زعيم الإسلام المحافظ في تركيا? (?أربكان?) ?وتتلمذهم في مدرسته وتشبعهم طوال فترة شبابهم بالفكر الإسلامي وأحلام وطموحات الإسلاميين?.??3- ?مولد? ?ونمو وتَرَسُّخ علاقتهم بالشعب التركي بصفتهم جزءاً? ?من الحركة الإسلامية في تركيا?.??4- ?تَوَافُق حياتهم الخاصة والعامة مع المنهج الإسلامي مثل حجاب زوجاتهم والتزامهم بالصلاة والصوم واتصافهم بالأخلاق والسلوكيات الإسلامية الحميدة كالصدق والتواضع والتعفف ونظافة اليد والعطف علي الفقراء?.?وفي المقابل فهناك عناصر تصب في التيار المعاكس لإسلامية الحزب?:??1- ?إعلان قيادات الحزب وعلي رأسهم? (?أردوغان?) ?و(جول?) ?أن حزبهم ليس حزباً? ?إسلامياً? ?وأن قضية الحجاب ليس لها أولوية عاجلة وتأييدهم للمبادئ العلمانية واتباعهم سياسة الاقتصاد الحر التي تخدم الأثرياء علي حساب الفقراء?.(1/95)
??2- ?تنوع أعضائه بين الإسلاميين وغير الإسلاميين فهم مزيج من طبقات وجماعات متعددة?.. ?فهناك أشخاص علمانيون وهناك إسلاميون متشددون?.. ?فالحزب عبارة عن? ?خليط من الجماعات تحالفت معاً? ?وطبعاً? ?لن? ?يكون هناك اتفاق بين كل هؤلاء علي كل شيء?.??3- ?تأييد الحزب ودعمه للعلاقات مع أمريكا وأوروبا وإسرائيل وإعراضه عن التكتل الاقتصادي الإسلامي الذي كان? (?أربكان?) ?قد أسسه من تحالف ثماني دول إسلامية ليكون قوة اقتصادية تحتل مكانها في عالمٍ? ?لا? ?يحترم إلا الأقوياء?.. ?وكان رأي الحزب في ذلك التكتل أنه? ?غير ممكن وغير قابل للتطبيق?.??4- ?في طريق عمله لتحقيق الشروط الأوروبية للانضمام للاتحاد الأوروبي سقط الحزب في الكثير من الفخاخ والمخالفات الشرعية التي? ?يصل بعضها إلي حد الكبائر?.. ?فقد قام الحزب بمنع الدروس القرآنية وإغلاق مدارس الأئمة والخطباء وألغي قانوناً? ?كان? ?يجرم الزنا واعتبره قضية سلوكية تخص صاحبها?.. ?كذلك فقد ألغت الحكومة بعض الآيات القرآنية في المدارس الرسمية ومنها? ??{?? ?غَيْرِ? ?الْمَغْضُوبِ? ?عَلَيْهِمْ? ?وَلا الضَّالِّينَ?}?? ?في سورة الفاتحة حيث ألغوها من الترجمة التركية للقرآن ولم? ?يترجموا معانيها حتي لا? ?يغضب منهم اليهود? ??{?غَيْرِ? ?الْمَغْضُوبِ? ?عَلَيْهِمْ?}?? ?أو المسيحييون? ??{?الضَّالِّينَ?}??.(1/96)
?وخلاصة القول أننا نستطيع أن نقول إن حزب? (?العدالة والتنمية?) ?حزب? ?غير إسلامي? ?يقوده إسلاميون وأن هذه القيادات لن تستطيع أن تنسلخ من إسلامها التي تربت ونشأت عليه وأن تنازلها اليوم عن بعض المطالب الإسلامية لا? ?يعني التخلي عنها وإنما ترقب الفرص وانتظار الظروف المواتية لتحقيقها وأنه ما أن تسنح لها فرصة للاختيار بين موقفين إلا اختارت أقربهما للإسلام وأبعدهما عن العلمانية وفي هذا المجال فإنه? ?يجب علينا أن نتذكر أمرين هامين حتي تكتمل الرؤية ويصح الحكم?:?الأول?: ?أن الحزب لا? ?يستطيع أن? ?يعلن أنه حزب إسلامي وإلا كانت هذه هي الذريعة التي تستند إليها المحكمة الدستورية في إلغائه والإطاحة به فوراً? ?لأن الدستور? ?يشترط علي أي حزب ألا? ?يكون حزباً? ?دينياً?.?الثاني?: ?أن الحزب بهذه السياسة الحكيمة قد استطاع الحصول علي مراكز اتخاذ القرار في الدولة والتي سوف تتيح له إجراء تغييرات خطيرة وجوهرية في الدستور تصب كلها في إعادة إحياء الإسلام في تركيا?.. ?وبمرور الأيام والشهور والسنين سوف تحدث تغييرات جذرية في المجتمع التركي في اتجاه عودته للإسلام?.. ?والرحلة التي طولها ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة?.. ?وأول الغيث قطر ثم? ?ينهمر?.. ?وصدق ربنا الكريم في قوله تعالي?:??{?وَاللَّهُ? ?مُتِمُّ? ?نُورِهِ? ?وَلَوْ? ?كَرِهَ? ?الْكَافِرُونَ?}??.?الحدود الشرعية?>> ?فما حدود التنازلات التي? ?يمكن أن تقدمها قيادات الحزب في ذلك المجال وما ضوابطها الشرعية؟?> ?قد تقتضي الحكمة والأخذ بفقه المتاح مصانعة الأعداء أو إخفاء الحقيقة عنهم طلباً? ?لمصلحة أو اتقاءً? ?لشرهم ومكرهم من منطلق قوله تعالي?: ??{?إِلاَّ? ?مَنْ? ?أُكْرِهَ? ?وَقَلْبُهُ? ?مُطْمَئِنٌّ? ?بِالإِيمَانِ?}??.. ?وقد? ?يقتضي ذلك أيضاً? ?التنازل عن بعض المطالب أو القبول بترتيبات أو الالتزام بشروط? ?يري بعض المسلمين أنها ليست في مصلحة دينهم?..(1/97)
?وقد قبل النبي? ??صلي الله عليه وسلم ?في صلح? (?الحديبية?) ?شروطاً? ?رأي فيها بعض الصحابة في بادئ الأمر قبولاً? ?بالدنية وضعفاً? ?في مواجهة الكفار ولكن فيما بعد ظهرت لهم حكمة النبي? ??صلي الله عليه وسلم ?في قبول تلك الشروط?.. ?وبالطبع فإن لذلك حدوداً? ?لا? ?ينبغي تجاوزها،? ?فكل ذلك? ?يتوقف وينتهي قبل أن? ?يخدش ثوابت الدين أو? ?يمس أصول العقيدة?.?ومن هذا المنطلق? ?يُحكم علي بعض القوانين والقرارات التي اتخذها الحزب بأنها خارجة عن ثوابت الدين مثل قانون عدم تجريم الزنا?.?معركة رئاسة الجمهورية?>> ?ما أهم المعارك التي خاضها الإسلاميون الجدد ضد المؤسسة العلمانية وجنرالات الجيش؟ وما نتائجها؟عندما رشح? (?رجب طيب أردوغان?) ?صديقه ورفيق كفاحه? (?عبد الله جول?) ?لرئاسة الجمهورية ثار عليه العلمانيون وقاموا بمظاهرات صاخبة رافضين ذلك الترشيح ومهددين بالتدخل لمنعه متوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور?.?وهنا ثار السؤال?: ?من? ?ينتصر في معركة الرئاسة؟?.. ?الإسلاميون الجدد أو العلمانيون؟فقد تجسدت المعركة في الاختيار بين أحد قيادات حزب? (?العدالة والتنمية?) ?من العلمانيين المحافظين علي? ?غرار? (?كركزال طوبطان?) ?العلماني المحافظ الذي لا ترتدي زوجته الحجاب والذي حظي بتوافق عام من جميع الأحزاب عندما رشحه الحزب لرئاسة المجلس النيابي?.. ?وبين? (?عبد الله جول?) ?ذي الجذور الإسلامية الصريحة والذي ترتدي زوجته? (?خير النساء?) ?الحجاب?.. ?وكان لكل خيار حساباته الدقيقة وتداعياته الخطيرة?.. ?فإما أن? ?يتحدي? (?أردوغان?) ?ورفاقة الجيش والعلمانيين ويختار? (?جول?) ?مرشحاً? ?للرئاسة?.. ?أو? ?يذعن للقوي العلمانية المتحفزة فيختار شخصية توافقية? ?يقبلون بها?.(1/98)
?وعند استعراض عناصرالقوة بينه وبين خصومه وجد? (?أدروغان?) ?أنه? ?يملك عنصرين من عناصر القوة? ?يدفعان صوب خيار التحدي هما?:??1- ?ذلك التفويض الشعبي الكاسح الذي منحه له الشعب في الانتخابات الأخيرة وبصورة? ?غير مسبوقة?.??2- ?ما نجح الحزب في تحقيقه من تقليم لأظافر المؤسسة العسكرية وتقليص لنفوذها في الحياة المدنية والسياسية تحت ذريعة العمل علي تطبيق المعايير الأوروبية وتحقيق ديموقراطية حقيقة لا تخضع لسلطان العسكر كشرط لقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي?.. .?إلا أن خيار التحدي كان له تداعيات عديدة? ?يعلمها الإسلاميون جيداً? ?ومنها أن الجيش إذا ضاقت به السبل فإنه قد? ?ينقلب علي الجميع?.. ?وبالتالي فقد أصبح السؤال المطروح هو?: ?ما هي حدود تدخل الجيش؟ وهل هناك احتمال أن? ?يقوم بانقلاب عسكري علي الإسلاميين كما كان? ?يحدث في الماضي؟?.. ?وكانت الإجابة أن احتمال قيام الجيش بذلك بات ضعيفاً? ?لاعتبارات عديدة أهمها? ?تغير الظروف الدولية والإقليمية المحيطة بتركيا?.. ?فعلي سبيل المثال بعد هجمات? (11 ?سبتمبر?) ?وتصاعد الصراع بين الغرب الصليبي والإسلام حرص حزب? (?العدالة والتنمية?) ?علي تقديم نفسه كنموذج للتعايش بين قيم الحداثة الغربية والقيم الإسلامية وهو ما تلقفته الإدارة الأمريكية وحرصت علي دعمه وتأييده وترويجه كنموذج مقبول من الغرب للإسلام المعتدل في مواجهة ما تسميه بالإسلام الأصولي?.(1/99)
?أما فيما? ?يتعلق بالخيار الثاني وهو اختيار شخصية توافقية? ?غير? (?جول?) ?يقبل بها العلمانيون وجنرالات الجيش فإنه أيضا تحفه محاذير لا تقل خطورة عن الاختيار الأول وقد وضعها? (?أردوغان?) ?في حساباته وهو? ?يزن الأمور ويدقق الحسابات ومنها?:??1- ?أن خضوع الحزب للجيش سوف? ?يمنح القوي العلمانية نصراً? ?معنوياً? ?سيكون له أكبر الأثر في إعادة تقوية مواقفها واستعادة ثقتها بنفسها والعودة من هامش الحياة السياسية إلي القلب? ?منها كما كانت في السابق?.??2- ?سيؤدي الخضوع للجيش إلي إضعاف صورة الحزب أمام الشعب وأمام أعضائه ومؤيديه والمتعاطفين معه من الأتراك الذين حملوه فوق صهوة جواد إلي حكم الدولة وبالتالي فسوف? ?يفقد الحزب الكثير من الأصوات التي دعمته باعتباره عاجزاً? ?عن التصدي لتلك المؤسسة العسكرية التي هيمنت طويلاً? ?علي البلاد?.??3- ?إذا حدث ذلك فسوف? ?يتهدد الحزب شبح الانقسام علي نفسه وذلك لأن الغالبية من أعضائه? ?يؤيدون وبقوة ترشيح? (?جول?) ?لمنصب الرئيس ويرفضون الخضوع لتعنت واستفزاز العلمانيين وجنرالات الجيش تجاهه?.?ولذلك وبعد أن وزن? (?أردوغان?) ?ورفاقة معطيات القوة ومواطن الخطر بميزان دقيق كان القرار الصائب بترشيح? (?عبد الله جول?) ?لرئاسة الجمهورية التركية?.. ?وبالفعل نجحت الحسابات بتوفيق من الله سبحانه وتعالي وأصبح? (?جول?) ?أول رئيس ذي مرجعية إسلامية في تاريخ دولة تركيا العلمانية منذ أن أسسها? (?كمال أتاتورك?).?وفي الحقيقة أن? (?أردوغان?) ?لم? ?يكسب تلك المعركة بنجاح? (?جول?) ?في الفوز بمقعد الرئاسة فقط?.. ?ولكنه كسبها منذ اللحظة الأولي وقبل أن? ?يخوضها?..(1/100)
?فعندما أعلن? (?جول?) ?ترشيح نفسه للرئاسة ثار العلمانيون ثورة عارمة وسيروا عشرات المظاهرات بمئات الألوف من المتظاهرين للتنديد بترشيح إسلامي ترتدي زوجته الحجاب لرئاسة دولة تركيا العلمانية في حشود ضخمة لإرهاب الإسلاميين وإجبارهم علي سحب ترشيحه?.. ?وكان? (?أردوغان?) ?يستطيع أن? ?يُجَيِّش مظاهرات تخرج إلي الشوارع بأضعاف أضعاف مظاهرات العلمانيين ليرد عليهم ويردعهم?.. ?ولكنه لم? ?يفعل ذلك لأمرين أثبتا فطنته وذكاءه وبعد نظره ودهاءه في إدارة دفة معركته?.. ?هذان الأمران هما?:??1- ?أن تسيير مظاهرات إسلامية بالحجم المتوقع وبالسمت الإسلامي خاصة لو شارك فيها متظاهرات محجبات لتأييد ترشيح? (?جول?) ?كان كفيلاً? ?بإثارة جنون العلمانيين ومن ورائهم جنرالات الجيش بل وقد? ?يثير مخاوف أوروبا الصليبية عند رؤيتها القوة الحقيقية للإسلاميين وبالتالي فقد كان من الممكن إقدامهم علي أي تصرف أهوج وغير محسوب بما فيه القيام بانقلاب أو عمل عسكري ضدهم?.??2- ?كان تسيير تلك المظاهرات الإسلامية المؤيدة للترشيح في الوقت الذي تسير فيه المظاهرات العلمانية المعارضة له بعشرات ومئات الألوف? ?يعرض هذه الحشود الهائلة للاصطدام والاشتباك الذي من الممكن أن? ?يصل إلي حد الاقتتال خاصة أن الجميع? ?يدرك أن هناك متربصين? ?يتحينون الفرصة لإشعال النار بين الجانبين?. ?وبالطبع لو حدث هذا فسوف تقع فتنة عظيمة تسيء إلي الحركة الإسلامية والإسلاميين إساءة مدمرة بزعم أن هذا هو المصير المنتظر للأمة علي أيديهم عندما? ?يصلون للحكم?.. ?وذلك طبعاً? ?بالإضافة إلي أنه? ?يمثل الفرصة الذهبية للجنرالات للقيام بانقلاب عسكري لن? ?ينكره عليهم أحد بحجة الحفاظ علي الدولة من الانهيار?.(1/101)
?الفوز الكبير?>> ?وما أهمية أن? ?يكسب الإسلاميون منصب رئيس الجمهورية في تركيا؟?> ?تتمثل تلك الأهمية في ثلاثة أمور?:??1- ?يعتبر ذلك المنصب الأعلي والأرفع في الدولة ورمز البلاد?.. ?والفوز به? ?يعتبراً? ?فوزاً? ?كبيراً? ?ونصراً? ?عظيماً? ?للإسلام والمسلمين?.??2- ?بالحصول عليه? ?يكون الإسلاميون قد فازوا بثلاثة من أعلي وأرفع أربعة مناصب في الدولة هي? (?رئيس الجمهورية?) ?حيث السلطة الأعلي في البلاد،? ?و(رئيس الوزراء?) ?حيث السلطة التنفيذية،? ?و(رئيس مجلس النواب?) ?حيث السلطة التشريعية ولم? ?يبق لهم إلا? (?رئيس المحكمة الدستورية?) ?رأس السلطة القضائية ليكونوا قد فازوا بالمناصب الأربعة وأحكموا سيطرتهم علي جميع مراكز اتخاذ القرار في البلاد?.??3- ?لرئيس الجمهورية صلاحيات وسلطات خطيرة منها تعيين رئيس الوزراء وقبول استقالته وموافقته علي تشكيل الحكومة ومنها شرط موافقته لتمرير القوانين الجديدة وتعيين القيادات العليا في الجيش ورؤساء المحاكم ورؤساء الجامعات?.. ?وهذه كلها حالياً? ?مراكز السيطرة ومناطق النفوذ ومصادر القوة للعلمانيين وهي حكر عليهم?.. ?وبسيطرة الإسلاميين علي منصب رئيس الجمهورية فإنهم سيعملون علي إسناد تلك المناصب الحيوية إلي أتباعهم?.. ?فإن لم? ?يستطيعوا ذلك فعلي الأقل سوف? ?يحافظون عليها من اختراق العلمانيين لها وسيطرتهم عليها?.?الأزمة الكردية?>> ?ما كاد حزب? (?العدالة والتنمية?) ?يفوز برئاسة الجمهورية،? ?وقبل أن? ?يهنأ بذلك النصر العظيم تفجرت الأزمة الكردية?..(1/102)
?فكيف? ?يتعامل الحزب مع قضية الأكراد في تركيا بعد تصعيد حزب? (?العمال الكردستاني?) ?لعملياته العسكرية والمسلحة ضد قوات الجيش والمدنيين الأتراك؟?> ?بداية? ?يجب أن نتذكر أمرين?: ?الأول?: ?أن مبدأ حزب? (?العدالة والتنمية?) ?في التعامل مع قضية الأكراد الأتراك هو حلها بالأسلوب السلمي من خلال إعطائهم قدراً? ?من الاستقلال الذاتي في إطار تركيا الموحدة?.. ?وفي المقابل فإن قيادات الجيش تتبني مبدأ الحل العسكري وإنهاء أزمة الأكراد بالقوة المسلحة?.?الثاني?: ?أن حزب? (?العمال الكردستاني?) ?هو حزب كردي تركي مسلح اتخذ الماركسية اللينينية وهي أشد مذاهب الشيوعية تطرفاً? ?مذهباً? ?له وقد تأسس في مناطق الأكراد في جنوب شرق تركيا عام? (?1978م?) ?وتبني العمل المسلح لإقامة دولة للأكراد في تركيا?.. ?وقد اتخذ ذلك الحزب من مناطق الأكراد المجاورة في شمال العراق ملاذاً? ?آمناً? ?له أقام فيها قواعد عسكرية? ?يستخدمها للتدريب وإعداد الخطط وتنظيم الصفوف ثم? ?ينطلق منها إلي الأراضي التركية للقيام بعملياته المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة والمدنيين الأتراك ثم? ?يلجأ إلي قواعده في شمال العراق هرباً? ?من مطاردة القوات التركية المسلحة?.?وفي الشهور الأخيرة جد أمران خطيران علي الساحة?:?الأول?:?? ?أن إقليم? (?كردستان العراق?) ?الذي ظهر علي استحياء بعد الغزو الأمريكي للعراق قد أخذ? ?يقوي ويشتد ويمارس دوره كدولة مستقلة لها جيشها وحدودها وعلمها،? ?وأخذت تعمل علي تهجير العرب والأتراك من الإقليم وصبغه بالصبغة الكردية الخالصة?.. ?وقد أحيا ذلك في نفوس الأكراد الأتراك نزعة الانفصال عن الوطن الأم للحاق بكردستان العراق كبداية لتحقيق حلم إحياء دولة كردستان الكبري?.(1/103)
?الثاني?:?? ?عودة حزب? (?العمال الكردستاني?) ?إلي نشاطاته العسكرية وعملياته المسلحة في جنوب تركيا ضد قوات الجيش ورجال الشرطة والمدنيين الأتراك وتصاعدها بشكل خطير في الشهور الأخيرة بعد أن كانت قد توقفت منذ اعتقال زعيمه السابق? (?عبد الله أوجلان?) ?عام? (?1999م?).?وقد أدي ذلك إلي? ?غضب شديد بين جنرالات الجيش والشعب التركي وارتفعت أصواتهم منادية بالانتقام وشن الحرب علي حزب? (?العمال الكردستاني?) ?واجتياح شمال العراق بالقوات التركية العسكرية للقضاء علي قواعده العسكرية وحسم القضية الكردية بالقوة المسلحة?.?وفي الوقت نفسه وفي المقابل فقد قامت بعض القوي الدولية والإقليمية تدعو تركيا إلي ضبط النفس وعدم التعجل بشن الحرب?.?وبذلك وجد حزب? (?العدالة والتنمية?) ?نفسه في موقف معقد لا? ?يُحْسَد عليه?. ?فسياسته المبدأية هي الحل السلمي لقضية الأكراد الأتراك في إطار الحفاظ علي وحدة البلاد وسلامة أراضيها?.. ?والآن هناك تياران متضادان? ?يضغطان عليه?.?التيار الأول?:?? ?يدق طبول الحرب ويستعجل إشعالها ويتكون من جنرالات الجيش والشعب التركي?.. ?ومعهما في الجهة المقابلة حزب? (?العمال الكردستاني?).?التيار الثاني?:?? ?يدعو إلي ضبط النفس والتهدئة ويتكون من أمريكا والاتحاد الأوروبي وحكومة العراق المركزية وحكومة? (?كردستان العراق?)..?وكان لكلٍ? ?أسبابه ومبرراته?.. ?فجنرالات الجيش وفي ظل تصاعد الإجواء المعادية للأكراد? ?يتطلعون إلي استعادة الدور الذي كانوا? ?يلعبونه علي الساحة السياسية وفقدوه علي? ?يد حزب? (?العدالة والتنمية?) ?ولن? ?يتم ذلك إلا تحت ظلال الحرب?.. ?والشعب التركي? ?ينادي بالانتقام لقتلاه?.. ?وحزب? (?العمال الكردستاني?) ?يعتبر أن إشعال الحرب سيرفع من أسهمه ويضعه علي رأس زعامة القضية الكردية في تركيا?.(1/104)
?وفي المقابل فأمريكا لا تريد إشتعال الحرب في الجزء الوحيد الهادئ في العراق حتي لا تزداد? ?غرقاً? ?علي? ?غرق في المستنقع العراقي ولأن لها مخططاتها في فصل إقليم كردستان العراق عن دولة العراق ترسيخاً? ?لاستراتيجيتها في تفتيت الأمة العربية والعالم الإسلامي خدمة لمصالح إسرائيل،? ?وتريد أن? ?يتم ذلك في هدوء?.. ?والاتحاد الأوروبي جعل الحل السلمي لقضية الأكراد أحد شروط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي?.. ?وحكومة العراق المركزية لاينقصها حرب في الشمال بينما الوسط? ?يحترق بنيران المقاومة ويليه الجنوب?.. ?أما حكومة? (?كردستان العراق?) ?فتخشي علي تجربتها الوليدة بإنشاء الدولة من الإجهاض والانهيار تحت وطأة الاجتياح التركي لأراضيها فيموت حلم إحياء دولة كردستان الكبري علي أجزاء من أراضي تركيا والعراق وسوريا وإيران?.?وهنا تتجلي حكمة وذكاء قيادة? (?العدالة والتنمية?) ?فقد أمسكت بكل الخيوط بيدها وعملت علي أن توظف الأحداث كلها لما فيه مصلحة الشعب التركي والحفاظ علي منهجها السلمي في حل القضية في إطار القضاء علي الخطر الذي? ?يهدد حياة الأتراك ووحدة بلادهم?.?لذلك فقد سار الحزب في اتجاهين?:?الاتجاه الأول?:?? ?السير نحو الحرب لسحب البساط من تحت أقدام جنرالات الجيش النافخين في نفيرها وللتنفيس عن? ?غضب الشعب التركي الداعي للانتقام?. ?وقد تجسد ذلك في التهديد باستخدام القوة في القضاء علي حزب? (?العمال الكردستاني?) ?والتهديد باجتياح الجيش التركي لشمال العراق للقضاء علي قواعد الحزب الخلفية ومراكز إمداده بالتموين والسلاح ثم استصدار الحكومة قراراً? ?من مجلس النواب التركي? ?يعطيها الحق في تحريك الجيش لاجتياح شمال العراق في أي وقت تراه?.. ?وذلك بالإضافة إلي القيام ببعض العمليات العسكرية مثل القصف بالمدفعية والغارات الجوية علي بعض المعسكرات الكردية المسلحة في شمال العراق?.(1/105)
?وبالتزامن مع ذلك أخذت تركيا تحشد قواتها بأعداد ضخمة علي الحدود العراقية استعداداً? ?لاجتياحها في أية لحظة?.. ?وأخيراً? ?هددت بتوقيع بعض العقوبات الاقتصادية ضد إقليم? (?كردستان العراق?) ?مثل إيقاف حركة الملاحة الجوية وإغلاق المنافذ الحدودية بين البلدين?.?كل هذه التصرفات هدأت من روع الشعب التركي وامتصت الكثير من? ?غضبه وفي الوقت نفسه سحبت البساط من تحت أقدام جنرالات الجيش الذين كانوا? ?يتربصون بالحكومة لاتهامها بالتقاعس عن حماية الدولة والشعب إذا لم تكن قد اتخذت كل هذه الأجراءات?.?الاتجاه الثاني?: ?وعلي الجانب الآخر فقد جعلت الحكومة من تأخير اجتياحها لشمال العراق الورقة الرابحة التي ترفعها في وجه المعسكر الداعي لضبط النفس والحل السلمي وذلك للحصول علي أكبر قدر من المكاسب التي تصب كلها في القضاء علي المشكلة دون الاضطرار لإشعال نيران الحرب والاجتياح المنتظر?.?وبالفعل تم ذلك?.. ?فأمريكا أمدت تركيا بمعلومات استخباراتية هامة عن قواعد حزب? (?العمال الكردستاني?) ?في شمال العراق ووعدتها بالعمل العسكري معها للقضاء عليه?.. ?وحكومة العراق المركزية وحكومة إقليم? (?كردستان العراق?) ?تبرأتا من الحزب ودعتاه إلي مغادرة الأراضي العراقية ووعدتا بقطع أي امدادات تسليحية أو معيشية تصل إليه من شمال العراق ثم أخيراً? ?أغلقت حكومة? (?كردستان العراق?) ?مكاتب بعض الأحزاب الكردية العراقية التي تدعم حزب? (?العمال الكردستاني?).. ?وأخذت تركيا تدفع الجميع للعمل ضد الحزب والقضاء عليه دون أن تضطر للاجتياح العسكري المنتظر?.. ?وكان ذلك لأمرين?:?الأول?: ?حتي لا تخسر مبدأها ولا تخرج عن منهجها في حل القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية وحفاظاً? ?علي العلاقات الطيبة بين الحكومة والأكراد في جنوب تركيا وللحفاظ علي الشرط الذي? ?يشترطه عليها الاتحاد الأوروبي بالحل السلمي لقضية الأكراد لقبولها عضواً? ?به?.(1/106)
?الثاني?: ?أن الاجتياح العسكري سيمثل لتركيا مغامرة محفوفة بالمخاطر?.. ?وسوف تملك تركيا بدايتها ولكنها بالتأكيد لن تملك نهايتها ولا تقدير الثمن الذي ستدفعه فيها?.. ?فعلي مر التاريخ أثبتت مثل هذه الاجتياحات أنها دائماً? ?ما تنتهي بالفشل وتنقلب علي أصحابها وليس أدل علي ذلك من هزيمة الاتحاد السوفيتي السابق بعد اجتياحه أفغانستان علي? ?يد المجاهدين الأفغان وهزيمة أمريكا بعد اجتياحها العراق علي? ?يد المقاومة العراقية?.. ?ومقاومة الأكراد في جبالهم وبين? ?غاباتهم لن تقل شدة ولا صلابة عن العراقيين والأفغان?.. ?وقد كان أول تهديد لهم إذا ما نفذت تركيا تهديدها باجتياح شمال العراق هو نسف خط أنابيب البترول الواصل بين شمال العراق وميناء? (?جهان?) ?التركي مما سيسبب للأتراك خسارة مادية فادحة?.?وعلي ذلك? ?يمكن تحليل الوضع الحالي علي النحو التالي?:??1- ?تقوم تركيا بحشد قواتها علي الحدود العراقية وتهدد باجتياح شمال العراق?.. ?ولكنها علي أقوي? ?الاحتمالات لن تقوم بذلك?.. ?وعلي أضعف الاحتمالات فلو تم ذلك فسوف? ?يكون اجتياحاً? ?سريعاً? ?وخاطفاً? ?مستخدمة أقصي قدر من القوة التسليحية البرية والجوية بغرض إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار لمراكز حزب? (?العمال الكردستاني?) ?ثم الإنسحاب السريع حتي لا تغرق في مستنقع المقاومة الكردية?.??2- ?تضغط تركيا علي جميع القوي الدولية والإقليمية في المنطقة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب لضرب حزب? (?العمال الكردستاني?) ?فقط وليس للإضرار بالشعب الكردي?.. ?وأضعف هذه المكاسب أن تتعاطف تلك القوي مع تركيا وتتفهم أي عمل عسكري تقوم به ضد ذلك الحزب في شمال العراق?.??3- ?في خلال انتظارها لتحقيق ذلك تستخدم تركيا أسلوب الغارات الجوية والقصف بالمدفعية وعمليات القوات الخاصة ضد قواعد ومعسكرات حزب? (?العمال الكردستاني?) ?لتدميرها والقضاء عليه?.(1/107)
??4- ?الهدف النهائي لحزب? (?العدالة والتنمية?): ?القضاء علي حزب? (?العمال الكردستاني?) ?المسلح وحل قضية الأكراد الأتراك سلمياً? ?بإعطائهم شكل من أشكال الحكم الذاتي في إطار تركيا الموحدة?.?الخاتمةسقطت دولتهم،? ?وسلط الله عليهم من? ?يذيقهم سوء الذل وخسف الهوان من أنفسهم?.. ?وتكالب أعداء الإسلام عليهم? ?يتناوشونهم وينهشون أمتهم ويمزقون دولتهم? ??{?أُوْلَئِكَ? ?حِزْبُ? ?الشَّيْطَانِ? ?أَلا إِنَّ? ?حِزْبَ? ?الشَّيْطَانِ? ?هُمْ? ?الْخَاسِرُونَ?}??.?ثم ها هم المسلمون الجدد? ?يعودون بها إلي الطريق القويم ويضعونها علي الصراط المستقيم?.. ?ولكنهم? ?يعودون وقد فقهوا ما تقتضيه الدعوة ومقتضيات الصراع بين الحق والباطل في عصرنا الحاضر?.. ?فالدعوة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ أمتنا تحتاج إلي كياسة وفطنة وفهم عميق لمتطلبات العصر ومعطيات الواقع?.. ?وتحتاج إلي الأخذ بفقه المتاح مع التحلي بالصبر والأناة والعطاء المتواصل واغتنام الفرص السانحة لقوة الإسلام وعز المسلمين دون القبول بالدنية أو التفريط في ثوابت الدين? ??{?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ? ?آمَنُوا إِنْ? ?تَنصُرُوا اللَّهَ? ?يَنصُرْكُمْ? ?وَيُثَبِّتْ? ?أَقْدَامَكُمْ?}.?فما أحوجنا اليوم إلي استعادة ثقتنا في نصر الله وفي أن الحق بالغ? ?ما بلغ? ?الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل?.. ?وأن شجرة الحق أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين،? ?وأن شجرة الباطل سوف تُجْتَث من فوق الأرض ولن? ?يكون لها بإذن الله قرار،? ?وأن الله ناصر دينه ولو كره الكافرون? ??{?وَيَأْبَي اللَّهُ? ?إِلاَّ? ?أَنْ? ?يُتِمَّ? ?نُورَهُ? ?وَلَوْ? ?كَرِهَ? ?الْكَافِرُونَ?}??.?ندعو الله أن? ?ينصر الإسلام ويعز المسلمين?.. ?والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل?.?المحتوياتالموضوع? ?صفحةالمقدمة? ??...............................................................?? ?3?(1/108)
?عصر? ?الفاتحين? ??.................................................?? ?7السقوط والانهيار? ??................................................. ?? ?63الإسلاميون الجدد?...............................................?? ?123(1/109)