خطبة السيدة عائشة
في الدفاع عن أبيها
الشارح
أبو بكر بن الأنباري
محمد بن القاسم بن بشار
تحقيق
الدكتور جميل عبد الله عويضة
1429هـ / 2008 م
الشارح (1) :
ولد أبو بكر محمد بن أبي محمد القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن ـ وقيل الحسين ـ بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنباري في الأنبار يوم الأحد ، لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب ، سنة إحدى وسبعين ومائتين ، وورد على بغداد وهو بعد صغير ، ونشأ في كنف أبيه اللغوي الكوفي الأديب 0
كان أبو بكر ابن الأنباري من أعلم الناس بنحو الكوفيين ، وأكثرهم حفظاً للغة ، وكان صدوقاً زاهداً متواضعاً فاضلاً أديباً ثقة خيراً ، من أهل السنة حسن الطريقة ، أخذ عن أبي العباس ثعلب وخلق.
وروى عنه الدارقطني وجماعة وكتب عنه وأبوه حيٌّ ، وكان يملي في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى ، ومرض فعاده أصحابه فرأوا من انزعاج والده أمراً عظيماً ، فطيبوا نفسه ، فقال: كيف لا أنزعج وهو يحفظ جميع ما ترون ، وأشار إلى خزانة مملوءة كتباً.
__________
(1) انظر ترجمته في : الأعلام 7/226 ، إنباه الرواة على أنباه النحاة 3/ 201 ـ 209 ، البداية والنهاية 11/196 ، بروكلمان 2/214 ، بغية الوعاة 1/212 ـ 214 ، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ، ص 245 ، تاريخ ابن الأثير 6/274 ، تاريخ بغداد 3/181ـ186 ، تلخيص ابن مكتوم ، ص 228 ـ229 ، شذرات الذهب 2/315 ـ 316 ، طبقات الزبيدي ، ص 271 ، 272 ، طبقات ابن قاضي شهبة 1/120 ـ 123 ، طبقات القراء 2/230 ـ 232 ، الفهرست ، ص 75 ، كشف الظنون ، ص : 48 ،116 ، 162 ، 167 ، 210 ، 722 ، 723، 947 ، 1042 ، 1087 ، 1088 ، 1205 ، 1422، 1453 ، 1457 ، 1462 ، 1470 ، 1471 ، 1703 ، 1905 ، مسالك الأبصار 4/298 ، معجم الأدباء 18/306 ـ 313 ، معجم المؤلفين 11/143 ، النجوم الزاهرة 3/269 ، نزهة الألباء 330 ـ 342 ، إشارة التعيين ، ص 335(1/1)
وقال أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي: كان أبو بكر ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهداً في القرآن، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها. وقال له أبو الحسن العروضي: قد أكثر الناس في حفظك فكم تحفظ؟ فقال ثلاثة عشر صندوقاً. قال: وكان يتردد إلى أولاد الراضي بالله ، فسألته جارية الراضي يوماً عن تعبير رؤيا فقال : أنا حاقن ، ثم مضى من يومه فحفظ كتاب الكرماني في التعبير ، وجاء من الغد وقد صار معبراً للرؤيا.
وقال حمزة بن محمد طاهر الدقاق: كان أبو بكر بن الأنباري يملي كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والتفسير والأخبار والأشعار كل ذلك من حفظه ، وما أملى من دفتر 0 وقال محمد ابن جعفر التميمي. أمّا أبو بكر ابن الأنباري فما رأينا أحفظ منه ولا أغزر منه علماً ، وكان يحفظ ثلاثة عشر صندوقاً وهذا مما لم يحفظه أحد قبله ولا بعده.
وقال أبو العباس يونس النحوي: كان أبو بكر آية من آيات الله تعالى في الحفظ ، وكان أحفظ الناس للغة والشعر. وحكى أبو الحسن الدارقطني: أنه حضر مجلس إملائه في يوم جمعة فصحف اسماً أورده في إسناد حديث، إمّا كان حبان فقال حيان، أو حيان فقال حبان ، قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهْمٌ ، وهِبتُ أن أوقفه على ذلك، فلما فرغ من إملائه تقدمت إلى المستملي ، فذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه وانصرفت، ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه ، فقال أبو بكر للمستملي: عرِّف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال.(1/2)
وقال أحمد بن يوسف الأصبهاني: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله، عمن آخذ علم القرآن؟ فقال عن أبي بكر الأنباري. وقال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وأبو بكر بن الأنباري عند الراضي بالله على الطعام ، وكان الطباخ قد عرف ما يأكل أبو بكر، وشوى له قلية يابسة قال: فأكلنا نحن ألوان الطعام وأطايبه وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلوى فلم يأكل منها ، فقمنا وملنا إلى الخيش، فنام بين يدي الخيش، ونمنا نحن في خيشين ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان بعد العصر قال: يا غلام، الوظيفة، فجاءه بماء من الجب وترك الماء المزمل بالثلج ، فغاظني أمره وصحت: يا أمير المؤمنين، فأمر بإحضاري وقال: ما قصتك؟ فأخبرته وقلت: يا أمير المؤمنين، يحتاج هذا إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها، ولا يحسن عشرتها، فضحك وقال له: في هذا لذة وقد جرت له به عادة ، وصار آلفاً لذلك فلن يضره، ثم قلت له: يا أبا بكر، لم تفعل هذا بنفسك؟ فقال: أبقي علي حفظي ويحكي أنه كان يأخذ الرطب ويشمه ويقول: أما إنك طيب ولكن أطيب منك ما وهب الله لي من العلم وحفظه.(1/3)
وحكى أنه مر يوماً بالنخاسين فرأى جارية تُعرض ، حسنة الصورة كاملة الوصف قال: فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي بالله فقال: أين كنت إلى الساعة؟ فعرفته الأمر وأخبرته بالجارية فأمر بشرائها وحُمِلتْ إلى منزلي ولم أعلم، فجئت فوجدتها في المنزل فقلت لها: اعتزلي إلى الاستبراء ، وكنت أطلب مسألة قد خفيت عليّ ، فاشتغل قلبي بالجارية ، فقلت للخادم: خذها وامض بها إلى النخاس ، فليس يبلغ قدرها أن يشغل قلبي عن علمي فأخذها الغلام فقالت : دعني حتى أكلمه ، فقالت لي: أنت رجل لك محل وعقل، فإذا أخرجتني ولم تُبِن ذنبي ، لم آمن أن يظن الناس بي ظناً قبيحاً ، فعرفنيه قبل أن تخرجني، فقلت: مالك عندي ذنب غير أنك شغلتني عن علمي، فقالت هذا سهل عندي قال: فبلغ الراضي ما كان من أمري فقال. لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحدٍ أحلى منه في قلب هذا الرجل. ولابن الأنباري شعر لطيف فمن ذلك قوله:
إذا زيد شرا زاد صبراً كأنما هو المسك ما بين الصلاية والفهر
فإن فتيت المسك يزداد طيبه على السحق والحر اصطباراً على الضر
ومن أماليه:
فهلا منعتم - إذ منعتم كلامها - خيالاً يوافيني على النأي هاديا
سقى الله أطلالاً بأكثبه الحمى وإن كن قد أبدين للناس ما بيا
منازل لو مرت بهن جنازتي لقال الصدى يا صاحبي انزلا بيا
وأملي أيضاً:
وبالهضبة البيضاء إن زرت أهلها مهاً مهملات ما عليهن سائس
خرجن لخوف الريب من غير ريبة عفائف باغي اللهو منهن آئس
ولأبي بكر بن الأنباري من التصانيف :
1 ـ الأضداد : وما ألف في الأضداد أكبر منه
2 ـ شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات
3 ـ إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل
4 ـ شرح الألفات المبتدآت في الأسماء والأفعال
5 ـ شرح ديوان عامر بن الطفيل
6 ـ شرح خطبة السيدة عائشة في الدفاع عن أبيها
7 ـ مسألة في التعجب
8 ـ الهاءات في كتاب الله : قيل إنه في نحو ألف ورقة
9 ـ الزاهر في معاني كلام الناس(1/4)
10ـ شرح غاية المقصود في المقصور والممدود
11ـ الأمالي
12 ـ قصيدة مشكل اللغة وشرحها
13 ـ المذكر والمؤنث : ما صنف أحد أتم منه 0
14 ـ الممدود والمقصور
15 ـ رسالة في شرح معاني الكذب
16 ـ شرح حديث أم زرع
17ـ شرح كلام هند بن أبي هالة التميمي في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
18 ـ الرد على من خالف مصحف عثمان
19 ـ النوادر
20 ـ الرد على الملحدين في القرآن
21 ـ نقض مسائل ابن شنبوذ
22 ـ أدب الكاتب ( لم يتمه )
23 ـ المشكل في الرد على أبي حاتم (1) وابن قتيبة 0
24ـ المشكل في معاني القرآن : بلغ فيه إلى طه وأملاه سنين كثيرة ولم يتمه0
25 ـ غريب الحديث : قيل إنه خمس وأربعون ورقة أملاه من حفظه 0
26 ـ الهجاء
27 ـ خلق الإنسان
28 ـ خلق الفرس
29 ـ ضمائر القرآن
30 ـ المصاحف
31 ـ الأمثال
32 ـالمجالسات
33 ـ شرح شعر الأعشى
34 ـ شرح شعر النابغة الجعدي
35 ـ شرح شعر زهير
36 ـ شعر الراعي
37 ـ اللامات
38 ـ الواضح في النحو
39 ـ الموضح في النحو
40 ـ الكافي في النحو
41 ـ شرح الكافي : نحو ألف ورقة
42 ـ كتاب الحاء
43 ـ أخبار ابن الأنباري
... وقد نسب لابن الأنباري كتاب عجائب علوم القرآن ، وكتاب شرح المفضليات ، وكتاب شرح بانت سعاد ، ولا تصح نسبتها له ، فالأول والثالث مجهولا المؤلف ، وأما الثاني فهو لوالد ابن الأنباري 0
وتوفي ليلة عيد النحر سنة ثمان وعشرين، وقيل سنة سبع وعشرين وثلثمائة.
خطبة السيدة عائشة في الدفاع عن أبيها
/بسم الله الرحمن الرحيم ... 3
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم 0
__________
(1) رسالة رد فيها على أبي حاتم السجستاني ، وابن قتيبة الدينوري(1/5)
أخبرنا شيخُنا الحَافِظُ المُتْقِنُ العالِمُ العامِلُ ، زكِيُّ الدِّينِ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المُنْذِرِيُّ الشافعيُّ ، أدامَ اللهُ توفيقَهُ ، بقراءَتِي عليه ، في مجلسٍ واحدٍ ، يومَ الثُّلاثاءِ ، السابعِ مِنْ شهرِ رمضانَ المُعَظَّمِ ، سنةَ سبعٍ وأربعينَ وستِمائة ، بالمدرسةِ الكامليَّةِ مِنَ القاهرةِ ، قال : ( أنا ) (1) الشيخُ الجليلُ بَقيَّةُ المشايخِ ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مُفرِّج الأرتاحي إذناً ، في شهر رمضان ، سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ، قال : ( أنا ) الشيخُ أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي إجازةً ، قال ( ثنا ) (2) أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الأرمويُّ ، المعروف بابن الشويخ ، الفقيهُ بمصر في جامعها قراءة منه علينا في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، قال ( أنا ) أبو العباس أحمد بن علي بن الحسن بن إسحاق بن جعفر البزاز الكسائي ، بقراءتي عليه في المسجد الحرام بين الحطيمين ، في ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة ، قال : (أنا ) أبو يعلى أحمد بن عبيد الله بن سفيان النحوي ، قال أَمْلَى علينا أَبو بكر بن الأنباري محمد بن القاسم بن بشار ، قال : ( ثنا ) إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : ( ثنا ) عبد الله بن عبد الخالق ، قال : ( ثنا ) يعقوب بن محمد الزُّهريُّ ، قال : ( ثنا ) أبو زيد مولى آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن زيد بن أسلم، قال أبو بكر بن الأَنْبارِي : و( ثنا ) إسماعيل بن إسحاق القاضي قال ( ثنا ) عبد الله بن موسى بن طاهر أو مُطهِّر ـ شكّ إسماعيل بن إسحاق ـ عن أبيه ، عن يعقوب بن محمد الزهري ، يزيد أحدُهما عن الآخر الحرف والحرفين ، ولا يخلان بالمعنى ، قالا : بلغَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنْها أنَّ قَوْماً يَنالُونَ من أَبِيها رضي اللهُ عنه ، فأرسلتْ إلى أَزْفَلَةٍ من الناس ، فلما حضروا ، أسدلتْ
__________
(1) اختصار: أخبرنا
(2) اختصار : حدثنا 0(1/6)
ستارَها ، وعلَتْ وِسادَها ، ثم قالتْ : أبيْ وما أَبِيَه ، أبيْ واللهِ لا تَعْطُوهُ الأيْدِي ، ذاكَ طَوْدٌ مُنِيفٌ ، وَظِلٌّ مَدِيدٌ ، هَيهَاتَ ، كَذَبتْ الظنونُ ، أَنْجَحَ واللهِ إذْ أَكْدَيْتُم ، وَسَبَقَ إذ وَنَيْتُمْ ، سَبْقَ الجوادِ إذا استولَى على الأَمَد ، فتى قُريشٍ ناشِئاً ، وكَهفُها كَهْلاً ، يُرِيشُ مُملِقَها ، ويرأَبُ شَعْبَها ، وَيَلُمُّ شَعْثَها ، ثمَّ اسْتَشْرَى في دِينِهِ ، فما بَرِحَتْ شَكِيْمَتُهُ في ذاتِ اللهِ حتى اتَّخَذَ بِفِنائِهِ مَسجِداً ، يُحْيِي فيه ما أماتَ المُبْطِلُون ، كانَ واللهِ غَزِيْرَ الدَّمْعَةِ ، وَقِيذَ الجَوانِحِ ، شَجِيَّ النَّشَجِ ، فَأَقْصَفَتْ عليهِ نُسْوانُ أَهْلِ مَكَّةَ وَوِلْدانُهُمْ يَسْخَرُونَ مِنهُ ، ويَسْتَهْزِئُون بِهِ ، [ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ] (1) ، وأَكْبَرَتْ ذلكَ رِجالاتُ قُرَيْشٍ ، فَحَنَتْ قِسٍيَّها ، وَفَوَّقَتْ سِهامَها ، وَأَمْشَلَتْهُ غَرَضًا ، فَمَا فَلُّوا لَهُ صَفَاةً ، وَلا قَصَفُوا لهُ قَنَاةً ، وَمَضَى على سِيْسائِهٍ حتَى إذا ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ ، وَرَسَتْ أَطْوادُهُ ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْواجَاً ، وَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أرْسَالاً وأَشْيَاعًا / اخْتَارَ اللهُ لنبيِّهِ ما عِندَهُ ، فَلمَّا قَبَضَ اللهُ نبيَّهُ صلَّى اللهُ 4 عليهِ وسلَّم ، اضْطَرَبَ حَبْلُ الدَّيْنِ ، وَمَرَجَ عَهْدُهُ ، وَمَاجَ أَهْلُهُ ، وبُغِيَ الغَوائِل ، ونُصِبَتْ الحَبَائِلُ ، وظَنَّتْ رِجَالٌ أَنْ قدْ أَكْثَبَ نَهزُها ، ولاتَ حِينَ الذِي يَظُنُّونَ ، وَأَنَّى والصِّدِّيْقُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، فَقَامَ حَاسِرًا مُشَمِّرًا ، فَرَفَعَ حاَشِيَتَيْهِ ، وَجَمَعَ قُطْرَيْهِ ، وَلَمَّ شَعْثَهُ بِطِبِّهِ ، وَأَقَامَ أَوَدَهُ بِثِقَافِةِ ، حَتَّى امْذَقَرَ النِّفَاقُ
__________
(1) البقرة 15(1/7)
بِوَطْئِهِ ، فَلَمَّا انْتَاشَ الدِّينَ فَنَعَشَهُ ، وَأَرَحَ الحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ ، وَقَرَّرَ الرُّؤوسَ على كواهِلِها ، وَحَقَنَ الدِّمَاءَ فِي أُهُبِهَا ، فلمَّا حَضَرَتْهُ مَنِيَّتُهُ ، فَسَدَّ ثُلْمَتَهُ بِنَظِيْرِهِ فِي المَعْدِلَةِ ، وَشَقِيْقِهِ فِي السِّيْرَةِ وَالمَرْحَمَةِ ، ذَاكَ ابنُ الخَطابِ ، للهِ دَرُّ أمٍّ حَفَلَتْ لَهُ ، وَدَرَّتْ عَليهِ ، لقدْ أَوْحَدَتْ بهِ ، فَفَنَخَ الكَفَرَةَ ، ودَنَّخَها ، وّشَرَّدَ الشِّرْكَ شِذَرَ مِذَرَ ، وَبَخَعَ الأَرْضَ فَنَخَعَها ، حتَّى قاءَتْ أُكُلَها ، وَلَفَظَتْ خَبِيْئَها ، تَرْأَمُهُ وَيصُدُّ عَنْها ، وتَصَدَّى لَهُ ، وَيَأْبَاهَا ، ثُمَّ ظَعَنَ عَنْها علَى ذَلكَ ، فَأَرُونِي مَا تَرْتَئُون ، وَأَيُّ يَوْمَيْ أَبِي تَنْقِمُون ؟ أَيومَ مُقامِهِ إذْ عَدَلَ فِيكُم ، أَمْ يومَ ظَعْنِهِ إذْ نَظَرَ لَكُمْ ، أقولُ قَوْلِي هذا وأستغْفِرُ اللهَ لي ولَكُمْ ، ثُمَّ أقبلَتْ على الناسِ بوجْهِهَا ، فقالتْ : أَنْشُدُكُمُ اللهَ هلْ أَنْكَرْتُمْ مِما قلتُ شَيئاً ؟ قالوا : اللَّهُمَ لا 0
قال أبو بكر بن الأنباري :
الأزفَلَة ... : الجماعة 0
وتعطوه ... : تناوله 0
والطود : الجبل 0
المنيف ... ... : المشرف 0
وأكديتم ... ... : خبتم 0
وونيتم ... : فترتم وضعِفتم ، يقال : ونَى يَنِي ، وونِيَ يَوْنى بمعنى واحد 0
والأمد ... : الغاية ، وفي الحديث : ليس يعذب الكافرَ أمدٌ أي غاية وآخِر 0
ويريش ... : يُعطي ويُفضل 0
والمملق : الفقير 0
ويرأب ... : يجمع ويَلأَم 0
والشّعب : المتفرق 0
ويلم : يضم 0
واستشرى ... : احتدّ وانكمش 0
فما برحت ... : فما زالت 0
والشكيمة ... : الأنفة والحمية 0
والوقيذ ... : العليل 0
والجوانح ... : الضلوع القصار التي تقرب من الفؤاد 0
والشجي ... : الحزين 0
والنشج ... : صوت البكاء 0
وأقصفت ... : انثنت 0
وأمشلته ... : مثلته ونصبته 0
والغرض : ما يُقصد بالرمي 0
وفلوا ... ... : كسروا 0(1/8)
والصفاة ... ... : الصخرة الملساء 0
ومضى على سِيسائِه : معناه على شدته 0
والسيساء ... : عظم الظهر وحدّه ، تضربه العرب مثلا في شدة الأمر ، قال الشاعر (1) ... (من الطويل )
لَقَد حَمَلَت قَيسَ بنَ عَيلانَ حَربُنا عَلى يابِسِ السيساءِ مُحدَودِبِ الظَهرِ
والجران ... ... : الصدر ، يقال للصدر الجران ، والبرك 0
ورست ... ... : ثبتت 0
ومرج ... ... ... : اختلط 0
وماج أهله ... ... : اضطربوا وتنازعوا 0
قال : و ( ثنا ) أبو بكر قال : ( ثنا ) الكذيمي ، قال : ( ثنا ) يحيى بن عمر الليثي ، قال : ( ثنا ) مسلم بن قتيبة عن وهب بن حبيب ، عن أبي حمزة ، عن أبي عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس في قوله تعالى : [فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ] (2) قال : مختلط ، أما سمعت قول الشاعر (3) : " من الوافر "
فجالت والتَمَستُ به حَشاها، فَخَرَّ كأنّهُ خُوطٌ مَريجُ
/ الخوط ... ... : الغصن وجمعه خيطان 0 ... ... ... ... 5
وقولها ... ... : وبُغي الغوائل : معناه طُلِبتْ البلايا التي تُضعفه 0
وقولها : أن قد أكثبَ نهزُها : معناه قَرُبَ ، والنهز الاختلاس للشيء كيما يظفر به مُبادرُه 0
وقولها ... : ولات حين الذين يظنون : معناه وليست الساعة حين ظفرهم 0
وقولها ... : فرفع حاشيتيه وجمع قُطريه : معناه تحزَّم في الأمر، وجدَّ وتأهب وتشمر لنصرة الدين 0
والقطر ... ... : الناحية 0
والطِّبّ ... ... : الدواء 0
والأود ... ... : العوج 0
والثقاف ... ... : تقويم الرماح وغيرها 0
وامذقَرّ ... : تفرق ، وفي رواية غير إسماعيل القاضي : وابذعَرَّ النفاق ، يقال ابذعرَّ الشيء واشعتر أي تفرق 0
وقولها ... ... : انتاش الدين : أزال عنه ما يُخاف عليه 0
ونعشه ... ... : رفعه 0
فأراح الحق على أهله : أي أعاد الزكاة التي منعتها العرب ، ثم رُدّت إلى حكم الله ، وسنة رسوله في أهلها لمّا قاتلهم 0
__________
(1) البيت للأخطل
(2) سورة ق ، الآية 5
(3) نسب في جمهرة أشعار العرب لأبي ذؤيب الهذلي ، ولم أجده في ديوانه ، وروايته في جمهرة أشعار العرب : فراغت ، وكذا في اللألئ في شرح أمالي القالي 0(1/9)
وقولها ... ... : وقرر الرؤوس في كواهلها : أي وقى المسلمين القتل 0
والكاهل ... ... : أعلا الظهر ، وما يتصل به 0
وحقن الدماء في أُهُبها : معناه رفع القتال بين المسلمين 0
والأُهُب ... ... : جمع إهاب وهو الجلد ، كنَّتْ به عن الجسد 0
وقولها ... ... : لله درُّ أمٍّ جفلت له : معناه جمعت اللبن لرضاعه ، والشاة المجفلَة ... ... : التي يجمع لبنها في ضرعها 0
وقولها ... ... : وَحَدَت به : أي جاءت به منفردا لا نظير له في زمانه 0
وقولها ... ... : ففنخ الكُفْر : أي غنِم بلاد الكفار0
ودنّخها ... : أذلها وصغّرها ، وفي غير هذه الرواية فديّخها بالياء أي دوّخها ، كما يقال : تصوّح البقل وتصيّح إذا تشقق 0
وقولها ... ... : بخع الأرض : أي شقها 0
ونخعها ... : استقصى عليها ، وفي غير هذه الرواية وهج الأرض أي شقها 0
وقولها ... : شرّد الشرك شذر مذر : أي أبعده ، قال الله تعالى : [فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ] (1) أي أوقع بهؤلاء ليسمع مَن خلفهم مِن الكفار ، فيفزع ، فيهرب ، فيتباعد عنك ، ويقال : شرَّدتُ القوم شذر مذر ، أي فرقتهم ، فلم أترك منهم أحدا ، ومثله تفرقوا شَغَرَ بَغَر جميعا بمعنى واحد 0
وقولها ... : حتى قاءت أُكلَها : تعني جبى خراجَها ، وأخرجتْ خيراتها وثمراتِها 0
وقولها ... ... : ترأمُه : تعطف عليه 0
وقولها ... ... : تصدّى له : أي تعرّض له 0
0000
تمت خُطبة عائشة رضي الله عنها
وتفسير غريبها ولغتها
والحمد لله وحده
وصلواته على محمد
وآله وصحبه
وسلم تسليما
كثيرا 0
__________
(1) سورة الأنفال ، الآية 57(1/10)