خلافة أمير المؤمنين
عبد الله بن الزبير
رضى الله عنه
تأليف
إلى العلماء العاملين.
والدعاة المخلصين.
وطلاب العلم المجتهدين.
وأبناء الأمة الغيورين.
أهدى هذا الكتاب سائلاً المولى عَزَّ وَجَل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يكون خالصًا لوجهه الكريم.
+فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" [الكهف: 110].
تنويه
هذا الكتاب جزء من كتاب
"الدولة الأموية عوامل الأزدهار وتداعيات الانهيار"
رأينا نشره منفصلا لأهميته ولتعم الفائدة
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران:102].
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء:1].
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" [الأحزاب:71،70].
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, ولك الحمد حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت, ولك الحمد بعد الرضا, أما بعد:(1/1)
فهذا الكتاب جزء من كتابي "الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار" يتحدث عن أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير, وقد تحدثت فيه عن اسمه ونسبه وكنيته ونشأته ووصفه وأهم صفاته, وعن مولده ومبايعته للرسول ×, وعن والده الزبير بن العوام رضي الله عنه وعن والدته أسماء بنت الصديق رضي الله عنها, وذكرت بعض مواقفها المشهودة وآثارها المحمودة في تاريخنا الإسلامي المجيد, كما ذكرت أولاد ابن الزبير وزوجاته, وبعض صفاته وفقهه وعلمه وعبادته وتقواه, وجرأته وشجاعته, وفصاحته وخطابته, وجوده, وفندت ما ذكر عن بخله وبينت الفرق بين البخل والحفاظ عل مال المسلمين.
وتكلمت عن ابن الزبير في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية
رضي الله عنهم, وعن دوره في معركة اليرموك, وفي كتابة المصاحف في عهد عثمان وجهاده في شمال إفريقية, ودفاعة عن عثمان يوم الدار, وعن موقفه يوم الجمل, وعن مشاركته في جيش يزيد بن معاوية الذي سار نحو القسطنطينية.
ثم تعرضت لحركة عبد الله بن الزبير في عهد معاوية بن يزيد فبينت كيف تمت البيعة ليزيد, وكيف استطاع بسياسته أن يكسب قلوب أهل الشام, وعن رفض عبد الله بن الزبير البيعة ليزيد, واستقراره بمكة, وأسباب اختياره لمكة وأسباب خروج ابن الزبير ومن معه, وعن الجهود السلمية التي بذلها يزيد لاحتواء ابن الزبير, كما أشرت إلى الجهود الحربية ضد ابن الزبير والتي تمثلت في حملة عمرو بن الزبير ثم حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق الكعبة.
وتحدثت عن وفاة يزيد بن معاوية, وخلافة معاوية بن يزيد وتنازله عن الحكم وتركه الأمر للشورى, وتحدثت عن بيعة عبد الله بن الزبير بالخلافة وخروج مروان ابن الحكم عليه والقضاء على أنصار ابن الزبير في الشام, وأهمية مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط, وضم مصر إلى الدولة الأموية ومحاولة إعادة العراق والحجاز.(1/2)
ثم تكلمت عن تولية العهد لعبد الملك بن مروان, ووفاة مروان بن الحكم, وعن صراع عبد الملك مع ابن الزبير والحركات التي قامت في عهده مثل حركة التوابين وحركة المختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما.
وأخيرًا تحدثت عن نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بعد حصاره ومقتله, وعن أسباب سقوط خلافته وما قيل فيه من رثاء.
والفضل لله من قبل ومن بعد, وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه خالصًا ولعباده نافعًا, وأن يثيبني على كل حرف كتبته, ويجعله في ميزان حسناتي, وأن يثيب إخواني الذين أسهموا في إتمام هذا الجهد المتواضع, ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب ألا ينسى العبد الفقير إلى عفو ربه ومغفرته ورحمته ورضوانه من دعائه +رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الفقير إلى عفو ربه
محمد محمد علي الصلابي
اسمه ونسبه
وكنيته ونشأته
ووصفه وأهم صفاته
الفصل الأول
اسمه ونسبه وكنيته ونشأته
ووصفه وأهم صفاته
أولاً: اسمه ونسبه وكنيته:
هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي ابن كلاب بن مرة، أمير المؤمنين، أبو بكر، وأبو خبيب، القرشي الأسدي المكي، ثم المدني، أحد الأعلام، ولد حواري رسول الله وابن عمته (1).
ثانيًا: مولده ومبايعته لرسول الله ×:(1/3)
عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها أنها حملت بعبد الله بن الزبير في مكة، قالت: فخرجت وأنا مُتمّ فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت به رسول الله ×، فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة، فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله × ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له، فبرّك عليه، وكان أول مولود ولد في الإسلام، ففرحوا به فرحًا شديدًا، لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم، فلا يولد لكم (2). وسماه عبد الله،
ثم جاء بعد، وهو ابن سبع، أو ابن ثمان سنين، يبايع النبي ×، أمره
الزبير ( بذلك، فتبسم النبي × حين رآه مقبلاً، وبايعه. وكان أول من ولد في الإسلام في المدينة بعد مقدم رسول الله ×، وكانت اليهود تقول: قد أخذناهم، فلا يولد لهم بالمدينة ولد ذكر، فكبّر أصحاب رسول الله × حين ولد
عبد الله(3)، وقد طاف به الصديق ( بالمدينة بعد ولادته ليشتهر أمر ميلاده على خلاف ما زعمت اليهود (4)، وهذا أسلوب إعلامي عملي للقضاء على شائعات اليهود التي روجوا لها بالمدينة، وكان ابن الزبير ملازمًا للدخول
على رسول الله × لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة (5)
زوج الرسول ×.
ثالثًا: الزبير بن العوام والد عبد الله رضي الله عنهما:(1/4)
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي ابن كلاب القرشي الأسدي(6) ، ويجتمع مع النبي × في قصي، وهو حواري رسول الله × وابن عمته، وأمه صفية بنت عبد المطلب، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أصحاب الشورى(7)، أسلم وهو حدث وله ست عشرة سنة (8)، ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله × (9)، وقد تعرض بعد إسلامه للتعذيب، فقد روى أن عم الزبير، كان يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبدًا (10)، وقال في حقه رسول الله × "لكل نبي حواري، وحواري الزبير" (11). أي خاصتى من أصحابي وناصري، ومنه الحواريون أصحاب عيسى عليه السلام أي خلصاؤه وأنصاره، فالحواري هو الناصر المخلص، فالحديث أشتمل على هذه المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير (، ولذلك سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يقول: أنا ابن الحواري، فقال: إن كنت من ولد الزبير، وإلا فلا (12)، وكان الزبير بن العوام في عهد رسول الله × رجل المهمات الصعبة، وكان في عهد الراشدين من أعمدة الدولة وشارك في فتوحاتها الكبيرة (13)، وقد عرض عليه عمر بن الخطاب ولاية مصر في عهده فقال الزبير: لا حاجة لي فيها، ولكني أخرج مجاهدًا وللمسلمين معاونًا، فإن وجدت عمرو بن العاص فتحها (مصر) لم أعرض لعمله، وقصدت إلى بعض السواحل فرابطتُ به، وإن وجدته في جهاد كنت معه(14)، وقد تحدثت عن سيرته في كتابي عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب، فمن أراد المزيد فليرجع إليه مشكورًا(15).
رابعًا: أسماء بنت الصديق والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا:
هي أسماء بنت عبد الله بن أبى قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة(16)، وكانت من أوائل المسلمات حيث أسلمت وأختها عائشة وهي يومئذ صغيرة(17). ولها مواقف مشهودة، وآثار محمودة في تاريخنا الإسلامي المجيد.
ومن هذه المواقف:(1/5)
1- في الهجرة النبوية: قالت السيدة عائشة في حديث طويل منه: فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبى بكر، عند الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعًا(18) في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبى وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر..إلى أن قالت:.. فجهزناهما أحث الجهاز (من الحثّ وهو الإسراع) ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت بذات النطاقين(19). فقد أسهمت السيدة أسماء رضي الله عنها في تموين الرسول × وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله، فقد حدثتنا عن ذلك فقالت: لما خرج رسول الله ×، وأبو بكر ( أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبى بكر؟ قالت: قلت: لا أدرى والله أين أبى قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشًا - فلطم خديّ لطمة، طرح منها قرطي، قالت: ثم انصرفوا(20)، فهذا درس من أسماء والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، تعلّمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل، كيف تخفى أسرار المسلمين عن الأعداء، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم، وأما درسها الثاني البليغ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله ونفسه. قالت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت: فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت كان أبى يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يديك على هذا المال، قالت: ووضع يده عليه فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك(21).(1/6)
وبهذه الفطنة، والحكمة، سترت أسماء أباها، وسكنت قلب جدها الضرير، من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقًا هذه الأحجار التي كومتها، لتطمئن لها نفس الشيخ! إلا أنه قد ترك لهم معها إيمانًا بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال، وورثهم يقينًا، وثقة بلا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور ولا تلتفت إلى سفاسفها (22)، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عز أن يتكرر، وقلَّ أن يوجد نظيره، لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلاً هن في أمس الحاجة إلى الاقتداء به والنسج على منواله (23).
2- صلة أسماء لأمها المشركة: عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد رسول الله ×، فاستفتيت رسول
الله ×، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: "نعم، صلي أمك"(24)، قال ابن حجر: وفي قولها: وهي راغبة أقوال، والذي عليه الجمهور من هذه الأقوال أنها قدمت طالبة من بر ابنتها لها، خائفة من ردها إياها خائبة. وفي هذا الحديث من الفوائد ما ذكره الخطابي: إن الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه كما توصل المسلمة(25). وقد قال تعالى: +لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة: 8، 9]. وهاتان الآيتان رخصة في الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين، وجواز برهم، وإن كانت الموالاة منقطعة (26).(1/7)
3- شجاعتها وجهادها في اليرموك مع زوجها: وأما شجاعتها وجراءتها وجهادها في سبيل الله، فأمر يفوق الخيال؛ فمن ذلك خروجها مع الجيش يوم اليرموك، فلقد شهدت اليرموك مع زوجها الزبير وابنها عبد الله (27). ومن شجاعتها استعدادُها التام لمواجهة اللصوص الذين كثروا في يوم من الأيام بالمدينة، عن فاطمة بنت المنذر أن أسماء بنت أبى بكر اتخذت خنجرًا للصوص زمن سعيد بن العاص - أي في زمن إمارته المدينة - وكانوا قد كثروا في المدينة، فكانت تجعله تحت رأسها (28).
4- علاقتها بالقرآن الكريم: كانت رضي الله عنها قد تربت على كتاب الله وهدى النبي ×، وإليك هذه الصورة المشرقة من حياتها مع القرآن الكريم؛ فذات يوم دخل عليها ابنها وهي تُصلى فسمعها تقرأ هذه الآية: +فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ" [الطور: 27]. فبكت واستعاذت...فقام وهي تستعيذ. فلما طال عليه أتى السوق وقضى منه حاجته.. ثم رجع فوجدها ما تزال في بكائها تستعيذ (29). وكانت إذا أصيبت بالصداع تضع يدها على رأسها وهي تقول: بذنبي وما يغفر الله أكثر(30) وهذا فهم عميق لقول الله تعالى: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" [الشورى: 30]. وقد أفرد الدكتور محمد ابن لطفي الصّباغ رسالة قيمة في حياة السيدة أسماء رضي الله عنها، وسيأتي الحديث عن بعض الدروس والعبر في حصار الحجاج لابنها عبد الله بمكة، بإذن الله.
خامسًا: أولاد ابن الزبير وزوجاته:
كان له من الولد خُبيب وحمزة وعباد وثابت وأمهم تماضر بنت منظور الفزاري، وهاشم وقيس وعروة - قتل مع أبيه - والزبير، وأمهم أم هاشم بنت حلة بن منظور، وعامر وموسى وأم حكيم وفاطمة وفاخته، وأمهم جثيمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وبكر ورقية وأمها عائشة بنت عثمان بن عفان، وعبد الله ومصعب من أم ولد (31).
سادسًا: وصف ابن الزبير وأهم صفاته:(1/8)
كان آدم(32) نحيفًا ليس بالطويل، وكان بين عينيه أثر السجود، كثير العبادة، مجتهدًا شهمًا فصيحًا، صوّامًا قوّامًا، شديد البأس، ذا أنفة، له نفس شريفة وهمّة عالية، وكان خفيف اللحية ليس في وجهه من الشعر إلا قليل، وكانت له جُمة، وكانت له لحية صفراء(33)، وكان عالمًا عابدًا مهيبًا وقورًا، كثير الصيام والصّلاة شديد الخشوع قوىَّ السياسة(34)، وكان لأبيه الزبير وأمه أسماء وخالته عائشة وجده أبى بكر، وجدته صفية عمة رسول الله × أكبر الأثر على شخصيته من جميع النواحى، وهذا ما نلمسه من صفات ابن الزبير التي أهمها:(1/9)
1- فقهه وعلمه: كان عبد الله بن الزبير ( أحد العبادلة الأربعة الذين تفقهوا في أمور الدين في المدينة المنورة وهم: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، ولابن الزبير في الصحيحين أحاديث اتفقا له على حديث واحد وانفرد البخاري بستة أحاديث، ومسلم بحديثين(35)، حدث عن رسول الله وهو صغير، وكذلك حدث عن أبيه الزبير وعن جده أبى بكر، وعمر وعثمان وخالته أم المؤمنين عائشة وغيرهم رضي الله عنهم، وروى عنه مشاهير التابعين منهم: أخوه عروة، وطاووس بن كيسان وعمرو بن دينار، وابن أبى مليكة، وثابت البناني، وغيرهم كثير(36)، وقد كان ( فقيهًا، وقد قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي(37) (38)، وعرف ابن الزبير بأنه واسع المعرفة بالقرآن والسنة، وكان ( من العلماء المجتهدين، عالمًا عابدًا ولا غرو في ذلك إذ كان كثير الدخول على خالته عائشة، أم المؤمنين، رضي الله عنها، وهي العالمة الفقيهة، وكانت تحدثه وهو من أحب الناس إليها بعد رسول الله ×، وبعد أبيها أبى بكر الصديق، ( وعنها، وكانت مدة خلافة عبد الله بن الزبير تسع سنوات، وقد حج خلالها ثمان مرات، وفي السنة الأخيرة كان محاصرًا فلم يستطع الحج. خطب ابن الزبير مرة الحُجّاج فقال: يا معشر الحجاج، سلوني؛ فعلينا كان التنزيل، ونحن حضرنا التأويل، فقال رجل من أهل العراق: انحلّ جرابي فدخلت فيه فأرة فقتلتها، وأنا محرم، فقال: اقتلوا الفويسقة، فقال: أخبرنا بالشفع والوتر والليالي العشر، فقال: العشر: الثماني وعرفة والنحر، والشفع من تعجلّ في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه، والوتر: هو هذا اليوم (يعنى عرفة)، ولم يكن أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير في عهده(39). وقال عنه ابن عباس (: كان قارئًا لكتاب(1/10)
الله متبعًا لسنة رسول الله ×، قانتًا لله صائمًا في الهواجر من مخافة الله، ابن حواري رسول الله، وأمه بنت الصديق، وخالته عائشة حبيب الله زوجة رسول الله ×، فلا يجهل حقه إلا من أعمى الله بصيرته(40). وكتب في فقهه رسالة علمية للطالب محمد عبد الرضا هادى بالعراق.
2- عبادته وتقواه: تواترت الروايات التي تصور لنا حرص ابن الزبير على العبادة من صلاة وصيام وغيرها، حتى إنها أصبحت من معالم شخصيته (41)، قال عنه مجاهد: لم يكن أحد يطيق ما يطيقه ابن الزبير من العبادة (42)( وقال: جاء سيل مرة فطبق أبنيه الكعبة، فجعل ابن الزبير يطوف سباحة (43)، وكان ابن الزبير ( كثير العبادة، إذا قام إلى الصلاة انقطع عن الدنيا ونسى مشاغلها وما فيها من حلو ومر وخرج من كل شيء إليها، فقد روى أن ابن الزبير كان يومًا يصلي فسقطت حية من السقف فطوقت بطن ابنه هاشم فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل واجتمعوا على قتل تلك الحية، فقتلوها وسلم الولد، فعلوا هذا كله وابن الزبير في الصلاة لم يلتفت ولا درى بما جرى حتى سلّم(44). وقال عنه ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنَّه خشبة منصوبة لا تتحرك (45)، وقال يزيد بن إبراهيم عن عمرو بن دينار، قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب ثوبه، فما يلتفت، يعنى: لما حاصروه(46)، وعن ابن أبى مليكة: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير، قلت: لو رأيته ما رأيت مناجيًا ولا مصليًا مثله (47)، وعن ابن أبى مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو أليَثُنا (48). وعلق الذهبي على ذلك فقال: لعله ما بلغه النهي عن الوصال ونبيك × بالمؤمنين رءوف رحيم، وكل من واصل، وبالغ في تجويع نفسه، انحرف مزاجه وضاق خلقه، فاتباع السنة أولى، ولقد كان ابن الزبير مع مُلكه صِنفًا في العبادة (49).(1/11)
3- جرأته وشجاعته: كان عبد الله بن الزبير فارس قريش في زمانه، وكان يشتد بالسيف وقد ناهز السبعين كأنه فتى في ربيع العمر، قال عنه عثمان بن طلحة: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: لا شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة (50)، وعن هشام بن عروة قال: كان أول ما أفصح به عمى عبد الله بن الزبير وهو صغير: السيف، فكان لا يضعه من فيه، فكان أبوه إذا سمع ذلك منه يقول: أما والله ليكونن لك منه يوم ويوم وأيام (51)، وكان مشهودًا له بالشجاعة منذ كان صغيرًا، وسنعرض لشجاعته في اليرموك وفي حصار القسطنطينية وفي فتح إفريقية، وفي دفاعه عن عثمان يوم الدار، وفي قتاله في الجمل، وسيأتي الحديث عن شجاعته أكثر بإذن الله في حصار الحجاج له بمكة. وكان يقول: والله إني لا أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري لو أجلب علىَّ أهل الأرض (52)، وكان يُضرب بشجاعته المثل (53)، وكان ابن الزبير متأثرًا بشجاعة أبيه وإقدامه وشجاعة جده الصديق، وأمه وأخواله وعلى رأسهم عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق.(1/12)
4- فصاحته وخطابته: كان ابن الزبير ( لا ينازع، وكان من خطباء قريش المعدودين، وكان إذا خطب يشبه بجده أبى بكر الصديق ( في حركاته وإشاراته ونبرات صوته، وكان صيتًا إذا خطب، ويروى أن المسلمين عندما انتصروا على البربر فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وغنموا أموالاً وغنائم كثيرة جدًا، بعث ابن أبى سرح بالبشارة مع ابن الزبير إلى عثمان فقص على عثمان الخبر وكيف جرى، فقال له عثمان: إن استطعت أن تؤدي هذا للناس فوق المنبر، قال: نعم، فصعد ابن الزبير فوق المنبر فخطب وذكر لهم كيفية ما جرى، قال عبد الله: فالتفت فإذا أبى الزبير في جملة من حضر، فلما تبينت وجهه كاد يرتج علىّ في الكلام من هيبته في قلبي، فرمزنى بعينه وأشار إلىَّ ليحضني، فمضيت في الخطبة كما كنت، فلما نزلت قال: والله لكأني أسمع خطبة أبى بكر الصديق حين سمعت خطبتك يا بنى (54)، وعن محمد بن عبد الله الثقفي قال: شهدت ابن الزبير بالموسم خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم، فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط، ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودًا إلى الله عز وجل، فحق على الله أن يكرم وفده، فمن كان منكم يطلب ما عند الله فإن طالب ما عند الله لا يخيب، فاصدقوا قولكم بفعل، فإن ملاك القول الفعل، والنية النية، القلوب القلوب، الله الله في أيامكم هذه، فإنها أيام تغفر فيها الذنوب، جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ترجون هاهنا، ثم لبى ولبى الناس، فما رأيت باكيًا أكثر من يومئذ(55)، وقال سعيد بن المسيب: خطباء قريش في الإسلام: معاوية وابنه، وسعيد وابنه، وعبد الله بن الزبير(56)، ومن خطبه المشهورة، خطبته في أهل مكة بعد مقتل الحسين (، وخطبته في الخوارج حين ناظرهم، وخطبته بعد مقتل أخيه مصعب في العراق(57)، ومن مواعظه المشهورة ما كتبه لوهب بن كيسان حيث قال: كتب إلىّ عبد الله بن الزبير بموعظة: أما بعد فإن لأهل التقوى علامات(1/13)
يُعرفون بها، ويعرفونها من أنفسهم، صدق الحديث، وأداء الأمانة، وكظم الغيظ، وصبر على البلاء، ورضى بالقضاء، وشكر للنعماء، وذلّ لحكم القرآن، وإنما الأيام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها، إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهله، وإن نفق الباطل حمل إليه وجاءه أهله (58). ولا شك أن صفة الخطابة والقدرة على الإقناع من أهم الأمور التي يجب أن يتحلى بها أي زعيم، وقد أفاد ابن الزبير من ذلك كثيرًا وكانت فصاحته وقدرته الخطابية عاملاً من عوامل نشر أفكاره والقيم التي آمن بها في حياته.
5- عبد الله بن الزبير ( وجوده: كان عبد الله بن الزبير كريمًا يعطى حقوق الرعية كاملة، ويزيد إلى من يستحق، ولا يدفع إلا بطرق مشروعة، ولكن اتهمه بعضهم بالبخل إذ لم يكن مبذرًا يعطى عن يمين وعن شمال من لا يستحق، ولم يكن مسرفًا فلا يدفع إلا قدر الحاجة، ولا يُقدّم للمدّاحين والمتزلّفين، وهم عادة أصحاب ألسنة حادة ومنها تخرج الشائعات الهادفة، غير أن ابن الزبير لم يكن يُبالي بما يُقال، ما دام أنه على الجادة(59)، وقد انساق كثير من الباحثين وراء روايات الخصوم واتهموا ابن الزبير بالبخل، وهذا الوصف فيه تجنٍّ على حقيقة ابن الزبير، وللأسف أن أصحاب الدراسات الحديثة لم يلتفتوا إلى الروايات الأخرى التي تنفى صفة البخل عن ابن الزبير(60)، والذي يظهر أن صفة البخل التي وصف بها ابن الزبير كانت بسبب سياسته المالية المتشددة، ذلك أن ابن الزبير كان يتأسى بالخلفاء الراشدين وينظر إلى ما بيده من مال أنه ليس ملكًا له وإنما هو للمسلمين، ومن ثمّ لا ينفقه إلا في وجوهه الشرعية(61) فالذين عاشوا في ذلك العصر ورأوا سياسة ابن الزبير المتشددة وقارنوها بسياسة الأمويين في الإنفاق لكسب الأنصار والمؤيدين والشعراء، اتهم بعضهم ابن الزبير بالبخل، وهذه الآثار تدل على كرم وجود ابن الزبير ( وحرصه على أموال المسلمين:(1/14)
أ- شهادة السيدة عائشة في كرم ابن الزبير: قالت عائشة بنت طلحة: خرجت مع أم المؤمنين عائشة - وهي خالة عائشة بنت طلحة - فبينما نحن كذلك إذا براجز يقول:
أنشد من كان يعيد الهمّ
يدلني اليوم على ابن أمّ
له أب في باذخ أَشَمّ
وأمه كالبدر ليل تمّ
مقابل الخال كريم العمّ
جرّعه أكؤسه بسمّ
قالت: فلما سمعت أم المؤمنين أبياته دعت به، فقالت له من وراء حجابها: يا عبد الله، سمعت رسول الله × يقول: "الدّال على الخير كفاعله". فحاجتك رجل بين يديك، فاسأل عبد الله بن الزبير، فإنه شرطك، فخرج الرجل حتى أدرك عبد الله بن الزبير فحمله على راحلة وصنع إليه معروفًا (62).
ب- شهادة معاوية بن أبى سفيان في ابن الزبير رضي الله عنهم: سمع معاوية ( رجلاً وهو يقول:
ابن رقاش ماجد سَمَيْدع
يأتي فيعطى عن يدِ أو يمنع
فقال: ذاك عبد الله بن الزبير (63).
ج- نابغة بنى جعدة وابن الزبير: عن عبد الله بن عروة قال: أقحمت السنة نابغة بنى جعدة فدخل على عبد الله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده:
حكيت لنا الصدَّيق لما وليتنا
وعثمان والفارق فارتاح مُعْدِمُ
وسوَّيت بين الناس في الحق فاستووا
فعاد صباحًا حَالك اللون مظلم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدُّجى
…
دُجى الليل جواّب الفلاة عَثمثمُ
لتجبر منه جانبًا دعدعتْ به
صُروف الليالي والزمان المُصَمّم
فقال ابن الزبير: هوّن عليك أبا ليلى، فإن الشعر أهون وسائلك عندنا، أمّا صفوة مالنا فلآل الزبير، وأمّا عفوته فإن بنى أسد تشغلها عنك، وتيمًا، ولكن لك في مال الله حقان: حق برؤيتك رسول الله ×، وحق لشركتك أهل الإسلام في فيئهم، ثم أخذ بيده فدخل به دار النَّعَم، فأعطاه قلائص سبعًا وجملاً رحيلاً، وأوقر له الركاب برًا وتمرًا وثيابًا، فجعل النابغة يستعجل ويأكل الحب صِرْفًا، فقال ابن الزبير: ويح أبى ليلى، لقد بلغ الجهد (64).(1/15)
فهذا الخبر ينفى ما روى عن بخل ابن الزبير، ففرق بين البخل والحفاظ على مال المسلمين، فقد بدا واضحًا من كلام عبد الله بن الزبير تبريره حق النابغة الجعدي فيما منحه إياه دون أي اعتبار لما مدحه به من شعر(65).
د- عبد الله بن عروة ابن أخ ابن الزبير: جاء في رواية للزبير بن بكار أن
عبد الله بن الزبير زوّج ابنته أم حكيم من ابن أخيه عبد الله بن عروة، فأرسل عروة إلى أخيه عبد الله عشرين ألف درهم فردها عبد الله قائلاً: لو أردت المال لوجدته عند غيرك (66).
هـ- حمزة بن عبد الله بن الزبير في سجن أبيه: قدم حمزة بن عبد الله بن الزبير على أبيه بعد أن عزل من العراق، فلما سأله أبوه عن المال أخبره بأنه وزعه على قومه فوصلهم به، فقال له ابن الزبير: مال ليس لك ولا لأبيك. ثم سجنه(67) وهكذا يتضح حرص ابن الزبير على المال العام، وإنفاقه وكرمه الذي لا تجاوز فيه لشرع الله في الإنفاق.
***
ابن الزبير
في عهد أبى بكر وعمر
وعثمان وعلى ومعاوية
رضي الله عنهم
الفصل الثاني
ابن الزبير في عهد أبى بكر وعمر
وعثمان وعلى ومعاوية رضي الله عنهم
1- في اليرموك:
لا نجد في كتب السيرة أي خبر عن اشتراك عبد الله بن الزبير في الحروب والغزوات رغم حضوره مع والده غزوة الأحزاب وفتح مكة، فقد كان في مقتبل العمر ولم يتجاوز عمره عند وفاة الرسول × إحدى عشرة سنة. وكان الرسول × لا يجيز أحدًا من الغلمان لم يبلغ الخامسة عشرة، وأول ما يرد من أخبار تتعلق بخروجه مع الجيوش، ومرافقته لوالده في تحرير بلاد الشام وحضوره معركة اليرموك إذ يقول عبد الله: كنت مع أبى عام اليرموك، فلما تعبأ المسلمون للقتال، لبس الزبير لأمته ثم جلس على فرسه ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله ابن الزبير معكما في الرحل، فإنه غلام صغير(68).(1/16)
وبعد انتهاء القتال شارك عبد الله في علاج الجرحى بعد انهزام المشركين(69) وإن لم يشارك في القتال لصغر سنه، فإنه ألف القتال والعراك وصليل السيوف منذ نشأته مما زاد في شجاعته وخبرته العسكرية (70).
2- ابن الزبير مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم:
مرّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( وابن الزبير يلعب مع الصبيان، ففروا، ووقف ابن الزبير فقال له عمر: مالك لم تفر معهم؟ فقال: لم أجرم فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك (71)، وتروى المصادر حادثة أخرى تبين شجاعته منذ صباه الباكر، فقد ذكرت المصادر التاريخية أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبى، فمر بهم رجل فصاح عليهم ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان، اجعلوني أميركم وشدوا بنا عليه، ففعلوا (72).
3- كتابة المصاحف في عهد عثمان (:
عن أنس أن عثمان أمر زيدًا، وابن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم (73)، ومن أراد التفصيل في جمع سيدنا عثمان ( للمصاحف فليراجع كتابي عن عثمان بن عفان (.
4- جهاده في شمال إفريقية في عهد عثمان (:(1/17)
انقطع خبر المسلمين في إفريقية عن عثمان بن عفان (، فسيّر إليهم عبد الله ابن الزبير في جماعة ليأتيهم بأخبارهم، فسار مُجدًا ووصل إليهم، وأقام معهم، ولمّا وصل، كثر الصياح، والتكبير في المسلمين، فسأل جرجير عن الخبر، فقيل: قد أتاهم عسكر، ففتَّ ذلك في عضده، ورأى عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كلّ يوم من بكرة إلى الظُّهر فإذا أُذَّن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه، وشهد القتال من الغد فلم ير ابن سعد معهم فسأل عنه فقيل: إنه سمع منادى جرجير يقول: من قتل عبد الله بن سعد، فله مائة ألف دينار، وأزوِّجه ابنتي، وهو يخاف، فحضر عنده، وقال له: تأمر مناديًا ينادي: من أتاني، برأس جرجير، نفّلته مائة ألف، وزوجته ابنته واستعملته على بلاده، ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشدَّ من عبد الله (74). ثمّ إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: إنَّ أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم، ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غدًا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهَّبين، ونقاتل نحن الروُّم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملُّوا، فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون، ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال، وهم مستريحون، ونقصدهم على غرّة؛ فلعلَّ الله أن ينصرنا عليهم، فأحضر جماعة من أعيان الصّحابة، واستشارهم، فوافقوه على ذلك، فلمَّا كان الغد، فعل عبد الله ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شُجعان المسلمين في خيامهم، وخيولهم عندهم مُسَرَّجة، ومضى الباقون، فقاتلوا الروّم إلى الظهر قتالاً شديدًا، فلما أذّن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزُّبير، وألح عليهم بالقتال، حتى أتعبهم، ثم عاد عنهم هو والمسلمون، فكل من الطائفتين ألقى سلاحه، ووقع تعبًا، فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحًا من شجعان المسلمين، وقصد الروّم، فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم،(1/18)
وحملوا حملة رجل واحد وكبَّروا، فلم يتمكن الروّم من ليس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون، وقتل جرجير؛ قتله ابن الزبير، وانهزم الروّم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذت ابنة الملك جرجير سبية، ونزل عبد الله ابن سعد المدينة، وحاصرها حتى فتحها، ورأى فيها من الأموال ما لم يكن في غيرها، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وسهم الرَّاجل ألف دينار، ولما فتح مدينة سبيطلة، بثَّ جيوشه في البلاد فبلغت قفصة، فسبوا، وغنموا وسيَّر عسكرًا إلى حصن الأجم، وقد احتمى به أهل تلك البلاد، فحصره، وفتحه بالأمان، فصالحه أهل إفريقية، ونفّل عبد الله بن الزبير ابنة الملك، وأرسله ابن سعد إلى عثمان بالبشارة بفتح إفريقية(75). قال ابن كثير: فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر عبد الله بن الزبير، ( وعن أبيه، وأصحابهما أجمعين(76). وكان الشاعر أبو ذؤيب الهذلي قد خرج مع ابن الزبير في مغزى نحو المغرب - في عهد عثمان - فمات، فدلاّه
عبد الله بن الزبير في حفرته، وقد قال الشاعر أبو ذؤيب في تلك الغزاة في
عبد الله بن الزبير:
وصاحبِ صدق كسِيد (77) الضَّرَاءِ (78)
ينهض في الغزو نهضًا نجيحا (79)
وشيك الفصول بطىَّ القفول
إلا مشاحًا به أو مُشِيحا (80)
5- دفاعه عن عثمان يوم الدار:(1/19)
كان ابن الزبير من الذين كانوا مع عثمان بن عفان يوم حصر من قبل الغوغاء، وكان يلح على عثمان أن يسمح له بقتال الغوغاء، ولكن عثمان كان يرفض ذلك(81)، ولما أمر عثمان من في الدار بالخروج أصر ابن الزبير ومروان بن الحكم على البقاء معه والدفاع عنه(82)، وقد أصيب ابن الزبير أثناء الحصار بإصابات بالغة كادت تودي بحياته، فقد روى المدائني أن كنانة - مولى صفية بنت حي - أخرج أربعة محمولين وكان ابن الزبير منهم(83)، وكان ابن الزبير يخطب بمكة ويقول في خطبته: فجرحت بضعة عشر جرحًا وإني لأضع يدي اليوم على تلك الجراحات التي جرحت مع عثمان، فأرجو أن تكون خير أعمالي (84)، وفي هذا وضوح موقف ابن الزبير من عثمان وأنه يراه إمام حق ورشد، وأن المعتدين عليه مجرمون، وأن قتالهم من أفضل الأعمال عند الله، ومنها نستفيد أن الدفاع عن أولياء الله الصالحين بأي وسيلة شرعية من الذب عن أعراضهم وشدّ أزرهم من الأعمال الصالحة. ومما يدل على أهمية الدور الذي كان يقوم به ابن الزبير في الذود عن عثمان ما ذكرته الروايات من أن عثمان أمّر ابن الزبير يوم الدار وقال: من كانت لي عليه طاعة فليطع عبد الله ابن الزبير(85). وفي رواية: أنه أمره أن يصلي بأهل داره فترة الحصار، وكان ابن الزبير يصلي بهم في صحن الدار (86).
6- في معركة الجمل:(1/20)
كان ابن الزبير يوم الجمل على الرجّالة وقد أصابه يومئذ تسع عشرة جراحة، وقد تبارز يومئذ هو ومالك بن الحارث بن الأشتر، فاتَّحدا فصرع الأشتر ابن الزبير، فلم يتمكن الأشتر من القيام عنه، بل احتضنه ابن الزبير وجعل ينادى ويقول: اقتلوني ومالكًا واقتلوا مالكًا معي (87). فأرسلها مثلاً. ثم تفرَّقا ولم يقدر عليه الأشتر، وقد قيل: إنه جرح يومئذ بضعًا وأربعين جراحة ولم يوجد إلا بين القتلى وبه رمق، وقد أعطت عائشة لمن بشَّرها بأنه لم يقتل عشرة آلاف درهم وسجدت لله شكرًا، وقد كانت تحبه حبًا شديدًا، لأنه ابن أختها، وكان عزيزًا عليها، وقد روُى عن عُروة أنه قال: لم تكن عائشة تحب أحدًا بعد رسول الله × وأبى بكر مثل حُبَّها عبد الله بن الزبير، وقال عروة: وما رأيت أبى وعائشة يدعوان لأحد من الخلق مثل دعائهما لابن الزبير(88).
7- جهاده أيام معاوية رضي الله عنهما:
تولى أمر إفريقية معاوية بن حديج، فكان عبد الله بن الزبير ساعده الأيمن بالفتح والجهاد، وقد سار معاوية بن حديج في جيش قوامه عشرة الآف مقاتل، وفتح بنزرت سنة إحدى وأربعين، كما دخل (القيروان) سنة خمس وأربعين، وبث السرايا في البلاد، وبعث إلى (سوسة) عبد الله بن الزبير ففتحها (89). وكان عبد الله بن الزبير كذلك في جيش يزيد بن معاوية الذي سار نحو القسطنطينية، وكان في ذلك الجيش عدد من الصحابة أيضًا منهم: أبو أيوب الأنصاري، والحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وابن عباس (90).
***
حركة
عبد الله بن الزبير
في عهد يزيد بن معاوية
الفصل الثالث
حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد بن معاوية
أولاً: بيعة يزيد:(1/21)
كان يزيد غائبًا حين حضر معاوية الموت، فلما حضر يزيد كان قد دفن، فقصد يزيد باب الصغير حيث دفن أبوه، وهناك صلى على أبيه ومن خلفه المسلمون، فكبر أربعًا(91)، ولما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب، ثم دخل البلد، وأمر فنودي في الناس أن الصلاة جامعة، ودخل الخضراء- وهو قصر بناه معاوية - فاغتسل ولبس ثيابًا حسنة، ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين، فقال - بعد أن حمد الله وأثنى عليه-: أيها الناس، إن معاوية عبد من عبيد الله، أنعم الله عليه، ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده، ودون من قبله، ولا أزكيه على الله - عز وجل - فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئًا كان..وقال لهم في خطبته هذه: إن معاوية كان يغزيكم في البحر، وإني لست حاملاً أحدًا من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتيًا أحدًا بأرض الروم، وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثًا، وأنا أجمعه لكم كله..فافترق الناس، وهم لا يفضلون عليه أحدًا(92).(1/22)
وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة الأمة، ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلافته، وهي سياسة استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام. وقد أجمعت غالبية الأمة على بيعة يزيد، أو بمعنى آخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه، ولم يعارض إلا الحسين بن على وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما(93). وسيكون لكل منهما مع يزيد شأن- كما سنرى بإذن الله تعالى-، أما بقية الصحابة فقد بايعوا يزيد جمعًا للكلمة وحفظًا لوحدة الأمة وخوف الفتنة، مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومحمد ابن الحنفية (94)، أما أهل الشام والعراق وغيرهما من الأقاليم فقد بايعوا، وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعهما الحسين بن على وابن الزبير، ومما قيل من الشعر في بيعة يزيد ما قاله عبد الله بن همَّام يعزَّيه في أبيه:
اصبر يزيد فقد فارقت ذا مقة
…
واشكر حُباء الذي بالملك حاباكا(95)
لا رُزءَ أعظم في الأقوام نعلمه
كما رُزِئت ولا عُقبي كعُقباكا
أصبحت راعي أهل الدَّين كلهم
…
فأنت ترعاهم والله يَرْعاكا
وفي معاوية الباقي لنا خلف
…
إذا نعيت ولا نسمع بمنعاكا
يعنى معاوية بن يزيد (96)(1/23)
تولى يزيد الأمر بعد أبيه في رجب سنة 60هـ - 680م فأقر عمال أبيه على ولاياتهم، فكان على المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان، وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير الكوفة النعمان بن بشير، وأمير البصرة عبد الله بن زياد(97)، وركز يزيد في أخذ البيعة من النفر الذين لم يبايعوه في حياة أبيه، وكان أهمهم عنده الحسين بن على، فكتب إلى أميرها الوليد بن عتبة كتابًا يخبره فيه بوفاة معاوية، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد ابن عتبة، أما بعد، فإن معاوية كان عبدًا من عباد الله، أكرمه الله واستخلفه، وخوّله ومكّن له، فعاش بقدر، ومات بأجل، فرحمه الله، فقد عاش محمودًا، ومات برًّا تقيًّا، والسلام (98) ونظرًا لتساهل الوليد بن عتبة بن أبى سفيان في أخذ البيعة من الحسين وابن الزبير لأنه كان رجلاً يحب العافية (99)، وأنه كان رجلاً رفيقًا سريًا كريمًا (100)، كما أنه كان يخشى عذاب الله وعقابه، فقد امتنع عن سجن الحسين أو قتله وقال:...والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينًا..سبحان الله! أقتل حسينًا أن قال: لا أبايع؟ والله إني لا أظن أمرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت (101).(1/24)
كان إصرار يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير- رضي الله عنهما - هو الشرارة الأولى في الفتنة التي اندلعت بين المسلمين، فقد شعر كل منهما بأنه مطلوب، وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد، وأن سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهما، فعادا إلى البيت الحرام، ولجآ إلى مكة المكرمة يطلبان فيها الأمان، ويحتميان بحمى الله فيها، ولئن أصاب يزيد حين أبقى عمال أبيه على الولايات، ليضمن استقرار الأمور فيها، فقد خانته عبقريته في إصراره على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير، حيث كان إصراره هذا موحيًا بعدم تأمين الحياة لهما، وبأن بقاءهما في عهد يزيد محفوف بالمخاطر، وذلك أدى بهما إلى أن يبحثا عن الأمان، ولم يجداه إلا في تجييش أنصارهما، وحشدهم في مكان يصعب على يزيد وأعوانه أن يقتحموه، وكان ذلك في مكة المكرمة، في جوار بيت الله الذي قال فيه: +وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا" [آل عمران: 97].ولم يكن لهذا التجمع وذلك الحشد نتيجة سوى المواجهة التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين، وكان على رأس هؤلاء جميعًا الحسين بن على - رضي الله عنهما - حيث قتل في كربلاء - شهيدًا - على يد فئة ظالمة من جيوش يزيد(102).(1/25)
لقد كانت غلطة من يزيد، بدأ بها حياته، وظلت تلاحقه حتى مماته، ولم يستطع التخلص منها، وبدأت سلسلة الأخطاء تتوالي في حياة الخليفة، وكلما ادلهمت الأمور من حوله، عظمت الأخطاء، وتضخمت المشكلات، وكلما أراد حل مشكلة، عرض لها بمشكلة أخطر منها وأفظع، فمن الإصرار على عدم البيعة إلى تكوين جبهة معارضة تستعد للقتال، ومنها إلى معركة كربلاء، ثم تتمخض هذه المعركة عن قتل ابن بنت رسول الله ×، وتؤدي إلى غضب المسلمين، وإعلان ابن الزبير الخروج على الخليفة، وتستمر العداوة والبغضاء حتى تكون وقعة الحرة، وتتشوه صورة الخليفة في أعين المسلمين، ثم يتوفى بعد ذلك بقليل، أين غاب حلم معاوية عن ولي عهده؟ أغلب الظن أن الذي ورط يزيد في هذه الأخطاء الشنيعة هو غياب المستشارين الحكماء عن مجلسه، وحداثة سنه، وقلة خبرته. كما أن يزيد كان يفتقد حلم أبيه، وتنقصه قوة إرادته في الحلول السلمية، لقد كانت الكوارث الكبرى في عهد يزيد: مقتل الحسين (، ووقعة الحرّة بالمدينة، وحصار مكة للوصول لابن الزبير، لقد وصم يزيد عهده بوصمة لن يمحوها ماء البحار، ولن تزيل مرارتها عذوبة الأنهار (103).
إن أهل السنة والجماعة يعتبرون بيعة يزيد صحيحة ولكنهم عابوا عليها أمرين:
1- قالوا إن هذه بدعة جديدة وهي أنه جعل الخلافة في ولده، فكأنها صارت وراثة بعد أن كانت شورى وتنصيصًا على غير القريب، فكيف بقريب وابن مباشر؟!، فمن هذا المنطلق رُفض المبدأ بغض النظر عن الشخص، فهم رفضوا مبدأ أن يكون الأمر وراثة.
2- أنه كان هناك من هم أولى من يزيد بالخلافة كابن عمر وابن الزبير والحسين وغيرهم هذا من وجهة نظر أهل السنة (104).(1/26)
أما من وجهة نظر الشيعة فإنهم يرون الإمامة والخلافة في على وأبنائه فقط، فهم لا يعيبون بيعة يزيد بذاتها وإنما يعيبون كل بيعة لا تكون لعلىّ وأولاده، فهم يعيبون بيعة أبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية كلها بغض النظر عن المبايع له، لأنهم يرون أنها نص لعلىّ وأبنائه إلى أن تقوم الساعة (105)، وقد ناقشت معتقد الشيعة في الإمامة في كتابي عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب (، وبينت بطلانه.
ثانيًا: حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد
كان ابن الزبير ( قد عقد العزم على عدم البيعة ليزيد، واختار الذهاب والاستقرار بمكة.
أ- أسباب اختيار ابن الزبير لمكة:
اجتمعت عدة أسباب جعلت مكة أنسب مكان يمكن أن يتجه إليه ابن الزبير - في نظره- ومن أهمها ما يلي:
1- أنها المكان الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه في هذه الفترة؛ وذلك لأن الأقاليم الأخرى ليست مناسبة، فالعراق - بمصرية الكوفة والبصرة - لا يمكن ضمان ولاء أهله لأي زعيم معارضة ضد بنى أمية، وما فعلوه مع الحسين خير دليل على ذلك، وكان ابن الزبير يعي ذلك تمامًا حينما نصح الحسين بعدم الذهاب إلى العراق (106)، فقال له: أين تذهب؟! إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ أما مصر واليمن فقد كانتا بعيدتين عن مسرح الأحداث، ولم يكن لابن الزبير في هذين الإقليمين أنصار ومؤيدون يمكن أن يعتمد عليهم، وأما الشام فكما هو معروف كان معقل الأمويين.
2- إن مكة - لوجود بيت الله فيها - كانت بلدًا حرامًا ولا يجوز سفك الدماء بها، وهذا يكفل لمن يعتصم بها حماية من القتل إلا إذا ارتكب حدًا يوجب ذلك، وعلى أقل تقدير فوجود هذا الحكم الخاص بمكة يجعل التفكير باستخدام القوة آخر حل يُلجأ إليه.(1/27)
3- وكما أن مكة بلد له مكانته وقدسيته في نفوس المسلمين، فإن من يتعرض له بالإيذاء سيواجه معارضة من قبل العديد من المسلمين الذين سيهبون للدفاع عن بيت الله الحرام بغض النظر عمن يعتصم به، وقد أفاد ابن الزبير من هذه النقطة كثيرًا.
4- أنه يجتمع بمكة في موسم الحج كل عام الألوف من المسلمين من مختلف الأقاليم، ويمكن من خلال هذا الموسم التأثير على الرأي العام وتوجيهه، وهو ما لا يمكن توافره في أي إقليم.
5-أن مكة بدأت منذ هجرة النبي × والصحابة إلى المدينة تفقد دورها السياسي؛ وبالتالي فإن قبضة الأمويين عليها لم تكن قوية بعكس وضع المدينة.
6- وأخيرًا فإن معارضة ابن الزبير مرتبطة بأهل المدينة الذين يقفون معه الموقف نفسه ضد بنى أمية، وبالتالي كان من المناسب أن يكون ابن الزبير قريبًا من المدينة ليضمن استمرار تأييد أهلها له، ولكي يتمكن من الاتصال المستمر بهم (107).
ب- أسباب خروج ابن الزبير ومن معه:(1/28)
كان مقصد ابن الزبير ( ومن معه - ومن بينهم بعض الصحابة والتابعين كالمسور بن مخرمة، وعبد الله بن صفوان، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم من فضلاء عصرهم - هو تغيير الواقع بالسيف لما رأوا تحول الخلافة إلى وراثة وملك، ولما أشيع حول يزيد من شائعات أعطت صورة سيئة للخليفة الأموي في دمشق، والذي ينبغي أن يفهم أن ابن الزبير قام لله، وليس كما يقول البعض، مثل محمد ماهر حمادة عندما قال: وعلى الرغم من أن حركة ابن الزبير لم تكن سوى مزيج عجيب، من عدد من العناصر، يحركها طموح شخصي، وصراع قبلي، التقتا في نفس ابن الزبير، وشخصيته (108) لقد كان ( يهدف من وراء المعارضة أن تعود الأمة إلى حياة الشورى ويتولى الأمة حينئذ أفضلها، وكان يخشى من تحول الخلافة إلى ملك، وكان يرى ( أنه باستعماله للسيف وتغييره للمنكر بالقوة يتقرب إلى الله ويضع حدًّا لانتقال الخلافة إلى ملك ووراثة، ولهذا لم يدعُ لنفسه حتى توفى يزيد بن معاوية(109). وكان ابن الزبير يخطب ويقول: والله لا أريد إلا الإصلاح وإقامة الحق، ولا ألتمس جمع مال ولا ادخاره (110) وكان يقول: اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائى، وجاهدت فيك عدوك فأثبنى ثواب المجاهدين(111). وقال عبد الله بن صفوان بن أمية لابن الزبير: إني - والله - ما قاتلت معك إلا عن ديني(112)، والروايات في هذا المجال كثيرة جدًا، وهي تدل على النظرة الحقيقية لمعارضة ابن الزبير - وكذلك أهل المدينة - حيث اعتبروها جهادًا في سبيل الله (113)، إن الحسين بن على وابن الزبير وأهل الحرَّة - رضي الله عنهم - كان خروجهم من أجل الشورى لأسباب
مشروعة منها:
1- دفاعًا عن حقهم الذي جعله الله لهم +وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ".
2- أن هذا الاغتصاب منكر وظلم تجب إزالته.
3- تمسكًا بالسنة وهدى الخلفاء الراشدين في باب الخلافة (114).(1/29)
وساعد في تحقيق أهداف ابن الزبير والتفاف الناس من حوله عدة أمور منها: رد الفعل الذي أحدثته معركة كربلاء، سوء سيرة يزيد، سرعة يزيد في عزل ولاة الحجاز مركز الثقل السياسي كما كان زمن الرسول والخلفاء الراشدين(115).
ج- الجهود السلمية التي بذلها يزيد لاحتواء ابن الزبير:
كان ابن الزبير يدرك الخطورة التي ستلحق بالحسين إذا خرج إلى الكوفة، ولذا ناشده عدم الذهاب إلى الكوفة قائلاً: أين تذهب؟! إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟! (116). وكان ابن الزبير يدرك أن الحسين إذا أصيب في العراق، فإن النتائج ستنعكس عليه وسيكون المنفرد في الساحة، وبالتالي يسهل القضاء عليه، وقد حرص ابن الزبير على إشعار الحسين بمكانته وأن وجوده في مكة يحظى بالتأييد من أهلها وبالأخص من ابن الزبير نفسه، ولذا فقد بادره بفكرة جريئة فقال للحسين: إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك، وبايعناك (117)، ويبدو أن ابن الزبير رغب أن تكون القيادة العامة بيد الحسين نظرًا لمكانته ووجاهته، واحترام المسلمين له. ويكون بيده التخطيط لمجابهة يزيد بن معاوية، وبالأخص أنه يملك رصيدًا كبيرًا من المشاركات الحربية الناجحة في عمليات الجهاد الإسلامي، وكان يرغب في جعل ركيزة الانطلاق في المعارضة هي بلاد الحجاز، وذلك نظرًا لصدق أهلها، ووجود العبّاد والصالحين والعلماء من الصحابة وكبار التابعين بها، ثم وجود الحرمين ومكانتهما، فإذا تمت لهما السيطرة على بلاد الحجاز، فإن قضيتهما ستكسب بعدًا كبيرًا في الأقاليم الإسلامية، فالناس تؤم الحرمين للعمرة والحج والزيارة، وبالتأكيد سينقلون أخبار المعارضَين ومكانتهما، مما سيؤدي إلى تعاطف وتأييد وأنصار من تلك الأقاليم، ولما خرج الحسين ( إلى الكوفة وقتل يوم عاشوراء من سنة إحدى وستين بكربلاء كان لذلك وقع كبير على ابن الزبير، فالذي يخشاه ابن الزبير- وهو انفراد الأمويين به- قد حدث، ثم إن الرجل الذي كان(1/30)
يضفى مكانة ومنزلة على المعارضة قد قتل، ومع ذلك لم يحدث تحرك من الناس ضد الأمويين بسبب قتل الحسين ( (118)، ولعل انفراده بالمعارضة ضد يزيد هو الذي جعل ابن خلدون يقول: ولم يبق في المخالفة لهذا العهد - الذي اتفق عليه الجمهور- إلا ابن الزبير، ونُدور المخالف معروف (119)، وقد أحس ابن الزبير بخطورة موقفه، ولكنه حاول أن يستفيد من دوافع الكره والمقت التي تعتلج في نفوس الناس ضد الأمويين بسبب قتل الحسين(120).
1- أول هجوم مباشر وصريح من ابن الزبير على يزيد: عندما سمع ابن الزبير بمقتل الحسين ( قام خطيبًا في مكة وترحم على الحسين وذم قاتليه، وقال: أما والله لقد قتلوا طويلاً قيامه، وكثيرًا في النهار صيامه، أحق بما هم فيه منهم، وأولى بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل، أما والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء، ولا البكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شراب الحرام، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في طلب الصيد - يعرّض بيزيد - فسوف يلقون غيًا (121). ونظرًا للمشاعر العاطفية التي أثرت على أهل الحجاز عمومًا بسبب قتل الحسين ( فقد أبدى البعض استعداده لبيعة ابن الزبير (122)، ولاحظ ابن الزبير مشاعر السخط التي عمّت أهل الحجاز بسبب قتل الحسين (، فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه (123)، ويذكر شربه للخمر، ويثبط الناس عنه، وأخذ الناس يجتمعون إليه فيقوم فيهم، فيذكر مساوئ بنى أمية ويطنب في ذلك(124).(1/31)
2- مساعي يزيد السلمية: لم يحاول يزيد في بداية الأمر أن يعمل عملاً من شأنه أن يعقّد النزاع مع ابن الزبير، ولهذا فلقد أرسل إليه رسالة يذكّره فيها بفضائله ومآثره في الإسلام، ويحذره من الفتنة والسعي فيها، وكان مما قال له: أذكرك الله في نفسك فإنك ذو سن من قريش، وقد مضى لك سلف صالح، وقدم صدق من اجتهاد وعبادة، فاربب صالح ما مضى ولا تبطل ما قدمت من حسن، وادخل فيما دخل فيه الناس، ولا تردهم في فتنة، ولا تحل ما حرم الله. فأبى أن يبايع (125).
3- غضب يزيد على ابن الزبير: لم يستجب ابن الزبير لدعوة يزيد السلمية، ورفض بيعته، وأقسم يزيد على أنه لا يقبل بيعة ابن الزبير حتى يأتي إليه مغلولاً (126)، ولقد حاول معاوية بن يزيد أن يثنى والده عن هذا القسم، وذلك لمعرفته بابن الزبير، وأنه سيرفض القدوم على يزيد وهو في الغل، وكان معاوية ابن يزيد صالحًا تقيًا ورعًا يجنح للسلم ويخشى من سفك دماء المسلمين، وساند معاوية في رأيه عبد الله بن جعفر، ولكن يزيد أصر على رأيه، وحتى يخفف يزيد من صعوبة الموقف على ابن الزبير، فقد بعث بعشرة من أشراف أهل الشام، وأعطاهم جامعة من فضة، وبرنس خز (127)، وفي رواية أخرى: أن يزيد بعث لابن الزبير بسلسلة من فضة وقيد من ذهب، وجامعة من فضة (128).وعند وصول أعضاء الوفد إلى مكة تكلم ابن عضاة الأشعري، وقال: يا أبا بكر، قد كان من أثرك في أمر الخليفة المظلوم -يعنى عثمان بن عفان - ونصرتك إياه يوم الدار ما لا يجهل، وقد غضب أمير المؤمنين بما كان من إبائك مما قدم عليك فيه النعمان ابن بشير، وحلف أن تأتيه في جامعة خفيفة لتحل يمينه، فالبس عليها برنسًا فلا ترى، ثم أنت الأثير عند أمير المؤمنين الذي لا يخالف في ولاية ولا مال (129).(1/32)
4- ابن الزبير يفكر ويستشير في عرض يزيد: استأذن ابن الزبير الوفد بضعة أيام يفكر ويستشير، فعرض الأمر على والدته أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها، فقالت: يا بنى، عش كريمًا ومت كريمًا، ولا تمكن بنى أمية من نفسك، فتلعب بك، فالموت أحسن من هذا (130).
وكان مروان بن الحكم قد بعث ابنه عبد العزيز وقال له: قل لابن الزبير: إن أبى أرسلني عناية بأمرك وحفظًا لحرمتك، فابرر يمين أمير المؤمنين، فإنما يجعل عليك جامعة من فضة أو ذهب وتكسى عليه برنسًا فلا تبدو إلا أن يسمع صوتها، فكتب ابن الزبير إلى مروان يشكره (131)، وجاء رد ابن الزبير على الوفد بالمنع (132).
5- تهديد الوفد لابن الزبير ورده عليهم: بعدما أجاب ابن الزبير على الوفد بالمنع قال لابن عضاه: إنما أنا بمنزلة حمام من حمام مكة، أفكنت قاتلاً حمامًا من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة؟ يا غلام ائتني بقوسي وأسهمي, فأتاه بقوسه وأسهمه، فأخذ سهمًا فوضعه في كبد القوس ثمّ سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد الخمر؟ قولي: نعم. فوالله لئن فعلت لأرمينك. يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد × وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك؟ والله لئن فعلت لأرمينك.
فقال ابن الزبير: ويحك! أو يتكلم الطائر؟ قال: لا، ولكنك يا ابن الزبير تتكلم، أقسم بالله لتبايعن طائعًا أو مكرهًا أو لتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاء، ولئن أمرنا بقتالك ثم دخلت الكعبة لنهدمنها أو لنحرقنها عليك، أو كما قال. فقال ابن الزبير: أو تحل الحرم البيت؟ قال: إنما يحله من ألحد فيه(133). ثم قال ابن الزبير: إنه ليست في عنقي بيعة ليزيد.(1/33)
فقال ابن عضاة: يا معشر قريش قد سمعتم ما قال، وقد بايعتم، وهو يأمركم بالرجوع عن البيعة(134)، وأخذ ابن الزبير يبسط لسانه في تنقص يزيد وقال: لقد بلغني أنه يصبح سكران ويمسى كذلك، ثم قال: يا ابن عضاة، والله ما أصبحت أرهب الناس ولا البأس، وإني لعلى بينة من ربى، فإن أقتل فهو خير لي، وإن أمت حتف أنفى فالله يعلم إرادتي وكراهتي لأن يعمل في أرضه بالمعاصي، وأجاب الباقين بنحو جوابه(135). ثم قال ابن الزبير: اللهم إني عائذ ببيتك (136)، ولقب نفسه عائذ الله(137)، وكان يسمى العائذ (138).
د- الجهود الحربية ضد ابن الزبير:(1/34)
1-حملة عمرو بن الزبير: رأى يزيد أنه لابد من القيام بعمل عسكري، يكون الهدف منه القبض أو القضاء على ابن الزبير أو حمله على الامتثال لقسم يزيد ووضع الأغلال في عنقه، ولما حج عمرو بن سعيد بن العاص والى المدينة في تلك السنة - والمرجح سنة إحدى وستين - حج ابن الزبير معه، فلم يصل بصلاة عمرو، ولا أفاض بإفاضته (139)، وهذا العمل من ابن الزبير يعنى المفارقة الواضحة لسلطة الدولة، وعدم الاعتراف بها، خصوصًا أن إقامة الحج تمثل الدليل الأقوى على شرعية الدولة وقوة سلطانها، مثله مثل إقامته الجهاد في سبيل الله (140)، ثم منع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومى من أن يصلي بأهل مكة وكان الحارث بن خالد المخزومي نائبًا لعمرو بن سعيد على أهل مكة (141)، وكان ابن الزبير يتصرف وكأنه مستقل عن الدولة، وكان لا يقطع أمرًا دون المسور بن مخرمة (142)، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، وكان يريهم أن الأمر شورى فيما بينهم، وكان يلي بهم الصلوات والجمع، ويحج بهم (143)، فكتب يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص واليه على المدينة أن يوجه له جُندا، فعين عمرو ابنُ سعيد بن العاص على قيادة هذه الحملة عمرو بن الزبير بن العوام أخا عبد الله ابن الزبير، وكان عمرو بن الزبير قد ولى شرطة المدينة لعمرو بن سعيد، وكان شديد العداوة لأخيه عبد الله، وقام بضرب كل من كان يتعاطف مع عبد الله بن الزبير، وكان ممن ضرب المنذر بن الزبير، وابنه محمد بن المنذر وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث(144)، وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام(145)، وخبيب بن عبد الله بن الزبير(146)، وفر منه عبد الرحمن بن عثمان، وعبد الرحمن بن عمرو بن سهيل وغيرهما إلى مكة فالتجأوا إلى ابن الزبير(147)، وكان تعيين عمرو بن الزبير على قيادة الجيش المتجه لمحاربة عبد الله بن الزبير جاء بناءً على طلب من عمرو بن الزبير نفسه(148)، واتجه جيش عمرو بن(1/35)
الزبير إلى مكة وكان قوامه ألف رجل، وجعل على مقدمته أنيس بن عمرو الأسلمي في سبعمائة من الجند(149)، فسار أنيس بن عمرو الأسلمي حتى نزل بذي طوى، وسار عمرو بن الزبير حتى نزل بالأبطح(150)، وأرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه (عبد الله) يطلب منه الامتثال ليمين يزيد بن معاوية، وحذره من القتال في البلد الحرام(151)، وكان عمرو بن الزبير يخرج من معسكره فيصلى بالناس خلال المفاوضات مع أخيه عبد الله. وكان عبد الله يسير معه ويلين له، ويقول: إني سامع مطيع وأنت عامل يزيد، وأنا أصلى خلفك، وما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك، فرأيت أنه لا يحل لي أن أحله بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه. ولكن عمرو بن الزبير اعتذر من عدم الكتابة ليزيد, وذلك لأنه جاء في مهمة محددة مطلوب منه تنفيذها, وكان عبد الله بن الزبير قد أرسل عبد الله بن صفوان الجمحى ومعه بعض الجند، وأخذوا أسفل مكة، وأحاطوا بأنيس بن عمرو الأسلمى، ولم يشعر بهم أنيس إلا وقد أحاطوا به، فقتل أنيس وانهزم أصحابه.
وفي الوقت الذي قتل فيه وانهزم جيش أنيس بن عمرو الأسلمى، كان مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، يقود طائفة أخرى من الجند نحو عمرو بن الزبير، الذي كان معسكرًا في الأبطح، فانهزم عمرو بن الزبير، ودخل دار رجل يقال له علقمة، فجاءه أخوه عبيدة بن الزبير فأجاره، فأخذه إلى عبد الله، وذكر له أنه أجاره، فقال عبد الله: أما حقي فنعم، وأما حق الناس فلأقتصن منه لمن آذاه في المدينة(152)، وأقام عبدُ الله عمرو بن الزبير ليقتص الناس منه، فكل من ادعى على عمرو بأنه فعل به كذا وكذا وكذا، قال له عبد الله بن الزبير: افعل به مثلما فعل بك. وتذكر المصادر أن عمرو بن الزبير تعرض لتعذيب شديد من جراء ذلك ومات تحت الضرب(153).(1/36)
لقد أثبت ابن الزبير ( أنه يملك ذكاء ودهاء بارزين، الأمر الذي مكّنه من تحويل القضية لصالحه، بعدما كانت في يد يزيد بن معاوية، وكان ابن الزبير في بداية معارضته يعتمد على أن البيعة التي تمت ليزيد بن معاوية لم تكن بموافقة الناس، ولا بد من مشاركة الناس، وكان يدعو إلى الشورى، ولم تحقق معارضة ابن الزبير أي نجاح يذكر، فخلال سنتين أو أكثر من معارضته ليزيد لم يحدث أي تغير بشأن هيمنة الدولة على الحجاز، فضلاً عن غيره من الأقطار، ولكن ابن الزبير يهدف من التحرش بالأمويين إلى إيقاع يزيد في مأزق المواجهة، لقد ارتكب يزيد خطأ فادحًا عندما أقسم أن يأتيه ابن الزبير إلى دمشق في جامعة، فكيف يعقل من صحابي جليل تجاوز الستين من عمره أن يرضخ لطلب يزيد بن معاوية، ولقد استطاع ابن الزبير أن يظهر يزيد أمام أهل الحجاز بأنه شخص متسلط ليس أهلاً لولاية المسلمين، وجعلت هذه الحادثة من ابن الزبير- في نظر الكثير من المتمردين - طالب حق يواجه خليفة يحمل الظلم في أحكامه والتعسف في قراراته، والذي مكّن ابن الزبير وأكسبه الكثير من التعاطف هو موقف أمير المدينة- عمرو بن سعيد - فكان هذا الأمير - كما تذكر الروايات - شديدًا على أهل المدينة معرضًا عن نصحهم متكبرًا عليهم(154).(1/37)
ثم ذلك الخطأ الكبير الذي وقع فيه عمرو بن الزبير، الذي تصفه الروايات أيضًا بأنه عظيم الكبر شديد العجب، ظلوم قد أساء السيرة وعسف الناس، وأخذ من عرفه بموالاه عبد الله والميل إليه، فضربهم بالسياط. ويقال: عمرو لا يُكلم، ومن يكلمه يندم(155). ومن الأخطاء التي وقع فيها يزيد بن معاوية، عمرو ابن سعيد بن العاص والى المدينة - واستطاع ابن الزبير أن يوظفها لصالحه - غزو مكة بجيش، فمكة لها حرمتها وخصوصيتها في الجاهلية ثم جاء الإسلام فزادها مكانة وقداسة على مكانتها تلك التي كانت في الجاهلية، وقام عمرو بن سعيد يتحدى مشاعر المسلمين في المدينة حين رقى المنبر في أول يوم من ولايته على المدينة، فقال عن ابن الزبير: تعوَّذ بمكة، فوالله لنغزونه، ثم والله لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه، على رغم أنف من رغم (156). ولما جهزّ الحملة التي سيوجهها لابن الزبير في مكة، نصحه بعض الصحابة وحذّروه وذكّروه بحرمة الكعبة وبحديث رسول الله × في بيان حرمتها، ولكنه رفض السماع لنصحهم (157)، وكان مروان بن الحكم- وهو الأمير المحنك والسياسي الداهية - قد حذّر عمرو بن سعيد من غزو البيت وقال له: لا تغز مكة، واتق الله ولا تحل حرمة البيت، وخلوا ابن الزبير فقد كبر، هذا له بضع وستون سنة، وهو رجل لجوج، والله لئن لم تقتلوه ليموتن، فقال له عمرو: والله لنقاتلنّه، ولنغزونّه في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم، فقال مروان: والله إن ذلك يسوؤني (158). وكان عبد الله بن الزبير قد اختار لقبًا مؤثرًا حين أطلق على نفسه (العائذ بالله) فأصبح المساس بحرمة مكة أمرًا لا يوافق عليه الصحابة والتابعون، وكان لابد من الدفاع عن مكة، في وجه جيش يريد استحلال حرمتها، وحتى الذي لا يستطيع أن يدافع عن مكة فسوف يكون متعاطفًا مع ابن الزبير بصفته يدافع عن بيت الله (159)، وتدافع الناس نحو ابن الزبير من نواحي الطائف يعاونونه ويدافعون عن الحرم (160)، وهذه القضايا(1/38)
المعنوية والحسية كان لها الأثر البالغ في تعاظم مكانة ابن الزبير لدى أهل الحجاز؛ الأمر الذي جعله يحقق نصرًا ساحقًا وسهلاً على جيش عمرو بن الزبير (161).
2- حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق الكعبة:
هلك مسلم بن عقبة النميرى في طريقه لابن الزبير، وتولى القيادة من بعده الحصين بن نمير السكوني، ووصل إلى مكة قبل انقضاء شهر المحرم بأربع ليال. وعسكر الحصين بن نمير بالحجون(162) إلى بئر ميمون(163)، وبذلك فقد عمل الحصين بن نمير على نشر جيشه على مسافة واسعة؛ والذي دفعه إلى ذلك طبيعة الحرب التي ستدور في مكة، وقام ابن الزبير يحث الناس على قتال جيش أهل الشام، وانضم المنهزمون من معركة الحرّة إلى ابن الزبير، وقدم على ابن الزبير أيضًا نجدة بن عامر الحنفي في ناس من الخوارج، وذلك لمنع البيت من أهل الشام (164)، وكان عدد المقاتلين الذين اشتركوا مع ابن الزبير أقل بكثير من المقاتلين الذين اشتركوا في معركة الحرّة، ولم تكن القوات متكافئة، وتحول الوضع لصالح الحصين بن نمير، بعد أن منى ابن الزبير بفقد خيرة أصحابه، مثل أخويه المنذر وأبى بكر ابني الزبير، ومصعب ابن عبد الرحمن، وحذافة بن عبد الرحمن بن العوام، وعمرو بن عروة بن الزبير(165)، وبعد ثلاثة أيام من ربيع الأول سنة 64هـ قام الحصين بن نمير بنصب المنجنيق على جبل أبى قبيس(166)، وجبل قعيقعان(167) وفقد ابن الزبير أهم مستشاريه ومناصريه، وهو المسور بن مخرمة بعد أن أصابه بعض أحجار المنجنيق، وانكشفت مواقع ابن الزبير أمام الحصين بن نمير، ولم يبق مأمن لابن الزبير من أحجار المنجنيق سوى الحجر (168)، وحوصر ابن الزبير حصارًا شديدًا ولم يعد يملك إلا المسجد الحرام فقط، بعد أن فقد مواقعه المتقدمة في الأبطح(169)، وفي أثناء احتدام المعارك بين ابن الزبير والحصين بن نمير احترقت الكعبة، وهذه مصيبة أضيفت إلى مصائب المسلمين التي نتجت عن استحلال القتال في البلد(1/39)
الحرام الذي حرم الله ورسوله × القتال فيه(170)، وكان يزيد ابن معاوية قد مات في منتصف شهر ربيع الأول(171)، ولم يعلم أحد بموته نظرًا لبعد المسافة بين مكة ودمشق، وقد جاء الخبر بموت يزيد إلى مكة لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين(172).
ولم تكن الكعبة مقصودة في ذاتها بالإحراق، والدليل على ذلك ما أحدثه حريق الكعبة من ذهول وخوف من الله في كلتا الطائفتين(173): جيش الحصين بن نمير، وجيش ابن الزبير، فقد نادى رجل من أهل الشام بعد أن احترقت الكعبة وقال: هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده(174)، وأما أصحاب ابن الزبير، فقد خرجوا كلهم في جنازة امرأة ماتت في صبيحة ليلة الحريق خوفًا من أن ينزل العذاب بهم، وأصبح ابن الزبير ساجدًا ويقول: اللهم إني لم أتعمد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك(175). وأهل الشام بالرغم من جهل بعضهم بابن الزبير ومكانته(176)، إلا أنه من المستحيل أن يجهل أحد منهم مكانة الكعبة وأهميتها، كيف وهم يتجهون إليها في صلاتهم عندما كانوا يحاصرون ابن الزبير، فمن المستحيل أن يعمد أحدهم إلى حرق الكعبة، أو كان ذلك يدور في تفكير الحصين بن نمير، وقد وردت تصريحات لبعض أقارب ابن الزبير وبعض السلف والعلماء المحققين بأنهم لم ينسبوا إلى أحد من الطائفتين قصد حريق الكعبة، فهذا هشام بن عروة يقول:... فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار(177)، وقال ابن عبد البر: وفي هذا الحصار احترقت الكعبة(178)، وقال ابن حجر: ثم سارت الجيوش إلى مكة لقتال ابن الزبير، فحاصروه بمكة وأحرقت الكعبة(179). ولا شك أن أحدًا من أهل الشام لم يقصد إهانة الكعبة، بل كل المسلمين معظمون لها، وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير, والضرب بالمنجنيق كان لابن الزبير لا للكعبة ويزيد لم يهدم الكعبة, ولم يقصد إحراقها لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين(180). وهكذا كانت إحدى نتائج تلك الحرب التي دارت بين ابن الزبير(1/40)
والحصين بن نمير إحراق البيت الحرام(181).
ولما وصل الحصين خبر موت الخليفة بعث إلى ابن الزبير فقال: موعد ما بيننا الليلة الأبطح، وكان يريد أن يجتمع به ويفاوضه في الخلافة، فالتقيا وتحادثا طويلاً واشتد بينهما الجدل، وكان فيما قال الحصين لابن الزبير وهو يدعوه للخلافة: إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلم فلنبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام، فإن هذا الجند الذي معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك، والتي كانت بيننا وبين أهل هذه الحرة. فقال عبد الله: أنا أهدر تلك الدماء؟ أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة منكم، وكان الحصين يكلمه سرًا، وهو يجهر جهرًا ويقول: لا والله لا أفعل.فقال له الحصين: قبح الله من يعدك بعد هذه داهيًا قط أو أريبًا، قد كنت أظن لك رأيًا، ألا أراني أكلمك سرًا وتكلمني جهرًا، وأدعوك للخلافة وتعدني للقتل والهلكة (182)، وبعد أن افترقا، أدرك عبد الله خطأه في موقفه مع الحصين عندما عرض عليه الخلافة ومرافقته إلى بلاد الشام، وأراد أن يصحح هذا الموقف، وكان الحصين يستعد للعودة بجنده إلى دمشق، فأرسل إليه يقول: أما أن أسير إلى الشام فليس فاعلاً وأكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم، فرد الحصين بقوله: أرأيت إن لم تقدم بنفسك، ووجدت هناك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس، فما أنا صانع؟(183) وذكر البلاذرى أن عبد الله بن الزبير طلب من الحصين مهلة لاستشارة أصحابه عندما عرض عليه الحصين الأمر، ولكن أصحابه رفضوا الخروج إلى الشام(184). ويصعب على المرء أن ينفذ إلى أعماق ابن الزبير ويعرف ما كان يدور في خلده والأسباب التي دفعته لرفض عرض الحصين، ولكن هناك مؤشرات عديدة تؤخذ بعين الاعتبار من الواقع السياسي في بلاد الحجاز(185)، منها:(1/41)
أ- لم تكن للحصين صفة رسمية عندما عرض الخلافة على ابن الزبير، ولم يكن يمثل الأمويين كلهم، رغم أنه قال إن الجند الذين معه هم وجوه أهل الشام وفرسانهم. فكيف يثق ابن الزبير بقائد حملة كان يقاتله قبل أيام ويريد أن يفتك به، وقد ظهرت المناقضة عند الحصين بقوله بعد ذلك: أرأيت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هناك أناسًا كثيرًا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس (186).
ب- إن الذي عرض عليه الخلافة هو أحد قادة معركة الحرّة، وكان حول ابن الزبير عدد من أهل المدينة الذين هربوا من وحشية تلك المعركة، لذلك كان ابن الزبير يرد على الحصين بصوت جهوري، يسمعه من حوله من أنصاره ليدفع الشك عن نفوسهم، يطمئنهم على موقفه من الحصين، فقال إنه لا يرضى قتل عشرة من جيش الحصين بكل واحد من أهل المدينة (187).
ج- عدم وجود أنصار - حتى الآن - له في بلاد الشام يمكن أن يعتمد عليهم وينصرونه كما هو الحال في بلاد الحجاز، فأهل الشام كانوا يدينون بالولاء والمحبة والتقدير للأمويين.
د- عدم وجود جيش منظم حقيقي - كالجيش الأموي - عند ابن الزبير، وكل ما نستطيع أن نسمى به المدافعين عن ابن الزبير وعن مكة، أنهم من المقاتلين الذين يجتمعون وقت الشدة ويتفرقون عند زوالها، وهل هناك شدة أكبر من غزو الكعبة؟ وأعتقد أنه لو كان لابن الزبير جيش منظم حقيقي ومدرب مسلح - بحيث يستطيع هذا الجيش نصرة ابن الزبير لتوجه مع الحصين بن نمير، ولتم له النجاح (188).
بيعة
عبد الله بن الزبير
بالخلافة
الفصل الرابع
بيعة عبد الله بن الزبير بالخلافة
المبحث الأول
وفاة يزيد بن معاوية وخلافة معاوية بن يزيد
أولاً: وفاة يزيد بن معاوية:(1/42)
في عام 64هـ توفى يزيد بن معاوية وكانت وفاته بقرية من قرى حمص يقال لها حوّارين من أرض الشام، لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة 64هـ وهو ابن 38سنة في قول بعضهم، وعن هشام بن الوليد المخزومي، أن الزهري كتب لجده أسنان الخلفاء، فكان فيما كتب من ذلك: ومات يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلاثين، وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر في قول بعضهم، ويقال: ثمانية أشهر(189)، وعن أبى معشر أنه قال: توفى يزيد بن معاوية يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثمان ليال، وصلى على يزيد ابنه معاوية بن يزيد(190)، وقيل: وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر إلا أيامًا (191)، وكان نقش خاتمه: ربنا الله (192).
ثانيًا: خلافة معاوية بن يزيد:
معاوية بن يزيد هو ثالث الخلفاء الأمويين، وكنيته أبو يزيد أو عبد الرحمن، أبوه يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، وأمه أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة(193)، ويسمى معاوية الأصغر(194). ولد سنة 44هـ ونشأ في بيت الخلافة، بويع له بالخلافة بعد موت أبيه، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة أربع وستين هجرية، وكان - رحمه الله - أبيض شديد البياض، كثير الشعر، كبير العينين، جعد الشعر، أقنى الأنف، مدور الرأس، جميل الوجه، كثير شعر الوجه، دقيقه، حسن الجسم، وكان رجلاً صالحًا ناسكًا (195).
1- مدة حكمه: يختلف المؤرخون كثيرًا في المدة التي حكمها معاوية بن يزيد، ويتراوح الخلاف بين عشرين يومًا (196) وثلاثة أشهر، ويبدو أن مدة الثلاثة الأشهر هي الأرجح، ويرجح بعض المؤرخين مدة الأربعين يومًا, وكان مريضًا مدة ولايته، ولهذا لم يؤثر له عمل ما مدة خلافته، حتى الصلاة، فإن الضحاك بن قيس هو الذي كان يصلى بالناس، ويسيّر الأمور، وظل الضحاك يصلى بالناس حتى بعد وفاة معاوية، حتى استقر الأمر لمروان بالشام (197).(1/43)
2- تنازله عن الخلافة وتركه الأمر شورى: ولما أحس معاوية بن يزيد بالموت نادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطب فيهم، وكان مما قال: أيها الناس، إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوى، كما تركها الصديق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى في ستة كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت أمركم، فولوا عليكم من يصلح لكم.
ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى (198). لقد أراد معاوية بن يزيد أن يقول لهم إنه لم يجد مثل عمر، ولا مثل أهل الشورى، فترك لهم أمرهم يولون من يشاءون، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية أخرى للخطبة عن ابن الأثير قال فيها: أما بعد، فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم، فأنتم أولى بأمركم، فاختاروا لها من أحببتم..ثم دخل منزله وتغيب حتى مات (199).
واعتبر هذا الموقف منه دليلاً على عدم رضاه عن تحويل الخلافة من الشورى إلى الوراثة (200)، فقد رفض أن يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال: والله ما ذقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها، وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها، اللهم إني برئ منها، متُخل عنها (201)، وجاء في رواية: قيل له: ألا توصى؟ فقال: لا أتزوّد مرارتها وأترك حلاوتها لبنى أمية (202). وتعتبر حادثة تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة حادثة نادرة في التاريخ الإنساني؛ لقد عرفت استقالات، فيها إكراه مادي أو معنوي. أما أن ملكًا استقال، لأن في أمته من هو خير منه، فهذا ما لم نقع عليه، وأية محاسبة للنفس أرفع من هذه؟!(203).(1/44)
وإذا كان معاوية بن أبى سفيان - أول الخلفاء الأمويين - قد حول الخلافة من الشورى إلى الملك، فإن حفيده معاوية الثاني، ثالث خلفاء الأمويين أيضًا، قد أعاد الخلافة من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة، وإنه لمما يستوجب الإنصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدلاً من التركيز على الشق الأول الخاص بتوريث الخلافة فقط(204).
3- كم كان عمره لما مات؟ ومن صلى عليه؟: مات معاوية بن يزيد عن إحدى وعشرين سنة وقيل: ثلاث وعشرين سنة وثمانية عشر يومًا. وقيل: تسع عشرة سنة. وقيل: عشرين سنة. وقيل: ثلاث وعشرين سنة. وقيل: إنما عاش ثماني عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة. فالله أعلم. وصلى عليه أخوه خالد، وقيل: عثمان بن عنبسة. وقيل: الوليد بن عُتبة. وهذا هو الصحيح، فإنه أوصى إليه بذلك وشهد دفنه مروان بن الحكم (205)، فلما فُرغ منه قال مروان: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم، معاوية بن يزيد. فقال مروان: هو أبو ليلى الذي قال فيه أزْنَمُ الفزاري:
إني أرى فتنة تغلى مراجلها…
والملك بعد أبى ليلى لمن غلبا(206)(1/45)
4- أزمة خطيرة بعد وفاة معاوية بن يزيد: كان معاوية بن يزيد قد أحدث أزمة خطيرة، فقد كان أخوه خالد بن يزيد صبيًا صغيرًا. وكان أمر ابن الزبير قد استفحل وبايع له الناس من أنحاء الدولة، فرأى فريق من جند الشام - على رأسهم الضحاك بن قيس أمير دمشق- أن يبايعوا لابن الزبير، وحتى مروان بن الحكم كبير بنى أمية فكر في الذهاب إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ منه الأمان، ولكن سائر الجند والقادة بزعامة حسان بن مالك زعيم القبائل اليمنية - الذين كانوا أقوى المؤيدين لبنى أمية وهم أخوال يزيد - رفضوا أن يخرج الأمر عن بنى أمية وأن يبايعوا لابن الزبير، فحدث خلاف شديد ولبث الشام ستة أشهر بدون إمام، وأخيرًا اتفق القوم على أن يعقدوا مؤتمرًا للشورى، يبحثون فيه عمن يصلح للخلافة ويصلون في ذلك إلى قرار (207). ويعد معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان آخر خلفاء الفرع السفياني، وانتقلت الخلافة بعده إلى الفرع الثاني من بنى أمية "المروانيين"، وأولهم مروان بن الحكم، ولا يُعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة، حيث يعتبرونه باغيًا خرج على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وكذلك ولده عبد الملك لا يعد خليفة إلا بعد موت ابن الزبير، واجتماع المسلمين عليه (208)، وبوفاة معاوية بن يزيد انتهت الدولة السفيانية وظهرت الدولة الزبيرية، ولكنها لم تستمر، فقد استطاع بنو مروان القضاء عليها، وسيأتي التفصيل في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى.
ثالثًا: بيعة ابن الزبير بالخلافة:(1/46)
بعد موت يزيد بن معاوية لم يكن هناك من خليفة، وإذا كان يزيد قد أوصى لابنه معاوية فإن هذا لا يكفي للبيعة، إذ لا بيعة دون شورى، إضافة إلى أن الذين قد بايعوا معاوية بن يزيد لا يزيدون على دمشق وما حولها وأعيان بنى كلب. وهذا مع أن معاوية بن يزيد لم يعش طويلاً، وترك الأمر شورى، ولم يستخلف أحدًا، ولم يوص إلى أحد، وكان عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، قد بويع له في الحجاز، وفي العراق وما يتبعه إلى أقصى مشارق ديار الإسلام، وفي مصر وما يتبعها إلى أقصى بلاد المغرب، وبايعت الشام أيضًا إلا بعض جهات منها، ففي دمشق بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير، وفي حمص بايع النعمان بن بشير، وفي قنسرين زفر بن الحارث الكلابي، وفي فلسطين بايع ناتل بن قيس، وأخرج منها روح بن زنباع الجذامي، ولم يكن رافضًا بيعة ابن الزبير في الشام إلا منطقة البلقاء وفيها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي(209)، وهكذا تّمت البيعة لعبد الله بن الزبير في ديار الإسلام، وأصبح الخليفة الشرعي(210)، وعين نواّبه على الأقاليم، وتكاد تجمع المصادر على أن جميع الأمصار قد أطبقت على بيعة ابن الزبير خليفة للمسلمين، ولذلك صرّح العديد من العلماء والمؤرخين بأن بيعة ابن الزبير بيعة شرعية، وأنه أولى بها من مروان ابن الحكم(211), فيروي ابن عبد البر عن مالك أنه قال: إن ابن الزبير كان أفضل من مروان وكان أولى بالأمر منه، ومن ابنه عبد الملك(212). ويقول ابن كثير: ثم هو - أي ابن الزبير - الأمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الآفاق وانتظم له الأمر(213)، ويؤكد كل من ابن حزم(214) والسيوطي(215) شرعية ابن الزبير، ويعتبران مروان بن الحكم وابنه عبد الملك باغيين عليه خارجين على خلافته، كما يؤكد الذهبي شرعية ابن الزبير ويعتبره أمير المؤمنين(216).(1/47)
1- بيعة ابن الزبير بالحجاز: كان من الطبيعي أن يكون الحجاز أو المناطق خضوعًا وولاء لبيعة ابن الزبير؛ لكونه مركز المعارضة ضد بنى أمية، وقد سارع أهل الحجاز إلى مبايعة ابن الزبير، ويروي ابن سعد أن من الأوائل الذين سارعوا إلى مبايعة ابن الزبير عبد الله بن مطيع العدوى، وعبد الله بن رضوان ابن أمية الجمحى، والحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة، وعبيد بن عمير, وعبيد الله بن علي بن أبي طالب, وعبد الله بن جعفر(217), وكان هناك بعض العناصر الذي امتنعوا عن بيعة ابن الزبير وعلى رأسهم ثلاث شخصيات لها مكانتها وتأثيرها لاسيما في الحجاز وهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب, وابن عباس, ومحمد ابن الحنفية, وتكاد تجمع المصادر أن أيًّا من هؤلاء لم يبايع ابن الزبير طيلة حياته(218).
أ- موقف ابن عمر من بيعة ابن الزبير:
بايع ابن عمر يزيد بالخلافة, والتزم ببيعته, وحاول إقناع ابن الزبير بذلك, ونهاه عن إثارة الفتنة والخروج على خلافة يزيد(219), وبعد وفاة معاوية بن يزيد بويع ابن الزبير بالخلافة, وطلب من ابن عمر أن يبايع له, فرفض ابن عمر البيعة معللاً ذلك بقوله: لا أعطي صفقة يميني في فرقة ولا أمنعها في جماعة(220). ولم يحاول ابن الزبير إجبار ابن عمر على البيعة, كما أن المصادر لم تشر إلى أي صدام أو مواجهة وقعت بين الاثنين(221), وكان لامتناع ابن عمر على بيعة ابن الزبير تأثير سلبي, فقد كان ابن عمر يتمتع بمكانة عالية وبالأخص في الحجاز, وكان له تأثيره على الناس, فامتناعه عن البيعة يجعل البعض يقتدي به ويتخذ الموقف نفسه, ومما يزيد من تأثيره السلبي على حركة ابن الزبير أن ابن عمر كان يجبر من له طاعة عليهم أن يتخذوا الموقف نفسه الذي يتخذه ومع كل ذلك فلم يكن ابن عمر يشكل خطرًا حقيقيًا على ابن الزبير؛ فهو لم يكن ذا طموح للخلافة, كما أنه لا يملك أتباعًا يستطيع أن يواجه بهم ابن الزبير كما هو الحال عند محمد ابن الحنفية(222).(1/48)
ب- ابن عباس وبيعة ابن الزبير:
كان ابن عباس يختلف عن ابن عمر في مواقفه إزاء الفتن التي جرت في عصره, حيث خاض فيها وشهد مع علي صراعه ضد خصومه في موقعتي الجمل وصفين, ولما جاء الأمويون للحكم واستخلف معاوية يزيد بادر ابن عباس إلى بيعته, والتزم بها, ولم يعرف أنه أيد ابن الزبير الذي رفض البيعة, وفي الوقت نفسه لم يعلن عداءه لابن الزبير, وبدأت العلاقة بين الاثنين تدخل طورًا جديدًا بعد وفاة يزيد بن معاوية, حيث بويع ابن الزبير بالخلافة سنة 64هـ, وعندما طلب ابن الزبير من محمد ابن الحنفية وابن عباس المبايعة قالا: حتى تجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس(223), ووعداه بعدم إظهار الخلاف له(224). لم يحاول ابن الزبير في بداية الأمر إجبارهما على البيعة, وبدأت العلاقة بين ابن الزبير وابن عباس في تحسن, نلمس ذلك في العديد من الروايات التي تدلل على شعور ابن عباس تجاه ابن الزبير, والمتمثل في تأييده لبعض مواقفه(225), أو في الثناء المباشر عليه(226), ويروي عبد الرزاق في مصنفه أن
ابن عباس كان قاضيًا لابن الزبير بمكة, إلا أن العلاقة بينهما تعكرت, وقد وردت عدة روايات تدل على مظاهر تردي العلاقة بين الاثنين, وإن كانت في مجموعها لا تخرج عن نطاق المناقشات الحادة(227). ونظرًا لتوافق ابن عباس مع محمد ابن الحنفية في رفض بيعة ابن الزبير وتنامي خطر الأخير, فقد انتهى الأمر بخروج ابن عباس إلى الطائف, وبقى هناك إلى أن توفى(228), وكان ابن عباس يثني على ابن الزبير, فعندما ذكر عنده قال ابن عباس: قارئ لكتاب الله, عفيف في الإسلام, أبوه الزبير, وأمه أسماء, وجده أبو بكر, وعمته خديجة, وخالته عائشة, وجدته صفية(229).
ج- ابن الحنفية وبيعة ابن الزبير:(1/49)
كان المبدأ الذي صرح به ابن الحنفية بعد وفاة يزيد ألا يبايع أحدًا إلا في حالة اجتماع الناس عليه(230), لم يحاول ابن الزبير في بداية الأمر إكراه ابن الحنفية على البيعة, ولم يستمر ابن الزبير في سياسته اللينة مع ابن الحنفية, فبعد أن علا شأن ابن الزبير وجاءته بيعة الأمصار, وكادت الأمة تجتمع عليه, أحس أن الوقت قد حان لأن يبايع ابن الحنفية بناء على وعده, فعاود الكرة مرة أخرى, ودعاه إلى البيعة سنة 65هـ, ولكن ابن الحنفية أبى أن يبايع, فلجأ ابن الزبير إلى حبسه في الشعب(231),, ويبدو أن الزبير تخوف من دعوة المختار بن أبي عبيد الثقفي بالكوفة, فقد كان المختار من أشد المدافعين عن ابن الزبير أيام حوصر في مكة سنة 64هـ من قبل جيش الحصين بن نمير السكوني, وكان المختار -بالإضافة إلى شجاعته وجرأته- يتمتع بمكر ودهاء كبيرين, ويحمل بين جنبيه طموحات عالية للزعامة(232), لم يجد المختار عند ابن الزبير ما يحقق طموحاته, فأخذ يبحث عن مكان آخر يمكن أن يحقق فيه ما تصبو نفسه إليه, فترك مكة بعد ستة أشهر من نهاية الحصار الأول, ووصل العراق في رمضان 64هـ, واستطاع عن طريق إدعائه نصرة آل البيت ورفع شعار الأخذ بثأر الحسين أن يجمع حوله الأنصار والمؤيدين والناقمين على حكم بني أمية, واستطاع أن يستولي على الكوفة(233), وكان المختار على علم بما جرى بين ابن الزبير وابن الحنفية في أمر البيعة, وأراد أن يستغل هذا الموقف لصالحه وادعى أنه موفد من محمد ابن الحنفية للأخذ بثأر آل البيت, والواقع أن ابن الحنفية تبرأ من المختار وأنكر أن يكون قد أرسله إلى العراق(234), ودعت الشيعة بالكوفة إلى ابن الحنفية, فخاف ابن الزبير أن تفتح بذلك جبهة جديدة عليه مما يزيد الأمر خطورة وتعقيدًا(235), وأرسل المختار جيشًا في عام 66هـ إلى مكة في موسم الحج, واستطاع أن يخلص ابن الحنفية من سجنه, ومنع ابن الحنفية الجيش من قتال ابن الزبير لكونه لا يستحل(1/50)
القتال في الحرم(236), والواقع أن ابن الحنفية أصبح يشكل خطرًا على ابن الزبير بعد وصول نجدة العراق, وتروي المصادر أنه كان لابن الحنفية لواء في الحج ينافس فيه لواء ابن الزبير(237), أما بالنسبة لابن الزبير فقد أحس أن مصدر قوة ابن الحنفية يكمن في مساندة المختار بن أبي عبيد له, ولذلك فكر في القضاء عليه, فأرسل أخاه مصعبًا واليًا على البصرة, وأمره أن يقاتل المختار وفعلاً استطاع مصعب بن الزبير أن يقضي على المختار في الرابع عشر من رمضان سنة 67هـ(238), وأدى مقتل المختار إلى تضعضع موقف ابن الحنفية بمكة, ويروي ابن سعد أن ابن الزبير أرسل إلى ابن الحنفية أخاه عروة يطلب منه أن يبايع, وهدده بالحرب إن هو أصر على رفض البيعة(239), ولاحت لابن الحنفية في هذه الأثناء فرصة رأى فيها مخرجًا من ضغوط ابن الزبير, تمثلت في دعوة عبد الملك بن مروان له بأن يقدم إلى الشام, فاغتنم ابن الحنفية هذه الفرصة وتوجه إلى الشام هو وأتباعه, واختاروا المقام بأيلة(240), وهذه البلدة وإن كانت من بلاد الشام منطقة نفوذ عبد الملك بن مروان إلا أنها في أطرافها نحو الحجاز وأصبح تقريبًا في منطقة بعيدة عن الاثنين معًا, ولكن اتضح أن نوايا عبد الملك لم تكن تختلف عن نوايا ابن الزبير, فعرض عليه البيعة مقابل أموال وأعطيات سخية أو الخروج من بلاد الشام, وآثر ابن الحنفية الخروج على البيعة؛ حيث اشترط ذلك على ابن الزبير من قبل. وأراد ابن الحنفية العودة إلى مكة, ولكن ابن الزبير منعه من دخولها فتوجه بمن معه إلى الطائف, وقيل المدينة, وبقى بها إلى أن قتل ابن الزبير(241).
2- بيعة ابن الزبير في العراق(1/51)
أدت وفاة يزيد بن معاوية إلى اضطراب الوضع في العراق ونشوب النزاع بين قبائله المختلفة حول السلطة, وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام, وخرج الخوارج قبل هروبه من السجن وبدأوا بإشاعة الفوضى والفساد, وبعد فتن وقتال اتفقت القبائل بالبصرة على أن يتولى عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب الأمر(242), ثم شرع ابن الزبير في تعيين نوابه بعد بيعة أهل البصرة له إلى أن استقر على ولايتها أخوه مصعب, وعين أهل الكوفة عامر بن مسعود بن خلف القرشي(243), وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير فأقره, وهذا التصرف يعد في حقيقته إقرارًا من أهل الكوفة بخلافة ابن الزبير(244), وتعامل أهل البصرة وأهل الكوفة مع ابن الزبير, كخليفة للمسلمين(245), وقد ساعدت عوامل عديدة على نشر بيعة ابن الزبير بالعراق, من أهمها: الفراغ السياسي في السلطة بعد وفاة يزيد بن معاوية, وهروب عبيد الله بن زياد إلى الشام, كما أن التنافس القبلي على السلطة, واشتداد شوكة الخوارج وتهديدهم للأمن, أسهم في حث أهل العراق على توحيد كلمتهم والانضواء تحت لواء ابن الزبير(246).
3- بيعة ابن الزبير في الشام(1/52)
بعد وفاة معاوية بن يزيد وفي مناخ الشام المشوب بالفوضى والاضطراب وجدت بيعة ابن الزبير منفذًا لها في بلاد الشام, لاسيما أن أخبار صمود ابن الزبير أمام جيش الحصين بن نمير في الحصار الأول, وبيعة أهل الحجاز له, قد تنامت إلى بلاد الشام, ويصور لنا البلاذري مواقف أهل الشام من بيعة ابن الزبير في تلك الظروف فيقول: فلما مات معاوية بن يزيد مال أكثر الناس إلى ابن الزبير, وقالوا: هو رجل كامل السن, وقد نصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان, وهو ابن حواري رسول الله ×, وأمه بنت أبي بكر بن أبي قحافة, وله فضل في نفسه ليس لغيره, وتكاد تجمع المصادر على بيعة جميع أقاليم أهل الشام ما عدا الأردن, فقد بايع زفر بن الحارث الكلابي(247) بقنسرين, وبايع النعمان بن بشير الأنصاري(248), بحمص, واستطاع نائل بن قيس الجذامي(249) أن يسيطر على فلسطين ويدعو فيها لابن الزبير, ودعا الضحاك بن قيس الفهري لابن الزبير في دمشق(250), وعين ابن الزبير الضحاك بن قيس واليًا على الشام(251), هذه أهم الأقاليم التي بايعت ابن الزبير.
موقف الخوارج من بيعة ابن الزبير(1/53)
تحالف الخوارج مع ابن الزبير في الدفاع عن مكة حتى وفاة يزيد, فلما زال الخطر, دخل عليه قادتهم فأرادوا معرفة رأيه في عثمان بن عفان (, فأجابهم فيه بما يسوءهم, وذكر لهم ما كان متصفًا به من الإيمان والتصديق, والعدل والإحسان والسيرة الحسنة والرجوع إلى الحق إذا تبين له, فعند ذلك نفروا منه وفارقوه وقصدوا بلاد العراق وخراسان, فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة التي لا تنضبط ولا تنحصر؛ لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس والاعتقاد الفاسد, ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان(252), وتصدي لقتالهم الفارس الهمام, البطل الكبير, المهلب بن أبي صفرة, فقد كتب ابن الزبير له بأن يتولى حربهم فاستجاب لذلك, وكان على رأس الخوارج الأزارقة نافع بن الأزرق, واستطاع المهلب أن يهزمهم وقتل أميرهم نافع بن الأزرق, وانهزمت الخوارج نحو فارس(253), وتسربت شائعات إلى أهل البصرة بأن المهلب قتل, فاضطرب المصر وهمّ أميرهم الحارث بن أبي ربيعة أن يهرب, وأقبل البشير إلى أهل البصرة بسلامة المهلب, فاستبشروا بذلك واطمأنوا, وأقام أميرها بعد أن هم بالهرب, وبلغ عبد الله بن الزبير ما كان من عزم عامله بالبصرة على الهرب, فعزله وولى أخاه مصعبًا, فسار مصعب حتى قدمها وتولى أمر جميع العراقين وفارس والأهواز, ومما قيل من الأشعار في قتال المهلب للخوارج الأزارقة:
إن ربًا أنجى المهلَّب ذا الطول
لأهلٌ أن تحمدوه كثيرًا
لا يزال المهلب بن أبي صفرة
ما عاش بالعراق أميرًا(254)
وقال رجل من الخوارج في قتل نافع بن الأزرق:
إن مات غير مداهن في دينه
ومتى يمر بذكر نار يصعق
والموت أمر لا محالة واقع
من لا يصبحه نهارًا يطرق
فلئن منينا بالمهلب إنه
لأخو الحروب وليث أهل المشرق(255)
* * *
المبحث الثاني
خروج مروان بن الحكم على ابن الزبير
أولاً: اسمه ونسبه وحياته قبل خروجه على ابن الزبير:(1/54)
هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف, الملك أبو عبد الملك القرشي الأموي(256), يكنى أبا القاسم وأبا الحكم, ولد بمكة, وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر, وروى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وروى عنه سهل بن سعد, وسعيد بن المسيب, وعلي بن الحسين, وعروة, وأبو بكر بن عبد الرحمن, وعبيد الله بن عمر, ومجاهد بن جبر, وابنه عبد الملك, وكان كاتب ابن عمه عثمان ودافع عنه يوم الدار, وسأل عنه علي بن أبي طالب يوم الجمل وقال: يعطفني عليه رحم ماسة, وهو مع ذلك سيد من شباب قريش(257), وكان يتتبع قضاء عمر(258), وتولى ولاية المدينة في عهد معاوية, وكان الحسن والحسين يصليان خلف مروان ولا يعيدان(259), وكان إذا وقعت معضلة -أثناء ولايته على المدينة- جمع من عنده من الصحابة فاستشارهم فيها, وهو الذي جمع الصيعان فأخذ بأعدلها, فنسب إليه فقيل صاع مروان(260), وكان ذا شهامة وشجاعة ومكر ودهاء(261), وقد ذكرت شيئًا من سيرته في كتابي عن عثمان بن عفان (, وكان شديد الحب لبني أمية, وكان متحمسًا لبيعة يزيد بن معاوية, ولما توفى يزيد خرج مروان وبنو أمية من المدينة إلى الشام بصحبة الجيش الأموي الراجع من حصار مكة الأول, وكان خروج بني أمية برغبتهم(262), ولم يبايع مروان ابن الزبير, والتف زعماء القبائل وبنو أمية الموجودون بالشام حوله وبايعوه, وكان يحمل بين جنبيه طموحاته للزعامة, وكانت هذه الطموحات مع رغبته في بقاء الخلافة في البيت الأموي هي الدافع لخروجه على ابن الزبير, وخير دليل على ذلك إقدامه على مبايعة ابنيه من بعده -عبد الملك, وعبد العزيز- بولاية العهد(263), وهناك روايات تذكر أن مروان بن الحكم كان قد عزم على مبايعة ابن الزبير لولا أن تدخل عبيد الله بن زياد وغيره في آخر لحظة وأثنوه عن عزمه وأقنعوه أن يدعو لنفسه(264), وإن كنا لا نستبعد أن يكون مروان قد فكر في ذلك الأمر لاسيما بعد انتشار بيعة ابن الزبير في(1/55)
معظم الأقاليم مع تفرق كلمة بني أمية في بلاد الشام, وضعف موقفهم فإننا لا نعتبر ذلك مناقضًا لما ذهبنا إليه, لأن العبرة ليست فيما عزم عليه مروان بن الحكم, وإنما في الموقف الذي اتخذه, وهو رفض بيعته لابن الزبير ومحاربته(265) والخروج عليه, ولقد سار مروان في محاربته لابن الزبير على الخطوات التالية:
1- القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام, وأهم الأحداث بالشام كان مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط.
2- إعادة مصر إلى الأمويين.
3- محاولة إعادة العراق والحجاز.
4- تولية العهد لعبد الملك وعبد العزيز.
ثانيًا: القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام وأهمية مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط:
بدأ مروان بن الحكم -بعد أن تزعم المعارضة الأموية- بتوحيد صفوفه والدخول في صراع ضد ابن الزبير, ولم يبدأ مروان بمواجهة ابن الزبير في الحجاز, وإنما لجأ إلى انتزاع الأقاليم البعيدة وذلك ليحسر نفوذه أولاً ومن ثم يتيسر له القضاء عليه(266), وجاء مروان بن الحكم إلى الحكم بعد عقد مؤتمر الجابية لأهل الشام, ولأهمية مؤتمر الجابية إليك تفصيل ما جرى فيه:
1- مؤتمر الجابية:(1/56)
ظلت الأردن -موطن الكلبيين- على ولائها للأسرة الأموية, وكان بعض زعماء الشام حريصًا على الاحتفاظ بالخلافة في الشام دون غيرها, ومثال ذلك الحصين بن نمير الذي عرض على ابن الزبير مبايعته بشرط الانتقال للشام, ويبدو أن تمسك بعض زعماء أهل الشام باستمرار دمشق مركزًا للخلافة لم يكن أمرًا عاطفيًا غير مبرر, بل كان يستند إلى قناعة أكيدة, أثبتت الأيام صدقها, بمقدرة أهل الشام على تحقيق الحسم التاريخي, وبعمق الالتحام بين بنائها القبلي اليماني, والوجود الأموي بها, رغم ما تعرضت له الوحدة القبلية لأبناء الشام من هزات عنيفة, وتشقق مريع, حيث أفرزت الأحداث السياسية السريعة -آنذاك- صراعًا عنيفًا بين القبائل القيسية واليمانية, ظل يرسل انعكاساته على الحياة السياسية بعد ذلك, فقد بايع القيسيون في شمال الشام ابن الزبير المرشح الوحيد الظاهر القوة والقبول في هذه المرحلة, وازدادت قوة القيسيين بانضمام الضحاك بين قيس الفهري إليهم, وهو الرجل الذي أمضى تاريخه كله في الشام وفي خدمة معاوية وابنه يزيد, والذي كان يُشرف -آنذاك- على شئون دمشق منذ وفاة معاوية الثاني, بينما تشبث الكلبيون -رغم الضعف الظاهري لمواقفهم في ظل هذه البيعة الجماعية لابن الزبير حتى من إخوانهم الشماليين والمصاهرة بينهم وبين الأمويين منذ تزوج معاوية منهم(267) وتربى فيهم يزيد(268)..
ولكن الكلبيين فيما عدا ذلك يختلفون, فبينما يهوى بعضهم البيعة لخالد بن يزيد بن معاوية, وهو غلام صغير السن, يستنكف بعضهم من البيعة لغلام, في الوقت الذي يدعو فيه الآخرون إلى شيخ قريش عبد الله بن الزبير, ويفضل هذا الفريق البيعة لمروان بن الحكم, وبعد محاولات لرأب الصدع بين القيسية واليمنية اتفق الطرفان على الالتقاء في الجابية(269), للتشاور والاتفاق, فسار الكلبيون والأمويون إلى هناك, على حين غلب بعض أنصار ابن الزبير الضحاك ابن قيس على رأيه فأطاعهم ومال نحو مرج راهط(270).(1/57)
أ- الممارسة الشورية في مؤتمر الجابية:
في الجابية عقد الكلبيون مؤتمرهم وتشاوروا في أمر البيعة والخلافة, وكان مؤتمر الجابية مؤتمرًا تاريخيًا يمكن أن يوصف بلغة السياسة بأنه كان مؤتمرًا دستوريًا, وقد حضره أصحاب الشوكة والقوة والرأي من أهل الشام, وتمت الدعوة إليه بالرضا من عناصر أهل الشام المؤثرة في القرار المصيري, ونستطيع أن نلاحظ صورة لهذه التجربة الشورية النادرة حين نتصور أن أسماء المرشحين الآخرين للخلافة -غير بني أمية- قد عرضت للبحث, ولكن رجحت كفة مروان لعوامل, كما يصور ذلك روح بن زنباع الجذامي أحد زعماء الشام, حيث قال: أيها الناس إنكم تذكرون عبد الله بن عمر بن الخطاب وصحبته من رسول الله, وقدمه في الإسلام, وهو كما تذكرون, ولكن ابن عمر رجل ضعيف, وليس بصاحب أمر أمة محمد الضعيف, وأمام ما يذكر الناس من عبد الله بن الزبير, ويدعون إليه من أمره فهو(1/58)
-والله- كما يذكرون, إنه لابن الزبير, حواري رسول الله وابن أسماء ابنة أبي بكر الصديق, ذات النطاقين, وهو -بعد- كما تذكرون قدمه وفضله, ولكن ابن الزبير منافق قد خلع خليفتين, يزيد وابنه معاوية بن يزيد, وسفك الدماء وشق عصا المسلمين, وليس بصاحب أمر أمة محمد منافق, وأما مروان بن الحكم فوالله ما كان في الإسلام من صدع قط إلا كان مروان بن الحكم ممن يشعب ذلك الصدع, وهو الذي قاتل عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان يوم الدار, وهو الذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل, وإنا نرى للناس أن يبايعوا الكبير, ويستشبوا الصغير -يعني بالكبير مروان بن الحكم وبالصغير خالد بن يزيد بن معاوية- فاجتمع رأي الناس على البيعة لمروان ومن بعده لخالد بن يزيد, ثم لعمرو بن سعيد بن العاص بعد خالد(271), فكانت تلك المعادلة هي التي جمعت بين مختلف الآراء وأرضت جميع الاتجاهات(272), وقد دارت نقاشات كثيرة, وكان العديد من زعماء القبائل وقادة بني أمية قد حضروا, ومن هؤلاء الزعماء, حسان بن مالك بن بحدل الكلبي والحصين بن نمير السكوني, وروح بن زنباع الجذامي(273), ومالك بن هبيرة السكوني, وعبد الله بن مسعدة الفزاري, وعبد الله بن عضاة الأشعري, وغيرهم من الشخصيات المؤثرة(274) والمعارضة لابن الزبير, وقد قلبت آراء عديدة وكثيرة حتى استقر الرأي على مروان(275), ولم يمتنع مروان عن تقديم امتيازات لقبائل كلب وكندة لكي يستميلهم, وكانت له اتفاقات سرية وخاصة مع بعض الزعماء مما كان له الأثر الكبير في كسب المؤيدين له, فمروان خطط واستطاع بشتى الطرق الوصول إلى الحكم في بلاد الشام رغم الظروف الصعبة آنذاك(276).
ب- أهم قرارات مؤتمر الجابية:(1/59)
كانت أهم قرارات مؤتمر الجابية، عدم مبايعة ابن الزبير, واستبعاد خالد بن يزيد من الخلافة لأنه غلام والعرب لا تحب مبايعة الأطفال من ناحية, ومن الناحية الأخرى هم الآن في أزمة, وهم أحوج إلى الرجل المجرب الخبير علّه يقودهم إلى النصر وينقذهم من وضعهم المتدهور, ومبايعة مروان بن الحكم وهو الشيخ المحنك, وأن يتولى الخلافة بعد مروان على هذا الشرط شفويًا, والاستعداد لمجابهة وقتال المخالفين أتباع ابن الزبير في الشام بادئ الأمر(277).
ج- زعامة مروان لمعارضي أهل الشام قامت على الشورى:
قامت زعامة مروان لمعارضي ابن الزبير على أساس الشورى, إذ انتخب بالاختيار الحر من الذين شهدوا المؤتمر وهم أهل الحل والعقد والشوكة والقوة في الشام, وبويع بإجماع الحاضرين, فكانت طريقة توليته, شورية دستورية اتخذتها المعارضة لتقوية صفها, وبذلك صار في العالم الإسلامي -إذ ذاك- خليفتان: عبد الله بن الزبير الخليفة الشرعي والمنتخب من قبل الأغلبية الساحقة للأمة, ومروان بن الحكم الزعيم المعارض لابن الزبير والمنتخب من أهل الشوكة والقوة في عاصمة الخلافة, ولما كان لابد من توحيد الدولة الإسلامية فقد كان على أحدهما أن يتغلب على الآخر ويتم التوحيد ويجمع كلمة الأمة, فكانت الحروب والمعارك الطاحنة فيما بعد حتى استقر الأمر لعبد الملك بن مروان بعد مقتل الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير (, ويبدو أن أهل الشام الذين عارضوا ابن الزبير واجتمعوا بالجابية قد ذهبوا إلى أن بيعة أهل الشوكة والقوة من عاصمة الخلافة ملزمة لبقية الأقطار والأمصار كلها, وعلى الآخرين أن يسلموا لمن بايعوه لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء(278), وقد نسب ابن حزم هذا الرأي لأهل الشام قائلاً: كانوا قد ادعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام(279).(1/60)
والصحيح بالنسبة لعهد ابن الزبير هو الأخذ بمبدأ الأكثرية أو الأغلبية, وإن كانت حجية إقرار بيعة أهل عاصمة الخلافة أخذ بها في بيعة الصديق والفاروق وذي النورين والحسن بن علي, إلا أن الأمور قد تغيرت كثيرًا, فالأخذ بمبدأ الأكثرية للترجيح في تنازع قد قرره الإمام الغزالي حيث قال: يتم الترجيح بينهم بتقديم من انعقدت له البيعة من الأكثر, والمخالف للأكثر باغٍ يجب رده إلى الانقياد إلى الحق(280). وذلك هو الرأي الذي نؤيده, لأن حسم النزاع بترجيح أكثرهم حوزًا لرضا المسلمين هو ما يقضي به مبدأ حق الأمة الإسلامية في اختيار الخليفة(281), فضلاً عن الأدلة الشرعية المؤكدة لترجيح رأي الأكثرية أو الأغلبية, نذكر منها: أن الرسول × قد أخذ بما انعقد عليه رأي أغلبية المسلمين وإن بدا مخالفًا لرأيه, وذلك حيث علم بتحريك قوات المشركين في اتجاه المدينة لحربهم, فاستشار المسلمين, فرأى فريق منهم -وكان أكثرهم- الخروج إليهم, وفريق آخر رأى ما رآه الرسول نفسه وهو أن يظلوا بالمدينة, فلما رأى الرسول أن رأي الأغلبية مع الخروج أخذ برأيهم ووافق على الخروج للمشركين في أحد(282), وغير ذلك من الأدلة.. وقد أخذ مشروع الدستور الإسلامي الذي أعده مجمع البحوث الإسلامية والأزهر بفكرة الإلزام برأي الأغلبية, حيث نصت المادة (46) منه على أن تكون البيعة بالأغلبية المطلوبة لأصوات المشتركين في البيعة(283).
2- معركة مرج راهط:(1/61)
تمخض مؤتمر الجابية عن انتقال الخلافة الأموية من البيت السفياني إلى البيت المرواني, وانعقدت البيعة لمروان, وحل مؤتمر الجابية مشكلة الخلافة بين بني أمية, وكانت هذه خطوة حاسمة, ولكن لم يكن تثبيت هذا الأمر سهلاً؛ فما زالت تعترضه صعوبات كبيرة, فالضحاك بن قيس, زعيم القيسيين المناصر لابن الزبير قد ذهب إلى مرج راهط وانضم إليه النعمان بن بشير الأنصاري والي حمص, وزفر بن الحارث الكلابي, أمير قنسرين, وكان واضحًا أنهم يستعدون لمواجهة الأمويين, فكان على مروان أن يثبت أنه أهل للمسئولية وحمل أعباء الخلافة, والدفاع عنها, وقد حقق أنصار مروان أول نجاح لهم بالاستيلاء على دمشق وطرد عامل الضحاك منها, وكان أول فتح على بني أمية -على حد تعبير ابن الأثير-(284) ولم يضيع مروان وقتًا, فقد عبأ أنصاره من قبائل اليمن في الشام كلب وغسان والسكاسك والسكون, وجعل على ميمنته عمرو بن سعيد, وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد, واتجه إلى مرج راهط, فدارت المعركة الشهيرة التي حسمت الموقف في الشام لبني أمية ومروان, حيث هزم القيسيون, أنصار ابن الزبير, وقتل الضحاك بن قيس, وعدد كبير من أشراف قيس في الشام, واستمرت المعركة حوالي عشرين يومًا, وكانت في نهاية سنة 64هـ, وقيل: في المحرم سنة 65هـ(285).
أ- نتائج مرج راهط:
- أعادت هذه المعركة الملك لبني أمية بعد أن كان مهددًا بالزوال, وحولت السلطة من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني.
- تخلص الأمويون من الضحاك بن قيس الذي كان يعد معارضًا قويًا للأمويين, وتابعًا مخلصًا لابن الزبير.
- سقطت قنسرين في يد الأمويين وهرب واليها زفر بن الحارث فتوجه إلى قرقيسيا, وكان عليها عياض الحرثي -حسب قول ابن الأثير-.
- سقطت فلسطين وهرب ناتل بن قيس الجذامي إلى ابن الزبير.
- سقطت حمص وقتل واليها النعمان بن بشير(286).(1/62)
- اندلع الصراع بين اليمنية والقيسية ودخلت العصبية القبلية مسرح السياسة العليا للدولة, وإذا كان يوم مرج راهط قد انتصر فيه الكلبيون فقد كان نصرًا مؤقتًا, وكان الصراع بين العصبتين القيسية واليمنية من أسباب انهيار الدولة الأموية(287).
ب- أسباب هزيمة القيسيين:
لم يرم ابن الزبير بثقله في تلك المعركة, وكان عليه أن يجيِّش الجيوش ويمد أتباعه بالرجال والأموال والسلاح ليقضي على المعارضين بالشام عندما كانت المعارضة لم توحد صفوفها بعد.
- اعتماد مروان على رجال دهاة خبراء في الحرب من أمثال حصين بن نمير وعمرو بن سعيد.
- عدم اشتراك أتباع ابن الزبير في الشام كلهم, فقد شارك ولاة الشام التابعون لابن الزبير بأعداد من الجنود فقط.
- ترك الضحاك مدينة دمشق دون قوة تستطيع المحافظة عليها رغم أهميتها, وهذا سهل للأمويين الاستيلاء عليها وعلى ما فيها من أموال مكنتهم من الاستفادة من هذا الخطأ(288).
ج- بكاء مروان بن الحكم في مرج راهط:
وروي أن مروان بن الحكم لما جيء برأس الضحاك إليه ساءه ذلك وقال: الآن حين كبرت سني ودق عظمي, وصرت في مثل ظمء الحمار(289), أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض(290). وروي أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط(291) وقال: أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك(292) وفي رواية عن مالك قال: قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة, ثم أصبحت فيما أنا فيه من إهراق الدماء, وهذا الشأن(293). إن ندم مروان في مثل هذا الموقف وبعد أن تحقق له النصر, وتأكدت له طرق الحكم, وتمهدت له سبل الوصول إلى غايته, لدليل قاطع على ما كان يجيش به قلب مروان من عامل الخير, لقد كان هذا النصر جديرًا أن ينسيه كل منغصات الحياة, وكان فوزه بالخلافة حقيقًا بأن ينفي عنه كل ما يسبب له الندم, ويعكر له الصفو, فما بال مروان يندم وهو في هذه الظروف التي تزيل الهم عن النفس وتبعد الندم(294) لطالبي الملك والزعامة والسلطان؟!(1/63)
وأغلب الظن أنه تورط في طلبه للخلافة, ودفعه إلى هذا المستنقع
الآسن أناس لهم مصالح دنيوية لا تخفى, فشعر بوخز الضمير, وخاف
على نفسه من سوء الخاتمة بعد أن ولغت يداه في دماء المسلمين من أجل
الحطام الزائل.
ثالثًا: ضم مصر إلى الدولة الأموية ومحاولة إعادة العراق والحجاز
مكّن انتصار مروان في معركة مرج راهط لدولته في الشام فبسط نفوذه عليها, وكانت خطوته التالية هي المسير إلى مصر لاستردادها من عامل ابن الزبير, وكانت هذه خطوة تدل على ذكاء مروان, فلمصر أهميتها الكبيرة, واستيلاؤه عليها يدعم موقفه في مواجهة ابن الزبير, ولم يكن استيلاؤه عليها صعبًا, فمعظم المصريين هواهم مع بني أمية, وبيعتهم لابن الزبير لم تكن خالصة وإنما كانت بيعة ضرورة(295), ودعا مروان شيعة بني أمية بمصر سرًا(296) وهذا ما يفسر سهولة استيلاء مروان على مصر, فقد سار إليها بجيشه, ومعه عمرو بن سعيد, وخالد بن يزيد بن معاوية, وحسان بن مالك, ومالك بن هبيرة وابنه عبد العزيز(297), ودارت بين مروان وابن جحدم عدة معارك انتصر فيها مروان وهرب ابن جحدم, ثم جاء إلى مروان طالبًا العفو على أن يخرج إلى مكة, فعفا عنه.
وكان نجاح مروان في استرداد مصر في جمادى الآخرة سنة 65هـ(298), وأقام في مصر شهرين لترتيب الأوضاع والاطمئنان عليها, ولما عزم على العودة إلى الشام عين ابنه عبد العزيز واليًا عليها, وأوصاه وصية تدل على حنكة سياسية, وخبرة واسعة, وكان عبد العزيز قد توجس وأخذته وحشة من بقائه في مصر فقال لأبيه: يا أمير المؤمنين, كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي؟ فقال له:(1/64)
يا بني, عُمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك, واجعل وجهك طلقًا تصفُ لك مودتهم, وأوقع إلى كل رئيس منهم أنه خاصتك دون غيره, يكن لك عينًا على غيره, ويَنْقَد قومه إليك, وقد جعلت معك أخاك بشرًا مؤنسًا, وجعلت موسى بن نصير وزيرًا ومشيرًا, وما عليك يا بني أن تكون أميرًا بأقصى الأرض, أليس أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك؟ (299).
بعد رجوع مروان بن الحكم قافلاً من مصر أقدم على تجهيز حملتين ضد ابن الزبير في محاولة منه لإعادة العراق والحجاز, فكانت الحملة ضد العراق بقيادة عبيد الله بن زيادة, وكانت مهمتها الأولى هي محاصرة زفر بن الحارث الكلابي والتخلص منه ثم التقدم نحو العراق, حيث مصعب بن الزبير, ولكن هذه الحملة لم تحقق شيئًا من أهدافها في عهد مروان؛ إذ سارع إليه الأجل وتوفى وهي في طريقها لمحاصرة زفر بن الحارث في قرقيسيا, وعند مجئ عبد الملك أقر هذه الحملة -التي سوف نعرض للحديث عنها فيما بعد- أما ما يتعلق بالحجاز فقد جهز مروان جيشًا من فلسطين يقدر بستة آلاف وأربعمائة فارس بقيادة حبيش بن دلجة القيني, وكان في الجيش الحجاج بن يوسف ووالده, اتجه هذا الجيش نحو الحجاز, ولما وصل إلى وادي القرى هرب عامل ابن الزبير على المدينة(300), واستمرت الحملة إلى عهد عبد الملك بن مروان(301).
رابعًا: تولية العهد لعبد الملك ووفاة مروان بن الحكم:(1/65)
ختم مروان بن الحكم أعماله بعقد البيعة لولديه عبد الملك بن مروان وعبد العزيز بن مروان مجسدًا لمبدأ التوريث, وكان ذلك قبل وفاته بأقل من شهرين(302), وبعد نجاحه بإعادة مصر إلى الحكم الأموي, بدأ مروان بالتخطيط لاستبعاد خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الأشدق من ولاية العهد الذي قرر في مؤتمر الجابية, فتزوج أم خالد بن يزيد, وعمل للحصول على موافقة حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بتولية العهد لولديه وإبعاد خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الأشدق, فوافقه حسان على ذلك, وقد كان عمرو بن سعيد الأشدق هو الذي يطالب بولاية العهد بعد مروان, وأعلن ذلك بعد رجوعه من قتال مصعب بن الزبير عندما حاول إعادة ناتل بن قيس الجذامي إلى فلسطين(303), مما دعا مروان بن الحكم إلى أن يعهد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وذلك سنة 65هـ مستعينًا بحسان بن مالك بن بحدل بعد أن أخبره بما يردده عمرو بن سعيد ابن الأشدق بأن الأخير هو ولي العهد, فقال حسان: أنا أكفيك عمرًا. لهذا جمع الناس وخطبهم فبايع الجميع لعبد الملك ثم لعبد العزيز ولم يتخلف أحد(304).
ويعتبر بعض المؤرخين أن من أهم أعمال مروان بن الحكم تولية ولديه ولاية العهد, وذلك لحفظ الخلافة في البيت المرواني من جهة, ولوضع حد للتنافس على الخلافة بين بني أمية من جهة ثانية, ولتفادي المشاكل التي ربما تحدث بشأن الخلافة, كما حدثت بعد موت معاوية الثاني(305).(1/66)
والملاحظ أن مروان بن الحكم نقض بعض مقررات مؤتمر الجابية المتعلقة بولاية العهد ولم يلتزم بعهوده, وكان راغبًا في حصر الخلافة في أبنائه, فآثر إسقاط وعوده ونقضها على المحافظة على طموحاته ورغباته, وأوجد معادلة فيها مطامع ومصالح مشتركة مع المعارضين له, مما جعلهم يستجيبون لدعوته إلى تولية أبنائه ولاية العهد من بعده, فقد عمل على التحرش بخالد بن يزيد وتعمد إهانته أمام الآخرين, بغية تحجيمه وإعطاء صورة للناس بعدم صلاحيته للخلافة, ثم خطا الخطوة التالية فأخذ البيعة لولديه عبد الملك وعبد العزيز في بداية سنة 65هـ(306), لقد استطاع مروان -بدهائه ومكره وجهوده المتوالية- الخروج بأزمة الحكم الأموي من حالة الضياع إلى مركز الصدارة والقيادة, وهذا لم يكن حدثًا عاديًا محدود التأثير, وإنما هو عودة جديدة للحكم بعد تثبيته في الشام ومصر من جهة, وتجريد السفيانيين من الخلافة وتحويلها إلى المروانيين من جهة ثانية, ولم يكن ثمة ما يحول دون استمرار التقدم عند ابنه عبد الملك لنزع الخلافة من الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير, ثم يتفرغ للقيام بالعديد من الإصلاحات التي جعلته المؤسس والمجدد الحقيقي لمؤسسات الدولة الأموية, وتعميق الحكم العضوض بها, مع وجود بعض الحسنات التي لا تنكر للملك الأموي الجديد.
توفى مروان بن الحكم بدمشق لثلاث خلون من شهر رمضان سنة 65هـ وهو ابن ثلاث وستين سنة, وصلى عليه ابنه عبد الملك, وكانت مدة حكمه تسعة أشهر وثمانية عشر يومًا, ودفن بين باب الجابية وباب الصغير(307), وكان آخر ما تكلم به مروان: وجبت الجنة لمن خاف النار. وكان نقش خاتمه: …(1/67)
العزة لله, وفي رواية: آمنت بالله العزيز الرحيم(308), وقد اختلف في سبب وفاته؛ إذ وردت ثلاث روايات فيها: الأولى ترى أنه توفى بالطاعون(309), وتذهب الأخرى إلى أن زوجته أم خالد بن يزيد سقته سمًا فمات أو وضعت وسادته على رأسه حتى مات(310), وثالثة ترى أنه توفى وفاة طبيعية(311), إن تناقض الروايات يدل على أن الحقيقة غير معروفة, وأما الرواية التي تتهم زوجته بالقتل فتبدو كأنها أسطورة مختلقة رددتها الألسن, إما حبًا في الثرثرة, وإما طعنًا في الأسرة الأموية, وهذه الرواية غير مقبولة للأسباب الآتية:
1- أنه لم يعرف عن نساء العرب مثل هذا الفعل, فضلاً عن كونها سيدة حرة شريفة تلتقي وإياه في عبد شمس.
2- مكانة مروان بن الحكم من قومه وتوليته الخلافة يجعل من الصعوبة بمكان الإقدام على مثل هذا الفعل له؛ وذلك للنتائج المترتبة عليه فيما بعد.
3- لم يظهر أي أثر لهذا الاغتيال في الأسرة الأموية, خاصة بين
خالد بن يزيد وعبد الملك بن مروان, مما يدل على أن هذه الرواية غير صحيحة.
أما الرواية التي تشير إلى موته الطبيعي وإصابته بالطاعون فإنها محتملة؛ لأنه كان قد تجاوز الستين من العمر(312), فضلاً عن الجهد الذي بذله في أواخر أيامه, مما يدعم التعويل على موته الطبيعي(313).
***
المبحث الثالث
عبد الملك بن مروان وصراعه مع ابن الزبير
أولاً: اسمه ونسبه وكنيته وشيء من حياته:
1- اسمه ونسبه وكنيته:
هو عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص بن أمية, أبو الوليد الأموي, وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية(314).
2- مولده ووصفه:(1/68)
كان مولده ومولد يزيد بن معاوية في سنة ست وعشرين, وقد كان عبد الملك قبل الخلافة من العباد الزهاد الفقهاء, الملازمين للمسجد, التالين للقرآن, وكان ربعة من الرجال أقرب إلى القصر, وكانت أسنانه مشبكة بالذهب, وكان أفْوَه مفتوح الفم, فربما غفل فينفتح فمه فيدخل فيه الذباب, فلهذا كان يقال له: أبو الذِّبان, وكان أبيض ربعة ليس بالنحيف ولا البادن, مقرون الحاجبين, أشهل(315) كبير العينين, دقيق الأنف, مشرق الوجه, أبيض الرأس واللحية, حسن الوجه لم يخضب, ويقال: أنه خضب بعد ذلك(316).
3- طلبه للعلم وعبادته قبل الإمارة وثناء الناس عليه:
قال نافع: لقد رأيت المدينة ما فيها شاب أشدُّ تشميرًا, ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان(317). وقال الأعمش عن أبي الزناد: كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب, وعروة, وقبيصة بن ذؤيب, وعبد الملك قبل أن يدخل الإمارة(318), وعن ابن عمر أنه قال: ولد الناس أبناء وولد مروان أبًا -يعني
عبد الملك(319)- ويقصد ابن عمر أن عبد الملك كان يفوق سنه, ويعلو فوق أقرانه(320), وعن يحيى بن سعيد قال: أول من صلى ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه. فقال سعيد بن المسيب: ليست العبادة بكثرة الصلاة والصيام, إنما العبادة التفكر في أمر الله, والورع عن محارم الله(321). وقد صدق رحمه الله. وقال الشعبي: ما جالست أحدًا إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان, فإنني ما ذاكرته حديثًا إلا زادني فيه, ولا شعرًا إلا زادني فيه(322).
4- تعظيمه لاسم الله تعالى:
روى البيهقي: أن عبد الملك وقع منه فلس في بئر قذرة فاكترى عليه
بثلاثة عشر دينارًا حتى أخرجه منها, فقيل له في ذلك, فقال: إنه كان عليه
اسم الله عز وجل(323).
5- التسبيح والتكبير في الأسفار:(1/69)
روى ابن أبي الدنيا, أن عبد الملك كان يقول لمن يسايره في سفره إذا رفعت له شجرة: سبِّحوا بنا حتى نأتي تلك الشجرة, وكبِّروا بنا حتى نأتي ذاك الحجر, ونحو ذلك(324).
6- هل يصح هجره للقرآن الكريم؟
قيل: إنه لما وضع المصحف من حجره قال: هذا آخر العهد منك(325). وهذه رواية ضعفها ابن كثير ورواها بصيغة التمريض "قيل"(326), كما أن عبد الملك قال لمؤدب أولاده -وهو إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر-: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن(327).
7- ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته:
روى ابن سعد ما يدل على أن عبد الملك كان محبوبًا مرغوبًا من عمومته كبار بني أمية, فذكر أن معاوية بن أبي سفيان كان جالسًا يومًا ومعه عمرو بن العاص رضي الله عنهما, فمر بهما عبد الملك بن مروان فقال معاوية: ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته! فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين, إن هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصالاً ثلاثًا: أخذ بحسن الحديث إذا حدث, وحسن الاستماع إذا حُدِّث, وبحسن البشر إلى لقى, وخفة المؤونة إذا خولف, وترك من القول ما يعتذر عنه, وترك مخالطة اللئام من الناس, وترك ممازحة من لا يوثق بعقله ولا مروءته(328).
8- وصيته لمؤدب أولاده:
قال عبد الملك لمؤدب أولاده -وهو إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر-: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن, وجنبهم السَّفِلَة فإنهم أسوأ الناس رِعة(329), وأقلهم أدبًا, وجنبهم الحشم, فإنهم بهم مفسدة, وأحف شعورهم تغلظ رقابهم, وأطعمهم اللحم يقووا, وعلمهم الشعر يمجُدُوا وينجُدُوا, ومرهم أن يستاكوا عَرضًا, ويمصوا الماء مصًّا ولا يعبُّوا عبًّا, وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في سر لا يعلم بهم أحد من الحاشية فيهونوا عليهم(330).
9- موقفه من ابن الزبير قبل الإمارة وبعدها:(1/70)
كان له من ابن الزبير موقفان متناقضان: أما الأول: فكان قبل أن يتولى الخلافة, يستعيذ بالله أن يبعث خليفة إلى مكة جيشًا ليقتل ابن الزبير ومن معه, وكان يرى في ذلك إثمًا كبيرًا(331), قال يحيى الغساني: لما نزل مسلم بن عقبة المدينة, دخلت مسجد رسول الله × فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت؟ فقلت: نعم, قال: ثكلتك أمك!! أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام (بعد الهجرة) وإلى ابن حواري رسول الله ×, وإلى ابن ذات النطاقين, وإلى من حنَّكه رسول الله ×, أما والله لو جئته نهارًا لوجدته صائمًا, ولئن جئته ليلاً لوجدته قائمًا, فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعًا في النار(332). وأما موقفه الثاني فكان بعد الخلافة, ويأتي عكس الأول تمامًا, عندما جهز عبد الملك جيشًا يقوده الحجاج بن يوسف الثقفي, وبعث به إلى مكة حيث كان يتحصن ابن الزبير بالكعبة, وظل محاصرًا مكة حتى قُتل عبد الله ابن الزبير(333).
ثانيًا: حياته السياسية قبل الإمارة:
كان أول حادث سياسي أثر في حياته عندما كان عمره عشر سنوات, فقد شهد مقتل عثمان (, وكان لهذا الحادث أثر في سياسته لما تولى الإمارة, فقد خطب في إحدى خطبه: أيها الناس, إنا نحتمل لكم كل اللغوبة ما لم يكن عقد راية أو وثوبًا على منبر(334). وأول منصب إداري تولاه في الدولة في عهد معاوية ابن أبي سفيان, فقد كان عاملاً على هجر(335) ثم تولى ديوان المدينة بعد وفاة زيد ابن ثابت(336), وشارك في الجهاد, فقد خرج على رأس حملة إلى أرض الروم وشتى هناك في سنة 42هـ(337), كما يذكر أنه غزا إفريقية مع معاوية بن حديج وكلفه بفتح جلولاء في بلاد الشمال الإفريقي, وفي عهد يزيد كان يقول على ابن الزبير: ما على الأرض اليوم خير منه(338), كما أن علاقته بمصعب بن الزبير كانت حسنة.(1/71)
وأما عن دوره السياسي في عهد مروان بن الحكم, فقد تولى فلسطين, وكان يبعث نائبًا عنه روح بن زنباع(339), ويمكن أن يكون ذلك ليبقى في دمشق قريبًا من إدارة الدولة لمساعدة والده هناك؛ لاسيما أن الفترة التي تولى فيها والده الحكم كانت الدولة محاطة فيها بالأعداء من الداخل والخارج, وتولى إمرة دمشق عند ذهاب والده لفتح مصر(340), وهذه المهمة تدل على كفايته الإدارية وحزمه(341).
ثالثًا: العلماء الذين كانوا مع عبد الملك:
بايع بعض العلماء لعبد الملك بن مروان بالشام, وكانوا قلة لا يعدون شيئًا أمام العلماء الذين بايعوا ابن الزبير أو الذين اعتزلوا حتى تجتمع الأمة على خليفة, وانحصر وجود هؤلاء في إقليم الشام, وقد ذكر من هؤلاء العالم الجليل قبيصة بن ذؤيب -رحمه الله- فكان من المبايعين لعبد الملك وأحد المقربين إليه(342), ومنهم يزيد بن الأسود الجرشي -رحمه الله- فورد أنه كان مع عبد الملك في خروجه لقتال مصعب بن الزبير, وروي عنه أنه حين رأى الجيشين قد التقيا قال: اللهم احجز بين هذين الجبلين وول الأمر أحبهما إليك(343).
رابعًا: حركة التوابين ومعركة عين الوردة 65هـ:(1/72)
عندما عم الاضطراب أنحاء البلاد بعد موت يزيد وفرار عبيد الله بن زياد, شرع أنصار الحسين يتصلون ببعضهم البعض بهدف وضع خطة للثأر لدمه, إذ بعد استشهاده هزتهم الفاجعة وندموا على تقاعسهم عن نصرته والدفاع عنه, معترفين بخطيئتهم بحماسة شديدة, لذلك لم يجدوا وسيلة يكفرون بها عن هذا التقصير ويتوبون إلى الله بها من هذا الذنب الكبر سوى الثأر للحسين(344), وأخذ الشيعة يعقدون الاجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي لدراسة الموقف, وأسلوب العمل الذي سيتبعونه, وغلب على هذه الاجتماعات موضوع التوبة والغفران, ثم شرعوا في تجييش الناس, وخرج التوابون من معسكرهم في النخيلة في شهر ربيع الأول 65هـ, وهو الموعد الذي حددوه لخروجهم, وكانت المحطة الأولى في مسيرتهم الانتقامية في كربلاء حيث بلغوا قبر الحسين فاسترحموا عليه وبكوا وتابوا عن خذلانهم له, وبعد يوم وليلة من البكاء كان الحماس قد أخذ منهم حق العمق, فقرروا السير إلى الشام لقتال عبيد الله بن زياد باعتباره الرجل الذي أصدر الأمر بقتل الحسين, لأنهم وجدوا أنه الطريق الأجدى لتحقيق الانتقام(345), ومر جيش التوابين ببلدة هيت على الفرات, ثم صعد مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيسياء(346). وكانت هذه المدينة هي أبعد المناطق في هذا الاتجاه التي اعترفت -ولو اسميًا- ببيعة ابن الزبير(347), واستقبل أمير قرقيسياء زفر بن الحارث الكلابي, جيش التوابين بحماسة, خاصة أنه قد جمعت الفريقين مصلحة مشتركة هي مقاتلة الأمويين, واقترح زفر عليهم توحيد صفوفهم مع أنصار ابن الزبير, إلا أنهم اعتذروا عن عدم قبول اقتراحه كما رفضوا نصيحته بالعدول عن قرارهم الانتحاري, واكتفوا بالتزود بما يحتاجون إليه من المدينة ثم مضوا إلى مصيرهم(348), والتقى التوابون بالجيش الأموي في عين الوردة من أرض الجزيرة إلى الشمال الغربي من صفين في عام 65هـ, وخاضوا ضده معركة ضارية غير متكافئة بفعل قلة عددهم بالمقارنة مع عدد(1/73)
أفراد الجيش الأموي, أسفرت عن تدميرهم ومقتل زعمائهم باستثناء رفاعة بن شداد الذي تراجع بالبقية القليلة منهم إلى الكوفة(349).
وقد علق الذهبي على سليمان بن صرد زعيم جيش التوابين بقوله: كان دينًا عابدًا, خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين الشهيد, وساروا للطلب بدمه, وسُموا جيش التوابين(350). وعلق ابن كثير على جيش التوابين بقوله: لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين(351), وكان عمر سليمان بن صرد ( يوم قل ثلاثًا وتسعين سنة(352).
والحق أن الإنسان يقف مبهورًا أمام شجاعة التوابين وجرأتهم, فقد كان عددهم لا يتجاوز أربعة آلاف رجل, وخاضوا هذه المعركة بإيمان صادق, وعقيدة راسخة, وشجاعة نادرة, وصبر فائق, مع عشرين ألف جندي -على أقل تقدير- من أهل الشام, وأنزلوا بهم خسائر فادحة في الأرواح, وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى خاضوا في الدماء, ولولا كثرة جيش الشام, حتى استطاعوا أن يلتفوا حولهم, ويضربوا عليهم طوقًا, وأحاطوا بهم من كل جانب, ثم رموهم بالنبل, لما استطاعوا الانتصار عليهم(353).
ولكنا إزاء هذا الإعجاب بشجاعتهم, وإخلاصهم وتفانيهم في القتال, لا نملك إلا أن نتساءل: أين كانت هذه الشجاعة يوم تركوا الحسين ( يواجه الموت هو وأهل بيته, دون أن يتحرك منهم أحد؟! (354).
وأما أهم أسباب فشل التوابين فهي:
1- قلة عددهم إذا قورنوا بجيش الشام, فكان عدد التوابين أربعة آلاف مقاتل, بينما كان جيش خصومهم الذين اشتبكوا معهم عشرين ألفًا, عدا من كان ينتظر مع عبيد الله بن زياد على سبيل الاحتياط.
2- ضعف التوابين من الناحية العسكرية, فلا نستطيع أن نقارن أي واحد من قادة التوابين بقدرة ابن زياد أو حصين بن نمير من حيث الخبرة والقدرة العسكرية, وهذا يتفق مع وصف المختار الثقفي لسليمان بن صرد: إن سليمان رجل لا علم له بالحرب وسياسة الرجال(355).(1/74)
3- تخاذل التوابين عن الاشتراك, فعندما أحصى ابن صرد من بايعوا وجدهم ستة عشر ألفًا عدا أهل المدائن والبصرة الذين لم يتم تنسيقهم مع الآخرين, مع أن المشتركين في القتال هم أربعة آلاف.
4- عدم اشتراك المختار الثقفي في القتال وليت الأمر كذلك, ولكنه كان يثبط الناس عن سليمان بن صرد(356).
خامسًا: حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي:
هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذَّاب, كان والده الأمير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة الثقفي, أسلم في حياة النبي ×, ولم نعلم له صحبة, استعمله عمر بن الخطاب على جيشٍ, فغزا العراق, وإليه تنسب وقعة جسر أبي عبيد, ونشأ المختار, فكان من كبراء ثقيف, وذوي الرأي, والفصاحة, والشجاعة والدهاء وقلة الدين(357), وقد قال النبي ×: "يكون في ثقيف كذاب ومبير"(358), فكان الكذاب هذا, ادعى أن الوحي يأتيه, وأنه يعلم الغيب, وكان المبير الحجاج, قبحهما الله(359), ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي على مسرح الأحداث بعد موت يزيد بن معاوية سنة 64هـ, وهو من الشخصيات التي حفل بها العصر الأموي, والتي كانت تسعى لها عن دور, وتسعى إلى السلطان بأي ثمن, فتقلب من العداء الشديد لآل البيت على ادعاء حبهم والمطالبة بثأر الحسين(360). فقد مر بنا في كتابي عن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه أشار على عمه سعد بن مسعود الثقفي بالقبض على الحسن بن علي وتسليمه إلى معاوية, لينال بذلك الحظوة عنده(361), ثم حاول الاتصال بعبد الله ابن الزبير والانضمام إليه, وشرط عليه شروطًا, منها: أن يكون أول داخل عليه, وألا يقضي الأمور دونه, وإذا ظهر استعان به على أفضل أعماله(362), وباختصار أراد أن تكون له كلمة في دولته, ولكنه لم يجد تجاوبًا من ابن الزبير, فانصرف عنه إلى الكوفة(363), حيث كان الأمر فيها مضطربًا, فأراد أن يصطاد في المياه العكرة, ولم يجد فيها ورقة رابحة سوى الادعاء بالمطالبة بدم الحسين وآل البيت, وادعى أن(1/75)
لديه تفويضًا بذلك من محمد بن علي بن أبي طالب, الملقب بابن الحنفية, ولكنه لم يكن صادقًا في ذلك, بل قرر أن يركب تيار الشيعة ليصل إلى هدفه وهو الحكم والسلطان.
وقد عبر هو نفسه عن ذلك في حواره مع رجال من رجاله الذين أخلصوا له, وكانوا يظنونه صادقًا في دعوته للثأر لآل البيت, وهو السائب بن مالك الأشعري. فقد قال له المختار عندما ضيق عليه وصعب الخناق واقتربت نهايته: ماذا ترى؟ فقال له السائب: الرأي لك؟ قال: أنا أرى أم الله يرى؟ قال: الله يرى, قال: ويحك أحمق أنت! إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز, ورأيت نجدة انتزى على اليمامة, ومروان على الشام, فلم أكن دون أحد من رجال العرب, فأخذت هذه البلاد, فكنت كأحدهم إلا أني قد طلبت وبالغت في ذلك إلى يومي هذا, فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية, فقال السائب: إنا لله وإنا إليه راجعون(364). قال السائب ذلك لما تبين له أن المختار صنع كل ما صنع من أجل السلطان وحده, ولذلك يصف الذهبي المختار بالكذب وقلة الدين(365).
ظهر المختار في الكوفة في الوقت الذي كان فيه سليمان بن صرد الخزاعي -زعيم التوابين- يستعد للذهاب إلى الشام, لقتال عبيد الله بن زياد, فحاول تثبيط الناس عنه, وقد نجحت دعايته وتجمع حوله نحو ألفين من الشيعة, وبقيت غالبيتهم مع سليمان بن صرد, وكانت نتيجة معركة عين الوردة من مصلحة المختار, فقد جاءته مصدقة لتوقعاته, كما أنه انفرد بزعامة الشيعة, ولجأ إليه الفارون من المعركة, فقويت حركته وكثر أتباعه, ثم ازداد مركزه قوة بانضمام إبراهيم بن الأشتر النخعي إليه, وهو من زعماء الكوفة, فثار على عبد الله بن مطيع العدوي, أمير الكوفة, من قبل عبد الله بن الزبير, فأخرجه منها وأحكم سيطرته عليها.
قضاء المختار على قتلة الحسين:(1/76)
ولكي يثبت دعواه في صحة دعوته في المطالبة بدم الحسين, فقد تتبع قتلته فقتل معظمهم في الكوفة(366), ثم أعد جيشًا جعل على قيادته إبراهيم بن الأشتر, وأرسله إلى قتال عبيد الله, فالتقى به عند نهر الخازر بالقرب من الموصل, وحلت الهزيمة بجيش ابن زياد, الذي خر صريعًا في ميدان المعركة سنة 67هـ(367).
وقد قال ابن مفرّغ حين قتل ابن زياد:
إن المنايا إذا ما زُرن طاغية
هتكن أستار حُجّاب وأبواب
أقول: بُعدًا وسحقًا عند مصرعه
لابن الخبيثة وابن الكودن الكابي(368)
لا أنت زُوحِمت عن مُلك فتمنعه
ولا متَتَّ إلى قوم بأسباب(369)
وقد شرع المختار في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابن زياد, فقتل منهم خلقًا كثيرًا, وظفر برءوس كبار منهم, كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذي قتل الحسين, وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذي وَلُوا قتل الحسين, وسنان بن أبي أنس, وخوليّ بن يزيد الأصبحي, وخلقٍ غير هؤلاء(370).
وكان مقتل عبيد الله بن زياد في يوم عاشوراء سنة سبع وستين, ثم بعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار(371), وتعاظم نفوذ المختار بعد انتصار جيشه على جيش ابن زياد, وسيطر على شمال العراق والجزيرة, وجعل يولي العمال من قبله على الولايات(372), ويجبى إليه الخراج, وانضم إليه عدد كبير من الموالي لبغضهم لبني أمية من ناحية(373), ولأنه أغدق عليهم الأموال من ناحية ثانية(374). وبدا كما لو أنه أقام دولة خاصة به في العراق بين دولتي ابن الزبير في الحجاز, وعبد الملك بن مروان في الشام(375).
1- أسباب نجاح حركة المختار في مرحلتها الأولى:
نجحت حركة المختار في بداية الأمر للأسباب الآتية:(1/77)
أ- الأرضية الملائمة, حيث العواطف ثائرة, والنفوس مشحونة, في وقت كانت حركة التوابين تلقى مصيرها الذي اختارت, عبر عملية استشهادية في نظر التوابين كان لها صداها المأساوي في الكوفة, ومن ناحية أخرى, فإن ابن الزبير لم يدعم وجوده بالكوفة بالجيوش وإغداق الأموال والتلطف للأعيان والأشراف والزعماء, وكانت وجهة نظره معتمدة على ترك تطاحن الأمويين مع اتباع المختار وما يترتب على ذلك من استنزاف لهما, ليكون ابن الزبير هو المستفيد من نتائج ذلك التطاحن(376).
ب- تودد المختار لبني هاشم, فكان يرسل الهدايا لهم, وعمل على كسبهم(377).
ج- الشخصية القيادية البارزة التي تمتع بها المختار, في الوقت الذي غابت فيه عن الكوفة الزعامة السياسية المحورية, القادرة على توحيد اتجاهات الحركة الشيعية واستيعاب التطورات المتلاحقة, ولا نهمل المكر والدهاء والمرونة, والقدرة على استثمار الأحداث من مقتل الحسين, وحجر بن عدي, والتوابين, وتوظيف ذلك, كما امتازت شخصية المختار بقدرتها على المناورة(378).
د- البرنامج العملي الذي تقدم به, كان المدخل الاستقطابي لشريحة عريضة في المجتمع كانت مضطهدة ومسحوقة؛ وهي شريحة الموالي التي وجدت في حركته المتنفس لتحقيق أهدافها في المساواة وتحسين أوضاعها الاجتماعية(379).
هـ- سوء اختيار ابن الزبير لعماله في الكوفة, ويبدو أنهم لم يكونوا على قدر المرحلة, ولذلك انفلتت الأمور من أيديهم في الكوفة(380).
2- نهاية المختار على يد مصعب بن الزبير(1/78)
كان من المتوقع أن تكون نهاية المختار على يد عبد الملك الذي وتره بقتل ابن زياد أبرز أعوانه, ولكن عبد الملك كان من الدهاء بحيث أدرك أن ابن الزبير, وإن كان قد أسعده ظهور المختار في البداية وقهره لجيش عبد الملك(381), إلا أنه لن يسمح لنفوذه أن يتسع ويهدد دولته, وأنه لابد أن يتحرك للقضاء عليه, فآثر الانتظار وترك ابن الزبير يواجه المختار, لأن نتيجة المواجهة ستكون في صالحه, فسوف يقضي أحدهما على صاحبه, ومن يبقى, تكون قوته قد ضعفت فيسهل له القضاء عليه, وقد حدث ما توقعه عبد الملك, فإن المختار لم يكتف بانتصاره على جيش عبد الملك وبسط نفوذه على شمال العراق والجزيرة, بل أخذ يعد نفسه للسير إلى البصرة لانتزاعها من مصعب بن الزبير الذي أصبح واليًا عليها من قبل أخيه عبد الله بعد أن بايعه أهلها, وهنا أصبح الصدام محتومًا بين المختار وآل الزبير(382), فسار مصعب بن الزبير بنفسه إلى قتال المختار في جيش هائل, فحاصره بالكوفة وضيق عليه وما زال حتى أمكن الله منه, فقتله واحتزَّ رأسه, وأمر بصلب كفِّه على باب المسجد, وبعث مصعب برأس المختار مع رجل من الشُّرط على البريد إلى أخيه عبد الله بن الزبير, فوصل مكة بعد العشاء, فوجد عبد الله يتنفَّل, فما زال يصلي حتى أسحر ولم يلتفت إلى البريد الذي جاء بالرأس, فقال: ألقه على باب المسجد, فألقاه ثم جاء فقال: جائزتي يا أمير المؤمنين. فقال: جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق.(1/79)
ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن, وكذلك سائر الدول, وفرح المسلمون بزوالها؛ وذلك لأن الرجل لم يكن في نفسه صادقًا, بل كان كاذبًا, وكاهنًا, وكان يزعم أن الوحي ينزل عليه على يد جبريل يأتي إليه(383), وعن رفاعة بن شداد قال: كنت أقوم على رأس المختار, فلما عرفت كذبه هممت أن أسُلَّ سيفي فأضرب عنقه, فذكرت حديثًا حدثناه عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله × يقول: "من أمَّن رجلاً على نفسه فقتله, أعطي لواء غدر يوم القيامة"(384), وقد قيل لابن عمر: إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه. فقال: صدق, قال الله تعالى: +وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ" [الأنعام:120]. وعن عكرمة قال: قدمت على المختار, فأكرمني وأنزلني حتى كان يتعهد مبيتي بالليل, قال: فقال لي: أخرج فحدِّث الناس. قال: فخرجت, فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي؟ فقلت: الوحي وحيان, قال الله تعالى: +بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ" [يوسف:3] وقال تعالى: +وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا" [الأنعام:112] قال: فهمُّوا بي أن يأخذوني, فقلت: ما لكم وذلك, إني مفتيكم وضيفكم, فتركوني, وإنما أراد عكرمة, أن يعرض بالمختار وكذبه في ادعائه أن الوحي ينزل عليه(385).(1/80)
قال ابن كثير: وذكر العلماء أن الكذَّاب هو المختار بن أبي عبيد, وكان يظهر التشيع ويبطن الكهانة ويُسر إلى أخصائه إلى أنه يوحى إليه. ولكن ما أدري هل كان يدعي النبوة أم لا؟, وكان قد وضِع له كرسي يُعَظَّم ويُحَفُّ بالرجال ويستر بالحرير, ويحمل على البغال, وكان يُضاهى به تابوت بني إسرائيل المذكور في القرآن, ولا شك أنه كان ضالاً مضلاً, أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين(386), قال تعالى: +وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأنعام:129], وتسليط الظالم على الظالم سنة من سنن الله في حركة المجتمعات واضحة المعالم في دراسة تاريخ الإنسانية.
3- أسباب فشل حركة المختار:
أ- نفور أشراف العرب في الكوفة -وما يمثلون من حول وقوة- وقتالهم له, ثم توجه من سلم إلى مصعب بن الزبير في البصرة واشتراكهم معه في القتال ضد المختار.
ب- إصابته بالغرور بحيث إنه طرد عمر بن علي بن أب طالب لأنه لم يحضر له كتابًا من ابن الحنفية حيث قال له: انطلق حيث شئت فلا خير لك عندي(387), فتركه وذهب إلى مصعب ليعود معه ليقاتله.
ج- تجهيز مصعب جيشًا كبيرًا وانضمام المهلب بن أبي صفرة واشتراكه معه في القتال. بينما لم يشترك قائد المختار -إبراهيم بن الأشتر- ولذلك لم يكن القتال متعادلاً.
د- اكتشاف كذب المختار, فقد قال الشعبي: إن ابن الحنفية لم يرسل مع المختار كتابًا لابن الأشتر(388), ولم تخف الرسالة عليه, فقد شك فيها لولا من شهد مع المختار, وقد عرف أشراف العرب ذلك وقالوا: هذا كذاب(389).(1/81)
هـ- تخلي ابن الحنفية عن المختار, فقد قام على باب الكعبة وقال: إنه كان كذابًا يكذب على الله ورسوله(390), بل أكثر من ذلك, فقد روى الطبري أن ابن الحنفية كتب إلى شيعته: فاخرجوا إلى المجالس والمساجد فاذكروا الله علانية وسرًا, ولا تتخذوا من دون المؤمنين بطانة, فإن خشيتم على أنفسكم فاحذروا على دينكم الكذابين(391).
و- ابتداع المختار لأمر غريب في الإسلام؛ ألا وهو الكرسي, فقد جاء بكرسي ثم قال لأصحابه: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله, وإنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون , وإن هذا فينا مثل التابوت, اكشفوا عنه, فكشفوا عنه أثوابه, وقامت السبئية فرفعوا أيديهم فكبروا ثلاثًا(392).
ز- حاجة ابن الزبير الماسة إلى العراق؛ فهو مصدر المال والرجال الوحيد بعد ضياع الشام ومصر, وبقاء المختار في العراق يهدد مكانته ويقطع عليه الوصول إلى بلاد فارس التي لا تزال على طاعته(393).
4- الفرقة الكيسانية وعلاقتها بالمختار:(1/82)
أما كيسان المنسوبة إليه فهو مختلف فيه(394), لكن الذي لا خلاف عليه أن المختار بن أبي عبيد الثقفي تزعم الفرقة سنة 66هـ بالكوفة, وكانت الفرقة الكيسانية من الشيعة الغلاة, وكان المختار الثقفي أول من أكد فكرة المهدية في شخص محمد ابن الحنفية, حيث أطلق عليه لقب "المهدي", كما استخدم فكرة (البداء) وقد اشتهرت هذه المقولة قبيل قتل المختار سنة 67هـ, وكان المختار -أيضًا- يقول بالبداء الذي هو من أصول الرافضة الأولى, فإن المختار كان قد تكهن بنصر أصحابه, فلما انهزموا زعم أن الله بدا له(395), وهذه الفكرة الشيطانية مكنته من تغيير آرائه من حين لآخر, هذا فضلاً عن إظهار نفسه بمظهر النبي, وإقراره لفكرة الكرسي الذي ادعى أنه يعود للإمام علي (, إلى غير ذلك من الآراء المبتدعة(396), وقد تطورت معتقدات الكيسانية ودخلوا في النفق الشيطاني المظلم, وكانوا يقولون بإمامة محمد بن علي المعروف بابن الحنفية, لأنه دفع إليه الراية بالبصرة(397). وقالوا بالتناسخ, ويزعمون أن الإمامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في محمد ابن الحنفية, ومعنى ذلك أن روح الله صارت في النبي ×, وروح النبي × صارت في علي, وروح الحسين صارت في محمد ابن الحنفية, وروح ابن الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم(398). ويعتقدون في ابن الحنفية اعتقادًا فوق حده ودرجته, من إحاطته بالعلوم كلها, واقتباسه من (السيدين) الأسرار بجملتها من علم التأويل والباطن, وعلم الآفاق والأنفس(399). والحق أن ابن الحنفية لم يقر الغلو الذي قيل فيه, ولم يعترف بأنه المهدي المنتظر, وروى ابن سعد حديثًا رفعه إلى أبي العريان المجاشعي قال: فبلغ محمدًا أنهم يقولون إن عندهم شيئًا -أي من العلم- قال: فقام فينا وقال: إنا -والله- ما ورثنا من رسول الله × إلا ما بين هذين اللوحين. ثم قال: اللهم خلا وهذه الصحيفة في ذؤابة سيفي. فسألت: وما كان في الصحيفة؟ قال: من أحدث حدثًا أو آوى(1/83)
محدثًا(400).
وقال محمد للرجل الذي قابله وسأله عن أشياء سرية نميت إلى الرجل عن محمد: أما بعد, فإياكم وهذه الأحاديث فإنها عيب عليكم, وعليكم بكتاب الله, فإنه به هُدِي أولكم وبه يُهدى آخركم(401).. ويظهر أن المختار هو الذي روج فكرة مهدية محمد لأسباب سياسية, أي أنه أراد أن يحكم باسمه دون إشراكه بالسلطة الفعلية. وعندما هم ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة, وبلغ ذلك المختار ثقل عليه قدومه, فقال: إن في المهدي علامة, يقدم بلدكم هذه فيضربه رجل في السوق بالسيف فلا تضره.. فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام(402).
وقال كثير عزة في ابن الحنفية:
إلا إن الأئمة من قريش
ولاة الحق أربعة سواء
عليٌّ والثلاثة من بنيه
هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبرٍّ
وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا تراه العين حتى
يقود الخيل يقدمها لواء
تغيَّب لا يُرى عنهم زمانًا
برضوى عنده عسل وماء(403)
سادسًا: حركة عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق) ومقتله:(1/84)
نصت مقررات مؤتمر الجابية -كما أشرنا- على أن تكون الخلافة لعمرو بن سعيد الأشدق بعد مروان بن الحكم وخالد بن يزيد بن معاوية, وتجاوز مروان عمرًا وبايع لابنيه عبد الملك, وعبد العزيز, الأمر الذي أثار نقمة عمرو, بعكس خالد بن يزيد الذي انصرف إلى العلم, لاسيما الكيمياء(404), وفي أول سنة 69هـ خرج عبد الملك بجنوده يريد قرقيسيا, ليحاصر فيها زفر بن الحارث, واستخلف على دمشق عمرو بن سعيد بن أبي العاص, ولم يكد عبد الملك يخرج بجيشه من دمشق, حتى تحصن عمرو بن سعيد, وأخذ ما في بيت المال من الأموال, وتذكر رواية أخرى أن عمرو بن سعيد كان مع عبد الملك حين خرج إلى قرقيسيا, ولكنه استغل فرصة الليل, وانخذل هو وجماعة معه من الجيش, ورجعوا إلى دمشق, ففر والي دمشق من قبل عبد الملك -عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي- ودخلها عمرو بن سعيد واستحوذ على ما فيها من الخزائن(405) وبعث عمرو إلى عبد الرحمن ابن أم الحكم فلم يجده, فأمر بهدم بيته, واجتمع الناس وصعد عمرو المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس, إنه لم يقم أحد من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارًا, يدخل الجنة من أطاعه, والنار من عصاه, وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله, وأنه ليس إليَّ من ذلك شيء, غير أن لكم عليّ حسن المواساة والعطية(406), وأصبح عبد الملك فسأل عن عمرو بن سعيد فلم يجده, فكر راجعًا إلى دمشق, فوجد عمرًا وقد تحصن بها, ودارت بينهما معركة استمرت ستة عشر يومًا(407), ويبدو أن عبد الملك قد رأى موقف عمرو قويًا حيث كان متحصنًا بقلعة رومية منيعة, فعرض الصلح فتصالحا على ترك القتال(408).(1/85)
1- شروط عمرو بن سعيد بن العاص: كانت شروطه كالآتي: على أن لعمرو بن سعيد الخلاقة بعد عبد الملك(409), وأن يكون له عامل مع كل عامل لعبد الملك, وأن يستشيره في كل صغيرة وكبيرة(410) ويوليه الديوان وبيت المال(411). وتبرز كتب التاريخ أسبابًا عديدة دعت عبد الملك للقبول بهذه الشروط منها:
أ- انقسام قبيلة كلب -ذات القوة والتأثير السياسي في الأحداث
آنذاك- بين عبد الملك وعمرو الأشدق مما جعل كسب المعركة بالقوة يؤدي إلى خسائر فادحة لكلا الطرفين, ولم يكن لصالح كلب التي فرضت الصلح(412).
ب- سيطرة عمرو الأشدق على مدينة دمشق التي تعد العاصمة -آنذاك- وفيها بيت المال وديوان الجند اللذان يعدان عصب الحياة وكسب المؤيدين آنذاك.
ج- وقوف أكثر القبائل اليمانية الأخرى على الحياد, وعدم تدخلها في الصراع, مما يجعل القرار الفعلي للصلح بيد قبيلة كلب ذاتها(413).
د- قوة عمرو بن الأشق في الشام -خاصة في دمشق- فقد أيدته دمشق, فضلاً عن زعيم بجيلة عبد الله بن كريز القسري الذي كان مع شرطته(414).
هـ- ويمكن أن يكون قبول الاتفاقية من قبل عبد الملك لحل النزاع سلميًا, ثم القيام بقتل عمرو بن الأشدق بعد اتفاقه مع بعض زعماء الشام وبني أمية(415).(1/86)
2- غدر عبد الملك بابن عمه عمرو بن سعيد: وبعد عقد الصلح ودخول عبد الملك دمشق بأربعة أيام, أرسل إلى عمرو أن ائتني.. فلما كان بعد الظهر لبس عمرو درعًا بين ثيابه, وتقلد سيفه, فلما نهض عثر في البساط, فقالت امرأته وبعض من كان حاضرًا عنده: إنا لا نرى أن تذهب إليه, فلم يعبأ بكلامهم, ومضى في مائة من عبيده, وكان عبد الملك قد أمر بني مروان بالحضور عنده, وأمر حاجبه أن يدخل ابن سعيد ويغلق الباب دون من معه.. ثم غُلقت الأبواب واقترب عمرو من عبد الملك, فرحب به وأجلسه معه على السرير, ثم جعل يحدثه طويلاً. ثم إن عبد الملك قال: يا غلام, خذ السيف عنه, فقال عمرو: إنا لله يا أمير المؤمنين, فقال له عبد الملك: أو تطمع أن تتحدَّث معي متقلدًا سيفك؟ فأخذ الغلام السيف عنه, ثم تحدثا ساعة, ثم قال له عبد الملك: يا أبا أمية. قال: لبيك يا أمير المؤمنين, قال: إنك حيث خلعتني آليت بيميني إن ملأت عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة. فقال بنو مروان: تم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال: ثم أُطلقه, وما عسيت أن أفعل بأبي أمية؟ فقال بنو مروان: أبرّ قسم أمير المؤمنين, فقال عمرو: فأبرّ قسمك يا أمير المؤمنين. فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه, ثم قال: يا غلام, قم فاجمعه فيها. فقام الغلام فجمعه فيها, فقال عمرو: أُذكِّرُك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رءوس الناس, فقال عبد الملك: أمكرًا يا أبا أمية عند الموت؟ لاها الله إذًا, ما كنا لنخرجك في جامعة على رءوس الناس ولما نخرجها منك إلا صعدًا(416). ثم اجتذبه اجتذابة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته, فقال عمرو: أُذكِّرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك كسر عظيم إلى ما هو أعظم من ذلك. فقال عبد الملك: والله لو أعلم أنك إذا بقيت تفي لي وتصلح قريش لأطلقتك, ولكن ما اجتمع رجلان قط في بلد على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه(417), وجاء في رواية: أن عبد الملك كلف أخاه(1/87)
عبد العزيز بقتله, وخرج لصلاة العصر, ولما رجع من صلاته وجد أخاه لم يقتله, فلامه وسبه وسب أمه -ولم تكن أم عبد العزيز أم عبد الملك- فقال: إنه ناشدني الله والرحم -وكان ابن عمة عبد الملك بن مروان- ثم إن عبد الملك قال: يا غلام, ائتني بالحربة, فأتاه بها, فهزها وضربه بها فلم تغن شيئًا, ثم ثنى فلم تغن شيئًا, فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مس الدرع فضحك وقال: ودارعٌ أيضًا, إن كنت لمعدًا, يا غلام, ائتني بالصمصامة, فأتاه بسيفه ثم أمر بعمرو فصُرع, فجلس على صدره فذبحه وهو يقول:
يا عمرو إن لم تدع شتمي ومنقصتي
أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
وانتفض عبد الملك بعد ما ذبحه كما تنتفض القصبة برعدة شديدة جدًا, بحيث إنهم ما رفعوه عن صدره إلا محمولاً, فوضعوه على سريره وهو يقول: ما رأيت مثل هذا قط قبله, صاحب دنيا ولا طالب آخرة. ودفع الرأس إلى عبد الرحمن بن أم الحكم, فخرج به للناس فألقاه بين أظهرهم, وخرج
عبد العزيز بن مروان ومعه البدرُ(418) من الأموال تحمل, فأُلقيت بين الناس فجعلوا يختطفونها, ويقال: إنها استرجعت بعد ذلك إلى بيت المال, ويقال: إن الذي ولى قتل عمرو بن سعيد مولى عبد الملك أبو الزُّعيزعة بعد ما خرج عبد الملك في الصلاة(419). وهكذا تخلص عبد الملك من منافس قوي له, ولم يبال بنقض العهود, وسفك الدماء, فالطريق نحو الملك جعله يتخلص من ابن عمته عمرو بن سعيد, ومن أحب الأصدقاء إليه مصعب بن الزبير, ومن أفضل أهل الأرض في زمانه -على حد تعبيره- عبد الله بن الزبير.
سابعًا: مصالحة عبد الملك للروم والتضييق على الجراجمة:(1/88)
نظرًا للاضطرابات الداخلية في دولة عبد الملك اضطر إلى مصالحة الروم على أن يدفع لهم 365ألف قطعة ذهبية, و 360 عبدًا و330 جوادًا أصيلاً سنويًا, وأن تقتسم الدولة البيزنطية والدولة الأموية خراج قبرص وأرمينيا(420), وارتهن منهم رهائن وضعهم في بعلبك(421) في مقابل ذلك يسحب ملك الروم الجراجمة إلى وسط الإمبراطورية البيزنطية(422), ولم يمتنع عبد الملك عن مصالحة الجراجمة في جبل اللكام, ووافق على أن يدفع لهم ألف دينار كل جمعة(423), ولكن سرعان ما سنحت الفرصة لعبد الملك للتخلص من الجراجمة, فبعد أن عقد الصلح معهم أرسل أحد قادته الثقات -سحيم بن المهاجر- إلى القائد البيزنطي الذي كان على رأس الجراجمة, ونجح في كسب ثقته, ثم كاده بقوات دبرها لهذا الشأن, فقتل القائد البيزنطي وهرب أصحابه وأمن الباقين, فرجع العبيد إلى أسيادهم, والأنباط إلى قراهم(424), كما أن الاتفاقية مع الدولة البيزنطية لم تدم طويلاً, لأن الروم نقضوا العهد, كما أن عبد الملك استطاع القضاء على ابن الزبير وتوحيد الدولة تحت زعامته؛ مما جعله يفكر بالرد على تحديات البيزنطيين المتكررة, فعين أخاه محمد بن مروان سنة 73هـ(425), فشرع في غزوهم سنة 74 هـ(426).
ثامنًا: زفر بن الحارث الكلابي:(1/89)
ظل القيسيون الموتورون في مرج راهط على ولائهم لابن الزبير, وكان أحد كبار زعمائهم -زفر بن الحارث الكلابي- قد فر إلى قرقيسيا, وتحصن بها, وثابت إليه قيس, وأصبح تجمعه هناك مركزًا لشن الغارات على كلب في المناطق المجاورة له, مما كان يسبب إحراجًا بالغًا لعبد الملك الذي كان يطمح إلى استعادة بقية بلدان العالم الإسلامي تحت سيادته وسلطانه, وكان في هذه الفترة يوجه كل جهوده لاستعادة العراق من سيطرة مصعب بن الزبير, وكان لابد لعبد الملك إذا أراد أن يضم إليه العراق, وينهي سيطرة الزبيريين عليه, من أن ينهي اعتصام زفر ابن الحارث في قرقيسيا, فسار إليه في جيشه الذي كان قد جهزه لحرب مصعب ابن الزبير, وبدأ بزفر أولاً فحاصره, ولكن رجال زفر أبدوا بطولة عجيبة, وانتزعوا إعجاب عبد الملك الذي قال: لا يبعد الله رجال مضر, والله إن قتلهم لذل, وإن تركهم لحسرة(427).(1/90)
ولجأ عبد الملك إلى المسالمة, وكتب إلى زفر يدعوه إلى طاعته ويرغبه فيها, ويهدده إن لم يقبل ذلك, وبعد جهود ومفاوضة أرسل إليه زفر يجيبه إلى طلبه, ويشترط عليه أن يبقى له الخيار في أن يظل مخلصًا لابن الزبير أو ينضم إلى عبد الملك, ورغم ذلك فقد وافق على شرطه, وأعطاه الأمان هو وابنه وقائده الهذيل بن زفر, وجميع أتباعهما, ولم يأخذ بمال أو دم أهدره, بل أعطى عبد الملك الزعيم القيسي مبلغًا من المال يوزعه بين أتباعه, ثم اختتم ذلك العمل بأن زوج ابنه مسلمة بن عبد الملك بالرباب بنت زفر بن الحارث, كما أمر زفر ابنه الهذيل أن ينضم إلى جيش عبد الملك المتجه إلى حرب مصعب ابن الزبير, إذ لم يكن على ولده ما عليه هو من بيعة ابن الزبير(428), وحرص عبد الملك على تحقيق التوازن بين القبائل اليمانية والقيسية, وجعل في أصحابه زفر بن الحارث الكلابي وابنيه الهذيل وكوثرًا وعبد الله بن مسعدة الفزاري وغيرهم من زعماء قيس, كما كان في أصحابه حسان بن مالك الكلبي,وروح بن زنباع الجذامي, ورجاء بن حيوة الكندي وغيرهم من زعماء اليمانية, وكما عدل بين الفريقين في مجلسه عدل بينهم في وظائفه؛ فكان يختار ولاته على الأمصار من القيسية غالبًا بينما يختار موظفي بلاطه من اليمانية.. وهكذا(429).
تاسعًا: ضم العراق والقضاء على مصعب بن الزبير:
بعد أن استعاد ابن الزبير نفوذه على العراق أصبحت المواجهة محتومة بينه وبين عبد الملك, الذي قرر أن يقود المعركة بنفسه بعد أن شاور خاصته في ذلك, فمنهم من أشار عليه أن يقيم في الشام, ويرسل واحدًا من أهله ليقود الجيش, ومنهم من أشار عليه بأن يسير بنفسه, فمال هو إلى هذا الرأي. وقال: إنه لا يقوم بهذا الأمر إلا قرشي له رأي, ولعلي أبعث من له شجاعة ولا رأي له, وإني بصير بالحرب, شجاع بالسيف, إن احتجت إليه, ومصعب شجاع من بيت شجاعة ولكنه لا علم له بالحرب.. ومعه من يخالفه, ومعي من ينصح لي(430).(1/91)
عزم عبد الملك -إذن- على السير إلى العراق لانتزاعه من ابن الزبير, وكان ذلك في سنة 71هـ, أي بعد أربع سنين من القضاء على المختار, ولعله أخر الصدام مع ابن الزبير إلى هذا الوقت متعمدًا, فهو لم يشأ أن يسير إلى العراق إلا بعد أن يوطد دعائم حكمه في الشام, فقضى هذه السنين في تحقيق هذا الهدف, فقد حل مشاكله مع زفر بن الحارث الكلابي الذي كان معتصمًا في قرقيسيا(431), مهددًا بذلك إقليم الجزيرة كله, وقد عالج عبد الملك مشكلة زفر بالحكمة والسياسة, واصطلح معه, وأنهى بذلك مسألة قرقيسيا التي استمرت حوالي سبع سنين كالشوكة في جنب دولته, وأحكم سيطرته على إقليم الجزيرة(432), ثم تخلص من منافسه الخطير, وهو عمرو بن سعيد الأشدق(433), ولما أراد الخروج للعراق ودع زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية, فبكت وبكى جواريها لبكائها, فقال: قاتل الله كثير عزة لكأنه يشاهدنا حين قال:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه
حصانٌ عليها عِقدُ دُرٍ يزينها
نهته فلما لم تر النهي عاقه
بكت وبكى مما عناها قطينها(434)(1/92)
وسارع عبد الملك إلى العراق بجيشه, وجعل على مقدمته أخاه محمد بن مروان, ونزل بمسكن, وكان مصعب قد علم بمسيره, ونزل بمسكن مقدمته إبراهيم بن الأشتر, ونزل باجميرا(435), وأخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم, وكان إبراهيم بن الأشتر قائد جيوش المختار الثقفي قد انضم إلى مصعب بعد مقتل المختار, وكتب إليه عبد الملك أيضًا, فأخذ الكتاب مختومًا ودفعه إلى مصعب, فقال له: ما فيه؟ فقال له: ما قرأته, فقرأه مصعب فإذا هو يدعوه إلى نفسه, ويجعل له ولاية العراق, فقال لمصعب: إنه -والله- ما كان من أحد آيس منه مني, ولقد كتب إلى أصحابك كلهم بمثل الذي كتب إلي, فأطعني فيهم فاضرب أعناقهم, قال: إذًا لا تنصحنا عشائرهم, قال: فأوقرهم حديدًا, وابعث بهم إلى أبيض كسرى فاحبسهم هناك, ووكل بهم على عشائرهم, فقال: يا أبا النعمان, إني لفي شغل عن ذلك, يرحم الله أبا بحر -الأحنف بن قيس- إنه كان ليحذرني غدر أهل العراق, كأنه ينظر إلى ما نحن فيه(436).(1/93)
وهذا ليس غريبًا على أهل العراق, فلهم في الغدر وتغيير المواقف سجل حافل. بل لقد صرح عبد الملك بأن كتبهم كانت تأتيه يدعونه إليهم قبل أن يكتب هو إليهم(437). ولم يكن هذا خافيًا في معسكر مصعب, فعندما استدعى المهلب بن أبي صفرة -وكان من رجاله في ذلك الوقت- يستشيره, قال له: أعلم أن أهل العراق قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم, فلا تبعدني عنك. فقال مصعب: إن أهل البصرة قد أبوا أن يسيروا حتى أجعلك على قتال الخوارج, وهم قد بلغوا سوق الأهواز, وأنا أكره إذا سار عبد الملك إليّ ألا أسير إليه, فاكفني هذا الثغر(438). في الوقت الذي كان عبد الملك يكاتب فيه زعماء أهل العراق من قواد مصعب والذين قبلوا التخلي عنه والانضمام إليه(439)؛ كان حريصًا على ألا يقاتل مصعبًا, للمودة والصداقة القديمة التي كانت بينهما, فأرسل إليه رجلاً من كلب, وقال له: أقرئ ابن أختك السلام - وكانت أم مصعب كلبية- وقل له يدع دعاءه إلى أخيه, وأدع دعائي إلى نفسي, ويجعل الأمر شورى, فقال له مصعب: قل له: السيف بيننا(440).(1/94)
ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى؛ فأرسل إليه أخاه محمدًا ليقول له: إن ابن عمك يعطيك الأمان, فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبًا أو مغلوبًا(441). ثم دارت المعركة فبدأت خيانات أهل العراق تظهر, فقد أمد مصعب إبراهيم بن الأشتر بعتَّاب بن ورقاء, وهو من الذين كانوا كاتبوا عبد الملك, فاستاء إبراهيم من ذلك وقال: قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه, إنا لله وإنا إليه راجعون, فانهزم عتاب بالناس. فلما انهزم صبر ابن الأشتر فقتل(442), فكان مقتله خسارة كبرى لمصعب, لأنه -فوق شجاعته- كان مخلصًا له غاية الإخلاص, ولذلك لما اشتد القتال على مصعب وتحرج موقفه صاح قائلاً: يا إبراهيم ولا إبراهيم لي اليوم(443), تخلى أهل العراق عن مصعب وخذلوه, حتى لم يبق معه سوى سبعة رجال(444) ولكنه ظل يقاتل في شجاعة وبسالة, حتى أثخنته الجراح, وأخيرًا قتله زياد بن ظبيان.
وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق(445) في جمادى الآخرة سنة 72هـ. فلما بلغ عبد الملك مقتله قال: واروه, فقد -والله- كانت الحرمة بيننا قديمة, ولكن هذا الملك عقيم(446), وبمقتل مصعب انتهت المعركة, فدخل عبد الملك الكوفة, وبايعه أهلها, وعاد العراق إلى حظيرة الدولة الأموية. وعين عبد الملك أخاه بشرًا واليًا عليها, وقبل أن يغادرها أعد جيشًا للقضاء على ابن الزبير بمكة.
1- أسباب هزيمة مصعب بن الزبير: هناك أسباب كثيرة أسهمت في هزيمة مصعب بن الزبير منها:
أ- عدم اشتراك المهلب بن أبي صفرة ومن معه من الجنود, وهو المقاتل العنيد والخبير في شئون الحرب, وإصرار مصعب بن الزبير على بقائه في قتال الخوارج بناء على رغبة أهل البصرة, علمًا بأن المهلب قال: لا تبعدني عنك(447), ولو لم يبعد مصعب المهلب لتمَّت الاستفادة من جيشه ومن قدرة وخبرة هذا القائد.(1/95)
ب- خيانة قادة الفصائل من الجيش الزبيري من العراقيين بناء على الأماني التي مناهم إياها عبد الملك, وعدم قدرة مصعب على ثنيهم بعد اكتشاف خيانتهم.
ج- عدم إغراق أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الأموال والأعطيات على أعيان وأشراف أهل العراق لما جاءوا إلى مكة مع مصعب.
د- غضب بعض الشيعة لمقتل المختار, فلقد رأوا فيه أنه هو الذي انتقم من قتلة الحسين, بحيث لم يترك أحدًا, ولهذا عبر زائدة بن قدامة عن ذلك عندما طعن مصعب وقال: يالثارات المختار! (448).
هـ- قلة الخبرة العسكرية لدى مصعب على الرغم من شجاعته وإقدامه وبطولته التي اعترف بها خصمه.
و- إنهاك جيش الزبيريين, فقد خاضوا معارك عدة في العراق بينما كان جيش الأمويين مرتاحًا, فلما رأوا جنود خصمهم تواكلوا وشملهم الرعب(449).
ز- عدم مد الخليفة -عبد الله بن الزبير- أخاه بالقوات والجند, وكان الأجدر به أن يمده بكل ما يستطيع, لأن ضياع العراق من يديه يعني فقدان الموارد المالية وبداية الانهيار السياسي(450).(1/96)
2- أثر مقتل مصعب على ابن الزبير وخطبته: لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل أخيه مصعب, قام فخطب في الناس, فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر, يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء, ألا إنه لن يذل الله من كان الحق معه, وإن كان فردًا, ولم يعز من كان وليه الشيطان وحزبه وإن كان معه الأنام طُرًّا, ألا وإنه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا, أتانا قتل مصعب -رحمه الله- فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن قتله له شهادة, وأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة, ثم يرعوي بعدها ذوو الرأي إلى جميل الصبر, وكريم العزاء, ولئن أصبت بمصعب لقد أصبت بالزبير قبله, وما أنا من عثمان بخلو مصيبة, وما مصعب إلا عبد من عبيد الله وعون من أعواني, إلا أن أهل العراق -أهل الغدر والنفاق- أسلموه وباعوه بأقل الثمن, فإن يقتل فإنا -والله- ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو العاص, والله ما قتل منهم رجل في زحف في الجاهلية ولا الإسلام, وما نموت إلا قعصًا(451) بالرماح وموتًا تحت ظلال السيوف. ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه, ولا يبيد ملكه, فإن تقبل لا آخذها أخذ الأشِر البَطر, وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الحَرِق المهين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم(452).(1/97)
3- رأي عبد الملك في مصعب بن الزبير: لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك, بكى وقال: ما كنت أقدر أن أصبر عليه ساعة واحدة من حبي له, حتى دخل السيف بيننا, ولكن الملك عقيم(453). لقد نسي عبد الملك كل ما كان بينه وبين مصعب, ولم يذكر إلى الكرسي وسلطة الحكم, حتى إذا ما تم له الأمر, وخلص له الحكم, أخذ يتحدث عما كان بينهما من المودة والخُلة, وراح يذكر محاسنه في مجالسه, وهو يعلم أن ذلك لن يضر ملكه شيئًا(454). روى ابن كثير أن عبد الملك قال يومًا لجلسائه: من أشجع العرب؟ قالوا: شبيب, قطري بن الفجاءة, وفلان, وفلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين, وعائشة بنت طلحة, وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كُريز, وأمه رباب بنت أُنيف الكلبي, سيد ضاحية العرب, وولي العراقين خمس سنين, فأصاب ألف ألف, وألف ألف, وألف ألف, وأعطى الأمان فأبى ومشى بسيفه حتى مات؛ ذلك مصعب بن الزبير, لا من قطع الجسور مرة ها هنا ومرة ها هنا(455). إن مدح مصعب الآن لا يضر عبد الملك شيئًا, فقد مضى إلى ربه, وترك له الدنيا بزخارفها, فهو الآن, وبعد أن لم يعد مصعب يشكل خطرًا على ملك عبد الملك, فلا بأس بأن يذكر محاسنه, ولا بأس بأن يؤبنه؛ ولهذا لما جيء برأس مصعب إلى عبد الملك قال: وراوه, فقد -والله- كانت الحرمة بيننا قديمة, ولكن هذا الملك عقيم. وأمر به وابنه عيسى فدفنا(456).
4- ما قيل من رثاء في مصعب بن الزبير: اشتهر عبيد الله بن قيس الرقيات بالدفاع عن الحركة الزبيرية, وكان شاعرها الأول, ومما قاله في رثاء مصعب بن الزبير:
نَعَت السحائب والغمام بأسرها
جسدًا بمسكِنَ عاري الأوصال
تُمسى عوائده السباع وداره
بمنازل أطلالهن بوالي
رحل الرِّفاق وغادروه ثاويًا
للريح بين صَبا, وبين شمال(457)
5- سكينة بنت الحسين زوجة مصعب بن الزبير: كتب مصعب إلى زوجته سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بعد خروجه من الكوفة بليال:(1/98)
وكان عزيزًا أن أبيت وبيننا
حجاب فقد أصبحت مني على عشر
وأبكاهما للعين والله فاعلمي
إذا ازددت مثليها فصرت على شهر
وأبكي لقلبي منهما أنني
أخاف بألا نلتقي آخر الدهر
وقيل: دخل مصعب على سكينة يوم قتل, فنزع ثيابه ولبس غلالة, وتوشح بثوب, وأخذ سيفه, فعلمت سكينة أنه لا يريد أن يرجع, فصاحت: واحزناه عليك يا مصعب! فالتفت إليها -وقد كانت تخفي ما في قلبها عنه- فقال: أوكل هذا لي في قلبك؟ قالت: وما أخفي أكثر, فقال: لو كنت أعلم هذا كانت لي ولك حال, ثم خرج فلم يرجع, ولما قتل مصعب خرجت سكينة تطلبه في القتلى فعرفته بشامة في خده, فأكبت عليه وقالت: يرحمك الله, نعم -والله- خليل المسلمة, كنت أدرك والله ما قال عنترة:
وحليل غانية تركت مجندلاً
بالقاع لم يعهد ولم يتكلم
فهتكت بالرمح الطويل إهابه
ليس الكريم على القنا بمحرم(458)
وقالت سكينة في رثاء مصعب:
فإن تقتلوه تقتلوا الماجد الذي
يرى الموت إلا بالسيوف حرامًا
وقبلك ما خاض الحسين منية
إلى القوم حتى أوردوه حمامًا(459)
***
المبحث الرابع
نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير (
أولاً: محاولات الأمويين إخضاع الحجاز قبل حصار ابن الزبير الأخير:
كانت المناوشات مستمرة بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان على الجبهة الحجازية ومن أهم الحملات التي شنها الطرفان:(1/99)
1- حملة حبيش بن دلجة القيني: تكاد تجمع الروايات على أن مروان بن الحكم هو الذي أرسل هذه الحملة إلى الحجاز, وذلك بعد مقدمه من مصر(460). والذي يظهر أن هذه الحملة أرسلت في أواخر عهد مروان بن الحكم حيث توفي مروان قبل أن تكمل مهمتها, الأمر الذي حدا ببعض المؤرخين أن يذكروا أن عبد الله بن مروان هو الذي أرسل هذه الحملة(461), وكان عدد أفراد هذه الحملة يتراوح ما بين 6400و 7000 رجل(462), واستطاع ابن الزبير أن يتغلب على هذا الجيش, فقد أرسل الحارث بن أبي ربيعة -وكان واليًا على البصرة- جيشًا بقيادة الحنتف بن السجف التميمي لمواجهة جيش حبيش بن دلجة, ومن جهته أرسل ابن الزبير جيشًا آخر بقيادة عباس بن سهل بن سعد الأنصاري ليلتقي بجيش الحنتف ويتحدا للقضاء على جيش حبيش, وهذا ما تم فعلاً(463), بالربذة(464).
2- حملة نائل بن قيس الجذامي: أرسل ابن الزبير نائلاً بحملة بعد وفاة الحنتف بن السجف بوادي القرى, وأمره أن يعبر إلى نواحي الشام وأن يكوِّن مسلحة بها(465), وفي رواية أخرى أن ابن الزبير بعث نائلاً بعد وفاة مروان, وأمره أن يأت فلسطين(466), وعلى أية حال فكلا الروايتين تتفقان على أن عبد الملك بن مروان استطاع أن يقضي على نائل بن قيس (بأجنادين) (467), وقد قتل نائل وأصحابه بفلسطين سنة 66هـ.
3- حملة عروة بن أنيف: بعث عبد الملك عروة بن أنيف في ستة آلاف إلى المدينة, وأمرهم ألا ينزلوا على أحد, ولا يدخلوا المدينة إلا لحاجة ضرورية أو يعسكروا "بالعَرْصة"(468), وسار عروة بن أنيف وعسكر بالعرصة, وتشير الرواية إلى أن الحارث بن حاطب -عامل ابن الزبير على المدينة- هرب منها, وكان عروة يدخلها ويصلي الجمعة بالناس ثم يعود إلى معسكره, ومكث عروة على هذا الوضع شهرًا, ولم يبعث إليه ابن الزبير أحدًا, ولم تحدث أي مواجهة بين جيشي عروة وابن الزبير, عندها أمر عبد الملك هذا الجيش بالعودة إلى الشام فرجع(469).(1/100)
4- حملة عبد الملك بن الحارث بن الحكم: أرسل عبد الملك بن مروان هذه الحملة -وقوامها أربعة آلاف- إلى المدينة, وكانت مهمتها الحفاظ على المنطقة ما بين الشام والمدينة.
عسكر عبد الملك بن الحارث بوادي القرى, ومن هناك أرسل فرقة قوامها خمسمائة رجل بقيادة أبي القمقام إلى سليمان بن خالد -عامل ابن الزبير على خيبر وفدك- للقضاء عليه, وقد حاول سليمان الهرب منهم لكنهم أدركوه وقتلوه(470), ولم يستطع ابن الزبير عمل شيء حيال ذلك سوى عزل الحارث بن حطاب وتولية جابر بن الأسود مكانه, وأرسل جابر بن الأسود من جهته حملة بقيادة أبي بكر بن أبي قيس إلى أبي القمقام بخيبر, واستطاع أبو بكر أن يلحق بخصمه الهزيمة(471).
5- حملة طارق بن عمرو: كانت هذه الحملة هي آخر حملة وجهها
عبد الملك بن مروان تجاه الحجاز, وكان الهدف منها أن يسيطر فيما بين "أيلة" و "وادي القرى" ويكون مددًا لمن يحتاج إليه من عمال عبد الملك بن مروان, وفي الوقت نفسه تكون سدًّا أمام تحركات ابن الزبير, وطلب ابن الزبير من واليه على البصرة إرسال قوات لحماية المدينة, فأرسل إليه ألفي رجل بقيادة ابن رواس, واستطاعت تلك القوات حماية المدينة, ولكن ما لبث ابن الزبير أن أمر ابن رواس بالمسير إلى طارق بن عمرو, وكانت نتيجة الصدام انتصار طارق بن عمرو, وعاد طارق إلى أم القرى ملتزمًا بالمهمة التي أوكلها له عبد الملك(472).
ثانيًا: الحصار الثاني وسقوط خلافة ابن الزبير:(1/101)
كان انتصار عبد الملك بن مروان على مصعب بن الزبير في معركة دير الجاثليق إيذانًا بانتهاء دولة عبد الله بن الزبير؛ فقد استقرت له الأمور في جميع الأمصار الإسلامية, وانحصرت دولة ابن الزبير في الحجاز, ولم يكن في استطاعته الصمود, لافتقاره إلى المال والرجال, كما أن مقتل أخيه مصعب قد فت في عضده وأصابه الإحباط, ولكنه لم يلق رايته, وظل يقاوم حتى النهاية.. لم يضيع عبد الملك بن مروان وقتًا بعد انتصاره على مصعب, وقرر أن يقضي نهائيًا على دولة ابن الزبير(473) ووقع الخيار لقيادة الجيش للقضاء على ابن الزبير على الحجاج بن يوسف, وتوجه بجيشه إلى الحجاز, واستقر بالطائف, وبدأ يرسل بعض الفرق العسكرية إلى مكة, وكان ابن الزبير يرسل إليه بمثلها فيقتتلون وتعود كل فرقة إلى معسكرها(474), وأمر عبد الملك طارق بن عمرو -الذي كان مرابطًا بوادي القرى- أن ينضم إلى جيش الحجاج, فتوجه طارق إليه وكان معه خمسة آلاف رجل(475).
1- الحصار الاقتصادي: وفي محاولة لإنهاك ابن الزبير قام الحجاج بفرض حصار اقتصادي على مكة, ويروي ابن حزم أن عبد الملك بن مروان كان يسهم في فرض هذا الحصار؛ فقد أوكل إلى خالد بن ربيعة مهمة قطع الميرة عن ابن الزبير وأهل مكة(476), وقد أثر هذا الحصار على ابن الزبير وأصابت الناس مجاعة شديدة حتى إن ابن الزبير اضطر إلى ذبح فرسه ليطعم أصحابه(477), وفي الوقت نفسه كانت العير تحمل إلى أهل الشام من عند عبد الملك, السويق, والكعك والدقيق(478), وقد ترتب على تردي الأحوال داخل مكة, أن بدأ التخاذل يدب بين أنصار ابن الزبير, وبدأوا ينسحبون واحدًا تلو الآخر, ومما شجع على تخاذل هؤلاء إعطاء الحجاج الأمان لكل من كف عن القتال وانسحب من جيش ابن الزبير(479).(1/102)
2- نصب المنجنيق على جبال مكة: أراد الحجاج بن يوسف الثقفي أن ينهي أمر ابن الزبير فكتب إلى عبد الملك بن مروان يطلب منه الإذن بقتاله ومناجزته, فأجابه عبد الملك بقوله: افعل ما ترى(480). وهذه الإجابة تحمل في مضمونها الموافقة على طلب الحجاج المتحفز لقتال ابن الزبير, وتوجه الحجاج ابن يوسف بجميع جيشه إلى مكة ونصب المنجنيق على جبالها, وبدأ يضرب ابن الزبير داخل الحرم ضربًا متواصلاً, وفي الوقت نفسه كانت بقية جيشه يقاتلون البقية الباقية مع ابن الزبير(481), وتوسط بعض أعيان مكة وعلى رأسهم ابن عمر لدى الحجاج طالبين إليه أن يكف عن استعمال المنجنيق فأجابهم: والله إني لكاره لما ترون ولكن ماذا أصنع وقد لجأ هذا إلى البيت؟ وكانت وفود الحج قد جاءت إلى مكة من كافة الأقطار الإسلامية, وقد منعهم من الطواف حول البيت ما يتعرض له الطائفون من خطر المنجنيق, ولما كان في ذلك تعطيل لركن من أركان الحج فقد تدخل في الأمر ابن عمر فكتب إلى الحجاج يقول له: اتق الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام, وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرًا(482), فأرسل الحجاج إلى طارق بن عمرو بأن يكف عن استعماله حتى ينتهي الناس من الحج, وقال لهم: والله إني لكاره لما ترون, ولكن ابن الزبير لجأ إلى البيت(483), وأيًّا ما كان فقد كف عن استعمال المنجنيق حتى انتهى الناس من الطواف(484), وبعدما انتهى موسم الحج نادى الحجاج في الناس بالانصراف إلى البلاد وأن القتال سيستأنف ضد ابن الزبير(485).
ويروي البلاذري أن العديد ممن كانوا مع ابن الزبير حاولوا إقناعه بقبول أمان الحجاج بن يوسف, فلم يستجب ابن الزبير لمحاولاتهم وأصر على القتال, وقد سطرت الروايات مواقف بطولية رائعة لابن الزبير ( في مواجهة كتائب الحجاج, ولم يمنعه كبر وخذلان من حوله, من الثبات على مبدئه الذي قاتل من أجله(486).(1/103)
3- أسماء بنت الصديق ترسم لابنها طريق الأحرار: بعد انتهاء موسم الحج نادى الحجاج في الناس أن يعودوا إلى بلادهم لأنه سيعود إلى ضرب البيت بالحجارة(487), وبالفعل بدأ يضرب الكعبة, وشدد على ابن الزبير, وتحرج موقفه وانفض عنه معظم أصحابه, ومنهم ابناه حمزة وخبيب, اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه الأمان لنفسيهما(488). فلما رأى ذلك دخل على أمه فقال لها: يا أمه, خذلني الناس حتى ولديّ وأهلي, فلم يبق معي إلى اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة, والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا, فما رأيك؟ فقالت: أنت -والله- يا بني أعلم بنفسك, إن كنت تعلم أنك على الحق وإليه تدعو فامض له, فقد قتل عليه أصحابك, ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية, وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت, أهلكت نفسك, وأهلكت من قتل معك, وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت, فهذا ليس من فعل الأحرار ولا أهل الدين, وكم خلودك في الدنيا, القتل أحسن. فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا -والله- رأيي, والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا ما ركنت إلى الدنيا, ولا أحببت الحياة فيها, وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحل حرمه, ولكني أحببت أن أعلم رأيك, فزدتني بصيرة مع بصيرتي, فانظري يا أمه فإني مقتول من يومي هذا, فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر لله, فإن ابنك لم يتعمد منكرًا, ولا عملاً بفاحشة, ولم يجر في حكم الله, ولم يغدر في أمان, ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد, ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته, ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي, اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي, أنت أعلم بي, ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني, فقالت أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدمتني, وإن تقدمتك ففي نفسي, اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك. قال: جزاك الله يا أمه خيرًا, فلا تدعي الدعاء لي قبل وبعد. فقالت: لا أدعه أبدًا, فمن قتل(1/104)
على باطل فقد قتلت على حق, ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل, وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة, وبره بأبيه وبي, اللهم قد سلمته لأمرك فيه, ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين(489), فتناول يديها ليقبلها فقالت: هذا وداع فلا تبعد. فقال لها: جئت مودعًا لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا, قالت: امض على بصيرتك وادن مني حتى أودّعك. فدنا منها فعانقها وقبلها فوقعت يدها على الدرع, فقالت: ما هذا صنيع من يريد ما تريد. فقال: ما لبسته إلا لأشد منك. قالت: فإنه لا يشد مني, فنزعها ثم أدرج كميه, وشد أسفل قميصه, وجبة خز تحت القميص, فأدخل أسفلها في المنطقة, وأمه تقول: البس ثيابك مشمرة, ثم انصرف ابن الزبير وهو يقول:
إني إذا أعرف يومي أصبر
وإنما يعرف يومه الحُر
فسمعت والدته قوله فقالت: تصبر والله إن شاء الله, أبوك أبو بكر والزبير, وأمك صفية بنت عبد المطلب(490).
4- استشهاد ابن الزبير (: إن الثبات على المبدأ -وإن كان يعارض مصالح الشخص, ويعرضها للخطر- يعتبر من أنبل الصفات, وقد تأصلت هذه الصفة في ابن الزبير, فما وهن وما ضعف وما استكان في سبيل المبادئ التي نادى من أجلها, ففي آخر يوم من حياته صلى ركعتي الفجر ثم تقدم وأقام المؤذن فصلى بأصحابه فقرأ: +ن وَالْقَلَمِ" حرفًا حرفًا, ثم سلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة بليغة جاء فيها:... فلا يرعكم وقع السيوف فإني لم أحضر موطنًا قط إلا ارتثثت فيه من القتل, وما أجد من أدواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها. صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم, لا أعلم أمرأ كسر سيفه, واستبقى نفسه, فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل, غضوا أبصاركم عن البارقة, وليشغل كل امرئ قرنه, ولا يلهينكم السؤال عني, ولا تقولن: أين عبد الله ابن الزبير؟ ألا من كان سائلاً عني فإني في الرعيل الأول.
أبي لابن سلمى أنه غير خالد(1/105)
ملاقي المنايا أي صرف تيممًا
فلست بمُبتاع الحياة بسُبَّة
ولا مُرتَق من خشية الموت سُلَّما
احملوا على بركة الله. ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون, فرُمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها, ودمي وجهه, فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه ولحيته قال:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما(491)
وقاتلهم قتالاً شديدًا, فتعاونوا عليه فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة(492), وتولى قتله رجل من مراد, وحمل رأسه إلى الحجاج, وسار الحجاج وطارق بن عمرو حتى وقفا عليه, فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا. فقال الحجاج: أتمدح مخالف أمير المؤمنين؟ قال: نعم هو أعذر لنا, ولولا هذا لما كان لنا عذر, إنا محاصروه منذ سبعة أشهر وهو في غير جند ولا حصن ولا منعة فينتصف منا, بل يفضل علينا, فبلغ كلامهما عبد الملك فصوب طارقًا(493), ولما صلب ابن الزبير ظهرت منه رائحة المسك(494), وقد ذكر أن ابن الزبير في يوم استشهاده قال: ما أُراني اليوم إلا مقتولاً, لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي, فدخلتها, فقد -والله- مللت الحياة وما فيها(495).(1/106)
5- أسماء رضي الله عنها تقيم الحجة على الحجاج: لما قتل عبد الله خرجت إليه أمه حتى وقفت عليه, وهي على دابة, فأقبل الحجاج في أصحابه فسأل عنها فأخبر بها, فأقبل حتى وقف عليها فقال: كيف رأيت نصر الله الحق وأظهره؟ قالت: ربما أُديل الباطل على الحق, وإنك بين فرشها والجيّة, فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت, وقد قال الله تعالى: +وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" [الحج:25] وقد أذاقه الله ذلك العذاب الأليم, قالت: كذبت, كان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة, وسُرّ به رسول الله ×, وحنكه بيده وكبر المسلمون يومئذ حتى ارتجت المدينة فرحًا به, وقد فرِحتَ أنت وأصحابك بمقتله, فمن كان فرح يومئذ خير منك ومن أصحابك, وكان مع ذلك برًّا بالوالدين صوامًا قوامًا بكتاب الله معظمًا لحُرم الله, يُبْغِض أن يُعصى الله عز وجل(496).. وقد دافعت عن ابنها دفاعًا مجيدًا, فانكسر الحجاج وانصرف, فبلغ ذلك عبد الملك, فكتب إليه يلومه في مخاطبته أسماء وقال: مالك ولابنة الرجل الصالح(497).
6- ابن عمر وثناؤه على ابن الزبير بعد استشهاده: مر عبد الله بن عمر على ابن الزبير بعد صلبه فقال: السلام عليك أبا خبيب, السلام عليك أبا خُبيب, السلام عليك أبا خبيب, أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا, أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا, أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا, أما والله إن كنت -ما علمت- صوامًا قوامًا وصولاً للرحم, أما والله لأمة أنت شرها لأمة خير, ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج وقوف ابن عمر عليه وقوله, فأرسل إليه فأنزله عن جذِعه(498).(1/107)
7- بيعة ابن عمر لعبد الملك: لما أجمع الناس على البيعة لعبد الملك بن مروان كتب إليه ابن عمر: أما بعد, فإني قد بايعت لعبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت, وإن بنيّ قد أقروا بذلك(499), وجاء في رواية أن ابن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان فبدأ باسمه, فكتب إليه: أما بعد, فـ +اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ" إلخ [النساء:87]. وقد بلغني أن المسلمين اجتمعوا على البيعة لك, وقد دخلت فيما دخل فيه المسلمون, والسلام(500), وحاول بعض بطانة الخليفة أن يوغروا صدره على ابن عمر لأنه بدأ باسمه قبل اسم الخليفة, فقال عبد الملك: إن هذا من أبي عبد الرحمن كثير(501). وكان مما كتب به عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف ألا يخالف عبد الله بن عمر في الحج(502) لما يعرفه من فضله وفقهه(503).(1/108)
8- ابن عمر ( والحجاج: بقى الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على مكة بعد مقتل ابن الزبير, وكان عبد الله بن عمر يترك المدينة ويأتي مكة حاجًا أو معتمرًا, ويرى أو يسمع من أفعال الحجاج وأقواله المخالفة للشرع, فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر, ويرد عليه بكل جرأة وشجاعة(504) وبعدما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير وتمت له السيطرة على مكة خطب الناس, وكان مما قال: إن ابن الزبير حرَّف كتاب الله, وفي رواية غيَّر كتاب الله, فقام ابن عمر وقال: كذبت كذبت كذبت, ما يستطيع ذلك, ولا أنت معه(505), وخطب الحجاج الناس يوم الجمعة, فأطال حتى كاد يذهب وقت الصلاة, فقام ابن عمر: فقال: أيها الناس, قوموا إلى صلاتكم, فقام الناس, فنزل الحجاج فصلى, فلما انصرف قال لابن عمر ما حملك على ذلك؟ فقال: إنما نجئ للصلاة فصلِّ الصلاة لوقتها, ثم بقبق(506) بعد ذلك ما شئت من بقبقة(507), كما أنكر ابن عمر على الحجاج تهاونه في إشاعة حمل السلاح في مكة وتركه لرجال جيشه يضايقون به المسلمين ويعرضون حياتهم بذلك للخطر, ففي الصحيح عن سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه, فلزقت قدمه بالركاب, فنزلت فنزعتها وذلك بمنى, فبلغ الحجاج فجعل يعوده, فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك! فقال ابن عمر: أنت أصبتني, قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه, وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم.
وفي رواية عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح. فقال: ما أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله؛ يعني الحجاج(508) ولما خرج الحجاج قال ابن عمر: ما آسى على شيء من هذه الدنيا إلا على ثلاث, وذكر منها: ألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا(509), يقول الذهبي في تعليقه: يعني بالفئة الباغية الحجاج(510) وأنا أزيد: ومن أرسله.(1/109)
9- منهج ابن عمر في الفتن: لم يكن ابن عمر بمنأى عن الأحداث السياسية من حوله, بل كانت له نظراته وتحليلاته لتلك الأحداث, وتميز ابن عمر بمواقفه في الفتن تميزًا واضحًا, فقد عايش عددًا من الفتن التي ابتليت بها الأمة الإسلامية آنذاك, وقد كشفت تلك الفتن عن حكمة بالغة ونظرة ثاقبة للأحداث, مما جعله بحق مدرسة مليئة بالدروس المفيدة والآداب الجمة التي اهتدى بها كثير من الناس في عصره, وأصبحت بعده معلمًا يقتدى به من بعده(511), كما قال سفيان الثوري -رحمه الله-: يقتدي بعمر في الجماعة وبابنه في الفرقة(512).
ومن أبرز ما يميز منهج ابن عمر في التعامل مع الفتن ما يلي:
أ- تجنب القتال والحرص على حقن دماء المسلمين:(1/110)
وقد وردت عدة روايات توضح موقف ابن عمر رضي الله عنهما من ذلك القتال الدائر في الفتنة الأولى والثانية, فعن القاسم بن عبد الرحمن قال: قالوا لابن عمر في الفتنة الأولى: ألا تخرج فتقاتل؟ فقال: قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب, فأنا أكره أن أقاتل من يقول: لا إله إلا الله. قالوا: والله ما رأيك ذلك, ولكنك أردت أن يفنى أصحاب رسول الله × بعضهم بعضًا, حتى إذا لم يبق غيرك قيل: بايعوا لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين. قال: والله ما ذلك فيَّ, ولكن إذا قلتم: حي على الفلاح أجبتكم, وإذا افترقتم لم أجامعكم, وإذا اجتمعتم لم أفارقكم(513), وجاءه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس قد صنعوا ما ترى, وأنت ابن عمر وصاحب رسول الله, فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم عليّ دم أخي المسلم, قال: ألم يقل الله: +وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ" [البقرة:193] فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله, فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يرد قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في علي وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن تعفوا عنه, وأما علي, فابن عم رسول الله × وختنه, وأشار بيده, وهذا بيته حيث ترون(514).
ولم يكتف ابن عمر ( بالحرص على كف نفسه وتجنيبها إراقة
دماء المسلمين, بل سلك بعض السبل التي تؤدي إلى تجنب المسلمين إراقة
الدماء فيما بينهم, من ذلك محاولته الجادة -خلال الخلاف بين ابن الزبير
وعبد الملك بن مروان- لإنهاء القتال بينهما حقنًا لدماء المسلمين(515). فروى المدائني أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان يأمره بتقوى الله وأن يكف نفسه, فكتب إليه عبد الملك أنه سيخرج نفسه ويجعل الأمر شورى, فلما كتب ابن عمر إلى ابن الزبير بذلك لم يلتفت إليه(516).
ب- الحث على السمع والطاعة للإمام القائم ونهيه عن إثارة الفتنة وتفريق الكلمة:(1/111)
قال ابن عمر رضي الله عنهما: جاءني رجل في خلافة عثمان, فإذا هو يأمرني أن أعتب على عثمان, فلما قضى كلامه قلت له: إنا كنا نقول ورسول الله × حي: أفضل أمة محمد بعده: أبو بكر وعمر ثم عثمان, وإنا -والله- ما نعلم عثمان قتل نفسًا بغير حق, وجاء من الكبائر شيئًا, ولكنه هذا المال, إن أعطاكموه رضيتم وإن أعطاه قرابته سخطتم. إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم, لا يتركون أميرًا إلا قتلوه, ففاضت عيناه بأربع من الدمع ثم قال: اللهم لا تُرد ذلك(517), وروى سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه(518). فانظر إلى أي مدى كان حرص عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على الدفاع عن عثمان والذب عن عرضه والتصدي لما يثيره أهل الفتنة ضد عثمان بن عفان (؛ لما كان يعلم من خطورة مثل هذا المنحى وما يؤدي إليه من النيل من الخليفة من فساد, وفرقة, لذا فإن عثمان منحه ثقته فكان يستشيره إبان محنته مع الغوغاء, فحين دخل عليه ابن عمر قال له عثمان: انظر ما يقول هؤلاء؛ يقولون: اخلع نفسك أو نقتلك. قال له ابن عمر: أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا. قال: هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال: لا. قال: هل يملكون لك جنة أو نارًا؟ قال: لا. قال: فلا تخلع قميص الله عليك فتكون سنة, كلما كره قوم خليفتهم خلعوه أو قتلوه(519). وهذا الرأي من ابن عمر ينم عن بعد نظره وتقديره لعواقب الأمور, وقد أبدى استعداده لحمل السلاح للدفاع عن أمير المؤمنين عثمان والتصدي للغوغاء المحاصرين لعثمان في داره, فقد ذكر ابن سعد عن نافع أن ابن عمر لبس الدرع يوم الدار مرتين. ولما قتل عثمان رأى ابن عمر أن الأمة وقعت في محنة, وأن قتل الخليفة بهذه الصورة معصية شؤمها على الأمة خطير, لذا لما عرض عليه الغوغاء الخلافة بعد مقتل عثمان قال: إن لهذا الأمر انتقامًا, والله لا أعترض له, فالتمسوا غيري(520), وكان ابن عمر ( كثيرًا ما يركز في(1/112)
نصائحه للعامة على لزوم الجماعة والإعراض عن دماء المسلمين وأموالهم. فكتب له رجل: اكتب إلي بالعلم كله, فكتب إليه: إن العلم كثير, ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس خميص البطن من أموالهم, كافًّا لسانك عن أعراضهم, لازمًا لأمر جماعتهم, فافعل, والسلام(521).
ج- استجابته لكل من دعاه إلى خير وتعاونه مع أطراف الخلاف فيما يخدم المصلحة:
ورد أنه كان لا يأتي أميرًا -في زمان الفتنة- إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله(522), وقيل له: أتصلي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضًا؟ فقال: من قال: حي على الصلاة أجبته, ومن قال: حي على الفلاح أجبته, ومن قال: حي على أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا(523), وكان ابن عمر يتبوأ مكانة رفيعة في الأمة لصحبته لرسول الله وعلمه وعبادته وزهده, وكان عبد الله بن محيريز -رحمه الله- يراه أمانًا في الأرض حيث قال: والله إن كنت أعد بقاء ابن عمر أمانًا لأهل الأرض(524).
د- إن ابن عمر ( لم يدعُ إلى وجوب الخضوع المطلق للسلطان:(1/113)
أو جواز البيعة القهرية, أو أن في حياته ما يدل على عدم اهتمامه بأمور المسلمين السياسية أو عدم المشاركة فيها, بل على العكس, فهو كان دائمًا أحد الأطراف الرئيسية في المعادلة السياسية في العهد الأموي, وكان أسلوبه هو الحوار واللجوء إلى الشورى, والابتعاد عن الاقتتال, وعندما بدأت الانشقاقات تظهر بين المسلمين اختار أن يكون محايدًا وأن يعتزل الاقتتال, لا أن يعتزل الحياة السياسية, وكان حياده واعتزاله نوعًا من التأمل والتفكر والاطلاع على مواقف الفئات المختلفة والبعد عن المشاركة في سفك دماء بسبب التصارع على السلطة, مع العمل على تهيئة الظروف, والمناخ السياسي الملائم الذي يجمع شمل الأمة, فموقف ابن عمر المحايد كان في البداية بسبب صعوبة تكوين رأي قاطع, فضلاً عن خشية الوقوع في الفتن(525), وكان يقول: كففت يدي عن القتال فلم أندم, والمقاتل على الحق أفضل(526), وهناك دلائل وحقائق تاريخية تثبت أن ابن عمر, عندما رأى ما يقوم به الحجاج من مظالم عظيمة في الحرم المكي, وسفك الدماء به, والتعدي على حرمته غير رأيه في اعتزال الفتنة, بل وندم على أنه لم يقاتل في جيش علي بن أبي طالب ضد معاوية, الذي كان في نظره خارجًا عن شرعية علي وباغيًا عليه, فقد روى حبيب بن ثابت أن ابن عمر عندما حضرته الوفاة قال: ما أجد في نفسي شيئًا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي(527), وقد مر معنا قول ابن عمر: ما آسى على شيء من هذه الدنيا إلى على ثلاث, ظمأ الهواجر, ومكابدة الليل, وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا(528), قال الذهبي: يعني الحجاج(529), وقد جاء في كتب التاريخ أن ابن عمر كان يرى عبد الله بن الزبير أيضًا يندرج تحت مسمى الفئة الباغية, وأنه ندم على عدم قتاله لخروجه على بني أمية وبغيه عليهم ونكثه عهدهم(530), وهذه الرواية يؤخذ عليها عدة أمور:(1/114)
- أن عبد الله بن عمر لو كان يعتقد بأحقية بني أمية بالخلافة من ابن الزبير في وقت الفتنة لبايعهم, ولكنه لم يفعل, فكيف يندم على عدم قتاله معهم, وهو لم يبايعهم -في الأصل-؟!
- أن أقوال عبد الله بن عمر الأخرى, التي تؤكد أن الفئة الباغية هي بنو أمية ورجالاتهم, خاصة الحجاج, كانت آخر أقواله, وهي ما يعتمد عليه, وأسانيدها صحيحة(531).
إن مواقف ابن عمر السابقة تدحض وتبين ضعف الرأي الذي يعتبره رائدًا لمدرسة الخضوع السياسي للسلطان, خاصة أن ابن عمر هو الذي روى عن رسول الله × الحديث: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر في معصية فلا سمع ولا طاعة"(532), والحديث يدل على عدم طاعة الحاكم إذا أمر بمعصية أو خرج عن حكم الله, ولا يمكن لابن عمر أن يخالف حديثًا رواه, وعلى ذلك فإن نظرة ابن عمر تقوم على أن الطاعة للخليفة الشرعي, الذي بويع بالإجماع أو اتفاق الأغلبية, واجبة ما لم يأمر بمعصية, فإن ظلم أو جار فلا طاعة له, بل يجب مناصحته, فإن لم تُجدِ المناصحة يجب -عندئذ- اللجوء إلى المعارضة الصريحة, ولكنه كان يكره اللجوء إلى العنف والاقتتال, لما في ذلك من سفك الدماء وإضعاف لوحدة الجماعة(533).
10- منهج أهل الحق في ابن الزبير:
قال النووي في شرح مسلم: مذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلومًا, وأن الحجاج ورفقته خارجون عليه. ودخل الحجاج على أمه بعد قتله فقال: كيف رأيتني صنعت بابنك؟ فقالت: أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, وقد أخبرنا رسول الله ×, أن في ثقيف مبيرًا وكذابًا, فأما الكذاب فرأيناه -تعني المختار- وأما المبير(534), فلا أخالك إلا إياه(535).
11- هدم الكعبة وبناؤها في عهد ابن الزبير:(1/115)
في سنة 64 هـ هدم ابن الزبير الكعبة وكانت قد مالت حيطانها(536), وتهدمت, وتشعثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمي به الحصين بن نمير وأصحابه(537), ولما أراد ابن الزبير هدم البيت شاور الناس في هدمها, فأشار عليه جابر بن عبد الله وعبيد بن عمير بذلك وقال ابن عباس: أخشى أن يأتي بعدك من يهدمها, فلا تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها, ولكن أرى أن تصلح ما وهي منها, وتدع بيتًا أسلم الناس عليه, وأحجارًا بُعث رسول الله × عليها. فقال ابن الزبير: لو احترق بيت أحدكم ما رضي حتى يُجدده, فكيف ببيت ربكم؟! (538), ثم إن ابن الزبير استخار الله ثلاثة أيام(539), ثم عزم في اليوم الرابع على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هاربًا إلى الطائف وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عبدًا حبشيًا دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة(540), فبدأ ينقض الرُّكن إلى الأساس, فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا أصلاً بالحجر مشبكًا كأصبع اليدين, فدعا ابن الزبير خمسين رجلاً وأشهدهم على ذلك, ثم بنى البيت وأدخل الحجر فيه(541), وجعل للكعبة بابين موضوعين بالأرض, باب يدخل منه, وباب يُخرج منه, ووضع الحجر الأسود بيده وشدَّه بفضة, لأنه كان قد تصدع, وجعل الكعبة سبعة وعشرين ذراعًا, وكان طولها سبعة عشر ذراعًا فاستقصروه, وزاد في وسع الكعبة عشرة أذرع ولطخ جدرانها بالمسك, وسترها بالديباج, ثم اعتمر من مساجد عائشة(542), وطاف بالبيت, وصلى وسعى, وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد من الحجارة والزبالة, وما كان حولها من الدماء, وكانت الكعبة قد وهت من أعلاها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق واسوَدَّ الركن, وانصدع الحجر الأسود من النار التي كانت حول الكعبة, وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسُّنن من طرق, عن عائشة أم المؤمنين, أن رسول الله × قال: "لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأدخلت(1/116)
فيها الحجر -فإن قومك قصرت بهم النفقة- ولجعلت لها بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر, ولألصقت بابها بالأرض, فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا"(543), فبناها ابن الزبير على ذلك كما أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين, عن رسول الله ×, فجزاه الله خيرًا, ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة 73هـ وقتله وصلبه, هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما كان أولاً, وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف الكعبة فرضَّها فيها, فارتفع الباب, وسدَّ الغربيَّ, وتلك آثاره إلى الآن, وذلك بأمر عبد الملك بن مروان له في ذلك, ولم يكن بلغه الحديث, فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال: وددنا أنا تركناه, وما تولى من ذلك(544).
ثالثًا: أسباب سقوط خلافة ابن الزبير:
من خلال الدراسة تظهر للباحث أسباب عديدة لسقوط خلافة ابن الزبير وانتصار الأمويين, ومن أهم هذه الأسباب:
1- اتخاذ الزبير الحجاز مقرًا لخلافته:
يجمع عدد من الباحثين على أن بقاء ابن الزبير في مكة كان من أهم أسباب إخفاقه(545), ولئن كان توجه ابن الزبير إلى مكة في بداية الأمر له مبرراته(546), فإن إصراره على البقاء فيها واتخاذها عاصمة لخلافته لم يكن في مصلحته, وذلك لأن مكة بصفة خاصة والحجاز بصفة عامة لم تعد مكانًا صالحًا ليكون مركزًا لدولة كبيرة مترامية الأطراف, فمكة بعد هجرة النبي × وأصحابه منها, فقدت دورها السياسي الذي قامت به المدينة إلى عهد عثمان بن عفان, ولما نشبت الفتنة وانتقل علي بن أبي طالب إلى الكوفة, واتخذها عاصمة له, ثم اتخذ معاوية ابن أبي سفيان دمشق عاصمة له, بعد أن آلت إليه الخلافة ولم يعد للحجاز -خاصة المدينة ومكة- دوره السياسي السابق, ويمكن أن نجمل أثر بقاء ابن الزبير في مكة على حركته في النقاط التالية(547):(1/117)
أ- الموقع: فمكة -كما هو معروف- من حيث الموقع بعيدة عن الشام والعراق, وهما الإقليمان اللذان شهدا أهم مراحل الصراع بين ابن الزبير وبني أمية, فهذا البعد لم يتح لابن الزبير الاطلاع ومتابعة ما يحدث من صراع بين الموالين له وخصومه, لاسيما مع ضعف إمكانات الاتصال, وبالتالي فإن ذلك لا يتيح لابن الزبير اتخاذ القرارات المناسبة إزاء ما يجري على الساحة بعكس خصومه الأمويين الذين كانوا يعيشون الأحداث مباشرة, ومن جانب آخر فإن مكة تقع في واد محصور بين عدة جبال شاهقة وهي أشبه ما تكون بالمصيدة لمن يعتصم بها حينما تحاصرها الجيوش من كل جانب, ويقطعون عنها الإمدادات, وكادت حركة ابن الزبير تخمد منذ وقت مبكر حينما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير داخل مكة سنة 64هـ لولا أن الله أنقذه بوفاة يزيد بن معاوية وانسحاب جيش الحصين إلى الشام.
ب- الناحية الاقتصادية: تعتمد مكة -بشكل خاص- والحجاز -بشكل عام- في مواردهما الاقتصادية على ما يأتيهما من خارجهما, خاصة من الشام ومصر, وانقطاع هذه الموارد يتسبب في إحداث مجاعة ترهق المقيمين فيهما, وقد أفاد بنو أمية من هذا العامل إفادة كبيرة في صراعهم مع ابن الزبير, فبعد سقوط مصر والشام في أيدي الأمويين انقطعت الإمدادات التي تصل إلى المدينة(548), وبطبيعة الحال فإن مكة سينالها ما نال المدينة, كما لجأ الأمويون إلى هذا السلاح أيام الحصارين الأول والثاني(549).(1/118)
ج- الموارد البشرية: تبع قيام حركة الفتوح الإسلامية هجرة العديد من القبائل إلى الأقاليم المفتوحة, وتركزت معظم هذه القبائل في العراق, والشام, ومصر(550), وقد ترتب على ذلك اختلال معادلة التوزيع السكاني لترجيح كفة هذين الإقليمين على الحجاز الذي عانى من نقص الكوادر البشرية, وهذا النقص في الواقع لم يتح لابن الزبير تكوين جيش قوي يكون مستعدًا في أية لحظة لمهاجمة الخصم, أو أقل تقدير لصد هجومه, ولذلك نجد أن ابن الزبير إزاء هذا الوضع يلجأ دائمًا إلى طلب الإمدادات من العراق, هو بذلك يربط تحركاته بما يكون عليه الوضع في هذا الإقليم من حيث استقراره, واستعداد واليه لإرسال المدد, وهذا مما يفوت على ابن الزبير الكثير من الفرص(551).
2- سياسة ابن الزبير الإدارية والمالية:(1/119)
لئن وفق ابن الزبير في تعيين بعض ولاته فإن هذا التوفيق لم يكن حليفه في جميع الأحوال, ويبدو أن بقاء ابن الزبير في الحجاز وعدم خروجه إلى الأقاليم الإسلامية لم يتح له التعرف على أهل هذه الأقاليم, وطبائعهم واتجاهاتهم, وتكوين تصور عام عنهم يعينه على اختيار الولاة المناسبين, ولعل أبرز مثال على اضطراب سياسة ابن الزبير في هذا المجال هو العراق -بمصريه الكوفة والبصرة- ذلك الإقليم الذي كان يعج بالتيارات المختلفة -العقدية والقبلية- والذي يحتاج إلى نوعية خاصة من الولاة تحسن التعامل مع أهله, فلو نظرنا إلى ولاة ابن الزبير على إقليمي العراق وسيرتهم لوجدنا ما يدلل على ذلك, ومن ولاته على الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي الذي لم يستطع أن يواجه المختار ابن أبي عبيد الثقفي, وهرب من أمامه وخلَّى بينه وبين الكوفة(552), وبشكل عام لم يستطع ولاة ابن الزبير ضبط هذا الإقليم الحيوي والاستفادة من طاقات أهله في حرب الأمويين, فقد كان فيه الرجال والأموال, بل على العكس من ذلك, فقد كان هذا الإقليم سببًا مباشرًا في سقوط خلافة ابن الزبير, وذلك حينما تواطأ أهله مع الأمويين ضد مصعب بن الزبير, أما فيما يتعلق بصلة ابن الزبير بولاته, فيلاحظ أن ابن الزبير كان يخلي بين واليه والإقليم الذي حكمه, ويكل إليه إدارته والقيام بشئونه حتى في القتال ضد الخصوم, ولم يكن ابن الزبير يتدخل في ذلك, فالصلة بين ابن الزبير وبعض ولاته تكاد تكون مقطوعة مما ترتب عليه سقوط بعض الأقاليم في يد الأمويين, في الوقت الذي كان ابن الزبير يقيم في مكة, ولعل ما حدث لقرقيسيا يدل على ذلك, فقد كان زفر بن الحارث الكلابي واليًا على هذا الإقليم وكان يقاتل عبد الملك بن مروان عدة سنوات, وعاق تقدمه إلى العراق, ولما طال عليه الأمد ولم يقدم له ابن الزبير أي عون اضطر في النهاية إلى التسليم لعبد الملك بن مروان بعد أن أقنعه ابنه الهذيل بن زفر بأن عبد الملك بن مروان(1/120)
خير له من ابن الزبير(553).
وأما عن سياسية ابن الزبير الاقتصادية فبالإضافة إلى قلة موارده الاقتصادية, يلاحظ أنه كان متأثرًا في نظرته لما بين يديه من المال بأسلافه من الخلفاء الراشدين خاصة عمر بن الخطاب (, وأراد أن يسلك مسلكهم في طريقة الإنفاق, فأصبح ينظر إلى هذا المال على أنه مال الله, وهو حق المسلمين, ولا يجوز أن يصرف إلا في أوجهه الشرعية, وتشدد في ذلك, وهذه السياسة لم ترق للكثيرين في ذلك العصر, لأن الناس-كما يقول د. العش- لم يكونوا قادرين على فهم هذه السياسة وقبولها(554), فلم يسخر ابن الزبير هذا المال في توطيد حكمه, وتقوية صفه, وكسب الأنصار من الأعيان والمؤيدين واستمالتهم لمشروعه الشوري, وبطبيعة الحال لقد خسر ابن الزبير الكثير من المناصرين, خصوصًا إذا عرفنا أن الأمويين كانوا يغدقون الأموال على الشعراء والأعيان والزعماء لكسبهم.
3- عدم استيعابه لزعماء العراق:
كثير من زعماء القبائل يمكن للحكام أن يستوعبوهم بالأموال والعطايا, فسلاح المال خطير يجذب القلوب ويؤثر في النفوس, فقد روى أن أخاه مصعبًا ذهب إليه -بعد مقتل المختار- بزعماء أهل العراق وقال له: يا أمير المؤمنين, قد جئتك بزعماء أهل العراق وأشرافهم, كل مطاع في قومه, وهم الذين سارعوا إلى بيعتك, وقاموا بإحياء دعوتك, ونابذوا أهل معصيتك, وسعوا في قطع عدوك, فأعطهم من هذا المال. فقال له:....جئتني بعبيد أهل العراق وتأمرني أن أعطيهم مال الله, لا أفعل, وايم الله لوددت أن أصرفهم كما تصرف الدنانير بالدراهم, عشرة من هؤلاء برجل من أهل الشام(555), وجاء في رواية: فقال له أبو حاضر الأسيدي -وكان قاضي الجماعة بالبصرة-: إن لنا ولكم مثلاً مضى يا أمير المؤمنين وهو ما قال الأعشى:
عُلِّقناك عرضًا وعُلِّقَت رجلاً
غيري وعُلِّق أخرى غيرها الرجل(1/121)
عُلِّقناك يا أمير المؤمنين وعُلِّقت أهل الشام, وعُلِّق أهل الشام إلى مروان, فما عسانا أن نصنع؟ قال الشعبي: فما سمعت جوابًا أحسن منه(556), ثم بعد ذلك خلعوا ابن الزبير وكتبوا إلى عبد الملك بن مروان أن أقبل إلينا(557).
4- عدم بيعة زعماء بني هاشم له ومعارضتهم لدولته:
فقد امتنع عن بيعته عبد الله بن عباس, ومحمد بن علي بن أبي طالب -ابن الحنفية- وغيرهما. ولم يعاملهم بالرفق واللين, بل اشتد عليهم في بعض الأحيان(558).
5- إسراف أخيه مصعب في الدماء بعد القضاء على المختار:
فقد جاء مصعب إلى ابن عمر فسلم عليه فقال: من أنت؟ قال: أنا ابن أخيك, مصعب بن الزبير. قال: صاحب العراق؟ قال: نعم. ثم قال لابن عمر: أسألك عن قوم خالفوا وخلعوا الطاعة وقاتلوا حتى إذا غلبوا دخلوا قصرًا وتحصنوا فيه وسألوا الأمان على دمائهم فأعطوا, ثم قتلوا بعد ذلك, قال:... يا مصعب, لو أن امرأ أتى ماشية الزبير فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة كنت تعده مسرفًا؟ فسكت مصعب. فقال: أجبني, قال: نعم, إني لأعد رجلاً يذبح خمسة آلاف شاة في يوم مسرفًا. قال: أفتراه إسرافًا في البهائم؟ لا تعبد الله وما تدري ما الله, وقتلت من وحَّد الله؟ أما كان فيهم مستكره يراجع به التوبة أو جاهل ترجى رجعته(559)؟. فهذا القتل الكثير في أهل العراق أوغر عليه صدور عشائرهم وليس ببعيد أن يكون موقفهم منه في معركة دير الجاثليق له علاقة بهذه الأحداث, فالذي قتل مصعبًا هو زياد بن ظبيان, فلما ذهب إلى عبد الملك أمر له بألف دينار فرفض ابن ظبيان أن يأخذ شيئًا وقال لعبد الملك: لم أقتله على طاعتك وإنما قتلته على قتل أخي النابئ(560), وقيل: اشترك في قتله زائدة بن قدامة الثقفي وقال حين قتله: يا لثارات المختار! (561).
6- تهاون ابن الزبير في أمر الأمويين:(1/122)
كان الأولى أن يعمل ابن الزبير على منع الأمويين من الخروج من المدينة إلى الشام, وبخاصة مروان بن الحكم وابنه عبد الملك, ولو فعل ابن الزبير ذلك لما وجد الأمويون من يلم شعثهم, ويعيد السلطة ثانية, فلم يفكر مروان بن عبد الملك في الخلافة إلا بعد أن خرج من المدينة ووصل الشام, ولم يبذل الجهد المطلوب في دعم مناصريه في الشام, كخروجه على جيش كبير لضبط الأمور بها والقضاء على فتنة الأمويين عند ظهورها.
7- إهماله الدعاية والإعلان: وأقصد بذلك عدم اهتمامه بالشعراء وإغداق الهدايا عليهم, صحيح أن دعوة عبد الله بن الزبير أيدها مجموعة من الشعراء كعبيد الله بن قيس الرقيات(562), الذي قال:
أنت ابن معتلج البطاح
كدَيِّها فكَدَائها
فالبيت ذي الأركان
فالمستن من بطحائها
إلى أن قال:
ولدت أغرَّ مباركًا
كالبدر وسط سمائها
في ليلة لا نحس فيه
سحريها وعشائها
إن البلاد سوى بلادك
ضاق عرض فضائها
فاجمع بني إلى بنيك
فأنت خير رعائها
نشهدك منا مشهدًا
ضنكًا على أعدائها
نحن الفوارس من قريش
يوم جد لقائها(563)
إلى أن المعركة الإعلامية انتصر فيها الأمويون انتصارًا كبيرًا على ابن الزبير, فقد كانوا يعطون الشعراء ويشترون الناس بالأموال, فهذا أعشى ربيعة من الشعراء الأمويين يقول:
آل الزبير من الخلافة كالتي
عجل النتاج بحملها فأحالها
أو كالضعاف من الحمولة حُملت
ما لا تطيق فضيعت أحمالها
قوموا إليهم لا تناموا عنهمُ
كم للغواة أطلتمُ إمهالها
إن الخلافة فيكمُ لا فيهمُ
ما زلتمُ أركانها وثمالها
أمسوا على المعروف قفلاً مغلقًا
فانهض بيمنك فافتتح أقفالها(564)(1/123)
8- استخدام الشدة والقوة مع أخيه عمرو بن الزبير: إن الطريقة التي اتبعها ابن الزبير في القضاء على أخيه عمرو بن الزبير بعد أن وقع في الأسر جعلت الناس ينظرون إليه على أنه رجل تنقصه العاطفة والشفقة, وكان لذلك مرده السيئ على تعاطف الناس مع قضيته, فعمرو بن الزبير كان يضرب الناس في المدينة بناء على تهم موجهة إليهم بشأن تعاطفهم وتعاملهم مع ابن الزبير, وكان معينًا من قبل الدولة, وكانت قراراته يتخذها بطبيعة عمله, وإن كان فيها شيء من التجني والخطأ والظلم, وبالتأكيد كان الكثير من الناس يتمنون أن يقوم ابن الزبير, نفسه بحبسه, أو أن يطلب من كل الذي يدّعون على عمرو بن الزبير بأنه ظلمهم أن يسامحوه ويصفحوا عنه, ويغفروا له خطأه(565), لقد اعتبر البعض أن ابن الزبير ما هو إلا طالب سلطة ودولة, وإلا لما تعامل مع أخيه بتلك القسوة(566), واستغل تلك الحادثة شعراء الخصوم, فقد قال الضحاك بن فيروز الديلمي ساخرًا من ادّعاء عبد الله بن الزبير الزهد والصلاح:
تخبرنا أن سوف تكفيك قبضة
وبطنك شبرٌ أو أقلُّ من الشبر
وأنت إذا نلت شيئًا قضمته
كما قضمت نار الغضا حطب السدر
فلو كنت تجزي أو تبيت بنعمة
قريبًا لردتك العطوف على عمرو(567)
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي مؤلبًا على ابن الزبير داعيًا عليه:
تحدث من لاقيت أنك عائذ
وصرعت قتلى بين زمزم والركن
قتلتم أخاكم بالسياط سفاهة
فيالك للرأي المُشَلَّل والأفن(568)
إلى أن قال:
قطعت من الأرحام ما كان واشجًا
على الشيب وابتعت المخافة بالأمن(569)(1/124)
9- تفوق خصوم ابن الزبير: ليس بمستغرب أن يتفوق بنو أمية على ابن الزبير, الذي لم تتح له الفرصة لأن يتولى إقليمًا من الأقاليم ليكتسب الخبرة, في حين أن بني أمية تهيأت لهم العديد من الفرص, خاصة بعد أن آلت الخلافة إليهم في عهد معاوية بن أبي سفيان, وفي الجانب العسكري نلمس تفوق بني أمية على ابن الزبير من حيث التكتيك الحربي, وقيادة الجيوش, ولعل من أبرز ما يلاحظ في ذلك أن مروان بن الحكم قد خرج بنفسه على جيش كبير لضم مصر, ثم باشر ابنه عبد الملك حرب العراق بنفسه, وهذا أتاح لهما التعرف على ما يدور في ساحة القتال عن كثب, كما أنه يعطي المقاتلين دفعة معنوية كبيرة, وفي المقابل نجد ابن الزبير يعتمد على قواده أو ولاة الأقاليم في حروبه ولم يغادر مكة قط, وقد انتقد عبد الملك بن مروان هذه السياسة فقال: إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لأبدى صفحته, وآسى أنصاره بنفسه, ولم يغرز ذنبه في الحرم(570).
ويلاحظ أيضًا أن بني أمية منذ صراعهم مع ابن الزبير كانوا دائمًا في موضع المهاجم, بعكس ابن الزبير الذي ظل في موقف الدفاع(571).
10- الظروف التي نشأت فيها حركة ابن الزبير: إن من الإنصاف أن نذكر أن الظروف السيئة التي وجدت فيها حركة ابن الزبير أسهمت إلى حد كبير في سقوط خلافته, تمثلت هذه الظروف بظهور التيارات والاتجاهات المذهبية, والقبلية, وانعدام الاستقرار السياسي الذي هو من أهم الشروط لقيام حكم مستقر, لقد شغل الخوارج ابن الزبير كثيرًا, كما أن حركة المختار أخذت من جهده ووقته ورجاله, فهذه الحركات ذات المنطلقات العقائدية شغلت ابن الزبير كثيرًا عن التفكير في تنظيم دولته, كما استنزفت الكثير من طاقاته المادية والبشرية(572).
رابعًا: رثاء عبد الله بن الزبير:(1/125)
رثي ابن الزبير بقصائد كثيرة مبكية حزينة حفظها لنا التاريخ, ولم تهملها الليالي, ولم تفصلها عنا حواجز الزَّمن, ولا أسوار القرون, ومما قيل في رثائه ما قاله عبد الله بن أبي مسروح:
لقد أدركت كتائب أهل حمص
لعبد الله طرفًا غير وعل
شجاع الحرب إذ شدّت وقودًا
وللحادين خيرُ محل رحل
ومن ذا يكره الأبطال منه
إذا اعتنشوا طريقًا غير سهل
فما للشامتين بنا أصيبوا
وقلُّوا من سراتهم لمثلِ(573)
وقال قيس بن الهيثم السلمي:
فقدنا مصعبًا وأخاه لما
نفَتْ سماؤهما المحُولا
وكنا لا يرام لنا حريم
تُسحّب في مجالسنا الذيولا
إذا أمن الجناب وإن فزعنا
ركبنا الخيل واجتنبنا الشَّليلا
ونرمي بالعداوة من رمانا
ونوطئهم بها وطأ ثقيلاً
فيا لهفي ولهف أبي وأمي
لقد أصبحت بعدهما ذليلا
ذ
ويا لهفًا على ما فات مني
ألا أصبحت في القتلى قتيلاً
ولم أصبح لأهل الشام نَصْبًا
يذكرني ابن مروان الذُّحولا
فلا رفدًا يعد ولا غناء
ولا إذنًا ولا حبسًا جميلاً
ولكن بين ذلك بين بين
لقد ضلّ ابن مروان السبيلا(574)
***
أهم المصادر والمراجع
1- أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية د. عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد الخركان, مكتبة الرشد, الرياض, الطبعة الأولى 1424هـ.
2- أخبار مكة للفاكهي, عبد الله بن محمد, تحقيق عبد الملك بن دهيش.
3- أسماء بنت أبي بكر الصديق, محمد بن لطفي الصباغ, المكتب الإسلامي.
4- الآحاد والمثاني لابن عاصم, تحقيق باسم فيصل الجوابرة, دار الراية, الرياض.
5- الأخبار الطوال لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري, دار القلم, بيروت- لبنان.
6- الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر, تحقيق علي محمد البجاوي, مكتبة نهضة مصر.
7- الأعلام لخير الدين الزركلي, دار العلم, بيروت, الطبعة الثالثة, 1389هـ.
8- الأغاني, أبو الفرج الأصفهاني, علي بن الحسين بن محمد الأموي, طبع دارالكتب المصرية.(1/126)
9- الأمويون بين المشرق والمغرب, دار القلم, دمشق, الدار الشامية, بيروت.
10- البداية والنهاية, الحافظ ابن كثير الدمشقي, دار الريان.
11- البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب, أبو عبد الله محمد المراكشي (ابن عِذارى).
12- التاريخ الإسلامي, عبد العزيز بن عبد الله الحميدي, دار الدعوة, الإسكندرية, 1998م.
13- التقريب.. تقريب التهذيب, لابن حجر, تحقيق محمد عوامة, دار الرشيد, حلب.
14- الحجاج بن يوسف المفترى عليه, محمود زيادة, دار السلام.
15- الحرية أو الطوفان د. حاكم المطيري.
16- الحزب الزبيري في أدب العصر الأموي, د. ثريا عبد الفتاح ملحس, دار البشير,
عمان 2002م.
17- الدور السياسي لأهل اليمن في الشام, إسماعيل الجبوري, هاشم يحيى الملاح, جامعة الموصل, رسالة الماجستير, عام 1407هـ- 1987م.
18- الدولة الأموية, فرست مرعي الدهوكي, ألوان للطباعة, الجامعة الجديدة, صنعاء 2000م.
19- الدولة الأموية, يوسف العش, دار الفكر, دمشق, الطبعة الثالثة, 1406هـ- 1985م.
20- الدولة الأموية المفتى عليها, حمدي شاهين, دار القاهرة للكتاب, سنة 2001م.
21- الدولة الأموية في المشرق بين عوامل البناء ومعاول الهدم, محمد الطيب النجار.
22- السيرة النبوية لابن هشام, دار إحياء التراث.
23- السيرة النبوية, د. علي الصلابي, دار المعرفة بيروت, الطبعة الأولى, 2004م.
24- الشعر والشعراء لابن قتيبة, دار الحديث القاهرة- تحقيق أحمد شاكر, 1998م.
25- الشيعة العربية والزيدية, محمد إبراهيم الفيومي, دار الفكر العربي, 2002.
26- العالم الإسلامي في العصر الأموي, د. عبد الشافي محمد عبد اللطيف, الطبعة الثالثة, 1417هـ- 1996م, دار الاتحاد التعاوني للطباعة بمصر.
27- العراق في العصر الأموي, ثابت الرواي, مكتبة الأندلس- بغداد, رسالة ماجستير.(1/127)
28- العواصم من القواصم, القاضي أبو بكر بن العربي, تحقيق محب الدين الخطيب, إعداد محمد سعيد مبيض, دار الثقافة, قطر- الطبعة الثانية 1989م.
29- الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد, أحمد عبد الرحمن البنا الشهير "بالساعاتي".
30- الفرق بين الفرق, أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي, تحقيق طه عبد الرءوف سعد, طبع مؤسسة الحلبي وشركاه بالقاهرة.
31- الفقهاء والخلفاء, سلطان حثلين, دار عمان, الأردن, الطبعة الأولى 2000م.
32- الكامل في التاريخ أبو الحسن على بن أبي المكارم الشيباني المعروف بابن الأثير, تحقيق: علي شيري, دار إحياء التراث العربي, بيروت الطبعة الأولى, 1989م.
33- المحلى, علي بن أحمد بن سعيد بن حزم, المتوفي سنة 456هـ, تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة, وهو أحد منشوراتها, بيروت.
34- المحن لأبي العرب, محمد بن أحمد التميمي, دار العلوم, الرياض, الطبعة الأولى, 1404هـ.
35- المعجم الكبير للطبراني, لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني, مكتبة العلوم والحكم.
36- المعارف لابن قتيبة, تحقيق ثروت عكاشة, الطبعة الثالثة, دار المعارف- مصر.
37- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي, دار الكتب العلمية بيروت, لبنان.
38- النظريات السياسية الإسلامية, محمد ضياء الريس, الطبعة السابعة, دار التراث 1979م.
39- اليهود في السنة المطهرة, د. عبد الله الشقاري, دار طيبة - الرياض- الطبعة الأولى 1417هـ.
40- أنساب الأشراف, أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري, طبع بيروت, عام 1989م.
41- تاريخ الإسلام, محمد أحمد الذهبي, دار الكتاب العربي, بيروت, الطبعة الأولى, 1989م.
42- تاريخ الخلفاء، لجلال الدين السيوطي، دار صادر بيروت, الطبعة الأولى 1417هـ- 1997م.
43- تاريخ الطبري, المسمى بتاريخ الأمم والملوك لأبي جعفر الطبري, دار الفكر, بيروت, الطبعة الأولى 1407هـ- 1985م.(1/128)
44- تاريخ القضاعي, كتاب عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف للإمام القاضي محمد بن سلام ابن جعفر الشافعي, مطبوعات أم القرى.
45- تاريخ خلافة بني أمية, نبيه عاقل, دار الفكر, الطبعة الثالثة, 1394هـ- 1975م.
46- تاريخ خليفة بن خياط, أبو عمر خليفة بن خياط بن أبي هبيرة الليثي, تحقيق أكرم ضياء العمري, الطبعة الثانية, مؤسسة الرسالة, دار القلم, بيروت, 1397هـ.
47- تجديد الدولة الأموية, شحادة الناطور, دار الكندي, إربد, الطبعة الأولى, 1996م.
48- حقبة من التاريخ, عثمان الخميس, دار الإيمان, الإسكندرية.
49- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني, دار الكتب العلمية, بيروت.
50- دراسات في الأهواء والفرق والبدع, وموقف السلف منها, د. تامر عبد الكريم العقل, مركز الدراسات والإعلام, دار إشبيليا, الرياض الطبعة الأولى 1418هـ- 1997م.
51- ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات, تحقيق محمد يوسف.
52- سنن ابن ماجه, للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني, تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي, دار الكتب العلمية, بيروت.
53- سير أعلام النبلاء, شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي, مؤسسة الرسالة, بيروت.
54- سيرة علي بن أبي طالب, د. علي محمد الصلابي, دار بن كثير, دمشق, بيروت.
55- شذرات الذهب في أخبار من ذهب, لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي.
56- صحيح البخاري, لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, دار الفكر.
57- صحيح مسلم, تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي, دار إحياء التراث العربي, بيروت- لبنان.
58- طبقات ابن سعد, دار صادر, بيروت, لبنان.
59- عبد الله بن الزبير, ماجد لحام, دار القلم, دمشق, الطبعة الأولى 1415هـ.
60- عبد الله بن الزبير, د. شحادة الناطور, دار ابن رشد, عمان.
61- عبد الله بن الزبير فقيهًا, محمد عبد الرضا هادي, رسالة ماجستير, العراق.(1/129)
62- عبد الله بن الزبير, عبد الله عثمان الخراشي, رسالة ماجستير, جامعة الملك سعود, كلية الآداب, 1408هـ.
63- عبد الله بن الزبير, محمود شاكر, المكتب الإسلامي, الطبعة الأولى, 1998م.
64- عبد الله بن عمر, محيى الدين مستو, دار القلم, دمشق, الطبعة الرابعة, 1987م.
65- عبد الملك بن مروان والدولة الأموية, د. محمد ضياء الدين الريس, الطبعة الثانية, 1969م.
66- عيون الأخبار, لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة, دار الكتب العلمية.
67- فتح الباري, لابن حجر العسقلاني, دار المعرفة- بيروت, لبنان.
68- فتوح البلدان للبلاذري, أحمد بن يحيى بن جابر, دار الكتب العلمية, بيروت, 1403هـ- 1983م.
69- مروج الذهب ومعادن الجوهر, لأبي الحسن علي بن الحسين المسعودي, دار المعرفة, بيروت, لبنان, طبعة 1402هـ- 1982م.
70- مستدرك الحاكم على الصحيحين, لأبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري, دار الكتب العلمية, بيروت لبنان, الطبعة الأولى 1411هـ.
71- مصنف ابن أبي شيبة, للإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي, دار القرآن والعلوم الإنسانية, كراتشي, باكستان, 1406هـ.
72- مع المسلمين الأوائل- د. مصطفى حلمي, دار العلوم, جامعة القاهرة, الطبعة الثانية 1409هـ- 1989م.
73- من دولة عمر إلى دولة عبد الملك, إبراهيم بيضون, دار النهضة العربية.
74- منهاج السنة - لابن تيمية, تحقيق: محمد رشاد سالم, مؤسسة قرطبة.
75- مواقف المعارضة في خلافة يزيد, محمد بن عبد الهادي بن رزَّان الشيباني, المكتبة المكية, دار البيارق, الطبعة الأولى.
76- موقف الشعر من الحركة الزبيرية, محمد علي الهرفي, دار المعالم الثقافية, الطبعة الثانية 1418هـ.
77- نسب قريش, لأبي عبد الله مصعب عبد الله الزبيري, طبع دار المعارف.
78- نحو دستور إسلامي, محمد سيد أحمد.
79- نشأة الحركات السياسية والدينية في الإسلام, د. فاروق فوزي.(1/130)
80- نظام الحكم في الإسلام بين النظرية والتطبيق, د. أحمد عبد الله مفتاح, دار التوزيع والنشر الإسلامية.
81- نهاية الأرب في فنون الأدب, شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري, الهيئة المصرية للكتاب.
82- هجرة القبائل العربية إلى البلاد المفتوحة, صالح العلي.
83- يزيد بن معاوية, حياته وعصره, عمر سليمان العقيلي, الرياض 1408هـ.
84- نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي, ظافر القاسمي, دار النفائس, بيروت.
85- الإصابة في تمييز الصحابة, أحمد بن حجر العسقلاني, تحقيق علي محمد البجاوي, دار نهضة مصر.
86- الهجرة النبوية المباركة, د. عبد الرحمن البر, دار الكلمة, المنصورة- مصر, الطبعة الأولى, 1418هـ- 1997م.
87- الوثائق السياسية للجزيرة العربية, محمد حميد الله, دار النفائس, الطبعة الخامسة, 1405هـ- 1985م.
88- الفصل في الملل والنحل, لابن حزم, مكتبة السلام العالمية.
89- تاريخ دمشق, لأبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر, تحقيق: مطاع الطرابيشي, مطبوعات مجمع اللغة العربية- دمشق.
90- سير السلف لأبي القاسم الأصفهاني, دار الراية- الرياض, 1420هـ.
***
الفهرس
الموضوع
الصفحة
مقدمة…
5
الفصل الأول اسمه ونسبه وكنيته ونشأته ووصفه وأهم صفاته
أولا: اسمه ونسبه وكنيته…
9
ثانيًا: مولده ومبايعته لرسول الله ×…
9
ثالثًا: الزبير بن العوام والد عبد الله رضي الله عنهما…
10
رابعًا: أسماء بنت الصديق والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم…
11
خامسًا: أولاد ابن الزبير وزوجاته…
15
سادسًا: وصف ابن الزبير وأهم صفاته…
15
الفصل الثاني: ابن الزبير في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية رضي الله عنهم…
1- في اليرموك…
27
2- ابن الزبير مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم…
27
3- كتابة المصاحف في عهد عثمان (…
28
4- جهاده في شمال إفريقية في عهد عثمان (…
28
5- دفاعه عن عثمان يوم الدار…
30
6- في معركة الجمل…
31(1/131)
7- جهاده أيام معاوية رضي الله عنهما…
32
الفصل الثالث: حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد بن معاوية
…
أولاً: بيعة يزيد…
35
ثانيًا: حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد…
39
أ- أسباب اختيار ابن الزبير لمكة…
40
ب- أسباب خروج ابن الزبير ومن معه…
41
ج- الجهود السلميةالتي بذلها يزيد لاحتواء ابن الزبير…
43
د- الجهود الحربية ضد ابن الزبير…
47
1- حملة عمرو بن الزبير…
47
2- حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق الكعبة…
52
الفصل الرابع: بيعة عبد الله بن الزبير بالخلافة
المبحث الأول: وفاة يزيد بن معاوية وخلافة معاوية بن يزيد…
59
أولاً: وفاة يزيد بن معاوية…
59
ثانيًا: خلافة معاوية بن يزيد…
59
ثالثًا: بيعة ابن الزبير بالخلافة…
63
المبحث الثاني: خروج مروان بن الحكم على ابن الزبير…
73
أولاً: اسمه ونسبه وحياته قبل خروجه على ابن الزبير…
73
ثانيًا: القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام وأهمية مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط
75
ثالثًا: ضم مصر إلى الدولة الأموية ومحاولة إعادة العراق والحجاز…
83
رابعًا: تولية العهد لعبد الملك ووفاة مروان بن الحكم…
85
المبحث الثالث: عبد الملك بن مروان وصراعه مع ابن الزبير…
89
أولاً: اسمه ونسبه وكنيته وشيء من حياته…
89
ثانيًا: حياته السياسية قبل الإمارة…
93
ثالثًا: العلماء الذين كانوا مع عبد الملك…
94
رابعًا: حركة التوابين ومعركة عين الوردة 65هـ…
94
خامسًا: حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي…
97
سادسًا: حركة عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق) ومقتله…
108
سابعًا: مصالحة عبد الملك للروم والتضييق على الجراجمة…
112
ثامنًا: زفر بن الحارث الكلابي…
113
تاسعًا: ضم العراق والقضاء على مصعب بن الزبير…
115
المبحث الرابع: نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير…
123
أولاً: محاولات الأمويين إخضاع الحجاز قبل حصار ابن الزبير الأخير…
123
ثانيًا: الحصار الثاني وسقوط خلافة ابن الزبير…
125(1/132)
ثالثًا: أسباب سقوط خلافة ابن الزبير…
142
رابعًا: رثاء عبد الله بن الزبير…
152
أهم المراجع والمصادر…
154
الفهرس…
159
(1) سير أعلام النبلاء (3/ 363).
(2) البخاري رقم 5469، اليهود في السنة المطهرة (1/ 265).
(3) الحاكم (3/ 548).
(4) البداية والنهاية (11/ 188).
(5) سير أعلام النبلاء (3/ 364، 365).
(6) الإصابة (1/ 526- 528).
(7)الطبقات (3/ 100).
(8) سير أعلام النبلاء (1/ 41).
(9) سير السلف (1/226).
(10) الطبراني في الكبير (1/ 122).
(11) مسلم رقم 2414.
(12) مصنف ابن أبى شيبه رقم 12219، صحيح.
(13) سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب ص 541.
(14) فتوح البلدان ص 299، نظام الحكم للقاسمي (1/ 544).
(15) سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب ص 535- 550.
(16) الطبقات الكبرى (3/ 119).
(17) السيرة النبوية (1/ 271)، عبد الله بن الزبير، للناطور ص 17.
(18) متقنعًا: مغطيًا رأسه.
(19) البخاري رقم 3905، السيرة النبوية للصّلاّبي (1/ 463).
(20) تاريخ الطبري (2/ 379، 380)، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 131، 132).
(21) السيرة النبوية لابن هشام (2/ 102)، إسناده صحيح.
(22) السفساف: الردئ الحقير من كل شيء، والجمع: سفاسف.
(23) الهجرة النبوية المباركة ص128.
(24) البخاري رقم 2620.
(25) فتح الباري (5/ 277).
(26) شرح منظومة الآداب (1/ 297)، بر الوالدين, أم حفص عبير بنت محمد ص 36.
(27), (3) طبقات ابن سعد (8/ 253)، أسماء بنت أبى بكر، للصّباغ ص 33.
(28) طبقات ابن سعد (8/ 253)، أسماء بنت أبى بكر، للصّباغ ص 33.
(29) الحلية (2/55), أسماء بنت أبي بكر ص 9.
(30) الحلية (2/55), أسماء بنت أبي بكر ص 33.
(31) البداية والنهاية (11/213).
(32) آدم: أسمر.
(33) البداية والنهاية (11/ 193).
(34) المصدر نفسه (11/ 204).
(35) سير أعلام النبلاء (3/ 363).
(36) المصدر نفسه (3/ 363)، عبد الله بن الزبير، لمحمد عبد الرضا هادى ص 9.(1/133)
(37) معجم البلدان، نقلاً عن عبد الله بن الزبير، للناطور ص 31.
(39) تهذيب تاريخ ابن عساكر، نقلاً عن عبد الله بن الزبير، محمود شاكر ص 202.
(40) سير أعلام النبلاء (3/ 367)، البداية والنهاية (11/ 191).
(41) عبد الله بن الزبير للخراشى ص32.
(42) البداية والنهاية (11/ 193).
(43) المصدر نفسه.
(44) المصدر نفسه.
(45) سير أعلام النبلاء (3/ 369).
(46) المصدر نفسه.
(47) المصدر نفسه.
(48) المصدر نفسه.
(49) المصدر نفسه (3/ 368).
(50) المصدر نفسه (3/ 370).
(51) عبد الله بن الزبير فقيهًا ص 14، البداية والنهاية (11/ 208).
(52) سير أعلام النبلاء (3/ 376).
(53) المصدر نفسه (3/ 377).
(54) البداية والنهاية (11/ 194).
(55) البداية والنهاية (11/ 218).
(56) تاريخ ابن عساكر، نقلاً عن عبد الله بن الزبير، للخراشي ص 34.
(57) الكامل في التاريخ (3/ 58).
(58) البداية والنهاية (11/ 219).
(59) عبد الله بن الزبير ، محمود شاكر ص 2.
(60) عبد الله بن الزبير، للخراشي ص 36.
(61) المصدر السابق ص 37.
(62) تاريخ دمشق الكبير (30/ 147).
(63) نفس المصدر السابق.
(64) تاريخ دمشق (30/ 146).
(65) موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص 47.
(66) جمهرة نسب قريش ص 265.
(67) المصدر نفسه ص 40.
(68) تاريخ الطبري، نقلاً عن عبد الله الزبير، ماجد لحام ص 41.
(69) تاريخ ابن عساكر، نقلاً عن عبد الله بن الزبير ص 41.
(70) عبد الله بن الزبير ص 41.
(71) الكامل في التاريخ (2/ 75).
(72) نفس المصدر السابق.
(73) سير أعلام النبلاء (3/ 370).
(74) التاريخ الإسلامي (12/ 388).
(75) الكامل في التاريخ (2/ 236، 237).
(76) البداية والنهاية (7/ 158).
(77) السِّيد: الذئب.
(78) الضراء: ما واراك من الشجر.
(79) نجيحًا: سريعًا.
(80) الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/ 653)، وشيك الفصول: أي سريع الغزو.
(81) الطبقات (3/ 70)، عبد الله بن الزبير، للخراشى ص 41.(1/134)
(82) تاريخ خليفة ص 174.
(83) أنساب الأشراف (1/ 564)، عبد الله بن الزبير، للخراشي ص 42.
(84) الطبقات، نقلاً عن عبد الله بن الزبير، للخراشي.
(85) الطبقات (3/ 70).
(86) الطبقات، نقلاً عن عبد الله بن الزبير، للخراشي ص 42.
(87) البداية والنهاية (11/ 196).
(88) البداية والنهاية (11/ 197).
(89) البيان المغرب (1/ 16، 17)، عبد الله بن الزبير، محمود شاكر ص 43.
(90) تاريخ الطبري (6/ 148)، عبد الله بن الزبير لمحمود شاكر ص 43.
(91) البداية والنهاية (11/ 459).
(92) المصدر نفسه (11/ 460).
(93) البداية والنهاية (11/ 467)، العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 130.
(94) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 130
(95) المقة: المحبة، الحباء بكسر الحاء وضمها: العطاء بلا مَنٍّ ولا جزاء.
(96) الشعر والشعراء لابن قتيبة (2/ 652).
(97) البداية والنهاية (11/ 467).
(98) الشعر والشعراء لابن قتيبة (11/467).
(99) الأخبار الطوال ص 228، يزيد بن معاوية للعقيلى ص 28.
(100) تاريخ خليفة ص 233، يزيد بن معاوية ص 28.
(101) تاريخ الطبري (6/ 259).
(102) الأمويون بين المشرق والمغرب (1/ 198).
(103) الأمويون بين المشرق والمغرب (1/ 199)، بتصرف كبير.
(104) حقبه من التاريخ ص 124.
(105) نفس المصدر السابق.
(106) نسب قريش ص 239، للزبيري.
(107) عبد الله بن الزبير والأمويون ص 70، 71، عبد الله بن عثمان.
(108) الوثائق السياسية للجزيرة العربية ص 18.
(109) الطبقات (5/ 147).
(110) أنساب الأشراف (1/ 315).
(111) تاريخ ابن عساكر، نقلا عن عبد الله بن الزبير والأمويون ص 67.
(112) أخبار مكة للفاكهي (2/ 364).
(113) عبد الله بن الزبير والأمويون ص 67.
(114) انظر: الحرية أو الطوفان ص 124، 125.
(115) عبد الله بن الزبير د. شحادة الناطور ص 96- 98.
(116) مصنف ابن أبى شيبه (15- 95)، بسند حسن.
(117) أنساب الأشراف (4/ 13)، مواقف المعارضة ص 518.(1/135)
(118) مواقف المعارضة ص 519.…(2) مقدمة ابن خلدون (1/ 265).
…
(120) مواقف المعارضة ص 520.…(4) مواقف المعارضة ص 520.
…
(122) أنساب الأشراف (4/ 304).…(6) المصدر السابق (4/ 304).
…
(124) أخبار مكة (1/ 201)، بسند كل رجاله ثقات.
(125) أنساب الأشراف (4/ 303، 304).
(126) أنساب الأشراف (4/ 304)، أخبار مكة (2/ 351) إسناده حسن.
(127) تاريخ خليفة ص 251 إسناده حسن، مواقف المعارضة ص 521.
(128) الآحاد والمثاني (1/ 416)، بسند صحيح لابن أبى عاصم.
(129) أنساب الأشراف (4/ 308)، مواقف المعارضة ص 523.
(130) أخبار مكة (1/ 201).بسند كل رجاله ثقات.
(131) نسب قريش ص 449، مواقف المعارضة ص 524.
(132) مواقف المعارضة ص 524.
(133) أنساب الأشراف (4/ 309).
(134) عيون الأخبار (1/ 196).
(135) أنساب الأشراف (4/ 309).
(136) مواقف المعارضة ص 525، نقلاً عن ابن عساكر.
(137) الإصابة (4/ 49) سند صحيح.
(138) تاريخ الطبري، نقلاً عن مواقف المعارضة ص 525.
(139) أنساب الأشراف (4/ 407).…(2) مواقف المعارضة ص 526.
(141) تاريخ ابن عساكر ،ترجمة ابن الزبير (30/ 200).…(4) التقريب 533.
(143) تاريخ ابن عساكر (30/ 200)، مواقف المعارضة ص 527.
(144) نسب قريش ص 214، 215.…(7) المصدر نفسه ص 233.
(146) المصدر نفسه ص 923، 240.…(9) الطبقات (5/185).
(148) أنساب الأشراف (4/312), مواقف المعارضةص528.
(149) تاريخ الطبري، نقلاً عن مواقف المعارضة ص 528.
(150) الأبطح: ما حاز السيل إلى الحناطين يمينًا من البيت الحرام.
(151) تاريخ الإسلام (حوادث 61- 80) ص 199.
(152) الطبقات (5/ 185)، أنساب الأشراف (4/ 312).
(153) أنساب الأشراف (4/ 316)، تاريخ الإسلام حوادث سنة 61هـ.
(154) الموفقيات للزبير بن بكار ص 152، نقلاً عن مواقف المعارضة ص 531.
(155) أنساب الأشراف (4/ 311)، مواقف المعارضة ص 531.
(156) تاريخ خليفة ص 233.(1/136)
(157) أنساب الأشراف (4/ 312)، مواقف المعارضة ص 532.
(158) أنساب الأشراف (4/ 313).
(159) مواقف المعارضة ص532.
(160) أنساب الأشراف (4/313).
(161) مواقف المعارضة ص533.
(162) الحجون: الجبل المشرف، بينه وبين الحرم ميل ونصف.
(163) بئر ميمون: حفرها ميمون بن الحضرمي .
(164) أنساب الأشراف (4/338)، مواقف المعارضة ص 545.
(165) جمهرة نسب قريش ص 362.
(166) جبل أبي قبيس: هو أحد أخشبي مكة، وهو جبل مطل على الصفا.
(167) قعيقعان : جبل بمكة.
(168) المحن لأبى العرب ص203.
(169) تاريخ خليفة ص251، بإسناده صحيح حتى ابن جريج.
(170) مواقف المعارضة ص548.
(171) أنساب الأشراف (4/344)، تعجيل المنفعة ص453.
(172) مواقف المعارضة ص48، أخبار مكة (1/197).
(173) أخبار مكة (1/203).
(174) تاريخ خليفة ص252 بإسناد صحيح.
(175) مواقف المعارضة ص552، الأغاني (3/227).
(176) مواقف المعارضة ص552،حلية الأولياء (1/336).
(177) الإصابة (4/94) عن الزبير بن بكار بسند صحيح.
(178) الاستيعاب (3/243).
(179) تعجيل المنفعة ص453، مواقف المعارضة ص553.
(180) منهاج السنة (4/447)، مواقف المعارضة ص553.
(181) مواقف المعارضة ص554.
(182) تاريخ الطبري (6/436).
(183) المصدر نفسه (6/436).
(184) أنساب الأشراف (4/57، 58)،عبد الله بن الزبير، د. شحادة الناطور ص107.
(185) عبد الله بن الزبير، ماجد لحام ص115.
(186) تاريخ الطبري (6/436).
(187) عبد الله بن الزبير، ماجد لحام ص116.
(188) عبد الله بن الزبير، د. شحادة الناطور ص109، 110.
(189) تاريخ الطبري (6/433).
(190) نفس المصدر السابق.
(191) تاريخ القضاعى ص329.
(192) المصدر نفسه ص332.
(193) تاريخ الطبري (6/434).
(194) الأموين بين المشرق والمغرب (1/286).
(195) البداية والنهاية (11/663).
(196) المصدر نفسه (11/662).
(197) المصدر نفسه (11/663).
(198) المصدر نفسه (11/663، 664).(1/137)
(199) الكامل في التاريخ (2/605).
(200) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص137.
(201) مروج الذهب (3/82).
(202) البداية والنهاية (11/663).
(203) نظام الحكم في الشريعة والتاريخ (1/116).
(204) الدولة الأموية المفترى عليها ص293.
(205) البداية والنهاية (11/662، 663).
(206) المصدر نفسه (11/ 664).
(207) النظريات السياسية الإسلامية، محمد ضياء الدين الريس ص202.
(208) الأمويون بين الشرق والغرب ص290.
(209) سير أعلام النبلاء (3/373)، عبد الله بن الزبير، محمود شاكر ص66.
(210) عبد الله بن الزبير، محمود شاكر ص68.
(211) عبد الله بن الزبير، للخراشي ص117.
(212) الاستيعاب (3/910).
(213) البداية والنهاية، نقلا عن عبد الله بن الزبير، للخراشي ص117.
(214) المحلى (11/98)، عبد الله بن الزبير، للخراشي ص117.
(215) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص212، ابن الزبير، للخراشي ص118.
(216) سير أعلام النبلاء (3/363).
(217) أنساب الأشراف (1/352), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص119.
(218) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص119.
(219) مصنف ابن أبي شيبة (15/84).
(220) أنساب الأشراف (1/352), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص120.
(221) عبد الله بن الزبير للخراشي ص121.
(222) عبد الله بن الزبير للخراشي ص122.
(223) الطبقات (5/100).
(224) البداية والنهاية, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص 125.
(225) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص125, الفتح الرباني, للساعاتي (3/167).
(226) تاريخ ابن عساكر, نقلاً عن عبد الله بن الزبير للخراشي ص 125.
(227) الفتح الرباني, للساعاتي (12/98), أخبار مكة (2/72).
(228) سير أعلام النبلاء (3/358).
(229) المصدر نفسه (3/367).
(230) مصنف ابن أبي شيبة (15/73), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص127.
(231) تاريخ خليفة ص262.
(232) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص 129.
(233) تاريخ خليفة ص263.(1/138)
(234) الطبقات (5/98).
(235) عبد الله بن الزبير للخراشي ص130.
(236) أنساب الأشراف, نقلاً عن عبد الله بن الزبير ص131.
(237) الطبقات (5/3), تاريخ خليفة ص263.
(238) تاريخ خليفة ص264, عبد الله بن الزبير للخراشي ص131.
(239) الطبقات (5/106).
(240) أيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام.
(241) الطبقات (5/107، 108).
(242) تاريخ خليفة ص258, عبد الله بن الزبير, للخراشي ص135.
(243) أنساب الأشراف (1/400), عبد الله بن الزبير ص134.
(244) عبد الله بن الزبير ص134.
(245) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير ص136.
(246) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص136.
(247) الأعلام, للزركلي (3/45).
(248) المصدر نفسه (8/36).
(249) المصدر نفسه (7/343).
(250) الطبقات (5/38), الإعلام (2/244).
(251) أنساب الأشراف (5/132), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص141.
(252) البداية والنهاية (11/667،668).
(253) الأخبار الطوال ص 249،250.
(254) المصدر نفسه ص251.
(255) المصدر نفسه ص251.
(256) سير أعلام النبلاء (3/476).
(257) المصدر نفسه (3/477).
(258) المصدر نفسه (3/477).
(259) المصدر نفسه (3/478).
(260) البداية والنهاية نقلاً عن العالم الإسلامي في العصر الأموي ص140.
(261) سير أعلام النبلاء (3/477).
(262) عبد الله بن الزبير للخراشي ص146.
(263) الطبقات (5/226), عبد الله بن الزبير للخراشي ص151.
(264)الطبقات (5/40), عبد الله بن الزبير للخراشي ص152.
(265)عبد الله بن الزبير للخراشي ص152.
(266) عبد الله بن الزبير للخراشي ص152.
(267) تاريخ الطبري (6/246).
(268) نفس المصدر السابق.
(269) الجابية: بلدة من أعمال دمشق من ناحيةالجولان.
(270) تاريخ الطبري, نقلاً عن الدولة الأموية المفترى عليها ص266.
(271) تاريخ الطبري (6/472).
(272) الدولة الأموية المفترى عليها ص296.
(273) تاريخ الطبري (6/472).(1/139)
(274) عبد الله بن الزبير للخراشي ص147.
(275) تاريخ الطبري (6/471،472).
(276) الدور السياسي لأهل اليمن في الشام, إسماعيل الجبوري ص 47،46.
(277) عبد الله بن الزبير, للناطور ص132.
(278) الأحكام السلطانية للماوردي ص6.
(279) الفصل في الملل والنحل(4/168).
(280) نفس المصدر السابق.
(281) نظام الحكم في الإسلام, د.أحمد عبد الله ص131.
(282) المرجع السابق ص131.
(283) نحو دستور إسلامي, محمد سيد أحمد, ص173, نظام الحكم في الإسلام, د. أحمد عبد الله ص132.
(284) الكامل لابن الأثير (2/618).
(285) تاريخ الطبري (6/473), العالم الإسلامي في العصر الأموي ص143.
(286) الكامل لابن الأثير (2/618), ابن الزبير للناطور ص137.
(287) تاريخ خلافة بني أمية, نبيه عاقل ص130.
(288) عبد الله بن الزبير للناطور, ص138.
(289) تاريخ الطبري (6/474).
(290) تاريخ الطبري (6/474).
(291) البداية والنهاية (11/676).
(292) نفس المصدر السابق.
(293) سير أعلام النبلاء (3/479).
(294) الأمويون, محمد الوكيل (1/307).
(295) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص144.
(296) الولاة والقضاء للكندي ص41،42.
(297) المصدر نفسه ص42.
(298) المصدر نفسه ص41, العالم الإسلامي في العصر الأموي ص144.
(299) الولاة والقضاء ص47.
(300) أنساب الأشراف (5/150،151), الدور السياسي لأهل اليمن ص57.
(301) الدور السياسي لأهل اليمن ص57, عبد الملك بن مروان, لضياء الدين الريس ص60.
(302) تاريخ خليفة نقلاً عن عبد الملك بن مروان, للريس ص60.
(303) أنساب الأشراف (5/149).
(304) الأنساب للبلاذري (5/150), الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص58.
(305) الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص58.
(306) البداية والنهاية (11/715).
(307) المصدر نفسه (11/714).
(308) المصدر نفسه (11/713)
(309) مروج الذهب (3/89), الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص59.(1/140)
(310) مروج الذهب (3/89), الدور السياسي لأهل اليمن في الشام, ص60.
(311) الطبقات (5/226).
(312) الأخبار الطوال ص286.
(313) الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص60.
(314) البداية والنهاية (11/377).
(315) أشهل: أي يشوب سواد عينه زرقة.
(316), (4) البداية والنهاية (11/379).
(317)
(318) البداية والنهاية (11/379).
(319) نفس المصدر السابق.
(320) الخلافة الأموية للهاشمي ص 116.
(321) البداية والنهاية (11/380).
(322) نفس المصدر السابق.
(323) نفس المصدر السابق.
(324) نفس المصدر السابق.
(325) , (2), (3) البداية والنهاية (11/381).
(326)
(327)
(328) الطبقات لابن سعد (5/224).
(329) البداية والنهاية (11/389), الرعة: قلة الورع.
(330) البداية والنهاية (11/389).
(331) الخلافة الأموية للهاشمي ص116.
(332) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص217.
(333) نفس المصدر السابق.
(334) الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص64.
(335) المعارف لابن قتيبة ص355, الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص64.
(336) الطبقات (5/225).
(337) تاريخ خليفة (1/69).
(338) الطبقات (5/226).
(339) أنساب الأشراف (5/127).
(340) الكامل في التاريخ, نقلاً عن الدور السياسي لأهل اليمن ص65.
(341) الدور السياسي لأهل اليمن ص65.
(342) أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية ص542.
(343) سير أعلام النبلاء (4/137).
(344) الكامل في التاريخ (2/635).
(345) تاريخ الطبري, نقلاً عن تاريخ الدولة الأموية, طقوش ص71.
(346) الكامل في التاريخ (2/638).
(347) تاريخ الطبري, نقلاً عن تاريخ الدولة الأموية, طقوش ص71.
(348) تاريخ الدولة الأموية, طقوش ص72, الكامل في التاريخ (2/639).
(349) تاريخ الطبري, نقلاً عن تاريخ الدولة الأموية ص72.
(350) سير أعلام النبلاء (3/395).
(351) البداية والنهاية (11/697).
(352) المصدر نفسه (11/703).
(353) الأمويون, للوكيل (1/315).(1/141)
(354) نفس المصدر السابق.
(355) أنساب الأشراف (5/207).
(356) سير أعلام النبلاء (3/540), عبد الله بن الزبير, للناطور ص148.
(357) سير أعلام النبلاء (3/539).
(358) مسلم رقم 2545.
(359) سير أعلام النبلاء (3/539).
(360) البداية والنهاية (11/66).
(361) تاريخ الطبري, نقلاً عن العالم الإسلامي في العصر الأموي, ص482.
(362) الكامل في التاريخ, نقلاً عن العالم الإسلامي في العصر الأموي ص482.
(363)البداية والنهاية (11/66).
(364) تاريخ الطبري (6/677).
(365) سير أعلام النبلاء (3/539).
(366) العراق في العصر الأموي, ثابت الراوي ص250،251.
(367) الكامل في التاريخ (2/7).
(368) الكودن: البرذون الهجين أو البغل. الكابي: المنكب على وجهه.
(369) الكامل في التاريخ (2/9).
(370) البداية والنهاية (11/66).
(371) تاريخ الطبري, نقلاً عن العالم الإسلامي في العصر الأموي ص484.
(372) نفس المصدر السابق.
(373) الدولة الأموية في الشرق, للنجار ص 143.
(374) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 484.
(375) نفس المصدر السابق.
(376) من دولة عمر إلى دولة عبد الملك ص205،204.
(377) عبد الله بن الزبير, للناطور ص 158.
(378) من دولة عمر إلى دولة عبد الملك ص205.
(379) نفس المصدر السابق.
(380) عبد الله بن الزبير, للناطور ص185.
(381) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص 484.
(382) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص485, البداية والنهاية (11/67).
(383) البداية والنهاية (11/68).
(384) سنن ابن ماجة رقم 2688, حديث صحيح.
(385) البداية والنهاية (11/69).
(386) المصدر السابق (11/71).
(387) تاريخ الدولة الإسلامية, ابن الطقطقي ص121, عبد الله بن الزبير, للناطور ص159.
(388) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للناطور ص159.
(389) إمبراطورية العرب ص156, غلوب, نقلاً عن ابن الزبير, للناطور ص159.
(390) الطبقات الكبرى (5/158).(1/142)
(391), (6) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للناطور ص159.
(392) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للناطور ص159.
(393) عبد الله بن الزبير, للناطور ص159.
(394) أهو كيسان مولى علي بن أبي طالب الذي قتل يوم صفين؟ أم كيسان تلميذ محمد ابن الحنفية؟ أم كيسان رئيس حرس المختار بن عبيد الثقفي؟ أم هو المختار نفسه لأنه كان يسمى كيسان ويكنى أبا عمرة وأبا إسحاق؟ (الملل والنحل1/133).
(395) الفَرق بين الفِرق ص56،55, دراسات في الأهواء والفرق ص 248.
(396) نشأة الحركات السياسية والدينية في الإسلام, د.فاروق فوزي ص 101.
(397) المقالات والفرق ص26, الشيعة العربية والزيدية ص258.
(398) الملل والنحل (1/131).
(399) نفس المصدر السابق.
(400) الشيعة العربية والزيدية ص 259.
(401) الطبقات (5/70).
(402) سير أعلام النبلاء (4/118).
(403) سير أعلام النبلاء (4/112).
(404) تاريخ خلافة بني أمية, نبيه عاقل ص152.
(405) البداية والنهاية (11/114).
(406), (2) البداية والنهاية (11/115).
(407)
(408) الأمويون, للوكيل (1/369).
(409) الدور السياسي لأهل اليمن في الشام ص85.
(410) تاريخ خليفة, نقلاً عن الدور السياسي لأهل اليمن ص85.
(411) أنساب الأشراف (4/139).
(412) نهاية الأرب (21/102), الدور السياسي لأهل اليمن ص86.
(413), (2) الدور السياسي لأهل اليمن ص87.
(414)
(415) الكامل في التاريخ, نقلاً عن الدور السياسي لأهل اليمن ص87.
(416) الصعد: المشقة. وعذاب صعد: شديد.
(417) البداية والنهاية (11/117).
(418) البدر: جمع بدرة: وهي كيس فيه مقدار من المال يتعامل ويقدم في العطايا.
(419) البداية والنهاية (11/119).
(420) الدولة البيزنطية ص158, الدور السياسي لأهل اليمن ص90.
(421) فتوح البلدان (1/190).
(422) فتوح البلدان (1/190), الدور السياسي لأهل اليمن ص90.
(423) أنساب الأشراف (5/300،299), الدور السياسي ص90.(1/143)
(424) أنساب الأشراف (5/301).
(425) الكامل لابن الأثير, نقلاً عن الدور السياسي ص92.
(426) الكامل في التاريخ (3/84)
(427) الكامل في التاريخ (3/61).
(428) المصدر نفسه (3/62).
(429) الدولة الأموية المفترى عليها ص386.
(430) الكامل في التاريخ (3/51).
(431) المصدر نفسه (3/59).
(432) الكامل في التاريخ, نقلاً عن العالم الإسلامي في العصر الأموي ص501.
(433) البداية والنهاية (11/119).
(434) الكامل في التاريخ (3/51), قطينها: خدمها.
(435) تاريخ الطبري (7/43).
(436) الكامل في التاريخ (3/52).
(437) المصدر نفسه (3/52).
(438) البداية والنهاية (3/51).
(439) تاريخ الطبري (7/44).
(440) الكامل في التاريخ (3/52).
(441) تاريخ الطبري (7/45).
(442) الكامل في التاريخ (3/53).
(443) تاريخ الطبري (7/45).
(444) الكامل في التاريخ (3/54،53).
(445) تاريخ الطبري (7/44).
(446) المصدر نفسه (7/47).
(447) الكامل في التاريخ (3/51).
(448) الكامل في التاريخ (3/54).
(449) تجديد الدولة الأموية, للناطور ص80.
(450) نفس المصدر السابق.
(451) القعص: الموت السريع.
(452) تاريخ الطبري (7/53).
(453) المصدر نفسه (7/47).
(454) الأمويون (1/380).
(455) المصدر نفسه (11/152).
(456) تاريخ الطبري, الأمويون, للوكيل (1/381).
(457) البداية والنهاية (11/156).
(458) المنتظم لابن الجوزي (6/115،114).
(459) موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص60.
(460) تاريخ الطبري, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص181.
(461), (3) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص 181.
(462)
(463) تاريخ الطبري (6/553).
(464) أنساب الأشراف (5/151-153).
(465) أنساب الأشراف (5/158).
(466) المصدر نفسه (5/159).
(467) أجنادين: من نواحي فلسطين, ياقوت؛ معجم البلدان (1/103).
(468) العرصة: البقعة الواسعة بين الدور لا بناء فيها, وهما عرصتان بنواحي المدينة بالعقيق.(1/144)
(469) الطبقات, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص185.
(470) الطبقات, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص 185.
(471) الطبقات, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص186.
(472) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص187.
(473) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص503.
(474) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص189.
(475) الطبقات لابن سعد, نقلاً عن عبد الله بن الزبير, للخراشي ص189.
(476) جمهرة أنساب العرب ص244.
(477) أنساب الأشراف (5/361), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص190.
(478) أنساب الأشراف (5/360).
(479) المصدر نفسه (5/366), عبد الله بن الزبير, للخراشي ص190.
(480)أنساب الأشراف (5/358).
(481) المصدر السابق نفسه.
(482) أنساب الأشراف (5/376), الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص53.
(483) المنتقى في أخبار أم القرى ص26, الحجاج المفترى عليه ص53.
(484) الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص54.
(485) أنساب الأشراف (5/376), الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص54.
(486) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص191.
(487) الكامل في التاريخ (3/69).
(488) المصدر نفسه (3/70).
(489) تاريخ الطبري (7/76).
(490) تاريخ الطبري (7/77).
(491) تاريخ الطبري (7/79).
(492) المصدر نفسه (3/73).
(493), (4) المصدر نفسه (3/73).
(494)
(495) سير أعلام النبلاء (3/378).
(496), (2) البداية والنهاية (11/209).
(497)
(498) المصدر نفسه (11/210).
(499) الطبقات (4/152).
(500) الطبقات (4/152). (500) .
(501) عبد الله بن عمر, محيي الدين مستو ص108, الطبقات (4/152).
(502) نسب قريش ص 108.
(503) عبد الله بن عمر, محيي الدين مستو ص108.
(504) نفس المصدر السابق.
(505) الطبقات الكبرى (4/184), سير أعلام النبلاء (3/230).
(506) بقبق الرجل: كثر كلامه.
(507) الطبقات (4/186،185), سير أعلام النبلاء (3/230).
(508) سير أعلام النبلاء (3/232).
(509) نفس المصدر السابق.(1/145)
(510)الطبقات (4/185) .
(511) أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الأموية ص325.
(512) عبد الله بن عمر, محيي الدين مستو ص212.
(513) حلية الأولياء (1/294).
(514) هناك رواية: وهذه بنته -أو بنتيه- ولعل ذلك تصحيف.
(515) أثر العلماء في الحياة السياسية ص328.
(516) أنساب الأشراف (5/195).
(517) المعجم الكبير للطبراني (12/285), ابن عمر, محيي الدين مستو ص82.
(518) العواصم من القواصم ص105،104 ابن عمر, محيي الدين مستو ص83.
(519) العواصم من القواصم ص130.
(520) تاريخ الطبري, نقلاً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص 332.
(521) تاريخ دمشق, نقلاً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص334.
(522) الطبقات الكبرى (4/149).
(523) المصدر نفسه (4/170).
(524) تهذيب التهذيب (5/331), أثر العلماء في الحياة السياسية ص 337.
(525) مع المسلمين, مصطفى حلمي ص54.
(526) الطبقات (4/164).
(527) سير أعلام النبلاء (3/232).
(528), (5) سير أعلام النبلاء (3/232).
(529)
(530) المصدر نفسه (3/229).
(531) الفقهاء والخلفاء, سلطان بن حثلين ص66.
(532) مسلم, رقم 1839.
(533) الفقهاء والخلفاء ص66.
(534) المبير: المُهْلِك.
(535) مسلم, رقم 2545.
(536) تاريخ الطبري (6/520).
(537) شذرات الذهب (1/308).
(538),(6) البداية والنهاية (11/691).
(539)
(540) شذرات الذهب (1/309).
(541) البداية والنهاية (11/692).
(542) مساجد عائشة: المقصود بها التنعيم.
(543) البخاري رقم 1583، 4484 .
(544) البداية والنهاية (11/693).
(545) مثل: الناطور, والقبلان, والخراشي وغيرهم.
(546), (3) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص193.
(547)
(548) فتوح البلدان للبلاذري ص218, عبد الله بن الزبير ص194.
(549) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص194.
(550) هجرة القبائل العربية إلى البلاد المفتوحة, للعلي ص23،57.
(551) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص195.
(552) الطبقات (5/148).(1/146)
(553) أنساب الأشراف (5/305).…
(554) الدولة الأموية ص207.
(555) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص506.
(556) البداية والنهاية (11/147،146).
(557) العالم الإسلامي في العصر الأموي ص506.
(558) المصدر نفسه ص505, مروج الذهب (3/86،85).
(559) مصنف ابن أبي شيبة (15/85).
(560), (3) الكامل في التاريخ (3/54).
(561)
(562) ديوان عبيد الله بن قيس, تحقيق محمد يوسف ص 117.
(563) موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص26.
(564) موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص 87.
(565), (3) مواقف المعارضة في خلافة يزيد ص535.
(566)
(567) الحزب الزبيري في أدب العصر الأموي, ثريا ملحس ص225.
(568) المصدر نفسه ص228, الأفن: ضعف الرأي.
(569) الحزب الزبيري في أدب العصر الأموي, ثريا ملحس ص228.
(570) الطبقات (5/232).
(571) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص199.
(572) عبد الله بن الزبير, للخراشي ص199.
(573) تاريخ دمشق, لابن عساكر (30/193).
(574) تاريخ دمشق, لابن عساكر (30/194،193).
??
??
??
??
تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم
مقدمة
8
9
خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
مقدمة
خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
الفصل الأول
خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
الفصل الثاني
خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
الفصل الثالث
الفصل الرابع
المراجع
الفهرس(1/147)