دراسة شرعية اقتصادية لخصخصة
مشاريع البنية التحتية
بأسلوب البناء والتشغيل ثم الإعادة "BOT"
أ . د . أحمد بن حسن بن أحمد الحسني
أستاذ بقسم الاقتصاد الإسلامي - كلية الشريعة
جامعة أم القرى
(طبعة تمهيدية)
ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى دراسة تمويل مشاريع البنية التحتية بأسلوب البناء والتشغيل ثم الإعادة"Build-Operator-Transfer" المسمّى "BOT''دراسة شرعية اقتصادية. ولتحقيق هذا الهدف تم التعرض لأهمية مشاريع البنية التحتية وبيان خصائصها، ثم التعريف بأسلوب""BOTوبيان خصائصه والتي من أهمها هو أن التمويل بهذا الأسلوب لمشاريع البنية التحتية يترتب عليه انتقال تحمل أعباء التمويل لإقامة وبناء هذه المشاريع من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وكذلك عملية إدارتها وتشغيلها وتحصيل إيراداتها إلى أن يتم تغطية تكاليفها وتحقيق عائد مناسب للقطاع الخاص خلال فترة الامتياز الممنوحة له. ثم تعود ملكية هذه المشاريع وإدارتها وتشغيلها إلى الحكومة بعد انتهاء هذه الفترة.
كما تعرضت الدراسة لآلية العمل بأسلوب "BOT" وبيان أهم نماذج عقوده وهي: البناء والتشغيل ثم التحويل BOT وعق البناء والتملك والتشغيلBOOT وعقد البناء والتملك والتشغيل BOOوعقد البناء والتأجير ثم التحويل BLT ثم بيان التكييف الفقهي لهذا الأسلوب والذي أظهر مشروعية مشاركة القطاع الخاص في إقامة وبناء مشاريع البنية التحتية، وأنه يحق للحكومة أن تمنح هذه الفرصة للشركة صاحبة العطاء الأفضل إلا أن شركات القطاع الخاص التي تساهم في إقامة وبناء هذه المشاريع جرت العادة على حصولها على تغطية التمويل اللازم لهذه المشاريع عن طريق الاقتراض من المؤسسات المالية والمصارف التقليدية بفوائد ربوية وهو من قبيل ربا النسيئة المحرم.(1/1)
ولذلك تقترح الدراسة على شركات القطاع الخاص المحلية والدولية المنفذة لمشاريع البنية التحتية في الدول الإسلامية تجنب الحصول على هذه القروض الربوية واستخدام الصيغ الإسلامية البديلة كالحصول على التمويل بالمشاركة مع المصارف الإسلامية أو عن طريق تأسيس شركة مساهم للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام للجمهور أو التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمات.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فإن تمويل مشاريع بناء وتشييد البنية التحتية كمشاريع المرافق العامة والمتمثلة في إقامة محطات توليد القوى الكهربائية، والاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد، ومحطات معالجة المياه وتوصيلها عبر الأنابيب، والصرف الصحي، والغاز وتوصيلاته، ومشاريع الأشغال العامة التي تشتمل تشييد وبناء الطرق والجسور والكباري والسدود والقنوات ومشاريع النقل العام التي تتضمن تشييد وبناء المطارات والموانئ والسكك الحديدية ونحوها. إضافةً إلى مشاريع خدمات التعليم والصحة والأمن والدفاع.
كل هذه المشاريع يمثل تمويلها عبئاً مالياً على نفقات جميع الدول وخاصة الدول النامية، واعتادت الحكومة أو القطاع العام في الماضي على إقامة وبناء وتشغيل هذه المشاريع وتمويلها من خزينتها على قدر استطاعتها أو تمويلها عن طريق الاقتراض الداخلي باللجوء إلى إصدار السندات أو الاقتراض الخارجي من المؤسسات العالمية كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير ومؤسسة التنمية الدولية. وأخيراً قد تلجأ الحكومة إلى زيادة نسبة الضرائب والرسوم المفروضة على المواطنين أو قد تفرض عليهم ضرائب جديدة لتوفير التمويل اللازم لإقامة مثل هذه المشاريع.(1/2)
ومع بداية الثمانينات الميلادية تنبهت الكثير من الدول وخاصة الدول النامية إلى صعوبة الاعتماد على الوسائل السابقة في تمويل مشاريع البنية التحتية، وبالتالي تنفيذ خططها التنموية، فخزينتها لا تتوفر فيها الأموال اللازمة لتمويل جميع هذه لمشاريع لقلة مواردها المالية من ناحية ولأن الاقتراض الداخلي باللجوء
إلى طرح السندات الحكومية لا يجد الطلب الكافي من المواطنين لشراء هذه السندات نظراً لارتفاع نسبة التضخم الذي يتصف به اقتصاد الدول النامية وانخفاض دخول النسبة الغالبة من المواطنين في هذه الدول، إلى جانب انخفاض الوعي المالي والمصرفي لدى قطاع كبير منهم.
وأما الاقتراض الخارجي من المؤسسات العالمية فهو أكثر صعوبة لأن هذه المؤسسات لا تمنح الدول الراغبة في الحصول على تمويل لمشاريعها إلا بنسبة ضئيلة من القروض المطلوبة لتمويل هذه المشاريع، إضافة إلى أن هذه القروض محكومة بشروط واعتبارات من المؤسسات العالمية تؤدي إلى صعوبة حصول الدول النامية على هذه القروض، وأما لو لجأت هذه الدول إلى الزيادة في نسب الضرائب والرسوم أو فرض ضرائب جديدة على المواطنين فسيواجه ذلك غالباً بمقاومتهم وحدوث بعض الاضطرابات السياسية في الداخل.(1/3)
كل هذه الأمور دفعت الدول إلى التفكير في إيجاد وسائل بديلة توفر لها التمويل اللازم لإنجاز هذه المشاريع الهامة التي تقدم خدمات أساسية وضرورية للمواطنين، وبالتالي تمثل أدواراً كبيرة لا يمكن الاستغناء عنها أو عن بعضها، بل ولا يمكن لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية في أي دولة أن تقوم بدونها، ومن هنا سعت دول العالم سواء المتقدمة منها أو النامية منذ ذلك التاريخ إلى التخصيصPrivatization ويقصد به مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ هذه المشاريع وإداراتها وتشغيلها وتنازل الحكومة عن دورها التقليدي في احتكار إقامة مشاريع البنية التحتية، ومن ثم التخفيف من أعبائها المالية والإدارية وتفرغها للأعباء الرئيسة والهامة كالأمن والدفاع ونحوها.
ومن الأساليب الجديدة لمظاهر التخصيص ومنح القطاع الخاص امتيازات Concessions لتنفيذ مشاريع البنية التحتية أسلوب "البناء والتشغيل ثم الإعادة Build – Operator - Transfer " المسمّى "BOT" .ومن هنا خصص هذا البحث لدراسة هذا الأسلوب دراسة شرعية اقتصادية وسوف أذكره بمشئية الله تعالى بتسميته الإنجليزية المختصرة "BOT" خلال تناوله في ثنايا البحث.
هدف البحث:
يهدف البحث إلى دراسة أسلوب "BOT" والتعرف على صيغ عقوده وتكييفها الفقهي وبيان حكم التعامل بها، وذكر الصيغ الإسلامية البديلة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية.
خطة البحث:
ولتحقيق هذا الهدف قُسّم البحث إلى ما يلي:
أولاً: أهمية مشاريع البنية التحتية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي وبيان أهم خصائصها.
ثانياً: التعريف بأسلوب "BOT" وبيان أهم خصائصه.
ثالثاً: آلية العمل بأسلوب "BOT" وبيان لأهم نماذج عقوده وتكييفه الفقهي.
رابعاً: الصيغ الإسلامية المقترحة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية.
خامساً: الخاتمة والتوصيات.(1/4)
والله أسأل العون والتوفيق والسداد، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أولاً: أهمية مشاريع البنية التحتية في الاقتصاد الإسلامي والوضعي وبيان أهم خصائصها:
اهتم الإسلام بمشاريع البنية التحتية وأمر بإعدادها وتكوينها، ويمكن الاستدلال على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيٍ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } (الأنفال: 60) حيث يدل المعنى الإجمالي لهذه الآية الكريمة على أنه يجب على المسلمين أن يعدّوا العدّة من السلاح والعتاد والعدد ونحو ذلك لمواجهة أعداء الله من الكفرة والملحدين لتكون كلمة الله سبحانه وتعالى هي العليا وكلمة الذين كفروا السُفلى.
فالمراد بالقوة في الآية لا يقتصر على الناحية العسكرية فقط وإنما يمتد ليشمل القوة الاقتصادية أيضاً والمتمثلة في إعداد وبناء البنية التحتية كبناء وتشييد الطرق والجسور والسدود وتسهيلات الري ونحو ذلك من الخدمات التي تحقق خارجية لمختلف قطاعات الاقتصاد القومي(1)،
__________
(1) الهوامش
(1) محمد عمر شابرا، النظام الاقتصادي في الإسلام" دور الدولة"، بيروت- لبنان، مجلة المسلم المعاصر، العدد16، 1398هـ- 1978م، ص57.
(2) إبراهيم فؤاد أحمد علي، الإنفاق العام في الإسلام، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1393هـ -1973م، ص39.
(3) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، رسالة دكتوراة، 1414هـ -1994م، ص18-19.
(4) جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الجامع الصغير، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1981م، ج2، ص586.
(
5) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، القاهرة، دار الحديث 1412هـ - 1991م، ج3، ص1188.
(6) موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت- لبنان، درا الندوة الجديدة، بدون، ص19.
(7) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي وآثارها، مرجع سابق، ص29-30.
(8) يقصد بالمصالح الضرورية ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وتهارج وفي الآخرة فوات النجاة والرجوع بالخسران المبين، والمقاصد الحاجيّة هي ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة ولكن لا يبلغ مبلغ الفساد المتوقع في المصالح العامة، والمقاصد التحسينية هي الحاجات التي لا تتحرج الحياة بتركها وإن كانت مما يدخل الجمال والمتعة على الحياة الإنسانية، انظر: أبو إسحاق إبراهيم اللخمي، الموافقات في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة المدينة 1969م، ج2، ص4- 5 -6، و عبد الله الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مرجع سابق، ص47- 48.
(9) عمرو محي الدين، التخلف والتنمية، بيروت، دار النهضة العربية، 1975م، ص236.
(10) عبد القادر محمد عبد القادر عطية، دراسات الجدوى التجارية والاقتصادية والاجتماعية مع مشاريع BOT، الإسكندرية، الدار الجامعية، الطبعة الثانية، 2000- 2001م،
ص631.
(11) عبد الله حاسن معبد الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي ، مرجع سابق، ص63.
(12) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(13) سعيد بن سعد المرطان، تجربة البنك الأهلي التجاري في تعبئة المدخرات لتمويل مشاريع البنية التحتية بصيغ إسلامية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2-4/7/1420هـ، ص3.
(14) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(15) السيد إمام محمود حجازي، المعايير المستحدثة في تقييم دراسات الجدوى للمشاريع الاقتصادية بصفة عامة ومشاريع البنية الأساسية بصفة خاصة، القاهرة، البنك الأهلي المصري، مايو 1997م ،ص14.
(16) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص631.
(17) أحمد السعيد الزقرد، التأثيرات القانونية والاقتصادية والسياسية للعولمة على مصر والعالم العربي ( عقود BOT وآليات الدول العالمية)، القاهرة، المؤتمر السنوي السادس، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 26-27 مارس 2002م ،ص3.
(18) خالد بن عبد الله الدغيثر، أساليب البناء -التشغيل –الإعادة ''BOT'' سلاح المنافسة الجديد في صناعة البناء والتشييد، المؤتمر الهندسي السعودي الخامس، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 13- 16 ذي القعدة 1419هـ ،ص83.
(19) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص634- 646- 663.
(20) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص90.
(21) عبد الرحيم عبد الحميد الساعاتي، خصخصة إدارة وبناء وتشغيل البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2 -4/7/1420هـ، ص43.
(22) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص92- 93.
(23) البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994، مرجع سابق، ص114 – 115.
(24) ) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 646- 647.
(25) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص 87، وعبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص14.
(26) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 649.
(27) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 14.
(28) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 648.
(29) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 7.
(30) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص84- 85.(1/5)
وذلك لأن توفر قاعدة عريضة ومتينة من البنية التحتية والمرافق الأساسية لا يقتصر على شراء الحرب والسلم، كما أن الإنفاق على الناحية العسكرية لا يقتصر على شراء الأسلحة والعتاد والعدد وإنما يمتد ليشمل أيضاً الإنفاق على مشاريع البنية التحتية- كما تقدم- كبناء وتشييد الطرق والجسور والمطارات والموانئ ونحوها(1).
__________
(1) 31) يتضمن هذا الإطار في الغالب التشريعات المتعلقة بالإعفاء الضريبي وقوانين وأنظمة العمل والعمال والجمارك وحماية المستثمر الأجنبي ونحو ذلك، انظر: عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 636.
(32) ويتحدد ذلك بناء على دراسة الجدوى المبدئية التي تعدها الحكومة لتوضح الجوانب المختلفة للمشروع بالنسبة للراغبين في تنفيذه.
(33) جرت العادة على أن تتكون معظم المساهمات في رأس المال وملكية هذه المشاريع من شركات المقاولات العالمية، وشركات أخرى هندسية وصناعية وقانونية وشركات تأمين إلا أن هذه المجموعة تدرك الدور الإيجابي الذي يلعبه تواجد الشركاء المحليين من أجل نجاح المشروع وتسهيل مهمة عملهم فتسعى إلى مشاركة المقاولين والمستثمرين والأيدي العامة المحليين، انظر: خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص87.
(34) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 16.
(
35) تحصل شركة المشروع على هذه القروض من قبل البنوك التجارية أو بيوت التمويل والمؤسسات المالية الدولية وقد تصل مدتها إلى خمسة عشر عاماً، وتعتمد الجهات المقرضة في سداد هذه القروض على القيمة المتوقعة لإيرادات المشروع وليس لها أي مدخل إلى المجموعة المتبنية للمشروع من أجل استرجاع قروضهم في حالة فشل المشروع إلا أن مشاركة المجموعة المتبنية للمشروع في حصة رأس المال (أسهم وحقوق الملكية) تعطي درجة من الطمأنينة للمقرضين في توقعاتهم لنجاح تنفيذ المشروع وتحقيقه لعوائد مجزية، وعلى الرغم من أن تمويل المشاريع التي تنفذ بأسلوب الـBOT تكون عادة غير مضمونة كما تقدم وأنها تعتمد على القيمة المتوقعة لإيرادات المشروع أو على قيمة أصوله التي يمكن بيعها في حالة فشل المشروع وسداد التزاماته منها، إلا أن هناك من يرى بأنه في حالة تعاقد الحكومة مع شركة المشروع على شراء خدماته المنتجة خلال فترة العقد بأسعار محددة كشراء الطاقة الإنتاجية لمشروع توليد كهرباء أو تنقية مياه تصبح إيرادات المشروع في هذه الحالة أكثر تأكداً وبالتالي يمكن القول بأن الإقراض المقدم لهذا المشروع إقراض بضمان محدود انظر: خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص87.
- عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 16.
- عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 635- 636.
(36) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 30.
(37) عبد القادر عطية، مرجع سابق، ص 653- 654.
(38) تتراوح فترة الامتياز من 15 إلى 25 عاماً، وتختلف باختلاف نوعية المشروع وحسب الشروط التي تطلبها الحكومة.
(39) عبد الرحيم الساعاتي، مرجع سابق، ص 12.
(40) خالد الدغيثر ،مرجع سابق، ص89.
(41) المرجع سابق، ص89.
(42) البثوق: جمع بثق وهو ما يخرقه الماء في جانب النهر، والمسنيات: جمع مسنية وهو السد يُبنى في وجه الماء، والبريدات: مفاتح الماء.
(43) القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، بيروت – لبنان، دار المعرفة، 1399هـ - 1979م، ص110.
(44) عبد الله الجابري، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص67-68.
(45) القاضي أبو يوسف، كتاب الخراج، مرجع سابق، ص110.
(46) وتستطيع المصارف الإسلامية أن تؤسس صناديق استثمار مغلقة وتخصصها للاستثمار في البنية التحتية.
(47) موفق الدين عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسي، المغني، القاهرة، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1412هـ -1992م، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو، ج7، ص134- 135.
(48) عبد العزيز عزت الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1403هـ - 1983م، ص91-93.
(49)MONZER KAHF " SERVICE BONDS FOR FINANCING PUBLIC UTILITIES " to presented at the Seminar on Financing Government Enterprises from the Private Sector, King Abdulaziz University, Jeddah 2- 4 rajab 1420 h.
(50) Op. Cit. OO. 17- 22.
(51) أحمد الدريدر، الشرح الكبير، مصر، دار إحياء الكتب العربية، بدون، ج3، ص196.
(52) محمد الشربيني الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت – لبنان، دار إحياء التراث العربي، بدون، ج2، ص103.
(53) منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع على متن الإقناع، مصر، دار الفكر، بدون، ج3، ص564.
(54) محمد الشربيني الخطيب، مرجع سابق، ج2، ص114.
(55) مطهر سيف أحمد، عقد السلم وعقد الاستصناع ومجالات تطبيقهما في الاقتصاد الإسلامي، رسالة ماجستير، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1414هـ - 1993م، ص25، ص47.(1/6)
فكل ما يتقوّى به الإسلام يدخل في نطاق هذه الآية من تعليم وتدريب وصناعة وتشييد للمرافق العامة ونحو ذلك(1). يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علّم علماً أو أجرى نهرأً أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورّث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته))(2). وقال صلى الله عليه وسلم: (( لا يغرس المسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان ولا دابّة ولا شيء إلا كانت له صدقة))(3). ويستفاد من الحديثين أن الإسلام يدعو إلى طلب العلم ونشره ويقتضي ذلك إقامة وبناء منشآته ومستلزماته المتنوعة التي تختلف باختلاف الزمان والمكان إذ يتطلب ذلك في عصرنا الحاضر إقامة وبناء الدارس والمعاهد والجامعات ودور العلم المختلفة، وجميعها من منشآت وبناء البنية التحتية لأنه من غير المعقول قيام التعليم وانتشاره دون أن تُشيّد مؤسساته وذلك استناداً إلى القاعدة الأصولية القائلة: (( إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))(4).
__________
(4) مراجع البحث
1- أبو يوسف، القاضي يعقوب بن إبراهيم، كتاب الخراج، بيروت – لبنان، دار المعرفة، 1399هـ - 1979م.
2- أحمد ، مطهر سيف، عقد السلم وعقد الاستصناع ومجالات تطبيقهما في الاقتصاد الإسلامي، رسالة ماجستير، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 1414هـ - 1993م.
3- البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع على متن الإقناع، مصر، دار الفكر، بدون.
4- الجابري، عبد الله حاسن معبد، مشاريع تكوين البنية الأساسية في الاقتصاد الإسلامي وآثارها.
5- حجازي، السيد إمام محمود، المعايير المستحدثة في تقييم دراسات الجدوى للمشاريع الاقتصادية بصفة عامة ومشاريع البنية الأساسية بصفة خاصة، القاهرة، البنك الأهلي المصري، مايو 1997م.
6- الخطيب، محمد الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت – لبنان، دار إحياء التراث العربي، بدون.
7- الخياط، عبد العزيز عزت، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1403هـ - 1983م.
8- الدردير، أحمد، الشرح الكبير، مصر، دار إحياء الكتب العربية، بدون.
9- الدغيثر، خالد بن عبد الله، أساليب البناء -التشغيل –الإعادة ''BOT'' سلاح المنافسة الجديد في صناعة البناء والتشييد، المؤتمر الهندسي السعودي الخامس، مكة المكرمة، جامعة أم القرى، 13- 16 ذي القعدة 1419هـ.
10- الزقرد، أحمد السعيد، التأثيرات القانونية والاقتصادية والسياسية للعولمة على مصر والعالم العربي ( عقود BOT وآليات الدول العالمية)، القاهرة، المؤتمر السادس، كلية الحقوق جامعة المنصورة، 26-27 مارس 2002م.
11- الساعاتي، عبد الرحيم عبد الحميد، خصخصة إدارة وبناء وتشغيل البنية التحتية في المملكة العربية السعودية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2 -4/7/1420هـ.
12- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير، بيروت، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1981م.
13- شابرا، محمد عمر، النظام الاقتصادي في الإسلام" دور الدولة"، بيروت- لبنان، مجلة المسلم المعاصر العدد 16 ، 1398هـ - 1978م.
14- عطية، عبد القادر محمد عبد القادر، دراسات الجدوى التجارية والاقتصادية والاجتماعية مع مشاريع BOT، الإسكندرية، الدار الجامعية، الطبعة الثانية، 2000- 2001م.
15- علي، إبراهيم فؤاد أحمد، الإنفاق العام في الإسلام، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1393هـ -1973م.
16- اللخمي، أبو إسحاق إبراهيم، الموافقات في أصول الأحكام، القاهرة، مطبعة المدني 1969م.
17- محي الدين، التخلف والتنمية، بيروت، دار النهضة العربية، 1975م.
18- المرطان، سعيد بن سعد، تجربة البنك الأهلي التجاري في تعبئة المدخرات لتمويل مشاريع البنية التحتية بصيغ إسلامية، ندوة التعاون بين الحكومة والقطاع الأهلي في تمويل المشاريع الاقتصادية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، 2-4/7/1420هـ.
19- المقدسي، موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت- لبنان، درا الندوة الجديدة، بدون.
- المغني، القاهرة، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، 1412هـ -1992م، تحقيق
د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح الحلو.
20- النيسابوري، مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، القاهرة، دار الحديث 1412هـ - 1991م.
21- MONZER KAHF " SERVICE BONDS FOR FINANCING PUBLIC UTILITIES " to presented at the Seminar on Financing Government Enterprises from the Private Sector, King Abdulaziz University, Jeddah 2- 4 rajab 1420 h.(1/7)
وكذلك يستفاد من الحديثين أن عمل مشاريع البنية التحتية يترتب عليه الأجر والمثوبة لمن قام به في الدنيا والآخرة مثل كرى الأنهار وحفرها وإصلاحها وصيانتها، وحفر الآبار وما يماثلها في عصرنا الحاضر كإقامة السدود وخزانات المياه ومحطات معالجتها وتحليلها لأنها من الوسائل التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي الذي ورد في الحديثين كغرس النخل والأشجار والزروع والثمار بأنواعها المختلفة. وكذلك الأمر بالنسبة لبناء وتشييد المساجد لما لها من أهمية في حياة المسلمين حيث تُؤدى فيها الصلوات التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي الصلة بين العبد وربه، وفيها منابر العلم التي ينتشر منها الوعي والتثقيف وتبصير المسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ومعيشتهم(1).
فالمساجد لا يقتصر دورها على أنها مكان للعبادة فقط وإنما هي قلب المجتمع المسلم النابض بالخير والفلاح والمرشد إلى البر والتقوى، وهي كذلك مدرسة ومنار ساطع لتربية وتهذيب سلوك المسلم وتنشئته التنشئة الصالحة ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه يصل خيره لوالديه حتى بعد موتهما باستغفاره لهما.
وتجدر الإشارة إلى أن بناء وتشييد مشاريع البنية التحتية في الإسلام تتوقف أولوياتها على ما فيه تحقيق مصالح المواطنين الضرورية ثم الحاجيّة ثم التحسينية وبالتالي فإن أهمية تنفيذها ينبغي أن تكون مرتبة في ضوء تحقيق هذه المصالح(2).(1/8)
وأما في الاقتصاد الوضعي فإن بناء وتشييد مشاريع البنية التحتية أمر ضروري لمصلحة الاقتصاد القومي، لأن قيام مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الأخرى في أي دولة يعتمد على مدى توفر البنية التحتية الملائمة حيث تستفيد من خدماتها المتعددة كل المشروعات وبالتالي تزداد إمكانية نجاح هذه المشاريع وتستمر في نشاطها الاقتصادي. فالمشاريع الصناعية متى توفرت لها الطرق والجسور والموانئ ووسائل النقل والمواصلات ومحطات الوقود والغاز والكهرباء فإن هذه الوفرة ستساهم في التوطن الصناعي وفي إحداث المدن والمراكز الصناعية، كما تساهم وفرة وسائل النقل والمواصلات الحديثة البرية والبحرية والجوية في تسهيل تبادل السلع وانتقالها من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى فتتسع الأسواق المحلية والدولية وتنشأ المراكز التجارية المختلفة، كما أن وفرة شبكات الري والصرف ومحطات معالجة المياه وتحليتها تساهم في قيام المشاريع الزراعية وتحسين الإنتاج الزراعي(1).
وبعد هذا العرض عن أهمية مشاريع البنية التحتية يمكن بيان أهم خصائص هذه المشاريع فيما يلي:
ا- إن هذه المشاريع ذات أهمية اجتماعية وسياسية كبيرة، حيث إنها تقدم للجمهور خدمات أساسية وضرورية مثل خدمات المياه والكهرباء والغاز والاتصالات والطرق والمطارات والموانئ والسكك الحديدية وغيرها(2).
ب- إن منافع وخدمات هذه المشاريع لا تعود على فرد أو مجموعة من الأفراد أو جهات معينة، وإنما تعود على كافة أفراد المجتمع سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، كما أنها لا تعود على قطاع اقتصادي دون غيره وإنما تشمل الكثير من قطاعات الاقتصاد، ومن حق أي فرد أو جهة في المجتمع أن ينتفع بها بغض النظر عن مدى مساهمته في إنشائها أو تكلفتها أو تشغيلها وصيانتها(3).(1/9)
جـ- إنها ذات أهمية كبيرة للتنمية الاقتصادية في المجتمعات المختلفة، فلا يمكن أن يتصور حدوث تنمية اقتصادية أو اجتماعية في أي مجتمع دون وجود بنية تحتية متقدمة فيه، وقد أثبتت بعض الدراسات التطبيقية أن كل زيادة في رصيد الدولة من البنية التحتية بنسبة 1% يصاحبها زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنفس النسبة تقريباً(1).
د- إن هذه المشاريع يمكن أن يدر بعضها دخلاً مالياً للدولة، ولكن بعضها الآخر قد يفقد هذه الخاصية، كما أن بعض هذه المشاريع قد تحرص الدولة على الاحتفاظ بملكيتها لاعتبارات سياسية واجتماعية(2).
هـ- ينبغي على الدولة أن تنشئ هذه المشاريع وتوفر خدماتها بنوعية جيدة وبتكلفة منخفضة، وذلك لأنه قد يترتب على تقديم هذه الخدمات للجمهور بصورة غير مرضية حدوث بعض الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي(3).
و- كبر حجم استثمارات هذه المشاريع وبالتالي كبر حجم التمويل المطلوب لها، وكذلك كبر حجك مستهلكي خدمات هذه المشاريع وتنوع مستويات دخولهم(4).
ثانياً: التعريف بأسلوب "BOT" وبيان أهم خصائصه:
يقصد بأسلوب البناء – التشغيل - الإعادة "BOT": الاستثمار الذي يتولى فيه القطاع الخاص بناء Build وتشغيل Operate أحد مشاريع البنية التحتية على أن يتم تحويله Transfer مرة أخرى للحكومة بعد فترة زمنية كافية يتم فيها استرداد رأس المال المستثمر وتحقيق معدّل عائد مناسب للمستثمر(5).(1/10)
وقد عرفت لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي: ( الانسرال ) عقود الـ BOT بأنها شكل من أشكال تمويل المشاريع تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة زمنية محددة أحد الاتحادات المالية " تسمى بشركة المشروع " امتيازاً لتنفيذ مشروع معين على أن تقوم الشركة المذكورة بالبناء والتشغيل والإدارة لعدد من السنوات وتسترد تكاليف البناء وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستغلاله تجارياً على أن تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة بعد نهاية مدة الامتياز(1).
ويُنشيء عادة المستثمرون والمقاولون الذين منحوا الامتياز من الحكومة لتنفيذ المشروع شركة لتحقيق هذا الغرض وتنتهي بانتهاء فترة امتيازه(2).
ويمكن ذكر أهم خصائص أسلوب الـ BOTفيما يلي:
ا- أنها شركة قطاع خاص تمنحها الحكومة امتيازاً تتولى بموجبه إقامة أحد مشاريع البنية التحتية بجميع مراحله من تصميم وتمويل وإنشاء وتشغيل خلال فترة زمنية معينة هي مدة الامتياز، وتتقاضى من الجمهور رسوماً إذا استفادوا من خدمة المشروع خلال هذا المدة.
ب- بعد انتهاء فترة الامتياز تقوم الشركة المستثمرة بنقل ملكية المشروع للحكومة، ويتعين أن تكون فترة الامتياز طويلة – نسبياً – بقدر يكفي لتغطية رأس المال المستثمر في المشروع ويحقق معدل ربح أو عائد مناسب للشركة.
جـ- إن الاستثمار بهذا الأسلوب في مشاريع البنية التحتية يقلل من العبء الملقى على عاتق الحكومات وخاصة البلدان النامية التي تواجه زيادة مطردة في الإنفاق الحكومي(3).
د- إن الاستثمار بهذا الأسلوب يؤدي على الزيادة في كفاءة استخدام موارد المجتمع فكما هو معروف أن القطاع الخاص أكثر كفاءة في الإنتاج والتسويق من القطاع العام أو الحكومي(4).
هـ- يحقق الاستثمار بهذا الأسلوب أرباحاً مرتفعة للقطاع الخاص، فقد أوضحت عدّة دراسات تطبيقية أن الاستثمار في مشاريع البنية التحتية يحقق عوائد مرتفعة قد تصل في بعض الحالات إلى 96%.(1/11)
ويعرض الجدول (1) نتائج بعض الدراسات التي تمت في هذا المجال.
جدول (1)
معدّل العائد الضمني للاستثمار في مشاريع البنية التحتية وفقاً لعدد من الدراسات
عينة الدراسة ... معدل العائد الضمني % ... سنة الدراسة ... مؤلف الدراسة
الولايات المتحدة الأمريكية ... 60% ... 1990 ... مونيل
مناطق اليابان ... 96% ... 1993 ... ميرا
مناطق فرنسا ... 12% ... 1993 ... برودوم
تايوان ، الصين ... 77% ... 1993 ... أوشيمور، وغالو
كوريا ... 51% ... 1993 ... أوشيمور، وغالو
بلدان متعددة ، نامية ... 95% ... 1993 ... كاننغ، وفاي
المصدر: البنك الدولي، تقرير عن التنمية في العالم 1994م، البنية الأساسية من أجل التنمية،ص26.
ويلاحظ أن العديد من الحكومات أخذت في تخصيص مشاريع البنية التحتية من خلال استخدام أسلوب BOT نظراً للضغط الاقتصادي الذي تعرضت له في الآونة الأخيرة وتسبب في تناقص استثماراتها في مشاريع البنية التحتية. فعلى سبيل المثال أخذ الإنفاق الحكومي في المملكة العربية السعودية على مشاريع البنية التحتية يتناقص خلال الفترة 1989م – 1997م نتيجة للضغط المتزايد على ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار البترول(1).
ويوضح الجدول (2) هذه الحقيقة بالنسبة للملكة العربية السعودية.
جدول (2)
الإنفاق الحكومي على مشاريع البني التحتية في المملمكة العربية السئعودية (بمليار الريالات)
السنة الميلادية ... الإنفاق على ... الإنفاق الكلي ... النسبة المئوية %
البنية التحتية ... للحكومة
1989 ... 2.8 ... 140.5 ... 2.0
1990 ... 2.5 ... 179.8 ... 1.4
1991 ... 2.5 ... 179.8 ... 1.4
1992 ... 2.1 ... 181.0 ... 1.2
1993 ... 2.1 ... 197.0 ... 1.1
1994 ... 1.6 ... 160.0 ... 1.0
1995 ... 1.4 ... 150.0 ... 0.93
1996 ... 1.4 ... 150.0 ... 0.93
1997 ... 1.6 ... 181.0 ... 0.88
المصدر: سعيد بن سعد مرطان ،مرجع سابق، ص5.(1/12)
ومن هنا بدأت حكومة المملكة العربية السعودية في تخصيص بعض مشاريع البنية التحتية من خلال استخدام أسلوب BOT ولعل في تجربة وزارة المعارف وسداد تكاليف الإنشاء من خلال عقود طويلة الأجل، كما بدأت الحكومة في تخصيص بعض مؤسساتها العامة كقطاع الاتصالات من برق وبريد وهاتف الذي أصبح شركة مساهمة تعرف بشركة الاتصالات السعودية، كما أن مؤسسة الخطوط الجوية العربية السعودية وبعض الشركات الصناعية أعلنت فعلاً عن البدء في برنامج الخصخصة والتحول إلى شركات مساهمة(1).
وتشير الإحصاءات إلى أن الدول النامية بوجه عام تنفق ما يقرب من 200 مليار دولار سنوياً على البنية التحتية، وتعتبر الحكومات في هذه الدول مسئولة عن توفير ما لا يقل عن 90% من هذا المبلغ، وتعتمد على التمويل الخارجي في توفير 12% تقريباً من تكاليف البنية التحتية.
ومن المعلوم أن مشاريع البنية التحتية تتصف في الغالب بكونها مستهلكة للعملات الأجنبية وبكونها غير منتجة لها بصورة مباشرة نظراً لصعوبة تصدير منتجاتها(2). ومن ثم فإن تمويل مشاريع البنية التحتية بأسلوب BOT قد يقلل من الاقتراض الحكومي ويساعد على الخفيف من الدين العام وبالتالي يقلل من معدلات التضخم والبطالة، خاصة إذا تم تشغيل عمالة محلية في هذه المشاريع(3). إلا أنه ينبغي التنبيه أن الحكومات متى ما أرادت تمويل مشاريع البنية التحتية لديها بأسلوب BOT وعليها أن تختار عند إجراءات التعاقد مع الشركة التي ستمنحها الامتياز ممثلين لها على درجة عالية من المهارة والمعرفة والقدرة على الدراسة والتحليل والمقارنة واستيعاب التفاصيل المالية والقانونية والدارية بخفايا هذا الأسلوب لأنه من المحتمل أن ينطوي على بعض المخاطر والمعوقات(4).(1/13)
فعلى سبيل المثال قد تبالغ الشركة صاحبة الامتياز في زيادة تكاليف الخدمة المنتجة أو في تكاليف التمويل عما هو متاح في الحالات العادية فينعكس ذلك على أسعار الخدمة مما يمثل عبئاً إضافياً على المستهلكين.(1)ولذلك يرى أحد الباحثين في هذا الأسلوب أن الجمهور حينما يكون هو المشترك النهائي لخدمات المشروع الممول المنفذ بأسلوب BOT فعلى الحكومة أن تتأكد عدالة وملائمة الرسوم المفروضة على الخدمات المقدمة ( أو الممولة) بهذا الأسلوب، كما يجب عليها أن تكون مستعدة للتدخل في إدارة المشروع في حالة إخلال الشركة المنفذة بأي من التزاماتها لتضمن عدم انقطاع الخدمة عن الجمهور(2).
كما يرى البعض أنه ينبغي على الحكومة أن لا تسمح بتملك مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية لشركات أجنبية لفترة طويلة نسبياً وفقاً لنظام أسلوب BOT لأن ذلك يفتح الباب أمام سيطرة رأس المال الأجنبي على الاقتصادات النامية من جديد، ومن ثم يؤثر في سياستها الداخلية والخارجية(3).
وأخيراً يمكن القول بأن أسلوب BOTيمكن الاستفادة منه في الدول المتقدمة والنامية على السواء، فالدول المتقدمة وإن كانت مشاريع البنية التحتية لديها مكتملة إلا أنها قد تحتاج إلى تحديث وتطوير(4)، ولذلك فإنها قد تسند هذه المهمة إلى القطاع الخاص لتلقي عن عاتقها الكثير من الأحمال والأعباء الإدارية والبيروقراطية، وتحصل على خدمات عامة أفضل. والدول النامية تسعى جاهدةً إلى إنجاز وإكمال مشاريع البنية التحتية لديها وتنفيذ خططها التنموية وبرامج إصلاحها الاقتصادية ولذلك وجدت هذه الدول في أسلوب BOT مصدراً لتمويل هذه المشاريع التي كانت تواجه الكثير من المصاعب في تمويلها(5).
ثالثاً:آلية العمل بأسلوب BOT وبيان أهم نماذج عقوده وتكييفه الفقهي:(1/14)
إذا أرادت الحكومة إنشاء مشروع من مشاريع البنية التحتية وترغب في تنفيذه بأسلوب BOT تعلن في البداية عن مناقصة تحتوي على الإطار التشريعي والنظامي الذي سيعمل المشروع في نطاقه(1)، وعلى المعايير التي ترغب في تحقيقها والمتعلقة عادة بالوقت اللازم لتنفيذ المشروع وفترة الامتياز التي ستمنحها للشركة التي ستتعهد بتنفيذه، وتكلفة الخدمة للجمهور(2).(1/15)
وبناء على الإعلان عن هذه المناقصة يجتمع غالباً عدد من المستثمرين والقانونيين والمهندسين وأصحاب المقاولات العالمية والمحلية(1)ليكوّنوا اتحاداً مالياً Consortium يتفقون فيه على نسبة كل منهم في رأس المال " حقوق الملكية أو أسهم المشروع" والتي تشكل عادة من 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع ويحددون المصادر الخارجية " البنوك ومؤسسات التمويل" التي سيحصلون منها على القروض التي تغطي بقية التمويل والتي تترواح نسبتها بين 70% إلى 85% من إجمالي التمويل. ثم يقومون بإعداد دراسة جدوى للتأكد من أن تدفقات إيراداته خلال فترة الامتياز كافية لتغطية تكاليفه وتحقيق أرباح مجزية لهم(2). فإذا اتفقوا على تبني المشروع Sponsors يتقدمون بعرضهم وعطائهم للحكومة، فإذا كان هو العرض والعطاء الأفضل ووافقت الحكومة على إرسائه عليهم يقوم الاتحاد المالي لهذه المجموعة بتأسيس شركة خاصة للمشروع تنتهي بانتهاء فترة امتيازه، وتتولى هذه الشركة تجميع مساهمات الأعضاء وطلب القروض اللازمة لتغطية إجمالي تمويل المشروع، وتصبح هذه الشركة هي المسؤول عن سداد القروض وفوائدها للجهات المقرضة، دون التعرض إلى الأصول المالية الخاصة بأعضاء الاتحاد المالي وبقية المساهمين(3). كما تتولى هذه الشركة إجراءات التعاقد مع الحكومة لتنفيذ المشروع والتوقيع على الاتفاقات اللازمة التي توضح الحقوق والالتزامات لكل منهما. وتقوم الشركة أيضاً بإجراء كل التعاقدات الخارجية الأخرى اللازمة لتنفيذ المشروع كالتعاقد مع شركات المقاولات وموردي الآلات والأجهزة والمواد الأولية وغيرهم.(1/16)
وبعد إقامة المشروع تتولى الشركة عملية التشغيل بنفسها أو قد تتعاقد مع شركة مشغّلة Operator لتتولى عملية التشغيل والصيانة، وتستخدم الإيرادات المتحصلة خلال فترة التشغيل لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو الإيراد الصافي أو الربح المتحقق للشركة(1).
ومن حق الحكومة وكذلك الدائنين التأكد من أن عملية التشغيل والصيانة تتم وفقاً للمعايير المتفق عليها سلفاً، وبعد أن تنتهي فترة الامتياز الممنوحة للمشروع يتم تحويل ملكيته للحكومة. وقد ترى الحكومة أن من المناسب تجديد التعاقد مع الشركة نفسها لتستمر في التشغيل أو قد تعهد بالتشغيل لطرف آخر من القطاع الخاص أو قد تتولى التشغيل بنفسها(2).
وبعد هذا العرض المختصر عن آلية العمل بأسلوب الـ BOT أذكر فيما يلي نماذجاً لأهم عقود هذا الأسلوب:
1- عقد البناء والتشغيل ثم التحويل:
((1/17)
BOT) – BUILD- Operator- Transfer ويعدّ من أشهر هذه النماذج وبه سميّ أسلوب الـBOT، ويشتمل هذا العقد على الطرفين المتعاقدين، الطرف الأول الحكومة أو ممثلوها المختارين لإجراء التعاقد، الطرف الثاني شركة المشروع. وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول ( الحكومة ) امتيازاً للطرف الثاني ( شركة المشروع ) لفترة زمنية محددة(1)لتمويل وبناء واستثمار مشروع من مشاريع البنية التحتية ( (طريق أو جسر، أو محطة توليد كهرباء، أو تنقية مياه وغير ذلك ). وبعد الانتهاء من إقامة وبناء المشروع تتولى الشركة إدارته واستثماره وتشغيله وصيانته وتتقاضى الرسوم المفروضة على الجمهور المستفيدين من خدمات هذا المشروع والتي تم الاتفاق عليها سلفاً مع الحكومة، كما تتولى تجميع الإيرادات المتحصلة خلال فترة الامتياز لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل وسداد القروض وفوائدها، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو ما يكون الربح المناسب للشركة. وبعد انتهاء فترة الامتياز يتم تحويل إدارة واستثمار وتشغيل المشروع للطرف الأول ( الحكومة ) بدون مقابل(2).
2- عقد البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة:
((1/18)
BOOT)- Build- Won- Operator- Transfer، ويشتمل هذا العقد أيضاً كسابقه على الطرفين المتعاقدين الطرف الأول الحكومة أو ممثلوها، الطرف الثاني شركة المشروع. وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول ( الحكومة ) حق التملك خلال فترة الامتياز للطرف الثاني وهي الشركة التي ستقوم بتمويل وبناء المشروع واستثماره وتشغيله وصيانته، وتقاضي الرسوم المفروضة على الجمهور المستفيدين من خدمات هذا المشروع والتي تم الاتفاق عليها سلفاً مع الحكومة. كما تتولى تجميع الإيرادات المتحصلة خلال فترة الامتياز لتغطية تكاليف التشغيل والصيانة ودفع التزامات التمويل وسداد القروض وفوائدها ، والإيراد المتبقي بعد ذلك هو ما يكون الربح المناسب للشركة. وبعد انتهاء فترة الامتياز تتنازل الشركة عن ملكية وتشغيل المشروع للطرف الأول ( الحكومة) بدون مقابل(1).
3- عقد البناء والتملك والتشغيل:
(BOO) Build- Won- Operator وهو كالعقدين السابقين إلا أنه يختلف عنهما بأن الطرف الثاني في هذا العقد ( شركة المشروع )لا تلتزم بعد انتهاء فترة الامتياز بتحويل أو إعادة إدارة أو ملكية المشروع للحكومة، وإنما يقوم أعضاء الاتحاد المالي والمساهمون في ملكية المشروع ( مؤسسو الشركة ) ببيعه لذلك لا ترحب الحكومات بنموذج هذا العقد إلا في بعض الحالات النادرة كأن تنتهي حاجة الحكومة من الاستفادة من المشروع بعد انتهاء فترة الامتياز، أو يكون المشروع قريباً من نهاية عمره الافتراضي(2).
4- عقد البناء والتأجير ثم التحويل:
(BLT) Build- Lease- Transfer وبموجب هذا العقد يمنح الطرف الأول
((1/19)
الحكومة ) امتيازاً للطرف الثاني (شركة المشروع ) لإقامة وبناء مشروع من مشاريع البنية التحتية ويكون في الغالب مبنى حكومة كبناء مدرسة حكومية أو أي بناء خاص بإحدى القطاعات الحكومية، وبعد الانتهاء من إقامته وبناءه يقوم الطرف الأول (الحكومة ) باستئجاره من الطرف الثاني طول فترة الامتياز. ومن الطبيعي أن يغطي مجموع قيمة الإيجار طول فترة الامتياز تكلفة إقامة وبناء المشروع، إضافة إلى مقدار من الربح المناسب للشركة، وبعد انتهاء فترة الامتياز يتم تحويل المشروع للطرف الأول (الحكومة ) بدون مقابل.
التكييف الفقهي:
بعد التعرف على أهم نماذج عقود الـ BOT أذكر التكييف الفقهي لهذا الأسلوب وذلك على النحو التالي:
1- مشروعية مشاركة القطاع الخاص للدولة في إقامة وتمويل مشاريع البنية التحتية:
تقع مسؤولية إقامة وتمويل مشاريع البنية التحتية كما هو معلوم على عاتق الدولة الإسلامية وخاصة إذا كانت هذه المشاريع لسدّ الثغور وذات نفع عام ، ولذلك يتم تمويلها من بيت مال المسلمين وإذا لم تكف موارد بيت المال أو كانت هذه المشاريع ذات نفع خاص لمجموعة دون أخرى فإن القطاع الخاص يشارك الدولة في هذه المسؤولية.
وتتضح هذه الصورة في ما ذكره القاضي أبو يوسف رحمه الله في كتاب الخراج الذي أوصى فيه الخليفة العباسي هارون الرشيد بإتباع بعض النصائح التي قدمها له، والتي منها ما يتعلق بالنفقات العامة على مشاريع البنية التحتية التي يعم نفعها عامة المسلمين والمشاريع التي يخص نفعها طائفة معينة منهم، وأنه ينبغي على هذه الطائفة مشاركة الدولة في تمويلها أو القيام بها بمفردها.(1/20)
قال أبو يوسف: (( وإذا احتاج أهل السواد إلى كرى أنهارهم العظام التي تأخذها من دجلة والفرات كريت لهم وكانت النفقة من بيت المال ومن أهل الخراج ولا يحمل ذلك كله على أهل الخراج. وأما الأنهار التي يجرونها إلى أرضهم ومزارعهم وكرومهم ورطابهم وبساتينهم ومباقلهم وما أشبه ذلك فكريها عليهم خاصة ليس على بيت المال من ذلك شيء، فأما البثوق والمسنيات والبريدات(1)التي تكون في دجلة والفرات وغيرهما من الأنهار العظام فإن النفقة على هذا كله من بيت المال لا يحمل على أهل الخراج من ذلك شيء لأن مصلحة هذا على الإمام خاصة لأنه أمر عام لجميع المسلمين...))(2).
ونستفيد من هذه الوصية تبيين أبو يوسف لمسؤولية الدولة في إقامة وتمويل بعض مشاريع البنية التحتية بمفردها، وكذلك مسؤولية القطاع الخاص في إقامة وتمويل بعض هذه المشاريع بمفرده أو مشاركة القطاعين في إقامة وتمويل بعض هذه المشاريع وقيامهما معاً بهذه المسؤولية. فإذا كان هناك بعض الأنهار التي تجري في أراضي بعض المزارعين ولكن دعت الحاجة إلى إصلاحها كانخفاض المياه مثلاً ولا يستطيع القطاع الخاص المستفيد منها تحمل تكلفة الإصلاح بمفرده نظراً لضخامة وكثرة تكاليفه فإنه يقع على الدولة تحمل جزء من تكلفة هذا المشروع ويتحمل القطاع الخاص المستفيد من المشروع الجزء المتبقي، وأما إذا كان النفع يعود لجميع المسلمين لا لطائفة معينة منهم وتوجد موارد مالية لدى الدولة لتحمل نفقات إقامة وتمويل مثل هذه المشاريع فهي التي تتولى هذه المسؤولية بمفردها(3).(1/21)
يقول أبو يوسف: (( ... فأما البثوق والمسنيات والبريدات... فإن النفقة في هذا كله على بيت المال لا يحمل على أهل الخراج من ذلك شيء لأن مصلحة هذا على الإمام خاصة لأنه أمر عام لجميع المسلمين...))، وأما ما يقوم به بعض أصحاب المزارع من إجراء بعض الأنهار والجداول الصغيرة إلى أرضهم ومزارعهم مما يكون فائدته عائدة عليهم ولا تتعداهم إلى غيرهم فإن تمويل مثل هذه المشاريع يكون على المستفدين منه. يقول أبو يوسف: (( ...وأما الأنهار التي يجرونها إلى أرضهم ومزارعهم وكرومهم ورطابهم وبساتينهم ومباقلهم وما أشبه ذلك فكريها عليهم خاصة ليس على بيت المال من ذلك شيء...))(1).
ب- الحكم الشرعي على الصيغ التعاقدية لأسلوب الـBOT:
بالتأمل في أهم نماذج عقود أسلوب الـBOT عقد البناء والتشغيل ثم التحويل
أو عقد البناء والتملك والتشغيل ثم الإعادة، أو عقد البناء والتملك والتشغيل ثم البيع، أو عقد البناء والتأجير ثم التحويل نجد أن هذه العقود تشتمل صيغتها التعاقدية على طرفين رئيسين. الطرف الأول هو الحكومة صاحبة الطبيعة أو الأرض التي سيقام عليها مشروع من مشاريع البنية التحتية، وهي صاحبة الحق في الامتياز الذي ستمنحه لمن سيقوم بتنفيذ المشروع، والطرف الثاني هو الشركة المنفذة له والي أنشئت من أجله وحصلت على حق الامتياز بسببه.(1/22)
فالتعاقد القائم بين الحكومة من جهة والشركة المنفذة للمشروع من جهة أخرى وبأي صورة من نماذج العقود المتقدمة لا بأس به، وبالتالي فللحكومة أن تمنح هذه الفرصة للشركة صاحبة العطاء الأفضل لإقامة أي مشروع من مشاريع البنية التحتية يتحقق منه نفع عام ومباح للجمهور، ونفع خاص لمن يقوم بتنفيذه لفترة زمنية معينة ومحددة وهي فترة الامتياز ثم تعود ملكية المشروع بعد انتهائها وللدولة أيضاً الحق في أن تشتر أو تستأجر منفعة المشروع من الشركة خلال فترة الامتياز أو أن تتنازل عن المشروع في بعض الحالات لمن قام بتنفيذه، وكل ذلك مرتبط بتحقق المصلحة والنفع العام المباح للجمهور. ولكن بالنظر في كيفية تأسيس شركة المشروع ومصادر تكوين رأس مالها والتمويل الذي ستحصل عليه لتغطية عملية التنفيذ.
نجد كما سبق أن مؤسسي مثل هذه الشركات من المستثمرين والقانونيين والمهندسين وأصحاب المقاولات العالمية والمحلية يكوّنون اتحاداً مالياً Continuum يتفقون فيه على نسبة مساهمة كل منهم في رأس المال" حقوق الملكية أو أسهم المشروع" وهي تشكل عادة من 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع، ويحصلون على بقية إجمالي التمويل التي تتراوح نسبته من 70% إلى 85% عن طريق الاقتراض من البنوك ومؤسسات التمويل.
ولا شك أن هذه المبالغ المقترضة تفرض عليها جهات التمويل المقرضة فوائد ربوية وبالتالي فهي من قبيل ربا النسيئة الذي نزل القرآن الكريم بتحريمه قال تعالى:
{ يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون }
( البقرة 278، 279).(1/23)
وتوجد هناك بعض الصيغ الإسلامية المقترحة والتي يمكن بواسطتها حصول شركات مشاريع البنية التحتية على التمويل بدون اللجوء إلى الاقتراض بفوائد ربوية محرمة وهو ما سيذكره الباحث في المبحث الذي يلي هذا الجزء من الدراسة.
رابعاً: الصيغ الإسلامية المقترحة لتمويل وإقامة مشاريع البنية التحتية:
- التمويل من المصارف الإسلامية بطريق المشاركة:
يمكن لشركة المشروع الحصول على الجزء المتبقي لتغطية إجمالي التكاليف اللازمة لنفقات المشروع من المصارف الإسلامية. وتعتبر هذه المصارف مساهمة في راس مال شركة المشروع بقدر نسبة مساهمتها في التمويل، وتقدر نسبة ربح المصارف الإسلامية على حسب الاتفاق المبرم بينها وبين شركة المشروع، وفي حالة حدوث خسارة فإنها توزع على حسب نسبة رأس المال، ومما يشجع المصارف الإسلامية على المساهمة في مشاريع البنية التحتية أنها مشاريع قائمة على دراسات جدوى دقيقة ويتوقع أن تكون تدفقات الإيرادات منها خلال فترة الامتياز كافية لتغطية تكاليفها مع تحقيق أرباح مجزية خاصة إذا تعاقدت الحكومة مع شركة المشروع على شراء منتجاتها خلال فترة الامتياز بأسعار محددة(1).
ومن هنا فإن العقد الذي تستطيع بواسطته شركة المشروع الحصول على ما تحتاجه من التمويل اللازم من المصارف الإسلامية ينطوي على مساهمتها بجزء من رأس المال وقيامها بأعمال الإدارة، ومساهمة المصارف الإسلامية بالجزء المتبقي من إجمالي رأس المال. وبناء على ما تقدم فإنه يمكن تكييف هذا العقد على أنه يشتمل على شركة ومضاربة وهو عقد جائز. جاء في المغني: (( أن يشترك مالان وبدن صاحب أحدهما فهذا يجمع شركة ومضاربة وهو صحيح فلو كان بين رجلين ثلاثة الآلف درهم لأحدهما ألف وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيها على أن يكون الربح بينهما نصفين صح....))(2).(1/24)
فهنا تمويل من المصارف الإسلامية وعمل من شركة المشروع متمثل في عنصر الإدارة، وتمويل وهو نسبة حقوق الملكية أو أسهم المشروع لمتبنّي المشروع والذي يشكل عادة من 15% إلى30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع، وهذا جائز كما تقدم. ولكن ينبغي أي يجعل لشركة المشروع زيادة في نسبة الربح نظير قيامها بأعمال الإدارة.
2- تأسيس شركة مساهمة للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام:
يمكن لمتبنّي المشروع وأعضاء الاتحاد المالي الحصول على ترخيص من الحكومة لتأسيس شركة مساهمة يكون الغرض من إنشائها تنفيذ المشروع المطلوب القيام به، وتكون مدة الشركة هي نفس فترة الامتياز الممنوحة من الحكومة. ثم يقوم المؤسسون بطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام للجمهور، وينبغي أن يكون الاكتتاب بكامل القيم الاسمية للأسهم حتى تضمن الشركة الحصول على التمويل اللازم لتنفيذ المشروع(1). كما ينبغي أن يشترط عقد الشركة الابتدائي ونظامها الأساسي على المؤسسين والمساهمين قبول التنازل عن حصصهم وأسهمهم للحكومة بعد انتهاء مدة الشركة وفتر امتيازها، ولا بأس في ذلك ما دام أن فترة الامتياز الممنوحة للشركة كافية لتغطية واسترداد رأس مال المؤسسين والمساهمين مع تحقيق أرباح مجزية لهم.
3- التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمات:(1/25)
تستطيع شركة المشروع الحصول على تغطية الجزء المتبقي من إجمالي التمويل اللازم للمشروع عن طريق إصدار وبيع سندات للجمهور يمثل كل سند منها كمية معروفة وموصوفة ومحددة تحديداً دقيقاً من الخدمة التي ستنتجها. فلو كانت الشركة على سبيل المثال ستنتج خدمات الهاتف الجوال أو المحمول تصدر سندات يحتوي كلمنها على مائة وحدة من خدماته، ويمكن أن تعرف وحدة خدمة الهاتف الجوال التي ستنتجها بأنها عبارة عن عشرة مكالمات محلية لمدة معينة أو ما يكافئها من المكالمات الدولية، والسند قد يصدر في عام 2002م ولكنه يبدأ استخدامه والانتفاع به في عام 2004م على أن يكون ثمن الخدمة التي يحتويها السند أقل من ثمنها التي تباع به في الوقت الحاضر بمقدار يشجع الجمهور على شرائه.
وبذلك تحصل شركة المشروع على التمويل من تسويق هذه السندات وتستخدمه في إنشاء المشروع أو قد تستخدمه لأغراض في الأجل القصير مثل تمويل رأس المال العامل(1).
ويرى د. منذر قحف صاحب هذا المقترح أن الأسس الشرعية لسندات الخدمات تستند على مبدأين شرعيين:
ا) مبدأ تدوين أو توثيق الديون الذي ورد في قوله تعالى: { يأيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمى فاكتبوه..... } ] البقرة : 282[.
ب) عقد الإجارة في الفقه الإسلامي والذي يمكن بمقتضاه تأجير أو إباحة نفع لأصل ما أو لخدمة بشرية ما(2).(1/26)
إلا أن الباحث يرى أن المعاملة بسندات الخدمات بالصورة المتقدمة يمكن تكييفها على أنها عقد سلم، لأن ثمن السند ستحصل عليه الشركة التي ستنتج الخدمة أو المنفعة عند تسويقها لها حالاً، والانتفاع بالخدمة التي يحتويها السند مؤجلة إلى وقت محدد في المستقبل. وذكر جمهور الفقهاء أن السلم جائز في المنافع أو الخدمات إذا كانت صالحة للثبوت في الذمة، ويمكن تحديدها وضبطها بالقدر والصفة. فقد ذكر المالكية جواز أن يكون رأس مال السلم من المنافع إذا عجل قبض العين التي تستوفي منها المنفعة ولو تأخر استيفاء تلك المنافع إلى ما بعد قبض المسلم فيه، جاء في الشرح الكبير: (( وجاز السلم بمنفعة شيء معين كسكنى دار وخدمة عبد وركوب دابة معينة ولو تأخر استيفاؤها عن قبض المسلم فيها ))(1).
وذكر الشافعية جواز أن يكون رأس مال السلم منفعة، جاء في مغني المحتاج:
((... ويجوز كونه منفعة – أي رأس مال السلم – كما يجوز جعلها ثمناً أو أجرة أو صداقاً...))(2). وكذلك الحنابلة قالوا بجواز السلم في المنافع، جاء في كشاف القناع:
(( فيجري السلم في المنافع كالأعيان ))(3). والمنافع كما يجوز أن تكون رأس مال في السلم عند الجمهور فإنه يجوز أن تكون مسلماً فيها لأنها تثبت في الذمة كالأعيان، وذكر ذلك في مغني المحتاج بقوله: (( يصح السلم في المنافع كتعليم القرآن لأنها تثبت في الذمة كالأعيان))(4).
ويستفاد مما تقدم أن عقد السلم عام في كل الأموال الصالحة للثبوت في الذمة والانضباط بالصفة والقابلة للتداول على سبيل المعاوضات المالية، وليس محصوراً فيما يمكن تقديره بالكيل أو الوزن ولا مقتصراً على الأموال كان يسلم فيها القدم(5).
خامساً: الخاتمة والتوصيات:(1/27)
إن تمويل مشاريع البنية التحتية في الماضي كان من مسؤولية الدولة فهي التي تمتلك مشاريع المرافق الأساسية وتنفق على إقامتها وتتولى إدارتها وتشغيلها، وكانت تمثل لها عبئاً مالياً كبيراً فتتحمل الديون الداخلية والخارجية لتوفير التمويل اللازم لها ونظراً لأهمية هذه المشاريع بحيث لا يمكن لأي نهضة اقتصادية أو اجتماعية في أي دولة أن تقوم بدونها سعت دول العالم وخاصة النامية منها إلى التخصيص، أي مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وإدارتها وتشغيلها وبالتالي استطاعت أن تخفف من أعبائها المالية والإدارية وتتفرغ للأعباء الأخرى الرئيسة والهامة كالأمن والدفاع ونحوها.
من الأساليب الجديدة لمظاهر التخصيص منح القطاع الخاص امتيازات لتنفيذ مشاريع البنية التحتية كأسلوب البناء والتشغيل والإعادة BOT ويُمكّن هذه الأسلوب القطاع الخاص من إقامة وتطوير وإدارة – مؤقتاً- تملك تلك المشاريع خلال فترة الامتياز الممنوحة له للتحول بعدها ملكيتها إلى الدولة، ولهذا فإن أعباء تمويل هذه المشاريع قد انتقل من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
يحقق الاستثمار بأسلوب BOT أرباحاً مرتفعة للقطاع الخاص، ولكن أعضاء الاتحاد المالي المؤسسين لشركة المشروع التي ستقوم بتنفيذ مشروع البنية التحتية المطلوب إقامته وتشييده لا يساهمون في رأس مال هذه الشركة عادة إلا بنسبة تتراوح بين 15% إلى 30% من إجمالي التمويل اللازم للمشروع ويلجأون إلى البنوك ومؤسسات التمويل للحصول على بقية التمويل الذي تتراوح نسبته بين 70% إلى 85% من رأس مال شركة المشروع، وهو عبارة عن قروض ربوية بفوائد وهي من قبيل ربا النسيئة الذي نزل القرآن بتحريمه.(1/28)
يجوز للدولة أن تمنح القطاع الخاص الفرصة للمشاركة في إقامة وبناء بعض مشاريع البنية التحتية التي يتحقق منها نفع عام ومباح للجمهور على أن تكون الأولويات للمشاريع التي تتحقق منها المصالح الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية.
توجد صيغ تمويل إسلامية بديلة عن الاقتراض من المصارف والمؤسسات المالية بفوائد ربوية محرمة، ويوصي الباحث الدول الإسلامية التي تتعاقد مع شركات القطاع الخاص العالمية والمحلية لإقامة مشاريع للبنية التحتية لديها أن توجه هذه الشركات لاستخدام الصيغ الإسلامية للتمويل ومنها:
ا- الحصول على التمويل من المصارف الإسلامية بطريق المشاركة.
ب- تأسيس شركة مساهمة للمشروع وطرح أسهمها للاكتتاب العام من الجمهور بكامل رأس المال، على أن يشترط في عقد الشركة الابتدائي ونظامها الأساسي على المؤسسين والمساهمين التنازل عن حصصهم وأسهمهم للحكومة بعد انتهاء مدة الشركة وفترة امتيازها.
جـ- التمويل عن طريق إصدار وبيع سندات الخدمة التي ستنتجها الشركة المشروع للجمهور بحيث يمثل كل سند فيها كمية معروفة وموصوفة ومحددة تحديداً دقيقاً للخدمة المنتجة، على أن يكون الانتفاع بهذه السندات في فترة زمنية مستقبلة ومحددة أيضاً وبثمن أقل من الثمن الذي تباع به نفس كميات الخدمة المتاح استخدامها على الفور، وهذه الصيغة من قبيل بيع السلم لأن ثمن سند الخدمة ستحصل عليه شركة المشروع عند تسويقه حالاً والانتفاع بالخدمة التي يحتويها السند مؤجلة إلى وقت محدد في المستقبل، وقد ذكر جمهور الفقهاء جواز السلم في المنافع أو الخدمات إذا كانت صالحة للثبوت في الذمة ويمكن تحديدها وضبطها بالقدر والصفة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(1/29)