كتاب
حل المشكلات
وتوضيح التحريرات في القراءات
تأليف
محمد عبد الرحمن الخليجي
وكيل مشيخة مقارئ الإسكندرية
هذا كتاب واجب أن يرى ... ... ألزم للقارئ من ظلِهِ
غوامض القراء فيه ترى ... ... واضحة المشكل من حله
********
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حرر رقابنا من ربقة الشرك بتوحيده ، ومنّ علينا بحفظ كتابه الكريم وتجويده ، أحمده وأشهد ألا إله إلا الله مورث كتابه من اصطفاه وأكرمه ، وأشهد أن سيدنا محمدأ عبده ورسوله ومصطفاه القائل خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حافظوا على نشر آيات الكتاب محررة موضحة المشكل مسهلة ميسرة .
( وبعد ) فيقول العبد الفقير إلى لطف ربه الخفي محمد بن عبد الرحمن الخليجي المقرئ الحنفي : لما كان العويص من مسائل فن القراءات غير مجموع أكثره في بعض الكتب إلا نظما ، على أنه غير متداول بين القارئين لقلة وجوده ، أردت أن أضع كتابا يجمع متفرقه ويبين مغلقه ويحقق طرقه ويوفي شرحه حقه ، فوفقني الله لجمع هذا الكتاب من أمهات الكتب بعد التحقيق التام فجاء بحمد الله وافيا بالمرام ، لم يترك عويصة إلا بينها ، ولا مشكلة إلا حلها ، ولا مجملا إلا فصله ، ولا خفيا إلا بين ما احتمله ، مقتصرا على ماتعلق بالشاطبية والدرة بعبارة واضحة مختصرة ليسهل تناوله ، ويكثر إن شاء الله تعالى تداوله ، وسميته :
( حل الكشكلات وتوضيح التحريرات في على القراءات )
أسأل الله أن ينفع به ، ويجزل الخير لِي بسببه ، إنه سميع مجيب . آمين .
*************
تاريخ القرآن الكريم(1/1)
القرآن الكريم هو الوحي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والبيان ، المنقول مضبوطا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، الجامع لمصالح العباد ، في الحياة وبعد المعاد ، وقد ابتدأ الله تعالى إنزاله على رسوله في أربع وعشرين من رمضان في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة في غار حراء بمكة ، وتابع إنزاله على حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة ، ولما تمّ إنزاله كذلك أنزله فيه مرتبا كترتيبه في المصاحف في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين ، وقد كانت الصحابة تكتبه لنفسها ، وللرسول فيما يجدونه من الصحف واللخاف والأكتاف ، وكان منهم من يكتب الآيات والسورة والسور ، ومنهم كتب جميعه وحفظه كله كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وغيرهم من أجلاء الصحابة ، ومنهم من حضر العرضة الأخيرة كزيد بن ثابت لأنه كان أكبر كاتب من كتبة الوحي ، وقد ثبت أنه قرأها مرارا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبها لنفسه وللرسول فيما ذكرناه .(1/2)
وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر رضي الله عنه بأمر الأمة و القرآن مكتوب بهذه الكيفية ، ولما كان حرب اليمامة أول خلافة الصديق واستشهد فيه كثير من الصحابة جاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة الذين سمعوه من الرسول وكتبوه في حضرته فتوقف في ذلك من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك بشئ ، ثم شرح الله صدر أبي بكر لما أشار به عمر ، فاجتمع رأيه ورأي الصحابة على ذلك فأمر زيد بن ثابت في جملة من الصحابة بتتبع القرآن وجمعه في صحف ، فقام زيد بالأمر بكمال التحري وعرض المحفوظ على المكتوب بحضرة الرسول وإقرار الصحابة عليه حتى تممه في الصحف وصارت عند أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، ولما كانت سنة خمس وعشرين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان فرأى الناس يختلفون في القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتي أصح من قراءتك فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال له أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف لننسخها ثم نردها إليك ، فأرسلتها إليه فأمر زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن الزبير أن ينسخوها في المصاحف وقال : إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، فكتبوا منها عدة مصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوجه بمصحف إلى البصرة وبمصحف إلى اليمن وإلى البحرين وبمصحف إلى مكة وبمصحف إلى الشام وبمصحف إلى الكوفة وترك بالمدينة مصحفا وأمسك لنفسه مصحفا وهو الذي يقال له الإمام ، واجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ماخالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا(1/3)
فيه ولم يثبت ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن ، وجردت هذه المصاحف جميعها من النقط والشكل ليحتملها ما صَح نقله وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الإعتماد على الحفظ المتلقى عن الرسول لا على مجرد الخط ، وقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من في رسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم قاموا مقام الصحابة في تعليم ذلك لغيرهم ( ومن ثم كانت موافقة خط المصاحف العثمانية شرطا من شروط صحة القراءة ) و كذلك قام من بعدهم من أئمة الحفاظ عدد لا يحصى وكثر القراء وانتشروا ، وكان منهم المتقن والمقصر إلى أثناء المائة الثالثة فقام جهابذة أئمتهم وجعلوا للقراءة الصحيحة ضابطا وهو كل ما صَح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسند الصحيح ووافق وجها في العربية ووافق خط المصاحف العثمانية فهو القرآن وكل قراءة كذلك تكون من جملة الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، و القراءات العشر التي يقرأ بها في زماننا كذلك ، والأحرف السبعة مندرجة فيها ، وما عداها مما لم يستوف الشروط المذكرة شاذ وليس بقرآن ، وقد أجمع الأصوليون على أن الشاذ ليس بقرآن لعدم صدق الحد عليه ، والجمهور على تحريم القراءة به على اعتقاد أو إيهام أنه قرآن ، أما القراءة به لما فيه من الأحكام الشرعية أو الأدبية فلا خلاف في جوازها ، وذلك كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيا متتابعات في المائدة بزيادة متتابعات ، وبها أخذ أبو حنيفة تتابع صيام كفارة اليمين ، وكالقراءة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة في : إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء ، ووجهت بأن الخشية فيهل استعارة للجلال والتعظيم ، أي إنما يجل الله العلماء من عباده ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الناس بين جميع عباده ، وكقراءة الأعمش : وكان عبدا لله وجيها في الأحزاب(1/4)
بالباء الموحدة وتنوين الدال وجر لفظ الجلالة باللام ، وقد أفادت هذه القراءة عبودية موسى عليه السلام لله ووجاهته ، و قراءة الجمهور أوجه لأنها مفصحة عن وجاهته عند الله بعد براءته وذلك أقوى وعبوديته لله ثابتة بالضرورة ، ووجه شذوذ القراءة الأولى أنها لم توافق أحد المصاحف العثمانية بزيادة متتابعات ووجه شذوذ الأخيرتين أنهما لم يثبتا بالسند الصحيح المتواتر ولم يرد في الشاذ فبرئ والله مما قالوا ، وإن لهج به بعض الجهلة كما لهجوا في سورة التوبة بأنه قرئ شاذ فسيحوا في الطين ولم يوجد ذلك في الشواذ المعروفة فلا تصدق كل ما تسمع حتى تعرضه على أربابه الثقات ، وأجمعوا على أنه لم يتواتر شئ مما زاد على العشرة المشهورة ولا يتوهمن أحد أن الأحرف السبعة المشار إليها في الحديث هي القراءات السبع المعروفة اليوم فإن ذلك خطأ على أنها لم تجمع إلا أثناء المائة الرابعة ، جمعها ابن مجاهد وقد سبقه ولحقه غيره في جمعها والزيادة عليها ، ومن أراد زيادة البيان فليراجع النشر فإن فيه الكفاية .
معنى الأحرف السبعة أو القراءات(1/5)
ورد متواترا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الأحرف مع إجماعهم على أنه ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة أوجه وعلى لأنه ليس المراد هؤلاء القراء السبعة المشهورين ، وأرجح الأقوال وأولاها بالصواب ما صححه البيهقي واختاره الأبهري و الداني صاحب التيسير واقتصر عليه في القاموس أنها سبعة أوجه من اللغات العربية ، قال أبو عبيدة هي : قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن ، وقال غيره خمس لغات في أكناف هوازن وهي : سعد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع ألسنة العرب ، والسبب في ذلك تهوين الله على الأمة المحمدية كما صرح بذلك في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن ربي أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي ، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف ) لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى الخلق وألسنتهم مختلفة والعرب قبائل شتى ولغاتهم متباينة وكلهم مأمورون بقراءة القرآن فلو كلفوا النطق بلغة واحدة لعسر ذلك عليهم ، فاقتضى يسر الدين أن يكون على لغات ، وكانت سبعة نظرا لأصل لغات العرب ، وأيضاً ليعم التحدي بالقرآن جميع العرب ويصدق قوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن .. الآية ) وأما كون تعدد اللغات يدعو إلى الاختلاف في النطق فلا يضر لأنه اختلاف وفاق ولو من وجه لا اختلاف تضاد كما وضحه صاحب النشر ***
الفرق بين القراءات والروايات
والخلاف الواجب والجائز(1/6)
كل خلاف نسب لإمام من العشرة مما أجمع عليه الرواة فهو قراءة ، وكل ما نسب للراوي عن الإمام فهو رواية ، وما نسب للآخذ عن الراوي وإن سفل فهو طريق، وإن كان على غير هذه الصفة مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه كان وجها ، فتقول مثلا البسملة بين السورتين قراءة الكسائي ورواية قالون عن نافع وطريق صاحب التبصرة عن الأزرق عن ورش ، وتقول في البسملة بين السورتين ثلاثة أوجه ولا تقول ثلاث قراءات ولا ثلاث روايات ولا ثلاثة طرق ، والخلاف الواجب عين القراءات والروايات والطرق بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها كأوجه البدل وذات الياء لورش فهي طرق وإن شاع التعبير عنها بالأوجه تساهلا، والخلاف الجائز هو خلاف الأوجه الذي على سبيل التخيير والإباحة كأوجه البسملة وأوجه الوقف بالروم والإشمام والقصر والتوسط و المد، فبأي وجه أتى القارئ أجزأ ولا يكون نقصا في روايته ولا يلزم استيعابها إلا للتعليم في بعض المواضع والأخذ بجميعها في كل موضع غير مستحسن إلا في وقف حمزة لصعوبته على المبتدئ.
الطرق
ترك الشاطبي وابن الجزري رحمهما الله ذكر طرق الرواة عن قراء كتابيهما الشاطبية والدرة اتكالا على ذكرها في التيسير والتحبير مع العلم بأنهما اقتصرا على طريق واحد لكل راو ، ولأهمية الطرق يجب بأن يلم بها القارئ وها هي :
(قالون ) من طريق أبي نشيط محمد بن هارون
و(ورش ) من طريق أبي يعقوب يوسف الأزرق
و(البزي ) من طريق أبي ربيعة محمد بن إسحاق
و(وقنبل ) من طريق أبي بكر أحمد بن مجاهد
و(والدوري ) من طريق أبي الزعراء عبد الرحمن بن عبدوس
و(السوسي ) من طريق أبي عمران موسى بن جرير
و(وهشام ) من طريق أبي الحسن أحمد بن يزيد الحلواني
و(ابن ذكوان ) من طريق أبي عبد الله هارون بن موسى الأخفش
و(شعبة ) من طريق أبي زكريا يحيى بن آدم الصلحي
و(حفص ) من طريق أبي محمد عبيد بن الصباح(1/7)
و(خلف ) من طريق أحمد بن عثمان بن بريان عن أبي الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد عنه
و(خلاد ) من طريق أبي بكر محمد بن شاذان الجوهري
و(أبو الحارث ) من طريق أبي عبد الله محمد بن يحيى البغدادي
و(الدوري ) من طريق أبي الفضل جعفر بن محمد النصيبي
و(ابن وردان ) من طريق الفضل بن بن شاذان
و(ابن جماز ) من طريق أبي أيوب الهاشمي
و(رويس ) من طريق النخاس بالخاء المعجمة عن التمار عنه
و(روح ) من طريق ابن وهب
و(إسحاق ) من طريق السوسنجردي
و(إدريس ) من طريق الشطي عنه
( فهذه عشرون طريقا ) اقتصر عليها أصحاب التيسير والتحبير والشاطبية والدرة ولهم طرق أخى صحيحة تنيف على تسعمائة وثمانين طريقا ذكرها مع تراجم أصحابها في النشر فمن أرادها فليراجعها هناك .
وفائدة معرفة الطرق عدم التركيب في الوجوه المروية عن أصحابها ، والتركيب في القراءات بما يخل حرام ، وبغيره معيب على العلماء لا على العوام .
الإفراد والجمع
قال ابن الجزري في نشره : كان السلف الصالح رحمهم الله يقرءون ويقرئون القرآن رواية رواية ولا يجمعون رواية إلى أخرى يقصدون بذلك استيعاب الروايات والتثبت منها وإحسان تلقيها واستمر ذلك إلى المائة الخامسة عصر الداني و الأهوازي و الهذلي ومن بعدهم ، فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في ختمة واحدة واستمر إلى زماننا واستقر عليه العمل لفتور الهمم وقصد سرعة الترقي والإنفراد وانتشار تعليم القرآن ولم يكن أحد من الشيوخ يسمح بالجمع إلا لمن أفرد القراءات واتقن معرفة الطرق و الروايات وقرأ لكل راو بختمة على حدة ، وهذا الذي استقر عليه العمل إلى زمن شيوخنا الذين أدركناهم فلم أعلم أحدا قرأ على التقي الصائغ إلا بعد أن يفرد السبعة في في إحدى وعشرين ختمة وللعشرة كذلك اه .(1/8)
أما مقدار التلقين في الإفراد والجمع فمفوض إلى رأي الشيخ وحال القارئ وقوة قبوله ، وبعض المشايخ لا يزيد على عشر مطلقا وبعضهم يأخذ في الإفراد بنصف حزب وفي الجمع بربع حزب .
( ويشترط ) على مريد القراءات ثلاثة شروط :
أن يحفظ كتابا يعرف به اختلاف القراء ،
وأن يفرد القراء رواية رواية
ويجمعها قراءة قراءة
حتى يتمكن من كل قراءة على حدة وحتى يكون أهلا لأن يجمع أكثر من قراءة في ختمة .
وللشيوخ في كيفية الجمع ثلاثة مذاهب :
الأول : الجمع بالحرف وهو طريق أكثر المصريين و المغاربة وكيفيته أن يشرع في القراءة فإذا مر بكلمة فيها خلف أصولي أو فرشي أعاد تلك الكلمة بمفردها حتى يستوفي ما فيها من الخلاف ، فإن كانت مما يسوغ الوقف عليه وقف واستأنف مابعدها وإلا وصلها بآخر وجه انتهى إليه حتى يصل إلى وقف فيقف
( مثاله ) وقالت هيت لك فيقول : هِيتَ هَيتُ هَيتَ هئتُ هئتَ لك ، وإن كان الخلف مما يتعلق بكلمتين كمد المنفصل والسكت على مفصول وقف على الكلمة الثانية إن حسن واستوعب الخلاف ثم انتقل إلى ما بعدها على هذا الحكم ، وهو أوثق في استيفاء أوجه الخلاف وأسهل وأخصر في الأخذ ولكنه يخرج القارئ عن رونق وحسن أداء التلاوة .
الثاني : الجمع بالوقف وكيفيته : أن يبدأ القارئ بقراءة من قدمه من الرواة ، ولا يزال بذلك الوجه حتى يقف على وقف يسوغ الإبتداء بما بعده ثم يعود إلى القارئ الذي بعده إن لم يكن وافقه في قراءته ثم يفعل ذلك بقارئ قارئ حتى ينتهي الخلف ويبدئ بما بعد ذلك الوقف على هذا الحكم وهو مذهب الشاميين وهذا المذهب أشد في الإستحضار وأسد في الإستظهار وأطول زمانا وأجود مكانا وبه قرأت على عامة من قرأت عليه مصرا وشاما وبه آخذ.(1/9)
الثالث : الجمع بالوقف على اختيار ابن الجزري ، قال في النشر بعد ما تقدم: ولكني ركبت من المذهبين مذهبا فجاء في محاسن الجمع طرازا مذهبا فابتدئ بالقارئ وأنظر إلى من يكون من القراء أكثر موافقة له فإذا وصلت إلى كلمة بين القارئين فيها خلف وقفت وأخرجته معه ثم وصلت إلى أن أنتهي إلى الوقف السائغ جوازه وهكذا حتى ينتهي الخلاف انتهى
( قلت ) وهذا الذي عليه العمل عند حذاق القراء في مصر
( ومثاله ) ياأيها الناس اتقوا ربكم أول الحج إلى شديد
فيبدأ بقالون بالسكون وقصر المنفصل فيندرج معه يعقوب
فإذا وصل إلى وما هم بسكارى وقف وأعاد للدوري من وترى الناس سكارى بالإمالة إلى شديد ،
ثم قرأ للسوسي من إدغام إن زلزلة الساعة شئ عظيم إلى النهاية بوجهي وترى الناس
ثم قرأ بصلة الميم لقالون، يأخذ أصحاب الصلة
ثم يبدأ الآية بمد المنفصل أربعا لقالون إلى سكارى فيندرج معه الشامي وعاصم
ثم يعيد للدوري من سكارى بالإمالة
ثم يعيد للكسائي وخلف سكرى بالإمالة
ثم يقرأ بالصلة لقالون فيذهب وحده
ثم يمد ستا لورش ويستوفي له وجهي اللين مع تقليل سكارى
ثم يقرأ لحمزة من اتقوا ربكم يبدأ بعدم الغنة لخلف مع السكت في شئ
ثم بالغنة لخلاد كذلك
ثم بعدم السكت على شئ لخلاد
ثم بالسكت على المفصول لخلف إلى تمام الآية وقد استوعب الخلاف الذي فيها.
وللجمع شروط أربعة لابد منها وهي:
مراعاة الوقف والإبتداء
وحسن الأداء
وعدم التركيب ،
أما رعاية الترتيب والتزام تقديم راو بعينه فلا يشترط إلا أنه في هذا الزمان صار من لوازم الجمع فالأحسن للقارئ أن يراعي ترتيب كتابه الذي يقرأ به فيقدم من قدمه الكتاب من المشايخ ورواتهم على ترتيبه ثم يسير على طريقة الجمع التي يتبعها في قراءتها فإذا كان الخلاف في كلمة كأوجه ( هأنتم و أرأيتم ) راعى في قراءتها لكل راو ترتيب الكتاب هذا ، وقد أشار إلى ذلك كله العلامة ابن الجزري في طيبته فقال :
وقد جرى من عادة الأئمه(1/10)
إفراد كل قارئ بختمه
بالعشر أو أكثر أو بالسبعِ ... حتى يؤهلوا لجمع الجمعِ
وغيرنا يأخذه بالحرفِ ... وجمعنا نختاره بالوقفِ
ولا يُركب ولْيُجِد حُسن الأدا ... بشرطه فلْيَرْعَ وقفا وابتدا
يبدا بوجه من عليه وقفا ... فالماهرُ الذي إذا ما وقفا
مختصرا مستوعبا مرتِبا ... يعطفُ أقرباً به فأقربا
ولْيلزم الوقار والتأدبا
عند الشيوخِ إن يُرِد أن يَنجَبا
وإذا عرفت ما ذكر علمت أن ما عليه مقرئو زماننا من أنه يأتيهم من لا يحسن أداء القراءة فيقرأ عليهم أحزابا لكل راو ولا يتمكن من إحسان الإفراد ثم يجمع الجميع مخالف لعمل المتقدمين والمتأخرين وفقنا الله لما يرضيه آمين .
رسم المصحف
رسم المصاحف العثمانية التي كتبها جمع من الصحابة في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه كما قدمناه في تاريخ القرآن بإقرار مئات الألوف من الصحابة توقيفي، يجب اتباعه في الوقف والإبتداء، وصلا وفصلا، وإثباتا وحذفا، كما يجب إبقاؤه على كتابته الأولى ، ولا يجوز تغييره بإجماع أئمة الدين ،
قال في الإتقان : قال أشهب : سئل مالك هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء فقال لا إلا على الكتبة الأولى رواه الداني في المقنع
ثم قال ولا مخالف له من علماء الأمة ،
وقال في موضع آخر : سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه قال لا
قال أبو عمرو يعني الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ ،
وقال الإمام أحمد : تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك ،
وقال البيهقي في شعب الإيمان : من يكتب مصحفا فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه ولا يغير مما كتبوه شيئا فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا وأعظم أمانة منا فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم انتتهى.
أقول : كيف نستدرك عليهم وبقاء المصحف على رسمه الأصلي يدل على فوائد كثيرة وأسرار شتى .
((1/11)
1) منها الدلالة على الأصل في الشكل والحروف ككتابة الحركات حروفا باعتبار أصلها في نحو : إيتائ ذي القربى و سأوريكم و لاأوضعوا وككتابة الصلاة و الزكاة و الحياة بالواو بدل الألف .
(2) ومنها النص على بعض اللغات الصحيحة ككتابة هاء التأنيث بتاء مجرورة على لغة طيئ وكحذف ياء المضارع لغير جازم من : يوم يأت لا تكلم نفس على لغة هذيل .
(3) ومنها إفادة المعاني المختلفة بالقطع والوصل في بعض الكلمات نحو : أم من يكون عليهم وكيلا و أمن يمشي سويا فإن المقطوعة تفيد معنى بل دون الموصولة .
(4) ومنها أخذ القراءات المختلفة من اللفظ المرسوم برسم واحد نحو : وما يخدعون إلا أنفسهم و تمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ، فلو كتبت الأولى وما يخادعون لفاتت قراءة يخدعون ، ولو كتبت الثانية بألف على قراءة الجمع لفاتت قراءة الإفراد فحذفت الألف ورسمت التاء مجرورة لإفادة ما ذكر .
(5) ومنها عدم الإهتداء على تلاوته على حقه إلا بموقف شأن كل علم نفيس يتحفظ عليه .
(6) ومنها عدم تجهيل الناس بأولويتهم وكيفية ابتداء كتابهم .
فلهذه الفوائد يجب بقاؤه على رسمه ولا يجوز تغييره لأنه ينجم عن تغييره مضار لا يمكن تلافيها :
(1) منها ضياع القراءات المتواترة بضياع شرط القرآن أو بالحقيق ضياع القرآن الذي هو أساس الدين .
(2) ومنها ضياع لغات العرب الفصحى لعدم الاستدلال عليها من أصدق الحديث بضياع رسمه الدال عليها .
(3) ومنها تطرق التحريف إلى الكتاب الشريف بتغيير رسمه الأصلي التوقيفي .
(4) ومنها جواز هدم كيان كثير من العلوم قياسا على هدم كيان علم رسم القرآن بدعوى سهولة تناوله للعموم .
(5) ومنها محو الدين بمحو رسم أصله الأساسي وقانونه الأكبر .(1/12)
هذه بعض مضار تغيير رسم المصحف فهل يجرؤ مسلم في قلبه مثقال ذرة من الإيمان على تغيير حرف منه عما كتب عليه في زمن الصحابة الذين تلقوه من رسول صلى الله عليه وآله وسلم وكتبوه له ولأنفسهم في حضرته ونقلوه ثم نشروه للأمة بعده، بإجماع منهم، وهم إذ ذاك فوق مئات الألوف ، لا أظن أحدا يتجرأ على تغيير رسم المصحف أو يعين عليه إلا إذا كان مارقا من الدين ، كما أني أعتقد أنه لا يتمكن من ذلك أحد أيا كان تصديقا لقوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
تحرير الاستعاذة والعوارض
أجمع القراء على الإبتداء بالتعوذ عند القراءة استحبابا أو وجوبا ، والجمهور على الجهر بها وعلى أن لفظها : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وعلى أنه لا يجوز وصله بما وقطعه عنه ،
فإذا اجتمعت الإستعاذة بآية بدون بسملة جاز فيها وجهان : وصلها بالآية وقطعها عنها ،
وإذا جمعتها أي الإستعاذة مع البسملة وأول سورة جاز فيها أربعة أوجه :
( الأول ) قطعها عن البسملة وقطع البسملة عن أول السورة ، ويسمى هذا قطع الجميع .
( والثاني ) الوقف عليها مع وصل البسملة بأول السورة ويسمى وصل الثاني .
( والثالث ) وصل التعوذ بالبسملة مع الوقف عليها والإبتداء بأول السورة ويسمى وصل الأول .
( والرابع ) وصل التعوذ بالبسملة بأول السورة ويسمى وصل الجميع .
كل ذلك يقتضيه قوله تعالى الشاطبي : مسجلا ،
وقد نصَ عليه المحقق في النشر وأشار له في طيبته بقوله :
وقف لهم عليه أو صل واستحب ... تعوذ وقال بعضهم يجب
وقد نظمت الأوجه الأربعة بقولي :
وفي استعاذة إذا بسورة ... قرنتها أربعة للعشرة
قطع الجميع ثم وصل الثاني ... ووصل أول فخذ بياني
ووصل كل واعتبر ما حررا ... في كل عارض تكن ممن درى
وهذه الأوجه الأربعة تسمى عند المقرئين بالأوجه الأصول ، ويتفرع عنها أوجه فرعية باعتبار الجائز في العارض بأنواعه .(1/13)
وقبل تحرير الإستعاذة بأوجهها الفرعية أقدم لك تمهيدا في تحرير العوارض المدية مجتمعة ليمكنك قياس ما لم نذكره على ما نذكره فأقول :
اختلف أهل الأداء في تحرير العوارض مجتمعة فبعضهم سواها وبعضهم فرق بينها وجعلها أبوابا مختلفة ،
فإذا اجتمع عارض منصوب وآخر مجرور كالعالمين والرحيم فمن سوى بينهما ساوى مدهما ورام في المجرور بالقصر مع قصر المنصوب ، ومن يفرق بينهما يسوي مدهما ويروم المجرور بالقصر مع تثليث المنصوب ،
وإذا اجتمع عارض مجرور وآخر مرفوع كالدين ونستعين فمن يسوي يقصر المجرور بالسكون مع قصر المرفوع بسكون وإشمام ثم برومهما بالقصر ثم يوسطهما ويمدهما معا بالسكون فيهما وإشمام المرفوع في الحالتين ، ومن يفرق له على قصر المجرور بالسكون قصر المرفوع بسكون وإشمام وروم ، وعلى روم المجرور سبعة المرفوع وعلى توسط المجرور توسط المرفوع بسكون وإشمام ورومه بالقصر وعلى مدِ المجرور مدُ المرفوع بسكون وإشمام ورومه بالقصر فأوجه المرفوع يومئذ ستة عشر
( فإن قلت ) كيف تجوز ثلاثة المنصوب و سبعة المرفوع على روم المجرور بالقصر ،وكيف يجوز روم المرفوع بالقصر حال توسط أو مدِ المجرور بالسكون
( قلت ) جاوت ثلاثة المنصوب و سبعة المرفوع حال روم المجرور بالقصر لأن الروم كالوصل ، ونحن إذا وصلنا المجرور ووقفنا على منصوب أو مرفوع جاز لنا فيهما جميع أوجههما و كذلك الجواب في جواز روم المرفوع حال توسط المجرور أو مده بالسكون ،
( وإن قلت ) هذا يعد تركيبا
( قلت ) لا تركيب بين بابين كما نصَ على ذلك صاحب غيث النفع ، ولم ينقل عن العلامة الطباخ غيره ، وتلقيناه عن شيخنا ، وكان رحمه الله لا يلقي بهذه الطريقة إلا من يثق بهم ، ويأمن عدم التخليط عندهم .
( وسأذكر ) لك كل التحريرات بالطريقتين مقدما طريقة التسوية على طريقة التفرقة ، لتكون على بينة من الجميع فأقول مستعينا بالله تعالى :
تحرير الإستعاذة مع أول كل سورة(1/14)
إذا اجتمعت الإستعاذة مع أول سورة فيها عارض منصوب كان فيها على طريقة التسوية خمسة عشر وجها وبيانها :
( قطع الجميع ) بقصر الرجيم والرحيم والعالمين مثلا بالسكون ثم الروم في الرجيم والرحيم بالقصر مع قصر العالمين ، ثم توسط الجميع ومد الجميع أربعة
(ووصل الثاني ) بقصر الرجيم والعالمين ، ثم روم الرحيم مع قصر العالمين ، ثم توسطهما ومدهما أربعة
( ووصل الأول ) بقصر الرحيم والعالمين ، ثم روم الرحيم مع قصر العالمين ، ثم توسطهما ومدهما أربعة ،
( ووصل الجميع ) بثلاثة العالمين ثلاثة .
والسورة التي أولها عارض مرفوع كأول آل عمران يتأتى فيها ثمانية وعشرون وجها وهي : قطع الجميع بقصر الرجيم والرحيم والقيوم بالسكون وأشمام القيوم ثم الروم في الجميع ، ثم توسط الكل بالسكون وإشمام القيوم فيهما فهي سبعة ، وكذلك وصل الثاني ووصل الأول ، وفي وصل الجميع سبعة المرفوع ، ولا يخفى أنها في أول آل عمران تتأتى على قصر ميم الله ومدها .
والسورة التي أولها عارض مجرور يتأتى فيها ستة عشر وجها إذ العوارض كلها مجرورة ففيها أربعة المجرورات في كل حالة ، والطريقتان هنا متحدتان كما تتحدان في السورة التي أولها طبيعي كأول الكهف أو سكون عارض للوقف كأول الروم إلى الأرض أو قبل وبعد ، وألم نشرح إلى صدرك ، وفي الطبيعي والسكون العارض المنصوب يتأتى ثلاثة عشر وجها ، وفي المجرور تكون ستة وعشرين ، إذ يكون روم المجرور زائدا في كل وجه من الإثني عشر ، وفي وصل الجميع سكون وروم ، وفي المرفوع تكون الأوجه ستة وثلاثين لأن فيها زيادة إشمام المرفوع في كل وجه ، وعلى وصل الجميع سكون وروم وإشمام .
وعلى طريقة التفرقة يتأتى في السورة التي أولها عارض منصوب واحد وعشرون وجها وهي :
قطع الجميع بتثليث العوارض بالسكون ، ثم روم الرجيم والرحيم عليه ثلاثة المنصوب ستة ، وكذلك وصل الثاني ووصل الأول ، وعلى وصل الجميع تثليث المنصوب .(1/15)
وفي السورة التي أولها عارض مرفوع يتأتى خمسة وخمسون وجها وهي :
قطع الجميع بسكون العوارض بالقصر وروم المرفوع وإشمامه ، ثم روم الرجيم والرحيم عليه سبعة المرفوع ، ثم توسط العوارض بالسكون وإشمام المرفوع بالتوسط ورومه بقصره حيتئذ ، ثم مدُ العوارض بالسكون وإشمام المرفوع بالمد ورومه بالقصر فهي ستة عشر وجها ، تأتي كذلك في وصل الثاني ووصل الأول تكون ثمانية وأربعين ، وعلى وصل الجميع سبعة المرفوع .
أما تحرير التعوذ مع الآية بدون بسملة فيفهم مما مرَ إذ ليس فيه القطع والوصل ، وهذا جدول يبين لكَ تحرير التعوذ مع السورة والآية بالطريقتين وأمثلة ذلك :
( جدول تحرير التعوذ مع السورة )
التعوذ ... سورة أولها عارض ... المثال ... ... ... تسوية ... ... تفرقة ... ملحوظات
" ... منصوب ... ... ... الفاتحة ... ... ... 15 ... ... 21
" ... مرفوع ... ... ... آل عمران ... ... 28 ... ... 55
" ... مجرور ... ... ... المائدة ... ... ... 16 ... ... 16 ... متحدتين
" ... طبيعي ... ... ... طه ... ... ... 13 ... ... 13 ... "
" ... سكون عارض بأنواعه ... ألم نشرح ، المعارج ، القمر ... 13 ، 26 ، 39 ... "
( جدول تحرير التعوذ مع الآية بدون بسملة )
التعوذ ... آية آخرها عارض ... ... مثالها ... ... ... تسوية ... تفرقة ... ملحوظات
" ... منصوب ... ... ... براءة إلى المشركين ... 7 ... 9
" ... مرفوع ... ... ... وإماينزغنك .. الآية ... 8 ... 8 ... متحدتان
... ... ... ... تنزيل من الرحمن الرحيم
" ... طبيعي ... ... ... وما ينطق عن الهوى ... 5 ... 5 ... "
" ... سكون عارض منصوب ... ورفعنا لكَ ذكرك ... ... 5 ... 5 ... "
" ... سكون عارض مجرور ... الحمد لله فاطر السموات ... 10 ... 10 ... "
" ... سكون عارض مرفوع ... ألا له الخلق والأمر ... 15 ... 15 ... "
قوله تعالى ( الرحيم ملك )
يفهم قول الشاطبي : ودونك الإدغام الكبير .. البيت ، أن الإدغام لأبي عمرو من الروايتين
وهو كذلك في التيسير فمن أين يؤخذ تخصيص الإدغام بالسوسي من الشاطبية ؟
((1/16)
الجواب) يؤخذ تخصيص الإدغام بالسوسي من الشاطبية من تخصيصه بإبدال الهمز المفرد وقصر المنفصل ، ومن المنقول عن الشاطبي في قراءته وإقرائه ، قال السخاوي – تلميذه - آخر باب الإدغام من شرحه لشاطبية : وكان أبو القاسم يعني الشاطبي يقرئ بالإدغام الكبير من طريق السوسي لأنه كذلك قرأ انتهى .
وسكون الإدغام عارض كسكون الوقف ، فإن كان قبل المدغم حرف مدٍ أو لين جرى فيه ما يجري في الوقف من القصر والتوسط والمد والإشارة بالروم والإشمام في غير الباء والميم مع الميم والباء ، وهذا ما نصَ عليه في النشر وطيبته ، وقال : لا نعلم نصا بخلافه ، وقد يفهم من كلام الشاطبي لتجويزه الإشارة بالروم والإشمام ، واختار بعضهم مدَ المدغم فقط ، ولكن التسوية بين العارضين أصح القولين ، وقد أخذنا عن شيخنا حال التلقي قول بعضهم :
وسو بين عارض الإدغام ... ... وعارض الوقوف في الأحكام
وقال الطباخ في تحريره :
وعارض الإدغام و الوقف ولو ... ... في الفتح و التقليل والإضجاع سوّ
والإشارة بالروم لا يتأتى معها الإدغام الصحيح بخلاف الإشمام وهو هنا يكون مقارنا للنطق بالحرف كما في : مالك لا تأمنا على يوسف ، قال الطيبي :
واشمم هنا مقارنا للحرف ... ... لا بعد لفظه كحال الوقف
وعلى ذكر الإدغام يجب أن يلم القارئ بمعناه وفائدته وسببه وشرطه وموانعه وأقسامه والحروف التي تدغم والحروف التي لا تدغم.
فالإدغام هو النطق بالحرفين حرفا مشددا كالتالي .
وفائدته سهولة النطق بالحرفين .
وسببه التماثل والتجانس والتقارب .
وشرطه إلتقاء المدغم بالمدغم فيه خطا ( فيدخل إنه هو ، ويخرج أنا نذير )
وأن يكون المدغم فيه أكثر من حرف إذا كان الإدغام في كلمة ( فيدخل خلقكم ، ويخرج خلقك ) .
وموانعه نوعان : متفق عليها ومختلف فيها ،(1/17)
فالموانع المتفق عليها أربعة وهي : تنوين الأول و تشديده وكونه تا ضمير غير مكسورة والإخفاء قبله نحو غفور رحيم ، و شديد نحبهم ، و مس سقر و الحق كمن ، و كنت ترابا ، و خلقت طينا و فلا يحزنك كفره ، واختص بعض المتقاربين بالإسكان قبله نحو : ما خلقكم و لايحزنك قولهم .
والموانع المختلف فيها خمسة وهي :
(1) الحرف الفاصل بالجزم أو ما ينوب عنه نحو : يبتغ غير و يخل لكم و لتأت طائفة و آت ذاْ القربى ، والمشهور في المتقاربين الاعتداد بهذا المانع فالإدغام معه فيهما ضعيف ، قال في الطيبة : ( وفي الجزم انظر فإن تماثلا ففيه خلف وإن تقاربا ففيه ضعف ) على أنه اتفقت الطرق الصحيحة كلها على إظهار ولم يؤت سعة للجزم وخفة الفتحة وشذ إدغامها عن ابن شنبوذ والداجوني وهذا هو مراد الشاطبي بقوله : وما ليس مجزوما .
(2) توالي الإعلال في نحو آل و اللائي يئسن .
(3) صيرورة المدغم حرف مدٍ بإسكانه كهو ومن .
(4) كسر تاء الضمير في جئت شيئا فريا .
(5) خفة الفتحة مع عدم التكرار في الزكاة ثم و التورية ثم .
وهذه هي موانع الإدغام الكبير الذي هو أحد قسمي الإدغام و الثاني الصغير ، ومتى ارتفع المانع المعتد به ووجد السبب والشرط جاز لدف (؟) بحسب الرواية ، وقد تكلمنا على أقسام الإدغام وجوبا وجوازا وعلى موانع الإدغام الصغير كلاما وافيا في كتابنا الدروس التجويدية فليراجع .
وأما ما يدغم وما لا يدغم من الحروف الهجائية فهو خمسة أقسام :
( الأول ) لايدغم ولايدغم فيه وهو ثلاثة أحرف الهمزة والألف والخاء المعجمة .
( الثاني ) لايدغم ويدغم فيه وهو أربعة أحرف : الطاء والظاء والصاد المهملة والزاي ، ولا يقال أن الطاء تدغم في التاء في أحطت و بسطت إدغاما ناقصا ببقاء الإطباق لأن المراد الإدغام التام بإسقاط الحرف وصفته .
( الثالث ) يدغم في مثله فقط وهو ستة أحرف : العين والغين والفاء والهاء والواو .
((1/18)
الرابع ) يدغم في جنسه ومقاربه فقط وهو خمسة أحرف : الجيم والدال والذال والسين والضاد .
( الخامس ) يدغم في مثله وجنسه ومقاربه وهو أحد عشر حرفا : الباء والتاء والثاء والحاء والراء والسين والقاف والكاف واللام والميم والنون .
وقد نظمت هذه الأقسام بقولي :
من أحرف الهجاء سبع لا ترى ... ... مدغمة في غيرها يا من قَرا
وهي الألف والهمز حاء طاء ... ... والصاد مهملا وزاي ظاء
وليس في الثلاثة الأوائل ... ... إدغام حرف أبدا بحاصل
وستة في المثل أدغمنها ... ... عين وغين واو ياء فاء ها
وخمسة في الجنس أو مقارب ... ... أدغم فقط تنل جميع المأرب
وتلك شين معجم والذال ... ... والجيم والضاد كذاك الدال
والباء تاء ثاء حاء سين ... ... راء ولام قاف كاف نون
والميم إحدى عشرها أدغمه في ... ... مثل وجنس ومقارب تفي
إلا أن الفاء تدغم في مقاربها الباء ، والدال تدغم في مثلها في الصفير فقط .
قوله تعالى : الصراط و صراط و أصدق ونحوها الإشمام فيها عبارة عن إشراب الصاد صوت الزاي بحيث تنطق بحرف فرعي بينهما وتحكم ذلك المشافهة .
قوله تعالى : ( ولا الضالين ) مدُ الضالين لازم كلمي مثقل للزوم السكون وإدغامه ، والجمهور على مدِ اللازم مشبعا بدون إفراط وقدر بثلاثة ألفات وهو أقوى المدود لتحقق سببه واتصاله ، ويليه في القوة ما ألحق به من تاءات البزي و الصافات صفا و أتمدونّي لحمزة وأتعدانّي لهشام وأنساب بينهم لرويس ، ويليها المتصل ثم العارض للسكون ثم المنفصل ثم البدل وهو أضعفها ، كما أن اللين العارض للسكون أقل من حرف المد ، وقد نظمت ذلك فقلت :
أقوى المدود لازم وما لحق ... ... فالمتصل فعارض السكون ثق
فالمنفصل وأضعف الكل البدل ... ... واللين عن مدٍ لعارض نزل
ويتفرع على هذه القاعدة أنه إذا اجتمع مدان قوي وضعيف ساوى القوي الضعيف أو علا عنه وساوى الضعيف القوي أو نزل عنه
( مثال ذلك ) اللين والمد العارض للسكون ، والبدل والعارض ، والمتصل و المنفصل ، وسنوضح ذلك عند أمثلته من الآيات .
تحرير بين السورتين(1/19)
إعلم أن قالون وأبا جعفر وعاصما والكسائي وابن كثير يبسملون بين كل سورتين غير براءة بلا خلاف ، وأن ورشا وأبا عمرو ويعقوب وابن عامر لهم البسملة والوصل والسكت بدونها وهذا الذي عليه جمهور شراح الشاطبية في قوله :
وفيها خلاف جيده واضح الطلا ،
أي وفي البسملة خلاف في إثباتها وحذفها عن أصحاب رمز : كل جلاياه حصلا ، مشهور كشهرة ذي العنق الطويل بين أصحاب الأعناق القصيرة وهو كذلك في كتب أئمة القراءة وعليه فلا رمز في البيت لأحد ،
وإن حمزة و خلفا يصلان بلا بسملة قولا واحدا من هذه الطرق ، وإن من لهم البسملة لهم ثلاثة أوجه وهي : قطع الجميع ، ووصل الثاني ، ووصل الجميع ،
ومن لهم البسملة والوصل والسكت بدونها لهم خمسة أوجه الثلاثة المذكورة وهذان الوجهان ، ولحمزة وخلف وجه واحد وهو الوصل بلا بسملة ، وقد نظمت هذه الأوجه بقولي :
وبين كل سورة وأخرى ... ... لمن يبسمل ثلاث تقرا
قطع الجميع ثم وصل الثاني ... ... ووصل كل فاتل بالإتقان
واسكت وصل بدونها الوصل فقط ... من له ذلك واحذر الغلط
و هذا الحكم بين كل سورتين رتبنا أولا كالفاتحة بأول البقرة أو النساء مثلا ، أما إذا وصل آخر السورة بأول كمن يكرر سورة الإخلاص فلا بدَ من البسملة و كذلك إذا وصل آخر الناس بأول الحمد ، وبقي ما لو وصل آخر التوبة بأول نفسها فليس في ذلك إلا القطع بدون بسملة لاغير ، وقد بين ذلك العلامة الطيبي بقوله :
وبين سورتين لم ترتبا ... ... ما بين ما رتبنا قد أوجبا
وإن تصل آخرها بالأول ... ... لها فللجميع قال بسمل
وآخر الناس بحمد إن تصل ... ... بسمل فقط الوصل و السكت حظل
أما بين الأنفال والتوبة فيجوز لجميع القراء ثلاثة أوجه وهي : الوصل بلا بسملة ، والسكت بلا بسملة ، والوقف بينهما كذلك ، نصَ على هذا ابن الجزري وغيره ، ونقل عن بعضهم اختيار الوصل فقط لحمزة لأنه كذلك يصل في غيرها ففيها أولى و الأول أولى ، وبالجميع قرأت للكل وبه أقرئ ، قال الطيبي :(1/20)
وبين الأنفال وبين التوبة ... ... للكل قِف وصل وجي بسكتة
( وقلت ) :
وبين الأنفال و توبة بلا ... ... بسملة قفا أو اسكت أو صلا
وما تقدم هو الأوجه الأصول، وتأتي معها أوجه فرعية نظرا لاجتماع العوارض نذكر لك منها أنموذجا تقيس عليه فنقول إذا كان آخر السورة وأول غيرها عارضا منصوبا يتأتى بينهما على التسوية عشرة أوجه لمن يبسمل ، وبيانها الفاتحة والبقرة : قطع الجميع بقصر العوارض بالسكون ثم الروم في الرحيم ، ثم توسط الكل ومد الكل ، وعلى وصل الثاني ثلاثة الضالين والمتقين ، وعلى وصل الجميع ثلاثة المتقين فقط ، وللواصل بقراءة بسملة ثلاثة المتقين ، وللساكت بدونها ثلاثة الضالين والمتقين ، فمن يزيد الوصل والسكت له ستة عشر وجها ، وعلى طريقة التفرقة يزيد وجهان وهما روم الرحيم بقصره حال توسط ومد الضالين والمتقين في قطع الجميع فعليها للمبسمل إثنا عشر وجها ، ولمن زاد الوصل والسكت ثمانية عشر ، وليس لحمزة وخلف إلا ثلاثة الوصل بلا بسملة على الطريقتين ، وإذا كان آخر السورة منصوبا وأول غيرها مرفوعا يتأتى بينهما على طريقة التسوية واحد وعشرون وجها لأصحاب البسملة وخمسة وثلاثون وجها لمن يزيد الوصل والسكت بدونها وبيانها في آخر البقرة بأول آل عمران إلى القيوم : قطع الجميع بقصر الكافرين والرحيم والقيوم بالسكون وإشمام القيوم ، ثم روم الرحيم والقيوم ، ثم توسط الجميع وإشمام القيوم ومد الكل وإشمام القيوم سبعة ، ووصل الثاني بقصر الكافرين والقيوم بالسكون وروم وإشمام القيوم ثم توسطهما وإشمام القيوم ، ثم مدهما وإشمام القيوم سبعة ، ووصل الجميع سبعة القيوم والسكت بلا بسملة مثل وصل الثاني والوصل بدونها مثل وصل الجميع ، وجميعها يتأتى على قصر ميم الله ومدها للكل ، ، وعلى قصر المنفصل ومده وعلى الإظهار والإدغام وعلى الفتح و التقليل لأصحابها ، وعلى طريقة التفرقة تكون أوجه البسملة أربعا وثلاثين ، ولمن يزيد الوصل و السكت خسمين وهي : قطع(1/21)
الجميع بالقصر وفيه ثلاثة القيوم 3 ، ثم روم الرحيم عليه ثلاثة القيوم 3 ، ثم توسط الكافرين والرحيم والقيوم بالسكون وإشمام القيوم ثم روم القيوم ، ثم روم القيوم بالقصر حينئذ 3 ، ثم روم الرحيم بالقصر حال توسط الكافرين والقيوم بالسكون أو إشمام االقيوم بالتوسط أو رومه بقصره 3 ، ثم مدُ الكل بالسكون أو إشمام القيوم بالمد أو رومه بقصره 3 ، ثم روم الرحيم حال مدِ الكافرين والقيوم بالسكون أو إشمام القيوم بالمد أو رومه بالقصر 3 ، ووصل الثاني بقصر الكافرين والقيوم مع ثلاثة القيوم 3 ، ثم توسطهما بالسكون وإشمام القيوم ورومه بقصره 3 ، ثم مدهما بالسكون وإشمام القيوم ورومه بقصره 3 ، وعلى وصل الجميع سبعة المرفوع 7 ، وعلى السكت بلا بسملة تسعة مثل وصل الثاني ، وعلى الوصل بدونها سبعة مثل وصل الجميع ، وتتأتى كما سبق ، ولا يخفى على الفطن إخراجها لكل راو بحسب ماله .
وليس لحمزة و خلف غير سبعة المرفوع على كل من قصر الميم ومدها ، وإذا كان آخر السورة منصوبا وأولها مجرورا كآخر الأعراف بأول الأنفال كان فيهما على كريقة التسوية للمبسملين إثنا عشر وجها ، ولمن يزيد الوصل والسكت عشرون وجها وبيانها : قطع الجميع بأربعة الرحيم والأنفال ، ووصل الثاني ووصل الجميع بأربعة الأنفال و كذلك السكت و الوصل بدون بسملة ، وعلى طريقة التفرقة ستة عشر وجها لمن يبسمل وست وعشرون لمن زاد الوصل و السكت وهي : قطع الجميع بقصر العوارض بالسكون وروم الجرورين ، ثم توسطهما بالسكون وروم المجرورين بقصرهما 6 ، و كذلك وصل الثاني و السكت بلا بسملة ، وفي وصل الجميع و الوصل بلا بسملة أربعة الأنفال فقط ، ولا يخفى تحرير ما بين السورتين إذا كان الآخر والأول سكونا أصليا أو عارضا أو طبيعيا أو لازما ، وكذلك إذا كانا مختلفين كما لا تخفى مراعاة منع الروم والإشمام في هاء الضمير على أصح القولين وإن كنا جرينا عليهما في تحرير الحجر بأول النحل إبى تستعجلوه .(1/22)
وقد وضعت جدولا يبين جميع ما يأتي بين كل سورتين بالطريقتين وإنك لو لاحظت ما يبينه لك في الأمثلة المتقدمة لقدرت على استخراج جميع الأوجه المرقومة في الجدول لكل سورتين ، وها هو :
( جدول تحرير بين السورتين بطريقتين )
آخر أول البسملة فقط البسملة مع
مدٌ سكون طبيعي مدٌ سكون طبيعي الأمثلة وصل وسكت
عارض عارض وشبهه عارض عارض وشبهه تسوية تفرقة تسوية تفرقة
منصوب " " منصوب " " الفاتحة بالبقرة 10 12 16 18
" مرفوع البقرة بآل عمران 21 34 35 50
" مجرور الأعراف بالأنفال 12 16 20 26
" " " " " طبيعي آل عمران بالنساء 8 10 12 14
مرفوع منصوب المائدة بالأنعام 17 30 37 42
" مجرور النساء بالمائدة 18 36 29 56
" مرفوع الحجر بالنحل بلا روم 17 26 27 36
" " " " " " الحجر بالنحل بروم وإشمام 21 30 35 44
" لازم الأنعام بالأعراف 15 24 23 32
مجرور منصوب سبأ بفاطر ( إلى رباع ) 11 15 18 24
" مرفوع الواقعة بالحديد 21 39 35 62
" مجرور التوبة بيونس 12 12 20 20
" طبيعي الطور بالنجم 9 9 14 14
منصوب مرفوع العنكبوت بالروم ( إلى بعد ) 24 30 36 42
" مجرور الصافات بِـ صَ ( إلى ذكر) 16 20 24 28
مرفوع مرفوع المزمل بالمدثر 45 72 69 96
مجرور مجرور الحاقة بسأل ( إلى المعارج ) 18 18 28 28
" مرفوع قَ بالذاريات ( إلى واقع ) 27 27 42 42
طبيعي طبيعي مريم بِـ طه 6 6 8 8
" منصوب طه بالأنبياء 10 12 16 18
" مرفوع الأحزاب بسبأ 21 30 35 44
" مجرور الفرقان بالشعراء 12 12 20 20
" منصوب النصر بِـ تبت 6 6 8 8
" مرفوع النجم بالقمر 18 18 24 24
" مجرور الفجر بالبلد 12 12 14 14
منصوب " مجرور الفلق بالناس 12 12 20 20
مجرور " منصوب القمر بالرحمن 17 21 26 30
مرفوع " الكوثر بالكافرون 24 30 36 42
" " مجرور الإخلاص بالفلق 37 37 38 38
( وقد تكفل كتابنا قرة العين ببيان جميع هذه الأوجه المرقومة في هذا الجدول ) .(1/23)
قوله تعالى : ( لاريب فيه هدى للمتقين ) لو وقفت على لا ريب ثم وقفت على المتقين كان لك فيهما ستة أوجه وهي : قصر اللين مع تثليث المتقين ، ثم توسط اللين مع توسط المتقين ومده ثم مدهما ، ولو تقدم العارض على اللين كان لكَ ستة أيضاً وهي : على قصر العارض قصر اللين فقط ، وعلى توسط العارض توسط اللين وقصره وغبى مدِ العارض مدُ اللين أو توسطه أو قصره ، قال ابن الجزري في كلامه على نحو الليل والخوف : والتحقيق في ذلك أن يقال أن هذه الثلاثة أوجه لاتسوغ إلا لمن ذهب إلى الإشباع في حروف المد من هذا الباب ، وأما من ذهب إلى القصر فيها فلا يجوز له إلا القصر فقط ، ومن ذهب إلى التوسط فيها فلا يسوغ له هنا إلا التوسط والقصر سواء اعتد بالعارض أو لم يعتد ولا يسوغ له هنا إشباع ، ولذلك كان الأخذ به في هذا النوع قليلا انتهى ، وأشار إلى ذلك في الطيبة بقوله : وفي الليت يقل طول .
وقد نظم المنصوري أوجه تقدم العارض على اللين فقال :
وكل من أشبع نحو الدين ... ... ثلاثة يجري بوقف اللين
ومن يرى قصرا فبالقصر اقتصر ... ومن يوسطه يوسط أو قصر
ونظم المبهي أوجه تقدم اللين على العارض بقوله :
وكل من قصر حرف اللين ... ... ثلاثة يجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا ... ... وإن تمده فمد مشبعا(1/24)
وإذا كان فيهما أو في أحدهما روم أو إشمام كادت أوجههما على ستة ولا تخفى على الفطن ، وإذا وقفت على نحو هدى من كل مقصور منون أملته من يمل صغرى أو كبرى ، وفتحته لمن يفتح ، أما الخلاف الذي حكاه الشاطبي بقوله : وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا إلخ .. فهو خلاف نحوي لاأدائي ، وأصله أن علماء الصرف لهم في الوقف على المقصور المنون ثلاثة أقوال ، الأول : أن ألفه ألف قصر مطلقا فيرقق أي يمال ، والثاني : أنها مبدل من النتوين مطلقا فيفخم أي يفتح ، والثالث : أنها مبدلة في النصب وألف قصر في الرفع والجر فتفتح في النصب وتمال في الباقي ، ولم يصح ذلك عن أئمة القراء كما وضحه ابن الجزري في نشره وأشار إليه في طيبمه بقوله : وما بذي التنوين خلف يعتلى ... بل قبل ساكن بما أصل قِف اه ، وقد ضبط المنون والممال في القرآن فوجد سبعة عشر كلمة جمعها بعضهم بقوله :
ولا تمل من المنونات ... ... إلا حروفا ذات قصر تاتي
غزا مصلى ومصفى مفترى ... طوى ربا سطى سدى فتى قرى
مثوى مسمى وإذا مولى هدى ... ضحى عمى سبع وعشر فاعددا
وأمليت هدى لانقلاب ألفها عن ياء ، و هذا أحد أسباب الإمالة الثمانية وهي :
(1) كسرة موجودة في اللفظ مثل بارئكم و إناه و آنية ،
(2) عارضة في بعض الأحوال مثل خاف و طاب فإنها تؤول إلى خفت و طبت ،
(3) ياء موجودة في اللفظ مثل محياي و خطايا ،
(4) انقلاب الألف عن ياء مثل هدى و اشترى ،
(5) شبه الإنقلاب عن ياء مثل حبلى ،
(6) شبه شبه انقلاب عن الياء مثل موسى و يحيى ،
(7) مجاورة إمالة وهو ما يكون للتناسب كرؤوس الآي مثل الضحى و سجى أو المسمى بإمالة الإمالة كإمالة ألف نصارى و يتامى لدوري الكسائي من طريق الضرير ،
(8) ألف مرسومة ياء كحسرتى وأنى ، وكلها ترجع إلى الكسرة أو الياء والإمالة والتقليل والفتح لغات فصيحة عربية ، وفائدة الإمالة سهولة النطق و الإشعار بالأصل .(1/25)
قوله تعالى ( والذين يؤمنون با أنزل إليك وما أنزل من قبلك .. إلى .. هم المفلحون ) فيها لقالون أربعة أوجه وهي : قصر المنفصل ومده وعلى كل منهما سكون وصلة في ميم الجمع رويت كلها من طريق أبي نشيط ، وأطلق الخلاف فيها في الشاطبية ، وقرأت بها وبها أقرئ ، وإذا ولي الميم همزة قطع عوملت في الصلة معاملة المنفصل فيكون فيها وحدها حينئذ ثلاثة أوجه ، وهي الصلة بالمد و القصر والسكون ، وقد نظمت الجميع فقلت :
إذا ميم جمع يتلها نحو ما أتى ... فسكن وصل واقصر ومد في الكل
وإن عكس ذاْ سكن على القصر ثم صِل ... وكل على مدٍ لقالون ذي الفضل
وإن يتلها همز فسكن وصل لها ... ... بقصر ومد مثل منفصل أصلي
وفيها لورش إبدال الهمز الساكن في يؤمنون لأنها فاء كلمة وقد ضبط بعضهم الحروف االتي تأتي بعدها الهمزة فاء والكلمات التي تبدل والممنوع إبداله فقال :
يبدل ورش بعد ستٍ تسبق ... ... تبْ فرو دُم يأتيك نور مشرق
بشرط أن يكون ما أبدله ... ... فاء للفظ ربنا أنزله
وبعد همز الوصل كالذي اؤتمن ... وبئس و الذئب و بئر يا فطن
وأبدلا واوا له من همزة ... ... مفتوحة فاء وبعد ضمةِ
نحو يؤيد و مؤجلا ولا ... ... تبدل فؤدا لؤلؤا نلت العلا
وما يجي من جملة الإيوا فلا ... ... يبدله كن عالما محصلا(1/26)
و بما أنزل مده المنفصل لانفصال سببه عن شرطه جائز لاختلاف الاقراء في مده وقصره ، و أولئك مده متصل واجب لإجماع القراء على مده ، والقصر في المنفصل عبارة عن تحقيق النطق بحرف المد دون زيادة عليه ، وقدر بألف واحدة ويعبر عنه بالطبيعي ، والمد هو الزيادة على ما ذكر ، والقراء متفاوتون بالمد على حسب مذاهبهم في التحقيق والترتيل والحدر ، فأطولهم مدا ورش وحمزة ، وقدر بثلاث ألفات ودونهما عاصم وقدر بألفين ونصف ثم ابن عامر والكسائي وخلف وقدر بألفين ، ثم ابن كثير والبصريان وأبو جعفر وقدر بألف ونصف ، فهي أربع مراتب ذكر في التيسير وغيره ، ومشى عليها كثير من القراء والمقرئين ، وبعضهم لا يرى في المد إلا مرتبتين طولى لورش وحمزة وقدرها ثلاث ألفات ووسطى وقدرها ألفان سواء ذلك في المتصل و المنفصل وهو اختيار الشاطبي رحمه الله تعالى ، ( إن قلت ) من أين تأخذ للشاطبي بذلك مع أنه أهمل في القصيدة ذكر تفاوت المد ولم ينبه عليه ، والمرتبتان خلاف التيسير ، قلت من السماع الصحيح المتلقى بالسند فقد نقل الجعبري عن السخاوي أن الشاطبي كان يقرئ برتبتين طولى ووسطى فقط ، وأنه عدل عن المراتب الأربع لأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة بخلاف المرتبتين فإنهما تتحققان ويمكن ضبطهما وتتيسران على النبيه والغبي ، أما كونهما خلاف التيسير فهذا لا يضر لأنه خلاف إلى أقوى ، على أن المحقق انتصر لهما وعزاهما إلى كثير من أئمة المحققين ، قال في نشره : وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا وذكر كثيرين منهم : ابن مجاهد والطرسوسي وغيرهما وقال عنهم أنهم لم يذكروا من سوى القصر غير مرتبتين طولى ووسطى ، وقال : وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه انتهى .
بقي كيفية التحرير بين المتصل والمنفصل حين اجتماعهما من أربع مراتب وهاكه موضحا :(1/27)
إذا اجتمع منفصل ومتصل متوسط أو متطرف موصول وسبق المنفصل ، فمن له قصر المنفصل ( وهو قالون وابن كثير والبصريان وأبو جعفر ) له في المتصل المد ثلاثا وأربعا ولقالون والدوري مدُ المنفصل ثلاثا مع مدِ المتصل ثلاثا وأربعا ، ولابن عامر والكسائي وخلف مدُ المنفصل والمتصل أربعا على التساوي لاغير ، ولعاصم مدُ المنفصل أربعا مع مدِ المتصل أربعا وخمسا الثامن مدهما خمسا ، ولورش وحمزة مدهما ستا لاغير ، فإذا كان المتصل متطرفا موقوفا عليه جاز للجميع مدُ المتصل ستا نظرا لسكون الوقف ، ويجري فيه الإشمام في جميع مراتبه ويكون رومه كحال وصله كما قال العلامة الطباخ .
وواقفا لقدر مدِ الوصل ضُم ... ... ستا ويجري حكم وصل إن ترم
وتوضيح تحريرهما حينئذ ، إن قصر المنفصل جاز في المتصل مدُ ثلاث وأربع وست ، وإن مدَ المنفصل ثلاثا مدَ المتصل ثلاثا وستا ، وإن مدَ المنفصل أربعا مدَ المتصل أربعا وستا ، وإن مدَ المنفصل خمسا مدَ المنفصل خمسا وستا ، وإن مدَ المنفصل ستا مدَ المتصل ستا لاغير ، وإليك توضيح ما يتأتى فيهما من الأوجه للجميع من أربع مراتب ومن مرتبتين في قوله تعالى ( وإذا قيل لهم آمنوا .. إلى .. السفهاء ) فلقالون ومن معه قصر المنفصل عليه مدُ المتصل ثلاثا وأربعا مع السكون والروم والإشمام ،ومده ستا بسكون وإشمام فقط فهي ثمانية ، ويزيد قالون والدوري مدَ المنفصل ثلاثا عليه مدُ المتصل ثلاثا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل أربعا عليه مدَ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام لاغير فتتم الأوجه حينئذ ثمانية عشر ، فإذا كان المتصل مجرورا امتنع الإشمام وكانت الأوجه أحد عشر ، وفي المنصوب سبعة لاغير إذ لاروم فيه ولا إشمام .(1/28)
ولابن ذكوان والكسائي وخلف خمسة أوجه في المرفوع وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام ، وفي المجرور ثلاثة وفي المنصوب اثنان ، ولعاصم عشرة أوجه وهي مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل خمسا عليه مدَ المتصل خمسا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام ، ومنع الروم حال مدِ المتصل ستا لأنه كالوصل ، ولا يوصل المتصل بست هؤلاء ، ولورش ثلاثة فقط وهي مدهما ستا بثلاثة لاغير ، وإلى ذلك أشار العلامة الطباخ بقوله :
وذو اتصال وانفصال سوّ أو ... ... زِد ما به انفراد آخر رأوا
وإن يمدُ قدر ما به انفرد ... ... فأزجه الثاني جميعها تعد
وقد أوضحنا من النشر فيهما لحفص من كتابنا ( تيسير الأمر لما زاده حفص من طريق النشر ) فارجع إليه وقس الباقين عليه .
ولهشام خمسة أوجه وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه في المتصل قصر وتوسط ، ومد بالإبدال وروم بالتسهيل بالقصر والتوسط ، ولحمزة خمسة أيضاً : مدُ المنفصل ستا عليه في المتصل ثلاثة الإبدال والروم بالقصر والمد اه .
كل ذلك من الأوجه الجائزة وجميعها مأخوذ من القواعد ومنصوص عليه في النشر وغيره .(1/29)
قوله تعالى ( أأنذرتهم ) كل من له إدخال حرف مدٍ بين الهمزتين فإنما يمد قدر ألف واحدة ، وما ورد من زيادة المد فيه عن هشام ضعيف لا يقرأ به ، والمد بمقدار الألف هنا يسمى مدُ الحجز وهو أحد ألقاب المد العشرة ، وباقيها مدُ العدل وهو اللازم لأنه يعدل الحركة ، ومد التمكين وهو المتصل كأولئك للتمكن من تحقيق الهمز ومد البدل كآدم لأنه يبدل من الهمز ، ومد الروم نحو هأنتم لمن يسهل لأنه يروم الهمزة ، ومد الفرق مثل آلله أذن للفرق بين الإستفهام والخبر ، ومد البنية نحو زكرياء بالمد لبيان بنية الممدود والمقصور ونحو دعاء ونداء فإن الكلمة فيها بنيت على المد ، ومد البسط أو الفصل وهو المنفصل لأنه يبسط االصوت بين الكلمتين ، ومد المبالغة نحو لاإله إلا الله للمبالغة في نفي الألوهية عن غير الله ، ومد الأصل وهو الطبيعي ، وقد جمعت هذه الألقاب في قولي :
للمد عشرة ألقاب أفيدكها ... ... الحجز والعدل والتمكين والبدل
ومد روم وفرق بنية وكذا ... ... بسط مبالغة والأصل قد نقلوا
والكسائي وهشام يشمان كسر قيل ضمة وليس لهما في قيلا وقيله إلا إخلاص الكسر .
قوله تعالى ( وعلى أبصارهم غشاوة ) أمال الكسائي وقفا ما قبل هاء التأنيث من حروف التهجي ما عدا الألف في قول وما عدا حروف الإستعلاء وحاع وحروف اكهر بعد فتح وضم في قول آخر ، ولم يمل الألف اللينة أصلا كالحياة ، ووضح ذلك بعضهم بقوله :
من غير خلف أميلت زينب فجثت ... ... لذود شمس لدى هاء الوقوف يرى
كذاك اكهر بعد الياء إن سكنت ... ... أو كسرة وسكون بعدها جبرا
والخلف في العلو مع حاع له ذكروا ... ... وبعد فتح وضم اكهر اشتهرا
واستثن من خص ضغط قظ حما ألفا ... ... فالفتح فيها بلا خلف له ذكرا(1/30)
قوله تعالى ( ومن الناس .. إلخ ) ذكر الشاطبي الخلاف في إمالة الناس عاما لأبي عمرو بقوله – وخلفهم في الناس في الجر حصلا ، ولكن المنقول عنه توزيع الخلاف بين الراويين ، فللدوري الإمالة فقط ، وللسوسي الفتح فقط وهو الذي أخذناه ، على أن صاحب النشر لم يذكر الخلاف لغير الدوري .
وللأزرق في مدِ البدل في آمنا و الآخر ثلاثة أوجه : القصر والتوسط والمد ، ولا فرق بين المحقق والمغير فقد أطلق المذاهب فيهما الشاطبي وغيره ، وكل من له مذهب في البدل لم يفرق بينهما ، فقول الشيخ شلبي في تحريره أن قصرالمغير مذهب لا يتمشى إلا إذا كان مع قصر المحقق ، لأن المذاهب فيها ثلاثة كما علمت ، أما قصر المغير مع توسط المحقق أو مده فيأتي على قاعدة تغير السبب والاعتداد بالعارض عند من يعتد به وتكون الأوجه حينئذ خمسة وهي : قصرهما ثم توسط المحقق مع توسط المغير وقصره ثم مدُ المحقق مع مدِ المغير وقصره .
قال ابن الجزري في نشره : وتظهر فائدة الخلاف في ذلك في نحو ( من يقول آمنا بالله واليوم الآخر ) فمن لم يعتد بالعارض ساوى بين آمنا و الآخر قصرا وتوسطا ومدا ، ومن اعتد به مدَ وتوسط في آمنا وقصر في الآخر ، ولكن العمل على عدم الاعتداد بالعارض في الباب كله سوى مااستثني من ذلك فيما تقدم وبه قرأت وبه آخذ ولاأمنع الاعتداد بالعارض انتهى .(1/31)
قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا .. إلى .. مستهزئون ) لفظ مستهزئون بدل وصلا ومد عارض للسكون وقفا ، ومعلوم أم مدَ العارض أقوى من البدل ففيهما لورش ستة أوجه نصَ عليها في النشر بقوله : إذا وقفت لورش من طريق الأزرق على نحو يستهزئون و متكئون و مآب فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك ، سواء اعتد بالعارض أم لم يعتد ، ومن روى عنه التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض وبالمد إن اعتد به ، ومن روى القصر كأبي الحسن بن غلبون وابن بليمة وقف كذلك إذا لم يعتد بالعارض وبالتوسط أو الإشباع إن اعتد به ، انتهت عبارته ، وقد نظمت ذلك فقلت :
ثلث كمستهزئون مع قصر البدل ... ... وإن توسط وسطا وامدد تجل
وإن تمد امدده لاغير لدا ... ... ... وقف لورش ستة نلت الأمل
وليس ذلك مخصوصا بعارض السكون الذي فيه همز بل هو عام في جميع المد العارض لكونه أقوى من البدل كما علمت ونبه على ذلك العلامة الطباخ في تحريره فقال :
وحرف مدٍ حرف لين إن تلا ... ... في الوقف أو عارض وقف بدلا
فليأت فيس الثان الذي في الأول ... وزده ما عنه علا إن يقبل
ومثل أول مع الأدنى أتى ... ... في الثان مع عكس فصارت ستتا
قوله تعالى ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) اختص بإمالة طغيانهم الدوري عن الكسائي ولا تقليل فيه لورش .
قوله تعالى ( إن الله على كل شئ قدير ) يفهم من قول الشاطبي – وعن حمزة في الوقف خلف .. إلى و شئ و شيئا لم يزد – أن خلفا اختلف عنه في السكت على المفصول نحو لهم آمنوا ولم يختلف عنه في السكت على أل و شئ ، وأن خلادا اختلف عنه في سكت أل و شئ ولم يختلف عنه في عدم سكت المفصول ، وقد أوضح ذلك بعضهم بقوله :
و شئ و أل بالسكت عن خلف بلا ... ... خلاف وفي المفصول خلف تقبلا
وخلادهم بالخلف في أل و شيئه ... ... ولا سكت في المفصول عنه فحصلا(1/32)
ولحمزة وهشام في الوقف على شئ النقل و الإدغام وكلاهما مع السكون أو الروم لكونه مجرورا فتصير أربعة أوجه ، ويزيد في المرفوع الإشمام فيهما ففيه ستة ، والحذف اتباعا للرسم متحد مع النقل بالسكون فلا يعد وجها لاندراجه فيه ، وفي المنصوب النقل و الإدغام فقط ، وقد نظم العلامة المرادي أوجه المرفوع فقال :
في شئ المرفوع ستة أوجه ... ... نقل و إدغام بغير منازع
وكلاهما معه ثلاثة أوجه ... ... والحذف مندرج فليس بسابع
وزاد بعضهم أوجه المجرور والمنصوب فقال :
ويجوز في مجرورها هذا سوى ... إشمامه فامنع لأمر مانع
والنقل والإدغام في منصوبها ... لاغير فافهم ذاك غير مدافع
قوله تعالى ( فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم ) لو وقف يعقوب على فسواهن وعلى هو و هي بهاء السكت فقط من طريق الدرة ، وكذلك لو وقف على ياء المتكلم المشددة نحو إلي و علي و مصرخي ، وله في الوقف على ما الإستفهامية المجرورة نحو لِم و بم و فيم هاء السكت وعدمها ، هذا ما قرأت به من طريق الدرة ونص عليه شارحها الرميلي وأفتيت به وأخذت عليه خطوط مشيخة مقارئ الإسكندرية سنة 1316هجرية .(1/33)
قوله تعالى ( هؤلاء إن كنتم صادقين ) اجتمع في هؤلاء مدان منفصل ومتصل ، وقد أسلفنا مراتب مدهما عند ممن يحقق الهمزة ، وبقي أن من غير همزة المتصل وصلا بتسهيل أو حذف يجوز له القصر والمد فيه عملا بقول الشاطبي ( وإن حرف مدٍ قبل همز مغير .. إلخ ) وأن المد أولى من القصر عند قالون لبقاء أثر السبب عكس أبي عمرو لعدم أثره كما قال في الطيبة ( والمد أولى إن تغير السبب وبقي الأثر أو فاقصر أحب ) ، ولقالون والدوري فيهما ثلاثة أوجه : قصر هاء مع قصر ومد أولاء ، ثم مدهما لاغير ، ولا يجوز قصر المتصل المغير بالإسقاط مع مدِ المنفصل لأنه لو قدر منفصلا ساوى غيره وإن قدر متصلا تعين مده ، وتجري الأوجه الثلاثة فيما لو تأخر المنفصل عن المتصل المغير نحو ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) فعلى مدِ السماء أن قصر ومد في بإذنه إن ، ثم قصرهما ، ولقنبل وجهان تسهيل الثانية بين بين وإبدالها مدا طويلا للساكن ملحقا باللازم . ولورش ثلاثة أوجه وهي : وجها قنبل ، والثالث إبدالها ياء مكسورة خفيفة ، وليس للأزرق في إبدالها ياء ساكنة مدية ثلاثة البدل بل له المد الطويل فقط كما قال الطيبي :
وآخر الهمزين حيث أبدله ... ... مداً فلا تأتي الوجوه فيه له(1/34)
أي وجوه البدل ، ومثل هؤلاء إن البغاء إن أردن بالنور لورش ، إلا أن إبدالها مدا يجوز القصر والمد لتغير السبب بالنقل ، وفي جمع هؤلاء إن لورش مع البدل قبلها إلى صادقين يتأتى ثمانية عشر وجها وهي ستة على قاعدة اجتماع البدل والعارض في كل منها ثلاثة هؤلاء إن وهذا هو التحقيق ، أما قول الإسقاطي أنها سبع وعشرون فهو تساهل لا يصح إذ لا يقصر العارض مع مدِ البدل أو توسطه . وفيها لقالون ثلاثة هؤلاء إن مع السكون أو الصلة ، وعلى كل ثلاثة صادقين فهي ثمانية عشر أيضاً ، ولايخفى ما للباقين إلى صادقين . ولحمزة في الوقف على هؤلاء ( وليس محل وقف ، والذي يسوغ الوقف عليه هو ولا إلى هؤلاء بالنساء ) ثلاثة عشر وجها وهي تحقيق الهمزة الأولى بالمد خمسة الأخيرة وهي : ثلاثة إبدالها ووجها تسهليلها بالروم ثم تسهيل همزة ها بقصر ومدها وعلى كل خمسة الأخيرة المتقدمة ، ويمتنع حينئذ وجهان وهما : روم الأخيرة بالمد مع قصر الأولى والعكس ، وحكي إبدال الأولى واوا مع القصر والمد فتكون الأوجه بذلك خمسة وعشرين ، والصحيح ماذكرنا ، وقد نظمته فقلت :
في هؤلاء إن تقف لحمزة ... ... ثلاث أوجه أتت مع عشرة
وهي إذا حققت ما توسطا ... ... فاقصر مطرفا ومد موسطا
ورم على القصر ومد وإذا ... ... سهلت ما توسط المد خذا
والقصر فيه وعلى كل أتى ... ... ماجاء في التحقيق لكن أثبتا
منعا لروم إن قصرت ها بمد ... وإن مددت المنع بالقصر ورد
ولهشام تسهيل المتطرفة فقط بأوجهها الخمسة له .(1/35)
قوله تعالى ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم .. إلى .. الكافرين ) هذه الآية مثال لاجتماع البدل وذات الياء لورش فله فيها من الحرز أربعة طرق وهي : قصر البدل بفتح ذات الياء ، وتوسطه بتقليلها ، ومده بفتحها وتقليلها ، وتجري هذه الأربعة أو عكس الترتيب بتقدم ذات الياء على البدل ، فعلى فتحها قصر ومد البدل ، وعلى تقليلها توسط ومد ، ومثالها ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) فلا فرق بين المغير والمحقق وهو المعتمد ، ولا يتأتى تقليل ذات الياء على قصر البدل من جميع طرق الحرز فتحها مع التوسط بل هو طريق النشر ، نقل ذلك العلامة سلطان وأيده بما نقله عن العلامة عثمان الناصري ، قال أنشدني لنفسه شيخنا العلامة محمد الجزري قوله :
كآتى لورش افتح بقصر بقصر ومده ... ... وقلل مع التوسط والمد مكملا
لحرز وفي التلخيص فافتح ووسطا ... ... وقصر مع التقليل لم يك للملا
قال صاحب الإتحاف : وقوله وقصر مع التقليل إلخ .. تصريح بمنع الطريق السادس وهو قصر البدل مع التقليل فلا يصح من طريق الكتابين ، لأن كل من روى القصر في البدل لم يرو التقليل ، انتهى ، فإذا اجتمع المغير والمحقق مع ذات الياء كآية ( ولقد آتينا موسى تسع آيات ) لم تزد الأوجه عن أربعة على عدم الاعتداد بالعارض ، فإن اعتد به كانت الأوجه خمسة وهي قصر المحقق مع فتح ذات الياء وقصر المغير ، ثم توسطهما مع التقليل ، ثم مدهما مع الفتح ثم مدُ المحقق مع الفتح وقصر المغير ثم مدهما فقط مع التقليل ،(1/36)
فإذا اجتمع مع المحقق والمغير وذات الياء لين كآية ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات .. إلى خيرا كثيرا ) كانت الأوجه سبعة وهي : قصر اللين مع توسط اللين و الفتح ثم توسط الجميع والتقليل ثم مدُ المحقق مع مدِ المغير مع توسط ومد اللين وعلى كل فتح وتقليل ثم مدُ المحقق مع قصر المغير والفتح وتوسط اللين فقط ، وأجاز اليمني الفتح على توسط البدل ، وتساهل قوم فأجازوا التقليل على قصر المغير على الاعتداد بالعارض واعتباره ساقطا ، وبذلك تزيد الأوجه و التحقيق ما قدمناه ، وقد نظمت أحوال البدلين واللين وذات الياء بقولي :
وفي مغير إذا تقدما ... ... محقق أوجه اعلما
أقصرهما وإن توسط أولا ... ... أو إن تمد سوّ واقصر تفصلا
والعكس إن تقصر فثلث ثاني ... وسوّ في الباقي وخذ بياني
وعند قصر يمنع التقليل في ... ... ذي اليا وفي التوسيط والمد عرف
جوازه لليمني والفتح مع ... ... توسط سلطان عنهم قد منع
وإن يكن بعدهما لين أتى ... ... ومع هذا ذات ياء أثبتا
فيه على القصر توسط وفتح ... ... ووسط الكل بتقليل رجح
في ذات ياء وبمد حصلا ... ... واللين وسطه أو امدد في كِلا
وإن تمد قاصرا مغيرا ... ... فافتح موسطا فسبعة ترى
( تنبيه ) طريقة اليمني لاتوافق طريقة الحرز فلذا أهملناه .
قوله تعالى ( فمن اتبع هداي ) اختص بإمالة هداي الدوري عن الكسائي وقلله ورش بخلفه ، وضابط ما يقلله ورش من ذوات الياء أن كل ما أماله الشيخان أو اختص به الكسائي يقلله الأزرق بخلفه إلا الربا و مرضاة و مشكاة و أو كلاهما ، فإنه يفتحها لا غير حيث وقعت ، وقد نظمت ذلك فقلت :
وما أميل من ذوات الياء ... ... لحمزة ومعه الكسائي
أو الكسائي وحده فالأزرق ... ... للفتح و التقليل فيه مطلق
لا الربا مرضات مشكاة كلا ... ... فما بغير الفتح فيها قد تلا(1/37)
قوله تعالى ( واتقوا يوما .. إلى عظيم ) اجتمع فيه لورش اللين و البدل وبه في ذلك أربعة طرق وهي : توسط اللين عليه ثلاثة البدل ثم مدهما ، و كذلك إذا تقدم البدل على اللين كآية ما ننسخ .. إلى قدير ، ويكون ترتيبها هكذا : قصر البدل مع توسط اللين ثم توسطهما ثم مدُ البدل مع توسط اللين أو مده ، وقد ضبط الحالتين بعضهم بقوله :
وبدلا فاقصر ووسط لينا ... ... ووسطهما تحز يقينا
ومد أولا وخذ في الثاني ... ... وجهان صاح تحظ بالأماني
وسط للين ثلثن البدلا ... ... وامددهما معا تنال الأملا
قوله تعالى ( وإذ وعدنا موسى ) يقلل أبو عمرو كل ماجاء من لفظ فعلى مثلث الفاء نحو موسى و عيسى و سلوى ، وقد ضبط ما وجد فيها من القرآن الكريم من ذوات الياء فوجد إحدى عشرة بالفتح وثمان عشرة بالضم وأربعة بالكسر ، وقد نظمت جميعها في قولي :
( فعلى بفتح الفاء )
سلوى ويحيى علما وتقوى ... ... مرضى وشتى ثم موتى نجوى
طغوى وصرعى ثم دعوى قتلى ... إحدى وعشرة بفتح فعلى
( فعلى بضم الفاء وكسرها )
وعشرة بعد ثمان تلفى ... ... بالضم عقبى حسنى وسطى زلفى
أنثى وقربى وثقى طوبى أولى ... موسى وسفلى رؤيا سوءى مثلى
رجعى ودنيا ثم عليا قصوى ... ... وأربع بكسر فعلى تروى
سيمى وعيسى ثم ضيزى إحدى ... والكل من ذوات ياء عدا
وقد ذكرت لفظ موسى في مضموم الفاء وعيسى في مكسورها لأن القراء يعتبرونها فعلى ، وإن كان النحويون يعتبرونها مُفعل ومِفعل ومذهب القراء هو المعتمد .
قوله تعالى ( حتى نرى الله جهرة ) للسوسي في نرى ونحوها قبل الساكن وجهان وصلا وهما الفتح والإمالة ، فإن وقعت قبل لفظ الجلالة ففيها ثلاثة أوجه : الفتح مع تفخيم لام الجلالة والإمالة بتفخيم وترقيق ، وقد أوضحها الطباخ في تحريره بقوله :
في كنرى الله بفتح فخما ... ... سوس وإن يمل فوجهان التما
وإن حذفت ألفها للجازم نحو : أولم ير الذين و : ألم ترَ فليس له فيها غير الفتح وصلا والوقف على الراء بالسكون .(1/38)
قوله تعالى ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) لحمزة في الوقف على الأنهار وجهان : النقل والسكت وليس له فيها تحقيق دون سكت ، وذكر ابن القاصح هذا الوجه لخلاد لا يتجه ، وقد أخذنا عن شيخنا حال التلقي قول بعضهم :
ومنه التحقيق دون سكته ... ... وقفا على مقرون ألْ لحمزة
وقد أوضحت الجميع بقولي :
لحمزة في ألْ وقفا انقل أو اسكتا ... وتحقيقها من غير سكت له امنعا
و لورش في الإبتداء بها وبأمثالها وجهان : الإبتداء بهمزة الوصل أو باللام مع النقل فيها أخذا من قول الشاطبي ( وتبدأ بهمز الوصل في النقل كله .. البيت ) والإبتداء بالهمز أولى لقول الطيبة ( وابدأ بهمز الوصل في النقل أجل ) ويجري الوجهان في الإسم من قوله تعالى ( بئس الاسم الفسوق ) للجميع ، فإذا كان في الكلمة بدل مثل الإيمان والأولى وبدأ ورش بهمزة الوصل ثلث مدَ البدل ، وإن بدأ باللام قصر لانعدام السبب بالمرة ، صرح بذلك صاحب النشر ، ونظم ذلك الطيبي بقوله :
ومن له يبدأ نحو الأولى ... ... بهمزة الوصل وذاك الأولى
يثلث المد ومن له ابتدأ ... ... باللام يقصر ليس إلا أبدا
قوله تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) تقدم حكم مصلى من حيث الإمالة والفتح ولورش في لامها ثلاثة أوجه : التغليظ بالفتح وصلا ووقفا و الترقيق حال التقليل وقفا لاغير .
قوله تعالى ( قل أأنتم أعلم أم الله ) لو وقف حمزة على أأنتم ونحوه من كل همزة توسطت بزائد فله وجهان : التحقيق و التسهيل أخذا من قول الشاطبي ( وما فيه يلفى .. البيتان ) وقد جمع بعضهم الحروف التي تزيد فتتوسط بها الهمزة غالبا في أوائل قوله :
سلبتم فؤادي ليس وصلي يعيده ... كفاني هيامي بعد أن تمّ ليْ وصلي
ولو وقف حمزة على أأنتم كان له خمسة أوجه صحيحة وهي : السكت والتحقيق في قل عليهما تحقيق و تسهيل في ثاني أأنتم ثم نقل قل مع التسهيل فقط ، ويمتنع تحقيق ثاني أأنتم حينئذ لتخفيف أولاهما بالنقل ، وقد ضبط ذلك الميهي بقوله :(1/39)
وفي أأنتم خمسة أوجه عند حمزة ... لدى الوقف ** إمام تبجلا
فثاني أأنتم حققن وسهلا ... ... سكت وترك وانقلن مسهلا
قوله تعالى ( ولأتم نعمتي عليكم ) لو وقف حمزة على لأتم كان فيها ثلاثة أوجه : التحقيق و التسهيل بين بين لأنه من المتوسط بزائد عملا بقول الشاطبية ( وفي غير هذا بين بين ) والثالث الإبدال ياء أخذا بقول الناظم ( والأخفش بعد الكسر ذَا الضم أبدلا بياء .. البيت ) ومثلها لأنذركم ، ولأبين لكم ، وليس فيها حال الإبدال تحويل الفعل للغائب بل لا يزال الفاعل ضمير المتكلم .
قوله تعالى ( فمن اضطر ) أبو جعفر ممن يضم الساكن الأول لضم الثالث وهو يكسر طاء اضطر حيث وقعت مراعاة للأصل ، إذ أصله اضطرر بالفك بضم الطاء وكسر الراء الأولى ، فلما أدغمت الراء في الراء نقلت حركتها إلى الطاء بعد سلب حركتها ، وتراعى حركة الطاء الأصلية وصلا وابتداء ، فأبو جعفر يصل بضم النون ويبدأ بضم الهمزة وتلغى الحركة العارضة في الطاء له .
قوله تعالى ( أجيب دعوة الداع إذ دعان ) فيها لقالون من الحرز ستة أوجه وهي : حذفهما وإثباتهما مع قصر الأولى ومدها ، وفي كل سكون وصلة وهذا هو المنصوص عليه عن أبي نشيط عن قالون في النشر وغيره وقد نظمتها بقولي :
يا دعوة الداعي دعان احذفهما ... وسكنا وصل أو أثبتهما
وحال إثبات فمد واقصرا ... ... في أول ستٍ من الحرز ترى
أما حذف يا الداعي مع إثبات ياء دعاني والعكس فمن طريق الطيبة فقط ، وقد جمع الجميع في بيت واحد بعض القراء فقال :
يا الداع إحذف أثبت اقصر مدّ له ... يا الثان أطلق مع سكون أو صله
والتحقيق ماذكرناه ، وإن كان البعض يتساهل ويقرأ بالجميع من طريق الشاطبية .(1/40)
قوله تعالى ( حاضري المسجد الحرام ) يصل الجميع حاضري بحذف يائها للتخلص من الساكنين ، ويقفون عليها بإثبات الياء لا غير ، و كذلك نظائرها من كل جمع مذكر مضاف ، وقد وجد منه في القرآن الكريم : هذا و محلي الصيد و آتي الرحمن و مهلكي القرى و المقيمي الصلاة و معجزي الله معا ، ولا ترد نون الجمع في الوقف لحذفها في الرسم ولأن الوقف فيها على نية الإضافة ومثلها نون المثنى في تبت يدا أبي لهب ، وقد نظم الجميع وحكمها بعضهم بقوله :
محلي مقيمي حاضري معجزي معا ... وفي مريم آتي كذا مهلكي القرى
فبالياء قِف في الكل للكل مبتلى ... لحذف سكون بعد ذي اليا قد جرى
قوله تعالى ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) يفهم قول الشاطبي : وتفخيمه ذكرا .. البيت ، أن ذكرا وبابه وهو خمس كلمات وقع فيها بين الكسر والراء ساكن صحيح مظهر وهي : ذكرا و سترا و حجرا و وزرا وصهرا ، فيها الترقيق والتفخيم وهو كذلك ، فإذا اجتمعت مع البدل امتنع ترقيقها مع التوسط وجاز فيها الوجهان مع القصر والمد فتكون أوجه ذكرا في مثل هذه الآية خمسة ، فإذا اجتمع معها ذات ياء كآية ( ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) كانت الأوجه سبعة وهي : قصر البدل بفتح ذات الياء وترقيق ذكرا وتفخيمه ، ثم توسط البدل بتقليل ذات الياء و تفخيم ذكرا فقط ، ثم مدّ البدل بفتح وتقليل وعلى كل ترقيق وتفخيم ، وخرج من هذه الكلمات كلمتي سرا و مستقرا ، فليس فيهما غبر الترقيق فقط في الحالين مع أوجه البدل من طريق الشاطبية لأن الساكن فيها مدغم وبالله التوفيق ، وقد نظم أوجه سترا وبابه وبينها الميهي الكبير بقوله :
ذكرا و سترا ثم وزرا حجرا ... ... أمرا و صهرا ليس منها سرا
ففخم الستة ثم رقِقِ ... ليوسف الأزرق ثم العتق
ترقيق ذكرا مع توسط البدل ... ... لم يأت للأزرق دع عنك الجدل(1/41)
قوله تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو ) ومثلها لا تؤاخذنا و لو يؤاخذ الله الناس ، يفيد قول الشاطبي : وبعضهم يؤاخذكم أن البعض لم يستثنها ففيها ثلاثة البدل وليس كذلك إذ ليس فيها إلا القصر مع إبدالها واوا ، وقد استثناها المهدوي ومكي وابن شريح وكل من صرح بمد المغير ، ولم يستثنها الداني في التيسير ، قال في النشر : وكأن الشاطبي رحمه الله ظن بكونه لم يذكره في التيسير أنه داخل في الممدود لورش بمقتضى الإطلاق ، فقال ( وبعضهم يؤاخذكم ) أي وبعض رواة المد قصر يؤاخذكم وليس كذلك ، فإن رواة المد مجمعون على اسثناء يؤاخذكم فلا خلاف في قصره ، ثم ذكر الإجماع على القصر وأن الداني لم يستثنه في التيسير اعتمادا على استثنائه في باقي كتبه ، وقال في التقريب : وما ذكره الشاطبي من الخلاف فيه فوهم .
قوله تعالى ( قروء ) ومثلها النسئ و برئ ليس فيها وقف لحمزة و هشام إلا الإدغام بمقتضى قوله ( ويدغم فيه الواو والياء .. البيت ) .
قوله تعالى ( فإن أرادا فصالا ) ذكر الشاطبي فيها وفي طال خلافا في ترقيق لامها و تفخيمها ويلحق بهما يصالحا إذا لعلة واحدة وهي الفصل بألف في الجميع ، ثم هل يمتنع من الوجهين شئ مع أوجه البدل ؟ لم يمنع الإسقاطي منها شيئا بل احتج للتغليظ على القصر بأنه ظاهر كلام الشاطبي ومختاره لأنه اختار في البدل القصر وفي طال وأختيها التغليظ حيث قال : والمفخم فضلا ، و حينئذ تكون أوجه طال مع البدل ستة وهل تغليظها و ترقيقها على كل من ثلاثة البدل ، ولكن المنصوري والطباخ نقلا عن شيوخهما منع التغليظ على القصر في فصالا فقط دون أختيها فالأوجه على قولهما خمسة لاتخفى وقد نظم ذلك الميهي بقوله :
رقق فصالا ثلثاً للبدل ... ... فخم بلا قصر وعن علم سَل
وقال الإسقاطي على القصر اجتلا ... ففخماً أو رققاً لا تسأل(1/42)
وقال صاحب غيث النفع : والوجهان صحيحان و التفخيم مقدم ، وقد مشينا في كتابنا مقرب التحرير متنا وشرحا على ما مشى عليه المنصوري والطباخ .
قوله تعالى ( والله يقبض ويبسط ) ومثلها وزادكم في الخلق بسطة في الأعراف ، ذكر الشاطبي الوجهين فيهما لابن ذكوان ولكن الذي تؤديه طرقه أن السين هنا والصاد في الأعراف له فقط ، وأن السين في الأعراف خروج عن طرق التيسير كما حققه في النشر ، وقال الجمزوري في ذلك :
ولم يرض خلفا لابن ذكوان نشرهم ... في الأعراف بل فيها له الصاد أعملا
( فإن قلت ) فبم تقرأ بمقتضى الشاطبية له ؟
قلت أقرأ له بالوجهين فيهما لأن ذلك مقروء به ، ولم ينبه الشاطبي على ضعفه ، قال بعض مشايخنا رحمه الله : ما خرج عن طريق الكتاب ( يعني الشاطبية ) قسمان ، قسم مذكور في الطيبة وقسم غير مذكور ، فإن قرئ بالمذكور فلا بأس به إلا أن القارئ ينبه على أنه ليس من طرق الكتاب ، وغير المذكور لايقرأ به كحذف الهمزة من شركائي الذين للبزي ، وإدغام وجبت لابن ذكوان وإمالة نحسات لليث اه ، وقد حث الوافراني على الإعتناء بالحرز ومدح الشاطبي وأوصى على الأخذ بما في كتابه ماعدا المواضع التي أشار لضعفها فقال :
واعتن بالحرز فإن الشاطبي ... قد ضمن الجنة للذي وعى
ضمان الأولياء مقبول لدا ... ... إلهنا والشاطبي منهم يرى
وخذ بما فيه جميعا غير ما ... ... لضعفه أشار نحو يفتلا
أهمل أعضل موهلا وما ... ... حَ لم يصح شذَ هلهلا
قوله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم .. إلى كسبوا ) هذه الآية وأمثالها مما اجتمع فيه البدلان و ذات الياء واللين لورش ففيها له ستة أوجه على عدم الاعتداد بالعارض وهي : قصر البدلين مع الفتح وتوسط اللين ثم توسط البدلين مع التقليل وتوسط اللين ثم مدُ البدلين مع الفتح والتقليل وعلى كل منهما توسط ومد في اللين ، وعلى الاعتداد بالعارض سبعة فراجعها فيما مرَ في تحقيق ذلك .(1/43)
قوله تعالى ( ولا تيمموا ) وبقية تاءات البزي المذكورة في قول الشاطبي ( وفي الوصل للبزي شدد تيمموا .. إلخ ) كلها مضارع أصله أن يبدأ بتاءين ، وقد قرأها البزي بتشديد التاء في الجميع وصلا ، فإن كان قبلها حرف مدٍ مده للسكون كما قال ابن الجزري ( وللسكون الصلة امدد والألف ) ولم يحذف حرف المد للإدغام كما حذف في ومنهم الذين وقالوا اتخذ لأن إدغامها أصلي وإدغام ولا تيمموا طارئ فلم يعتد به ، وإن كان قبلها ساكن صحيح نطق به ساكنا وحينئذ يجمع بين الساكنين وهو صحيح مستعمل قراءة وعربا نحو هل تربصون و نارا تلظى ، ولا يصح تحريك التنوين بالكسر وإن نقل عن الجعبري ، وتحكم النطق بالساكنين المشافهة ، وإذا ابتدأت بما ذكر للبزي وغيره فبتاء واحدة للجميع ، وأما أحد الوجهين في كنتم تمنون و ظلتم تفكهون وهو مدَ الصلة بالتشديد فقد نبه ابن الجزري على أنه ليس من طرق التيسير وإن صحَ ؟؟ عن الداني وغيره ، والأخذ بالتخفيف فيهما مع الصلة أولى وأوفق طرق الشاطبية .
قوله تعالى ( ومن يؤت الحكمة ) قرأ يؤت بكسر التاء بالبناء للفاعل يعقوب فمن على قراءته موصولة ، ولو وقف على يؤت اختيارا وقف بالياء له ، ويقف الباقون على التاء ساكنة .
قوله تعالى ( فنعما هي ) معا أسكن العين فيهما أبو جعفر ، وروى ؟؟ الإسكان فيهما عن أصحاب الإخفاء قالون وغيره سواء وهو في التيسير ولم يذكره الشاطبي .
( آية المداينة ) لورش فيها اثنا عشر وجها وهي : ستة البدل وذات الياء واللين على كل من وجهي الشهداء إذا .
قوله تعالى ( يعذب من يشاء ) ذكر الشاطبي خلف في إظهارها وإدغامها لابن كثير تبعا للتيسير ، والمحرر له الإظهار فقط لأنه ذكر في جامع البيان الإظهار من رواية النقاش عن أبي ربيعة عن البزي ومن رواية ابن مجاهد عن قنبل وهما طريق التيسير والشاطبية عن ابن كثير .(1/44)
قوله تعالى ( أنت مولانا .. إلى القيوم ) أوجه بين السورتين أصولا وفروعا وردت على فتح مولانا وتقليله وعلى قصر ميم الله ومدها ، وفي ميم الله وصلا القصر والمد لتغير السبب كما قال الطيبي :
وسبب اللازم حين غيرا ... ... كالهمز إن غير فامدد أو اقصرا
وكان التخلص من الساكنين في ألم بالفتح المخففة ومحافظة على تفخيم لفظ الجلالة وليس فيها وقفا إلا المد فقط للجميع ومثلها ألم أحسب الناس لورش وصلا ووقفا ، ومثله حمزة إذا وقف بالنقل .
قوله تعالى ( ذلك متاع الحياة الدنيا .. إلى .. المآب ) فيه لورش عشرة أوجه وهي : فتح ذات الياء مع قصر المآب ومده بالسكون والروم فيهما اعتبارا للبدلية ، ومع توسطه بالسكون فقط اعتبارا للعروض ، ثم تقليل ذات الياء مع توسط المآب ومده بالسكون والروم فيهما باعتبار البدلية ، والقصر بالسكون فقط باعتبار العروض ، فإن أتى قبلها بدل نحو الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ، كان فيها أحد عشر وجها وهي : قصر آمنوا بفتح ذات الياء وتثليث مآب بالسكون ورومه بالقصر ثم توسط آمنوا وتوسط مآب بالسكون والروم ومده بالسكون فقط مع التقليل ، ثم مدُ آمنوا بالفتح و التقليل ومد مآب بسكون وروم فيها ...
???
... بفتح و تقليل وعلى كليهما مدُ مآب بسكون وروم ، تكون جملتها خمسة عشر ، وقد نظمت ذلك فقلت :
ونحو دنيا مع مآب إن تقف ... ... عشر من الأوجه فيهما عرف
مع فتحك الدنيا اقصرن وامددا ... ... والروم والسكون فيهما بدا
ووسطا مسكنا فقط وإن ... ... ... قللت وسط وامددن يا فطن
وسكناً ورم وإن تقصر فلا ... ... ... يأتي سوى السكون نلت الأملا
وجئ بالتوسيط و القصر على ... ... فتح و تقليل لعارض جلا
وذا السلطان من الحرز يرى ... ... أما من النشر ففيهما جرى
خمس البدل واليا مع السكون أو ... ... روم فعشر هكذا حقا رووا
وإن يجئ من قبل ذلك البدل ... ... ... فواحد مع عشرة فيها حصل
فقصرك البدل عليه يجري ... ... ... فتح وتثليث وروم القصر
ثم التوسط عليه قللا ... ... ... ووسطا وامدد مسكنا كلا(1/45)
أو روم موسط وإن تمد ... ... ... مع فتح أو ميل وروم المد عُد
وإن أتى من قبل ذاك اللين ... ... ... كييئس الذين حز تكون
فعشرة وواحد إن وسطا ... ... ... وأربع إن مُد لين فاضبطا
مدُ البدل بالفتح و التقليل مع ... ... ... مدُ مآب رمت أو للروم دعْ
قوله تعالى ( قل أؤنبئكم ) اجتمع فيها همزتان من كلمة ثانيتهما مضمومة ومثلها ءأنزل في صّ و ءألقي في القمر ، ويفهم من قول الشاطبي : ومدك قبل االضم .. البيتين ، أن هشاما اختلف عنه في الثلاثة على ثلاثة أوجه : ( الأول ) التحقيق مع المد في الجميع ، ( الثاني ) التحقيق مع القصر في الجميع ، ( والثالث ) التفصيل : ففي آل عمران بالقصر و التحقيق كحفص عاصم ، وفي صّ والقمر المد والتسهيل كقالون فيأتي له في آل عمران وجهان وهما التحقيق مع المد والقصر ، وفي صّ والقمر ثلاثة أوجه : التحقيق و التسهيل مع الإدخال من التيسير ، و التحقيق بدون إدخال القصيد ، وبذلك قرأنا لهشام ، قال الجعبري : وإذا تأملت وجهي التيسير رأيت اتفاق شيخه على تحقيق آل عمران ومد صّ والقمر واختلافهما في مدِ آل عمران و تحقيق الآخرين اهـ ، وباقي القراء على أصولهم ، وقد جمع الميهي ما جاء فيها للسبعة وهو خمسة مذاهب فقال :
بعمران صاد ثم باقتربت أتى ... ... بكلمة الهمز الأخير يضمونا
فمد وقصر في الثلاث مسهلا ... ... لولد العلا وامدد وسهل لقالونا
وحقق مع مدٍ وقصر هشامهم ... ... بعمران وازدد في سواها كقالونا
ففي غيرها عنه ثلاثة أوجه ... ... ووجهان فيها كن زكيا ومأمونا
وقصر مع التسهيل لابن كثيرهم ... ... وورش وبالتحقيق و القصر يلقونا
مذاهب خمس في الثلاث لسبعة ... ... علي هو الميهي أنشد محزونا
وقد ألحقتها ببيت يبين ما فيها لأبي جعفر و يعقوب و خلف فقلت :
رويس كمكي وشيخ لنافع ... ... ... كقالون والباقي ككوف يقولونا(1/46)
ولو وقف حمزة على قل أؤنبئكم كان له عشرة أوجه صحيحة فقط وهي : النقل بتسهيل الثانية بين بين وفي الثالثة تسهيلها كذلك وإبدالها ياء ، ثم التحقيق و السكت كذلك ويزيد فيهما تحقيق الثانية على كل من وجهي الثالثة ، وقد نظمت ذلك فقلت :
في وقف حمزة قل أؤنبئكم ... ... ... نقل بتسهيل ثاني الهمزتين يرى
وعند سكت و تحقيق يزيد بها ... ... تحقيقها ثم في الهمز الأخير جرى
في الكل تسهيل أو إبدال يا كملت ... ... عشرا بغير ضعيف عند من نظرا
قوله تعالى ( وقل للذين اوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ) ثلاثة البدل على كل من تسهيل و إبدال أأسلمتم جائزة لورش ففيها له ستة أوجه .
قوله تعالى ( ويعلمه الكتاب .. إلى بيوتكم ) اجتمع فيها لقالون التورية وله فيها فتح و تقليل و المنفصل وميم الجمع ، وفيهما له أربعة أوجه على كل من فتح و تقليلها بثمانية ، وهي جائزة من طرق الطيبة ، والمحرر من طريق الحرز خمسة أوجه فقط ، إذ يمتنع على الفتح القصر بالسكون والمد بالصلة ، وعلى التقليل القصر بالصلة ، وقد نظم الجميع مع بيانها العلامة البدري بقوله :
حيث لفظ التورية مع مدِ فصل ... ... مع ميم للجميع حَا يا فطين
فقالُون بنشر ثمَان ... ... ومنالحِرز خمسة تستبين
فعلى الفتح إن قصرت فوصل ... ... وعليه إذا مددت سكون
وعلى بين بين والمد وجهَان ... ... نِ وإن تقصر فالسكون يكون
وقد نظمت أوجه الحرز وحدها فقلت :
إن جاءت التورية مع مدِ فصل ... ... مع ميم جمع فافتحا واقصر وصل
وإن فتحتها مسكنا فمُد ... ... وإن تقلل سكنا وقصر تسد
وإن تمد سكنها وصل ... ... ... خمس من الحرز قبل
ويراعى ذلك في كل آية اجتمع فيها منفصل وميم جمع و التورية وصورها سِت وهي :
1 ... ... تورية ... ... ميم جمع ... ... آيتها
... ...
هذا آخر ما وجدته ؟(1/47)