الرسالة الثانية
دحض الأدلة الفرية لسنة الجمعة القبلية
بسم الله الرحمن الرحيم
…الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد .
…لقد أورد السقاف في رسالته الأدلة الجلية لسنة الجمعة القبلية أحاديث ضعيفة وواهية وقدمها على الصحيحة ليدعم بها رأيه في إثبات سنة الجمعة القبلية وادعى في نهايتها أن سنة الجمعة القبلية ثابتة في المذاهب الأربعة المتبوعة وها أنذا أفند حججه وأردها واحدة بعد أخرى .
…وقد جريت في هذا الرد على إيراد مقاطع من رسالته بحروفها ثم أعقب عليه بما يستحق من النقد العلمي متجاهلاً السباب والشتائم فأقول :
…ابتدأ الكاتب بالسباب والشتائم واصفاً الألباني رحمه الله ومن تبعه بأنه من أدعياء الحديث المتنطعين وغيرها من الأوصاف الشائنة وإن تجنب الاسم ثم قال ص 33 :(1/1)
…إعلم يرحمك الله أن سنة الجمعة القبلية أعني ركعتين أو أربعاً قبلها من السنن المؤكدات وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن تزول الشمس ـ أي تميل عن وسط السماء ويدخل وقت الظهر ـ يصلي أربع ركعات سنة للجمعة قبلها في بيته وكان بيته في مسجده - صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم ثم يخرج إلى المسجد فيصعد على المنبر فيؤذن المؤذن فيقوم للخطبة فالآذان كان بعد دخول الوقت وبعد أن يصلي الركعات الأربع وإنما كانوا يعرفون زوالها سليقة . وبقي الأمر هكذا في زمن سيدنا أبي بكر وكذا في زمن سيدنا عمر رضي الله عنهما ثم سن سيدنا عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني والأذان الثاني هو الأول توقيتاً بمعنى أن الأذان الثاني الذي سنه سيدنا عثمان قبل الذي يكون بعد صعود الإمام على المنبر فجعل هذا الأذان الثاني ( وهو الأول زمناً ) إعلاماً على دخول الوقت أي وقت الظهر وزوال الشمس عن كبد السماء وأما الأذان الأول الذي كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فبقي على محله وهو بعد صعود الإمام على المنبر فيكون الثاني زمناً والأول تشريعاً.
أقول :
1 - ما دليلك على سنيتها ؟.
2 - ما دليلك على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها في بيته ؟.
3 - متى كان الأذان بعد دخول الوقت ( والأذان كما هو معلوم إعلام بدخول الوقت ) ؟.
4 - صلاة السنة المؤكدة هل تكون قبل الأذان أم بعده ؟.
5 - استشهدت في الحاشية بأحاديث " إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس " و " كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء " و " كنا نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى " والمعروف أنه بين الأذان وصلاة الجمعة هناك فاصل ألا وهو الخطبة فطبيعي أن تتأخر صلاة الجمعة عن الوقت وأما أن يتأخر الأذان عن الوقت فهذا مالا يقبل به أحد.(1/2)
6 - هلاّ تكرم شيخنا السقاف وبين للمتنطعين بزعمه لِمَ ابتدع سيدنا عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني ( مع أنه لم يقل أحد بأن عثمان رضي الله عنه إبتدع وإنما يقولون سنَُّ لأن البدعة لاتليق بالصحابة وخاصة الخلفاء الراشدين منهم ) هل سنه استحساناً ؟ أم رأياً ارتآه ؟ أم لضرورة ؟.
…السبب موجود في نفس الخبر الذي نقله السقاف سرداً في ص 34 من غير عزوٍ لمصدره فهو في صحيح البخاري كتاب الجمعة " باب الجلوس على المنبر عند التأذين " و " باب التأذين عند الخطبة ".
…فقال في الأول : حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن السائب بن يزيد أخبره أن التأذين يوم الجمعة أمر به عثمان حين كثر أهل المسجد وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام.
…وقال في الثاني : حدثنا محمد بن مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري قال سمعت السائب بن يزيد يقول : إن الأذان يوم الجمعة كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم فلما كان في خلافة عثمان رضي الله عنهما وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ( الأذانان الأصليان هما الأذان بين يدي الخطيب والإقامة عند الصلاة ) فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك .
…إذن فعله عثمان رضي الله عنه لضرورة ألا وهي إسماع الناس لما كثروا في المسجد ولم يفعله عن هوى ولو تأمن إسماع الناس بوسيلة أخرى لما لجأ لسن أذان آخر.
…والآن وبعد اختراع مكبرات الصوت زالت الحاجة لهذا الأذان لذا فإبقاء هذا الأذان أو الدعوة لإبقائه هو من التنطع فعند فقدان الماء يشرع التيمم وبوجوده ثانية يعود الأمر لسابق عهده ألا وهو الوضوء أو الغسل حسب الحال وهنا سن عثمان رضي الله عنه الأذان الثاني لحاجة إسماع الناس وعندما تأمن إسماعهم عن طريق مكبرات الصوت زالت الحاجة لهذا الأذان الثاني فالرجوع للأصل هو الأصل.(1/3)
…فهل فِعْلٌ فعله عثمان رضي الله عنه لضرورة يصبح تشريعاً دائماً وثابتاً ولو زالت هذه الضرورة ؟ اللهم لا.
…ولو قلت بذلك للزمك القول بعدم جواز الجماعة في قيام رمضان والتي منعها أو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشية أن تفرض علينا فلا نستطيعها ولو زالت هذه الخشية بوفاته - صلى الله عليه وسلم - . ومن المعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلى مرتبة من عثمان وغيره . فقد روى البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب " فضل من قام رمضان " ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين باب " الترغيب في صلاة التراويح " ومالك في موطئه كتاب الصلاة في رمضان باب " الترغيب في الصلاة في رمضان " والنسائي في سننه كتاب قيام الليل وتطوع النهار باب " قيام شهر رمضان " واللفظ للبخاري : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجل بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر فصلوا معه فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف عليَّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك " . ولفظ مسلم : " أما بعد فإنه لم يخف عليّ شأنكم الليلة ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها " . ولفظ مالك والنسائي : " قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وذلك في رمضان " . إلا أن النسائي قال : " فلم يمنعني وقال أن يفرض عليكم ".(1/4)
…وبعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - زالت خشية افتراضها على الأمة لانقطاع الوحي واكتمال الرسالة فأعاد عمر رضي الله عنه الأمر إلى ما كان عليه وأعاد الجماعة إلى صلاة التراويح ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك ولم يقل له أحد : إنك فعلت شيئاً نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل عرفوا أن ما منعت الجماعة لأجله قد زال فعادت مشروعيتها ولم يبق الأمر على ما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يهوش عليه أحد كما هوشت علينا.
…هذا بالنسبة لفعل فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نقض لزوال سببه فكيف بفعل فعله عثمان رضي الله عنه بعد زوال سببه بمخترعات حديثة أدت ما هدف إليه من فعله واحتاج الناس إليه.
أم أنك ما زلت مصراً على رأيك بسنية الأذان الثاني وبذلك يلزمك القول كما أسلفت أنت بعدم مشروعية قيام رمضان جماعة مع العلم أن نقض سنة سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد من سنة سنها خليفة من بعده لضرورة.
وبذلك يرتد عليك ما أوردته علينا بقولك أسأت وأخطأت من أوجه :
الأول : نسبت الى عمر رضي الله عنه مخالفة السنة ورميته بالابتداع وليس لك ذلك.
الثاني : نسبت إلى الصحابة الذين أقروا عمر رضي الله عنه على هذا الفعل الإقرار على الباطل ولم تعتبر إجماعهم .... .
الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصى وصية فقال : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ـ وليس المهدين كما أورده السقاف ـ عضوا عليها بالنواجذ " رواه الترمذي في كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ في السنة واجتناب البدع وأبو داود في كتاب السنة باب لزوم السنة وابن ماجة في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين وأحمد 4/126 ، 127 وابن حبان والحاكم والدارمي بألفاظ متقاربة فيكون ما فعله عمر رضي الله عنه إحياء لسنة أوصى بالتمسك بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الصحيح الصريح هذا.(1/5)
فيتضح ساعتئذ أن من سعى في إلغاء الأذان الثاني لصلاة الجمعة ساعٍ في إحياء سنة خولفت لضرورة بعد أن زالت هذه الضرورة كما أعاد عمر رضي الله عنه سنة الجماعة في قيام رمضان بعد أن زال سبب منعها وهو خشية الافتراض علينا فلا نطيقها وبذلك تمسك بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - التي أمر بها وحض عليها بقوله " عليكم بسنة الخلفاء الراشدين " وبذلك ينطبق على المنكر على هذا الساعي الحديث الصحيح " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله عز وجل وأما عاد فأهلكوا وفي الأدب باب ماجاء في قول الرجل ويلك وفي اسستتابة المرتدين باب قتل الخوارج والملحدين ومسلم في الزكاة باب إعطاء المؤلفة قلوبهم وباب التحريض على قتل الخوارج والترمذي في الفتن باب صفة المارقة وابن ماجة في السنة وأبو داوود في البيعة بألفاظ متقاربة فنسأل الله تعالى الهداية لهذا السقاف المُنْكِر.
…قال السقاف ص 36 : أدلة سنة الجمعة القبلية ( سأرد على كل دليل أولاً بأول ).
1 - روى الإمام الحافظ أبو الحسن الخلعي في فوائده بإسناد جيد من طريق أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً " . قال الحافظ ولي الدين العراقي في طرح التثريب إسناده جيد وكذلك نص عليه ونقله عن العراقي الإمام المحدث المناوي في فيض القدير 5/216 ففي هذا الحديث تصريح بسنة الجمعة القبلية.
قلت : قول العراقي إسناده جيد غير جيد ففيه :
أ - أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله بن عبيد مدلس وقد عنعنه وهو ثقة لكنه اختلط في آخره فقد نقل الحافظ ( ابن حجر ) من ثقات ابن حبان أن أبا إسحاق السبيعي كان مدلساً وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري وذكر الحافظ ما يدل على تدليسه . ذكر ذلك في ترجمته في تهذيب التهذيب 8/66.(1/6)
ب - عاصم بن ضمرة ضعفه ابن عدي والجوزجاني فقال وعن علي بأحاديث باطلة لايتابعه الثقات عليها والبلاء منه وقال ابن حبان كان رديء الحفظ فاحش الخطأ على أنه أحسن حالاً من الحارث تهذيب التهذيب 5/46 وقال الحافظ في التقريب صدوق.
جـ - لم نر بقية السند لنر مافيه أيضاً .
…فالحديث ضعيف ولا يصلح كدليل خاصة وأن الأثرم قال عنه إنه حديثٌ واهٍ وأعله الحافظ بمحمد بن عبد الرحمن السهمي وقال هو ضعيف كما في الفتح 2/493.
2 - وروى ابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء سليك الغطفاني ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصليت قبل أن تجيء ؟ قال لا ، قال فصل ركعتين وتجوز فيهما . وقال : قال المجد بن تيمية في الأحكام رجال إسناده ثقات وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح نقل ذلك الحافظ ولي الدين العراقي في طرح التثريب 3/42.
أقول : قول العراقي إسناده صحيح غير صحيح ففيه :
أ - الأعمش مدلس وقد عنعنه تهذيب التهذيب 4/224.
ب - حفص بن غياث تغير حفظه في آخره وكان يدلس ونقل الحافظ في تهذيب التهذيب : وقال صالح بن محمد لما ولي القضاء جفا كتبه وأشار إلى أن حديث " من أقال مسلماً " تفرد به عن الأعمش وليس هذا الحديث في كتبه وأنكروا عليه عدة أحاديث وقد لقيه داود بن رشيد الراوي عنه في آخره إذ أنه سكن في آخره ببغداد وكذا حفص بن غياث وقد مات حفص سنة 196 وداود سنة 239 تهذيب التهذيب 2/418 ، 3/184 .
جـ - لفظة " قبل أن تجيء " منكرة مخالفة لجميع روايات قصة سليك وقد صنفها الإمام ابن ماجة تحت باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب ولم يروه تحت باب سنة الجمعة القبلية.
…وكذلك رواه مسلم 6/164 في كتاب الجمعة باب التحية والإمام يخطب كمايلي :(1/7)
…" جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس فقال له ياسليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما "
…وترجم له النووي بالتحية والإمام يخطب وقال النووي في تعليقه على هذا الحديث والذي قبله في صحيح مسلم هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما ... ا هـ.
…وقد قال ابن حجر في الفتح 2/475 من طبعة دار البيان للتراث مايلي :
…وأجاب المانعون بأجوبة غير ما تقدم ( في منع تحية المسجد أثناء الخطبة ) :
…اجتمع لنا منها زيادة على عشرة أوردتها ملخصة مع الجواب عنها لتستفاد : وعدها حتى وصل الى الثامن فقال :
…( الثامن ) ... ومن هذه المادة قولهم : إنما أمره ( لسليك ) بسنة الجمعة التي قبلها ومستندهم قوله في قصة سليك عند ابن ماجة " أصليت قبل أن تجيء " فلا يصلي إذا دخل المسجد وتعقب بأن المانع من صلاة التحية لايجيز التنفل حال الخطبة مطلقاً . ويحتمل أن يكون معنى قبل أن تجيء أي إلى الموضع الذي أنت به الآن وفائدة الاستفهام احتمال أن يكون صلاها في مؤخر المسجد ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة كما تقدم في قصة الذي تخطى ويؤكده أن في رواية لمسلم " أصليت الركعتين " بالألف واللام وهو للعهد ولا عهد هناك أقرب من تحية المسجد وأما سنة الجمعة التي قبلها فلم يثبت فيها شيء كما سيأتي في بابه.
أقول : هذا الجمع بين الروايات لو كانت رواية ابن ماجة صحيحة وإلا فكما رأيت هي منكرة.
… وقال ابن حجر في الفتح / 2 / 473 قوله ( أي البخاري : باب ) " إذا رأى الإمام رجلاً جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين " أي إذا كان لم يصلهما قبل أن يراه ".(1/8)
…وقال زين الدين العراقي في طرح التثريب 3/42 قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي وإسناده صحيح قالوا فقوله قبل أن يجيء يدل على أن الصلاة المأمور بها ليست تحية المسجد لأن فعلها في البيت لايقوم مقام فعلها في المسجد فتعين أنها سنة الجمعة وفيه نظر فلم يتعين ذلك فلا يجوز إثبات سنة الجمعة لمجرد هذا إذ يحتمل أن معناه قبل أن تقترب مني لسماع الخطبة وليس المراد قبل أن يجيء إلى المسجد لأن صلاته قبل مجيء المسجد غير مشروعة فكيف يسأله عنها إذ المأمور به بعد دخول وقت الجمعة السعي إلى مكان الجمعة وقبله لايصح فعلها بتقدير ثبوتها.
…وعهدي بك يا سقاف شافعياً كما تذكر على غلاف رسالتك والحديث الذي رواه مسلم في قصة سليك عمم بأن من أتى المسجد والإمام يخطب فليصل ركعتين ولم يقل إذا لم يصل في بيته فليصل في المسجد . وياليتك تتبع الحديث وتخالف مذهب إمامك حين يكون الحديث مع غير إمامك أما وأن الحديث مع إمامك وجميع علماء المذهب وجميع رواة الحديث فهموا أن الحديث هو لتحية المسجد وليس لسنة الجمعة القبلية فمن هو المولع بالشاذ ؟
3 - وعن نافع قال : " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " رواه أبو داوود وابن حبان في صحيحه.
قلت : رواه أبو داوود برقم 1128 وابن حبان في الموارد برقم570 بلفظ " ويصلي بعدها ركعتين " وواضح لم حذف السقاف كلمة بعدها وعلق الهيثمي على هذا الحديث بقوله : قلت الصلاة بعد الجمعة في البيت صحيح وترجم له أبو داوود الصلاة بعد الجمعة ولم يفتح باباً للصلاة قبل الجمعة ولم يترجم لهذا الحديث بالصلاة قبل الجمعة سوى الهيثمي رحمه الله وأنا أجيب على ذلك :
…قول الراوي كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة هناك حالتان لا ثالث لهما :(1/9)
1 - أن يصليهما بعد دخول الوقت وبذلك تفوته الخطبة وصلاة الجمعة ولا يعقل أن يفعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه هو الخطيب والإمام ويستحيل عليه فعل ذلك فضلاً عن الإطالة بهما وكذلك ابن عمر ثم فقد رغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التبكير للصلاة يوم الجمعة بقوله - صلى الله عليه وسلم - " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر " رواه البخاري في الجمعة باب فضل الجمعة ومسلم في الجمعة والترمذي في الصلاة باب التبكير إلى الجمعة وباقي أهل السنن بألفاظ متقاربة.
وقوله كان ابن عمر يطيل الصلاة دليل على الاستمرارية لا مرة ولا مرتين وإنما بشكل دائم كل يوم جمعة يطيل الصلاة في بيته ويستبعد من مثل هذا الصحابي الجليل الفقيه أن يطيل ركعتين بعد دخول وقت الجمعة في بيته ويفوت أجر التبكير إلى الجمعة وبشكل دائم والتبكير ليس بعد دخول الوقت وإنما قبل ساعات كما يفيد الحديث والوقت قبل الجمعة بساعات هو وقت نفل مطلق يوم الجمعة ولم يحدد في هذا الحديث عدد الركعات التي كان يصليها فظهر أنها صلاة نفل مطلق لا سنة راتبة للجمعة.
2 - أن يصليهما قبل خروجه إلى المسجد مبكراً أي قبل دخول الوقت بساعات فهذا صريح بأنها صلاة نفل مطلق وخاصة أن الهيثمي علق عليه في الموارد بقوله الصلاة بعد الجمعة في البيت صحيح ملمحاً إلى عدم ثبوت صحة الصلاة قبل الجمعة بالمعنى الذي قد يتبادر إلى الذهن . أما أبو داوود ففهم أنها صلاة تطوع مطلق لذا عقد لهذا الحديث باباً في الصلاة بعد الجمعة ولم يعقد له باباً في الصلاة قبل الجمعة.(1/10)
…وروى الشافعي في الأم 1/175 عن أبي هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة " وصلاة ابن عمر هي من هذا القبيل وليست سنة الجمعة القبلية بل صلاة تطوع مطلق وقد روى البخاري عن سلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى " رواه في كتاب الجمعة باب الدهن للجمعة وصلاة ابن عمر هي من هذا القبيل هي صلاة نفل مطلق وليست سنة الجمعة القبلية لأنها كما هو واضح قبل دخول وقت الجمعة.
…وتابع السقاف قوله : وقد استدل واحتج بهذا الحديث ( حديث ابن عمر ) الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتاب الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها كما نقل ذلك عنه ابن حجر في الفتح 2/426.
… أقول في عبارة السقاف هذه تدليسان :
1 - التدليس الأول : أن ابن حجر نقل كلام النووي مستشهداً به ومؤيداً له.
2 - التدليس الثاني : لم ينقل رد ابن حجر لكلام النووي عقبه كما تدعو له أمانة العلم . فقد قال ابن حجر في الفتح 2/493 من طبعة دار البيان للتراث المقابلة للصفحة 2/426 من نسخة السقاف : باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها.
…عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين.(1/11)
…قوله ( باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها ) ... قال ابن المنير في الحاشية كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر قال وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر وكذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى . ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحاً دون القبل وقال ابن بطال إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى وقال ابن التين لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث فلعل البخاري أراد إثباتها قياساً على الظهر انتهى ... والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب وهو ما رواه أبو داوود وابن حبان من طريق أيوب عن نافع قال " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك " احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها وتعقب بأن قوله " وكان يفعل ذلك " عائد على قوله ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته " ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك " أخرجه مسلم وأما قوله " كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعاً لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه " ثم صلى ما كتب له " وورد(1/12)
في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعاً وفي إسناده ضعف وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً " وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره وقال الأثرم إنه حديث واه ومنها عن ابن عباس مثله وزاد " لا يفصل في شيء منهن " أخرجه ابن ماجة بسند واه قال النووي في الخلاصة إنه حديث باطل وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضاً مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفاً وهو الصواب وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - موقوفاً نحو حديث أبي هريرة وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال أن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - هي سنة الجمعة والجواب عنه وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في باب " من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر " في أواخر المواقيت وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ماصححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب " بين كل أذانين صلاة " ا هـ بحروفه وقد استشهد بهما السقاف في رابعاً وخامساً.
4 - وفي الصحيحين ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بين كل أذانين صلاة ".(1/13)
…قلت : الحديث صحيح لكن المقصود بالأذانين هو الأذان والإقامة فبين كل أذان وإقامة صلاة ولا يدخل تحته أذانا الجمعة لأن الأذان الأول بالوقت محدث لحاجة وليس هو أذاناً أصلياً كما نابت خطبة الجمعة عن الصلاة بين الأذان والإقامة وهناك أيضاً أذانان كانا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل أحد أن بينهما صلاة ألا وهما أذانا الفجر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يسمعوا أو يؤذن ابن أم مكتوم " . فكيف بالأذان الذي أحدث لحاجة الإسماع . الحديث أخرجه البخاري في الصوم باب لايمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ومسلم في الصيام باب صفة الفجر ، والترمذي في الصلاة باب الأذان في الليل ، والنسائي في الأذان والأذان في الصلاة باب وقت أذان الفجر ، وابن الجاوود وأحمد بألفاظ متقاربة واللفظ لمسلم والترمذي.
5 - وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " فهذا فيه دلالة قوية على أن صلاة الجمعة لها ركعتان راتبتان قبلها كباقي الصلوات المفروضات.
…أقول : صحيح أنه ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان وقد قلنا في الدليل الرابع أن خطبة الجمعة قامت مقام الركعتين ومن المعلوم أن الأذان بين يدي الخطيب هو الأذان حين دخول الوقت وهو الذي كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يشرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالخطبة وحين تنتهي الخطبة تقام الصلاة ويشرع المصلون بصلاة الجمعة . إذن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان الأذان حين دخول الوقت يكون بين يدي الخطيب وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد أن يصعد المنبر ثم يشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطبة وحين ينزل من المنبر تقام الصلاة ويشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع المصلين في صلاة الجمعة فأين وقت السنة المزعومة ؟.(1/14)
6 - ولذلك عقد البخاري باباً في الصحيح في كتاب الجمعة سماه ( باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها ) أورد فيه حديث ابن عمر " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين " يشير كما قال الحافظ ابن المنير إلى أن الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه لأن الجمعة بدل الظهر فقاس البخاري الجمعة على الظهر.
…قلت : تتمة الحديث " وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين " والباب هو " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " وليس كما ذكره السقاف وقد مر في الرد على الدليل الثالث للسقاف سبب تقديم البعد على القبل لكن السقاف ظن أن البخاري أخطأ فأصلح له الخطأ دون أن ينوه عن ذلك فيلاحظ من الحديث أن السنن المعددة هي لأوقات الظهر والمغرب والعشاء والجمعة البعدية فالجمعة مذكورة في الحديث ومعطاةٌ حكمها فما الحاجة لقياسها على الظهر ؟ ولو أنها لم تذكر في الحديث وقست لكان هناك مبرر فكيف نقيسها على الظهر ؟ ومتى تصلى إذا كان الأذان يؤذن حين دخول الوقت ـ كما هو باقي الأوقات ـ بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ثم يشرع مباشرة بالخطبة وعندما ينزل من المنبر تقام الصلاة ويشرع في صلاة الجمعة فأين وقت الركعتين قبل الجمعة ؟ ثم مر معنا في الرد على الدليل الثالث أن ابن حجر قال في الفتح 2/493 أن البخاري عقد الباب باسم " باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها " وليس كما يقول السقاف " باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها " . قال ابن المنير وكانت عنايته لحكم الصلاة بعدها أكثر وكذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى . ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحاً دون القبل وقال ابن بطال إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر قال(1/15)
والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على الركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت انتهى بحروفه.
…وقال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 طبعة دار المعارف أثناء تعداده الفوائد المستفادة من حديث ابن عمر في صلاة التطوع :
…السابعة : قد يستدل به على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئاً إذ لو وقع ذلك منه لضبط كما ضبطت صلاته بعدها وكما ضبطت صلاته قبل الظهر ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور ما يدل على الصلاة قبلها ويحتمل أنه أشار إلى فعل الصلاة قبلها بالقياس على سنة الظهر التي قبلها المذكورة في حديث ابن عمر الذي أورده وهذان الاحتمالان يجيئان أيضاً في قول الترمذي في جامعه باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها واقتصر ( في الأصل واختصر ) والدي رحمه الله في شرح الترمذي على احتمال ثالث وهو أنه إنما ذكر الصلاة قبل الجمعة في تبويبه لما حكاه في أثناء الباب المذكور عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً وقد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها وبالغوا في إنكاره وجعلوه بدعة وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه وهو على المنبر فلم يكن يصليها وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة وممن أنكر ذلك من متأخري أصحابنا وجعله من البدع والحوادث الإمام شهاب الدين أبو شامة ولم أر في كلام الفقهاء ( في الأصل ولم أر كلام ) من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها منهم النووي . ا هـ(1/16)
7 - ولقد ترجم أيضاً الحفاظ من السلف في مصنفاتهم في الحديث كما ترجم البخاري أن هناك صلاة قبل الجمعة وبعدها وعدد منهم عبد الرزاق وابن أبي شيبة والترمذي وقال هؤلاء من أئمة السلف.
…أقول : سبق وبينا أن أبا زرعة العراقي قال ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور ما يدل على الصلاة قبلها وقال أيضاً وهذان الاحتمالان يجيئان أيضاً في قول الترمذي في جامعه باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها وما قيل في الترمذي يقال أيضاًَ في عبد الرزاق وابن أبي شيبة وما دعاه إلى ذلك الاحتمال هو عدم وجود وقت لدى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة الكرام وقت لصلاتها ومن ترجم من الحفاظ بقوله باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها قد أتوا بأدلة على الصلاة بعد الجمعة ولكنهم لم يأتوا بأي دليل ينهض لإثبات الصلاة قبلها خاصة وأننا بينا عدة مرات أنه لا يوجد وقت للصلاة قبل الجمعة فما قيل قبل الجمعة هو قبل وقت الجمعة عموماً.
…وهاهو مسلم والنسائي وأبو داوود لم يذكروا باباً للصلاة قبل الجمعة مع روايتهم لهذا الأثر وإنما أوردوه للاستدلال على سنة صلاة الجمعة البعدية. وكذلك الدارمي والدارقطني والطيالسي بترتيب البنا ومالك والطحاوي والحاكم.
8 - وقد وردت آثار عن الصحابة في ذلك منها :
1 - مارواه الإمام الحافظ عبدالرزاق في مصنفه ( كان عبد الله بن مسعود يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً ).
قلت : رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : " كان عبد الله يأمرنا أن نصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً حتى جاءنا علي فأمرنا أن نصلي بعدها ركعتين ثم أربعاً " 3/247 في الجمعة باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها.(1/17)
…ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن عطاء بن السائب بهذا الإسناد وزاد فأخذنا بقول علي وتركنا قول عبد الله نقله حبيب الرحمن الأعظمي بحاشية عبد الرزاق على هذا الحديث.
…وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب لم يسمع من ابن مسعود لكنه سمع علياً تهذيب التهذيب 5/184 فأمْرُ ابن مسعود لهم بالصلاة قبل الجمعة لم يثبت للانقطاع وعلى كل فإن علياً أمر أهل البصرة بالصلاة بعد الجمعة فأخذوا به وتركوا قول ابن مسعود ( الذي لم تصح نسبته إليه ).
2 - وصح عند الحافظ عبد الرزاق أيضاً أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " كان يصلي قبلها ـ أي الجمعة ـ أربع ركعات ( في الأصل عند السقاف إلى بدل أي وهو خطأ ) وبعدها أربع ركعات " وكذا رواه ابن أبي شيبة من وجه آخر.
قلت : رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن ابن مسعود كان يصلي قبل الجمعة أربع ركعات وبعدها أربع ركعات . قال أبو إسحاق وكان علي يصلي بعد الجمعة ست ركعات وبه يأخذ عبد الرزاق 3/247.
ورواه ابن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حبيب قال كان عبد الله يصلي أربعاً فلما قدم عليٌّ صلى ستاً ركعتين وأربعاً ( وكلاهما بعد الجمعة كما في الأثر الأول ) نقله حبيب الرحمن الأعظمي بحاشية عبد الرزاق على هذا الحديث.
وفي السند الأول قتادة لم يسمع عبد الله بن مسعود ولا علياً تهذيب التهذيب 8/355 نقل ابن حجر عن الحاكم : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس.
أما السند الثاني فإن عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي لم يسمع ابن مسعود ولكنه سمع علياً وينضم محتوى هذا الأثر من قول علي إلى محتوى الأثر الأول من قول علي من الصلاة بعد الجمعة وأما عن ابن مسعود فلم يصح شيء لعلة الانقطاع.
ثم الوارد من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة بعد الجمعة ركعتان أو أربع وأما الوارد من أمر علي أو فعله فست ركعات.(1/18)
وأضاف عبد الرزاق معلقاً على الأثر قال أبو إسحاق وكان علي يصلي بعد الجمعة ست ركعات بقوله : وبه يأخذ عبد الرزاق أي ويترك ماورد عن ابن مسعود لعدم صحته عنده.
3 - وأخرج ابن سعد عن صفية بنت حيي رضي الله عنها " أنها صلت قبل الجمعة أربعاً " حكاه الحافظ ابن حجر في الدراية ص 143.
قلت : أشار ابن حجر في الدراية إلى أن الأثر هو في ترجمة صفية ففتشت ترجمة صفية بنت حيي من طبقات ابن سعد فلم أره فلعلها تكون في نسخته وسقطت من النسخ التي بين أيدينا إن لم يكن ابن حجر قد وهم في عزوه وعلى كل لو صح سنده لكانت صلاتها هذه كصلاة ابن عمر أي هي نفل مطلق قبل دخول وقت الجمعة لعدم وجود وقت للصلاة قبل الجمعة بعد أذان الجمعة كما وضحنا سابقاً.
9 - ذكر أئمة أهل العلم ثبوت هذه السنة واعتمدوها كالإمام النووي في كتبه والحافظ المجد بن تيمية في المنتقى وقال قوله - صلى الله عليه وسلم - لسليك أصليت قبل أن تجيء دليل على أنها سنة الجمعة التي قبلها لا تحية المسجد . ومن قال إن حديث سليك مصحف فهو صاحب دعوى لا دليل له عليها لذلك لم يعرج عليها الحفاظ كالزيلعي.(1/19)
…أقول : إن لفظة قبل أن تجيء في رواية ابن ماجة التي تفرد بها عن جميع من روى حديث سليك الغطفاني كالشيخين وأصحاب السنن بما فيهم ابن ماجة هي منكرة وجميع من روى حديث سليك هذا بما فيهم ابن ماجة قد ترجم للحديث بتحية المسجد والإمام يخطب أو ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب بل أتبعها مسلم وغيره بتتمة الحديث بقولهم ثم قال إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ولم يقل ولم يصل في بيته فهل نعدل عن هذه الزيادة الصحيحة التي رواها الثقات الأثبات إلى الزيادة التي رواها ابن ماجة بسند ضعيف جداً وتلك الرواية واضحة الدلالة على أنها تحية المسجد أما هذه الزيادة الضعيفة جداً فظاهرها الصلاة في البيت إذا انفردت وبذلك تصبح منكرة لمخالفتها الروايات الصحيحة وقد سبق وقلنا إن فيها ( رواية ابن ماجة ) ثلاث علل :
1 - سليمان بن مهران الأعمش مدلس وقد عنعنه.
2 - حفص بن غياث تغير حفظه في آخره وقد لقيه داود بن رشيد في آخره.
3 - خالفت الروايات الصحيحة فأصبحت منكرة.
…إذن الدليل على تصحيفها بل على نكارتها موجود بثلاث علل في سندها ومتنها.
…أما النووي فإليك ما علقه على حديث سليك في شرحه لمسلم بعد رواية مسلم للحديث بأسانيد عديدة وروايات عديدة ليس في أحدها طبعاً " قبل أن تجيء : " هذه الأحاديث كلها صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي ( الذي هو مذهبك كما تنتسب إليه على غلاف رسالتك ) وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب استحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة وحكي هذا المذهب أيضاً عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين.
…هذا هو الرأي الذي اعتمده الإمام النووي مستدلاً بهذه الأحاديث للدلالة على مذهب إمامه ألا وهو الشافعي وغيره كما عدَّدهم.(1/20)
…أما المجد بن تيمية فقد انخدع بكلام العراقي على الحديث بقوله رجال إسناده ثقات فظنه تصحيحاً للحديث ويفهم منه لو صح أن المراد به سنة الجمعة وكذلك الزيلعي ذهل عن علله ( وجل من لا يسهو ) عندها انصاع المجد للحديث اتباعاً لا عناداً.
…أما العبارة رجال إسناده ثقات فلا تعني صحة الحديث باصطلاح القوم فرجال إسناده كلهم ثقات لكن هناك تدليس الأعمش وقد عنعنه وتغير حفظ حفص بن غياث وتحديثه من حفظه أثناء توليه القضاء فأخطأ في هذا الحديث كما أخطأ في أحاديث كثيرة غيره ثم مخالفتها لجميع روايات حديث قصة سليك الغطفاني ولو علم المجد رحمه الله عدم صحتها لما قال بها . فمن غيره وغير النووي من آلاف العلماء قال بذلك ؟ اللهم لا.
…فأصحاب الصحاح والسنن ممن روى الحديث ترجموا له بباب تحية المسجد أو ما يفعل إذا جاء والإمام يخطب وهذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - قد وضح الحكم بعد أمره لسليك أن يصلي الركعتين بقوله " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما " شرح صحيح مسلم 6/164 ولم يقل إذا لم يصل في بيته وعلق عليه الإمام النووي في شرحه لمسلم بقوله " وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه " ... وأن تحية المسجد لا تفوت بالجلوس في حق جاهل بحكمها ... والمستنبط من هذه الأحاديث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهي عن الصلاة أو أنها ذات سبب تباح في كل وقت " . ا هـ.
…ثم تأتي إلى لفظة منكرة ياصاحبي وهي " قبل أن تجيء " وتدفع بها الحكم الواضح الذي أتت به جميع الروايات الصحيحة لحديث سليك وهي تحية المسجد وهذا النووي يقول : وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه فزن نفسك وقولك هذا في ميزان النووي هذا واعرف مقدار نفسك !(1/21)
…ثم قوله في آخر رسالته : فتبين واتضح وضوحاً جلياً أن سنة الجمعة القبلية ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة وعن السلف وقد قال بها العلماء.
… أقول : قد تبين واتضح وضوحاً جلياً أن سنة الجمعة القبلية غير ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ولا عن السلف وليس لها أصل في السنة البتة.
…نعم قال بها المجد ظناً بقول العراقي في إحدى روايات ابن ماجة التي فيها " قبل أن تجيء " رجال إسناده ثقات تصحيحاً للحديث وقد بينا أنه ليس تصحيحاً للحديث . فالمجد من ورعه رحمه الله اتبع الحديث وقال به وهو مأجور على اجتهاده أما من تبين له الحق ويصر على اتباع الباطل فهو موزور والعياذ بالله.
وأما باقي العلماء فقالوا بتحية المسجد اعتماداً على حديث سليك ولم يستنبطوا منه سنة الجمعة القبلية كما تزعم وعلى رأسهم الإمام النووي.
…ثم قوله بعد ذلك : فمن نهى عنها في هذا الزمان أو نهى عن أذانين يوم الجمعة فقد خالف السنة وشذ بعيداً وإن ادعى بأنه متمسك بالسنة.
…أقول : إن من نهى عنها في هذا الزمان وغيره فقد وافق السنة لعدم نهوض دليل واحد على صحتها ومن دعا إليها هو الذي خالف السنة وابتدع وشذ بعيداً بعد أن علمت أنه لا يوجد وقت بعد دخول وقت الجمعة لصلاتها لانشغال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بالخطبة مباشرة بعد الأذان بين يديه ثم صلاة الجمعة فور نزوله من المنبر . وكذلك النهي عن أذانين يوم الجمعة لزوال سبب سن الأذان الأول من قبل عثمان رضي الله عنه فهل بعد هذا البيان الذي بيناه لك أجاب الله دعاءك الذي دعوته في نهاية الرسالة ألا وهو : نسأل الله السلامة وحسن الأدب والإعانة والعون على الطاعة واقتفاء سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأقوال والأفعال والأحوال وصحابته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ؟
وهل طبقت ما استشهدت به من قول صاحب الجوهرة :(1/22)
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
وكل هدي للنبي قد رجح فما أبيح افعل ودع ما لم يبح
وتابع الصالح ممن سلفا وجانب البدعة ممن خلفا ؟؟
أرجو ذلك.
…- ثم استدرك بعد إنهاء رسالته بقوله :
( تنبيه ) : سنة الجمعة القبلية ثابتة في المذاهب الأربعة المتبوعة ونصت كتبهم على سنيتها وهي مذهب الإمام البخاري أيضاً وغيره فتأمل.
قلت : تأملت فوجدت مايلي :
1 - مذهب مالك : لم يتعرض الإمام مالك لذكرها في الموطأ مطلقاً ولو كانت عنده سنة لذكرها وقد مر معنا قول أبي زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 ولم أر في كلام الفقهاء ( ولم أر كلام ) من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها.
2 - مذهب الشافعي : لم يتعرض الإمام الشافعي في الأم لها بل :
…أ - ذكر الإمام الشافعي في الأم باب الصلاة نصف النهار يوم الجمعة واستدل بأحاديث على استثناء تحريم الصلاة في الأوقات المنهي عنها في وقت انتصاف النهار حتى تزول الشمس يوم الجمعة.
…كما ذكر فعل الناس من صلاتهم ما شاؤوا إلى أن يصعد عمر إلى المنبر ويؤذن المؤذن بين يديه ( علماً أنه كان في عهده هذا مازال هو الأذان الوحيد ) فيمسكون عن الصلاة.(1/23)
…ثم عقد فصلاً لمن دخل المسجد يوم الجمعة والإمام على المنبر ولم يركع واستشهد له بحديث سليك وقد رأينا سابقاً كلام النووي بأن هذا الحديث يدل على تحية المسجد وأشار إلى أنه مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأنهى الشافعي هذا الفصل بقوله في الأم : وإن لم يصل الداخل في حال تمكنه فيه كرهت ذلك له ولا إعادة ولا قضاء عليه ولو كانت عنده سنة الجمعة القبلية لقال بقضائها لأن الشافعي يرى قضاء النوافل الراتبة فروى في الأم 1/131 حديث أم سلمة بسنده إليها فقالت ( دخل عليََ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يارسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال : " إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر وأنه قدم علي وفد بني تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان " ).
…وقال في نهاية هذا الباب وهذا مثل نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لأن من شأن الناس التهجير ( أي التبكير قبل وقتها بساعات ) للجمعة والصلاة إلى خروج الإمام ( وعندها يؤذن المؤذن بين يديه بدخول الوقت فيبدأ بالخطبة ).
…ب - قول ابن حجر في الفتح 2/475 أما سنة الجمعة فلم يثبت فيها شيء.
…جـ - قال زين الدين العراقي عن والده في طرح التثريب 3/42 فلا يجوز إثبات سنة الجمعة لمجرد هذا ( دلالة لفظ قبل أن تجيء على الصلاة في البيت وعدم كونها تحية المسجد ) إذ المأمور به بعد دخول وقت الجمعة السعي إلى مكان الجمعة وقبله لايصلح فعلها بتقدير ثبوتها . ا هـ.(1/24)
…د - قول أبي زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 في الفوائد المستفادة من حديث ابن عمر في النوافل : قد يستدل به على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي قبل الجمعة شيئاً إذ لو وقع ذلك منه لضبطت كما ضبطت صلاته بعدها وكما ضبطت صلاته قبل الظهر ولعل البخاري أشار إلى ذلك بقوله في صحيحه باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها أي باب حكم ذلك وهو الفعل بعدها لوروده والترك قبلها لعدم وروده فيكون بدعة فإنه لم يذكر في الباب المذكور مايدل على الصلاة قبلها.
…هـ - وتابع أبو زرعة في هذا الباب : وقد أنكر جماعة كون الجمعة لها سنة قبلها وبالغوا في إنكاره وجعلوه بدعة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه وهو على المنبر فلم يكن يصليها وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة وممن أنكر ذلك من متأخري أصحابنا وجعله من البدع والحوادث الإمام شهاب الدين أبو شامة ولم أر كلام الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها ومنهم النووي.
3 - مذهب أحمد : قال صاحب الدليل ص 109 بعد أن عدَّدَ التطوع بالكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر قال وأفضل الرواتب سنة الفجر ثم المغرب ثم سواء والرواتب المؤكدة عشر : ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر واستشهد لها شارحه صاحب منار السبيل بحديث ابن عمر في الصحيحين ثم عدَّدَ صلاة الضحى وتحية المسجد وسنة الوضوء وسجود الشكر ولم يتعرض لسنة الجمعة القبلية كما لم يتعرض لها في باب صلاة الجمعة.
…وفي الروض المربع الذي تقول عنه ص 10 في رسالتك تحذير العبد الأواه بأنه مختصر معتمد عند الحنابلة 1/303 من الكتاب الذي عليه حاشية الروض المربع للعنقزي مايلي :(1/25)
…( ومن دخل ) المسجد ( والإمام يخطب لم يجلس ) ولو كان وقت نهي ( حتى يصلي ركعتين يوجز فيهما ) بقوله عليه الصلاة والسلام " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين " متفق عليه زاد مسلم " وليوجز فيهما " فإن جلس قام فأتى بهما مالم يطل الفصل فتسن تحية المسجد لمن دخل غير وقت نهي وقيام الخطيب ا هـ . ما ضمن القوسين المتن لصاحب زاد المستنقع وما خارج القوسين هو لشارحه صاحب الروض المربع.
…وقال 1/298 ( وأقل السنة ) الراتبة ( بعد الجمعة ركعتان ) لأنه عليه الصلاة والسلام " كان يصلي بعد الجمعة ركعتين " متفق عليه من حديث ابن عمر ( وأكثرها ست ) ركعات لقول ابن عمر " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله " رواه أبو داوود.
…ولم يتعرض بذكر للسنة القبلية وباعترافك إن هذا الكتاب المختصر هو المعتمد عند الحنابلة وعلماء المذهب أعلم بمذهب إمامهم حسب زعمك كما ورد في تحذيرك ص 9.
4 - المذهب الحنفي : ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار باب التطوع بعد الجمعة كيف هو وأورد الأحاديث التي تدل على سنة الجمعة البعدية 1/336 وأما في باب التطوع بالليل والنهار كيف هو 1/334 :
…فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً لا يفصل بينهن بسلام ثم بعد الجمعة ركعتين ثم أربعاً.
…وروي عن ابن مسعود " أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم.
…فأقول : الأول صحيح الإسناد.
…أما الثاني ففيه :
… 1 - ابراهيم بن يزيد النخعي لم يلق ابن مسعود ( وقال ابن المديني لم يلق النخعي أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تهذيب التهذيب 1/178 ).
…2 - محل بن محرز الأعور اٍلضبي ٍلا بأس به تقريب التهذيب 2/232
…3 - أبو معاوية الضرير أحفظ الناس لحديث الأعمش وهو مضطرب في غيره ( وهذا الحديث ليس عن الأعمش ) وهو مدلس وقد عنعنه تهذيب التهذيب 9/ 139.(1/26)
…والأول رأينا أن ابن عمر كان يصلي قبل الجمعة أي قبل دخول وقت الجمعة وإلا فلا يتم ذلك له بعد أذان الجمعة :
…1 - لصلاته لها في بيته كما مر في الدليل الثالث.
…2 - لتبكيره إلى المسجد لصلاة الجمعة كما هي السنة.
…3 - لانشغاله بسماع الخطبة بعد أذان الجمعة.
…والطحاوي وهو الذي دعم المذهب الحنفي بالأدلة وأفرد باباً لسنة الجمعة البعدية فلم يفرد لسنة الجمعة القبلية باباً ولم يشر إليها لأنه فهم من هذا الأثر مافهمناه.
5 - وقد قال أبو زرعة العراقي في طرح التثريب 3/41 مجملاً آراء المذاهب الأربعة والبخاري بعد أن وجه ترجمة البخاري باب " الصلاة بعد الجمعة وقبلها " إلى ثبوت الصلاة بعد الجمعة وعدم ثبوتها قبلها ( كما وجهه ابن حجر في الفتح نقلاً عن ابن المنير ) لتقديمه البعد على القبل على خلاف العادة وعدم إمكانية صلاتها لأن الأذان للجمعة كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه ثم ينشغل بالخطبة فصلاة الجمعة وذكر من عد هذه الصلاة من البدع من الشافعية قال : ولم أر في كلام الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة استحباب سنة للجمعة قبلها وذهب آخرون إلى أن لها سنة قبلها منهم النووي ثم ذكر الأدلة المدعمة لقوله ودحضها . وقد رأينا كيف أن النووي وجه حديث سليك لتحية المسجد.
6 - وهاهو مسلم والنسائي وأبو داوود والدارمي والدارقطني ومالك والطحاوي والحاكم لم يجعلوا باباً لها . وبذلك تعلم أن سنة الجمعة القبلية لم يقل بها أحد من الأئمة الثلاثة كما لم يقل بها شيخ المذهب الحنفي وصاحب الفضل عليه ألا وهو الطحاوي كما لم يقل بها كل من اتبع مذهبه من أهل المذاهب الأربعة الذين احتجوا بالدليل فكما ترى بأن آخر سهم رماه بعد انتهاء رسالته وظن أنه يثبت به رسالته قد ارتد إلى نحره وقوض دعائم رسالته من أولها إلى آخرها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه محمد عادل ملاح ونقحه على فترات حتى تاريخ صف حروفه(1/27)