حوار مع أهل التكفير
قبل التفجير
بقلم
أبي عبد الله ماهر بن ظافر القحطاني
كأني بأهل التفجير الأخير إذا التقيت بهم أسألهم عن سبب تكفيرهم ثم تفجيرهم الأثيم وقتلهم للمعاهدين وإخوانهم من المسلمين الذين قالوا لاإله إلا الله وكانوا بها مؤمنين وقتل أنفسهم بعملية إنتحارية بين تحريمها فقيه الزمان ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين ولكنهم بأحكام الجهاد جاهلين يوردون هذه الأدلة يحسبونها كذلك وإنما هي شبه تقربوا بها لرب العالمين ولا يعلمون أنهم في دين الله من المبتدعين فاستمع إلى شبههم التي نشروها بين العباد والرد عليها لتكون من الحذرين وماكان لي وما ينبغي نشر شبههم والرد عليها إلا لما قام المقتضي من نشرهم لها بين العامة والخاصة يرددونها يريدون إفساد الرعية على الراعي وخلق الفتن عليه وما كان لهم من سبيل في السيطرة على عقول الشبيبة إلا بعد الطعن في علماء السنة وتوقير علماء البدعة فإليك إليك واحذر ثم احذر فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل خير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
شبه القوم الغالين
الأولى – من قال لكم أن هؤلاء معاهدين ألم يقتلوا المسلمين في الأفغان و العراق وينصروا اليهود على الفلسطينين هل بقي أن نردد أنهم من المعاهدين فأي عهد تتكلمون عنه فقد نقضوا العهد ولا كرامة بل ليس لنا معهم إلا القتل والإهانة0
الثانية – وبالنسبة للمسلمين الذين قتلوا فقد كان الكفار بهم متترسين فلا بأس من قتلهم أجمعين كما أفتى بذلك شيخ الإسلام والمسلمين فلم نقتل المسلمين لذاتهم فنصبح آثمين بل فعلنا ذلك بغية قتل الكافرين 0
الثالثة – النكاية بالعدو لردعهم وتخويفهم جهاد فكذبتم علينا وقلتم فساد0ألم يغتل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشر ففعلنا إصلاح أم إفساد0(1/1)
الرابعة – قد أمرنا بطاعة الأمير بلسان سيد المرسلين وقد جاءتنا توجيهات المجاهد الأمين أسامة بن لادن أو الظواهري ذراعه اليمين أو من على طريقتهما فكنا لها مطيعين بفعلٍ فيه نصر للإسلام والمسلمين على الكفارالظالمين فنأخذ بثأر إخواننا الذين كانوا ظلما وعدونا بأيديهم من المقتولين 0
الخامسة – وأما دول المسلمين فقولنا في حكامهم أنهم كفار بالله رب العالمين وينبغي الهجرة من عندهم كما أفتى بن لادن شيخ المفتين ألم تروا أنهم حكموا غيرَ شرعِ أحكمِ الحاكمين فكانوا به من الكافرين 0
السادسة- وناصروا دول الكفر على إخوانهم المسلمين وأتوا ناقضا جعلهم كافرين وبنعم الله عليهم جاحدين.
السابعة– وأما علماؤكم فإنا عنهم من المنعزلين وأين العلماء فكما قال شيخنا علامة زمانه أيمن الظواهري المصري فابن باز وابن عثيمين أسماء براقة من استمع إليها كان من الجاهلين فأعرضوا عنهم تكونوا سالمين فالسمع والطاعة للمضحين المجاهدين لا لعملاء السلطان المداهنين 0 فأين جهادهم فلا يزالون بين الحواشي الصفراء راقدين وللشباب عن الجهاد مثبطين ألم تكونوا لشعر عائض القرني من المستمعين دع الحواشي الصفراء وكن من الخارجين.
الثامنة : هل يجوز إدخال النصارى إلى جزيرة العرب ؟؟ وقد أدخلوهم وعصواْالرسول الأمين الله صلى الله عليه وسلم 0 فكانوا عن أمره معرضين وبوجودهم في جزيرة العرب قانعين0
فأقول في الرد على هؤلاء الجاهلين المعتدين مستعينا برب العالمين بلا إسهاب ممل ولا اختصار مخل وعجلت إليك ربي لترضى فأكن من الناجين المنصورين .
أولا قولكم :
من قال لكم أن هؤلاء معاهدين ألم يقتلوا في العراق والأفغان المسلمين وينصروا اليهود على الفلسطينين هل بقي أن نردد أنهم معاهدين فأي عهد تتكلمون عنه فقد نقضوا العهد ولا كرامة بل ليس لنا معهم إلا القتل والإهانة0
الرد عليه من وجوه :
الأول – أتعرفون من المعاهد ؟ وعظم ذنب قتله ؟(1/2)
قال البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا.
فقتله كبيرة إذن من الكبائر.
قال ابن حجر في الفتح في شرح هذا الحديث " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا ", وَالْمُرَاد بِهِ مَنْ لَهُ عَهْد مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاء كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَة أَوْ هُدْنَة مِنْ سُلْطَان أَوْ أَمَان مِنْ مُسْلِم .
قلت وهؤلاء الذين فجروا فقتلوا كذلك لهم عهد مع السلطان وقد أعطوا إقامة تدل على ذلك العهد فلا يحل والحالة كذلك القتل 0
الثاني : إذا نقضوا عهدهم مع دولة مسلمة أخرى كالأفغان فلا يلزم نقض عهدنا نحن معهم لأن لنا سلطاننا المبايع ولهم سلطانهم وقد تفرق العالم المسلم منذ العهد الأموي بعد اتساع الرقعة إلى دويلات وصار في كل دولة إمام مبايع بلا نكيرفإذا نقض الكفار عهدهم مع دولة فلا يلزم نقض العهد مع دولة أخرى معاهدة لهم وقد قال تعالى (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) فإذا كان بيننا وبينهم ميثاق واعتدوا على بعض المسلمين في بلاد أخرى فلا يلزم نقض عهدهم معنا والنصرة لأن الله تعالى استثنى وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
قال الشوكاني في كتابه السيل الجرار(4- 512 ):(1/3)
وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه فمعلوم أنه قد صار الأمر في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان وفي القطر الاخر أو الأقطار كذلك ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته فلا بأس بتعدد الأئمة والسلا طين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه وكذلك صاحب القطر الآخر فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد تثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب ولاتجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار00000000إلى أن قال : ودع عنك مايقال في مخالفته فإن الفرق بين ماكانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وماهي عليه الان أوضح من شمس النهار ومن أنكر هذا فهو مباهت لايستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لايعقلها0
الثالث – إن أمر إعلان نقض العهد يكون تحت نظر السلطان المسلم الحاكم فلا يفتات عليه احد من الرعية بقوله "نقض العهد ولم ينقضه الحاكم" والإثم في تقصيره في الإعلان عن النقض إذا تم موجبه عليه فلايفتات أحد عليه برأيه.
الرابع- لو نقض الإمام عهدهم وجب تنبيههم لامباغتتهم وقتلهم قال البخاري في صحيحه قَوْله : بَاب كَيْفَ يُنْبَذ إِلَى أَهْل الْعَهْد , وَقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ )
قال ابن حجر في شرح الباب:(1/4)
أَيْ اِطْرَحْ إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ , وَذَلِكَ بِأَنْ يُرْسِل إِلَيْهِمْ مَنْ يُعْلِمهُمْ بِأَنَّ الْعَهْد اِنْتَقَضَ , قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ عَلَى مِثْل, وَقِيلَ عَلَى عَدْل , وَقِيلَ أَعْلِمْهُمْ أَنَّك قَدْ حَارَبْتهمْ حَتَّى يَصِيرُوا مِثْلك فِي الْعِلْم بِذَلِكَ . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : الْمَعْنَى إِذَا عَاهَدْت قَوْمًا فَخَشِيت مِنْهُمْ النَّقْض فَلَا تُوقِع بِهِمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حَتَّى تُعْلِمَهُمْ .
وهؤلاء فجروهم فقتلوهم ولم ينذروهم 0
قولهم في الثانية :
وبالنسبة للمسلمين الذين قتلوا فقد كان الكفار بهم متترسين فلا بأس من قتلهم أجمعين كما أفتى بذلك شيخ الإسلام والمسلمين فلم نقتل المسلمين لذاتهم فنصبح آثمين بل فعلنا ذلك بغية قتل الكافرين.
فالجواب عنه :
هذه ليست صورة صحيحة للمسألة بل صورتها أن يكون ذلك في جهاد منضبط بضوابط الشرع ويكون المسلمون في جيش ثم يتترس الكفارالحربيون بنفر من المسلمين أما قتل المعاهدين الآمنين وهم مدنيون غفلة ولم يواجهوننا في حرب فلا تدخل هذه الصورة أبدا في مسألة التترس0
قولهم في الثالثة :
النكاية بالعدو لردعهم وتخويفهم جهاد فكذبتم علينا وقلتم فساد0ألم يغتل النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف0فأنصفونا فأين الإفساد0
أقول في الجواب عن هذا :
النكاية بالعدو قد أجازها جمع من العلماء ولكن لها شروط وضوابط فمن ذلك ما ذكره بن عبد السلام في القواعد الفقهية قال : شرع الجهاد للنكاية بالعدو فإذا كان العدو قويا مستحكما أو كثيرا وكانت النكاية بالضد فلا يشرع000 أو كما قال إنتهى كلامه بتصرف.
فإن النكاية التي جاءت في حديث أبي أيوب لون ونكاية هؤلاء لون آخر فتلك منضبطة بجيش مضاد فيه قوة وهذه قائمة على منكر من قتل المعاهدين وليسوا في حالة حرب بجيش مواجهة معنا فبأي دليل يسوغ قتلهم 0(1/5)
واغتيال كعب بن الأشرف كان في العهد المدني لما انتفى زمن الضعف وشرع الجهاد وكان عند المسلمين قوة رادعة وكان كعب في حكم الحربي وكان ذلك بإذن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر في الفتح: , وَصَنِيع الْمُصَنِّف فِي الْجِهَاد يُعْطِي أَنَّ كَعْبًا كَانَ , مُحَارِبًا حَيْثُ تَرْجَمَ لِهَذَا الْحَدِيث " الْفَتْك بِأَهْلِ الْحَرْب " وَتَرْجَمَ لَهُ أَيْضًا " الْكَذِب فِي الْحَرْب "
قولهم في الرابعة :
قد أمرنا بطاعة الأمير بلسان سيد المرسلين وقد جاءتنا توجيهات من أمرائنا كأسامة بن لادن أو الظواهري ذراعه اليمين أو من على طريقتهما فكنا لها مطيعين بذلك الفعل الذي فيه نصر للإسلام والمسلمين على الكفارالظالمين فنأخذ بثأر إخواننا الذين كانوا ظلما وعدونا بأيديهم من المقتولين0
الجواب عن هذا :
لايخلو الأمر من أن يقال فيه إما ان يكون هؤلاء الغلاة من أهل هذا البلد فتلزمهم طاعة حاكمها المسلم وبيعته وترك الخروج عليه ولا انفاك عن بيعته وقد بايعه أهل الحل والعقد والناس كأسامة بن لادن وأتباعه من أهل هذه البلاد تبع لهم كما هو معلوم فقاعدة الإستصحاب تجعل لأسامة بيعة في عنقه لحاكم هذه البلاد إلا إذا دل الدليل على النقض وإما أن يكونوا من الخارج فلو سلمنا تنزلا أنه أمير لحرمت طاعته في معصية الله وما فعل من مثلة بتقتيل المعاهدين بالتفجير ومن معهم من المسلمين ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح وأي مفسدة أعظم بعد الشرك والبدع من قتل المسلمين والمعاهدين وتشويه صورة الإسلام والمسلمين فضعفت الدعوة إلى شرع رب العالميين إذ أن أعداء الله صنفونا بعد هذا التفجير أننا من الإرهابيين فاغتاضت قلوب المدعويين من الكافرين فأصبحوا للإسلام وأهله كارهين وعن دعوة التوحيد من المدبرين المعرضين.(1/6)
ولو كان في هذا العمل نصر للإسلام كما زعمتم لفعل ذلك رسول الله وأمر به وحث عليه ولفعله الخلفاء الراشدون والصحابة المهديون من بعده فأين أنه صلى الله عليه وسلم قتل معاهدين أو أمر أصلا بالجهاد وقت الضعف.
قال شيخ الإسلام :(وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وقت الضعف المسالمة مع الأعداء وترك المواجهة )000أو كما قال.
قلت: فهذه السياسة الشرعية التي يجهلها من واجه الكفار وقت الضعف فخالفوا طريقة الرسول حتى ذلوا وطردوا في أطراف الجبال وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال (وكتبت الذلة والصغار لمن خالف أمري)0
قولهم في الخامسة :
وأما دول المسلمين فقولنا في حكامهم أنهم كفار بالله رب العالمين وينبغي الهجرة من عندهم كما ذكر ابن لادن شيخ المفتين ألم تروا أنهم حكموا غيرشرع أحكم الحاكمين فكانوا به من الكافرين 0
الجواب عن هذا أن أحسن أدلتكم المعروفة في تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله الذي أعقبه التفجير هي :
1.قوله تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وهذا نص واضح في تكفير من حكم بغير ماأنزل الله0)
2.وقوله تعالى: (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلمواتسليما0)
3.وما نقلتموه من إجماع عن ابن كثير في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله في البداية والنهاية (13 -128 ) : (وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم السلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد خاتم النبين وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) 0(1/7)
4.وقوله تعالى : (ألم ترإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) 0والوجه أنهم صاروا منافقين لكونهم يريدون التحاكم إلى الطاغوت فقد جعل إيمانهم مزعوما0
5.وقوله تعالى :(وإن أطعتموهم إنكم لمشركون00) وهذا يدل على أن طاعة الأحكام الوضعية شرك.
6.وقوله تعالى:( ولا يشرك في حكمه أحدا )0فيدل على أن تحكيم غير شريعته شرك0
7.وقوله تعالى : (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)0ووجهه فالحكام بغير ما أنزل الله نازعوا الله في أمر خاص به فيسموا مشركين من هذا الوجه0
8.وقوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) 0 فسموا أربابا لأنهم أطاعوهم فيما لم يحكم الله به.
9.سبب نزول رواه الطبراني في الكبير (5-124 ) والواحدي في أسباب النزول والبغوي في معالم التنزيل (2/242) عن ابن عباس قال كان أبو بردة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناس من المسلمين فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون00000) الآية قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال الحافظ في الإصابة إسناده جيد (7-18 ) وقال الشيخ مقبل في ماصح من أسباب النزول شيخ الطبراني ماوجدت له ترجمة لكنه تابعه إبراهيم بن سعيد الجوهري عند الواحدي 0
10.وقوله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فأضاف حكمهم بغير ماأنزل الله إلى الجاهلية فدل على كفر المتحاكم إلى غير ماأنزل الله0
11.قول ابن عباس كفر دون كفر في شرح قوله تعالى ومن لم يحكم بغير ماأنزل الله فأولئك هم الكافرون معناه كفر أكبر دون كفر أكبر ( أحدث هذا القول العلوان )0
12.قولهم إذا حلي الكفر بالألف واللام فيدل على الأكبر0
والجواب عن هذه الشبه كما يلي :
أولا : قولهم :(1/8)
قوله تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وهذا نص واضح صريح في تكفير من حكم بغير ماأنزل الله.
أقول قد روى البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ.
فاستجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سماه عبدالله بن مسعود ترجمان القرآن كما روى ذلك يعقوب بن سفيان قال ابن حجر بسند صحيح عن عبدالله بن مسعود أنه قال نعم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس.
فقد روى في صحيفة علي بن أبي طلحة في التفسير عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الآية إذا جحد الحاكم حكم الله فهو الكافر وإذا لم يجحد فهو فاسق ظالم .
فإن قالوا بن عباس يخطيء ويصيب فحسبنا الآية.
قلنا هوذا مذهب الخوارج الأخذ بظاهر القرآن وترك فهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال "وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة من كان على مثل ماأنا عليه وأصحابي".
ولم يخالف ابن عباس في تأويل هذه الآية أحد فكان إجماعا0
فإن قالوا ذلك ضعيف عن ابن عباس قلنا هذه الصحيفة كان يأخذ البخاري منها في صحيحه.
وزكاها الإمام أحمد فقال :"بمصر صحيفة لابن أبي طلحة في التفسير لو سافر الرجل إليها لما كان كثيرا"0 وكون علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس فلا يضر لأنها وجادة وهي حجة.
والإمام أحمد لايزكي صحيفة مرجعها الضعف.(1/9)
فإن قال قائل ولكنها خالفت مارواه الحاكم بسنده إلى ابن عباس قال :هي كفر قلنا الأصل التوفيق بين كلامي عبدالله بن عباس لاطرح أحدهما فإذا وفقنا خرج لنا أن معنى كلامه الكفر الأصغر لمن حكم بغير ماأنزل الله بقرينة قوله كما عند الطبري "كفر دون كفر" قلت: يعني حتى يجحد وذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لتتفق الآثار وتسلم من التضاد إذ الأصل كما هو مقرر في أصول الفقه الجمع عند تعارض الأدلة لاالترجيح 0كما هو مذهب الجمهور خلافا للأحناف0 قال الله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه 000)الآية وهذا يقتضي تقديم الجمع على الترجيح فإن "ما" من ألفاظ العموم ومعناها كل ماأتاكم الرسول فاقبلوه ولا تطرحوا بعضه وتأخذوا بعضه 0
2-وأما استدلالهم بقوله تعالى : (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما )
فقالوا الأصل في النفي هنا نفي حقيقة الإيمان فدل ذلك على كفر من لم يحكم بما أنزل الرحمن 0
فالجواب عنه:(1/10)
أن يقال نعم الأمر كما ذكرتم أنه لما تسلط النهي على الإيمان دل في الأصل على انتفاء حقيقته ولكن هناك "ثم" قرينة تصر ف هذا الأصل عن ظاهره في هذه الآية وهي مارواه البخاري في صحيحه في سبب نزول الآية وخير ما يفهم به الحكم النظر في سبب نزوله فقال البخاري حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ أَسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
فلم يكفر النبي القائلَ "أمن أجل أنه بن عمتك" ولو وقع في الكفر لبين النبي صلى الله عليه وسلم كفره فإنه لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فأصبح تقد ير الآية فلا وربك لايؤمنون الإيمان الواجب الذي يصبح التارك له من أهل الوعيد لا المجزيء الذي يكفر إذا تركه فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره كما تقدم(1/11)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (7/37) : والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من أسماء الأمور الواجبة كإسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى ومن هذا قوله تعالى: (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) فلما نفى الإيمان حتى توجد هذا الغاية دل على أن هذه الغاية فرض على الناس فمن تركها كان من أهل الوعيد 00
فلم يقل رحمه الله كان كافرا فتنبه ولا تفسر القران بظاهره من غير الرجوع للسنة وآثار سلف الأمة فإن هذه طريقة الخوارج0
3-وأما استدلالهم بمانقله ابن كثير من إجماع في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله فتأمل ماقاله رحمه الله وتجرد للحق فقال في كتابه البداية والنهاية (13 -128 ):
وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم السلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد خاتم النبين وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين 0
فالجواب عن هذا :
ابن كثير تكلم عن كفر من تحاكم إلى الياسق من التتار فهم قدموا التحاكم إليه استحلالا على شرع الله.
فكفر من شابههم في تحليل ماحرم الله وتحريم ماأحل الله ظاهر ومجمع عليه لامن تحاكم إلى غير ماأنزل الله شهوة وهو يعتقد أن حكم الله واجب عليه ولم يجحده فهذا قد نقل القرطبي في المجلد الخامس من التمهيد الإجماع على عدم كفره فإذا تعارض إجماعان فهما كتعارض دليلين لابد من التوفيق بينهما ولا يمكن التوفيق بينهما إلا على نحو ماذكرنا وكيف يكفر ابن كثير الحاكم بغير ماأنزل الله مطلقا.(1/12)
وقد قال ابن عباس في تفسير آية المائدة كفر دون كفر وفي رواية في تفسير بن أبي طلحة إذا جحد الحاكم حكم الله فهو الكافر وإذا لم يجحد فهو فاسق ظالم ولا يعرف له مخالف من الصحابة ولذلك قال ابن كثير في تفسيره (3/131 ): ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ماسواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به اهل التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام إقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولاكثير0
وقال شيخ الإسلام في بيان حال الياسق (28-523) إنهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يرجح دين المسلمين 000
قلت: فكفرهم كان إذن لإستحلالهم اختيار ماشاءوا من الدين سواء كان الإسلام أو اليهودية أو النصرانية ولم يكن تحاكمهم مع اعتقاد أن حكم الله هو الواجب كما يظن من احتج بنقل إجماع ابن كثير.
وهذا الإعتقاد كفر بالإجماع وهو موافق لقول عبدالله بن عباس إذا جحد الحاكم حكم الله فهو الكافر وإذا لم يجحد فهو فاسق ظالم0(1/13)
4- وأما إحتجاجهم بقوله تعالى : ( ألم ترإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) والوجه عندهم أنهم صاروا منافقين لكونهم يريدون التحاكم إلى الطاغوت فقد جعل إيمانهم مزعوما0والقرينة تدل في الآية على أن الزعم أطلق هنا وأريد به التكذيب لما أقروا به من الإيمان0
فالجواب عن هذا :
أن هؤلاء كفار في الباطن أصلا ولادليل راجح على أن الزعم المذكور في الاية حكم عليهم به بسبب تحاكمهم لغير ماأنزل الله فقط لالكفرهم الباطني أصلا وذلك أنهم لما لم يكفروا بالطاغوت أصلا في الباطن صاروا كفارا فإنه من آمن بالطاغوت ولم يكفر به كفر فإذن هم تحاكموا إليه على وجه الإستحلال والرضا بحكمه وتعظيمه ( انظر كلام الطبري 5/96 ) ولذلك لما وقعوا في ذلك أنكر عليهم ربنا بقوله وقد أمروا أن يكفروا به وليس هذا كالحاكم الذي يكفر في الباطن بالطاغوت فلم يستحل الحكم بغير ماأنزل الله بل يعتقد أن حكم الله واجب عليه ولكن يحكم لشهوة فهذا فاسق ظالم كما صح عن ابن عباس ترجمان القرآن وأحسن ما يقال أنه يحتمل إطلاق الزعم على إيمانهم بسبب تحاكمهم إلى غير ماأنزل الله والإحتمال لايثبت به الإستدلال إذ الدليل لابد في أقل أحواله أن يبنى على غلبة الظن 0وخاصة الكفر فإنه لايصار إليه بالإحتمال إذ الأصل بقاء الإيمان0
ولكن لما صارت هذه الصفة من صفات المنافقين وهي التحاكم لغير الله نفر عنها رب العالمين0 والمشابهة بالكفار أو المنافقين في صفة من الصفات لاتوجب الوقوع في الكفر لمن وقع فيها قال شيخ الإسلام بن تيمية في قوله صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم (أي في القدر المشترك) قلت: وذلك لايقتضي الكفر0
5-وأما إحتجاجهم بقوله تعالى:(وإن أطعتموهم إنكم لمشركون00) وهذا يدل على أن طاعة الأحكام الوضعية شرك.(1/14)
سبب نزول هذا الآية مارواه الترمذي عن ابن عباس في قوله ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) يقولون ما ذبح الله فلا تأكلوا وما ذبحتم أنتم فكلوا فأنزل الله عز وجل ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) * قال الألباني ( صحيح ) _ ( وتمام الآية : وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).
فليس المقصود تكفير من لم يحكم بما أنزل الله ولو لم يجحد بأن يستحل ماحرم الله ويحل ماحرم الله ولكن الحكم على من أطاعهم في الشرك الذي أمروا بهم أنه مشرك لأنهم اعترضوا على ماأنزل الله بأهوائهم ولم يؤمنوا به بل نسبوا مااخترعوا من الإعتراض إلى الشرع بعد ماكذبوا بأهواءهم واعترضوا بعقولهم المنحرفة فمن نحى نحوهم وقع فيما وقعوا فيه من استحلال ماحرم الله وتحريم ماأحل الله بالهوى فقد وقع في الشرك وكان ممن اتخذ إلهه هواه فكفر بربه الذي خلقه ثم بنعم ربه وأما الحكم بغير مأنزل الله مع اعتقاد وجوب حكم الله والإعتراف أن الحكم المخالف ليس حكم الله فليس بشرك كما بينه حبر الأمة فيما صح عنه0
6-وأما إستدلالهم بقوله تعالى : (ولا يشرك في حكمه أحدا) ووجه الدلالة هو أن تحكيم غير شريعته سبحانه شرك0
فالجواب عنه:
أن الإشراك في الحكم من حكم بغير ما أنزل الله ثم نسبه إلى الشرع وقال إنه من عند الله إذا قال يسوغني التحليل والتحريم أما إذا لم يعتقد هذا ولم يجحد حكم الله فليس بكافر بل فاسق ظالم كمابينه حبر الأمة فيما صح عنه0
7-وأما قوله تعالى :( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)0ووجهه أن الحكام بغير ما أنزل الله نازعوا الله في أمر خاص به فيسموا مشركين من هذا الوجه0
فالجواب عن هذا:(1/15)
أن المنازع لله في حكمه المشرك هو الذي يجعل هواه ندا لله فيعتقد أنه يستقل بالتحليل والتحريم أو يستبيح لنفسه الحكم بغير ماأنزل الله فمن اعتقد أنه يستقل بالتشريع من دون الله فقد جعل هواه ندا لله ونازع الله في حكمه فأشرك لأن الشرك أن يجعل غير الله ندا لله في الألوهية أوالربوبية أو الصفات وهذا جعل هواه ندا لله في الربوبية إذا اعتقد ذلك أما إذا لم يعتقد وأعتقد أن حكم الله واجب عليه وحكم لشهوة فليس بكافر حتى يجحد كما أفتى حبر الأمة عبدالله بن عباس في الأثر الصحيح عنه.
8- وأما قوله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) 0 فسموا أربابا لأنهم أطاعوهم فيما لم يحكم الله به.
فالجواب عنه واضح بحمدالله:
وهو أنهم استحلوا ماحرم الله وحرموا ماحرم الله فأطاعوهم في ذلك فوجه تسميتهم بالأرباب ووقوعهم في الشرك لأنهم فعلوا ذلك فوقع حاكمهم ومحكومهم في الشرك من أجل ذلك ولكن الحاكم إذا لم يستحل الحكم بغير ما أنزل الله وحكم بغير ماأنزل فهو فاسق ظالم كما فصله الحبر البحر ترجمان القرآن عبدالله بن عباس وصح عنه ذلك0
9-وأما مايستدل به من السنة كما جاء في سبب نزول قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون0000 ) مارواه الطبراني في الكبير (5-124 ) والواحدي في أسباب النزول والبغوي في معالم التنزيل (2/242) عن ابن عباس قال كان أبو بردة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناس من المسلمين فأنزل الله تعالى (ألم تر إلى الذين يزعمون00000) الآية قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح وقال الحافظ في الإصابة إسناده جيد (7-18 ) وقال الشيخ مقبل في ماصح من اسباب النزول شيخ الطبراني ماوجدت له ترجمة لكنه تابعه إبراهيم بن سعيد الجوهري عند الواحدي 0
الجواب : على فرض صحة هذا الأثر لاوجه للدلالة فيه على تكفير الحاكم بغير ماأنزل الله:(1/16)
فقد جاء في الآية قوله تعالى :( ألم ترإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا).
تقدم في الوجه الرابع :
فإن كفرهم ليس بسبب تحاكمهم بغير ما أنزل الله بل لعصيانهم أمر الله بالكفر بالطاغوت فإنه لما أمرهم بالكفر به دل ذلك أنهم كانوا يؤمنون به ومن فعل فقد كفر وأما من حكم بغير ما أنزل الله فإنه إذا كان كافر بهذه الحكومة معتقدا أن الحكم بغير مأنزل الله هو الواجب عليه ولم يجحد حكم الله ولكم إبقاءا على منصبه مثلا فهذا الذي قال فيه ابن عباس وصح عنه كفر دون كفر إذ لم يجحد فهو فاسق ظالم ولم يكفر رضي الله عنه إلا الذي جحد والله المستعان على مايصفون0
10-أما إستدلالهم بقوله تعالى : (( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) فأضاف حكمهم بغير ماأنزل الله إلى الجاهلية فدل على كفر المتحاكم إلى غير ماأنزل الله0
فالجواب عنه :
أنه لادلالة فيه على تكفير المتحاكم إلى غير ما أنزل الله إذا لم يجحد ذلك لأن أحكام الجاهلية ليس كلها كفر.
مثل حكمهم على صحة حكم الكاهن واعتقاد علمه للغيب كفر أكبر وحكمهم على البنات بالوأد فسق فلا يلزم من الآية أن قوله أفحكم الجاهلية يبغون أن كل من حكم بحكمهم بلا استحلال وجحد أنه يكفر فأهل الجاهلية كانوا يحكمون بغير ماأنزل الله فمن فعل مثلهم ظاهرا وباطنا كان مثلهم في الكفر ومن فعل مثلهم ظاهرا وكفر بحكم الطاغوت في الباطن فهو فاسق ظالم 0على مافصل فيه حبر الأمة0
11-وأما قول العلوان في كتابه شرح نواقض الإيمان :
قول ابن عباس كفر دون كفر في شرح قوله تعالى ومن لم يحكم بغير ماأنزل الله فأولئك هم الكافرون معناه كفر أكبر دون كفر أكبر ( أحدث هذا القول العلوان ).
فهو قول باطل ورأي في الدين مبتدَع عاطل.(1/17)
ذلكم أن عبدالله بن عباس الحبر البحر قد فسر بنفسه قوله كفر دون كفر بما رواه علي بن أبي طلحة في صحيفته الذي زكاها أحمد والذي يصححها العلوان كما أخبرني وهي مروية وجادة فهي صحيحة لا يضرها الإنقطاع الذي بين بن عباس وعلي بن أبي طلحة فقد كان البخاري يأخذ منها في صحيحه قال : إذا جحد حكم الله فهو الكافر وإذا لم يجحد فهو فاسق ظالم وخير ما فسر به كلام العالم قوله نفسه فلما ذكرت ذلك للعلوان في بيته بالقصيم قال هذا مخالف لما رواه الحاكم في مستدركه بسنده إلى ابن عباس قال هي كفر فقلت له إذا اختلف قول العالم فهل الأصل الجمع أو الترجيح فبهت وصرف المناقشة التي كانت أمام أتباعه بقوله بيني بينك.
ولقد أحدث في دين الله برأيه إذ أنه ينبغي أن يحمل قوله هي كفر على الأصغر حتى يجحد جمعا بين الأثرين فهو أسلم من طرح أحدهما بلا حجة 0
12-وأما قولهم الكفر إذا حلي بالألف واللام فإنه يدل على الأكبر في قوله تعالى (ومن لم يحكم بغير ماأنزل الله فأولئك هم الكافرون) فخطأ فقد قال ابن عباس من أتى حائضا فهو الكفر ولم يقصد ابن عباس ولاشك الأكبر 0
الشبة السادسة- وناصروا دول الكفر على إخوانهم المسلمين وأتوا ناقضا جعلهم كافرين وبنعم الله عليهم جاحدين فإنه من نواقض الإسلام مولاة الكفار ومناصرتهم ضد المسلمين قال تعالى :( 000ومن يتوله منكم فإنه منهم)0
والرد على هذه الشبهة:(1/18)
الجواب فيما رواه البخاري في صحيحه قال حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى(1/19)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا
فهذا حاطب بن أبي بلتعة الصحابي قد ناصر كفار قريش ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بإرساله ذلك الخطاب السري والذي فيه كما قال البخاري نبأ أن النبي صلى الله عليه وسلم سيغزوهم.
وأي ضرر على المسلمين لو وصل هذا الخطاب للكفار فقد ينصبوا فخاً لهم في طريقهم فينهالوا عليهم رميا بالنبال والرماح ويباغتوهم فيقتلوا منهم النفر الكثير فيكونوا عليهم في تلك الساعة ظاهرين ومع ذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب أصبحت من المرتدين الكافرين فتب وأسلم تكن من المسلمين ذلكم ان حاطبا لم يكن قصده نصر الكفر على الإسلام أو بغض الإسلام أوالردة ليحكم عليه أنه من المرتدين بل فعل ذلك لتكون له يد عند كفار قريش يكن بها أهله سالمين فتأمل الخطاب وابني عليه فقه صحيحا تصحح به عقيدتك يرض عنك رب الأرباب0(1/20)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا.
فمن تأمل هذه الحوار حق التأمل وتجرد عن الهوى تبين له أن من ناصر الكفار ضد المسلمين لحظ دنيوي عاجل أو ثأر أو نحو ذلك فلا يكفربل يفسق وأما إذا ناصرهم ضدهم إرادة في إنتصار الكفر على الإسلام أو بغضا في الإسلام أو ردة فهذا هو الكفر الأكبر الذي يخرج من الملة وذلك من عدة وجوه :
الأول / أن النبي صلى الله عليه وسلم إستفصل من حاطب ولو كان كفرا كالإستهزاء بالله ورسوله لحكم عليه بالردة ولما سأله فإنه لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة 0فإن الكفر الإعتقادي لا يكون فيه إستفصال ولكن الكفر العملي لما كان محتملا استفصل النبي من حاطب 0فمن سب الله قيل له كفرت ولا يقال له ماهذا إذا لم توجد قرينة موجبة للوقوع فيه كالإكراه 0
الثاني / تأمل في الروايات الصحيحة التي جاءت في ما قاله حاطب ردا على سؤال النبي صلى الله عليه(1/21)
ففي صحيح البخاري2785
قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَكُمْ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ قَالَ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ سُفْيَانُ وَأَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا(1/22)
الرواية الثانية : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ عُثْمَانِيًّا فَقَالَ لِابْنِ عَطِيَّةَ وَكَانَ عَلَوِيًّا إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا وَتَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا فَأَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَقُلْنَا الْكِتَابَ قَالَتْ لَمْ يُعْطِنِي فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ فَقَالَ لَا تَعْجَلْ وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ وَلَا ازْدَدْتُ لِلْإِسْلَامِ إِلَّا حُبًّا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الرواية الثالثة : في صحيح البخاري
وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا.
الرواية الرابع: في صحيح البخاري(1/23)
قَالَ مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا غَيَّرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ قَالَ صَدَقَ فَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا
فإن حاطب رضي الله عنه قال أنه مافعل ذلك تبديلا لدينه أو ردة أو رضا بالكفر بل كان مؤمنا بالله والرسول وما ازداد في الإسلام إلا حبا وأقول وما فعل ذلك ولاشك حبا في نصر الكفر على الإسلام أو بغضا في الإسلام ولا أظنه إلا أنه واثق أن الله حامي نبيه من أن يلحف أذى بخطابه ذلك ولكنه أراد أن تكون له عند الكفار يد يدفع الله بها عن أهله وماله وهذا مصلحة دنيوية فلم يكفره النبي صلى الله عليه وسلم فلو كفره فإما أن يقتله أو يبين كما تقدم له وقوعه في الكفر وكل ذلك لم يفعله بل صدقه ولم يمكن عمر من أن يضرب عنقه بالرغم من أنه حصلت منه المودة للمشركين بسبب القرابة والمناصرة ولكن ليس في شيء من ذلك ردة وإلا لبين النبي صلى الله عليه وسلم0
الوجه الثالث / أنه لو وقع في الكفر لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم فإن حسنة شهود بدر لاتكفر الكفر بل تكفر الذنوب ولوكانت كبيرة0(1/24)
الوجه الرابع / من قال أن حاطب بن أبي بلتعة كان جاهلا بأن هذا كفر أكبر فمن أجل ذلك عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقد غلط لأن قوله صلى الله عليه وسلم لعل الله اطلع على أهل بدر فقال إفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم والجاهل معذور لا يحتاج أن يقال أن له حسنة تكفر جهله ثم ما دليل دعوى التكفير أصلا لمن كانت نيته في المناصرة للكفار ضد المسلمين مصلحة دنيوية أو ثأرفإن قالوا قوله تعالى ومن يتوله منكم فإنه منهم دلت على كفره قلنا قد قال النبي صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم فهل يكفر المتشبه !!!!!!!!
الوجه الخامس / ماقاله أئمة الدين في ذلك :
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله (في مجموع الفتاوى7/522): "وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً كما حصل لحاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليكم بالمودة)
وقيل للإمام الشافعي رحمه الله ( الأم 4/ 249 ) :
أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين؟
قال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين.
فقلت للشافعي أقلت هذا خبرا أم قياسا.
قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب
فقيل للشافعي فاذكر السنة فيه.(1/25)
قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله فإذا فيه ( من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة ) يخبر ببعض أمر النبي قال ( ما هذا يا حاطب ) قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله ( إنه قد صدق ) فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) قال فنزلت ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)
قال الشافعي رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب.
ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لأن أمر رسول الله مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله ورسول الله يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه.(1/26)
الشبهة السابعة / قولهم وأما أن نأخذ العلم بمسائل التكفيروالتفجير من علما ء هذه البلاد فلا فأين العلماء 00– هؤلاء عملاء السلطان لايفقهون الواقع فأما علماءكم فإنا عنهم من المنعزلين كما انعزل آباؤنا الأولون عن بن عباس وعلي فصدقوا ولم يكونوا مداهنين فطاعنوهم يوم النهروان ولم تأخذهم في الله لومة اللائمين وأين العلماء فكما قال شيخنا علامة زمانه أيمن الظواهري المصري.
فأسماء براقة من استمع إليها كان من الجاهلين فالسمع والطاعة للمضحين المجاهدين لاللعملاء السلطان المداهنين 0 فأين جهادهم فلا يزالون بين الحواشي الصفراء راقدين وللشباب عن الجهاد مثبطين ألم تكونوا لشعر عائض القرني من المستمعين دع الحواشي الصفراء وكن من الخارجين0وقد صدرت فتوى من أميرنا بن لادن بتكفير حكام هذه البلاد والطعن في علمائها 0
الرد على هذه الشبهة :
نقول أولا - كذب أيمن الظواهري قد كذبه الله في كتابه قبل أن يخلق الظواهري حيث قال سبحانه وتعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ولم يقل سبحانه فاسألوا الذين يضحون وهم بأحكام الشريعة جاهلون 0
وأما قولهم علمائنا لايفقهون الواقع وأين نكيرهم على الحكام فجهل فاضح واضح له قرنان.
فإن أول من أحدث هذا القول في مجمع كبير سفر الحوالي ولم يتب هدانا الله وإياه منه فقال علمائنا عندهم قلة فقه بالواقع0(1/27)
ثانيا – ليس من السنة أن يعلن العلماء النصيحة على الحاكم جهرا بل هذا بدعة إلا أذا كان العالم في مجلس الخليفة ووقع منه الخطأ والمخالفة كقصة أبي سعيد في صحيح مسلم فيكون من باب إنكار المنكر وأما النصيحة وهي مابعد إنتهاء المنكر لاتكون إلا سرا كما جاء في صحيح البخاري حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ
قلت وفلان كما هو معروف عثمان الخليفة الراشد رضي الله عنه 0
قال بعضهم المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير قلت وتولد عن الجهر بالنصيحة من الفساد على البلاد والعباد مالا يقدره إلا الله تعالى فالخروج باللسان وسيلة إلى الخروج بالسنان.
وفي سنن الترمذي عن زياد بن كسيب أن رجلا كان بجانب أبي بكرة وابن عمار يخطب في ثياب رقاق فقال انظر إلى هذا الأمير يلبس ثياب الفساق فقال أبوبكرة أسكت سمعت رسول الله يقول من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله
قلت مع أن الرجل قد كلم أبا بكرة فيما هو حق حيث أن لبس ثياب الفساق معصية ولا غيبة لفاسق في فسقه ولكن لما كان الذي اغتابه سلطانا استثى أبو بكرة ذلك لما يتولد عن ذلك من الفتنة والمفسدة والتي هي أرجح من مصلحة بيان خطأ الحاكم.(1/28)
ثالثا – أن فقه الواقع ليس هو إلا إذا مانزلت نازلة وطلب من العالم الكلام فيها فإنه يسأل عن واقعها قبل أن يفتي بها وهذا المظنون بعلمائنا فدعك عن المهولين الصادين عن سبيل الله قطاع طريق الخير وغلوهم في فقه الواقع حتى صار السياسي المخلط في العلم مقدم على العلم الرباني في باب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب مطالعته الساعات الطوال للصحف والمجلات السيارة والقنوات الفضائية وهي أخبار كثير منها من الكفار الذين لا يوثق بأخبارهم وقد قال تعالى ياايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين فكيف لو كان المخبرون كافرين!!!!!!!!!!(1/29)
رابعا _ إن إنعزالكم عن علمائكم شر وفتنة وسبب لما وقعتم في من التكفير الذي أعقبه التفجير وذلك وقع في عهد علي وابن عباس عندما انعزل شباب عنهم وأخذوا يتبادلون الآراء في الطعن في علماء الصحابة وهم الخوارج حتى احتاج بن عباس للذهاب إليهم ومناظرتهم ولم يأتوا هم إلى بن عباس ثم رجع منهم من رجع وقطعتم الطريق أمام الناس كما قطعه أولئك بالطعن في علمائنا تارة بأنهم علماء حيض ونفاس لا يفقهون الواقع وسلفهم في مثل ذلك الطعن وكبيرهم الذي علمهم السحر ذلك الرجل الذي طعن في عدالة رسول الله فقال لم تعدل يامحمد فكان أول من خرج بلسانه ثم قالوا لا تناظروا بن عباس إنه من قوم خصمون أي مجادل نسأل الله العافية إلى أن خرجوا على الصحابة وطاعنوهم يوم النهروان شر قتلى تحت أديم السماء كلاب النار0 وذلك واضح عند من نور الله بصيرته فإن العلم لايرى في المنام ولا يورث عن أبناء الأعمام العلم بالتعلم فتلقي الشباب العلم عن أكابرهم فيه الخير والصلاح وتلقي عن أهل البدع من الأصاغر بعد قطع الطريق أن يأخذوه من العلماءالأكابر بذكر مايثير عليهم من أنهم عملاء سلطان ولايفقهون0000 مفتاح كل فتنة وشر وقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده إلى من ذكر مقالة لأبي حنيفة عندما سأله رجل فقال إن هناك شباب يجتمعون ويتفقهون قلت كما يفعل بعض الشباب من إنعزالهم عن العلماء في المراكز والرحلات والإستراحات فقال معهم رأس يفقههم قلت أي عالم قال لا قال إذن لن يتفقهوا!!!!!
واما قولهم وهل يجوز إدخال النصارى من الأمريكيين وغيرهم جزيرة العرب وقد أمر النبي بإخراجهم فنقول قد كتبت في ذلك بحثا صغيرا في حجمه كبير في قدره أنقله هنا:
هناك ثلاثة مباحث تحت هذه المسألة ينبغي التفقه بها :
ماهي حدود جزيرة العرب و هل هناك فرق في الإخراج بين المحاربين وغيرهم وهل يجوز إبقائهم لمصلحة مؤقتة يقدرها الإمام.
فأقول وبالله التوفيق:
قال ابن حجرفي الفتح:(1/30)
وَقَالَ الزُّبَيْر بْن بَكَّارٍ فِي " أَخْبَار الْمَدِينَة " أُخْبِرْتُ عَنْ مَالِك عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : جَزِيرَة الْعَرَب الْمَدِينَة . قَالَ الزُّبَيْر : قَالَ غَيْره جَزِيرَة الْعَرَب مَا بَيْن الْعُذَيْبِ إِلَى حَضَر مَوْت , قَالَ الزُّبَيْر : وَهَذَا أَشْبَه , وَحَضَرَ مَوْت آخِر الْيَمَن , وَقَالَ الْخَلِيل بْن أَحْمَد : سُمِّيَتْ جَزِيرَة الْعَرَب لِأَنَّ بَحْر فَارِس وَبَحْر الْحَبَشَة وَالْفُرَات وَدِجْلَة أَحَاطَتْ بِهَا , وَهِيَ أَرْض الْعَرَب وَمَعْدِنُهَا . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : هِيَ مَا لَمْ يَبْلُغهُ مُلْك فَارِس مِنْ أَقْصَى عَدَن إِلَى أَطْرَاف الشَّام . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : مَنْ أَقْصَى عَدَن إِلَى رِيف الْعِرَاق طُولًا وَمِنْ جِدَّة وَمَا وَالَاهَا مِنْ السَّاحِل إِلَى أَطْرَاف الشَّام عَرْضًا قَوْله : ( قَالَ يَعْقُوب وَالْعَرْج أَوَّل تِهَامَة ) الْعَرْج بِفَتْحِ الْمُهْلَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا جِيم مَوْضِع بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة , وَهُوَ غَيْر الْعَرَج بِفَتْحِ الرَّاء الَّذِي مِنْ الطَّائِف .(1/31)
وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ جَزِيرَة الْعَرَب مَا بَيْن أَقْصَى عَدَن أَبْيَن إِلَى رِيف الْعِرَاق طُولًا وَمِنْ جَدَّة وَمَا وَالَاهَا إِلَى أَطْرَاف الشَّام عَرْضًا , وَسُمِّيَتْ جَزِيرَة الْعَرَب لِإِحَاطَةِ الْبِحَار بِهَا , يَعْنِي بَحْر الْهِنْد وَبَحْر الْقُلْزُم وَبَحْر فَارِس وَبَحْر الْحَبَشَة , وَأُضِيفَتْ إِلَى الْعَرَب لِأَنَّهَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْل الْإِسْلَام وَبِهَا أَوْطَانهمْ وَمَنَازِلهمْ , لَكِنْ الَّذِي يُمْنَع الْمُشْرِكُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مِنْهَا الْحِجَاز خَاصَّة وَهُوَ مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالْيَمَامَة مَا وَالَاهَا , لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَق عَلَيْهِ اِسْم جَزِيرَة الْعَرَب , لِاتِّفَاقِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ الْيَمَن لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا مَعَ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَة جَزِيرَة الْعَرَب , هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور . وَعَنْ الْحَنَفِيَّة يَجُوز مُطْلَقًا إِلَّا الْمَسْجِد , وَعَنْ مَالِك يَجُوز دُخُولهمْ الْحَرَم لِلتِّجَارَةِ , وَقَالَ الشَّافِعِيّ لَا يَدْخُلُونَ الْحَرَم أَصْلًا إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّة .
قلت:
ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين المشركين المحاربين والمسالمين فكلهم أمر بإخراجهم
ولكن السؤال هل لولي الأمر أن يبقيهم لفترة لعمل مصلحة يستفاد منهم فيها فأقول ذلك. لابأس كما أفاده الشافعي رحمه الله تعالى.
فقد جاء في صحيح البخاري(1/32)
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ فَقَالَ لهمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ فلعل هذا يدل على جواز إقرار الإمام فيها لمصلحة حتى تنتهي(1/33)
فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولم يخرجهم أبو بكر مع أنه كان عنده جيش ولم يخرجهم عمر زمنا وأظنه قادر ثم أخرجهم ولا أظنه أبقاهم إلا لمصلحة كزراعة أو عدم بلوغ النص ولكن لم ينكر عليهما أحد من الصحابة فيستبعد خفاءه على الجميع أو أن مدة يرجع تقديرها للإمام أوغير ذلك ففي صحيح البخاري عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمَزَارِعَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى شَيْءٍ سَمَّاهُ نَافِعٌ لَا أَحْفَظُهُ وَأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ 000000 فلا أعلم أن أحدا أنكر عليهما من الصحابة وقال عُمَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ بِهِ أخرجه البخاري تعليقا بصيغة الجزم00ثم أخرجهم عمر فالله أعلم
قال ابن حجر في الفتح:(1/34)
وَالصَّحِيح الْمَعْرُوف عَنْ مَالِك أَنَّهَا (قلت أي جزيرة العرب )مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالْيَمَامَة وَالْيَمَن , وَأَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَغَيْرهمَا مِنْ الْعُلَمَاء , فَأَوْجَبُوا إِخْرَاج الْكُفَّار مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب , وَقَالُوا : لَا يَجُوز تَمْكِينهمْ مِنْ سُكْنَاهَا . وَلَكِنَّ الشَّافِعِيّ خَصَّ هَذَا الْحُكْم بِبَعْضِ جَزِيرَة الْعَرَب وَهُوَ الْحِجَاز , وَهُوَ عِنْده مَكَّة وَالْمَدِينَة وَالْيَمَامَة وَأَعْمَالهَا دُون الْيَمَن وَغَيْره مِمَّا هُوَ مِنْ جَزِيرَة الْعَرَب بِدَلِيلٍ آخَر مَشْهُور فِي كُتُبه وَكُتُب أَصْحَابه . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يُمْنَع الْكُفَّار مِنْ التَّرَدُّد مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَاز , وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَة فِيهِ أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام . قَالَ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ : إِلَّا مَكَّة وَحَرَمهَا فَلَا يَجُوز تَمْكِين كَافِر مِنْ دُخُوله بِحَالٍ , فَإِنْ دَخَلَهُ فِي خُفْيَة وَجَبَ إِخْرَاجه , فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مَا لَمْ يَتَغَيَّر . هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْفُقَهَاء . وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَة دُخُولهمْ الْحَرَم , وَحُجَّة الْجَمَاهِير قَوْل اللَّه تَعَالَى { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بَعْد عَامهمْ هَذَا } وَاللَّهُ أَعْلَم .(1/35)
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَجِيزُوا الْوَفْد بِنَحْوِ مَا كُنْت أُجِيزهُمْ ) قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا أَمْر مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجَازَةِ الْوُفُود وَضِيَافَتهمْ وَإِكْرَامهمْ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ , وَتَرْغِيبًا لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ وَنَحْوهمْ وَإِعَانَة عَلَى سَفَرهمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قَالَ الْعُلَمَاء سَوَاء كَانَ الْوَفْد مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا ; لِأَنَّ الْكَافِر إِنَّمَا يَفِد غَالِبًا فِيمَا يَتَعَلَّق بِمَصَالِحِنَا وَمَصَالِحهمْ
فهل إبقاء النبي لهم وإقرارهم يمكثون بها لمصلحة المسلمين خاص بالنبي وأبوبكر وعمر فالخصوصية لاتثبت إلا بدليل وهل عمر وأبوبكر كانا لايعلمان بحديث الإخراج لليهود000 فأين الصحابة كلهم عنهم وقد ذكر عن الزهري ذلك عن عمر ولم يصح السند فظاهر هذا يدل على جواز إقرار الإمام لهم بالبقاء في جزيرة العرب لمصلحة كضرورة دفع عدو قوي أو غير ذلك فإن الأصل التأسي وتثبت الخصوصية إلا بدليل واضح صحيح ولكن لايمكنوا من الإقامة الأبدية لأنه لايجتمع في الجزيرة دينان على وجه الإقامة والدوام وأن يشعروا بأنهم لايمكن أن يستوطنوها أبدا بل بالمدة التي يراها الإمام فيقال نبقيكم مانشاء وليس لكم في الجزيرة بقاء وفي ذلك إذلال لهم وقد ذهب إلى الجوازبأذن الإمام لمصلحة المسلمين خاصة وهو الصحيح لما تقدم ولكنهم لايمكنوامن الإقامة الأبدية
خاتمة :(1/36)
والحمدلله رب العالمين والله أسأل أن يهدي شبابنا إلى العلم النافع والعمل الصالح فعلى ذلك يكون صلاحهم وسعادتهم في الدنيا ونجاتهم إلى الله يوم القيامة ولاسبيل لهم لتحصيل العلم إلا من طريق واحد وسبيل قويم سائد وهو طريق محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم قال سفيان الثوري محمد صلى الله عليه وسلم الميزان الأكبر عليه تعرض الأعمال هديه وخلقه وسيرته (أقول في جهاده وقت الضعف فكان يسالم الكفار كما قال بن تيمية وفي قوته فتح مكة وفي دعوته إلى الله فلم يكن يستعمل التمثيليات وغيرها من محدثات الدعوة 0000كإستعمال اللهو والإرفاهيات والرحلات في جذب الشباب لدعوتهم إلى الله 000!!!!!!!! )
فما وافها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل فمن أراد النصر والعز والتمكين فليتبع في طرق جهاده ودعوته وسائر أعماله ذلك الرسول الأمي بلا وكس ولا شطط فبقدر متابعته تكون السعادة في الداريين وبقدر مخالفته تكون الشقاوة فيهما قال تعالى من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فالنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون قال بن عباس كما في صحيفة بن أبي طلحة في التفسير السعادة.
ولاسبيل للشباب في معرفة طريق الرسول إلا بالأخذ عن أكابرهم من العلماء كما قال رسول الله البركة مع أكابركم صححه الألباني وترك عيبهم فإن ذلك يقطع الطريق عن الإستفادة من علمهم فمن نفر عنهم كم فعل بن لادن والظواهري كان من أعوان الشيطان كما قال بن القيم فحق ماقاله الشيخ عبد العزيز بن باز في جريدة الشرق الأوسط 1417من الهجرة أسامة بن لادن من المفسدين في الأرض وليضبط العلماء فهمهم للكتاب والسنة بفهم سلفهم الصالح خير القرون فلزوم طريقتهم طريق للعز والتمكين الذي فقده اليوم الكثير من المسلمين والله المستعان وعليه التكلان0
وكتبه أبوعبدالله ماهر بن ظافر القحطاني
غفر الله له ولوالديه ولمن قرأمقاله وناصحه وللمسلمين أجمعين 0(1/37)