عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن الخطاب
رضي الله عنهما
أسمه ونسبه وكنيته :
أبوه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ابن نفيل - رضي الله عنه - ، يكنى أبا حفص ، وأمه هي زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحي ، وأخته هي حفصة بن عمر بن الخطاب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أخت عبد الله بن عمر لأبيه وأمه .
ويكنى عبد الله بن عمر أبو عبدا لرحمن .
إسلامه وهجرته :
أسلم عبد الله بن عمر مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم بعد وهاجر مع أبيه المدينة وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
أول مشاهده للغزوات مع النبي - صلى الله عليه وسلم - :
كان عبد الله يوم بدر ممن لم يحتلم فاستصغره النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان ابن ثلاث عشرة سنة ، ثم استصغره يوم أحد لأنه كان ابن أربع عشرة سنة ، وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة ثم أنه شهد الحديبية والمشاهد كلها مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .
عن ابن عمر قال : عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني ، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فقبلني . (1)(1)
عبد الله بن عمر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/389) .(1/1)
عن ابن رضي الله عنهما قال : كان الرجل في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى رؤيا قصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكنت غلاماً أعزب ، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر ‘ وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار , فلقيهما ملك آخر فقال لي : لن تراع فقصصهما على حفصة فقصتها حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فقال : " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " . (1)(2) فكان عبد الله بعد لا ينام من الليل إلا قليلا .
وعن ابن عمر عن أخته حفصة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها :
" إن عبد الله رجلُ صالحُ " . (2)
عن عبدا لرحمن بن أبي ليلى أن ابن عمر حدثه أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاص ، يعني الناس حيصة فكنت فيمن حاص ، فقلنا كيف نضع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ فقلنا ندخل المدينة فنبيت بها ثم نذهب فلا يرانا أحد ثم دخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا ، قال فجلسنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه ، فقلنا يارسول الله نحن الفرارون
فقال : لا بل أنتم العكارون قال : فدنونا فقبلنا يده فقال - صلى الله عليه وسلم - : إنا فئةُ المسلمين .
عن ابن عمر إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كساه حُلةَ سيراءَ وكسا أسامة قبطيتين ثم قال : ما مسّ الأرض فهو في النار .
__________
(1) 1603) رواه البخاري (3738) ، ( 3739)
(2) 1604) نفس المصدر السابق ( 3740) ، ( 3741 ) .(1/2)
وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سرية قبل نجد فيهم ابن عمر وأن سهامهم بلغت اثني عشر بعيراً اثني عشر ، ثم نفلوا سوى ذلك بعيراً بعيراً فلم يغيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (1)
وشهد ابن عمر فتح مكة وهو ابن عشرين سنة وهو على فرس جرور ومعه رمح ثقيل وعليه بردة فلوت فأبصره النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يختلى لفرسه فقال : إن عبد الله فأثنى عليه (2)
عبد الله بن عمر على عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - :
لما قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واستحلف أبو بكر - رضي الله عنه - أرتدت بعض العرب , فجيش أبو بكر الجيوش , لمحاربة القبائل التي ارتدت عن دينها , فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مع الجيش الذي توجه لمحاربة مسيلمة الكذاب , وكانت تلك المعركة يوم اليمامة , وتعد هذه الموقعة من المواقع الفاصلة في حروب الردة .
عبد الله بن عمر على أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - :
لما أستخلف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سار بأحسن سيرة ، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس وفتح الله له الفتوح بالشام ، والعراق ، ومصر ، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد شهد فتح مصر ، واختط بها.
عبد الله بن عمر على عهد عثمان - رضي الله عنه - :
ولما قتل الفاروق شهيداً بويع لعثمان بن عفان سنة أربع وعشرين في المحرم منها لثلاث مضين منه .
أراد عثمان أن يكون ابن عمر قاضياً يقضي بين الناس ، فقال ابن عفان - رضي الله عنه - لعبد الله بن عمر : اقض بين الناس .
فقال ابن عمر : لا أقضي بين اثنين ولا أؤم اثنين .
فقال عثمان : أتقضيني ؟
قال ابن عمر : لا ، ولكنه بلغني أن القضاة ثلاثة : رجل قضى بجهل فهو في النار ، ورجل حاف ومال به الهواء فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو كفاف لا أجر له ولا وزر عليه .
__________
(1) 1605 ) الطبقات لابن سعد ( 4/391،390 ) .
(2) 1606 ) نفس المصدر السابق ( 4/405) .(1/3)
فقال عثمان : فإن أباك كان يقضي .
قال : إن أبي كان يقضي فإذا أشكل عليه شيء سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أشكل على النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل جبرائيل وإني لا أجد من اسأل أما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : من عاذ بالله , فقد عاذ بمعاذ ؟
فقال عثمان : بلى .
قال ابن عمر : فإني أعوذ بالله أن تستعملني فأعفاه
وقال : لا تخبر بهذا أحداً . (1)
عبد الله بن عمر في زمن الفتنة :
لما قُتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأتوا علياً - رضي الله عنه - ، وقالوا له : إنه لابد للناس من إمام ، فقال : لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم رضيت به فقالوا : ما نختار غيرك .إنا لا نعلم أحداً أحق بك منك.
فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً .
فقالوا : والله ما نحن بفاعلين حتى نُبايعك .
قال : ففي المسجد ، فإن بيعتي لا تكون خفية ولا تكون إلا في المسجد .
فخرج إلى المسجد وعليه إزار وعمامة خز متوكئاً على قوس ، فبايعه الناس وكان أول من بايعه طلحة بن عبيد الله فنظر إليه حبيب بن ذؤيب فقال : إنا لله أول من بدأ بالبيعة يده شلاء ! لا يتم هذا الأمر وبايعه الزبير بن العوام .
فقال لهما علي : إن أحببتما أن تبايعاني ، وإن أحببتما بايعتكما .
فقالا : بل نبايعك .
وجيء بسعد بن أبي وقاص ليبايع ، فقال : لا أبايع حتى يبايع الناس ، والله ما عليك مني بأس .
فقال عليَّ : خلوا سبيله .
وجيء بعبد الله بن عمر يبايع فقال : لا أبايع حتى يبايع الناس .
قال له عليَّ : ائتني بحميل .
قال : لا أرى لك حميلاً .
قال الأشتر : خل عني أضرب عنقه .
قال عليَّ : دعوه ، أنا حميله ، إنك ما علمت لسيء الخُلق صغيراً وكبيراً .(2)
__________
(1) 1607) الطبقات ( 4/391 ) .
(2) 1608) أيام العرب في الإسلام صـ330 .(1/4)
فلما أرادت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها المسير لطلب دم عثمان , وأرادت حفصة بنت عمر السير معها ، وعلم عبد الله بن عمر بذلك فطلب إلى حفصة أن تقعد فقعدت ، وبعثت إلى عائشة أن عبد الله بن عمر حال بيني وبين الخروج ، ودعوا عبد الله بن عمر يسير معها ، فأبى وقال : أنا من أهل المدينة ، أفعل ما يفعلون .
فقالت : يغفر الله لعبد الله .
عن الحسن قال : لما كان من أمر الناس ما كان من أمر الفتنة ، وأتوا عبد الله بن عمر ، فقالوا : أنت سيد الناس ، وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، أخرج نبايعك .
فقال : لا والله لا يهراق في محجمة من دم ولا في سببي ما كان في الروح .
ثم أتى فخوف ، فقيل له : لتخرجن أو لتقتلن على فراشك .
فقال مثل قوله الأول .
قال الحسن : فوالله ما استقلوا (1) منه شيئاً حتى لحق بالله تعالى .(2)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله .(3)
وعن يحي بن نافع ، قال : لما قدم أبو موسى وعمرو بن العاص أيام حكماً قال أبو موسى الأشعري : لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر .
فقال عمرو بن العاص لابن عمر : إن نريد أن نبايعك فهل لك أن تعطي مالاً عظيماً على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك ؟
فغضب عبد الله بن عمر فقام ، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه فقال : يا أبا عبد الرحمن , إنما قال تعطي مالاً على أن نبايعك .
فقال ابن عمر : ويحك يا عمرو .
قال عمرو : إنما قلت أجربك .
فقال عبد الله بن عمر : لا والله لا أعطى عليها شيئاً ، ولا أُعطي عليها شيئاً ، ولا أُعطي ولا أقبلها إلا عن رضى من المسلمين .(4)
وقيل لابن عمر في الفتنة الأولى : ألا تخرج فتقاتل ؟
__________
(1) 1609) استقلوا منه شيئاً : أي ما بلغوا منه شيئاً .
(2) 1610) حلية الأولياء ( 1/ 293 ) .
(3) 1611 ) الطبقات ( 4/ 392 ) .
(4) 1612) حلية الأولياء ( 1/ 294 ) .(1/5)
فقال عبد الله : قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب ، فأنا أكره أن أقاتل من يقول لا إله إلا الله .
قالوا : والله ما رأيك ذلك ولكنك أردت أن يفنى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم بعضاً ، حتى إذا لم يبق غيرك ، قيل بايعوا لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين .
قال : والله ما ذلك فيّ ، ولكن إذا قلتم حي على الصلاة أجبتكم حي على الفلاح أجبتكم ، وإذا افترقتم لم أجامعكم ، وإذا اجتمعتم لم أفارقكم .(1)
وكان ابن عمر يقول : لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب . (2)
وعن مالك بن أنس قال : بلغني أن عبد الله بن عمر قال لرجلٍ : إنا قاتلنا حتى كان الذين لله ولم تكن فتنة ، وإنكم قاتلتم حتى كان الدين لغير الله وحتى كانت الفتنة . (3)
وعنه أيضاً قال : أنه بلغه أن عبد الله بن عمر قال : لو اجتمعت عليَّ أمةُ محمد إلا رجلين ما قاتلتهما .(4)
قلت : هكذا كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، مبتعداً عن الفتنة والقتال ، وعن طلب الخلافة والمبايعة مالم تجتمع عليه الأمة .
فقد قيل لابن عمر : لو أقمت للناس أمرهم فإن الناس قد رضوا بك كلهم ، فقال لهم : أرأيتم إن خالف رجل بالمشرق ؟
قالوا : إن خالف رجل قتل ، وما قتل رجل في صلاح الأمة.
فقال : والله ما أحب لو أن أمة محمدً - صلى الله عليه وسلم - ، أخذت بقائمة رمح , وأخذت بزجه فقتل رجل من المسلمين , ولي الدنيا وما فيها .(5)
وعن مغيرة بن قطن قال : أتى رجل ابن عمر فقال :
ما أحد شرّ لأمة محمد منك .
فقال : لِمَ ؟ فوالله ما سفكت دماءهم ، ولا فرقت جماعتهم ولا شققت عصاهم .
قال : إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان .
__________
(1) 1613 ) حلية الأولياء ( 1/ 294 ) .
(2) 1614) الطبقات ( 4/ 393 ) .
(3) 1615 ) نفس المصدر ( 4/ 393 ) .
(4) 1616 ) نفس المصدر ( 4/ 393 ) .
(5) 1617) نفس المصدر ( 4/ 394 ) .(1/6)
قال : ما أحب أنها أتتني ورجل يقول لا ، وآخر يقول بلى .(1)
عن أبي الزناد قال : اجتمع في الحجر , مصعب , وعروة وعبدالله بنو الزبير ، وعبدالله بن عمر ، فقالوا : تمنوا .
فقال عبد الله بن الزبير : أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني الحلم .
وقال مصعب بن الزبير : أما أنا فأتمنى إمرة العراق ، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين .
فقال عبد الله بن عمر : أما أنا فأتمنى المغفرة .
فنالوا ما تمنوا ولعل عبد الله بن عمر قد غُفر له .(2)
وكتب مُعاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن عمر كتاباً خاصاً دون كتابه إلى أهل المدينة :
أما بعد : فإنه لم يكن أحد من قريش أحبَّ إليَّ أن يجتمع الناس عليه بعد قتل عثمان منك ، فذكرت خذلك إياه ، وطعنك على أنصاره ، فتغيرت لك ، وقد هون ذلك عليَّ خلافك علياً ، وطعنك عليه ، ومحا عنك بعض ما كان منك فأعنا يرحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإني لست أريد الإمارة عليك ، ولكني أريدها لك ، فإن أنت أبيت كانت شورى بين المسلمين .
فكتب إليه عبد الله بن عمر :
أما بعد ، فإن الرأي الذي أطمعك فيّ هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه ، تركت في المهاجرين والأنصار ، وتركت طلحة والزبير وعائشة وأتبعك !
وأما قولك إني صنعت على عليّ ، فلعمري ما أنا كعلي في الإسلام والهجرة ومكانه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن أحدث أمراً لم يكن إلينا فيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عهد ، ففزعت إلى الوقوف ، وقلت : إن كان هذا هُدى ، ففضل تركته ، وإن كان ضلالة ، فشر منه نجوت ، فأغن عني نفسك ، والسلام .(3)
عن أبي العالية البراء قال : كنت أمشي خلف ابن عمر وهو لا يشعر وهو يقول : واضعين سيوفهم على عواتقهم , يقتل بعضهم بعضاً يقولون يا عبد الله بن عمر أعطِ بيدك .
__________
(1) 1618) الطبقات الكبرى ( 4/ 394 ) .
(2) 1619) صفة الصفوة ( 1/ 248 ) .
(3) 1620) جمهرة رسائل العرب ( 1/ 357 ) .(1/7)
عبد الله بن عمر في خلافة معاوية :
عن نافع قال : حلف معاوية على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقتلنَّ ابن عمر ، وكان ابن عمر بمكة ، فجاء إليه عبد الله بن صفوان ، فدخلا بيتاً ، وكنت على الباب ، فجعل ابن صفوان يقول : أفتتركه حتى يقتلك ؟
والله لو لم يكن إلا أنا وأهل بيتي ، لقاتلته دونك ، فقال : ألا أصير في حرم الله ؟ وسمعت نحيبه مرتين ، فلما دنا معاوية تلقاه ابن صفوان ، فقال : أيها جئت لتقتل ابن عمر .
قال معاوية : والله لا أقتله .(1)
عن ابن عمر ، قال : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف (2) فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يجعل لي من الأمر شيء .
قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك ، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة ، فلم يرعه حتى ذهب .
قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر , فليطلع إليَّ قرنه , فنحن أحقُ بذلك منه ومن أبيه ، يُعرض بابن عمر .(3)
فقال حبيب بن مسلمة لابن عمر : فهلا أحببته فداك أبي وأمي ؟
قال ابن عمر : حللت حبوتي ، فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وإياك على الإسلام .
فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . (4)
__________
(1) 1621) سير أعلام النبلاء ( 4/ 362 ) .
(2) 1622) أي ذوائبها تقطر كأنها قد اغتسلت .
(3) 1623) نفس المصدر ( 4/ 362 ) .
(4) 1624) سير أعلام النبلاء ( 4/ 363 ) .(1/8)
في سنة خمسين دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد ، فبايعوه ، وهو أول من عهد بالخلافة لابنه ، وأول من عهد بها في صحته ، ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة ، فخطب مروان فقال : إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر ، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال : بل سنة كسرى وقيصر ، إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما ولا في أحد من أهل بيتهما .(1)
ثم أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف ، فلما أراد أن يبايع ليزيد ، قال : أرى ذاك أراد ، إن ديني عند إذاً لرخيص .(2)
فلما حج معاوية سنة إحدى وخمسين ، وأخذ البيعة لأبنه ، فبعث إلى ابن عمر فتشهد وقال : أما بعد يا ابن عمر ، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك فيها أمير وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين أو تسعى في فساد ذات بينهم ، فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد : فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم ، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار ، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين ، ولم أكن لأفعل ، وإنما رجل من المسلمين ، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم فقال معاوية : يرحمك الله !
__________
(1) 1625) تاريخ الخلفاء صـ153 .
(2) 1626 ) سير أعلام النبلاء ( 4/ 362 ) .(1/9)
فخرج ابن عمر ، ثم أرسل إلى ابن أبي بكر فتشهد ثم أخذ في الكلام فقطع عليه كلامه ، وقال : إنك لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله ، وإنا والله لا نفعل ، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين ، أو لنعيدنها عليك جذعه . ثم وثب ومضى ، فقال معاوية : اللهم أكفنيه بما شئت ، ثم قال : على رسلك أيها الرجل ، لا تشرفن على أهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعنا ، ثم كن بعد علي ما بدا لك من أمرك ، ثم أرسل إلى ابن الزبير ، فقال : يا ابن الزبير ، إنما أنت ثعلب رواغ كلما خرج من جحر دخل في آخر ، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما .
فقال ابن الزبير : إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلهما ، وهلم ابنك فلنبايعه ، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع ونطيع ؟ لا تجتمع البيعة لكما أبداً ، ثم راح فصعد معاوية المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، وزعموا أن ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير لن يبايعوا يزيد ، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له ، فقال أهل الشام : والله لا نرضى حتى يبايعوا على روؤس الأشهاد ، وإلا ضربنا أعناقهم ، فقال : سبحان الله ! ما أسرع الناس إلى قريش بالشر ، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ، ثم نزل فقال الناس : بايع ابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير وهم يقولون : لا والله ما بايعنا ، فيقول الناس : بلى ، فارتحل معاوية فلحق بالشام .(1)
وفي آخر الأمر بايع ابن عمر يزيد في سبيل اجتماع الكلمة كلمة المسلمين وقال رضي الله عنهما : إن كان خيراً رضينا ، وإن كان بلاء صبرنا .
بعد موت يزيد بن معاوية :
فلما مات يزيد ، قال مروان لابن عمر : هلم يدك نبايع لك فإنك سيد العرب وابن سيدها ، قال له ابن عمر : كيف أصنع بأهل المشرق ؟
قال : نضربهم حتى يبايعوا .
__________
(1) 1627 ) تاريخ الخلفاء صـ154 .(1/10)
قال ابن عمر : والله ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة وأنه قُتل في سببي رجل واحد .
فقال مروان :
إني أرى فتنة تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا(1)
بيعته لعبد الملك بن مروان :-
كان عبد الملك بن مروان قد وجه الحجاج إلى الحجاز لقتال عبد الله بن الزبير فحاصره بمكة ، وما زال ابن الزبير يقاتل حتى قتل سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، وبعث عبد الملك إلى الحجاج عهده بولاية الحجاز ، واليمن واليمامة ، وكتب عبد الله بن عمر إلى عبد الملك ببيعته لما قتل ابن الزبير وكان كتابه إليه يقول :
" لعبد الملك بن مروان من عبد الله بن عمر ، سلام عليك ، فإني أقررت لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبيعة نافع مولاي على مثل ما بايعك عليه " .
وفي رواية أخرى ، كتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى عبد الملك بن مروان في خلافته :
أما بعد : " لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من عبد الله بن عمر سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، وأمري السمع والطاعة على كتاب الله وسنة نبيه فيما استطعت " .(2)
وقيل : أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد الملك بن مروان وهو يومئذٍ خليفة : من عبد الله بن عمر إلى عبد الملك بن مروان ، فقال من حول عبد الملك بدأ باسمه قبل اسمك ، فقال عبد الملك : إن هذا من أبي عبد الرحمن كثير .(3)
صفته وحليته رضي الله عنهما : (4)
عن نافع مولى عبد الله بن عمر : أن ابن عمر كان يُصفر لحيته .
وعن زيد بن أسلم : أن ابن عمر كان يُصفر حتى يملأ ثيابه منها .
فقيل له : تصبغ بالصفرة ؟
فقال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها .
__________
(1) 1628) الطبقات الكبرى ( 4/ 404 ) .
(2) 1629) جمهرة رسائل العرب ( 2/ 138 ) .
(3) 1630) الطبقات ( 4/ 394 ) .
(4) 1631 4) الطبقات ( 4/ 394 ) ، وسير أعلام النبلاء ( 4/ 349 ) .(1/11)
وكان رضي الله عنهما يُصفر لحيته بالخلوق (1) والزعفران .
وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته .
عن جبلة بن سحيم قال : رأيت ابن عمر اشترى قميصاً فلبسه فأراد أن يرده ، فأصاب القميص صفرةً من لحيته فأمسكه من أجل تلك الصفرة ، ولم يرده .
وكان لا يلبس الخز ، وكان يراه على بعض ولده فلا ينكره.
وكان يلبس المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران .
وكان لا يدخل حماماً ولا ماءً إلا بإزار .
وكان يتزر فوق القميص في السفر .
وقال الأزرق بن قيس : قل ما رأيت ابن عمر إلا وهو محلول الإزار .
وعن جميل الطائي قال : رأيت إزار ابن عمر فوق العرقوبين ودون العضلة ورأيت عليه ثوبين أصفرين ورأيته يصفرّ لحيته.
وعن أبي المتوكل التاجي قال : كأني أنظر إلى ابن عمر يمشي بين ثوبين كأني أنظر إلى عضلة ساقه تحت الإزار والقميص فوق الإزار .
وعن صدقة بن سليمان العجلي قال : حدثني والدي قال نظرت إلى ابن عمر فإذا رجل جهير يخضب بالصفرة عليه قميص دستواني إلى نصف الساق .
وعن موسى بن دهقان قال : رأيت ابن عمر يتزر إلى أنصاف ساقيه .
وعن أبو ريحانة قال : رأيت ابن عمر بالمدينة مُطلقاً إزاره يأتي أسواقها فيقول : كيف يُباع ذا ، كيف يُباع ذا ؟
وعن زهير بن أسلم قال : رأيت ابن عمر يصلي محلول الإزار ، وقال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محلول الإزار .
وعن نافع عن ابن عمر أنه اعتم وأرخاها بين كتفيه .
وعن النظر أبي لؤلؤة قال : رأيت على ابن عمر عمامةً سوداء .
وعن كليب بن وائل قال : رأيت ابن عمر يُرخي عمامته خلفه .
وعن ابن عون قال : ذكروا عند نافع خاتم ابن عمر ، فقال: كان ابن عمر لا يتختم إنما كان خاتمه يكون عند صفيه فإذا أراد أن يختم أرسلني فجئت به .
عن ابن سيرين قال : كان نقش خاتم عبد الله بن عمر ( عبد الله بن عمر ).
وعنه أيضاً قال : كان نقش خاتم عبد الله بن عمر : ( لله ) .
__________
(1) 1632) الخلوق : ضرب من الطيب أعظم أجزائه الزعفران .(1/12)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُحفي شاربه حتى تنظر إلى بياض الجلدة .
وكان ابن عمر يقبض على لحيته ، ثم يأخذ ما جاوز القبضة.
وعن ابن جريح ، قلت لابن عمر : رأيتك تصفر لحيتك .
قال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفر لحيته
قلت : ورأيتك تلبس هذه النعال السبتيه ، قال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يلبسها ويستحبها ويتوضأ فيها .
وقال هشام بن عروة : رأيت شعر ابن عمر يضرب منكبيه وأُتي بي إليه ، فقبلني .
عن محمد بن قيس قال : رأيت ابن عمر أصفر اللحية ، ورأيته محللاً أزرار قميصه ، ورأيته واضعاً إحدى رجليه على الأخرى .
وعن نافع قال كان عامة جلسة ابن عمر هكذا ، ووضع رجله اليمنى على اليسرى .
خُلق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
كان رضي الله عنهما ما لعن قط خادماً إلا واحداً فأعتقه ، قال الزهري : أراد عبد الله بن عمر أن يلعن خادمه فقال : اللهم العَ ، فلم يتمها ، وقال : هذه كلمة ما أحب أن أقولها .(1)
علم ابن عمر رضي الله عنهما :
عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عمر - رضي الله عنهما – يُعد من فقهاء الأحداث .(2)
وقال ابن عمر يوماً : أيها الناس إليكم عني فإني قد كنت مع من هو أعلم مني ، ولو علمت أني أبقى فيكم حتى تقتضوا إليَّ لتعلمت لكم . (3)
وكان رضي الله عنهما قد تعلم سورة البقرة في أربع سنين .(4)
ومن أدبه أنه كان إذا لم يعرف يقول للسائل : لا أدري .
فقد سئل عن فريضة من الصلب فقال : لا أدري ، فقيل له : ما يمنعك أن تجيبه ؟ فقال : سئل ابن عمر عما لا يدري فقال : لا أدري . (5)
__________
(1) 1633) حلية الأولياء ( 1/ 307 ) .
(2) 1634 ) الطبقات ( 4/ 402 ) .
(3) 1635) الطبقات ( 4/ 390 ) .
(4) 1636 ) الطبقات ( 4/ 390 ) .
(5) 1637 ) جامع العلم ( 2/ 52 ) .(1/13)
وعن عروة قال : سئل ابن عمر عن شيء فقال : لا علم لي به ، فلما أدبر الرجل قال لنفسه : سُئل ابن عمر عما لا علم له به ، فقال : لا علم لي به .(1)
وعن عقبة بن مسلم قال : صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهراً ، فكان كثيراً ما يسأل فيقول : لا أدري ، ثم يلتفت إليَّ فيقول : أتدري ما يريد هؤلاء ؟ يريدون أن يجعلوا ظهورنا جسراً إلى جهنم .(2)
عن نافع : أن رجلاً سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ ابن عمر رأسه ولم يُجبه حتى ظنّ الناس أنه لم يسمع مسألته ، قال فقال له : يرحمك الله أما سمعت مسألتي ؟
قال : بلى ولكنكم كأنكن ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألوننا عنه ، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهم في مسألتك فإن كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به .(3)
والعلم عند ابن عمر هو كما قال : العلم ثلاثة أشياء : كتاب ناطق ، وسنة ماضية ، ولا أدري . (4)
وأن رجلاً كتب إلى ابن عمر رضي الله عنهما يسأله عن العلم فكتب إليه ابن عمر : إنك كتبت تسألني عن العلم ، فالعلم أكبرُ من أن أكتب به إليكَ , ولكن إن استطعت أن تلقى الله كاف اللسان عن أعراض المسلمين , خفيف الظهر من دمائهم , خميص البطن من أموالهم , لازماً لجماعتهم فافعل . (5)
__________
(1) 1638) الطبقات لابن سعد ( 4/ 390 ) .
(2) 1639) جامع العلم وفضله ( 2/ 54 ) .
(3) 1640 ) الطبقات لابن سعد ( 4/ 403 ) .
(4) 1641) جامع العلم ( 2/24) .
(5) 1642) حياة الصحابة ص732(1/14)
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه أنه كان قاعداً عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذ طلع خباب – صاحب المقصورة – فقال : يا عبد الله بن عمر ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ! يقول انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها واتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل قيراط مثل أحد ، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد " فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة رضي الله عنها يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقبلها في يده حتى رجع ، فقال : قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ثم قال : لقد فرطنا في قراريط كثيرة . (1)
روايته للحديث :
عن أبي جعفر محمد بن علي قال : لم يكن من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد أحذر إذا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ألا يزيد فيه ولا ينقص منه من عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . (2)
وعن الشعبي قال : جالست ابن عمر سنةً فما سمعته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً . (3)
وعن عاصم بن محمد عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر رضي الله عنهما ذاكراً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ابتدرت عيناه تبكيان . (4)
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرم ابن عمر فعن ابن عمر أنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى إلي وسادة حشوها ليف فلم أقعد عليها بقيت بيني وبينه . (5)
قصص ابن عمر في تتبعه آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - :
__________
(1) 1643) رواه مسلم ( 945 ) .
(2) 1644) الطبقات ( 4/402) .
(3) 1645) نفس المصدر (4/413) .
(4) 1646 ) نفس المصدر ( 4/403) .
(5) 1647 ) رواه أحمد في مسنده (2/96) .(1/15)
عن ابن سيرين قال : كنت مع ابن عمر رضي الله عنهما بعرفات فلما كان حين راح رحت معه حتى أتى الإمام فصلى معه الأولى والعصر ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الإمام فأفضنا معه حتى انتهى إلى المضيق دون المأزمين (1) ، فأناخ وأنخنا ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته : إنه ليس يريد الصلاة ولكنه ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته فهو يحبُّ أن يقضي حاجته .(2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ، ويخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك .(3)
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يتبع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل مكانٍ صلى فيه ، حتى إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل تحت شجرةٍ ، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة فيصب في أصلها الماء لكيلا تبيس .(4)
وعن مجاهد قال : كنا مع ابن عمر رضي الله عنهما في سفرٍ ، فمر بمكانٍ فحادَ عنه فسئل ، لِمَ فعلت ذلك ؟
قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا ففعلت .(5)
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته ، يثنيها ويقول : لعل خفا يقع على خف يعني خف النبي - صلى الله عليه وسلم - .(6)
وعن نافع قال : لو نظرت إلى ابن عمر رضي الله عنهما إذا اتبع أثر النبي - صلى الله عليه وسلم - لقلت : هذا مجنون .(7)
__________
(1) 1648 ) المأزمين : مضيق بين المزدلفة وعرفات .
(2) 1649) رواه احمد في مسنده ( 2/ 131 ) .
(3) 1650) الترغيب والترهيب للمنذري صـ20 .
(4) 1651 ) كثر العمال ( 2/ 1394 ) .
(5) 1652 ) الترغيب والترهيب صـ20 .
(6) 1653) حلية الأولياء ( 1/ 301 ) .
(7) 1654) نفس المصدر ( 1/ 301 ) .(1/16)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما كان أحد يتتبع آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - في منازله كما كان يتتبعه ابن عمر .(1)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رآه أحد ظنَّ أن به شيئاً من تتبعه آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - .(2)
وعن أسلم قال : ما ناقة أضلت فصيلها في فلاةٍ من الأرض بأطلب لأثرهِ من ابن عمر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .(3)
عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد الله أنه قال لابن عمر رضي الله عنهما : نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة المسافر ؟
فقال ابن عمر : بعث الله نبيه ونحن أجفى الناس ، فنصنع كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(4)
وعند ابن جرير عن أميه بن عبد الله بن خالد بن أُسيد أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما : إنا نجد في كتاب الله عز وجل قصر صلاة الخوف ولا نجد قصر صلاة السفر ؟
فقال عبد الله : إنا وجدنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - يعمل عملاً عملنا به .(5)
وعن وراد بن أبي عاصم أنه لقي ابن عمر رضي الله عنهما بمنى فسأله عن الصلاة في السفر ، فقال ركعتين .
فقال : كيف ترى ونحن هاهنا بمنى ؟
فأخذته عند ذلك ضجرة فقال : ويحك ! هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
قلت : نعم وآمنت به .
قال : فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج صلى ركعتين ، فصل إن شئت أودع .
وعن نافع : أن ابن عمر سمع صوت زمار قلاع فوضع إصبعه في أذنيه وعدل براحلته عن الطريق وهو يقول : يا نافع أتسمع ؟ وأقول : نعم ، فيمضي حتى قلت : لا ، قال : فوضع يديه عن أذنيه وعدل إلى الطريق وقال : رأيت رسول الله وسمع صوت زمارة راعِ فصنع مثل هذا .
__________
(1) 1655) الطبقات الكبرى ( 4/ 402 ) .
(2) 1656) حلية الأولياء ( 1/ 310 ) .
(3) 1657) نفس المصدر ( 1/ 310 ) .
(4) 1658) حياة الصحابة صـ480 .
(5) 1659) نفس المصدر صـ480 .(1/17)
وعن أبي منيب الجرشي قال : قيل لابن عمر رضي الله عنهما: قول الله { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } (1)
فنحن آمنون لا نخاف فنقصر الصلاة ؟
فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .(2)
وعن زيد بن أسلم قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما يصلي محلولةً أزاره ، فسألته عن ذلك ، فقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله .(3)
قول ابن عمر رضي الله عنهما في أن تعلم الإيمان والعلم والعمل معاً :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لقد عشت بُرهة من دهري وإن أحدنا يؤتي الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فيتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته وما يدري ما أمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه وينثره نثر الدقل .(4)
ترغيبه في الصلاة :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الصلاة حسنة لا أبالي من شاركني فيها . (5)
فعل ابن عمر إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة :
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما ، كان إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيى بقية ليلته ، وقال بشر بن موسى : أحيى ليلته .(6)
وعند البيهقي : إذا فاتته صلاة في جماعةٍ صلى إلى الصلاة الأخرى .(7)
اهتمامه بالسنة قبل الظهر :
عن سالم عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الظهر أربعاً .
وعن نافع أن ابن عمر كان يصلي قبل الظهر ثمان ركعات ويصلي بعدها أربعاً .
__________
(1) 1660) سورة النساء الآية ( 101 ) .
(2) 1661 ) حياة الصحابة صـ480 .
(3) 1664) الترغيب والترهيب صـ20 .
(4) 1665) حياة الصحابة صـ731 .
(5) 1666) كنز العمال ( 1/ 795 ) .
(6) 1667) الإصابة صـ810 .
(7) 1668) كنز العمال ( 1/ 800 ) .(1/18)
وعن ابن عمر أنه كان إذا زالت الشمس يأتي المسجد فيصلي ثنتي عشرة ركعة قبل الظهر ثم يقعد .(1)
وكان رضي الله عنهما يصلي الصلوات بوضوء واحد .
تهجده رضي الله عنهما :
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يحيي الليل صلاةً ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟
فيقول : لا ، فيعاود الصلاة ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟ فيقول : نعم ، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح .(2)
وعن محمدٍ قال : كان ابن عمر كلما استيقظ من الليل صلى.
وعن أبي غالبٍ قال : كان ابن عمر ينزل علينا بمكة فكان يتهجد من الليل فقال لي ذات ليلةٍ قبيل الصبح : يا أبا غالبٍ ألا تقوم فتصلي ؟ ولو تقرأ بثلث القرآن ، فقلت : قد دنا الصبح فكيف أقرأ بثلث القرآن ؟
فقال : إن سورة الإخلاص { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تعدل ثلث القرآن .(3)
وأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان له مهراس فيه ماء فيصلي ما قدر له ، ثم يصير إلى الفراش فيغفي إغفاء الطائر ، ثم يقوم فيتوضأ ثم يصلي فيرجع إلى فراشه فيغفي إغفاء الطائر ، ثم يثب فيتوضأ ، ثم يصلي ، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمساً .(4)
خشوع ابن عمر رضي الله عنهما :-
عن زيد الشيباني قال : رأيت ابن عمر رضي الله عنهما إذا مشى إلى الصلاة دبَّ دبيباً لو أن نملة مشت معه قلت لا يسبقها.
وعن واسع بن حبان قال : كان ابن عمر يحب أن يستقبل كل شيءٍ منه القبلة إذا صلى ، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة .(5)
وعن طاووس قال : ما رأيت مصلياً كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالاً للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه .
__________
(1) 1669) حلية الأولياء ( 1/ 303 ) .
(2) 1670 ) حلية الأولياء ( 1/ 304 ) .
(3) 1671 ) الإصابة صـ809 ) .
(4) 1672 ) الطبقات ( 4/ 404 ) .
(5) 1673 ) الطبقات ( 4 \ 404 )(1/19)
وعن أبي بردة قال : صليت إلى جنب ابن عمر فسمعته حين سجد وهو يقول : اللهم أجعلك أحب شيءٍ إليَّ ، وأخشى شيءٍ عندي ، وسمعته يقول في سجوده { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ } (1) ، وقال : ما صليت صلاة منذ أسلمت إلا وأنا أرجو أن تكون كفارةً .(2)
خوف ابن عمر رضي الله عنهما :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : لوددت أني هذه السارية(3) .(4)
وعن نافع قال : دخل ابن عمر رضي الله عنهما الكعبة فسمعته وهو ساجد .
يقول : قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريشٍ على هذه الدنيا إلا خوفك .
وعن أبي حازم - رضي الله عنه - قال : مرَّ ابن عمر برجلٍ ساقط من أهل العراق فقال : ما شأنه ؟
قالوا : إنه إذا قُرئ عليه القرآن يصيبه هذا ، قال : إنا لنخشى الله وما نسقط .(5)
بكاءه إذا قرأ القرآن أو سمعه :
عن القاسم بن أبي بزة قال : حدثني من سمع ابن عمر رضي الله عنهما قرأ { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } حتى بلغ { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } قال : فبكى حتى خرَّ وامتنع عن قراءة ما بعده .
وعن نافع قال : ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى : { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } .
ثم يقول : إن هذا الإحصاء شديد .
وعن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } بكى حتى يغلبه البكاء .(6)
__________
(1) 1674) سورة القصص الآية ( 17 ) .
(2) 1675 ) حلية الأولياء ( 1/ 304 ) .
(3) 1676) السارية : الأسطوانة .
(4) 1677) الطبقات لابن سعد ( 4/ 403 ) .
(5) 1678) حلية الأولياء ( 1/ 312 ) .
(6) 1679 ) حلية الأولياء ( 1/ 305 ) .(1/20)
وعن يوسف بن ماهك قال : انطلقت مع ابن عمر إلى عبيد بن عمير - رضي الله عنه - وهو يقص على أصحابه فنظرت إلى ابن عمر فإذا عيناه تُهرقان .(1)
وعن عبيد بن عمير أنه قرأ : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ } حتى ختم الآية فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، قال عبد الله : فحدثني الذي كان إلى جنب ابن عمر قال : لقد أردت أن أقوم إلى عبيد بن عمير فأقول له : قصر عليك ، فإنك قد آذيت هذا الشيخ .(2)
بكاء ابن عمر حين سمع حديثاً يحثُ على الذكر :
عن معاذ بن عبد الله بن رافعٍ قال : كنت في مجلس فيه عبد الله بن عمر وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن أبي عميرة رضي الله عنهم فقال ابن أبي عميرة : سمعت معاذ بن جبل يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " كلمتان إحداهما ليس لها ناهية دون العرش ، والأخرى تملأ ما بين السماء والأرض : لا إله إلا الله ، والله أكبر " فقال ابن عمر لابن أبي عميرة : أنت سمعته يقول ذلك ؟
قال: نعم. فبكى عبد الله بن عمر حتى اختضبت لحيته بدموعه .
وقال : هما كلمتان نعلقهما (3) ونألفهما .(4)
دعوات ابن عمر رضي الله عنهما :
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يدعو على الصفا : اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك .
اللهم جنبني حدودك . اللهم اجعلني ممن يحبك ، ويحب ملائكتك ويحب رسلك ، ويحب عبادك الصالحين .
اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين . اللهم يسرني لليسرى ، وجنبني العُسرى ، واغفر لي في الآخرة والأولى ، واجعلني من أئمة المتقين .
__________
(1) 1680) نفس المصدر ( 1/ 305 ) .
(2) 1681 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ ) .
(3) 1682) نعلمهما : أي نحبهما ونلزمهما .
(4) 1683 ) الترغيب والترهيب صـ314 .(1/21)
اللهم إنك قلت :{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } وإنك لا تخلف الميعاد. اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى تقبضني وأنا عليه .
كان يدعو بهذا الدعاء مع دعاءٍ له طويل على الصفا والمروة وبعرفات وبجمعٍ وبين الجمرتين وفي الطواف .(1)
وعن عبد الله بن سبرة قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أصبح قال : اللهم اجعلني من أعظم عبادك عندك نصيباً في كل خير تقسمه الغداة ، ونوراً تهدي به ، ورحمةً تنشرها ، ورزقاً تبسطه ، وضراً تكشفه ، وبلاءً ترفعه ، وفتنةً تصرفها .(2)
رفع اليدين في الدعاء :
عن أبي نعيم وهب قال : رأيت ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم يدعوان يديران بالراحتين على الوجه .(3)
رغبته في الجهاد :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : عرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فاستصغرني فلم يقبلني ، فما أتت علي ليلة قط مثلها من السهر والحزن والبكاء إذ لم يقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من العام المقبل عرضت عليه فقبلني ، فحمدت الله على ذلك قال رجل : يا أبا عبد الرحمن توليتم يوم التقى الجمعان (4) قال : نعم فعفا الله عنا جميعاً فله الحمد كثيراً . (5)
عن مجاهد قال : خرجت إلى الغزو فشيعنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، فلما أراد فراقنا قال : إنه ليس معي ما أعطيكماه ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله إذا استودع شيئاً حفظه وأنا استودع الله دينكما وأمانتكما وخواتيم أعمالكما . (6)
قول ابن عمر رضي الله عنهما في أن الناس في الغزو جزءان :
__________
(1) 1684 ) حلية الأولياء ( 1/ 308 ) .
(2) 1685 ) نفس المصدر ( 1/ 304 ) .
(3) 1686 ) رواه البخاري في الأدب المفرد (609) .
(4) 1687) يوم التقى الجمعان : يوم أحد .
(5) 1688) حياة الصحابة ص229 ، وأصله عند البخاري (2664) .
(6) 1689) حياة الصحابة ص300 .(1/22)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الناس في الغزو جزءان : فجزء خرجوا يكثرون ذكر الله والتذكير به ، ويجتنبون الفساد في السير ويواسون الصاحب وينفقون كرائم أموالهم فهم أشد اغتباطاً بما أنفقوا من أموالهم فهم بما استفادوا من دنياهم ، فإذا كانوا في مواطن القتال استحيوا من الله في تلك المواطن أن يطلع على ريبة في قلوبهم أو خذلان للمسلمين ، فإذا قدروا على الغلول طهروا منه قلوبهم وأعمالهم فلم يستطع الشيطان أن يفتنهم ولا يكلم قلوبهم ، فبهم يعز الله دينه ويكبت عدوه .
وأما الجزء الآخر : فخرجوا فلم يكثروا ذكر الله ولا التذكير به ، ولم يجتنبوا الفساد ولم ينفقوا أموالهم إلا وهم كارهون وما أنفقوا من أموالهم رأوه مغرماً وحدثهم به الشيطان فإذا كانوا عند مواطن القتال كانوا مع الآخر الآخر ، والخاذل الخاذل واعتصموا برؤوس الجبال ينظرون ما يضع الناس ، فإذا فتح الله كانوا أشدهم تخاطباً بالكذب ، فإذا قدروا على الغلول اجترؤوا فيه على الله وحدثهم الشيطان أنها غنيمة وإن أصابهم رخاء بطروا وإن أصابهم حبس فتنهم الشيطان بالعرض فليس لهم من أجر المؤمنين شيء غير أن أجسادهم مع أجسامهم وسيرهم مع سيرهم ونياتهم وأعمالهم شتى حتى يجمعهم الله يوم القيامة ثم يفرق بينهم . (1)
مواعظ ابن عمر رضي الله عنهما :
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : لا يصيب عبد شيئاً من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله عز وجل وإن كان عليه كريماً (2)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعد الناس حمقى في دينه . (3)
عن مجاهد قال : كنت أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما فمر على خربة فقال : قل : ياخربةُ ما فعل أهلك ؟
فقلت : ياخربة ما فعل أهلك ؟
فقال ابن عمر : ذهبوا وبقيت أعمالهم .(4)
__________
(1) 1690) كنز العمال ( 1/429) .
(2) 1691) حلية الأولياء ( 1/306) .
(3) 1692) نفس المصدر السابق (1/306) .
(4) 1693) نفس المصدر السابق ( 1/312) .(1/23)
قوله رضي الله عنهما في حفظ اللسان :
عن ابن عمر قال : أحق ما طهر العبدُ لسانه . (1)
قوله رضي الله عنهما في العزلة :
عن ابن عمر قال : خذوا بحظكم من العزلة . (2)
قوله رضي الله عنهما إذا دخل على مريض :
عن نافع - رضي الله عنه - قال : كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل على مريض يسأله كيف هو ؟ فإذا قام من عنده قال : خار(3) الله لك ، ولم يزده عليه . (4)
قوله لرجل يتغنى في أذانه :
عن يحيى البكاء قال : قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما إني لأحبك في الله ، فقال ابن عمر : لكني أبغضك في الله قال : ولم ؟ قال : إنك تتغنى في أذانك وتأخذ عليه أجراً . (5)
قول ابن عمر لابنه حين استكساه إزاراً :
عن ميمون أن رجلاً من بني عبدا لله بن عمر رضي الله عنهما استكساه إزاراً وقال : قد تخرق إزاري .
فقال له: اقطع إزارك ثم اكتسه فكره الفتى ذلك ، فقال له عبد الله بن عمر : ويحك اتق الله لا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله تعالى في بطونهم وعلى ظهورهم . (6)
التسليم على المسلم وقصة ابن عمر مع الطفيل :
عن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيغدو معه إلى السوق ، قال : فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقاط ، ولا صاحب بيعةٍ ، ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه ، قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعي إلى السوق ، فقلت: ما تضع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ، ولا تجلس في مجالس السوق قال : وأقول أجلس بنا ههنا نتحدث .
__________
(1) 1694) حلية الأولياء ( 1/307 ) .
(2) 1695) الطبقات الكبرى ( 4/399 ) .
(3) 1696) خار : أي اختار .
(4) 1697) رواه البخاري في الأدب المفرد ( 527)
(5) 1698) رواه الطبراني في الكبير ( 12/13059) .
(6) 1699) حلية الأولياء ( 1/301)(1/24)
فقال لي عبد الله : يا أبا بطن – وكان الطفيل ذا بطن – إنما نغدو من أجل السلام فسلم على من لقيت . (1)
وعن عبد الله بن عطاء إن ابن عمر كان لا يمر على أحد إلا سلم عليه ، فمر بزنجي فسلم عليه فلم يرد عليه فقالوا : يا أبا عبد الرحمن إنه زنجي طمطماني قال وما طمطماني ؟
قالوا : أخرج من السفن الآن ، قال إني أخرج من بيتي ما أخرج إلا لأسلم أو ليسلم علي . (2)
مقاطعة ابن عمر لصديق له تكلم في القدر :
كان لابن عمر رضي الله عنهما صديق من أهل الشام يكاتبه ، فكتب إليه عبد الله بن عمر : أنه بلغني انك تكلمت في شيء من القدر فإياك أن تكتب إلي ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر " . (3)
صداق ابن عمر رضي الله عنهما حين تزوج :
عن نافع قال : تزوج ابن عمر رضي الله عنهما صفية رضي الله عنها على أربع مئة درهم ، فأرسلت إليه أن هذا لا يكفينا ، فزادها مائتين سراً من عمر .(4)
عمل ابن عمر في تشميت العاطس :
عن مكحول الأزدي قال : كنت إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما ، فعطس رجل من ناحية المسجد ، فقال ابن عمر : يرحمك الله إن كنت حمدت الله .(5)
وعن نافع - رضي الله عنه - : أن ابن عمر رضي الله عنهما ، كان إذا عطس فقيل له : يرحمك الله .
قال : يرحمنا الله وإياكم وغفر لنا ولكم .(6)
المدح عند ابن عمر رضي الله عنهما :
__________
(1) 1700) حلية الأولياء ( 1/310 ) .
(2) 1701) الطبقات الكبرى ( 4/397 ) .
(3) 1702) رواه أحمد في مسنده ( 2/90 ) .
(4) 1703) كنز العمال ( 2/1738)
(5) 1704) كنز العمال ( 2/1738 ) .
(6) 1705) رواه البخاري في الأدب المفرد ( 936 ) .(1/25)
عن عطاء بن أبي رباح أن رجلاً كان يمدح رجلاً عند ابن عمر رضي الله عنهما ، فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيه ، وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " .(1)
وفي رواية أخرى عند احمد والطبراني : عن عطاء بن أبي رباح قال : كان رجل يمدح ابن عمر رضي الله عنهما يقول هكذا : يحثو في وجهه التراب ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " (2)
وعن نافع ، وغيره أن رجلاً قال لابن عمر رضي الله عنهما : يا خير الناس – أو : يا ابن خير الناس – قال ابن عمر : ما أنا بخير الناس ، ولا ابن خير الناس ، ولكني عبد من عباد الله أرجو الله تعالى وأخافه ، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه .(3)
وعن طارق بن شهابٍ قال : قال عبد الله : إن الرجل ليخرج ومعه دينهُ فيرجع وما معه شيء منه ، يأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضراً ولا نفعاً فيقسم له بالله : لأنت وأنت ! فيرجع ما حل من حاجته بشيء وقد أسخط الله عليه .(4)
السكوت عن قول الحق عند الأمراء وقول ابن عمر رضي الله عنهما :
عن عروة قال : أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ، إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بالكلام نحن نعلم أن الحق غيره فصدقهم ، ويقضون بالجور فنقويهم ونحسنه لهم ، فكيف ترى في ذلك ، فقال : يا ابن أخي ، كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نعد هذا نفاقاً فلا أدري كيف هو عندكم ؟ .(5)
__________
(1) 1706) رواه البخاري في الأدب المفرد ( 933 ) .
(2) 1707) أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( 340 ) .
(3) 1708) حلية الأولياء ( 1/ 307 ) .
(4) 1709) رواه الطبراني في المعجم الكبير ( 9/ 8562 ) .
(5) 1710) أخرجه البيهقي ( 8/ 165 ) .(1/26)
وعن عاصم بن محمد عن أبيه : قال رجل لأبن عمر رضي الله عنهما : إنا ندخل على سلطاننا فنقول ما نتكلم بخلافه إذ أخرجنا من عندهم . قال : كنا نعد هذا نفاقاً .(1)
عن الشعبي قال : قلنا لابن عمر رضي الله عنهما : إذا دخلنا على هؤلاء نقول ما يشتهون ، فإذا خرجنا من عندهم قلنا خلاف ذاك .
قال : كنا نعد ذلك نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .(2)
قصة عبد الله بن عمر مع عمرو بن العاص رضي الله عنهما في رده للمال :
عن ميمون قال : دس معاوية عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو يريد أن يعلم ما في نفس ابن عمر رضي الله عنهما ، يريد القتال أم لا ؟
فقال : يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك ، وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن أمير المؤمنين وأنت أحق الناس بهذا الأمر ؟
قال : وقد اجتمع الناس كلهم على ما تقول ؟
قال : نعم إلا نفير يسير ، قال : لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهجر لم يكن لي فيها حاجة ، قال : فعلم أنه لا يريد القتال .
قال : هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه ويكتب لك من الأرضين ومن الأموال ما لا يحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده ؟
فقال : أف لك ! اخرج من عندي ثم لا تدخل عليَّ ! ويحك ! إن ديني ليس بديناركم ولا دراهمكم ، وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية .(3)
وعن ميمون بن مهران أن ابن عمر رضي الله عنهما كاتب غلاماً له ونجمها عليه نجوماً ، فلما حل أول النجم أتاه المكاتب به ، فسأله : من أين أصبت هذا ؟
قال : كنت أعمل وأسأل .
قال ابن عمر : أفجئتني بأوساخ الناس تريد أن تطعمينها ؟
أنت حر لوجه الله ، ولك ما جئت به .(4)
هدي ابن عمر في الطعام والشراب :
__________
(1) 1711) أخرجه البخاري ( 7178 ) .
(2) 1712) حلية الأولياء ( 4/ 332 ) .
(3) 1713) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ 398 ) .
(4) 1714) حلية الأولياء ( 1/ 301 ) .(1/27)
عن مالك بن أنس قال : حدثت أن ابن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة ، فقال ابن عامر بن كريز لخبازه : اذهب بطعامك إلى ابن عمر ، فجاء بصفحةٍ فقال ابن عمر : ضعها ، ثم جاء بأخرى وأراد أن يرفع الأولى فقال ابن عمر : مالك ؟
قال : أريد أن أرفعها ، قال : دعها ، صب عليها هذه .
قال : فكان كلما جاءه بصفحةٍ صبها على الأخرى ، قال : فذهب العبد إلى ابن عامر فقال : هذا جاف أعرابي .
فقال له ابن عامر : هذا سيدك ، هذا ابن عمر .!!(1)
هدي ابن عمر في اللباس :
عن قرعة قال : رأيت على ابن عمر رضي الله عنهما ثياباً خشنة – أو خشبة (2)- فقلت له : يا أبا عبد الرحمن إني أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك ، فإن عليك ثياباً خشنة – أو خشبة – فقال : أرنيه حتى أنظر إليه.
قال : فلمسه بيده وقال : أحرير هذا ؟
قلت : لا ، إنه من قطن .
قال : إني أخاف أن ألبسه ، أخاف أن أكون مختالاً فخوراً والله لا يحب كل مختالٍ فخور .(3)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يتزر إلى أنصاف ساقيه .
عن وقدان قال : سمعت ابن عمر وسأله رجل : ما ألبس من الثياب ؟
قال : ما لا يزدريك فيه السفهاء ، ولا يعتبك به الحلماء .
قال : ما هو ؟
قال : ما بين الخمسة إلى العشرين درهماً .(4)
اشتراط ابن عمر لمن يصاحبه في السفر :
عن أبي ريحانة قال : كان ابن عمر يشترط على من صحبه في السفر الفطر والأذان والذبيحة ، يعني الجزرة يشتريها للقوم .(5)
ما يفعله ابن عمر حين يقدم من سفر :
__________
(1) 1715) حلية الأولياء ( 1/ 301 ) .
(2) 1716) خشبة : صلبة .
(3) 1717) حلية الأولياء ( 1/ 302 ) .
(4) 1718 ) نفس المصدر السابق ( 1/ 302 ) .
(5) 1719 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ 392 ) .(1/28)
عن نافع قال : كان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأبي بكر وعمر فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه .(1)
عن نافع قال : كان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد ثم أتى القبر فسلم عليه .(2)
احتساب ابن عمر إبلاً له وراعيها وزواجه من أجل الثواب :
عن ميمون بن مهران قال : مرَّ أصحاب نجدة الجروري على إبلٍ لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما فاستاقوها ، فجاء راعيها فقال : يا أبا عبد الرحمن احتسب الإبل .
قال : ومالها ؟
قال : مرّ بها أصحاب نجدة فذهبوا بها.
قال : كيف ذهبوا بالإبل وتركوك ؟
قال : قد كانوا ذهبوا بي معها ولكنني انفلت منهم .
قال : ما حملك على أن تركتهم وجئتني ؟
قال : أنت أحب إليّ منهم .
قال : الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم ؟
قال : الله الذي لا إله إلا هو لأنا أحب إليك منهم ؟
قال : فخلف له .
قال : فإني أحتسبك معها ، فأعتقه ، فمكث ما مكث ثم أتاه آتٍ
فقال : هل لك في ناقتك الفلانية ؟ - سماها باسمها – هاهي ذي تباع في السوق .
قال : أرني ردائي ، فلما وضعه على منكبيه وقام جلس فوضع رداءه ، ثم قال : لقد كنت احتسبتها فلم أطلبها ؟!(3)
وعن عمرو بن دينار - رضي الله عنه - قال : أراد ابن عمر رضي الله عنهما ألا يتزوج ، فقالت حفصة رضي الله عنها :تزوج فإن ماتوا أجرت فيهم وإن بقوا دعوا الله لك .(4)
إنفاق ابن عمر رضي الله عنهما :
عن أفلح بن كثير قال :كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يرد سائلاً ، حتى إن المجذوم ليأكل معه في صحنه ، وإن أصابعه لتقطر دماً .(5)
__________
(1) 1720 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ 396 ) .
(2) 1721 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ 397 ) .
(3) 1722 ) حلية الأولياء ( 1/ 300 ) .
(4) 1723 ) الطبقات الكبرى ( 4/ 398 ) .
(5) 1724) حلية الأولياء ( 1/ 300 ) .(1/29)
وعن نافع قال :باع ابن عمر رضي الله عنهما أرضاً له بمئتي ناقةٍ ،فحمل على مئةٍ منها سبيل الله ،واشترط على أصحابها أن لا يبيعوا حتى يجاوزوا بها وادي القرى.(1)
مناولته للمسكين :
عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يجمع أهل بيته على جفنه كل ليلةٍ ،قال : فربما سمع بنداء مسكين ،فيقوم إليه بنصيبه من اللحم والخبز ،فإلى أن يدفعه إليه ويرجع قد فرغوا مما في الجفنة ‘ فإن كنت أدركت فيها شيئاً فقد أدرك فيها ، ثم يصبح صائماً .(2)
عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كانت له جارية ، فلما أشتد عجبه بها أعتقها ، وزوجها مولى له ، فولدت غلاماً .
قال نافع : فلقد رأيت عبد الله بن عمر يأخذ ذلك الصبي فيقبله ثم يقول : واهاً لريح فلانة !! يعني الجارية التي اعتق .(3)
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : حضرتني هذه الآية : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } .
فذكرت ما أعطاني الله - عز وجل - فلم أجد شيئاً أحب إليَّ من مرجانه – جارية لي رومية – فقلت : هي حرة لوجه الله ، فلو أني أعود في شيءٍ جعلته لله لنكحتُها .(4)
وعن نافع قال : كان ابن عمر – رضي الله عنهما – إذا اشتد عجبه بشيءٍ من ماله قربه لربه عز وجل .
قال نافع : وكان رقيقهُ قد عرفوا ذلك منه ، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد ، فإذا رآه ابن عمر رضي الله عنهما على تلك الحالة الحسنة أعتقه . فيقول له أصحابه : يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا أن يخدعوك ، فيقول ابن عمر : فمن خدعنا بالله عز وجل انخدعنا له .
__________
(1) 1725) نفس المصدر السابق ( 1/ 296 ) .
(2) 1726) الطبقات الكبرى ( 4/ 393 ) .
(3) 1727) الطبقات الكبرى لابن سعد ( 4/ 398 ) .
(4) 1728) حياة الصحابة صـ377 .(1/30)
قال نافع : فلقد رأيتنا ذات عشيةٍ وراح ابن عمر على نجيبٍ له قد أخذه بمالٍ عظيم ، فلما أعجبه سيره أناخه مكانه ثم نزل عنه . فقال : يا نافع انزعوا زمامه ورجله وجللوه وأشعروه وأدخلوه في البدن .(1)
وفي رواية أخرى ، عن نافع قال : بينا هو يسير على ناقته – يعني ابن عمر – إذ أعجبته فقال : إخ إخ ، فأناخها ثم قال : يا نافع ، حط عنها الرحل ، فكنت أرى أنه لشيءٍ يريده أو لشيءٍ رابه منها ، فحططت الرحل ، فقال لي : انظر هل ترى عليها مثل رأسها فقلت : أنشدك إنك إن شئت بعتها واشتريت بثمنها .
قال : فجللها وقلدها وجعلها في بدنه ، وما أعجبه من ماله شيء قط إلا قدمه .(2)
وعن نافع عن ابن عمر : أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عز وجل ، قال : وكان ربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفاً – قال : وأعطاه ابن عامر مرتين ثلاثين ألفاً ، فقال : يا نافع إني أخاف أن تفتنني دراهم ابن عامر ، أذهب فأنت حر . وكان لابد من اللحم شهراً إلا مسافراً أو في رمضان ، قال : وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مُزعة لحمٍ .(3)
وعن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نزل الجحفة وهو شاكٍ ، فقال : إني لأشتهي حيتاناً ، فالتمسوا له فلم يجدوا إلا حوتاً واحداً ، فأخذته امرأته صفيةُ بنت أبي عبيد فصنعته ثم قربته إليه فأتى مسكين حين وقف عليه فقال له ابن عمر : خذه .
فقال أهله : سبحان الله قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه . فقال : إن عبد الله يحبه .(4)
وفي رواية أخرى ، وفيه قالت امرأته : نعطيه درهماً فهو انفع له من هذا ، واقضِ أنت شهوتك منه .
فقال : شهوتي ما أُريد .(5)
إطعامه رضي الله عنه :
__________
(1) 1729) حلية الأولياء ( 1/ 294 ) .
(2) 1730) حلية الأولياء ( 1/ 295 ) .
(3) 1731) نفس المصدر ( 1/ 295 ) .
(4) 1732) نفس المصدر السابق ( 1/ 297 ) .
(5) 1733) الطبقات الكبرى ( 4/ 397 ) .(1/31)
عن محمد بن قيس قال : كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يأكل إلا مع المساكين حتى أضر ذلك بجسمه ، فصنعت له امرأته شيئاً من التمر ، فكان إذا أكل سقته .
وعن بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر كان لا يأكل طعاماً إلا على خوانه يتيم .(1)
وعن الحسن أن ابن عمر كان إذا تغدى أو تعشى دعا من حوله من اليتامى ، فتغدى ذات يوم فأرسل إلى يتيم فلم يجده ، وكانت له سويقة محلاة يشربها بعد غدائه ، فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء وبيده السويقة يشربها فناولها إياه وقال : خذها فما أراك غبنت .(2)
وعن ميمون بن مهران أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه فقيل لها : أما بلطفين بهذا الشيخ ؟! فقالت : فما أصنع به ؟!
لا نصنع له طعاماً إلا دعا عليه من يأكله ، فأرسلت إلى قومٍ من المساكين كانوا يجلسون بطريقهِ إذا خرج من المسجد فأطعمتهم وقالت لهم : لا تجلسوا بطريقه ، ثم جاء إلى بيته .
فقال : أرسلوا إلى فلان وإلى فلان ، وكانت امرأته أرسلت إليهم بطعام وقالت : إن دعاكم فلا تأتوه ، فقال ابن عمر : أردتم أن لا أتعشى الليلة ، فلم يتعشى تلك الليلة .(3)
وعن معن قال : كان ابن عمر إذا صنع طعاماً فمرَّ به رجل له هيئة لم يدعه ودعاه بنوه أو بنو أخيه ، وإذا مرَّ إنسان مسكين دعاه ولم يدعوه . وقال : يدعون من لا يشتهيه ويدعون من يشتهيه .!! (4)
خضوع الأسد لابن عمر رضي الله عنهما :
عن وهب بن أبان القرشي عن ابن عمر أنه خرج في سفر فبينا هو يسير إذا قوم وقوف ، فقال : ما بال هؤلاء ؟
قالوا : أسد على الطريق قد أخافهم فنزل عن دابته ثم مشى إليه حتى أخذ بأذنه ففركها ثم نفذ قفاه ونجاه عن الطريق ثم قال :
__________
(1) 1734) حلية الأولياء ( 1/ 298 ) .
(2) 1735) حلية الأولياء ( 1/ 298 ) .
(3) 1736) حلية الأولياء ( 1/ 298 ) .
(4) 1737) الطبقات الكبرى ( 4/ 402 ) .(1/32)
ما كذب عليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنما يسلط على ابن آدم ، ولو أن ابن آدم لم يخف إلا الله لم يسلط عليه غيره ، وإنما وكل ابن آدم لمن رجا ابن آدم ، ولو أن ابن آدم لم يرج إلا الله لم يكله إلى غيره .(1)
ما وقع بينه وبين الحجاج :
خطب الحجاج على المنبر فقال : إن ابن الزبير حرّف كتاب الله.
فقال له ابن عمر : كذبت ، كذبت ، كذبت . ما يستطيع ذلك ولا أنت معه .
فقال له الحجاج : اسكت فإنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، يوشك شيخ أن يؤخذ فتضرب عنقه فيجر قد انتفخت خصيتاه يطوف به صبيان أهل البقيع .(2)
عن عطية العوفي قال : سألت مولى لعبد الله بن عمر عن موت عبد الله بن عمر قال ، فقال : أصابه رجل من أهل الشام بُزجه في رجله قال : فأتاه الحجاج يعوده فقال : لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه ، فقال عبد الله : أنت الذي أصبتني ، قال: كيف ؟ قال : يوم أدخلت حرم الله السلاح .(3)
عن سعيد بن جبير قال : لما أصاب ابن عمر الخبلُ الذي أصابه بمكة فرمي حتى أصاب الأرض فخاف أن يمنعه الألم فقال : يا ابن أم الدهماء اقضِ بي المناسك ، فلما اشتد وجعه بلغ الحجاج فأتاه يعوده فجعل يقول : لو أعلم من أصابك لفعلت وفعلت ، فلما أكثر عليه قال : أنت أصبتني ، حملت السلاح في يوم لا يحمل فيه السلاح ، فلما خرج الحجاج ، قال ابن عمر : ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث : ظمءِ الهواجر ، ومكابدة الليل ، وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا .(4)
وفي رواية أخرى :
دخل الحجاج يعود ابن عمر وعنده سعيد ، يعني سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، وقد أصاب رجله ، قال : كيف تجدك يا أبا عبد الرحمن ؟
أما إنا لو نعلم من أصابك عاقبناه ، فهل تدري من أصابك ؟
__________
(1) 1738) كنز العمال ( 2/ 1394 ) .
(2) 1739) الطبقات الكبرى ( 4/ 413 ) .
(3) 1740) الطبقات الكبرى ( 4/ 413 ) .
(4) 1741 ) نفس المصدر ( 4/ 413 ) .(1/33)
قال : أصابني من أمر بحمل السلاح في الحرم لا يحل فيه حمله .(1)
حين حضرته الوفاة :
فلما حضرت ابن عمر الوفاة أوصى أن لا يدفن في الحرم وأن يدفن خارجاً من الحرم ، فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج .
وكان رضي الله عنهما قد قال لابنه سالم عند الموت : يا بني إن أنا مت فادفني خارجاً من الحرم فإني أكره أن أُدفن فيه بعد أن خرجت منه مهاجراً .
فقال سالم : يا أبت إن قدرنا على ذلك .
فقال : تسمعني أقول لك وتقول إن قدرنا على ذلك ؟
قال : أقول الحجاج يغلبنا فيصلي عليك ، فسكت ابن عمر .
عن سالم بن عبد الله : أوصاني أبي أن ادفنه خارجاً من الحرم فلم نقدر فدفناه في الحرم بفخ في مقبرة المهاجرين .
مات ابن عمر رضي الله عنهما بمكة سنة أربع وسبعين .
ثناء الناس على ابن عمر رضي الله عنهما :-
قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر .
وعن حذيفة ، قال : ما منا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه .
وعن جابر : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر .
وعن عائشة : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر .
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه .
وقال أبو إسحاق السبيعي : كنا نأتي ابن أبي ليلى ، وكانوا يجتمعون إليه ، فجاءه أبو سلمة بن عبد الرحمن ، فقال : أعمر كان أفضل عندكم أم أبنه ؟
قالوا : بل عمر .
فقال : إن عمر كان في زمان له فيه نُظراء ، وإن ابن عمر بقي في زمانٍ ليس له فيه نظير .
وقال ابن المسيب : لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة لشهدت لأبن عمر .
وقال قتادة : سمعت ابن المسيب يقول : كان ابن عمر يوم مات خير من بقي .
وعن طاوس : ما رأيت أورع من ابن عمر .
وعن ابن الحنيفية : كان ابن عمر خير هذه الأمة .
__________
(1) 1742) نفس المصدر ( 4/ 413 ) .(1/34)
وعن مالك ، عمن حدثه ، أن ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وآثاره وحاله ، ويهتم به ، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك .
وعن نافع ، قال : لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لقلت : هذا مجنون .
وقال رجل : اللهم ابقِ عبد الله بن عمر ما أبقيتني أقتدي به ، فإني لا أعلم أحداً على الأمر الأول غيره .
وعن سعيد بن المسيب قال : كان أشبه ولد عمر بعمر عبد الله ، وأشبه ولد عبد الله بعبد الله سالم .
عن مجاهد قال : ترك الناس أن يقتدوا بابن عمر وهو شاب فلما كبر اقتدوا به .(1)
ختامة الكتاب
هذا ما تيسر بتوفيق من الله تعالى وتم الفراغ من كتاب الجامع في أخبار الصحابة , يوم الجمعة المباركة الخامس عشر من شعبان من عام ألف وأربعمائة وسبع وعشرون من الهجرة النبوية نفع الله به المسلمين في كل مكان والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه وسلم تسليماً
المعتصم بالله
أبو الحسن تركي بن الحسن بن محمد
بن خضير الدهماني الشهري
__________
(1) 1743) سير أعلام النبلاء ( 4/ 346 ) . والطبقات الكبرى ( 4/ 389 ) .(1/35)