عاره بكونه لا أب له فإنه مظنة كونه ابن زنا.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما لا يكون لواحدة منهما، لكن عن محمد روايتان: أحداهما كقول الامام كما في البحر عن البدائع.
قوله: (الكل من الخانية) أي ما ذكر من مسائل دعوى المرأة والمرأتية.
قوله: (وإن ادعاه خارجان) أي لا بد لاحدهما عليه، وقيد به لما في البحر من أن ظاهر ما في الفتح تقديم ذي اليد على الخارج ذي العلامة.
قوله: (أي بجسده) أي كشامة وسلعة.
قوله: (لا بثوبه) لان الثوب غير ملازم له فلا يفيد التعيين ط.
قلت: وهذا ذكره في النهر أخذا من مفهوم قول القدوري بجسده.
قوله: (ووافق) قيد به لانه لو لم يوافق فلا ترجيح وهو ابنهما وكذا لو أصاب في البعض دون البعض أو وصفا ولم يصب واحد منهما أما لو أصاب أحدهما دون الآخر فهو لمن أصاب.
بحث عن الظهيرية.
قوله: (وسبقه) أي لو كانت دعوى أحدهما سابقة على الآخر كان ابنه ولو وصف الثاني علامة لثبوته في وقت لا منازع له فيه اه.
فتح.
فعلم أن المراد السبق في الدعوى لا في وضع اليد، لان الكلام في الخارجين فافهم.
قوله: (وحريته) ذكره في النهر بحثا.
قوله: (وسنه إن أرخا، فإن اشتبه فبينهما) هذا يوجد في بعض النسخ.
قال في البحر: وفي الظهيرية: رجلان ادعياه وأرخت بينة كل منهما يقضي لمن يشهد له سن الصبي، فلو السن مشتبها فعلى قولهما يسقط اعتبار التاريخ ويقضي لهما.
وعلى قوله، وفي رواية
كذلك، وفي أخرى لاسبقهما تاريخا.
وفي التتارخانية: يقضي به بينهما في عامة الروايات، وهو الصحيح اه.
ملخصا.
وحيث كانت العلامة مرجحة فالظاهر اعتبارها هنا أيضا فيقضي به لذي العلامة.
قال في الفتح: وكلما لم يترجح دعوى واحد من المدعيين يكون ابنا لهما.
وعند الشافعي يرجع إلى القافة.
قوله: (قضى لهما) لانه لم يظهر ترجيح أحدهما على الآخر فاستويا، كما لو وصف به وصفا ولم يصب واحد منهما كما مر، فافهم.
قوله: (وإلا فلمن ادعى أنه ابنه) مقتضاه ولو ظهر أنه أنثى، وهو مخالف للمسائل المارة، ولذا قال المقدسي: ينبغي أنه لمن وافق.
قلت: على أن الذي رأيته في التتارخانية: وإن لم يكن مشكلا وحكم بكونه ابنا فهو الذي يدعي أنه ابنه اه.
وهذا لا إشكال فيه، والشارح تبع في التعبير صاحب البحر، وفيه اختصار مخل.
قوله: (قضى به للمسلم) لان الذميين شهدا على ذمي والمسلمين على مسلم فصحت الشهادتان وترجح المسلم اه ح.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يثبت نسبه، لان فيه نفي إسلامه الثابت بالدار.
وجه الاستحسان أن دعواه تضمنت شيئين: النسب وهو نفع للصغير ونفي الاسلام الثابت بالدار وهو ضرر به، وليس من ضرورة ثبوت النسب من الكافر الكفر لجواز مسلم هو ابن كافر، بأن أسلمت أمه فصححنا دعواه فيما ينفعه دون ما يضره.
فتح.
قوله: (ما لم يبرهن) وذكر ابن سماعة عن محمد: لو عليه زي أهل الشرك كالصليب ونحوه فهو ابنه وهو نصراني.
فتح.
قوله:(4/461)
(بمسلمين) فلو أقام بينة من أهل الذمة لا يكون ذميا، لانا حكمنا بإسلامه فلا يبطل هذا الحكم بهذه البينة لانها شهادته قامت في حق الدين على مسلم فلا تقبل.
بحر عن الخانية.
قوله: (أو عكسه) أي مسلم في مكانهم.
قوله: (فظاهر الرواية اعتبار المكان) أي في الصورتين في بعض نسخ المبسوط: اعتبر الواجد، وفي بعضها: اعتبر الاسلام: أي ما يصير به الولد مسلما نظرا له، ولا ينبغي أن يعدل عن ذلك.
وقيل يعتبر بالسيما والزي.
فتح.
وعلى ما رجحه في الفتح يصير مسلما في ثلاث صور وذميا في صورة واحدة وهي ما لو وجده ذمي في مكانهم وهو ظاهر الكنز وغيره.
وقال في البحر أيضا: ولا يعدل عنه.
قوله: (لسبقه) أي سبق المكان على يد الواجد.
قوله: (وهو حر) أي إلا
بحجة رقه كما قدمه المصنف.
قوله: (عند محمد) وقال أبو يوسف: يكون عبدا لانه يستحيل أن يكون الولد حرم بين رقيقين.
قلنا: لا يستحيل لجواز عتقه قبل الانفصال وبعده، فلا تبطل الحرية بالشك.
زيلعي.
وتمامه في النهر.
قوله: (لثبوته من الجانبين) فيه أن النسب يثبت من جانب الام أيضا سواء كانت الامة زوجة له أو مملوكة له، فالمراد ثبوت أحكامه كما عبر به الزيلعي: أي كالارث وحق الحضانة ووجوب النفقة ونحو ذلك، وهذا مختص بالحرة فكانت هذه البينة أكثر إثباتا.
قوله: (عملا بالظاهر) أورد عليه أن الظاهر يصلح للدفع لا للاثبات.
قلنا نعم يدفع بهذا الظاهر دعوى ملك غيرة عنه، ثم يثبت ملكه بقيام يده مع حريته المحكوم بها.
أفاده في الفتح.
قوله: (ولو فوقه أو تحته) دخل فيه الدراهم الموضوعة عليه، وينبغي أن تكون الدراهم التي فوق فراشه أو تحته كلباسه ومهاده ودثاره، بخلاف المدفونة تحته ولم أره.
بحر.
قوله: (أو دابة) بالنصب عطفا على فوقه أي ولو كان ذلك المال دابة هو عليها اه ح.
قوله: (لا ما كان بقربه) في بعض النسخ لا مكان بقربه وعليها كتب ح فقال الظاهر أنه سقط لفظ في والاصل لا في مكان بقربه عطفا على فوقه اه.
قال في النهر: وبه عرف أن الدار التي هو فيها: وكذا البستان لا يكون له بالاولى اه.
وقد توقف فيه في البحر بعد أن نقل عن الشافعية أن الدار له وفي البستان وجهان.
قوله: (لانه مال ضائع) قال في الفتح: أي لا حافظ له ومالكه وإن كان معه فلا قدرة له على الحفظ، وللقاضي ولاية صرف مثله إليه لغير الواجد بأمره، والقول له في نفقة مثله وقيل له صرفه عليه بغير أمر القاضي.
قوله: (ولو قرر القاضي ولاء للملتقط صح) أي بأن يقول له: جعلت ولاء هذا اللقيط لك ترثه إذا مات وتعقل عنه إذا جنى.
قوله: (لانه قضاء في فصل مجتهد فيه) فإن من العلماء من قال: إن الملتقط يشبه المعتق من حيث إنه أحياه كالمعتق، فعلى هذا لا يكون متبرعا بالانفاق بغير أمر(4/462)
القاضي إذا أشهد ليرجع كالوصي.
بحر من كتاب اللقطة ط.
قوله: (نعم له الخ) ظاهره أن له ذلك ولو بعد ما قرر القاضي ولاءه للملتقط، والظاهر خلافه لانه تأكد بالقضاء، وقد راجعت عبارة الخانية فرأيته ذكر المسألة الثانية ولم يذكر مسألة تقرير القاضي.
قوله: (ما لم يعقل عنه بيت المال) فإن جنى ثم
عقل عنه تقرر إرثه له، لان الغنم بالغرم.
قوله: (ويدفعه في حرفة) ينبغي أن يقال: ما قيل في وصي اليتيم أنه يعلمه العلم أولا، فإن لم يجد فيه قابلية سلمه لحرفة.
نهر.
قوله: (ويقبض هبته وصدقته) أي ما وهبه له الغير أو تصدق به عليه إذا كان فقيرا.
قوله: (وليس له ختنه) الظاهر أن هذا لو بدون إذن السلطان أو نائبه، فلو أذن صح لان ولايته له كما يأتي، لذا كان لوصي اليتيم أن يختنه.
قوله: (ولو علم الختان الخ) نقله في البحر عن الذخيرة بقيل.
قوله: (ولا ينفذ للملتقط عليه نكاح) لانه يعتمد الولاية من القرابة والملك والسلطنة، ولا وجود لواحد منها.
نهر.
وقدم الشارح أن مهره في بيت المال إذا زوجه السلطان.
قوله: (وبيع) أي بيع ماله، وكذا شراء شئ ليستحق الثمن دينا عليه، لان الذي إليه ليس إلا الحفظ والصيانة، وما من ضروريات ذلك اعتبارا بالام فإنها لا يجوز لها ذلك، مع أنها تملك تزويجه عند عدم العصبة، وتمامه في الفتح.
قوله: (في الاصح) لانه يملك إتلاف منافعه ولا يملك تمليكها فأشبه العم، بخلاف الام لانها تملك إتلاف منافعه بالاستخدام والاعارة بلا عوض فبالعوض بالاجارة أولى.
فتح.
وقوله ولا يملك تمليكها يشمل ما إذا آجره ليأخذ الاجرة لنفسه أو للقيط، بل المتبادر الثاني لان الاول معلوم من قوله: لا يملك إتلاف منافعه.
وعليه فيشكل قول القهستاني لا يجوز أن يؤجره ليأخذ الاجرة لنفسه مع أنه خلاف إطلاق المتون.
وعلى هذا فلا يصح أن يحمل مقابل الاصح من جواز إيجاره على ما إذا آجره ليأخذ الاجرة لنفسه توفيقا بين القولين، فافهم.
قوله: (لو باع الخ) أي اللقيط بعد بلوغه.
قوله: (وسلم) قيد في وهب وتصدق، لان به يحصل الملك للموهوب له والمتصدق عليه.
قوله: (لا يصدق في إبطال شئ من ذلك) مفهومه أنه يصدق في إقراره بالرق لزيد، وهذا إذا كان زيد يدعيه وكان قبل أن يقضي عليه بما لا يقضي به إلا على الاحرار كالحد الكامل ونحوه، فلو بعد القضاء بنحو ذلك لا يقبل، لان فيه إبطال حكم الحاكم، ولانه مكذب شرعا فهو كما لو كذبه زيد، ولو كانت اللقيطة امرأة لها زوج كانت أمة للمقر له، ولا تصدق في إبطال النكاح، ولو كان رجلا عليه مهر لزوجته لا يصدق في إبطاله لانه دين ظهر وجوبه اه.
فتح.
ملخصا، وتمامه في البحر.
وفيه عن التتارخانية، إذا أقر أنه عبد لا يصدق على إبطال شئ كان فعله إلا النكاح، لانه زعم أنه لم يصح لعدم إذن من يزعم أنه مولاه فيؤاخذ بزعمه، بخلاف المرأة لا يبطل
نكاحها اه.
قوله: (ومجهول نسب كلقيط) أي فيما ذكر من الاقرار لا في جميع أحكامه كما لا يخفى، وهذه المسألة ستأتي في آخر كتاب الاقرار بتفاصيلها إن شاء الله تعالى، والله سبحانه أعلم.(4/463)
كتاب اللقطة تقدم وجه تقديم اللقيط عليها.
وقال في العناية: هما متقاربان لفظا ومعنى، وخصص اللقيط ببني آدم واللقطة بغيرهم للتمييز بينهما، وقدم الاول لشرف بني آدم.
قوله: (بالفتح) أي فتح القاف مع ضم اللام وبفتحهما كما في القاموس.
قوله: (وتسكن) قال الازهري: الفتح قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين.
وقال الليث: هي بالسكون، ولم أسمعه لغيره.
ومنهم من يعد السكون من لحن العوام.
مصباح قوله: (اسم وضع للمال الملتقط) فهو حقيقة لا مجاز، وهذا هو المتبادر من كتب اللغة، لكن اختار في الفتح أنها مجاز لانها بالفتح وصف مبالغة للفاعل كهمزة ولمزة لكثير الهمز واللمز، وبالسكون للمفعول كضحكة وهزأة لمن يضحك منه ويهزأ به، وإنما قيل للمال لقطة بالفتح، لان الطباع في الغالب تبادر إلى التقاطه لانه مال فصار باعتبار أنه داع إلى أخذه لمعنى فيه كأنه الكثير الالتقاط مجازا، وإلا فحقيقته الملتقط الكثير الالتقاط، وما عن الاصمعي وابن الاعرابي أنه بالفتح اسم للمال أيضا محمول على هذا اه.
قوله: (وشرعة مال يوجد ضائعا) الظاهر أنه مساو للمعنى اللغوي المذكور، ومثله قول المصباح: الشئ الذي تجده ملقى فتأخذه، ويدل عليه أن ابن كمال لم يذكر المعنى اللغوي، هو ظاهر كلام الفتح أيضا.
وعليه فلا يلزم في حقيقتها عدم معرفة المالك ولا عدم الاباحة.
أما الاول فلانه إذا وجب رده إلى مالكه الذي ضاع منه لا يخرج عن كونه لقطة.
وأما كونها يجب تعريفها فذا ك إذا لم يعرف مالكها، إذ لا يلزم اتحاد الحكم في جميع أفراد الحقيقة كالصلاة وغيرها.
وأما المباح كالساقط من حربي فكذلك، ومثله ما يلقط من الثمار كجوز ونحوه كما يأتي، فهو يسمى لقطة شرعا ولغة وإن لم يجب تعريفه ولا رده إلى مالكه.
وبه علم مغايرة هذا التعريف لما بعده، ولا ضرر في ذلك، فافهم.
قوله: (مال يوجد الخ) فخرج ما عرف مالكه فليس لقطة بدليل أنه لا يعرف بل يرد إليه، وبالاخير مال الحربي.
لكن يرد عليه ما كان محرزا
بمكان أو حافظ فإنه داخل في التعريف، فالاولى أن يقال: هو مال معصوم معرض للضياع.
بحر.
وأقول: الحرز بالمكان ونحوه خرج بقوله يوجد: أي في الارض ضائعا، إذ لا يقال في المحرز ذلك.
على أنه في المحيط جعل عدم الاحراز من شرائطها وعرفها بما يأتي، وهذا يفيد أن عدم معرفة المالك ليس شرطا في مفهومهما.
نهر.
قوله: (رفع شئ الخ) هذا تعريف لها بالمعنى المصدري: أعني الالتقاط لانه لازمها، وهذا يقع في كلامهم كثيرا، ومنه الاضحية فإنها اسم لما يضحى به.
وعرفوها شرعا بذبح حيوان مخصوص الخ وهذا التعريف يخرج ما كان مباحا.
قوله: (لا للتمليك) الاولى لا للتملك.
قوله: (وفيه أنه أمانة لا لقطة الخ) فيه نظر، فإن اللقطة أيضا أمانة، وعدم وجوب تعريفه لا يخرجه عن كونه لقطة كما قدمنا، لانه وإن علم مالكه فهو مال ضائع: أي لا حافظ له نظير ما مر في المال الذي يوجد مع اللقيط.
وفي القاموس: ضاع الشئ صار مهملا، ولهذا ذكر في النهر أن هذا الفرع يدل على ما استفيد من هذا التعريف من أن عدم معرفة المالك(4/464)
ليس شرطا في مفهومهما.
قوله: (ندب رفعها) وقيل الافضل عدمه.
والصحيح الاول، وهو قول عامة العلماء خصوصا في زماننا، كما في شرح الوهبانية.
قلت: ويمكن التوفيق بالامن وعدمه.
قوله: (إن أمن على نفسه تعريفها) أي عدم تعريفها كما لا يخفى اه ح: أي لان الامن مما يخاف منه والمخوف عدم التعريف لا التعريف، إلا أن يدعي تضمين أمن على نفسه معنى وثق منها.
تأمل.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يأمن بأن شك، فلا ينافي ما في البدائع لانه فيما إذا أخذها لنفسه، فإذا تيقن من نفسه منعها من صاحبها فرض الترك، وإذا شك ندب.
أفاده ط.
لكن إن أخذها لنفسه لم يبرأ من ضمانها إلا بردها إلى صاحبها كما في الكافي.
قوله: (لانها كالغصب) أي حكما من جهة الحرمة والضمان، وإلا فحقيقة الغصب رفع اليد المحقة ووضع المبطلة، ولا يد محقة هنا.
تأمل.
قوله: (ووجب أي فرض) ظاهره أن المراد الفرض القطعي الذي يفكر منكره، وفيه نظر.
علم أنه في الفتح لم يفسر الوجوب بالافتراض كما فعل الشارح، بل قال: وإن غلب على ظنه ذلك: أي ضياعها إن لم يأخذها ففي الخلاصة يفترض الرفع اه.
تأمل.
قوله: (فتح وغيره) أي كالخلاصة والمجتبى، لكن في البدائع أن الشافعي قال: إنه واجب وهو غير سديد، لان الترك ليس تضييعا بل امتناع عن حفظ غير ملتزم كالامتناع عن قبول الوديعة اه.
وأشار في الهداية إلى التبري من الوجوب بقوله: وهو واجب إذا خاف الضياع على ما قالوا: بحر ملخصا.
وجزم في النهر بأن ما في البدائع شاذ وأن ما في الخلاصة جرى عليه في المحيط والتتارخانية والاختيار وغيرها اه.
قلت: وكذا في شرح الوهبانية تبعا للذخيرة.
قوله: (عند خوف ضياعها) المراد بالخوف غلبة الظن كما نقلناه آنفا عن الفتح، وهذا إذا أمن على نفسه، وإلا فالترك أولى كما في البحر عن المحيط.
تأمل.
قوله: (كممر) أي في اللقيط من قوله: التقاطه فرض كفاية إذا غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه، ولو لم يعلم به غيره ففرض عين اه.
وينبغي هذا التفصيل هنا حموي.
قوله: (فلو تركها) أي وقد أمن على نفسه وإلا فالترك أفضل ط.
قوله: (ظاهر كلام النهر لا) الاولى أن يقول: استظهر في النهر لا، وأصله لصاحب البحر استدلالا بما في جامع الفصولين: لو انفتح زق فمر به رجل فلو لم يأخذه برئ، ولو أخذه ثم تر ك ضمن لو مالكه غائبا لا لو حاضرا، وكذا لو رأى ما وقع من كم رجل اه.
فقوله وكذا يدل على أنه لا يضمن بترك أخذه، لكنه يدل على أنه لو أخذه ثم تركه يضمنه، وهو خلاف ما يأتي قريبا عن الفتح، والفرق بينه وبين الزق أن الزق إذا انفتح ثم تركه بعد أخذه لا بد من سيلان شئ منه فالهلاك فيه محقق، بخلاف الواقع من الكم لو تركه بعد أخذه لاحتمال أن يلتقطه أمين غيره.
تنبيه: أفاد أنه لا يلزم من الاثم الضمان، واستدل له في البحر بما قالوا: لو منع المالك عن أمواله حتى هلكت يأثم ولا يضمن اه.
قلت: وكذا لو حل دابة مربوطة ولم يذهب بها فهربت أو فتح باب قفص فيه طير أو دار فيها(4/465)
دواب فذهبت فلا يضمن، بخلاف ما إذا حل حبلا علق فيه شئ أشق زقا فيه زيت كما في كافي الحاكم، لان السقوط والسيلان محقق بنفس الحل والشق، بخلاف ذهاب الدواب أو الطير فإنه بفعلها
لا بنفس فتح الباب، ومثله ترك اللقطة بعد أخذها، فإن هلاكها ليس بالترك بل بفعل الآخذ بعده، وكذا لو تركه قبل أخذها بالاولى، بخلاف ترك الزق المنفتح بعد أخذه فإن سيلانه بتركه، أما لو تركه قبل أخذه فإنه لا ينسب سيلانه إليه أصلا.
قوله: (لما في الصيرفية الخ) ذكر الزاهدي هذا الفرع بلفظ: رأى حماره.
قال الخير الرملي: فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان اه.
ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار غيره، فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائدا عليه، بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الاتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به فهو كما لو رأى زقا منفتحا كما مر، وإذا لم يضمن هنا لا يضمن بترك اللقطة بالاولى لعدم تحقق التلف به كما قلنا، فافهم.
قوله: (لم يضمن في ظاهر الرواية) هذا إذا أخذها ليعرفها فلو ليأكلها لا يبرأ ما لم يردها إلى ربها كما في نور العين عن الخانية، وقدمناه عن كافي الحاكم وأطلقه فشمل ما إذا ردها قبل أن يذهب بها أو بعده.
قال في الفتح: وقيده بعض المشايخ بما إذا لم يذهب بها، فلو بعده ضمن، وبعضهم ضمنه مطلقا، والوجه ظاهر المذهب اه.
وشمل أيضا ما لو خاف بإعادتها الهلاك، وهو مؤيد لما استظهره في النهر كما مر.
قوله: (وصح التقاط صبي وعبد) أي ويكون التعريف إلى ولي الصبي كما في المجتبى.
وينبغي أن يكون التعريف إلى مولى العبد كالصبي بجامع الحجر فيهما، أما المأذون والمكاتب فالتعريف إليهما.
نهر.
وصح أيضا التقاط الكافر لقول الكافي: لو أقام مدعيها شهودا كفارا على ملتقط كافر قبلت اه.
وعليه فتثبت الاحكام من التعريف والتصدق بعده أو الانتفاع، ولم أره صريحا.
بحر.
قوله: (لا مجنون الخ) مأخوذ من قوله في النهر: ينبغي أن لا يتردد في اشتراط كونه عاقلا صاحيا فلا يصح التقاط المجنون الخ، لكن الشارح زاد عليه المعتوه، وقدمنا أول باب المرتد أن حكمه حكم الصبي العاقل، ومقتضاه صحة التقاطه.
تأمل.
قال ط: وفائدة عدم صحة التقاط المجنون ونحوه أنه بعد الافاقة ليس له الاخذ ممن أخذها منه.
ومفاد التعليل تقييد الصحة في الصبي بالعقل اه.
قوله: (فإن أشهد عليه) ظاهر المبسوط اشتراط العدلين فتح.
قوله: (ويكفيه) أي في الاشهاد أن يقول الخ، وكذا قوله عندي ضالة أو شئ فمن سمعتموه الخ، ولا فرق بين كون اللقطة واحدة أو أكثر لانها اسم جنس، ولا يجب أن يعين ذهبا أو فضة خصوصا في
هذا الزمان فتح.
وقوله أو شئ يدل على أنه لا يشترط التصريح بكونه لقطة، وبه صرح في البحر عن الولوالجية.
قوله: (ينشد) في المصباح نشد ت الضالة نشدا من باب قتل طلبتها: وكذا إذا عرفتها والاسم نشدة ونشدان بكسرهما وأنشدتها بالالف عرفتها.
قوله: (وعرف) معطوف على أشهد فظاهره أن الاشهاد لا يكفي لنفي الضمان، وهكذا شرط في المحيط لنفي الضمان الاشهاد وإشاعة التعريف.
وحكى فيه في الظهيرية اختلافا.
فقال الحلواني: يكفي عن التعريف إشهاده عند الاخذ بأنه أخذها ليردها وهو المذكور في السير.
ومنهم من قال: يأتي على أبواب المساجد وينادي.(4/466)
وحاصله أن الاشهاد لا بد منه على قول الامام باتفاقهم، والخلا ف في أنه هل يكفي عن التعريف بعده أو لا؟ ولم يقل أحد إن التعريف بعد الاخذ يكفي عن الاشهاد وقت الاخذ خلافا لما فهمه في الفتح، هذا حاصل ما في البحر والنهر.
قوله: (أي نادى عليها الخ) أشار إلى أن المراد بالتعريف الجهر به كما في الخلاصة لا كما فعله بعضهم حيث دلى رأسه في بئر خارج المصر فنادى عليها فاتفق أن صاحبها كان هناك فسمعه كما حكاه السرخسي.
ومر أن لقطة الصبي يعرفها وليه، زاد في القنية: أو وصيه.
وهل للملتقط دفعها إلى غيره ليعرفها؟ فقيل: نعم إن عجل، وقيل لا ما لم يأذن القاضي.
بحر ملخصا.
وفي القهستاني: له دفعها لامين، وله استردادها منه، وإن هلكت في يده لم يضمن.
قوله: (وفي المجامع) أي محلات الاجتماع كالاسواق وأبواب المساجد.
بحر.
وكبيوت القهوات في زماننا.
قوله: (إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها) لم يجعل للتعريف مدة اتباعا للسرخسي، فإنه بنى الحكم على غالب الرأي، فيعرف القليل والكثير إلى أن يغلب على رأيه أن صاحبه لا يطلبه، وصححه في الهداية، وفي المضمرات والجوهرة، وعليه الفتوى، وهو خلاف ظاهر الرواية من التقدير بالحول في القليل والكثير كما ذكره الاسبيجابي، وعليه قيل يعرفها كل جمعة وقيل كل شهر، وقيل كل ستة أشهر.
بحر.
قلت: والمتون على قول السرخسي، والظاهر أنه رواية أو تخصيص لظاهر الرواية بالكثير.
تأمل.
قال في الهداية: فإن كانت شيئا يعلم أن صاحبها لا يطلبها كالنواة وقشر الرمان يكون إلقاؤه
إباحة، حتى جاز الانتفاع به بلا تعريف، ولكنه يبقى على ملك مالكه، لان التمليك من المجهول لا يصح.
وفي شرح السير الكبير: لو وجد مثل السوط والحبل فهو بمنزلة اللقطة، وما جاء في الترخيص في السوط فذاك في المنكسر ونحوه مما لا قيمة له ولا يطلبه صاحبه بعد ما سقط منه، وربما ألقاه مثل النوى وقشور الرمان وبعر الابل وجلد الشاة الميتة.
أما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فعليه ردها استحسانا، لان صاحبها إنما تركها عجزا فلا يزول ملكه عنها بذلك، والسوط إنما ألقاه رغبة عنه لقدرته على حمله، ولو ادعى على صاحب الدابة أنك قلت من أخذها فهي له فالقول لصاحبها بيمينه، إلا إذا نكل أو برهن الآخذ فهي له، وإن لم يكن حاضرا حين هذه المقالة وبعد صحة الهبة إذا سمنت الدابة في يده فليس للواهب الرجوع، لان الزيادة المتصلة تمنع الرجوع اه.
ملخصا.
قوله: (كانت أمانة) جواب قوله: فإن أشهد الخ.
قوله: (مع التمكن منه) أي من الاشهاد، أما لو لم يجد من يشهده عند الرفع أو خاف أنه لو أشهد عنده يأخذه منه الظالم فتركه لا يضمن.
بحر عن الخانية.
قوله: (أو لم يعرفها) مبني على ما مرمن أن الاشهاد لا يكفي عن التعريف.
قوله: (إن أنكر ربها) أما لو صدقه فلا ضماإجماعا.
بحر.
قوله: (وبه نأخذ الخ) وكذا ذكر الطحاوي كما في النهر عن الاتقاني.
قال في البحر: وفي الوالوالجية: محل الاختلاف فيما إذا اتفقا على كونها لقطة، لكن اختلفا هل التقطها للمالك أو لا.
أما إذا اختلفا في كونها لقطة فقال المالك أخذتها غصبا وقال الملتقط(4/467)
لقطة وقد أخذتها لك، فالملتقط ضامن بالاجماع.
قوله: (ولو من الحرم) لاطلاق قوله عليه الصلاة والسلام: اعرف عفاصها أي وعاءها، ووكاءها: أي رباطها وعرفها سنة وأما قوله عليه الصلاة والسلام في مكة: ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد فقال في الفتح: لا يعارضه، لان معناه: لا يحل إلا لمن يعرف ولا يحل لنفسه، وتخصيص مكة حينئذ لدفع وهم سقطو التعريف بها بسبب أن الظاهر أن ما وجد بها من لقطة فالظاهر أن للغرباء وقد تفرقوا، فلا يفيد التعريف فيسقط.
قوله: (ولقطة ولقطة) أي لا فرق بينهما: أي في وجوب أصل التعريف ليناسب قوله: إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها
فإنه يقتضي تعريف كل لقطة بما يناسبها، بخلاف ما مر عن ظاهر الرواية من التعريف حولا للكل.
قوله: (فينتفع الرافع) أي من رفعها من الارض: أي التقطها وأتى بالفاء، فدل على أنه إنما ينتفع بها بعد الاشهاد والتعريف إلى أن غلب على ظنه أن صاحبها لا يطلبها، والمراد جواز الانتفاع بها والتصدق، وله إمساكها لصاحبها، وفي الخلاصة: له بيعها أيضا وإمساك ثمنها، ثم إذا جاء ربها ليس له نقض البيع لو بأمر القاضي، وإلا فلو قائمة له إبطاله، وإن هلكت، فإن شاء ضمن البائع وعند ذلك ينفذ بيعه في ظاهر الرواية، وله دفعها للقاضي فيتصدق بها أو يقرضها من ملئ أو يدفعها مضاربة، والظاهر أن له البيع أيضا.
وفي الحاوي القدسي: الدفع إلى القاضي أجود ليفعل الاصلح.
وفي المجتبى: التصدق بها في زماننا أولى، وينبغي التفصيل بين من يغلب على الظن ورعه وعدمه نهر ملخصا.
تنبيه: ظاهر كلامهم متونا وشروحا أن حل الانتفاع للفقير بعد التعريف لا يتوقف على إذن القاضي، ويخالفه ما في الخانية من أنه لا يحل ذلك للفقير بلا أمره عند عامة العلماء.
وقال بشر: يحل اه.
بحر.
ومثله في الشرنبلالية عن البرهان، نعم في الهداية والعناية جواز الانتفاع للغني بإذن الامام لانه مجتهد فيه، ويأتي قريبا عن النهر.
وفي النهر: معنى الانتفاع بها صرفها إلى نفسه كما في الفتح، وهذا لا يتحقق ما بقيت في يده لا تملكها كما توهمه في البحر، لانها باقية على ملك صاحبها ما لم يتصرف بها، حتى لو كانت أقل من نصاب وعنده ما تصير به نصابا حال عليه الحول تحت يده لا يجب عليه زكاة اه.
قلت: مقتضاه أنها لو كانت ثوبا فلبسه لا يملكها مع أنه يصدق عليه أنه صرفها إلى نفسه، فمراد البحر التصرف لها على وجه التملك، فلو دراهم يكون بإنفاقها وغيرها بحسبه، فهو احتراز عن التصرف بطريق الاباحة على ملك صاحبها، ولذا قال: وإنما فسرنا الانتفاع بالتملك لانه ليس المراد الانتفاع بدونه كالاباحة لذا ملك بيعها وصرف الثمن إلى نفسه كما في الخانية اه.
قوله: (لو فقيرا) قيد به، لان الغني لا يحل له الانتفاع بها إلا بطريق القرض، لكن بإذن الامام.
نهر،.
قوله: (على فقير) أي ولو ذميا لا حربيا كما في شرح السير.
قال في النهر: قالوا ولا يجوز على غني ولا على
طفله الفقير وعبده، ولو فعل ينبغي أن لا يتردد في ضمانه.
قوله: (وفرعه) الضمير عائد إلى الغني المفهوم من قوله: وإلا تصدق به فلا بد أن يراد بفرعه الكبير الفقير، لما علمت من أنه لا يجوز على طفل الغني، ولو فقيرا.
قوله: (توضع في بيت المال) للنوائب.
بحر ط.
قوله: (وفي القنية(4/468)
الخ) عبارتها: وما يتصدق به الملتقط بعد التعريف وغلبة ظنه أنه لا يوجد صاحبه لا يجب إيصاؤه، وإن كان يرجو وجود المالك وجب الايصاء اه.
والمراد الايصاء بضمانها إذا ظهر صاحبها ولم يجز تصدق الملتقط لا الايصاء بعينها قبل التصدق بها، لكنه مفهوم بالاولى فلذا عمم الشارح.
وفي النهر: ثم إذا أمسكها وحضرته الوفاة أوصى بها ثم الورثة يعرفونها.
قال في الفتح: ومقتضى النظر أنهم لو لم يعرفوها حتى هلكت وجاء صاحبها أنهم يضمنون لانهم وضعوا أيديهم على اللقطة ولم يشهدوا: أي لم يعرفوا.
قال في البحر: وقد يقال: إن التعريف عليهم غير واجب حيث عرفها الملتقط اه.
قلت: الظاهر أن كلام الفتح فيما إذا لم يشهد الملتقط ولم يعرفها بناء على ما قدمناه عنه من أن الشرط التعريف قبل هلاكها لا الاشهاد وقت الاخذ، وتقدم ما فيه.
قوله: (بعد التصدق) أراد به ما يشمل انتفاع الملتقط بها إذا كان فقيرا كما في البحر.
قوله: (أو تضمينه) فيملكها الملتقط من وقت الاخذ ويكون الثواب له خانية.
قوله: (إجازتها) الاولى إجازته: أي إجازة فعل الملتقط.
قوله: (الصبي كبالغ) أي في اشتراط الاشهاد.
قال في البحر: وفي القنية: وجد الصبي لقطة ولم يشهد يضمن كالبالغ اه.
قلت: والمراد ميشمل إشهاد وليه أو وصيه.
قوله: (ثم لابيه أو وصيه التصدق) أي بعد الاشهاد والتعريف كما في القنية.
قال في البحر: وكذا له تمليكها للصبي لو فقيرا بالاولى.
قوله: (وضمانها في مالهما) كذا بحثه في شرح منظومة ابن وهبان للمصنف حيث قال: ينبغي على قول أصحابنا إذا تصدق بها الاب أو الوصي ثم ظهر صاحبها وضمنها أن يكون الضمان في مالهما دون الصبي اه.
قلت: قد يؤيد بحثه بما يأتي من أن للملتقط تضمين القاضي.
تأمل.
وبه يندفع بحث البحر بأن في تصدقهم بها إضرارا بالصغير إذا حضر المالك والعين هالكة من يد الفقير.
قوله: (ولو تصدق بأمر القاضي) مرتبط بقوله: أو تضمينه لان أمر القاضي يزيد على تصدقه بنفسه.
قوله: (وأيهما ضمن لا يرجع به على صاحبه) فإن ضمن الملتقط ملكها الملتقط من وقت الاخذ ويكون الثواب له.
خانية.
وبه علم أن الثواب موقوف.
بحر.
قوله: (أو ضال) الضال: هو الانسان، والضالة الحيوان الضائع من ذكر أو أنثى، ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة.
مصباح.
فعلم أن الضالة بالتاء تشمل الانسان الضائوغيره من الحيوان، وبدون تاء خاص بالانسان، وهو المناسب هنا لعطفه على البهيمة.
قوله: (أصلا) أي سواء التقطه من مكان قريب أو بعيد، بخلاف الآبق كما يأتي.
وفي كافي الحاكم: وإن عوضه شيئا فحسن.
قوله: (فله أجر مثله) علله في المحيط بأنها إجارة فاسدة.(4/469)
واعترضه في البحر بأنه لا إجارة أصلا لعدم من يقبل، وأجاب المقدسي بحمله على أنه قال ذلك لجمع حضر.
قلت: يؤيده ما في إجارات الولوالجية: ضاع له شئ فقال من دلني عليه فله كذا، فالاجارة باطلة لان المستأجر له غير معلوم والدلالة ليست بعمل يستحق به الاجر فلا يجب الاجر، وإن خصص بأن قال لرجل بعينه أن دللتني عليه فلك كذا، أن مشى له ودله يجب أجر المثل في المشي، لان ذلك عمل يستحق بعقد الاجارة إلا أنه غير مقدر بقدر فيجب أجر المثل، وإن دله بلا مشي فهو والاول سواء اه.
وبه ظهر أنه هنا إن خصص فالاجارة فاسدة لكون مكان الرد غير مقدر فيجب أجر المثل، وإن عمم فباطلة ولا أجر، فقوله: كإجارة فاسدة الاولى ذكره بصيغة التعليل كما فعل في المحيط.
قوله: (وندب التقاط البهيمة الخ) وقال الائمة الثلاثة: إذا وجد البقر والبعير في الصحراء فالترك أفضل، لان الاصل في أخذ مال الغير الحرمة وإباحة الالتقاط مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع به عن نفسها كالقرن مع القوة في البقر والرفس مع الكدم في البعير والفرس يقل ظن ضياعها ولكنه يتوهم.
ولنا أنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لاموال الناس كالشاة، وقوله عليه الصلاة والسلام: في ضالة الابل، ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، فذرها حتى يجدها ربها أجاب عنه في المبسوط بأنه كان إذ ذاك لغلبة أهل الصلاح والامانة، وأما في زماننا فلا يأمن وصول يد خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها وحفظها فهو أولى، ومقتضاه إن غلب على ظنه ذلك أن يجب الالتقاط، وهذا حق، فإنا نقطع بأن مقصود الشارع وصولها إلى ربها، فإذا تغير الزمان وصار طريق التلف فحكمه عنده بلا شك خلافه وهو الالتقاط للحفظ، وتمامه في الفتح.
قوله: (وكره الخ) قال في البحر: وبه علم أن التقاط البهيمة على ثلاثة أوجه، لكن ظاهر الهداية أن صورة الكراهة إنما هي عند الشافعي لا عندنا اه.
قلت: وهو أيضا ظاهر ما قدمناه آنفا عن الفتح.
قوله: (وكدم) بفتح الكاف وسكون الدال فعله من باب ضرب وقتل وهو العض بأدنى الفم.
قوله: (إن ظن أنها ضالة) أي غلب على ظنه بأن كانت في موضع لم يكن بقربه بيت مدر أو شعر أو قافلة نازلة أو دواب في مراعيها.
بحر عن الحاوي.
قوله: (إلا إذا قال له قاض الخ) أي بعد إقامة البينة من الملتقط كما شرطه في الاصل وصححه في الهداية، لاحتمال أن يكون غصبا في يده، والبينة لكشف الحال لا للقضاء فلا يشترط لها خصم، وصرح في الظهيرية بأن الملتقط كذلك، وإن قال لا بينة لي يقول له بين يدي ثقات أنفق عليها إن كنت صادقا، وقدمنا أن القاضي لو جعل ولاء اللقيط للملتقط جاز، لانه قضاء في فصل مجتهد فيه فعليه لا يكون متبرعا بالانفاق بلا أمره إذا أشهد ليرجع كالوصي.
بحر ملخصا.
قوله: (لم يكن دينا في الاصح) لان الامر متردد بين الحسبة والرجوع، فلا يكون دينا بالشك.
بحر.
قوله: (لا ما زعمه ابن الملك) من أنه(4/470)
إذا لم يأمره بالانفاق فادعاه به بلوغه وصدقه اللقيط رجع عليه ح.
قوله: (نهر) أصله للبحر.
قوله: (والمديون) أي الذي يثبت للملتقط الرجوع عليه بما أنفقه بقول القاضي أنفق لترجع.
قوله: (أو سيده) أي إن ظهر له سيد بإقراره.
بحر.
قوله: (أو هو بعد بلوغه) فلو مات صغيرا يرجع على بيت المال كما في القهستاني عن النظم.
قوله: (وإن كان لها نفع) بأن كانت بهيمة يحمل عليها كالحمار والبغل.
قوله:
(بإذن الحاكم) الذي في الملتقى وغيره أنه يؤجرها القاضي، لكن لا يخفى أن إذنه كفعله قوله: (منه) أي من بدل الاجارة.
قوله: (كالضال) أي العبد الذي ضل عن سيده.
قوله: (بخلاف الآبق) فإنه لا يؤجره القاضي لانه يخاف عليه أن يأبق، كذا في التبيين، وسوى بينهما في الهداية بقوله: كذلك يفعل العبد الآبق.
بحر.
ووفق المقدسي في شرحه بحمل ما في الهداية على ما إذا كان معه علامة تمنع من الاباق كالراية.
ونقل الشرنبلالي عنه وجها آخر، وهو حمله على ما إذا كان المستأجر ذا قوة ومنعة لا يخاف عليه أو على الايجار مع إعلام المستأجر بحاله ليحفظ غاية الحفظ اه.
قال في البحر: ولم أر حكم اللقيط إذا صار مميزا ولا مال له هل يؤجره القاضي للنفقة أو لا؟.
قوله: (ولو الانفاق أصلح الخ) قالوا: إنما يأمر بالانفاق يومين أو ثلاثة على قدر ما يرى رجاء أن يظهر مالكها، فإذا لم يظهر يأمر ببيعها لان دارة النفقة مستأصلة فلا نظر في الانفاق مدة مديدة.
هداية.
قوله: (وله منعها من ربها ليأخذ النفقة) فإن لم يعطه باعها القاضي وأعطى نفقته ورد عليه الباقي، ولا فرق بين أن يكون الملتقط أنفق من ماله أو استدل بأمر القاضي ليرجع على صاحبها كما في الحاوي، وقد صرحوا في نفقة الزوجة المستدانة بإذن القاضي أن المرأة تتمكن من الحوالة عليه بغير رضاه، وقياسه هنا كذلك.
بحر.
قوله: (فإن هلكت بعد حبسه) أي مع الملتقط اللقطة عن صاحبها سقطت النفقة لانها تصير كالرهن.
قال في النهر: ولم يحك المنصف في الكافي تبعا لصاحب الهداية فيه خلافا فيفهم أنه المذهب، وجعله القدوري في تقريبه قول زفر، وعند أصحابنا: لا يسقط لو هلك بعده، وعزاه في الينابيع إلى علمائنا الثلاثة اه.
قلت: وظاهر الفتح اعتماد ما ذكره القدوري، فإنه قال: إنه المنقول، وكذا نقل في الشرنبلالية عن خط العلامة قاسم أن ما في الهداية ليس بمذهب لاحد من علمائنا الثلاثة، وإنما هو قول زفر ولا يساعده الوجه، ثم نقل عن المقدسي أنه يمكن أن يكون عن علمائنا فيه روايتان، أو اختار في الهداية قول زفر فتأمله اه.
وعلى ما في الهداية جرى في الملتقى والدرر والنقاية وغيرها.
قوله: (جبرا عليه) أفادأن المراد بعدم الدفع عدم لزومه كما في البحر.
قوله: (بلا بينة) أراد بها القضاء بها.
بحر.
قوله: (فإن بين علامة) أي مع المطابقة، ومر في اللقيط أن الاصابة في بعض العلامات
لا تكفي.
وظاهر قول التتارخانية: أصاب في علامات اللقطة كلها أنه شرط، ولم أر ما لو بين كل(4/471)
من المدعيين وأصابا، وينبغي حل الدفع لهما.
بحر.
قوله: (بين أولا) لكن هل يجبر: قيل نعم كما لو برهن، وقيل لا كالوكيل يقبض الوديعة إذا صدقه المودع.
ودفع الفرق بأن المالك هنا غير ظاهر والمودع في مسألة الوديعة ظاهر فتح.
تتمة: دفع بالتصديق أو بالعلامة وأقام آخر بينة أنها له، فإن قائمة أخذها، وإن هالكة ضمن أيها شاء، فإن ضمن القابض لا يرجع على أحد أو الملتقط فكذلك في رواية، وفي أخرى: يرجع وهو الصحيح، لانه وإن صدقه إلا أنه بالقضاء عليه صار مكذبا شرعا فبطل إقراره.
نهر عن الفتح.
قوله: (لان يده أحق) لعل وجهه كونها أسبق وأن له حق تملكها بعد التعريف لو فقيرا، ويفهم منه بالاولى أنه لو انتزعها من يده آخر له أخذها منه كما قالوا في اللقيط، وهو خلاف ما في الوالوالجية حيث سوى بين مسألتي الضياع والانتزاع في أنه لا خصومة له، ولا يخفى أن ما في السراج يشملها.
قوله: (جهل أربابها) يشمل ورثتهم، فلو علمهم لزمه الدفع إليهم لان الدين صار حقهم.
وفي الفصول العلامية: من له على آخر دين فطلبه ولم يعطه فمات رب الدين لم تبق له خصومة في الآخرة عند أكثر المشايخ، لانها بسبب الذين وقد انتقل إلى الورثة.
والمختار أن الخصومة في الظلم بالمنع للميت، وفي الدين للوارث.
قال محمد ابن الفضل: من تناول مال غيره بغير إذنه ثم رد البدل على وارثه بعد موته برئ عن الدين وبقي حق الميت لظلمه إياه، ولا يبرأ عنه إلا بالتوبة والاستغفار والدعاء له اه.
قوله: (فعليه التصدق بقدرها من ماله) أي الخاص به أو المتحصل من المظالم اه ط.
وهذا إن كان له مال.
وفي الفصول العلامية: لو لم يقدر على الاداء لفقره أو لنسيانه أو لعدم قدرته، قال شداد والناطفي رحمهما الله تعالى: لا يؤاخذ به في الآخرة إذا كان الدين ثمن متاع أو قرضا، وإن كان غصبا يؤاخذ به في الآخرة، وإن نسي غصبه، وإن علم الوارث دين مورثه والدين غصب أو غيره فعليه أن يقضيه من التركة، وإن لم يقض فهو مؤاخذ به في الآخرة، وإن لم يجد المديون ولا وارثه صاحب الدين ولا وارثه فتصدق المديون أو وارثه عن صاحب الدين برئ في الآخرة.
مطلب فيمن عليه ديون ومظالم جهل أربابها قوله: (كمن في يده عروض لا يعلم مستحقيها) يشمل ما إذا كانت لقطة علم حكمها، وإن كانت غيرها فالظاهر وجوب التصدق بأعيانها أيضا.
قوله: (سقط عنه المطالبة الخ) كأنه والله تعالى أعلم لانه بمنزلة المال الضائع والفقراء مصرفه عند جهل أربابه، وبالتوبة يسقط إثم الاقدام على الظلم ط.
قوله: (يجب عليه أن يتصدق بمثله) المختار أنه لا يلزمه ذلك في القهستاني عن الظهيرية، وكذا في البحر والنهر عن الولوالجية.(4/472)
مطلب فيمن مات في سفره فباع رفيقه متاعه قوله: (جاز لرفيقه الخ) الظاهر أنه احتراز عن الاجنبي، إذ الرفيق في السفر مأذون بذلك دلالة، كما قالوا في جواز إحرامه عن رفيقه إذا أغمي عليه، وكذا إنفاقه عليه.
وهذه المسألة وقعت لمحمد رحمه الله تعالى في سفره: مات بعض أصحابه فباع كتبه وأمتعته، فقيل له: كيف تفعل ذلك ولست بقاض، فقال: * (والله يعلم المفسد من المصلح) * (سورة البقرة: الآية 022) يعني أن ذلك من المصلح المأذون فيه عادة، فإنه لو حمل متاعه إلى أهله يحتاج إلى نفقة ربما استغرقت المتاع، لكن للورثة الخيار.
ففي أدب الاوصياء عن المحيط عن المنتقى: مات في السفر فباع رفقاؤه تركته وهم في موضع ليس فيه قاض.
قال محمد: جاز بيعهم وللمشتري الانتفاع بما اشتراه منهم، ثم إذا جاء الوارث إن شاء أجاز البيع وإن شاء أخذ ما وجده من المتاع وضمن ما لم يجد، كاللقطة إذا جاء صاحبها يأخذها، فإن لم يجد فله أن يضمن الذي أصابها وله أن يجيز التصدق اه.
مطلب فيمن وجد حطبا في نهر أو وجد جوزا أو كمثرى قوله: (إن له قيمة فلقطة) وقيل إنه كالتفاح الذي يجده في الماء.
وذكر في شرح الوهبانية ضابطا، وهو أن ما لا يسرع إليه الفساد ولا يعتاد رميه كحطب وخشب فهو لقطة إن كانت له قيمة ولو جمعه من أما كمتفرقة في الصحيح، كما لو وجد جوزة ثم أخرى وهكذا حتى بلغ ماله قيمة.
بخلاف تفاح أو كمثرى في نهر جار فإنه يجوز أخذه وإن كثر لانه مما يفسد لو ترك، وبخلاف النوى
إذا وجد متفرقا وله قيمة فيجوز أخذه، لانه مما يرمي عادة فيصير بمنزلة المباح، ولا كذلك الجوز، حتى لو تركه صاحبه تحت الاشجار فهو بمنزلته.
قوله: (ما لم يكن كثيرا) ذكر الضمير على تأويل التركة بالمتروك، والظاهر أن المراد بالكثير ما زاد على خمسة دراهم لما في البحر عن الخلاصة والولوالجية: مات غريب في دار رجل ومعه قدر خمسة دراهم فله أن يتصدق على نفسه إن كان فقيرا كاللقطة.
وفي الخانية: ليس له ذلك لانه ليس كاللقطة.
قال في البحر: والاول أثبت، وصرح به في المحيط.
قوله: (فإن لم يجدهم فله لو مصرفا) هذا ذكره في النهر وهو زائد على ما نقله في البحر عن الحاوي القدسي، وقد راجعت الحاوي فلم أجده فيه أيضا.
قوله: (محضنة) بالحاء المهملة والضاد المعجمة في المصباح: حضن الثائر بيضه إذا جثم عليه.
قوله: (أي برج) في المصباح: برج الحمام مأواه.
قوله: (اختلط بها أهلي لغيره) المراد بالاهلي ما كان مملوكا.
قوله: (لا ينبغي له أن يأخذه) لانه ربما يطير فيذهب إلى محله الاصلي، فلا ينافي ما مر أن اللقطة يندب أخذها.
أفاده ط.
قوله: (لانه ملك الغير) لان ولد الحيوان يتبع أمه.
قوله: (وإذا(4/473)
لم يملك الفرخ) أي ولم يعلم مالكه.
قوله: (وفي الوهبانية الخ) نقل بالمعنى، وترك مما في الوهبانية قيد كون الثمار مما لا يبقى، وكون ذلك في بستان احتراز عن القرى والسواد.
وحاصل ما في شرحها عن الخانية وغيرها أن الثمار إذا كانت ساقطة تحت الاشجار، فلو في المصر لا يأخذ شيئا منها ما لم يعلم أن صاحبها أباح ذلك نصا أو دلالة، لانه في المصر لا يكون مباحا عادة، وإن كان في البستان، فلو الثمار مما يبقى ولا يفسد كالجوز واللوز لا يأخذه ما لم يعلم الاذن، ولو مما لا يبقى، فقيل كذلك، والمعتمد أنه لا بأس به إذا لم يعلم النهي صريحا أو دلالة أو عادة، وإن كان في السواد والقرى، فلو الثمار مما يبقى لا يأخذ ما لم يعلم الاذن ولو مما لا يبقى اتفقوا على أن له الاخذ ما لم يعلم النهي، ولو كان الثمر على الشجر فالافضل أن لا يؤخذ ما لم يؤذن له، إلا في موضع كثير الثمار يعلم أنهم لا يشحون بمثل ذلك فله الاكل دون الحمل.
قوله: (وفي الجوز ينكر) لانه مما يبقى ولا يرمي عادة، بخلاف التفاح والكمثرى، لانه لو ترك يفسد،
وبخلاف النوى، لانه مما يرى كما مر بيانه في مسألة الحطب.
مطلب: ألقى شيئا وقال من أخذه فهو له فروع: ألقى شيئا وقال: من أخذه فهو له، فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه، وإلا لم يملكه لانه أخذه إعانة لمالكه ليرده عليه، بخلاف الاول لانه أخذه على وجه الهبة وقد تمت بالقبض.
ولا يقال: إنه إيجاب لمجهول فلا يصح هبة.
لانا نقول: هذه جهالة لا تفضي إلى المنازعة والملك يثبت عند الاخذ.
وعنده هو متعين معلوم، أصله: أنه عليه الصلاة والسلام قرب بدنات ثم قال: من شاء اقتطع.
مطلب: له الاخذ من نثار السكر في العرس ويقرره أن مجرد الالقاء من غير كلام يفيد هذا الحكم، كمن ينثر السكر والدراهم في العرس وغيره، فمن أخذ شيئا ملكه، لان الحال دليل على الاذن، وعلى هذا لو وضع الماء والجمد على بابه يباح الشرب منه لمن مر به من غني أو فقير، وكذا إذا غرس شجرة في موضع لا ملك فيه لاحد وأباح للناس ثمارها، وكل ذلك مأخوذ من الحديث اه.
ملخصا من شرح السير الكبير.
مطلب: من وجد دراهم في الجدار أو استيقظ وفي يده صرة وفي التتارخانية عن الينابيع: اشترى دارا فوجد في بعض الجدار دراهم.
قال أبو بكر: إنها كاللقطة.
قال الفقيه: وإن ادعاه البائع رد عليه، وإن قال: ليست لي فهي لقطة اه.
وفيها سأل رجل عطاء رحمه الله تعالى عمن بات في المسجد فاستيقظ وفي يده صرة دنانير؟ قال: إن الذي صرها في يدك لا يريد إلا أن يجعلها لك.
وفي البحر: وجد في البادية بعيرا مذبوحا قريب الماء لا بأس بالاكل منه إن وقع في قلبه أن مالكه أباحه.(4/474)
مطلب: أخذ صوف ميتة أو جلدها وعن الثاني: طرح ميتة فأخذ آخر صوفها له الانتفاع به وللمالك أخذه منه، ولسلخ الجلد ودبغه للمالك أن يأخذه ويرد عليه ما زاد الدبغ فيه.
وفي الخانية وضعت ملاءتها ووضعت الاخرى
ملاءتها ثم أخذت الاولى ملاءة الثانية لا ينبغي للثانية الانتفاع بملاءة الاولى، فإن أرادت ذلك قالوا: ينبغي أن تتصدق بها على بنتها الفقيرة بنية كون الثواب لصاحبتها إن رضيت، ثم يستوهب الملاءة من البنت لانها بمنزلة اللقطة.
مطلب: سرق مكعبه ووجد مثله أو دونه وكذلك الجواب في المكعب إذا سرق اه.
وقيده بعضهم بأن يكون المكعب الثاني كالاول أو أجود، فلو دونه له الانتفاع به بدون هذا التكلف، لان أخذ الاجود وترك الادون دليل الرضا بالانتفاع به، كذا في الظهيرية وفيه مخالفة للقطة من جهة جواز التصدق قبل التعريف وكأنه للضرورة اه.
ملخصا.
قلت: ما ذكر من التفصيل بين الادون وغيره إنما يظهر في المكعب المسروق، وعليه لا يحتاج إلى تعريف، لان صاحب الادون معرض عنه قصدا، فهو بمنزلة الدابة المهزولة التي تركها صاحبها عمدا بل بمنزلة إلقاء النوى وقشور الرمان.
أما لو أخذ مكعب غيره وترك مكعبه غلطا لظلمة أو نحوها ويعلم ذلك بالقرائن فهو في حكم اللقطة لا بد من السؤال عن صاحبه بلا فرق بين أجود وأدون، وكذا لو اشتبه كونه غلطا أو عمدا لعدم دليل الاعراض، هذا ما ظهر لي فتأمله.
فائدة: ذكر ابن حجر في حاشية الايضاح عن بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم ما نصه: إذا ضاع منك شئ فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد، اجمع بيني وبين كذا ويسميه باسمه، فإنه مجرب.
قال النووي: وقد جربته فوجدته نافعا لوجود الضالة عن قرب غالبا.
ونقل عن بعض مشايخه مثل ذلكاه.
والله سبحانه أعلم.(4/475)
كتاب الآبق اسم فاعل، من أبق كضرب وسمع ومنع.
قاموس.
والاكثر الاول.
مصباح، ومصدره أبق ويحرك، وإباق ككتاب وجمعه ككفار وركع.
قاموس.
قوله: (مناسبته) أي مناسبة الآبق للقيط واللقطة عرضية التلف أي الهلاك والزوال أي زوال يد المالك: أي توقع عروض الامرين أو أحدهما في
الثلاثة وهو وجه ذكرها عقب الجهاد، فإن الانفس والاموال فيه على شرف الزوال كما مر.
واعترض في الفتح بأن عرضية ذلك في الآبق بفعل فاعل مختار، فالاولى ذكره عقب الجهاد.
وأجاب في البحر بأن خوف التلف من حيث الذات في اللقيط أكثر من اللقطة فذكرا عقبه، وأما التلف في الآبق فمن حيث الانتفاع للمولى لامن حيث الذات لانه لو لم يعد إلى مولاه لا يموت، بخلاف اللقيط فإنه لصغره إن لم يرفع يموت فالانسب ترتيب المشايخ.
قوله: (والاباق انطلاق الرقيق تمردا) وهو في اللغة: الهرب كما في المغرب.
والتمرد: الخروج عن الطاعة احترز به عن الضال: وهو المملوك الذي ضل عن الطريق إلى منزل سيده بلا قصد.
قوله: (من مؤجره) بفتح الجيم اه ح: أي مستأجره، ولو عبر لكان أولى ط.
قوله: (ومودعه) بفتح الدال اه ح.
قوله: (ووصيه) أي الوصي عليه بأن مات سيده عن أولاد صغار وأقام هو أو القاضي عليهم وصيا، فإن العبد يكون داخلا تحت وصايته.
قوله: (أخذه فرض إن خاف ضياعه) أي إن غلب على ظنه ذلك، وهذا ذكره في البحر أخذا من عبارة البدائع، ويأتي ما فيه.
وذكر في الفتح بحثا فتبعه المصنف.
قوله: (ويندب أخذه إن قوي عليه) عبارة كافي الحاكم: وإذا وجد عبدا آبقا وهو قوي على أخذه قال: يسعه تركه، وأحب إلي أن يأخذه فيرده على صاحبه اه.
ومفهومه أن قيد القوة على أخذه تأكيد لافادة جواز الترك وأنه لا يجب أخذه بل يندب، فهو في الحقيقة لدفع توهم الوجوب عند القوة عليه.
وبه اندفع ما أورد على المصنف من أن هذا الشرط لا يخص ما نحن فيه بل هو عام في سائر التكليف.
على أن كون القدرة شرطا عاما لا يوجب عدم ذكرها في معرض بيان الاحكام.
قال تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (سورة آل عمران: الآية 79) ولم يصرح باشتراط عدم خوف ضياعه لعلمه من قوله: فرض إن خاف ضياعه فافهم.
قوله: (لما في البدائع الخ) تعليل لقوله: أخذه فرض إن خاف ضياعه الخ وقد تبع في ذلك البحر.
واعترضه في النهر بأنه قدم عن البدائع أن القول بفرضية أخذ اللقطة عند خوف الضياع قول الشافعي، فقول البدائع هنا: إن حكم أخذ الآبق كحكم اللقطة لا يدل على فرضية أخذه عندنا، نعم في الفتح: يمكن أن يجري فيه التفصيل في اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم
يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه، وإلا فلا اه.
قلت: لكن تقدم أن ما نسبه في البدائع إلى الشافعي مذهبنا، فقوله هنا: حكمه كحكم اللقطة يفيد أنه إذا كان أخذها واجبا يكون أخذه مثلها، وقد صرح في غير البدائع بأن أخذها واجب(4/476)
فأخذ الآبق كذلك، فليتأمل.
قوله: (واستوثق منه بكفيل إن شاء) قال في الفتح: ثم إذا دفعه إليه عن بينة ففي أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان اه.
وظاهره أن ذلك في حق القاضي، وهو صريح ما في كافي الحاكم.
قال ط: وذكر العلامة نوح: قيل رواية عدم أخذ الكفيل أصح لانه لما أقام البينة أنه له حرم تأخيره لان الدفع في هذه الصورة واجب اه.
قلت: لكن في التتارخانية أن رواية الاخذ أحوط.
قوله: (أيضا) أي مع الاستيثاق منه بكفيل.
قوله: (بوجه) كبيع أو هبة بنفسه أو بوكيله.
قوله: (دفع إليه بكفيل) أخذه الكفيل هنا رواية واحدة كما في الفتح.
قال في التتارخانية: ولم يذكر في الكتاب أن القاضي يتخير في الدفع إليه أو يجب عليه الدفع، وقد اختلف المشايخ فيه اه.
قلت: ينبغي وجوب الدفع في صورة إقرار العبد وعدمه في صورة ذكر العلامة.
تأمل.
قوله: (مخافة جعله) أي أخذ جعله.
قوله: (بذلك) أي بإباقه.
قوله: (فإن طالت المدة) سيأتي أن القاضي يحبس الآبق تعزيرا.
وفي التتارخانية يحبسه إلى أن يجئ طالبه، ويكون هذا الحبس بطريق التعزير وينفق عليه في مدة الحبس من بيت المال.
ثم قال: فإن لم يجئ له طالب وطال ذلك باعه بعد ما حبسه ستة أشهر ويدفع الثمن إلى صاحبه إذا وصف حليته وعلامته اه.
وجواز بيعه ظاهر على أنه لا يؤجره خوف إباقه كما مر في اللقطة ويأتي.
قوله: (ولو علم مكانه) في الحواشي اليعوقبية ينبغي أن يكون هذا إذا تعذر إيصاله إلى مالكه وخيف تلفه.
وقد ذكر في القنية أن ملال الغائب لا يباع إذا علم مكان الغائب لامكان إيصاله اه.
نهر.
قلت: قد يكون إيصاله إلى مالكه موجبا لكثرة النفقة فيتضرر مالكه، وقد لا يمكن معه أخذ ما أنفقه عليه القاضي.
قوله: (وأمسك من ثمنه ما أنفق منه) الضمير في منه للقاضي، والمراد ما
أنفقه من بيت المال: أي يمسك قدر ما أنفق ليرده إلى بيت المال.
قوله: (أو علم) بتشديد اللام: أي وصف علامته.
وفي المصباح: علمت له علامة بالتشديد وضعت به أمارة يعرفها.
قوله: (دفع باقي الثمن إليه) نقل في التتارخانية عن التهذيب أنه لا يدفع إليه الثمن إلا بالبينة ولا يكتفي بالحلية.
ونقل عن الكافي أنه يجوز أن يكتفي بها.
قلت: يمكن التوفيق بأن الاول في وجوب الدفع والثاني في جوازه.
قوله: (عن إعطاء الاذن) أي لواحد الآبق.
قوله: (فحينئذ فلا يصح الخ) لانه لا يصح بيعه بلا إذن القاضي، وحيث كان(4/477)
القاضي ممنوعا من إعطاء الاذن لا يصح إذنه لانه يستفيد الولاية من السلطان، ولكن هذا المنع السلطاني لا يبقى بعد موت السلطان المانع على ما أفاده الخير الرملي في فتاواه.
تأمل.
قوله: (فكذلك) أي لا يصح بيع القاضي لان تصرفه منوط بالمصلحة وخصوصا بعد ورود الامر له بذلك.
قوله: (لم يصدق في نقضه) أي لم يصدق في زعمه المذكور في حق نقض البيع، وإلا فهو مؤاخذ بإقراره على نفسه.
قوله: (إلا أن يكون عنده ولد منها) أي ولد ولدته في ملكه فيدعي أنه ولده منها فيصدق عليه ويثبت النسب ويفسخ البيع اه.
كافي الحاكم الشهيد.
قوله: (أو يبرهن على ذلك) أي على ما زعمه من التدبير ونحوه.
وأفاد أن ما ذكره المصنف محمول على ما إذا كان مجرد دعوى بلا برهان.
وبه اندفع ما في البحر من اللقطة من أن عدم تصديقه مشكل، لانه: أي المالك لو باع بنفسه ثم قال هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد وبرهن قبل برهانه، لان التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع اه.
قال في النهر: فيحمل على ما إذا لم يبرهن اه.
وبه أجاب المقدسي أيضا.
قوله: (واختلف في الضال) الاولى للمصنف ذكر هذا بعد قوله: ويندب إن قوي عليه لئلا يوهم أن الاختلاف في نقض البيع.
قوله: (قيل الخ) وعليه فهو مما خالف فيه الآبق، ويخالفه أيضا في أنه لا جعل لراده، وأنه لا يحبس، وأنه يؤجره وينفق عليه من أجرته كاللقطة كما في البحر وسيأتي.
قوله: (ولو عرف بيته الخ) يشير إلى أن محل الاختلاف ما إذا لم يعلم الواجد مولاه ولا مكانه.
قال في
الفتح: أما إذا علم فلا ينبغي أن يختلف في أفضلية أخذه ورده.
قوله: (صدق) أي بيمينه كافي.
قوله: (من مدة سفر) الظاهر أن المعتبر في هذه المسافة ما بين مكان الاخذ ومكان سيد العبد، سواء أبق من مكان سيده أو غيره، كما يشعر به قول الهداية: ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فقد اعتبر مكان الرد ومكان المولى، وعليه فلو خرج في حاجة لمولاه مسافة يومين ثم أبق منها مسافة يوم فأخذه رجل ورده على مولاه فله أربعون درهما اعتبارا لمكان المولى.
والظاهر أيضا كما أفاده ط أن المعتبر في مكان المولى المكان الذي يحصل فيه الرد عليه، حتى لو لحقه المولى وقد سار يوما فلقيه الواجد بعد ما سار يومين فله جعل اليومين فقط.
قوله: (ولو صبيا أو عبدا الخ) جملة معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو قوله: ممن يستحق الجعل ودخل في هذا التعميم ما إذا تعدد الراد كاثنين، فيشتركان في الاربعين إذا رداه إلى مولاه، وما إذا رداه بنفسه أو بنائبه، كما إذا دفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به إلى مولاه وأن يأخذه منه الجعل، وما إذا اغتصبه منه(4/478)
رجل وجاء به إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء الآخذ وبرهن أنه أخذه من مسيرة سفر فله الجعل، ويرجع المولى على الغاصب بما دفعه إليه لانه أخذه بغير حق.
قوله: (ممن يستحق الجعل) بأن لم يكن ممن يعمل متبرعا، بخلاف المتبرع أما لوجوب ذلك العمل عليه كالسلطان أو أحد نوابه، أو لكونه يحفظ مال سيد العبد كوصي اليتيم وعائله أو لكونه ممن جرت العادة برده عليه تبرعا، أما لاستعانة به لانه ممن في عياله، أو لزوجية أو بنوة أو شركة.
قوله: (وشحنة) هو حافظ المدينة اه ح.
قوله: (وخفير) هو بمعنى المعاهد: أي من يعاهدك على النصرة، ولعل المراد به من ينصبه الحاكم في الطريق لدفع القطاع عن المسافرين، ثم رأيت نقلا عن الحموي أن المراد به هنا الحارس.
قوله: (وعائله) أي من يعول اليتيم ويربيه في حجره بلا وصاية.
قوله: (فقال نعم) كذا شرطه في التتارخانية معللا بأنه قد وعد له الاعانة.
بحر.
قال المقدسي: والظاهر أنه ليس بشرط لان الظاهر منه التبرع بالعمل حيث لم يشرط عليه جعلا اه.
قلت: وفيه نظر، فإن عدم شرط الجعل لا يدل على التبرع، وإلا لزم شرطه في كل
المواضع، بخلاف ما إذا استعان به ووعده الاعانة فإن إجابته بالقول لما طلب دليل التبرع.
تأمل.
قوله: (أو كان في عياله) عطف على استعان، وشمل أحد الابوين إذا رد عبد الابن فلا جعل له إذا كان في عيال الابن كحكم بقية المحارم، كما في الهداية وشروحها.
كفاية البيان والمعراج والفتح والعناية.
وكذا في البزازية والجوهرة والقهستاني والنهر، على خلاف ما في البحر والمنح، حيث سوى بين الابوين والابن، ومثله قول الحاوي القدسي، إذا كان الراد في عيال مالك الغلام لا جعل له، وإلا فله الجعل سواء كان أجنبيا أو ذا رحم إلا الوالدين والمولودين.
قوله: (وابن) عطف على سلطان ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان الابن في عيال الاب وأحد الزوجين في عيال الآخر أو لا.
قال الزيلعي: لان رد الآبق على المولى نوع خدمة للمولى وخدمة الاب مستحقه على الابن فلا تقابل بالاجر، وكذا خدمة أحد الزوجين الآخر اه ح.
قوله: (وشريك) لان عمله يكون في حصته وحصة شريكه بلا تمييز فلا أجر له، كمن استأجر شريكه على حمل الحمل المشترك بينهما لا يستحق أجرا، ومنه ما في الولوالجية: لوجاء به وارث الميت، إن أخذه وسار به ثلاثة أيام وسلمه في حياة المولى يستحق الجعل إن لم يكن في عياله، وإن سلمه بعد موته وليس ولد المولى ولا في عياله وكان معه وارث آخر.
قال محمد: له الجعل في حصة شركائه.
وقال أبو يوسف: لا.
وقيل قول أبي حنيفة كقول محمد اه.
ملخصا.
قلت: ولعل وجه الخلاف أنه إن نظر إلى أن العمل الموجب للجعل وهو سير ثلاثة أيام حصل في حياة المولى قبل أن يصير الراد شريكا وجب الجعل، وإن نظر إلى أن الاستحقاق بالتسليم وهو لم يحصل إلا بعد الموت والاشتراك لم يجب الجعل، ويؤيد الثاني عدم استحقاق الجعل في موت مولى أم الولد والمدبر كما يأتي قريبا.
تأمل.
قوله: (ووهبانية) كذا في بعض النسخ.
والذي رأيته في عدة نسخ ورهبان وهكذا رأيته معزيا إلى نسخة الشارح وهو الصواب، لان الشارح عزاه الولوالجية، والذي رأيته فيها: ورهبان وشحنة، وهكذا رأيته في التجنيس:(4/479)
والظاهر أنه في عرفهم اسم لنوع ممن يرهب منه من أهل الولايات بقرينة ذكره مع الشحنة، وحينئذ
يتم قول الشارح فالمستثنى أحد عشر، فإن به يتم العدد، فافهم.
قوله: (أربعون درهما) بوزن سبعة مثاقيل.
فتح.
وإن أنفق أضعافها بغير أمر القاضي كافي الحاكم.
أما لو أنفق بأمره فإن له الاربعين مع جميع ما أنفق فلا يستحق الاربعين فقط، إلا إذا كان إنفاقه بغير أمر القاضي، وبه سقط اعتراضه في الدر المنتقى على شارح الوهبانية بأن تعبيره بلفظ غير من سبق القلم.
قوله: (فبطل صلحه فيما زاد عليها) لانه زيادة على ما ثبت بالنص كما بطل صلح القاتل فيما زاد على الدية.
قال في البحر: بخلاف الصلح على الاقل لانه حط منه.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يكون له شئ إلا بالشرط، كما إذا رد بهيمة ضالة أو عبدا ضالا.
وجه الاستحسان أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على أصل الجعل.
واختلفوا في مقداره، فأوجبنا الاربعين في مدة السفر وما دونها فيما دونه جمعا بين الروايتين.
نهر.
قوله: (ولو رد أمة الخ) اعلم أنه في كافي الحاكم عمم أولا في وجوب الجعل في رد الآبق فقال بالغا أو غير بالغ.
ثم قال: وإذا أبقت الامة ولها صبي رضيع فردها رجل كان له جعل واحد، فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله الجعل ثمانون درهما اه.
قال في الفتح: لان من لم يراهق لم يعتبر آبقا اه.
ومقتضاه أن المراد بقوله: أو غير بالغ هو المراهق.
ووفق في البحر بين عبارتي الكافي بأن الولد إن كان مع أحد أبويه اشترط كونه مراهقا: أي اشترط ذلك لوجوب جعل آخر لرد الولد، وإن لم يكن مع أحدهما لا يشترط أن يكون مراهقا، لكن يشترط عقله لقول التتارخانية: وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان يعقل الاباق، وإلا فهو ضال لا يستحق له الجعل اه.
ووفق في النهر بأن قوله: قد قارب الحلم غير قيد، لقول شارح الوهبانية: اتفق الاصحاب أن الصغير الذي يجب الجعل برده في قول محمد هو الذي يعقل الاباق.
وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا في وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده، بل الشرط أن يعقل الاباق، فبحث النهر إنما هو تقييد الولد في مسألة الكافي بكونه يعقل الاباق إشارة إلى أنه المراد من قوله: قد قارب الحلم.
قوله: (لثبوته بالنص) فلا يحط منه لنقصان القيمة، كصدقة الفطر لا يحط منها لو كانت قيمة الرأس أنقص من صدقة الفطر.
قاله العيني.
وقال
محمد: يقضي بقيمته إلا درهما، لان المقصود إحياء مال المالك فلا بد أن يسلم له شئ تحقيقا للفائدة.
وذكر صاحب البدائع والاسبيجابي الامام مع محمد فكان هو المذهب.
بحر.
والذي عليه المتون مذهب أبي يوسف كما لا يخفى، فينبغي أن يعول عليه لموافقته للنص والله تعالى أعلم منح ط.
قوله: (إن أشهد الخ) شرط لاستحقاق الجعل المذكور، وهذا عند التمكن من الاشهاد، وإلا فلا يشترط، والقول قوله في أنه لم يتمكن منه كما صرح به في التتارخانية.
بحر.
وفي الكافي: أخذه رجل فاشتراه منه رجل وجاء به فلا جعل له لانه لم يأخذه ليرده، وكذلك الهبة والوصية والميراث، وإن أشهد حين اشتراه أنه إنما اشتراه ليرده على صاحبه لانه لا يقدر عليه إلا بالشراء فله الجعل اه.
ويكون متبرعا بالثمن.
نهر.
قوله: (بقسطه) أي بأن تقسم الاربعون على(4/480)
الايام لكل يوم ثلاثة عشر وثلث.
نهر.
قوله: (يرضخ له) يقال رضخ له كمنع وضرب أعطاه عطاء غير كثير قاموس، واعتبار رأي الحاكم عند عدم الاصطلاح على شئ ط.
قوله: (به يفتى) أي بالرضخ برأي الحاكم.
قوله: (ولو من المصر) تعميم لقوله: ومن أقل وعنه أنه لا شئ له.
قهستاني عن المضمرات.
لكن الاول هو المذكور في الاصل وهو الصحيح.
بحر.
قوله: (كقن في الجعل) أي في وجوبه، وهذا إذا رد المدبر وأم الولد في حياة المولى كما أفاده ما بعده.
قوله: (لعقتهم بموته) فيقع رد حر لا مملوك، وهذا في أم الولد ظاهر، وكذا في المدبر لو يخرج من الثلث لانه حينئذ يعتق بالموت اتفاقا، وإلا فكذلك عندهما.
وعنده يصير كالمكاتب لانه يسعى في قيمته ليعتق، ولا جعل في رد المكاتب، وتمامه في الفتح.
قوله: (وإن أبق منه) وكذا لو مات في يده.
نهر.
قوله: (ثم إنه أبق) أي في حال استعماله، أما لو بعد فراغه وعزمه على أن يرده إلى صاحبه فينبغي عدم الضمان لعوده إلى الوفاق ط.
قوله: (ويلزم مريد الرد قيمته) أي إذا أبق منه أو مات في يده، سواء أشهد أنه أخذه ليرده أو لا كما هو ظاهر لانه غير مقيد عند إنكار المولى إباقه.
قوله: (ما لم يبين إباقه) أي بإقامة البينة على إباقه، أو على إقرار المولى به.
زيلعي.
قوله: (في الوجهين) أي فيما إذا أبق منه بعد الاشهاد أو قبله.
قال في المنح: أما الاول فلانه لم يرده إلى مولاه، وأما الثاني
فلانه بترك الاشهاد صار غاصبا.
قوله: (خلافا للثاني في الثاني) أي في قوله: وضمن لو قبله فإنه لا يضمن عند أبي يوسف وإن لم يشهد، والاولى ذكر الخلا ف قبل قوله: ولا جعل له لئلا يوهم أن الخلاف في الجعل وليس كذلك، لان أبا يوسف وإن أوجب الجعل بدون إشهاد لكن لا بد فيه أن يرده على مولاه، والكلام فيما إذا أبق أو مات قبل الرد، فافهم.
قوله: (أو بيع العبد فيه) أي إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل.
والظاهر أن الذي يبيعه هو القاضي.
قوله: (على من يستقر له(4/481)
الملك) وهو المولى إن اختار قضاء دينه أو الغرماء إن اختار بيعه في الدين فيجب الجعل في الثمن، وفي كلامه تسامح لان الملك لم يستقر لهم فيه بل في ثمنه، وإنما استقر ملكه للمشتري ولا شئ عليه كما في الفتح.
قوله: (جنى خطأ) أي قبل الاباق أو بعده قبل الاخذ كما يفيده قوله: لا في يد الآخذ واحترز به عما لو جنى في يد الآخذ فلا جعل له على أحد كما لو قتل عمدا ثم رده.
قوله: (على من سيصير له) وهو المولى إن اختار فداءه، أو الاولياء إن اختار دفعه إليهم، فلو دفع المولى الجعل ثم قضى عليه بالدفع إلى الاولياء له الرجوع على المدفوع إليه بالجعل.
بحر عن المحيط.
تأمل.
قوله: (على غاصبه) لانه أحياه له لتبرأ ذمته بدفعه، وظاهره لزوم الجعل له ولو رده إلى مالكه، ويحرر ط.
قوله: (وهو ترك التصرف) أي تصرفه بما يمنع رجوع الواهب في هبته.
قوله: (عبد صبي) بالاضافة: أي جعل عبد الصبي في مال الصبي.
قوله: (كنفقة لقطة) لانه لقطة حقيقة فإذا أنفق عليه الآخذ بلا أمر القاضي كان متبرعا، وبإذنه كان له الرجوع بشرط أن يقول على أن ترجع على الاصح.
بحر.
قوله: (وله حبسه لدين نفقته) فإن طالت المدة ولم يجئ صاحبه باعه القاضي وحفظ ثمنه كما قدمناه.
بحر.
قلت: وله حبسه أيضا للجعل.
قال في الكافي: ولمن جاء بالآبق أن يمسكه حتى يأخذ الجعل، فإن مات في يده بعد ما قضى له القاضي بإمساكه بالجعل فلا ضمان عليه ولا جعل، وكذلك لو مات قبل أن يرفعا إلى القاضي.
قوله: (وقيل يؤجره للنفقة) تقدم الكلام عليه في اللقطة.
قوله: (بخلاف اللقطة والضال) فإن الدابة اللقطة تؤجر لينفق عليها من أجرتها الضال لا
يحبس، وظاهره أنه يؤجره لينفق عليه من أجرته، وبه صرح في كتاب اللقطة.
قوله: (ثم بعدها يبيعه القاضي) أي ويرد لبيت المال ما أنفقه منه كما قدمناه ح، والله سبحانه أعلم.(4/482)
كتاب المفقود مناسبته للآبق أن كلا منهما فقده أهله وهم في طلبه، وأخر عنه لقلة وجوده.
قوله: (هو غائب الخ) أفاد أن قول الكنز هو غائب لم يدر موضعه معناه لم تدر حياته ولا موته.
قال في البحر: فالمدار إنما هو على الجهل بحياته وموته لا على الجهل بمكانه، فإنهم جعلوا منه كما في المحيط المسلم الذي أسره العدو ولا يدري أحي أم ميت مع أن مكانه معلوم وهو دار الحرب، فإنه أعم من أن يكون عرف أنه في بلدة معينة من دار الحرب أو لا اه.
لكن في الملتقى وغيره: هو غائب لا يدري مكانه ولا حياته ولا موته، قيل فهذا صريح في اشتراط جهل المكان فيكون التعويل عليه.
قلت: الظاهر أن علم المكان يستلزم العلم بالموت والحياة غالبا وعدمه عدمه، فالعطف للتفسير، ولو علم مكانه من دار الحرب مع تحقق الجهل بحاله وعدم إمكان الاطلاع عليه لا شك في أنه مفقود، فافهم.
قوله: (فيتوقع قدومه) أي يطلب أو ينتظر وقوعه، وقوله: قدومه بدل اشتمال من الضمير في يتوقع العائد إلى قوله: غائب لا نائب فاعل، لان حذفه لا يجوز.
قوله: (ومرتد لم يدر ألحق أم لا) أي فإنه يوقف ميراثه كما يوقف ميراث المسلم كافي الحاكم، لانه إذا جهل لحاقه لا يمكن الحكم به، بخلاف ما إذا علم فإنه يحكم به ويكون موتا حكما فيقسم ميراثه على ما مر في بابه.
قوله: (وهو في حق نفسه حي) مقابله قوله الآتي: وميت في حق غيره.
وحاصله أنه يعتبر حيا في حق الاحكام التي تضره وهي المتوقفة على ثبوت موته ويعتبر ميتا فيما ينفعه ويضر غيره، وهو ما يتوقف على حياته لان الاصل أنه حي وأنه إلى الآن كذلك استصحابا للحال السابق، والاستصحاب حجة ضعيفة تصلح للدفع لا للاثبات: أي تصلح لدفع ما ليس بثابت لا لاثباته.
قوله: (نزعه) أي نزع مال المفقود، قوله: (لما سيجئ الخ) فيه أن ما هنا أودعه بنفسه وما يجئ في مال مورثه ط.
قلت: لكن يأتي قريبا أنه لو كان وكيل له حفظ ماله: أي لانه لا ينعزل بفقد الموكل كما يأتي، لكن نقل ابن المؤيد عن جامع الفصولين: لو أخذ القاضي وديعة المفقود ممن هي بيده ووضعها عند ثقة لا بأس به اه.
وهذا يخالف ما في المعروضات، إلا أن يقال: ما فيها هو في حق أمين بيت المال، فليس له ذلك وإن كان المفقود لا وارث له إلا بيت المال، لان الوارث حقيقة ليس له ذلك فأمين بين المال بالاولى وما نقلناه إنما هو في القاضي الذي له ولاية حفظ مال الغائب.
والظاهر أنه محمول على ما إذا رأى المصلحة في ذلك، بأن كان من المال بيده غير ثقة إلا فهو عبث تأمل.
قوله: (ولا تنفسخ إجارته) لانها وإن كانت تفسخ بموت المؤجر أو المستأجر لكنه لم يثبت موته.
قوله: (المقر بها) بالبناء للمجهول: أي التي أقر بها غرماؤه، قيد له لما في النهر:(4/483)
ويخاصم في دين وجب بعقده بلا خلاف، لا فيما وجب بعقد المفقود، ولا في نصيب له في عقار أو عرض في يد رجل، ولا في حق من الحقوق إذ جحده من هو عنده أو عليه لانه ليس بمالك ولا نائب عنه وإنما هو وكيل من جهة القاضي وهو لا يملك الخصومة بلا خلاف.
قوله: (ويقوم عليه) أعم مما قبله لانه يشمل الحفظ وغيره كحصاد ودياس مثلا.
قوله: (عند الحاجة الخ) متعلق بقوله: ونصب القاضي وهذا بحث ذكره في البحر، أصله أنه إنما ينصب إذا لم يكن له وكيل في الحفظ أقامه الغائب قبل فقده، لانه لا ينعزل بفقده، لما في التجنيس: جعل داره بيد رجل ليعمرها أو دفع ماله ليحفظه وفقد الدافع فله الحفظ لا التعمير إلا بإذن الحاكم، لانه لعله مات ولا يكون الرجل وصيا اه.
وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه: أي وكيل المفقود لا يملك قبض ديونه التي أقر بها غرماؤه ولا غلاته، وحينئذ فيحتاج إلى النصب، وكأن هذا هو السر في إطلاقهم نصب الوكيل اه.
قلت: وفيه نظر، لان مراد البحر أن القاضي إنما ينصب له من يأخذ حقه ويحفظ ماله إذا لم يكن له وكيل في ذلك، لان وكيله لا ينعزل بفقده، وقول النهر: الظاهر أنه لا يملك قبض ديونه الخ غير مسلم إلا بنقل صريح، لانه إذا لم ينعزل وقد وكله بذلك فما المانع له منه؟ فلذا والله أعلم لم يعول
الشارح على كلامه.
قوله: (ليس بخصم فيما يدعي على المفقود) ولا فيما يدعي له كما علمته.
قال في البحر: وكذا ليس للورثة ما ذكر لانهم يرثونه بعد موته ولم يثبت.
ثم نقل عن البزازية: ما ت عن ابنين أحدهما مفقود فزعم ورثة المفقود أنه حي وله الميراث والابن الآخر بزعم موته لا خصومة بينهما، لان ورثة المفقود اعترفوا أنه لا حق لهم في التركة فكيف يخاصمون عمهم اه.
لان اعترافهم بحياته اعتراف بأن الحق له.
قوله: (ونحوه) أي نحو ما ذكر من رد بعيب أو مطالبة لاستحقاق.
بحر.
قوله: (بلا خلاف) لما فيه من تضمن الحكم على الغائب وإنما الخلاف المعروف بينهم فيمن وكله المالك بقبض الدين هل يملك الخصومة أم لا؟ فعنده يملكها وعندهما: لا اه ح عن الزيلعي.
مطلب: قضاء القاضي ثلاثة أقسام قوله: (لم ينفذ) اعلم أن قضاء القاضي ثلاثة أقسام: قسم يرد بكل حال، وهو ما خالف النص أو الاجماع.
وقسم يمضي بكل حال، حتى لو رفع إلى قاض آخر لا يراه نفذه وأمضاه ولا يبطله، وهو ما يكون الخلاف فيه لا في نفس القضاء بل في سببه.
وأمثلته كثيرة: منها لو قضى شافعي بشهادة المحدودين بعد التوبة أو قضى لامرأة بشهادة زوجها وأجنبي نفذ، ولو رفع إلى حنفي لزمه تنفيذه لان الاختلاف في سبب القضاء، وهو أن شهادة هؤلاء هل تصير حجة للحكم أم لا، أما نفسه الحكم فلا اختلاف فيه.
والقسم الثالث: الحكم المجتهد فيه، وهو ما يقع الخلاف فيه في نفس الحكم، فقيل ينفذ أيضا، وقيل لا ينفذ إلا إذا نفذه قاض آخر، فإذا نفذه الثاني نفذ، حتى لو(4/484)
رفع إلى ثالث أمضاه، وإذا أبطله الثاني فليس لاحد أن يجيزه، وهذا هو الصحيح.
وبعضهم صحح الاول، وذلك كما لو قضى لولده على أجنبي أو لامرأته بشهادة رجلين، لان نفس القضاء مختلف في.
واختلفوا فيما لو قضى على الغائب: فقيل هو من هذا القسم فلا ينفذ إلا بتنفيذقاض آخر، وهو ما نقله عن الزيلعي والكمال، بناء على أن الاختلاف في نفس القضاء على الغائب.
وقيل هو
من القسم الثاني فينفذ بلا توقف على تنفيذ قاض آخر، وهو ما نقله عن الخلاصة بناء على أن الاختلاف لا في نفس القضاء بل في سببه، وهو أن البينة هل تكون حجة من غير خصم حاضر أو لا؟.
قوله: (يعني لو القاضي مجتهدا) ومثله ما لو كان مقلد المجتهد، وهذا ترجيح لما حققه في البحر من كتا ب القضاء من أن الخلاف في نفاذ القضاء على الغائب، محله ما إذا كان مذهب القاضى صحة هذا القضاء، بخلاف القاضي الحنفي، وسيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك.
قوله: (ولا يبيع القاضي ما لا يخاف فساده) منقولا كان أو عقارا، لان القاضي لا ولاية له على الغائب إلا في الحفظ، وفي البيع ترك حفظ الصورة بلا ملجئ، وما يخاف عليه الفساد كالثمار ونحوها يبيعه، لانه تعذر حفظ صورته ومعناه فينظر للغائب بحفظ معناه اه.
من الهداية والفتح.
وفي جامع الفصولين وشرح الوهبانية: للقاضي بيع مال المفقود والاسير من المتاع والرقيق والعقار إذا خيف عليه الفساد، وليس له بيعها لنفقة عيالهما، وإن باعها لخوف الضياع فصارت دراهم أو دنانير يعطي النفقة منها بطريقة اه.
وفيه شراه فغاب قبل قبضه غيبة منقطعة ولا يدري أين هو جاز للقاضي بيع المبيع وإبقاء الثمن للبائع لو كان المبيع منقولا لا لو عقارا.
وعلى هذا لو رهن المديون وغاب غيبة منقطعة فرفع المرتهن الامر للقاضي ليبيع الرهن بدينه ينبغي أن يجوز كما في هذه المسألة اه.
قلت: ومسألة بيع المبيع ذكرها المصنف في متفرقات البيوع، وذكر في النهر هناك أنه لو غاب بعد قبض المبيع ليس للقاضي بيعه، ومسألة بيع الرهن ذكرها الشارح في كتاب الرهن، ومقتضى قياس هذه على المسألة الاولى تخصيص الرهن بكونه منقولا.
تأمل.
قوله: (مأمورون بالبيع) أي أمرهم السلطان بذلك.
أقول: كيف يتجه هذا الامر مع مخالفته لما ذكره المصنف تبعا لما في كتب المذهب كالهداية وغيرها وكافي الحاكم الشهيد بلا حكاية خلاف.
إلا أن يقال: إنه إذن للقضاة بالحكم على مذهب الغير، لكن في حكم القاضي بخلاف مذهبه كلام مذكور في كتاب القضاء، على أن أمر قضاة زمانه لا يسري على غيرهم كما حرره.
في الخيرية.
قوله: (وينفق) أي الوكيل المنصوب.
نهر: أي ينفق(4/485)
من مال المفقود لحاصل في بيته والواصل من ثمن ما يتسارع إليه الفساد ومن مال مودوع عند مقر ودين على مقر، وتمامه في الفتح والبحر.
قوله: (ولادا) نصب على التمييز.
نهر.
قوله: (وهم أصوله وفروعه) أعاد الضمير بالجمع على القريب لانه يصدق على الواحد والاكثر، والمراد الاصول وإن علوا والفروع وإن سفلوا، ولم يشترط الفقر في الاصول استغناء بما مر في النفقات، وإنما ينفق عليهم لان وجوب النفقة لهم ولا يتوقف على القضاء فكان إعانة لهم، بخلاف غير الولاد من الاخ ونحوه فإن وجوبها يتوقف عليه، فكان قضاء على الغائب وهو لا يجوز، وهذا الاطلاق مقيد بالدراهم والدنانير والتبر لان حقهم في المطعوم والملبوس، فإن لم يكن ذلك في ماله احتيج إلى القضاء بالقيمة وهي النقدان، وقد علمت أنه على الغائب لا يجوز إلا في الاب، فإن له بيع العرض لنفقته استحسانا كما في المبسوط، وقدم المصنف في النفقات أن لهؤلاء أخذ النفقة من مودعه ومديونه المقرين بالنكاح والنسب إذا لم يكونا ظاهرين عند القاضي، فإن ظهرا لم يشترط أو أحدهما اشترط الاقرار بما خفي هو الصحيح، فإن أنكر الوديعة والدين لم ينتصب أحد من هؤلاء خصما فيه والمسألة بفروعها مرت نهر: أي مرت في النفقات.
مطلب في الافتاء بمذهب مالك في زوجة المفقود قوله: (خلافا لمالك) فإن عنده تعتد زوجة المفقود عدة الوفاة بعد مضي أربع سنين، وهو مذهب الشافعي القديم، وأما الميراث فمذهبهما كمذهبنا في التقدير بتسعين سنة، أو الرجوع إلى رأي الحاكم.
وعند أحمد: إن كان يغلب على حاله الهلاك كمن فقد بين الصفين أو في مركب قد انكسر أو خرج لحاجة قريبة فلم يرجع ولم يعلم خبره فهذا بعد أربع سنين يقسم ماله وتعتد زوجته، بخلاف ما إذا لم يغلب عليه الهلاك كالمسافر لتجارة أو لسياحة فإنه يفوض للحاكم في رواية عنه، وفي أخرى: يقدر بتسعين من مولده كما في شرح ابن الشحنة، لكنه اعترض على الناظم بأنه لا حاجة للحنفي إلى ذلك: أي لان ذلك خلاف مذهبنا فحذفه أولى.
وقال في الدر المنتقى: ليس بأولى، لقول القهستاني: لو أفتى به في موضع الضرورة لا بأس به على ما أظن اه.
قلت: ونظير هذه المسألة عدة ممتدة إلى الطهر التي بلغت برؤية الدم ثلاثة أيام ثم امتد طهرها فإنها تبقى في العدة إلى أن تحيض ثلاث حيض.
وعند مالك: تنقضي عدتها بتسعة أشهر.
وقد قال في البزازية: الفتوى في زماننا على قول مالك.
وقال الزاهدي: كان بعض أصحابنا يفتون به للضرورة.
واعترضه في النهر وغيره بأنه لا داعي إلى الافتاء بمذهب الغير لامكان الترافع إلى مالكي يحكم بمذهبه، وعلى ذلك مشى ابن وهبان في منظومته هناك، لكن قدمنا أن الكلام عند تحقق الضرورة حيث لم يوجد مالكي يحكم به.
قوله: (وميت في حق غيره) معطوف على قوله: وهو في حق نفسه حي كما مر.
قوله: (وللمفقود بنتان وأبناء) الظاهر أنه بالمد جمع ابن، إذ لا يصح أن يكون مفردا منصوبا.
وفي بعض النسخ وابنان بصيغة المثنى، وفي بعضها وابن بصيغة المفرد، والكل صحيح.
قوله: (والتركة في البنتين) أي بنتي الرجل الميت.
واعلم أن في هذه المسألة ست صور والمذكور هنا صورة واحدة منها.(4/486)
وحاصل الصور أن المال، إما أن يكون في يد أجنبي أو في يد البنتين أو في يد أولاد الابن، وعلى كل إما أن ينفقوا على الفقد أو ينكره من في يده المال ويدعي أنه مات، وأحكام الكل مبينة في الفتح، فراجعه إن شئت.
قول: (أي لا ينزعه من يد البنتين) بل يقضي لهما بالنصف ميراثا ويوقف النصف في أيديهما على حكم ملك الميت، فإن ظهر المفقود حيا دفع إليه، وإن ظهر ميتا أعطى البنتان سدس كل المال من ذلك النصف والثلث الباقي لاولاد الابن للذكر مثل حظ الانثيين.
فتح.
قوله: (ولا يستحق الخ) أي لا يحكم باستحقاقه للوصية بعد موت الموصي ولا بعدمه، بل يوقف إلى ظهور الحال، فإن ظهر إلى آخر ما سيذكره المصنف.
قوله: (إلى موت أقرانه) هذا ليس خاصا بالوصية، بل هو حكمه العام في جميع أحكامه من قسمة ميراثه وبينونة زوجته وغير ذلك.
قوله: (في بلده) هو الأصح.
بحر.
وقيل: المعتبر موت أقرانه من جميع البلاد، فإن الاعمار قد تختلف ف طولا وقصرا بحسب الاقطار بحسب إجرائه سبحانه العادة، ولذا قالوا: الصقالبة أطول أعمارا من الروم، لكن في تعرف موت أقرانه من البلاد حرج عظيم، بخلافه من بلده فإنما فيه نوع حرج
محتمل.
فتح.
قوله: (على المذهب) وقيل يقدر بتسعين سنة بتقديم التاء من حين ولادته، واختاره في الكنز، وهو الارفق.
هداية.
وعليه الفتوى.
ذخيرة.
وقيل بمائة، وقيل بمائة وعشرين، واختار المتأخرون ستين سنة، واختار ابن الهمام سبعين لقوله عليه الصلاة والسلام: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين فكانت المنتهى غالبا.
وذكر في شرح الوهبانية أنه حكاه في الينابيع عن بعضهم.
قال في البحر: والعجب كيف يختارون خلاف ظاهر المذهب مع أنه واجب الاتباع على مقلد أبي حنيفة.
وأجاب في النهر بأن التفحص عن موت الاقران غير ممكن أو فيه حرج، فعن هذا اختاروا تقديره بالسن اه.
قلت: وقد يقال: لا مخالفة بل هو تفسير لظاهر الرواية وهو موت الاقران، لكن اختلفوا، فمنهم من اعتبر أطول ما يعيش إليه الاقران غالبا، ثم اختلفوا فيه هل هو تسعون أو مائة أو مائة وعشرون، ومنهم وهم المتأخرون اعتبروا الغالب من الاعمار، أي أكثر ما يعيش إليه الاقران غالبا لا أطوله فقدروه بستين، لان من يعيش فوقها نادر والحكم للغالب، وقدره ابن الهمام بسبعين للحديث لانها نهاية هذا الغالب، ويشير إلى هذا الجواب قوله في الفتح بعد حكاية الاقوال: والحاصل أن الاختلاف ما جاء إلا من اختلاف الرأي في أن الغالب هذا في الطول أو مطلقا اه.
قوله: (واختار الزيلعي تفويضه للامام) قال في الفتح: فأي وقت رأى المصلحة حكم بموته.
قال في النهر: وفي الينابيع: قيل يفوض إلى رأي القاضي، ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية.
وفي القنية: جعل هذا رواية عن الامام اه.
قلت: والظاهر أن هذا غير خارج عن ظاهر الرواية أيضا، بل هو أقرب إليه من القول بالتقدير، لانه فسره في شرح الوهبانية بأن ينظر ويجتهد ويفعل ما يغلب على ظنه فلا يقول بالتقدير، لانه لم يرد الشرع بل ينظر في الاقران وفي الزمان والمكان ويجتهد، ثم نقل عن مغني الحنابلة حكايته عن الشافعي ومحمد، وأنه المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأبي يوسف.
وقال الزيلعي: لانه(4/487)
يختلف باختلاف البلاد، كذا غلبة الظن تختلف باختلاف الاشخاص، فإن الملك العظيم إذا انقطع
خبره يغلب على الظن في أدنى مدة أنه قد مات اه.
ومقتضاه أن يجتهد ويحكم القرائن الظاهرة الدالة على موته، وعلى هذا يبتني على ما في جامع الفتاوى حيث قال: وإذا فقد في المهلكة فموته غالب فيحكم به، كما إذا فقد في وقت الملاقاة مع العدو أو مع قطاع الطريق، أو سافر على المرض الغالب هلاكه، أو كان سفره في البحر وما أشبه ذلك حكم بموته، لانه الغالب في هذه الحالات وإن كان بين احتمالين، واحتمال موته ناشئ عن دليل لا احتمال حياته، لان هذا الاحتما كاحتمال ما إذا بلغ المفقود مقدار ما لا يعيش على حسب ما اختلفوا في مقدار نقل من الغنية اه.
ما في جامع الفتاوى.
وأفتى به بعض مشايخ مشايخنا وقال: إنه أفتى به قاضي زاده صاحب بحر الفتاوى، لكن لا يخفى أنه لا بد من مضي مدة طويلة حتى يغلب على الظن موته لا بمجرد فقده عند ملاقاة العدو أو سفر البحر ونحوه، إلا إذا كان ملكا عظيما فإنه إذا بقي حيا تشتهر حياته، فلذا قلنا: إن هذا مبني على ما قاله الزيلعي: تأمل.
قوله: (وطريق قبول البينة) فيه إيهام أنه يحتاج إلى بينة على موت أقرانه وليس بمراد، بل المراد ما إذا قامت بينة على موته حقيقة.
ففي النهر عن التتارخانية: ثم طريق موته إما بالبينة أو موت الاقران.
وطريق قبول هذه البينة أن يجعل القاضي الخ.
قوله: (أو ينصب عليه قيما) أي إذا لم يكن له وكيل يحفظ ماله ينصب عنه مسخرا لاثبات دعوى موته من زوجته أو أحد ورثته أو غريمه.
قوله: (بقضاء الخ) هو أحد قولين.
قال القهستاني: وفي الفاء من قوله: فتعتد عرسه دلالة على أنه يحكم بموته بمجرد انقضاء المدة فلا يتوقف على قضاء القاضي كما قال شرف الائمة.
وقال نجم الائمة القاضي عبد الرحيم: نص على أنه يتوقف عليه كما في المنية اه، وما قاله شرف الائمة موافق للمتون سائحاني.
قلت: لكن المبتادر من العبارة أن المنصوص عليه في المذهب الثاني.
ثم رأيت عبارة الواقعات عن القنية أن هذا: أي ما روى عن أبي حنيفة من تفويض موته إلى رأي القاضي نص على أنه إنما يحكم بموته بقضاء الخ.
قوله: (فإن ظهر قبله) هذه القبلية لا مفهوم لها وإن ذكرها الكثيرون سائحاني، ولذا قال في البحر: وإن علم حياته في وقت من الاوقات يرث من مات قبل ذلك الوقت من أقاربه اه.
لكلو عاد حيا بعد الحكم بموت أقرانه قال ط: إذا احيا
والمرتد إذا اسلم ثم بعد رقمه رأيت المرحوم أبا السعود نقله عن الشيخ شاهين ونقل أن زوجته له والاولاد للثاني اه.
تأمل.
قوله (فله ذلك القسط) أي الموقوف له من الوصية وكذا الارث كما علمت.
قوله: (وبعده) أي بعد موت أقرانه، وهو متعلق بقوله: يحكم لا بقوله: ظهر لانه يصير المعنى وإن ظهر حيا بعد موت أقرانه يحكم بموته الخ، وهو فاسد كما لا يخفى.
قوله: (فتعتد منه عرسه للموت) أي عدة الوفاة ويرد قسطه من(4/488)
الوصية إلى ورثة الموصي.
قوله: (بين من يرثه الآن) أي حين حكم بموته لا من مات قبل ذلك الوقت من ورثته.
زيلعي.
وكذا يحكم بعتق مدبريه وأمهات أولاده في ذلك الوقت.
بحر.
قوله: (من حين فقده) أي مال لم تعلم حياته في وقت كما مر.
قوله: (عند موته) أي موت المورث.
قوله: (حجة دافعة) فتدفع ثبوت حق لغيره في ماله.
قوله: (لا مثبتة) فلا يثبت له حق في مال غيره.
قوله: (ولو كان مع المفقود وارث يحجب به الخ) أي يحجب ذلك الوارث بالمفقود، ويظهر هذا من المثال السابق حيث لم يعط أولاد الابن المفقود شيئا قبل ظهور حياته لحجبهم به، وأعطي البنتان النصف فقط دون الثلثين، ووقف لهما السدس ولاولاد الابن الثلث إلى ظهور موته، فإن ظهر حيا أخذ النصف الموقوف.
قوله: (كالحمل) فإنه لو كان معه وارث لا يتغير إرثه بحال يعطي كل نصيبه، وإن كان ينقص حقه به يعطي الاقل، وإن كان يسقط به لا يعطي شيئا، فلو ترك ابنا وزوجته حاملا تعطى الزوجة الثمن لانه لا يتغير، والابن نصف الباقي لانه أقل من كل الباقي على تقدير موت الحمل، ومن ثلثي الباقي على تقدير كون الحمل أنثى، ولو ترك زوجة حاملا وأخا شقيقا أو عما لا يعطي شيئا لاحتمال ذكورة الحمل.
قوله: (ولذا حذفه) أي حذف قوله: ولو كان مع المفقود وارث الخ.
قوله: (فرع الخ) عزاه في الدرر إلى فصول العمادي.
قوله: (ويبيعهما) في شرح الوهبانية عن القنية: فقدت مولاها ولا تجد نفقة وخيف عليها الفاحشة فللقاضي أن يبيعها أو يؤجرها من امرأة ثقة، وليس له تزويجها اه.
والله سبحانه أعلم.(4/489)
كتاب الشركة قيل مشروعيتها ثابتة بالكتاب والسنة والمعقول.
واختلفوا في النص المفيد لذلك.
قال في الفتح: ولاشك أن مشروعيتها أظهر ثبوتا، إذ التوارث والتعامل بها من لدن رسول الله (ص) وهلم جرا متصل لا يحتاج فيه لاثبات حديث بعينه.
قوله: (من حيث الامانة) فإن مال أحد الشريكين أمانة في يد الآخر، كما أن مال المفقود أمانة في يد الحاضر.
بحر.
وجعل في الفتح هذه مناسبة عامة فيهما وفي الآبق واللقيط واللقطة.
قوله: (بل قد تحقق في ماله) هذه مناسبة خاصة، بيانها أنه لو مات أبوه عنه وعن ابن آخر فإن مال المفقود من التركة على تقدير حياته مشترك: أي مختلط مع مال أخيه.
قوله: (بكسر فسكون في المعروف) كذا في الفتح: أي المشهور فيها كسر الشين وسكون الراء.
قال في النهر: ولك فتح الشين مع كسر الراء وسكونها.
قوله: (لغة الخلط) قال في الفتح: هي لغة خلط النصيبين بحيث لا يتميز أحدهما، وما قيل اختلاط النصيبين تساهل، لانها اسم المصدر، والمصدر الشرك مصدر شركت الرجل أشركه شركا، فظهر أنها فعل الانسان وفعله الخلط.
وأما الاختلاط فصفة للمال تثبت عن فعلهما ليس له اسم من المادة، وتمامه فيه.
قلت: لكن الشركة قد تتحقق بالاختلاط كما يأتي، فيلزم أن لا يكون لها اسم.
تأمل.
إلا أن يقال: إن أهل اللغة لا يسمونها شركة.
قوله: (سمي بها العقد) عبارة الزيلعي: ثم يطلق اسم الشركة على العقد مجازا لكونه سببا له.
قوله: (لانها سببه) الضمير الاول عائد إلى العقد بتأويل الشركة، والثاني إلى الخلط اه ح.
والاظهر تذكير الضميرين كعبارة الزيلعي، أو يقول: لانه سببها: أي لان العقد سبب الشركة التي حقيقتها الخلط فالعلاقة السببية، من إطلاق اسم المسبب على سببه.
قال في الفتح: فإذا قيل شركة العقد بالاضافة فهي إضافة بيانية.
قوله: (وشرعا الخ) ظاهر كلامهم اتحاد اللغوي والشرعي، فإنها في الشرع تطلق على الخلط وكذا على العقد مجازا.
تأمل.
بدليل تقسيمهم لها إلى شركة عقد وشركة ملك.
والثانية: تكون بالخلط أو الاختلاط، إلا أن يقال: المراد تعريف شركة العقد فقط لانها التي فصلت أنواعها إلى أربعة من مفاوضة وغيرها.
تأمل.
قوله: (في شركة العين) أي الملك فإنها في مقابلة العقد الذي هو عرض غير عين، وقوله: اختلاطهما أي اختلاط
المالين بحيث لا يتميز أحدهما، وعبر بالاختلاط تبعا للفتح مع أن مقتضى ما مر التعبير بالخلط.
تأمل قوله: (اللفظ المفيد له) أي لعقد الشركة، وهو الايجاب والقبول ولو معنى كما سيأتي.
قوله: (كون الواحد الخ) كذا في البحر عن المحيط.
والظاهر أن المراد بالواحد المعقود عليه احترازا عن المباحات والنكاح والوقف، لما سيأتي من قوله: وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة فإن المراد من قبوله الاشتراط.
قوله: (وهي ضربان) أي الشركة من حيث هي لا بقيد كونها شركة عقد ففيه شبه الاستخدام وإلا كان من تقسيم الشئ إلى نفسه وإلى غيره.
قوله: (شركة ملك) أي(4/490)
اختصاص فالاضافة بمعنى الباء كما في المغرب.
قهستاني.
قوله: (أو حفظا) دخوله في الملك المفسر بالاختصار ظاهر، والمقصود بيان اشتراكهما في الحفظ وثبوت الحق لهما الواحد فقط، ولا يلزم من ذكر مسألة في باب جريان جميع أحكام الباب فيها كالدين المشترك فإنه لا تجري فيه جميع أحكام العين، فافهم.
قوله: (هبه الريح) حقه أن يقال هبت به الريح لما في القاموس: الهب والهبوب ثوران الريح، وهبه هبا وهبة بالفتح وهبة بالكسر قطعة اه.
فقد جعل المتعدي بمعنى القاطع وهو غير مراد هنا كما لا يخفى.
مطلب: الحق أن الدين يملك قوله: (على ما هو الحق) قال في الفتح: إن بعضهم ذكر من شركة الاملاك الشركة في الدين، فقيل مجاز لان الدين وصف شرعي لا يملك.
وقد يقال: بل يملك شرعا، ولذا جاز هبته ممن عليه.
وقد يقال: إن الهبة مجاز عن الاسقاط، ولذا لم تجز من غير من عليه.
والحق ما ذكروا من ملكه، ولذا ملك ما عنه من العين الاشتراك حتى لو دفع الخ اه.
وقوله: ملك ما عنه الخ أي لو صالح أحدهما عن نصيبه على عين كثوب مثلا ملكه مشتركا بينه وبين الآخر، وتمامه في الصلح قبيل التخارج.
قوله: (وإن من حيل اختصاصه) أي اختصاص الآخذ بما أخذ دون شريكه، وهذه الحيلة مذكورة في الفتح أيضا وسيأتي غيرها في الصلح.
قوله: (بإرث) متعلق بقوله: يملك متعدد ط.
قوله: (بأي سبب كان الخ) هو مفهوم قوله بإر ث أو بيع فإن الاول جبري والثاني اختياري، ومن
الاول ما لو اختلط مالهما بلا صنع من أحدهما، ومن الثاني ما لو ملكا عينا بهبة أو استيلاء على مال حربي، أو خلطا مالهما بحيث لا يتميز كما يأتي، أو قبلا وصية بعين لهما كما في البحر.
قوله: (ولو متعاقبا) مرتبط بقوله: أن يملك متعدد ط.
قوله: (ثم أشرك فيه آخر) سيذكر المصنف مسألة الاشراك آخر الشركة.
قوله: (في الامتناع) الاولى حذفه لانه أجنبي في التصرف لا في الامتناع عنه، إلا أن يقال: قوله: أجنبي أي كأجنبي، ويكون هذا بيانا لوجه الشبه ط.
قوله: (عن تصرف مضر) احترز به الغير المضر كالانتفاع ببيت وخادم وأرض في غيبة شريكه على ما سيأتي بيانه.
قوله: (فصح له بيع حصته) تفريع على التقييد بمال صاحبه ط.
قوله: (إلا في صورة الخلط) والاختلاط فإنه لا يجوز البيع من غير شريكه بلا إذنه.
والفرق أن الشركة إذا كانت بينهما من الابتداء، بأن اشتريا حنطة أو ورثاها كانت كل حبة مشتركة بينهما فبيكل منهما نصيبه شائعا جائز من الشريك والاجنبي، بخلاف ما إذا كانت بالخلط أو الاختلاط كان كل حبة مملوكة بجميع أجزائها ليس للآخر فيها شركة، فإذا باع نصيبه من(4/491)
غير الشريك لا يقدر على تسليمه إلا مخلوطا بنصيب الشريك فيتوقف على إذنه، بخلاف بيعه من الشرك للقدرة على التسلم اه.
فتح وبحر.
قلت: ومثل الخلط والاختلاط بيع ما فيه ضرر على الشريك أو البائع أو المشتري، كبيع الحصة من البناء أو الغراس.
وبيع بيت معين من دار مشتركة كما يأتي تحريره.
قوله: (بفعلهما) احتراز عما إذا كان بفعل أحدها بلا إذن الآخر، فإن الخالط يملك مال الآخر ويكون مضمونا عليه بالمثل للتعدي.
قوله: (كحنطة بشعير) ومثله حنطة بحنطة بالاولى لتعزر التمييز، وفي الاول يتعسر.
قوله: (وكبناء وشجر وزرع مشترك) صنيعه يقتضي أن هذا من قبيل الخلط وليس كذلك، وإنما توقف البيع فيه من الاجنبي على إذن شريكه لتضرر الشريك بالقلع والهدم كما سيأتي تفصيله اه ح.
قلت: ويمكن الجواب بأن قوله: وكبناء معطوف على قول المصنف في صورة الخلط
فيكون استثناء صورة أخرى وهي ما في بيعه ضرر كما قلنا.
قوله: (ونحوه في فتاوى ابن نجيم) أي في كتاب البيع حيث أفتى بأنه لو باع أحد الشريكين في البناء حصته لاجنبي لا يجوز، ولشريكه جاز، وأفتى أيضا بأنه لو باع حصته من الزرع لاجنبي بلا رضا شريكه لا يجوز، ومفاده تقييد الاول أيضا بما إذا لم يرض الشريك أفاده ح.
وفي الخيرية صرحوا بأن بيع الحصة في البناء والغرس لغير الشريك لا يجوز.
قوله: (وفيها بعد ورقتين أن المبطخة كذلك) ونصه: سئل في مبطخة بين شريكين باع أحدهما حصته لاجنبي بثمن معلوم بدون رضا شريكه هل يجوز البيع أم لا؟ أجاب لا يجوز البيع اه.
والمراد بالمبطخة: البطيخ المزروع لا أرض البطيخ، إذ بيعه مع الارض جائز، والمراد أيضا ما إذا باعه قبل النضج لان فيه ضررا على الشريك بالقطع.
قال في جامع الفصولين: باع نصيبه من المبطخة برضا شريكه، فلو ضره لقطع لم يجز البيع ونصيب البائع المشتري ما لم يفسخ البيع ولشريكه أن لا يرضى بعد الاجازة، إذ في قلعه ضرر والانسان لا يجبر على تحمل الضرر اه.
ومفاده أن البيع فاسد قبل الفسخ لقوله: ونصيب البائع للمشتري الخ يعني إذا قبض المبيع.
مطلب مهم في بيع الحصة الشائعة من البناء أو الغراس قوله: (لكن فيها الخ) أفتى بمثله في الفتاوى الخيرية، واستند إلى ما في فتاوى ابن نجيم، وبين وجه ذلك حيث قال: سئل فيما إذا باع أحد الشركاء حصته في الغراس في الارض المحتكرة من أجنبي وأعلمه بما على الحصة من الحكر هل يجوز بيعه لكونه لا مطال ب له بالقلع فلا يتضرر أم لا؟ أجاب: نعم يجوز بيعه لعدم الضرر بعدم التكليف بالقلع.
ففي فتاوى الشيخ زين بن نجيم: إذا باع أحد الشريكين في البناء والغراس في الارض المحتكرة حصته من أجنبي هل يجوز البيع منه أم لا؟ أجاب: نعم يجوز، وكذا من الشريك، واللع أعلم اه.
ووجه عدم المطالبة في الارض المحتكر بالقلع كما هو ظاهر اه.
ما في الخيرية.
وبه ظهر أنه لا مخالفة بين هذا وما تقدم لان مناط الفساد حصول الضرر، فافهم.
ولذا قال الطرطوسي(4/492)
بعد كلام: فتحرر لنا من هذه النقول أن بيع الحصة من الزرع والثمرة والمبطخة بغير الارض من
الاجنبي أو من أحد شريكيه لا يجوز، فلو رضي الشريك: قيل لا يجوز أيضا، وقيل يجوز.
ويظهر لي التوفيق بحمل الاول على ما إذا قصد المشتري إجبار الشريك على القلع، والثاني على ما إذا لم يقصد ذلك، ويفهم هذا التوفيق من تعليل المحيط لعدم الجواز بقوله: لان فيه ضررا، والانسان لا يجبر على تحمل الضرر وإن رضي به اه.
كما قالوا فيما إذا باع نصف زرعه من رجل لا يجوز، لان المشتري يطالبه بالقلع فيتضرر البائع فيما لم يبعه وهو النصف الآخر كبيع الجذع في السقف.
ثم إذا طلب المشتري القلع يجاب إليه نظرا للشريك، لكن إن طلب هو أو البائع النقض فسخ البيع لانه فاسد، وإن سكت إلى وقت الادراك انقلب جائزا لزوال المانع، وذكر في الخانية أن نصيب البائع يكون للمشتري ما لم ينقض البيع اه.
وأما بيع هذه المذكورات من الشريك كأرض بينهما فيها زرع لهما لم يدرك، فباع أحدهما نصيبه من الزرع لشريكه بدون الارض، ففي رواية يجوز، وفي أخرى لا، وعليها جواب عامة الاصحاب، ولكنها تحمل على ما فيه ضرر بالقلع كبيع رب الارض من الاكار حصته من الزرع أو الثمرة فلا يجوز، لانه يكلف الاكار القلع فيتضرر.
أما لو باع الاكار لرب الارض فإنه يجوز اتفاقا، والدليل قول المحيط: لان البائع يطالبه بالقلع ليفرغ نصيبه من الارض، ولا يمكن ذلك إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري فيما لم يشتره وهو نصيب نفسه اه.
كلام الطرسوسي ملخصا.
ثم حرر أن حكم الغراس كالزرع، وهذا كله فيما إذا لم يدرك الزرع والثمر، وإلا جاز لعدم الضرر بالقلع كما سيذكره الشارح عن الفتاوى: إذا بلغت لاشجار أوان القطع جاز الشراء وإلا فسد، ومثله الزرع كما في بيوع البحر عن الولوالجية.
والحاصل أن ما بلغ أوان قطعه يصح بيع الحصة منه للشريك ولغيره ولو بلا إذن الشريك لعدم الضرر، وإلا لم يجز بيعه من الاجنبي بلا إذن الشريك، فلو بإذنه لم يجز إن كان مراد المشتري إجبار الشريك على القلع، وإلا بأن سكت إلى وقت الادراك يجوز، وعلى هذا ما كان في الارض المحتكرة لانه معد للبقاء لا للقطع فلا يتضرر أحدهما، فلو أراد القطع قبل بلوغ أوانه لا يجاب إلى ذلك، وإذا طلب أحدهما فسخ البيع يجاب لانه فاسد، وإنما ينقلب جائزا إذا سكت إلى وقت
الادراك.
وأما البناء فذكر الطرسوسي أنه إما أن تكون الارض لهم أو لغيرهما أو لاحدهما، فإن كانت لهما ففي المحيط أنه لو باع أحدهما حصته من البناء فقط لاجنبي لم يجز ولو بإذن الشريك، لان للبائع مطالبته بالهدم، وكذا لكان الكل له فباع نصفه من رجل لان المشتري يطالبه بالهدم فيتضرر البائع فيما لم يبعه.
ولو باع من شريكه في رواية جاز، وفي أخرى لا، واختارها أبو الليث لان البائع يطالبه بتفريغ نصيبه من الارض.
وإن كانت الارض لغيرهما ففي البدائع والخلاصة: لو باع الاجنبي لم يجز لانه لا يمكنه تسليمها إلا بضرر وهو نقض البناء، ومقتضاه أنه لشريكه يجوز، لكن ينبغي حمله على ما لا ضرر فيه، كما لو استعارها للبناء مدة، ومضت المدة لان البائع لا حق له في الارض فلا يمكنه مطالبة المشتري بالقلع، بخلاف الارض المستأجرة لبقاء حقه في الارض إلا أن يؤجره نصيبه منها قبل البيع، وكذا لو كانت الارض مغصوبة لان البناء غير مستحق للبقاء بل للقلع، فهو كالمقلوع حقيقة فيصح بيعه ولو لاجنبي، ومثله الاحكار التي يدفع لها كل سنة مبلغ معلوم بلا(4/493)
إجارة شرعية فينبغي أن يكون كالمغصوبة لانه مستحق للقلع، وإن كانت الارض لاحدهما فإن باع أحدهما لاجنبي لا يجوز، وإن لشريكه ينبغي الجواز سواء كان البائع صاحب الارض أو الآخر، لان البناء هنا لا يكون إلا بطريق الاباحة فهو مستحق القلع، بخلاف الزرع في أرض أحدهما فإنه بطريق المزارعة وهي عقد لازم، فالزر مستحق البقاء، فلذا لم يصح بيع صاحب الارض حصته في الزرع للمزارع، وصح العكس س لعدم الضرر، هذا خلاصة ما حرره الطرطوسي في أنفع الوسائل.
قلت: والعرف الآن في العمارة أنها تبنى في أرض الوقف أو أرض بيت المال بعد استئجار أرض الوقف مدة طويلة على مذهب من يراها، فإذا باع حصته من البناء لاجنبي بعدما أحكره الحصة من الارض أو فرغ له عن حق تصرفه في الارض السلطانية بإذن المتكلم عليها صح لعدم الضرر، وكذا لو تأخر الاحكار أو الفراغ عن البيع لارتفاع المفسد كما مر فيما لو باع حصته من الشجر قبل الادراك ولم يطلب القلع إلى الادراك، وعلى هذا فما مر عن البدائع والخلاصة من عدم الجواز للاجنبي ينبغي حمله على ما إذا كانت الارض مستعارة بقرينة التعليل، وذلك لان المشتري
غير مستعير ولا بد من تسليم المبيع فلا بد من الهدم، وفيه ضرر على الشريك، بخلاف ما إذا كانت في أرض وقف أو أرض سلطانية لانه يمكنه تسليم المبيع مع الارض فيقوم المشتري مقام البائع إذا كان قصده إبقاء البناء وتزول علة الفساد التي ذكرها وهذا ما استند إليه الخير الرملي في علة الجواز تبعا لابن نجيم كما مر، لكنه سوى بين الغراس والبناء، فيحمل ما مر من عدم الجواز في الغراس الذي لم يبلغ أوان القطع على ما إذا كانت الارض للبائع، وقد استوفينا الكلام على هذه المسائل في كتابنا العقود الدرية تنقيح الفتاوى الحامدية فراجعه.
قوله: (فتنبه) أشار به إلى وجه التوفيق الذي ذكرناه بين كلامي ابن نجيم.
قوله: (فلا يجوز بيعه إلا بإذنه) راجع إلى قوله: إلا في صورة الخلط وما بعده اه ح.
وقد سقط في بعض النسخ من هنا إلى قوله: والاختلاط.
قوله: (فللآخر أن يبطل البيع) كذا في غالب كتب المذهب معللين بتضرر الشريك بذلك عند القسمة، إذ لو صح في نصيبه لتعين نصيبه فيه، فإذا وقعت القسمة للدار كان ذلك ضررا على الشريك، إذ لا سبيل إلى جمع نصيب الشريك فيه والحال هذه، لان نصفه للمشتري ولا جمع نصيب البائع فيه لفوات ذلك ببيعه النصف، وإذا سلم الامر من ذلك انتفى ذلك وسهل طريق القسمة، كذا في الخيرية من البيع.
قوله: (باع أحدهما نصيبه) أي من البناء فقط كما هو صريح العمادية، أما بيع النصيب من الدار بتمامها فلا مانع من جوازه.
أفاده ح.
قوله: (بشرط القلع أو الهدم) أي قلع الاخشاب أو هدم البناء والعمارة.
والذي في ح عن العمادية والهدم بالواو.
قوله: (كشرط إجارة في البيع) أي كما لو باع البناء واشترط عليه إجارة الارض وهو مفسد للعقد لان فيه منفعة لاحد المتعاقدين.
قوله: (باع أحدهم نصيبه) أي من الشجر، وبه عبر في شرح الملتقى ط.
قوله: (قد انتهت أوان القطع) الاولى قد انتهى أوان(4/494)
قطعها، وهذا إنما يظهر في شجر يراد منه القطع، بخلاف ما يراد منه الثمر ط.
قوله: (حتى لا يضرها) أي لا يضر الاشجار.
وفي نسخة لا يضرهما بضمير التثنية: أي لا يضر الشريك والمشتري.
قوله (وللمشتري أن يقطع) أي بعد القسمة ط.
قوله: (وفي النوازل) هو عين ما ف الفتاوى ط لكن أعاده، لان فيه التصريح بقوله: بلا أرض وبقوله: بلا إذن شريكه.
ومفاده أنه لو باع نصيبه من الارض والشجر يصح، وإن لم يبلغ أوان القطع لانه ليس لاحدهما أن يطالب شريكه بالقلع، لان ما تحته ملكه فلا يتضرر أحدهما كما في أنفع الوسائل عن المحيط، وأنه لو باع بإذن شريكه أو من الشريك نفسه أنه يصح أيضا، وتقدم الكلام عليه.
قوله: (وفيها الخ) هي مسألة الواقعات ط.
قوله: (والاختلاط بلا صنع من أحدهما) كما إذا انشق الكيسان فاختلط ما فيهما من الدراهم ط عن الشلبي.
قوله: (لعدم شيوع الشركة الخ) يشير إلى الفرق الذي قدمناه عن الفتح والبحر.
قوله: (حيث يصح بيع حصته) أي من غير شريكه ط.
قوله: (كما بسطه المصنف في فتاويه) حاصل ما بسطه، هو ما قدمناه من ذكر الفرق بين المشترك بالخلط والاختلاط والمشترك بغيرهما كإرث ونحوه وأنه لا يشترط في صحة البيع الاقرار عند التسليم لاتفاقهم على صحة بيع مشاع لا يمكن إفرازه كالحمام والطاحون والعبد والدابة.
قوله: (ثم الظاهر أن البيع) أي الواقع في قول المصنف: فصح له بيع حصته الخ وهذا مأخوذ من البحر، لكن إخراج المشترك عن الملك بهبة يشترط له كونه غير قابل للقسمة كبيت صغير وحمام وطاحون أما قابلها فلا يصح ما لم يقسم فيصير كالمشترك بخلط أو اختلاط، وبعد القسمة لا حاجة إلى إذن الشريك.
تأمل.
قوله: (وتمامه في الرسالة المباركة، إلى قوله: وأما الانتفاع) ساقط من بعض النسخ.
قال في النهر: وباقي الاحكام في الاشياء المشتركة بيناه مستوفي في الرسالة المباركة في الاشياء المشتركة فعليك بها تزدد بها بهاء، فإنها لمن ابتلي بالافتاء نافعة، وأنوار القبول عليها ساطعة.
قوله: (وزاد الواني) أي محشي الدرر حيث قال: قوله إلا في صورة الخلط الاختلاط اعترض عليه بأنه ينبغي أن يشير إلى استثناء صورة الشفعة أيضا، فإنهما لو ورثا أرضا لا يجوز أن يبيع أحد الوارثين حصته من الارض من غير شريكه إلا بإذنه، ولا يخفى أن هذه الصورة غير خارجة عن صورة الاختلاط اه.
وفيه تأمل.
بل هذه الصورة من الشركة بسبب جبري، فإذا آلت إليهما بالارث جاز لكل التصرف في حصته وإن كان لشريكه الشفعة ط.(4/495)
قلت: ويؤيده أن قوله إلا في صورة الخلط، والاختلاط استثناء من صحة البيع بلا إذن
الشريك.
وحاصله توقف الصحة على إذن الشريك، وهذا لا يتأتى في الشفعة، فإن بيع الحصة من الدار صحيح وإن كان للشريك حق التملك بالشفعة، فإنه إذا ادعى الشفعة يتملكها ملكا جديدا، وإن سكت يبقى ملك المشتري على حاله سواء أذن أو لا.
قوله: (وأما الانتفاع الخ) محترز قوله عن تصرف مضر.
قوله: (ففي بيت وخادم الخ) قال في جامع الفصولين: وفي الكرم يقوم عليه، فإذا أدركت الثمرة يبيعه ويأخذ حصته ويقف حصة الغائب، فإذا قدم الغائب أجاز بيعه أو ضمنه القيمة، ولو أدى الخراج فمتبرع.
أرض بينهما زرع أحدهما كلها: تقسم الارض بينهما، فما وقع في نصيبه أقر، وما وقع في نصيب شريكه أمر بقلعه وضمن نقصان الارض، هذا إذا لم يدرك الزرع، فلو أدرك أو قرب يغرم الزارع لشريكنقصان نصفه لو انتقصت، لانه غاصب في نصيب شريكه اه..قلت: هذا إذا كالشريك حاضرا كما قيده في الخانية، لان قسمة الارض لا تكون مع الغائب، ولانه لا يكون غاصبا في صورة الغيبة، وإلا لم يكن له زراعتها، نعم يمكن كونه غاصبا لو كانت الزراعة تنقصها، لقوله في الفصولين: ويفتى بأنه لو علم أن الزرع ينفع الارض ولا ينقصها فله أن يزرع كلها، ولو حضر الغائب فله أن ينتفع بكل الارض مثل تلك المدة لرضا الغائب في مثله دلالة، ولو علم أن الزرع ينقصها أو الترك ينفعها ويزيدها قوة فليس للحاضر أن يزرع فيها شيئا أصلا، إذ الرضا لم يثبت، وكذا لو مات أحدهما فللشريك أن يزرع اه.
قلت: وفي القنية لا يلزم الحاضر في الملك المشترك أجر، وليس للغائب استعماله بقدر تلك المدة، لان الميهأة بعد الخصومة اه.
وهذا موافق لما سيأتي آخر الباب عن المنظومة المحبية، لكنه مخالف لما مر ولما ذكره في تنوير البصائر عن الخانية أن الدار كالارض وأن للغائب أن يسكن مثل ما سكن شريكه، وأن المشايخ استحسنوا ذلك، وهكذا روى عن محمد، وعليه الفتوى اه.
وسيأتي تمامه في الغصب.
قوله: (ينتفع بالكل) في الخانية: للحاضر أن يسكن كل الدار بقدر حصته، وفي رواية: له أن يسكن منها قدر حصته، ولو خاف أن تخرب الدار له أن يسكن كلها.
والفرق بين الروايتين أن الرواية المشهورة أنه لو كان له نصف الدار مثلا يسكنها كلها مدة بقدر حصته كنص ف سنة ويتركها نصف سنة.
وعلى الرواية الثانية يسكن نصفها فقط، وهذا إذا لم يخف خرابها بالترك، فلو خاف يسكنها كلها دائما.
وذكر في الفصولين وكذا في الخادم: يستخدمه الحاضر بحصته، ومقتضاه أنه يستخدمه يوما ويتركه يوما بقدر حصة الغائب، فإطلاق الشارح في محل التقييد.
قوله: (بخلاف الدابة) لتفاوت الناس في الركوب لا السكنى والاستخدام فصولين، وهذا ظاهر إذا كان يسكن وحده، أما لو كان له أولاد وعيال كثيرون لا شك أن السكنى تتفاوت أكثر من الركوب، وكذا الاستخدام يتفاوت بكثرة الاعمال والاشغال، فليتأمل.
وأفاد في شرح الوهبانية أن المنع في الركوب خاصة لا في غيره كالحرث ونحو.
قوله: (أي واقعة بسبب العقد) أشار به إلى أن(4/496)
الاضافة من الاضافة إلى السبب وهي أقوى الاضافات، وقد سلف عن الكمال أن الاضافة للبيان ط.
قوله: (قابلة للوكالة) يغني عنه قول المصنف بعد وشرطها كون المعقود عليه قابلا للوكالة ط.
قوله: (الايجاب والقبول) كأن يقول أحدهما شاركتك في كذا ويقبل الآخر، ولفظ كذا كناية عن الشئ أعم من أن يكون خاصا كالبز والبقل، أو عاما كما إذا شاركه في عموم التجارات.
بحر.
قوله: (ولو معنى) يرجع إلى كل من الايجاب والقبول ط.
قوله: (كما لو دفع له ألفا) أي وقبل الآخر وأخذها وفعلا انعقدت الشركة.
بحر.
وقوله وأخذها عطف تفسير، لان المراد القبول معنى وهو بنفس الاخذ.
مطلب: شركة العقد قوله: (وشرطها الخ) أفاد أن كل صور عقود الشركة تتضمن الوكالة، وذلك ليكون ما يستف بالتصرف مشتركا بينهما، فيتحقق حكم عقد الشركة المطلوب منه وهو الاشتراك في الربح، إذ لو لم يكن كل منهما وكيلا عن صاحبه في النصف وأصيلا في الآخر لا يكون المستفاد مشتركا لاختصاص المشتري بالمشتري.
فتح.
قوله: (كاحتطاب) واحتشا ش واصطياد وتكد، فإن الملك في كل ذلك يختص بمن باشر السبب.
فتح.
قوله: (وحكمها الشركة في الربح) الواو للحال ط: أي فيلزم انتفاء حكمها لو لم يربح غ المسمى، ويحمل كون الواو للعطف على قوله: وشرطها.
مطلب: اشتراط الربح متفاوتا صحيح، بخلاف اشتراط الخسران تنبيه: ويندب الاشهاد عليها، وذكر محمد كيفية كتابتهم فقال: هذا ما اشترك عليه فلان وفلان اشتراكا على تقوى الله تعالى وأداء الامانة، ثم يبين قدر رأس مال كل منهما، ويقول ذلك كله في أيهما يشتريان به ويبيعان جميعا وشتى، ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد والنسيئة، وهذا وإن ملكه كل بمطلق عقد الشركة، إلا أن بعض العلماء يقول: لا يملكه إلا بالتصريح به، ثم يقول: فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما، وما كان من وضيعة أو تبعة فكذلك، ولا خلاف أن اشتراط الوضيعة بخلاف قدر رأس المال باطل، واشتراط الربح متفاوتا عندنا صحيح فيما سيذكر، فإن اشترطا التفاوت فيه كتباه كذلك، ويكتب التاريخ كي لا يدعي أحدهما لنفسه حقا فيما اشتراه الآخر قبل التاريخ.
فتح.
قوله: (وهي) أي شركة العقد، وقوله: أربعة خبر عنه، وقول المصنف: إما مفاوضة مع ما عطف عليه بدل منه.
تأمل.
قوله: (وكل من الاخيرين) أي التقبل والوجوه فهي حينئذ ستة ولا يخفى ما فيه من الركاكة فكان عليه أن يقول وهي ستة: شركة بالمال(4/497)
وبالاعمال ووجوه، وكل إما مفاوضة أو عنان كما قال الشيخان الطحاوي والكرخي، وجرى عليه الزيلعي وغيره، نعم ما فعله الشارح حسن من حيث إن قول المصنف إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل قوله بعده: وإما تقبل وأما وجوه فقد دفع ما يوهمه المتن من أن الاخيرين لا يكونان مفاوضة ولا عنانا، فافهم.
وسنذكر أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة مختلفة، وأن الظاهر أنها في الاخيرين مجاز.
مطلب: في شركة المفاوضة قوله: (من التفويض) أي من الفوض الذي منه فاض الماء: إذا عم.
فتح.
ولذا قال في الهداية: لانها شركة عامة في جميع التجارات.
وفي القاموس: المفاوضة الاشترا ك في كل شئ:
المساواة اه.
لكنها في الاصطلاح أخص لانه لا يلزم فيها مساواتهما في العقار والعروض كما أفاده ط.
قوله: (إن تضمنت وكالة وكفالة) أي بأن يكون كل واحد منهما فيما وجب لصاحبه بمنزلة الوكيل، وفيما وجب عليه بمنزلة الكفيل عنه خانية.
وقد اعترض ذكر الوكالة بأنه لا فائدة فيه لانه لا يختص المفاوضة.
وأجاب في النهر بأنه لا بدع في ذكر شرط الشئ وإن كان شرطا لآخر اه.
على أن الشرط مجموع الوكالة والكفالة، وهذا خاص بالمفاوضة.
قوله: (لصحة الوكالة بالمجموع ضمنا) جواب عما أورد من أن الوكالة بالمجهول لا تصح.
وأورد أيضا أن الكفالة لا تصح بدون قبول المكفول له وهو هنا مجهول.
وأجيب بمثل ما أ جاب به الشارح فكان عليه أن يذكر الكفالة أيضا، لكن قال في البحر عقب الجواب المذكور: على أن الفتوى في الكفالة على الصحة: أي بلا توقف على القبول، وسبقه إلى هذا في الدرر، فالاعتراض بها ساقط من أصله فلذا لم يذكرها الشارح، لكن فيه اشتبا، وهو أن الواقع هنا جهالة المكفول له.
ولا خلاف في أن العلم به شرط، وإنما الخلاف في اشتراط قبول الكفالة، فقيل يشترط وعليه المتون وصححوه، وقيل غير شرطوصحح أيضا.
قوله: (تصح به الشركة) صفة لقوله: مالا احترز به عما لو اختص أحدهما بملك عرض أو عقار كما يأتي أو دين كما في الخانية: أي قبل قبضه، فلو قبضه بطلت وانقلبت عنانا، إذ تشترط المساواة ابتداء وبقاء كما يأتي.
قوله (كما حققه الواني) أخذا من كونها عبارة عن المساواة في جميع ما تتعلق به الشركة، وقال: فلذا لم يتعرضوا له.
قلت: في الخانية ويشترط المساواة في الربح أيضا.
قوله: (يستلزم في الدين) لان الكافر إذا اشترى خمرا أو خنزيرا لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته، فيفوت شرط التساوي في التصرف.
ابن كمال.
قوله: (مع الكراهة) لان الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود.
يزلعي.
قوله: (ومسلم وكافر) أفاد أنها تصح بين ذميين كنصراني ومجوسي كما في الخانية.
قوله: (لعدم المساواة) فإن العبد لا يملك التصرف والكفاية إلا بإذن المولى، بخلاف الحر والصبي لا يملك الكفالة أصلا(4/498)
ويملك التصرف بإذن الولي، بخلا ف البالغ والكافر يقدر على تمليك الخمر وتملكها، بخلاف المسلم.
أفاده في الدر والنهر.
وفي عبارة ح هنا سقط فتنبه.
قوله: (وأفاد) أي بالدلالة الاولوية.
قوله: (لعدم أهليتهما للكفالة) أي ولو بإذن الولي.
نهر.
قوله: (ولا مأذونين) ولا مكاتبين نهر ولا بين حر ومكاتب، ولا بين مجنون وعاقل.
ح عن الهندية.
قوله: (لتفاوتهما قيمة) أي فإنهما وإن كانا أهلا للكفالة بالاذن، إلا أنهما يتفاضلان فيها لانهما يتفاوتان قيمة فلم يتحقق كون كل منهما كفيلا بجميع ما لزم صاحبه.
نهر.
لانه إذا استغرق الدين رقبتهما يتعلق بقيمتهما فيلزم مطالبة الاكثر قيمة بأكثر من الآخر.
قوله: (ولا يشترط ذلك في العنان) جملة حالية احترز بها عما يشترط في العنان أيضا كعدم اشتراط دراهم معلومة من الربح لاحدهما فلا تكون عنانا أيضا.
قوله: (كما مر) في قوله: وإن صحت عنانا ح.
قوله: (لاستجماع شرائطه) أي شرائط العنان.
قوله: (كما سيتضح) أي في قوله: فتصح من أهل التوكيل وإن لم يكن أهلا للكفالة ح.
قوله: (لتساويهما ملة الخ) جواب عما استدل به لابي يوسف على جوازها بين مسلم وكافر بإبداء الفارق.
قال في الفتح: وأما الحنفي والشافعي فالمساواة بينهما ثابتة، لان الدليل على كونه ليس مالا متقوما قائم، وولاية الالزام بالمحاجة ثابتة باتحاد الملة والاعتقاد فلا يجوز التصرف فيه للشافعي كالحنفي اه: أي بخلاف الكافر، فإن الدليل على منع بيع الخمر والخنزير وإن كان قائما لكنه لم يلتزم ملتنا حتى نلزمه بالدليل.
قوله: (وإن لم يعرفا معناها) لان لفظها علم على تمام المساواة في أمر الشركة، فإذا ذكراه تثبت أحكامها إقامة للفظ مقام المعنى.
فتح.
قوله: (أو بيان جميع مقتضياتها) بأن يقول أحدهما وهما حران بالغان مسلمان أو ذميان: شاركتك في جميع ما أملك من نقد وقدر ما تملك على وجه التفويض العام من كل منا للآخر في التجارات والنقد والنسيئة، وعلى أن كلا ضامن عن الآخر ما يلزمه من أمر كل بيع.
فتح.
مطلب: فيما يقع كثيرا في الفلاحين ما صورته شركة مفاوضة تنبيه: يقع كثيرا في الفلاحين ونحوهم أن أحدهم يموت فتقوم أولاده على تركته بلا قسمة ويعملون فيها من حرث وزراعة وبيع وشراء واستدانة ونحو ذلك، وتارة يكون كبيرهم هو الذي يتولى، مهماتهم ويعملون عنده بأمره، وكل ذلك على وجه الاطلاق والتفويض، لكن بلا تصريح بلفظ
المفاوضة ولا بيان جميع مقتضياتها مع كون التركة أغلبها أو كلها عروض لا تصح فيها شركة العقد، ولا شك أن هذه ليست شركة مفاوضة، خلافا لما أفتى به في زماننا من لا خبرة له، بل هي شركة ملك كما حررته في تنقيح الحامدية.
ثم رأيت التصريح به بعينه في فتاوى الحانوتي، فإذا كان سعيهم واحدا ولم يتميز ما حصله كل واحد منهم بعمله يكون ما جمعوه مشتركا بينهم بالسوية، وإن اختلفوا في العمل والرأي كثرة وصوابا، كما أفتى به في الخيرية، وما اشتراه أحدهم لنفسه يكون له ويضمن حصة شركائه من ثمنه إذا دفعه من المال المشترك، وكل ما استدانه أحدهم يطالب به وحده.(4/499)
وقد سئل في الخيرية من كتاب الدعوى عن إخوة أشقاء عائلتهم وكسبهم واحد وكل مفوض لاخيه جميع التصرفات ادعى أحدهم أنه اشترى بستانا لنفسه.
فأجاب: إذا قامت البينة على أنه من شركة المفاوضة تقبل وإن كتب في صك التبايع أنه اشترى لنفسه اه.
ملخصا.
ويأتي تمام الكلام في أول الفصل الآتي.
قوله: (استحسانا) والقياس أن يكون الطعام المشترى والكسوة المشتراة بينهما لانهما من عقود التجارة فكان من جنس ما يتناوله عقد الشركة.
زيلعي.
قوله: (لان المعلوم الخ) لان كلا منهما لم يقصد بالمفاوضة أن تكون نفقته ونفقة عياله على شريكه ولا يتمكن من تحصيل حاجته إلا بالشراء فصار كل منهما مستثنيا هذا القدر من تصرفه، والاستثناء المعلوم بدلالة الحال كالاستثناء المشروط.
درر.
قوله: (ما كان من حوائجه) شمل شراء بيت السكنى والاستئجار للسكنى أو للركوب لحاجته كالحج وغيره وكذا الادام.
بحر.
قوله: (ولو جارية للوطئ) لكن هنا لا يرجع شريكه عليه بشئ من ثمنها المؤدي من مال الشركة.
قوله: (كما يأتي) أي في الفصل الآتي قوله: (أيهما شاء) أي المشتري بالاصالة وصاحبه بالكفالة.
درر.
قوله: (بما أدى) الاولى حذفه ليشمل ما لو أدى المشتري، نعم يفهم ذلك دلالة.
وفي ط عن الشليب قال في الينابيع: وإن نقد الثمن من مال الشركة ضمن نصفه لصاحبه، فإذا وصل إلى يده بطلت المفاوضة لانه فضل مال شريكه، والفضل في المال يبطل المفاوضة.
قوله: (بقدر حصته) بدل من قوله: بما أدى.
قوله: (إن أدى من مال الشركة) وإن أدى من غيره وهو ملك له لا يرجع بطلت المفاوضة إن كان من
جنس ما تصح فيه الشركة، لانه بدخوله في ملكه زاد ملكه، وإلا فلا تبطل، كما إذا دفع عرضا كما لا يخفى ط.
قوله: (وكل دين لزم أحدهما الخ) يستثنى ما إذا كان الدائن الشريك، لما في الظهيرية: لو باع أحدهما من صاحبه ثوبا ليقطعه قميصا لنفسه أو أمة ليطأها أو طعاما لاهله جاز البيع، بخلاف ما إذا باعه شيئا من الشركة لاجل التجارة اه.
ففي صورة الجواز لزمه الثمن ولم يلزم شريكه.
أفاده في البحر.
قلت ويكون الثمن نصفه له ونصفه لشريكه كما ذكره الحاكم في الكافي، وإنما جاز البيع لان ذلك مما يختص به المشتري، فلا يقع مشتركا بينهما حيث اشتراه لنفسه، بخلا ف ما إذا اشتراه للتجارة فإنه لا يصح لانه لا يفيد، إذ لو صح عاد مشتركا بينهما كما كان، ولهذا قال في الكافي: وإن كان لاحدهما عبد ميراث فاشتراه الآخر للتجارة جاز وكان بينهما اه.
ووجهه أن الشراء هنا مفيد لانه لم يكن مشتركا قبل الشراء، هذا ما ظهر لي.
قوله: (بتجارة كثمن المشتري في بيع جائز وقيمته في فاسد، سواء كان مشتركا أو لنفسه، وأجرة ما استأجره لنفسه أو لحاجة التجارة، وكذا مهر المشتراة الموطوءة لاحدهما إذا استحقت، فللمستحق أن يأخذ أيهما شاء بالعقر لانه وجب بسبب التجارة، بخلاف المهر في النكاح) بحر.
قوله: (واستقراض) هو ظاهر الرواية، وليس لاحدهما الاقراض في ظاهر الرواية.
بحر.
وسيأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (وغصب) المراد به ما يشبه(4/500)
ضمان التجارة، فيدخل فيه الاستهلا ك والوديعة المجحودة أو المستهلكة، وكذا العارية لان تقرر الضمان في هذه المواضع يفيد له تملك الاصل فيصير في معنى التجارة بحر.
وعليه فالاولى أن يقول بتجارة أوما يشبهها كاستقراض وغصب الخ، وخرج ما لا يشبه ضمان التجارة كمهر وبدل خلع وجناية كما يأتي.
قوله: (وكفالة بمال بأمره) هذا قول الامام.
وقالا: لا يلزم الآخر لانها تبرع، وله أنها تبرع ابتداء ومعاوضة انتهاء، لان للكفيل تضمين المكفول عنه لو كانت بأمره، بخلاف كفالة النفس ولانها تبرع ابتداء وانتهاء، وكذا كفالة المال بلا أمر، فلا يلزم صاحبه في الصحيح لانعدام معنى المعاوضة، تمامه في الفتح.
قوله: (ولو لزومه) أي لزوم ما ذكر من الثلاثة بإقراره.
أي فإنه يكون عليهما، لانه أخبر عن أمر يملك استئنافه.
بحر عن المحيط.
وسنذكر في الفروع أن إقراره بالاستقراض يلزمه خاصة، ويأتي تمامه، وما ذكره من لزومه بالاقرار في شركة المفاوضة، أما العنان فلا يمضي إقراره على شريكه بل على نفسه على تفصيل سنذكره عند قول المصنف: لا إقراره بدين.
قوله: (لمن لا تقبل شهادته له) كأصوله وفروعه وامرأته.
وعندهما يلزم شريكه أيضا إلا لعبده ومكاتبه.
(بحر).
قوله: (ولو معتدته) أي عن نكاح، فلو أعتق أم ولده ثم أقر لها بدين يلزمهما وإن كانت في عدته، لان شهادته لها جائزة، بخلاف المعتدة عن نكاح في ظاهر الرواية.
بحر.
قوله: (وخلع) على تقدير مضاف: أي بدل خلع، كما لو عقدت امرأة شركة مفاوضة مع آخر ثم خالعت زوجها على مال لا يلزم شريكها، وكذا لو أقرت ببدل الخلع.
فتح.
قوله: (وجناية) أي أرش جناية على الآدمي، أما الجناية على الدابة أو الثوب فيلزم شريكه في قول الامام ومحمد، لما أنه يملك المجني عليه بالضمان.
نهر عن الحدادي.
قوله: (وكل ما لا تصح الشركة فيه) كالصلح عن دم العمد وعن النفقة.
بحر.
قوله: (وفائدة اللزوم الخ) بيان لوجه الفرق بين ما يلزم أحد الشريكين بمباشرة الآخر وما لا يلزمه.
قوله: (أنه إذا ادعى على أحدهما) أي ادعى عليه بيعا أو نحوه فله تحليف الآخر: أي الذي لم يباشر العقد، لكن يحلف المباشر على البت أي القطع بأن يحلف إني ما بعتك مثلا لانه فعل نفسه ويحلف الآخر على العلم، بأن يحلف إني لا أعلم أن شريكي باعك، وإنما يحلف الآخر لان الدعوى على أحدهما دعوى عليهما.
قال في البحر: ولو ادعى عليهما يستحلف كل واحد البتة، لان كل واحد منهما يستحلف على فعل نفسه، فأيهما نكل عن اليمين يمضي الامر عليهما، لان إقرار أحدهما كإقرارهما اه.
وهذا لو كان كل من المدعى عليهما مباشرين كما يفيده التعليل، فلو كان المباشر أحدهما يحلف الآخر على العلم لانه فعل غيره كما لا يخفى.
قوله: (ولو ادعى على الغائب) أي على فعل الغائب، بأن ادعى على الحاضر بأن شريكك الغائب باعني كذا.
قوله: (له تحليف الحاضر على علمه) لانه فعل غيره.
بحر.
قوله: (له تحليفه البتة) لانه يستحلفه على فعل نفسه.
بحر.
قال ح: أي اليمين البتة، فالبتة قائم مقام المفعول المطلق المحذوف قيام الصفة مقام الموصوف اه.
قال في البحر: ولو ادعى على أحدهما أرش
جراحة خطأ واستحلفه البتة لم يكن له تحليف الآخر، وكذا المهر والخلع والصلح عن دم العمد،(4/501)
لان هذه الاشياء غير داخلة تحت الشركة فلا يكون فعل أحدهما كفعلهما.
قوله: (وبطلت إن وهب الخ) لو قال: وبطلت إن ملك أحدهما الخ، لكان أخصر وأفود لشموله ما ذكره الشارح من الصدقة والايصاء.
ط عن أبي السعود.
قوله: (مما يجئ) أي في قوله: ولا تصح مفاوضة وعنان بغير النقدين الخ ط.
قوله: (ووصل ليده) مقتضاه اشتراط ذلك في الموروث أيضا.
ورده في الشرنبلالية بأن الملك حصل بمجرد موت المورث اه ح.
وهو محمول على النقد العين، بخلاف الدين لقول الزيلعي: ولو ورث أحدهما دينا وهو دراهم أو دنانير لا تبطل حتى تقبض لان الدين لا تصح الشركة فيه.
أفاده ط عن أبي السعود.
قوله: (كعرض) أدخلت الكاف الديون فإنها لا تبطل بها إلا بالقبض.
ط عن البحر.
قوله: (بما ذكر) أي بملك أحدهما ما تصح فيه الشركة ط.
قوله: (صارت عنانا) لعدم اشتراط المساواة فيها.
ط عن المنح.
قوله: (ذكر فيهما المال) لا حاجة إليه لان الكلام في شركة الاموال اه ح.
أي لما قدمنا من أن قوله: إما مفاوضة وإما عنان خاص بشركة المال بدليل عطفه عليه قوله: وتقبل ووجوه.
وقد تابع الشارح النهر والدرر.
قوله: (بغير النقدين) فلا تصحان بالعرض ولا بالمكيل والموزون والعدد المتقارب قبل الخلط بجنسه، وأما بعده فكذلك في ظاهر الرواية فيكون المخلوط شركة ملك وهو قول الثاني.
وقال محمد: شركة عقد، وأثر الخلاف يظهر في استحقاق المشروط من الربح، وأجمعوا أنها عند اختلاف الجنس لا تنعقد.
نهر.
قوله: (والفلوس النافقة) أي الرائجة، وكان يغني عنه ما بعده من التقييد بجريان التعامل، والجواز بها هو الصحيح لانها أثمان باصطلاح الكل فلا تبطل ما لم يصطلح على ضده.
نهر.
قوله: (والتبر والنقرة) في المغرب: التبر ما لم يضرب من الذهب والفضة، والنقرة القطعة المذابة منهما اه.
زاد في المصباح: وقيل الذوب هي التبر، فما ذكره الشارح يصلح تفسيرا لهما لاخذ عدم الضرب في كل منهما، لكن الفرق بينهما أن التبر لم يذب في النار.
تأمل.
قوله: (إن جرى التعامل بهما) قيد بذلك زيادة على ما في الكنز ليوافق الرواية المصححة كما أوضحه في البحر.
قوله: (وصحت) أي
شركة الاموال سواء كانت مفاوضة أو عنانا بقرينة قوله: ثم عقداها مفاوضة أو عنانا ط.
قوله: (إن باع كل منهما الخ) لانه بالبيع صار بينهما شركة ملك حتى لا يجوز لاحدهما أن يتصرف في نصيب الآخر ثم بالعقد بعده صارت شركة عقد فيجوز لكل منهما التصرف.
زيلعي.
قوله: (بنصف عرض الآخر) وكذا لو باعه بالدراهم ثم عقد الشركة في العرض الذي باعه جاز أيضا.
زيلعي وبحر.
وقوله: الذي باعه يعني الذي باع نصفه بالدراهم.
قوله: (وهذا) أي بيع النصف بالنصف.
قوله: (بقدر ما تثبت به الشركة) أوضحه في النهاية بأن تكون قيمة عرض أحدهما أربعمائة وقيمة عرض(4/502)
الآخر مائة، فإنه يبيع صاحب الاقل أربعة أخماس عرضه بخمس عرض الآخر فيصير المتاع كله أخماسا ويكون الربح كله بينهما على قدر رأس ماليهما اه.
ورده الزيلعي بأن هذا الحمل غير محتاج إليه، لانه يجوز أن يبيع كل واحد منهما نصف ماله بنصف مال الآخر وأن تفاوتت قيمتهما حتى يصير المال بينهما نصفين، وكذا العكس جائز، وهو ما إذا كانت قيمتهما متساوية فباعاه على التفاوت، بأن باع أحدهما ربع ماله بثلاثة أرباع مال الآخر، فعلم بذلك أن قوله: باع نصف ماله الخ وقع اتفاقا أو قصدا ليكون شامل للمفاوضة والعنان، لان المفاوضة شرطها التساوي، بخلاف العنان اه.
وأقره في البحر ولا يخفى ما فيه، فإن ما صوره في النهاية هو الواقع عادة لان صاحب الاربعمائة مثلا لا يرضى في العادة ببيع نصف عرضه بنصف عرض صاحب المائة حتى يصير العرضان بينهما نصفين وإن أمكن ذلك، لكن مطلق الكلام يحمل على المتعارف، ولذا حملوا ما في المتون من بيع النصف بالنصف على ما إذا تساويا قيمة، فافهم.
قوله: (اتفاقي) أي لم يقصد ذكره لفائدة، وقد علمت أن فائدته موافقته للعادة وشموله للمفاوضة: أي نصا، بخلاف ما إذا قال باع بعض عرضه ببعض عرض الآخر، فإنه وإن شمل المفاوضة أيضا لكن لا يشملها إلا إذا أريد بالبعض النصف دون الاقل والاكثر فافهم، نعم هو اتفاقي بالنظر إلى جواز بيع نصفه بالدراهم كما مر.
مطلب: لا تصح الشركة بمال غائب قوله: (ولا تصح بمال غائب) بل لا بد من كونه حاضرا، والمراد حضوره
عند عقد الشراء لا عند عقد الشركة، فإنه لو لم يوجد عند عقدها يجوز، ألا ترى أنه لو دفع إلى رجل ألفا وقال أخرج مثلها واشتر بها والحاص بيننا أنصافا ولم يكن المال حاضرا وقت الشركة فبرهن المأمور على أنه فعل ذلك وأحضر المال وقت الشراء جاز.
بحر عن البزازية.
ومثله في الفتح وغيره، لكن نقل في البحر أيضا عن القنية ما يفيد فسادها بالافتراق بلا دفع ثم انعقادها وقت حضور المال.
فرع: دفع إلى رجل ألفا وقال اشتر بها بيني وبينك نصفين والربح لنا والوضيعة علينا فهلك المال قبل الشراء ويضمن وبعده ضمن المشتري النصف بحر عن الذخيرة.
قلت: ووجهه أنه لما أمره بالشراء نصفين صار مشتريا للنصف وكالة عن الآمر وللنصف أصالة عن نفسه وقد أوفى الثمن من مال الآمر فيضمن حصة نفسه، والظاهر أن هذه شركة ملك لا شركة عقد كما سيتضح قبيل الفروع وليست مضاربة لما قلنا، فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا.
قوله: (على موجب الشركة) أي من البيع والشراء بالمال والربح به.
مطلب: في شركة العنان قوله: (وإما عنان) مأخوذ من عن كذا: عرض: أي ظهر له أن يشاركه في البعض من ماله، وتمامه في النهر.
قوله: (من أهل التوكيل) أي توكيل غيره، فتصح من الصبي المأذون بالتجارة، وفي حكمه المعتوه.
قوله: (لكونها لا تقتضي الكفالة) أي بخلاف المفاوضة كما مر، فلو ذكر(4/503)
الكفالة مع توفر باقي شروط المفاوضة انعقدت مفاوضة، وإن لم تكن متوفرة كانت عنانا ثم هل تبطل الكفالة؟ يمكن أن يقال تبطل وأن يقال لا تبطل، لان المعتبر فيها: أي في العنان عدم اعتبار الكفالة لا اعتبار عدمها.
قال فالفتح: وقد يرجح الاول بأنها كفالة بمجهول فلا تصح إلا ضمنا، فإذا لم تكن مما تتضمنها الشركة لم يكن ثبوتها إلا قصدا اه.
نهر.
قلت: لكن في الخانية: ولايكون في شركة العنان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه إذا لم يذكر الكفالة بخلاف المفاوضة اه.
ومقتضاه أنه يكون كفيلا إذا ذكر الكفالة، وهذا ترجيح للاحتمال الثاني، ولعل وجهه أن الكفالة متى ذكرت في عقد الشركة تثبت تبعا لها وضمنا لا قصدا، لان
الشركة لا تنافي الكفالة بل تستدعيها، لكنها لا تثبت فيها إلا باقتضاء اللفظ لها كلفظ المفاوضة أو بذكرها في العقد.
تأمل.
قوله: (ولذا) أي لكونها لا تقتضي الكفالة، ومقتضاه أنها لو اقتضتها لم تصح خاصة: أي في نوع من أنواع التجارة ولا مؤقتة بوقت خاص.
قال ح: وهذا يقتضي أن المفاوضة لا تكون خاصة مع أنها تكون كما صرح به في البحر اه.
مطلب: في توقيت الشركة روايتان ثم إذا وقتها فهل تتوقت بالوقت حتى لا تبقى بعض مضيه؟ فيه روايتان كما في توقيت الوكالة، وتمامه في البحر عن المحيط ولم يذكر ترجيحا، وجزم في الخانية بأنها تتوقت حيث قال: والتوقيت ليس بشرط لصحة هذه الشركة والمضاربة، وإن وقتا لذلك وقتا بأن قال ما اشتريت اليوم فهو بيننا صح التوقيت، فما اشتراه بعد اليوم يكون للمشتري خاصة، وكذا لو وقت المضاربة لانها والشركة توكيل والوكالة مما يتوقف اه.
لكن سيذكر الشارح في كتاب الوكالة عن البزازية الوكيل إلى عشرة أيام وكيل في العشرة وبعدها في الاصح.
تأمل.
قوله: (ومع التفاضل في المال دون الربح) أي بأن يكون لاحدهما ألف وللآخر ألفان مثلا واشترطا التساوي في الربح، وقوله عكسه أي بأن يتساوى المالان ويتفاضلا في الربح، لكن هذا مقيد بأن يشترط الاكثر للعامل منهما أو لاكثرهما عملا، أما لو شرطاه للقاعد أو لاقلهما عملا، فلا يجوز كما في البحر عن الزيلعي والكمال.
قلت: والظاهر أن هذا محمول على ما إذا كان العمل مشروطا على أحدهما.
وفي النهر: اعلم أنهما إذا شرطا العمل عليهما إن تساويا مالا وتفاوتا ربحا جاز عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر، والربح بينهما على ما شرطا وإن عمل أحدهما فقط: وإن شرطاه على أحدهما، فإن شرطا الربح بينهما بقدر رأس مالهما جاز، ويكون مال الذي لا عمل له بضاعة عند العامل له ربحه وعليه وضيعته، وإن شرطا الربح للعامل أكثر من رأس ماله جاز أيضا على الشرط ويكون مال الدافع عند العامل مضاربة، ولو شرطا الربح للدافع أكثر من رأس ماله لا يصح الشرط ويكون مال الدافع عند العامل بضاعة لكل واحد منهما ربح ماله والوضيعة بينهما على قدر رأس مالهما أبدا.
هذا حاصل ما في العناية اه.
ما في النهر.
قلت: وحاصل ذلك كله أنه إذا تفاضلا في الربح، فإن شرطا العمل عليهما سوية جاز: ولو تبرع أحدهما بالعمل وكذا لو شرطا العمل على أحدهما وكان الربح للعامل بقدر رأس ماله أو أكثر ولو كان الاكثر لغير العامل أو لاقلهما عملا لا يصح، وله ربح ماله فقط، وهذا إذا كان العمل مشروطا كما يفيده قلوه: إذا شرطا العمل عليهما الخ فلا ينافي ما ذكره الزيلعي في كتاب(4/504)
المضاربة من أنه إذا أراد رب المال أن يجعل المال مضمونا على المضارب أقرضه كله إلا درهما منه وسلمه إليه وعقد شركة العنان ثم يدفع إليه الدرهم ويعمل فيه المستقرض، فإن ربح كان بينهما على ما شرطا، وإن هلك هلك عليه اه.
ورأيت مثله في آخر مبسوط السرخسي.
ووجه عدم المنافاة أن العمل هنا لم يشرط على أحد في عقد الشركة بل تبرع به المستقرض، فيجوز لصاحب الدرهم الواحد أن يأخذ من الربح بقدر ما شرط من نصف أو أكثر أو أقل وإن لم يكن عاملا، ويؤيد هذا التوفيق ما ذكره في البحر قبيل كتاب الكفالة في بحث ما لا يبطل بالشرط الفاسد، حيث قال ما نصه: قوله والشركة بأن قال شاركتك على أن تهديني كذا، ومن هذا القبيل ما في شركة البزازية: لو شرطا العمل على أكثرهما مالا والربح بينهما نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا اه.
وقد وقعت حادثة توهم بعض حنفية العصر أنها من هذا القبيل، وليس كذلك، هتفاضلا في المال وشرطا الربع بينهما نصفين ثم تبرع أفضلهما مالا بالعمل، فأجبت بأن الشرط صحيح لعدم اشتراط العمل على أكثرهما مالا، والتبرع ليس من قبيل الشر، والدليل عليه ما في بيوع الذخيرة: اشترى حطبا في قرية شراء صحيحا وقال موصولا بالشراء من غير شرط في الشراء حمله إلى منزلي لا يفسد العقد، لان هذا ليس بشرط في البيع، بل هو كلام مبتدأ بعد تمام البيع فلا يوجب فساده اه.
هذا كلام صاحب البحر وهو صريح فيما ذكرناه من التوفيق، والله تعالى الموفق.
وبقي ما يقع كثيرا، وهو أن يدفع رجل إلى آخر ألفا يقرضه نصفها ويشاركه على ذلك، على أن الربح ثلثاه للدافع وثلثه للمستقرض فهنا تساويا في المال دون الربح وهي صورة العكس.
وصريح ما مر عن الزيلعي والكمال أنه لا يصح للدافع أخذ أكثر من نصف الربح، إلا إذا كان هو العامل، فلو كان العامل هو المستقرض كما هو العادة كان له نصف الربح بقدر ماله، لكنه محمول على ما إذا شرط العمل عليه، وإن لم يشرط صح التفاضل كما علمت من التوفيق.
ومما يكثر وقوعه أيضا أنه يكون لاحدهما ألف فيدفع له آخر ألفين ليعمل بالكل ويشرطا الربح أثلاثا، وهذا جائز أيضا حيث كان الربح بقدر رأس المال كما مر في عبارة النهر، فلو شرطا الربح أرباعا مع اشتراط العمل لم يصح، كما يفيده التقييد بكونه بقدر رأس مالهما، ومثله قول الظهيرية، وإن اشترطا الربح على قدر رأس مالهما أثلاثا والعمل من أحدهما كان جائزا.
تنبيه: علم مما مر أن العمل لو كان مشروطا وعليهما لا يلزم اجتماعهما عليه كما هو صريح قوله: وإن عمل أحدهما فقط، ولذا قال في البزازية: اشتركا وعمل أحدهما في غيبة الآخر فلما حضر أعطاه حصته ثم غاب الآخر وعمل الآخر فلما حضر الغائب أبى أن يعطيه حصته من الربح، إن كان الشرط أن يعملا جميعا وشتى فما كان من تجارتهما من الربح فبينهما على الشرط عملا أو عمل أحدهما، فإن مرض أحدهما ولم يعمل وعمل الآخر فهو بينهما اه.
والظاهر أن عدم العمل من أحدهما لا فرق أن يكون بعذر أو بدونه كما صرح بمثله في البزازية في شركة التقبل معللا بأن العقد لا يرتفع بمجرد امتناعه واستحقاقه الربح بحكم الشرط في العقد لا العمل اه.
ولا يخفى أن العلة جارية هنا.(4/505)
مطلب: في تحقيق حكم التفاضل في الربح قوله: (وإن تفاوتت قيمتهما) راجع لخلاف الجنس والوصف، واحترز به عن المفاوضة فإنه لا بد فيها متساوي القيمة فيهما في ظاهر الرواية كما في البحر، فافهم.
قوله: (والربح على ما شرطا) أي من كونه بقدر رأس المال أو لا، لكنه محمول على ما علمته من التفصيل المار، وأعاده مع قوله: مع التفاصيل في المال دون الربح للتصريح بأن هذا الشرط صحيح، فافهم، نعم ذكره بين المتعاطفات غير مناسب، وقيد بالربح لان الوضيعة على قدر المال وإن شرطا غير ذلك كما في
الملتقى وغيره.
قوله: (ومع عدم الخلط) فيه إشعار بأن المفاوضة يشترط فيها الخلط، وهذا قياس، وفي الاستحسان لا يشترط كما في المبسوط وغيره.
ح عن القهستاني.
قوله: (لاستناد الشركة في الربح إلى العقد لا المال) لان العقد يسمى شركة، ولا بد من تحقق معنى الاسم فيه فلم يكن الخلط شرطا.
بحر - فلو كان لاحدهما مائة درهم وللآخر مائة دينار فاشتريا بها فهو على قدر المال، وكذا لو اشتريا بالدراهم متاعا ثم بالدنانير آخر فوضعا: أي خسرا في أحدهما وربحا في الآخر فهو على قدر مالهما اه.
ملخصا من كافي الحاكم.
قوله: (فلم يشترط الخ) تفريع على قوله: ومع التفاضل وما عطف عليه.
قوله: (فقط) قيد للمشتري أي ولا يطالب شريكه الآخر.
قوله: (لعدم تضمن الكفالة) هذا إذا لم يذكر الكفالة كما قدمناه عن الخانية.
مطلب: في دعوى الشريك أنه أدى الثمن من ماله قوله: (ويرجع إلى شريكه بحصته منه) أي بحصة شريكه من الثمن، لان المشتري وكيل عنه في حصته، فيرجع عليه بحسابه إن أدى من مال نفسه، وإن من مال الشركة لم يرجع، وإن كان شراؤه لا يعر ف إلا بقوله فعليه الحجة، لانه يدعي وجوب المال في ذمة الآخر وهو ينكر، والقول للمنكر بيمينه كما في المنح ونحوه في الزيلعي.
وبقي ما لو صدقه في الشراء للشركة وكذبه في دعوى الاداء من مال نفسه.
قال الخير الرملي في حاشية المنح: والذي يظهر أن القول للمشتري، لانه لما صدقه الآخر في الشراء ثبت الشراء للشركة وبه يثبت نصف الثمن بذمته، ودعواه أنه دفع من مال الشركة دعوى وفائه فلا تقبل بلا بينة، ولذا قالوا: إذا لم يعرف شراؤه إلا بقوله فعليه الحجة لانه يدعي وجو ب المال في ذمة الآخر وهو ينكر، وهنا ليس منكرا بل مقر بالشراء الموجب لتعلق الثمن بذمته، وله تحليفه أنه ما دفعه من مال الشركة اه.
ثم لا يخفى أنه في صورة ما إذا كذبه في الشراء للشركة: إن كان ما اشتراه هالكا فظاهر، وإن كان قائم فهو له، وإن كذبه في أصل الشراء وادعى أنه من أعيان فالقول للمشتري إن كان المال في يده، لما سيأتي في الفروع أنه لو قال ذو اليد استقرضت ألفا فالقول له، ويأتي بيانه.
مطلب: ادعى الشراء لنفسه وأما لو ادعى الشراء لنفسه لا للشركة.
ففي الخانية: اشترى متاعا فقال الآخر هو من شركتنا وقال المشتري هو لي خاصة اشتريته بمالي لفنسي قبل الشركة فالقول له بيمينه بالله ما(4/506)
هو من شركتنا، لانه حر يعمل لنفسه فيما اشترى اه.
والظاهر أن قوله قبل الشركة احتراز عن الشراء حال الشركة، ففيه تفصيل ذكره في البحر عن المحيط، وهو أنه لو من جنس تجارتهما فهو للشركة، وإن أشهد عند الشراء أنه لنفسه لانه في النصف بمنزلة الوكيل بشراء شئ معين، وإن لم يكن من تجارتهما فهو له خاصة اه.
قلت: ويخالفه ما في فتاوى الهداية: إن أشهد عند الشراء أنه لنفسه فهو له، وإلا فإن نقد الثمن من مال الشركة فهو للشركة اه.
لكن اعترض بأنه لم يستند لنقل فلا يعارض ما في المحيط.
وقد يجاب بحمله على ما إذا لم يكن من جنس تجارتهما.
تأمل.
وبقي شئ آخر يقع كثيرا، وهو ما لو اشترى أحدهما من شريكه لنفسه هل يصح أم لا لكونه اشترى ما يملك بعضه؟ والذي يظهر لي أنه يصح، لانه في الحقيقة اشترى نصيب شريكه بالحصة من الثمن المسمى وإن أوقع الشراء في الصورة على الكل.
ثم رأيت في الفتح من باب البيع الفاسد، لو ضم ماله إلى مال المشتري وباعهما بعقد واحد صح في ماله بالحصة من الثمن على الاصح، وقيل لا يصح في شئ اه.
ملخصا.
ورأيت في بيوع الصيرفية أيضا: اشترى نصف دار مشاعا ثم اشترى جميعها ثانيا، قال: يجوز في النصف الباقي، وفي فتاوى الصغرى: لا يجوز اه.
قوله: (وإلا) أي إن لم يبق مال الشركة: أي لم يكن في يده مال ناض بل صار مال الشركة أعيانا وأمتعة فاشترى بدراهم أو دنانير نسيئة فالشراء له خاصة دون شريكه، لانه لو وقع على الشركة صار مستدينا على مال الشركة وأحد شريكي العنان لا يملك الاستدانة إلا أن يأذن له في ذلك.
بحر عن المحيط.
مطلب: فيما يبطل الشركة
قوله: (وتبطل بهلاك المالين الخ) لان المعقود عليه فيها هو المال، ويبطل العقد بهلاك المعقود عليه كما في البيعژ، وسيذكر المصنف تمام المبطلات في الفصل الآتي.
قوله: (أو أحدهما قبل الشراء) لانها لما بطلت في الهالك بطلت فيما يقابله لانه ما رضي بشركة صاحبه في ماله إلا بشركته في ماله.
قوله: (والهلاك على مالكه) فلا يرجع بنصف الهالك على الشريك الآخر حيث بطلت الشركة ولو الهلاك في يد الآخر، لان المال في يده أمانة، بخلاف ما لو هلك بعد الخلط لانه يهلك على الشركة لعدم التمييز.
ط عن الاتقاني.
قال: وظاهره أنه إذا تميز الخلط كدراهم بدنانير فهو كعدم الخلف اه.
وفي كافي الحاكم: لو خلف الدراهم كان الهالك منها عليهما والباقي بينهم، إلا أن يعرف كل شئ من الهالك أو الباقي من مال أحدهما بعينه فيكون ذلك لا وعليه، والباقي من الهالك والقائم بينهما على قدر ما اختلف ولم يعرف اه.
ملخصا.
قوله: (وإن اشترى أحدهما) بيان لمفهوم تقييد الهلاك بما قبل الشراء بعده أي بعد الشراء، ونبه بزيادته على أن الواو هنا للترتيب احترازا عما لو هلك قبله كما يأتي.
قوله: (فالمشتري بينهما) لقيام الشركة وقت الشراء فلا يتغير الحكم بهلاك مال آخر بعد ذلك.
بحر.
قوله: (شركة عقد على ما شرطا) أي من(4/507)
الربح وأيهما باع جاز بيعه، وهذا عند محمد.
وعند الحسن بن زياد: هي شركة ملك فلا يصح تصرف أحدهما إلا في نصيبه، وظاهر كلام كثير ترجيح قول محمد كما فالنهر.
قوله: (ورجع على شريكه بحصته منه) لانه وكيل في حصة شريكه وقد قضى الثمن من ماله فيرجع عليه بحسابه.
وفي المحيط: لاحدهما مائة دينار قيمتها الف وخمسمائة وللآخر ألف درهم وشرطا الربح والوضيعة على قدر المال فاشترى الثاني جارية ثم هلكت الدنانير فالجارية بينهما وربحها أخماسا: ثلاثة أخماسه للاول، وخمساه للثاني، لان الربح يقسم على قدر ماليهما يوم الشراء، ويرجع الثاني على الاول بثلاثة أخماس الالف لانه وكيل عنه بالشراء في ثلاثة أخماس الجارية وقد نقد الثمن من ماله، ولو كان على عكسه رجع صاحب الدنانير على الآخر بخمسي الثمن أربعون دينارا، ولو اشترى كل واحد منهما بماله غلاما وقبضا وهلكا يهلكان من مالهما، لان كل واحد حين اشترى كانت الشركة بينهما
قائمة اه.
بحر ملخصا.
قوله: (لقيام الشركة الخ) علة لكون المشتري بينهما كما مر، وأما علة الرجوع فكونه وكيلا كما علمت.
قوله: (بأن قال) الاولى قالا: كما في عبارة النهر.
وأفا بهذا التصوير أنه ليس المراد من التصريح بالوكالة ذكر لفظها بل ما يشمل معناها.
قوله: (كل منهما) الاولى كل منا.
أفاده ح.
قوله: (بماله هذا) قيد به لان فرض المسألة في عقد الشركة على مال مخصوص لا لكونه قيدا في ثبوت الوكالة صريح، فافهم.
مطلب: اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا قال في الولوالجية: رجل قال لغيره: ما اشتريت من شئ فهو بيني وبينك، أو اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز، ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت، لان كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه، وغرضه بذلك تكثير الربح، وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الاشياء اه.
وسيأتي تمامه في الفصل.
قلت: وهذه الشركة تقع في زماننا كثيرا يكون أحد الشريكين في بلدة والآخر في بلدة يشتري كل منهما ويرسل إلى الآخر ليبيع ويشتري لكنها شركة ملك والغالب أنهما يعقدان بينهما شركة عقد بمال متساو أو متفاضل منهما ويجعلان الربح على قدر رأس المال ويقتسمان ربح الشركتين كذلك، وهذا صحيح في شركة العقد لا في شركة الملك، لان الربح فيها على قدر الملك، فإذا شرطا الشراء بينهما مناصفة يكون الربح كذلك، إلا إذا شرطا الشراء على قدر مال شركة العقد فيكون الربح على قدر المال في الشركتين، فتنبه لذلك فإنه يقع كثيرا ويغفل عنه.
قوله: (لا الربح) فإنه يكون بقدر المال.
قوله: (لصيرورتها الخ) علة لقوله: لا الربح وقوله: لبقاء الوكالة علة لقوله: مشترك بينهما ح.
قوله: (ولم يتصادقا على الوكالة) عبارة ابن كمال: ولم ينصا على الوكالة فيها ط.(4/508)
قوله: (كما مر) أي في قوله: وعدم ما يقطعها الخ وأشار به إلى أن التصريح بفسادها بما ذكر مفرع على ما قدمه من أنه يشترط فيها عدم ما يقطعها فليس ذلك تكرارا محضا، فافهم.
وبيان القطع أن اشتراط عشرة دراهم مثلا من الربح لاحدهما يستلزم اشتراط جميع الربح له على تقدير أن لا يظهر
ربح إلا العشرة، والشركة تقتضي الاشتراك في الربح وذلك بقطعها فتخرج إلى القرض أو البضاعة كما في الفتح.
قوله: (لا لانه شرط الخ) يعني أن علة الفساد ما ذكر من قطع الشركة، وليست العلة اشتراط شرط فاسد فيها، لان الشركة لا تفسد بالشروط الفاسدة، والمصرح به أن هذه الشركة فاسدة، فقوله: قلت الخ تأييد لقوله: لا لانه شرط الخ.
وأما قوله: وظاهره أي ظاهر قوله لعدم فساده بالشروط فلا محل له للاستغناء عنه بما قبله.
قوله: (ويكون الربح على قدر المال) أي وإن اشترط فيه التفاضل، لان الشركة لما فسدت صار المال مشتركا شركة ملك والربح في شركة الملك على قدر المال وسيأتي في الفصل أنها لو فسدت وكان المال كله لاحدهما فللآخر أجر مثله.
قوله: (ولكل من شريكي العنان الخ) هذا كله عند عدم النهي.
ففي الفتح: وكل ما كان لاحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله، ولهذا لو قال له اخرج لدمياط ولا تجاوزها فجاوزها فهلك المال ضمن حصة شريكه، لانه نقل حصته بغير إذنه، وكذا لو نهاه عن بيع النسيئة بعدما كان أذن له فيه اه.
قلت: وسيأتي في المضاربة أنه إذا صار المال عروضا لا يصح نهي المضارب عن البيع نسيئة لانه لا يملك عزله في هذه الحالة.
وظاهره أن الشركة ليست كذلك لانه يملك فسخها مطلقا كما سيأتي في الفصل.
قوله: (ويبضع الخ) في القاموس: الباضع الشريك اه.
والمراد هنا دفع المال لآخر ليعمل فيه على أن يكون الربح لرب المال ولا شئ للعامل.
بحر.
قوله: (ويعير) فلو أعار دابة فعطبت تحت المستعير فالقياس أن يضمن المعير نصف شريكه، ولكني أستحسن أن لا أضمنه، وهذا قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وكذلك لو أعار ثوبا أو دارا أو خادما بحر عن كافي الحاكم.
قوله: (ويضارب) أي يدفع المال مضاربة وهو الاصح.
أما إذا أخذ مالا مضاربة، فإن أخذه ليتصرف فيما ليس من تجارتهما فالربح له خاصة، وكذا فيما هو من تجارتهما إذا كان بحضرة صاحبه، ولو مع غيبته أو مطلقا كان الربح بينهما نصفه لشريكه ونصفه بين المضارب ورب المال، كذا في المحيط.
نهر.
وقوله أو مطلقا: أي عن التقييد بكونه من تجارتهما.
قوله: (لانها) أي المضاربة دون الشركة لكون الوضيعة تلزم الشريك ولا تلزم المضارب فتتضمن الشركة المضاربة.
فتح.
قوله: (ويوكل) لان التوكيل بالبيع والشراء من أعمال التجارة والشركة انعقدت لها،
بخلاف الوكيل صريحا بالشراء ليس له أنه يوكل به لانه عقد خاص طلب به شراء شئ بعينه فلا يستتبع مثله.
فتح.
قوله: (ولو نهاه المفاوض الآخر) التقييد بالمفاوض ويكون النهي عن التوكيل اتفاقيا لما مر أن كل ما كان لاحدهما فعله يصح نهي الآخر عنه ط.(4/509)
أقول: سياق كلام البحر يقتضي أن هذا خاص بالمفاوضة، خلافا لما فهمه ح كما يعلم من مراجعة البحر.
لكن يخالفه ما في الخانية في فصل العنان: ولو وكل أحدهما رجلا في بيع أو شراء وأخرجه الآخر عن الوكالة صار خارجا عنها، فإن وكل البائع رجلا يتقاضى ثمن ما باع فليس للآخر أن يخرجه عن الوكالة اه.
أي ليس لاحدهما قبض ثمن ما باعه الآخر ولا المخاصمة فيه كما يأتي قريبا، فكذا ليس له إخراج وكيله بالقبض ثم لا يخفى أن الضمير المنصوب في قول الشارح: ولو نهاه عائد إلى الوكيل كما هو صريح عبارة الخانية، لا إلى الموكل حتى يكون النهي عن التوكيل ويكون التقييد فيه اتفاقيا، فافهم.
قوله: (ويبيع بما عز وهان) أي له أن يبيع بثمن زائد وناقص، قيد بالبيع لان الشراء لا يجوز إلا بالمعروف كما في الرملي عن المنح عن الجوهرة، وسيذكر الشارح في كتاب الوكالة أن الوكيل له البيع بما قل أو كثر وبالعرض، وخصاه بالقيمة والنقود، وبه يفتى.
بزازية اه.
ومقتضاه أن المفتى به هنا كذلك لكن ذكر العلامة قاسم هناك تصحيح قول الامام وإنه أصح الاقاويل، فافهم.
وفي البحر عن البزازية: وإن باع أحدهما متاعا ورد عليه فقبله جاز ولو بلا قضاء، وكذا لو حط أو أخر من عيب وإن بلا عيب جاز في حصته، وكذا لو وهب، ولو أقر بعيب في متاع باعه جاز عليهما اه.
ويأتي تمام ذلك قبيل قوله: وهو أمين.
قوله: (وبنقد ونسيئة) متعلق بقوله: يبيع.
وأما الشراء، فإن لم يكن في يده دراهم ولا دنانير من الشركة فاشترى بدراهم أو دنانير فهو له خاصة، لانه لو وقع مشتركا تضمن إيجا ب مال زائد على الشريك وهو لم يرض بالزيادة على رأس المال.
والولوالجية.
ومفاده أنه لو رضي وقع مشتركا لانه يملك الاستدانة بإذن شريكه كما قدمناه عن البحر عن المحيط، ومنه ما سيأتي قبيل الفروع عن الاشباه، ويأتي تمامه، وما مر من التفصيل في الشراء إنما هو في شركة العنان، أما في المفاوضة فهو عليهما مطلقا كما في
الخانية قوله: (خلافا للاشباه) الذي فيها هو ما نقله عقبه عن الظهيرية.
قوله: (ومؤنة السفر الخ) أي ما أنفقه على نفسه من كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من جملة رأس المال في رواية الحسن عن أبي حنيفة.
قال محمد: وهذا استحسان، فإن ربح تحسب النفقة من الربح وإن لم يربح كانت من رأس المال.
الخانية.
قوله: (لا يملك الشريك) أي شريك العنان بقرينة قوله: أما المفاوضة الخ.
وفي الخانية من فصل العنان: ولو شارك أحدهما شركة عنان، فما اشتراه الشريك الثالث كان نصفه له ونصفه بين الشريكين، وما اشتراه الذي لم يشارك فهو بينه وبين شريكه نصفين، ولا شئ منه للشريك الثالث اه.
ومثله في الولوالجية.
وفيها: ولو أخذ مالا مضاربة فهو له كما لو آجر نفسه اه.
ولكن فيه تفصيل قدمناه قريبا.
قوله: (ولا الرهن) قال في الفتح: أي رهن عين من مال الشركة فإن رهن بدين عليهما لم يجز وضمن، ولو ارتهن بدين لهما لم يجز على شريكه، فإن هلك الرهن في يده وقيمته والدين سواء ذهب بحصته ويرجع شريكه بحصته على المطلوب ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن، وإن شاء شريك المرتهن ضمن شريكه حصته من الدين لان هلاك الرهن في يده كالاستيفاء اه.
قوله: (أو يكون هو) أي الراهن العاقد أي الذي تولى عقد المبايعة.(4/510)
قال في الخانية: ولمن ولي المبايعة أن يرهن بالثمن اه ط.
قوله: (في موجب) بكسر الجيم ح.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كان الراهن هو العاقد بنفسه.
قال في النهر: وإقراره بالرهن والارتهان عند ولايته العقد صحيح اه ط.
أما لو ولي العقد غيره أو كانا ولياه لا يجوز إقراره في حصة شريكه، وهل يجوز في حصة نفسه فهو على الخلاف، ولا يصح إقراره بعدما تناقضا الشركة إذا كذبه الآخر.
تتارخانية.
قوله: (ولا الكتابة) لانه ليس من عادة التجار.
بحر.
قوله: (فله كل ذلك) أي المذكور من الشركة والرهن الخ.
قوله: (ولو فاوض) أي المفاوض.
قوله: (وإلا تنعقد عنانا) وما خصه من الربح يكون بينه وبين شريكه ط.
قوله: (ولا يجوز لهما تزوج العبد) أي عبد التجارة.
واحترز بالعبد عن الامة، فإن لاحد المتفاوضين تزويجها كما في الخانية: ولا يزوج العبد ولو من أمة التجارة استحسانا ط عن الهندية.
قوله: (ولا الهبة) يستثنى منه هبة ثمن ما باعه.
ففي البحر عن الظهيرية
لو باع أحد المتفاوضين عينا من تجارتهما ثم وهب الثمن من المشتري أو أبرأه منه جاز، خلافا لابي يوسف، ولو وهب غير البائع جاز في حصته إجماعا اه.
قلت: لكنه في الاولى يضمن نصيب صاحبه كوكيل البيع إذا فعل ذلك كما في الخانية.
قوله: (ونحوه) أي مما ليس من جنس ما يؤكل ويهدى عادة بقرينة ما بعده.
قوله: (فلم يجز) أي ما ذكر من الهبة في حصة شريكه، بل جاز في حصته إن وجد شرط الهبة من التسليم والقسمة فيما يقسم وكذا الاعتاق، وتجري فيه أحكام عتق أخذ الشريكين المقررة في بابه.
قوله: (وجاز في نحو لحم الخ) محترز قوله: أي لثوب ونحوه.
مطلب: يملك الاستدانة بإذن شريكه قوله: (ولا القرض) أي الاقراض في ظاهر الرواية، أما الاستقراض فقدم أنه يجوز، ويأتي تمامه في الفروع.
قوله: (إذنا صريحا) فلو قال اعمل برأيك لا يكفي.
قوله: (وفيه الخ) ومثله ما في البحر عن البزازية: ولو قال كل منهما للآخر اعمل برأيك فلكل منهما أن يعمل ما يقع في التجارة: كالرهن والارتهان، والسفر والخلط بماله، والشركة بمال الغير لا الهبة والقرض، وما كان إتلافا للمال أو تمليكا من غير عوض فإنه لا يجوز ما لم يصرح به نصا.
قوله: (لان الشركة) أي مطلقها.
قوله: (وصح بيع شريك مفاوض) انظر هل المفاوض قيد في كلام المصنف.
ط عن(4/511)
الحموي.
قوله: (لا يصح إقراره بدين أي لمن لا تقبل شهادته له، أما لغيره فيقبل كما سبق في قوله: وكل دين لزم أحدهما الخ.
وهذا إنما هو في شريك المفاوضة، أما شريك العنان ففيه تفصيل.
قال في الخانية: ولو أقر أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لزم المقر جميع ذلك إن كان هو الذي وليه، وإن أقر أنه ولياه لزمه نصفه، وإن أقر أن صاحبه وليه لا يلزمه شئ بخلاف الشركة المفاوضة فإن كل واحد منهما يكون مطالبا بذلك اه.
ونحوه في الفتح.
وحاصله أن إقرار أحد شريكي العنان بدين في تجارتهما لا يمضي على الآخر، وإنما يمضي على نفسه على التفصيل المذكور.
أما شريك المفاوضة فيمضي عليهما مطلقا فافهم، لكن سيأتي
في الفروع أنه لو قال أحد الشريكين استقرضت ألفا فالقول له إن المال في يده، ويأتي الكلام عليه.
قوله: (وفي الخلاصة) استدراك على المتن بأن العين كالدين اه ح.
لكن ما في المتن في المفاوضة وهذا في العنان.
قوله: (بجارية) أي في يده من الشركة أنها لرجل تتارخانية.
قوله: (ليس للآخر أخذ ثمنه) أفاد أن للمديون أن يمتنع من الدفع إليه، فإن دفع برئ من حصة القابض ولم يبرأ من حصة الآخر.
فتح.
وكذا لا يجوز تأجيله الدين لو العاقد غيره أو هما عند أبي حنيفة.
وعندهما يجوز في نصيبه، ولو أجله العاقد جاز في النصيبين عندهما.
وعند أبي يوسف: في نصيبه فقط، وأصله الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن أو حط أو أجله يصح عندهما، خلافا: لابي يوسف، إلا أن هناك يضمن لموكله عندهما لا هنا.
بحر عن المحيط.
مطلب: أقر بمقدار الربح ثم ادعى الخطأ قوله: (في مقدار الربح) فلو أقر بمقداره ثم ادعى الخطأ فيه لا يقبل قوله، كذا نقله أبو السعود عن إقرار الاشباه ط.
قلت: لكن في حاوي الزاهدي قال الشريك ربحت عشرة ثم قال لا بل ربحت ثلاثة فله أن يحلفه أنه لم يربح عشرة اه.
ومقتضاه أن القول له بيمينه، لكن لا يخفى أن الاوجه ما في الاشباه لانه برجوعه متناقض فلا يقبل منه، وما في الاشباه عزاه إلى كافي الحاكم فهونص المذهب فلا يعارضه ما في الحاوي.
قوله: (والضياع) أي ضياع المال كلا أو بعضا ولو من غير تجارة ط.
قوله: (مستدلا بما في وكالة الولوالجية) عبارة الولوالجية: ولو وكل بقبض وديعة ثم مات الموكل فقال الوكيل قبضت في حياته وهلك وأنكرت الورثة أو قال دفعته إليه صدق، ولو كان دينا لم يصدق، لان الوكيل في الموضعين حكى أمرا لا يملك استئنافه، لكن من حكى أمرا لا يملك استئنافه: إن كان فيه إيجاب الضمان على الغير لا يصدق، وإن كان فيه نفي الضمان عن نفسه صدق، والوكيل بقبض الوديعة فيما يحكي ينفي الضمان عن نفسه فصدق، والوكيل بقبض الدين فيما يحكى يوجب الضمان على الميت وهو ضمان مثل المقبوض فلا يصدق اه.(4/512)
مطلب: في قبول قوله دفعت المال بعد موت الشريك أو الموكل قلت: أي أن الوكيل بقبض الدين إذا قال: قبضته من المديون وهلك عندي أو قال دفعته للموكل الميت لا يصدق بالنسبة إلى براءة المديون، لان في ذلك إلزام الضمان على الميت، فإن الديون تقضى بأمثالها فيثبت للمديون بذمة الدائن مثل ما للدائن بذمته فيلتقيان قصاصا.
وأما بالنسبة إلى الوكيل نفسه فيصدق لانه أمين، وبموت الموكل لم ترتفع أمانته، وإن بطلت وكالته فلا يضمن ما قبضه ولا يرجع عليه المديون، وقد أوضح المسألة في الخيرية أول كتاب الوكالة، فافهم.
قوله: (كل من حكى أمرا الخ) فإن الوكيل هنا حكى أمرا وهو قبض الوديعة أو الدين في حياة الموكل وهو لا يملك استئنافه بعد موت الموكل: أي لو كان لم يقبض في حياته وأراد استئناف القبض بعد موته لم يملكه، لانه انعزل عن الوكالة.
قوله: (التقييد بالمكان صحيح الخ) ظاهر التفريع أن التنصيص على المكان بلا نهي لا يكون تقييدا، وعبارة البزازية: التقييد بالمكان صحيح، حتى لو قال: اخرج إلى خوارزم ولا تجاوزه صح، فلو جاوزه ضمن.
وفي الجوهرة من المضاربة.
وألفاظ التخصيص والتقييد أن يقول: خذ هذا مضاربة بالنص على أن تعمل به في الكوفة أو فاعمل به في الكوفة ما إذا قال واعمل به في الكوفة بالواو لا يكون تقييدا، فله أن يعمل في غيرها لان الواو حرف عطف ومشورة وليست من حروف الشرط اه.
فأفاد أن مجرد التنصيص لا يكفي، بل لا بد من أمر يفيد التقييد كالشرط وكالنهي.
قوله: (وفي الاشباه الخ) أعم منه ما قدمناه عن الفتح من أن كل ما كان لاحدهما إذا نهاه عنه شريكه لم يكن له فعله.
قوله: (جاز) أي النهي.
قوله: (بموته مجهلا الخ) في حاوي الزاهدي: مات الشريك ومال الشركة ديون على الناس ولم يبين ذلك بل مات مجهلا يضمن كما لو مات مجهلا للعين اه: أي عين مال الشركة الذي في يده ومثله بقية الامانات، لكن إذا علم أن وارثه يعلمها لا يضمن، ولو ادعى الوارث العلم وأنكر الطالب فإن فسرها الوارث وقال: هي كذا وهلكت صدق، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتا ب الوديعة.
قوله: (والقول بخلافه غلط) وهو عدم تضمين المفاوض.
قوله: (وسيجئ في الوديعة) سيجئ هناك بضع عشرة موضعا يضمن فيها الامين بموته مجهلا.
قوله: (خلافا للاشباه) حيث جرى في
كتاب الامانات على ما هو الغلط.
قوله: (في المحيط) صوابه في البحر: فإن الحادثتين وقعتا لصاحب البحر سئل عنهما وأجاب بما ذكر، ثم قال: ولم أر فيهما إلا ما قدمته: أي ما مر عن(4/513)
الخانية.
قوله: (فإن أجاز فالربح لهما) وإن لم يجز فالبيع في حصته باطل.
قوله: (فأجبت أنه غاصب) أي كما هو صريح ما قدمه عن الخانية من قوله ضمن حصة شريكه.
قوله: (بالاخراج) فينظر.
ففي مضاربة الجوهرة عند قول القدوري: وإن خص له رب المال التصرف في بلد بعينه أو في سلعة بعينها لم يجز أن يتجاوز ذلك، فإن خرج إلى غير ذلك البلد أو دفع المال إلى من أخرجه لا يكون مضمونا عليه بمجرد الاخراج حتى يشتري به خارج البلد، فإن هلك المال قبل التصرف فلا ضمان عليه، وكذا لو أعاده إلى البلد عادت المضاربة كما كانت على شرطها، وإن اشترى به قبل العود صار مخالفا ضامنا، ويكون ذلك لانه تصرف بغير إذن صاحب المال فيكون له ربحه وعليه وضيعته لا يطيب له الربح عندهما، خلافا لابي يوسف، وإن اشترى ببعضه وأعاد بقيته إلى البلد ضمن قدر ما اشترى به، ولا يضمن قدر ما أعاد اه.
والظاهر أن الشركة كذلك.
قوله: (فينبغي أن لا يكون الربح على الشرط) أي بل يكون له كما علمته منقولا.
قوله: (ومقتضاه فساد الشركة) أي مقتضى الجواب بأنه صار غاصبا وبأن الربح لا يكون على الشرط، ولكن هذا بعد التصرف في المال لا بمجرد الاخراج، فلو عاد قبل التصرف تبقى الشركة كما علمت.
فافهم.
قوله: (فأجاب الخ) حيث قال: إن القول قول الشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران مع يمينه ولا يلزمه أن يذكر الامر مفصلا، والقول قوله في الضياع والرد إلى الشريك اه.
مطلب: فيما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة قلت: بقي ما لو ادعى على شريكه خيانة مبهمة، ففي قضاء الاشباه لا يحلف.
ونقل الحموي عن قارئ الهداية أنه يحلف وإن لم يبين مقدارا، لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يبين مقدار ما نكل فيه.
ثم قال: وأنت خبير بأن قارئ الهداية لم يستند إلى نقل، فلا يعارض ما نقله في الاشباه عن الخانية.
قوله: (ومثله المضارب والوصي والمتولي) سيذكر الشارح في الوقف عن القنية أن المتولي
لا تلزمه المحاسبة في كل عام، ويكتفي القاضي منه بالاجمال لو معروفا بالامانة ولو متهما يجبره على التعيين شيئا فشيئا، ولا يحبسه بل يهدده، ولو اتهمه يحلفه اه.
والظاهر أنه يقال مثل ذلك في الشريك والمضارب والوصي فيحمل إطلاقه على غير المتهم: أي الذي لم يعرف بالامانة.
تأمل.
قوله: (نهر) يغني عنه قوله أولا وفيه.
قوله: (إلى سحت المحصول) السحت: بالضم وبضمتين الحرام، أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه من العار ط عن القاموس، إذ لا يجوز للقاضي الاخذ على نفس المحاسبة لانها واجبة عليه، نعم لو كتب سجلا أو تولى قسمة وأخذ أجر المثل له ذلك كما حرره في البحر من الوقف.
مطلب في شركة التقبل قوله: (وإما تقبل) عطف على قوله: إما مفاوضة.
قوله: (وتسمى شركة صنائع) جمع صناعة كرسالة ورسائل وهي كالصنعة حرفة الصانع وعمله.
قوله: (وأعمال وأبدان) لان العمل يكون منهما(4/514)
غالبا بأبدانهما.
قوله: (إن اتفق صانعان الخ) أشار إلى أنه لا بد من العقد أو لا، بأن يتفقا على الشركة قبل التقبل، لما سيأتي قبيل الفروع لو تقبل ثلاثة عملا بلا عقد شركة فعمله أحدهم فله ثلث الاجر ولا شئ للآخرين، وسيأتي بيانه، والمراد عقد الشركة على التقبل والعمل، لما في البحر عن القنية: اشترك ثلاثة من الحمالين على أن يملا أحدهم الجوالق ويأخذ الثاني فمها ويحملها الثالث إلى بيت المستأجر والاجر بينهم بالسوية فيه فاسدة.
قال: فسادها لهذه الشروط، فإن شركة الحمالين صحيحة إذا اشتركوا في التقبل والعمل جميعا اه.
أي وهنا لم يذكر التقبل أصلا، بل مجرد العمل مقيدا على كل واحد بنوع منه، لكن لا يشترط كون التقبل منهما معا، لما في البحر أيضا: لو اشتركا على أن يتقبل أحدهما المتاع ويعمل الآخر أو يتقبله أحدهما ويقطعه ثم يدفعه إلى الآخر للخياطة بالنصف جاز، كذا في القنية، لكن من شرط عليه العمل فقط لو تقبل جاز، فلو شرط على من عليه العمل أن لا يتقبل لا يجوز لانه عند السكوت جعل إثباتها اقتضاء ولا يمكن ذلك مع النفي، كذا في المحيط اه.
قلت: وبه علم أن الشرط عدم نفي التقبل عن أحدهما لا التنصيص على تقبل كل منهما، ولا على عملهما لانه إذا اشتركا على أن يتقبل أحدهما ويعمل الآخر بلا نفي كان لكل منهما التقبل والعمل لتضمن الشركة الوكالة.
قال في البحر: وحكمها أن يصير كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه بتقبل الاعمال، والتوكيل به جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشرة ذلك العمل أو لا.
قوله: (فلا يلزم اتحاد صنعة ومكان) تفريع الاول على كلام المصنف ظاهر.
وأما الثاني فمن حيث إنه لم يقيد بالمكان.
ووجه عدم اللزوم كما في الفتح أن المعنى المجوز لشركة التقبل من كون المقصود تحصيل الربح لا يتفاوت بين كون العمل في دكاكين أو دكان، وكون الاعمال من أجناس أو جنس.
قوله: (على أن يتقبلا الاعمال) أي محلها كالثياب مثلا، فإن العمل عرض لا يقبل القبول.
أفاده القهستاني.
وعلمت أن التنصيص على تقبل كل منهما أو على عمله غير شرط.
وفي النهر أن المشترك فيه إنما هو العمل، ولذا قالوا: من صور هذه الشركة أن يجلس آخر على دكانه فيطرح عليه العمل بالنصف، والقياس أن لا يجوز، لان من أحدهما العمل ومن الآخر الحانوت، واستحسن جوازها لان التقبل من صاحب الحانوت عمل اه.
ومنها ما في البحر عن البزازية لاحدهما آلة القصارة للآخر بيت اشتركا على أن يعملا في بيت هذا والكسب بينهما جاز، وكذا سائر الصناعات، ولو من أحدهما أداة القصارة والعمل من الآخر فسدت والربح للعامل وعليه أجر مثل الاداة اه.
ونظير هذه الاخيرة مسائل ستأتي في الفصل قبيل قوله: وتبطل الشركة الخ.
قوله: (التي يمكن استحقاقها) أي التي يستحقها المستأجر بعقد الاجارة.
وزاد في البحر قيد أن يكون العمل حلالا لما في البزازية: لو اشتركا في عمل حرام لم يصح اه.
وأنت خبير بأن الحرام لا يستحق بالاجر، فافهم.
قوله: (ومنه) الاولى ومنها: أي الاعمال المذكورة.
قوله: (على المفتى به) أي الذي هو قول المتأخرين من جواز الاجرة على التعليم، وكذا على الاذان والامامة، فافهم.
قوله: (بخلاف شركة دلالين) فإن عمل الدلالة لا يمكن استحقاقه بعقد الاجارة، حتى لو استأجر دلالا يبيع له أو يشتري فالاجارة(4/515)
فاسدة إذا لم يبين له أجلا كما صرح به في إجارة المجتبى ح.
قوله: (ومغنين) لان الغناء حرام ح.
قوله: (وشهود محاكم) لعدم صحة الاستئجار على الشهادة ح.
قوله: (وقراء مجالس وتعاز) يحتمل أنه عطف تفسير أو مغاير وهو بفتح التاء المثناة فوق وبعين مهملة بعدها ألف ثم زاي جمع تعزية: وهي المأتم بالهمزة والتاء المثناة الفوقية الذي يصنع للاموات، لان عادتهم القراءة بصوت واحد يشتمل على التمطيط وعلى قطع بعض الكلمات والابتداء من أثناء الكلمة، ولانه استئجار على القراءة.
والذي أجازه المتأخرون إنما هو الاستئجار على التعليم خلافا لمن توهم خلافه، كما سيأتي في الاجارات إن شاء الله تعالى.
وفي القنية: ولا شركة القراء بالزمزمة في المجالس والتعازي لانها غير مستحقة عليهم اه.
وفي القاموس: الزمزمة: الصوت البعيد له دوي وتتابع صوت الرعد.
وذكر ابن الشحنة أن ابن وهبان بالغ في النكير على إقرارهم على هذا في زمانه وعلى القراءة بالتمطيط، ومنه من جواز سماعها وأطنب في إنكارها، وتمامه في ح.
قوله: (ووعاظ) أي شركة وعاظ فيما يتحصل لهم بسب الوعظ لانه غير مستحق عليهم ط.
قوله: (وسؤال) بتشديد الهمزة جمع سائل: وهو الشحاذ اه ح.
قوله: (لان التوكيل بالسؤال لا يصح) وما لا تصح فيه الوكالة لا تصح فيه الشركة كما مر.
قوله: (مطلقا) أي سواء شرطا الربح على السواء أو متفاضلا، وسواء تساويا في العمل أو لا، وقيل إن شرطا أكثر الربح لادناهما عملا لا يصح.
والصحيح الجواز.
أفاده في البحر: وهذا إذا لم تكن مفاوضة، إذ لا تكون المفاوضة إلا مع التساوي كما يأتي.
قوله: (لانه ليس بربح الخ) اعلم أن التفاضل في الربح عند اشتراط التساوي في العمل لا يجوز قياسا، لان الضمان بقدر ما شرط عليه من العمل فالزيادة عليه ربح ما لم يضمن، فلم يجز العقد كما في شركة الوجوه.
ويجوز استحسانا لان ما يأخذه ليس ربحا لان الربح إنما يكون عند اتحاد الجنس، وهنا رأس المال عمل والربح مال فلم يتحد الجنس، فكان ما يأخذه بدل العمل والعمل يتقوم بالتقويم إذا رضيا بقدر معين، فيقدر بقدر ما قوم به فلم يؤد إلى ربح ما لم يضمن، بخلاف شركة الوجوه حيث لا يجوز فيها التفاوت في الربح عند التساوي في المشتري، لان جنس المال وهو الثمن الواجب في ذمتهما متحد والربح يتحقق في الجنس المتحد، فلو جاز زيادة الربح كان ربح ما لم يضمن، وتمامه في العناية.
قوله: (فيطالب كل واحد منهما بالعمل الخ) هذا ظاهر فيما إذا كانت مفاوضة، أما إذا أطلقاها أو قيداها بالعنان فثبوت
هذين الحكمين استحسان، وفيما سواهما فهي باقية على مقتضى العنان، ولذا لو أقر بدين من ثمن مبيع مستهلك أو أجر أجير أو دكان لمدة مضت لا يصدق إلا ببينة، لان نفاذ الاقرار على الآخر موجب المفاوضة ولم ينصا عليها، فلو كان المبيع لم يستهلك أو المدة لم تمض فإنه يلزمهما كما في المحيط اه ح ملخصا.
قوله: (ويبرأ دافعها) أنث الضمير وإن عاد على الاجر لتأويله بالاجرة ط.
قوله: (والحاصل الخ) ما مر من قوله: ويكون الكسب بينهما إنما هو في الكسب الحاصل من عملهما، وما هنا في الحاصل من عمل أحدهما: أي لا فرق بين أن يعملا أو يعمل أحدهما سواء كان عدم عمل الآخر لعذر أو لا، لان العامل معين القابل والشرط مطلق العمل الخ ما ذكره.(4/516)
مطلب شركة الوجوه قوله: (وإما وجوه) ويقال لها شركة المفاليس.
قهستاني.
قوله: (نوعا أو أنواعا) أفاد أنها تكون خاصة وعامة كما في النهر، ولذا حذف المصنف المفعول.
قوله: (أي بسبب وجهاهتهما) أفاد وجه التسمية، لان من لا مال له لا يبيعه الناس نسيئة إلا إذا كان له جاه ووجاهة وشرف عندهم.
وأفاد الكمال أن الجاه مقلوب الوجه بوضع الواو موضع العين، فوزنه عقل إلا أن الواو انقلبت ألفا للموجب لذلك، وقيل ضيفت إلى الوجولانها تبتدل فيها الوجوه لعدم المال.
قوله: (بالنسيئة) هو على حل الشارح متعلق بقوله: اشتريا وقصده بذلك دفع ما يوهمه المتن من كونه مطلوبا ليشتريا ويبيعا، وليس كذلك بل هو مطلوب لقوله: يشتريا فكان ينبغي للمصنف ذكره عقبه لانه لا مال لهما، فشراؤهما يكون بالنسيئة، أما البيع فهو أعم.
قوله: (ويكون كل منهما عنانا ومفاوضة بشرطه) فصورة اجتماع شرائط المفاوضة في التقبل كما في المحيط: أن يشترط الصانعان على أن يتقبلا جميعا الاعمال، وأن يضمنا جميعا على التساوي، وأن يتساويا في الريح والوضيعة، وأن يكون كل منهما كفيلا عن صاحبه فيما لحقه بسبب الشركة ا ه.
وصورتها في الوجوه كما في النهاية: أن يكون الرجلان من أهل الكفالة، وأن يكون ثمن المشتري بينهما نصفين، وأن يتلفظا بلفظ المفاوضة.
زاد في الفتح: ويتساويا في الربح، ويكفي
ذكر مقتضيات المفاوضة عن التلفظ بها كما سلف، وتمامه في البحر: ولا يخفى أنه إذا فقد منها شرط كانت عندنا.
وفي القهستاني أن شروط المفاوضة في المواضع الثلاثة قد اختلفت، ولم يتعرض في المتداولات إلى أنها في كل منها حقيقة، والظاهر أنها في الاول: أي في المال حقيقة وفي الباقيين مجاز ترجيحا على الاشتراك.
قوله: (من مناصفة المشتري) أي في المفاوضة والعنان، وقوله: أو مثالثته أي في العنان.
قهستاني.
قوله: (لئلا يؤدي الخ) علة لمفهوم ما قبله، وهو أنه لا يجوز أن يكون الربح مخالفا لقدر الملك.
وعبارة الكنز: وإن شرطا مناصفة المشتري أو مثالثته فالريح كذلك، وبطل شرط الفضل اه.
قال في النهر: لان استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان وهو على قدر الملك في المشتري فكان الربح الزائد عليه ربح ما لم يضمن، بخلاف العنان فإن التفاضل في الربح فيها مع التساوي في المال صحيح، لانهفي معنى المضاربة من حيث أن كلا منهما يعمل في مال صاحبه فالتحقت بها.
قوله (بخلاف العنان) أي في شركة الاموال، وكذا في شركة التقبل فإنه يجوز فيها التفاضل كما قدمناه، لان المأخوذ فيها ليس بربح بل بدل عمل(4/517)
كما مر تقريره، فافهم.
قوله: (بمال) كما في شركة الاموال وفي المضاربة في حق رب المال.
قوله: (أو عمل) كالمضارب في المضاربة.
قوله: (أو تقبل) عبارة الدرر: أو ضمان، وكذا في البحر وغيره، وذلك كمن أجلس على دكانه تلميذا يطرح عليه العمل بالنصف، وكما في شركة الوجوه فإن الربح فيها بقدر الضمان والزائد عليه ربح ما لم يضمن فلا يجوز كما مر.
قال في الدرر: ولهذا لو قال لغيره تصرف في مالك على أن لي بعض ربحه لا يستحق شيئا لعدم هذه المعاني، والله سبحانه أعلم.
فصل في الشركة الفاسدة ما في هذا الفصل مسائل متفرقة من كتاب الشركة، فكان الاولى أن يترجم بها وإن كانت الزيادة على ما في الترجمة لا تضر.
قوله: (واصطياد) جعله من المباح، وذلك مقيد بما إذا لم يكن للتلهي أو يتخذه حرفة، وإلا فلا يحل كمفي الاشباه، وسيأتي تمام الكلام على ذلك في بابه.
قوله: (وطلب معدن من كنز المعدن: ما وضع في الارض خلقة، والكنز: ما وضعه بنو آدم، والركاز يعمهما، فلو قال: وطلب معدن وكنز جاهلي كما فعل في الهندية لكان أولى، لان الكنز الاسلامي لقطة ط.
قوله: (من طين مباح) فإن كان الطين أو النورة أو سهلة الزجاج مملوكا فاشتركا على أن يشتريا ذلك ويطبخاه ويبيعاه جاز، وهو كشركة الوجوه كذا في الخلاصة معزيا إلى الشافي، وتبعه البزازي والعيني.
والمذكور في الفتح أن هذا من شركة الصنائع، والاول أظهر.
نهر.
قوله: (وما حصله أحدهما) أي بدون عمل من الآخر.
قوله: (وما حصلاه معا الخ) يعني ثم خلطاه وباعه، فيقسم الثمن علكيل أو وزن ما لكل منهما، وإن لم يكن وزنيا ولا كيليا قسم على قيمة ما كان لكل منهما، وإن لم يعرف مقدار ما كان لكل منهما صدق كل واحد منهما إلى النصف لانهما استويا في الاكتساب وكأن المكتسب في أيديهما، فالظاهر أنه بينهما نصفان، والظاهر يشهد له في ذلك، فيقبل قوله ولا يصدق على الزيادة على النصف إلا ببينة، لانه يدعي خلاف الظاهر ا ه.
فتح.
مطلب اجتمعا في دار واحدة واكتسبا ولا يعلم التفاوت فهو بينهما بالسوية تنبيه: يؤخذ من هذا ما أفتى به في الخيرية فزوج امرأة وابنها اجتمعا في دار واحدة وأخذ كل منهما يكتسب على حدة ويجمعان كسبهما ولا يعلم التفاوت ولا التساوي ولا التمييز.
فأجاب بأنه بينهما سوية، وكذا لو اجتمع إخوة يعلمون في تركة أبيهم ونما المال فهو بينهم سوية، ولو اختلفوا في العمل والرأي ا ه.
وقدمنا أن هذا ليس شركة مفاوضة ما لم يصرحا بلفظها أو بمقتضياتها مع استيفاء شروطها، ثم هذا في غير الابن مع أبيه، لما في القنية الاب وابنه يكتسبان في صنعة واحدة ولم يكن لهما شئ فالكسب كله للاب إن كان الابن في عياله لكونه معينا له، ألا ترى لو غرس شجرة تكون للاب ثم ذكر خلافا في المرأة مع زوجها إذا اجتمع بعملهما أموال كثيرة، فقيل(4/518)
هي للزوج وتكون المرأة معينة له، إلا إذا كان لها كسب على حدة فهو لها، وقيل بينهما نصفان.
وفي الخانية: زوج بنيه الخمسة في داره وكلهم في عياله، واختلفوا في المتاع فهو للاب وللبنين الثياب التي عليهم لا غير، فإن قالوا هم أو امرأته بعد موته إن هذا استفدناه بعد موته فالقول لهم،
وإن أقروا أنه كان يوم موته فهو ميراث من الاب.
قوله: (بإعانة صاحبه) سواء كانت الاعانة بعمل كما إذا أعانه في الجمع والقلع أو الربط أو الحمل أو غيره أو بآلة، كما لو دفع له بغلا أو راوية ليستقي عليها أو شبكة ليصيد بها: حموي وقهستاني ط.
قوله: (لا يجاوز به) بفتح الواو على البناء للمفعول، وقوله: نصف ثمن ذلك بالرفع لانه هو النائب عن الفاعل ا ه.
فتح: أي يعطي أجر المثل لو كان مثل نصف الثمن أو أقل، فلو أكثر لا يزاد على نصف الثمن لانه رضي بنصف الثمن، ثم التعبير بنصف الثمن وقع في كافي الحاكم والهداية وغيرهما.
قال ط: وذكر في النقاية أن أجر المثل لا يزاد على نصف القيمة، لان المعين وصاحب العدة يطلبان أجر المثل عند تمام العمل، فربما لا يتيسر البيع عند تمام العمل فكيف يفرض نصف ثمنه حتى يطلب؟ حموي.
وفي القهستاني: ولا يزاد على نصف القيمة: أي قيمة المباح يوم الاخذ إن كان له قيمة، وإلا فينبغي أن يكون الحكم فيه التخمين والقياس ا ه.
قوله: (يؤذن باختياره) قال في العناية: وكذا تقديم دليل أبي يوسف على دليل محمد في المبسوط دليل على أنهم اختاروا قول محمد ا ه: أي لان الدليل المتأخر يتضمن الجواب عن الدليل المتقدم، وهذه عادة صاحب الهداية أيضا أنه يؤخر دليل القول المختار، وعبارة كافي الحاكم تؤذن أيضا باختيار قول محمد حيث قال: فله أجر مثله لا يجاوز نصف الثمن في قول أبي يوسف.
وقال محمد: له أجر مثله بالغا ما بلغ، ألا ترى أنه لو أعانه عليه فلم يصب شيئا كان له أجر مثله ا ه.
ونقل ط عن الحموي عن المفتاح أقول محمد هو المختار للفتوى.
وعن غاية البيان أن قول أبي يوسف استحسان ا ه.
مطلب يرجح القياس قلت: وعليه فهو من المسائل التي ترجح فيها القياس على الاستحسان.
قوله: (والربح الخ) حاصله أن الشركة الفاسدة إما بدون مال أو به من الجانبين أو من أحدهما، فحكم الاولى أن الربح فيها للعامل كما علمت والثانية بقدر المال، ولم يذكر أن لاحدهم أجرا لانه لا أجر للشريك في العمل بالمشترك كما ذكروه في قفيز الطحان والثالثة لرب المال وللآخر أجر مثله.
قوله: (فالشركة فاسدة) لانه في معنى بع منافع دابتي ليكون الاجر بيننا فيكون كله لصاحب الدابة، لان العاقد عقد
العقد على ملك صاحبه بأمره، وللعاقد أجرة مثله لانه لم يرض أن يعمل مجانا.
فتح.
تنبيه: لم يذكروا ما لو كانت الدابة بين اثنين دفعها أحدهما للآخر على أن يؤجرها ويعمل عليها على أن ثلثي الاجر للعامل والثلث للآخر وهي كثيرة الوقوع، ولا شك في فسادها لان المنفعة كالعروض لا تصح فيها الشركة، وحينئذ فالاجر بينهما على قدر ملكهما، وللعامل أجر مثل عمله، ولا يشبه العمل في المشترك حتى نقول لا أجر له، لان العمل فيما يحمل وهو لغيرهما،(4/519)
تأمل، وتمامه في حواشي المنح للخير الرملي، ويأتي قريبا ما يؤيده.
قوله: (وكذلك السفينة والبيت) أي مثل الدابة.
وفي البحر عن القنية: له سفينة فاشترك مع أربعة على أن يعملوا بسفينته وآلاتها والخمس لصاحب السفينة والباقي بينهم بالسوية فهي فاسدة، والحاصل لصاحب السفينة، وعليه أجر مثلهم ا ه.
قوله: (ولو لاحدهما بغل وللآخر بعير) أي وقد اشتركا على أن كلا يؤجر ما لكل واحد والحاصل بينهما فهو باطل أيضا، لان معنى هذا أن كلا قال لصاحبه بع منافع دابتك ودابتي على أن ثمنه بيننا، ثم إن آجراهما بأجر معلوم صفقة واحدة في عمل معلوم قسم الاجر على مثل أجر البغل ومثل أجر الجمل، بخلاف ما لو اشتركا على أن يتقبلا الحمولات المعلومة بأجرة معلومة ولم يؤجرا البغل والجمل كانت صحيحة لانها شركة التقبل والاجر بينهما نصفان، ولا يعتبر زيادة حمل الجمل على حمل البغل، كما لا يعتبر في شركة التقبل زيادة عمل أحدهما كصباغين لاحدهما آلة الصبغ وللآخر بيت يعمل فيه، وإن أجر البغل أو البعير بعينه كان كل الاجر لصاحبه لانه هو العاقد، فلو أعانه الآخر على التحميل والنقل كان له أجر مثله.
فتح.
قوله: (على مثل أجر البغل) الاولى أجر مثل البغل، وقوله: والبعير أي وأجر مثل البعير، فلو البعير يؤجر بضعف ما يؤجر به البغل مثلا فلصاحب البعير ثلثا الاجر ولصاحب البغل ثلثه ط.
وإن آجر كل واحد منهما دابته وشرطا عملهما في الدابة أو علم أحدهما من السوق والحمل وغير ذلك كان الاجر مقسوما بينهما على قدر أجر مثل دابتهما وعلى مقدار أجر عملهما كما قبل الشركة اه.
قال الخير الرملي: وهو مؤيد لما قلنا.
فرع: أعطى بذر الفيل رجلا ليقوم عليه فيعلفه بالاوراق على أن ما حصل فهو بينهما فالفيلق لصاحب البذر لانه حصل من بذره، وللرجل الذي قام عليه قيمة الاوراق وأجر مثله على صاحب البذر، وعلى هذا دفع البقرة بالعلف ليكون الحادث بينهما نصفين، فما حدث فهو لصاحب البقرة وللآخر مثل علفه وأجر مثله التتارخانية.
قوله: (أي شركة العقد) أما شركة الملك فلا تبطل، وقول الدرر وتبطل الشركة مطلقا فالاطلاق فيه بالنظر للمفاوضة والعنان ط.
قلت: والمراد أن شركة الملك لا تبطل: أي لا يبطل الاشتراك فيها، بل يبقى المال مشتركا بين الحي وورثة الميت كما كان، وإلا فلا يخفى أن شركة الميت مع الحي بطلت بموته.
تأمل.
قوله: (بموت أحدهما) لانها تضمن الوكالة: أي شرط لها ابتداء وبقاء، لانه لا يتحقق ابتداؤها إلا بولاية التصرف لكل منهما في مال الآخر، ولا تبقى الولاية إلا ببقاء الوكالة، وبه اندفع ما قيل الوكالة تثبت تبعا، ولا يلزم من بطلان التبع بطلان الاصل.
فتح فلو كانوا ثلاثة فمات أحدهم حتى انفسخت في حقه لا تنفسخ في حق الباقيين.
بحر عن الظهيرية.
قوله: (بأن قضى بلحاقه مرتدا) حتى لو عاد مسلما لم يكن بينهما شركة، وإن لم يقض بلحاقه انقطعت على سبيل التوقف بالاجماع، فإن عاد مسلما قبل الحكم بقيت، وإن مات أو قتل انقطعت ولو لم يلحق وانقطعت(4/520)
المفاوضة على التوقف هل تصير عنانا عنده لا وعندهما نعم.
بحر عن الولوالجية ملخصا.
قوله: (بإنكارها أي ويضمن حصة الآخر لان جحود الامين غصب.
كافي البحر سائحاني.
قوله: (وبقوله لا أعمل معك) هذا في المعنى فسخ فكان الاولى تأخيره عن قوله: ويفسخ أحدهما.
وفي البحر عن البزازية: اشتركا واشتريا أمتعة ثم قال أحدهما لا أعمل معك بالشركة وغاب فباع الحاضر الامتعة فالحاصل للبائع وعليه قيمة المتاع، لان قوله لاأعمل معك فسخ للشركة معه وأحدهما يملك فسخها وإن كان المال عروضا، بخلاف المضاربة هو المختار ا ه.
قوله: (بخلاف المضاربة) والفرق أن مال الشركة في أيديهما معا وولاية التصرف إليهما جميعا فيملك كل نهي صاحبه عن التصرف في ماله نقدا كان أو عروضا، بخلاف مال المضاربة لانه بعدما صار عروضا ثبت حق
المضاربة فيه لاستحقاقه ربحه وهو المنفرد بالتصرف فلا يملك رب المال نهيه ا ه.
فتح.
قوله: (خلافا للزيلعي) حيث قيد فسخ أحدهما الشركة يكون المال دراهم أو دنانير، فأفاد عدمه لو عروضا كما في المضاربة، وهو قول الطحاوي.
وصرح في الخلاصة بأن أحد الشريكين لا يملك فسخ الشركة إلا برضى صاحبه قال في الفتح: وهذا غلط، وقد صحح هو: أي صاحب الخلاصة انفراد الشريك بالفسخ والمال عروض ا ه.
ووفق في البحر بين كلامي الخلاصة.
واعترضه في النهر، وأجبنا عنه فيما علقناه على البحر.
قوله: (ويتوقف الخ) تقييد للمتن.
قوله: (لانه عزل قصدي) لانه نوع حجر، فيشترط علمه دفعا للضرر عنه.
فتح.
قوله: (وبجنونه مطبقا) فالشركة قائمة إلى أن يتم إطباق الجنون فتنفسخ، فإذا عمل بعد ذلك فالربح كله للعامل والوضيعة عليه، وهو كالغصب لمال المجنون فيطيب له ربح ماله لا ما ربح من مال المجنون، فيتصدق به.
بحر عن التتارخانية.
قال ط: وظاهره أنه لا يحكم بالفسخ إلا بإطباق الجنون، وهو مقدر بشهر أو بنصف حول على الخلاف.
قوله: (لكنه يتصدق الخ) والظاهر أنه يقال مثل ذلك فيما إذا تصرف أحدهما بالمال في صور بطلان الشركة المارة، فإن الربح يكون للعامل ويتصدق بما ربح من مال الآخر.
قوله: (ولم يزك أحدهما الخ) لان الاذن بينهما في التجارة والزكاة ليست منها، ولان أداء الزكاة من شرطه النية، وعند عدم الاذن لا نية له فلا تسقط عنه لعدمها.
ط عن الحموي.
قوله: (وأديا معا) أي أدى كل منهما عن نفسه وعن شريكه ح.
وصورته كما قال ابن كمال: بأن أدى كل منهما بغيبة صاحبه واتفق أداؤهما في وقت واحد.
قوله: (وتقاصا) أي إن كانت مفاوضة أو عنانا تساويا فيها ط.
قوله (أو رجع) أي بالزيادة إن كانت عنانا لم يتساو فيها المالان ط.
قوله: (اشترى أحد المتفاوضين) قيل(4/521)
التقييد بالمتفاوضين اتفاق، وفيه نظر لان قوله: وللبائع أخذ كل بثمنها لا يشمل العنان لعدم تضمنها الكفالة.
وأيضا فإن شريك العانان له أن يشتري ما ليس من جنس تجارتهما، ويقع الشراء له ويطالب بالثمن، وكذا يقع الشراء له إذا اشترى من جنس تجارتهما بعدما صار المال عروضا كما مر قبيل قول المصنف: وتبطل بهلاك المالين.
قوله: (بإذن الآخر) قيد به، لانه لو اشتراها للوطئ بلا
إذن كانت شركة.
بحر.
قوله: (للوطئ) متعلق بالشراء، وقوله: الهبة بالنصب مفعول تضمن.
قوله: (وقالا يلزمه نصف الثمن) لانه أدى دينا عليه خاصة من مال مشترك فيرجع عليه صاحبه بنصيبه.
بحر.
والمتون على قول الامام.
قوله: (وللبائع الخ) لانه دين وجب بسبب التجارة بحر.
والمراد بالتجار الشراء فإنه من أنواعها كما مر في قوله: وكل دين لزم أحدهما بتجارة فافهم.
قوله: (وعقرها) يرجع إلى المستحق.
قال ح: فهو نشر مرتب.
قوله: (للكفالة) متعلق بتضمن، واللام فيه للتقوية، وهي الداخلة على معمول المتعدي بنفسه إذا كان محمولا على الفعل أو متأخرا عن معموله، وما هنا من الاول، فافهم.
قوله: (ومن اشترى) بمعنى المفرد، لما في الفتح: لو اشترى اثنان عبدا فأشركا فيه آخر فالقياس أن يكون له نصفه ولكل من المشتريين ربعه، لان كلا صار مملكا نصف نصيبه.
وفي الاستحسان: له ثلثه لانهما حين أشركاه سوياه بأنفسهما فكأنه اشترى العبد معهما ا ه.
قوله: (إن قبل القبض لم يصح) قال في الفتح: اعلم أن ثبوت الشركة فيما ذكرنا كله ينبني على صيرورة المشتري بائعا للذي أشركه وهو استفاد الملك منه، فانبنى على هذا أن من اشترى عبدا فلم يقبضه حتى أشرك فيه رجلا لم يجز، لانه بيع ما لم يقبض، ولو أشركه بعد القبض ولم يسلمه إليه حتى هلك لم يلزمه ثمن، ويعلم أنه لا بد من قبول الذي أشركه، لان لفظ أشركتك صار إيجابا للبيع ا ه.
قلت: ومثله قوله في الذخيرة اشترى شيئا ثم أشرك آخر فيه فهذا بيع النصف بنصف الثمن الذي اشتراه به ا ه.
ومقتضاه أنه يثبت فيه بقية أحكام البيع من ثبوت خيار العيب والرؤية ونحوه، وأنه لا بد من علم المشتري بالثمن في المجلس، وهو خلاف المتبادر من قول المصنف: وإن بعده صح الخ فتأمل.
قوله: ولزمه نصف الثمن) بناء على أن مطلق الشركة يقتضي التسوية، قال الله تعالى * فهم شركاء في الثلث) * (النساء: 21) إلا أن يبين خلافه.
فتح.
قوله: (ثم لقيه آخر) أما لو أشرك اثنين صفقة واحدة، كان العبد بينهم أثلاثا.
فتح وكافي.
قوله: (فإن كان القائل) أي الثاني.
قوله: (فله ربعه) أي ربع جميع العبد، لانه طلب منه الاشراك في نصيبه ونصيبه النصف.
بحر.
قوله: (لكون مطلوبشركته في كامله) لانه حيث لم يعلم بمشاركة الاول يصير طالبا لشراء النصف وقد أجابه إليه.(4/522)
تنبيه: لا يخفى أن هذه الشركة شركة ملك.
وفي التتارخانية عن التتمة: سئل والدي عن أحد شريكي عنان اشترى بما في يده من المال عروضا ثم قال لاجنبي أشركتك في نصيبي مما اشتريت قال يصير شريكا له شركة ملك.
قوله: (اشتريت اليوم الخ) ذكر اليوم غير قيد كما في الهندية وفي كافي الحاكم: وإن اشتركا بلا مال على أن ما اشتريا من الرقيق فهو بينهما جاز، وكذلك لو قالا في هذا الشهر فخصا العمل والوقت، فإن قال أحدهما اشتريت متاعا فهلك مني وطالب شريكه بنصف ثمنه لم يصدق، فإن برهن على الشراء والقبض ثم ادعى الهلاك صدق بيمينه، وإن شرط الربح أثلاثا بطل الشرط والربح بينهما نصفان، ولا يستطيع أحدهما الخروج من الشركة إلا بمحضر من صاحبه ا ه.
ملخصا.
زاد في البحر عن الظهيرية: وليس لواحد منهما أن يبيع حصة الآخر مما اشترى إلا بإذن صاحبه لانهما اشتركا في الشراء لا في البيع ا ه.
فأفاد أن هذه شركة ملك لا عقد، وقدمنا عن الولوالجية: اشتركا على أن ما اشتريا من تجارة فهو بيننا يجوز، ولا يحتاج فيه إلى بيان الصفة والقدر والوقت، لان كلا منهما صار وكيلا عن الآخر في نصف ما يشتريه، وغرضه تكثير الربح، وذلك لا يحصل إلا بعموم هذه الاشياء.
وفي التتارخانية عن المنتقى قال هشام: سمعت أبا يوسف يقول في رجل قال لآخر معي عشرة آلاف فخذها شركة تشتري بيني وبينك قال: هو جائز والربح والوضيعة عليهما ا ه.
قوله: (ولا شئ للآخرين) لانهم لما لم يكونوا شركاء كان على كل منهم ثلث العمل، لان المستحق على كل منهم ثلثه بثلث الاجر، فإذا عمل أحدهم الكل صار متطوعا في الثلثين فلا يستحق الاجر ا ه ح عن البحر.
قال ابن وهبان: هذا في القضاء، أما في الديانة فينبغي أن يوفيه بقية الاجرة، لان الظاهر من حال العامل أنه إنما عمل الجميع على الظن أن يعطيه جميع الاجرة فلا ينبغي أن يخيب ظنه.
قوله: (القول لمنكر الشركة) أي إذا كان المال في يده فادعى عليه آخر أنه شاركه مفاوضة فالقول للجاحد مع يمينه وعلى المدعي البينة، لان يدعي العقد واستحقاق ما في يده وهو منكر.
فتح.
قوله: (وبرهن الورثة الخ) أي إذا مات أحد المفاوضين والمال في يد الحي فبرهن الورثة على المفاوضة لم يقض لهم بشئ مما في يد الحي، لانهما شهدا
بعقد علم ارتفاعه بالموت، ولانه لا حكم فيما شهدا به على المال الذي في يده في الحال، لان المفاوضة فيما مضى لا توجب أن يكون المال الذي في يده في الحال من شركتهما، إلا أن يبرهنوا أنه كان في يده في حياة الميت أو أنه من شركتهما، فإنه حينئذ شهدوا بالنصف للميت وورثته خلفاؤه.
فتح.
قوله: (برهنوا على الارث) يعني والمال في أيديهم كما في الفتح.
قوله: (قضى له بنصفه) أي ترجيحا لبينته على بينتهم لانه خارج يدعي نصف المال على ذي اليد بعقد المفاوضة مع المورث.
قوله: (تصرف أحد الشريكين في البلد الخ) تخصيص أحدهما بكونه تصرف في البلد والآخر في السفر مبني على كونه صورة الواقعة، أو ليفيد أن القول لذي اليد وإن لم يعلم صاحبه بما صنع.(4/523)
مطلب إذا قال الشريك استقرضت ألفا فالقول له إن المال بيده قوله: (فالقول له إن المال في يده) لانه حينئذ أمين، فقد ادعى أن الالف حق الغير، بخلاف ما إذا لم يكن في يده لانه يدعي دينا عليه، فلو قال لي في هذا المال الذي في يدي كذا يقبل أيضا كما يقبل أنه للغير.
تأمل.
وهي واقعة الفتوى، وبه أفتيت.
رملي على المنح.
وأفتى أيضا في الخيرية فيما إذا قال الذي في يده المال كنت استدنت من فلان كذا للشركة ودفعت له دينه بأن القول قوله بيمينه، واستدل له بما في المنح عن جواهر الفتاوى، وهو ما ذكره الشارح هنا، ويؤيده ما في الحامدية عن محيط السرخسي في فصل ما يجوز لاحد شريكي العنان: لو استقرض أحدهما مالا لزمهما لان الاستقراض تجارة ومبادلة معنى، لانه يملك المستقرض ويلزمه رد مثله فشابه المصارفة أو الاستعارة، وأيهما كان نفذ على صاحبه ا ه.
ومثله في الولوالجية، وكذا في الخانية من فصل شركة العنان.
لكن في الخانية أيضا قال أحد شريكي العنان إني استقرضت من فلان ألف درهم للتجارة لزمه خاصة دون صاحبه، لان قوله لا يكون حجة لالزام الدين عليه، وإن أمر أحدهما صاحبه بالاستدانة لا يصح الامر ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا على صاحبه، لان التوكيل بالاستدانة توكيل بالاستقراض وهو باطل، لانه توكيل بالتكدي إلا أن يقول الوكيل
للمقرض إن فلانا يستقرض منك ألف درهم فحينئذ يكون المال على الموكل لا على الوكيل ا ه.
أي لانه يكون حينئذ رسولا والمستقرض هو المرسل، وكذا لو قال في الولوالجية: وإن أذن كل منهما لصاحبه بالاستدانة عليه لزم خاصة، فكان للمقر ض أن يأخذه منه وليس له أن يرجع على شريكه، وهو الصحيح لان التوكيل بالاستقراض باطل فصار الاذن وعدمه سواء ا ه.
قلت: ويظهر من هذا أن في المسألة قولين: أحدهما ما مر عن المحيط من أن لكل من شريكي العنان الاستقراض لانه تجارة: أي مبادلة معنى.
والثاني عدم الجواز ولو بصريح الاذن، وهو الصحيح لموافقته لقولهم: إن التوكيل بالاستقراض باطل لانه توكيل بالتكدي.
وبيانه أن الاستقراض تبرع ابتداء فكان في معنى التكدي: أي الشحاذة.
ويتفرع على ذلك أنه لو استقرض بالاذن وهلك القرض يهلك عليهما على القول الاول.
وعلى الثاني يهلك على المستقرض، لكن لا يخفى أن هذا لا ينافي ما مر عن الجواهر.
لان ما استقرضه أحدهما يملكه المستقرض لعدم صحة الاذن فينفذ عليه، فإذا أخذ المال ووضعه في مال الشركة وكان المال في يده يصدق فله أخذ نظيره، لما قدمه المصنف أن الشريك أمين في المال فيقبل قوله: بيمينه.
وأما قوله: وليس له أن يرجع على شريكه فذاك فيما إذا هلك القرض، فلا ينافي قبول قوله إن بعض هذا المال قرض وأراد أخذ نظيره، إذ لا رجوع في ذلك على الشريك، وكذا لا ينافي ما قدمناه عند قوله: لا يصح إقراره بدين من أنه يلزم المقر جميع الدين إن كان هو الذي وليه الخ لما قلنا، نعم يشكل عليه ما مر هناك في الشرح من أنه لو أقر بجارية في يده م الشركة أنها لرجل لم يجز في حصة شريكه، إلا أن يجاب بأن المراد ما إذا علم ببينة أو إقرار أنها من المال المشترك بينهما إذ لا يصدق على شريكه بل إقراره يقتصر عليه، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فاغتنم تحريره والسلام.
قوله: (ودفعوه) أي الثمن المفهوم من البيع التزاما والمصنف صرح به ا ه ح.
قوله: (فدسه في التراب) أي تراب الكرم(4/524)
الحصين بباب وغلق، ولو في الارض المملوكة لم يضمن إن جعل علامة، وإلا ضمن كالوضع في المفازة مطلقا جامع الفصولين.
والفرق بين الكرم والارض أن الكرم مطلوب لاجل الثمار فلا بد من
كونه حرزا، وأما الارض فليست مقصودة.
سائحاني، فافهم.
قوله: (أقرضه نصفه) يحتمل أن يكون الاقراض بعد إفرازه أو قبله، فإن قرض المشاع جائز بالاجماع كما في جامع الفصولين.
مطلب: دفع ألفا على أن نصفه قرض ونصفه مضاربة أو شركة وفي مضاربة التتارخانية: ولو قال خذ هذه الالف على أن نصفها قرض على أن تعمل بالنصف الآخر على أن يكون الربح لي جاز ولايكره، فإن تصرف بالالف وربح كان بينهما على السواء والوضيعة عليهما، لان نص ف الالف صار ملكا للمضارب بالقرض والنصف الآخر بضاعة في يده، وإن على أن نصفهقرض ونصفها مضاربة بالنصف جاز ولم يذكر الكراهة هنا ا ه.
قلت: ويظهر عدم الكراهة في الثاني بالاولى، والظاهر أن الشركة كالمفاوضة لو دفع ألفا نصفها قر ض على أن يعمل بالالف بالشركة بينهما والربح بقدر المالين مثلا، وأنه لا كراهة في ذلك لانه ليس قرضا جر نفعا.
قوله: (فطلب رب المال حصته) أي مما كان من الشركة منح، والمراد أنه طلب مال القرضة، فإن صبر إلى أن يصير مال الشركة ناضا: أي دراهم ودنانير يأخذ ما أقرضه من جنسه، وإن لم يصبر لنضه أخذ متاعا بقيمة الوقت، والظاهر أنه مقيد برضا شريكه، وإلا فله دفع قرضه من غير المتاع إن كان له غيره أو يأمره القاضي ببيعه، وإنما قلنا: إن المراد مال القرض، لانه لو كان المراد قسمة حصته من مال الشركة فإنه يقوم بقيمته يوم اشترياه ويكون الربح بينهما على قدره، كما نقله في البحر عن الينابيع.
قوله: (بينهما متاع الخ) لو كان بينهما بعير حمل عليه أحدهما بأمر شريكه فسقط في الطرق فنحره: إن كان ترجي حياته ضمن، وإلا فلا، ولو نحره أجنبي يضمن مطلقا وهو الاصح، وكذا الشاة لو ذبحها الراعي على هذا التفصيل، ولو ذبحها غيره يضمن.
ط ملخصا عن الهندية.
قوله: (دابة مشتركة) أي بين حاضر وغائب ط.
قوله: (قال البيطارون) جمع بيطار: معالج الدواب.
قاموس ط.
قوله: (لم يضمن) أي إذا هلكت لانه اعتمد على خبر أهل المعرفة، ومفهومه أنه لو فعله من تلقاء نفسه ضمن ط.
قوله: (سكن أحدهما الخ) تقدمت مسائل الانتفاع بالمشترك في غيبة شريكه أول الباب عند قوله: إلا في الخلط والاختلاط وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (طاحون مشتركة) المراد بها كل ما لا يقسم ط.
قوله: (عمرها) بصيغة
الامر: أي قال للآخر عمرها معي، فافهم.
قوله: (لم يرجع) لان شريكه يجبر على أن يفعل معه كما(4/525)
يعلم من الضابط الآتي: قوله: (فليس بمتطوع) مخالف لما قبله وللضابط.
قوله: (فهو متطوع) لانه يجبر على الانفاق وعلى أداء الخراج ط.
مطلب مهم فيما إذا امتنع الشريك من العمارة والانفاق في المشترك قال في جامع الفصولين: جاز الجبر على الانفاق في قن وزرع ودابة مشتركة، ولم يجبر ذو السفل على البناء لانه في الاول يصير الممتنع عن النفقة متلفا حقا قائما لشريكه فيجبر، بخلاف الثاني لان حق ذي العلو فائت، إذ حقه قرار العلو على السفل ولم يبقيا، لكن يأتي في الحائط المشترك: لو انهدم وعرصته عريضة، قيل: لا يجبر، وقيل: يجبر، وهو الاشبه لتضرر الشريك، فعل هذا القول ينبغي أن يجبر ذو السفل على البناء ا ه.
ملخصا.
وذكر قبيله في قن أوزرع بينهما فغاب أحدهما وأنفق الآخر يكون متبرعا، بخلاف ذي العلو مع أن كلا لا يصل إلى إحياء حقه إلا بالانفاق.
والفرق أن الاول غير مضطر، لانص شريكه لو حاضرا يجبره القاضي على الانفاق، ولو غائبا يأمر القاضي الحاضر به ليرجع على الآخر، فلما زال الاضطرار كان متبرعا أما ذو العلو فمضطر في بناء السفل، إذ القاضي لا يجبره لو حاضرا فلا يأمر غيره لو غائبا، والمضطر ليس بمتبرع ا ه ملخصا.
وحاصله: أن في الجبر على الانفاق على القن والزرع قولين، وأنه ينبغي أن يكون ذو السفل كذلك.
قوله: (والضابط الخ) نقل هذا الضابط في متفرقات قضاء البحر عن الامام الحلواني.
قلت: ولا بد من تقييده بما إذا كان مريد الانفاق مضطرا إلى إنفاق شريكه معه فيقال: إذا كان أحدهما مضطرا إلى الانفاق معه وأنفق بلا إذن الآخر فإن كان الآخر الممتنع يجبر على الفعل معه فهو متطوع لتمكنه من رفعه إلى القاضي ليجبره وإلا لا: أي وإن لم يجبر الممتنع لا يكون متطوعا.
فالاول كما في الثلاث التي ذكرها الشارح وكما في قن وزرع ودابة على أحد القولين، والثاني كما في سفل انهدم، فإن صاحبه لا يجبر على البناء على ما مر، فذو العلو مضطر إلى البناء وصاحبه لا
يجبر، فإذا أنفق ذو العلو لا يكون متبرعا، ومثله الحائط المنهدم إذا كان عليه حمولة الآخر على ما يأتي بيانه، بخلاف ما إذا كان مريد الانفاق غير مضطر وكان صاحبه لا يجبر كدار يمكن قسمتها وامتنع الشريك من العمارة فإنه لا يجبر فلو أنفق عليها الآخر بلا إذنه فهو متبرع لانه غير مضطر، إذ يمكنه أن يقسم حصتويعمرها كما صرح به في الخانية، ويعلم مما يأتي من التقييد بما لا يقسم أيضا، وبه علم أنه لا بد من التقييد بالاضطرار كما قلنا، وإلا لزم أن لا يكون متبرعا حيث أمكنته القسمة.
وعلى هذا يحمل ما في جامع الفصولين حيث قال: والتحقيق أن الاضطرار يثبت فيما لا يجبر صاحبه لا فيما يجبر، ففي الاول يرجع لا في الثاني لو فعله بلا إذن، وهذا يخلصك عن الاضطراب الواقع في هذا الباب ا ه ملخصا، فافهم هذا.
وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي: حمام بين رجلين أو دولاب ونحوه مما تفوت بقسمته المنفعة المقصودة احتاج إلى المرمة وامتنع أحدهما منها.
قال بعضهم: يؤجرها القاضي ليرمها بالاجرة أو(4/526)
يأذن لاحدهما بالاجارة ويأخذ المرمة منها.
وقال بعضهم: أن القاضي يأذن لغير الآبي بالانفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته، والفتوى على هذا القول اه.
ومثله في الخيرية عن الخانية.
قلت: وهذا زيادة بيان لما سكت عنه الضابط المذكور، وهو أنه إذا اضطر ورفع الامر إلى القاضي ليجبره ثم امتنع تعنتا أو عجزا يأذن القاضي للمضطر ليرجع، بقي أنه لم يذكر بماذا يرجع.
وفي جامع الفصولين: حائط بينهما وهي وخيف سقوطه فأراد أحدهما نقضه وأبى الآخر يجبر على نقضه.
ولو هدما حائطا بينهما فأبى أحدهما عن بنائه يجبر، ولو انهدم لا يجبر، ولكنه يبني الآخر فيمنعه حتى يأخذ نصف ما أنفق بأمر القاضي ونصف قيمة البناء لو أنفق بلا أمر القاضي ا ه.
ونقل هذا الحكم فشرح الوهبانية عن الذخيرة في مسألة انهدام السفل وقال: إنه الصحيح المختا للفتوى، فعلم أن هذا فيما لا يجبر عليه كالحائط والسفل، أما ما يجبر عليه مثل ما لا يقسم ولا بد فيه عند الامتناع من إذن القاضي كما علمت، خلافا لما سيأتي عن الاشباه.
وبه يظهر لك ما في
قسمة الخيرية، حيث سئل في عقار لا يقبل القسمة كالطاحون والحمام، إذا احتاج إلى مرمة وأنفق أحد الشريكين من ماله، أجاب: لا يكون متبرعا ويرجع بقيمة البناء بقدر حصته كما حققه في جامع الفصولين، وجعل الفتوى عليه في الولوالجية، قال في جامع الفصولين معزيا إلى فتاوى الفضلي: طاحونة لهما أنفق أحدهما في مرمتها بلا إذن الآخر لم يكن متبرعا، إذ لا يتوصل إلى الانتفاع بنصيبه إلا به ا ه.
فراجع كتب المذهب، فإن في هذه المسألة وقع تحير واضطراب في كلام الاصحاب ا ه ملخصا.
قلت: ما نقله في جامع الفصولين عن الفضلي قال عقبه أقول: ينبغي أن يكون على تفصيل قدمته ا ه.
قلت: أراد بالتفصيل ما مر من إناطة الرجوع وعدمه على الجبر وعدمه.
وحاصله أنه لم يرض بما في فتاوى الفضلي، لان الشريك في الطاحون يجبر لكونها مما لا يقسم فلا يرجع المعمر بلا إذنه وبلا أمر القاضي.
ويمكن تأويل كلام الفضلي بحمله على ما إذا أنفق بأمر القاضي أو هو قول آخر كما يأتي.
وأما ما في الولوالجية فقد ذكره في مسألة السفل، وهو ما قدمناه آنفا عن شرح الوهبانية عن الذخيرة بعينه، وهذه المسألة لا يجبر فيها الشريك فيرجع عليه المعمر وإن عملا بلا إذنه كما علمت ولا تقاس عليها مسألة الطاحون.
مطلب في الحائط إذا خرب وطلب أحد الشريكين قسمته أو تعميره والذي تحصل في هذا المحل أن الشريك إذا لم يضطر إلى العمارة مع شريكه بأن أمكنه القسمة فأنفق بلا إذنه فهو متبرع، وإن اضطر وكان الشريك يجبر على العمل معه فلا بد من إذنه أو(4/527)
أمر القاضي فيرجع بما أنفق، وإلا فهو فمتبرع إن اضطر وكان شريكه لا يجبر، فإنه أنفق بإذنه أو بأمر القاضي رجع بما أنفق أو لا فبالقيمة، فاغتنم تحرير هذا المقام الذي هو مزلة أقدام الافهام.
قوله: (وصي وناظر) قال في وصايا الخانية: جدار بين دار صغيرين عليه حمولة يخاف عليه السقوط ولكل صغير وصي فطلب أحد الوصيين مرمة الجدار وأبى الآخر، وقال الشيخ الامام أبو بكر محمد بن
الفضل: يبعث القاضي أمينا ينظر فيه إن علم أن في تركه ضررا عليهما أجبر الآبي أن يبني مع صاحبه وليس هذا كإباء أحد المالكين، لان ثمة الآبي رضي بدخول الضرر عليه فلا يجبر، أما هنا الوصي أراد إدخال الضرر على الصغير فيجبر أن يرم مع صاحبه ا ه.
قلت: ويجب أن يكون الوقف كمال اليتيم، فإذا كانت الدار مشتركة بين وقفين واحتاجت إلى المرمة فأرادها أحد الناظرين وأبى الآخر يجبر على التعمير من مال الوقف، وقد صارت حادثة الفتوى، كذا في متفرقات قضاء البحر ح.
قلت: بقي لو كانت الشركة بين بالغ ويتيم، وينبغي أنه لو كان الضرر على البالغ لا يجبر وصي اليتيم بخلاف العكس، وكذا لو بين يتيمين والضرر على أحدهما، بأن كانت حمولة الجدار له فينبغي أن يجبر وصي المتضرر لو امتنع، وكذا يقال في الواقف مع الملك.
تأمل.
قوله: (وضرورة تعذر قسمة) الاضافة للبيان ط.
قوله: (ككرى نهر) أي تعديله.
قوله: (فإن كان الحائط يحتمل القسمة) أي يحتمل أساسه القسمة، بأن كان عريضا.
وفي المسألة تفصيل، لانه إما أن يكون عليه حمولة أو لا، ففي الثاني إن طلب أحدهما القسمة وأبى الآخر فقيل: لا يجبر مطلقا، وقيل: يجبر لو عرصته عريضة، وبه يفتى.
وإن طلب أحدهما البناء لا القسمة: فلو عريضة لا يجبر الآبي، ولو غير عريضة: قبل: لا يجبر أيضا، وقيل: يجبر وهو الاشبه، وإن بنى أحدهما قيل: لا يرجع لو عريضة لانه غير مضطر فيه وفي الاول، وهو هو ما إذا كان عليه حمولة، فإما أن تكون الحمولة لهما أو لاحدهما، فإن كانت لهما فإن طلب أحدهما قسمة عرصة الحائط لا يجبر الآخر ولو عريضة، إذ لكل منهما حق في كامل العرصة وهو وضع الجذوع على جميع الحائط.
وإن طلب أحدهما البناء: قيل: لا يجبر الآبي لو عريضة، وقيل: مطلقا، وقيل: يجبر مطلقا، وبه يفتى، إذ في عدم الجبر تعطيل حق شريكه، وهو وضع الجذوع على جميع الحائط، ولو بنى بلا إذن، قيل: لو عريضة لا يرجع وقيل: يرجع، وهو الصحيح لانه مضطر، كما لو كانت غير عريضة، لكن مر أن الفتوى على أن شريكه يجبر على البناء ولا اضطرار فيما يجبر عليه كما مر تحقيقه، فينبغي أن يفتى بأنه متبرع، وإن كانت الحمولة لاحدهما وطلب صاحبها القسمة يجبر الآبي لو عريضة، وهو الصحيح وبه يفتى، ولو أراد ذو
الحمولة البناء وأبى الآخر فالصحيح أنه يجبر، ولو بنى فالصحيح أنه يرجع لما مر أنه مضطر، ولو(4/528)
بناه الآخر والعرصة عريضة فهو متبرع، ثم في كل موضع لم يكن الباني متبرعا كان له منع صاحبه من الانتفاع إلى أن يرد عليه ما أنفق أو قيمة البناء على ما مر، فلو قال صاحبه: أنا لا أتمتع بالمبنى، قيل: لا يرجع الباني، وقيل: يرجع اه.
جامع الفصولين ملخصا.
قوله: (وإلا أجبر) أي وإن لم يحتمل القسمة أجبر الآبي على البناء وهو الاشبه كما مر.
قوله: (كحمام الخ) أي إذا احتاج إلى مرمة أو قدر أو نحوه، بخلاف ما إذا خرب وصار صحراء، لانه يمكن قسمته كما في جامع الفصولين.
قوله: (بلا إذن شريكه) أي في الارض بأن كانت مشتركة بينهما نصفين.
قوله: (لم يجز) لانه بيع معنى فلا يصح في معدوم.
قوله: (وإن أراد) عن غير الزارع.
قوله: (يقاسمه) أي يقاسمه الارض المشتركة بينهما.
قوله: (فيقلعه) أي يقلع الزرع من نصيبه من الارض.
ونظير هذا ما قالوا فيما لو بنى في دار مشتركة وطلب الآخر رفع البناء فإنه يقاسمه الدار ويأمره بهدم ما خرج من البناء في حصته.
قوله: (ويضمن الزارع نقصان الارض بالقلع) أي نقصان نصف الارض لو انتقصت لانه غاصب في نصيب شريكه.
شرح الملتقى.
قوله: (والصواب نقصان الزرع) هذا من عند الشارح، لانه عبارة المجتبى انتهت عند قوله: نقصان الارض بالقلع كما وجدته في نسخة معتمدة من نسخ المجتبى، ولا وجه لتصويب الشارح، فإن نقصان الزرع بإرادة مالكه على الخصوص.
أما نقصان الارض بالقلع فمضر للشريك لكونها ملكهما، فإن القسمة وقعت على الزرع فقط لا على الارض أيضا، وهذا ما ظهر لي، فتأمل ا ه ح.
قلت: في عبارته قلب، والصواب أن يقول: فإن القسمة وقعت على الارض فقط لا على الزرع أيضا.
على أن ما فهمه من كلام الشارح غير متعين، ويبعد من هذا الشارح الفاضل أن يفهم هذا الفهم العاطل، بل مراده أن الصواب أن يقول: ويضمن الزارع نقصان الارض بالزرع، لكنه اختصر العبارة فقال: نقصان الزرع من إضافة المصدر إلى فاعله: أي ما نقصها الزرع.
ووجه التصويب أن الارض ينقصها الزرع لا القلع لانها تحرث لاجل الزرع، فإذا زرعت ونبت الزرع تحتاج
إلى حرث آخر، بل بعض أنواع الزرع يعطل الارض بحيث لا يمكن زراعتها حتى تترك عامين أو أكثر.
أما نفس القلع فليس ضرر الارض منه، فافهم.
قوله: (وإلا بنى ثم أجره ليرجع) أي آجره بإذن القاضي ليأخذ ما أنفقه من الاجرة، وهذا أحد قولين، والثاني أن القاضي يأذن له بالانفاق ثم يمنع صاحبه من الانتفاع به حتى يؤدي حصته، وقدمنا عن شرح الوهبانية للشرنبلالي أن الفتوى على هذا القول، وعبارة الاشباه كما ذكره الشارح في آخر القسمة: وإلا بنى ثم آجره ليرجع بما أنفق لو بأمر قاض وإلا فبقيمته البناء وقت البناء ا ه.
وقدمنا أن هذا التفصيل فيما لا يجبر فيه الشريك.
قوله: (باع شريك الخ) أي شركة الملك، وهذه المسألة تقدمت متنا أول الباب عند قوله: وكل أجنبي في(4/529)
مال صاحبه الخ قوله: (وهلكا) أي الفرس والالف فيه للاطلاق، والمراد أنه هلك بيد المشتري.
قوله: (وكان ذا) أي البيع المقرون بالتسليم، إذ البيع وحده لا يوجب الضمان لعدم تحقق الغصب به كما ذكروه في كتاب الغصب، وفي البزازية قال: بعت الوديعة وقبضت ثمنها لا يضمن ما لم يقل دفعتها إلى المشتري.
قوله: (فإن يشاؤوا الخ) أي الشركاء، وفي الحامدية عن فتاوى قارئ الهداية والمنح: لهما دابة فباع أحدهما نصيبه وسلمها إلى المشتري بغير إذن شريكه فهلكت عند المشتري فالشريك يخير بين أن يضمن شريكه أو المشتري، فإن ضمن الشريك جاز بيعه فنصف الثمن له، وإن ضمن المشتري رجع بنصف الثمن على بائع والبائع لا يرجع بما ضمن على أحد كما هو حكم الغاصب ا ه.
وبه علم أن مبنى الضمان هو التسليم إلى المشتري بدون إذن الشركاء لا مجرد البيع كما قلنا، فافهم.
ووجه الخيار هو أن البائع كالغاصب والمشتري كغاصب الغاصب.
قوله: (وإن يكن كل شريك آجر الخ) هذه المسألة سئل عنها الامام الفضلي وأجاب فيها بعدم الرجوع.
ثم قال: يحتمل أن يقال المستأجر يقوم مقام مؤجره فيما أنفق فيرجع على مؤجره، وهو: أي مؤجره على شريكه.
ويحتمل أن يقال: المستأجر إنما رجع على مؤجره بالامر، وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره، فالمستأجر متبرع في نصيب شريكه فلا يرجع على أحد ا ه.
وناقشه في جامع الفصولين بقوله: أقول: لو رم المؤجر بنفسه، فلو كان له الرجوع على شريكه ينبغي أن يرجع المستأجر على
مؤجره وهو على شريكه لصحة الامر إذا أمر فيما له فعله فكأنه رم بنفسه، فلا معنى لقوله: وأمره إنما يجوز على نفسه لا على غيره، ولو لم يكن له الرجوع إذا رم بنفسه لم يجز أمره على حق شريكه فلا رجوع، فلا يفيد قوله: يقوم مقام مؤجره.
فالحاصل أن أحد الاحتمالين باطل، إلا أن يكون قولان في رجوع المؤجر لو رم بنفسه.
والظاهر أن فيه قولين على ما يظهر مما تقدم، ولو رمه المؤجر بنفسه يتأتى فيه يكون رجوعه على التفصيل ا ه.
قلت: وهو كلام وجيه، لكن تقدم عن فتاوى الفضلي أنه لو أنفق في مرمة الطاحون لمك يكن متبرعا: أي بناء على أن الآبي لا يجبر، وهو مخالف للضابط المتقدم كما قدمنا تحريره، فالظاهر أن كلام الفضلي هنا مبني على ما ذكره في فتاواه فيرجع لو رم بنفسه أو رم مأمورة وهو المستأجر، لانه أمر بما يملك فعله فيرجع المستأجر عليه وهو يرجع على شريكه، أما عدم رجوع المستأجر على شريك المؤجر فظاهر لانه أجنبي عنه.
وقد كتب الشرح هنا على الهامش عند قوله: فلا رجوع صاح للمستأجر الخ ما نصه: قلت: ظاهره أنه يرجع على الآذان.
بقي بم يرجع بكله أو بحصته فليراجع ا ه.
قلت: صريح عبارة الفضلي المارة أنه يرجع على الآذان وهو المؤجر، وأنه يرجع بالكل على الاحتمال الاول وبحصة المؤجر فقط على الاحتمال الثاني لانه جعله متبرعا في نصيب الشريك،(4/530)
وإذا قلنا بأنه يثبت للشريك الرجوع فالظاهر أن مأموره يرجع عليه بالكل، أما على مقتضى الضابط المار فلا رجوع للشريك ويرجع المأمور عليه بحصتفقط، والله تعالى أعلم.
قوله: (لو واحد من الشريكين سكن الخ) قدمنا الكلاعلى هذه المسألة أول الباب قبيل شركة العقد.
قوله: (بأجرة السكنى) أي ولمعدا للاستغلال لانه سكن بتأويل ملك فلا أجر عليه، نعم لو كان وقفا أو مال يتيم يلزمه أجر شريكه على ما اختاره المتأخرون، وهو المعتمد كما سيأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى.
قوله: (لكنه الخ) هذا في غير الوقف، لان الوقف لا تجري فيه القسمة ولا المهايأة، كما يأتي والله سبحانه وتعالى أعلم.
قلت: وهو كلام وجيه، لكن تقدم عن فتاوى الفضلي أنه لو أنفق في مرمة الطاحون لمك يكن متبرعا: أي بناء على أن الآبي لا يجبر، وهو مخالف للضابط المتقدم كما قدمنا تحريره، فالظاهر أن كلام الفضلي هنا مبني على ما ذكره في فتاواه فيرجع لو رم بنفسه أو رم مأمورة وهو المستأجر، لانه أمر بما يملك فعله فيرجع المستأجر عليه وهو يرجع على شريكه، أما عدم رجوع المستأجر على شريك المؤجر فظاهر لانه أجنبي عنه.
وقد كتب الشرح هنا على الهامش عند قوله: فلا رجوع صاح للمستأجر الخ ما نصه: قلت: ظاهره أنه يرجع على الآذان.
بقي بم يرجع بكله أو بحصته فليراجع ا ه.
قلت: صريح عبارة الفضلي المارة أنه يرجع على الآذان وهو المؤجر، وأنه يرجع بالكل على الاحتمال الاول وبحصة المؤجر فقط على الاحتمال الثاني لانه جعله متبرعا في نصيب الشريك،(4/531)
وإذا قلنا بأنه يثبت للشريك الرجوع فالظاهر أن مأموره يرجع عليه بالكل، أما على مقتضى الضابط المار فلا رجوع للشريك ويرجع المأمور عليه بحصتفقط، والله تعالى أعلم.
قوله: (لو واحد من الشريكين سكن الخ) قدمنا الكلاعلى هذه المسألة أول الباب قبيل شركة العقد.
قوله: (بأجرة السكنى) أي ولمعدا للاستغلال لانه سكن بتأويل ملك فلا أجر عليه، نعم لو كان وقفا أو مال يتيم يلزمه أجر شريكه على ما اختاره المتأخرون، وهو المعتمد كما سيأتي في كتاب الغصب إن شاء الله تعالى.
قوله: (لكنه الخ) هذا في غير الوقف، لان الوقف لا تجري فيه القسمة ولا المهايأة، كما يأتي والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/531)
كتاب الوقف هو مصدر وقفت أقف: حبست، ومنه الموقف لحبس الناس فيه للحسا ب، وأوقفت لغة رديئة حتى ادعى المازني أنها لم تعرف من كلام العرب، قال الجوهري: وليس في الكلام أوقفت إلا حرفا واحدا، أوقفت على الامر الذي كنت عليه، ثم اشتهر في الموقوف(4/532)
حاشية رد المحتار - ابن عابدين ج 5
حاشية رد المحتار
ابن عابدين ج 5(5/)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بإبن عابدين ويليه تكملة إبن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الخامس دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(5/1)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(5/2)
كتاب البيوع قوله: (لما فرغ الخ) بيان للمناسبة بين جملة ما تقدم وجملة ما يأتي مع بيان المناسبة بين خصوص الوقف والبيع، والمراد بالعبادات: ما كان المقصود منها في الاصل تقرب العبد إلى الملك المعبود، ونيل الثواب والجود، كالاركان الاربعة ونحوها، وبالمعاملات: ما كان المقصود منها الاصل قضاء مصالح العباد كالبيع والكفالة والحوالة ونحوها، وكون البيع أو الشراء قد يكون واجبا لعارض لا يخرجه عن كونه من المعاملات، كما لا تخرج الصلاة مع الرياء عن كون أصل الصلاة عبادة.
ثم إن ما تقدم غير مختص بالعبادات بل هو حقوقه تعالى، وهي ثلاثة: عبادات، وعقوبات، وكفارات، فالمعاملات في مقابلة حقوقه تعالى.
وأورد في الفتح أنه لا يخفى شروعه في المعاملات من زمان فإن ما تقدم من اللقطة واللقيط والمفقود من المعاملات.
قال في النهر: وكان النكاح أولى بالذكر من اللقيط ونحوه ا ه.
قلت: وفيه نظر ظاهر، فإن النكاح وإن كان في المعاملات لكنه من العبادات أيضا، بل المقصود الاصلي منه العبادة، وهي تحصين النفس عن المحرما ت وتكثير المسلمين، بل قالوا: إن التخلي له أفضل من التخلي للنوافل.
وقد يقال الاولى إيراد الشركة، لان كلا من اللقطة واللقيط: أي التقاطهما مندوب إليه من حيث هو، وقد يجب فلذا ذكر في حقوقه تعالى، وكذا رد الآبق وأما المفقود فإنه ذكر فيها لمناسبة اقتضته، وكذا اللقطة ونحوها والشركة، كما ذكروا في المعاملات بعض العبادات كالاضحية لمناسبتها للذبائح، والقرض لمناسبته للبيع.
تأمل.
قوله: (لكن لا إلى مالك) أي الازالة في الوقف لا تنتهي إلى مالك فهو في حكم ملك الله تعالى وهذا قولهما، وقال الامام: هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة ط.
قوله: (فكانا كبسيط ومركب) أي والبسيط مقدم على المركب في الوجود فقدم عليه في الذكر.
قال ط: وإنما لم يكن البيع مركبا حقيقة، لان الازالة أمر اعتباري لا يتحقق منه تركيب.
قوله: (وجمع الخ) لما كان البيع في الاصل مصدرا والمصدر لا يجمع لانه(5/3)
اسم للحدث كالقيام والقعود وقد جمعه تبعا للهداية أجابوا عنه بأنه قد يراد به المفعول، فجمع باعتباره كما يجمع المبيع: أي فإن أنواع المبيعات كثيرة مختلفة، أو أنه بقي على أصله مرادا به المعنى لكنه جمع باعتبار أنواعه، فإن البيع الذي هو الحدث إن اعتبر من حيث هو فهو أربعة: نافذ إن أفاد الحكم للحال، وموقوف إن إفاده عند الاجازة، وفاسد إن أفاده عند القبض، وباطل إن لم يفده أصلا.
وإن اعتبر من حيث تعلقه بالمبيع فهو أربعة أيضا، لانه إما أن يقع على عين بعين، أو ثمن بثمن: أي يكون المبيع فيه من الاثمان: أي النقود، أو ثمن بعين، أو عين بثمن.
ويسمى الاول مقايضة، والثاني صرفا، والثالث سلما، وليس للرابع اسم خاص، فهو بيع مطلق، وإن اعتبر من حيث تعلقه بالثمن أو بمقداره فهو أربعة أيضا، لانه إن كان بمثل الثمن الاول مع زيادة فمرابحة، أو بدون زيادة فتولية، أو أنقص من الثمن فوضيعة، أو بدون زيادة ولا نقص فمساومة.
وزاد في البحر خامسا وهو الاشراك: أي أن يشرك غيره فيما اشتراه: أي بأن يبيعه نصفه مثلا، وتركه الشارح لانه غير خارج عن الاربعة، وقد يعتبر من حيث تعلقه بوصف الثمن ككونه حالا أو مؤجلا، وبما قررناه ظهر لك أن قوله باعتبار كل من البيع والمبيع ليس المراد اعتبار المبيع وحده: أي بدون تعلق بيع به، حتى يرد أنه إذا أريد كل منهما بانفراده يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن جمع البيع باقيا على مصدريته نظرا إلى أنواعه حقيقة، بخلاف جمعه منقولا إلى اسم المفعول فإنه مجاز، ووجه عدم الورود أن المراد جمعه باعتبار حقيقته، لكن نظرا إلى ذاته منفردا أو متعلقا بغيره لا منقولا إلى اسم المفعول، فافهم، قوله: (أنواعا أربعة) خبر الكون، وقوله: (نافذ الخ) بيان للانواع الاربعة في كل واحد من الثلاثة على طريق اللف والنشر المرتب، وقد علمت بيانها.
ثم إن تقسيم الاول إلى ما ذكر هو ما مشى عليه في الحاوي، وظاهره أن الموقوف من قسم الصحيح وهو أحد طريقين للمشايخ، وهو الحق.
ومنهم من جعله قسيما للصحيح وعليه مشى الزيلعي، فإنه قسمه إلى صحيح وباطل وفاسد وموقوف، وتمام تحقيقه في أول البيع الفاسد من البحر ويأتي قريبا استثناء بيع المكره.
وقوله: (هو لغة مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المبادلة، ولو عبر بها بدل المقابلة لكان أولى كما
فعل المصنف فيما بعده، وظاهره شمول الاجارة، لان المنفعة شئ باعتبار الشرع أنها موجودة حتى صح الاعتياض عنها بالمال، وكذا باعتبار اللغة، تأمل.
مطلب في تعريف المال والملك والمتقوم قوله: (مالا أولا) الخ، المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم، والتقوم يثبت بها بإباحة الانتفاع به شرعا، فما يباح بلا تمول لا يكون مالا كحبة حنطة وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقوما كالخمر، وإذا عدم الامران لم يثبت واحد منهما كالدم.
بحر ملخصا عن الكشف الكبير.
وحاصله أن المال اعم من المتمول، لان المال ما يمكن ادخاره ولو غير مباح كالخمر،(5/4)
والمتقوم ما يمكن ادخاره مع الاباحة، فالخمر مال لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنا، وإنما لم ينعقد أصلا بجعلها مبيعا لان الثمن غير مقصود بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالاعيان لا بالاثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن، فبهذا الاعتبار صار الثمن من جملة الشروط بمنزلة آلات الصناع، وتمام تحقيقه في فصل النهي من التلويح، ومن هذا قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الاصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن ا ه.
وفي التلويح أيضا من بحث القضاء: والتحقيق أن المنفعة ملك لا مال، لان الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص، والمال ما من شأنه أن يدخر للانتفاع وقت الحاجة، والتقويم يستلزم المالية عند الامام والملك عند الشافعي، وفي البحر عن الحاوي القدسي، المال اسم لغير الآدمي، خلق لمصالح الآدمي وامكن احرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد وإن كان فيه معنى المالية لكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه ا ه.
قلت: وفيه نظر، لان المال المنتفع به في التصرف على الوجه الاختيار والقتل والاهلاك ليس بانتفاع، ولان الانتفاع بالمال يعتبر في كل شئ بما يصلح له، ولا يجوز إهلاك شئ من المال بلا
انتفاع أصلا كقتل الدابة بلا سبب موجب.
قوله: (بدليل وشروه بثمن بخس) أي باعوه: أي إخوة يوسف بثمن ناقص وقيل: باعوه بعشرين درهما، فالآية دليل على أن البيع لا يلزم كون المبيع فيه مالا، لان الحر لا يملك.
قلت: وفيه أن أهل اللغة في الجاهلية كانوا يسترقون الاحرار ويبيعونهم، فلا تدل الآية على أن البيع لغة لا يشترط فيه المالية، على أن الظاهر أن الحر يملك قبل شرعنا، بدليل: * (قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه) * ثم رأيت ذلك في القهستاني من البيع الفاسد حيث قال: إن الحر كان مالا في شريعة يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى استرق السارق كما في شر التأويلات، فلا ينبغي أن يقال: إنه لم يكن مالا عند أحد ا ه.
فالاولى الاستدلال بمثل: * () * (التوبة: 111) * (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) * (البقرة: 61) ونحوه، ولا يخفى أن دعوى المجاز في ذلك خلاف الاصل، فافهم.
وبهذا ظهر أن تعريفه لغة بما ذكره الشارح تبعا للمحيط أولى مما في الفتح عن فخر الاسلام من أن البيع لعة مبادلة المال بالمال، لكن يرد على الاول أنه يدخل فيه النكاح، إلا أن يراد بالمقابلة ما يكون على وجه التمليك حقيقة.
تأمل.
قوله: (وهو من الاضداد) أي من الالفاظ التي تطلق على الشئ وعلى ضده، كما في قوله تعالى: * (وكان وراءهم ملك) * أي قدامهم.
قال في الفتح: يقال: باعه إذا أخرج العين من ملكه إليه، وباعه أي اشتراه ا ه.
وكذا الشراء بدليل: * (وشروه بثمن بخس) * فيطلق كل منهما على الآخر.
وفي المصباح: والبيع من الاضداد مثل الشراء، ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع، لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة، قوله: (ويستعمل متعديا) أي بنفسه إلى مفعولين.
قوله: (وبمن للتأكيد) كبعت من زيد الدار، وظاهر الفتح أنها للتعدية، لانه قال: ويتعدى بنفسه وبالحرف.
قوله: (وباللام) أي قليلا.
وعبارة ابن القطاع على ما في المصباح: وربما دخلت اللام مكان من، تقول: بعتك الشئ وبعت لك فهي زائدة اه.(5/5)
قوله: (يقال بعتك الشئ) مثال للمعتدي بنفسه وترك مثال التعدي بمن.
قوله: (وباع عليه القاضي)
أفاد أنه يتعدى بعلى أيضا في مقام الاجبار والالزام.
قوله: (مبادلة شئ) مصدر مضاف إلى مفعوله الاول والفاعل محذوف، والاصل أن يتبادل المتبايعان شيئا مرغوبا فيه بمثله، فشيئا مفعول أول وبمثله مفعول ثان بواسطة الحرف، فافهم.
قوله: (مرغوب فيه) أي ما من شأنه أن ترغب إليه النفس وهو المال، ولذا احترز به الشارح عن التراب والميتة والدم فإنها ليست بمال، فرجع إلى قول الكنز والملتقى: مبادلة المال بالمال، ولذا فسر الشارح كلام الملتقى في شرحه بقوله: أي تمليك شئ مرغوب فيه بشئ مرغوب فيه، فقد تساوى التعريفان فافهم، نعم زاد في الكنز بالتراضي.
مطلب في بيع المكره والموقوف وأورد عليه أنه يخرج بيع المكره مع أنه منعقد، وأجاب في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ، ومن تركه أراد الاعم، واعترضه في البحر بأن بيع المكره فاسد موقوف لا موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلام شارح النقاية.
قلت: لكن قدمنا أن الموقوف من قسم الصحيح، ومقتضاه أن بيع المكره كذلك، لكن صرحوا في كتاب الاكراه أنه يثبت به الملك عند القبض للفساد، فهو صريح في أنه فاسد وإن خالف بقية العقود الفاسدة في أربعة صور سيذكرها المصنف هناك، وأفاد في المنار وشرحه أنه ينعقد فاسدا لعدم الرضا الذي هو شرط النفاذ، وأنه بالاجازة يصح ويزول الفساد، وبه علم أن الموقوف على الاجازة صحته، فصح كونه فاسدا موقوفا، وظهر أن الموقوف منه فاسد كبيع المكره، ومنه صحيح كبيع عبد أو صبي محجورين.
وأمثلته كثيرة ستأتي في باب بيع الفضولي.
والحاصل أن الموقوف مطلقا بيع حقيقة، والفاسد بيع أيضا وإن توقف حكمه، وهو الملك على القبض، فلا يناسب ذكر التراضي في التعريف، ولذا قال في الفتح: إن التراضي ليس جزء مفهوم البيع الشرعي، بل شرط ثبوت حكمه شرعا ا ه: أي لانه لو كان جزء مفهومه شرعا لزم أن يكون بيع المكره باطلا وليس كذلك، بل هو فاسد كما علمت، وأنت خبير بأن التعريف شامل للفاسد بسائر أنواعه كما ذكره في النهر لانه بيع حقيقة، وإن توقف حكمه على القبض، فالتقييد بالتراضي لاخراج بعض الفاسد وهو بيع المكره غير مرضي، لانه إذا كان المراد تعريف مطلق البيع
يكون غير جامع لخروج هذا منه، وإن أريد تعريف البيع الصحيح فليس بمانع لدخول أكثر البياعات الفاسدة فيه.
ثم اعلم أن الخمر مال كما قدمناه عن الكشف والتلويح وإن كان غير متقوم مع أن بيعه باطل في حق المسلم، بخلاف البيع به فإنه فاسد، ومر الفرق، وأما ما في البحر عن المحيط من أنه غير مال فالظاهر أنه أراد بالمال المتقوم توفيقا بين كلامهم، وحينئذ فيرد على تعريف المصنف كالكنز، فافهم.
ويرد على تعريف المصنف فقط الاجارة والنكاح.
قال ط: فإن فيهما مبادلة مال مرغوب فيه بمرغوب فيه، ولا يخرجان بقوله على وجه مخصو ص، لان المراد به الايجاب والقبول والتعاطي اه.(5/6)
إلا أن يجاب بأن المراد بالمرغوب فيه المال كما قررناه أو لا، والمنفعة غير مال كما مر، أو يقال: إن المبادلة هي التمليك كما في النهر عن الدراية: أي التمليك المطلق، والمنفعة في الاجارة والنكاح مملوكة ملكا مقيدا، فافهم قوله: (على وجه مفيد) هذا التقييد غير مفيد، إذ غايته أنه أخرج ما لا يفيد كبيع درهم بدرهم اتحد وزنا وصفة وهو فاسد، وقد علمت شمول التعريف لجميع أنواع الفاسد، فلا فائدة في إخراج نوع منه كما قلناه في بيع المكره، نعم لو كان بيع الدرهم بالدرهم باطلا فهو تقييد مفيد، ولكن بطلانه بعيد لوجود المبادلة بالمال، فتأمل.
قوله: (أي بإيجاب أو تعاط) بيان للوجه المخصوص، وأراد الايجاب ما يكون بالقول بدليل المقابلة فيشمل القبول، وإلا لم يخرج التبرع من الجانبين على ما قاله ط، فتأمل.
قوله: (فخرج التبرع من الجانبين الخ) قال المصنف في المنح: ولما كان هذا يشمل مبادلة رجلين بمالهما بطريق التبرع أو الهبة بشرط العوض فإنه ليس ببيع ابتداء وإن كان في حكمه بقاء، أراد إخراج ذلك فقال: على وجه مخصوص ا ه.
قلت: وهذا صريح في دخولهما تحت المبادلة على خلاف ما في النهر ووجهه أنه لو تبرع لرجل بشئ ثم الرجل عوض عليه بشئ آخر بلا شرط فهو تبرع من الجانبين مع المبادلة لكن من جانب الثاني، وهذا يوجد كثيرا بين الزوجين يبعث إليها متاعا وتبعث له أيضا وهو في الحقيقة هبة، حتى لو ادعى الزوج العارية رجع، ولها أيضا الرجوع لانها قصدت التعويض عن هبة، فلما لم توجد
الهبة بدعوى العارية لم يوجد التعويض عنها فلها الرجوع كما سيأتي في الهبة، وكذا لو وهبه شيئا على أن يعوضه عنه شيئا معيبا فهو هبة ابتداء مع وجود المبادلة المشروطة، فافهم.
قوله: استويا وزنا) أما إذا لم يستويا فيه فالبيع فاسد لربا الفضل لا لعدم الفائدة، وقوله: وصفة خرج ما اختلفا فيها مع اتحاد الوزن ككون أحدهما كبيرا والآخر صغيرا أو أحدهما أسود والآخر أبيض.
قلت: والمسألة مذكورة في الفصل السادس من الذخيرة: باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم ردئ، جاز لان لهما فيه غرضا صحيحا، أما إذا كانا مستويين في القدر والصفة اختلفوا فيه.
قال بعض المشايخ: لا يجوز، وإليه أشار محمد في الكتاب، وبه كان يفتي الحاكم الامام أبو أحمد ا ه.
قوله: (ولا مقايضة أحد الشريكين) أي المستويين: والمتبادر من التعبير بالشريكين أن الدار مشاعة بينهما، أما لو كانت حصة كل منهما مفروزة عن الاخرى فالظاهر جواز المقايضة، لانه قد يكون رغبة كل منهما فيما في يد الآخر فهو بيع مفيد، بخلاف المشاعة، فافهم.
قوله: (ولا إجارة السكنى بالسكنى) لان المنفعة معدومة فيكون بيع الجنس نسيئة وهو لا يجوز.
ط عن حاشية الاشباه.
قوله: (ويكون) أي البيع منح، والاظهر إرجاع الضمير إلى قوله على وجه مخصوص، فهو بيان له وإلا كان تكرارا.
تأمل.
قوله: (وهما ركنه) ظاهره أن الضمير للايجاب والقبول، ويحتمل إرجاعه للقول والفعل كما يفيده قول البحر.
وفي البدائع: ركنه المبادلة المذكورة، وهو معنى ما في الفتح من أن ركنه الايجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي، فركنه الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل ا ه.
وأراد(5/7)
بالفعل أو لا ما يشمل فعل اللسان.
وبالفعل ثانيا غيره، وقوله الدال على الرضا: أي بالنظر إلى ذاته وإن كان ثم ما ينافي الرضا كإكراه، وظاهر كلام المصنف أن الايجاب والقبول غير البيع مع أن ركن الشئ عينه، وإذا أرجعنا الضمير في قوله: يكون إلى قوله: على وجه الخصوص لا يرد ذلك، وكذا إذا أريد بالبيع حكمه وهو الملك، وها هنا أبحاث رائقة مذكورة في النهر.
قوله: (وشرطه أهلية المتعاقدين) أي بكونهما عاقلين، ولا يشتر البلوغ والحرية.
مطلب: شرائط البيع أنواع أربعة وذكر في البحر أن شرائط البيع أربعة أنواع: شرط انعقاد، ونفاذ، وصحة، ولزوم.
فالاول أربعة أنواع: في العاقد، وفي نفس العقد، وفي مكانه، وفي المعقود عليه.
فشرائط العاقد اثنان.
العقل، العدد، فلا ينعقد بيع مجنون وصبي لا يعقل، ولا وكيل من الجانبين، إلا في الاب ووصيه والقاضي، وشراء العبد نفسه من مولاه بأمره، والرسول من الجانبين، ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرية، فيصح بيع الصبي أو العبد لنفسه موقوفا ولغيره نافذا، ولا الاسلام والنطق والصحو.
وشرط العقد اثنان أيضا: موافقة الايجاب للقبول، فلو قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة، بأن باع عبدا وعقارا فطلب الشفيع العقار وحده، وكونه بلفظ الماضي، وشرط مكانه واحد، وهو اتحاد المجلس.
وشرط المعقود عليه ستة: كونه موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه، وكون الملك البائع فيما يبيعه لنفسه، وكونه مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وماله خطر العدم كالحمل واللبن في الضرع والثمر قبل ظهوره، وهذا العبد فإذا هو جارية، ولا بيع الحر والمدبر وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض والميتة والدم، ولا بيع الخمر والخنزير في حق مسلم وكسرة خبز، لان أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس، ولا بيع الكلا ولو في أرض مملوكة له، والماء في نهر أو بئر، والصيد والخطب والحشيش قبل الاحراز، ولا بيع ما ليس مملوكا له وإن ملكه بعده، إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب ثم ضمن قيمته وبيع الفضولي فإنه منعقد موقوف، وبيع الوكيل فإنه نافذ، ولا بيع معجوز التسليم كالآبق والطير في الهواء والسمك في البحر بعد أن كان في يده، فصارت شرائط الانعقاد أحد عشر.
قلت: صوابه تسعة.
وأما الثاني: وهو شرائط النفاذ فاثنان: الملك أو الولاية، وأن لا يكون في البيع حق لغير البائع فلم ينعقد بيع الفضولي عندنا، أما شراؤه فنافذ.
قلت: أي لم ينعقد إذا باعه لاجل نفسه لا لاجل مالكه، لكنه على الرواية الضعيفة.
والصحيح انعقاده موقوفا كما سيأتي في بابه.
والولاية إما بإنابة المالك كالوكالة، والشارع كولاية(5/8)
الاب ثم وصيه ثم الجد ثم وصيه ثم القاضي ثم وصيه، ولا ينفذ بيع مرهون ومستأجر، وللمشتري فسخه إن لم يعلم لا لمرتهن ومستأجر.
وأما الثالث، وهو شرائط الصحة فخمسة وعشرون: منها عامة ومنها خاصة، فالعامة لكل بيع شروط الانعقاد المارة، لان ما لا ينعقد لا يصح، وعدم التوقيت، ومعلومية المبيع، ومعلومية الثمن بما يرفع المنازعة فلا يصح بيع شاة من هذا القطيع وبيع الشئ بقيمته أو بحكم فلان، وخلوه عن شرط مفسد كما سيأتي في البيع الفاسد والرضا والفائدة، ففسد بيع المكره وشراؤه وبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه كما مر، والخاصة معلومة الاجل في البيع المؤجل ثمنه، والقبض في بيع المشتري المنقول، وفي الدين، ففسد بيع الدين قبل قبضه كالمسلم فيه ورأس المال وبيع شئ بدين على غير البائع وكون البدل مسمى في المبادلة القولية، فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض والمماثلة بين البدلين في أموال الربا، والخلو عن شبهة الربا، ووجود شرائط السلم فيه، والقبض في الصرف قبل الافتراق، وعلم الثمن الاول في مرابحة، وتولية وإشراك ووضيعة.
وأما الرابع، وهو شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الاربعة المشهورة، وباقي الخيارات الآتية في أول باب خيار الشرط، فقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين ا ه ملخصا أي لان شرائط الانعقاد أحد عشر على ما قاله أولا، وشرائط النفاذ اثنان، وشرائط الصحة خمسة وعشرون، صارت ثمانية وثلاثين، وهي كلها شرائط اللزوم مع زيادة الخلو من الخيارات، لكن بذلك تصير الجملة سبعة وسبعين، نعم تنقص ثمانية على ما قلنا من أن الصواب أن شرائط الانعقاد تسعة فيسقط منها اثنان، ومن شرائط الصحة اثنان ومن شرائط اللزوم أربعة فتصير الجملة تسعة وستين.
نعم يزاد في شروط المعقود عليه إذا لم يرياه الاشارة إليه أو إلى مكانه كما سيأتي في باب خيار الرؤية، وسيأتي تمام الكلام عليه عند قوله: وشرط الصحة معرفة قدر مبيع وثمن.
قوله: (ومحله المال) فيه نظر، لما مر من أن الخمر مال مع أن بيعه باطل في حق المسلم، فكان عليه إبداله بالمتقوم وهو أخص من المال كما مر بيانه، فيخرج ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم، وما كان
مالا غير متقوم كالخمر فإن ذلك غير محل للبيع.
قوله: (وحكمه ثبوت الملك) أي في البدلين لكل منهما في بدل، وهذا حكمه الاصلي، والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن، ووجوب استبراء الجارية على المشتري، وملك الاستمتاع بها، وثبوت الشفعة لو عقارا، وعتق المبيع لو محرما من البائع، بحر.
وصوابه من المشتري.
قوله: (وحكمته نظام بقاء المعاش والعالم) حقه أن يقول: بقاء نظام المعاش الخ، فإنه سبحانه وتعالى خلق العالم على أتم نظام وأحكم أمر معاشه أحسن إحكام، ولا يتم ذلك إلا بالبيع والشراء إذ لا يقدر أحد أن يعمل لنفسه كل ما يحتاجه، لانه إذا اشتغل بحرث الارض وبذر القمح وخدمته وحراسته وحصده، ودراسته وتذريته وتنظيفه وطحنه وعجنه لم يقدر على أن يشتغل بيده ما يحتاج ذلك من آلات الحراثة والحصد ونحوه، فضلا عن اشتغاله فيما يحتاجه من ملبس ومسكن فاضطر إلى شراء ذلك، ولولا الشراء لكان يأخذه بالقهر أو بالسؤال إن أمكن،(5/9)
وإلا قاتل صاحبه عليه، ولا يتم مع ذلك بقاء العالم.
قوله: (مباح) هو ما خلا عن أوصاف ما بعده.
قوله (مكروه) كالبيع بعد النداء في الجمعة.
قوله: (حرام) كبيع خمر لمن يشربها.
قوله: (واجب) كبيع شئ لمن يضطر إليه.
قوله: (والسنة) فإنه عليه الصلاة والسلام باع واشترى وأقر أصحابه على ذلك أيضا.
قوله: (والقياس) عبارة البحر: والمعقول ا ه ح، لانه أمر ضروري يجزم العقل بثبوته كباقي الامور الضرورية المتوقف عليها انتظام معاشه وبقائه، فافهم.
قوله: (فالايجاب الخ) هذه الفاء الفصيحة، وهي المفصحة عن شرط مقدر: أي إذا أردت معرفة الايجاب والقبول المذكورين، وفي الفتح: الايجاب الاثبات لغة لاي شئ كان، والمراد هنا إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أو لا، سواء وقع من البائع أو من المشتري، كأن يبتدئ المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف والقبول الفعل الثاني، وإلا فكل منهما إيجاب أي إثبات فسمى الثاني بالقبول تمييزا له عن الاثبات الاول ولانه يقع قبولا ورضا بفعل الاول ا ه.
قوله: (والقبول) في بعض النسخ: فالقبول بالفاء، فهو تفريع على تعريف الايجاب، ولذا قال المصنف لما ذكر أن الايجاب ما ذكر أولا علم أن الايجاب هو ما ذكر ثانيا من كلام أحدهما، أفاده ط.
قوله: (ما يذكر ثانيا من الآخر) أي من العاقد الآخر
والتعبير بيذكر لا يشمل الفعل، وعرفه في الفتح بأنه الفعل الثاني كما مر، وقال: لانه أعم من اللفظ، فإن من الفروع ما لو قال كل هذا الطعام بدرهم فأكله، تم البيع وأكله حلال والركوب واللبس بعد قول البائع: أركبها بمائة وألبسه بكذا رضا بالبيع.
مطلب القبول قد يكون بالفعل وليس من صور التعاطي وكذا إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يكن شيئا كان قبضه قبولا، بخلاف بيع التعاطي فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط، ففي جعل الاخيرة من صور التعاطي كما فعل بعضهم نظر ا ه.
وذكر في الخانية أن القبض يقوم مقام القبول، وعليه فتعريف القبول بالقول لكونه الاصل.
قوله: (الدال على التراضي) الاولى أن يقول الرضا كما عبر به في الفتح والبحر، لان التراضي من الجانبين لا يدل عليه الايجاب وحده، بل هو مع القبول.
أفاده ح.
قوله: (قيد به اقتداء بالآية) وهي قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (النساء: 92).
قوله: (وبيانا للبيع الشرعي) استظهر في الفتح أن التراضي لا بد منه في البيع اللغوي أيضا، فإنه لا يفهم من باع زيد عبده لغة إلا أنه استبدله بالتراضي ا ه.
ونقل مثله القهستاني عن إكراه الكفاية والكرماني وقال: وعليه يدل كلام الراغب خلافا لشيخ الاسلام.
قوله: (ولذا لم يلزم بيع المكره) قدمنا أن بيع المكره فاسد موقوف على إجازة البائع، وأن البيع المعرف يشمل سائر أنواع البيع الفاسد، وأن قول الكنز: البيع مبادلة المال بالمال بالتراضي عير مرضي لانه يخرج بيع المكره مع أنه داخل.
وأجيب عنه بما ذكره الشارح بأنه قيد به اقتداء بالآية: أي لا للاحتراز، لكن قوله: وبيانا للبيع الشرعي إن أراد به البيع المقابل اللغوي.
يرد عليه ما علمته من اعتبار التراضي في البيع اللغوي، وأنه لا يعتبر في البيع الشرعي، إذ(5/10)
لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا، بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا وهو الملك كما قدمناه عن الفتح، وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة، بل التعريف شامل لها، ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف.
أما قول المصنف الدال على التراضي فلا، لكونه ذكره صفة
للايجاب، فهو بيان للواقع، فإن الاصل فيه أن يكون دليلا على الرضا، ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره.
تأمل.
مطلب في حكم البيع مع الهزل قوله: (ولم ينعقد مع الهزل الخ) الهزل في اللغة: اللعب.
وفي الاصطلاح: هو أن يراد بالشئ ما لم يوضع له، ولا ما صح له اللفظ استعارة، والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه، لكن لا يختار ثبوته الحكم ولا يرضاه، والاختيار: هو القصد إلى الشئ وإرادته.
والرضا: هو إيثاره واستحسانه، فالمكره على الشئ يختاره ولا يرضاه، ومن هنا قالوا: إن المعاصي والقبائح بإرادة الله تعالى لا برضاه: * (إن الله لا يرضى لعباده الكفر) * كذا في التلويح.
وشرطه: أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول: إني أبيع هازلا، ولا يكتفي بدلالة الحال، إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد، فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد، فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع، أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء: أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه، فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا، لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم، حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه، هكذا ذكروا، وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه، وهو أنه لا يملك بالقبض.
وأما الفاسد فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه، أما عند عدم الرضا به، فلا ا ه.
منار وشرحه لصاحب البحر.
فقول الشارح: ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح، لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم، إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي الخ ا ه ط.
قلت: قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل، وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار، وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه، لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز، والباطل لا تلحقه الاجازة، وأن الباطل ما ليس منعقد أصلا، والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا
بوصفه، وهذا منعقد بأصله لانه مبادلة مال بمال دون وصفه، ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها.
قلت: وهذا أولى لموافقته لما في كتب الاصول من أنه فاسد، وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما، وليس كل فاسد يملك بالقبض، ولذا قال في الاشباه: إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل: الاولى: لا يملكه في بيع الهازل كما في الاصول.
الثانية: لو اشتراه الاب مما له لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله، كذا في المحيط.
الثالثة: لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به اه.
وذكر(5/11)
الشارح مسألة بيع الهزل قبيل الكفالة وذكرها المصنف متنا في الاكراه.
قوله: (ويرد على التعريفين) أي تعريفي الايجاب والقبول، حيث قيد الايجاب بكونه أولا والقبول بكونه ثانيا ط.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) ومثله في التجنيس لصاحب الهداية.
قوله: (كما قالوا في السلام) أي لو رد على المسلم مع السلام فلا بد من الاعادة.
قوله: (وعلى الاول) أي ويرد على التعريف الاول حيث قيد بكونه أولا، والمعتبر في التكرار هو الثاني.
والجواب أن الايجاب الاول لما بطل صار الثاني أولا في التحقيق، على أن كلا من الايجابين أول بالنسبة إلى القبول.
أفاده ط.
قوله: (تكرار الايجاب) أي قبل القبول.
قوله: (مبطل للاول) وينصرف القبول إلى الايجاب الثاني، ويكون بيعا بالثمن الاول.
بحر.
وصوابه بالثمن الثاني كما هو ظاهر، ويعلم مما يأتي.
قوله: (إلا في عتق وطلاق على مال) لم يذكر في الاشباه الطلاق بل ذكره في البحر.
وقد اعترض البيري على الاشباه حيث اقتصر على العتق مع أن الولوالجي ذكر الطلاق أيضا، وذكر أنه روي عن أبي يوسف أنهما كالبيع، وأن ما روي عن محمد أصح ا ه.
وفي البيري أيضا عن الذخيرة قال لغيره بعتك هذا بألف درهم، ثم قال: بعتكه بمائة دينار، فقال المشتري: قبلت، انصرف قبوله إلى الايجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار، بخلاف ما لو قال لعبده: أنت حر على ألف درهم، أنت حر على مائة دينار، فقال العبد قبلت، لزمه المالان، والفرق أن
الايجاب الثاني رجوع عن الايجاب الاول ورجوع البائع قبل قبول المشتري عامل، ألا ترى أنه لو قال: رجعت عن ذلك قبل قبول المشتري يعمل رجوعه، وإذا عمل رجوعه بطل الايجاب الاول وانصرف القبول إلى الايجاب الثاني.
أما رجوع المولى عن إيجاب العتق ليس بعامل، ألا ترى أنه لو قال رجعت عن ذلك لا يعمل رجوعه، لان إيجاب العتق بالمال تعليق بالقبول والرجوع في التعليقات لا يعمل، فبقي كل من الايجاب الاول والثاني فانصرف القبول إليهما ا ه.
قوله: (وسيجئ في الصلح) قال الشرح هناك: والاصل أن كل عقد أعيد فالثاني باطل، إلا في الكفالة والشراء والاجارة ا ه.
وفيه أن هذا وما في النظم من تكرار العقد والكلام في تكرار الايجاب كما لا يخفى ا ه ح: أي لان العقد اسم لمجموع الايجاب والقبول، وتكراره غير تكرار الايجاب الذي كلامه فيه.
قوله: (وكل عقد بعد عقد جددا الخ) في التتارخانية قال: بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال المشتري: قبلت.
ينصرف إلى الايجاب الثاني، ويكون بيعا بمائة دينار ولو قال: بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال بعته من ك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال المشتري: اشتريت، ينعقد الثاني وينفسخ الاول، وكذا لو باعه بجنس الثمن الاول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر، فإن باع بعشرة لا ينعقد الثاني ويبقى الاول بحاله ا ه، فهذا مثال لتكرار الايجاب فقط ومثال لتكرار العقد.
قوله: (فأبطل الثاني) أي إذا كان بمثل الثمن الاول كما(5/12)
علمت لانه سدى: أي لا فائدة فيه.
قوله: (فالصلح بعد الصلح أضحى باطلا) هذا إذا كان الصلح على سبيل الاسقاط، أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر، فالثاني هو الجائز، ويفسخ الاول كالبيع، بيري عن الخلاصة عن المنتقى.
قلت: الظاهر أن الصلح على سبيل الاسقاط بمعنى الابراء، وبطلان الثاني ظاهر، ولكنه بعيد الارادة هنا، فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه، ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الاول بقرينة قوله كالبيع، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه.
قوله: (كذا النكاح) أي فالثاني: باطل، فلا يلزمه المهر المسمى فيه إلا إذا جدده للزيادة فه المهر كما في القنية، بحر.
قلت: ولكن قدمنا في أوائل باب المهر عن البزازية أن عدم اللزوم إذا جدد العقد للاحتياط، وقدمنا أيضا عن الكافي لو تزوجها في السر بألف ثم في العلانية بألفين ظاهر المنصوص في الاصل أنه يلزمه عنده الالفان، ويكون زيادة في المهر، وعند أبي يوسف: المهر هو الاول، إذ العقد الثاني لغو فيلغو من فيه، وعند الامام أن الثاني وإن لغا لا يلغو ما فيه من الزيادة ا ه.
وذكر في الفتح هناك أن هذا إذا لم يشهد على أن الثاني هزل، وإلا فلا خلاف في اعتبار الاول، ثم ذكر أن بعضهم اعتبر ما في العقد الثاني فقط، وبعضهم أوجب كلا المهرين، وأن قاضيخان أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شئ ما لم يقصد به الزيادة في المهر، ثم وفق بينه وبين إطلاق الجمهور اللزوم بحمل كلامه على أنه لا يلزمه ديانة في نفس الامر إلا بقصد الزيادة، بل يلزمه قضاء لانه يؤاخذ بظاهر لفظه إلا أن يشهد على الهزل ا ه.
والحاصل: اعتماد قول الامام الذي هو ظاهر المنصوص من لزوم الزيادة، وحينئذ فمعنى كون الثاني لغوا أنه لا ينفسخ الاول به.
قوله: (ما عدا مسائلا) استثناء من قوله: فأبطل الثاني.
قوله: (منها الشرا بعد الشراء) بقصر الشرا الاول للنظم.
قال في الاشباه: أطلقه في جامع الفصولين، وقيده في ال القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الاول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا يصح ا ه.
قلت: فعلى ما في القنية لا فرق بين الشراء والبيع، ولذا أطلق العقد في البحر حيث قال: وإذا تعدد الايجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الاول إن كان الثاني بأزيد من الاول أو أنقص، وإن كان مثله لم ينفسخ الاول.
واختلفوا فيما إذا كان الثاني فاسدا هل يتضمن فسخ الاول ا ه.
قال في النهر: ومقتضى النظر أن الاول لا ينفسخ ا ه.
لكن جزم في جامع الفصولين والبزازية بأنه ينفسخ، وكذا قال في الذخيرة: إن الثاني وإن كان فاسدا فإنه يتضمن فسخ الاول، كما لو اشترى قلب فضة وزنه عشرة بعشرة وتقابضا ثم اشتراه منه بتسعة.
وعلله البزازي بأن الفاسد ملحق بالصحيح في كثير من الاحكام ا ه.
رملي ملخصا.
قوله: (كذا كفالة) قال في الخانية: الكفيل بالنفس إذا أعطى الطالب كفيلا بنفسه فمات الاصيل برئ الكفيلان، وكذا لو مات الكفيل الاول برئ الكفيل الثاني، كذا ذكره بعض الافاضل.
قال: وأشار بجواز تعددها إلى أن المكفول له لو أخذ من الاصيل كفيلا(5/13)
آخر بعد الاول لم يبرأ الاول، كذا في حاشية السيد أبي السعود على الاشباه.
تنبيه: زاد في الاشباه إن الاجارة بعد الاجارة من المستأجر الاول فسخ للاولى كما في البزازية.
وقال البحر: وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الاجران لا تصح الثانية كالبيع.
قوله: (إذ المراد الخ) تعليل لعدم بطلان الكفالة الثانية بأن المراد منها الحقيقة إذا أي حين كررت إنما هو زيادة التوثق بأخذ كفيل آخر، حتى يتمكن من مطالبة أيهما أراد.
قوله: (وهما عبارة الخ) أي الايجاب والقبول معبر بهما عن كل لفظين الخ.
قال الزيلعي: وينعقد بكل لفظ ينبني عن التحقيق كبعت واشتريت ورضيت أو أعطيتك أو خذه بكذا ا ه.
أو كل هذا الطعام بدرهم لي عليك فأكله ونحو ذلك من الافعال كما قدمناه عن الفتح قبل ورقتين، وينعقد ببيع معلق بفعل قلب كإن أردت فقال: أردت أو إن أعجبك أو وافقك فقال: أعجبني أو وافقني، وأما إن أديت إلي الثمن فقد بعتك، فإن أدى في المجلس صح ويصح الايجاب بلفظ الهبة وأشركتك فيه وأدخلتك فيه، وينعقد بلفظ الرد، بحر عن التتارخانية.
قلت: وعبارتها: ولو قال أرد عليك هذه الامة بخمسين دينارا وقبل الآخر ثبت البيع ا ه.
وفي البحر: ويصح الايجاب بلفظ الجعل كقوله: جعلت لك هذا بألف، وتمامه فيه.
قلت: وفي عرفنا يسمى بيع الثمار على الاشجار ضمانا، فإذا قال: ضمنتك هذه الثمار بكذا وقبل الآخر ينبغي أن يصح، وكذا تعارفوا في بيع أحد الشريكين في الدواب لشريكه الآخر لفظ المقاصرة، فيقول قاصرتك بكذا ومراده بعتك حصتي من هذه الدابة بكذا، فإذا قيل الآخر صح لانها من ألفاظ التمليك عرفا.
تنبيه: ظاهر قوله على لفظين أنه لا ينعقد بالاشارة بالرأس، ويدل عليه ما في الحاوي الزاهدي في فصل البيع الموقوف: فضولي باع مال غيره فبلغه فسكت متأمفقال ثالث هل أذنت لي في الاجازة؟ فقال: نعم، فأجازه ينفذ، ولو حرك رأسبنعم فلا، لان تحريك الرأس في حق الناطق لا يعتبر ا ه.
لكن قد يقال إذا قال: بعني كذا بكذا فأشار برأسه نعم، فقال الآخر: اشتريت
وحصل التسليم بالتراضي يكون بيعا بالتعاطي، بخلاف ما إذا لم يحصل التسليم من أحد الجانبين(5/14)
على ما يأتي من بيع التعاطي أنه لا بد من وجوده ولو من أحدهما، هذا ما ظهر لي.
وفي الاشباه من أحكام الاشارة: وإن لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر إشارته إلا في أربع: الكفر، والاسلام، والنسب، والافتاء الخ.
قوله: (أو حالين) بتخفيف اللام.
قوله: (لا يحتاج الاول) وهو الصادر بلفظين ماضيين.
ط عن المنح، وكذا الماضي فيما لو كانا مختلفين.
قوله: (بخلاف الثاني) فإنه يحتاج إليها وإن كان حقيقة للحال عندنا على الاصح لغلبة استعماله في الاستقبال حقيقة أو مجازا.
بحر عن البدائع.
قوله: (وإلا لا) صادق بما إذا نوى الاستقبال أو لم ينو شيئا ط.
قوله: (للحال) أي ولا يستعملونه للوعد والاستقبال ط.
قوله: (فكالماضي) فلا يحتاج إلى النية، بحر ط.
قوله: (وكأبيعك الآن) عطف على المستثنى ا ه ح.
وهذا أولى بالحكم لانه إذا علمت نية الحال فالتصريح به أولى ط.
قوله: (وأما المتمحض للاستقبال) كالمقرون بالسين وسوف ط.
قوله: (فكالامر) بأن قال المشتري: بعني هذا الثوب بكذا فيقول: بعت، أو يقول البائع اشتره مني بكذا، فيقول: اشتريته.
قوله: (لا يصح أصلا) أي سواء نوى بذلك الحال أو لا، لكون الامر متمحضا للاستقبال، وكذا المضارع المقرون بالسين أو سوف.
قوله: (كخذه بكذا الخ) قال في الفتح: فإنه وإن كان مستقبلا لكن خصوص مادته: أعني الامر بالاخذ يستدعي سابقة البيع، فكان كالماضي، إلا أن استدعاء الماضي سبق البيع بحسب الوضع واستدعاء خذ سبقه بطريق الاقتضاء، فهو كما إذا قال: بعتك عبدي هذا بألف فقال: فهو حر عتق، ويثبت باشتريت اقتضاء، بخلاف ما لو قال: هو حر بلا فاء لا يعتق.
قوله: (كوجه وفرج) بأن قال: بعتك وجه هذا العبد أو فرج هذه الامة، لانه مما يعبر به عن الكل.
قوله: (وكل ما دل الخ) تفصيل لقوله وهما عبارتان عن كل لفظين الخ.
قوله: (قبول) خبر قوله: وكل وظاهره أنه قبول سواء كان من البائع أو المشتري، وأنه لا يكون إيجابا مع أنه يكون من البائع فقط كما نبه عليه بقوله، ولكن في الولوالجية: ويكون إيجابا أيضا، قال في البحر: لو قال أتبيعني عبدك هذا بألف فقال: نعم، فقال: أخذته فهو بيع لازم، فوقعت كلمة نعم إيجابا، وكذا تقع قبولا فيما لو قال: اشتريت
منك هذا بألف فقال: نعم، ا ه.
ونحوه في الفتح.
قوله: (لكن في الولوالجية الخ) ومثله ما في التتارخانية بعت منك هذا بألف فقال المشتري: قد فعلت، فهذا بيع، ولو قال: نعم لا يكون بيعا.
وذكر في فتاوى سمرقندي أن من قال لغيره: اشتريت عبدك هذا بألف درهم فقال البائع: قد(5/15)
فعلت، أو قال: نعم، أو قال: هات الثمن صح البيع وهو الاصح اه.
فهذا أيضا صريح في أنه لا يكون قبولا من المشتري.
قوله: (لانه ليس بتحقيق) لان قول المشتري نعم تصديق لقول البائع بعتك، ولا يتحقق البيع بمجرد قوله: بعتك، بخلاف قول البائع: نعم بعد قول المشتري اشتريت، لانه جواب له فكأنه قال: نعم اشتريت مني، والشراء يتوقف على سبق البيع، هذا ما ظهر لي فتأمله، قوله: (وفي القنية الخ) استدراك أيضا على المتن بأنه يكون إيجابا أيضا كما نبهنا عليه، وعبارتها كما في البحر: كهل بعت مني بكذا أو هل اشتريت مني بكذا الخ، وظاهره أن نقد الثمن قائم مقام القبول، لان نعم بعد الاستفهام إيجاب فقط، فكان النقد بمنزلة قوله: أخذته أو رضيت، ولا يشترط في القبول أن يكون قولا كما نقلناه سابقا عن الفتح.
قوله: (ولو قال بعته الخ) المناسب ذكر هذا الفرع عقب قوله الآني: إلا إذا كان بكتابة أو رسالة ووجه الجواز ما نقل عن المحيط أنه حين قال: بلغه فقد أظهر من نفسه الرضا بالتبليغ، فكل من بلغه التبليغ برضاه، فإن قبل صح البيع.
قوله: (ولا يتوقف) أي بل يبطل ح.
قوله: (شطر العقد) المراد به الايجاب الصادر أولا.
قوله: (فيه) أي البيع احتراز عن الخلع والعتق كما يأتي.
قوله: (فبلغه) أي من غير أن يأمر أحدا بتبليغه كما في الخلاصة، أما لو أمر أحدا به فبلغه وقبل يصح، ولو كان المبلغ غير المأمور كما مر آنفا.
قوله: (إلا إذا كان بكتابة أو رسالة) صورة الكتابة أن يكتب: أما بعد، فقد بعت عبدي فلانا منك بكذا، فلما بلغه الكتاب قال في مجلسه ذلك: اشتريت، تم البيع بينهما.
وصورة الارسال: أن يرسل رسولا فيقول البائع بعت هذا من فلان الغائب بألف درهم فاذهب يا فلان وقل له، فذهب الرسول فأخبره بما قال فقبل المشتري في مجلسه ذلك.
وفي النهاية: وكذا هذا في الاجارة والهبة والكتابة.
بحر.
قلت: ويكون بالكتابة من الجانبين، فإذا كتب اشتريت عبدك فلانا بكذا فكتب إليه البائع قد
بعت فهذا بيع كما في التتارخانية.
قوله: (فيعتبر مجلس بلوغها) أي بلوغ الرسالة أو الكتابة.
قال في الهداية: والكتابة كالخطاب، وكذا الارسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتابة وأداء الرسالة ا ه.
وفي غاية البيان: وقال شمس الائمة السرخسي في كتاب النكاح من مبسوطه: كما ينعقد النكاح بالكتابة ينعقد البيع وسائر التصرفات بالكتابة أيضا.
وذكر شيخ الاسلام جواهر زاده في مبسوطه: الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد، وهو أنه لو كان حاضرا فخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب، ثم أجابت في مجلس آخر، فإن النكاح لا يصح.
وفي الكتاب إذا بلغها وقرأت الكتاب(5/16)
ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح، لان الغائب إنما صار خاطبا لها بالكتاب، والكتاب باق في المجلس الثاني فصار بقاء الكتاب في مجلسه وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر، فأما إذا كان حاضرا لها فإنما صار خاطبا بالكلام، وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني، وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد اه.
وحاصله: أن قوله: تزوجتك بكذا إذا لم يوجد قبول يكون مجرد خطبة منه لها، فإذا قبلت في مجلس آخر لا يصح، بخلاف ما لو كتب ذلك إليها لانها لما قرأت الكتاب ثانيا وفيه قوله: تزوجتك بكذا، وقبلت عند الشهود صح العقد، كما لو خاطبها به ثانيا، وظاهره أن البيع كذلك، وهو خلاف ظاهر الهداية، فتأمل.
ثم لا يخفى أن قراءة الكتاب صارت بمنزلة الايجاب من الكاتب، فإذا قبل المكتوب إليه في المجلس فقد صدر الايجاب والقبول في مجلس واحد، فلا حاجة إلى قوله إلا إذا كان بكتابة أو رسالة، نعم بالنظر إلى مجلس الكتابة يصح، فإنه لما كتب بعتك لم يلغ بل توقف على القبول، وإن كان ذلك القبول متوقفا على قراءة الكتاب، فافهم.
قوله: (فله الرجوع) ليس المراد أن الموجب له الرجوع في هذه الصورة، فإن الايجاب إذا كان باطلا فلا معنى للرجوع عنه، بل المراد أن الموجب له الرجوع قبل قبول الحاضر.
قال في المنح: ثم في كل موضع لا يتوقف شطر العقد،
فإنه يجوز من العاقد الرجوع عنه، ولا يجوز تعليقه بالشرط لانه عقد معاوضة، وفي كل موضع يتوقف كالخلع والعتق على مال لا يصح الرجوع، ويصح التعليق بالشرط لكونه يمينا من جانب الزوج والمولى معاوضة من جانب الزوجة والعبد ا ه ح.
قوله: (لانه يمين) أي من جانب الزوج والمولى، وذلك أن اليمين بغير الله تعالى ذكر الشرط والجزاء والخلع والعتق تعليق الطلاق والعتق بقبول المرأة والعبد، وهما من جانب المرأة والعبد معاوضة، فحيث كان يمينا من جانب الزوج والمولى امتنع الرجوع، وتمامه في العزمية.
قوله: (أما الفعل) عطف على قوله وأما القول: قوله: (وهو التناول قاموس) قال في البحر: وهكذا في الصحاح والمصباح، وهو إنما يقتضي الاعطاء من جانب والاخذ من جانب لا الاعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي: أي حيث قال: إن حقيقة التعاطي وضع الثمن، وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ، وهو يفيد أنه لا بد من الاعطاء من الجانبين لانه من المعاطاة وهي مفاعلة اه.
قلت: وقوله من غير لفظ يفيد ما قدمناه عن الفتح من أنه لو قال: بعتكه بألف فقبضه المشتري ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا وليس من بيع التعاطي، خلافا لمن جعله منه، فإن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن.
قوله: (في خسيس ونفيس) النفيس ما كثر ثمنه كالعبد، والخسيس ما قل ثمنه كالخبز.
ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر، والخسيس بما دونه، والاطلاق هو المعتمد.
ط عن البحر.(5/17)
قلت: ليس في البحر قوله: والاطلاق هو المعتمد.
نعم ذكره في شمول التعاطي للخسيس والنفيس، فقال: وهو الصحيح المعتمد.
قوله: (خلافا للكرخي) فإنه قال: لا ينعقد إلا الخسيس.
ط عن القهستاني.
وما في الحاوي القدسي من أن هذا هو المشهور فهو خلاف المشهور كما في البحر.
قوله: (ولو التعاطي من أحد الجانبين) صورته أن يتفقا على الثمن ثم يأخذ المشتري المتاع، ويذهب برضا صاحبه من غير دفع الثمن، أو يدفع المشتري الثمن للبائع ثم يذهب من غير تسليم المبيع، فإن البيع لازم على الصحيح، حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي، وهذا فيما
ثمنه غير معلوم.
أما الخبز واللحم، فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن.
ذكره في البحر.
والمراد في صورة دفع الثمن فقط أن المبيع موجود معلوم، لكن المشتري دفع ثمنه ولم يقبضه ط.
وفي القنية: دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة وقال له: بكم تبيعها؟ فقال: مائة بدينار، فسكت المشتري، ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال البائع: غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة وقد تغير السعر، فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الاول.
وقال رضي الله عنه: وفي هذه الواقعة أربع مسائل: إحداها الانعقاد بالتعاطي: الثانية الانعاقاد في الخسيس والنفيس، وهو الصحيح.
الثالثة: الانعقاد به من جانب واحد، الرابعة: كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن ا ه.
قلت: وفيها مسألة خامسة: أنه ينعقد به ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته.
بحر.
قوله: (لم ينعقد) أي وإن كان يعلم عادة السوقة أن البائع إذا لم يرض برد الثمن أو يسترد المتاع وإلا يكون راضيا به، ويصح خلفه لا أعطيها تطييبا لقلب المشتري فإنه مع هذا لا يصح البيع، قنية.
مطلب: البيع بالتعاطي قوله: (كما لو كان) أي البيع بالتعاطي بعد عقد فاسد، وعبارة الخلاصة: اشترى رجل من وسائدي وسائد ووجوه الطنافس، وهي غير منسوجة بعد ولم يضربا له أجلا لم يجز، فلو نسج الوسائد ووجوه الطنافس وسلم إلى المشتري لا يصير هذا بيعا بالتعاطي لانهما يسلمان بحكم ذلك البيع السابق وأنه وقع باطلا ا ه.
وعبارة البزازية: والتعاطي إنما يكون بيعا إذا لم يكن بناء على بيع فاسد أو باطل سابق، أما إذا كان بناء عليه فلا ا ه.
قوله: (لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد) يتفرع عليه ما في الخانية: لو اشترى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال: قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم فقال: بلى، فقال: قد أخذته فهو باطل، وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد، فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم ا ه.
قلت: لكن في النهاية والفتح وغيرهما عند قول الهداية: ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم
الخ: البيع بالرقم فاسد، لان فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المشتري فصار بمنزلة القمار.
وعن هذا قال شمس الائمة الحلواني: وإن علم بالرقم في(5/18)
المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا، ولكن إن كان البائع دائما على الرضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد بالتراضي ا ه.
وعبر في الفتح بالتعاطي، والمراد واحد، وسيأتي أيضا في باب البيع الفاسد أن بيع الآبق لا يصح، وأنه لو باعه ثم عاد وسلمه يتم البيع في رواية، وظاهر الرواية أنه لا يتم.
قال في البحر هناك: وأولوا الرواية الاولى بأنه ينعقد بيعا بالتعاطي ا ه.
وظاهر هذا عدم اشتراط متاركة الفاسد، وقد يجاب على بعد بحمل الاشتراط على ما إذا كان التعاطي بعد المجلس أما فيه فلا يشترط كما هنا، والفرق أنه بعد المجلس يتقرر الفساد من كل وجه فلا بد من المتاركة أما في المجلس، فلا يتقرر من كل وجه فتحصل المتاركة ضمنا.
تأمل.
ويحتمل وهو الظاهر أن يكون في المسألة قولان، وانظر ما يأتي عند قوله: وفسد في الكل في بيع ثلة الخ هذا، وما ذكره عن الحلواني في البيع بالرقم جزم بخلافة في الهندية آخر باب المرابحة، وذكر أن العلم في المجلس يجعل كابتداء العقد، ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس، وبه جزم في الفتح هناك أيضا.
قوله: (ففي بيع التعاطي بالاولى الخ) مأخوذ عن البحر حيث قال: ففي بيع التعاطي بالاولى، وهو صريح الخلاصة.
والبزازية: إن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع، لانه بناء على السابق وهو محمول على ما ذكرناه ا ه.
وقوله على ما ذكرناه: أي من أن عدم الانعقاد قبل متاركة الاول وهو معنى قول الشارح، فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك، ومراده بما في الخلاصة ما قدمه من قوله كما لو كان بعد عقد فاسد، ونقلنا عبارتها وعبارة البزازية، وليس فيها التقييد بما قبل متاركة الاول، فقيده الشارح به تبعا للبحر لئلا يخالف كلام غيرها، فافهم.
قوله: (وتمامه في الاشباه من الفوائد) أي في آخر الفن الثالث، وليس فيه زيادة على أصل المسألة، فلعله أراد ما كتب على الاشباه في ذلك الموضع أو ما أشبه هذه المسألة مما تفرع على الاصل المذكور.
قوله: (إذا بطل المتضمن) بالكسر بطل المتضمن ب الفتح، فإنه لما بطل البيع الاول بطل ما تضمنه من
القبض إذا كان قبل المتاركة.
قال ح: وهو بدل من الفوائد بدل بعض من كل اه ط.
وفي هذه القاعدة بحث سنذكره عند الكلام على بيع الثمرة البارزة.
قوله: (فتحرر ثلاثة أقوال) هذا الاختلاف نشأ من كلام الامام محمد، فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع، فصوره في موضع بالاعطاء من الجانبين، ففهم منه البعض أنه شرط وصوره في موضع بالاعطاء من أحدهما، ففهم البعض أنه يكتفي به، وصوره في موضع بتسليم المبيع، ففهم البعض أن تسليم الثمن لا يكفي.
بحر عن الذخيرة ط.
قوله: (وحررنا في شرح الملتقى الخ) عبارته عن البزازية: الاقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح اه.
وكذا الاجارة كما في العمادية، وكذا الصرف كما في النهر مستدلا عليه(5/19)
بما في التتارخانية: اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار، فأعطاه مائة دينار ثم فسخ البيع، فعلى قول الامام: الصرف جائز ويرد الدراهم، وعلى قول أبي يوسف: الصرف باطل، وهي فائدة حسنة لم أر من نبه عليها ا ه.
تتمة: طالب مديونه فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما وقال: خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا، وإن لم يعلماه فلا.
ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشتراه إلى من يطلبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه، وكذا تسليم الوكيل بالشراء إلى الموكل بعدما أنكر التوكيل.
ومنه حكما ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة، وحلف حل للمودع وطؤها وكان بيعا بالتعاطي.
وعن أبي يوسف: لو قال للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها، وينبغي تقييده بما إذا كانت العين للدافع ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي بها كما في الفتح، وعلى هذا فلا بد من الرضا في جارية الوديعة والبطانة، وتمامه في البحر.
قوله: (ما يستجره الانسان الخ) ذكر في البحر أن من شرائط المعقود عليه أن يكون موجودا، فلم ينعقد بيع المعدوم.
ثم قال: ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية: الاشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها ثم اشتراها بعدما انعدمت صح ا ه.
فيجوز بيع المعدوم هنا ا ه.
وقال بعض الفضلاء: ليس هذا بيع معدوم، إنما هو
من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفا تسهيلا للامر ودفعا للحرج كما هو العادة، وفيه أن الضمان بالاذن مما لا يعرف في كلام الفقهاء، حموي.
وفيه أيضا أن ضمان المثليات بالمثل لا بالقيمة، والقيميات بالقيمة لا بالثمن ط.
قلت: كل هذا قياس، وقد علمت أن المسألة استحسان ويمكن تخريجها على فرض الاعيان، ويكون ضمانها بالثمن استحسانا، وكذا حل الانتفاع في الاشياء القيمية، لان قرضها فاسد لا يحل الانتفاع به، وإن ملكت بالقبض وخرجها في النهر على كون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي، وأنه لا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لانه معلوم ا ه.
واعترضه الحموي بأن أثمان هذه تختلف فيفضي إلى المنازعة ا ه.
قلت: ما في النهر مبني على أن الثمن معلوم، لكنه على هذا لا يكون من بيع المعدوم، بل كلما أخذ شيئا انعقد بيعا بثمنه المعلوم.
قال في الولوالجية: دفع دراهم إلى خباز فقال: اشتريت منك مائة من من خبز وجعل يأخذ كل يوم خمسة أمناء فالبيع فاسد، وما أكل فهو مكروه، لانه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا.
ولو أعطاه الدراهم وجعل يأخذ منه كل يوم خمسة أمناء ولم يقل في الابتداء اشتريت منك يجوز، وهذا حلال، وأن كان نيته وقت الدفع والشراء، لانه بمجرد النية لا ينعقد البيع، وإنما ينعقد البيع الآن بالتعاطي والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحا ا ه.
قلت: ووجهه أن ثمن الخبز معلوم، فإذا انعقد بيعا بالتعاطي وقت الاخذ مع دفع الثمن قبله، فكذا إذا تأخر دفع الثمن بالاولى، وهذا ظاهر فيما كان ثمنه معلوما وقت الاخذ مثل الخبز واللحم: أما إذا كان ثمنه مجهولا فإنه وقت الاخذ لا ينعقد بيعا بالتعاطي لجهالة الثمن، فإذا تصرف فيه الآخذ وقد دفعه البياع برضاه بالدفع وبالتصرف فيه على وجه التعويض عنه لم ينعقد بيعا، وإن كان على(5/20)
نية البيع لما علمت من أن البيع لا ينعقد بالنية، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته، فإذا توافقا على شئ بدل المثل أو القيمة برئت ذمة الآخذ، لكن يبقى الاشكال في جواز التصرف فيه إذا كان قيميا، فإن قرض القيمي لا يصح فيكون تصحيحه هنا استحسانا كقرض الخبز والخميرة
ويمكن تخريجه على الهبة بشرط العوض، أو على المقبوض على سوم الشراء.
ثم رأيته في الاشباه في القول في ثمن المثل حيث قال: ومنها لو أخذ من الارز والعدس وما أشبهه، وقد كان دفع إليه دينارا مثلا لينفق عليه، ثم اختصما بعد ذلك في قيمته هل تعتبر قيمته يوم الاخذ أو يوم الخصومة؟ قال في التتمة: تعتبر يوم الاخذ، قيل له: لو لم يكن دفع إليه شيئا بل كان يأخذ منه على أن يدفع إليه ثمن ما يجتمع عنده.
قال: يعتبر وقت الاخذ لانه سوم حين ذكر الثمن ا ه.
قوله: (بيع البراءات) جمع براءة، وهي الاوراق التي يكتبها كتا ب الديوان على العاملين على البلاد بحظ كعطاء أو على الاكارين بقدر ما عليهم، وسميت براءة لانه يبرأ بدفع ما فيها ط.
قوله: (بخلاف بيع حظوظ الائمة) بالحاء المهملة والظاء المشالة جمع حظ، بمعنى: النصيب المرتب له من الوقف: أي فإنه يجوز بيعه، وهذا مخالف لما في الصيرفية فإن مؤلفها سئل عن بيع الحظ فأجاب: لا يجوز.
ط عن حاشية الاشباه.
قلت: وعبارة الصيرفية هكذا: سئل عن بيع الخط قال: لا يجوز، لانه لا يخلو إما إن باع ما فيه أو عين الخط.
لا وجه للاول لانه بيع ما ليس عنده، ولا وجه للثاني لان هذا القدر من الكاغد ليس متقوما، بخلاف البراءة، لان هذه الكاغدة متقومة ا ه.
قلت: ومقتضاه أن الخط بالخاء المعجمة والطاء المهملة، وهذا لا يخالف ما ذكره الشارح، لان المراد بحظوظ الائمة ما كان قائما في يد المتولي من نحو خبز أو حنطة قد استحقه الامام وكلام الصيرفية فيما ليس بموجود.
قوله: (ثمة) أي هناك: أي في مسألة بيع حظوظ الائمة، وأشار إليها بالبعيد لان الكلام كان في بيع البراءات، ولذا أشار إليها بلفظ هنا.
قوله: (من المشرف) أي المباشر الذي يتولى قبض الخبز.
قوله: (بخلاف الجندي) أي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته من حاشية السيد أبي السعود.
مطلب في بيع الاستجرار قوله: (وتعقبه في النهر) أي تعقب ما ذكر من مسألة بيع الاستجرار وما بعده، حيث قال: أقول الظاهر أن ما في القنية ضعيف، لاتفاق كلمتهم على أن بيع المعدوم لا يصح، وكذا غير
المملوك، وما المانع من أن يكون المأخوذ من العدس ونحوه بيعا بالتعاطي، ولا يحتاج في مثله إلى بيان الثمن لانه معلوم كما سيأتي.
وحظ الامام لا يملك قبل القبض، فأنى يصح بيعه، وكن على ذكر مما قاله ابن وهبان في كتاب الشرب ما في القنية: إذا كان مخالفا للقواعد لا التفات إليه ما لم يعضده نقل من غيره ا ه.
وقدمنا الكلام على بيع الاستجرار.
وأما بيع حظ الامام فالوجه ما ذكره من عدم صحة بيعه.
ولا ينافي ذلك أنه لو مات يورث عنه لانه أجرة استحقها، ولا يلزم من الاستحقاق الملك، كما قالوا في الغنيمة بعد إحرازها بدار الاسلام: فإنها حق تأكد بالاحراز، ولا(5/21)
يحصل الملك فيها للغانمين إلا بعد القسمة، والحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط كما في الفتح.
وعن هذا بحث في البحر هناك بأنه ينبغي التفصيل في معلوم المستحق بأنه إن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الاحراز، وإن مات قبل ذل ك لا يورث، لكن قدمنا هناك أن معلوم الامام له شبه الصلة وشبه الاجرة، والارجح الثاني، وعليه يتحقق الارث ولو قبل إحراز الناظر، ثم لا يخفى أنها لا تملك قبل قبضها فلا يصح بيعها.
مطلب في بيع الجامكية قوله: (وأفتى المصنف الخ) تأييدلكلام النهر.
وعبارة المصنف في فتاواه: سئل عن بيع الجامكية: وهو أن يكون لرجل جامكية في بيت المال، ويحتاج إلى دراهم معجلة قبل أن تخرج الجامكية فيقول له رجل بعتني جامكيتك التي قدرها كذا بكذا أنقص من حقه في الجامكية فيقول له بعتك فهل البيع المذكور صحيح أم لا لكونه بيع الدين بنقد؟ أجاب إذا باع الدين من غير من هو عليه كما ذكر لا يصح.
قال: مولانا في فوائده: وبيع الدين لا يجوز، ولو باعه من المديون أو وهبه ا ه.
قوله: (وفيها) الظاهر أن الضمير للقنية، ويحتمل عوده لفتاوى المصنف المفهومة من أفتى، وأما ضمير وفيها الآتية فللاشباه ا ه ح.
مطلب: لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة
قوله: (لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة على الملك) قال في البدائع: الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها.
أقول: وكذا لا تضمن بالاتلاف.
قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، لان الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلا إذا فوت حقا مؤكدا، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن، ولذا لا يضمن بإتلاف شئ من الغنيمة أو وطئ جارية منها قبل الاحراز، لان الفائت مجرد الحق وأنه غير مضمون وبعد الاحراز بدار الاسلام، ولو قبل القسمة يضمن لتفويت حقيقة الملك، ويجب عليه القيمة في قتله عبدا من الغنيمة بعد الاحراز في ثلاث سنين، بيري.
وأراد بقوله لتفويت حقيقة الملك: الحق المؤكد، إذ لا تحصل حقيقة الملك إلا بعد القسمة كما مر.
قوله: (كحق الشفعة) قال في الاشباه: فلو صالح عنها بمال بطلت ورجع، ولو صالح المخيرة بمال لتختاره بطل ولا شئ لها، ولو صالح إحدى زوجتيه بمال لتترك نوبتها لم يلزم ولا شئ لها، وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف في الاوقاف وخرج عنها حق القصاص.
وملك النكاح وحق الرق فإنه يجوز الاعتياض عنها كما ذكره الزيلعي في الشفعة،(5/22)
والكفيل بالنفس إذا صالح المكفول له بمال لا يصح ولا يجب، وفي بطلانها روايتان، وفي بيع حق المرور في الطريق روايتان، وكذا بيع الشرب إلا تبعا ا ه.
مطلب في الاعتياض عن الوظائف والنزول عنها قوله: (وعلى هذا لا يجوز الاعتياض عن الوظائف بالاوقاف) من إمامة وخطابة وأذان وفراشة وبوابة، ولا على وجه البيع أيضا، لان بيع الحق لا يجوز كما في شرح الادب وغيره.
وفي الذخيرة: أن أخذ الدار بالشفعة أمر عرف، بخلاف القياس فلا يظهر ثبوته في حق جواز الاعتياض عنه ه.
أقول: والحق في الوظيفة مثله والحكم واحد.
بيري.
قوله: (المذهب عدم اعتبار العرف الخاص) قال في المستصفي: التعامل العام: أي الشائع المستفيض، والعرف المشترك لا يصح
الرجوع إليه مع التردد ا ه.
وفي محل آخر منه.
ولا يصلح مقيدا، لانه لما كان مشتركا كان متعارضا ا ه.
بيري.
وفي الاشباه عن البزازية: وكذا أي تفسد الاجارة لو دفع إلى حائك غزلا على أن ينسجه بالثلث، ومشايخ بلخ وخوارزم أفتوا بجواز إجارة الحائك للعرف، وبه أفتى أبو علي النسفي أيضا، والفتوى على جواب الكتاب، لانه منصوص عليه فيلزم إبطال النص ا ه.
فأفاد أن عدم اعتباره بمعنى أنه إذا وجد النص، بخلافه لا يصلح ناسخا للنص، ولا مقيدا له، وإلا فقد اعتبروه في مواضع كثيرة منها مسائل الايمان، وكل عاقد وواقف وحالف يحمل كلامه على عرفه، كما ذكره ابن الهمام.
وأفاد ما مر أيضا أن العرف العام يصلح مقيدا، ولذا نقل البيري في مسألة الحائك المذكورة: قال السيد الشهيد: لا نأخذ باستحسان مشايخ بلخ، بل نأخذ بقول أصحابنا المتقدمين، لان التعامل في بلد لا يدل على الجواز ما لم يكن على الاستمرار من الصدر الاول، فيكون ذلك دليلا على تقرير النبي عليه الصلاة والسلام إياهم على ذلك، فيكون شرعا منه، فإذا لم يكن كذلك لا يكون فعلهم حجة إلا إذا كان كذلك من الناس كافة في البلدان كلها فيكون إجماعا، والاجماع حجة، ألا ترى أنهم لو تعاملوا على بيع الخمر والربا لا يفتى بالحل اه.
قلت: وبه ظهر الفرق بين العرف الخاص والعام، وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا المسماة: بنشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف.
مطلب في النزول عن الوظائف بمال قوله: (وعليه فيفتى بجواز النزول عن الوظائف بما) قال العلامة العيني في فتاواه: ليس للنزول شئ يعتمد عليه، ولكن العلماء والحكام مشوا ذلك للضرورة، واشترطوا إمضاء الناظر لئلا يقع فيه نزاع اه.
ملخصا من حاشبة الاشباه للسيد أبي السعود.
وذكر الحموي أن العيني ذكر في(5/23)
شرح نظم درر البحار في باب القسم بين الزوجات: أنه سمع من بعض شيوخه الكبار أنه يمكن أن يحكم بصحة النزول عن الوظائف الدينية قياسا على ترك المرأة قسمها لصحبتها، لان كلا منهما مجرد إسقاط اه.
مطلب في العرف الخاص والعام وقلت: وقدمنا في الوقف عن البحر أن للمتولي عزل نفسه عند القاضي، وأن من العزل الفراغ لغيره عن وظيفة النظر أو غيره، وأنه لا ينعزل بمجرد عزل نفسه، خلافا للعلامة قاسم، بل لا بد من تقرير القاضي المفروغ له لو أهلا، وأنه لا يلزم القاضي تقريره ولو أهلا، وأنه جرى العرف بالفراغ بالدراهم، ولا يخفى ما فيه، فينبغي الابراء العام بعده ا ه: لما فيه من شبهة الاعتياض عن مجرد الحق، وقد مر أنه لا يجوز وليس فيما ذكر عن العيني جوازه، لكن قال الحموي: وقد استخرج شيخ مشايخنا نور الدين على المقدسي صحة الاعتياض عن ذلك في شرحه على نظم الكنز من فرع في مبسوط السرخسي، وهو أن العبد الموصى برقبته لشخص وبخدمته لآخر لو قطع طرفه أو شج موضحة فأدى الارش، فإن كانت الجناية تنقص الخدمة يشتري به عبد آخر يخدمه، أو يضم إليه ثمن العبد بعد بيعه فيشتري به عبد يقوم مقام الاول، فإن اختلفا في بيعه لم يبع، وإن اصطلحا على قسمة الارض بينهما نصفين فلهما ذلك، ولا يكون ما يستوفيه الموصى له بالخدمة من الارض بدل الخدمة لانه لا يملك الاعتياض عنها، ولكنه إسقاط لحقه به، كما لو صالح موصى له بالرقبة على مال دفعه للموصى له بالخدمة ليسلم العبد له ا ه.
قال: فربما يشهد هذا النزول عن الوظائف بمال ا ه.
قال الحموي: فليحفظ هذا فإنه نفيس جدا ا ه.
وذكر نحوه البيري عند قول الاشباه: وينبغي أنه لو نزل له وقبض المبلغ، ثم أراد الرجوع عليه لا يملك ذلك، فقال: أي على وجه إسقاط الحق إلحاقا له بالوصية بالخدمة والصلح عن الالف على خمسمائة، فإنهم قالوا: يجوز أخذ العوض على وجه الاسقاط للحق، ولا ريب أن الفارغ يستحق المنزول به، استحقاقا خاصا بالتقرير ويؤيده ما في خزانة الاكمل: وإن مات العبد الموصى بخدمته بعد ما قبض الموصى له بدل الصلح فهو جائز ا ه.
ففيه دلالة على أنه لا رجوع على النازل، وهذا الوجه هو الذي يطمئن به القلب لقربه ا ه.
كلام البيري.
ثم استشكل ذلك بما مر من عدم جواز الصلح عن حق الشفعة والقسم، فإنه يمنع جواز أخذ العوض هنا، ثم قال: ولقائل أن يقول هذا حق جعله الشرع لدفع الضرر، وذلك حق فيه صلة ولا جامع بينهما فافترقا، وهو الذي يظهر اه.
وحاصله: أن ثبوت حق الشفعة للشفيع وحق القسم للزوجة وكذا حق الخيار في النكاح للمخيرة إنما هو لدفع الضرر عن الشفيع والمرأة، وما ثبت لذلك لا يصح الصلح عنه، لان صاحب الحق لما رضي علم أنه لا يتضرر بذلك فلا يستحق شيئا، أما حق الموصى له بالخدمة، فليس كذلك، بل ثبت له على وجه البر والصلة فيكون ثابتا له أصالة فيصح الصلح عنه إذا نزل عنه لغيره، ومثله ما مر عن الاشباه من حق القصاص والنكاح والرق حيث صح الاعتياض عنه، لانه ثابت لصاحبه أصالة لا على وجه رفع الضرر عن صاحبه، ولا يخفى أن صاحب الوظيفة ثبت له الحق فيه(5/24)
بتقرير القاضي على وجه الاصالة لا على وجه رفع الضرر، فإلحاقها بحق الموصى له بالخدمة، وحق القصاص وما بعده أولى من إلحاقها بحق الشفعة والقسم وهذا كلام وجيه لا يخفى على نبيه، وبه اندفع ما ذكره بعض محشي الاشباه من أن المال الذي يأخذه النازل عن الوظيفة رشوة، وهي حرام بالنص، والعرف لا يعارض النص، وجه الدفع ما علمت من أنه صلح عن حق كما في نظائره، والرشوة لا تكون بحق.
واستدل بعضهم للجواز بنزول سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله تعالى عنهما، عن الخلافة لمعاوية على عوض، وهو ظاهر أيضا، وهذا أولى مما قدمناه في الوقف عن الخيرية من عدم الجواز، ومن أن للمفروغ له الرجوع بالبدل، بناء على أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، وأنه لا يجوز الاعتياض عن مجرد الحق لما علمت من أن الجواز ليس مبنيا على اعتبار العرف الخاص، بلى على ما ذكرنا من نظائره الدالة عليه، وأن عدم جواز الاعتياض عن الحق ليس على إطلاقه.
ورأيت بخط بعض العلماء عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجواز أخذ العوض في حق القرار والتصرف، وعدم صحة الرجوع.
وبالجملة فالمسألة ظنية، والنظائر المتشابهة للبحث فيها مجال وإن كان الاظهر فيها ما قلنا، فالاولى ما قاله في البحر من أنه ينبغي الابراء العام بعده، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تنبيه: ما قلنا في الفراغ عن الوظيفة يقال مثله في الفراغ عن حق التصرف في مشد مسكة الاراضي ويأتي بيانها قريبا، وكذا في فراغ الزعيم عن تيماره، ثم إذا فرغ عنه لغيره ولم يوجهه
السلطان للمفروغ له بل أبقاه على الفارغ أو وجهه لغيرهما ينبغي أن يثبت الرجوع للمفروغ له على الفارغ ببدل الفراغ، لانه لم يرض بدفعه إلا بمقابلة ثبوت ذلك الحق له، لا بمجرد الفراغ وإن حصل لغيره، وبهذا أفتى في الاسماعيلية والحامدية وغيرهما، خلافا لما أفتى به بعضهم عن عدم الرجوع، لان الفارغ فعل ما وسعه وقدرته، إذ لا يخفى أنه غير مقصود من الطرفين، ولا سيما أذا أبقى السلطان والقاضي التيمار أو الوظيفة على الفارغ فإنه يلزم اجتماع العوضين في تصرفه وهو خلاف قواعد الشرع فافهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.
مطلب في خلو الحوانيت قوله: (وبلزوم خلو الحوانيت) عبارة الاشباه: أقول على اعتباره: أي اعتبار العرف الخاص ينبغي أن يفتي بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفا، وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف ا ه.
وقد أعاد الشارح ذكر هذه المسألة قبيل كتاب الكفالة، ثم قال قلت: وأيده في زواهر الجواهر بما في واقعات الضريري: رجل في يده دكان فغاب فرفع المتولي أمره للقاضي، فأمره القاضي بفتحه وإجارته، ففعل المتولي ذلك وحضر(5/25)
الغائب فهو أولى بدكانه، وإن كان له خلو فهو أولى بخلوه أيضا، وله الخيار في ذلك، فإن شاء فسخ الاجارة وسكن في دكانه، وإن شاء أجازها ورجع بخلوه على المستأجر، ويؤمر المستأجر بأداء ذلك إن رضي به، وإلا يؤمر بالخروج من الدكان ا ه.
بلفظه اه.
لكن قال السيد الحمو أقول: ما نقل عن واقعات الضريري من ذكر لفظة الخلو، فضلا عن أن يكون المراد بها ما هو المتعارف كذب، فإن الاثبات من النقلة كصاحب جامع الفصولين نقل عبارة الضريري ولم يذكر فيها لفظ الخلو، وهذا وقد اشتهر نسبة مسألة الخلو إلى مذهب الامام مالك، والحال أنه ليس فيه نص عنه ولا عن أحد من أصحابه، حتى قال البدر القرافي من
المالكية: إنه لم يقع في كلام الفقهاء التعرض لهذه المسألة وإنما فيها فتيا للعلامة ناصر الدين اللقاني المالكي بناها على العرف وخرجها عليه، وهو من أهل الترجيح فيعتبر تخريجه وإن نوزع فيه، وقد انتشرت فتياه في المشارق والمغارب وتلقاها علماء عصره بالقبول ا ه.
قلت: ورأيت في فتاوى الكازروني عن العلامة اللقاني: أنه لو مات صاحب الخلو يوفى منه ديونه ويورث عنه وينتقل لبيت المال عند فقد الوارث ا ه.
هذا، وقد استدل بعضهم على لزومه وصحة بيعه عندنا بما في الخانية: رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا فظهر أنها أكثر من ذلك، قالوا: ليس له أن يرد السكنى بهذا العيب ا ه.
وللعلامة الشرنبلالي رسالة رد فيها على هذا المستدل بأنه لم يفهم معنى السكنى، لان المراد بها عين مركبة في الحانوت وهي غير الخلو.
ففي الخلاصة: اشترى سكنى حانوت في حانوت رجل مركبا وأخبره البائع أن أجرة الحانو ت كذا فإذا هي أكثر ليس له أن يرد، وفي جامع الفصولين عن الذخيرة: شرى سكنى في دكان وقف فقال المتولي: ما أذنت له: أي للبائع بوضعها فأمره: أي أمر المشتري بالرفع، فلو شراه بشرط القرار يرجع على بائعه، وإلا فلا يرجع عليه بثمنه ولا بنقصانه ا ه.
ثم نقل عن عدة كتب ما يدل على أن السكنى عين قائمة في الحانوت، ورد فيها أيضا على الاشباه بأن الخلو لم يقل به إلا متأخر من المالكية، حتى أفتى بصحة وقفه، ولزم منه أن أوقاف المسلمين صارت للكافرين، بسبب وقف خلوها على كنائسهم، وبأن عدم إخراج صاحب الحانوت لصاحب الخلو يلزم منه حجر الحر المكلف عن ملكه وإتلاف ماله، مع أن صاحب الخلو لا يعطي أجر المثل، ويأخذ هو في نظير خلوه قدرا كثيرا، بل لا يجوز هذا في الوقف.
وقد نصوا على أن من سكن الوقف يلزمه أجر المثل، وفي ومنع الناظر من إخراجه تفويت نفع الوقف وتعطيل ما شرطه الواقف من إقامة شعائر مسجد ونحوها ا ه ملخصا.
مطلب في الكدك قلت: وما ذكره حق خصوصا في زماننا هذا، وأما ما يتمسك به صاحب الخلو من أن اشترى خلوه بمال كثير، وأنه بهذا الاعتبار تصير أجرة الوقف شيئا قليلا فهو تمسك باطل، لان ما أخذه منه
صاحب الخلو الاول لم يحصل منه نفع للوقف فيكون الدافع هو المضيع ماله، فكيف يحل له ظلم(5/26)
الوقف؟ بل يجب عليه دفع أجرة مثله، وإن كان له فيه شئ زائد على الخلو من بناء ونحوه مما يسمى في عرفنا بالكدك، وهو المراد من لفظ السكنى المار، فإذا لم يدفع أجرة مثله لم يؤمر برفعه، وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار، ويرجع هذا إلى مسألة الارض المحتكرة المنقولة في أوقاف الخصاف حيث قال: حانوت أصله وقف وعمارته لرجل وهو لا يرضى أن يستأجر أرضه بأجر المثل، قالوا: إن كانت العمارة بحيث لو رفعت يستأجر الاصل بأكثر مما يستأجر صاحب البناء كلف رفعه ويؤجر من غيره، وإلا يترك في يده بذلك الاجرا ه.
وقوله: وإلا يترك في يده يفيد أنه أحق من غيره، حيث كان ما يدفعه أجر المثل، فهنا يقال: ليس للمؤجر أن يخرجه ولا أن يأمره برفعه، إذ ليس في استبقائه ضرر على الوقف مع الرفق به بدفع الضرر عنه، كما أوضحناه في الوقف.
وعن هذا قال في جامع الفصولين وغيره: بنى المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار، وهو المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجر المثل اه.
وفي الخيرية: وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار، وهو أن يحدث المزارع والمستأجر في الارض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده ا ه.
وقد يقال: إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الارض بالتراب، فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل، ومثله ما لو كان يرم دكان الوقف، ويقوم بلوازمها من ماله بإذن الناظر، أما مجرد وضع اليد على الدكان ونحوها وكونه يستأجرها عدة سنين بدون شئ مما ذكر فهو غير معتبر، فللمؤاجر إخراجها من يده إذا مضت مدة إجارته وإيجارها لغيره، كما أوضحناه في رسالتنا تحرير العبارة في بيان من هو أحق بالاجارة، وذكرنا حاصلها في الوقف، وعلى ما ذكرناه من أن صاحب الخلو المعتبر أحق من غيره، لو استأجر بأجر المثل يحمل ما ذكره في الخيرية من الوقف حيث سئل في الخلو الواقع في غالب الاوقاف المصرية والاوقاف الرومية في الحوانيت وغيرها، هل يصير حقا لازما لصاحب الخلو، ويجوز بيع سكناه وشراؤه، وإذا حكم به حاكم شرعي
يمتنع على غيره من حكام الشرع الشريف نقضه؟ ثم ذكر في الجواب عبارة الاشباه وواقعات الضريري وما ذكرناه من مسألة الارض المحتكرة ومسألة حق القرار ومسألة بيع السكنى.
ثم قال: أقول: ليس الغرض بإيراد هذه الجمل القطع بالحكم، بل ليقع اليقين بارتفاع الخلاف بالحكم حيث استوفى شرائطه من مالكي يراه أو غيره صح ولزم وارتفع الخلاف خصوصا فيما للناس إليه ضرورة، لا سيما في المدن المشهورة كمصر ومدينة الملك فإنهم يتعاطونه ولهم فيه نفع كلي ويضر بهم نقضه وإعدامه، فلربما بفعله تكثر الاوقاف، ألا ترى ما فعله الغوري كما مر.
ومما بلغني أن بعض الملوك عمر مثل ذلك بأموال التجار ولم يصرف عليه من ماله الدرهم والدينار، وكان (ص) يحب ما خفف عن أمته، والدين يسر ولا مفسدة في ذلك في الدين، ولا عار به على الموحدين، والله تعالى أعلم ا ه ملخصا.
وممن أفتى بلزوم الخلو الذي يكون بمقابلة دراهم بدفعها للمتولي أو المالك العلامة المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي صاحب هدية ابن العماد، وقال: فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه ولا إجارتها لغيره ما لم يدفع له المبلغ المرقوم، فيفتى بجواز ذلك للضرورة قياسا على بيع الوفاء الذي تعارفه المتأخرون احتيالا على الربا الخ.
قلت: وهو مقيد أيضا بما قلنا بما إذا كان يدفع أجر المثل، وإلا كانت سكناه بمقابلة ما دفعه(5/27)
من الدراهم عين الربا، كما قالوا فيمن دفع للمقرض دارا ليسكنها أو حمارا ليركبه إلى أن يستوفي قرضه أنه يلزمه أجرة الدار أو الحمار على أن ما يأخذه المتولي من الدراهم ينتفع به لنفسه، فلو لم يلزم صاحب الخلو أجر المثل للمستحقين يلزم ضياع حقهم، اللهم إلا أن يكون ما قبضه المتولي صرفه في عمارة الوقف، حيث تعين ذلك طريقا إلى عمارته ولم يوجد من يستأجره بأجرة المثل مع دفع ذلك المبلغ اللازم للعمارة فحينئذ قد يقال بجواز سكناه بدون أجرة المثل للضرورة، ومثل ذلك يسمى في زماننا مرصدا كما قدمناه في الوقف، والله سبحانه أعلم.
بقي طريق معرفة أجر المثل، وينبغي أن يقال فيه: إنا ننظر إلى ما دفعه صاحب الخلو للواقف أو المتولي على الوجه الذي ذكرناه وإلى ما ينفقه في مرمة الدكان ونحوها، فإذا كان الناس يرغبون
في دفع جميع ذلك لصاحب الخلو ومع ذلك يستأجرون الدكان بمائة مثلا، فالمائة هي أجرة المثل ولا ينظر إلى ما دفعه هو إلى صاحب الخلو السابق من مال كثير طمعا في أن أجرة هذه الدكان عشرة مثلا كما هو الواقع في زماننا، لان ما دفعه من المال الكثير لم يرجع منه نفع للوقف أصلا، بل هو محض ضرر بالوقف، حيث لزم منه استئجار الدكان بدون أجرتها بغبن فاحش، وإنما ينظر إلى ما يعود نفعه إلى الوقف فقط كما ذكرنا، نعم جرت العادة أن صاحب الخلو حين يستأجر الدكان بالاجرة اليسيرة يدفع للناظر دراهم تسمى خدمة، هي في الحقيقة تكملة أجرة المثل أو دونها، وكذا إذا مات صاحب الخلو أو نزل عن خلوه لغيره يأخذ الناظر من الوارث أو المنزول له دراهم تسمى تصديقا، فهذه تحسب من الاجرة أيضا، ويجب على الناظر صرفها إلى جهة الوقف كما قدمناه في كتاب الوقف في مسألة العوائد العرفية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
تنبيه: ذكر السيد محمد أبو السعود في حاشيته على الاشباه: أن الخلو يصدق بالعين المتصل اتصال قرار وبغيره، وكذا الجدك المتعارف في الحوانيت المملوكة ونحوها كالقهاوي، تارة يتعلق بماله حق القرار كالبناء بالحانوت، وتارة يتعلق بما هو أعم من ذلك، والذي يظهر أنه كالخلو في الحكم بجامع وجود العرف في كل منهما، والمراد بالمتصل اتصال قرار ما وضع لا ليفصل كالبناء، ولا فرق في صدق كل من الخلو والجدك به، وبالمتصل لا على وجه القرار كالخشب الذي يركب بالحانوت لوضع عدة الحلاق مثلا، فإن الاتصال وجد لكن لا على وجه القرار، وكذا يصدقان بمجرد المنفعة المقابلة للدراهم، لكن ينفرد الجدك بالعين الغير المتصلة أصلا كالبكارج والفناجين بالنسبة للقهوة والمقشة والفوط بالنسبة للحمام والشونة بالنسبة للفرن، وبهذا الاعتبار يكون الجدك أعم.
بقي لو كان الخلو بناء أو غراسا بالارض المحتكرة أو المملوكة يجري فيه حق الشفعة، لانه لما اتصل بالارض اتصال قرار التحق بالعقار ا ه.
قلت: ما ذكره من جريان الشفعة فيه سهو ظاهر لمخالفته المنصوص عليه في كتب المذهب، كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى، فافهم.
هذا غاية ما تحرر لي في مسألة الخلو فاغتنمه فإنه
مفرد، وقد أوضحنا الفرق في باب مشد المسكة من تنقيح الفتاوى الحامدية بين المشد والخلو والجدك والقيمة والمرصد المتعارفة في زماننا إيضاحا لا يوجد في غير ذلك الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب.
قوله: (وفي معين المفتي الخ) أفاد به أن الخلو إذا لم يكن عينا قائمة لا يصح(5/28)
بيعه.
قوله: (جاز) ترك قيدا ذكره في معين المفتي وهو قوله: إذا لم يشترط تركها ا ه.
ومثله في الخانية: أي لانه شرط مفسد للبيع.
قوله: (وإن كرابا أو كرى انهار) في المغرب: كرب الارض كربا: قلبها للحرث من باب طلب، وكريت النهر كريا: حفرته.
قوله: (ولا بمعنى مال) لعل المراد به التراب المسمى كبسا وهو ما تكبس به الارض: أي تطم وتسوى، فتأمل: وفي ط: وهو كالسكنى في الارض الموقوفة بطريق الخلو وكالجدك على ما سلف.
مطلب في بيان مشد المسكة قوله: (ومفاده أن بيع المسكة لا يجوز) لانها عبارة عن كراب الارض وكري أنهارها، سميت مسكة لان صاحبها صار له مسكة بها، بحيث لا تنزع من يده بسببها، وتسمى أيضا مشد مسكة، لان المشد من الشدة بمعنى القوة: أي قوة التمسك، ولها أحكام مبنية على أوامر سلطانية أفتى بها علماء الدولة العثمانية ذكرت كثيرا منها في بابها من تنقيح الفتاوى الحامدية، منها: أنها لا تورث، وإنما توجه للابن القادر عليها دون البنت، وعند عدم الابن تعطى للبنت فإن لم توجد فللاخ لاب، فإن لم يوجد فللاخت الساكنة في القرية، فإن لم توجد فللام.
وذكر الشارح في خراج الدر المنتقى: أنها تنتقل للابن ولا تعطى البنت حصة، وإن لم يترك ابنا بل بنتا لا يعطيها ويعطيها صاحب التيمار لمن أراد وفي سنة ثمانية وخمسين وتسعمائة في مثل هذه الاراضي التي تحيا وتفلح بعمل وكلفة دراهم فعلى تقدير أن تعطى للغير بالطابو، فالبنات لما كان يلزم حرمانهن من المال الذي صرفه أبوهن ورد الامر السلطاني بالاعطاء لهن، لكن تنافس الاخت البنت في ذلك، فيؤتى بجماعة ليس لهن غرض، فأي مقدار قدروا به الطابو تعطيه البنات ويأخذن الارض ا ه.
ونقل في
الحامدية أنه إذا وقع التفويض بلا إذن صاحب الارض: يعني التيماري الذي وجه السلطان له أخذ خراجها لا تزول الارض على يد المفوض حقيقة، فكانت في يد المفوض إليه عارية، وإذا كانت الارض وقفا فتفويضا متوقف على إذن الناظر لا على إجازة التيمار، ولا تؤجر ممن لا مسكة له مع وجوده بدون وجه شرعي، وإذا زرع أجنبي فيها بلا إذن صاحب المسكة يؤمر بقلع الزرع ويسقط حق صاحبها منها بتركها ثلاث سنوات اختيارا ا ه.
فافهم.
قوله: (ولذا جعلوه) أي جعلوا بيعها، والمراد به الخروج عنها: يعني أن المسكة لما لم تكن مالا متقوما لا يمكن بيعها، فإذا أراد صاحبها(5/29)
النزول عنها لغيره بعوض جعلوا ذلك بطريق الفراغ كالنزول عن الوظائف، وقدمنا عن المفتي أبي السعود أنه أفتى بجوازه، وكأن الشارح لم يطلع على ذلك فأمر بتحريره، والله سبحانه أعلم.
قوله: (وسنذكره في بيع الوفاء) أي قبيل كتاب الكفالة، والذي ذكره هناك هو النزول عن الوظائف ومسألة الخلو ولم يتعرض هناك للمسكة.
مطلب في انعقاد البيع بلفظ واحد من الجانبين قوله: (وينعقد أيضا) أي كما ينعقد بإيجاب وقبول منهما أو بتعاط من الجانبين ط.
قوله: (بلفظ واحد) ظاهره أنه لا يكون بالتعاطي هنا.
قوله: (كما في بيع القاضي) أي بيعه مال اليتيم من يتيم آخر أو شرائه له كذلك، أما عقده لنفسه فلا يجوز، لان فعله قضاء وقضاؤه لنفسه باطل.
أفاده في البحر جامعا بذلك بين ما في البدائع من الجواز وما في الخزانة من عدمه ط.
قوله: (والوصي) أي إذا اشترى لليتيم من مال نفسه أو لنفسه منه بشرطه المعروف، وقيده في نظم الزندويستي بما إذا لم يكن نصبه القاضي ا ه.
فتح: أي لان وصي القاضي وكيل محض والوصي لا يملك البيع أو الشراء لنفسه خلاصة، وأراد بالشرط المعروف الخيرية، وهي في الشراء من مال اليتيم لنفسه أو يكون ما يساوي عشرة بخمسة عشر، وفي البيع منه بالعكس وقيل: يكتفي بدرهمين في العشرة، والاول المعتمد كما قدمناه قبيل البيوع.
قوله: والاب من طفله) ولا تشترط فيه الخيرية كما في البحر، وزاد فيمن يتولى العقد من الطرفين العبد إذا اشترى نفسه من مولاه بأمره
والرسول من الجانبين، بخلاف الوكيل منهما اه.
زاد في الدرر قوله: وكذا لو قال بعت منك هذا بدرهم فقبضه المشتري ولم يقع شيئا ينعقد البيع ا ه.
وقال في العزمية: والظاهر أن هذا من باب التعاطي ا ه.
وفيه نظر لان بيع التعاطي ليس فيه إيجاب، بل قبض بعد معرفة الثمن فقظ كما قدمناه عن الفتح، وقدمنا عنه أن القبول يكون بالقول والفعل، وأن القبض قبول فحينئذ لم يوجد انفراد أحدهما بالعقد.
قوله: (فإنه لوفور شفقته الخ) أي ووصى الاب نائبا عنه فله حكمه، ولذا سكت عنه، وأما القاضي فكذلك، قوله: (وتمامه في الدرر) ذكر فيها بعد عبارة الشارح ما نصه: فلم يحتج إلى القبول، وكان أصيلا في حق نفسه ونائبا عن طفله، حتى إذا بلغ كانت العهدة عليه دون أبيه، بخلاف ما إذا باع مال طفله من أجنبي، فبلغ كانت العهدة على أبيه، فإذا لزم عليه الثمن في صورة(5/30)
شرائه لا يبرأ عن الدين حتى ينصب القاضي وكيلا يقبضه للصغير فيرده على أبيه فيكون أمانة عنده ا ه.
قوله: (قبل الآخر) بكسر الباء من القبول المقابل للايجاب، وقوله: (أو ترك عطف عليه): أي يخير الآخر بين القبول والترك في المجلس، ما دام الموجب على إيجابه، فلو رجع عنه قبل القبول بطل كما يأتي، ولا بد أيضا من كون القبول في المجلس، وكونه موافقا للايجاب كما نبه عليه وكونه في حياة الموجب.
فلو مات قبله بطل، إلا في مسألة على ما فهمه في البحر ورده في النهر بأنه لا استثناء، فراجعه، وكونه قبل رد المخاطب الايجاب وكونه قبل تغير المبيع، فلو قطعت يد الجارية بعد الايجاب، وأخذ البائع أرشها لم يصح قبول المشترى، كما في الخانية.
بحر.
والظاهر أن التقييد بأخذ الارش اتفاقي، نهر.
قلت: ويؤيده قول التتارخانية: ودفع أرش اليد إلى البائع أو لم يدفع.
قوله: (في المجلس) حتى لو تكلم البائع مع إنسان في حاجة فإنه يبطل.
بحر.
فالمراد بالمجلس ما لا يوجد فيه ما يدل على الاعراض، ولا أن يشتغل بمفوت له فيه، وأن لم يكن للاعراض.
أفاده في النهر.
فإن وجد بطل ولو اتحد المكان ط.
قوله: (كل المبيع بكل الثمن) بيان لاشتراط موافقة القبول للايجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه، فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعضه أو بغير ما أوجبه
أو ببعضه لم ينعقد إلا في الشفعة، كما قدمناه في شروط العقد، وإلا فيما إذا كان الايجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن صح وكان خطأ أو كان من البائع فقبل المشتري بأزيد صح، وكان زيادة إن قبلها في المجلس لزمت، أفاده في البحر.
وذكر أن هبة الثمن بعد الايجاب قبل القبول تبطل الايجاب، وقيل: لا ويكون إبراء، وسكوت المشتري عن الثمن مفسد للبيع ا ه.
مطلب: ما يوجب اتحاد الصفقة وتفريقها قوله: (لئلا يلزم تفريق الصفقة) هي ضرب اليد على اليد في البيع، ثم جعلت عابرة عن العقد نفسه.
مغرب.
قال في البحر: ولا بد من معرفة ما يوجب اتحادها وتفريقها.
وحاصل ما ذكروه أن الموجب إذا اتحد وتعدد المخاطب لم يجز التفريق بقبول أحدهما بائعا كان الموجب أو مشتريا، وعلى عكسه لم يجز القبول في حصة أحدهما، وإن اتحدا لم يصح قبول المخاطب في البعض فلم يصح تفريقها مطلقا في الاحوال الثلاثة لاتحاد الصفقة في الكل، وكذا إذا اتحد العاقدان، وتعدد المبيع كأن يوجب في مثلين أو قيمي ومثلي لم يجز تفريقها بالقبول في أحدهما إلا أن يرضى الآخر بذلك بعد قبوله في البعض ويكون المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالاجزاء كعبد واحد أو مكيل أو موزون، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا وبطل الايجاب الاول، فإن كان مما لا ينقسم إلا بالقيمة كثوبين وعبدين لا يجوز، فلو بين ثمن كل واحد فلا يخلو إما أن يكرر لفظ البيع، فالاتفاق على أنه صفقتان، فإذا قبل في أحدهما يصح كقوله: بعتك هذين العبدين هذا بألف(5/31)
وبعتك هذا بألف، وإما أن لا يكرره وفصل الثمن فظاهر الهداية التعدد، وبه قال بعضهم ومنعه الآخرون، وحملوا كلامه على ما إذا كرر لفظ البيع.
وقيل: إن اشتراط تكراره للتعدد استحسان، وهو قول الامام وعدمه قياس وهو قولهما، ورجحه في الفتح بقوله: والوجه الاكتفاء بمجرد تفريق الثمن، لان الظاهر أن فائدته ليس إلا بقصده بأن يبيع منه أيهما شاء، وإلا فلو كان غرضه أن لا يبيعهما منه إلا جملة لم تكن فائدة لتعيين كل ا ه.
واعلم أن تفصيل الثمن إنما يجعلهما عقدين على القول به إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار
القيمة، أما إذا كان منقسما عليهما باعتبار الاجزاء كالقفيزين من جنس واحد، فإن التفصيل لا يجعله في حكم عقدين للانقسام من غير تفصيل، فلم يعتبر التفصيل كما في شرح المجمع للمصنف وهو تقييد حسن ا ه.
ما في البحر وتمام الكلام فيه.
قوله: (إلا إذا أعاد الايجاب والقبول) كأن قال اشتريت نصف هذا المكيل بكذا وقبل الآخر فيكون بيعا مستأنفا لوجود ركنيه وبطل الاول.
قوله: (أو رضي الآخر) أي بدون إعادة الايجاب، فيكون القبول إيجابا والرضا قبولا كما مر.
قوله: (كمكيل وموزون) أدخلت الكاف العبد الواحد كما سلف ذكره في عبارة البحر ط.
ووجه الصحة أنه إذا كان الثمن منقسما عليهما باعتبار الاجزاء تكون حصة كل بعض معلومة.
قوله: (وإلا لا) أي وإن يكن الثمن منقسما عليهما كذلك بل كان منقسما باعتبار القيمة، كما إذا كان المبيع عبدين أو ثوبين لا يصح القبول لاحدهما، وإن رضي الآخر لجهالة ما يخص أحدهما من الثمن.
قوله: (لعدم جواز البيع بالحصة ابتداء) صورته: ما إذا قال: بعت منك هذا العبد بحصته من الالف الموزع على قيمته وقيمة ذلك العبد الآخر، فإنه باطل لجهالة الثمن وقت البيع، كذا في فصل قصر العام من التوليح.
عزمية.
وقوله: ابتداء خرج به ما إذا عرض البيع بالحصة، بأن باعه الدار بتمامها فاستحق بعضها ورضي المشتري بالباقي فإنه يصح لعروض البيع بالحصة انتهاء، وقد علمت أن محل عدم الجواز فيما إذا لم يكرر الثمن ولفظ البيع أو يفصل الثمن فقط على ما ذهب إليه صاحب الهداية ط.
قوله: (كما حرره الواني) لم يذكر الواني في هذا المحل تحريرا ط.
قوله: (أو بين ثمن كل) أي فيما إذا كان المبيع مما ينقسم الثمن عليه بالقيمة كعبدين وثوبين.
قوله: (وإن لم يكرر لفظ بعت) لانه بمجرد تفصيل الثمن تتعدد الصفقة على ما هو ظاهر الهداية كما مر.
قوله: (وهو المختار) تقدم وجه ترجيحه عن الفتح.
مطلب: ما يبطل الايجاب سبعة قوله: (بطل الايجاب إن رجع الموجب الخ) قال في البحر: والحاصل أن الايجاب يبطل بما(5/32)
يدل على الاعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما، ولذا قلنا: إن خيار القبول لا يورث وبتغير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولاد وهلاكه، بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة
سماوية أو بعد ما وهب للمبيع هبة، كما في المحيط، وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ ا ه.
قوله: (قبل القبول) وكذا معه، فلو خرج القبول ورجع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية، بحر.
قوله: (وإن لم يذهب عن مجلسه على الراجح) وقيل: لا يبطل ما دام في مكانه.
بحر.
ويبطل بالقيام وإن كان لمصلحة لا معرضا كما في القنية.
قال في النهر: واختلاف المجلس باعتراض ما يدل على الاعراض من الاشتغال بعمل آخر كأكل، إلا إذا كان لقمة وشرب، ألا إذا كان الاناء في يده ونوم، إلا أن يكونا جالسين وصلاة، إلا إتمام الفريضة، أو شفع نفلا، وكلام ولو لحاجة، ومشى مطلقا، في ظاهر الرواية، حتى لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو على دابة واحدة لم يصح.
واختار غير واحد كالطحاوي أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز، وصححه في المحيط.
وقال في الخلاصة: لو قبل بعد ما مشى خطوة أو خطوتين جاز.
وفي مجمع التفاريق: وبه نأخذ.
وفي المجتبى: المجلس المتح أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بغير ما عقد له المجلس، أو ما هو دليل الاعراض، والسفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها لانهما لا يملكان إيقافهما أ ه.
ملخصا ط.
وفي الجوهرة: لو كان قائما فقعد لم يبطل.
بحر.
وكذا لو ناما جالسين لا لو مضطجعين أو أحدهما.
فتح.
تأمل.
قوله: (فإنه كمجلس خيار المخيرة) أي التي ملكها زوجها طلاقها بقوله لها اختاري نفسك.
وفي البحر عن الحاوي القدسي ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة ا ه.
وهذا أولى لان خيارها يقتصر على مجلسها خاصة لا على مجلس الزوج، بخلاف البيع فإنه يقتصر على مجلسهما كما في البحر عن غاية البيان.
قوله: (وكذا سائر التمليكات فتح) لم يذكر في الفتح إلا خيار المخيرة ط.
وفي البحر: قيد بالبيع لان الخلع والعتق على مال لا يبطل الايجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا، ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية ا ه.
قوله: (خلافا للشافعي) وبقوله قال أحمد، وبقولنا قال مالك كما في الفتح.
قوله: (وحديثه) أي الخيار أو الشافعي، وقد روى بروايات متعددة كما في الفتح: منها ما في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارا ط.
قوله: (محمول على تفرق الاقوال) هو أن يقول الآخر بعد الايجاب لا
أشتري أو يرجع الموجب قبل القبول، وإسناد التفرق إلى الناس مرادا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف، قال الله تعالى: * (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) * وقال (ص): افرقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فتح.
قوله: (إذ الاحوال ثلاثة الخ) لان حقيقة المتبايعين المشتغلان بأمر البيع، لا من تم البيع بينهما وانقضى، لانه مجاز، والمتشاغلان: يعني المتساومين يصدق عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر أنهما متبايعان،(5/33)
فيكون ذلك هو المراد، وهذا هو خيار القبول، وهذا حمل إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى.
لا يقال: هذا أيضا مجاز، لان الثابت قبل قبول الآخر بائع واحد لا متبايعان، لانا نقول: هذا من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بجزء من معنى اللفظ، ولانا نفهم من قول القائل زيد وعمرو هناك يتبايعان على وجه التبادر، إلا أنهما مشتغلان بأمر البيع متراضيان فيه، فليكن هو المعنى الحقيقي، والحمل على الحقيقي متعين، فيكون الحديث لنفي توهم أنهما إذا اتفقا على الثمن وتراضيا عليه ثم أوجب أحدهما البيع يلزم الآخر من غير أن يقبل ذلك أصلا للاتفاق والتراضي السابق على أن السمع والقياس معضدان للمذهب.
أما السمع فقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (المائدة: 1) وهذا عقد قبل التخيير، وقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * (النساء: 92) وبعد الايجاب والقبول تصدق تجارة عن تراض من غير توقف على التخيير، فقد أباح الله تعالى أكل المشتري قبل التخيير، وقوله تعالى: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (البقرة: 282) أمر بالترفق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد، والبيع يصدق قبل الخيار بعد الايجاب والقبول، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص، وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق والكتابة كل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع، وتمامه في المنح والفتحط.
قوله: (مجاز لكون) أي باعتبار ما تؤول إليه عاقبته ط عن المنح مثل إني أراني أعصر خمرا..قوله: (مجاز الكون) أي باعتبار ما كان عليه من قبل، مثل: * (واتوا اليتامى أموالهم) * (النساء: 2).
قوله: (وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن) ككر حنطة وخمسة
دراهم أو أكرار حنطة، فخرج ما لو كان قدر المبيع مجهولا: أي جهالة فاحشة فإنه لا يصح، وقيدنا بالفاحشة لما قالوه لو باعه جميع ما في هذه القرية أو هذه الدار والمشتري لا يعلم ما فيها لا يصح لفحش الجهالة، أما لو باعه جميع في هذا البيت أو الصندوق أو الجوالق فإنه يصح، لان الجهالة يسيرة.
قال في القنية: إلا إذا كان يحتاج معه إلى التسليم والتسلم، فإنه يصح بدون معرفة قدر المبيع، كمن أقر أن في يده متاع فلان غصبا أو وديعة ثم اشتراه جاز وإن لم يعرف مقداره ا ه.
ومعرفة الحدود تغني عن معرفة المقدار.
ففي البزازية: باعه أرضا وذكر حدودها لاذرعها طولا وعرضا جاز، وكذا إن لم يذكر الحدود، ولم يعرفه المشتري إذا لم يقع بينهما تجاحد، وفيها جهل البائع معرفة المبيع لا يمنع وجهل المشتري يمنع ا ه.
وعلى هذا تفرع ما في القنية: لك في يدي أرض خربة لا تساوي شيئا في موضع كذا فبعها مني بستة دراهم فقال بعتها، ولم يعرفها البائع وهي تساوي أكثر من ذلك جاز، ولم يكن ذلك بيع المجهول، لانه لما قال لك في يدي أرض صار كأنه قال أرض كذا.
وفي المجمع: لو باعه نصيبه من دار فعلم العاقدين شرط: أي عند الامام، ويجيزه: أي أبو يوسف مطلقا، وشرط: أي محمد علم المشتري وحده.
وفي الخانية:(5/34)
اشترى كذا كذا قربة من ماء الفرات.
قال أبو يوسف: إن كانت القربة بعينها جاز لمكان التعامل، وكذا الرواية والجرة، وهذه استحسان.
وفي القياس: لا يجوز إذا كان لا يعرف قدرها، وهو قول الامام.
وخرج أيضا ما لو كان الثمن مجهولا كالبيع بقيمته أو برأس ماله، أو بما اشتراه أو بمثل ما اشتراه فلان، فإن علم المشتري بالقدر في المجلس جاز، ومنه أيضا ما لو باعه بمثل ما يبيع الناس إلا أن يكون شيئا لا يتفاوت.
نهر.
قوله: (ووصف ثمن) لانه إذا كان مجهول الوصف تتحقق المنازعة، فالمشتري يريد دفع الادون والبائع يطلب الا رفع فلا يحصل مقصود شرعية العقد.
نهر.
تنبيه: ظاهر كلامه كالكنز يعطى أن معرفة وصف المبيع غير شرط، وقد نفى اشتراطه في البدائع في المبيع والثمن، وظاهر الفتح اثباته فيهما، ووفق في البحر بحمل ما في البدائع على المشار إليه أو إلى مكانه وما في الفتح على غيره، لكن حقق في النهر أن ما فهمه من الفتح وهم
فاحش، لان كلام الفتح في الثمن فقط.
قلت: وظاهره الاتفاق على اشتراط معرفة القدر في المبيع والثمن، وإنما الخلاف في اشتراط الوصف فيهما.
وللعلامة الشرنبلالي رسالة سماها.
(نفس المتجر بشراء الدرر) حقق فيها أن المبيع المسمى جنسه، لا حاجة فيه إلى بيان قدره ولا وصفه ولو غير مشار إليه أو إلى مكانه، لان الجهالة المانعة من الصحة تنتفي بثبوت حيار الرؤية، لانه إذا لم يوافقه يرده فلم تكن الجهالة مفضية إلى المنازعة، واستدل على ذلك بفروع صححوا فيها البيع بدون بيان قدر ولا وصف: منها ما قدمناه من صحة بيع جميع ما في هذا البيت أو الصندوق، وشراء ما في يده من غصب أو وديعة، وبيع الارض مقتصرا على ذكر حدودها وشراء الارض الخربة المارة عن القنية.
ومنها: ما قالوا: لو قال: بعتك عبيدي وليس له إلا عبد واحد صح، بخلاف بعتك عبدا بدون إضافة، فإنه لا يصح في الاصح.
ومنها: لو قال بعتك كرا من الحنطة، فإن لم يكن كل الكر في ملكه بطل، ولو بعضه في ملكه بطل في المعدوم وفسد في الموجود، ولو كله في ملكه لكن في موضعين أو من نوعين مختلفين، لا يجوز ولو من نوع واحد في موضع واحد جاز وإن لم يضف البيع إلى تلك الحنطة، وكذا لو قال: بعتك ما في كمي فعامتهم على الجواز وبعضهم على عدمه، وأول قول الكنز ولا بد من معرفة قدر ووصف ثمن، بأن لفظ قدر غير منون مضافا لما بعده من الثمن، مثل قول العرب: بعتك بنصف وربع درهم.
قلت: ما ذكره من الاكتفاء بذكر الجنس عن ذكر القدر والوصف يلزم عليه صحة البيع في نحو: بعتك حنطة بدرهم ولا قائل به، ومثله بعتك عبدا أو دارا، وما قاله من انتفاء الجهالة بثبوت(5/35)
خيار الرؤية مدفوع بأن خيار الرؤية قد يسقط برؤية بعض المبيع، فتبقى الجهالة المفضية إلى المنازعة، وكذا قد يبطل خيار الرؤية قبلها، بنحو بيع، أو رهن لما اشتراه كما سيأتي بيانه في بابها، ولذا قال المصنف هناك: صح البيع والشراء لما لم يرياه الاشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز أه.
فأفاد أن انتفاء الجهالة بهذه الاشارة شرط جواز أصل البيع، ليثبت بعده خيار الرؤية،
نعم صحح بعضهم الجواز بدون الاشارة المذكورة، لكنه محمول على ما إذا حصل انتفاء الجهالة بدونها، ولذا قال في النهاية هناك: صح شراء ما لم يره: يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا ه.
وقال في العناية، قال صاحب الاسرار: لان كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا ا ه.
وفي حاوي الزاهدي: باع حنطة قدرا معلوما، ولم يعينها لا بالاشارة، ولا بالوصف لا يصح ا ه.
هذا، والذي يظهر من كلامهم تفريعا وتعليلا أن المراد بمعرفة القدر والوصف ما ينفي الجهالة الفاحشة، وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره، وذلك بالاشارة إليه لو حاضرا في مجلس العقد، وإلا فبيان مقداره مع بيان وصفه لو من المقدرات، كبعتك كر حنطة بلدية مثلا بشرط كونه في ملكه، أو ببيان مكانه الخاص كبعتك ما في البيت، أو ما في كمي أو بإضافته إلى البائع كبعتك عبدي، ولا عبد له غيره، أو ببيان حدود أرض، ففي كل ذلك تنتفي الجهالة الفاحشة عن المبيع، وتبقى الجهال اليسيرة التي لا تنافي صحة البيع، لارتفاعها بثبوت خيار الرؤية، فإن خيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع تلك الجهالة اليسيرة لا لرفع الفاحشة المنافية لصحته، فاغتنم تحقيق هذا المقام بما يرفع الظنون والاوهام، ويندفع به التناقض واللوم عن عبارات القوم.
قوله: (كمصري أو دمشقي) ونظيره إذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة لا بد من بيان قدرها ووصفها ككر حنطة بحيرية أو صعيدية، كما أفاده الكمال وحققه في النهر.
قوله: (غير مشار إليه) أي إلى ما ذكر من المبيع والثمن، قال في البحر لان التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز ا ه.
قوله: (لا يشترط ذلك في مشار إليه) قال في البحر: وقوله غير مشار إليه قيد فيهما، لان المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره ووصفه، فلو قال: بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الارز والشاشات وهي مجهولة العدد، بهذه الدراهم التي في يدك وهي مرئية له فقبل، جاز ولزم، لان الباقي جهالة الوصف: يعني القدر، وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم والتسلم ا ه.
قوله: (ما لم يكن) أي المشار إليه ربويا قوبل بجنسه: أي وبيع مجازفة مثل بعتك هذه الصبرة من الحنطة بهذه الصبرة.
قال في البحر: فإنه لا يصح لاحتمال الربا،
واحتماله مانع كحقيقته.
قوله: (أو سلما) أراد به المسلم فيه بقرينة ما بعده، لكنه لا حاجة لذكره، لان المسلم فيه مؤجل غير حاضر، فلا يصح أن يكون مشارا إليه والكلام فيه.
قوله: (لو مكيلا أو موزونا) فلا تكفي الاشارة إليه كما في مذروع وحيوان خلافا لهما، لانه ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه، فيحتاج إلى رد رأس المال، وقد ينفق بعضه ثم يجد باقيه معيبا فيرده ولا يستبدله رب السلم في مجلس الرد فيفسخ العقد في المردود، ويبقى في غيره، فتلزم جهالة المسلم فيه فيما بقي(5/36)
فوجب بيانه كما سيجئ في باب السلم.
قوله: (خير) أي البائع، والذي في الفتح والبحر عدم التخيير.
وعبارة الفتح: ولو قال: اشتريتها بهذه الصرة من الدراهم، فوجد البائع ما فيها بخلاف نقد البلد، فله أن يرجع بنقد البلد، لان مطلق الدراهم في البيع ينصرف إلى نقد البلد، وإن وجدها نقد البلد جاز ولا خيار للبائع، بخلاف ما لو قال اشتريت بما في هذه الخابية، ثم رأى الدراهم التي كانت فيها كان له الخيار وإن كانت نقد البلد لان الصرة يعرف مقدار ما فيها من خارجها.
وفي الخانية: لا يعرف ذلك من الخارج فكان له الخيار، ويسمى هذا الخيار خيار الكمية لا خيار الرؤية لان خيار الرؤية لا يثبت في النقود ا ه ط.
قوله: (وصح بثمن حال) بتشديد اللام، قال في المصباح: حل الدين يحل بالكسر حلولا ا ه.
قيد بالثمن لان تأجيل المبيع المعين لا يجوز ويفسده.
بحر.
مطلب: في الفرق بين الاثمان والمبيعات واعلم أن كلا من النقدين ثمن أبدا، والعين الغير المثلى مبيع أبدا، وكل من المكيل والموزون الغير النقد والعددي المتقارب إن قوبل بكل من النقدين كان مبيعا، أو قوبل بعين، فإن كان ذلك المكيل والموزون المتقارب متعينا كان مبيعا أيضا، وإن كان غير متعين فإن دخل عليه حرف الباء مثل اشتريت هذا العبد بكر حنطة كان ثمنا، وإن استعمل استعمال المبيع وكان سلما مثل اشتريت منك كر حنطة بهذا العبد، فلا بد من رعاية شرائط السلم.
غرر الاذكار شرح درر البحار.
وسيأتي له زيادة بيان في آخر الصرف.
قوله: (وهو الاصل) لان الحلول مقتضى العقد وموجبه، والاجل لا يثبت إلا بالشرط.
بحر عن السراج.
قوله: (لئلا يفضي إلى النزاع) تعليل لاشتراط كون
الاجل معلوما، لان علمه لا يفضي إلى النزاع، وأما مفهوم الشرط المذكور وهو أنه لا يصح إذا كان الاجل مجهولا فعلته كونه يفضي إلى النزاع، فافهم.
وسيذكر المصنف في البيع الفاسد بيان الاجل المفسد وغيره.
مطلب في التأجيل إلى أجل مجهول تنبيه: من جهالة الاجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدي إليه الثمن في بلد آخر، ولو قال إلى شهر على أن يؤدي الثمن في بلد آخر جاز بألف إلى شهر، ويبطل الشرط لان تعيين مكان الايفاء فيما لا حمل له ولا مؤنة غير صحيح، فلو له حمل ومؤنة يصح.
ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض، فإن لم يشرط في البيع بل ذكر بعده لم يفسد، وكان له أخذ الكل جملة.
وتمامه في البحر.
وقوله: لم يفسد: أي البيع فيه كلام يأتي قريبا.
قوله: (ولو باع مؤجلا) أي بلا بيان مدة بأن قال: بعتك بدرهم مؤجل.
قوله: (صرف لشهر) كأنه لانه المعهود في الشرع في السلم واليمين في ليقضين دينه آجلا.
بحر.
قوله: (به يفتى) وعند البعض لثلاثة أيام.
بحر عن شرح المجمع.
قلت: ويشكل على القولين أن شرط صحة التأجيل أن يعرفه العاقدان، ولذا لم يصح البيع بثمن مؤجل إلى النبروز والمهرجان وصوم النصارى إذا لم يدره العاقدان كما سيأتي في البيع الفاسد، وكذا(5/37)
لو عرفه أحدهما دون الآخر، فتأمل.
قوله: (فالقول لنا فيه) وهو البائع، لان الاصل الحلول كما مر.
قوله: (إلا في السلم) فإن القول لمثبته لان نافيه يدعي فساده بفقد شرط صحته، وهو التأجيل ومدعيه يدعي صحته بوجوده، والقول لمدعي الصحة ط.
قوله: (فلمدعي الاقل) لانكاره الزيادة ح.
قوله: (والبينة فيهما) أي في المسألتين للمشتري لانه يثبت خلاف الظاهر والبينات للاثبات ح.
قوله: (فالقول والبينة للمشتري) لانهما لما اتفقا على الاجل فالاصل بقاؤه فكان القول للمشتري في عدم مضيه، ولانه منكر توجه المطالبة وهذا ظاهر.
وأما تقديم بينته على بينة البائع فعلله في البحر عن الجوهرة بأن البينة مقدمة على الدعوى ا ه.
وهو مشكل، فإن شأن البينة إثبات خلاف الظاهر، وهو هنا دعوى البائع على أن بينة المشتري على عدم المضي شهادة على النفي، وقد يجاب عن الثاني بأنه
إثبات في المعنى، لان المعنى أن الاجل باق.
تأمل.
وحينئذ فوجه تقديم بينته كونها أكثر إثباتا، ويدل له ما سيأتي في السلم من أنهما لو اختلفا في مضي الاجل فالقول للمسلم إليه بيمينه، وإن برهنا فبينته أولى.
وعلله في البحر بإثباتها زيادة الاجل.
قال: فالقول قوله والبينة بينته.
هذا، ولم يذكر الاختلاف في الثمن أو في المبيع، لانه سيأتي في كتاب الدعوى في فصل دعوى الرجلين.
قوله: (ويبطل الاجل بموت المديون) لان فائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الثمن من نماء المال، فإذا مات من له الاجل تعين المتروك لقضاء الدين، فلا يفيد التأجيل، بحر عن شرح المجمع، وصرح قبله بأنه لو مات البائع لا يبطل الاجل.
قوله: (أو مجهولا) أي جهالة يسيرة بدليل التمثيل فيخرج ما لو أجله إلى أجل مجهول جهالة فاحشة كهبوب الريح.
قوله: (صار مؤجلا) كذا جزم به المصنف في باب البيع الفاسد كما سيأتي متنا، وذكره في الهداية أيضا، وكذا في الزيلعي ومتن الملتقى والدرر وغيرها وعزاه في التاترخانية إلى الكافي.
وفي الخانية: رجل باع شيئا بيعا جائزا وأخرج الثمن إلى الحصاد أو الدياس، قال: يفسد البيع في قول أبي حنيفة، وعن محمد: أنه لا يفسد البيع ويصح التأخير، لان التأخير بعد البيع تبرع، فيقبل التأجيل إلى الوقت المجهول، كما لو كفل بمال إلى الحصاد أو الدياس، وقال القاضي الامام أبو علي النسفي: هذا يشكل بما إذا أقرض رجلا، وشرط في القرض أن يكون مؤجلا لا يصح التأجيل، ولو أقرض ثم أخر لا يصح أيضا فكان الصحيح من الجواب ما قاله الشيخ الامام: إنه يفسد البيع، سواء أجله إلى هذه الاوقات في البيع أو بعده ا ه.
قلت: وهذا تصحيح لخلاف ما قدمناه عن الهداية وغيرها، وفيه بحث، فإن إلحاق البيع بالقرض غير ظاهر، بدليل أن القرض لا يصح تأجيله أصلا، وإن كان الاجل معلوما وتأجيل البيع إلى أجل معلوم صحيح اتفاقا، على أن ذكر في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين: الشرط الفاسد لو ألحق بعد العقد، هل يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة؟ قيل: نعم، وقيل: لا هو الصحيح ا ه.
ثم قال بعده: استأجر أرضا وشرط تعجيل الاجرة.
إلى الحصاد أو الدياس يفسد العقد ولو لم(5/38)
يشرطه في العقد بل بعده لا يفسد كما في البيع فإن الرواية، محفوظة أنه لو باع مطلقا ثم أجل الثمن إلى حصاد ودياس لا يفسد ويصح الاجل.
تنبيه: على مما مر أن الآجال عن ضربين: معلومة، ومجهولة، والمجهولة على ضربين: متقاربة كالحصاد، ومتفاوتة كهبوب الريح، فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما، والدين لا يجوز لمجهول، لكن لو جهالته متقاربة وأبطله المشتري قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو بعد مضيه.
أما لو متفاوتة وأبطله المشتري قبل التفرق انقلب جائزا كما في البحر عن السراج.
هذا وذكر الشارح في البيع الفاسد عن العيني ما يوهم أن الاخير لا ينقلب جائزا وليس كذلك، فافهم.
ونقل الشارح هناك تبعا للمصنف عن ابن كمال وابن ملك أن إبطاله قبل التفرق شرط في المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وهو خطأ، كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فليس بتأجيل) لان مجرد الامر بذلك لا يستلزم التأجيل، تأمل.
قوله: (إن أخل بنجم) حال من فاعل جعله بتقدير القول: أي جعله ربه نجوما قائلا إن أخل الخ ا ه ح.
مطلب مهم في أحكام النقود إذا كسدت أو انقطعت أو غلت أو رخصت قوله: (قلت ومما يكثر وقوعه الخ) اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس ولم يسلمها للبائع ثم كسدت بطل البيع، والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد، ويجب على المشتري رد المبيع لو قائما ومثله أو قيمته لو هالكا، وإن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا، وهذا عنده، وعندهما: لا يبطل البيع، لان المتعذر التسليم بعد الكساد، وذلك لا يوجب الفساد لاحتمال الزوال بالرواج، لكن عند أبي يوسف: تجب قيمته يوم البيع، وعند محمد: يوم الكساد، وهو آخر ما تعامل الناس بها.
وفي الذخيرة: الفتوى على قول أبي يوسف.
وفي المحيط والتتمة والحقائق: وبقول محمد يفتي رفقا بالناس ا ه.
والكساد: أن تترك المعاملة بها في جميع البلاد، فلو في بعضها لا يبطل، لكنه تتعيب إذا لم ترج في بلدهم، فيتخير البائع إن شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته.
وحد الانقطاع أن لا يوجد في السوق، وإن وجد في يد الصيارفة والبيوت، هكذا في الهداية، والانقطاع كالكساد كما في كثير من الكتب، لكن قال في المضمرات: فإن انقطع ذلك فعليه من الذهب
والفضة قيمته في آخر يوم انقطع، هو المختار ا ه.
هذا، إذا كسدت وانقطعت، أما إذا غلت قيمتها أو انتقضت فالبيع على حاله ولا يتخير المشتري، ويطالب بالنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير وفي البزازية عن المنتقى: غلت الفلوس أو رخصت فعند الامام الاول والثاني: أولا ليس عليه غيرها.
وقال الثاني ثانيا: عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفتوى.
وهكذا في الذخيرة والخلاصة عن المنتقى، ونقله في البحر وأقره.
فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء، ولم أر من جعل الفتوى على قول الامام.
هذا خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في رسالته بذل المجهود في مسألة تغير النقود وفي الذخيرة(5/39)
عن المنتقى إذا غلت الفلوس قبل القبض أو رخصت.
قال أبو يوسف، قولي وقول أبي حنيفة في ذلك سواء، وليس له غيرها، ثم رجع أبو يوسف وقال: عليه قيمتها من الدراهم، يوم وقع البيع ويوم وقع القبض ا ه.
وقوله: يوم وقع البيع: أي في صورة البيع.
وقوله: ويوم وقع القبض: أي في صورة القرض كما نبه عليه في النهر في باب الصرف.
وحاصل ما مر: أنه على قول أبي يوسف المفتى به، لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض لا مثلها.
وفي دعوى البزازية، من النوع الخامس عشر، عن فوائد الامام أبي حفص الكبير: استقرض منه دانق فلوس حال كونها عشرة بدانق فصارت ستة بدانق، أو رخص وصار عشرون بدانق يأخذ منه عدد ما أعطى ولا يزيد ولا ينقص ا ه.
قلت: هذا مبني على قول الامام، وهو قول أبي يوسف أولا، وقد علمت أن المفتى به قوله ثانيا بوجوب قيمتها يوم القرض، وهو دانق: أي سدس درهم سواء صار الآن ستة فلوس بدانق أو عشرين بدانق، تأمل.
ومثله ما سيذكره المصنف في فصل القرض من قوله: استقرض من الفلوس الرائجة والعدالى فكسدت فعليه مثلها كاسدة لا قيمتها ا ه.
فهو على قول الامام.
وسيأتي في باب الصرف متنا وشرحا اشترى شيئا به: أي بغالب الغش، وهو نافق أو بفلوس نافقة، فكسد ذلك قبل التسليم للبائع بطل البيع كما لو انقطعت عن أيدي الناس، فإنه كالكساد وكذا حكم الدراهم، لو
كسدت أو انقطعت بطل وصححاه بقيمة المبيع وبه يفتى رفقا بالناس.
بحر وحقائق ا ه.
وقوله: بقيمة المبيع، صوابه: بقيمة الثمن الكاسد، وفي غاية البيان: قال أبو الحسن: لم تختلف الرواية عن أبي حنيفة في قرض الفلوس إذا كسدت أن عليه مثلها.
قال بشر: قال أبو يوسف: عليه قيمتها من الذهب يوم وقع القرض في الدراهم التي ذكرت لك أصنافها: يعني البخارية والطبرية واليزيدية.
وقال محمد: قيمتها في آخر نفاقها.
قال القدوري: وإذا قبت من قول أبي حنيفة في قرض الفلوس ما ذكرنا فالدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة والطبرية واليزيدية.
هي التي غلب الغش عليها فتجري مجرى الفلوس، فلذلك قاسها أبو يوسف على الفلوس ا ه.
ما في غاية البيان.
وما ذكره في القرض جاز في البيع أيضا.
كما قدمناه عن الذخيرية من قوله يوم وقع البيع الخ.
ثم اعلم أن الذي فهم من كلامهم أن الخلاف المذكور، إنما هو في الفلوس والدراهم الغالبة الغش، ويدل عليه أنه في بعض العبارات اقتصر على ذكر الفلوس، في بعضها ذكر العدالي معها، وهي كما في البحر عن البناية بفتح العين المهملة والدال وكسر اللام: دراهم فيها غش.
وفي بعضها تقييد الدراهم بغالبة الغش، وكذا تعليلهم قول الامام ببطلان البيع، بأن الثمنية بطلت بالكساد لان الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح فلم تبق ثمنا فبقي البيع بلا ثمن فبطل.
ولم أر من صرح بحكم الدراهم الخالصة أو المغلوبة الغش، سوى ما أفاده الشارح هنا.
وينبغي أنه لا خلاف في أنه لا يبطل البيع بكسادها، ويجب على المشتري مثلها في الكساد، والانقطاع والرخص والغلاء، أما عدم بطلان البيع، فلانها ثمن خلقة فترك المعاملة بها لا يبطل ثمنيتها فلا يتأتى تعليل البطلان المذكور، وهو بقاء البيع بلا ثمن، وأما وجوب مثلها وهو ما وقع عليه العقد كمائة ذهب مشخص، أو مائة ريال فرنجي فلبقاء ثمنيتها أيضا وعدم بطلان تقومها، وتمام بيان ذلك في رسالتنا (تنبيه الرقود في أحكام النقود).
وأما ما ذكره الشارح(5/40)
من أنه تجب قيمتها من الذهب فغير ظاهر، لان مثليتها لم تبطل، فكيف يعدل إلى القيمة؟ وقوله: إذا لم يمكن الخ فيه نظر لان منع السلطان التعامل بها في المستقبل لا يستلزم منع الحاكم من
الحكم على شخص بما وجب عليه منها في الماضي.
وأما قوله: ولا يدفع قيمتها من الجديدة فظاهر، وبيانه أن كسادها عيب فيها عادة، لان الفضة الخالصة إذا كانت مضروبة رائجة تقوم بأكثر من غيرها، فإذا كانت العشرة من الكاسدة تساوي تسعة من الرائجة مثلا: فإن ألزمنا المشتري بقيمتها وهو تسعة من الجديدة يلزم الربا، وإن ألزمناه بعشرة نظرا إلى أن الجودة والرداءة في باب الربا غير معتبرة يلزم ضرر المشتري، حيث ألزمناه بأحسن مما التزم فلم يمكن إلزامه بقيمتها من الجديدة ولا بمثلها منها، فتعين إلزامه بقيمتها من الذهب، لعدم إمكان إلزامه بمثلها من الكاسدة أيضا لما علمت من منع الحكام منه لكن علمت ما فيه.
هذا ما ظهر لي في هذا المقام، والله سبحانه وتعالى أعلم، وبقي ما لو وقع الشراء بالقروش كما هو عرف زماننا، ويأتي الكلام عليه قريبا، قوله: (أما ما غلب غشه الخ) أفاد أن كلامه السابق فيما كان خاليا عن الغش أو كان غشه مغلوبا، وأنه لا خلاف فيه على ما يفهم من كلامهم كما قررناه آنفا.
قوله: (كما سيجئ في فصل القرض) صوابه في باب الصرف كما علم مما قدمناه.
قوله: (وهذا) أي ما ذكره في المتن من صحة البيع بثمن مؤجل إلى معلوم.
قوله: (بثمن دين الخ) أراد بالدين ما يصح أن يثبت في الذمة سواء كان نقدا أو غيره، وبالعين ما قابله، فيدخل في الدين الثوب الموصوف بما يعرفه لقوله في الفتح وغيره.
إن الثياب كما تثبت مبيعا في الذمة بطريق السلم تثبت دينا مؤجلا في الذمة على أنها ثمن، وحينئذ يشترط الاجل، لا لانها ثمن بل لتصير ملحقة بالسلم في كونها دينا في الذمة، فلذا قلنا: إذا باع عبدا بثوب موصوف في الذمة إلى أجل جاز، ويكون بيعا في حق العبد حتى لا يشترط قبضه في المجلس بخلاف ما لو أسلم الدراهم في الثوب، وإنما ظهرت أحكام المسلم فيه في الثوب حتى شرط فيه الاجل وامتنع بيعه قبل قبضه لالحاقه بالمسلم فيه ا ه.
فافهم.
قوله: (وبخلاف جنسه) عطف على قوله: بثمن دين وفي بعض النسخ أو بدل الواو، والاولى أولى لان الشرط كل منهما لا أحدهما كما أفاده ط.
وقوله: ولم يجمعهما قدر جملة حالية، والقدر: كيل أو وزن، وذلك كبيع ثوب بدراهم، واحترز عما لو كان بجنسه، وجمعهما قدر ككر بر بمثله أو كان بجنسه ولم يجمعهما قدر كثوب هروي بمثله أو كان بخلاف جنسه وجمعهما قدر ككر بر بكر شعير فإنه لا يصح التأجيل لما
فيها من ربا النساء، فقول الشارح لما فيه من ربا النساء بالفتح: أي التأخير تعليل لمفهوم المتن، وهو عدم صحة التأجيل في الصور الثلاثة، أفاده ح.
قلت: بقي شرط آخر، وهو أن لا يكون المبيع الكيلي أو الوزني هالكا، فقد ذكر الخير الرملي أول البيوع عن جواهر الفتاوى له على آخر حنطة غير السلم فباعها منه بثمن معلوم إلى شهر لا يجوز، لانه بيع الكالئ بالكالئ، وقد نهينا عنه، وإن باعها ممن عليه ونقد المشتري الثمن في المجلس جاز فيكون دينا بعين ا ه.
وذكر المسألة في المنح قبيل باب الربا، ومثله كل مكيل وموزون وكالبيع الصلح، ففي الثلاثين من جامع الفصولين: ولو غصب كر بر فصالحه وهو قائم على دراهم(5/41)
مؤجلة جاز، وكذا الذهب والفضة وسائر الموزونات، ولو صالحه على كيل مؤجل لم يجز، إذ الجنس بانفراده يحرم النساء، ولو كان البر هالكا لم يجز الصلح على شئ من هذا نسيئة، لانه دين بدين، إلا إذا صالح على بر مثله أو أقل منه مؤجلا جاز، لانه عين حقه، والحط جائز لا لو على أكثر للربا والصلح على بعض حقه في الكيلي والوزني حال قيامه لم يجز ا ه.
وفي البزازية، الحيلة في جواز بيع الحنطة المستهلكة بالنسيئة، أن يبيعها بثوب ويقبض الثوب ثم يبيعه بدراهم إلى أجل ا ه.
أقول: وتجري هذه الحيلة في الصلح أيضا وهي واقعة الفتوى، ويكثر وقوعها ا ه.
قوله: (فمذ سقوط الخيار عنده) أي عند أبي حنيفة، لان ذلك وقت استقرار البيع.
قوله: (مذ تسلم) متعلق بأجل.
قوله: أ ه لمنع اللام للتعليل أو للتوقيت متعلقة بما تعلق به قوله: وللمشتري.
قوله: (تحصيلا لفائدة التأجيل) وهي التصرف في المبيع وإيفاء الثمن من ربحه مثلا.
قوله: (فلو معينة) كسنة كذا، ومثله إلى رمضان مثلا.
قوله: (لان التقصير منه) تعليل للثانية، أما الاولى فلكونه لما عين تعين حقه فيما عينه فلا يثبت في غيره.
قوله: (والثمن المسمى قدره لا وصفه) لما كان قول المصنف: ينصرف مطلقه موهما أن المراد بالمطلق، ما لم يذكر قدره ولا وصفه بقرينة قوله أولا وشرط لحصته معرفة قدر ووصف ثمن، دفع ذلك بأن المراد المطلق عن تسمية الوصف فقط.
مطلب: يعتبر الثمن في مكان العقد وزمنه قوله: (مجمع الفتاوى) فإنه قال معزيا إلى بيوع الخزانة: باع عينا من رجل بأصفهان بكذا من الدنانير فلم ينقد الثمن حتى وجد المشتري ببخارى، يجب عليه الثمن بعيار أصفهان، فيعتبر مكان العقد ا ه.
منح.
قلت: وتظهر ثمرة ذلك إذا كانت مالية الدينار مختلفة في البلدين، وتوافق العاقدان على أخذ قيمة الدينار لفقده أو كساده في البلدة الاخرى، فليس للبائع أن يلزمه بأخذ قيمته التي في بخارى إذا كانت أكثر من قيمته التي في أصبهان، وكما يعتبر مكان العقد يعتبر زمنه أيضا كما يفهم مما قدمناه في مسألة الكساد والرخص، فلا يعتبر زمن الايفاء: لان القيمة فيه مجهولة وقت العقد.
وفي البحر عن شرح المجمع: لو باعه إلى أجل معين شرط أن يعطيه المشتري أي نقد يروج يومئذ كان البيع فاسدا.
قوله: (كذهب شريفي وبندقي) فإنهما اتفقا في الرواج لكن مالية أحدهما أكثر، فإذا باع بمائة ذهب مثلا ولم يبين صفته فسد للتنازع، لان البائع يطلب الاكثر مالية والمشتري يدفع الاقل.
قوله: (مع الاستواء في رواجها) أما إذا اختلفت رواجا مع اختلاف ماليتها أو بدونه فيصح، وينصرف إلى الاروج، وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا، لكن يخير المشتري بين أن يؤدي أيهما شاء.(5/42)
والحاصل: أن المسألة رباعية، وأن الفساد في صورة واحدة: وهي الاختلاف في المالية فقط، والصحة في الثلاث الباقية كما بسطه في البحر، ومثل في الهداية مسألة الاستواء في المالية والرواج بالثنائي والثلاثي، واعترضه الشراح بأن مالية الثلاثة أكثر من الاثنين.
وأجاب في البحر بأن المراد بالثنائي ما قطعتان منه بدرهم، وبالثلاثي ما ثلاثة منه بدرهم.
مطلب مهم في حكم الشراء بالقروش في زماننا قلت: وحاصله: أنه إذا اشترى بدرهم فله دفع درهم كامل أو دفع درهم مكسر قطعتين، أو ثلاثة حيث تساوى الكل في المالية والرواج، ومثله في زماننا الذهب يكون كاملا ونصفين وأربعة أرباع، كلها سواء في المالية والرواج، بل ذكر في القنية في باب المتعارف بين التجار كالمشروط
برمز عت: باع شيئا بعشرة دنانير واستقرت العادة في ذلك البلد أنهم يعطون كل خمسة أسداس مكان الدينار واشتهرت بينهم، فالعقد ينصرف إلى ما تعارفه الناس فيما بينهم في تلك التجارة، ثم رمز فك جرت العادة فيما بين أهل خوارزم، أنهم يشترون سلعة بدينار ثم ينقدون ثلثي دينار محمودية أو ثلثي دينار وطسوج نيسابورية قال: يجري على المواضعة ولا تبقى الزيادة دينا عليهم ا ه.
ومثله في البحر عن التتارخانية، ومنه يعلم حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش، فإن القرش في الاصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا، ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقروش، فمنها ما يساوي عشرة قروش، ومنها أقل، ومنها أكثر، فإذا اشترى بمائة قرش، فالعادة أنه يدفع ما أراد إما من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة من ريال أو ذهب، ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا، بل هي أو ما يساويها من أنواع العملة المتساوية في الرواج المختلفة في المالية، ولا يرد أن صورة الاختلاف في المالية مع التساوي في الرواج: هي صورة الفساد من الصور الاربع، لانه هنا لم يحصل اختلاف مالية الثمن حيث قدر بالقروش، وإنما يحصل الاختلاف إذا لم يقدر بها، كما لو اشترى بمائة ذهب وكان الذهب أنواعا كلها رائجة مع اختلاف ماليتها، فقد صار التقدير بالقروش في حكم ما إذا استوت في المالية والرواج، وقد مر أن المشتري يخير في دفع أيهما شاء، قال في البحر: فلو طلب البائع أحدهما للمشتري دفع غيره، لان امتناع البائع من قبول ما دفعه المشتري ولا فضل تعنت ا ه.
بقي هنا شئ وهو أنا قدمنا أنه على قول أبي يوسف المفتى به: لا فرق بين الكساد والانقطاع والرخص والغلاء في أنه تجب قيمتها يوم وقع البيع أو القرض إذا كانت فلوسا أو غالبة الغش، وإن كان فضة خالصة أو مغلوبة الغش تجب قيمتها من الذهب يوم البيع على ما قاله الشارح، أو مثلها على ما بحثناه، وهذا إذا اشترى بالريال أو الذهب، مما يراد نفسه، أما إذا اشترى بالقروش المراد بها ما يعم الكل كما قررناه، ثم رخص بعض أنواع العملة أو كلها واختلفت في الرخص، كما وقع مرارا في زماننا، ففيه اشتباه، فإنها إذا كانت غالبة الغش، وقلنا تجب قيمتها يوم البيع، فهنا لا يمكن ذلك لانه ليس المراد بالقروش نوع معين، من العملة حتى نوجب قيمته، وإذا قلنا: إن الخيار للمشتري في تعيين
نوع منها كما كان الخيار له قبل أن ترخص، فإنه كان مخيرا في دفع أي نوع أراد، فإبقاء الخيار له(5/43)
بعد الرخص يؤدي إلى النزاع والضرر، فإن خياره قبل الرخص لا ضرر فيه على البائع، أما بعده ففيه ضرر، لان المشتري ينظر إلى الانفع له والاضر على البائع فيختاره، فإن كان يساوي عشرة إذا صار نوع منه بثمانية ونوع منه بثمانية ونصف، يختار ما صار بثمانية فيدفعه للبائع، ويحسبه عليه بعشرة كما كان يوم البيع، وهذا في الحقيقة دفع ما كان يوم البيع لا قيمته.
لان قيمة كل نوع تعتبر بغيره، فحيث لم يمكن دفع القيمة لما قلنا ولزم من إبقاء الخيار للمشتري، لزوم الضرر للبائع حصل الاشتباه في حكم المسألة كما قلنا، والذي حررته في رسالتي تنبيه الرقود أنه ينبغي أن يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا لا بالاكثر رخصا ولا بالاقل، حتى لا يلزم اختصاص الضرر به ولا بالبائع، لكن هذا إذا حصل الرخص لجميع أنواع العملة، أما لو بقي منها نوع على حاله، فينبغي أن يقال بإلزام المشتري الدفع منه، لان اختياره دفع غيره يكون تعنتا بقصده إضرار البائع مع إمكان غيره، بخلاف ما إذا لم يمكن بأن حصل الرخص للجميع، فهذا غاية ما ظهر لي في هذه المسألة، والله سبحانه أعلم قوله: (إلا إذا بين في المجلس) قال في البحر: فإذا ارتفعت الجهالة ببيان أحدهما في المجلس ورضي الآخر صح لارتفاع المفسد قبل تقرره فصار كالبيان المقارن.
قوله: (هو في عرف المتقدمين الخ) كذا قاله في الفتح: واستدل له بحديث الفطرة: كنا نخرج على عهد رسول الله (ص) صاعا من طعام، أو صاعا من شعير.
لكن قال في البحر وفي المصباح: الطعام عند أهل الحجاز البر خاصة، وفي العرف اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب وجمعه أطعمة ا ه.
والمراد به في كلام المصنف الحبوب كلها لا البر وحده ولا كل ما يؤكل بقرينة قوله: كيلا وجزافا ا ه.
قوله: (كيلا وجزافا) منصوبان على الحال لانهما بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، فافهم.
قوله: (مثلث الجيم الخ) أي يجوز في جيمه الحركات الثلاث في القاموس الجزاف، والجزافة مثلثتين، والمجازفة: الحدس في البيع والشراء معرب كزاف ا ه.
والحدس: الظن والتخمين.
وحاصله ما في المغرب: من أنه البيع والشراء بلا كيل ولا وزن.
ونقل ط.
أن شرط جوازه أن
يكون مميزا مشارا إليه، قوله: (إذا كان بخلاف جنسه) أما بجنسه فلا يجوز مجازفة، لاحتمال التفاضل، إلا إذا ظهر تساويهما في المجلس.
بحر.
حتى لو لم يحتمل التفاضل، كأن باع كفة ميزان من فضة بكفة منها جاز وإن كان مجازفة، كما في الفتح، والمجازفة فيه بسبب أنه لا يعرف قدرها.
قوله: (لشرطية معرفته) لاحتمال أن يتفاسخا السلم فيريد المسلم إليه دفع ما أخذ، ولا يعرف ذلك إلا بمعرفة القدر ط.
قوله: (ومن المجازفة البيع الخ) صرح بأنه من المجازفة، مع أن ظاهر المتن أنه ليس منها بقرينة العطف.
والاصل فيه المغايرة لانه على صورة الكيل والوزن وليس به حقيقة.
أفاده من النهر قوله (وللمشتري الخيار فيهما) أفاد أن البيع جائز غير لازم وهذا الخيار خيار كشف(5/44)
الحال، بحر.
وفي رواية: لا يجوز البيع والاول أصح وأظهر كما في الهداية، وأول في الفتح قوله: لا يجوز بأنه لا يلزم توفيقا بين الروايتين: أي فلا حاجة إلى التصحيح لارتفاع الخلاف، فاعتراض البحر عليه بأنه خلاف ظاهر الهداية غير ظاهر.
وفي البحر عن السراج: ويشترظ لبقاء عقد البيع على الصحة بقاء الاناء والحجر على حالهما، فلو تلفا قبل التسليم فسد البيع، لانه لا يعلم مبلغ ما باعه منه ا ه.
قوله: (وهذا إذا لم يحتمل الاناء النقصان) بأن لا ينكبس ولا ينقبض كأن يكون من خشب أو حديد، أما إذا كان كالزنبيل والجوالق فلا يجوز إلا في قرب الماء استحسانا للتعامل.
نهر.
قوله: (والحجر التفتت) هذا مروي عن أبي يوسف حتى لا يجوز بوزن هذه البطيخة ونحوها، لانها تنقص بالجفاف، وعول بعضهم على ذلك، وليس بشئ، فإن البيع بوزن حجر بعينه لا يصح إلا بشرط تعجيل التسليم، ولا جفاف يوجب نقصانا في ذلك الزمان، وما قد يعرض من تأخره يوما أو يومين ممنوع، بل لا يجوز ذلك كما لا يجوز في السلم، وكل العبارات تفيد تقييد صحة البيع في ذلك بالتعجيل، وتمامه في الفتح.
قال في البحر: وهو حسن جدا، وقواه في النهر أيضا: قوله: (كبيعه الخ) عبر في الفتح وغيره بقوله: وعن أبي جعفر باعه من هذه الحنطة قدر ما يملا الطشت جاز، ولو باعه قدر ما يملا هذا البيت لا يجوز ا ه.
قوله: (وصح فيما سمى) أشار به إلى أن الصاع ليس بقيد، حتى لو قال كل صاعين أو كل عشرة بدرهم صح في اثنين أو عشرة، وعلى هذا فقول
المتن: صاع بدل من ما بدل بعض من كل، وفيه من الحزازة ما لا يخفى ا ه ح.
قوله: (في بيع صبرة) هي الطعام المجموع، سميت بذلك لافراغ بعضها على بعض، ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبر.
قاله الازهري، وأراد صبرة مشارا إليها كما سيأتي، وليست قيدا، بل كل مكيل أو موزون أو معدود من جنس واحد إذا لم تختلف قيمته كذلك، نهر.
وقيد بصبرة احترازا عن صبرتين من جنسين، كما في الغرر.
وقال في شرحه الدرر: أي لا يصح البيع عنده في القدر المسمى إذا بيع صبرتان من جنسين كصبرتي بر وشعير كل قفيز أو قفيزين بكذا حيث لم يصح البيع عنده في قفيز واحد لتفاوت الصبرتين، وعندهما يصح فيهما أيضا.
وذكر في المحيط والايضاح أن العقد يصح على قفيز واحد منهما ا ه.
وقوله: يصم: أي عنده كما في الكافي، وقوله منهما: أي من الصبرتين من جنسين: أي من كل واحدة نصف قفيز كما نبه عليه شراح الهداية.
عزمية.
قوله: (كل صاع بكذا) قيل: بجر كل بدل من صبرة، وقيل: مبتدأ وخبر والجملة صفة صبرة ا ه: أي على تقدير القول: أي مقول فيها كل صاع بكذا، ويحتمل كون الجملة صفة لبيع وكونها في محل نصب على الحال بإضمار القول أيضا.
قوله: (مع الخيار للمشتري) أي دون البائع.
نهر وفي البحر: ولم يذكر المصنف الخيار على قول الامام، قالوا: وله الخيار في الواحد كما إذا رآه ولم يكن رآه وقت البيع، ثم نقل عن غاية البيان أن لكل منهما الخيار قبل الكيل، وذلك لان الجهالة قائمة أو لتفرق الصفقة، ثم قال: وصرح في البدائع بلزوم البيع في الواحد، وهذا هو الظاهر، وعندهما البيع في الكل لازم ولا خيار ا ه.
قوله: (لتفرق الصفقة عليه) استشكل على قول الامام، لانه قائل بانصرافه إلى الواحد فلا تفريق.
وأجاب في المعراج بأن انصارفه إلى الواحد مجتهد فيه والعوام لا علم لهم بالمسائل(5/45)
الاجتهادية، فلا ينزل عالما فلا يكون راضيا، كذا في الفوائد الظهيرية.
وفيه نوع تأمل ا ه بحر.
ولعل وجه التأمل أنه يلزم عليه أن من علم أن العقد منصرف إلى الواحد لم يثبت له الخيار لعدم تفرق الصفقة عليه، مع أن كلامهم شامل للعالم وغيره، وعن هذا كان الظاهر ما مر عن البدائع من لزوم البيع في الواحد.
قوله: (ويسمى خيار التكشف) أي تكشف الحال بالصحة في واحد، وهو
من الاضافة إلى السبب ط.
قوله: (إن كيلت في المجلس) وله الخيار أيضا كما في الفتح والتبيين والنهر، قوله: (لزوال المفسد) وهو جهالة المبيع والثمن.
قوله: (قبل تقرره) أي قبل ثبوته بانقضاء المجلس ط.
قوله: (أو سمى جملة قفزانها) وكذا لو سمى ثمن الجميع ولم يبين جملة الصبرة، كما لو قال: بعتك هذه الصبرة بمائة درهم كل قفيز بدرهم، فإنه يجوز في الجميع اتفاقا، بحر.
والحاصل: أنه إن لم يسم جملة المبيع وجملة الثمن صح في واحد، وإن سمى أحدهما صح في الكل كما لو سمى الكل، ويأتي بيان ما لو ظهر المبيع أزيد أو أنقص، وبقي ما إذا باع قفيزا مثلا من الصبرة، والظاهر أنه يصح بلا خلاف للعلم بالمبيع، فهو كبيع الصبرة كل قفيز بكذا إذا سمى جملة قفزانها، ولذا أفتى في الخيرية بصحة المبيع بلا ذكر خلاف، حيث سئل فيمن اشترى غرائر معلومة من صبرة كثيرة، فأجاب بأنه يصح ويلزم، ولا جهالة مع تسمية الغرائر ا ه.
قوله: (بلا خيار لو عند العقد) صرح به ابن كمال، والظاهر أن التسمية قبل العقد في مجلسه كذلك.
قوله: (وبه لو بعده الخ) الضمير الاول للخيار والثاني للعقد.
قال ح: أي وصح في الكل بالخيار للمشتري لو سمى جملة قفزانها بعد العقد في المجلس.
قوله: (أو بعده) أي بعد المجلس.
قوله: (عندهما): راجع لقوله: أو بعده لكن لا خيار للمشتري في هذه الصورة عندهما خلافا لما تقتضيه عبارته.
أفاده ح.
قلت: فكان الاصوب أن يقول: لا بعده وصح عندهما.
وعبارة الملتقى مع شرحه: لا يصح لو زالت الجهالة بأحدهما بعد ذلك: أي المجلس لتقرر المفسد، وقالا: يصح مطلقا ا ه.
ولا يخفى أن عدم الصحة عنده إنما هو فيما زاد على صاع، أما فيه فالصحة ثابتة وإن لم توجد تسمية أصلا كما تفيده عبارة المتن.
قوله: (وبه يفتى) عزاه في الشرنبلالية إلى البرهان، وفي النهر عن عيون المذاهب، وبه يفتى، لا لضعف دليل الامام بل تيسيرا ا ه.
وفي البحر: وظاهر الهداية ترجيح قولهما لتأخيره دليلهما كما هو عادته ا ه.
قلت: لكن رجح في الفتح قوله وقوي دليله على دليلهما، ونقل ترجيحه أيضا العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة، ولعله من حيث قوة الدليل فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير، ثم رأيته في شرح الملتقى أفاد ذلك، وظاهره ترجيح التيسير على قوة الدليل،
قوله: (فإن رضي) تفريع على قوله: وبه لو بعده في المجلس، قوله: (الظاهر نعم) هو رواية محمد عن الامام، استظهرها في النهر على رواية أبي يوسف عنه أنه لا يجوز إلا بتراضيهما.
قوله: (وفسد في الكل) أي عنده خلافا لهما، لان الافراد إذا كانت متفاوتة لم يصح في شئ، بحر: أي لا في واحد ولا في أكثر، بخلاف مسألة الصبرة، وسيأتي ترجيح قولهما، وهذا شروع في حكم القيميات بعد بيان حكم المثليات كالصبرة ونحوها من كل مكيل وموزون.
قوله: (بفتح) أي بفتح الثاء(5/46)
المثلثة، أما بضمها فالكثير من الناس أو من الدراهم، وبكسرها الهلكة كما في القاموس.
قوله: (وثوب) أي يضره التبعيض، أما في الكرباس فينبغي جوازه في ذراع واحد كما في الطعام الواحد، بحر عن غاية البيان.
قلت: ووجهه ظاهر، فإن الكرباس في العادة لا يختلف ذراع منه عن ذراع، ولذا فرض القهستاني المسألة فيما يختلف في القيمة وقال: فإن الذراع من مقدم البيت أو الثوب أكثر قيمة من مؤخرة ا ه.
فأفاد أن ما لا يختلف مقدمه ومؤخره فهو كالصبرة.
قوله: (كل شاة) أما لو قال شاتين بعشرين، وسمى الجملة مائة مثلا كان باطلا إجماعا وإن وجده كما سمى، لان كل شاة لا يعرف ثمنها إلا بانضمام غيرها إليها.
قاله الحدادي، وفي الخانية: ولو كان ذلك في مكيل أو موزون أو عددي متقارب جاز.
نهر.
قوله: (وإن علم) أي بعد العقد كما يفيده ما يأتي.
قوله: (ولو رضيا الخ) في السراج: قال الحلواني: الاصح أن عند أبي حنيفة إذا أحاط علمه بعدد الاغنام في المجلس لا ينقلب صحيحا، لكن لو كان البائع على رضاه ورضى المشتري ينعقد البيع بينهما بالتراضي، كذا في الفوائد الظهيرية، ونظيره البيع بالرقم ا ه بحر.
وفي المجتبى: ولو اشترى عشر شياه من مائة شاة أو عشر بطيخات من وقر فالبيع باطل، وكذا الرمان، ولو عزلها البائع وقبلها اشترى جاز استحسانا، والعزل والقبول بمنزلة إيجاب وقبول ا ه.
ومثله في التتارخانية وغيرها.
قال الخير الرملي: وفيه نوع إشكال، وهو أنه تقدم أن التعاطي بعد عقد فاسد لا ينعقد به البيع ا ه.
وانظر ما قدمناه من الجواب عند الكلام على بيع التعاطي.
مطلب: البيع بالرقم قوله: (ونظيره البيع بالرقم) بسكون القاف: علامة يعرف بها مقدار ما وقع به البيع من الثمن، فإذا لم يعلم المشتري ينظر إن علم في مجلس البيع نفذ، وإن تفرقا قبل العلم بطل.
درر من باب البيع الفاسد.
وتعقبه في الشرنبلالية بأن النافذ لازم، وهذا فيه الخيار بعد العلم بقدر الثمن في المجلس، وبأن قوله: بطل غير مسلم لانه فاسد، يفيد الملك بالقبض وعليه وقيمته، بخلاف الباطل.
وأجيب عن الاول بأنه ليس كل نافذ لازما، فقد شاع أخذهم النافذ مقابلا للموقوف ا ه.
وفي الفتح: أن البيع بالرقم فاسد، لان الجهالة تمكنت في صلب العقد وهو جهالة الثمن بسبب الرقم، وصارت بمنزلة القمار للخطر الذي فيه أنه سيظهر كذا وكذا، وجوازه فيما إذا علم في المجلس بعقد آخر هو التعاطي كما قاله الحلواني ا ه.
وانظر ما قدمناه في بحث البيع بالتعاطي.
قوله: (ولو سمى الخ) أي في صلب العقد، فلا ينافي قوله: وإن علم عدد الغنم في المجلس الخ.
قال في البحر: قيد بعدم تسمية ثمن الكل، لانه لو سمى كما إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم(5/47)
وكل ذراع بدرهم، فإنه جاز في الكل اتفاقا، كما لو سمى جملة الذرعان أو القطيع ا ه.
مطلب: الضابط في كل قوله: (والضابط لكلمة كل الخ) اعلم أنهم ذركوا فروعا في كل ظاهرها التنافي، فإنهم تارة جعلوها مفيدة للاستغراق، وتارة للواحد، وتارة لا تفيد شيئا منهما، فاقتحم صاحب البحر في ذكر ضابط يحصر الفروع المذكورة بعد تصريحهم، بأن لفظ كل لاستغراق أفراد ما دخلته من المنكر وأجزائه في المعرف.
قلت: ولذا صح قولك كل رمان مأكول، بخلاف قولك كل الرمان مأكول، لان بعض أجزائه كقشرة غير مأكول.
قوله: (إن لم تعلم نهايتها) أما إن علمت فالامر فيها واضح، كما إذا قال كل زوجة لي طالق، وله أربع زوجات مثلا فإن كلا تستغرقها ا ه ح: أي بلا تفصيل.
قوله: (فإن لم تؤد للجهالة) أي المفضية إلى المنازعة، والاولى قول البحر: فإن لم تفض الجهالة إلى منازعة.
قوله:
(كيمين وتعليق) عطف تفسير، وعبارة البحر كمسألة التعليق والامر بالدفع عنه، وذكر قبله مسألة التعليق وقال: إنها للكل اتفاقا، كما إذا قال كل امرأة أتزوجها أو كلما اشتريت هذا الثوب أو ثوبا فهو صدقة أو كلما ركبت هذه الدابة أو دابة، وفرق أبو يوسف بين المنكر والمعين في الكل، وتمامه في الزيلعي من التعليق.
وفي الخانية: كلما أكلت اللحم فعلي درهم، فعليه بكل لقمة درهم، وذكر مسألة الامر بالدفع فيما إذا أمر رجلا بأن يدفع لزوجته نفقة فقال: ادفع عني كل شهر كذا، فدفع المأمور أكثر من شهر لزم الآمر.
قوله: (وإلا) أي بأن أدت للجهالة المفضية إلى المنازعة.
قوله: (فإن لم تعلم) أي لم يمكن علمها كما في البحر، ففي عبارته تسامح.
قوله: (كإجارة) صورته: آجرتك داري كل شهر بكذا صح في شهر واحد، وكل شهر سكن أوله لزمه.
قوله: (وكفالة) صورته: إذا ضمن لها نفقتها كل شهر أو كل يوم، لزمه نفقة واحدة عند الامام، خلافا لابي يوسف.
بحر.
قوله: (وإقرار) صورته: إذا قال لك على كل درهم، ولو زاد من الدراهم فقياس قول الامام عشرة، وقالا: ثلاثة.
بحر.
تنبيه: زاد في البحر هنا قسما آخر، وعبارته: ثم رأيت بعد ذلك في آخر غصب الخانية من مسائل الابراء لو قال: كل غريم لي فهو في حل، قال ابن مقاتل: لا يبرأ غرماؤه، لان الابراء إيجاب الحق للغرماء، وإيجاب الحقوق لا يجوز إلا لقوم بأعيانهم، وأما كلمة كل في باب الاباحة فقال في الخانية من ذلك الباب.
لو قال كل إنسان تناول من مالي فهو له حلال، قال محمد بن سلمة: لا يجوز، من تناوله ضمن.
وقال أبو نصر محمد بن سلام: هو جائز نظرا إلى الاباحة، والاباحة للمجهول جائزة، ومحمد جعله إبراء عما تناوله، والابراء للمجهول باطل، والفتوى على قول أبي نصر ا ه.
ويمكن أن يقال في الضابط بعد قوله فهو على الواحد اتفاقا إن لم يكن فيه إيجاب حق لاحد، فإن كان لم يصح ولا في واحد كمسألة الابراء ا ه.
كلام البحر.
قوله: (وإلا) أي بأن علمت في المجلس، والمراد أمكن علمها فيه كما قدمناه عن البحر في قوله: فإن لم تعلم وحينئد فلا يرد أن الغنم إن علمت في صلب العقد صح في الكل، وإن الصبرة إن علمت في المجلس صح في(5/48)
الكل أيضا، فافهم.
قوله: (كالغنم) أدخلت الكاف كل معدود متفاوت ط.
قوله: (وإلا) بأن لم تتفاوت.
قوله: (وصححاه فيهما في الكل) أي وصحح الصاحبان العقد في الثلة والصبرة في كل الغنم وكل الاقفزة ا ه ح.
: أي سواء علم في المجلس أو لا، والاولى إرجاع ضمير فيهما إلى المثلي والقيمي، ليشمل المذروع وكل معدود متفاوت.
وعبارة مواهب الرحمن هكذا: وبيع صبرة مجهولة القدر كل صاع بدرهم وثلة أو ثوب كل شاة أو ذراع بدرهم صحيح في واحدة في الاولى، فاسد في كل الثانية والثالثة، وأجازه في الكل كما لو عم في المجلس بكيل.
أقول: وبه يفتى ا ه.
وعبارة القهستاني.
وهذا كله عنده، وأما عندهما فنفذ في الكل في الصورتين: أي صورتي المثلي والقيمي بلا خيار للمشتري إن رآه، وعليه الفتوى كما في المحيط وغيره ا ه.
قوله: (وإن باع صبرة الخ) قيل: هذا مقابل قوله: وفي صاع في بيع صبرة.
قلت: وفيه نظر، بل مقابله قوله وصح في الكل إن سمى جملة قفزانها، وما هنا بيان لذلك المقابل تفصيل له، فافهم.
قوله: (على أنها مائة قفيز) قيد بكونه بيع مكايلة، لانه لو اشترى حنطة مجازفة في البيت، فوجد تحتها دكانا خير بين أخذها بكل الثمن وتركها، وكذا لو اشترى بئرا من حنطة على أنها كذا وكذا ذراعا فإذا هي أقل وإذا كان طعاما في حب فإذا نصفه تبن يأخذه بنصف الثمن، لان الحب وعاء يكال فيه، فصار المبيع حنطة مقدرة والبيت والبئر لا يكال بهما، وشمل ما إذا كان المسمى مشروطا بلفظ أو بالعادة، لما في البزازية: اتفق أهل بلدة على سعر الخبز واللحم، وشاع على وجه لا يتفاوت، فأعطى رجل ثمنا واشترى وأعطاه أقل من المتعارف إن من أهل البلدة يرجع بالنقصان فيهما من الثمن، وإلا رجع في الخبز لانه فيه متعارف، فيلزم الكل لا في اللحم فلا يعم ا ه بحر.
قوله: (أخذ الاقل بحصته أو فسخ) أطلق في تخييره عند النقصان في المثلي، وذكر له في البحر قيدين: الاول عدم قبضه كل المبيع أو بعضه، فإن قبض الكل لا يخير كما في الخانية: يعني بل يرجع في النقصان.
والثاني عدم كونه مشاهدا له لما في الخانية: اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع ولا خيار للمشتري، لان هذا مما يعرف بالعيان، فإذا عاينه انتفى الغرر، كما لو اشترى صابونا على أنه متخذ
من كذا جرة من الدهن فظهر أنه متخذ من أقل، والمشتري ينظر إلى الصابون وقت الشراء، وكذا لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه، فإذا هو من تسعة جاز البيع ولا خيار للمشتري ا ه.
واعترض في النهر الاول بأن الموجب للتخيير إنما هو تفريق الصفقة، وهذا القدر ثابت فيما لو وجده بعد القبض ناقصا إلا أن يقال: إنه بالقبض صار راضيا بذلك، فتدبره ا ه.
قلت: هذا ظاهر إذا علم بنقصه قبل القبض، وإلا فلا يكون راضيا فينبغي التفصيل.
تأمل.
واعترض في النهر أيضا الثاني، بأن الكلام في مبيع ينقسم أجزاء الثمن فيه على أجزاء المبيع، وما في الخانية ليس منه لتصريحهم بأن السويق قيمي لما بين السويقين من التفاوت الفاحش بسبب القلي، وكذا الصابون كما في جامع الفصولين، وأما الثوب فظاهر، وعلى هذا فما سيأتي من أنه(5/49)
يخير في نقص القيمي بين أخذه بكل الثمن أو تركه مقيدا بما إذا لم يكن مشاهدا، فتدبره ا ه.
قلت: وينبغي أن يكون هذا فيما يمكن معرفة النقصان فيه بمجرد المشاهدة، وذلك إنما يظهر فيما يفحش نقصانه، فإذا شاهده يكون راضيا به، ثم إن الظاهر من كلام الخانية أنه عند المعاينة يلزم البيع بكل الثمن بلا خيار، وكلامنا في التخيير بين الفسخ وأخد الاقل بحصته لا بكل الثمن، فلذا جعل في النهر عدم المشاهدة قيدا في القيمي لا في المثلي: أي أنه في القيمي يأخذ الاقل بكل الثمن بلا خيار إذا كان مشاهدا، وعن هذا لم يذكره الشارح هنا بل في القيمي.
قوله: (ليس في تبعيضه ضرر) خرج ما في تبعيضه ضرر لما في الخانية: لو باع لؤلؤة على أنها تزن مثقالا فوجدها أكثر سلمت للمشتري، لان الوزن فيما يضره التبعيض وصف بمنزلة الذرعان في الثوب ا ه.
وفيها القول للمشتري في النقصان، وإن وزنه له البائع ما لم يقر بأنه قبض منه المقدار ا ه.
نهر.
قوله: (وما زاد للبائع) راجع إلى قوله أو أكثر.
قال في النهر: وقيده الزاهدي بما لا يدخل تحت الكيلين أو الوزنين، أما ما يدخل فلا يجب رده.
واختلف في قدره: فقيل نصف درهم في مائة، وقيل: دانق في مائة لا حكم له.
وعن أبي يوسف: دانق في عشر كثير، وقيل: ما دون حبة عفو في الدينار وفي القفيز المعتاد في زماننا نصف من ا ه.
مطلب: المعتبر ما وقع عليه العقد وإن ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر قوله: (على قدر معين) فما زاد عليه لا يدخل في العقد فيكون للبائع.
بحر.
ومفاده: أن المعتبر ما وقع عليه العقد من العدد، وإن كان ظن البائع أو المشتري أنه أقل أو أكثر، ولذا قال في القينة: عد الكواغد فظنها أربعة وعشرين وأخبر البائع به ثم أضاف العقد إلى عينها ولم يذكر العدد ثم زادت على ما ظنه فهي حلال للمشتري.
ساومه الحنطة كل قفيز بثمن معين وحاسبوا فبلغ ستمائة درهم، فغلطوا وحاسبوا المشتري بخمسمائة، وباعوها منه بالخمسمائة، ثم ظهر أن فيها غلطا لا يلزمه إلا خمسمائة.
أفرز القصاب أربع شياه، فقال بائعها هي بخمسة كل واحدة بدينار وربع، فجاء القصاب بأربعة دنانير، فقال: هل بعت هذه بهذا القدر والبائع يعتقد أنها خمسة صح البيع.
قال: وهذا إشارة إلى أنه لا يعتبر ما سبق أن كل واحدة بدينار وربع ا ه.
وأقره في البحر.
قوله: (وإن باع المذروع) كثوب وأرض.
در منتقى.
قوله: (على أنه مائة ذراع) بيان للمثلية، والاولى أن يزيد بمائة درهم لتتم المماثلة.
قوله: (إلا إذا قبض المبيع أو شاهده الخ) قدمنا قريبا أن صاحب البحر ذلك ذكر في بيع المثلي، كالصبرة إذا ظهر المبيع ناقصا، وأنه في النهر بحث في الاول بأنه لا فرق بين ما قبل قبض أو بعده، وفي الثاني بأنه مسلم في نقص القيمي دون المثلي، فلذا ذكر الشارح ذلك في المذروع لانه قيمي، وترك ذكره في المثلي وكأنه لم يعتبر ما بحثه في النهر في الاول، وهو اعتبار القبض، وقدمنا أنه ينبغي التفصيل، وأن سقوط الخيار بالمشاهدة ينبغي أن يكون فيما يدرك نقصانه بالمشاهدة، قوله: (وأخذ الاكثر) أي قضاء، وهل تحل له الزيادة ديانة؟ فيه خلاف نقله في البحر عن المعراج.(5/50)
قلت: وظاهر إطلاق المتون اختيار الحل.
وفي البحر: عن الغمدة لو اشترى حطبا على أنه عشرون وقرا فوجده ثلاثين طابت له الزيادة في الذرعان.
قال في البحر: وهو مشكل، وينبغي أن يكون من قبيل القدر، لان الحطب لا يتعيب بالتبعيض، فينبغي أن تكون الزيادة للبائع خصوصا إن
كان من الطرفاء التي تعور ف وزنها بالقاهرة ا ه.
قوله: (لان الذرع وصف الخ) بيان لوجه الفرق بين القدر في المثليات من مكيل وموزون وبين الذرع في القيميات، حيث جعل القدر أصلا والذرع وصفا، وبنوا على ذلك أحكاما منها ما ذكروه هنا من مسألة بيع الصبرة على أنها مائة قفيز بمائة وبيع المذروع كذلك، وقد اختلفوا في وجه الفرق، على أقوال: منها ما ذكره الشارح هنا، وكذا في شرحه على الملتقى حيث قال: قلت: وإنما كان الذرع وصفا دون المقدار، لان التشقيص يضر الاول دون الثاني، وقالوا: ما تعيب بالتشقيص والزيادة والنقصان وصف، وما ليس كذلك أصل، وكا ما هو وصف في المبيع لا يقابله شئ من الثمن الخ.
قوله: (إلا إذا كان مقصودا بالتناول) أي تناول المبيع له، كأنه جعل كل ذراع مبيعا ط.
قوله: (لصيرورته) أي الذرع أصلا: أي مقصودا كالقدر في المثليات.
قوله: (بإفراده) الباء للسببية.
قوله: (كل ذراع بدرهم) بنصب كل حال من الاثر لتأوله بالمشتق: أي مذروعا كل ذراع بدرهم.
قوله: (أو فسخ) حاصله: أن له الخيار في الوجهين.
أما في النقصان فلتفرق الصفقة، وأما في الزيادة فلدفع التزام الزائد من الثمن، وهو قول الامام وهو الاصح.
وقيل: الخيار فيما تتفاوت جوانبه كالقميص والسراويل، وأما فيما لا تتفاوت كالكرباس فلا يأخذ الزائد لانه في المعنى المكيل، كذا في شرح الملتقى ط.
وقدمنا وجه كونه في معنى المكيل، وأنه جزم به في البحر عن غاية البيان ويأتي أيضا، وكذا يأتي في كلام المصنف ما إذا كانت الزيادة أو النقصان بنصف ذراع، ففيه تفصيل، وفيه خلاف.
تنبيه: قال في الدرر: إنما قال في الاولى: أو ترك.
وقال ها هنا: أو فسخ، لان البيع لما كان ناقصا في الاولى لم يوجد المبيع فلم ينعقد البيع حقيقة، وكان أخذ الاقل بالاقل كالبيع بالتعاطي.
وفي الثانية وجد المبيع مع زيادة هي تابعة في الحقيقة، فتدبر ا ه.
قوله: (من مائة ذراع) قيد به وإن كان فاسدا عنده بين جملة ذرعانها، أو لا لدفع قول الخصاف: إن محل الفساد عنده فيما إذا لم يسم جملتها، فإنه ليس بصحيح وليصح قوله: لا أسهم، فإنه لو لم يبين جملة السهام كان فاسدا اتفاقا، وحينئذ يكون الفساد فيما إذا لم يبين جملة الذرعان مفهوما أولويا.
أفاده في البحر.
قوله: (من دار أو حمام) أشار إلى أنه لا فرق بين ما يحتمل القسمة وما لا يحتملها ح.
قوله:
(وصححاه الخ) ذكر في غاية البيان نقلا عن الصدر الشهيد، والامام العتابي أن قولهما بجواز البيع إذا كانت الدار مائة ذراع، ويفهم هذا من تعليلهما أيضا حيث قالا: لان عشرة أذرع من مائة ذراع عشر الدار، فأشبه عشرة أسهم من مائة سهم، وله أن البيع وقع على قدر معين من الدار لا على شائع، لان الذراع في الاصل اسم لخشبة يذرع بها، واستعير ههنا لما يحله، وهو معين لا مشاع،(5/51)
لان المشاع لا يتصور أن يذرع، فإذا أريد به ما يحله، وهو معين لكنه مجهول الموضع بطل العقد.
درر.
قلت: ووجه كون الموضع مجهولا أنه لم يبين أنه من مقدم الدار أو من مؤخرها وجوانبها تتفاوت قيمة فكان المعقود عليه مجهولا جعالة مفضية إلى النزاع فيفسد، كبيع بيت من بيوت الدار، كذا في الكافي.
عزمية.
قوله: (على الصحيح الخ) حاصله: أنه إذا سمى جملة الذرعان صح، وإلا فقيل: لا يجوز عندهما للجهالة، والصحيح الجواز عندهما لانها جهالة بيدهما: أي المتبايعين إزالتها بأن تقاس كلها فيعلم نسبة العشرة منها فيعلم المبيع.
فتح.
قوله: (لشيوع السهم) لان السهم اسم للجزء الشائع، فكان المبيع عشرة أجزاء شائعة من مائة سهم كما في الفتح: أي فهو كبيع عشرة قراريط مثلا من أربعة وعشرين، فإنه شائع في كل جزء من أجزاء الدار، بخلاف الذراع كما مر.
قوله: (فبيع بالتعاطي) بناء على أنه لا يلزم في صحته متاركة العقد الاول، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (اشترى عددا) أي معدودا، وقوله: من قيمي بيان له، واحترز به عن المثلي كالصبرة وقد مر حكمها، وبالعددي عن المذروع ومر حكمه أيضا، فما قيل إن الاولى أن يقول: اشترى قيميا على أنه كذا، لان كذا عبارة عن العدد مدفوع، فافهم.
قوله: (على أنه كذا) بأن قال: بعتك ما في هذا العدل، على أنه عشرة أثواب بمائة درهم.
نهر.
وفسر الشراء في كلام الكنز بالبيع، فلذا صوره به وهو غير لازم.
قوله: (للجهالة) أي جهالة الثمن في النقصان، لانه لا تنقسم أجزاؤه على أجزاء المبيع القيمي، فلم يعلم للثواب الناقص حصة معلومة من الثمن المسمى لينقص ذلك القدر منه،
فكان الناقص من الثمن قدرا مجهولا فيصير الثمن مجهولا، وجهالة المبيع في فصل الزيادة لانه يحتاج إلى رد الزائد فيتنازعان في المردود.
نهر.
قوله: (مشمرا) قيد به، لانه لو باع أرضا على أنه فيها كذا نخلة فوجدها المشتري ناقصة جاز البيع، ويخير المشتري إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك، لان الشجر يدخل في بيع الارض تبعا ولا يكون له قسط من الثمن، وكذا لو باع دارا على أن فيها كذا بيتا فوجدها ناقصة جاز البيع، ويخير على هذا الوجه.
بحر عن الخانية.
قوله: (فسد) لان الثمر له قسط من الثمن فإذا كانت الواحدة غير مثمرة لم يدخل المعدوم في البيع فصارت حصة الباقي مجهولة فيكون هذا ابتداء عقد في الباقي بثمن مجهول، فيفسد البيع.
بحر عن الخانية.
قوله: (كما لو باع) تنظير لا تمثيل، وقوله: عدلا بكسر العين، في المغرب: عدل الشئ: مثله من جنسه وفي المقدار أيضا، ومنه عدلا الحمل ا ه، فعدل الحمل ما يساوي العدل الآخر في مقداره، وهذا شامل للوعاء وما فيه من الثياب ونحوها، والمراد به هنا الثياب.
قوله: (فسد) لانه يؤدي إلى التنازع في المستثنى، بخلاف ما إذا كان معينا.
قوله: (ولو بين الخ) راجع إلى قوله: اشترى عددا من(5/52)
قيمي.
قوله: (ونقص ثوب) الاول أن يقول ثوبا كما قال في طرف الزيادة، فيكون في نقص ضمير يعود إلى القيمي، وثوبا تمييز، وعلى جعله فاعل نقص يحتاج إلى تقدير ضمير مجرور بمن يعود على القيمي.
فتدبر.
قوله: بقدره أي بما سوى قدر الناقص.
فتح ونهر.
والاول بقدر ما سوى الناقص أو بقدر الموجود المعلوم من المقام أو بقدر القيمي المذكور الذي نقص ثوبا، وهذا أقرب بناء على ما قلنا من أن الاولى نصب ثوبا فيتحد مرجع الضمير في نقص وفي بقدره، قوله: (لجهالة المزيد) فتقع المنازعة في تعيين العشرة المبيعة من الاحد عشر كما في النهر.
قوله: (ولو رد الزائد) أي إلى البائع إن كان حاضرا، وقوله أو عزله: أي أفرزه وأبقاه عنده إن كان البائع غائبا.
قوله: (خلاف) مذكور في الشرح والنهر.
لم يذكر في النهر خلافا، وإنما ذكره في شرح المصنف وعبارته.
قلت: وفي البزازية اشترى عدلا على أنه كذا فوجده أزيد والبائع غائب يعزل الزائد، ويستعمل الباقي، لانه ملكه ا ه.
وكأنه استحسان، وإلا فالبيع فاسد لجهالة المزيد.
وقد صرح في الخانية
والقنية بأن محمدا قال فيه: استحسن أن يعزل ثوبا من ذلك، ويستعمل البقية، وفيها قبله: اشترى شيئا فوجده أزيد يدفع الزيادة إلى البائع والباقي حلال له في المثليات، وفي ذوات القيم لا يحل له حتى يشتري منه الباقي، إلا إذا كانت تلك الزيادة مما لا تجري فيها الضنة فحينئذ يعذر ا ه.
وهو يقتضي عدم الحل عند غيبة البائع بالاولى فهو معارض لما تقدم ا ه.
ما في شرح المصنف، وهو مأخوذ من البحر.
ويمكن دفع المعارضة بحمل الثاني على القياس، فلا ينافي ما مر أنه استحسان ويظهر منه ترجيح ما مر، لكن ذكروا الاستحسان في صورة غيبة البائع.
قال في الخانية: فإن غاب البائع قالوا: يعزل المشتري من ذلك ثوبا ويستعمل الباقي وهذا استحسان أخذ به محمد نظرا للمشتري ا ه: لانه عند غيبة البائع يلزم الضرر على المشتري بعدم الانتفاع بالمبيع إلى حضور البائع، وربما لا يحضر أو تطول غيبته فلذا استحسن محمد عزل ثوب واستعمال الباقي نظرا للمشتري، وهذا لا يجري في صورة حضرة البائع لامكان تجديد العقد معه، فالظاهر بقاؤه على القياس، وبه ظهر أنه لا معارضة بين الكلامين، وأن ما ذكره الشارح من إجراء الخلاف في الصورتين غير محرر، فافهم.
قوله: (وجاز بيع ذراع منه نهر) عبارة النهر: قيدنا بتفاوت جوانبه، لانها لو لم تتفاوت كالكرباس لا تسلم له الزيادة لانه بمنزلة الموزون، حيث لا يضره النقصان، وعلى هذا قالوا: يجوز بيع ذراع منه ا ه.
قوله: (في عشرة وزيادة نصف) أي فيما إذا ظهر أنه عشرة ونصف.
قوله: (لانه أنفع) كما لو اشتراه معيبا فوجده سالما.
نهر: أي حيث لا خيار له.
قوله: (في تسعة ونصف) أي في نقصانه نصفا عن العشرة.
قوله: (وقال محمد الخ) يوجد قبل هذا في بعض(5/53)
النسخ: وقال أبو يوسف: يأخذه في الاولى بأحد عشر بالخيار، وفي الثانية بعشرة به.
قوله: (وفي الثاني بتسعة ونصف به) لان من ضرورة مقابلة الذراع بالدرهم مقابلة نصفه فيجري عليه حكمهما.
درر.
وقوله: به أي بالخيار، لان في الزيادة نفعا يشوبه ضرر بزيادة الثمن عليه، وفي النقصان فوات وصف مرغوب فيه.
نهر قوله: (وهو) أي قول محمد: أعدل الاقوال.
قال الاتقاني: وفي غاية البيان: وبه نأخذ.
قوله: (لكن صحح القهستناني وغيره الخ) وفي الفتح عن الذخيرة: قول
أبي حنيفة أصح ا ه.
وفي تصحيح العلامة قاسم عن الكبرى أنه المختار.
قوله: (فعليه الفتوى) تفريع على ما ذكر من تصحيحه، ومشى المتون عليه، لانه إذا اختلف التصحيح لقولين وكان أحدهما قول الامام أو في المتون أخذ بما هو قول الامام لانه صاحب المذهب، وبما في المتون لانها موضوعة لنقل المذهب، وهنا اجتمع الامران فافهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فيما يدخل في البيع تبعا وما لا يدخل فيه ما يصح استثناؤه من البيع ومسائل أخرى قوله: (الاصل الخ) في المصباح أصل الشئ: أسفله وأساس الحائط: أصله حتى قيل: أصل كل شئ ما يستند وجود ذلك الشئ إليه ا ه.
وفيه أيضا القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهو الامر الكلي المنطبق على جميع جزئياته ا ه.
فالمراد هنا أن الاصل الذي يستند إليه معرفة هذا الفصل، هو أن مسائله مبنية على قاعدتين، ولا يخفى أن هذا تركيب صحيح، فافهم.
قوله: (على قاعدتين) الاولى: أن يقول على ثلاث قواعد كما في الدرر، وقال: والثالث أن ما لا يكون من القسمين إن كان من حقوق المبيع، ومرافقه يدخل في المبيع بذكرها وإلا فلا ا ه.
وقد ذكره الشارح بقوله: وما لم يكن من القسمين الخ أفاده ط.
قوله: (يعني كل ما هو متناول اسم المبيع) أشار به إلى أن البناء في كلام المصنف مثال لا قيد، وكذا الدار ط.
قوله: (اتصال قرار الخ) فيدخل الحجارة المخلوقة والمثبتة في الارض والدار لا المدفونة، يدل عليه قولهم: لو اشترى أرضا بحقوقها وانهدم حائط منها فإذا فيه رصاص أو ساج أو خشب: إن من جملة البناء كالذي يكون تحت الحائط يدخل، وإن شاء مودعا فيه فهو للبائع، وإن قال البائع ليس لي فحكمه حكم اللقطة، فقولهم شيئا مودعا يدخل فيه الاحجار المدفونة، ويقع كثيرا في بلادنا أنه يشتري الارض أو الدار، فيرى المشتري فيها بعد حفرها أحجار المرمر والكذان والبلاط، والحكم فيه إن كان مبنيا فللمشتري، وإن موضوعا لا على وجه البناء فللبائع، وهي كثيرة الوقوع فاغتنم ذلك.
بقي لو ادعى البائع أنها كانت مدفونة فلم تدخل، والمشتري أنها مبنية فقد يقال يتحالفان، لانه يرجع إلى الاختلاف في قدر المبيع، وقد يقال: يصدق البائع لان اختلافهما في تابع لم يرد عليه العقد والتحالف، على خلاف(5/54)
القياس فيما ورد عليه العقد، فلا يقاس عليه غيره، والبائع ينكر خروجه عن ملكه والاصل بقاء ملكه.
فتأمل ا ه.
ملخصا من حاشية المنح للخير الرملي.
قوله (وهو ما وضع لا لان يفصله البشر الخ) فيدخل الشجر كما يأتي، لاتصالها بها اتصال قرار إلا اليابس، لانه على شرف القلع كما يأتي، ولا يدخل الزرع لانه متصل لان يفصل، فأشبه متاعا فيها كما في الدرر، إنما يدخل المفتاح لانه تبع للغلق المتصل، فهو كالجزء منه إذ لا ينتفع به إلا به، بخلاف مفتاح القفل كما يأتي.
والحاصل: أنه قد يدخل بعض المنقول المنفصل إذا كان تبعا للمبيع بحيث لا ينتفع به إلا به فيصير كالجزء، كولد البقرة الرضيع بخلاف ولد الاتان، وقد يدخل عرفا كقلادة الحمار وثياب العبد، قوله: (وما لا فلا) تبع فيه الدرر، والمناسب إسقاطه ليصح التفصيل في قوله: وما لم يكن من القسمين الخ تأمل.
قوله: (فإن من حقوقه ومرافقه) المرافق هي الحقوق في ظاهر الرواية، فهو عطف مرادف، والحق ما هو تبع للمبيع ولا بد له منه ولا يقصد إلا لاجله، كالطريق والشرب للارض كما سيأتي في باب الحقوق إن شاء الله تعالى، قوله: (دخل بذكرها) أي بذكر الحقوق والمرافق.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن من حقوقه ومرافقه لا يدخل وإن ذكرها فلا يدخل الثمر بشراء شجر، لانه وإن كان اتصاله خلقيا فهو للقطع لا للبقاء فصار كالزرع، إلا إذا قال بكل ما فيها أو منها، لانه حينئذ يكون من المبيع كما في الدرر.
قوله: (فيدخل البناء والمفاتيح الخ) وكذا العلو والكنيف كما في الدرر.
وقوله الآتي: في بيع دار متعلق بيدخل: أي إذا باعها بحدودها يدخل ما ذكر وإن لم يقل بكل حق لها أو بمرافقها كما في الدرر.
قال: لان الدار اسم لما يدار عليه الحدود، والعلو منها، وكذا البناء.
ثم قال: لا يدخل في بيعها الظلة والطريق والشرب والمسيل إلا به: أي بكل حق لها ونحوه.
أما الظلة فلانها مبنية على هواء الطريق فأخذت حكمه.
وأما الطريق والشرب والمسيل فلانها خارجة عن الحدود، لكنها من الحقوق فتدخل بذكرها، وتدخل في الاجارة بلا ذكرها لانها تعقد للانتفاع، ولا يحصل إلا به، بخلاف البيع، لانه قد يكون للتجارة ا ه.
قلت: وذكر في الذخيرة أن الاصل أن ما لا يكون من بناء الدار ولا متصلا بها لا يدخل، إلا إذا جرى العرف في أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فالمفتاح يدخل استحسانا لا قياسا لعدم
اتصاله، وقلنا بدخوله بحكم العرف ا ه ملخصا.
ومقتضاه: أن شرب الدار يدخل في ديارنا دمشق المحمية للتعارف، بل هو أولى من دخول السلم المنفصل في عرف مصر القاهرة، لان الدار في دمشق إذا كان لها ماء جار وانقطع عنها أصلا لم ينتفع بها، وأيضا إذا علم المشتري أنه لا يستحق شربها بعقد البيع لا يرضى بشرائها إلا بثمن قليل جدا بالنسبة إلى ما يدخل فيها وشربها.
وتمام الكلام على ذلك في رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف.
قوله: (المتصلة أغلاقها الخ) جمع غلق بفتحتين: أي ما يغلق على الباب.
قال في الفتح: المراد بالغلق ما نسميه ضبة، وهذا إذا كانت مركبة لا إذا كانت موضوعة في الدار ا ه.
هذا، وإنما اقتصر على ذكر المفاتيح للعلم بدخول الاغلاق المتصلة بالاولى، لان دخول المفاتيح بالتبعية لها، فافهم، قوله: (كضبة وكيلون) قيل: الاول هو المسمى بالسكرة، والثاني المسمى بالغال.
قوله: (لا القفل) بضم فسكون:(5/55)
أي لا يدخل سواء ذكر الحقوق أو لا، وسواء كان الباب مغلقا أو لا، وسواء كان المبيع حانوتا أو بيتا أو دارا كما في الخانية.
بحر.
قوله: (لعدم اتصاله) وإنما تدخل الالواح، وإن كانت منفصلة لانها في العرف كالابواب المركبة، والمراد بهذه الالواح ما تسمى بمصر دراريب الدكان، وقد ذكر فيها عدم الدخول فلا يعود عليه ا ه.
فتح: أي لانها لا ينتفع بالدكان إلا بها.
قوله: (والسلم المتصل) في عرف القاهرة ينبغي دخوله مطلقا، لان بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه، ولا يرد عدم دخول الطريق من أنه لا انتفاع إلا به، لان ملك رقبتها قد يقصد للاخذ بشفعة الجوار، ولهذا دخل في الاجارة بلا ذكر كما سيأتي.
بحر: أي لان إجارة الارض لا يقصد بها إلا الانتفاع برقبتها فلذا دخل الطريق فيها، بخلاف البيع، لكن لا يخفى أن هذا ناقض للجواب، لان لقائل أن يقول في بيوت القاهرة: لا يدخل السلم الموضوع، لانه قد يقصد بشراء البيت الاخذ بالشفعة: أي أن يأخذ بالشفعة ما يجاوره، فلم يكن المقصود الانتفاع برقبته حتى يدخل فيه السلم تبعا، تأمل.
قوله: (المتصلة) هذا يغني عن قوله قبله: المتصل لانه نعت للثلاثة المذكورة، ولو جعل نعتا للسرير والدرج لكان المناسب أن يقول: المتصلان.
قال في البحر: ويدخل الباب المركب لا الموضوع،
ولو اختلفا فيه فادعاه كل: فلو مركبا متصلا بالبناء فالقول للمشتري، ولو مقلوعا فلو الدار بيد البائع فالقول له، وإلا فللمشتري ا ه.
قلت: وبه علم حكم أبواب الشبابيك، وذلك أن الابواب التي كلها من الدف تدخل إن كانت مركبة متصلة، والتي من البلور لا تدخل إلا إذا كانت متصلة أيضا، لان غير المتصلة توضع وترفع.
تأمل.
وأما الدف الذي يفرش في إيوان البيوت لدفع العفن والنداوة فالظاهر أنه كالسرير المسمى بالتخت فيعتبر فيه الاتصال وعدمه، ولكن قد يقال: إن السرير ينقل ويحول، وأما هذا فإنه لا ينقل من محله فهو في حكم المتصل، فليتأمل.
قوله: (لو أسلفها مبنيا) أي فيدخل الحجر الاعلى استحسانا، وهذا في ديارهم، أما في ديار مصر لا تدخل الرحى، لانها بحجريها تنقل وتحول ولا تبنى، فهي كالباب الموضوع لا يدخل بالاتفاق فتح.
قوله: (والبكرة) أي بكرة البئر التي عليها فتدخل مطلقا لانها مركبة بالبئر ا ه.
بحر.
وظاهر التعليل أنها لو لم تكن مركبة بأن كانت مشدودة بحبل أو موضوعة بخطاف في حلقة الخشبة التي على البئر أنها لا تدخل، ويحرر.
وفي الهندية: والبكرة والدلو الذي في الحمام لا يدخل، كذا في محيط السرخسي.
قال السيد أبو القاسم: في عرفنا للمشتري كذا في مختارات الفتاوى ا ه.
وهذا يقتضي أن المعتبر العرف ط.
قوله: (في بيعها أي الدار) وهو متعلق بقوله: فيدخل كما قدمناه، قوله: (وكذا بستانها) أي الذي فيها ولو كبيرا لا لو خارجها وإن كان بابه فيها، قاله أبو سليمان، وقال الفقيه أبو جعفر: يدخل لو أصغر منها ومفتحه فيها لا لو أكبر أو مثلها.
وقيل: إن صغر دخل وإلا لا، وقيل: يحكم الثمن ا ه.
فتح.
قوله: (كما سيجئ في باب الاستحقاق) صوابه في باب الحقوق وعبارته: وكذا البستان الداخل، وإن لم يصرح بذلك، لا البستان الخارجي إلا إذا كان أصغر منها فيدخل تبعا، ولو مثلها أو أكثر فلا إلا بالشرط.
زيلعي وعيني ا ه.
وبذلك جزم أيضا في البحر والنهر هناك.
قوله: (ويدخل في بيع الحمام القدور) جمع(5/56)
قدر بالكسر: آنية يطبخ فيها.
مصباح.
والظاهر أن المراد بها قدر النحاس التي يسخن فيها الماء، وتسمى حلة، أو المراد الفساقي التي ينزل إليها الماء، ويغتسل منها وتسمى أجرانا، لكن إن كانت
متصلة فلا كلام، أما إن كانت منفصلة موضوعة.
فإن كانت كبيرة لا تنقل ولا تحول، فالظاهر أنها كالمتصلة وألا فلا، تأمل.
قال في الفتح: وأما قدر الصباغين والقصارين وأجاجين الغسالين وخوابي الزياتين وحبابهم ودنانهم وجذع القصار الذي يدق عليه المثبت كل ذلك في الارض، فلا يدخل وإن قال بحقوقها.
قلت: ينبغي أن تدخل كما إذا قال بمرافقها ا ه.
أقول: بل في التتارخانية عن الذخيرة أنه على قياس مسألة البكرة والسلم ما كان مثبتا في البناء من هذه الاشياء ينبغي أن يدخل في البيع ا ه: أي وإن لم يقل بحقوقها.
قوله: (وفي الحمار إكافه) في القاموس: إكاف الحمار ككتاب وغراب: بردعته، وهي الحلس تحت الرحل، وقد تنقط داله ا ه.
وظاهر كلام الفقهاء أنه غيره، والعرف أنها الخشب فوق البردعة.
بحر.
قوله: (لا لو من الحمريين) جمع حمري وهو من يبيع الحمير، وكأنه لان عادتهم التجارة فيها مجردة عن الاكاف ط.
قلت: ويؤيده قوله في التتارخانية: وهذا بحسب العرف، وفيها أيضا إذا باع حمارا موكفا دخل الاكاف والبردعة بحكم العرف.
وفي الظهيرية: هو المختار، وإن لم يكن عليه بردعة ولا إكاف دخلا أيضا، كذا اختاره الصدر الشهيد.
وبعضهم قالوا: إذا كان عريانا لا يدخل شئ.
وفي الخانية أن ابن الفضل قال: لا يدخل ولم يفصل بين كونه موكفا أو لا، وهو الظاهر، ثم إذا دخلا لا يكون لهما حصة من الثمن كما في ثياب الجارية.
قوله: (وتدخل قلادته عرفا) في الظهيرية: باع فرسا دخل العذار بحكم العرف، والعذار والمقود واحد ا ه.
لكن في الخانية: لا يدخل المقود في بيع الحمار، لانه ينقاد بدونه، بخلاف الفرس والبعير.
قال في الفتح: وليتأمل في هذا.
قوله: (في الاتان الخ) الفرق أن البقرة لا ينتفع بها إلا بالعجل، ولا كذلك الاتان.
ظهيرية.
قوله: (وتدخل ثياب عبد وجارية الخ) هذا إذا بيعا في الثياب المذكورة، وإلا دخل ما يستر العورة فقط، ففي البحر: لو باع عبدا أو جارية كان على البائع من الكسوة ما يواري عورته، فإن بيعت في ثياب مثلها دخلت في البيع ا ه.
ومثله في الفتح.
ودخول ثياب المثل بحكم العرف كما مر في التتارخانية، وحينئذ فالمدار على المعرف.
قوله: (يعطيهما هذه أو غيرها) أي يخير البائع بين أن يعطى ما عليهما أو غيره
، لان الداخل بالعرف كسوة المثل، ولهذا لم يكن لها حصة من الثمن، حتى لو استحق ثوب منها لا يرجع على البائع بشئ، وكذا إذا وجد بها عيبا ليس له أن يردها.
زيلعي.
زاد في البحر: ولو هلكت الثياب عند المشتري، أو تعيبت ثم رد الجارية بعيب ردها بجميع الثمن ا ه.
وقول الزيلعي: لا يرجع على البائع بشئ.
قال بعض الفضلاء: يعني من الثمن، وأما رجوعه بكسوة مثلها فثابت له كما يعلم من كلامهم ا ه.
وفي التتارخانية: وكذلك إذا وجد بالجارية عيبا ردها ورد معها ثيابها وإن لم يجد بالثياب عيبا ا ه.
وعليه فما في الزيلعي من قوله: لو وجد بالجارية عيبا كان له أن يردها بدون تلك الثياب، فمعناه كما في البحر: إذا هلكت، وإلا لزم حصولها للمشتري بلا مقابل، وهو(5/57)
لا يجوز.
قوله: (أو قبضها) أي المشتري، وسكت: أي البائع، لانه كالتسليم.
منح عن الصيرفية، وفي التاترخانية: فأما سلم البائع الحلى لها فهو لها، وإن سكت عن طلبه وهو يراه، فهو كما لو سلم لها.
وفيها عن المحيط: باع عبدا معه مال: فإن سكت عن ذكر المال جاز البيع والمال للبائع هو الصحيح، ولو باعه مع ماله وسمى مقداره، فإن كان الثمن من جنسه لا بد أن يكون الثمن أزيد من مال العبد ليكون بإزاء مال العبد قدره من الثمن، والباقي بإزاء العبد، وتمامه فيها.
قوله: (ويدخل الشجر الخ) قال في المحيط: كل ماله ساق ولا يقطع أصله كان شجرا يدخل تحت بيع الارض بلا ذكر، وما لم يكن بهذه الصفة لا يدخل بلا ذكر لانه بمنزلة الثمرة ا ه.
عن الهندية.
قوله: (قيد للمسألتين) الاولى البناء وما عطف عليه والثانية الشجر ط.
قوله: (مثمرة كانت أو لا الخ) لان محمدا لم يفصل بينهما، ولا بين الصغيرة والكبيرة، فكان الحق دخول الكل، خلافا لمن قال: إن غير المثمرة لا تدخل إلا بالذكر، لانها لا تغرس للقرار بل للقطع إذا كبر خشبها، فصارت كالزرع، ولمن قال: إن الصغيرة لا تدخل.
فتح.
وفي التتارخانية عن المحيط: إن هذا أصح: أي عدم التفصيل ا ه.
قلت: لكن في الذخيرة إن العرائس والاشجار والابنية تدخل، لانها ليس بنهايتها مدة معلومة فتكون للتأبيد فتتبع الارض، بخلاف الزرع والثمر، لان لقطعها غاية معلومة فكانت كالمقطوع ا ه.
ملخصا.
ومقتضاه أن غير المثمر المعد للقطع كالزرع، إلا أن يقال: إنه ليس له نهاية معلومة.
قوله: (لانها على شرف القلع) فهي كحطب موضوع فيها.
فتح.
قوله: (كالبناء) أشار بذكره إلى أن العلة في دخول الشجر: هي العلة في دخول البناء، وهي أنهما وضعا للقرار ط.
قوله: (فلو فيها صغار الخ) نقله في الفتح عن الخانية.
ويأتي قريبا ما يفيد أن صغرها وقطعها في كل سنة غير قيد.
قوله: (وإن من وجه الارض لا) أي لا تدخل، لانها تكون حينئذ كالثمرة كما يعلم مما نذكره قريبا.
قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) حاصله: أنه في الواقعات صرح بأن القصب لا يدخل بلا شرط لانه ما يقطع فكان بمنزلة الثمرة.
وأخد الطرسوسي من التعليل بالقطع أن الحور ونحوه مما يقطع في أوقات معروفة لا يدخل.
ونازعه تلميذه ابن وهبان بأن القصب يقطع في كل سنة، فكان كالثمرة، بخلاف خشب الحور فلا وجه للالحاق ا ه.
لكن في الواقعات أيضا: لو فيها أشجار تقطع في كل ثلاث سنين، فلو تقطع من الاصل تدخل، ولو من وجه الارض فلا، لانها بمنزلة الثمرة.
قال ابن الشحنة: فيه إشارة إلى أن العلة كونه يباع شجرا بأصله فلا يكون، كالثمرة بخلاف المقطوع من وجه الارض مع بقاء أصله لانه كالثمرة ا ه.
قلت: والحاصل: أن الشجر الموضوع للقرار، وهو الذي يقصد للثمر يدخل، إلا إذا يبس وصار حطبا كما مر، أما غير المثمر المعد للقطع، فإن لم يكن له نهاية معلومة فلا يدخل أيضا،(5/58)
بخلاف ما أعد للقطع في زمن خاص كأيام الربيع أو في كل ثلاث سنين فهو على التفصيل المذكور، ولا يخفى أن الحور بالمهملتين ليس لقطعه نهاية معلومة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا، واعلم أنه نقل في البحر وكذا في شرح الوهبانية عن الخانية: أنه لو باع أرضا فيها رطية أو زعفران أو خلاف يقلع في كل ثلاث سنين أو رياحين أو بقول.
قال الفضلي: ما على وجه الارض بمنزلة الثمر لا يدخل بلا شرط، وما في الارض من أصولها يدخل، لان أصولها للبقاء بمنزلة البناء، وكذا لو كان فيها قصب أو حشيش أو حطب نابت يدخل أصوله، لا ما على وجه الارض.
واختلفوا في قوائم الخلاف، والصحيح أنها لا تدخل ا ه.
وفي شرح الوهبانية: إن هذا
التفصيل أنسب لمقتضى قواعدهم ا ه.
قوله: (دخل الوثائل الخ) الوثل: بالتحريك: الحبل من الليف، والوثيل نبت، كذا في جامع اللغة ا ه ح.
وهو المنقول عن القنية.
وفي نسخة: الوتائر، وهو جمع وتيرة، وهي ما يوتر بالاعمدة من البيت كالوترة محركة، كذا في القاموس: ثم قال: وترها يترها.
علق عليها ا ه.
فالمراد: ما يعلق عليه الكرم، والذي وقع فيما رأيته من نسخ المنح يدخل الوتائر المشدودة على الاوتار المنصوبة في الارض ا ه ط.
قلت: والذي رأيته في الشرح وكذا في المنح: الوتائد المشدودة على الاوتاد الخ، بالدال المهملة في الموضعين: تأمل.
قوله: (وكذا الاعمدة المدفونة في الارض) قال في المنح: تقييده بالمدفونة يفيد أن الملقاة على الارض لا تدخل، لانها بمنزلة الحطب الموضوع في الكرم، وصارت المسألة واقعة الفتوى، فيفتى بالدخول في المبيع وإن كانت مدفونة، وهي المسماة في ديارنا ببرابير الكرم ا ه.
مطلب: كل ما دخل تبعا لا يقابله شئ من الثمن قوله: (وفي النهر الخ) قال فيه: ولذا قال في القنية: اشترى دارا فذهب بناؤها لم يسقط شئ من الثمن، وإن استحق أخذ الدار بالحصة، ومنهم من سوى بينهما ا ه.
ونحو ذلك ثياب الجارية كما سلف ط.
وفي الكافي: رجل له أرض بيضاء ولآخر فيها نخل، فباعهما رب الارض بإذن الآخر بألف وقيمة كل واحد خمسمائة، فالثمن بينهما نصفان، فإن هلك النخل قبل القبض بآفة سماوية خير المشتري بين الترك وأخذ الارض بكل الثمن، لان النخل كالوصف والثمن بمقابلة الاصل لا الوصف، فلذا لا يسقط شئ من الثمن ا ه.
وقيده في البحر بما إذا لم يفصل ثمن كل، فلو فصل سقط قسط النخل بهلاكها كما في تلخيص الجامع.
تنبيه: في حاشية السيد أبي السعود: استفيد من كلامهم: أنه إذا كان لباب الدار المبيعة كيلون من فضة لا يشترط أن ينقد من الثمن ما يقابله قبل الافتراق لدخوله في البيع تبعا، ولا يشكل بما سيأتي في الصرف من مسألة الامة مع الطوق والسيف المحلى، لان دخول الطوق والحلية في البيع لم يكن على وجه التبعية، لكون الطوق غير متصل بالامة والحلية وإن اتصلت بالسيف، إلا أن
السيف اسم للحلية أيضا كما سيأتي في الصرف، فكانت من مسمى السيف، إذا علم هذا ظهر أنه في بيع الشاش ونحوه إذا كان فيه علم لا يشترط نقد ما قابل العلم من الثمن قبل الافتراق، خلافا(5/59)
لمن توهم ذلك من بعض أهل العصر، لان العلم لم يكن من مسمى المبيع، فكان دخوله على وجه التبعية، فلا يقابله حصة من الثمن ا ه.
قلت: وما ذكره في الكيلون غير مسلم، وسنذكر تحرير المسألة في باب الصرف إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولا يدخل الزرع الخ) إطلاقه يعم إذا ما إذا لم ينبت، لانه حينئذ يمكن أخذه بالغربال، وما إذا عفن واختار الفضلي وتبعه في الذخيرة أنه حينئذ يكون للمشتري، لانه لا يجوز بيعه على الافراد، وبالاطلاق أخذ أبو الليث.
نهر.
وقال في الفتح: واختار الفقيه أبو الليث أنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف ا ه.
قوله: (إلا إذا نبت ولا قيمة له) ذكر في الهداية قولين في هذه المسألة بلا ترجيح، وذكر في التجنيس: أن الصواب الدخول كما نص عليه القدوري والاسبيجابي، والخلاف مبني على الاختلاف في جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناجل.
قال في الفتح: يعني أن من قال لا يجوز بيعه قال يدخل، ومن قال يجوز قال: لا يدخل، ولا يخفى أن كلا من الاختلافين مبني على سقوط تقومه وعدمه، فإن القبول بعدم جواز بيعه وبعدم دخوله في البيع كلاهما مبني على سقوط تقومه، والاوجه جواز بيعه على رجاء تركه، كما يجوز بيع الجحش كما ولد رجاء حياته فينتفع به في ثاني الحال ا ه.
ما في الفتح.
وظاهره اختيار عدم الدخول، لاختياره جواز بيعه، وبه صرح في السراج حيث قال: لو باعه بعدما نبت ولم تنله المشافر والمناجل، ففيه روايتان، والصحيح أنه لا يدخل إلا بالتسمية، ومنشأ الخلاف هل يجوز بيعه أو لا؟ الصحيح الجواز ا ه.
والحاصل: أن الصور أربع، لانه إما أن يكون بعد النبات أو قبله، وعلى كل إما أن يكون له قيمة أو لا، ولا يدخل في الكل، لكن وقع الخلاف فيما ليس له قيمة قبل النبات أو بعده، ففي الثانية الاصح الدخول كما ذكره الشارح بل علمت أنه الصواب، وظاهر الفتح اختيار عدمه، وبه صرح في السراج، وكذا في الاولى اختلف الترجيح فاختار الفضلي الدخول، واختار أبو الليث
عدمه كما قدمناه عن النهر والفتح، واقتصار الشارح على استثناء الثانية فقد يفيد ترجيح ما اختاره أبو الليث في الاولى، لكن قدمنا عن الفتح أن اختيار أبي الليث إنه لا يدخل بكل حال كما هو إطلاق المصنف: يعني صاحب الهداية، وظاهره عدم الدخول في الصور الاربع وقد وقع في البحر ههنا خلل في فهم كلام السراج المتقدم، وفي بيان الخلاف في الصور المذكورة، والصواب ما ذكرناه كما أوضحته فيما علقته، فافهم.
تنبيه: قيد بالبيع لانه في رهن الارض يدخل الشجر والثمر والزرع، وفي وقفها يدخل البناء والشجر لا الزرع، وكذا لو أقر بأرض عليها زرع أو شجر دخل، ولا يدخل الزرع في إقالة الارض، وتمامه في البحر.
قوله: (ولا الثمر في بيع الشجر) الثمر بمثلثة: الحمل الذي تخرجه الشجرة وإن لم يؤكل، فيقال ثمر الاراك والعوسج والعنب.
مصباح، وفي الفتح: ويدخل في الثمرة الورد(5/60)
والياسمين ونحوهما من المشمومات.
نهر.
وشمل ما إذا بيع الشجر مع الارض أو وحده كان له قيمة أو لا.
بحر.
قوله: (ليفيد أنه لا فرق) أي بين أن يسمى الزرع والثمر بأن يقول بعتك الارض وزرعها أو بزرعها أو الشجر وثمره أو معه أو به، وبين أن يخرجه مخرج الشرط فيقول بعتك الارض على أن يكون زرعها لك أو بعتك الشجر على أن يكون الثمر لك، كذا في المنح ا ه ح.
ومثله في البحر.
مطلب: المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له قوله: (وخصه بالثمر) أي خص ذكر الشرط بمسألة الثمر دون مسألة الزرع مع إمكان العكس اتباعا للحديث المذكور الذي استدل به الامام محمد، على أنه لا فرق بين كون الثمر مؤبرا أو لا.
التأبير: التلقيح، وهو أن يشق الكم وبذر فيه من طلع النخل ليصلح إناثها، والكم بالكسر: وعاء الطلع.
وأما حديث الكتب الستة.
من باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع فلا يعارضه، لان مفهوم الصفة غير معتبر عندنا، وما قيل من أن الحديث الاول غريب ففيه أن المجتهد إذا استدل بحديث كان تصحيحا له كما في التحرير وغيره.
نعم، يرد ما في الفتح أم حمل
المطلق على المقيد هنا واجب، لانه في حادثة واحدة في حكم واحد، ثم أجاب عنه بأنهم قاسوا الثمر على الزرع، كما قال في الهداية: إنه متصل للقطع لا للبقاء، وهو قياس صحيح، وهم يقدمون القياس على المفهوم إذا تعارضا.
مطلب في حمل المطلق على المقيد واعترض في البحر قوله إن حمل المطلق على المقيد واجب الخ، بأنه ضعيف، لما في النهاية من أن الاصح أنه لا يجوز لا في حادثة ولا في حادثتين، حتى جوز أبو حنيفة التيمم بجميع أجزاء الارض بحديث جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ولم يحمل هذا المطلق على المقيد، وهو حديث التراب طهور ا ه.
أقول: أجبت عنه فيما علقته على البحر بأن المقيد هنا لا ينفي الحكم عما عداه، لان التراب لقب، ومفهوم اللقب غير معتبر إلا عند فرقة شاذة ممن اعتبر المفاهيم، فليس مما يجب فيه الحمل، فلا دلالة في ذلك على أنه لا يحمل في حادثة عندنا، كيف وحمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم والحادثة مشهور عندنا مصرح به في متن المنار والتوضيح والتلويح وغيرها، فما استند إليه من كلام النهاية غير مسلم، فافهم.
قوله: (ويؤمر البائع بقطعهما) أي فيما إذا باع أرضا فيها زرع لم يسمه أو شجرا عليه ثم لم يشترطه حتى بقي الزرع والثمر على ملك البائع.
قوله: (الزرع والثمر) بدل من ضمير التثنية، وقوله: الارض والشجر بدل من المبيع.
قوله: (عند وجوب تسليمهما) أي تسليم الارض والشجر وذلك عند نقد المشتري الثمن.
قوله: (لم يؤمر به) أي بالقطع لعدم وجوب التسليم.
قوله: (وإن لم يظهر صلاحه) الاولى صلاحهما أي الزرع والثمر وهو المناسب لقوله: بقطعهما.
قوله: (لان ملك المشتري مشغول الخ) علة لقوله: ويأمر البائع بقطعهما الخ،(5/61)
وفي النهر عن جامع الفصولين: باع شجرا عليه ثمر أو كرما عليه عنب لا يدخل الثمر، فلو استأجر الشجرة من المشتري ليترك عليه الثمر لم يجز، ولكن يعار إلى الادراك، فلو أبى المشتري يخير البائع إن شاء أبطل البيع أو قطع الثمر ا ه.
وسيذكره الشارح آخر الباب فتأمله مع قول المتون، ويؤمر
البائع بالقطع فإنه ينافي التخيير المذكور، ولعله قول آخر فليحرر.
قوله: (وما في الفصولين) أي جامع الفصولين لابن قاضي سماوة جمع فيه بين فصولي العمادي والاستروشني ط.
قوله: (محمول على ما إذا رضي المشتري) أي رضي بإبقاء الزرع بأجر مثل الارض، وإلا أمر البائع بالقلع توفيقا بين كلامهم، وأما إذا نقضت المدة في الاجارة فللمستأجر أن يبقى الزرع بأجر المثل إلى انتهائه لانها للانتفاع، وذكل بالترك دون القلع، بخلاف الشراء لانه لملك الرقبة فلا يراعي فيه إمكان الانتفاع.
بحر.
مطلب في بيع الثمر والزرع والشجر مقصودا قوله: (ومن باع ثمرة بارزة) لم فرغ من بيع الثمر تبعا للشجر شرع في بيعه مقصودا، ولم يذكر حكم بيع الزرع والشجر مقصودا.
قال في الدرر: لا يصح بيع الزرع قبل صيرورته بقلا لانه ليس بمنتفع به وتابع للارض، فيكون كالوصف، فلا يجوز إيراد العقد عليه بانفراده، وإن باع على أن يتركه حتى يدرك لم يجز، وكذا الرطبة والبقول، ويجوز بيع حصته من شريكه مطلقا: أي سواء بلغ أوان الحصاد أو لا، ومن غيره بغير إذنه إن لم يفسخ إلى الحصاد فإنه حينئذ ينقلب إلى الجواز، كما إذا باع الجذع في السقف ولم يفسخ البيع حتى أخرجه وسلمه ا ه.
ويأتي في المتن بيع البر في سنبله.
وفي البحر عن الظهيرية: اشترى شجرة للقلع يؤمر بقلعها بعروقها، وليس له حفر الارض إلى انتهاء العروق بل يقلعها على العادة، إلا أن شرط البائع القطع على وجه الارض، أو يكون في القلع من الاصل مضرة للبائع ككونها بقرب حائط أو بئر فيقطعها على وجه الارض، فإن قطعها أو قلعها فنبت مكانها أخرى، فالنبات للبائع، إلا إذا قطع من أعلاها فهي للمشتري.
سراج، ولو اشترى نخلة ولم يبين أنها للقلع أو للقرار، قال أبو يوسف: لا يملك أرضها وأدخل محمد ما تحتها وهو المختار، وإن اشتراها للقطع لا تدخل الارض اتفاقا، وإن للقرار تدخل إتفاقا وإن باع نصيبا له من شجرة بلا إذن الشريك جاز إن بلغت أوان قطعها وإلا فلا ا ه.
وقدمنا في الشركة حكم بيع الحصة الشائعة من ثمر أو زرع أو شجر مفصلا موضحا، فراجعه.
قوله: (أما قبل الظهور) أشار إلى أن البروز بمعنى الظهور، والمراد به انفراك الزهر عنها وانعقادها ثمرة وإن صغرت.
قوله: (ظهر
صلاحها أو لا) قال في الفتح: لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، ولكن بدو الصلاح عندنا أن تؤمن العاهة والفساد.
وعند الشافعي: هو ظهور النضج وبدو الحلاوة، والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على(5/62)
الخلاف في معناه، لا بشرط القطع، فعند الشافعي ومالك وأحمد: لا يجوز، وعندنا: إن كان بحال لا ينتفع به في الاكل ولا في علف الدواب فيه خلاف بين المشايخ.
قيل: لا يجوز، ونسبه قاضيخان لعامة مشايخنا، والصحيح أنه يجوز لانه مال منتفع به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعا به في الحال، والحيلة في جوازه باتفاق المشايخ أن يبيع الكمثري أول ما تخرج مع أوراق الشجر فيجوز فيها تبعا للاوراق كأنه ورق كله، وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرط القطع أو مطلقا ا ه.
قوله: (لا يصح في ظاهر المذهب) قال في الفتح: ولو اشتراها مطلقا: أي بلا شرط قطع أو ترك فأثمرت ثمرا آخر قبل القبض فسد البيع، لانه لا يمكنه تسليم المبيع لتعذر التمييز فأشبه هلاكه قبل التسليم، ولو أثمرت بعد القبض يشتركان فيه للاختلاط، والقول قول المشتري في مقداره مع يمينه، لانه في يده، وكذا في بيع الباذنجان والبطيخ إذا حدث بعد القبض خروج بعضها اشتركا كما ذكرنا ا ه.
ومقتضاه أنها لو أثمرت بعد القبض يصح في البيع في الموجود وقت البيع، فإطلاق المصنف تبعا للزيلعي محمول على ما إذا باع الموجود والمعدوم كما يفيده ما يأتي عن الحلواني، وما ذكره في الفتح من التفصيل محمول على ما إذا باع الموجود فقط، وعلى هذا فقول الفتح عقب ما قدمناه عنه: وكان الحلواني يفتي بجوازه في الكل الخ، لا يناسب التفصيل الذي ذكره، لانه لا وجه لجواز البيع في الكل إذا وقع البيع على الموجود فقط، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (وأفتى الحلواني بالجواز) وزعم أنه مروي عن أصحابنا، وكذا حكي عن الامام الفضلي، وقال: استحسن فيه لتعامل الناس وفي نزع الناس عن عادتهم حرج.
قال في الفتح: وقد رأيت رواية في نحو هذا عن محمد في بيع الورد على الاشجار، فإن الورد متلاحق،
وجوز البيع في الكل وهو قول مالك ا ه.
قال الزيلعي: وقال شمس الائمة السرخسي: والاصح أنه لا يجوز، لان المصير إلى مثل هذه الطريقة عند تحقق الضرورة ولا ضرورة هنا، لانه يمكنه أن يبيع الاصول على ما بينا، أو يشتري الموجود ببعض الثمن، ويؤخر العقد في الباقي إلى وقت وجوده أو يشتري الموجود بجميع الثمن، ويبيح له الانتفاع بما يحدث منه، فيحصل مقصودهما بهذا الطريق، فلا ضرورة إلى تجويز العقد في المعدوم مصادما للنص.
وهو ما روى أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم ا ه.
قلت: لكن لا يخفى تحقق الضرورة في زماننا، ولا سيما في مثل دمشق الشام كثيرة الاشجار والثمار، فإنه لغلبة الجهل على الناس لا يمكن إلزامهم بالتخلص بأحد الطرق المذكورة، وإن أمكن ذلك بالنسبة إلى بعض أفراد الناس لا يمكن بالنسبة إلى عامتهم وفي نزعهم عن عادتهم حرج كما علمت، ويلزم تحريم أكل الثمار في هذه البلدان إذ لا تباع إلا كذلك، والنبي (ص) إنما رخص في السلم للضرورة مع أنه بيع المعدوم، فحيث تحققت الضرورة هنا أيضا أمكن إلحاقه بالسلم بطريق الدلالة، فلم يكن مصادما للنص، فلذا جعلوه من الاستحسان، لان القياس عدم الجواز، وظاهر كلام الفتح الميل إلى الجواز، ولذا أورد له الرواية عن محمد، بل تقدم أن الحلواني رواه عن أصحابنا، وما ضاق الامر إلا اتسع، ولا يخفى أن هذا مسوغ للعدول عن ظاهر الرواية كما يعلم من رسالتنا المسماة نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف فراجعها.
قوله: (لو الخارج أكثر)(5/63)
ذكر في البحر عن الفتح أن ما نقله شمس الائمة عن الامام الفضلي لم يقيده عنه بكون الموجود وقت العقد أكثر، بل قال عنه: أجعل الموجود أصلا، وما يحدث بعد ذلك تبعا.
قوله: (ويقطعها المشتري) أي إذا طلب البائع تفريغ ملكه، وهذا راجع لاصل المسألة.
قوله: (جبرا عليه) مفاده أنه لا خيار للمشتري في إبطال البيع إذ امتنع البائع عن إبقاء الثمار على الاشجار، وفيه بحث لصاحب البحر والنهر سيذكره الشارح آخر الباب.
قوله: (فسد) أي مطلقا كما يرشد إليه التفصيل في القول المقابل له، فافهم.
وعلل في البحر الفساد بأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل ملك الغير.
قوله:
(كشرط القطع على البائع) في البحر عن الولوالجية: باع عنبا جزافا وكذا الثوم في الارض والجزر والبصل فعلى المشتري قطعه إذا خلى بينه وبين المشتري، لان القطع إنما يجب على البائع إذا وجب عليه الكيل أو الوزن، ولم يجب لانه لم يبع مكايلة ولا موازنة.
قوله: (وبه يفتى) قال في الفتح: ويجوز عند محمد استحسانا، وهو قول الائمة الثلاثة، واختاره الطحاوي لعموم البلوى.
قوله: (بحر عن الاسرار) عبارة البحر: وفي الاسرار الفتوى على قول محمد، وبه أخذ الطحاوي.
وفي المنتقى: ضم إليه أبا يوسف، وفي التحفة والصحيح: قولهما.
قوله: (لكن في القهستاني عن المضمرات) حقه أن يقول عن النهاية، لان عبارة القهستاني مع المتن وشرط تركها على الشجر والرضا به يفسد البيع عندهما، وعليه الفتوى كما في النهاية، ولا يفسد عند محمد إن بدا صلاح بعض وقرب صلاح الباقي، وعليه الفتوى كما في المضمرات ا ه.
وما نقله القهستاني عن المضمرات مخالف لما في الهداية والفتح والبحر وغيرها من حكاية الخلاف في الذي تناهى صلاحه، فإنه صريح في تناهي الصلاح لا في بدوه، وأيضا المتبادر منه صلاح الكل.
تأمل.
قوله: (فتنبه) أشار به إلى اختلاف التصحيح وتخيير المفتي في الافتاء بأيهما شاء، لكن حيث كان قول محمد هو الاستحسان يترجح على قولهما.
تأمل.
قوله: (قيد باشتراط الترك) أي قيد المصنف الفساد به.
قوله (مطلقا) أي بلا شرط ترك أو قطع، وظاهره ولو كان الترك متعارفا، مع أنهم قالوا المعروف عرفا كالمشروط نصا، ومقتضاه فساد البيع وعدم حل الزيادة.
تأمل.
قوله: (طلب به الزيادة) هي ما زاد في ذات المبيع، فلا ينافي ما قدمناه من أنه لو أثمرت ثمرا آخر، فإن قبل القبض فسد البيع أو بعده يشتركان فيه، لان ذاك في الزيادة على المبيع مما لم يقع عليه البيع، وهذا في زيادة ما وقع عليه البيع كما أفاده في النهر.
وحاصله: أن المراد هنا الزيادة المتصلة لا المنفصلة.
قوله: (تصدق بما زاد في ذاتها) لحصوله بجهة محظورة.
بحر.
وتعرف الزيادة بالتقويم يوم البيع والتقويم يوم الادراك، فالزيادة تفاوت ما بينهما.
ط، عن العيني.
قوله: (لم يتصدق بشئ) نعم عليه إثم غصب المنفعة.
فتح.
قوله: (بطلت الاجارة) وإن عين المدة.
در منتقى.
فإن أصل الاجارة مقتضى القياس فيها البطلان، إلا أن الشرع أجازها للحاجة فيما فيه تعامل، ولا تعامل في إجارة الاشجار المجردة فلا يجوز، وكذا(5/64)
لو استأجر أشجارا ليجفف عليها ثيابه لم يجز.
ذكره الكرخي.
فتح.
قوله: (لترك الزرع) الاولى تعبير الهداية وغيرها بقوله: إلى أن يدرك الزرع: أي إلى وقت إدراكه بلا ذكر مدة.
قوله: (ولم تطب الزيادة) أي الزيادة على الثمرة وعلى ما غرم من أجرة المثل ط.
عن العيني.
مطلب: فساد المتضمن يوجب فساد المتضمن قوله: (كما حررناه في شرحه) ونصه لفساد الاذن بفساد الاجارة، وفساد المتضمن يوجب فساد المتضمن، بخلاف الباطل فإنه معدوم شرعا أصلا ووصفا، فلا يتضمن شيئا فكانت مباشرته عبارة عن الاذن ا ه ح.
وحاصل الفرق كما في الفتح وغيره: أن الفاسد له وجود لانه فائت الوصف دون الاصل، فكان الاذن ثابتا في ضمنه فيفسد، بخلاف الباطل فإنه لا وجود له أصلا فلم يوجد إلا الاذن، ولا يخفى أن هذا الفرق ينافي ما مر أول البيوع من أن البيع بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد قبل متاركة العقد الاول، وينافي فروعا أخر مذكورة في آخر الفن الثالث من الاشباه عند قوله: فائدة إذا بطل الشئ بطل ما في ضمنه فراجعها متأملا.
قوله: (والحيلة) في أن يطيب للمشتري ما زاد في ذات المبيع وما لم يكن بارزا وقت العقد.
قوله: (أن يأخذ) أي المشتري.
قوله: (معاملة) أي مساقاة لمدة معلومة كما في القنية.
قوله: (على أن له الخ) أي للبائع.
قال في شرحه على الملتقى: وينبغي أن يقول المشتري للبائع بعد ما دفع الثمن: أخذت منك هذا الشجر معاملة على أن لك جزءا من ألف جزء ولي ألف جزء إلا جزءا: أي من الثمر.
ذكره الشمني، وفيه أن المشتري قد أخذ الثمر شراء فكيف يأخذه معاملة، إلا أن يقال: إنه دفع له الثمن على وجه التبرع ويكون الاعتبار على عقد المعاملة ا ه.
قلت: الشراء إنما وقع على البارز وقت العقد والمعاملة لاجل طيب ما لم يبرز بعد وطيب ما زاد في ذات البارز، نعم هذه الحيلة إنما تتأتى إذا لم يكن الشجر وقفا أو ليتيم لعدم الحظ والمصلحة في أخذه جزءا من ألف جزء والباقي للمشتري، كما ذكر الشارح نظيره في أول كتاب
الاجارة.
قوله: (وأن يشتري الخ) هذه حيلة ثانية، وبيانها أن المشري إما أن يكون مما يوجد شيئا فشيئا وقد وجد بعضه، أو لم يوجد منه شئ كالباذنجان والبطيخ والخيار، أو يوجد كله لكنه لم(5/65)
يدرك كالزرع والحشيش، أو يكون وجد بعضه دون بعض كثمر الاشجار المختلفة الانواع.
ففي الاول يشتري الاصول ببعض الثمن ويستأجر الارض مدة معلومة بباقي الثمن، لئلا يأمره البائع بالقلع قبل خروج الباقي أو قبل الادراك.
وفي الثاني يشتري الموجود من الحشيش والزرع، ويستأجر الارض كما قلنا.
وفي الثالث يشتري الموجود من الثمر بكل الثمن، ويحل له البائع ما سيوجد، لان استئجار الارض لا يتأتى هنا لان الاشجار باقية على ملك البائع وقيامها في الارض مانع من صحة استئجار الارض، إلا أن يأخذها أو لا معاملة كما مر، لانها تصير في تصرفه أو تكون الاشجار على المسناة فإنها حينئذ لا تمنع صحة إجارة الارض كما يعلم من بابها، ومسألة الاحلال تتأتى في الاول والثاني أيضا.
قوله: (ببعض الثمن) تنازع فيه يشتري الاول ويشتري الثاني في المسألتين.
وقوله: ويستأجر الارض راجع للمسألتين أيضا كما علم مما قررناه.
قوله: (وفي الاشجار الموجود) أي وفي ثمار الاشجار يشتري الموجود منها.
قوله: (فإن خاف الخ) قال في جامع الفصولين: أقول: كتبت في لطائف الاشارات أنهم قالوا: قال وكلتك بكذا على أني كلما عزلتك فأنت وكيلي صح، وقيل: لا، فإذا صح يبطل العزل عن المعلقة قبل وجود الشرط عند أبي يوسف، وجوزه محمد فيقول في عزله: رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن الوكالة المنجزة ا ه رملي.
وحاصله: أنه على قول محمد يمكن الرجوع هنا عن الاحلال بأن يقول: رجعت عن الاحلال المعلق وعن المنجز، فيتعين حينئذ الاحتيال بالعاملة على الاشجار كما مر.
قوله: (في الترك) المناسب في الاكل، لان فرض المسألة أنه أحل له ما يوجد في المستقبل، والترك إنما يناسب الموجود، إلا أن يدعي أن المراد ما يوجد من الزيادة في ذات المبيع الموجود.
تتمة: اشترى الثمار على رؤوس الاشجار، فرأى من كل شجرة بعضها يثبت له خيار الرؤية.
بحر.
ثم ذكر حكم بيع المغيب في الارض وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في أول البيع
الفاسد.
قوله: (ما جاز إيراد العقد عليه الخ) هذه قاعدة مذكورة في عامة المعتبرات مفرع عليها مسائل منها ما ذكر هنا.
منح.
قوله: (صح استثناؤه منه) أي من العقد كما هو مصرح به في عبارة الفتح، وهذا أولى من جعل الضمير في منه راجعا للمبيع المعلوم من المقام فافهم، ولا يصح إرجاعه إلى ما لانها واقعة على المستثنى، فيلزم استثناء الشئ من نفسه كما لا يخفى.
قال في الفتح: وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه، بخلاف استثناء الحمل من الجارية أو الشاة وأطراف الحيوان لا يجوز، كما لو باع هذه الشاة إلا أليتها أو هذا العبد إلا يده، فيصير مشتركا متميزا، بخلاف ما لو كان مشتركا على الشيوع فإنه جائز ا ه: أي كبيع العبد إلا نصفه مثلا، لانه غير متميز في جزء بعينه بل شائع في جميع أجزائه فيجوز.
قوله: (يصح إفرادها) بأن يوصي بها وحدها بدون(5/66)
الرقبة ا ه ح.
قوله: (دون الاستثناء) بأن يوصى له بعبد دون خدمته ا ه ح.
وقيد بالخدمة لان الحمل يصح استثناؤه في الوصية، حتى يكون الحمل ميراثا والجارية وصية، والفرق أن الوصية أخت الميراث، والميراث يجري فيما في البطن، بخلاف الخدمة والغلة كالخدمة.
بحر من البيع الفاسد.
قوله: (وشاة معينة من قطيع) أما لو غير معينة فلا يجوز كثوب غير معين من عدل، أفاده في البحر.
قوله: (وأرطال معلومة) أفاد أن محل الاختلاف الآتي ما إذا استثنى معينا، فإن استثنى جزءا كربع وثلث فإنه صحيح اتفاقا كما في البحر عن البدائع.
قلت: وجهه أن ما يقدر بالرطل شئ معين، بخلاف الربع مثلا فإنه غير معين، بل هو جزء شائع كما قلنا آنفا، ونظيره ما قدمناه عند قوله: وفسد بيع عشرة أذرع من مائة ذراع من دار لا أسهم وقيد بالارطال، لانه لو استثنى رطلا واحدا جاز اتفاقا لانه استثناء القليل من الكثير، بخلاف الارطال لجواز أن لا يكون إلا ذلك القدر فيكون استثناء الكل من الكل، بحر عن البناية.
ومقتضاه أنه لو علم أنه يبقى أكثر من المستثنى يصح، ولو المستثنى أرطالا على رواية الحسن الآتية وهو خلاف ما يدل عليه كلام الفتح من تعليل هذه الرواية بأن الباقي بعد إخراج المستثنى ليس مشارا إليه ولا معلوم الكيل المخصوص فكان مجهولا، وإن ظهر آخرا أنه بقي مقدار معين لان
المفسد هو الجهالة القائمة ا ه.
ومقتضاه الفساد باستثناء الرطل الواحد أيضا على هذه الرواية.
تأمل.
قوله: (لصحة إيراد العقد عليها) أي على القفيز والشاة المعينة والارطال المعلومة، وهو تعليل لقوله: فصح أفاد به دخول من ذكر تحت القاعدة المذكورة.
قوله: (ولو الثمر على رؤوس النخل) فيصح إذا كان مجذوذا بالاولى لانه محل وفاق.
قوله: (على الظاهر) متعلق بقوله: فصح ومقابل ظاهر الرواية رواية الحسن عن الامام أنه لا يجوز، واختاره الطحاوي والقدوري، لان الباقي بعد الاستثناء مجهول، وفي الفتح: أنه أقيس بمذهب الامام في مسألة بيع الصبرة، وأجاب عنه في النهر، فراجعه.
قوله: (بغير سنبل البر) متعلق ببيع، والباء فيه للبدل، قال الخير الرملي في حاشية البحر: وسيأتي في الربا أن بيع الحنطة الخالصة بحنطة في سنبلها لا يجوز، ويجب تقييده بما إذا لم تكن الحنطة الخالصة أكثر من التي في سنبلها، وقد صرح بذلك في الخانية ويعلم يذلك أنه يجوز بيع التي في سنبلها معه بالاخرى التي في سنبلها معه صرفا للجنس إلى خلافة ا ه.
وبه ظهر أن قول المصنف كبيع بر في سنبله إن أراد به بيع الحب فقط كما يشعر به قول الشارح الآتي: وعلى البائع إخراجه فتقييده بقوله: بغير سنبل البر احتراز عما إذا باعه باعه بسنبل البر: أي بالبر مع سنبله، فإنه لا يجوز إذا لم يكن الحب الخالص أكثر، أما إذا كان أكثر، يكون الزائد بمقابلة التبن فيجوز، وإن أراد به بيع البر مع السنبل، فلا يصح تقييده بقوله: بغير سنبله لما علمت من جواز بيعه بمثله بأن يجعل الحب في أحدهما بمقابلة التبن في الآخر.
قوله: (لاحتمال الربا) تعليل للمفهوم، وهو أنه لو بيع بسنبل البر لا يجوز لاحتمال أن يكون البر الذي بيع وحده مساويا للبر الذي بيع مع سنبله، أو(5/67)
أقل فيكون الفضل ربا إلا إذا علم أن ما بيع وحده أكثر كما قلنا آنفا.
قوله: (وباقلاء) هو القول.
بحر.
على وزن فاعلاء يشدد فيقصر، ويخفف فيمد الواحدة باقلاة في الوجهين.
مصباح.
قوله: (في قشرها الاول) وكذا الثاني بالاولى، لان الاول فيه خلاف الشافعي.
قوله: (فعلى البائع إخراجه) في البزازية: لو باع حنطة في سنبلها لزم البائع الدوس والتذرية.
بحر.
وكذا الباقلاء وما بعدها.
قوله: (إلا إذا باع بما فيه) عبارته في الدر المنتقى: إلا إذا بيعت بما هي فيه ا ه.
وهي أوضح: يعني
إذا باع الحنطة بالتبن لا يلزم البائع تخليصه ط.
قوله: (الوجه نعم) لانه لم يره.
فتح.
وأقره في البحر والنهر.
قوله: (وإنما بطل الخ) قال في الفتح: وأورد المطالبة بالفرق بين ما إذا باع حب قطن في قطن بعينه، أو نوى تمر في تمر بعينه: أي باع ما في هذا القطن من الحب، أو ما في هذا التمر من النوى فإنه لا يجوز مع أنه أيضا في غلافه أشار أبو يوسف إلى الفرق بأن النوى هناك معتبر عدما هالكا في العرف، فإنه يقال: هذا تمر وقطن.
ولا يقال: هذا نوى في تمره، ولا حب في قطنه.
ويقال: هذه حنطة في سنبلها، وهذا لوز وفستق في قشره، ولا يقال: هذه قشور فيها لوز، ولا يذهب إليه وهم، وبما ذكرنا يخرج الجواب عن امتناع بيع اللبن في الضرع، واللحم والشحم في الشاة، والالية والاكارع والجلد فيها، والدقيق في الحنطة، والزيت في الزيتون، والعصير في العنب ونحو ذلك حيث لا يجوز، لان كل ذلك منعدم في العرف.
لا يقال: هذا عصير وزيت في محله، وكذا الباقي ا ه.
قوله: (من نوى الخ) نشر مرتب ط.
قوله: (لانه من تمام التسليم) إذ لا يتحقق تسليم المبيع إلا بكيله ووزنه ونحوه ومعلوم أن الحاجة إلى هذا باع مكايلة أو موازنة، ونحوه إذ لا يحتاج إلى ذلك في المجازفة، وكذا صب الحنطة في وعاء المشتري على البائع.
فتح.
قوله: (وأجرة وزن ثمن ونقده) أما كون أجرة وزن الثمن على المشتري فهو باتفاق الائمة الاربعة، وأما الثاني فهو ظاهر الرواية، وبه كان يفتي الصدر الشهيد، وهو الصحيح كما في الخلاصة، لانه يحتاج إلى تسليم الجيد وتعرفه بالنقد كما يعرف المقدار بالوزن، ولا فرق بين أن يقول دراهمي منقودة أو لا، هو الصحيح، خلافا لمن فصل، وتمامه في النهر.
قوله: (وقطع ثمر) في الفتح عن الخلاصة: وقطع العنب المشري جزافا على المشتري، وكذا كل شئ باعه جزافا كالثوم والبصل والجزر إذا خلى بينها وبين المشتري، وكذا قطع الثمر: يعني إذا خلى بينها وبين المشتري ا ه.
قوله: (إلا إذا قبض البائع الثمن الخ) أي فإن أجرة النقد على البائع لانه من تمام التسليم، وشرط لثبوت الرد، إذ لا تثبت زيافته إلا بنقده.
قال في البحر: وأما أجرة نقد الدين فعلى المديون إلا إذا قبض رب الدين، ثم ادعى عدم النقد فالاجرة على رب الدين لانه بالقبض دخل في ضمانه.
قوله: (فبقدره) أي فيرد من الاجرة(5/68)
بقدر ما ظهر زيفا، فيرد نصف الاجرة إن ظهر نصف الدراهم زيوفا، وما عزاه إلى البزازية رأيته أيضا في الخانية والولوالجية، ورأيت منقولا عن المحيط أنه لا أجر له بظهور البعض زيوفا لانه لم يوف عمله ولا ضمان عليه.
قوله: (فأجرته على البائع) وليس له أخذ شئ من المشتري، لانه هو العاقد حقيقة شرح الوهبانية، وظاهره أنه لا يعتبر العرف هنا لانه لا وجه له.
قوله: (يعتبر العرف) فتجب الدلالة على البائع أو المشتري أو عليهما بحسب العرف.
جامع الفصولين.
قوله: (إن إحضر البائع السلعة) شرط لالزام المشتري بتسليم الثمن أولا، والشرط أيضا كون الثمن حالا، وأن لا يكون في البيع خيار للمشتري، فلا يطالب بالثمن قبل حلول الاجل ولا قبل سقوط الخيار.
وأفاد أن للبائع حبس المبيع حتى يستوفي كل الثمن، فلو شرط دفع المبيع قبل نقد الثمن فسد البيع لانه لا يقتضيه العقد.
وقال محمد: لجهالة الاجل، فلو سمى وقت تسليم المبيع جاز وله الحبس وإن بقي منه درهم كما في البحر.
وفي الفتح والدر المنتقى: لو هلك المبيع بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بأمر سماوي، بطل البيع ويرجع بالثمن لو مقبوضا، وإن هلك بفعل المشتري: فعليه ثمنه إن كان البيع مطلقا أو بشرط الخيار له، وإن كان الخيار للبائع أو كان البيع فاسدا لزمه ضمان مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، وإن هلك بفعل أجنبي فالمشتري بالخيار، إن شاء فسخ البيع فيضمن الجاني للبائع ذلك، وإن شاء أمضاه ودفع الثمن واتبع الجاني، ويطيب له الفضل إن كان الضمان من خلاف الثمن، وإلا فلا ا ه.
مطلب في حبس المبيع لقبض الثمن وفي هلاكه وما يكون قبضا تنبيه: للبائع حبس المبيع إلى قبض الثمن ولو بقي منه درهم، ولو المبيع شيئين بصفقة واحدة وسمى لكل ثمنا فله حبسهما إلى استيفاء الكل، ولا يسقط حق الحبس بالرهن ولا بالكفيل، ولا بإبرائه عن بعض الثمن حتى يستوفي الباقي، ويسقط بحوالة البائع على المشتري بالثمن اتفاقا، وكذا بحوالة المشتري البائع به على رجل عند أبي يوسف، وعند محمد: فيه روايتان، وبتأجيل الثمن بعد البيع وبتسليم البائع المبيع قبل قبض الثمن فليس له بعده رده إليه، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بلا إذنه إلا إذا رآه ولم يمنعه من القبض فهو إذن، وقد يكون القبض حكميا.
قال محمد:
كل تصرف يجوز من غير قبض إذا فعله المشتري قبل القبض لا يجوز، وكل ما لا يجوز إلا بالقبض كالهبة إذا فعله المشتري قبل القبض جاز، ويصير المشتري قابضا ا ه.
أي لان قبض الموهوب له يقوم مقام قبض المشتري، ومن القبض ما لو أودعه المشتري عند أجنبي أو أعاره وأمر البائع بالتسليم إليه لا لو أودعه أو أعاره أو أجره من البائع أو دفع إليه بعض الثمن وقال تركته عندك رهنا على الباقي، ومنه ما لو قال للغلام: تعالى معي وامش فتخظى أو أعتقه أو أتلف المبيع أو أحدث فيه عيبا أو أمر البائع بذلك ففعل أو أمره بطحن الحنطة فطحن أو وطئ الامة فحبلت، ومنه ما لو اشترى دهنا ودفع قارورة يزنه فيها فوزنه فيها بحضرة المشتري فهو قبض، وكذا بغيبته في الاصح، وكذا كل مكيل أو موزون إذا دفع له الوعاء فكاله أو وزنه فيه بأمره، ومنه ما لو غصب شيئا ثم اشتراه صار قابضا، بخلاف الوديعة والعارية إلا إذا وصل إليه بعد التخلية، ولو اشترى ثوبا أو حنطة فقال للبائع(5/69)
بعه، قال الامام الفضلي: إذا كان قبل القبض والرؤية كان فسخا وإن لم يقل البائع: نعم، لان المشتري ينفرد بالفسخ في خيار الرؤية، وإن قال بعه لي: أي كن وكيلا في الفسخ فما لم يقبل البائع لا يكون فسخا، وكذا لو بعد القبض والرؤية لكن يكون وكيلا بالبيع سواء قال بعه أو بعه لي، هذا كله ملخص ما في البحر.
قوله: (أو ثمن بمثله) المراد بالثمن النقود من الدارهم والدنانير لانها خلقت أثمانا ولا تتعين بالتعيين.
قوله: (سلما معا) لاستوائهما في التعيين في الاول وفي عدمه في الثاني، أما في بيع سلعة بثمن فإنما تعين حق المشتري في المبيع، فلذا أمر بتسليم الثمن أولا ليتعين حق البائع أيضا تحقيقا للمساواة.
قوله: (ما لم يكن الخ) الظرف الذي نابت عنه ما المصدرية الظرفية متعلق بقوله: ويسلم الثمن فكان المناسب ذكره عقب قوله: إن أحضر البائع السلعة بأن يقول: ولم يكن دينا الخ.
قوله: (كسلم وثمن مؤجل) تمثيل لما إذا كان أحد العوضين دينا، فالاول مثال المبيع لان المراد بالسلم المسلم فيه، والثاني مثال الثمن.
قوله: (ثم التسليم) أي في المبيع والثمن ولو كان البيع فاسدا كما في البحر ط.
مطلب فيما يكون قبضا للمبيع
قوله: (على وجه يتمكن من القبض) فلو اشترى حنطة في بيت ودفع البائع المفتاج إليه وقال: خليت بينك وبينها فهو قبض، وإن دفعه ولم يقل شيئا لا يكون قبضا، وإن باع دارا غائبة فقال: سلمتها إليك، فقال: قبضتها لم يكن قبضا، وإن كانت قريبة كان قبضا: وهي أن تكون بحال يقدر على إغلاقها وإلا فهي بعيدة وفي جمع النوازل: دفع المفتاح في بيع الدار تسليم إذا تهيأ له فتحه بلا كلفة، وكذا لو اشترى بقرا في السرح فقال البائع اذهب واقبض، وإن كان يرى بحيث يمكنه الاشارة إليه يكون قبضا، ولو اشترى ثوبا فأمره البائع بقبضه فلم يقبضه حتى أخذه إنسان: إن كان حين أمره بقبضه أمكنه من غير قيام صح التسليم، وإن كان لا يمكنه إلا بقيام لا يصح، ولو اشترى طيرا أو فرسا في بيت وأمره البائع بقبضه ففتح الباب فذهب، إن أمكنه أخذه بلا عون كان قبضا، وتمامه في البحر.
مطلب في شروط التخلية وحاصله: أن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة، لكن ذلك يختلف بحسب حال المبيع، ففي نحو حنطة في بيت مثلا فدفع المفتاح إذا أمكنه الفتح بلا كلفة قبض، وفي نحو دار فالقدرة على إغلاقها قبض: أي بأن تكون في البلد فيما يظهر، وفي نحو بقر في مرعى فكونه بحيث يرى ويشار إليه قبض، وفي نحو ثوب، فكونه بحيث لو مد يده تصل إليه قبض، وفي نحو فرس أو طير في بيت إمكان أخذه منه بلا معين قبض.
قوله: (بلا مانع) بأن يكون مفرزا غير مشغول بحق غيره، فلو كان المبيع شاغلا كالحنطة في جوالق البائع لم يمنعه.
بحر.
وفي الملتقط: ولو باع دارا وسلمها إلى المشتري وله فيها متاع قليل أو كثير، لا يكون تسليما حتى يسلمها فارغة وكذا لو باع أرضا وفيها زرع ا ه.
وفي البحر عن القنية: لو باع حنطة في سنبلها فسلمها كذلك لم يصح كقطن في فراش، ويصح تسليم ثمار الاشجار وهي عليها بالتخلية وإن كانت متصلة بملك البائع.
وعن الوبري: المتاع لغير البائع لا يمنع، فلو أذن له بقبض المتاع والبيت صح وصار المتاع وديعة عنده اه.(5/70)
مطلب: اشترى دارا مأجورة لا يطالب بالثمن قبل قبضها
قلت: ويدخل في الشغل بحق الغير ما لو كانت الدار مأجورة، فليس للبائع مطالبة المشتري بالثمن، لعدم القبض وهي واقعة الفتوى، سئل عنها ورأيت نقلها في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين: باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الاجارة ثم يقبضه من البائع، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم، وكذا لو شرى غائبا لا يطالبه بثمنه ما لم يتهيأ المبيع للتسليم ا ه.
قوله: (ولا حائل) بأن يكون في حضرته ا ه ح.
وقد علمت بيانه.
قوله: (أن يقول خليت الخ) الظاهر أن المراد به الاذن بالقبض لا خصوص لفظ التخلية، لما في البحر: ولو قال البائع للمشتري بعد البيع خذ لا يكون قبضا، ولو قال خذه يكون تخلية إذا كان يصل إلى أخذه ا ه.
وفي الفروع المارة ما يدل عليه أيضا.
قوله: (أو كان بعيدا) أي وإن قال: خليت الخ كما مر، والمراد بالبعيد مالا يقدر على قبضه، بلا كلفة ويختلف باختلاف المبيع كما قررناه، أو المراد به حقيقته، ويقاس عليه ما شابهه.
قوله: (وهو لا يصح به القبض) أي الاقرار المذكور ولا يتحقق به القبض، وقيد بالقبض لان العقد في ذاته صحيح، غير أنه لا يجب على المشتري دفع الثمن لعدم القبض.
قوله: (على الصحيح) وهو ظاهر الرواية، ومقابله ما في المحيط وجامع شمس الائمة أنه بالتخلية يصح القبض، وإن كان العقار بعيدا غائبا عنهما عند أبي حنيفة خلافا لهما، وهو ضعيف كما في البحر.
وفي الخانية: والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لانه إذا كان قريبا يتصور فيه القبض الحقيقي في الحال، فتقام التخلية مقام القبض، أما إذا كان بعيدا لا يتصور القبض في الحال، فلا تقام التخلية مقام القبض ا ه.
هذا ثم إن ما ذكره الشارح هنا نقل مثله في أواخر الاجارات عن وقف الاشباه.
ثم قال: قلت: لكن نقل محشيها ابن المصنف في زواهر الجواهر عن بيوع فتاوى قارئ الهداية أنه متى مضى مدة يتمكن من الذهاب إليها والدخول فيها كان قابضا، وإلا فلا، تنبيه ا ه.
قلت: لكن أنت خبير بأن هذا مخالف للروايتين، ولا يمكن التوفيق بحمل ظاهر الرواية عليه، لان المعتبر فيها القرب الذي يتصور معه حقيقة القبض كما علمته من كلام الخانية.
قوله: (وكذا الهبة والصدقة) أي لا تكون تخلية البعيد فيهما قبضا.
قال في البحر: وعلى هذا تخلية البعيد في
الاجارة غير صحيحة فكذا الاقرار بتسلمها ا ه.
قلت: ومفاده أن تخلية القريب في الهبة قبض، لكن هذا في غير الفاسدة كما في الخانية حيث قال: أجمعوا على أن التخلية في البيع الجائز تكون قبضا، وفي البيع الفاسد روايتان، والصحيح أنه قبض، وفي الهبة الفاسدة كالهبة في المشاع الذي يحتمل القسمة لا تكون قبضا باتفاق الروايات.
واختلفوا في الهبة الجائزة: ذكر الفقيه أبو الليث أنه لا يصير قابضا في قول أبي يوسف، وذكر شمس الائمة الحلواني أنه يصير قابضا ولم يذكر فيه خلافا ا ه.
تتمة: في البزازية قبض المشتري المشري قبل نقذه بلا إذن البائع فطلبه منه فخلى بينه وبين البائع لا يكون قبضا حتى يقبضه بيده، بخلاف ما إذا خلى البائع بينه وبين المشتري: اشترى بقرة(5/71)
مريضة وخلاها في منزل البائع قائلا: إن هلكت فمني وماتت فمن البائع لعدم القبض، وكذا لو قال للبائع سقها إلى منزلك فاذهب فتسلمها فهلكت حال سوق البائع، فأن ادعى البائع التسليم فالقول للمشتري.
قال المشتري للعبد: اعمل كذا أو قال للبائع: مره يعمل كذا، فعمل فعطب العبد هلك من المشتري لانه قبض.
قال المشتري للبائع: لا أعتمدك على المبيع فسلمه إلى فلان يمسكه حتى أدفع لك الثمن، ففعل البائع وهلك عند فلان هلك من البائع لان الامساك كان لاجله.
اشترى وعاء لبن خائر في السوق فأمر البائع بنقله إلى منزله فسقط في الطريق، فعلى البائع إن لم يقبضه المشتري، اشترى في المصر حطبا فغصبه غاصب حال حمله إلى منزله فمن البائع، لان عليه التسليم في منزل الشاري بالعرف، قال للبائع زنه له وأبعثه مع غلامك أو غلامي ففعل وانكسر الوعاء في الطريق فالتلف من البائع، إلا أن يقول ادفعه إلى الغلام، لانه توكيل للغلام والدفع إليه كالدفع إلى المشتري ا ه.
قوله: (لسقوط حقه بالتسليم) فيه أن التسليم موجود أيضا فيما لو وجده رصاصا أو ستوقة، الاولى التعليل بما في المنح بأنه استوفى أصل حقه فلا يكون له حق نقض التسليم ا ه: أي لان الزيوف دراهم لكنها معيبة، ومثلها النبهرجة كما في المنية، بخلاف الرصاص والستوقة فإنها ليست دراهم فلم يوجد قبض الثمن أصلا فله نقض التسليم، وأفاد أن هذا لو سلم
المبيع، أما لو قبضه المشتري بلا إذن البائع فله نقضه في الزيوف وغيرها كما في البزازية.
قوله: (كما لو وجدها) الاولى وجده: أي الثمن المحدث عنه.
قوله: (أو مستحقا) أي بأن أثبت رجل أن المقبوض حقه فيثبت للبائع استرداد السلعة لانتقاض الاستيفاء،.
قوله: (وكالمرتهن) عبارة منية المفتي: والمرتهن يسترد في الوجوه كلها ا ه.
أي: في الزيوف والرصاص وغيرها: أي لو قبض دينه وسلم الرهن لراهنه ثم ظهر ما قبضه زيوفا أو رصاصا أو ستوقة أو مستحقا فإنه يسترد الرهن.
تنبيه: لو تصرف المشتري في المبيع بعد قبضه بيعا أو هبة ثم وجد البائع الثمن كذلك لا ينقض التصرف لان تصرف المشتري بعد القبض بإذن البائع كتصرفه، وإن كان قبضه بعد نقد الثمن بلا إذن البائع وتصرف فيه ثم وجد الثمن كذلك ينقض من التصرفات ما يحتمل النقض ولا ينقض ما لا يحتمل النقض.
بزازية.
وما يحتمل النقض كالبيع والهبة، وما لا يحتمله كالعتق وفروعه.
قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن قائمة سواء كانت هالكة أو مستهلكة.
درر.
قوله: كما لو علم بذلك أي بأنها زيوف لانه يكون راضيا بها فلا يكون له رد ولا استرداد.
قوله: (وقال أبو يوسف يرد مثل الزيوف الخ) لان الرجوع بالنقصان باطل لاستلزامه الربا، ولا وجه لابطال حقه في الجودة لعدم رضاه.
درر قال في الحقائق نقلا عن العيون: إن ما قاله أبو يوسف حسن وأدفع للضرر، ولذا اخترناه للفتوى ا ه.
وكذلك صرح في المجمع بأنه المفتى به.
عزمية.
قوله: (كما لو كانت رصاصا أو ستوقة) فإنها ترد اتفاقا.
درر.
وظاهر إطلاقه أنها ترد ولو علم بها وقت القبض لانها ليست من جنس الاثمان ط.(5/72)
مطلب: لو اشترى شيئا ومات مفلسا قبل قبضه فالبائع أحق قوله: (ومات مفلسا) أي ليس له مال يفي بما عليه من الديون سواء فلسه القاضي أو لا.
قوله: (فالبائع أسوة للغرماء) أي يقتسمونه، ولا يكون البائع أحق به.
درر.
قوله: (فإن البائع أحق به) الظاهر أن المراد أنه أحق بحبسه عنده حتى يستوفي الثمن من مال الميت أو يبيعه القاضي ويدفع له الثمن، فإن وفى بجميع دين البائع فيها، وإن زاد دفع الزائد لباقي الغرماء، وإن نقص فهو أسوة للغرماء فيما بقي له، وليس المراد بكونه أحق به أنه يأخذه مطلقا، إذ لا وجه لذلك، لان المشتري
ملكه وانتقل بعد موته إلى ورثته وتعلق به حق غرمائه، وإنما كان أحق من باقي الغرماء لانه كان له حق حبس المبيع إلى قبض الثمن في حياة المشتري، فكذا بعد موته: وهذا نظير ما سيذكره المصنف في الاجارات، من أنه لو مات المؤجر وعليه ديون فالمستأجر أحق بالدار من غرمائه: أي إذا كانت الدار بيده وكان قد دفع الاجرة وانفسخ عقد الاجارة بموت المؤجر فله حبس الدار وهو أحق بثمنها، بخلاف ما إذا عجل الاجرة ولم يقبض الدار حتى مات المؤجر فإنه يكون أسوة لسائر الغرماء، ولا يكون له حبس الدار كما في جامع الفصولين: وكذا ما سيأتي في البيع الفاسد: لو مات بعد فسخه فالمشتري أحق به من سائر الغرماء فله حبسه حتى يؤخذ ماله، هكذا ينبغي حل هذا المحل، وبه ظهر جواب حادثة الفتوى، سئلت عنها وهي: ما لو مات البائع مفلسا بعد قبض الثمن وقبل تسليم المبيع للمشتري يكون المشتري أحق به، لانه ليس للبائع حق حبسه في حياته، بل للمشتري جبره على تسليمه ما دامت عينه باقية، فيكون له أخذه بعد موت البائع أيضا، إذ لا حق للغرماء فيه بوجه، لانه أمانة عند البائع، وإن كان مضمونا بالثمن لو هلك عنده، ومثله الراهن، فإن الراهن أحق به من غرماء المرتهن، والله سبحانه أعلم.
قوله: (باع نصف الزرع الخ) صورة المسألة: رجل له أرض دفعها لاكار: أي فلاح، ودفع له البذر أيضا على أن يعمل الاكار فيها ببقرة بنصف الخارج فعمل وخرج الزرع فباع الاكار نصفه لرب الارض جاز البيع، أما لو رب الارض باع نصفه للاكار فلا يجوز لانه يأمره بقلع ما باعه، ولا يمكن إلا بقلع الكل فيتضرر المشتري بقلع نصيبه الذي كان له قبل الشراء مستحقا للبقاء في الارض إلى وقت الادراك، نعم إذا كان البذر من الاكار ويكون مستأجرا الارض بنصف الخارج فليس لرب الارض أمره بقلع ما باعه، فينبغي أن يجوز البيع لعدم الضرر.
وهذه من مسائل بيع الحصة الشائعة من الزرع، وقدمنا الكلام عليها وعلى نظائرها أو كتاب الشركة.
قوله: (قال في النهر الخ) أصله لصاحب البحر.
وحاصل البحث أنه ينبغي على قياس هذا: أنه لو باع ثمرة بدون الشجر ولم يرض البائع(5/73)
بإعارة الشجر أن يتخير المشتري أيضا، إن شاء أبطل البيع أو قطعها، لان في القطع إتلاف المال
وفيه ضرر عليه، لكن تقدم تصريح المتن كغيره من المتون بقوله ويقطعها المشتري في الحال.
وأيضا فما نقله عن جامع الفصولين مخالف أيضا لتصريح المصنف كغيره في بيع الشجر وحده أو الارض وحدها بقوله: ويؤمر البائع بقطعهما: أي الزرع والثمر، وتسليم المبيع وإن لم يظهر صلاحه كما نبهنا عليه هناك، فافهم.
والله سبحانه أعلم.
باب خيار الشرط من إضافة الشئ إلى سببه، لان الشرط سبب للخيار.
فإن الاصل في العقد اللزوم من الطرفين ولا يثبت لاحدهما اختيار الامضاء أو الفسخ ولو في مجلس العقد عندنا إلا باشتراط ذلك.
قوله: (مبين في الدرر) حيث قال بعدما ترجم بباب خيار الشرط والتعيين: وقدمهما على باقي الخيارات لانهما يمنعان ابتداء الحكم، ثم ذكر خيار الرؤية لانه يمنع تمام الحكم، وأخر خيار العيب لانه يمنع لزوم الحكم.
وخيار الشرط أنواع: فاسد وفاقا، كما إذا قال: اشتريت على أني بالخيار، أو على أني بالخيار أياما أو أبدا، وجائز وفاقا، وهو أن يقول: على أني بالخيار ثلاثة أيام فما دونها.
ومختلف فيه، وهو أن يقول: على أني بالخيار شهرا أو شهرين، فإنه فاسد عند أبي حنيفة وزفر والشافعي، جائز عند أبي يوسف ومحمد ا ه.
وفي البحر: فرع: لا يصح تعليق خيار الشرط، بالشرط، فلو باعه حمارا على أنه إن لم يجاوز هذا النهر فرده يقبله وإلا لا لم يصح، وكذا إذا قال: ما لم يجاوز به إلى الغذ، كذا في النية أه.
قوله: (الثلاثة المبوب لها) أي التي ذكر لكل واحد منها باب، وهي خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب.
قوله: (وخيار تعيين) هو أن يشتري أحد الشيئين أو الثلاثة على أن يعين أيا شاء، وهو المذكور في هذا الباب في قول المصنف: باع عبدين على أنه بالخيار في أحدهما الخ.
قوله: (وغبن) وهو ما يأتي في المرابحة في قوله: (ولا رد بغبن فاحش في ظاهر الرواية) ويفتي بالرد إن غره: أي غر البائع المشتري، أو بالعكس، أو غره الدلال، وإلا فلا.
قوله: (ونقد) هو ما يأتي قريبا في قوله: فإن اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن الخ.
قوله: (وكمية) هو ما مر أول البيوع فيما لو
اشترى بما في هذه الخابية الخ.
وقدمنا بيانه.
قوله: (واستحقاق) هو ما سيذكره في باب خيار العيب في قوله: (استحق بعض المبيع) فإن كان استحقاقه قبل القبض للكل خير في الكل، وإن بعده خير في القيمي لا في غيره.
قوله: (وتغرير فعلي) أما القولي فهو ما مر في قوله: وغبن والفعلي كالتصرية، وهي أن يشد البائع ضرع الشاة ليجتمع لبنها فيظن المشتري أنها غزيرة اللبن.
والخيار الوارد فيها أنه إذا حلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر، وبه أخذ الائمة الثلاثة وأبو يوسف، وعندهما: يرجع بالنقصان فقط إن شاء، وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في خيار العيب عند قوله: اشترى جارية لها لبن.
قوله: (وكشف حال) هو ما مر(5/74)
أول البيوع فيما إذا اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا أو بإناء أو حجر لا يعرف قدره، فقد ذكر الشارح هناك أن للمشتري الخيار فيهما، وقدمنا عن البحر هناك أن هذا الخيار خيار كشف الحال، ومنه ما ذكره بعده في بيع صبرة كل صاع بكذا، ومر الكلام عليه.
قوله: (وخيانة مرابحة وتولية) هو ما سيأتي في المرابحة في قوله: فإن ظهر خيانة في مرابحة بإقرار أو برهان على ذلك أو نكوله عن اليمين أخذه المشتري بكل ثمنه أو رده لفوات الرضا وله الحط قدر الخانية في التولية لتتحقق التولية.
قال ح: وينبغي أن تكون الوضيعة كذلك.
قوله: (وفوات وصف مرغوب فيه) هو ما يذكره في هذا الباب في قوله: اشترى عبدا بشرط خبزه أو كتبه الخ.
مطلب في هلاك بعض المبيع قبل قبضه قوله: (وتفريق صفقة بهلاك بعض مبيع) أي هلاكه قبل القبض، وقيد بالبعض لان هلاك الكل قبل قبضه فيه تفصيل قدمناه قبيل هذا الباب.
وحاصله كما في جامع الفصولين: أنه إن كان بآفة سماوية أو بفعل البائع أو بفعل المبيع يبطل البيع وإن بفعل أجنبي يتخير المشتري، إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أجاز وضمن المستهلك ا ه.
وذكره في البزازية أيضا.
ثم قال: وإن هلك البعض قبل قبضه سقط من الثمن قدر النقض سواء كان نقصان قدر أو وصف، وخير المشتري بين الفسخ والامضاء، وإن بفعل أجنبي فالجواب فيه
كالجواب في جميع المبيع، وإن بآفة سماوية: إن نقصان قدر طرح عن المشتري حصة الفائت من الثمن وله الخيار في الباقي، وإن نقصان وصف لا يسقط شئ من الثمن، لكنه يخير بين الاخذ بكل الثمن أو الترك، والوصف ما يدخل تحت البيع بلا ذكر كالاشجار والبناء في الارض والاطراف في الحيوان والجودة في الكيلي والوزني، وإن بفعل العقود عليه فالجواب كذلك.
وتمام الكلام فيها فراجعه.
قوله: (وظهور المبيع مستأجرا أو مرهونا) أي ولو اشترى دارا مثلا فظهر أنها مرهونة أو مستأجرة يخير بين الفسخ وعدمه، وظاهره أنه لو كان عالما بذلك لا يخير، وهو قول أبي يوسف.
وقالا: يتخير ولو عالما، وهو ظاهر الرواية كما في جامع الفصولين، وفي حاشيته للرملي: وهو الصحيح، وعليه الفتوى كما في الولوالجية ا ه.
وكذا يخير المرتهن والمستأجر بين الفسخ وعدمه، وهو الاصح كما في جامع الفصولين.
لكن في حاشيته للرملي عن الزيلعي أن المرتهن ليس له الفسخ في أصح الروايتين.
وفي العمادية أن المستأجر له ذلك في ظاهر الرواية.
وذكر شيخ الاسلام أن الفتوى على عدمه، وسيأتي في فصل الفضولي أن من الموقوف بيع المرهون والمستأجر والارض في مزارة الغير على إجازة مرتهن ومستأجر ومزارع أه.
فإن أجاز المستأجر أو المرتهن فلا خيار للمشتري، وإن لم يجز فالخيار للمشتري في الانتظار والفسخ، وسيأتي تمامه في فصل الفضولي.
قوله: (أشباه) قال فيها: وكلها يباشرها العاقدان إلا التحالف فإنه لا ينفسخ به، وإنما يفسخه القاضي، وكلها تحتاج إلى الفسخ، ولا ينفسخ شئ منها بنفسه ا ه ح.
قوله: (ويفسخ بإقالة وتحالف) لا يخفى أن الكلام في الخيار لا في مجرد الفسخ، لكن قد يجاب بأنه لو أقال أحدهما الآخر فالآخر بالخيار بين القبول وعدمه، وكذا يخير كل منهما بين الحلف وعدمه، فلو اختار عدم الحلف(5/75)
يلزمه دعوى صاحبه.
وصورة التحالف أن يختلفا في قدر ثمن أو مبيع أو فيهما ويعجزا عن البينة ولم يرض واحد منهما بدعوى الآخر تحالفا وفسخ القاضي البيع بطلب أحدهما، والمسألة مبسوطة في باب دعوى الرجلين من كتاب الدعوى.
قوله: (صح شرطه) أي شرط الخيار المذكور، وصرح بفاعل صح إشارة إلى أن ضمير صح الواقع في عبارة الكنز وغيره عائد إلى المضاف إليه في
الترجمة.
قال في البحر: والظاهر أن الضمير يعود إلى الخيار، وفي الوقاية والنقاية: صح خيار الشرط فأبرزه، والاولى ما في الاصطلاح: صح شرط الخيار، لان الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس الخيار ا ه.
فالضمير على الاول في كلام البحر عائد إلى المضاف، وعلى الاخير إلى المضاف إليه، وبه جزم في النهر فقال: الضمير في صح يعود إلى المضاف إليه بقرينة صح، ولقد أفصح المصنف عنه في الخلع حيث قال: وصح شرط الخيار لها في الخلع لا له، ومن غفل عن هذا ما قال ا ه.
قلت: فيه نظر، فإن الشرط الواقع في الترجمة عام بقرينة الاضافة، ولقولهم إنه من إضافة الحكم إلى سببه: أي الخيار الواقع بسبب الشرط، فلا يصح عود الضمير إلى الشرط المذكور، لان الموصوف بالصحة، شرط خاص وهو شرط الخيار الذي أفصح عنه في الخلع، وأين العام من الخاص؟ وما في الاصلاح لا يصلح دليلا على عوده إلى الشرط، بل هو تركيب آخر صحيح في نفسه.
والاحسن ما استظهره في البحر من عوده إلى الخيار، لكن بقيد وصفه بالمشروطية، فإنه في الاصل من إضافة الموصوف إلى صفته: أي الخيار المشروط وهذا لا ينافي كون الشرط سببا للحكم، كما أفاده الحموي.
وقد يقال: إن خيار الشرط مركب إضافي صار علما في اصطلاح الفقهاء على ما يثبت لاحد المتعاقدين من الاختيار بين الامضاء والفسخ، وكذا خيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب، كما صار الفاعل والمفعول به ونحو ذلك من التراجم علما في اصطلاح النحويين على شئ خاص عندهم، وعلى هذا يعود الضمير في صح إلى هذا المركب الاضافي، وهو ما أفصح عنه في الوقاية والنقاية كما مر، فكان ينبغي للمصنف متابعتهما لخلوه من التكليف والتعسف.
قوله: (ولو وصيا) وكذا لو وكيلا.
قال في البحر: ولو أمره ببيع مطلق فعقد بخيار له أو للآمر أو لاجنبي صححاه، ولو أمره ببيع بخيار للآمر فشرطه لنفسه لا يجوز ولو أمره بشراء بخيار للآمر فاشتراه بدون الخيار نفذ الشراء عليه دون الآمر للمخالفة، بخلاف ما إذا أمره ببيع بخيار فباع باتا حيث يبطل أصلا ا ه ملخصا ط.
وسيذكر الشارح الفرق بين الفرعين الاخيرين.
قوله: (ولغيرهما) ويثبت الخيار
لهما مع ذلك الغير أيضا، كما سيأتي في قول المصنف: ولو شرط المشتري الخيار لغيره صح الخ.
قوله: (ولو بعد العقد) ربما يتوهم اختصاصه بقوله: ولغيرهما مع أنه جار في الاقسام الثلاثة، فلو قدمه وقال صح شرطه، ولو بعد العقد لكان أولى ا ه ح.
فلو قال أحدهم بعد البيع ولو بأيام: جعلتك بالخيار ثلاثة أيام، صح إجماعا بحر.
قوله: (لا قبله) فلو قال جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى مطلقا لم يثبت.
بحر عن التتارخانية.
قوله: (أو بعضه) لا فرق في ذلك بين كون الخيار للبائع أو للمشتري، ولا بي أن يفصل الثمن أو لا، لان نصف الواحد لا يتفاوت.
ط عن النهر.
قوله: (كثلثه أو ربعه) مثله ما إذا كان المبيع متعددا وشرط الخيار في معين(5/76)
منه مع تفصيل الثمن كما يأتي قبيل خيار التعيين اه ح.
قوله: (ولو فاسدا) أي ولو كان العقد الذي شرط فيه الخيار فاسدا وكان الاقعد في التركيب أن يقول صح شرطه ولو بعد العقد ولو فاسدا كما لا يخفى ح.
وفائدة اشتراطه في الفاسد مع أن لكل منهما الفسخ بدونه ما قيل إنه يثبت لمن اشترط ولو بعد القبض، ولا يتوقف على القضاء به أو الرضا ا ه.
قلت: وفيه نظر، لانه إن كان الضمير في قوله: ولا يتوقف الخ عائد إلى الخيار فهو لا يتوقف على ذلك مطلقا، أو إلى فسخ البيع الفاسد فكذلك، نعم تظهر الفائدة في أنه لو كان الخيار للبائع أو لهما وقبضه المشتري بإذن البائع لا يدخل في ملك المشتري مع أنه لولا الخيار ملكه بالقبض، فافهم.
قوله: (فالقول لنا فيه) لانه خلاف الاصل كما في البحر وهو مكرر مع ما يأتي متنا ا ه ح.
قوله: (على المذهب) وعند محمد: القول لمدعيه والبينة للآخر عن البحر.
قوله: (ثلاثة أيام) لكن إن اشترى شيئا مما يتسارع إليه الفساد، ففي القياس: لا يجبر المشتري على شئ، وفي الاستحسان: يقال له إما أن تفسخ البيع أو تأخذ المبيع، ولا شئ عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين.
بحر عن الخانية.
تنبيه: اعلم أن الخيار في العقود كلها لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام إلا في الكفالة في قول الامام.
زاد في البزازية: وللمحتال، وكذا في الوقف، لان جوازه على قول الثاني وهو غير مقيد
عنده بالثلاث.
در منتقى.
وتمامه في النهر.
قوله: (وفسد عند إطلاق) أي عند العقد.
أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له: أنت بالخيار فله الخير ما دام في المجلس بمنزلة قوله لك الاقالة كما في البحر عن الولوالجية وغيرها، وحمل عليه قول الفتح: لو قال له: أنت بالخيار فله خيار المجلس فقط.
قال في النهر: ولم أر من فرق بينهما، ويظهر لي أن المفسد في الثاني أن الاطلاق وقت العقد مقارن فقوي عمله وفي الاول بعد التمام فضعف وقد أمكن تصحيحه بإمكان الخيار له في المجلس ا ه.
تنبيه: قدمنا عن الدرر أنه لو قال علي أتى بالخيار أياما فهو فاسد، واعترض في الشرنبلالية بأن قولهم لو حلف لا يكلمه أياما يكون على ثلاثة، ومقتضاه أن يكون هنا كذلك تصحيحا لكلام العاقل عن الالغاء، وإلا فما الفرق.
قلت: قد يجاب بأن أياما في الحلف يصح أن يراد منه الثلاثة والعشرة مثلا، لكن اقتصر على الثلاثة لانها المتيقن، وذلك لا ينافي صحة إرادة ما فوقها، حتى لو نوى الاكثر حنث، بخلافه هنا فإن الثلاثة لازمة بالنص البتة، ولفظ أياما صالح لما فوقها وما فوقها مفسد للعقد فلا ينفعنا حمله على الثلاثة لانه لا يقطع الاحتمال.
قوله: فلكل فسخه شمل من له الخيار منهما والآخر، وهذا على القول بفساده ظاهر، وكذا على القول الآتي بأنه موقوف.
قال في الفتح: ذكر الكرخي نصا عن أبي حنيفة: أن البيع موقوف على إجازة المشتري وأثبت للبائع حق الفسخ قبل الاجازة، لان لكل من المتعاقدين حق الفسخ في البيع الموقوف ا ه.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما: يجوز إذا سمى مدة معلومة.
فتح.
قوله: (غير أنه يجوز إن أجاز في الثلاثة) وكذا لو أعتق(5/77)
العبد أو مات العبد المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيع ينقلب البيع جائزا عند أبي حنيفة، وتمامه في البحر عن الخانية.
قوله: (في الثلاثة) ولو في ليلة الرابع.
قهستاني.
قوله: (فينقلب صحيحا الخ) لانه قد زال المفسد قبل تقرره، وذلك أن المفسد ليس هو شرط الخيار بل وصله بالرابع، فإذا أسقطه تحقق زوال المعنى المفسد قبل مجيئه فيبقى العقد صحيحا.
ثم اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء، فعند مشايخ العراق حكمه الفساد ظاهرا، إذ الظاهر دوامهما على الشرط، فإذا أسقطه تبين خلاف الظاهر فينقلب صحيحا، وقال مشايخ خراسان والامام السرخسي وفخر الاسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر: هو موقوف، وبالاسقاط قبل الرابع ينعقد صحيحا، وإذا مضى جزء من الرابع فسد العقد الآن وهو الاوجه، كذا في الظهيرية والذخيرة، فتح ملخصا، وتمامه فيه، ولكن الاول ظاهر الرواية، بحر ومنح.
وفي الحدادي: فائدة الخلاف تظهر في أن الفاسد يملك إذا اتصل به القبض، والموقوف لا يملك إلا أن يجيزه المالك، ونظر فيه بأن الفاسد أيضا لا يملك إلا بإذن البائع كما في المجمع.
والاولى أن يقال: إنها تظهر في حرمة المباشرة وعدمها، فتحرم على الاول لا على الثاني.
نهر.
قلت: وفي التنظير نظر، فإن الملك في الفاسد يحصل بقبض المبيع بإذن البائع، فالمتوقف فيه على إذن البائع هو القبض لا نفس الملك.
وأما الموقوف كبيع الفضولي فإن الملك يتوقف فيه على إجازة المالك البيع فتبقى ثمرة الخلاف ظاهرة، لكن ما قدمناه قريبا عن الخانية من أنه لو أعتق العبد ينقلب جائزا يشمل ما قبل القبض مع أن قوله ينقلب جائزا إنما يناسب القول بأنه فاسد لا موقوف، فيفيد حصول الملك قبل القبض، ويؤيده ما مر من أن حكمه عند مشايخ العراق الفساد ظاهرا، فيدل على أنه لا فساد في نفس الامر، ولذا قال في الفتح: إن حقيقة القولين أنه لا فساد قبل الرابع بل هو موقوف، ولا يتحقق الخلاف لا بإثبات الفساد على وجه يرتفع شرعا بإسقاط الخيار قبل مجئ الرابع، كما هو ظاهر الهداية.
قوله: (في لازم) أخرج به الوصية، فلا محل للخيار فيها لان للموصي الرجوع فيها ما دام حيا، وللموصي له القبول وعدمه، أفاده ط.
ومثلها العارية والوديعة.
قوله: (يحتمل الفسخ) أخرج ما لا يحتمله كنكاح وطلاق وخلع وصلح عن قود.
واستشكل في جامع الفصولين النكاح بفسخه بالردة وملك أحدهما الآخر فإنه فسخ بعد التمام، أما فسخه بعدم الكفاءة والعتق والبلوغ فهو قبل التمام.
قلت: قد يجاب بأن المراد بما يحتمل الفسخ ما يحتمله بتراضي المتعاقدين قصدا، وفسخ النكاح بالردة والملك ثبت تبعا.
قوله: (كمزارعة ومعاملة) أي مساقاة وهذان ذكرهما في البحر بحثا
فقال: وينبغي صحته في المزارعة والمعاملة لانهما إجارة مع أنه جزم بذلك في الاشباه.
قال الحموي: يحتمل أنه ظفر بالمنقول بعد ذلك، فإن تصنيف البحر سابق.
قوله: (وإجارة) فلو فسخ في اليوم الثالث هل يجب عليه أجر يومين؟ أفتى صط أنه لا يجب، لانه لم يتمكن من الانتفاع بحكم الخيار، لانه لو انتفع يبطل خياره، جامع الفصولين.
قوله: (وقسمة) لانها بيع من وجه.
قوله: (وصلح على مال) احترز به عن صلح عن قود، لانه لا يحتمل الفسخ كما مر.
قوله: (ورهن) كان(5/78)
ينبغي تقديمه على الخلع أو تأخيره عن العتق، لان قول المتن: على مال راجع للخلع أيضا، ولا يصح رجوعه للرهن كما لا يخفى وكان ينبغي أن يذكر الطلاق على مال أيضا لانه معاوضة من جانب المرأة كالخلع، وكما أن العتق على مال معاوضة من جانب العبد ا ه ح.
قوله: (لزوجة وراهن وقن) لان العقد في جانبهم لازم يحتمل الفسخ، بخلاف الزوج والسيد فإن العقد من جانبهما وإن كان لازما لكنه لا يحتمل الفسخ، لانه يمين.
وبخلاف المرتهن فإن العقد من جانبه غير لازم أصلا، وحينئذ فيجب ذكرهم في المقابل ا ه ح.
أي فيما لا يصح فيه الخيار.
ويمكن أن يقال: إن الخلع والعتق على مال داخلان في قوله الآتي: ويمين تأمل.
وقوله: لازم يحتمل الفسخ: أي قبل تمامه بالقبول، أما بعد القبول من الزوجة والراهن والقن فلا يحتمله.
قوله: (ككفالة) أي بنفس أو مال وشرط الخيار للمكفول له أو للكفيل.
بحر.
وقدمنا أن الخيار في الكفالة والحوالة يصح أكثر من ثلاثة أيام.
قوله: (وحوالة) إذا شرط للمحتال أو المحال عليه لانه يشترط رضاه ط.
قوله: (وإبراء) بأن قال: أبرأتك على أني بالخيار، ذكره فخر الاسلام من بحث الهزل.
بحر.
قال ط: لكن نقل الشريف الحموي عن العمادية: لو أبرأه من الدين على أنه بالخيار فالخيار باطل، ولعل في المسألة خلافا ا ه.
قلت: وبالثاني جزم الشارح في أول كتاب الهبة وعزاه إلى الخلاصة.
قوله: (ووقف) فيه أنه لا يحتمل الفسخ.
تأمل.
قوله: (عند الثاني) لانه عنده لازم.
وعند محمد: وإن كان كذلك، لكنه اشترط أن لا يكون فيه خيار شرط ولو معلوما، وقدمنا في الوقف أن الخلاف في غير المسجد، فلو
فيه صح الوقف وبطل الخيار.
قوله: (فهي ستة عشر) أي مع البيع.
قوله: (لا في نكاح الخ) لانها لا تحتمل الفسخ.
قوله: (وطلاق) أي بلا مال لما عرفت، وينبغي أن يكون الخلع بلا مال مثله ا ه ح.
قوله: (وإقرار الخ) عبارته مع المتن في كتاب الاقرار: أقر بشئ على أنه بالخيار ثلاثة أيام لزمه بلا خيار، لان الاقرار إخبار فلا يقبل الخيار، وإن صدقه المقر له في الخيار إلا إذا أقر بعقد بيع وقع بالخيار له فيصح باعتبار العقد إذا صدقه أو برهن الخ.
قوله: (ووكالة ووصية) فلا خيار فيهما لعدم اللزوم من الطرفين ولزوم الوكالة في بعض الصور نادر.
أفاده ط.
وهذان زادهما في النهر بحثا أخذا مما مر في قوله: في لازم.
قوله: (فهي تسعة) يزاد عاشر وهو الهبة، لما سيذكره المصنف في بابها من أن حكمها عدم صحة خيار الشرط فيها الخ.
مطلب: المواضع التي يصح فيها خيار الشرط والتي لا يصح قوله: (وقد كنت غيرت ما نظمه في النهر) فإن نظم النهر كان هكذا: والصلح والخلع مع الحواله زالوقف والقسمة والاقاله وليس في هذا التغيير كبير فائدة مع أنهما لم يستوفيا الاقسام كما قاله ح: أي لانهما أسقطا من القسم الاول المزارعة والمعاملة والكتابة، ومن الثاني الوصية، لكن الظاهر أن إسقاط الكتابة ذهول، وأما ما عداها فلكونه بحثا كما علمته مما مر.(5/79)
قلت: وقد كنت نظمت، جميع مسائل القسمين مشيرا إلى البحث منها مع زيادة الهبة في القسم الثاني فقلت: يصح خيار الشرط في ترك شفعة وبيع وإبراء ووقف كفاله وفي قسمة خلع وعتق إقالة وصلح عن الاموال ثم الحواله مكاتبة رهن كذاك إجارة وزيد مساقاة مزارعة له وما صح في نذر نكاح ألية وفي سلم صرف طلاق وكاله وإقرار إيهاب وزيد وصية كما مر بحثا فاغتنم ذي المقالة
قوله: (والخلع) بالرفع خبره كذا، ولا يصح جعل كذا خبرا عن القسمة لانه مجرور بالعطف على ما قبله، نعم يصح متعلقا بمحذوف حالا من الخلع.
مطلب: خيار النقد قوله: (على أنه أي المشتري الخ) وكذا لو نقد المشتري الثمن على أن البائع إن رد الثمن إلى ثلاثة فلا بيع بينهما صح أيضا، والخيار في مسألة المتن للمشتري لانه المتمكن من إمضاء البيع وعدمه، وفي الثاني للبائع، حتى لو أعتقه صح ولو أعتقه المشتري لا يصح.
نهر.
تنبيه: ذكر في البحر هنا بيع الوفاء تبعا للخانية قائلا لانه من أفراد مسألة خيار النقد أيضا، وذكر فيه ثمانية أقوال، ذكره الشارح آخر البيوع قبيل كتاب الكفالة، وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (فلو لم ينقد في الثلاث فسد) هذا لو بقي المبيع على حاله.
قال في النهر: ثم لو باعه المشتري ولم ينقد الثمن في الثلاث جاز البيع وكان عليه الثمن، وكذا لو قتلها في الثلاث أو مات أو قتلها أجنبي خطأ وغرم القيمة، ولو وطئها وهي بكر أو ثيب أو جنى عليها أو حدث بها عيب لا بفعل أحد ثم مضت الايام ولم ينقد خير البائع، إن شاء أخذها مع النقصان ولا شئ له من الثمن، وإن شاء تركها وأخذ الثمن، كذا في الخانية ا ه.
قوله: (فنفذ عتقه الخ) أي وعليه قيمته.
بحر عن الخانية.
وهذا تفريع على قوله فسد.
قال في النهر: واعلم أن ظاهر قوله: فلا بيع يفيد أنه إن لم ينفذ في الثلاث ينفسخ.
قال في الخانية: والصحيح أنه يفسد ولا ينفسخ، حتى لو أعتقه بعد الثلاث نفذ عنقه إن كان في يده ا ه.
وأما عتقه قبل مضي الثلاث فينفذ بالاولى، كما لو باعه كما مر لانه بمعنى خيار الشرط، قوله: (وإن اشترى كذلك) أي على أنه إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام.
قوله: (لا يصح) والخلاف السابق في أنه فاسد أو موقوف ثابت هنا.
نهر عن الذخيرة.
قوله: (خلافا لمحمد) فإنه جوزه إلى ما سمياه.
قوله: (فلو ترك التفريع) أي في قوله:(5/80)
فإن اشترى فإن الالحاق يقتضي المغايرة والتفريع يقتضي أنه من فروعه.
قال في الدرر: لم يذكره بالفاء كما ذكره في الوقاية إشارة إلى أنه ليس من صور خيار الشرط حقيقته ليتفرع عليه بل أورده
عقيبه لانه في حكمه معنى ا ه.
قال محشيه خادمي أفندي: أقول الواقع في الزيلعي كونها من صوره، وقد قال صدر الشريعة في وجه إدخال الفاء: إنه فرع مسألة خيار الشرط، لانه إنما شرع ليدفع بالفسخ الضرر عن نفسه سواء كان الضرر تأخير أداء الثمن أو غيره، على أن قوله لانه في حكمه يصلح أن يكون علة مصححة لدخول الفاء: قوله: (ولا يخرج مبيع عن ملك البائع مع خياره) لانه يمنع الحكم، وفي قوله: عن ملك البائع إيماء إلى أن البائع هو المالك، فلو كان فضوليا كان اشتراط الخيار له مبطلا للبيع، لان الخيار له بدون الشرط كما في فروق الكرابيسي.
ولا يرد الوكيل بالبيع إذا باع بشرط الخيار له لانه كالمالك حكما، نهر.
قوله: (فقط) قيد به وأن كان الحكم كذلك إذا كان الخيار لهما، لان المصنف سيذكره صريحا، وإلا لزم التكرار، فافهم.
قوله: (فيهلك) بكسر اللام ط.
قوله: (على المشتري بقيمته) لان البيع ينفسخ بالهلاك لانه كان موقوفا، ولا نفاذ بدون بقاء المحل فبقي مقبوضا بيده على سوم الشراء وفيه القيمة، كذا في الهداية.
ولا فرق في مسألة المصنف بين هلاكه في مدة الخيار مع بقائه أو بعدما فسخ البائع البيع كما في جامع الفصولين.
وأما إذا هلك في يده بعد المدة بلا فسخ فيها فإنه يهلك بالثمن لسقوط الخيار، ولو ادعى هلاكه في يد المشتري ووجوب القيمة وادعى المشتري إباقه من يده فالقول به بيمينه، لان الظاهر حياته ويتم البيع، ولو ادعى البائع الاباق والمشتري الموت فالقول للبائع بيمينه، كذا في (السراج).
بحر.
قوله: (إذا قبضه بإذن البائع) وكذا بلا إذنه بالاولى ط.
وأما إذا هلك في يد البائع انفسخ البيع ولا شئ عليهما كما في المطلق عنه، وإن تعيب في يد البائع فهو على خياره، لان ما انتقض بغير فعله لا يكون مضمونا عليه ولكن المشتري يتخير، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء فسخ كما في البيع المطلق، وإذا كان العيب بفعل البائع ينتقص المبيع فيه بقدره، لان ما يحدث بفعله يكون مضمونا عليه ويسقط به حصته من الثمن.
بحر عن الزيلعي.
ويأتي حكم تعيبه في يد المشتري.
قوله: (يوم قبضه) ظرف لقيمته ح.
قوله: (فإنه بعد بيان الثمن مضمون بالقيمة) أطلقه فشمل بيان الثمن من البائع أو المساوم، وخصه الطرسوسي في أنفع الوسائل بالثاني.
ورده في البحر بأنه خطأ لما في الخانية: طلب منه ثوبا ليشتريه فأعطاه ثلاثة أثواب وقال هذا بعشرة وهذا بعشرين وهذا بثلاثين فأحملها فأي ثوب ترضى بعته منك فحمل فهلكت عند(5/81)
المشتري.
قال الامام ابن الفضل: إن هلكت جملة أو متعاقبا ولا يدري الاول وما بعده ضمن ثلث الكل، وإن عرف الاول لزمه ذلك الثوب والثوبان أمانة، وإن هلك اثنان ولا يعلم أيهما الاول ضمن نصف كل منهما ورد الثالث لانه أمانة، وإن نقص الثالث ثلثه أو ربعه لا يضمن النقصان، وإن هلك واحد فقط لزمه ثمنه ويرد الثوبين ا ه ملخصا.
قال في البحر: فهذا صريح في أن بيان الثمن من جهة البائع يكفي للضمان ا ه.
وأجاب العلامة المقدسي بأن مراد الطرسوسي أنه لا بد من تسمية الثمن من الجانبين حقيقة أو حكما، أما الاول فظاهر، وأما الثاني فبأن يسمى أحدهما ويصدر من الآخر ما يدل على الرضا به.
ثم قال: ومن نظر عبارة الطرسوسي وجدها تنادي بما ذكرناه ا ه.
مطلب في المقبوض على سوم الشراء قلت: وبيان ذلك أن المساوم إنما يلزمه الضمان إذا رضي بأخذه بالثمن المسمى على وجه الشراء، فإذا سمى الثمن البائع وتسلم المساوم الثوب على وجه الشراء يكون راضيا بذلك، كما أنه إذا سمى هو الثمن وسلم البائع يكون راضيا بذلك، فكأن التسمية صدرت منهما معا، بخلاف ما إذا أخذه على وجه النظر لانه لا يكون ذلك رضا بالشراء بالثمن المسمى.
قال في القنية: سم عن أبي حنيفة قال له: هذا الثوب لك بعشرة دراهم فقال: هاته حتى أنظر فيه أو قال حتى أريه غيري، فأخذه على هذا وضاع لا شئ عليه، ولو قال: هاته، فإن رضيته أخذته فضاع فهو على ذلك الثمن ا ه.
قلت: ففي هذا وجدت التسمية من البائع فقط، لكن لما قبضه المساوم على وجه الشراء في الصورة الاخيرة صار راضيا بتسمية البائع فكأنها وجدت منهما، أما في الصورة الاولى والثانية فلم يوجد القبض على وجه الشراء، بل على وجه النظر منه أو من غيره فكأنه أمانة عنده فلم يضمنه.
ثم قال في القنية ط.
: أخذ منه ثوبا وقال: إن رضيته اشتريته فضاع فلا شئ عليه، وإن قال: إن رضيته
أخذته بعشرة فعليه قيمته، ولو قال صاحب الثوب هو بعشرة فقال المساوم: هاته حتى أنظر إليه وقبضه على ذلك وضاع لا يلزمه شئ.
قلت: ووجهه أنه في الاول لم يذكر الثمن من أحد الطرفين فلم يصح كونه مقبوضا على وجه الشراء وإن صرح المساوم بالشراء، وفي الثاني لما صرح بالثمن على وجه الشراء صار مضمونا، وفي الثالث وإن صرح البائع بالثمن لمن المساوم قبضه على وجه النظر لا على وجه الشراء فلم يكن مضمونا، وبهذا ظهر الفرق بين المقبوض على سوم الشراء والمقبوض على سوم النظر فافهم، واغتنم تحقيق هذا المحل.
قوله: (مضمون بالقيمة) أي إذا هلك، أما إذا استهلكه فمضمون بالثمن كما حققه الطرسوسي، وإن رده في البحر بأنه غير صحيح، لما في الخانية: إذا أخذ ثوبا على وجه المساومة بعد بيان الثمن فهلك في يده كان عليه قيمته، وكذا لو استهلكه وارث المشتري بعد موت المشتري ا ه.
قال: والوارث كالمورث، فقد أجاب في النهر بقوله: لا نسلم إنه غير صحيح، إذ الطرسوسي لم يذكره تفقها بل نقلا عن المشائخ، صرح به في المنتقى.
وعلله في المحيط بأنه صار راضيا بالمبيع حملا لفعله على الصلاح والسداد، وعزاه في الخزانة أيضا إلى المنتقى غير أنه قال: في القياس تجب القيمة اه.
كلام النهر.
قلت: وما نقله في البحر عن الخانية لا دلالة فيه على ما يدعيه بل فيه ما ينافيه لان قوله:(5/82)
وكذا لو استهلكه وارث المشتري، يفيد أنه لو استهلكه المشتري نفسه كان الواجب الثمن لا القيمة.
ووجهه أيضا ظاهر لما علمته من تعليل المحيط.
والفرق بينه وبين استهلاك الوارث أن العاقد هو المشتري، فإذا استهلكه كان راضيا بإمضاء عقد الشراء بالثمن المذكور، بخلاف ما إذا استهلكه وارثه، لان الوارث غير العاقد، بل العقد انفسخ بموته فبقي أمانة في يد الوارث فيلزمه القيمة دون الثمن، فقوله في البحر: والوارث كالمورث غير مسلم.
ثم رأيت الطرسوسي نقل عن المنتقى ما يفيد ذلك وهو قوله: ولو قال البائع: رجعت عما قلت أو مات أحدهما قبل أن يقول لمشتري: رضيت، انتقض جهة البيع، فإن استهلكه المشتري بعد ذلك فعليه قيمته، كما في حقيقة البيع لو انتقض يبقى
المبيع في يده مضمونا، فكذا هنا ا ه.
فهذا صريح بانفساخ العقد بموته، فكيف يلزم الوارث الثمن باستهلاكه، فافهم واغتنم.
قوله: (بالغة ما بلغت) رد على الطرسوسي حيث قال: وظاهر كلام الاصحاب أنها تجب بالغة ما بلغت، ولكن ينبغي أن يقال: لا يزاد بها على المسمى كما في الاجارة الفاسدة.
قال في النهر: وفيه نظر، بل ينبغي أن تجب بالغة ما بلغت، وقد صرحوا بذلك في البيع الفاسد، فكذا هنا ا ه.
قوله: (ولو شرط المشتري) أي مريد الشراء وهو المساوم.
قوله: (ولو في يد الوكيل الخ) قال في البحر عن الخانية: الوكيل بالشراء إذا أخذ الثوب على سوم الشراء فأراه الموكل فلم يرض به ورده عليه فهلك عند الوكيل، قال الامام ابن الفضل: ضمن الوكيل قيمته ولا يرجع بها على الموكل إلا أن يأمره بالاخذ على سوم الشراء، فحينئذ إذا ضمن الوكيل رجع على الموكل ا ه.
مطلب: المقبوض على سوم النظر قوله: (أما على سوم النظر) بأن يقول: هاته حتى أنظر إليه أو حتى أريه غيري، ولا يقول: فإن رضيته أخذته.
وقوله: (مطلقا) أي سواء ذكر الثمن أو لا ا ه ح عن النهر.
ولا يخفى أن عدم ضمانه إذ اهلك.
أما لو استهلكه القابض فإنه يضمن قيمته.
وقدمنا وجه الفرق بينه وبين المقبوض على سوم الشراء، وفي حكمه المقبوض على سوم الشراء إذا لم يبين الثمن أو مات أحد العاقدين قبل الرضا أو رجع عما قال، كما قدمناه آنفا عن المنتقى.
وقدمنا أول المسألة ما لو قبض ثلاثة أثواب وسمى ثمن كل واحد بعينه ليشتري أحدها فهلك واحد منها فإنه يضمنه دون الآخرين، وتقدم تفصيله.
هل هذا خاص بما إذا كانت ثلاثة لتكون مما فيه خيار التعيين الآتي بيانه أو أعم؟ والظاهر الثاني لو كانت أكثر، فلا شك أن واحدا منها مقبوض على سوم الشراء وإن كان فاسدا، والباقي على سوم النظر فهو أمانة، بخلاف الاول.
فتأمل.
قوله: (وعلى سوم الرهن بالاقل من قيمته ومن الدين) أي إذا سمى(5/83)
قدر الدين، فلا ينافي ما سيذكره المصنف في كتاب الرهن من قوله: المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار ليس بمضمون على الاصح ا ه.
وفي البزازية: الرهن بالدين الموعود مقبوض على سوم الرهن مضمون بالموعود، بأن وعده أن يقرضه ألفا فأعطاه رهنا وهلك قبل الاقراض يعطيه
الالف الموعود جبرا، فإن هلك هذا في يد المرتهن أو العدل ينظر إلى قيمته يوم القبض والدين.
وعن الثاني أقرضني وخذا هذا ولم يسم القرض فأخذ الرهن ولم يقرضه حتى ضاع يلزمه قيمة الرهن ا ه.
وما عن الثاني مقابل الاصح المذكور.
قوله: (وعلى سوم القرض الخ) في البحر عن جامع الفصولين: وما قبض على سوم القرض مضمون بما ساوم كمقبوض على حقيقته بمنزلة مقبوض على سوم البيع، إلا أن في البيع يضمن القيمة وهنا يهلك الرهن بما ساومه من القرض ا ه.
وقوله: يهلك الرهن بما ساومه من القرض: أي إذا كانت قيمته مثل الرهن لا أقل، فلا ينافي ما تقدم من أنه يضمن بالاقل، وبه ظهر أن ما في قوله وما قبض نكرة موصوفة بمعنى الرهن، فتكون هذه عين المسألة التي قبلها كما يعلم مما نقلناه عن البزازية في تصوير المسألة السابقة، فافهم.
قوله: (وعلى سوم النكاح الخ) يعني لو قبض أمة غيره ليتزوجها بإذن مولاها فهلكت في يده ضمن قيمتها.
جامع الفصولين.
قال محشيه الخير الرملي: أقول تقدم أن ما بعث مهرا بعد الخطبة، وهو قائم أو هالك يسترد، فهو صريح أيضا في أن ما قبض على سوم النكاح من المهر مضمون ولو لم يسم المهر ا ه.
تنبيه: ظاهر كلامهم وجوب قيمة الامة ولو لم يكن المهر مسمى، يحتاج إلى وجه الفرق بينه وبين المقبوض على سوم الشراء أو سوم الرهن، فإنه لا يضمن إلا بعد بيان الثمن أو بيان القرض.
وقد أطال الكلام فيه السيد الحموي في حاشية الاشباه من النكاح ولم يأت بطائل.
قوله: (ويخرج عن ملكه أي البائع) فلو أعتقه لم يصح عتقه، ولو كان حلف إن بعته فهو حر لم يعتق لخروجه عن ملكه.
بحر قوله: (مع خيار المشتري فقط) شمل ما إذا كان الخيار لهما وأسقط البائع خياره بأن أجاز البيع كما في البحر.
قال ح: ومثله ما إذا جعل المشتري الخيار لاجنبي.
قوله: (فيهلك بيده بالثمن) لان الهلاك لا يعري عن مقدمة عيب يمنع الرد فيهلك وقد انبرم البيع فيلزم الثمن، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع لان تيبه في هذه الحالة لا يمنع الرد فيهلك والعقد موقوف فيبطل، نهر.
وإذا بطل العقد يضمن القيمة.
مطلب في الفرق بين القيمة والثمن والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء زاد على القيمة أو
نقص، والقيمة ما قوم به الشئ بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان.
قوله: (كتعيبه فيها) أي في يد المشتري، وهذا تشبيه بالهلاك في الصورتين: أعني في صورة ما إذا كان الخيار للبائع أو للمشتري، فإن التعيب المذكور كالهلاك يوجب القيمة في الاولى والثمن في الثانية.
منح.
وشمل ما إذا عيبه المشتري أو أجنبي أو تعيب بآفة سماوية أو بفعل المبيع، وكذا بفعل البائع عند محمد(5/84)
فلا يسقط به خيار المشتري، فإن أجاز البيع ضمن البائع النقصان، وعندهما يلزم البيع بحر: أي ويرجع بالارش على البائع كما ذكره بعد.
تنبيه: ذكر حكم الهلاك والنقصان عند المشتري، ولم يذكر حكم الزيادة عنده.
وحاصله: أنها متصلة أو منفصلة ومتولدة من الاصل كالولد والسمن والجمال والبرء من المرض أو غير متولدة كالصبغ والعقر والكسب والبناء فيمتنع الفسخ إلا في المنفصلة الغير المتولدة.
بحر عن التتارخانية.
قوله: (لا يرتفع) يأتي محترزة.
قوله: (فيلزمه قيمته) أي لو هلك، ولو قال فللبائع في المسألة الاولى فسخ البيع الخ لكان أولى، لان المطلوب بيان ما يلزم بالتعيب في المسألتين، أما ما يلزم بالهلاك فيهما فهو مصرح به في المتن.
قوله: (لشبهة الربا) لان الجودة في المال الربوي غير معتبرة، لكن قال في الخلاصة من الغصب: إذا غصب قلب فضة وهو بالضم السوار، وإن شاء المالك أخذه مكسورا، وإن شاء تركه وأخد قيمته من الذهب.
قال في العناية: إذا لو أوجبنا مثل القيمة من جنسه أدى إلى الربا، أو مثل وزنه أبطلنا حق المالك في الجودة والصنعة ا ه.
وذكر الزيلعي هناك فيما لو نقص المغصوب الربوي: يخير المالك بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشئ، وبين أن يسلمها ويضمن مثلها أو قيمتها، لان تضمين النقصان متعذر لانه يؤدي إلى الربا ا ه.
وبه علم أن الخيار للمالك بين إمساك العين بلا رجوع بالنقصان وبين دفعها تضمين مثلها: أي مثل وزنها، لانه رضي بإبطال حقه في الجودة وبين تضمين قيمتها: أي من خلاف الجنس.
وفي مسألتنا إذا كان الخيار للبائع في بيع الربوي وعيبه المشتري واختار البائع الفسخ ليس له أخذ نقصان العيب لانه يؤدي إلى الربا، وينبغي أن يكون له الخيارات المذكورة.
تأمل.
قوله: (في الثانية) أي ما
كان الخيار فيها للمشتري.
قوله: (ولو يرتفع) مقابل قوله: بعيب لا يرتفع.
قوله: (فهو على خياره) أي فله الفسخ في مدة الخيار ورد المبيع على بائعه.
قوله: وإلا أي وإن لم يزل المرض في المدة لزم العقد، لانه لا يمكنه رده في المدة معيبا لتضرر البائع، ولو زال بعد مضي المدة لزم العقد بمضيها.
قوله: (ابن كمال) ومثله في البحر والجوهرة.
قوله: (ولا يملكه المشتري) أي فيما إذا كان الخيار له فقط، لكن في الخانية يصح إعتاقه ويكون إمضاء.
وفي السراج: تجب النفقة عليه بالاجماع، ولو تصرف فيه في مدة الخيار جاز تصرفه ويكون إجازة منه، وفي جامع الفصولين: لو رهن بالثمن رهنا جاز الرهن به مع أنه ذكر فيه أنه لو أبرأه البائع عن الثمن لم يجز إبراؤه عند أبي يوسف ا ه.
فينبغي أن لا يصح الرهن أيضا.
والجواب أن الابراء يعتمد الدين ولا دين له عليه، لان الثمن باق على ملك المشتري، بخلاف الرهن بدليل صحته بالدين الموعود به، لكن في المعراج أن عدم صحة الرهن بالثمن قياس، والاستحسان صحته لانه إبراء بعد وجود السبب وهو البيع، وتمامه في البحر.
وفيه عن الخلاصة أن زوائد المبيع موقوفة، إن تم البيع كانت للمشتري، وإن(5/85)
فسخ كانت للبائع.
قوله: (خلافا لهما) حيث قالا: إنه يملكه.
قوله: (لئلا يصير سائبة) أي شيئا لا مالك له بعد دخوله في الملك، وهذا دليل لقولهما إنه يملكه بعد خروجه من ملك البائع: أي أنه لو لم يملكه لزم أن يخرج عن ملك البائع لا إلى مالك فيكون كالسائبة ولا عهد لنا به في الشرع: يعني في المعاوضات لئلا يرد نحو التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج من ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء، وتمامه في النهر والفتح.
قوله: (قلنا) أي من طرف الامام، وهو جواب بمنع كونه كالسائبة.
قوله: (والثاني موجود هنا) هو علقة الملك: أي للبائع، إذا قد يرد عليه فيعود إليه حقيقة ملكه، وللمشتري أيضا إذ قد يسقط خياره فيكون له ط.
قوله: (ويلزمكم الخ) استدلال للامام بطريق النقض الاجمالي لدليل الخصم باستلزامه الفساد من وجهين: الاول: ما في النهر أنه لو دخل في ملك المشتري مع كون الثمن لم يخرج من ملكه لزم اجتماع البدلين في حكم ملك أحد المتعاقدين حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع.
يعني في باب
المعاوضة فإنها تقتضي المساواة بينهما في تبادل ملكيهما، فلا يرد ما لو غصب المدبر وأبق من يده فإنه يضمن قيمته ولا يخرج به عن ملك المالك، فيجتمع العوضان في ملك لانه ضمان جناية لا معاوضة.
والثاني: ما في الفتح من أن خيار المشتري شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة، فلو أثبتنا الملك بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده، إذ ربما كان المبيع من يعتق عليه فيعتق بلا اختياره فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذا كان مفوتا للنظر، وذلك لا يجوز.
قوله: (ولا يخرج شئ منهما الخ) فإن تصرف البائع جاز وكان فسخا، وكذا إن تصرف المشتري في الثمن إن كان عينا وتصرف كل منهما فيما اشتراه باطل، وأيهما هلك قبل التسليم بطل البيع، فإن هلك بعده بطل أيضا ولزم قيمته.
منح.
قوله: (عن مالكه) لا حاجة إليه ط.
قوله: (وأيهما أجاز بطل خياره فقط) أي وصار العقد باتا من جانبه والآخر على خياره، وإن لم يوجد منهما أجازة ولا فسخ حتى مضت المدة لزم البيع، ولو أجاز أحدهما وفسخ الآخر بطل البيع بينهما، سواء سبق الفسخ أو الاجازة أو كانا معا: ولا عبرة للاجازة بكل حال اه منح.
وحاصله: أنه إذا أجاز أحدهما فالآخر على خياره، فإن أجاز أيضا تم العقد، وإن فسخ بطل، وإن سكتا حتى مضن المدة لزم العقد.
قوله: (وهذا الخلاف) أي المذكور بين الامام وصاحبيه في مسألة خيار المشتري، وهو أن المبيع لا يدخل في ملك المشتري عنده ويدخل عندهما، والتفريع في المسائل الآتية على قوله.
قوله: (بقي النكاح) لانه لم يملكها عنده، وإذا سقط الخيار بطل: أي النكاح للتنافي: أي بين ثبوت المتعة بملك اليمين وبالعقد.
وعندهما انفسخ النكاح لدخولها في ملك الزوج، فإذا فسخ المشتري البيع رجعت إلى مولاها بلا نكاح عليها عندهما.
وعنده تستمر زوجته كما(5/86)
في الفتح.
قال في البحر: وعلى هذا لو اشترى زوجته فاسدا وقبضها يفسد النكاح، ثم إذا فسخ البيع للفساد لا يرتفع فساد النكاح.
قوله: (لا يعتبر استبراء) أي عنده، وعندهما يعتبر، ولو ردت بحكم الخيار إلى البائع لا يجب الاستبراء عنده، وعندهما يجب إذا ردت بعد القبض.
بحر.
وهي المسألة
الآتية في رمز الفاء.
قوله: (فلا يعتق محرمه) أي إذا اشترى قريبه المحرم لا يعتق عليه في مدة الخيار عنده حتى تنقضي المدة ولم يفسخ.
وعندهما يعتق لانه ملكه.
قوله: (فله ردها) لانه حيث لم يملكها عنده كان وطؤه لها في مدة الخيار بالنكاح لا بملك اليمين فلا يمتنع الرد، لانه لم يكن دليل الرضا بالبيع، بخلاف وطئ غير منكوحته كما سيأتي.
وعندهما يمتنع، لان الوطئ حصل في الملك وقد بطل النكاح فكان دليل الرضا، قوله: (إلا إذا نقصها) أي الوطئ ولو ثيبا فيمتنع الرد.
نهر وفتح.
ومقتضاه أن دواعي الوطئ ليست كالوطئ لعدم التنقيص بها فلا يجري فيها الخلاف المذكور، بخلافها في غير المنكوحة، فإن دواعيه مثله فتكون دليل الرضا بالبيع فيمتنع الرد اتفاقا كما سيأتي.
وعلى هذا فيشكل ما في شرح منلا مسكين، معه أنه يمتنع الرد عند الامام لو قبلها أو مسها أو مسته بشهوة، وكذا لو وطئها غير الزوج في يده ا ه.
ووجه الاخير ظاهر، لان وطئ غيره موجب للعقر وهو زيادة منفصلة متولدة من المبيع بعد القبض فتمنع الرد كما مر ويأتي.
تنبيه: قال في البحر: ولم أر حكم حل وطئ المبيعة بخيار، أما إذا كان الخيار للبائع فينبغي حله له لا للمشتري وإن كان للمشتري ينبغي أن يحل لهما، ونقله في المعراج عن الشافعي ا ه.
ولا يخفى أن هذا في غير منكوحته.
ثم اعلم أن هذه المسألة غير مكررة مع الاولى المرموز لها بالالف وإن كان موضوعهما بشراء الامة المنكوحة لان المقصود من الاولى شراءها لا يبطل نكاحها، ومن هذه أن وطئ زوجها لا يمنعه من ردها كما نبه عليه ط.
وهو ظاهر.
قوله: (من الوديعة عند بائعه الخ) أي إذا قبض المشتري المبيع بإذن البائع ثم أودعه عند البائع فهلك في يده في تلك المدة هلك من مال البائع عنده لارتفاع القبض بالرد لعدم الملك.
وعندهما من مال المشتري لصحة الايداع باعتبار قيام(5/87)
الملك.
وتمامه في البحر.
قوله: (لعدم الملك) علة للعلة.
قوله: (لو ولدت) أي بالنكاح.
بحر.
قوله: (لم تصر أم ولد) أي للمشتري لعدم الملك خلافا لهما.
بحر.
قوله: (لزم العقد الخ) أي اتفاقا، وتصير أم ولد للمشتري إذا ادعاه.
بحر عن ابن كمال، لان تعيب المبيع في مدة الخيار بعد
قبضه له مبطل لخياره.
قوله: (إذا ولدت الخ) أي في يد المشتري فيوافق ما قبله ط.
قوله: (ولم تنقصها الولادة) مقتضاه أن الولادة قد لا تكون نقصانا، وهو خلاف الاطلاق السابق، ويؤيد السابق ما في البزازية: اشتراها وقبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لامن البائع وهو لا يعلم، وفي رواية المضاربة عيب مطلقا، لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا وعليه الفتوى.
وفي رواية إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه.
وسيذكر الشارح في خيار العيب عن البزازية خلاف ما نقلناه عنها، وهو تحريف كما سنوضحه هناك.
قوله: (فهو للبائع بعد الفسخ) لانه عنده لم يحدث على ملك المشتري، وعندهما للمشتري لحدوثه على ملكه.
بحر.
قال ط: وأما إذا لم يفسخ فالزوائد تبع للمبيع كما سل ف.
قوله: (فلا استبراء على البائع) لانه إنما يجب بتجديد الملك ولم يوجد حيث لم تدخل في ملك غيره فكأنه لم يزل ملك البائع.
ابن كمال.
قوله: (لكن عبار ابن الكمال وأسلم المشتري) وكذا في الفتح وغيره فيكون هو المراد من لفظ أحدهما.
في عبارة العيني: لانه لو أسلم البائع لا تظهر فيه ثمرة الخلاف لبقاء الخيار إجماعا كما في الزيلعي، حيث قال: لو اشترى ذمي من ذمي خمرا على أنه: أي المشتري بالخيار، ثم أسلم المشتري في مدة الخيار بطل الخيار عندهما، لانه ملكها فلا يملك تمليكها بالرد وهو مسلم.
وعنده يبطل البيع لانه لم يملكها فلا يملك تملكها بإسقاط الخيار وهو مسلم.
ولو أسلم البائع والخيار للمشتري بقي على خياره بالاجماع، ولو ردها المشتري عادت إلى ملك البائع، لان العقد من جانب البائع بات، فإن أجازه صار له، وإن فسخ صار الخمر للبائع والمسلم من أهل أن يتملك الخمر حكما كما في الارث، ولو كان الخيار للبائع فأسلم هو بطل البيع، لان البيع لم يخرج عن ملكه والمسلم لا يقدر أن يملك الخمر، ولو أسلم المشتري لا يبطل العقد والبائع على خياره، لان العقد من جهة المشتري بات، فإن أجاز العقد صار له، لان المسلم من أهل أن يملك الخمر حكما، وإن فسخه كان للبائع، وهذا كله فيما إذا أسلم أحدهما بعد القبض والخيار لاحدهما، فلو قبل القبض بطل البيع في الصور كلها سواء كان البيع باتا أو بخيار لاحدهما أو لهما، لان للقبض شبها بالعقد من حيث إنه يفيد ملك التصرف فلا يملكه بعد الاسلام(5/88)
اه ملخصا.
قوله: (من المأذون الخ) أي إذا اشترى عبد مأذون شيئا بالخيار وأبرأه بائعه عن ثمنه في مدة الخيار بقي خياره، لانه لما لم يملكه كان رده في المدة امتناعا عن التملك وللمأذون ولاية ذلك، فإنه إذا وهب له شئ فله ولاية أن لا يقبله.
درر.
عندهما: يبطل خياره، لانه لما ملكه كان الرد منه تمليكا بغير عوض وهو ليس من أهله، وهذا يقتضي صحة الابراء، وقدمنا أنه لا يصح عند أبي يوسف قياسا، ويصح عند محمد استحسانا.
بحر.
قوله: (كل ذلك) أي المذكور من أحكام المسائل العشر.
قوله: (لم يعتق) لانه عنده لم يملكه فلم يوجد الشرط.
وعندهما وجد فيعتق لانه ملكه، وأما لو قال: إن اشتريت بدل قوله إن ملكت فإنه يعتق اتفاقا لوجود الشرط وهو الشراء، فيكون كالمنشئ للعتق بعده فيسقط الخيار، فتح وبحر.
قوله: (واستدامة السكنى الخ) صورتها: اشترى دارا على أنه بالخيار وهو ساكنها بإجارة أو إعارة فاستدام سكناها.
قال خواهر زادة: استدامتها اختيار عندهما لملك العين، وعنده ليس باختيار.
فتح.
ومثله خيار العيب وخيار الشرط في القسمة، ولو ابتدأ السكنى بطل خياره.
وتمامه في البحر.
قوله: (فأحرم) أي وهو في يده بطل البيع عنده ويرده إلى البائع، وعندهما: يلزم المشتري ولو كان الخيار للبائع ينتقض بالاجماع، ولو كان للمشتري فأحرم المشتري له أن يرده.
بحر.
وعبارة الفتح: ولو كان للمشتري فأحرم البائع للمشتري أن يرده، وهي الصواب.
قوله: (بعد الفسخ) متعلق بما تعلق به.
قوله: (للبائع) أي تثبت للبائع بعد الفسخ لانها لم تحدث على ملك المشتري وعندهما للمشتري لانها حدثت على ملكه كما في الفتح.
ثم لا يخفى أن الزوائد تعم المتصلة والمنفصلة متولدة أو غيرها.
وليس بصحيح هنا لما قدمناه عن التتارخانية من أن حدوثها عند المشتري يمنح الفسخ بالخيار، إلا إذا كانت منفصلة عير متولدة كالكسب، فهذه يتأتى فيها إجراء الخلاف لامكان الفسخ فيها، أما في بقية الصور الثلاث فلا، بل هي للمشتري قطعا لحدوثها على ملكه حيث امتنع بها الفسخ ولزمه البيع.
ثم رأيت في جامع الفصولين: ذكر مسائل الزيادة كما قدمنا من امتناع الفسخ في الكل إلا في صورة المنفصلة الغير المتولدة وأن الخلاف فيها فقط، وحينئذ فإطلاق الزوائد هنا ليس مما ينبغي، بل
المراد به الصورة المذكورة وهي مسألة الكسب التي رمز لها بالكاف.
فكان على الشارح إسقاط هذه لتكرارها مع إيهامها خلاف المراد كما ظنه من قال: إن الزوائد تعم المتصلة والمنفصلة فيستغني بها عن الكاف المشار بها إلى الكسب ا ه فافهم.
قوله: (فسد) أي البيع عنده لعجزه عن تملكه بإسقاط خياره، ويتم عندهما لعجزه عن رده بفسخه.
فتح.
قوله: (خلافا لهما) راجع للمسائل الخمس(5/89)
المزيدة، فافهم قوله: (ويضم الرمز للرمز) كذا في بعض النسخ: أي يضم الرمز المزيد بلفظ تتصدر للرمز السابق، وفي بعض النسخ ويضم لرمز الرمز بجر الاول باللام والثاني بالاضافة، وهذه النسخة ألطف وعليها ففي يضم ضمير يعود للرمز المزيد، ويكون المراد بالرمز المجرور باللام الرمز السابق عن العيني، وبالرمز المجرور بالاضافة شرح الكنز للعيني، فإن اسمه الرمز.
وفي ط: فيصير المعنى اسحق عزك: أي امحقه بتواضعك وعظم لله تعالى في قلبك، فامتثل أمره ونهيه، وعظم الناس بإنزالهم منزلتهم تصير صدرا: أي مقدما ومقربا عند الله تعالى وعند الناس قوله: (ولم أره لاحد) أي لم ير الرمز بتتصدر، وإلا فالمسائل في المنح والبحر ط قوله: (أجاز من له الخيار) أي أجاز بالقول أو بالفعل كالاعتاق والوطئ ونحوهما كما يأتي.
وفي جامع الفصولين: إذا قال أجزت شراءه أو شئت أخذه أو رضيت أخذه بطل خياره، ولو قال: هويت أخذه أو أحببت أو أردت أو أعجبني أو وافقني لا يبطل لو اختار الرد أو القبول بقلبه، فهو باطل لتعلق الاحكام بالظاهر لا بالبطن قوله: (ولو مع جهل صاحبه) أي العاقد معه، أما لو كان للمشتريين ففسخ أحدهما بعيبه الآخر لم يجز كما في جامع الفصولين قوله: (لهما) أي لكل من المتعاقدين قوله: (فليس للآخر الاجازة) أي إلا إذا قبل الاول إجازته، يدل عليه ما في جامع الفصولين: باعه بخيار ففسخه في المدة انفسخ، فإن قال بعده: أجزت، وقبل المشتري جاز استحسانا، ولو كان الخيار للمشتري فأجاز ثم فسخ وقبل البائع جاز وينفسخ ا ه.
فيكون الاول بيعا آخر كما سيذكره الشارح، والثاني: إقالة قوله: (لان المفسوخ لا تلحقه الاجازة) فيه إشكال سيذكره الشارح مع جوابه قوله: (لا يصح إلا إذا علم الآخر) هذا عندهما.
وقال أبو يوسف: يصح، وهو
قول الائمة الثلاثة.
قال الكرخي: وخيار الرؤية على هذا الخلاف، وفي العيب: لا يصح فسخه بدون علمه إجماعا، ولو أجاز البيع بعد فسخه قبل أن يعلم المشتري جاز وبطل فسخه.
ذكره الاسبيجابي: يعني عندهما.
وفيه يظهر أثر الخلاف فيما إذا باعه بشرط أنه إذا غاب فسخ فسد البيع عندهما خلافا لابي يوسف، ورجح قوله في الفتح.
نهر قوله: (فلو لم يعلم) أي في مدة الخيار، سواء علم بعدها أو لم يعلم أصلا قوله: (أن يستوثق بكفيل) الذي في العيني: أن يأخذ منه وكيلا: يعني إذا بدا له الفسخ رده عليه ا ه.
ومثله في البحر وغيره ح قوله: (أو يرفع الامر للحاكم لينصب الخ) في العمادية: وهذا أحد قولين، وقيل: لا ينصب لانه ترك النظر لنفسه بعدم أخذ الوكيل فلا ينظر القاضي إليه.
وتمامه في النهر قوله: (لصحته بالفعل بلا علمه) مثال الفسخ بالفعل يتصرف البائع في مدة الخيار تصرف الملاك، كما إذا أعتق المبيع أو باعه أو كان جارية فوطئها أو قبلها، أو أن يكون الثمن عينا فتصرف فيه المشتري تصرف الملاك فيما إذا كان الخيار للمشتري، صرح به الاكمل في العناية وغيره من المشايخ.
منح.
والمراد بقوله أن يتصرف البائع الخ: أن يكون الخيار له وتصرف كذلك فيكون فسخا حكميا لانه دليل استبقاء المبيع على ملكه.
وأما لو كان الخيار(5/90)
للمشتري وفعل ما ذكر فإنه يتم البيع كما يأتي قوله: (كما أفاده الخ) أي أفاد الفعل الذي يصح به الفسخ: يعني أن أمثلة الفسخ بالفعل تستفاد من قوله المذكور، وإن لم يكن المذكور من أمثلة الفسخ بل من أمثلة التمام والاجازة.
قال في الفتح: وجميع ما قدمنا أنه إجازة إذا صدر من المشتري من الافعال فهو فسخ إذا صدر من البائع ا ه.
وقد أفاد الشارح ذلك بقوله الآتي: لو فعل البائع ذلك كان فسخا والمراد به الاعتاق وما بعده، وحينئذ فليس في كلامه غلط بل هو من رموزه التي تخفى على المعترضين، فافهم قوله: (وتم العقد الخ) أي تحصل الاجازة بواحد مما ذكر، وهو كلام موهم، فإن في بعضها يكون إجازة سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري وهو الموت ومضي المدة، وفي بعضها: إذا كان للمشتري وهو الاعتاق وتوابعه، فلو للبائع كان فسخا.
أفاده في البحر قوله: (بموته) أي موت من له الخيار بائعا كان أو مشتريا، لان موت غيره لا يتم به العقد بل الخيار باق
لمن شرط له، فإن أمضى العقد مضى وإن فسخه انفسخ كما في الفتح.
نهر.
وفي جامع الفصولين: لو الخيار لهما فمات أحدهما لزم البيع من جهته والآخر على خياره.
وفيه أيضا: وكيل البيع أو الوصي باع بخيار أو المالك باع بخيار لغيره فمات الوكيل أو الوصي أو الموكل أو الصبي أو من باع بنفسه أو من شرط له الخيار، قال محمد: يتم البيع في كل ذلك، لان لكل منهم حقا في الخيار والجنون كالموت ا ه.
وكذا الاغماء.
وتمامه في النهر قوله: (ولا يخلفه الوارث) لانه ليس إلا مشيئته وإرادة، ولا يتصور انتقاله والارث فيما يقبل الانتقال.
هداية قوله: (كخيار رؤية) نص على ذلك في الغرر والوقاية والنقاية ومختصرها والملتقى والاصلاح والبحر والنهر وكذا في الهداية والفتح من باب خيار الرؤية، ولم أر من ذكر فيه خلافا، وعليه فما في فرائض شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء من أن الصحيح أن خيار الرؤية يورث فهو غريب، ولعل أصل العبارة لا يورث.
تأمل قوله: (وتغرير ونقد) لم يذكرهما في الدرر، بل ذكر المصنف الاول منهما في المنح بحثا، وذكر الثاني في النهر بحثا أيضا.
ووجه ذلك أن الحقوق المجردة لا تورث، وكأن الوجه لما قوي عند الشارح جزم به.
وقد رأيت مسألة النقد في شرح البيري عن خزانة الاكمل نص على أنه لو مات قبل نقد الثمن بطل البيع وليس لوارثه نقده.
وأما مسألة التغرير فقد وقع فيها اضطراب، فنقل الشارح في آخر باب المرابحة على المقدسي أنه أفتى بمثل ما بحثه المصنف هنا، ذكر أن المصنف ذكر في شرح منظومته الفقهية أن خيار التغرير يورث كخيار العيب، وأن ابن المصنف أيده، وسنذكر إن شاء الله تعالى ما فيه هناك.
نعم بحث الخير الرملي أيضا في حاشية البحر أنه يورث قياسا على خيار فوات الوصف المرغوب فيه كشراء عبد على أنه خباز وقال: إنه به أشبه لانه اشتراه بناء على قول البائع، فكان شارطا له اقتضاء وصفا مرغوبا فبان بخلافه.
وقد اختلف تفقه الشيخ علي المقدسي والشيخ محمد الغزي في هذه المسألة لانهما لم يرياها منقولة، ومال الشيخ علي لما قلته فقال: والذي أميل إليه أنه مثل خيار العيب: يعني فيورث ا ه.
وبه علم أن ما نقله الشارح عن المقدسي مخالف لما نقله عنه الرملي، لكن سيأتي في المرابحة أنه لو ظهر له خيانة في المرابحة له رده، ولو هلك المبيع قبل رده أو حدث به ما يمنع من الرد لزمه جميع الثمن وسقط خياره، وعللوه
هناك بأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن كخيار الرؤية والشرط، بخلاف خيار العيب لان المستحق فيه جزء فائت فيسقط ما يقابله.
وأخذ منه في البحر هناك أن خيار ظهور الخيانة لا(5/91)
يورث كما سنذكره هناك.
ولا يخفى أن التغرير أشبه بظهور الخيانة في المرابحة، فكان إلحاقه به أولى من إلحاقه بالوصف المرغوب، لان الوصف المرغوب بمنزلة جزء من المبيع فيقابله جزء من الثمن حيث كان الوصف مشروطا، فإذا فات يسقط ما يقابله كخيار العيب، وليس في التغرير شئ من ذلك بل هو مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن مثل خيار الخيانة في المرابحة، وبه يعلم أن الارجح أنه لا يورث كما جزم به الشارح، والله سبحانه أعلم قوله: (لان الاوصاف لا تورث) هذا التعليل إنما يناسب التعبير بأن خيار الشرط ونحوه لا يورث، كما وقع في الدرر والوقاية، والشارح إنما عبر بأنه لا يخلفه الوارث لانه أضبط، لان ما لا يورث قد يخلفه الوارث فيه كخيار العيب، فكان الاولى التعليل بأن الاوصاف لا تنتقل كما مر عن الهداية: أي فإن خيار الشرط مجرد مشيئة وإرادة، وذلك وصف لصاحب الخيار، فلا يمكن انتقاله إلى الوارث لا بطريق الارث ولا بطريق الخلافة، ومثله خيار الرؤية والتغرير.
ولا يخفى أن هذا لا يتأتى في خيار النقد، لان نقد الثمن فعل لا وصف، وهذا يرجح أنه كخيار العيب.
تأمل.
تتمة: في شرح البيري عن شرح المجمع لابن الضياء: وأجمعوا أن خيار القبول لا يورث، وكذا خيار الاجازة في بيع الفضولي ا ه.
والمراد بخيار القبول خيار المجلس، وهو أن يقبل في مجلس العقد بعد إيجاب الموجب قوله: (وفوات الوصف المرغوب فيه) هذا غير موجود في الدرر، نعم ذكره في البحر والنهر.
ووجهه ظاهر لانه في معنى العيب قوله: (فيخلفه الوارث فيها الخ) لان المورث استحق المبيع سليما من العيب، فكذا الوارث، وكذا خيار التعيين يثبت للوارث ابتداء لاختلاطه ملكه بملك غيره لا أن يورث الخيار هداية.
ويدل على أن ذلك ليس بطريق الارث ما في الدرر من أن الوارث يثبت له الخيار فيما تعيب في يد البائع بعد موت المورث وإن لم يثبت للمورث ا ه.
وفي غاية البيان: الدليل على أن هذا الخيار للوارث غير ما كان للمورث أن
المشتري كان له أن يختار أحدهما أو يردهما، وليس للوارث أن يردهما، وخيار المشتري كان مؤقتا وللورثة يثبت غير موقت ا ه قوله: (ومضي المدة) أي مدة الخيار قبل الفسخ أي سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري، لانه لم يثبت الخيار إلا فيها فلا بقاء له بعدها.
بحر.
قوله: (وإن لم يعلم) أي بمضيها قوله: (لمرض أو إغماء) مشى على ما هو التحقيق من أن الاغماء والجنون لا يسقطان الخيار، إنما المسقط له مضي المدة من غير اختيار، ولذا لو أفاق فيها وفسخ جاز.
بحر قوله: (والاعتاق) ولو بشرط وجد في المدة.
بحر (ولو لبعضه) أي لبعض العبد المبيع.
قال في النهر: وقد أغفلوه هنا قوله: (وتوابعه) كالكتابة والتدبير قوله: (إلا في الملك) أي ملك المباشر للفعل بطريق الاصالة قوله: (كإجارة) تمثيل لقوله لا ينفذ إلا في الملك.
قال في البحر: وأشار بالاعتاق إلى كل تصرف لا يفعل إلا في الملك، كما إذا باعه أو وهبه وسلمه، أو رهن أو أجر وإن لم يسلم على الاصح، أو أبرأه من الثمن أو اشترى به شيئا أو ساومه به، أو حجم العبد أو سقاه(5/92)
دواء أو حلق رأسه، أو سقى زرع الارض أو حصده، أو عرض المبيع للبيع، أو أسكن في الدار ولو بلا أجر، أو رم منها شيئا، أو بنى بناء أو طينة أو هدمه، أو حلب البقرة أو شق أوداج الدابة أو بزغها لا لو قص حوافرها أو أخذ من عرفها، أو استخدم الخادم مرة، أو ليس الثوب مرة، أو ركب الدابة مرة، أو أمر الامة بإرضاع ولده لانه استخدام، والاستخدام ثانيا إجازة إلا إذا كان في نوع آخر ا ه ملخصا.
وبقي ما لو زاد المبيع، في يد المشتري، وقدمنا حكمه عند قوله: كتعيبه قوله: (ونظر إلى فرج الخ) تمثيل لقوله: أو لا يحل إلا في الملك.
وأورد أن مقتضى الضابط تعميم النظر إلى كل ما لا يحل.
قلت: وفيه نظر، لان الضابط في تصرف لا يحل الخ لا في فعل، ومطلق النظر وإن كان فعلا لكنه ليس بتصرف، إلا إذا كان إلى الفرج الداخل فإنه تصرف حكما بمنزلة الوطئ بدليل ثبوت حرمة المصاهرة به، فافهم.
قال في البحر: واعلم أن دواعي الوطئ كالوطئ، فإذا اشترى غير زوجته بالخيار فقبلها بشهوة أو
لمسها بها أو نظر إلى فرجها بها سقط خياره، وحدها انتشار آلته أو زيادته، وقيل بالقلب وإن لم ينتشر فلو بلا شهوة لم يسقط في الكل ا ه.
وقيد بغير زوجته، إذ لو شرى زوجته ووطئها لم يسقط خياره لعدم دلالته على الرضا، إلا إذا نقصها كما قدمه الشارح.
قوله: (بشهوة) فلو بغيرها لم يسقط، لان ذلك يحل في غير الملك في الجملة، لان الطبيب والقابلة يحل لهما النظر.
فتح.
قوله: (والقول لمنكر الشهوة) عبارة الفتح: ولو أنكر الشهوة في هذه: أي في الدواعي كان القول قوله، لانه ينكر سقوط خياره، وكذا إذا فعلت الجارية ذلك سقط خياره في قول أبي حنيفة، وقال محمد: لا يكون فعلها البتة إجازة للبيع والمباضعة ولو مكرها اختيار، إنما يلزم سقوط الخيار في غير المباضعة إذا أقر بشهوتها ا ه.
وبه علم أنه في المباضعة منها أو منه لا يصدق في عدم الشهوة، ولذا قال في البحر: لو ادعى عدم الشهوة في التقبيل في الفم لم يقبل: أي لان التقبيل على الفم لا يخلو من الشهوة عادة فالمباضعة بالاولى.
قوله: (ومفاده) أي مفاد ما ذكر من الضابط.
قال في النهر بعد قوله كان إجازة: لان هذا الفعل وإن احتيج إليه للامتحان إلا أنه لا يحل في غير الملك بحال.
قوله: (ولو وجدها ثيبا الخ) أي لو اشتراها على أنها بكر فوطئها فوجدها ثيبا يردها بهذا العيب: أي عيب الثيوبة لفوات الوصف المرغوب وهو البكارة، أما لو لم يشترطها فلا رد أصلا، كما سيأتي في خيار العيب.
ثم اعلم أن التفصيل بين اللبث وعدمه خلاف ما يفيده الضابط، إذ لا شك أن الوطئ لا يحل في غير الملك سواء كانت ثيبا ألا بكرا، فلا فرق فيه بين اللبث وعدمه، وعبارة النهر لا غبار عليها حيث قال: وقد قالوا بأنه لو وجدها ثيبا الخ، فإن قوله وقد قالوا: استدراك على ما ذكره من المفاد: أي ما قالوه من التفصيل خلاف هذا المفاد، وما استدرك به ذكره في القنية.
ثم رمز بعده وقال: والوطئ يمنع الرد، وهو المذهب ا ه.
وبه علم أن مفاد الضابط هو المذهب فلا وجه للاستدراك عليه، على أن هذا الضابط إنما هو في خيار الشرط، وهذه المسألة من مسائل خيار العيب.
قوله: (وسيجئ في بابه) أي في باب خيار العيب.
والذي سيجئ حكاية أقوال في(5/93)
المسألة، وقد علمت ما هو المذهب، وعليه مشى المصنف هناك، فافهم.
قوله: (ولو فعل البائع
ذلك) أي التصرف الذي لا ينفذ أو لا يحل إلا في الملك وكان الخيار له ط.
قوله: (وطلب الشفعة بها) صورته: أن يشتري دارا بشرط الخيار له ثم تباع دار بجوارها فيطلب الشفعة بسبب الدار التي اشتراها سقط خياره فيها وتم البيع.
قوله: (بخلاف خيار رؤية وعيب) فإنه إذا اشترى دارا ولم يرها فبيعت دار بجنبها فأخذها بالشفعة فله أن يرد الدار بخيار الرؤية.
درر وكذا بخيار العيب.
قوله: (من المشتري) متعلق بطلب أو به وبالاعتاق.
قوله: (إذا كان الخيار له) ظاهره أنه لو كان للبائع يبقى خياره بعد طلب الشفعة لان ملكه باق بخياره، بخلاف المشتري لانه لا ملك له مع خياره فطلبه الشفعة دليل التملك، لانهم عللوا المسألة بأنه لا يكون إلا بالملك، فكان دليل الاجازة فتضمن سقوط الخيار ا ه فافهم.
قوله: (أو البائع الخ) هو مذكور في غاية البيان عن الجامع الصغير وعبارته: اعلم أن أحد العاقدين إذا اشترط الخيار لغيرهما كان البيع جائزا بهذا الشرط ا ه.
وصرح به منلا مسكين عن السراجية والكافي وقال: إن التقييد بالمشتري اتفاقي، ونقله الحموي عن المفتاح ويأتي قريبا عن البحر.
قوله: (الخيار) أي خيار الشرط، لان خيار العيب والرؤية لا يثبت لغير العاقدين.
بحر عن المعراج.
قوله: (عاقدا كان أو غيره) تعميم للغير، لكن قال ح: الاولى أن يراد بالغير الاجنبي، لان مسألة ما إذا جعل المشتري الخيار للبائع أو العكس قد ذكرت أول الباب في قوله: ولاحدهما أيضا فيما إذا جعل المشتري الخيار للبائع لا يكون الخيار لهما بل للبائع فقط، وفي العكس يكون الخيار للمشتري فقط، فكيف يصح قوله فإن أجاز أحدهما الخ؟ ولذلك قال في البحر: ولو قال المصنف ولو شرط أحد المتعاقدين الخيار لاجنبي صح لكان أولى، ليشمل ما إذا كان الشارط البائع أو المشتري، وليخرج اشتراط أحدهما للآخر، فإن قوله: لغيره صادق بالبائع وليس بمراد، ولذا قال في المعراج: والمراد من الغير هنا غير العاقدين ليتأتى فيه خلاف زفر ا ه.
قلت: ومثله في الفتح، وبه زال تردد صاحب النهر حيث قال: ولم أر ما لو اشترطه المشتري للبائع هل يكون نائبه عنه أيضا؟ محل تردد، فتدبره ا ه.
قوله: (صح استحسانا) والقياس أن لا يصح، وهو قول زفر.
قوله: (إن وافقه الآخر) قيد به لانه محل الصحة على الاطلاق، وهو مفاد التفصيل(5/94)
الذي بعده.
قوله: (لعدم المزاحم) لان الاسبق ثبت حكمه قبل المتأخر فلم يعارضه، وإن كان المتأخر أقوى فالفسخ.
قوله: (ولو كانا معا) بأن خرج الكلامان معا كما في السراج، وهذا قد يتعسر.
والظاهر أنه يكفي عدم العلم بالسابق منهما.
نهر.
قوله: (في الاصح) صححه قاضيخان معزيا للمبسوط، وفي رواية ترجيح تصرف العاقدين لقوته، لان النائب يستفيد الولاية منه، وقيل: هو قول محمد، وما في الكتاب قول أبي يوسف، بحر.
قوله: (والمفسوخ لا يجاز) أي فصار الفسخ أقوى لكونه لا ينقض الاجازة، فلذا كان أحق.
قوله: (بل بيع ابتداء) وعليه فقوله: وإعادة العقد بمعنى عقده ثانيا بالايجاب والقبول، أو بالتعاطي.
أفاده ط.
قوله: (باع عبدين الخ) أراد بهما القيميين احترازا عن قيمي أو مثليين، إذ في القيمي الواحد إذا شرط الخيار في نصفه يصح مطلقا، وفي المثليين كذلك لعدم التفاوت.
بحر عن الزيلعي.
وفي النهر: الظاهر أن القيميين ليسا بقيد، إذ لو كانا مثليين أو أحدهما مثليا والآخر قيميا وفصل وعين فالحكم كذلك فيما ينبغي ا ه.
قلت: هذا لا يرد ما قبله من كونه قيد احترازيا، إذ المراد الاحتراز عما عدا القيميين لصحته مع التفصيل والتعيين وبدونهما، ولذا قال: يصح مطلقا، لانه في القيميين لا يصح بدونهما، فعلم أنه مع التفصيل والتعيين يصح في القيميين وغيرهما، فتدبر، نعم ينبغي تقييد المثليين بما إذا كانا من جنس واحد، إذ لو تفاوتا كبر وشعير صارا كالقيميين في اشتراط التفصيل والتعيين، ليقع العلم بالمبيع والثمن.
تأمل.
قوله: (على أنه بالخيار) أي ثلاثة أيام كما في الهداية.
قوله: (إن فصل الخ) كقوله: بعتك هذين العبدين كل واحد بخمسمائة على أني بالخيار في هذا ثلاثة أيام.
قوله: (وإلا يعين ولا يفصل) كقوله: بعتك هذين بألف على أني بالخيار في أحدهما.
قوله: (أو عين فقط) أي عين من فيه الخيار فقط: أي ولم يفصل الثمن كقوله: بعتك هذين بألف على أني بالخيار في هذا.
قوله: (أو فصل فقط) كقوله: بعتك هذين ألف كل واحد بخمسمائة على أني بالخيار.
قوله: (لجهالة المبيع والثمن) أي فيما إذا لم يعين ولم يفصل، لان الذي في الخيار لا ينعقد البيع فيه في حق الحكم فكأنه خارج عن البيع، والبيع إنما هو في الآخر، وهو مجهول لجهالة من فيه الخيار، ثم ثمن المبيع مجهول لان الثمن لا ينقسم في مثله على المبيع بالاجزاء،
كذا في الفتح.
قوله: (أو أحدهما) أي الثمن فيما إذا عين ولم يفصل أو المبيع فيما إذا فصل ولم يعين.
قوله: (الانواع الاربع) أي الصور ط.
قوله: (لم يجز) لانه أمره ببيع لا يزيل الملك بدون رضاه وقد خالف ط.(5/95)
مطلب في خيار التعيين قوله: (وصح خيار التعيين) أي بأن يقع البيع على واحد لا بعينه، بخلاف المسألة السابقة فليست من خيار التعيين لوقوع البيع فيها على العبدين، وأما قول الهداية هنا: ومن اشترى ثوبين فالمراد أحد الثوبين، كما نبه عليه في العناية وغيرها.
وفي الفتح: المراد أن يشتري أحد ثوبين أو ثلاثة غير معين على أن يأخذ أيهما شاء على أنه بالخيار ثلاثة أيام فيما يعينه بعد تعيينه المبيع، أما إذا قال: بعتك عبدا من هذين بمائة ولم يذكر قوله على أنك بالخيار في أيهما شئت لا يجوز اتفاقا، كقوله: بعتك عبدا من عبيدي، وإن اشترى أحد أربعة لا يجوز ا ه.
وقد استفيد من هذه العبارة أمور: الاول أن خيار التعيين إنما يكون البيع فيه على واحد من اثنين أو ثلاثة لا بعينه وهو ما قلناه.
الثاني أنه لا يكون في واحد من أربعة كما يأتي.
الثالث أنه لا بد أن يقول بعد قوله: بعتك أحد هذين العبدين على أنك بالخيار في أيهما شئت، أو على أن تأخذ أيهما شئت ليكون نصا في خيار التعيين.
وقال في البحر: لانه لو لم يذكر هذه الزيادة يكون فاسدا لجهالة المبيع، فإن قبضهما وماتا عنده ضمن نصف قيمة كل واحد منهما، وإن مات أحدهما قبل الآخر لزمه قيمة الآخر، كذا في المحيط ا ه.
الرابع أنه لا بد أيضا من ذكر خيار الشرط، بأن يقول على أنك بالخيار ثلاثة أيام: أي إذا عين واحدا منهما بحكم خيار التعيين يكون له فيه خيار الشرط، وهذا الرابع فيه خلاف يأتي.
قوله: (لا في المثليات) أي التي من جنس واحد.
بحر.
قوله: (ولو للبائع) صورته أن يقول المشتري اشتريت منك أحد هذين الثوبين على أن تعطيني أحدهما.
نهر، فله أن يلزم المشتري أيهما شاء، إلا إذا تعيب أحدهما فليس له أن يلزمه المعيب إلا برضاه، فإذا ألزمه إياه ولم يرض به ليس له أن يلزمه الآخر بعد ذلك، ولو هلك أحدهما في يده
كان له أن يلزمه الباقي، وأما إذا كان الخيار للمشتري، فالمبيع لازم في أحدهما، إلا أن يكون معه خيار شرط والمبيع مضمون بالثمن وغيره أمانة، فإذا هلك أحدهما تعين هو مبيعا والآخر أمانة، ولو هلكا معا ضمن نصف كل، ولو اختلفا في الهالك أولا فالقول للمشتري بيمينه وبينة البائع أولى، ولو تعيبا معه فالخيار بحاله، ولو متعاقبا نعين الاول مبيعا، ولو باعهما المشتري ثم اختار، أحدهما صح بيعه فيه، وتمامه في البحر.
قوله: (لانه قد يرث الخ) جواب من صاحب البحر عما أورده في الفتح من أن جواز خيار التعيين للحاجة إلى اختيار ما هو الاوفق والارفق.
فيختص بالمشتري، لان المبيع كان مع البائع قبل البيع، وهو أدرى بما لاءمه منه ا ه.
واعترض الحموي الجواب، بأن ما ذكره من صورة الارث صورة نادرة والاحكام لا تناط بنادر.(5/96)
قلت: وقد يجاب أيضا بأن الانسان ما دام المبيع في ملكه لا يتأمل فيما يلائمه، وإنما يحتاج إلى التأمل بعد البيع، وأيضا كثيرا ما يحتاج إلى رأي غيره، فافهم.
قوله: (ومدته كخيار الشرط) أي ثلاثة أيام، ظاهر كلام البحر أن هذا مبني على القول بأنه يشترط معه خيار الشرط، فقد ذكر في البحر أن شمس الائمة صحح الاشتراط وفخر الاسلام صحح عدمه، ورجحه في الفتح، لكن ذكر قاضيخان أن الاشتراط قول الاكثر، ثم قال البحر: وإذا لم يذكر خيار الشرط على هذا القول فلا بد من تأقيت خيار التعيين بالثلاث عنده، وبأي مدة معلومة كانت عندهما، كذا في الهداية ا ه.
لكن قوله على هذا القول ليس في الهداية، والمتبادر من كلام الهداية أن اشتراط التوقيت مبني على ما صححه فخر الاسلام، ويأتي عن الفتح ما يدل عليه.
ثم اعلم أن اشتراط التوقيت نازع فيه الزيلعي فقال: إذا لم يذكر خيار الشرط فلا معنى لتوقيت خيار التعيين، بخلاف خيار الشرط، فإن التوقيت فيه يفيد لزوم العقد عند مضي المدة، وفي خيار التعيين لا يمكن ذلك لانه لازم في أحدهما قبل مضي الوقت، ولا يمكن تعينه بمضي الوقت بدون تعينه فلا فائدة لشرط ذلك.
والذي يغلب على الظن أن التوقيت لا يشترط فيه ا ه.
وأجاب في الحواشي السعدية بأن له فائدة هي أن يجبر على التعيين بعد مضي الايام الثلاثة، وأقره
في النهر، وهو معنى قوله في الشرنبلالية: بل له فائدة هي دفع ضرر البائع لما يلحقه من مطل المشتري التعيين إذا لم يشترط فيفوت على البائع نفعه وتصرفه فيما يملكه ا ه.
وأبدى في البحر فائدة أخرى وهي أنه يمكن ارتفاع العقد فيهما: أي في الثوبين مثلا بمضي المدة من غير تعيين، بخلاف مضيها في خيار الشرط فإنه إجازة لكل خيار ما يناسبه ا ه.
قلت: لكنه يستند إلى نقل في ذلك، ولو كان كذلك لما خفي على الزيلعي.
قوله: (ولا يشترط معه خيار شرط في الاصح) غير أنهما إن تراضيا على خيار الشرط فيه ثبت حكمه، وهو جواز رد كل من الثوبين إلى ثلاثة أيام، ولو بعد تعيين الثوب الذي في البيع، ولو رد أحدهما كان بحكم خيار التعيين، ويثبت البيع في الآخر بخيار الشرط، ولو مضت الثلاثة قبل رد شئ وتعيينه بطل خيار الشرط وانبرم البيع في أحدهما، وعليه أن يعين، ولو مات المشتري قبل الثلاثة ثم بيع أحدهما وعلى الوارث التعيين، لان خيار الشرط لا يورث، والتعيين ينتقل إلى الوارث ليميز ملكه عن ملك غيره على ما ذكرنا، وإن لم يتراضيا على خيار الشرط معه لا بد من توقيت خيار التعيين بالثلاثة عند أبي حنيفة.
فتح وتمامه فيه.
وقوله: وإن لم يتراضيا الخ: معطوف على قوله: إن تراضيا.
وظاهره أن اشتراط توقيت خيار التعيين مبني على القول بأنه لا يشترط أن يكون مع خيار التعيين خيار الشرط، لا على القول بالاشتراط، خلافا لما يفيده كلام البحر المار وهو ظاهر، لان خيار الشرط موقت فلا حاجة إلى توقيت التعيين أيضا.
قوله: (فرضي أحدهما) قال في البحر: ذكر الرضا: إذ لو ورد أحدهما لا يجيزه الآخر، ولم أره صريحا، ولكن قولهم لو رده أحدهما لرده معيبا يدل عليه ا ه.
قوله: (أو دلالة) كبيع وإعتاق.
قوله: (بعد رؤية الآخر) أي ورضاه به، لان مجرد(5/97)
الرؤية لا يوجب تمام البيع ط.
قوله (لضرر البائع الخ) علة لعدم الرد في المسائل الثلاث، ووجه كون الشركة عيبا أنه صار لا يقدر على الانتفاع به إلا بطريق المهايأة.
وتمامه في الفتح: قوله: (صفقة واحدة) قيد به، إذا لو كان العقد صفقتين فلكل الرد والاجازة مخالفا للآخر لرضا المشتري بعيب الشركة كما لا يخفى ط.
قوله: (للبائعين) بدل من قوله: لهما.
قوله: (فليس لاحدهما
الانفراد إجازة) أي بعد ما رد الآخر، وقوله أو ردا: أي ليس لاحدهما الانفراد، ردا بعد ما أجازه الآخر ا ه ح.
ثم لا يخفى أن التفريع غير ظاهر، فكان الاولى أن يقول: ولو رد أحدهما في المسألتين لا يجيزه الآخر فليس لاحدهما الخ.
وهذ ما ذكره في البحر بقوله: لو باعا ليس لاحدهما الانفراد إجازة أو ردا، لما في الخانية: اشترى عبدا من رجلين صفقة واحدة على أن البائعين بالخيار، فرضي أحدهما بالبيع ولم يرض الآخر لزمهما البيع في قول أبي حنيفة ا ه.
وأنت خبير بأن ما في الخانية لا يدل على قوله أو ردا، فالظاهر أنه بحث منه كما بحث مثله في المسألة السابقة.
قوله: (مجمع) لم أره فيه، نعم قال في شرحه لابن ملك: قيد بالمشترين لان البائع لو اثنين والمشتري واحدا وفي البيع خيار شرط أو عيب فرد المشتري نصيب أحدهما دون الآخر بحكم الخيار جاز اتفاقا، كذا في جامع المحبوبي ا ه.
ومثله في شرح المنظومة وغرر الاذكار، ولا يخفى هذه المسألة غير ما في المتن لان هذه في رد المشتري وتلك في رضا أحد البائعين، وهذه وفاقية وتلك خلافية، كما مر عن الخانية.
قوله: (بشرط خبزه) أي صريحا أو دلالة كما يأتي بيانه، وسيأتي آخر الباب بيان الوصف الذي يصح شرطه وما لا يصح.
قوله: (أي حرفته كذلك) لانه لو فعل هذا الفعل أحيانا لا يسمى خبازا.
بحر عن المعراج.
قوله: (بأن لم يوجد الخ) أي ليس المراد النهاية في الجودة، بل أدنى الاسم بأن يفعل من ذلك ما يسمى به الفاعد خبازا أو كاتبا، لان كل واحد لا يعجز في العادة عن أن يكتب على وجه تتبين حروفه، وأن يخبز مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، وبذلك لا يسمى خبازا ولا كاتبا.
بحر عن الذخيرة.
وبه ظهر أن المناسب إبدال قول الشارح اسم الكاتب والخباز، ولذا قال في الفتح: أعني الاسم المشعر بالحرفة.
قوله: (أخذه بكل الثمن) لان الاوصاف لا يقابلها شئ من الثمن ما لم تكن مقصودة.
در منتقى.
وقصد الوصف بإفراده بذكر الثمن كما مر فيما لو باع المذروع كل ذراع بكذا.
قوله: (لم يجبر على القبض) لان الاختلاف وقع في وصف عارض، والاصل فيه العدم، والقول قول من يدعي الاصل، والقول للبائع في أنها بكر لانها صفة أصلية والوجود فيها أصل.
وتمامه في البحر.
قوله: (ورجع بالتفاوت) فإن كان بقدر العشر رجع بعشر الثمن.
بحر عن الذخيرة.
قال ط: أي يعتبر التفاوت من الثمن، فإن
هذا البيع صحيح لا نظر فيه للقيمة.
قوله: (في الاصح) وهو ظاهر الرواية، وفي رواية: لا رجوع(5/98)
بشئ بحر.
قوله: (شاة على أنها حامل) قيد بالشاة لان اشتراط الحمل في الامة فيه تفصيل سيذكره الشارح في الفروع الآتية: قوله: (قدرا) بفتح القاف: أي يكتب مقدار كذا من الورق أو من الاسطر مثلا.
قوله: (فسد) أي البيع.
قوله: (لانه شرط فاسد) لانه شرط زيادة مجهولة لعدم العلم بها.
فتح: أي لان ما في البطن والضرع لا تعلم حقيقته.
قوله: (جاز) أي على رواية الطحاوي، ويفسد على رواية الكرخي: شرنبلالية.
وجزم بالاول في الفتح والدرر.
قوله: (لانه وصف) الاولى أن يزيد مرغوب لانه ليس كل وصف يصح اشتراطه كما سيذكره في الضابط آخر الباب.
مطلب فيما لو اختلفا في الخيار أو في مضيه أو في الاجل أو في الاجازة أو في تعيين المبيع قوله: (والقول للمنكر الخ) لان الخيار لا يثبت إلا بالشرط فكان من العوارض، فيكون القول لمن ينفيه كما في دعوى الاجل.
درر.
قوله: (والمضي) أي إذا اختلفا في مضي المدة فالقول لمنكره لانهما تصادقا على ثبوت الخيار، ثم ادعى أحدهما السقوط بمضي المدة فالقول للمنكر.
درر.
قوله: (والاجازة) أي إجازة البيع ممن له الخيار، كما إذا ادعى البائع على المشتري بالخيار أنه أجاز البيع وأنكر المشتري فالقول قوله، لان البائع يدعي سقوط الخيار ووجوب الثمن وهو ينكر ط.
قوله: (والزيادة) أي إذا اختلفا في قدر الاجل فالقول لمن يدعي أخصر الوقتين، لان الآخر يدعي زيادة شرط عليه وهو ينكر.
درر.
وتقدم أول البيوع عند قوله: وصح بثمن حال ومؤجل أنه لو اختلفا في الاجل: أي في أصله فالقول لنا في إلا في السلم، وسيأتي في باب خيار العيب ما لو اختلفا بعد التقابض في عدد المبيع أو عدد المقبوض فالقول للمشتري، لان القول للقابض مطلقا قدرا أو صفة أو تعيينا، فلو جاء ليرده بخيار شرط أو رؤية فقال البائع ليس هو المبيع فالقول للمشتري في تعيينه، ولو بخيار عيب فللبائع الخ.
وسيأتي الكلام عليه هناك، وكذا في آخر خيار الرؤية.
وبقي ما إذا اختلفا في تعيين المبيع الذي فيه خيار الشرط عند إجازة من له الخيار العقد، وقد ذكره في البحر في
آخر باب خيار الرؤية عن الظهيرية ثم قال: والحاصل أن السلعة لو مقبوضة فالقول للمشتري سواء كان الخيار له أو للبائع، وإلا فلو الخيار للمشتري فالقول للبائع وعكسه فالقول للمشتري.
مطلب: اشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا تنبيه: واشترى جارية على أنها بكر ثم اختلفا قبل القبض أو بعده فقال البائع: بكر للحال والمشتري ثيب، فإن القاضي يريها النساء، فإن قلن بكر لزم المشتري بلا يمين البائع لان شهادتهن تأيدت هنا بأن الاصل البكارة، وإن قلن ثيب لم يثبت حق الفسخ لانه حق قوي وشهادتهن ضعيفة لم تتأيد بمؤيد، لكن يثبت حق الخصومة لتتوجه اليمين على البائع، فيحلف بالله لقد سلمتها بحكم البيع وهي بكر، فإن نكل ردت عليه وإلا لزم المشتري.
وعنهما في رواية: أنها ترد بشهادتهن قبل القبض بلا يمين البائع، ولو قال سلمتها إليك وهي بكر وزالت في يدك فالقول قوله، لان الاصل البكارة، ولا يريها القاضي النساء لان البائع مقر بزوال البكارة.
فتح ملخصا، وسنذكر لهذا مزيد(5/99)
تحقيق وبيان في خيار العيب عند قول الشارح: واعلم أن العيوب أنواع وهذا إذا علم أنها ثيب بغير الوطئ، فلو به فلا يردها بل يرجع بالنقصان، كما سيأتي هناك عند قول المصنف: اشترى جارية الخ.
قوله: (قائلا بأنها) ضمن قائلا معنى ادعى فعداه بالباء.
قوله: (وجاز للبائع وطئها) لان المشتري لما ردها رضي بتمليكها من البائع بذلك الثمن فكان للبائع أن يتملكها.
درر.
وعلى هذا القياس القصار إذا رد الثوب الآخر على رب الثوب، وكذا الاسكافي.
تاترخانية.
قلت: وهذا إذا لم يعلم أن الثوب المردود ثوب غير القصار.
قوله: (وانعقد بيعا بالتعاطي) أفاد ذلك وجوب الاستبراء على البائع ط.
قوله: (ولو قال البائع للمشتري عند رده) هذه المسألة مؤخرة عن موضعها ا ه ح.
قوله: (لكنه نسي عندك) أي وقد ينسى في تلك المدة.
بحر.
وهذا القيد هو محل التوهم، إذ لو قصرت المدة فكذلك بالاولى.
قوله: (لغير المبيع قبل قبضه) هذا التعليل يناسب ما لو نسي بعد العقد، أما لو قبله فالعلة كون الوصف مشروطا دلالة.
قال في البحر: واعلم أن اشتراط الوصف المرغوب فيه: إما أن يكون صريحا، أو دلالة، لما
في البدائع في خيار العيب والجهل بالطبخ والخبز في الجارية ليس بعيب لكونه حرفة كالخياطة، إلا أن يكون ذلك شرطا في العقد، وإن لم يكن مشروطا وكانت تحسن الطبخ والخبز في يد البائع ثم نسيت في يده فاشتراها له ردها، لان الظاهر أنه إنما اشتراها رغبة في تلك الصفة فصارت مشروطة دلالة، وهو كالمشروط نصا ا ه.
والظاهر أن هذا إذا كان المشتري عالما بتلك الصفة، لكن يشكل على هذا ما في الحاوي الزاهدي: لو قال أشتري منك هذه البقرة على أنها ذات لبن وقال البائع: أنا أبيعها كذلك، ثم باشر العقد مرسلا من غير شرط ثم وجدها بخلاف ذلك ليس له الرد ا ه.
فإن هذا صريح في أنه لا بد من ذكر الشرط في صلب العقد ولا تكفي الدلالة، ولعله قول آخر.
تأمل.
قوله: (أن الاوصاف لا يقابلها شئ من الثمن) لا ينافيه ما تقدم من الرجوع بالتفاوت عند التقويم، لان ذلك فيما إذا امتنع الرد ا ه ح: أي لدفع ضرر المشتري فهو ضروري.
قوله: (لا خيار للمشتري) أي خيار فوات الوصف المرغوب، لان قوله: بما فيها لم يذكر على وجه الشرط، وهذا لا ينافي ثبوت خيار الرؤية وثبوت خيار التغرير، تأمل.
ثم رأيت بعض المحشين نقل عن المحيط أن وجه عدم الخيار أنه لم يشترط هذه الاشياء في البيع، ولم يجعلها صفة للمبيع، بل أخبر عن وجودها فيه وجودها فيه، وانعدام ما ليس بمشروط في البيع ولا صفة للمبيع لا يوجب الخيار، أما قوله: بأجذاعها وأبوابها فله الخيار لانه جعلها صفة للدار فالبيع يتناول الموصوف بصفته فإذا لم يجده بتلك الصفة فله الخيار اه.(5/100)
وأفاد أنه لو ذكر على وجه الشرط يثبت له الخيار الآخر أيضا، لما في جامع الفصولين: باع أرضا على أن فيه نخلا أو دارا على أن فيه بيوتا ولم يكن فإنه يجوز العقد ويخير المشتري أخذه بكل الثمن أو ترك.
والاصل فيه أن ما يدخل في العقد بلا شرط إذا شرط وعدم فإن العقد يجوز، وما لا يدخل بلا شرط إذا شرط ولم يوجد لم يجز ا ه.
فافهم.
قوله: (شرى دارا الخ) قال في الفتح: واعلم أنه إذا شرط في المبيع ما يجوز اشتراطه ووجده بخلافه، فتارة يكون البيع فاسدا وتارة يستمر على الصحة ويثبت للمشتري الخيار، وتارة يستمر صحيحا ولا خيار للمشتري، وهو ما إذا وجده
خيرا مما شرطه، وضابطه إن كان المبيع من جنس المسمى ففيه الخيار والثياب أجناس: أعني الهروي والاسكندري والكتان والقطن، والذكر مع الانثى في بني آدم جنسان، وفي سائر الحيوانات جنس واحد، والضابط فحش التفاوت في الاغراض وعدمه ا ه: أي ضابط اختلاف الجنس وعدمه فحش التفاوت وفي المقاصد وعدمه.
قوله: (فسد) أي لفحش التفاوت فيكون اختلف الجنس، وعند اختلاف الجنس لا يعتبر كونه خيرا مما شرطه كالمصبوغ بزعفران، ولذا ذكر في الفتح من أمثلة الفاسد: لو اشترى دارا على أن لا بناء ولا نخل فيها فإذا فيها بناء أو نخل، أو على أنه عبد فإذا هو جارية، فافهم.
نعم علل في البزازية الفساد في اشتراط أن لا بناء فيها بأنه يحتاج إلى النقض، ويشكل مسألة الشجرة التي لا تثمر فإنه لا يظهر اختلاف الجنس فيها، فالظاهر ما في البزازية: باع أرضا على أن فيها كذا شجرا مثمرا بثمرها فوجد فيها نخلة لا تثمر فسد، لان الثمرة لها قسط من الثمن بالذكر وسقط حصة المعدوم ولا يعلم كم الباقي من الثمن، فأشبه شراء شاة مذبوحة فإذا فخذها مقطوعة ا ه.
تأمل.
قوله: (جاز وخير) أي لاتحاد الجنس لكون الذكر والانثى في غير الآدمي جنسا واحدا، وإنما خير لكون الانثى في الحيوانات خيرا من الذكر، فقد فات الوصف المرغوب فيخير.
قال في الفتح: وكذا على أنه ناقة فكان جملا، أو لحم معز فكان لحم ضأن، أو على عكسه فله الخيار ا ه: أي لان ذلك جنس واحد ولذا لم يفرق بينهما في الزكاة.
قوله: (وبعكسه) بأن اشتري على أنه بغل فإذا هو بغلة، وكذا على أنه حمار أو بعير فإذا هو أتان أو ناقة، أو جارية على أنها رتقاء أو حبلى أو ثيب فإذا هو بخلافه جاز، ولا خيار له لانه صفة أفضل من المشروطة، وينبغي في مسألة البعير والناقة أن يكون في العرب وأهل البوادي الذين يطلبون الدر والنسل، أما أهل المدن والمكارية فالبعير أفضل.
فتح.
وذكر في باب البيع الفاسد أن صاحب الهداية ذكر أنه لو باع عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب خير، مع أن صناعة الكتابة أشرف عند الناس، وكان صاحب الهداية من المشايخ الذين لا يفرقون بين كون الصفة التي ظهرت أشرف أو لا.
وذهب آخرون إلى أن الخيار فيما إذا كان الموجود أنقص، وصحح الاول لفوات غرض المشتري، بخلاف ما إذا اشترى عبدا على أنه كافر فإذا هو مسلم فلا خيار له، لان الاستخدام لا يتفاوت بين مسلم وكافر، بخلاف تعيين الخبز أو
الكتابة، فإنه يفيد أن حاجته هذا الوصف ا ه ملخصا.
ومفاده تصحيح ثبوت الخيار وإن ظهر الوصف أفضل من المشروط، ألا إذا لم يحصل التفاوت بين الوصفين في الغرض المقصود للمشتري كالعبد(5/101)
المسلم والكافر.
قوله: (فليحفظ الضابط) هو ما قدمناه أولا عن الفتح.
مطلب: البيع لا يبطل بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا قوله: (البيع لا يبطل بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا) هي شرط رهن معلوم بإشارة أو تسمية، فإن أعطاه الرهن في المجلس جاز استحسانا.
وشرط كفيل حاضر أو غائب وحضر قبل الافتراق وكفل، فلو غائبا وكفل حين علم فسد.
وشرط إحالة المشتري للبائع على غيره بالثمن استحسانا، وفسد على أن يحيل البائع بالثمن على المشتري.
وشرط إشهاد على البيع، وشرط خيار الشرط إلى ثلاثة أيام، وشرط نقد، على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما.
وشرط تأجيل الثمن إلى أجل معلوم.
وشرط البراءة من العيوب ويبرأ البائع من كل عيب.
وشرط قطع الثمار المبيعة: أي على المشتري فإنه يقتضيه العقد تفريعا لملك البائع عن ملكه.
وشرط تركها على النخيل بعد إدراكها على المفتى به.
وشرط وصف مرغوب فيه كما مر.
وشرط تسليم المبيع حتى يسلم الثمن وشرط رده بعيب وجد فيه.
وشرط كون الطريق لغير المشتري، وشرط عدم خروج المبيع عن ملكه في غير الآدمي، أما لو اشترى عبدا على أن لا يبيعه أو لا يخرجه عن ملكه فسد.
وشرط إطعام المشتري المبيع إلا إذا عين ما يطعم الآدمي كأن شرط أن يطعم العبد المبيع خبيصا فيفسد.
وشرط حمل الجارية على التفصيل الذي ذكره الشارح بعد.
وشرط كونها مغنية لانه عيب شرعا فيكون براءة من العيب، فإن لم يجدها مغنية فلا خيار له لانه وجدها سالمة من العيب، وإن شرط المشتري ذلك على وجه الرغبة فسد البيع لشرطه ما هو محرم، ونظيره ما في البزازية: لو شراه على أنه فحل فإذا هو خصي له الرد، ولو عكس قال الامام: الخصاء في العبد عيب، فإذا بان فحلا صار كأنه شرط العيب فبان سليما، وقال الثاني: الخصي أفضل لرغبة الناس فيه فيخير ا ه.
وجزم في الفتح بقول الثاني، ومقتضاه جريان ذلك في الامة المغنية، وشرط كون البقرة حلوبا.
وشرط كون الفرس هملاجا بسكر الهاء: أي سهل السير بسرعة.
وشرط كون الجارية ما ولدت، فلو ظهر
أنها كانت ولدت له الرد، قلت: وظاهره أنه لا يرد بدون هذا الشرط مع أنه ذكر في البزازية أنه لو قبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لا من البائع وهو لم يعلم فهو عيب مطلقا، لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى.
وفي رواية: إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليس بعيب إلا إن نقصها، وعليه الفتوى.
وشرط إيفاء الثمن في بلد آخر وهذا لو كان الثمن مؤجلا إلى شهر مثلا فالبيع جائز والشرط باطل، إلا أن يكون له مؤنة فيتعين، أما لو غير مؤجل فالبيع فاسد لانه يصير أجلا مجهولا وشرط الحمل إلى منزل المشتري فيما له حمل لو بالفارسية، أما في العربية فإنه يفرق فيها بين الايفاء والحمل والعقد يقتضي الاول لا الثاني فيفسد البيع.
وشرط حذو النعل.
وشرط خرز الخلف.
وشرط جعل رقعة على ثوب اشتراه من خلقاني.
وشرط كون الثوب سداسيا فإذا وجده خماسيا أخذه بكل الثمن أو ترك لانه اختلاف نوع لا جنس فلا يفسد.
وشرط كون السويق ملتوتا بمن سمن.
وشرط كون الصابون متخذا من كذا جرة من الزيت ففيهما لو كان ينظر إلى المبيع وقبضه ثم ظهر أنه متخذ من أقل مما ذكر من السمن أو الزيت جاز البيع بلا خيار، لان هذا مما يعرف بالعيان فإذا عاينه انتفى الغرر، ومثله ما لو اشترى قميصا على أنه متخذ من عشرة أذرع وهو ينظر إليه فظهر من تسعة جاز بلا خيار،(5/102)
قلت: ويشكل عليه مسألة السداسي، على أن كونه مما يعرف بالعيان غير ظاهر إلا إذا فحش التفاوت.
وشرط بيع العبد إلا إذا قال: من فلام بأن قال: بعتك العبد على أن تبيعه من فلان فإنه يفسد لان له طلبا.
وشرط جعلها بيعة المشتري ذمي بأن اشترى دارا من مسلم على أن يتخذها بيعة جاز البيع وبطل الشرط، وكذا بيع العصير على أن يتخذه خمرا، إنما جاز لان هذا الشرط لا يخرجها عن ملك المشتري ولا مطالب له، بخلاف اشتراط أن يجعلها المسلم مسجدا فإنه يخرج عن ملكه إلى الله تعالى، وكذا بشرط أن يجعلها ساقية أو مقبرة للمسلمين أو أن يتصدق بالطعام على الفقراء فإنه يفسد.
وشرط رضا الجيران بأن اشترى دارا على أنه إن رضي الجيران أخذها، قال الصفار: لا يجوز، وقال أبو الليث: إن سمى الجيران وقال إلى ثلاثة أيام جاز.
ا ه ط ملخصا
مع بعض زيادة.
قوله: (شرط أنها مغنية) هذه والتي بعدها تقدمتا في مسائل الاشباه.
قوله: (ولو شرط حبلها) أي الامة، بخلاف الشاة فإنه مفسد كما قدمه المصنف، لان الولد زيادة مرغوبة وإنها موهومة لا يدري وجودها فلا يجوز خانية.
قوله: (على الاكثر) أي على قول أكثر الفقهاء.
قوله: (لا ما فيه غرر) كبيع الشاة على أنها حامل.
قوله: (إلا أن لا يرغب فيه) لان اشتراطه يكون لمعنى البراءة من وجوده كما في حبل الامة.
قوله: (ما يعرف بالعيان) كمسألة السويق والصابون كما مر في مسائل الاشباه.
قوله: انتفى الغرر فليس له أن يرده إذا ظهر، بخلاف ما اشتراط، والله سبحانه أعلم.
باب خيار الرؤية قدمه على خيار العيب لانه يمنع تمام الحكم وذاك يمنع لزومه واللزوم بعد التمام، والرد بخيار الرؤية فسخ قبل القبض وبعده، ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع وينفسخ بقوله رددت، إلا أنه لا يصح الرد إلا بعلم البائع خلافا للثاني، وهو يثبت حكما لا بالشرط، ولا يتوقت، ولا يمنع وقوع الملك المشتري، حتى لو تصرف فيه جاز تصرفه وبطل خياره ولزمه الثمن، وكذا لو هلك في يده أو صار إلى حال لا يملك فسخه بطل خياره، كذا في السراج.
بحر.
قوله: (من إضافة المسبب إلى السبب) الذي ذكر في الفتح والبحر أن الرؤية شرط ثبوت الخيار وعدم الرؤية هو السبب لثبوت الخيار عند الرؤية ا ه.
قوله: (ظاهر) كذا في أغلب النسخ، ولا يناسبه التعليل بعده، وفي بعض النسخ ظاهر البطلان، وفي بعضها غير ظاهر وبه عبر في الدر المنتقى، وعزاه مع التعليل بعده إلى البهنسي.
قوله: (لما سيجئ الخ) يعني والشئ لا يثبت قبل شرطه، وفيه أن هذا(5/103)
يرد أيضا على ما ذكره، لان المسبب لا يتقدم على سببه وسيأتي جوابه قريبا، وهو أنه بسبب آخر، وبيانه كما قال ح: إن حق الفسح قبلها ليس من نتائج الخيار له، بل بحكم أنه عقد غير لازم لانه لم يقع منبرما فجاز فسخه لضعف فيه، كما حققه في العناية، وسيذكره الشارح ا ه.
قوله: (في أربعة مواضع) أي لا غيرها كما في الفتح.
قوله: (الشراء للاعيان) أي اللازم تعيينها، ولا تثبت
دينا في الذمة، والمراد الشراء الصحيح، لما في البحر عن جامع الفصولين: إن خيار الرؤية وخيار العيب لا يثبتان في البيع الفاسد ا ه: أي لوجوب فسخه بدونهما، قوله: والقسمة في الشرنبلالية عن العيون أن قسمة الاجناس المختلفة يثبت فيها الخيارات الثلاث: خيار الشرط والعيب والرؤية، وقسمة ذوات الامثال كالمكيلات والموزونات يثبت فيها خيار العيب، وقسمة غير المثليات كالثياب من نوع واحد، والبقر والغنم يثبت فيها خيار العيب وكذا الشرط والرؤية على رواية أبي سليمان، وهو الصحيح وعليه الفتوى، وعلى رواية أبي حفص لا ا ه.
قوله: (فليس في ديون ونقود) في بعض النسخ في ديون القود وفي بعضها في دين العقود والاولى أولى، وعطف النقود على الديون من عطف الخاص على العام.
قال في الفتح: وعرف من هذا: أي قصره على المواضع الاربعة أنه لا يكون في الديون، فلا يكون في المسلم فيه، ولا في الاثمان الخالصة: كالدراهم والدنانير، بخلاف ما إذا كان المبيع إناء من أحد النقدين فإن فيه الخيار ا ه.
قال في البحر: وأما رأس مال السلم إذا كان عينا فإنه يثبت الخيار فيه للمسلم إليه.
قوله: (وعقود لا تنفسخ) قال في الفتح: ومحله كل ما كان في عقد ينفسخ بالفسخ، لا فيما لا ينفسخ كالمهر، ويدل الصلح عن القصاص، وبدل الخلع وإن كانت أعيانا لانه يفيد فيها، لان الرد لما لم يوجب الانفساخ بقي العقد قائما، وقيامه يوجب المطالبة بالعين لا بما يقابلها من القيمة، فلو كان له أن يرده كان له أن يرده أبدا.
قوله: (لما لم يرياه) أي العاقدان.
قال في البحر: أراد بما لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله، والمراد بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز فصارت الرؤية من أفراد المعنى المجازي، فيشمل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك، وما اشتراه بعد رؤيته فوجده متغيرا، وما اشتراه الاعمى.
وفي القنية: اشترى ما يذاق فذاقه ليلا ولم يره سقط خياره ا ه.
قوله: (أي المبيع) أي الذي لم يرياه بأن كان مستورا.
قوله: (فلو لم يشر إلى ذلك الخ) عبارة الفتح هكذا: وفي المبسوط الاشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، فلو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالاجماع ا ه.
لكن إطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع، سواء سمى جنس المبيع أو لا، وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور أو لا، مثل أن يقول بعت منك ما في كمي، بل عامة المشايخ
قالوا: إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده، وطائفة قالوا: لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه.
والظاهر أن المراد بالاطلاق ما ذكره شمس الائمة وغيره كصاحب الاسرار والذخيرة لبعد القول(5/104)
بجواز ما لم يعلم جنسه أصلا، كأن يقول: بعتك شيئا بعشرة اه.
كلام الفتح.
وحاصله التوفيق بين ما قاله عامة المشايخ وما قاله بعضهم بحمل إطلاق الجواب على ما قاله شمس الائمة وغيره من لزوم الاشارة إليه أو إلى مكانه، إذا لا يصح بيع ما لم يعلم جنسه أصلا: أي لا بوصف ولا بإشارة، ولذا قال صاحب الهداية: يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا ه.
فأفاد أن لزوم الاشارة عند عم تسمية الجنس والوصف، فالتسمية كافية عن الاشارة، حتى لو قال: بعتك كر حنطة بلدية بكذا، والكر في ملكه من نوع واحد في موضع واحد جاز البيع، وكذا الاضافة في مثل بعتك عبدي وليس له غيره، وذكر الحدود في مثل بعتك الارض الفلانية، والمدار على نفي الجهالة الفاحشة ليصح البيع كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه أول البيوع عند قوله: وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن فتذكره بالمراجعة فإنه ينفعك هنا، وبهذا التقرير سقط ما في الحواشي السعدية من قوله: أقول في كون الاشارة إلى المبيع أو إلى مكانه شرط الجواز، سيما بالاجماع كلام، فليتأمل ا ه.
لما علمت من أن الاشارة ليست شرطا دائما بل عند عدم معرف آخر يرفع الجهالة، فافهم.
قوله: (وفي حاشية أخي زاده) أي حاشيته على صدر الشريعة.
قال في المنح: وفي حاشية أخي زادة ذكر هذا البحث، ثم قال: وقال عامة مشايخنا إطلاق الجواب يدل على جوازه وهو الاصح، وقال بعضهم لا يجوز وصحح، ويؤيده ما في جامع الفصولين من الفصل الثالث: يشترط كون المبيع حاضرا موجودا مهيأ مقدور التسليم، وما في المبسوط من أن الاشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز، حتى لو لم يشر إليه أو إلى مكانه لا يجوز بالاجماع ا ه.
وفي العناية: قال القدوري: من اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز، معناه أن يقول: بعتك الثوب الذي في كمي هذا أو هذه الجارية المنتقبة، وكذلك العين الغائب المشار إلى مكانه، وليس في ذلك المكان بذلك الاسم غير ما سمي، والمكان معلوم باسمه والعين معلومة.
قال صاحب الاسرار: لان كلامنا
في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائز ا ه.
ما في المنح ملخصا، ولا يخفى أن حاصله تقييد إطلاق الجواب بما قاله في المبسوط وغيره كما مر عن فتح القدير، وهو محمل إطلاق المتون كعبارة القدوري المذكورة.
قوله: (أي للمشتري) كان ينبغي للمصنف التصريح به لانه لم يتقدم له ذكر مع إيهام عود الضمير للبائع وإن كان يرتفع بقوله الآتي: ولا خيار لبائع.
قوله: (إذا رآه) أي علم به كما قدمناه.
قوله: (إلا إذا حمله البائع الخ) في البحر عن جامع الفصولين: شراه وحمله البائع إلى بيت المشتري فرآه ليس له الرد، لانه لو رده يحتاج إلى الحمل فيصير هذا كعيب حدث عند المشتري ومؤنة رد المبيع بعيب أو بخيار شرط أو رؤية على المشتري، ولو شرى متاعا وحمله إلى موضع فله رده بعيب ورؤية لو رده إلى موضع العقد، وإلا فلا ا ه.
وظاهره أنه إنما يرده لو رده إلى موضع العقد فيما لو حمله المشتري، بخلاف البائع، وهو خلاف ما نقله الشارح عن الاشباه، والذي يظهر عدم الفرق، وإن ما ذكره من قوله لانه لو رده الخ غير ظاهر، لانه لا يناسبه قوله بعده ومؤنة الرد على المشتري، فافهم، ثم رأيت صاحب نور العين اعترض التعليل المذكور بما ذكرته، ثم إنه يستفاد من كلام الفصولين أن ما أنفقه البائع على تحميله إلى منزل المشتري لا يلزم المشتري إذا رد عليه المبيع إلى محل العقد، لان البائع متبرع بما أنفقه، لان الواجب عليه التسليم في محل العقد دون التحميل، وبه يظهر جواب حادثة الفتوى: اشترى حديدا لم يره وشرط على(5/105)
البائع تحميله إلى بلدة المشتري ثم رآه فلم يرض به وأراد فسخ البيع لخيار الرؤية أو بفساد العقد بسبب الشرط المذكور.
والجواب أنه يلزمه تحميله إلى بلدة البائع ليرده عليه، وإن كان الرد بسبب الفساد، لما صرح به في جامع الفصولين أيضا من أن مؤنة رد المبيع فاسدا بعد الفسخ على القابض.
قوله: (وإن رضي بالقول قبله) قيد بالقول، لانه لو أجازه بالفعل بأن تصرف فيه يزول خياره كما في الشرنبلالية عن شرح المجمع.
قوله: (أي قبل أن يراه) أشار إلى أن الضمير المذكور في قبله عائد إلى المعنى المصدري، لا إلى لفظ الرؤية المفهوم من قوله: إذا رآه لانه مؤنث.
تأمل.
وأجاب في البحر بأنه ذكر الضمير للمعنى، أي لان المراد من الرؤية العلم كما مر.
قوله:
لان خياره معلق بالرؤية بالنص أي بحديث: من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه، إن شاء أخذه، وإن شاء تركه قال في الدرر: وفيه أن هذا استدلال بمفهوم الشرط، ونحن لا نقول به ا ه.
قلت: وجوابه أن الاصل في العقد اللزوم فلا يثبت الخيار إلا بدليله، والنص إنما أثبته عند الرؤية فيبقى ما وراءها على الاصل، فالحكم ثابت بدليل الاصل لا بمفهوم الشرط.
وهذا معنى قول الشارح: ولا وجود للمعلق قبل الشرط وقال في الفتح: والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده، والاسقاط لا يتحقق قبل الثبوت ا ه: أي إذا كان الخيار معلقا بالرؤية كان عدما قبلها فلا يصح إسقاطه بالرضا، فافهم.
قوله: (لعدم لزوم البيع) بيان للفرق بين الفسخ والاجازة، فإنها غير لازمة قبل الرؤية، وهو لازم مع استوائهما في التعليق بالشرط في الحديث المار، وذلك أن الفسخ له سبب آخر وعدم لزوم هذا العقد، وما لا يلزم فللمشتري فسخه ولم يثبت للاجازة سبب آخر فبقيت على العدم، وحاصله أنه غير لازم قبل الرؤية لجهالة المبيع، وإذا رآه حدث له سبب آخر لعدم لزومه وهو الرؤية، ولا مانع من اجتماع الاسباب على مسبب واحد أفاده في البحر.
قوله: (غير مؤقت بمدة) تفسير للاطلاق.
قوله: (وهو الاصح) وقيل: مؤقت بوقت إمكان الفسخ بعد الرؤية، حتى لو تمكن منه ولم يفسخ سقط خياره.
بحر.
قوله: (هو مبطل خيار الشرط) كتعيب في يده وتعذر رد بعضه وتصرف لا يفسخ كالاعتاق وتوابعه أو يوجب حقا للغير كالبيع المطلق: أي عن شرط الخيار للبائع والرهن والاجارة قبل الرؤية وبعدها وما لا يوجب حقا للغير بخيار: أي للبائع والمساومة والهبة بلا تسليم بطل بعدها لا قبلها ملتقى.
وفي جامع الفصولين: باع بخيار لا يبطل به خيار الرؤية إلا في رواية، وبخيار المشتري يبطل، وكذا لو باع بيعا فاسدا وهلك بعض المبيع عند المشتري بطل خياره، لان خيار الرؤية يمنع تمام الصفقة، فإذا تعذر رد بعضه بهلاك أو عيب بطل خياره ولو عرض بعضه بعد الرؤية على البيع أو قال: رضيت ببعضه بطل خياره، وكذا خيار العيب، وكذا لو رآه فقبضه رسوله ا ه، قال في نور العين: مسألة عرض بعضه على البيع ليست وفاقية، لما في الخانية: لو عرض بعضه على البيع بعد الرؤية بطل خياره عند محمد، لا عند أبي يوسف ا ه.(5/106)
قلت: صاحب الخانية يقدم الاشهر، فتدبر، قوله: (مطلقا) أي قبل الرؤية وبعدها كما علمت.
قوله: (ومفيد الرضا) نقل لعبارة الدرر بالمعنى، لانه قال: ويبطله ما لا يوجب حق الغير كالبيع بالخيار والمساومة والهبة بلا تسليم بعد الرؤية لا قبلها لان هذه التصرفات لا تزيد على صريح الرضا، وهو إنما يبطله بعد الرؤية، وأما التصرفات الاولى فهي أقوى، لان بعضها لا يقبل الفسخ وبعضها أوجب حق الغير فلا يملك إبطاله ا ه.
ثم اعلم أنه في الكنز اقتصر على قوله: ويبطل بما يبطل به خيار الشرط، فأورد عليه في البحر: الاخذ بالشفعة والعرض على البيع، والبيع بخيار للبائع، والاجارة، والاسكان بلا أجر والرضا بالمبيع قبل الرؤية، فإنها تبطل خيار الشرط دون خيار الرؤية ا ه.
لكن الصواب إسقاطه.
قوله: والاجارة فإنها توجب حقا للغير، وقد علمت أن مسألة العرض خلافية.
ثم إن ما أورده في البحر احترز عنه الشارح بقول: ومفيد الرضا بعد الرؤية لا قبلها فإن هذه الاشياء لا تبطل خيار الرؤية قبل الرؤية لانها تفيد الرضا، وصريح الرضا قبلها لا يبطله، فلذا قال: بعد الرؤية لا قبلها لكن يبقى إيراد البحر واردا على قوله: وهو مبطل خيار الشرط مطلقا فإن هذه الاشياء تبطل خيار الشرط، فيتوهم أنها تبطل خيار الرؤية قبلها وبعدها، مع أنها لا تبطله قبلها لما علمت، ولا يفيد قوله: ومفيد الرضا الخ لان بعض ما يبطل خيار الشرط يفيد الرضا، كالعتق والبيع ونحوهما من التصرفات ويبطل خيار الرؤية قبلها وبعدها.
تنبيه: عد في البحر مما يبطل خيار الرؤية قبض المبيع ونقد الثمن بعد الرؤية.
زاد في جامع الفصولين: كذا لو رآه فقبضه رسول ا ه.
وحمله إلى بيت المشتري فإذا رآه ليس له رده ما لم يرده إلى موضع العقد كما مر بيانه، وكذا لو اشترى أرضا لم يرها وأعارها فزرعها المستعير، وكذا لو شرى عدل ثياب فليس واحدا بطل خياره في الكل ا ه.
قوله: (فله الاخذ بالشفعة الخ) تفريع على قوله: لا قبلها أي إذا كان مفيد الرضا لا يبطل خيار الرؤية قبل الرؤية، فلو شرى دارا ولم يرها فبيعت دار بجنبها فله أخد الثانية بالشفعة، ولا يبطل خياره في الاولى حتى إذا رآها ولم يرض بها فله ردها بخيار الرؤية.
قوله: (درر من خيار الشرط) وكذا ذكره الشارح هناك عن المعراج بقوله:
بخلاف خيار رؤية وعيب.
تنبيه: إنما عزا ذلك إلى الدرر من خيار الشرط مع أنه في الدرر ذكره في هذا الباب متنا بقوله: كذا طلب الشفعة بما لم يره، لانه جعله مبطلا لخيار الرؤية قبل الرؤية، وهو غير صحيح.
قوله: (خوف الغرر) أي غرر البائع بسبب اعتماده على شرائه فلا يطلب لسلعته مشتريا آخر ط.
قوله: (ولا خيار البائع ما يره في الاصح) بأن ورث عينا فباعها لا خيار له بالاجماع السكوتي.
در منتقى: أي وقع الحكم بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يرو عن أحد منهم خلافه، فكان إجماعا سكوتيا كما بسطه في الفتح، وهو قول الامام المرجوع إليه كما في البحر، وبه ظهر أن قوله: في الاصح لا محل له لايهامه أن مقابله صحيح مع أن ما رجع عنه المجتهد لم يبق قولا له(5/107)
لانه في حكم المنسوخ.
قوله: (وكفى رؤية ما يؤذن بالمقصود) لان رؤية جميع المبيع غير مشروط لتعذره فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود.
هداية.
والمراد أن رؤية ذلك قبل الشراء كافية في سقوط خياره بعده، لانه قد اشترى ما رأى فلا خيار له، وليس المراد أنه لو اشترى قبل الرؤية ثم رأى ذلك يسقط خياره كما توهمه بعض الطلبة، فاستشكله بأن خيار الرؤية غير موقت، وأنه إذا رآه بعد الشراء لا يسقط إلا بقول أو فعل بدل على الرضا، فكيف يسقط بمجرد رؤية ما يؤذن بالمقصود؟ أفاده في النهر ويشير إليه الشارح.
ولا شك أنه توهم ساقط، وإلا لزم أن لا يثبت خيار الرؤية بعد الشراء إلا قبل الرؤية بعده، ولا قائل به مع أن الرؤية بعد الشراء شرط ثبوت الخيار على ما مر.
قوله: (كوجه صبرة) المراد بها ما تتفاوت آحاده.
قال في الفتح: فإن دخل في البيع أشياء، فإن كانت الآحاد لا تتفاوت كالمكيل والموزون، وعلامته أن يعرض بالنموذج فيكتفي برؤية واحد منها في سقوط الخيار، إلا إذا كان الباقي أردأ مما رأى فحينئذ يكون له الخيار: أي خيار العيب لا خيار الرؤية.
ذكره في الينابيع.
وعلل في الكافي بأنه إنما رضي بالصفة التي رآها لا بغيرها، ومفاده أنه خيار الرؤية وهو مقتضى سوق كلام المصنف: أي صاحب الهداية، والتحقيق أنه خيار عيب إذا كان اختلاف الباقي يوصله إلى حد العيب، وخيار رؤية إذا كان لا يوصله إلى اسم
المعيب بل الدون، وقد يجتمعان فيما إذا اشترى ما لم يره فلم يقبضه حتى ذكر له البائع به عيبا ثم أراه المبيع في الحال ا ه.
وأقره في البحر.
والحاصل: أنه إذا كان الباقي أردأ مما رأى لا تكفي رؤية بعضه: أي لا يسقط بها الخيار مطلقا، وإنما يسقط بها خيار الرؤية فقط، ويبقى خيار العيب على ما في الينابيع، أو يبقى معها خيار الرؤية على ما في الكافي والتحقيق التفصيل، وهو أنه أن كان الباقي معيبا يبقى الخياران، وإلا فخيار الرؤية فقط، وبهذا التقرير سقط ما في النهر حيث قال: وعندي أن ما في الكافي هو التحقيق، وذلك أن هذه الرؤية إذا لم تكن كافية، فما الذي أسقط خيار رؤيته حتى انتقل منه إلى خيار العيب فتدبره ا ه.
وهذا اعتراض على ما في الينابيع.
والجواب أنها قد أسقطت خيار الرؤية، وإنما لم تكن كافية في لزوم المبيع لانه يبقى معها خيار العيب كما قررنا به كلام الينابيع وعلمت ما هو التحقيق.
ثم قال في الفتح: ثم السقوط برؤية البعض إذا كان في وعاء واحد، فلو في أكثر فقيل كذلك، وقيل لا بد من رؤية كل وعاء، والصحيح الاول لان رؤية البعض تعرف حال الباقي، هذا إذا ظهر أن ما في الوعاء الآخر مثله أو أجود، فلو أردأ فهو على خياره ا ه.
تنبيه: قال في جامع الفصولين: فإن قال المشتري لم أجد الباقي على تلك الصفة، وقال البائع: هو على تلك الصفة فالقول للبائع والبينة للمشتري ا ه.
ومثله في الخانية.
ولا يخفى أن هذا إذا هلك النموذج الذي رآه وادعى المشتري مخالفة الباقي، أما لو كان موجودا فإنه يعرض على من له خيرة بذلك فيتضح الحال، لكن بقي شئ، وهو أن هذا إنما يظهر لو كان المبيع حاضرا مستورا بكيس أو نحوه، أما لو كان غائبا وأحضر له البائع النموذج وهلك ثم أحضر له الباقي فادعى المشتري أنه ليس على الصفة التي رآها في النموذج فينبغي أن يكون القول للمشتري، لانه منكر ضمنا كون ذلك هو المبيع، بخلاف ما إذا كان حاضرا لاتفاقهما على أنه المبيع، وإنما الاختلاف في الصفة، وبهذا ظهر أن ما بحثه الرملي في حواشيه على الفصولين من أنه لو هلك النموذج(5/108)
فالقول للمشتري لانكاره كون الباقي هو المبيع ضمنا محمول على ما لو كان غائبا كما قلنا، وإلا
خالفه صريح المنقول كما علمت، فاغتنم هذا التحرير، قوله: (ورقيق) أي ووجه رقيق أو أكثر كما في السراج عبدا كان أو أمة، لان سائر الاعضاء في العبيد والاماء تبع للوجه، ولذا تفاوتت القيمة، إذا فرض تفارت الوجه مع تساوي الاعضاء، ودل كلامه أنه لو نظر لسائر أعضائه غير الوجه لا يسقط خياره، وبه صرح في السراج.
نهر.
ولا تشترط رؤية الكفين واللسان والاسنان والشعر عندنا.
بحر.
قوله: (تركب) احتراز عن شاة اللحم أو القنية أو البقرة الحلوب أو الناقة كما في النهر ويأتي حكمها.
قوله: (وكفلها) أي مع كفلها بفتحتين بمعنى العجز، وأفاد أن رؤية القوائم غير شرط وهو الصحيح.
نهر.
قوله: (في الاصح) هو قول أبي يوسف، واكتفى محمد برؤية الوجه.
نهر.
قوله: (وظاهر ثوب مطوي الخ) لان البادي يعرف ما في الطي، فلو شرط فتحه لتضرر البائع بتكسر ثوبه ونقصان بهجته، وبذلك ينقص ثمنه عليه إلا أن يكون له وجهان فلا بد من رؤيتهما، أو يكون في طيه ما يقصد بالرؤية كالعلم، قيل: هذا في عرفهم، أما في عرفنا فما لم ير باطن الثوب لا يسقط خياره لانه استقر اختلاف الباطن والظاهر في الثياب، وهو قول زفر.
وفي المبسوط الجواب على ما قال زفر فتح وبحر.
قلت: ومقتضى التعليل الاخير أنه لو لم يختلف سقط الخيار إلا إذا ظهر باطنه أردأ من ظاهره فله الخيار على ما مر، وبقي شئ لم أر من نبه عليه، وهو ما لو كان المبيع أثوابا متعددة وهي من نمط واحد لا تختلف عادة بحيث يباع كل واحد منها بثمن متحد، ويظهر لي أنه يكفي رؤية ثوب منها، إلا إذا ظهر الباقي أردأ، وذلك لانها تابع بالنموذج في عادة التجار، فإذا كانت ألوانا مختلفة ينظرون من كل لون إلى ثوب واحد، بل قد يقطعون من كل لون قطعة قدر الاصبع ويلصقون القطع في ورقة، فيعلم حال جميع الاثواب برؤية هذه الورقة ويكون طول الثوب وعرضه معلوما، فإذا وجدت الاثواب كلها على الحال المرئي والمعلوم بلا تفاوت بينها ينبغي أن يسقط خيار الرؤية، لانها حينئذ تكون بمنزلة العددي المتقارب كالجوز والبيض، إذ لا شك أنه قد يحصل تفاوت بين جوزة وجوزة ولكنه يسير لا ينقص الثمن، فإذا كان نوع من الثياب على هذا الوجه لا يختلف ثوب منها عن ثوب اختلافا ينقص الثمن عادة كان كذلك، ولا سيما إذا كانت الثياب من سدى واحد،
لانه داخل تحت قول الهداية وغيرها أنه يكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود.
وفي الزيلعي: لو كان أشياء لا تتفاوت آحاده كالمكيل والموزون، وعلامته أن يعرض بالنموذج يكتفي برؤية بعضه لجريان العادة بالاكتفاء بالبعض في الجنس الواحد ولوقوع العلم به بالباقي، إلا كان إذا كان الباقي أردأ فله الخيار فيه وفيما رأى، وإن كان آحاده تتفاوت وهو الذي لا يباع بالنموذج كالثياب والدواب والعبيد فلا بد من رؤية كل واحد من أفراده، لانه برؤية بعضها لا يقع العلم بالباقي للتفاوت ا ه: أي للتفاوت الفاحش بين عبد وعبد وثوب وثوب، لكنه جعل المناط في الفرق تفاوت الآحاد وعدمه وعرضه في العرف بالنموذج وعدمه، فيدل على أنه لو كان نوع من الثياب لا تتفاوت آحاده، ويعرض بالنموذج في العادة كما قلنا فهو في حكم المكيل والموزون.
وذكر في الهداية أنه يجوز(5/109)
السلم في المذروعات لانه يمكن ضبطها بذكر الذرع والصفة والصنعة لا في الحيوان، لان فيه تفاوتا فاحشا في المالية باعتبار المعاني الباطنة فيفضي إلى المنازعة، بخلاف الثياب لانه مصنوع العباد، فقلما يتفاوت الثوبان إذا نسجا على منوال واحد ا ه.
ومراده أنهما يتفاوتان قليلا كما في الفتح: أي بحيث لا يعتبر عادة ولا يفضي إلى المنازعة، فقد اغتفروا التفاوت اليسير في السلم الوارد على خلاف القياس لانه بيع معدوم، فينبغي أن يقال هنا كذلك، ولهذا اكتفى في العددي المتقارب برؤية البعض في الصحيح خلافا للكرخي.
هذا ما ظهر لي بحثا.
قوله: (وقال زفر الخ) قال في النهر: قيل هذا قول زفر وهو الصحيح، وعليه الفتوى، واكتفى الثلاثة برؤية خارجها، وكذا برؤية صحتها، والاصح أن هذا بناء على عادتهم في الكوفة أو بغداد، فإن دورهم لم تكن متفاوتة إلا في الكبر والصغر، وكونها جديدة أو لا، فأما في ديارنا فهي متفاوتة.
قال الشارح الزيلعي: لان بيوت الشتوية والصيفية والعلوية والسفلية مرافقها ومطابخها وسطوحها مختلفة، فلا بد من رؤية ذلك كله في الاظهر.
وفي الفتح: وهذا هو المعتبر في ديار مصر والشام والعراق، وبهذا عرف أن كون ما في الكتاب قول زفر كما ظنه بعضهم غير واقع موقعه لانه كان في زمانهم، ولم يكتف برؤية الخارج فكان مذهبه عدم الاكتفاء به مطلقا ا ه.
كلام النهر.
وحاصله: أن أئمتنا الثلاثة اكتفوا برؤية خارج البيوت وصحن الدار لكونها غير متفاوتة في زمنهم، وزفر كان في زمنهم وقد خالفهم، فعلم أنه قائل باشتراط رؤية داخلها وإن لم تتفاوت، وهذا خلاف ما صححوه من اشتراط رؤية داخلها في ديارنا لتفاوتها فيكون اختلاف عصر وزمان، أما خلاف زفر فهو اختلاف حجة وبرهان لا اختلاف عصر وزمان.
قوله: (ومثله الكرم والبستان) فلا بد في البستان من رؤية ظاهره وباطنه، وفي الكرم لا بد من رؤية العنب من كل نوع شيئا، وفي الرمان لا بد من رؤية الحلو والحامض، وفي الثمار على رؤوس الاشجار تعتبر رؤية جميعها، بخلاف الموضوعة على الارض.
بحر.
وذكر في فصل ما يدخل في البيع تبعا اشترى الثمار على رؤوس الاشجار فرأى من كل شجرة بعضه يثبت له خيار الرؤية ا ه.
وهذا ينافي ما ذكره في الكرم، ولعله يفرق بين ما إذا اشترى الشجر بثمره فيكفي أن يرى من كل نوع شيئا، وبين ما إذا اشترى الثمر مقصودا، فتأمل.
قوله: (شاة قنية) هي التي تحبس في البيوت لاجل النتاج، من اقتنيته اتخذته لنفسي.
قنية: أي للنسل لا للتجارة.
بحر.
فقوله: للدر والنسل تفسير لها.
قوله: (مع ضرعها) قال في البحر بعد عزوه للظهيرية: فليحفظ، فإن في بعض العبارات ما يوهم الاقتصار على رؤية ضرعها ا ه.
لكن في النهر الظاهر أنه لو اقتصر عليه كفاه كما جزم به غير واحد.
قوله:(5/110)
(وشم مشموم) وفي دفوف المغازي لا بد من سماع صوتها، لان العلم بالشئ يقع باستعمال آلة إدراكه، ولا يسقط خياره حتى يدركه.
زيلعي.
قوله: (لوجود الحائل) فهو لم ير الدهن حقيقة.
وفي التحفة: لو نظر في المرآة فرأى المبيع، قالوا: لا يسقط خياره، لانه ما رأى عينه بل مثاله، ولو اشترى سمكا في ماء يمكن أخذه بلا اصطياد فرآه فيه، قيل: يسقط خياره لانه رأى عين المبيع، وقيل: لا لانه لا يرى في الماء على حاله، بل يرى أكبر مما كان، فهذه الرؤية لا تعرف المبيع.
بحر.
قوله: (وكفى رؤية وكيل قبض وشراء) فلا خيار له ولا لموكله، وهذا لو بشراء شئ لا بعينه.
ففي المعين: ليس للوكيل خيار رؤية، وإذا شرى ما رآه موكله ولم يعلم به الوكيل فله الخيار إذا لم يره كما في جامع الفصولين، واحترز عما لو وكله بالرؤية مقصودا وقال: إن رضيته فخذه، لا يصح ولا
تصير رؤيته كرؤية موكله، جامع الفصولين.
قال في البحر: لانها من المباحات لا تتوقف على توكيل إلا إذا فوض إليه الفسخ والاجازة لما في المحيط: وكله بالنظر إلى ما شراه ولم يره، إن رضي يلزم العقد، وإن لم يرض يفسخ يصح، لانه جعل الرأي والنظر إليه فيصح، كما لو فوض الفسخ والاجازة إليه في البيع بشرط الخيار ا ه.
قال في النهر: ودل كلامه أن رؤيته قبل التوكيل به لا أثر لها، فلا يسقط بها الخيار كما في الفتح وغيره.
قوله: (لا رؤية رسول المشتري) سواء كان رسولا بالقبض أو بالشراء زيلعي.
قوله: (وبيانه في الدرر) حيث قال: اعلم أن ها هنا وكيلا بالشراء ووكيلا بالقبض ورسولا.
وصورة التوكيل بالشراء أن يقول: كن وكيلا عني بشراء كذا، وصورة التوكيل بالقبض أن يقول: كن وكيلا عني بقبض ما اشتريته وما رأيته.
وصورة الرسالة أن يقول: كن رسولا عني بقبضه، فرؤية الوكيل الاول تسقط الخيار بالاجماع، ورؤية الثاني تسقط عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى إذا قبضه ناظرا إليه فحينئذ ليس له ولا للموكل أن يرده إلا بعيب.
وأما إذا قبضه مستورا ثم رآه فأسقط الخيار فإنه لا يسقط، لانه لما قبضه مستورا انتهى التوكيل بالقبض الناقص فلا يملك إسقاطه قصدا لصيرورته أجنبيا، وإن أرسل رسولا بقبضه فقبضه بعدما رآه فللمشتري أن يرده.
وقالا: الوكيل بالقبض والرسول سواء في أن قبضهما بعد الرؤية لا يسقط خيار المشتري ا ه ح.
قال في الشرنبلالية: وفيه نظر لانه لا خلاف في هذه الحالة، وما الخلاف إلا في نظر الوكيل بالقبض حالة قبضه لا في نظره السابق على قبضه ولا المتأخر عنه كما في التبيين ا ه ط.
تنبيه: نقل في البحر عن الفوائد أن صورة الرسالة أن يقول: كن رسولا عني في قبضه أو أمرتك بقبضه أو أرسلتك لتقبضه، أو قل لفلان أن يدفع المبيع إليك، وقيل: لا فرق بين الرسول والوكيل في فصل الامر، بأن قال: اقبض المبيع فلا يسقط الخيار ا ه.
وذكر في البحر من كتاب الوكالة عن البدائع أن الايجاب من الموكل أن يقول: وكلتك بكذا أو افعل كذا أو أذنت لك أن تفعل كذا ونحوه ا ه.
فهذا صريح في أن الامر والاذن توكيل، لكن ذكر هناك عن الولوالجية ما يدل على أن الامر توكيل إذا دل على إنابة المؤمور مناب الآمر، وسيأتي تحريره هناك إن شاء الله تعالى، وكتب هنا في تنقيح الحامدية بعض ذلك، فراجعه.
قوله: (ولغيره) كأن يكون وصيا أو وكيلا.(5/111)
مطلب: الاعمى كالبصير إلا في مسائل قوله: (إلا في اثنتي عشرة مسألة) قال في الاشباه: وهو كالبصير إلا في مسائل، منها: لا جهاد عليه ولا جمعة ولا جماعة ولا حج وإن وجد قائدا، ولا يصلح للشهادة مطلقا على المعتمد والقضاء والامامة العظمى، ولا دية في عينه، وإنما الواجب الحكومة.
وتكره إمامته إلا أن يكون أعلم القوم، ولا يصح عتقه عن كفارة، ولم أر حكم ذبحه وصيده وحضانته ورؤيته لما اشتراه بالوصف، وينبغي أن يكره ذبحه.
أما حضانته فإن أمكنه حفظ المحضون كان أهلا، وإلا فلا، ويصلح ناظرا ووصيا، والثانية في منظومة ابن وهبان، والاولى في أوقاف هلال كما في الاسعاف ا ه.
وقوله: ولا يصلح للشهادة مطلقا: أي ولو فيما تقبل فيه الشهادة بالتسامع، وقوله: ولا يصح عتقه، مصدر مضاف لمفعوله: أي أن يعتقه سيده عن كفارته، وقوله: ولم أر الخ: عبارته في البحر: ويكره ذبحه ولم أر حكم صيده ورميه واجتهاده في القبلة، وقوله ورؤيته لما اشتراه بالوصف رؤيته مبتدأ خبره قوله: بالوصف أي علمه بالمبيع المحتاج للرؤية بالوصف وقوله: ويصلح ناظرا ووصيا: ليس من المستثنيات، لانه وافق فيه البصير.
قوله: (وسقط خياره بحبس مبيع الخ) محمول على ما إذا وجد منه الجس ونحوه قبل الشراء، أما إذا اشترى قبل أن يوجد منه ذلك لا يسقط خياره بوجوده، بل يثبت باتفاق الروايات ويمتد إلى أن يوجد منه ما يدل على الرضا من قول أو فعل في الصحيح.
شرنبلالية عن الزيلعي.
قوله: (وكذا كل ما لا يعرف بجس الخ) ظاهره أن ما يعرف بالجس ونحوه لا يكفي فيه الوصف، وكذا عكسه، وأنه لا يشترط اجتماع الوصف والجس، لكن في المعراج: وعن أبي يوسف اعتبار الوصف في غير العقار.
وقال أئمة بلخ: يمس الحيطان والاشجار.
وعن محمد: يعتبر اللمس في الثياب والحنطة، ثم قال: وبالجملة ما يقف به على صفة المبيع فهو المعتبر، فحينئذ لا تختلف هذه الروايات في المعنى، لان الخيار ثابت للاعمى لجهله بصفات المبيع، فإذا زال ذلك بأي وجه كان يسقط خياره ا ه.
تنبيه: في البحر عن البدائع: لا بد في الوصف للاعمى من كون المبيع على ما وصف له،
ليكون في حقه بمنزلة الرؤية في حق البصير.
قوله: (أو بنظر وكيله) أي وكيل الشراء أو القبض لا وكيل النظر، إلا إذا فوض إليه الفسخ والاجازة على ما مر.
قوله: (بعد ذلك) أي من الجس ونحوه أو الوصف أو نظر الوكيل.
قوله: (فلا خيار له) لانه سقط فلا يعود إلا بسبب جديد، ولو اشترى البصير ثم عمى انتقل الخيار إلى الوصف.
بحر.
قوله: (لا أنها) أي الرؤية بهذه المذكورات.
قوله: (كما غلط فيه بعضهم) أي بعض الطلبة، وقدمنا بيانه.
قوله: (أو يتعيب) بالجزم عطفا على مدخول لم وهو يوجد لا على قول لان التعيب والهلاك ليسا من المشتري البتة، وإنما امتنع الرد بهلاك البعض، لانه يلوم عليه تفريق الصفقة كما يأتي.
قوله: (ولو قبل الرؤية) مبالغة على قوله: أو يتعيب(5/112)
أو يهلك بعضه، وأما الفعل فمنه ما يسقط بعد الرؤية فقط، ومنه ما يسقط مطلقا ومر بيانه.
قوله: (ولا عيب) لم يذكره في النهر بل في البحر عن الولوالجية: وبه سقط ما بحثه الحموي في شرحه أنه لو وجده بعد إخراجه منقطع الرائحة، فالظاهر أن له رده بخيار العيب لانه بحث مخالف للمنقول بل وللمعقول، إذ كيف يسوغ الرد بعد حدوث عيب جديد.
قوله: (ويدخل عليه عيبا ظاهرا) حتى لو لم يدخل كان له أن يرد بخيار العيب والرؤية جميعا.
بحر.
قوله: (لتفريق الصفقة) يأتي بيانه.
واستفيد منه أنه لو رآهما فرضي بأحدهما أنه لا يرد الآخر.
بحر.
قوله: (قاصدا لشرائه عند رؤيته) فلو قصد شراءه ثم رآه لكنه عندها لم يقصد الشراء ثم شراه يثبت له الخيار للعلة المذكورة ط.
قوله: (قال المصنف الخ) قال الخير الرملي: هو خلاف الظاهر من الرواية، وقد ذكره في جامع الفصولين أيضا بصيغة، وقيل: وهي صيغة التمريض، فكيف يعول عليه في متنه والمتون موضوعة لما هو الصحيح من المذهب؟ تأمل ا ه.
كذا رده المقدسي بأنه مناف لاطلاقاتهم.
قوله: (فلو لم يعلم به) كأن رأى جارية ثم اشترى جارية متنقبة لا يعلم أنها التي كان رآها ثم ظهرت إياها، فإن له الخيار لعدم ما يوجب الحكم عليه بالرضا، أو رأى ثوبا فلف في ثوب وبيع فاشتراه وهو لا يعلم أنه ذلك.
فتح.
قوله: (ولا يعرفه) أي الباقي.
بحر.
قوله: (وكذا لو كانا ملفوفين الخ) في البحر عن الظهيرية: لو رأى ثوبين ثم اشتراهما بثمن متفاوت ملفوفين فله الخيار، لانه ربما يكون الاردأ بأكثر الثمين وهو لا يعلم
ا ه: أي بأن اشترى أحدهما بعينه بعشرة والآخر بعينه بعشرين مثلا، فإنه لا يعلم وقت الشراء أن الذي قابله العشرون جيد أو ردئ، أما لو شرى أحدهما بعشرين ولم يعينه فسد البيع لجهالة المبيع، ولو اشترى كل واحد بعشرة فلا خيار له لانه عالم بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء حيث سوى بينهما في الثمن، لانه دليل تساويهما في الوصف فيكون عالما بأوصاف المعقود عليه حالة الشراء.
ذخيرة.
وبه علم أن علة الخيار في الاولى هي جهل وصف المبيع وقت الشراء وإن تبين أن الثمن الادنى للاعلى، فافهم.
وأيضا فيه احتمال دخول الضرر على المشتري فيما لو ظهر الاحسن معيبا وكان ثمنه أقل فإنه يرده على البائع بالثمن الاقل ويبقى عليه الادنى بالثمن الاعلى.
قوله: (ولو سمى الخ) هذا تفصيل لمسألة الثوبين الملفوفين المذكورة في الشرح كما ظهر لك مما نقلناه عن الذخيرة، وقد(5/113)
جعله المصنف تفصيلا لقوله: رأى ثيابا الخ والظاهر أن الحكم فيها كذلك.
تأمل.
قوله: (والقول للبائع الخ) هذا من تتمة قوله: فلا خيار له إلا إذا تغير فكان المناسب ذكره عقبه كما هو الواقع في كثير من الكتب، حتى في الهداية والملتقى والكنز والغرر.
قوله: (عملا بالظاهر) فإن الظاهر أنه لا يبقى الشئ في دار التغير وهي الدنيا زمانا طويلا لم يطرقه التغير.
قال محمد: أرأيت لو رأى جارية ثم اشتراها بعد عشر سنين أو عشرين وقال تغيرت أن لا يصدق، بل يصدقه لان الظاهر شاهد له.
قال شمس الائمة، وبه يفتى الصدر الشهيد والامام المرغيناني فيقول: إن كان لا يتفاوت في تلك المدة غالبا فالقول للبائع، وإن كان التفاوت غالبا فالقول للمشتري.
مثاله: لو رأى دابة أو مملوكا فاشتراه بعد شهر وقال: تغير فالقول للبائع، لان الشهر في مثله قليل.
فتح.
والمراد التغير بنقصان بعض الصفات كنقص الحسن أو القوة، لا بعروض عيب لان عروضه قد يكون في أقل من شهر، وبه يثبت خيار العيب.
قوله: (لو اختلفا في أصل الرؤية) بأن قال له البائع: رأيت قبل الشراء وقال المشتري ما رأيته، وكذا لو قال له رأيت بعد الشراء ثم رضيت، فقال رضيت قبل الرؤية كما في البحر.
قوله: (لانه ينكر الرؤية) أي وهي أمر عارض والاصل عدمه.
وبقي ما لو رأى النموذج وهلك ثم ادعى مخالفته للباقي وقدمنا بيانه.
قوله: (في بيع بات) كذا في النهر والفتح.
والظاهر أنه أراد به اللازم،
وهو ما لا خيار فيه بقرينة المقابلة، ولذا قال ح: الظاهر أن الرد فيه بالاقامة ا ه.
فافهم قوله: (والفرق) أي بين ما القول فيه للمشتري وما القول فيه للبائع مع الخيارات الثلاث، وبيانه ما في الفتح والنهر أن المشتري في الخيار ينفسخ العقد بفسخه بلا توقف على رضا الآخر بل على علمه، وإذا انفسخ يكون الاختلاف بعد ذلك في المقبوض والقول فيه للقابض ضمينا كان أو أمينا كالغاصب والمودع، وفي العيب لا ينفرد، لكنه يدعي ثبوت حق الفسخ فيما أحضره والبائع ينكره والقول قول المنكر ا ه.
ثم اعلم أن هذا في الاختلاف في المردود عند الفسخ، أما لو اختلفا في تعيين ما فيه خيار الشرط عند الاجازة ممن له الخيار، فقد ذكره في البحر عن الظهيرية وقدمنا حاصله قبيل هذا الباب.
قوله: (اشترى عدلا) بسكر العين هو أحد فردتي الحمل.
قوله: (من متاع) هو ما يتمتع به من ثياب ونحوها، وهذا من القيميات، ولم أر من ذكر المثليات من مكيل وموزون.
والظاهر أنه لا فرق بينهما في هذا الحكم، لانه إذا كانت العلة تفريق الصفقة فهو غير جائز في المثلي أيضا كما قدمناه أول البيوع عند قوله: كل المبيع بكل الثمن وسيأتي حكم الرد بالعيب في المثليات في الباب الآتي عند قوله: أو كان المبيع طعاما فأكله أو بعضه.
قوله: (ولم يره) قيد به ليمكن تأتي خيار الرؤية فيه، ولا ينافيه ذكر خيار العيب والشرط لانهما قد يجتمعان مع خيار الرؤية، فافهم.
قوله: (أو ليس) أي حتى تغير كافي الحكم.
قال الخير الرملي: وكذا لو استهلكه أو هلك أو كان عبدا فمات أو أعتقه، كما صرح به في التتارخانية(5/114)
ا ه.
وفي الحاوي: اشترى أربعة برود على أن كلا منها ستة عشر ذراعا فباع أحدها ثم ذرع البقية فإذا هي خمس عشرة فله رد البقية.
قوله: (بعد القبض) قيد به في الجامع الصغير، وكأن المصنف استغنى عنه بقوله: باع لان ما لم يقبض لا يصح بيعه ولا هبته.
نهر: أي لا يصح بيعه لو منقولا، بخلاف العقار، وأفاد أنه قبل القبض لا فرق بين الخيارات الثلاث في أنه لا يرد الباقي كما يعلم مما يأتي.
قوله: (رده) أي الباقي من العدل.
قوله: (الاصل أن رد البعض) أي بعض المبيع كرد باقي العدل ورد أحد الثوبين فيما لو رأى أحدهما ثم رأى الآخر في مسألة المتن المارة وأمثال ذلك.
قوله: (يوجب تفريق الصفقة) أي تفريق العقد، بأن يوجب الملك في بعض المبيع دون البعض، وقدمنا أول البيوع ما يوجب
تفريقها وعدمه، وسمي العقد صفقة للعادة في أن المتبايعين يصفق كفه، في كف الآخر.
قوله: (يمنعان تمامها) فإن خيار الرؤية مانع من التمام، أما خيار الشرط فإنه مانع ابتداء، لكن ما يمنع الابتداء يمنع التمام، وأطلقه فشمل ما قبل القبض أو بعده، وذلك لان له الفسخ بغير قضاء ولا رضا، فيكون فسخا من الاصل لعدم تحقق الرضا قبله لعدم العلم بصفات المبيع، ولذا لا يحتاج إلى القضاة أو الرضا كما في الفتح.
قوله: (وخيار العيب يمنعه) أي يمنع تمام الصفقة قبل القبض، ولذا يفسخ بقوله: رددت ولا يحتاج إلى رضا البائع ولا إلى القضاء، ولا يمنعه بعده، ولذا لو رده بعده لا ينفسخ إلا برضا البائع أو بحكم.
قوله: (وهل يعود خيار الرؤية الخ) أي يأن عاد الثوب الذي باعه من العدل أو وهبه بسبب هو فسخ محض كالرد بخيار الرؤية أو الشرط أو العيب بالقضاء أو الرجوع في الهبة، فهو أي مشتري العدل على خياره فله أن يرد الكيل بخيار الرؤية لارتفاع المانع من الاصل وهو تفريق الصفقة، كما ذكره شمس الائمة السرخسي، عن أبي يوسف: لا يعود، لان الساقط لا يعود كخيار الشرط إلا بسبب جديد، وصححه قاضيخان، وعليه اعتماد القدوري، وحقيقة الملحظ مختلفة، فشمس الائمة لحظ البيع والهبة مانعا زال فيعمل المقتضي وهو خيار الرؤية عمله، ولحظه الثاني مسقطا فلا يعود بلا سبب وهذا أوجه لان نفس التصرف يدل على الرضا ويبطل الخيار قبل الرؤية وبعدها.
فتح.
وادعى في البحر أن الاول أوجه، ورده في النهر.
قوله: (ليس للبائع مطالبته بالثمن قبل الرؤية) لعدم تمام العقد قبلها.
قوله: (فلهما الخيار) أي باعتبار أن كلا منهما مشتر للعين التي باعها للآخر.
قوله: (لم يبطل البيع(5/115)
في الجارية بحصة الالف) أي بل يبطل بحصة العبد، فإن كانت قيمته خمسمائة مثلا بطل البيع في ثلث الجارية وبقي في حصة الالف، وهي الثلثان منها.
قوله: (لما مأ أنه لا خيار في الدين) أي مر أول الباب في قوله: فليس في ديون ونقود الخ وإذا لم يكن له خيار في الالف يبقى البيع لازما من الجارية بقدر الالف.
قوله: (ثم يبيع الثوب مع الضيعة) أي ويسلمهما للمشتري لتتم الصفقة.
قوله: (ثم المقر له يستحق الثوب) أي بإقامة البينة على إقرار البائع.
والظاهر أن هذا مبني على القول بأن الاقرار يفيد الملك للمقولة، أما على المعتمد من عدمه فلا يحل ذلك ديانة فالاظهر في الحلية أن يبيع الثوب لانسان ثم يبيعه
من الضيعة.
تأمل قوله (للزوم تفريق الفقة) لانه لما قبض الثوب والضيع تمت الصفقة، وتفريقها بعد التمام لا يجوز، بخلاف ما لو قبض أحدهما دون الآخر ثم استحق أحدهما له الخيار لتفرقها قبل التمام كما في الفتح وفي الدرر من فصل الاستحقاق: ولا يثبت له خيار العيب هنا، لان استحقاق الثوب لا يورث عيبا في الضيعة، بخلاف ما إذا كان المعقود عليه شيئا واحدا مما في تبعيضه ضرر كالدار والعبد فإنه بالخيار: إن شاء رضي بحصته من الثمن، وإن شاء رد.
وكذا إذا كان المعقود عليه شيئين، وفي الحكم كشئ واحد فاستحق أحدهما كالسيف بالغمد والقوس بالوتر فله الخيار في الباقي ا ه.
قوله: (إلا في الشفعة) ليس على إطلاقه لان الشفيع لو أراد أخذ بعض المبيع وترك الباقي لم يملك جبرا على المشتري لضرر تفريق الصفقة، وكذا لو كان المبيع في مصرين بيعتا صفقة واحدة ليس لشفيعهما أخذ إحداهما فقط، إلا على قول زفر، قيل: وبه يفتى.
أما لو كان شفيعا لاحداهما له أخذها وحدها إحياء لحقه كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى.
ففي الفرع الاخير تفريق الصفقة للضرورة، وهذا هو المراد من قول الشارح في آخر الشفعة: لو كانت دار الشفيع ملاصقة لبعض المبيع كان له الشفعة فيما لاصقه فقط ولو فيه تفريق الصفقة ا ه.
فالمراد بعض المبيع إحدى الدارين كما قيده محشي الاشباه(5/116)
وغيره، بخلاف الدار الواحدة والعلة ما ذكرنا، فافهم.
قوله: (شرى شيئين) أي قيميين، وهذه المسألة سيأتي تفصيلها في الباب الآتي.
قوله (لما مر) أي قريبا من أن خيار العيب يمنع تمام الصفقة قبل القبض إلا بعده والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب خيار العيب تقدم وجه ترتيب الخيارات، والاضافة فيه من إضافة الشئ إلى سببه، والعيب والعيبة والعاب بمعنى واحد، يقال عاب المتاع: أي صار ذا عيب، وعابه زيد يتعدى ولا يتعدى فهو معيب ومعيوب أيضا على الاصل ا ه فتح.
ثم إن خيار العيب يثبت بلا شرط، ولا يتوقف، ولا يمنع وقوع الملك للمشتري، ويورث، ويثبت في الشراء والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد، وفي الاجارة ولو حدث بعد العقد والقبض، بخلاف البيع، وفي القسمة والصلح عن المال، وبسط ذلك
في جامع الفصولين.
قوله: (ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة) زاد في الفتح: مما يعد به ناقصا ا ه: أي لان ما لا ينقصه لا يعد عيبا: قال في الشرنبلالية: والفطرة الخلقة التي هي أساس الاصل ألا ترى أنه لو قال: بعتك هذه الحنطة وأشار إليها فوجدها المشتري رديئة لم يكن علمها ليس له خيار الرد بالعيب، لان الحنطة تخلق جيدة ورديئة ووسطا والعيب ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة عن الآفات العارضة لها، فالحنطة المصابة بهواء منعها تمام بلوغها الادراك حتى صارت رقيقة الحب مغيبة كالعفن والبلل والسوس ا ه.
قلت: وعن هذا قال في جامع الفصولين: لا يرد البر برادءته لانها ليست بعيب، ويرد المسوس والعفن، وكذا لا يرد إناء فضة برداءته بلا غش، وكذا الامة لا ترد بقبح الوجه وسواده، ولو كانت محترقة الوجه لا يستبين لها قبح ولا جمال فله ردها ا ه.
وفيه واقعة: شرى فرسا فوجده كبير السن، قيل: ينبغي أن لا يكون له الرد إلا إذا شراه على أنه صغير السن، لما مر من مسألة حمار وجده بطئ السير ا ه.
قوله: (وشرعا ما أفاده الخ) أي المراد في عرف أهل الشرع بالعيب الذي يرد به المبيع ما ينقص الثمن: أي الذي اشترى به كما في الفتح، قال: لان ثبوت الرد بالعيب لتضرر المشتري وما يوجب نقصان الثمن يتضرر به ا ه.
وعبارة الهداية: وما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة فهو عيب، لان التضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة ا ه.
ومفاده أن المراد بالثمن القيمة، لان الثمن الذي اشتراه به قد يكون أقل من قيمته بحيث لا يؤدي نقصانها بالعيب إلى نقصان الثمن به.
والظاهر أن الثمن لما كان في الغالب مساويا للقيمة عبروا به.
تأمل.
والضابط عند الشافعية أنه المنقص للقيمة أو ما يفوت له غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه، فأخرجوا بفوات الغرض(5/117)
الصحيح ما لو بان فوات قطعة يسيرة من فخذه أو ساقه، بخلاف ما لو قطع من أذن الشاة ما يمنع التضحية فله ردها، وبالغالب ما لو كانت الامة ثيبا من أن الثيابة تنقص القيمة، لكنه ليس الغالب عدم الثيابة ا ه.
قال في البحر: وقواعدنا لا تأباه للمتأمل ا ه.
قلت: ويؤيده ما في الخانية: وجد الشاة مقطوعة الاذن إن اشتراها للاضحية له الرد، وكذا كل
ما يمنع التضحية، وإن لغيرها فلا ما لم يعده الناس عيبا، والقول للمشتري أنه اشتراها للاضحية لو في زمانها وكان من أهل أن يضحي ا ه.
وكذا ما في البزازية: اشترى شجرة ليتخذ منها الباب فوجدها بعد القطع لا تصلح لذلك رجع بالنقص، إلا أن يأخذ البائع الشجرة، كما هي ا ه.
فقد اعتبر عدم غرض المشتري عيبا موجبا للرد، ولكنه يرجع بالنقص لان القطع مانع من الرد، وفيها أيضا: اشترى ثوبا أو خفا أو قلنسوة فوجده صغيرا له الرد ا ه.
أي لا يصلح لغرضه.
وفيها: لو كانت الدابة بطيئة السير لا يرد إلا إذا شرط أنها عجول ا ه: أي لان بطء السير ليس الغالب عدمه، فإن كلا من البطء والعجلة يكون في أصل الفطرة السليمة.
وفيها: اشترى دابة فوجدها كبيرة السن ليس له الرد إلا إذا شرط صغرها، وسيأتي أن الثيوبة ليست بعيب إلا إذا شرط عدمها: أي فله الرد لفقد الوصف المرغوب، وبما ذكرنا من الفروع ظهر أن قولهم في ضابط العيب من ينقص الثمن عند التجارة مبين على الغالب، وإلا فهو غير جامع وغير مانع.
أما الاول فلانه لا يشمل مسألة الشجرة والثوب والخف والقلنسوة وشاة الاضحية، لان ذلك وإن لم يصلح لهذا المشتري يصلح لغيره فلا ينقص الثمن مطلقا.
وأما الثاني فلانه يدخل فيه مسألة الدابة والامة الثيب فإن ذلك ينقص الثمن مع أنه غير عيب، فعلم أنه لا بد من تقييد الضابط بما ذكره الشافعية.
والظاهر أنهم لم يقصدوا حصر العيب فيما ذكر، لان عبارة الهداية والكنز: وما أوجب نقصان الثمن عند التجار فهو عيب، فإن هذه العبارة لا تدل على أن غير ذلك لا يسمى عيبا، فاغتنم هذا التحرير.
ثم اعلم أنه لا بد أن يكون العيب في نفس المبيع، لما في الخانية وغيرها: رجل باع سكنى له في حانوت لغيره فأخبر المشتري أن أجرة الحانوت كذا، فظهر أنها أكثر، قالوا ليس له الرد بهذا السبب، لان هذا ليس بعيب في البيع ا ه.
قلت: المراد بالسكنى ما يبنيه المستأجر في الحانوت ويسمى في زماننا بالكدك كما مر أول البيوع، لكنه اليوم تختلف قيمته بكثرة أجرة الحانوت وقلتها، فينبغي أن يكون ذلك عيبا.
تأمل.
قوله: (من وجد بمشريه الخ) أطلقه فشمل ما إذا كان به عند البيع، أو حدث بعده في يد البائع.
بحر.(5/118)
بخلاف ما إذا كان قبله وزال ثم عاد عند المشتري، لما في البزازية: لو كان به عرج فبرأ بمعالجة البائع، ثم عاد عند المشتري، لا يرده وقيل: يرده إن عاد بالسبب الاول.
تنبيه: لا بد في العيب أن يتمكن من إزالته بلا مشقة فخرج إحرام الجارية، ونجاسة ثوب لا ينقص بالغسل لتمكنه من تحليلها وغسله، وأن يكون عند البائع ولم يعلم به المشتري، ولم يكن البائع شرط البراءة منه خاصا أو عاما، ولم يزل قبل الفسخ، كبياض انجلى وحمى زالت.
نهر.
فالقيود خمسة، وجعلها في البحر ستة فقال: الثاني أن لا يعلم به المشتري عند البيع.
الثالث أن لا يعلم به عند القبض وهي في الهداية ا ه.
لكن قال في الشرنبلالية: إنه يقتضي أن مجرد الرؤية رضا، ويخالفه قول الزيلعي: ولم يوجد من المشتري ما يدل على الرضا به بعد العلم بالعيب ا ه.
وكذا قول المجمع: ولم يرض به بعد رؤيته ا ه.
قلت: صرح في الذخيرة بأن قبض المبيع مع العلم بالعيب رضا بالعيب، فما في الزيلعي والمجمع لا يخالف ما مر عن الهداية، لان ذاك جعل نفس القبض بعد رؤية العيب رضا، وما في الزيلعي صادق عليه، ويدل عليه أن الزيلعي قال: والمراد به عيب كان عند البائع وقبضه المشتري من غير أن يعلم به ولم يوجد من المشتري ما يدل على الرضا به بعد العلم بالعيب، فقوله وقبضه الخ، يدل على أنه لو قبضه عالما بالعيب كان قبضه رضا، فقوله ولم يوجد من المشتري الخ أعم مما قبله، أو أراد به ما لو علم بالعيب بعد القبض.
تتمة: في جامع الفصولين: لو علم المشتري إلا أنه لم يعلم أنه عيب ثم علم، ينظر، إن كان عيبا بينا لا يخفى على الناس كالغدة ونحوها لم يكن له الرد، وإن خفي فله الرد، ويعلم منه كثير من المسائل ا ه.
وفي الخانية: إن اختلف التجار فقال بعضهم: إنه عيب وبعضهم: لا، ليس له الرد إذا لم يكن عيبا بينا عند الكل ا ه.
قوله: (ولو يسيرا) في البزازية: اليسير ما يدخل تحت تقويم المقومين، وتفسيره أن يقوم سليما بألف ومع العيب بأقل، وقومه آخر من العيب بألف أيضا.
والفاحش ما لو قوم سليما بألف وكل قوموه مع العيب بأقل ا ه.
قوله: (بكل تجارة) الاولى من كل تجارة.
قال ح: يعني أنه يعتبر في كل تجارة أهلها، وفي كل صنعة أهلها.
قوله: (أخذه بكل الثمن أو رده) أطلقه،
فشمل ما إذا رده فورا أو بعد مدة، لانه على التراخي كما سيذكره المصنف ونقل انبن الشحنة عن الخانية: لو علم بالعيب قبل القبض فقال: أبطلت البيع بطل لو بحضرة البائع، وإن لم يقبل ولو في غيبته لا يبطل إلا بقضاء أو رضا ا ه.
وفي جامع الفصولين: لو رده بعد قبضه لا ينفسخ إلا برضا البائع أو بحكم.
قال الرملي: وقوله: إلا برضا البائع يدل على أنه لو وجد الرضا بالفعل كتسلمه من المشتري حين طلبه الرد ينفسخ البيع، لان من المقرر عندهم أن الرضا يثبت تارة بالقول وتارة بالفعل، وقدم في بيع التعاطي: لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي فهي بيع(5/119)
بالتعاطي كما في الفتح.
وفيه أيضا أن المعنى يقوم مقام اللفظ في البيع ونحوه اه.
وأماما يقع كثيرا من أنه إذا اطلع على عيب يرد المبيع إلى منزل البائع ويقول: دونك دابتك لا أريدها فليس برد، وتهلك على المشتري ولو تعهدها البائع حيث لم يوجد بينهما فسخ قولا أو فعلا.
قوله: (ما لم يتعين إمساكه) قيد للتخيير بين الاخذ والرد، فإذا وجد ما يمنع الرد تعير الاخذ، لكن في بعض الصور يرجع بنقصان العيب، وفي بعضها لا يرجع كما يأتي قريبا، وكذا سيأتي عند قول المصنف: حدث عيب آخر عند المشتري رجع بنقصانه.
ومما يمنع الرد ما في الذخيرة: اشترى من آخر عبدا وباعه من غيره ثم اشتراه من ذلك الغير فرأى عيبا كان عند البائع الاول لم يرده على الذي اشتراه منه لانه غير مفيد، إذ لو رده يرده الآخر عليه، ولا على البائع الاول لان هذا الملك غير مستفاد من جهته ا ه.
ولو وهبه البائع الثمن ثم وجد بالمبيع عيبا، قيل: لا يرد وقيل: يرد، ولو قبل القبض يرده اتفاقا، خانية.
ثم جزم بالقول الثاني، وجزم في البزازية بالاول، ومن ذلك ما في كافي الحاكم: اشتريا جارية فوجدا بها عيبا فرضي أحدهما لم يكن للآخر ردها عنده وله رد حصته عندهما.
قوله: (كحلالين أحرما أو أحدهما) يعني إذا اشتراه أحد الحلالين من الآخر صيدا، ثم أحرما أو أحدهما، ثم وجد المشتري به عيبا امتنع رده ورجع بالنقصان ا ه ح عن البحر.
فالمراد بتعين إمساكه عدم رده على البائع، فلا ينافي وجوب إرساله كما مر في الحج.
قوله: (وقيمته ثلاثة آلاف) الظاهر أن المدار على الزيادة التي تركها يكون مضرا ا ه ط.
قوله:
(للاضرار الخ) قلت: قد يكون العيب مرضا يفضي إلى الهلاك فيجب أن يستثنى.
مقدسي.
وفيه نظر لان فرض المسألة فيما قيمته زائدة على ثمنه مع وجود ذلك العيب فيه، ومثله لا يكون عيبه مفضيا إلى الهلاك.
تأمل.
قوله: (بخلاف خيار الشرط والرؤية) أي حيث يكون لهم الرد لعدم تمام الصفقة كما في البحر ح.
قوله: (وينبغي الرجوع بالنقصان) عبارة النهر: وفي مهر فتح القدير: لو اشترى الذمي خمرا وقبضها وبها عيب ثم أسلم سقط خيار الرد ا ه.
وفي المحيط: وصي أو وكيل الخ.
ثم قال في النهر: وينبغي الرجوع بالنقصان في المسألتين ا ه: أي مسألة مهر الفتح ومسألة المحيط.
قوله: (كوارث الخ) أي فإنه يمتنع الرد ويرجع بالنقصان كما في البحر ح.
قوله: (اشترى من التركة) أي بثمن من تركه الميت.
قوله: (لا يرجع) أي الاجنبي على بائعه.
قال في السراج: لانه لما اشترى الثوب ملكه وبالتكفين يزول ملكه عنه.
وزوال الملك بعفل مضمون يسقط الارش.
وأما ما في الوجه الاول فإن(5/120)
مقدار الكفن لا يملكه الوارث من التركة، فإذا اشتراه وكفن به لم ينتقل بالتكفين عن الملك الذي أوجبه القعد، وقد تعذر فيه الرد فرجع الارش ا ه.
ومثله في الذخيرة.
قوله: (وهذه إحدى ست مسائل الخ) تبع في ذلك صاحب النهر حيث قال: لا يرجع بالنقصان في مسائل، ثم نقل ست مسائل عن البزازية ليس فيها التصريح بعدم الرجوع إلا في مسألة واحدة، وهي لو باع الوارث من مورثه فمات المشتري وورثه البائع ووجد به عيبا رد إلى الوارث الآخر إن كان، فإن لم يكن له سواه لا يرد ولا يرجع بالنقصان، فافهم.
وزاد في البحر مسألة أخرى عن المحيط: لو اشترى المولى من مكاتبه فوجد عيبا لا يرد ولا يرجع ولا يخاصم بائعه لكونه عبده ا ه.
وسيأتي مسائل أخر في الشرح والمتن عند قول المصنف: حدث عيب آخر عند المشتري رجع نقصانه الخ.
وذكر الشارح في كتاب الغصب مسألة أخرى عند قول المصنف: خرق ثوبا وهي ما لو شرى حياصة فضة مموهة بالذهب بوزنها فضة فزال تمويهها عند المشتري ثم وجد بها عيبا فلا رجوع بالعيب القديم لعتيبها بزوال التمويه ولا بالنقصان للزوم الربا.
ومنها ما في البزازية: كل تصرف يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والرجوع بالنقص.
قوله: (معزيا للقنية) قال فيها: وفي تتمة الفتاوى الصغرى: باع عبدا وسلمه ووكل
رجلا بقبض ثمنه فقال الوكيل: قبضته فضاع أو دفعته إلى الآمر وحجد الآمر كله فالقول للوكيل مع يمينه وبرئ المشتري من الثمن، فلو وجد به عيبا ورده لا يرجع بالثمن على البائع لعدم ثبوت القبض في زعمه، لا على الوكيل لانه لا عقد بينهما وإنما هو أمين في قبض الثمن، وإنما يصدق في دفع الضمان عن نفسه، قال رضي الله عنه: وعرف به أنه إذا صدق الآخر الوكيل في الدفع إليه يرجع المشتري بعد الرد بالعيب بالثمن على الآمر دون القابض ا ه ح.
قوله: (كالاباق) بالكسر اسم، يقال أبق أبقا من باب تعب وقتل وضرب وهو الاكثر كما في المصباح.
وفي الجوهرة عن الثعالبي: الآبق: الهارب من غير ظلم السيد، فلو من ظلمه سمي هاربا، فعلى هذا الاباق عيب لا الهرب، أطلقه فشمل ما لو كان من المولى أو من مودعه أو المستعير منه أو المستأجر، وما إذا كان مسيرة سفر أو لا، خرج من البلدة أو لا.
قال الزيلعي: والاشبه أن البلدة لو كبيرة كالقاهرة كان عيبا، وإلا لا بأن كان لا يخفى عليه أهلها أو بيوتها فلا يكون عيبا.
نهر.
ويأتي أنه لا بد من تكرره بأن يوجد عند البائع وعند المشتري.
وقوله: (إلا إذا أبق من المشتري إلى البائع) وكذا لو أبق من الغاصب إلى المولى أو إلى غيره إذا لم يعرف بيت المالك، أو لم يقو على الرجوع إليه.
نهر قوله: (في البلدة) قيد به لما في النهر عن القنية: لو(5/121)
أبق من قرية المشتري إلى قرية البائع يكون عيبا.
قوله: (ولم يختف) فلو اختفى عند البائع بكون عيبا لانه دليل التمرد.
قوله: (والاحسن أنه عيب) وقيل: لا مطلقا، وقيل: إن دام على هذا الفعل فعيب، لا لو مرتين أو ثلاثا، والظاهر أن غير الثور من البهائم كالثور ط.
قوله: (قبل عوده من الاباق) ومثله قبل موته كما في البحر، فإن مات آبقا يرجع بنقصان العيب كما في الهندية، ومؤنة الرد على المشتري فيما له حمل ومؤنة.
بحر.
ويرده في موضع العقد زادت قيمته أو نقصت أو في موضع التسليم لو اختلف عن موضع العقد كما في الخانية.
سائحاني.
قوله: (ابن مالك قنية) في بعض النسخ وقنية بزيادة واو العطف وهي أحسن، وذكر المسألة أيضا في البحر عن جامع الفصولين.
قوله: (والسرقة) سواء أوجبت قطعا أو لا كالنباش والطرار وأسبابها في حكمها، كما إذا نقب البيت، وإطلاقهم يعم الكبرى كما في الظهيرية.
ح عن النهر.
قوله: (إلا إذا سرق شيئا للاكل من المولى) أي فإنه لا يكون عيبا،
بخلاف ما إذا سرق ليمنعه أو سرقه عن غير المولى ليأكله فإنه عيب فيهما، بحر فافهم.
وظاهره قصر ذلك على المأكول، ويفيده قول البزازية: وسرقه النقد مطلقا عيب، وسرقة المأكولات للاكل من المولى لا يكون عيبا: قال في النهر: وينبغي أنه لو سرق من المولى زيادة على ما يأكله عرفا يكون عيبا.
قوله: (أو يسيرا كفلس أو فلسين) جزم به الزيلعي، وظاهر ما في المعراج أنها قويلة، وأن المذهب الاطلاق، وعلى هذا القول ما دون الدرهم كذلك كما ذكره فيه.
بحر.
قوله: (ولو سرق الخ) ستأتي هذه المسألة أواخر الباب عند قول المصنف: قتل المقبوض أو قطع الخ وهي مذكورة في الهداية.
قوله: (أيضا) أي بعد ما سرق عند البائع.
قوله: (رجع بربع الثمن) سواء كانت السرقة متكررة عندهما، أو اتحدت عند أحدهما وتكررت عند الآخر كما يفيده التعليل.
ووجه الرجوع بالربع أن دية اليدة في الحر نصف دية النفس، وفي الرقيق نصف القيمة، وقد تلف هذا النصف بسببين: تحقق أحدهما عند البائع والآخر عند المشتري، فيتنصف الموجب فيرجع بنصف النصف وهو الربع، وأطلق فيه فشمل ما إذا طلب رب المال المسروق في السرقتين أو في إحداهما دون الاخرى وهذا التعليل يفيد اعتبار القيمة لا الثمن.
وقد يقال: إنما عبر به نظرا إلى أن الغالب أن الثمن قدر القيمة ط.
قوله: (رجع بثلاثة أرباع ثمنه) أي رجع المشتري عليه بذلك، لان ربع الثمن سقط عن البائع بالسرقة الثانية قوله: (أو أن يأكل الخ) قال في النهر: وفسره: أي التمييز بعضهم بأن يأكل ويشرب ويستنجي وحده، وهذا يقتضي أن يكون ابن سبع، لانهم قدروه بذلك في الحضانة، لكن وقع التصريح في غير موضع بتقديره بخمس سنين فما فوقها، وما دون ذلك لا يكون عيبا ا ه.
قلت: والفرق بين البابين أن المراد هنا على الادراك وهناك على الاستغناء عن النساء.
تأمل.
قوله: (وتمامه في الجوهرة) لم أر فيها زيادة على ما هنا، إلا أنه ذكر فيها التقدير الاول عند قوله: والبول في الفراش.
والثاني عند قوله: والسرقة وظاهر البحر وغيره عدم الفرق بين الموضعين.(5/122)
قوله: (لانها) أي هذه العيوب الثلاثة.
قوله: (لقصور عقل) يرجع إلى الاباق والسرقة، كما أن قوله بعده: لسوء اختيار يرجع إليهما أيضا ط.
قوله: (فعند اتحاد الحالة الخ) تفريع على اختلافها صغرا
وكبرا.
قوله: (بأن ثبت إباقه) أي أو بوله أو سرقته.
قوله: (عند بائعه) أو عند بائع بائعه.
قوله: (ثم مشتريه) أفاد أنه لو ثبت عند البائع، ولم يعد عند المشتري لا يرد، وهو الصحيح كما في جامع الفصولين.
قوله: (إن من نوعه) بأن حم في الوقت الذي كان يحم فيه عند البائع كما في النهر ح.
قوله: (لو وجده يبول) أي وهو صغير وثبت بوله عند بائعه أيضا.
قوله: (حتى رجع بالنقصان) أي نقصان البول، لانه بالعيب الحادث امتنع الرد، فتعين الرجوع بالنقصان والظاهر أن العيب الحادث غير قيد، بل مثله ما لو أراد الرد فصالحه البائع عن العيب على شئ معلوم.
ثم رأيت في النهر عن الخانية: اشترى جارية وادعى أنها لا تحيض واسترد بعض الثمن ثم حاضت، قالوا: إن كان البائع أعطاه على وجه الصلح عن العيب كان للبائع أن يسترد ذلك ا ه.
وسيأتي آخر الباب تقييد الشارح ذلك بما إذا زال العيب بلا علاجه.
قوله: (ينبغي نعم) نقل ذلك في الفتح عن والد صاحب الفوائد الظهيرية، وأنه قال: لا رواية فيه، وأنه استدل لذلك بمسألتين: إحداهما إذا اشترى جارية ذات زوج كان له ردها، ولو تعيبت بعيب آخر رجع بالنقصان، فلو أبانها زوجها كان للبائع أن يسترد النقصان لزوال ذلك العيب، فكذا فيما نحن فيه.
والثانية إذا اشترى عبدا فوجده مريضا كان له الرد، ولو تعيب بعيب آخر رجع بالنقصان، فإذا رجع ثم برئ بالمداواة لا يسترد وإلا استرد، والبلوغ هنا لا بالمداواة فينبغي أن يسترد ا ه.
قوله: (تلويح) قال في البحر: وفي التلويح: الجنون اختلال القوة المميزة بين الاشياء الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب انتهى.
والاخصر اختلال القوة التي إدراك الكليات ا ه.
وأشار بقوله والاخصر إلى أن المؤدى واحد، فما عزاه الشارح إلى التلويح نقل بالمعنى، فافهم.
قوله: (ومعدنة القلب الخ) سئل علي رضي الله عنه من معدن العقل، فقال: القلب، وإشرافه إلى الدماغ، وهو خلاف ما ذكره الحكماء، وقول علي أعلى عند العلماء من بشرح بدء الامالي للقاري.
قوله: (وهو يختلف بهما) فلو جن في الصغر في يد البائع ثم عاوده في يد المشتري في الصغر أو في الكبر يرده لانه عين الاول، لان سبب الجنون في حال الصغر والكبر متحد، وهو فساد الباطن: أي باطن الدماغ، وهذا معنى قول محمد رحمه الله تعالى: والجنون عيب أبدا، لا ما قيل إن معناه أنه لا تشترط المعاودة للجنون في يد المشتري فيرد
بمجرد وجوده عند البائع فإنه غلط، لان الله تعالى قادر على إزالته بإزالة سببه، وإن كان قلما يزول،(5/123)
فإذا لم يعاوده جاز كون البيع صدر بعد الازالة، فلا يرد بلا تحقق قيام العيب فلا بد من المعاودة، وهذا هو الصحيح، وهو المذكور في الاصل والجامع الكبير، واختاره الاسبيجابي.
فتح.
قوله: (وقيل يختلف) فيكون مثل ما مر من الاباق ونحوه، فلا بد من تكرره في الصغر أو في الكبر وهذا قول ثالث، قوله: (ومقداره فوق يوم وليلة) جزم به الزيلعي، وقيل: هو عيب ولو ساعة، وقيل: المطبق.
نهر.
والمطبق بفتح الباء.
بحر.
ومر تعريفه في الصوم.
قوله: (في الاصح) قد علمت أن مقابله غلط.
قوله: (إلا في ثلاث الخ) فيه أن الكلام في معاودة الجنون وهذه ليست منه، وهي مستثناة من اشتراط المعاودة مطلقا.
وعبارة البحر: الاصل أن المعاودة عند المشتري بعد الوجود عند البائع شرط للرد إلا في مسائل الخ.
قوله: (والتولد من الزنا) بأن يكون الرقيق متولدا من الزنا، لكن هذا مما لا تمكن معاودته ط.
قوله: (والولادة) قال في الفتح: إذا ولدت الجارية عند البائع لا من البائع أو عند آخر فإنها ترد على رواية كتاب المضاربة وهو الصحيح وإن لم تلد ثانيا عند المشتري، لان الولادة عيب لازم، لان الضعف الذي حصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى.
وفي رواية كتاب البيوع لا ترد ا ه.
وقوله: لا من البائع لانها ولدت منه صارت أو ولده فلا يصح بيعها.
قال في الشرنبلالية: وقوله وإن لم تلد ليس المراد ما يوهم الرد بعد ولادتها عند المشتري لامتناعه بتعيبها عنده بالولادة ثانيا مع العيب السابق بها ا ه.
قتل: هذا مسلم إن حصل بالولادة الثانية عيب زائد على الاول، فتأمل.
قوله: (فتح) صوابه بحر لانه في الفتح لم يذكر إلا الاخيرة.
قوله: (واعتمده في النهر) حيث قال: وعندي أن رواية البيوع أوجه، لان الله تعالى قادر على إزالة الضعف الحاصل بالولادة.
ثم رأيت في البزازية عن النهاية: الولادة ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه.
وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ا ه كلام النهر.
أقول: الذي رأيته في نسختين من البزازية، وكذا في غيرها نقلا عنها ما نصه: اشتراها
وقبضها ثم ظهر ولادتها عند البائع لا من البائع وهو لا يعلم، في رواية المضاربة عيب مطلقا لان التكسر الحاصل بالولادة لا يزول أبدا، وعليه الفتوى، وفي رواية إن نقصتها الولادة عيب، وفي البهائم ليست بعيب إلا أن توجب نقصانا، وعليه الفتوى ا ه.
فقوله: وفي البهائم كأنه وقع في نسخة صاحب النهر، وفي النهاية فظنه تصحيحا للرواية الثانية في مسألة الجارية، وهو تصحيف من الكاتب، بنى عليه ما زعمه وليس كذلك، فلم يكن في المسألة اختلاف تصحيح، بل التصحيح الثاني لولادة البهيمة، فافهم.
قوله: (الحبل عيب الخ) نص على هذا التفصيل في كافي الحكام فصار الحبل في حكم الولادة على ما عرفته، وعلله في السراج بأن الجارية تراد للوطئ والتزويج والحبل يمنع من ذلك، وأما في البهائم فهو زيادة فيها.
قوله: (وكذا الادر) بفتح الهمزة والدال مع القصر، أما ممدود الهمزة فهو من به الادر، وفعله كفرح والاسم الادره بالضم، وقوله: الانثيين غير شرط،(5/124)
بل انتفاخ أحدهما كاف فيما يظهر ط.
قوله: (والعنين) الظاهر أن الياء زائدة من النساخ والاصل، والعنين بنونين، فيكون قوله: والخصي بكسر ففتح.
وعبارة الخانية والعنة عيب، وكذا الخصي والادرة.
قوله: (عيب) مصدر يصدق بالمتعدد وغيره فلا ينافي جعله خبرا عن شيئين، وعلى كون النسخة والعنين والخصي بالتشدد فيهما يكون التقدير ذو أعيب.
قوله: (فلا خيار له) لانه الخصاء عند الامام في العبد عيب، فكأنه شرط العيب فبان سليما.
وقال الثاني: الخصي أفضل لرغبة الناس فيه فيخير: بزازية.
وجزم في الفتح بقول الثاني، ومقتضاه جريان الخلاف أيضا فيما لو شرى الجارية على أنها مغنية، لان الغناء عيب شرعا كالخصاء كما قدمناه قبيل خيار الرؤية.
قوله: (والبخر) بالموحدة المفتوحة والخاء المعجمة من حد تعب.
أما بالجيم: فانتفاخ ما تحت السرة، وهو عيب في الغلام أيضا.
وفي الفتح: البخر الذي هو العيب الناشئ من تغير المعدة دون ما يكون لقلح في الاسنان فإن ذلك يزول بتنظيفها ا ه نهر.
والقلح بالقاف والحاء المهملة محركا: صفرة الاسنان كما في القاموس، وهذا أولى مما قيل إنه بالفاء والجيم، وهو تباعد ما بين الاسنان.
قوله: (والدفر) بفتح الدال المهملة والفاء وسكونها أيضا، أما بالذال المعجمة فبفتح الفاء لا غير، وهو حدة من طيب أو نتن.
قال في العناية: منه قولهم:
مسك أذفر وإبط ذفر، وهو مارد الفقهاء من قولهم: الذفر عيب في الجارية ا ه.
وأصله في المغرب، إلا أن كونه مراد الفقهاء لا غير فيه نظر، إذ لا يشترط في كونه عيبا شدته، فالاولى كونه بالمهملة، فتدبر، نهر.
قوله: (وكذا نتن الانف) الظاهر أنه يقال فيه: ذفر بالمعجمة ونتن ريح الابط بهما، نهر.
قوله: (كلها عيب فيها لا فيه) أي في الجارية لا في الغلام، لان الجارية قد يراد منها الاستفراش، وهذه المعاني تمنع منه، بخلاف الغلام لانه للاستخدام وكذا التولد من الزنا، لان الولد يعير بالام التي هي ولد الزنا، كما في العزمية عن المعراج.
قوله: خلاصة نص عبارتها: والاصح أن الامرد وغيره سواء ا ه.
وبه سقط ما في حاشية نوح أفندي والواني أنه في الخلاصة جعل البخر في الغلام الامرد عيبا، فتدبر.
قوله: (بأن يتكرر) لان اتباعهن مخل بالخدمة.
درر.
قوله: (واللواطة بها) أي بالمرأة بأن كانت تطلب من الناس ذلك.
قوله: (عيب مطلقا) أي مجانا أو بأجرة لانه يفسد الفراش.
بحر.
قوله: (وبه إن مجانا) الظاهر تقييده بما إذا تكرر.
قوله: (لانه دليل الابنة) في القاموس: الابنة بالضم: العقدة في العود والعيب ا ه.
والمراد هنا عيب خاص، وهو داء في الدبر تنفعه اللواطة.
قوله: (والكفر) لان طبع المسلم ينفر عن صحبته، ولانه يمنع صرفه في بعض الكفارات فتختل الرغبة، فلو اشتراه على أنه كافر فوجده مسلما لا يرد لانه زوال العيب.
هداية.
زاد في الشرنبلالية: أي ولو كان المشتري كافرا ذكره(5/125)
في المنبع شرح المجمع والسراج الوهاج كذا بخط العلامة الشيخ على المقدسي ا ه: أي لان الاسلام خير محض، وإن شرط المشتري الكافر عدمه.
قوله: (بحر بحثا) حيث قال: ولم أر ما لو وجده خارجا عن مذهب أهل السنة كالمعتزلي والرافضي، وينبغي أن يكون كالكافر، لان السني ينفر عن صحبته وربما قتله الرافضي، لان الرافضة يستحلون قتلنا ا ه.
وأنت خبير بأن الصحيح في المعتزلة والرافضة وغيرهم من المبتدعة أنه لا يحكم بكفرهم وإن سبوا الصحابة أو استحلوا قتلنا بشبهة دليل كالخوارج الذين استحلوا قتل الصحابة، بخلاف الغلاة منهم كالقائلين بالنبوة لعلي والقاذفين للصديقة فإنه ليس لهم شبهة دليل فهم كفار كالفلاسفة كما بسطناه في كتابنا تنبيه الولاة والحكام على حكم شاتم خير الانام وقدمنا بعضه في باب الردة، وبه ظهر مراد البحر غير الكافر منهم، ولذا شبهه بالكافر، وبه
سقط اعتراض النهر بأن الرافضي الساب للشيخين داخل في الكافر، وكذا ما أجاب به بعضهم من أن مراد البحر المفضل لا الساب، فافهم.
قوله: (عيب فيهما) أي في الجارية والغلام.
قوله: (ولو المشتري ذميا، سراج) عبارة السراج على ما في البحر: الكفر عيب، ولو اشتراها مسلم أو ذمي.
قال في البحر: وهو غريب في الذمي ا ه.
وكذا قال في النهر: ولم أره في كلام غير السراج، كيف ولا نفع للذمي بالمسلم لانه يجبر على إخراجه عن ملكه ا ه، يعني أنه لو ظهر مشري الذمي مسلما ليس له الرد كما قدمناه، مع أنه لا يمكن من إبقائه على ملكه، فإذا ظهر كافرا يكون عدم الرد بالاولى لانه يبقى على ملكه فهو أنفع له من المسلم، فكيف يكون كفره عيبا في حق الذمي دون إسلامه، هذا تقرير كلامه فافهم.
وقد يجاب بأن الاسلام نفع محض شرعا وعقلا فلا يكون عيبا في حق أحد أصلا، بخلاف الكفر فإنه أقبح العيوب شرعا وعقلا، فهو عيب محض في حق الكل، ولذا قال المصنف في المنح بعدما مر عن البحر.
أقول: ليس بغريب، لما علم من أن العيب ما ينقص الثمن عند التجار، ولا شك أن الكفر بهذه المثابة، لان المسلم ينفر عنه وغيره لا يرغب في شرائه لعدم الرغبة فيه من الكل وهو أقبح العيوب، لان المسلم ينفر عن صحبته، ولا يصلح للاعتاق في بعض الكفارات فتختل الرغبة ا ه.
قلت: ويؤيده أنها لو ظهرت مغنية له الرد، مع أن بعض الفسقة يرغب فيها ويزيد في ثمنها لانه عيب شرعا، وكذا لو ظهر الامرد أبخر ليس له الرد، مع أنه عيب عند بعض الفسقة، لكنه ليس بعيب شرعا، لانه لا يخل بالاستخدام وإن أخل بغرض المشتري الفاسق، نعم يشكل عليه ما في الخانية: يهودي باع يهوديا زيتا وقعت فيه قطرات خمر جاز البيع، وليس له الرد لان هذا ليس بعيب عندهم ا ه تأمل.
قوله: (وعدم الحيض) لان ارتفاع الدم واستمرار علامة الداء، لان الحيض مركب في بنات آدم، فإذا لم تحض فالظاهر أنه لداء فيها وذلك الداء هو العيب، وكذا الاستحاضة لداء فيها، زيلعي.
قوله: (وعندهما خمسة عشر) وبقولهما يفتي ط.
فانقطاع الحيض لا يكون عيبا إلا إذا كان في أوانه، أما انقطاعه في سن الصغر أو الاياس فلا اتفاقا، كما في البحر عن المعراج.
قال في النهر: ويجب أن يكون معناه إذا اشتراها عالما بذلك.
وفي المحيط: اشتراها على أنها تحيض فوجدها لا تحيض إن
تصادقا على أنها لا تحيض بسبب الاياس فله الرد لانه عيب، لانه اشتراها للحبل والآيسة لا تحبل ا ه.
قلت: ما في المحيط ظاهر، لانه حيث اشترط حيضها كان فوات الوصف المرغوب، أما إذا لم(5/126)
يشترطه فالظاهر أنها لا ترد لما قدمناه عن البزازية: لو وجد الدابة كبيرة السن لا ترد إلا إذا شرط صغرها، فتدبر.
وفي القنية: وجدها تحيض كل ستة أشهر مرة فله الرد.
قوله: (ويعرف بقولها الخ) قال في الهداية: ويعرف ذلك بقول الامة، فترد إذا انضم إليه نكول البائع قبل القبض وبعده هو الصحيح ا ه.
ومثله في متن الملتقى.
وذكر الزيلعي تبعا للنهاية وغيرها من شروح الهداية أنه لا تسمع دعواه بأنه ارتفع حيضها إلا إذا ذكر سببه وهو الداء أو الحبل، فما لم يذكر أحدهما لا تسمع دعواه، ويعرف ذلك بقول الامة لانه لا يعرفه غيرها ويستحلف البائع مع ذلك فترد بنكوله لو بعد القبض، وكذا قبله في الصحيح.
وعن أبي يوسف: ترد بلا يمين البائع.
قالوا في ظاهر الرواية: لا يقبل قول الامة فيه كما في الكافي، والمرجع في الحبل إلى قول النساء، وفي الداء إلى قول الاطباء، واشترط لثبوت العيب قول عدلين منهم ا ه ملخصا، واعترضهم في الفتح بأن اشتراط ذكر السبب مناف لتقرير الهداية بأنه يعرف بقول الامة، وكذا قال العتابي وغيره، وهو الذي يجب أن يعول عليه، إذ لو لزم دعوى الداء أو الحبل لم يتصور أن يثبت بقولها توجه اليمين على البائع، بل لا يرجع إلا إلى قول الاطباء إو النساء، ولذا لم يتعرض له فقيه النفس قاضيخان، فظهر أن اشتراطه قول مشايخ آخرين يغلب على الظن خطؤهم ا ه ملخصا، واعترضه في البحر بأن قاضيخان صرح أولا بالاشتراط نقلا عن الامام ابن الفضل، ثم نقل عنه أيضا بعد صفحة ما عزاه صاحب الفتح إلى الخانية.
ولا منافاة بين قولهم يعتبر قول الامة وقولهم والمرجع إلى النساء في الحبل وإلى الاطباء في الداء، لان الاول إنما هو لاجل انقطاع الدم لتتوجه الخصومة إلى البائع، فإذا توجهت إليه بقولها وعين المشتري أنه عن حبل، رجعنا إلى النساء العالمات بالحبل لتتوجه اليمين على البائع، وإن عين أنه عن داء، رجعنا إلى قول الاطباء، كذلك كما لا يخفى ا ه.
لكن قال في النهر: ورأيت في المحيط أن اشتراط ذكر السبب رواية النوادر، وعليه يحمل ما في الخانية ا ه.
ومقتضاه تعيين الرجوع إلى قول الامة، لكن ينافيه ما مر من قوله قالوا ظاهر
الرواية أنه لا يقبل قولها فيه، إلا أن يقال: إن لفظ قالوا يشير إلى الضعف.
ونقل العلامة المقدسي عن الرئيس الشيخ قاسم أنه ذكر عبارتي الخانية وقال: إن الثانية: أي التي اقتصر عليها في الفتح أوجه.
قلت: وهذا ترجيح منه لما اختاره في الفتح، وأليه يشير كلام النهر أيضا.
تنبيه: في صفة الخصومة في ذلك أما على ما ذكره الشراح فهي أنه بعد بيان السبب والرجوع إلى النساء أو الاطباء ومضي المدة الآتي بيانها يسأل القاضي البائع، فإن صدق المشتري ردها عليه، وإن قال هي كذلك للحال وما كانت كذلك عندي توجهت الخصومة على البائع لتصادقهما على قيامه للحال فللمشتري تحليفه، فإن حلف برئ وإلا ردت عليه، وإن أنكر الانقطاع للحال لا يستحلف عنده، وعندهما يستحلف.
قال في النهاية ويجب كونه على العلم بالله ما يعلم انقطاعه عند المشتري، وتعقبه في الفتح بأنه لو حلف كذلك لا يكون إلا بارا، إذ من أين يعلم أنها لم تحض عند المشتري اه.
وأما(5/127)
صفتها على ما صححه في الفتح فقال بأن يدعي الانقطاع للحال ووجوده عند البائع، فإن اعترف البائع به ردت عليه، وإن اعترف به للحال وأنكر وجوده عنده استخبرت الجارية، فإن ذكرت أنها منقطعة اتجهت الخصومة فيحلفه بالله ما وجده عنده، فإن نكل ردت عليه، وإن اعترف بوجوده عنده وأنكر الانقطاع للحال فاستخبرت فأنكرت الانقطاع لا يستحلف عنده، وعندهما يستحلف اه.
قوله: (ولا تسمع في أقل من ثلاثة أشهر عند الثاني) اعلم أن الزيلعي ذكر هنا أيضا تبعا لشراح الهداية أنه لو ادعى انقطاعه في مدة قصيرة لا تسمع دعواه، وفي المديدة تسمع وأقلها ثلاثة أشهر عند أبي يوسف، وأربعة أشهر وعشر عند محمد، وعن أبي حنيفة وزفر أنها سنتان ا ه.
وفي رواية: تسمع دعوى الحبل بعد شهرين وخمسة أيام، وعليه عمل الناس.
بزازية وغيرها.
وذكر في البحر أن ابتداء المدة من وقت الشراء، ورجح في الفتح ما في الخانية من تقديرها بشهر.
ورد عليه في البحر بأنه خبط عجيب وغلط فاحش، لانه لا اعتبار بما في الخانية مع صريح النقل عن أئمتنا الثلاثة، وأقره في النهر.
قلت: وهو مدفوع، فقد قال في الذخيرة: أما إذا ادعى المشتري انقطاع حيضها وأراد ردها بهذا السبب لا يوجد لهذا رواية في المشاهير، ثم قال بعد كلام: ويحتاج بعد هذا إلى بيان الحد الفاصل بين
المدة اليسيرة والكثيرة، قالوا: ويجب أن يكون هذا كمسألة مدة الاستبراء إذا انقطع الحيض، والروايات فيها مختلفة.
ثم ذكر الروايات السابقة.
فعلم أن ما ذكروه هنا من المدة إنما ذكروه بطريق القياس على مسألة استبراء ممتدة الطهر، وقد نبه على ذلك المحقق صاحب الفتح، ورد القياس بإبداء الفارق بين المسألتين، فإنه نقل ما في الخانية من تقدير المدة بشهر.
ثم قال: وينبغي أن يعول عليه، وما تقدم هو خلاف بينهم في استبراء ممتدة الطهر، والروايات هناك تستدعي ذلك الاعتبار، فإن الوطئ ممنوع شرعا إلى الحيض لاحتمال الحبل فيكون ماؤه ساقيا زرع غيره، فقدره أبو حنيفة وزفر بسنتين لانه أكثر مدة الحمل، وهو أقيس، وقدره محمد وأبو حنيفة في رواية بعد الوفاة، لاه يظهر فيها الحبل غالبا.
وأبو يوسف بثلاثة أشهر لانها عدة من لا تحيض.
وفي رواية عن محمد: شهران وخمسة أيام، وعليه الفتوى.
والحكم هنا ليس إلا كون الامتداد عيبا فلا يتجه إناطته بسنتين أو غيرهما من المدد ا ه ملخصا.
فقد ظهر لك أنه لا يصلح في مسألتنا دعوى النقل عن أئمتنا الثلاثة، لان المنقول عنهم ذلك إنما هو في مسألة الاستبراء المذكورة، أما مسألة العيب فلا ذكر لها في المشاهير، وإنما اختلف المشايخ فيها قياسا على مسألة الاستبراء، والامام فقيه النفس قاضيخان اختار تقدير المدة بشهر لتتوجه الخصومة بالعيب المذكور، لانه يظهر للقوابل أو للاطباء في شهر فلا حاجة إلى الاكثر، ورجحه خاتمة المحققين وهو من أهل الترجيح، فالقول بأنه خبط عجيب هو العجيب، فاغتنم هذا التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق قوله: (والاستحاضة) بالجر عطفا على المضاف الذي هو عدم ط.
قوله: (والسعال القديم) أي إذا كان عن داء، فأما القدر المعتاد منه فلا.
فتح.
وظاهره أن الحادث غير عيب ولو وجد عندهما، لكن المنظور إليه كونه عن داء لا القدم، ولذا قال في الفصولين: السعال عيب إن فحش وإلا فلا، أفاده في البحر.
قوله: (والدين) لان ماليته تكون مشغولة به والغرماء مقدمون على المولى، وكذا لو في رقبته جناية.
قال في السراج: لانه يدفع فيها فتستحق رقبته بذلك، وهذا يتصور فيما لو حدثت بعد لعقد قبل القبض، فلو قبل العقد فبالبيع صار البائع مختارا للفداء، ولو قضى المولى الدين قبل الرد(5/128)
سقط الرد للزوال الموجب له ا ه.
وكذا لو أبرإه الغريم: بزازية: وفي القنية: الدين عيب إلا إذا كان
يسيرا لا يعد مثله نقصانا.
بحر.
قوله: (لا المؤجل لعتقه) اللام بمعنى إلى، والمراد الذي تتأخر المطالبة به إلى ما بعد عتقه كدين لزمه بالمبايعة بلا إذن المولى.
قوله: (لكن عمم الكمال) هو بحث منه مخالف للنقل.
بحر.
قوله: (وعلله بنقصان ولائه وميراثه) لم يظهر وجه نقصان الولاء إلا أن يراد نقصان الولاء بنقصان ثمرته وهي الميراث.
تأمل ا ه ح.
قوله: (كسبل) هو داء في العين يشبه غشاوة كأنها نسج العنكبوت بعروق حمر ا ه ح عن جامع اللغة.
قوله: (وحوص) بفتحتين والحاء والصاد مهملتان: ضيق في آخر العين، وبابه ضرب.
وعن جامع اللغة ونحوه في القاموس والمصباح.
وفي الفتح.
أنه نوع من الحول.
قوله: (بثر) بضم الباء وتسكين المثلثة يفرق بينه وبين واحده بالتاء ويذكر لكونه اسم جنس ويؤنث نظرا إلى الجمعية، فإنه اسم جنس وضعا بمعنى استعمالا على المختار ط.
قوله: (والاصبعان عيبان الخ) أي قطعهما، فلو باعها بشرط البراءة من عيب واحد في يدها فإذا هي مقطوعة أصبع واحدة برئ، لا لو أصبعين لانهما عيبان، وإن كانت الاصابع كلها مقطوعة مع نصف الكف فهو عيب واحد، ولو مقطوعة الكف لا يبرأ، لان البراءة عن عيب اليد والعيب يكون حال قيامها لا حال عدمها كما في الخانية.
ومفاده أنه لو لم يقل في يدها يبرأ مقطوعة الكف، وعليه يحمل كلام الشارح، وكان الانسب ذكر هذه المسألة فيما سيأتي عند ذكر اشتراط البراءة.
قوله: والشيب ومثله الشمط: وهو اختلاط البياض بالسواد، وعللوه بأنه في أوانه للكبر، وفي أوانه للداء.
قال في جامع الفصولين: أقول: جعل الكبر هنا عيبا لا في عدم الحيض، حتى لو ادعى عدم الحيض للكبر لم يسمع على ما يدل عليه ما مر من قوله لا نسمع دعوى عدم الحيض، إلا أن يدعيه بحبل أو داء، وبينهما منافاة ا ه.
قوله: (وشرب خمر جهرا) أي مع الادمان، فلو على الكتمان أحيانا فليس بعيب كما في جامع الفصولين: أي لانه لا ينقص الثمن وإن كان عيبا في الدين.
قوله: (إن عد عيبا) كقمار بنرد وشطرنج ونحوهما، لا إن كان لا يعد عيبا عرفا كقمار بجوز وبطيخ.
جامع الفصولين.
فالمدار على العرف.
قوله: (لو كبيرين مولدين) بخلافه في الصغيرين.
وفي الجليب من دار الحرب لا يكون عيبا مطلقا.
قال في الخانية: وهذا عندهم، يعفي عدم الختان في الجارية المولدة.
أما عندنا عدم الخفض في الجارية لا يكون عيبا.
بحر.
قوله: (وعدم نهق حمار) لانه يدل على عيب فيه ط.
قوله: (وقلة أكل دواب) احتراز عن الانسان فكثرته
فيه عيب، وقيل: في الجارية عيب لا الغلام، ولا شك أنه لا فرق إذا أفرط.
فتح.
قوله: (ونكاح) أي في العبد والجارية.
خانية.
لان العبد يلزمه نفقة الزوجة، والجارية يحرم وطؤها على السيد قال في الخانية: وكذا لو كانت الجارية في العدة عن طلاق رجعي لا عن طلاق بائن والاحرام ليس بعيب(5/129)
فيها، وكذا لو كانت محرمة عليه برضاع أو صهرية، قوله: (وكذب ونميمة) ينبغي تقييدهما بالكثير المضر.
قوله: (وترك صلاة) وكذا غيرها من الذنوب.
بحر.
قوله: (لكن في القنية الخ) يؤيده ما في جامع الفصولين رامزا إلى الاصل: الزنا في القن ليس بعيب لانه نوع فسق فلا يوجب خللا ككونه آكل الحرام أو تارك الصلاة ا ه، فافهم.
قوله: (ينبغي أن يتمكن من الرد الخ) أقره في البحر والنهر.
وفي الولوالجية: والهتوع عيب، وهو مأخوذ من الهتعة، وهي دائرة بيضاء تكون في صدر الحيوان إلى جانب نحره يتشاءم به، فيوجب نقصانا في الثمن بسبب تشاؤم الناس ا ه، قوله: (لو على الذقن الخ) عبارة البحر: وكذا الحال إن كان قبيحا منقصا ا ه.
وفي البزازية: والخال والثؤلول لو في موضع مخل بالزينة.
أما في موضع لا يخل بها كتحت الابط والركبة لا.
قوله: (والعيوب كثيرة) منها الادرة في الغلام والعفلة وهي ورم في فرج الجارية، والسن الساقطة والخضراء والسوداء ضرسا أو لا.
واختلف في الصفرة ومنها الظفر الاسود إن نقص القيمة، وعدم استمساك البول، والحرن في الدابة: وهو أن تقف ولا تنقاد، والجموح: وهو أن لا تقف عند الالجام، وخلع الرسن واللجام، وكذا لو اشترى كرما فوجد فيه ممرا أو مسيلا للغير أو كان مرتفعا لا يصل إليه الماء إلا بالسكر أو لا شرب له، بزازية: وذكر في البحر زيادة على ذلك، فراجعه.
قوله: (حدث عيب آخر عند المشتري) من ذلك ما إذا اشترى حديدا ليتخذ منه آلات النجارين وجعله في الكور ليجربه بالنار فوجد به عيبا ولا يصلح لتلك الآلات يرجع بالنقصان ولا يرده، ومنه أيضا بل الجلود أو الابريسم فإنه عيب آخر يمنع الرد، وتمامه في البحر.
قوله: (بغير فعل البائع) ومثله الاجنبي، فبقي كلام المصنف شاملا لما إذا كان بفعل المشتري أو بفعل المعقود عليه أو بآفة سماوية، ففي هذه الثلاث لا يرده بالعيب القديم، لانه يلزم رده بعيبين، وإنما يرجع بحصة العيب إلا إذا رضي البائع به ناقصا، أفاده في البحر.
قوله: (فلو
به) أي بفعل البائع ومثله الاجنبي، وقوله: بعد القبض يغني عن قول المصنف: عند المشتري لكنه صرح به ليقابله بقوله: وأما قبله فافهم.
قوله: (رجع بحصته) أي حصة العيب الاول، وامتنع الرد.
بحر.
قوله: (ووجب الارش) أي أرش العيب الحادث بفعل البائع، فحينئذ يرجع على البائع بشيئين: الاول حصة العيب الاول من الثمن.
والثاني أرش العيب الثاني ط.
ولو كان العيب(5/130)
الثاني بفعل أجنبي رجع بالارش عليه.
قوله: (وأما قبله الخ) أي وأما إذا كان حدوث العيب الثاني بفعل البائع قبل القبض خير المشتري سواء وجد به عيبا أو لا بين أخذه: أي مع طرح حصة النقصان من الثمن وبين رده وأخذ كل الثمن، وكذا لو كان بآفة سماوية أو بفعل المعقود عليه فإنه يرده بكل الثمن، أو يأخذه يطرح عنه حصة جناية المعقود عليه، وكذا لو كان بفعل أجنبي فإنه يخير، لكنه إن اختار الاخذ يرجع بالارش على الجاني وإن كان بفعل المشتري لزمه بجميع الثمن، وليس له أن يمسكه يطلب النقصان، أفاده في البحر.
وقوله: ويطرح عنه حصة جناية المعقود عليه ظاهره أنه لا يطرح عنه شئ لو النقصان بآفة سماوية.
ثم رأيت في جامع الفصولين قال: ولو بآفة سماوية، فإن كان النقصان قدرا يطرح عن المشتري حصته من الثمن وهو مخير في الباقي أخذه بحصته أو تركه ككون المبيع كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا وفات بعض من القدر، وإن كان النقصان وصفا لا يطرح عن المشتري شئ من الثمن، وهو مخير أخذه بكل ثمنه أو تركه، والوصف ما يدخل في المبيع بلا ذكر كشجر وبناء في الارض وأطراف في الحيوان وجوده في الكيلي والوزني، إذ الاوصاف لا قسط لها من الثمن إلا إذا ورد عليها الجناية أو القبض: يعني إذا قبض ثم استحق شئ من الاوصاف يرجع بحصته من الثمن ا ه.
قوله: (بكل الثمن) متعلق بقوله: أو رده ولا يصح تعلقه أيضا بقوله: فله أخذه أفاده ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء وجد به عيبا أو لا ح.
ومثله ما مر عن البحر.
ولا يخفى أن المراد العيب القديم، وإلا فالكلام فيما إذا حدث به عيب، وأشار إلى أن حدوثه قبل القبض بفعل كاف في التخيير بين الاخذ والرد سواء كان به عيب قديم أو لا، فافهم.
قوله: (فالقول للبائع) لا يناسب قوله: ولو برهن الخ فكان المناسب أن يقول أولا: ولو ادعى البائع حدوثه الخ.
أفاده ح.
قوله:
(إلا في بلد العقد) الاولى أن يقول: في موضع العقد ليشمل ما لو نقله إلى بيته في بلد العقد، وأشار إلى أن تحميله بمنزلة حدوث عيب لما فيه من مؤنة الرد إلى موضع العقد، لكن هذا العيب غير مانع، لان مؤنة الرد على المشتري فلا ضرر فيه على البائع، وقدمنا الكلام على هذه المسألة أول باب خيار الرؤية، قوله: (رجع بنقصانه) بأن يقوم بلا عيب ثم مع العيب، وينظر في التفاوت، فإن كان مقدار عشر القيمة رجع بعشر الثمن، وإن كان أقل أو أكثر فعلى هذا الطريق، حتى لو اشتراه بعشرة وقيمته مائة وقد نقصه العيب عشرة رجع بعشر الثمن وهو درهم، قال البزازي: وفي المقايضة إن كان النقصان عشر القيمة رجع بنقصان ما جعل ثمنا: يعني ما دخل عليه الباء، ولا بد أن يكون المقوم اثنين يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري، والمقوم الاهل في كل حرفة، ولو زال الحادث كان له رد المبيع مع النقصان، وقيل: لا، وقيل: إن كان بدل النقصان قائما رد وإلا لا، وكذا في القنية، والاول بالقواعد أليق.
نهر.
قوله: (إلا فيما استثنى) أي من المسائل الست المتقدمة أول الباب ط.
وقد علمت ما فيها، وكتبنا هناك مسائل أخر منها ما يأتي قريبا في كلام المصنف من مسألة البعير وغيرها.
وفي فتح القدير: ثم الرجوع بالنقصان إذا لم يمتنع الرد بفعل مضمون من جهة المشتري.(5/131)
أما إذا كان بفعل من جهته كذلك كأن قتل المبيع أو باعه أو وهبه وسلمه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب فليس له الرجوع بالنقصان، وكذا إذا قتل عند المشتري خطأ، لانه لما وصل البدل إليه صار كأنه ملكه من القاتل بالبدل، فكان كما لو باعه ثم اطلع على عيب لم يكن له حق الرجوع، ولو امتنع الرد بفعل غير مضمون له أن يرجع بالنقصان ولا يرد المبيع.
قوله: (ومنه ما لو شراه تولية) هذه إحدى مسألتين ذكرهما في البحر بقوله: يستثنى مسألتان: أحداهما بيع التولية لو باع شيئا تولية ثم حدث به عيب عند المشتري وبه عيب قديم لا رجوع ولا رد، لانه لو رجع صار الثمن الثاني أنقص من الاول، وقضية التولية أن يكون مثل الاول، والثانية لو قبض المسلم فيه فوجد به عيبا كان عند المسلم إليه وحدث به عيب عند رب السلم، قال الامام: يخير المسلم إليه إن شاء قبله معيبا بالعيب الحادث، وإن شاء لم يقبل، ولا شئ عليه من رأس المال ولا من نقصان العيب، لانه لو غرم نقصان
العيب من رأس المال كان اعتياضا عن الجودة فيكون ربا ا ه ملخصا.
قوله: (أو خاطه لطفله) الاولى أن يقول: أو قطعه لطفله لان من اشترى ثوبا فقطعه لباسا لطفله وخاطه صار مملكه له بالقطع قبل الخياطة، فإذا وجد به عيبا لا يرجع بنقصانه، أما لو كان الولد كبيرا يرجع بالعيب لانه لا يصير ملكا له إلا بقبضه، فإذا خاطه قبل القبض امتنع الرد بالخياطة، فإذا حصل التمليك بعد ذلك بالتسليم لا يمتنع الرجوع بالنقصان، بناء على ما سيأتي من أن كل موضع للبائع أخذه معيبا لا يرجع بإخراجه عن ملكه، وإلا رجع، ففي الاول أخرجه عن ملكه قبل امتناع الرد، وفي الثاني بعده، إذ ليس للبائع أخذه معيبا بعد الخياطة كما يأتي، وتمامه في الزيلعي.
وبما قررناه ظهر أن التقييد بالخياطة تبعا للهداية احترازي في الكبير، اتفاقي في الصغير، كما نبه عليه في البحر.
قوله: (أو رضي به البائع) يعني أنه لو أراد الرجوع بنقصان العيب ورضي البائع بأخذه منه معيبا امتنع رجوع المشتري بالنقصان، بل إما أن يمسكه بلا رجوع وإما أن يرده.
لا يقال: لا حاجة إلى هذه المسألة مع قول المتن: وله الرد برضا البائع لان ما في المتن لبيان أنه مخير بين الرجوع بالنقصان والرد برضا البائع.
وهذا لا يدل على أن رضا البائع بالرد يبطل اختيار المشتري الرجوع بالنقصان، فلذا ذكر الشارح هذه المسألة مبطلات الرجوع، فلله دره بما حواه دره.
فافهم.
قوله: (وله الرد برضا البائع) لان في الرد إضرار بالبائع لكونه خرج عن ملكه سالما عن العيب الحادث، فتعين الرجوع بالنقصان، إلا أن يرضى بالضرر فيخير المشتري حينئذ بين الرد والامساك من غير رجوع بنقصان، وهذا المعنى لا يستفاد من المتن، فلو قال ولم يرجع بنقصان لكان أولى نهر.(5/132)
قلت: وقد أفاد الشارح هذا المعنى بذكر المسألة التي قبله كما قررناه آنفا، ثم إن مقتضى قولهم إلا أن يرضى بالضرر أن المشتري يرجع عليه بجميع الثمن كاملا، وبه صرح القهستاني حيث قال: غير طالب: أي البائع لحصة النقصان ا ه.
فدل على أن البائع ليس له طلب حصة النقصان الحادث فيرد كل الثمن.
ثم رأيته أيضا في حاشية نوح أفندي حيث قال: لسقوط حقه برضاه بالضرر فلا يرجع على المشتري بنقصان العيب الحادث ا ه.
ولينظر الفرق بين هذا وبين ما قدمه الشارح عن العيني عند قوله:
والسرقة.
تنبيه: أشار المصنف باشتراط رضا البائع إلى فرع في القنية لو رد المبيع بعيب بقضاء أو بغير قضاء أو تقابلا ثم ظفر البائع بعيب حدث عند المشتري فللبائع الرد ا ه: يعني لعدم رضاه به أولا.
وفي البزازية: رده المشتري بعيب وعلم البائع بحدوث عيب آخر عند المشتري رد على المشتري مع أرش العيب القديم أو رضي بالمردود ولا شئ به، وإن حدث فيه عيب آخر عند البائع رجع البائع على المشتري بأرش العيب الثاني، إلا أن يرضى أن يقبله بعيبه الثالث أيضا ا ه بحر.
هذا، وسيذكر المصنف أنه يعود الرد بالعيب القديم بعد زوال العيب الحادث.
قوله: (إلا لمانع عيب) أي إلا لعيب مانع من الرد، كما لو قتل المبيع عند المشتري رجلا خطأ ثم ظهر أنه قتل آخر عند البائع فقبله البائع بالجنايتين لا يجبر المشتري على ذلك، إنما يرجع بالنقصان على الجناية الاولى دفعا للضرر عنه، لانه لو رده على بائعه كان مختارا للداء فيهما، وكما لو اشترى عصيرا فتخمر بعدم قبضه ثم وجد فيه عيبا لا يرده وإن رضي البائع، وإنما ترجع بالنقصان، كذا في النهر ح.
قوله: (أو زيادة) أي أو إلا لزيادة مانعة، كما سيأتي في نحو الخياطة ح.
مطلب في أنواع زيادة البيع ثم اعلم أن الزيادة في المبيع إما قبل القبض أو بعده، وكل منهما نوعان: متصلة ومنفصلة.
والمتصلة نوعان: متولدة كسمن وجمال فلا تمنع قبل القبض، وكذا بعده في ظاهر الرواية، وللمشتري الرجوع بالنقصان، وليس للبائع قبوله عندهما، وعند محمد: له ذلك، وغير متولدة كغرس وبناء وصبغ وخياطة فتمنع الرد مطلقا.
والمنفصلة نوعان: متولدة كالولد والثمر والارش، فقبل القبض لا تمنع، فإن شاء ردهما أو رضي بهما بجميع الثمن، وبعد القبص يمتنع الرد ويرجع بحصة العيب.
وغير متولدة ككسب وغلة وهبة وصدقة، فقبل القبض لا تمنع الرد، فإذا رد فهي للمشتري بلا ثمن عنده ولا تطيب له.
وعندهما للبائع ولا تطيب له، وبعد القبض لا تمنع الرد أيضا وتطيب له الزيادة، وتمامه في البحر عن القنية.(5/133)
وحاصله أنه يمتنع الرد في موضعين في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض كما في البزازية وغيرها، ووقع في الفتح أن المنفصلة المتولدة تمنع الرد، لكنه قال بعده: إنه قبل القبض يخير كما مر، وبعد القبض يرد المبيع وحده بحصته من الثمن.
واعترضه في البحر بأنه سهو، إذ هذا التفصيل لا يناسب قوله تمنع الرد، وإنما يناسب الرد، وهو خلاف ما مر عن القنية والبزازية وغيرهما، وذكر نحوه في نور العين.
وأجاب في النهر بأن قول الفتح تمنع الرد معناه: تمنع رد الاصل وحده.
قلت: ولا يخفى ما فيه، فإن قول الفتح وبعد القبض يرد المبيع وحده ينافيه، وقد صرح في الذخيرة أيضا بأنه لا يرده، لان الولد يصير ربا لكونه صار للمشتري بلا عوض، بخلاف غير المتولدة كالكسب لانه لم تتولد من المبيع بل من منافعه، فلم تكن مبيعة، فأمكن أن تسلم للمشتري مجانا، أما الولد فإنه مبيع من وجه لتولده من المبيع فله صفته، فلو سلم للمشتري مجانا كان ربا، ونحوه في الزيلعي.
قوله: (كأن اشترى ثوبا) تمثيل لاصل المسألة لا للزيادة، قال في البحر: هو تكرار، لان رجوعه وجواز رده برضا بائعه في الثوب من أفراد ما قدمه، ولم تظهر فائدة لافراد الثوب إلا ليترتب عليه مسألة ما إذا خاطه فإنه يمتنع الرد ولو برضاه ا ه ط.
قوله: (فقطعه) ووطئ الجارية كالقطع بكرا كانت أو ثيبا، نهر.
وستأتي مسألة الجارية في المتن.
قوله: (فاطلع على عيب) ذكر الفاء يفيد أن القطع لو كان بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان، ووجهه ظاهر فليراجع ا ه ح.
ويشهد له قول المصنف الآتي واللبس والركوب والمداواة رضا بالعيب الخ.
قوله: (فاسدا) الاولى فاسدة.
قوله: (لا يرجع لافساد ماليته) أشار به إلى الفرق بين هذه المسألة وما قبلها، وهو أن النحر إفساد للمالية لصيرورة المبيع به عرضة للنتن والفساد، ولذا لا يقطع السارق به فاختل معنى قيام المبيع كما في النهر ح.
وعدم الرجوع قول الامام.
وفي الخانية وجامع الفصولين: لو اشترى بعيرا فلما أدخله داره سقط فذبحه فظهر عيبه يرجع بنقصانه عندهما، وبه أخذ المشايخ، كما لو أكل طعاما فوجد به عيبا، ولو علم عيبه قبل الذبح فذبحه لا يرجع ا ه.
قال في البحر.
وفي الواقعات: الفتوى على قولهما في الاكل فكذا هنا ا ه.
قال الخير الرملي: ويجب تقييد المسألة بما إذا نحره وحياته مرجوه، أما إذا أيس
من حياته فله الرجوع بالنقصان عند الامام أيضا، لان النحر في هذه الحالة ليس إفسادا للمالية.
تأمل ا ه.
قوله: (كما لا يرجع لو باع المشتري الثوب الخ) أي أخرجه عن ملكه والبيع مثال، فعم ما لو وهبه أو أقر به لغيره، ولا فرق بين ما إذا كان بعد رؤية العيب أو قبله.
كما في الفتح، سواء كان ذلك لخوف تلفه أو لا، حتى لو وجد السمكة المبيعة معيبة وغاب البائع بحيث لو انتظره لفسدت فباعها لم يرجع أيضا بشئ كما في القنية، نهر.
ثم اعلم أن البيع ونحوه مانع من الرجوع بالنقصان سواء كان بعد حدوث عيب عند المشتري أو(5/134)
قبله، إلا إذا كان بعد زيادة كخياطة ونحوها كما يأتي، ولذا قال في المحيط: ولو أخرج المبيع عن ملكه بحيث لا يبقى لملكه أثر، بأن باعه أو وهبه أو أقر به لغيره ثم علم بالعيب لا يرجع بالنقصان، وكذا لو باع بعضه، وإن تصرف تصرفا لا يخرجه عن ملكه بأن آجره أو رهنه أو كان طعاما فطبخه أو سويقا فلته بسمن أو بنى في العرصة أو نحوه ثم علم بالعيب فإنه لا يرجع بالنقصان إلا في الكتابة بحر.
لكن في جامع الفصولين: شراه فآجره فوجد عيبه فله نقض الاجارة بعيبه، بخلاف رهنه من غيره فإنه يرده بعد فكه ا ه.
والظاهر أن ما في المحيط من عدم رجوعه بالنقصان بعد الاجارة والرهن المراد به إذا رضيه البائع معيبا، فحينئذ لا يرجع بل يرده.
تأمل.
قوله: (أو بعضه) ظاهره أنه ليس له رد ما بقي لتعيبه بالقطع أو الشركة، وكذا ليس له الرجوع بنقصان الباقي كما يفيده ما نقلناه عن المحيط.
ثم رأيت في القهستاني: لو باع بعضه لم يرجع بالنقصان بحصة ما باع، وكذا بحصة ما بقي على الصحيح ولم يرده عنده كما في المحيط ا ه.
وهذا بخلاف ما لو كان أثوابا فباع بعضها فإن له رد الباقي كما مر متنا قبيل هذا الباب، وسيأتي أيضا في قوله: اشترى عبدين الخ وبخلاف ما لو كان المبيع طعاما ويأتي الكلام عليه.
قوله: (لجواز رده مقطوعا لا مخيطا) يعني أن الرد بعد القطع غير ممتنع برضا البائع، فلما باعه المشتري صار حابسا للمبيع بالبيع فلا يرجع بالنقصان لكونه صار مفوتا للرد، بخلاف ما لو خاطه قبل العلم بالعيب ثم باعه، فإنه لا يبطل الرجوع بالنقصان لان الخياطة مانعة من الرد كما يأتي، فبيعه بعد امتناع الرد لا تأثير له، لانه لم يصر حابسا له بالبيع كما أفاده الزيلعي وغيره،
والاصل كما في الذخيرة أنه في كل موضع أمكن المشتري رد المبيع القائم في ملكه على البائع برضاه أو بدونه، فإذا أزاله عن ملكه ببيع أو شبهة لا يرجع بالنقصان، وفي كل موضع لا يمكنه رده على البائع، فإذا أزاله عن ملكه يرجع بالنقصان، ونحوه في الزيلعي، وبنى عليه مسألة ما لو خاط الثوب لطفله وقد مرت.
قوله: (وخاطه) أشار به مع ما عطف عليه إلى الزيادة المتصلة الغير المتولدة، وقدمنا بيانها.
قوله: (بأي صبغ كان) ولو أسود، وعند أبي حنيفة: السواد نقصان، فيكون للبائع أخذه وهو اختلاف زمان ا ه ح.
قوله: (أو لت السويق بسمن) أي خلطه به، ومثله لو اتخذ الزيت المبيع صابونا وهي واقعة الحال.
رملي.
قوله: (أو غرس أو بنى) أي في الارض المبيعة ط.
قوله: (ثم اطلع على عيب) أي في السويق أو الثوب بعد هذه الاشياء.
منح.
قال ح: وهو يفيد أن الزيادة لو كانت بعد الاطلاع على العيب لا يرجع بالنقصان ووجهه ظاهر، ويدل عليه أيضا قول مسكين: ولم يكن عالما وقت الصبغ واللت ا ه.
قوله: (بسبب الزيادة) لانه لا وجه للفسخ في الاصل دونها لانها لا تنفك عنه، ولا وجه إليه معها لحق الشرع الخ.
قوله: (لحصول الربا) فإن الزيادة حينئذ تكون فضلا مستحقا في عقد المعاوضة بلا مقابل، وهو معنى الربا أو شبهته، ولشبهة الربا حكم الربا.
فتح.
وبه اندفع ما(5/135)
في الدر المنتقى عن الواني من قوله: وفيه أن حرمة الربا بالقدر والجنس وهما مفقودان ها هنا، فتأمل ا ه.
ويوضح الدفع قوله في العزمية: إنه كلام غير محرر، فإن الربا ليس بمنحصر عندهم في الصورة المذكورة، لقولهم: إن الشروط الفاسدة من الربا، وهي في المعاوضات المالية وغيرها، لان الربا هو الفضل الخالي عن العوض وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ففيها فضل خال عن العوض وهو الربا كما في الزيلعي وغيره قبيل كتاب الصرف.
قوله: (أي الممتنع رده في هذه الصور) أي صور الزيادة المتصلة من خياطة ونحوها.
وأفاد امتناع الرد سابق على البيع بسبب الزيادة، فتقرر بها الرجوع بالنقصان قبل البيع فيبقى له الرجوع بعد البيع أيضا وإن كان البيع بعد رؤية العيب.
قال في الفتح: وإذا امتنع الرد بالفسخ، فلو باعه المشتري رجع بالنقصان، لان الرد لما امتنع لم يكن المشتري ببيعه حابسا له.
قوله: (بعد رؤية العيب) وكذا قبلها بالاولى ح.
قوله: (قبل الرضا به
صريحا أو دلالة) لم أر من ذكر هذا القيد هنا بعد مراجعة كثير من الكتب المذهب، وإنما رأيته في حواشي المنح للخير الرملي ذكره بعد قوله: أو مات العبد وهو في محله، كما تعرفه قريبا، أما هنا فلا محل له لان العرض على البيع رضا بالعيب كما سيأتي، وهنا وجد البيع حقيقة ولم يمتنع الرجوع بالنقصان لتقرر الرجوع قبله كما علمته آنفا، فكأن الشارح رأى هذا القيد في حواشي شيخه فسبق قلمه فكتبه في غير محله، فتأمل.
قوله: (أو مات العبد) لان الملك ينتهي بالموت، والشئ بانتهائه يتقرر، فكان بقاء الملك قائما والرد متعذر، وذلك موجب للرجوع، وتمامه في ح عن الفتح، قال في النهر: ولا فرق في هذا: أي موت العبد بين أن يكون بعد رؤية العيب أو قبلها ا ه.
لكن إذا كان الموت بعد رؤية العيب لا بد أن يكون قبل الرضا به صريحا أو دلالة، كما ذكره الخير الرملي، ووجهه ظاهر لانه إذا رأى العيب وقال: رضيت به أو عرضه على البيع أو استخدمه مرارا أو نحو ذلك مما يكون دلالة على الرضا امتنع رده والرجوع بنقصانه لو بقي العبد حيا، فكذا لو مات بالاولى.
قوله: (المراد هلاك المبيع الخ) قال في النهر: ولو قال أو هلك المبيع لكان أفود، إذ لا فرق بين الآدمي وغيره، ومن ثم قال في الفصول، ذهب إلى بائعه ليرده بعيبه فهلك في الطريق هلك على المشتري ويرجع بنقصه.
وفي القنية: اشترى جدارا مائلا فلم يعلم به حتى سقط فله الرجوع بالنقصان ا ه.
وفي الحاوي: اشترى أثوابا على أن كل واحد منها ستة عشر ذراعا فبلغ بها إلى بغداد فإذا هي ثلاثة عشر فرجع بها ليردها فهلكت في الطريق يرجع بنقصان القيمة في ظاهر المذهب.
قوله: (أو أعتقه) قال في الهداية: وأما الاعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع، لان الامتناع بفعله فصار كالقتل.
وفي(5/136)
الاستحسان: يرجع لان العتق إنهاء الملك، لان الآدمي ما خلق في الاصل محلا للملك، وإنما ثبت الملك فيه مؤقتا إلى الاعتاق إنهاء كالموت، وهذا لان الشئ يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر، والتدبير والاستيلاد بمنزلته، لانه تعذر النقل مع باء المحل بالامر الحكمي ا ه ح.
قوله: (أو وقف) فإذا وقف المشتري الارض ثم علم بالعيب رجع بالنقصان.
وفي جعلها مسجدا اختلاف، والمختار الرجوع بالنقصان كما في جامع الفصولين.
وفي البزازية: وعليه الفتوى، وما رجع به يسلم
إليه، لان النقصان لم يدخل تحت الوقف ا ه نهر.
قوله: (قبل علمه) ظرف لاعتقه وما بعده ا ه ح.
والحاصل أن هلاك المبيع ليس كإعتاقه، فإنه إذا هلك المبيع يرجع بنقصان العيب سواء كان بعد العلم به أو قبله، وأما الاعتاق بعد العلم به فمانع من الرجوع بنقصانه بخلافه قبله، وليس إعتاقه كاستهلاكه، فإنه إذا استهلكه فلا رجوع مطلقا، إلا في الاكل عندهما.
بحر ط.
قوله: (أو كان المبيع طعاما فأكله) احترز بالاكل عن استهلاكه بغيره، ففي الذخيرة: قال القدوري: ولو اشترى ثوبا أو طعاما وأحرق الثوب أو استهلك الطعام ثم اطلع على عيب لا يرجع بشئ بالنقصان بلا خلاف ا ه.
وكذا لو باعه أو وهبه ثم اطلع على عيب لم يرجع إجماعا كما في السراج، لكن في بيع بعضه الخلاف الآتي، وأراد بالطعام المكيل والموزون كما يعلم في الذخيرة والخانية.
مطلب فيما لو أكل بعض الطعام قوله: (فأكله أو بعضه) أي ثم علم بالعيب كما في الهداية، وهذا يدل على أن الرجوع فيما إذا أطعمه عبده أو مديره أو أم ولده أو لبس الثوب حتى تخرق مقيد بما قبل العلم بالعيب، فلو أخر الشارح قوله: قبل علمه بعيبه عن قوله: أو لبس الثوب حتى تخرق ليكون قيدا في المسائل العشرة لكان أولى ح.
قلت: ويؤيده أنه في الفتح قال بعد هذه المسائل: وفي الكفاية كل تصرف يسقط خيار العيب إذا وجده في ملكه بعد العلم بالعيب فلا رد ولا أرش لانه كالرضا به.
تنبيه: وقع في المنح: أو أكله بعد اطلاعه على العيب، وهو سبق قلم كما نبه عليه الرملي.
قوله: (أو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده) إنما يرجع في هذه المسائل لان ملكه باق كما في البحر: يعني أن العبد والمدبر وأم الولد إنما أكلوا الطعام على ملك السيد لانهم لا يملكون، وإن ملكوا فكان ملكه باقيا في الطعام والرد متعذر كما قررناه في الاعتاق، بخلاف ما إذا أطعمه طفله وما عطف عليه مما سيأتي حيث لا يرجع، لان فيه حبس المبيع بالتمليك من هؤلاء فإنهم من أهل الملك ا ه ح.
قوله: (فإنه يرجع بالنقصان استحسانا عندهما) الذي في الهداية والعناية والفتح والتبيين: أن الاستحسان عدم الرجوع، وهو قول الامام فليحرر ا ه ح.
قلت: ما ذكره الشارح من أن الاستحسان قولهما ذكره في الاختيار، وتبعه في البحر، وكذا نقله عنه العلامة قاسم، ونبه على أنه عكس ما في الهداية وسكت عليه، فلذا مشى عليه المصنف في متنه.
وذكر في الفتح عن الخلاصة أن عليه الفتوى، وبه أخذ الطحاوي، لكن قال في الفتح بده: أن جعل الهداية قول الامام استحسانا مع تأخيره.
وجوابه عن دليلهما يفيد مخالفته في كون الفتوى على قولهما اه.(5/137)
قلت: ويؤيده أنه في الكنز والملتقى وغيرهما مشوا على قول الامام.
وفي الذخيرة: ولو لبس الثوب حتى تخرق من اللبس أو أكل الطعام لا يرجع عنده هو الصحيح خلافا لهما ا ه.
والحاصل أنهما قولان مصححان، ولكن صححوا قولهما بأن عليه الفتوى، ولفظ الفتوى آكد ألفاظ التصحيح، ولا سيما هو أرفق بالناس كما يأتي فلذا اختاره المصنف في متنه، وهذا في الاكل، أما البيع ونحوه فلا رجوع فيه إجماعا كما علمت، ويأتي وجه الفرق.
تنبيه: ظاهر كلام الشارح أن الخلاف جار في جميع المسائل التي ذكرها مع أنهم لم يذكروه إلا في أكل الطعام ولبس الثوب.
أفادة ح.
قلت: الظاهر جريان الخلاف في مسائل الاطعام أيضا، لانه لو أكل الطعام لا يرجع عند الامام، فكذا إذا أطعمه عبده بالاولى.
تأمل.
قوله: (وعنهما يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل) هذه رواية ثانية عنهما في صورة أكل البعض، والاولى أنه يرجع بنقصان العيب في الكل، فلا يرد ما بقي، هكذا نقل عنهما القدوري في التقريب وتبعه في الهداية.
وذكر في شرح الطحاوي أن الاولى قول أبي يوسف.
والثانية قول محمد كما في الفتح: وأما عند الامام فلا يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما أكل ولا ما بقي.
في الذخيرة: والفتوى على قول محمد كما نقله في البحر عن الاختيار والخلاصة، ومثله في النهاية وغاية البيان وجامع الفصولين والخانية والمجتبى، فلذا اقتصر عليه الشارح، وهذا كله في أكل البعض.
أما لو باع بعض المكيل والموزون، ففي الذخيرة أنه عندهما: لا يرد ما بقي ولا يرجع بشئ، وعن محمد: يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع، هكذا ذكره في الاصل.
وكان الفقيه
أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقا بالناس، واختاره الصدر الشهيد ا ه.
وفي جامع الفصولين عن الخانية.
وعن محمد: لا يرجع بنقص ما باع ويرد الباقي بحصته من الثمن، وعليه الفتوى ا ه.
ومثله في الولوالجية والمجتبى والمواهب.
والحاصل أن المفتى به أنه لو باع البعض أو أكله يرد الباقي ويرجع بنقص ما أكل لا بنقص ما باع.
والفرق كما في الولوالجية أنه بالاكل تقرر العقد، فتقرر أحكامه، وبالبيع ينقطع الملك فتنقطع أحكامه.
قال: فصار بمنزلة ما لو اشترى غلامين فقبضهما وباع أحدهما ثم وجد بهما عيبا يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع بالاجماع، فكذا هنا عند محمد ا ه.
قلت: لكن سيذكر المصنف تبعا لغيره من المتون: لو وجد ببعض المكيل أو الموزون عيبا له رد كله أو أخذه، فإن مقتضاه أنه ليس له رد المعيب وحده.
إلا أن يقال: إنه محمول على ما إذا كان كله باقيا في ملكه لم يتصرف في شئ منه بقرينة قوله: له رد كله فيفرق بين ما إذا بقي كله وبين ما إذا تصرف ببعضه ببيع أو أكل، أو يقال: هو مبني على قول غير محمد.
تأمل.
تنبيه: الطعام في عرفهم البر، والمراد به هنا هو وما كان مثله من مكيل وموزون كما علم مما(5/138)
نقلناه آنفا عن الذخيرة، وفي البحر عن القنية: ولو كان غزلا فنسجه أو فليقا فجعله إبريسما ثم ظهر أنه كان رطبا وانتقص وزنه رجع بنقصان العيب، بخلاف ما إذا باع ا ه.
وبه علم أن الاكل غير قيد، بل مثله كل تصرف لا يخرجه عن ملكه كما يعلم مما قدمناه عن المحيط.
وتقدم حكم القيمي عند قوله: كما لا يرجع لو باع المشتري الثوب الخ.
قوله: (ابن كمال) حيث قال: والخلاف فيما إذا كان الطعام في وعاء واحد أو لم يكن في وعاء، فإن كان في وعاءين فله رد الباقي بحصته من الثمن في قولهم، كذا في الحقائق والخانية ا ه.
قلت: ولفظ الخانية: فإن كان في وعاءين فأكل ما في أحدهما أو باع ثم علم بعيب كان له أن يرد الباقي بحصته من الثمن في قولهم، لان المكيل والموزون بمنزلة أشياء مختلفة فكان الحكم فيه ما هو الحكم في العبدين والثوبين ونحو ذلك ا ه.
ومقتضاه أنه لا خلاف في ثبوت رد المعيب وحده،
نعم نقل العلامة قاسم في تصحيحه عن الذخيرة أن من المشايخ من قال: لا فرق بين الوعاء والاوعية ليس له أن يرد البعض بالعيب، وإطلاق محمد في الاصل يدل عليه، وبه كان يفتي شمس الائمة السرخسي.
ثم قال العلامة قاسم: والاول أقيس وأرفق.
قوله: (وسيجئ) أي قبيل قوله: اشترى جارية لكن الذي سيجئ هو ترجيح عدم الفرق بين الوعاء والاكثر.
قوله: (فعلى ما في الاختيار الخ) أي من قوله: وعنهما يرد ما بقي ويرجع الخ فإنه يفيد مطلب: يرجح أنه قياس لذكره له بعد قوله: فإنه يرجع بالنقصان استحسانا عندهما مطلب يرجح القياس وحاصله أن إحدى الروايتين عنهما استحسانا، والثانية قياس، فيكون ترجيح الثانية كما وقع في الاختيار والقهستاني من ترجيح القياس عن الاستحسان.
وهذا تقرير كلام الشارح، وبه اندفع ما قيل: إن الشارح وافق هنا ما في الهداية وغيرها من أن القياس قولهما، فافهم، نعم ما فهمه الشارح على ما قررناه خلاف المفهوم من كلامهم، فقد قال في الهداية: وأما الاكل فعلى الخلاف، عندهما يرجع، وعنده لا يرجع استحسانا، وإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده.
وعنهما: أنه يرجع بنقصان العيب في الكل.
وعنهما: أنه يرد ما بقي ا ه.
وقال في الاختيار: عندهما يرجع استحسانا، وعنده لا يرجع الخ، فإنه المفهوم من هذا أنه في الهداية جعل الرجوع بالنقصان عندهما قياسا، وعدمه وعنده استحسانا، وفي الاختيار بالعكس.
وحاصله أن الرجوع بالنقصان عندهما: قيل إنه قياس، وقيل: إنه استحسان.
ثم بعد قولهما بالرجوع بالنقصان ففي صورة أكل البعض عنهما روايتان: الاولى يرجع بنقصان الكل فلا يرد الباقي.
والثانية يرجع بنقصان ما أكل فقط ويرد ما بقي.
وأنت خبير بأنه ليس في هذا ما يفيد أن إحدى هاتين الروايتين قياس والاخرى استحسان كما فهمه الشارح، بل كل منهما قياس على ما في الهداية، والاستحسان قول الامام بعدم الرجوع بشئ أصلا، وكل منهما استحسان على ما في الاختيار، والقياس قول الامام المذكور، فتنبه.
قوله: (ولو أعتقه على مال) أي لا يرجع لانه حبس بدله وحبس البدل كحبس المبدل.
وعنه أنه يرجع لانه إنهاء للملك وإن كان بعوض.
ح عن الهداية.
وعند أبي(5/139)
يوسف: يرجع في هذه المسائل.
قوله: (أو كاتبه) وهي بمعنى الاعتاق على مال كما في البحر، والكلام فيه مغن عن الكلام فيها ح.
قوله: (أو قتله) هو ظاهر الرواية عن أصحابنا، ووجهه أن القتل لم يعهد شرعا إلا مضمونا، وإنما سقط عن المولى بسبب الملك فصار كالمستفيد به عوضا، وهو سلامة نفسه عن القتل إن كان عمدا أو الدية إن كان خطأ فكأنه باعه.
نهر.
قوله: (طفله) ليس بقيد، بل المصرح به في البحر والفتح: الولد الصغير والكبير والعلة وهي أهلية الملك كما قدمناه تشملهما ا ه ح.
قوله: (كذا ذكره المصنف) حيث قال: فلو أعتقه على مال أو قتله بعد اطلاعه على عيب.
وقال محشية الرملي: صوابه قبل اطلاعه إذ هو محل الخلاف، إذ بعده لا يرجع إجماعا، ولهذا لم يقيد به الزيلعي وأكثر الشراح، وكأنه تبع العيني فيه وهو سهو.
قوله: (في الرمز) أي شرح الكنز.
قوله: (لكن ذكر في المجمع في الجميع) أي في جميع المسائل المذكورة، وهي: العتق على مال والكتابة والاباق، وهذا هو الصواب، لما علمت من أنه لا رجوع إجماعا لو بعد الاطلاع على العيب، لا لما قيل من أنه يلزم أن لا يبقى فوق بين هذه المسائل والمسائل المتقدمة فإنه ممنوع، إذ الفرق واضح وهو ثبوت الرجوع في المسائل المتقدمة وعدمه في هذه إجماعا، فافهم.
قوله: (حتى العيني) أي في شرحه على نظم المجمع: أي فناقض كلامه في الرمز.
قوله: (بالاولوية) أي لانه إذا امتنع الرجوع إذا كانت هذه الاشياء قبل الاطلاع على العيب يمتنع بعد الاطلاع بالاولى لانها دليل الرضا.
قوله: (والاصل الخ) قدمنا بيانه عند قوله: لجواز رده مقطوعا لا مخيطا وقدمنا هناك بناءه على أصل آخر.
(وفيه الخ) مكرر مع ما قدمه قريبا ح.
قوله: (فوجده فاسدا الخ) لو قال: فوجده معيبا لكان أولى، لان من عيب الجوز: قلة لبه وسواده كما في البزازية وصرح في الذخيرة بأنه عيب لا فساد، واحترز بقوله: فوجده أي المبيع عما إذا كسر البعض فوجده فاسدا فإنه يرده أو يرجع بنقصه فقط ولا يقيس الباقي عليه، ولذا قال في الذخيرة: ولا يرد الباقي إلا أن يبرهن أن الباقي فاسدا ا ه.
أفاده في البحر، وقوله فإنه يرده الخ: أي يرد ما كسر لو غير منتفع به أو يرجع بنقصه فقط لو ينتفع به.
قوله: (إن لم يتناول منه شيئا) فلو كسره فذاقه ثم تناول منه شيئا لم يرجع بنقصانه لرضاه به، وينبغي جريان الخلاف فيما لو
أكل الطعام.
بحر.
وأصل البحث للزيلعي.
واعترضه ط بأن الخلاف في الطعام إذ علم بالعيب بعد(5/140)
الاكل لا قبله.
قوله: (نقصانه) أي له نقصان عيبه لا رده، لان الكسر عيب حادث.
بحر وغيره.
قلت: الكسر في الجوز يزيد في ثمنه، فهو زيادة لا عيب، تأمل قوله: (إلا إذا رضي البائع به) أي بأخذه معيبا بالكسر، فلا رجوع للمشتري بنقصانه.
قوله: (ولو علم) أي المشتري بعيبه قبل كسره: أي ولم يكسره.
قال في النهر: فلو كسره بعد العلم بالعيب لا يرد لانه صار راضيا ا ه.
ونبه على ذلك الزيلعي أيضا فقال: لا يرده ولا يرجع بالنقصان، لان كسره بعد العلم به دليل الرضا انتهى، لكن الزيلعي ذكر هذا بعد قوله: وإن لم ينتفع به أصلا، واعترض بأن محله هنا، لانه إن لم ينتفع به أصلا يرده.
ويرجع بكل الثمن.
قوله: (وإن لم ينتفع به أصلا) بأن كان البيض منتنا والقثاء مرا والجوز خاويا، وما في العيني أو مزنخا ففيه نظر، لانه يأكله الفقراء، نهر.
قلت: وكذا ينتفع باستخراج دهنه، لكن هذا لو كان كثيرا، بل قد يقال: ولو قليلا لانه يباع لمن يستخرج دهنه فيكون له قيمة، إلا أن يكون جوزة أو جوزتين مثلا.
قوله: (فله كل الثمن الخ) لانه تبين بالكسر أنه ليس بمال، فكان البيع باطلا قبل هذا صحيح في الجوز الذي لا قيمة لقشره، أما إذا كان له قيمة بأن كان في موضع يباع فيه قشره يرجع بحصة اللب فقط، وقيل: يرده ويرجع بكل الثمن لان ماليته باعتبار اللب، وظاهر الهداية يفيد ترجيحه، وكذا في البيض.
أما بيض النعامة إذ وجد فاسدا بعد الكسر فإنه يرجع بنقصان العيب.
قال في العناية: وعليه جرى في الفتح أن هذا يجب أن يكون بلا خلاف، لان مالية بيض النعامة قبل الكسر باعتبار القشر وما فيه جميعا.
قال ابن وهبان: وينبغي أن يفصل، بأن يقال هذا في موضع يقصد فيه الانتفاع بالقشر، أما إذا كان لا يقصد الانتفاع إلا بالمح بأن كان في برية والقشر لا ينتقل كان كغيره.
قال الشيخ عبد البر: ولا يخفى عليك فساد هذا التفصيل، فإن هذا القشر مقصود بالشراء في نفسه ينتفع به في سائر المواضع، وما ذكره لا ينهض لانه قد يتفق في كثير مما اتفقوا على صحة بيعه ولا يكون ذلك موجبا لفساد البيع ا ه.
نهر.
قوله: (ولو كان أكثره فاسدا جاز بحصته) أي بحصة الصحيح منه، وهذا عندهما، وهو الاصح كما في الفتح.
وكذا في النهر عن النهاية.
أما عنده فلا يصح في الصحيح منه أيضا، لانه كالجمع بين الحر والعبد في صفقة واحدة.
ووجه الاصح كما في الزيلعي أنه بمنزلة ما لو فصل ثمنه، لانه ينقسم ثمنه على أجزائه كالمكيل والموزون لا على قيمته ا ه: بخلاف الحر مع العبد.
تنبيه: عبر بالاكثر تبعا للعيني.
واعترضه بأنه مختل، والصواب تعبير النهر وغيره بالكثير.
قلت: وهو مدفوع لانه إذا صح فيما يكون أكثره فاسدا يصح فيما يكون الكثير منه فاسدا بالاولى، نعم الاولى التعبير بالكثير ليفيد صحة البيع في الكل إذا كان الفاسد منه قليلا لانه لا يمكن التحرز عنه، إذ لا يخلو عن قليل فاسد، فكان كقليل التراب في الحنطة فلا يرجع بشئ أصلا، وفي القياس: يفسد كما في الفتح.
قال في النهر: والقليل ما لا يخلو عنه الجوز عادة كالواحد(5/141)
والاثنين في المائة، كذا في الهداية.
وهو ظاهر في أن الواحد في العشرة كثير، وبه صرح في القنية.
وقال السرخشي: الثلاثة عفو: يعني في المائة ا ه.
وفي البحر: القليل الثلاثة وما دونها في المائة، والكثير ما زاد ا ه.
وفي الفتح: وجعل الفقيه أبو الليث الخمسة والستة في المائة من الجوز عفوا ا ه.
مطلب: وجد في الحنطة ترابا فرع: اشترى أقفزة حنطة أو سمسم فوجد فيه ترابا، إن كان يوجد مثله في ذلك عادة لا يرد، وإلا فإن أمكنة رد كل المبيع يرده، ولو أراد حبس الحنطة ورد التراب أو المعيب مميزا ليس له ذلك، فإن ميز التراب وأراد أن يخلطه ويرد إن أمكنه الرد على ذلك الكيل رد، وإلا بأن نقص من ذلك الكيل شئ لا، ورجع بنقصان الحنطة إلا أن يرضى البائع بأخذها ناقصة، بزازية.
وفي الخانية: لو لم يعد ذلك التراب عيبا فلا رد، وإلا فإن لم يفحش يرد، وإن فحش خير المشتري بين أخذ الحنطة بحصتها من الثمن أو ردها وأخذ كل الثمن.
قوله: (في المجتبى الخ) هذه من أفراد مسألة لا كل السابقة ط.
فكان الاولى ذكرها هناك.
قوله: (رده على بائعه) معناه: أن له أن يخاصم الاول ويفعل ما يجب أن يفعل عند قصد الرد، ولا يكون الرد عليه ردا على بائعه، بخلاف الوكيل بالبيع حيث يكون الرد عليه بالعيب القضاء ردا على موكله: لان البيع واحد، فإذا ارتفع رجع إلى الموكل.
بحر، وتمامه فيه،
وبخلاف الاستحقاق فإنه إذا حكم به على المشتري الاخير يكون حكما على كل الباعة كما سيأتي في بابه.
قال في النهر: وهذا الاطلاق قيده في المبسوط بما إذا ادعى المشتري العيب عند البائع الاول، أما إذا أقام البينة أن العيب كان عند المشتري لم يشهدا أنه كان عند البائع الاول ليس للمشتري الاول أن يرده إجماعا، كذا في الفتح تبعا للدراية ا ه.
وأقره في البحر أيضا.
قلت: وهو مقيد أيضا بما إذا لم يعترف بالعيب بعد الرد.
قال في الفتح: لو قال بعد الرد ليس به عيب لا يرده على البائع الاول بالاتفاق.
قوله: (لو رد عليه بقضاء) شامل لما إذا أقر بالعيب وامتنع من القبول فرد عليه القاضي جبرا، كما إذ أنكر العيب فأثبته بالبينة أو النكول عن اليمين أو بالبينة على إقرار البائع بالعيب مع إنكاره الاقرار به فإنه يرد على بائعه في الصور الاربع لكون القضاء فسخا فيها، شرنبلالية.
تنبيه: للبائع أن يمتنع عن القبول مع علمه بالعيب حتى يقضي عليه ليتعدى إلى بائعه.
بحر عن البزازية.
قوله: لانه فسخ أي لان الرد بالقضاء فسخ من الاصل، فجعل البيع كأن لم يكن، غاية الامر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء.
هداية.
والمراد أنه لا فسخ فيما يستقبل لا في الاحكام الماضية، بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الاصل، وتمامه في البحر.
وسيذكر الشارح آخر الباب أنه فسخ في حق الكل إلا في مسألتين الخ، ويأتي تمامه.
مطلب: لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب قوله: (ما لم يحدث به عيب آخر عنده) أي عند البائع الثاني، قيد لقوله: رده على بائعه وقوله: فيرجع تفريع على مفهوم المذكور: أي فإن حدث عيب آخر عند البائع الثاني ثم رده عليه(5/142)
المشتري منه بالعيب القديم فلا يرده على بائعه، بل يرجع عليه بنقصان العيب القديم، لان العيب الحادث عنده يمنعه من الرد، وما قلناه من إرجاع ضمير عنده إلى البائع الثاني أصوب من إرجاعه إلى المشتري الثاني لئلا يخالف قول الامام.
لما في البحر: لو باعه فاطلع مشتريه على عيب قديم به لا يحدث مثله وحدث عنده عيب ورجع
بنقصان العيب القديم، فعنده: لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب القديم، وعندهما: يرجع، كذا ذكره الاسبيجابي، ومثله في الصغرى ا ه، فافهم.
قوله: (وهذا) أي اشتراط القضاء للرد ا ه ح.
قوله: (لو بعد قبضه) أي قبض المشتري الثاني المبيع ط.
قوله: (فلو قبله الخ) أي فلو كان الرد قبل قبضه فللمشتري الاول أن يرده على البائع الاول مطلقا، سواء كان رده عليه بقضاء أو برضا المشتري الاول الذي هو البائع الثاني لان بيع المبيع قبل قبضه لا يجوز، فلا يمكن جعله بيعا جديدا في حق غيرهما فجعل فسخا من الاصل في حق الكل، فصار كما لو باع المشتري الاول للثاني بشرط الخيار له أو بيعا في خيار رؤية، فإنه إذا فسخ المشتري الثاني بحكم الخيار كان للاول أن يرده مطلقا، والفسخ بالخيارين لا يتوقف على قضاء.
قال الزيلعي: وفي العقار اختلاف المشايخ على قول أبي حنيفة.
والاظهر أنه بيع جديد في حق البائع الاول، لان العقار يجوز بيعه قبل القبض عنده فليس له أن يرده على بائعه كأنه اشتراه بعد ما باعه.
وعند محمد: فسخ، لان لا يجوز بيعه قبل القبض عنده.
وعند أبي يوسف: بيع في حق الكل ا ه من حاشية نوح أفندي.
قوله: (وهذا) الاشارة إلى قوله: رده على بائعه.
قوله: (فلا رد مطلقا) أي لا بقضاء ولا رضا، لان بيعه بعد رؤية العيب دليل الرضا به.
قوله: (وهذا) أي اشتراط القضاء للرد.
قوله: (في غير النقدين) قال في البحر: وقيد بالمبيع وهو العين احترازا عن الصرف فإنه يجعل فسخا إذ رد بعيب لا فرق بين القضاء والرضا، لانه لا يمكن أنه يجعل بيعا جديدا، لان الدينار هنا لا يتعين في العقود، فإذا اشترى دينارا بدراهم ثم باع الدينار من آخر ثم وجد المشتري الثاني بالدينار عيبا ورده المشتري بغير قضاء فإنه يرده على بائعه لما ذكرنا.
ووجهه في الكافي بأن المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون المبيع ملك البائع، فإذا رده على المشتري يرده على بائعه.
أما هنا المبيعان موجودان.
مطلب مهم: قبض من غريمه دراهم فوجدها زيوفا فردها عليه بلا قضاء وذكر في الظهيرية: وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم على رجل وقضاها من غريمه فوجدها الغريم زيوفا فردها عليه بلا قضاء فله ردها على الاول ا ه.
وما ذكره في الظهيرية أفتى به الخير الرملي تبعا لما في فتاوى قارئ الهداية وفتاوى ابن نجيم، وهذا إذا لم يكن أقر بقبض حقه أو الثمن أو
الدين، فلو أقر بذلك ثم جاء ليرده لم يقبل منه لتناقضه، كما أوضح ذلك العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل، ولخصت ذلك في تنقيح الحامدية.
وبقي ما إذا تصرف فيه القابض بعد علمه بعيبه فإنه لا يرده إذا رد عليه، لما في القنية برمز القاضي عبد الجبار: إذا أخذ من دينه دينارا فجعله في الروث ليروج أو جعل الدرهم في البصل ونحوه ليس له الرد، كما لو داوى عيب مشريه ليس له الرد ا ه فليحفظ، لكن سيذكر الشارح من موانع الرد العرض على البيع، إلا الدراهم إذا وجدها زيوفا فعرضها على البيع فليس برضا، وسيذكره(5/143)
أيضا في آخر متفرقات البيوع.
وعلله في البحر بأن حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه، لكن صرحوا بأنه لو تجوز بها ملكها وصارت عين حقه فصار الحاصل أنه لو رضي بها امتنع الرد، وإلا فله ردها وإن عرضها على البيع، وبه يظهر إن عرضها على البيع لا يكون دليل الرضا بها، فيحمل ما مر عن القنية على ما إذا رضي بها صريحا، فليتأمل.
وسيأتي في متفرقات البيوع متنا وشرحا: لو قبض زيفا بدل جيد كان له على آخر جاهلا به، فلو علم وأنفقه كان قضاء اتفاقا، ونفق أو أنفقه فهو قضاء لحقه، فلو قائما رده اتفاقا.
وقال أبو يوسف: إذا لم يعلم يرد مثل زيفه ويرجع بجيده استحسانا كما لو كانت ستوقة أو نبهرجه، واختار للفتوى ا ه.
قوله: (ولو رده برضاه الخ) أي لو رد المشتري الثاني على الاول برضاه ليس له رده على بائعه سواء كان العيب يحدث مثله في المدة كالمرض أو لا كالاصبع الزائدة، لان الرد بالعيب بعد القبض إقالة، وهي بيع جديد في حق الثالث وفسخ في حق المتعاقدين، والبائع الاول ثالثهما فصار في حقه كأن المشتري الاول اشتراه من الثاني فلا خصومة له مع بائعه لا في الرد ولا في الرجوع بالنقصان، بخلاف الرد بقضاء القاضي فإنه فسخ في حق الكل لعموم ولايته، فيصير كأن البائع الاول لم يبعه.
أفاده نوح أفندي.
تنبيه: الوكيل بالبيع على هذا التفصيل فإذا رد عليه المبيع بقضاء لزم الموكل لو بدونه لزمه دون الموكل، وليس له أن يخاصم الموكل وإن كان العيب لا يحدث مثله هو الصحيح، لان الرد بلا قضاء في حق الموكل بمنزلة الاقالة، وتمامه في الخانية.
قوله: (أو حط ثمن) فيما إذا حدث عنده عيب آخر فإنه
يحط من الثمن نقصان العيب كما مر.
قوله: (بعد قبضه المبيع) قيد اتفاقي، لان البائع له المطالبة بالثمن قبل تسليم المبيع، فإذا ادعى المشتري عيبا لم يجبر فصدق عدم الجبر قبل القبض أيضا.
بحر واعترض بأنه لا يجبر وإن ثبتت المطالبة.
قلت: وهو ممنوع، وإلا فما فائدة المطالبة، فافهم.
قوله: (لم يجبر المشتري) لاحتمال صدقه.
عيني.
والاولى للشارح ذكر المشتري عقب قوله: ادعى لتنسحب الضمائر كلها عليه.
قوله: (لاثبات العيب) أي إثبات وجوده عنده وعند البائع، فإذا أثبته كذلك رد المبيع على البائع أو قبله ودفع ثمنه.
قوله: (أو يحلف بائعه على نفيه) أي نفي والعيب عنده: أي عند البائع.
وقوله: وبدفع الثمن أي المشتري بعد أن حلف البائع، وقوله: إن لم يكن شهود مرتبط بقوله: ويحلفه أو بقوله: ويدفع والاولى إسقاطه للعلم به من عطف أو يحلف على يبرهن.
ثم اعلم أن المتبادر من هذا أن له تحليف البائع قبل إقامة البينة على قيام العيب للحال، وهذا قولهما ورواية ضعيفة عن الامام، والصحيح عنده ما ذكره عقبه في مسألة دعوى الاباق من أنه لا يحلف بائعه حتى يبرهن المشتري أنه أبق عنده كما يأتي بيانه وعن هذا أول الزيلعي قول الكنز: أو يحلف بائعه، بقوله: أي بعد إقامة المشتري البينة أنه وجد فيه عنده: أي عند المشتري، وأوله في البحر(5/144)
بما إذا أقر البائع بقيام العيب به، ولكن أنكر قدمه.
واعترضه في النهر بأنه مما لا دليل في كلامه عليه، ثم قال: وقد ظهر لي أن موضوع هذه المسألة في عيب لا يشترط تكراره كالولادة، فإذا ادعاه المشتري ولا برهان له حلف بائعه، وقوله: بعده ولو ادعى إباقا بيان لم يشترط تكراره، وإلا كان الثاني حشوا، فتدبره، فإني لم أر من عرج عليه ا ه.
قلت: وأشار إليه الشارح بقوله الآتي: مما يشترط الخ.
قوله: (وإن ادعى غيبة شهوده) أي عدم حضورهم في المصر، أما لو قال لي بينة حاضرة أمهله القاضي إلى المجلس الثاني إذ لا ضرر فيه على البائع.
بحر.
قوله: (تقبل خلافا لهما فتح) عبارة الفتح: تقبل في قول أبي حنيفة.
وعند محمد: لا تقبل، ولا يحفظ في هذا رواية عن أبي يوسف ا ه.
وذكر قبله أنه لو قال لي بينة حاضرة ثم أتى بها
تقبل بلا خلاف.
قوله: (ولزم العيب بنكوله) أي لزمه حكمه، لان النكول حجة في المال لانه بذل أو إقرار.
قوله: (إباقا ونحوه الخ) احتراز عما لا يشترط تكرره وهو ثلاث: زنا الجارية، والتولد من الزنا، والولادة كما قدمه أول الباب، ففيها لا يشترط إقامة البينة على وجودها عند المشتري، بل يحلف عليها البائع ابتداء كما في البحر.
قوله: (عندهما) أي عند البائع والمشتري.
قوله: (وجنون) قيل هذا على القول الضعيف المنقول عن العيني فيما تقدم ا ه.
قلت: الذي تقدم هو أن الجنون مما يختلف صغرا وكبرا، بمعنى أنه إذا وجد يد البائع في الصغر وفي يد المشتري في الكبر لا يكون عيبا كالاباق وأخويه، والكلام هنا في اشتراط المعاودة عند المشتري، وهو القول الاصح كما قدمه الشارح، وهذا غير ذاك كما لا يخفى ونبه عليه ط أيضا، فافهم.
قوله: (لم يحلف بائعه) قال في البحر: أي إذا ادعى عيبا يطلع عليه الرجال ويمكن حدوثه فلا بد من إقامة البينة أولا على قيامه بالمبيع مع قطع النظر عن قدمه وحدوثه لينتصب البائع خصما، فإن لم يبرهن لا يمين على البائع عند الامام على الصحيح.
وعندهما: يحلف على نفي العلم، وتمامه فيه.
قوله: (إذا أنكر قيامه للحال) أما لو اعترف بذلك فإنه يسأل عن وجوده عنده، فإن اعترف به رده عليه بالتماس من المشتري، وإن أنكر طولب المشتري بالبينة على أن الاباق وجد عند البائع، فإن أقامها رده وإلا حلف.
نهر.
قوله: (إنه قد أبق عنده) أي عند المشتري نفسه، لان القول وإن كان قول البائع لكن إنكاره إنما يعتبر بعد قيام العيب به في يد المشتري ومعرفته تكون البينة.
درر.
قوله: (فإن برهن) أي المشتري على قيامه للحال.
نهر.
قوله: (حلف بائعه عندهما) صوابه اتفاقا، لان الخلاف في تحليف البائع إنما هو قبل برهان المشتري كما علمت، أما بعده فإنه يحلف اتفاقا لانه انتصب خصما حين أثبت المشتري قيام العيب عنده عند الامام، فكذا عندهما بالاولى.
قوله: (بالله ما أبق قط) عدل عن قول الكنز وغيره، بالله ما أبق عندك قط، بزيادة الظرف، لما قاله الزيلعي من أن فيه ترك النظر للمشتري، لانه يحتمل أنه باعه وقد كان أبق عند غيره، وبه يرد عليه، فالاحوط أن يحلف ما أبق قط(5/145)
أو ما يستحق عليك الرد من الوجه الذي ذكره، أو لقد سلمه وما به هذا العيب.
قال في النهر: إلا أن كون حذف الظرف بالنظر إلى المشتري مسلم لا بالنظر إلى البائع، إذ يجوز أنه أبق عند الغاصب ولم يعلم منزل المولى ولم يقدر عليه، وقد مر أنه ليس بعيب، فالاحوط بالله ما يستحق عليك الرد الخ وما بعده.
وفي البزازية: والاعتماد على المروي عن الثاني: بالله ما لهذا المشتري قبلك حق الرد بالوجه الذي يدعيه تحليفا على الحاصل ا ه.
ولا يحلف بالله لقد باعه وما به هذا العيب، لان فيه ترك النظر للمشتري لجواز حدوثه بعد البيع قبل التسليم فيكون بارا مع أنه يوجب الرد.
قيل: كيف يحلف على البتات مع أنه فعل الغير، والتحليف فيه إنما يكون على العلم، وأجيب بأنه فعل نفسه في المعنى وهو تسليم المعقود عليه سليما كما التزمه، قاله السرخسي.
قال في الفتح: ومما تطارحناه أنه لو لم يبق عند البائع وأبق عند المشتري وكان أبق عند آخر قبل هذا البائع ولا علم للبائع بذلك فادعى المشتري بذلك وأثبته يرده به، ولو لم يقدر على إثباته له أن يحلفه على العلم، وكذا في كل عيب يرده في تكرره ا ه.
والمطارحة إلقاء المسائل، وهي هنا ليست في أصل الرد كما ظنه في البحر فقال: إنه منقول في القنية، بل في تحليفه على عدم العلم أخذا من قولهم: إنما يحلف على البتات لادعائه العلم به، والغرض هنا أنه لا علم له به فتدبره ا ه ما في النهر ملخصا.
وتمامه فيه.
قوله: (وما جن) الاولى إسقاطه كما تعرفه.
قوله: (وفي الكبير الخ) عطف على محذوف تقديره: هذا الكيفية في إباق الصغير وفي الكبير الخ ط.
قوله: (لاختلافه صغرا وكبرا) فيحتمل أنه أبق عنده في الصغر فقط ثم أبق عند المشتري بعد البلوغ، وذلك لا يوجب الرد لاختلاف السبب على ما تقدم، فلو ألزمناه الحلف على ما أبق عنده قط أضررنا به وألزمناه مالا يلزمه، ولو لم يحلف أصلا أضررنا بالمشتري فيحلف كما ذكر، وكذا في كل عيب يختلف فيه الحال فيما بعد البلوغ وقبله بخلاف ما لا يختلف كالجنون فتح.
فعلى هذا كان الاولى إسقاط قوله: وما جن لانه لا يناسب قوله: وفي الكبير الخ.
قوله: (خفي كإباق) أي من كل عيب لا يعرف إلا بالتجربة والاختبار كالسرقة والبول في الفراش والجنون والزنا.
فتح.
قوله: (وعلم حكمه) أي حكم رده مما ذكره المصنف أنفا.
قوله: (للتيقن به) أي في يد البائع والمشتري.
فتح.
قوله: (إذا لم يدع الرضا به) أي رضا المشتري به، أو العلم به عند الشراء، أو الابراء منه، فإن ادعاه سأل المشتري، فإن اعترف امتنع
الرد، وإن أنكر أقام البينة عليه، فإن عجز يستحلف ما علم به وقت البيع أو ما رضي ونحوه، فإن حلف رده، وإن نكل امتنع الرد.
فتح قوله: (ككبد) أي كوجع كبد وطحال.
فتح.
وفي بعض النسخ ككبدي بياء النسب: أي كداء منسوب إلى كبد.
قوله: (فيكفي قول عدل) أي لتوجه الخصومة.
قال في الفتح: فإن اعترف به عندهما رده، وكذا إذا أنكر فأقام المشتري البينة أو حلف البائع فنكل، إلا إن ادعى الرضا فيعمل ما ذكرنا، وإن أنكره عند المشتري يريه طبيبين مسلمين عدلين، والواحد يكفي والاثنان أحوط، فإذا قال به ذلك يخاصمه في أنه كان عنده ا ه.
واشترط العدلين منهم إنما هو للرد والواحد لتوجه الخصومة فيحلف البائع كما في البدائع، ولكن في أدب(5/146)
القاضي ما يخالفه.
بحر.
قال في البزازية: وفي أدب القاضي الذي يرجع فيه إلى الاطباء لا يثبت في حق توجه الخصومة ما لم يتفق عدلان، بخلاف ما لا يطلع عليه الرجال حيث يثبت بقول المرأة الواحدة في حق الخصومة لا في حق الرد ا ه.
قلت: الاول أظهر.
لان العدلين يكتفي بهما للاثبات، فيكفي الواحد لتوجه الخصومة، ولذا جزم به في الخانية، حيث قال: إن أخبر بذلك واحد يثبت العيب في حق الخصومة والدعوى، وإن شهد عدلان أنه قديم كان عند البائع يرده على البائع.
مطلب فيما لا يطلع عليه إلا النساء قوله: (فيكفي قول الواحدة) أي لاثبات العيب في حق الخصومة لا في الرد في ظاهر الرواية، خانية، وقد أشار إلى هذا بقوله: فيحلف البائع إذ لو ثبت الرد بقولها لم يحتج إلى التحليف، وهذا إذا كان بعد القبض بالاتفاق، كما في شرح الجامع لقاضيخان، فلو قبله ففيه اختلاف الروايات.
ففي الخانية: إن آخر ما روى عن محمد وأبي يوسف أنه يرد بشهادتهن، إلا في الحبل فلا ترد بشهادتهن.
وفي الذخيرة: الواحدة العدلة تكفي والثنتان أحوط، فإذا قالت واحدة عدلة أو اثنتان إنها حبلى يثبت العيب في حق توجه الخصومة، ثم إن قالت أو قالتا كان ذلك عند البائع، إن كان ذلك
بعد القبض لا ترد، بل يحلف البائع لان شهادة النساء حجة ضعيفة، والعقد بعد القبض قوي، ولا يفسخ العقد القوي بحجة ضعيفة، وإن قبل القبض فكذلك لا رد بقول الواحدة.
أما المثنى فقيل على قياس قوله لا ترد، وعلى قياس قولهما ترد.
وذكر الخصاف أنها لا ترد في ظاهر رواية أصحابنا.
وفي القدوري: إنه المشهور من قولهما، لان ثبوت العيب بشهادتهن ضروري، ومن ضرورة ثبوته توجه الخصومة دون الرد فيحلف البائع، فإن نكل تأيدت شهادتهن بنكوله فيثبت الرد.
وروى الحسن عن الامام ثبوت الرد بشهادتهن إلا في الحبل، لانه تعالى تولى علمه بنفسه ا ه ما في الذخيرة ملخصا.
ثم ذكر روايات أخر.
والحاصل أن شهادة الواحدة أو الثنتين يثبت بها العيب المذكور في حق توجه الخصومة لا في حق الرد سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده في ظاهر الرواية عن علمائنا الثلاثة، وهو المشهور فكان هو المذهب المعتمد وإن اقتصر في كثير من الكتب على خلافه، وقدمنا ما يؤيد ذلك عن الفتح في آخر خيار الشرط، ولا ينافي ذلك ما اتفق عليه أصحاب المتون في أول كتاب الشهادة من قبول شهادة الواحدة في البكارة والعيوب والتي لا يطلع عليها إلا النساء، لان المراد به أن العيب يثبت بقولهن ليحلف البائع كما نص عليه في الهداية هناك، وهذا معنى قولهم هنا: يثبت في حق توجه الخصومة، فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب.
قوله: (قلت وبقي خامس الخ) هذا الفرع مذكور في الفتح والبحر والنهر، لكنهم اقتصروا على عد الانواع أربعة، فلما رأى الشارح مخالفة حكمه لهذه الاربعة جعله نوعا خامسا فكان من زياداته الحسنة، فافهم.
قلت: ومن هذا النوع ما لو ادعى ارتفاع حيض الجارية، فقد صرحوا بأنه لا تقبل الشهادة عليه(5/147)
لانه لا يعلم إلا منها، وتتوجه الخصومة بقولها على ما اختاره في الفتح، نعم على ما اختاره غيره من أنه لا بد من دعوى المشتري أنه عن داء فيرجع فيه إلى شهادة الاطباء، أو عن حبل فيرجع إلى شهادة النساء لا يكون من هذا النوع بل من أحد النوعين قبله.
مطلب فيما يحلف المشتري أنه لم يفعل مسقطا لخيار العيب
فروع: لو أراد المشتري الرد ولم يدع البائع عليه مسقطا لم يحلف المشتري، وعند الثاني يحلف، وفي الخلاصة والبزازية: أن القاضي لا يستحلف الخصم بلا طلب المدعي، إلا في مسائل منها خيار العيب.
وفي البدائع: لو أخبرت امرأة بالحبل وامرأتان بعدمه صحت الخصومة، ولا يقبل قول النافية.
وفي التهذيب: برهن البائع أنه حدث عند المشتري وبرهن المشتري أنه كان معيبا في يد البائع تقبل بينه المشتري.
بحر ملخصا.
قوله: (قبل القبض للكل) ذكر الكل غير قيد، فإن قبض البعض حكمه كحكم ما إذا لم يقبض الكل كما ذكره المصنف عقبه، ولكن لما أفرد المصنف البعض بالذكر علم أن كلامه هنا في الكل، فلذا صرح به الشارح، نعم لو قال المصنف قبل القبض: ولو للبعض لاستغنى عن قوله بعده: وإن قبض أحدهما.
قوله: (خير في الكل) أي في القيمي وغيره بقرينة قوله: وإن بعده خير في القيمي لا في غيره، فالمراد أنه يخير في الباقي بعد الاستحقاق بين إمساكه ورده، فليس المراد بالكل كل المبيع حتى يرد عليه أن البيع في البعض المستحق باطل، فافهم.
قوله: (لتفرق الصفقة) أي تفرقها على المشتري قبل تمامها، لانها قبل القبض لم يتم فلذا كان له الخيار.
قوله: (وإن بعده الخ) أي وإن كان استحقاق البعض بعد القبض خير في القيمي لا في غيره، إذ لا يضره التبعيض.
قوله: (كما سيجئ) لم أره في هذا الباب صريحا.
تأمل.
قوله: فلو استحق بيان لقوله فحكمه حكم ما قبل قبضهما وقوله: أو تعيب زيادة بيان، وإلا فالكلام في الاستحقاق، وأنا تعيب أحد الشيئين فسيذكره المصنف في قوله: اشترى عبدين الخ.
مطلب في تخيير المشتري إذا استحق بعض المبيع تنبيه: حاصل ما ذكره المصنف في هذه المسائل ما في جامع الفصولين عن شرح الطحاوي: لو استحق بعض المبيع قبل قبضه بطل البيع في قدر المستحق، ويخير المشتري في الباقي، سواء أورث الاستحقاق عيبا في الباقي أو لا، لتفرق الصفقة قبل التمام، وكذا لو استحق بعد قبض بعض سواء استحق المقبوض أو غيره يخير لما مر من التفرق، ولو قبض كله فاستحق بعضه بطل البيع بقدره، ثم لو أورث الاستحقاق عيبا فيمل بقي يخير المشتري، ولو لو يورث عيبا فيه كثوبين، أو قنين استحق أحدهما أو كيلي أو وزني استحق بعضه ولا يضر تبعيضه، فالمشتري يأخذ الباقي بلا خيار ا ه.
وفي النهر عن
العناية: حكم العيب والاستحقاق سيان قبل القبض في جميع الصور: يعني فيما يكال ويوزن وغيرهما، وحكمهما بعد القبض كذلك إلا في المكيل والموزون.
قوله: (وما في الحاوي) أي من أنه(5/148)
إذا أمسكه بعد الاطلاع على العيب مع قدرته على الرد كان رضا ا ه ح.
قوله: (كدليل الرضا) مما يأتي قريبا، وصريحه بالاولى.
قوله: (وفي الخلاصة الخ) حيث قال: وجد به عيبا ولم يجد البائع ليرده فأطعمه وأمسكه ولم يتصرف فيه تصرفا يدل على الرضا فإنه يرده على البائع لو حضر، ولو هلك يرجع النقصان ا ه: أي ولا يرجع على بائعه بالثمن، وهذا إذا لم يرفع الامر إلى القاضي كما سيذكره المصنف.
قوله: (واللبس والركوب الخ) أي لو اطلع على عيب في المبيع فلبسه أو ركبه لحاجته فهو رضا دلالة.
ولو كان ركوبه للدابة لينظر إلى سيرها ولبسه الثوب لينظر إلى قدره كما في النهر وغيره.
فإن قلت: إن فعل ذلك لا يبطل خيار الشرط فكذا خيار العيب، قلت: فرق في الذخيرة بأن خيار الشرط مشروع للاختبار واللبس والركوب مرة يراد به ذلك، بخلاف خيار العيب فإنه شرع للرد ليصل إلى رأس ماله عند العجز عن الوصول إلى الفائت فلا يحتاج إلى أن يختبر المبيع.
تنبيه: أشار إلى أن الرضا بالعيب لا يلزم أن يكون بالقول.
ثم إن الرضا بالقول لا يصح معلقا، لما في البحر عن البزازية: عثر على عيب فقال للبائع إن لم أرد إليك اليوم رضيت به.
قال: محمد: القول باطل وله الرد.
قوله: (والمداواة له أو به) أي أنه يشمل ما لو كان المبيع عبدا مثلا فداواه من عيبه أو كان دواء فداوى به نفسه أو غيره بعد اطلاعه على عيب فيه.
مطلب فيما يكون رضا بالعيب قوله: (رضا بالعيب الذي يداويه فقط) قال في البحر: المداواة إنما تكون رضا بعيب داواه، أما إذا داوى المبيع من عيب قد برئ منه البائع وبه عيب آخر فإنه لا يمتنع رده كما في الولوالجية ا ه.
وفي جامع الفصولين: شرى معيبا فرأى عيبا آخر فعالج الاول مع علمه بالثاني لا يرده، ولو عالج الاول ثم علم عيبا آخر فله رده ا ه.
قالت: بقي ما لو اطلع على العيب بعد الشراء ولم يكن قد برئ البائع منه فداواه ثم اطلع على
عيب آخر.
وظاهر كلام الشارح أنه يرده، وهو الظاهر، كما لو رضي بالاول صريحا ثم رأى الآخر، إذ قد يرضى بعيب دون عيب، أو بعيب واحد لا بعيبين، تأمل.
ثم رأيت في الذخيرة عن المنتقى عن أبي يوسف: وجد بالجارية عيبا فداواها، فإن كان ذلك دواء من ذلك العيب فهو رضا، وإلا فلا، إلا أن ينقصها ا ه.
قوله: (ما لم ينقصه) كما إذا داوى يده الموجوعة فشلت أو عينه من بياض بها فاعورت فإنه يمتنع رده بعيب آخر لما حدث فيه من النقص عند المشتري ط.
مطلب فيما يكون رضا بالعيب ويمنع الرد قوله: (بعد علم بالعيب) أي علمه بكون ذلك عيبا، ففي الخانية: لو رأى بالامة قرحة ولم يعلم أنها عيب فشراها ثم علم عيب له ردها لانه مما يشتبه على الناس فلا يثبت الرضا بالعيب ا ه.
وقدمنا أنه لو كان مما لا يشتبه على الناس كونه عيبا ليس له الرد.
وفي نور العين عن المنية: قال البائع بعد تمام البيع قبل القبض تعيب المبيع فاتهمه المشتري في إخباره ويقول إن غرضه أن أرد عليه فقبضه المشتري لا يكون رضا بالعيب ولا تصرفه إذا لم يصدقه، لكن الاحتياط أن يقول له: لا أعلم بذلك وأنا لا أرضى بالعيب، فلو ظهر عندي أرده عليك ا ه.
قوله: (والارش) أي نقصان العيب، قوله:(5/149)
(ومنه العرض على البيع) ولو بأمر البائع، بأن قال له: اعرضه على البيع، فإن لم يشتر منك رده علي، ولو طلب من البائع الاقالة فأبى فليس بعرض فله الرد، ولو عرض بعض المبيع على البيع، أو قال: رضيت ببعضه بطل خيار الرؤية وخيار العيب، جامع الفصولين.
وقدمنا عن الذخيرة أن قبض المبيع بعد العلم بالعيب رضا بالعيب، وفي جامع الفصولين: قبض بعضه رضا ثم نقل ليس برضا حتى يسقط خياره عند أبي يوسف ا ه.
قلت: وهذا في غير المثلي، لما في البحر عن البزازية: لو عرض نصف الطعام على البيع لزمه النصف ويرد كالبيع ا ه.
وسيذكر الشارح الكلام في الاستخدام.
تتمة: نقل في البحر: من جملة ما يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به الاجارة والعرض عليها والمطالبة بالغلة والرهن والكتابة، أما لو آجره ثم علم بالعيب فله نقضها للعذر ويرده، بخلاف الرهن
فلا يرده إلا بعد الفكاك، ومنه إرسال ولد البقرة عليها ليرتضع منها وحلب لبنها أو شربه، وهل يرجع بالنقصان؟ قولان.
وابتداء سكنى الدار لا الدوام عليها، وسقي الارض وزراعتها، وكسح الكرم، والبيع كلا أو بعضا، والاعتاق، والهبة ولو بلا تسليم لانها أقوى من العرض، ودفع باقي الثمن، وجمع غلات الضيعة، وكذا تركها لانه تضييع، وليس منه أكل ثمر الشجر وغلة القن والدار وإرضاع الامة ولد المشتري، وضرب العبد إن لم يؤثر الضرب فيه ا ه ملخصا.
وفي الذخيرة: إذا أطلاه بعد رؤية العيب أو حجمه أو جز رأسه فليس برضا.
ثم ذكر تفصيلا في الحجامة بين كونها دواء لذلك العيب فهو رضا، وإلا فلا.
وفيها: أمر رجلا ببيعه ثم علم أن به عيبا: فإن باعه الوكيل بحضرة الموكل ولم يقل شيئا فهو رضا بالعيب.
قوله: (إلا الدراهم الخ) ذكر المسألة في الذخيرة وجامع الفصولين وغيرهما، وسيذكرها الشارح في آخر متفرقات البيوع عن الملتقط.
ثم إنه ينبغي أن يذكر هنا أيضا ما امتنع رده قبل البيع بزيادة ونحوها، كما لو لت السويق أو خاط الثوب ثم اطلع على عيب ثم باعه، فإن بيعه بعد رؤية العيب لا يكون رضا وله الرجوع بنقصانه، كما مر، فكذا لو عرضه البيع بالاولى.
قوله: (فليس برضا) فلا يمنع الرد على المشتري، لان ردها لكونها خلاف حقه، لان حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه، بخلاف المبيع العين فإنه ملكه فالعرض رضا بعيبه.
بحر.
ومثل ذلك ما لو باعها ثم ردت عليه بلا قضاء فله ردها على بائعه كما قدمه الشارح عند قوله: باع ما اشتراه الخ وقدمنا تمام الكلام في ذلك.
قوله: (كعرض ثوب الخ) محترز قوله: عل البيع والتشبيه في عدم الرضا.
قوله: (قال نعم) الاولى فقال: نعم، عطفا على قال الاول.
قوله: (لزم) جواب لو أي لزم البيع، ولا يمكنه رده بالعيب.
قال في نور العين: وهذه تصلح حيلة من البائع لاسقاط خيار العيب عن مشتريه.
قوله: (ولا تقرير لملكه) لفظ: لا مبتدأ وتقرير خبره، والضمير في ملكه للبائع، كأنه يقول: لا أبيعه لكونه ملكك لاني أرده عليك.
وفي البزازية: وينبغي أن يقول بدل قوله: نعم الخ، يريد بذلك تنبيه المشتري على لفظ يتمكن به من الرد(5/150)
وهو لفظ لا ويحذره من مانع الرد وهو: نعم ط.
وبه اندفع توقف المحشي في هذه العبارة، وكأنه
فهم أن قوله: وينبغي أن يقول الخ أي يقول الناقل لحكم المسألة، فيصير المعنى: ولو قال له البائع: أتبيعه فقال: لا، لزم فينافي ما ذكره الشارح، وليس كذلك، بل ضمير يقول للمشتري أي ينبغي للمشتري أن يقول لا بدل قوله نعم لئلا يلزم البيع فيكون تحذيرا للمشتري فافهم، ثم إن الذي رأيته في البزازية وغالب نسخ البحر نقلا عنها ولا تقرير لمكنته: أي تمكنه من الرد على البائع، وعليه فالضمير للمشتري.
قوله: (الركوب للرد على البائع) وكذا لو ركبه ليرده فعجز عن البينة فركبه جائيا فله الرد.
بحر عن جامع الفصولين: أي له رده بعد ذلك إذا وجد بينة على كون العيب قديما لان ركوبه بعد العجز ليس دليل الرضا.
قوله: (أو لشراء العلف لها) فلو ركبها لعلف دابة أخرى فهو رضا كما في الذخيرة.
قوله: (لعجز أو صعوبة) أي لعجزه عن المشي أو صعوبة الدابة بكو نها لا تنقاد معه.
قوله: (وهل هو) أي قوله: ولا بد له منه.
قوله: (واعتمده المصنف الخ) الذي في شرح المصنف والدرر والشمني والبحر جعله قيدا للاخيرين فقط، ولكن في كثير من النسخ واعتمد المصنف بلا ضمير، وهي الصواب، فقوله: وغيرهم بالجر عطفا على مجرور اللام في قوله: تبعا للدر الخ وقوله: الاول بالنصب مفعول اعتمده، أما على نسخة اعتمده بالضمير يكون قوله: وغيرهم مرفوعا، والتقدير: واعتمد غيرهم الاول، ومشى في الفتح على الاول.
وفي الذخيرة على الثاني.
قال: ويدل له ما ذكره محمد في السير الكبير أن جوالق العلف لو كان واحدا فركب لا يكون رضا، لانه لا يمكن حمله إلا بالركوب، بخلاف ما إذا كان اثنين ا ه.
لكن قال في الفتح: إن العذر المذكور في السقي يجري فيما إذا كان العلف في عدلين، فلا ينبغي إطلاق امتناع الرد فيه ا ه.
وبقي قول ثالث هو ظاهر الكنز: وهو أنه غير قيد في الثلاثة، وظاهر الزيلعي اعتماده حيث عبر عن القولين بقيل.
وفي الشرنبلالية عن المواهب: الركوب للرد أو للسقي أو لشراء العلف لا يكون رضا مطلقا في الاظهر ا ه.
فافهم.
قوله: (فالقول للمشتري) لان الظاهر يشهد له ط.
وكذا لو قال ركبتها للسقي بلا حاجة لانها تنقاد وهي ذلول، ينبغي أن يسمع قول المشتري، لان الظاهر أن مسوغ الركوب بلا إبطال الرد هو خوف المشتري من شئ مما ذكرنا، لا حقيقة الجموح والصعوبة، والناس يختلفون في تخيل أسباب الخوف، فرب رجل لا يخطر بخاطره شئ من تلك الاسباب وآخر بخلافه،
كذا في الفتح.
قوله: (فهو عذر) قال في الشرنبلالية: بعد نقله ويخالفه ما في البزازية: لو حمل عليه فاطلع على عيب في الطريق ولم يجد ما يحمله عليه ولو ألقاه في الطريق يتلف لا يتمكن من الرد، وقيل: يتمكن قياسا على ما إذا حمل عليه علفه.
قلت: الفرق واضح، فإن علفه مما يقومه، إذ لولاه لا يبقى ولا كذلك العدل فكان من ضرورة الرد ا ه ما في البزازية.
وهذا يفيد أن ما في الفتح ضعيف ا ه ط.
قلت: وذكر الفرق أيضا في جامع الفصولين، ويؤيده ما في الذخيرة عن السير الكبير: اشترى(5/151)
دابة في دار الاسلام وغزا عليها فوجد بها عيبا في دار الحرب ينبغي له أن لا يركبها، لان الركوب بعد العلم بالعيب رضا منه فلا يتمكن من ردها فليحترز منه، وإن لم يجد دابة غيرها، لان العذر الذي له غير معتبر فيما يرجع إلى البائع، والركوب لحاجته دليل الرضا ا ه ملخصا.
وحاصله: أن الركوب دليل الرضا وإن كان لعذر، لان عذره ألزمه الرضا بالعيب لانه لا يعتبر في حق البائع، وأنت خبير بأن هذا مخالف للقول الثالث الذي اعتمده الزيلعي وغيره كما قدمناه آنفا.
وقد يجاب بأن العذر في ركوبها للسقي والعلف إنما هو لحق البائع إذ فيه حياتها، بخلاف العذر في مسألة السير الكبير والتي قبلها.
مطلب مهم في اختلاف البائع والمشتري في عدد المقبوض أو قدره أو صفته قوله: (اختلفا بعد التقابض الخ) أي لؤو اشترى جارية مثلا فقبضها وأقبض الثمن ثم جاء ليردها بعيب واعترف به البائع، إلا أنه قال: بعتك هذه وأخرى معها فلك علي رد حصة هذه فقط من الثمن لا كله، وقال المشتري بعتنيها وحدها فاردد كل الثمن ولا بينة لهما، فالقول للمشتري لانه قابض ينكر زيادة يدعيها البائع، ولان البيع انفسخ في المردود بالرد وذلك مسقط للثمن عنه، والبائع بدعي بعض الثمن بعد ظهور سبب السقوط والمشتري ينكر، وتمامه في الفتح.
قوله: (ليتوزع الثمن الخ) علة لدعوى البائع وبيان لفائدتها على تقدير الرد: أي رد الثمن، لانه على دعواه يلزمه رد بعضه كما قررناه.
قوله: (أو في عدد المقبوض) أي بأن اتفقا على مقدار المبيع أنه الجاريتان وقبض البائع ثمنهما ثم جاء
المشتري ليرد إحداهما فقال البائع قبضتهما وإنما تستحق حصة هذه وقال المشتري لم أقبض سواها.
قوله: (والقول للقابض) وتقبل بينته لاسقاط اليمين عنه كالمودع إذا ادعى الرد أو الهلاك وأقام بينة تقبل.
مع أن القول قوله والبينة لاسقاط اليمين مقبولة كذا في الذخيرة، من باب الصرف.
بحر.
قوله: (مطلقا) فسره ما بعده.
قوله: (قدرا) أي قدر المبيع أو المقبوض كما مر، ومنه ما في النهر عن صلح الخلاصة: لو قال المشتري بعد قبض المبيع موزونا وجدته ناقصا إلا إذا سبق منه إقرار بقبض مقدار معين.
قوله: (أو صفة) تبع في ذلك البحر عن العمادية، ويخالفه ما في الظهيرية حيث قال: وإن اختلفا في وصف من أوصاف المبيع فقال المشتري اشتريت منك هذا العبد على أنه كاتب أو خباز وقال البائع لم أشترط شيئا فالقول للبائع ولا يتحالفان ا ه.
ومثله في الذخيرة والتاترخانية.
وفي فتاوى قارئ الهداية: اختلفا في وصف المبيع فقال المشتري ذكرت لي أن هذه السلعة شامية فقال البائع: ما قلت إلا أنها بلدية، أجاب: القول للبائع بيمينه لان ينكر حق الفسخ، والبينة للمشتري لانه مدع ا ه.
وفي النهر عن الظهيرية: اشترى عبدين أحدهما بألف حالة والآخر بألف إلى سنة صفقة أو صفقتين فرد أحدهما بعيب ثم اختلفا فقال البائع: رددت مؤجل الثمن وقال المشتري: بل معجلة، فالقول للبائع سواء هلك ما في يد المشتري أو لا ولا تحالف ا ه.
ويؤيده قوله الآتي: كما لو اختلفا في طول المبيع وعرضه على خلاف ما في النهر كما تعرفه، فافهم.
قوله: (فلو جاء ليرده الخ) تفريع على قوله: تعيينا ومثله في البحر وغيره: لو اختلفا في الرق فالقول للمشتري.
قوله: (فالقول للبائع)(5/152)
والفرق أن المشتري في خيار الشرط والرؤية ينفسخ العقد بفسخه بلا توقف على رضا الآخر، بل على علمه على الخلاف، وإذا انفسخ يكون الاختلاف بعد ذلك اختلافا في المقبوض، فالقول فيه قول القابض، بخلاف الفسخ بالعيب لا ينفرد المشتري بفسخه ولكنه يدعي ثبوت حق الفسخ في الذي أحضره والبائع ينكره، وكذا في الفتح من آخر خيار الرؤية.
قلت: ومقتضى هذا التعليل أنه لو كان البيع فاسدا يكون القول في تعيين المبيع للمشتري، لان العقد ينفسخ بفسخه بلا توقف على رضا الآخر، وهي واقعة الفتوى.
قوله: (كما لو اختلفا في طول
المبيع وعرضه) لم أر هذا في الفتح، وإنما ذكر المسألة التي قبله مع الفرق الذي نقلناه عنه، نعم ذكره في البحر عن الظهيرية مصرحا بأن القول للبائع.
قلت: وهو الذي رأيته الظهيرية ومنتخبها للعيني، وكذا في الذخيرة والتاترخانية، فما نقله في النهر عن الظهيرية من أن القول للمشتري تحريف أو سبق قلم، فافهم، ونص الظهيرية: ابن سماعة عن محمد: رجل باع من آخر ثوبا مرويا فقبضه أو لم يقبضه حتى اختلفا فقال البائع بعته على أن ست في سبع وقال المشتري اشتريته على أنه سبع في ثمان فالقول قول البائع مع يمينه ا ه.
تتمة: قال: بعتها وبها قرحة في موضع كذا فجاء المشتري ليردها بقرحة في ذلك فأنكر البائع أنها هذه القرحة بل القرحة برئت وهذه وغيرها، فالقول للمشتري.
والحاصل أن البائع إذا نسب العيب إلى موضع وسماه فالقول للمشتري، وإن ذكره مطلقا فالقول للبائع.
وتمامه في الذخيرة.
خاتمة: باع ألف رطل من القطن ثم ادعى أنه لم يكن في ملكه يوم البيع قطن وعنده يوم الخصومة ألف رطل من القطن يقول: أصبته بعد البيع كان القول قوله: بيمينه كما في الخانية.
قوله: (اشترى عبدين الخ) اعلم أن المبيع لا يخلو من كونه شيئا واحدا أو شيئين كواحد حكما من حيث لا يقوم أحدهما بلا صاحبة كمصراعي باب وزوجي خف أو شيئين بلا اتحاد حكما كثوبين وعبدين.
ثم الحادث في المبيع نوعان: عيب، واستحقاق، والاحوال ثلاثة: قبل القبض، وبعده، وبعد قبض بعضه فقط.
أما لو وجد في بعضه عيبا قبل قبض كله وكان العيب موجودا وقت البيع أو حدث بعده قبل قبضه فالمشتري مخير بين أخذ الكل بثمنه أو رد كله، لا المعيب وحده بحصته من الثمن وكذا ليس للبائع أن يقبل المعيب خاصة إلا إذا تراضيا على رد المعيب فقط وأخذ الباقي بحصته من الثمن فلهما ذلك، إذ الصفقة لا تتم قبل القبض بدليل انفساخ البيع برده بلا رضا ولا قضاء، ولو قبض بعضه فقط فوجد فيه أو فيما بقي عيبا فحكمه حكم الفصل الاول في كل ما مر، إذ الصفقة لا تتم بعد سواء كان المبيع واحدا أو أشياء، ولو قبض كله فوجد عيبا قديما أو حادثا بين شرائه وقبضه، فإن كان البيع واحدا كدار وكرم وأرض وثوب، أو كيليا أو وزنيا في وعاء واحد، أو صبرة(5/153)
واحدة، أو شيئين كشئ واحد حكما يخير بين أخذ كله ورد كله دون رد بعضه فقط، إذ فيه زيادة عيب هو الاشتراك في الاعيان، وإن كان شيئين أو أكثر بلا اتحاد حكما كثياب وعبيد، أو كيليا أو وزنيا في أوعية مختلفة، فللمشتري الرضا به بكل ثمنه أو رد المعيب فقط، ولا يرد كله إلا بتراض، ولا يرد المعيب إلا برضا أو قضاء، إذ الصفقة تمت فيصح تفريقها فيرد المعيب بحصته من الثمن غير معيب، إذ المبيع المعيب دخل في البيع سليما، وفي خيار شرط ورؤية ليس له رد بعضه فقط وإن قبض الكل لانهما يمنعان تمام الصفقة، فهي قبل تمامها لا تحتمل التفريق، وإنما قلنا إنه يمنع تمام الصفقة لانه يرد بلا قضاء ولا رضا، ولو قبض الكل، ومتى عجز عن رد البعض لزمه الكل، سواء كان المبيع واحدا أو أكثر.
جامع الفصولين عن شرح الطحاوي.
ثم ذكر بعد ذلك مسائل الاستحقاق وقد مرت.
والحاصل: أنه لو جد العيب قبل قبض شئ من المبيع أو بعد قبض البعض فقط فليس له رد المعيب وحده بلا رضا البائع، وكذا لو بعد قبض الكل إلا إذا كان متعددا غير متحد حكما كثوبين وطعام في وعاءين على ما ذكرنا، بخلاف ما لو كان في وعاء واحد فإنه بمنزلة المبيع الواحد، وهذا ظاهر لو كان الطعام كله باقيا، فلو باع بعضه أو أكل بعضه فقدمنا في هذ الباب أن المفتى به قول محمد أن له أن يرد الباقي ويرجع بنقصان ما أكل لا ما باع، ومر بيانه هناك.
قوله: (صفقة واحدة) منصوب على أنه حال من فاعل اشترى لتأوله بالمشتق: أي صافقا بمعنى عاقدا، أو على نزع الخافض: أي بصفقة أي عقد، واحترز به عما لو كان كل منهما بعقد على حدة فهو من قسم ما لو كان المبيع واحدا وقد علمته.
قوله: (وقبض أحدهما) كذا لو لم يقبضهما كما مر.
قوله: (رد المعيب) احتراز عما فيه خيار شرط أو رؤية كما مر.
قوله: (لم يعلم به إلا بعد القبض) هذا لا يناسب إلا ما إذا وجد العيب في المقبوض كما لا يخفى ا ه ح.
قلت: بل هو في غاية الخفاء، لان كلام الشارح يصدق على ما إذا قبض السليم ولم يعلم بعيب الآخر إلا بعد قبض المقبوض، ولذا قال في البحر: قيد بتراخي ظهور العيب عن القبض، لانه لو
وجد بأحدهما عيبا قبل القبض: فإن قبض المعيب منهما لزماه، أما المعيب فلوجود الرضا به، وأما الآخر فلانه لا عيب به، ولو قبض السليم منهما أو كانا معيبين وقبض أحدهما له ردهما جميعا، لانه لا يمكن إلزام البيع في المقبوض دون الآمر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع، ولا يمكن إسقاط حقه في غير المقبوض لانه لم يرض به كذا في المحيط، فافهم.
قوله: (كما لو قبض الخ) تشبيه بقوله: أخذهما أو ردهما والاولى عدم التقييد هنا بالقبض كما في الكنز ليشمل ما قبل القبض.
قال في البحر: وما وقع في الهداية من أن المراد بعد القبض، فإنما هو ليقع الفرق بين القيميات والمثليات ا ه.
فإن القيميات كعبدين له رد المعيب منهما بعد قبضهما، بخلاف المثليات كطعام في وعاء، أما قبل القبض فليس له رد المعيب في الكل، لكن هذه الاعتذار لا يتأتى في عبارة المصنف حيث أتى بكاف التشبيه.
قوله: (ونحوه) أي من كل شيئين لا ينتفع بأحدهما بدون الآخر، وله أحكام ذكرها في(5/154)
البحر عن المحيط، فراجعه.
قوله: (فإن له رد كله أو أخذه) أي دون أخذ المعيب وحده، وهذا تصريح بما تضمنه التشبيه، وعلمت أن هذا لو كان كله باقيا، بخلاف ما لو باع البعض أو أكله، قوله: (ولو في وعاءين) أي إذا كانا من جنس واحد كتمر برني أو صيحاني أو لبانة أو حنطة صعيدية أو بحرية فإنهما جنسان يتفاوتان في الثمن والعجين، كذا حرره في فتح القدير.
قوله: (على الاظهر) وقيل: إذا كان في وعاءين يكون بمنزلة عبدين حتى يرد الوعاء الذي وجد فيه العيب وحده.
زيلعي.
وقدمنا عن العلامة قاسم أن هذا القول أرفق وأقيس ا ه.
ولذا مشى عليه في شرح الطحاوي كما علمته آنفا.
قوله: (أو قبلها ألا مسها بشهوة) قال في البزازية: قال التمرتاشي: قول السرخسي: التقبيل بشهوة يمنع الرد محمول على ما بعد العلم بالعيب.
شرنبلالية.
قلت: يخالف هذا الحمل ما في الذخيرة: إذا وطئها ثم اطلع على عيب لم يردها ويرجع بالنقصان سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا أن يقبلها البائع كذلك، وكذا إذا كان قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة، فإن وطئها أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة بعد علمه بالعيب فهو رضا بالعيب فلا رد ولا رجوع بنقصان ا ه.
وكذا ما في الخانية: لو قبضها فوطئها أو قبلها بشهوة ثم وجد بها عيبا لا يردها
بل يرجع بنقصان العيب ا ه، ولا يرد قوله الآتي: لانه استوفى ماءها لان دواعي الوطئ تأخذ حكمه في مواضع كما في حرمة المصاهرة، فافهم.
قوله: (ولنا أنه استوفى ماءها وهو جزؤها) أي فإذا ردها صار كأنه أمسك بعضها، شرح المجمع، وعلل في شرح درر البحار بأن الرد بعيب فسخ العقد من أصله، فيكون وطؤه في غير مملوكة له فيكون عيبا يمنع الرد، وهذا في الثيب، فالبكر يمتنع ردها بالعيب اتفاقا ا ه.
قلت: وهذا التعليل أظهر، لانه يشمل دواعي الوطئ.
قوله: (ولو الواطئ زوجها) أي الزوج الذي كان من عند البائع، أما لو زوجها المشتري لم يكن له ردها وطئها أو لا، وإن رضي بها البائع لحصول الزيادة المنفصلة وهي المهر وأنها تمنع الرد كما مر، كما لو وطئها أجنبي بشبهة في يد المشتري لوجوب العقر على الواطئ، بخلاف ما لو زنى بها فلا يرد ويرجع بالنقصان، إلا أن يرضى(5/155)
بها البائع كذلك لانها تعيبت بعيب الزنا، كذا في الذخيرة.
قوله: (إن ثيبا ردها) أي إذا لم ينقصها الوطئ وكان الزوج وطئها عند البائع أيضا، أما إذا لم يكن وطئها إلا عند المشتري لم يذكره محمد في الاصل.
واختلف المشايخ فيه، والصحيح أنه يردها.
ذخيرة.
قوله: (ورجع بالنقصان) كذا في الدرر، ومثله في البحر عن الظهيرية عند قول الكنز: ومن اشترى ثوبا فقطعه الخ.
وعزاه في الشرنبلالية إلى البدائع وغيرها، ومثله أيضا ما ذكرناه آنفا عن الذخيرة والخانية.
وفي كافي الحاكم: وطئها المشتري ثم وجد بها عبيا لا يردها به، ولكن تقوم وبها العيب وتقوم وليس بها عيب، فإن كان العيب ينقصها العشر يرجع بعشر الثمن ا ه ملخصا.
وقال في الخلاصة: وفي الاصل رجل اشترى جارية ولم يبرأ من عيوبها فوطئها ثم وجد بها عيبا لا يملك ردها سواء كانت بكرا أو ثيبا نقصها الوطئ أو لا، بخلاف الاستخدام، وكذا لو قبلها أو لمسها بشهوة ويرجع بالنقصان إلا أن يقول البائع أنا أقبلها ا ه.
فهذا نص المذهب.
مطلب: الاصل للامام محمد من كتب ظاهر الرواية وكافي الحاكم جمع فيه كتب ظاهر الرواية
فإن الاصل للامام محمد من كتب ظاهر الرواية وكافي الحاكم جمع فيه كتب ظاهر الرواية للامام محمد كما ذكره في الفتح والبحر في مواضع متعددة، وبه سقط ما في الشرنبلالية حيث قال: وفي البزازية ما يخالفه حيث جوز الرجوع بالنقص مع اللمس والنظر ومنعه من الوطئ ا ه.
قلت: وسقط به أيضا ما في البزازية أيضا من أن وطئ الثيب يمنع الرد والرجوع بالنقصان، وكذا التقبيل والمس بشهوة قبل العلم بالعيب وبعده، وكذا ما يأتي قريبا في الخانية، فافهم.
قوله: (فبانت ثيبا) أي بوطئ المشتري.
وفي الخانية من أول فصل العيوب: ولو اشترى جارية على أنها بكر، ثم قال: هي ثيب يريها القاضي النساء، إن قلن بكر كان القول للبائع بلا يمين، وإن قلن: ثيب فالقول للمشتري بيمينه، وإن وطئها المشتري، فإن زايلها كما علم أنها ليست بكرا بلا لبث وإلا لزمته، هكذا ذكر الشيخ أبو القاسم ا ه ومشى الشارح على هذا التفصيل في خيار الشرط عند قول المصنف وتم العقد بموته الخ، لكن علمت نص المذهب، ولهذا ذكر في القنية التفصيل المذكور عن أبي القاسم، ثم رمز لكتاب آخر الوطئ يمنع الرد وهو المذهب ا ه.
قوله: (بل يرجع بأربعين درهما) فيه أن هذا العيب قد ينقص القيمة أقل من هذا القدر، وقد ينقصها أكثر منه، فما وجه هذا التعيين ط.
قلت: قد يجاب بأن نقصان الثيوبة كان كذلك في زمانهم.
قوله: (الثيوبة ليست بعيب الخ) لانه ليس الغالب عدمها، فصارت كما لو شرى دابة فوجدها كبيرة السن كما حققناه أول الباب، نعم لو شرط البكارة ولم توجد كان له الرد، لانه من باب فوات الوصف المرغوب، كما لو شرى العبد على أنه كاتب أو خباز، وهذا لو وجدها ثيبا بغير الوطئ وإلا فالوطئ يمنع الرد، ولو نزع بلا لبث على المذهب، كما علمت، فافهم.
قوله: (إلا إذا قبلها البائع) أي رضي أن يأخذها بعد ما وطئها المشتري،(5/156)
وهذا استثناء من قوله: ورجع بالنقصان.
قوله: (ويعود الرد الخ) محل هذه الجملة عند قول المصنف سابقا حدث عيب آخر عند المشتري رجع بنقصانه ط.
قوله: (لعود الممنوع) أشار به إلى أن الرد لم يسقط، وإنما منع منه مانع، إذ لو كان ساقطا لما عاد ط.
قوله: (مع النقصان) أي الذي رجع به المشتري على البائع حين كان الرد ممنوعا ط.
قوله: (على الراجح) بناء على أنه من زوال المانع، قيل: لا
يرد لان الرد يسقط والساقط لا يعود، وقيل: إن كان بدل النقصان قائما ثبت له الرد، وإلا لا ط.
قوله: (بمشرى البائع) الاضافة على معنى من: أي بمشرى منه.
قوله: (وأثبته) أي المشتري.
قوله: (فوضعه) أي القاضي عند عدل: أي عند أمين يحفظه لبائعه.
وفي حاشية البحر للرملي: قد سئلت عن نفقة الدابة وهي عند العدل على من تكون فأجبت أخذا مما في الذخيرة في آخر النفقات أنه لا يفرض القاضي لها على أحد نفقة، لان الدابة ليست من أهل الاستحقاق والمشتري هو المالك، والمالك يفتي عليه ديانة بأن ينفق عليها ولا يجبره القاضي.
قوله: (ينفذ على الاظهر) أي لو كان القاضي يرى ذلك كشافعي ونحوه، بخلاف الحنفي كما حرره في البحر، وقدمناه في كتاب المفقود: وسيأتي تمامه في القضاء إن شاء الله تعالى.
قوله: (قتل العبد المقبوض أو قطع) قيد بكونه مقبوضا، لانه لو قتل بعد البيع في يد البائع رجع المشتري بكل الثمن كما هو ظاهر، ولو قطع عند البائع ثم باعه فمات عند المشتري بسبب القطع.
قال في البحر يرجع بالنقصان اتفاقا، وقيد بالقطع لانه لو اشتراه مريضا فمات عند المشتري أو عبدا زنى عند البائع فجلد عند المشتري فمات رجع بالنقصان اتفاقا أيضا، وتمامه في البحر.
قوله: (بسبب كان عند البائع) أي فقط، أما لو سرق عندهما فقطع بالسرقتين، فعندهما يرجع بنقصان السرقة الاولى.
وعنده لا يرده بلا رضا البائع للعيب الحادث وهو السرقة الثانية، فإن رضيه رده المشتري ورجع بثلاثة أرباع الثمن وإلا أمسكه ورجع بربعه، لان اليد من الآدمي نصفه وقد تلفت بالسرقتين فيتوزع نصف الثمن بينهما فيسقط ما إصاب المشتري ويرجع بالباقي، وتمامه في الفتح، وقدم الشارح هذه المسألة عن العيني أول الباب.
قوله: كقتل أو ردة أي كما لو قتل العبد رجلا عمدا أو ارتد والاولى أن يقول كقتل وسرقة ليكون بيانا لسبب القتل والقطع.
قوله: (رد المقطوع وأخد ثمنهما) قال في المبسوط: فإن مات من ذل القطع قبل أن يرده لم يرجع إلا بنصف الثمن.
فتح.
قوله: (أو أمسكه) الاولى تأخيره عن قوله: وأخذ ثمنها بأن يقول: وله أن يمسك المقطوع ويرجع بنصف ثمنه ط.
قوله: (مجمع) عبارته: ولو وجد العبد مباح الدم فقتل عنده فله كل الثمن، ولو قطع بسرقة فهو مخير، إن شاء رد واسترد أو أمسك واسترد النصف، وقالا: يرجع بالنقصان فيهما.
ولا يخفى أنها أحسن من عبارة المصنف.
قوله: (رجع الباعة بعضهم على بعض) أي
بكل الثمن كما في الاستحقاق عند أبي حنيفة لانه أجراه مجرى الاستحقاق، وهذا إن اختار الرد،(5/157)
فإن أمسكه يرجع بنصف الثمن فيرجع بعضهم على بعض بنصف الثمن.
وعندهما يرجع الاخير بالنقصان على بائعه، ولا يرجع بائعه على بائعه لانه بمنزلة العيب.
أما رجوع الاخير فلانه لما لم يبعه لم يصر حابسا للمبيع فلا مانع من الرجوع، وأما بائعه فلا يرجع لانه بالبيع صار حابسا له مع إمكان الرد، وقد علمت أن بيع المشتري للمعيب حبس للمبيع سواء علم أو لا فلا يمكنه الرد بعد ذلك.
فتح.
قوله: (لكونه كالاستحقاق) والعلم بالاستحقاق لا يمنع الرجوع.
بحر.
مطلب: في البيع بشرط البراءة من كل عيب قوله: (وصح البيع بشرط البراءة من كل عيب) بأن قال بعتك هذا العبد على أني برئ من كل عيب، ووقع في العيني لفظ فيه وهو سهو لما يأتي.
نهر.
قلت: ولا خصوصية لهذا اللفظ، بل مثله كل ما يؤدي معناه.
مطلب: باعه على أنه كوم تراب أو حراق على الزناد أو حاضر حلال ومنه ما تعورف في زماننا فيما إذا باع دارا مثلا فيقول: بعتك هذه الدار على أنها كوم تراب، وفي بيع الاابة يقول مكسرة محطمة، وفي نحو الثوب يقول حراق على الزناد ويريدون بذلك أنه مشتمل على جميع العيوب، فإذا رضيه المشتري لا خيار له لانه قبله بكل عيب يظهر فيه.
وكذلك قوله: بعتك على أنه حاضر حلال ويراد بيع هذا الحاضر بما فيه من أي عيب كان سوى عيب الاستحقاق: أي لو ظهر غير حلال: أي مسروقا أو مغصوبا يرجع عليه المشتري، فهذا كله بمعنى البراءة من كل عيب.
ونظيره ما في البحر: لو قبل الثوب بعيوبه يبرأ من الخروق وتدخل الرقع والرفو ا ه: أي لو كان فيه خرق لا يرده، وكذا لو وجده مرقوعا أو مرفوا، وهو من باب رفوت الثوب رفوا من باب قتل: أي أصلحته، ثم رأيت بعض المحشين ذكر أن العلامة إبراهيم البيري سئل عمن باع أمة وقال: أبيعك الحاضر المنظور يريد بذلك جميع العيوب.
فأجاب: ليس للمشتري رد الامة التي أبرأه عن جميع عيوبها ا ه ملخصا.
قوله: (وإن لم يسم) أي لم يذكر أسماء العيوب.
قوله: (خلافا للشافعي)
حيث قال: لا يصح إلا أن يعد العيوب، لان في الابراء معنى التمليك، وتمليك المجهول لا يصح.
زيلعي.
قوله: (لعدم إفضائه إلى المنازعة) الاولى لعدم إفضائها لان الضمير للبراءة.
قال في الفتح: ولنا أن الابراء إسقاط حتى يتم بلا قبول، كما لو طلق نسوته أو أعتق عبيده ولا يدري كم هم ولا أعيانهم، والاسقاط لا تبطله جهالة الساقط لانها لا تفضي إلى المنازعة، وتمامه فيه.
قوله: (فلا يرد العيب) أي موجود أو حادث.
قوله: (بالموجود) لان البراءة تتناول الثابت وهو الموجود وقت العقد فقط.
ولهما أن الملاحظ هو المعنى، والغرض من هذا الشرط إلزام العقد بإسقاط المشتري حقه عن وصف السلامة ليلزم على كل حال، ولا يطالب البائع بحال وذلك بالبراءة عن كل عيب يوجب للمشتري الرد والحادث بعد العقد كذلك فاقتضى الغرض المعلوم دخوله.
فتح قوله: (كقوله من كل عيب به) فإنه لا يدخل فيه الحادث إجماعا.
بحر.
قوله: (ولو قال مما يحدث) أي باع بشرط البراءة من كل عيب وما يحدث بعد البيع قبل القبض.
فتح.
قوله: (صح عند الثاني الخ) هذا على رواية المبسوط، أما على رواية شرح الطحاوي: فلا يصح بالاجماع.(5/158)
وأورد على الثانية أنه لو أبرأه عن كل عيب يدخل الحادث عند أبي يوسف بلا تنصيص فكيف يبطل مع التنصيص.
وأجيب بمنع الاجماع لما علمت من رواية المبسوط، ولئن سلم فالفرق أن الحادث يدخل تبعا لتقرير عرضهما، وكم من شئ لا يثبت مقصودا ويثبت تبعا: أفاده في الفتح ونقل ط عن الحموي عن شرح المجمع أن الاصح وبه قطع الاكثرون أنه فاسد ا ه.
فهذا تصحيح لرواية شرح الطحاوي، لكني لم أر ذلك في شرح المجمع الملكي فلعله في شرح آخر، فليراجع، نعم في البحر عن البدائع أن البيع بهذا الشرط فاسد عندنا، لان الابراء لا يحتمل الاضافة، وإن كان إسقاطا ففيه معنى التمليك، ولهذا لا يقبل الرد فلا يحتمل الاضافة نصا كالتعليق فكان شرطا فاسدا فأفسد البيع ا ه.
وظاهر قوله: عندنا أنه قول علمائنا الثلاثة موافقا لما في شرح الطحاوي، فقول النهر: إنه مبني على قول محمد غير ظاهر.
قوله: (وقيل على ما في الباطن) من طحال أو فساد حيض.
منح.
قوله: (واعتمده المصنف) حيث قال: وهذا ما عولنا عليه في المختصر اعتمادا على ما هو معروف في العادة، وإلا
فالمشهور من المذهب الاول، وإنما قيدنا بالعادة لان الداء في اللغة هو المرض سواء كان بالجوف أو بغيره ا ه.
قلت: لكن عرفنا الآن موافق في اللغة.
قوله: (فهي السرقة والاباق والزنا) هكذا روى عن أبي يوسف.
فتح.
وفي المصباح: غائلة العبد فجوره وإباقه ونحو ذلك.
قوله: (بشرطه) أي بالبينة أو بإقرار البائع أو نكوله ا ه ح.
ومن شروط الرد أن لا يزيد زيادة مانعة من الرد، ولا يوجد ما هو دليل الرضا بالعيب مما مر ولا برئ البائع من عيوبه.
قوله: (لانه مجاز عن الترويج) رواج المتاع نفاقه: أي أنه أراد رواجه ونفاقه عند المشتري.
قال في المنح: لظهور أنه لا يخلو عن عيب ما فيتيقن القاضي بأن ظاهره غير مراد له ا ه.
وفي الشرنبلالية عن المحيط: وهذا كمن قال لجاريته: يا زانية، يا مجنونة فليس بإقرار بالعيب ولكنه للشتيمة، حتى قيل لو قال ذلك في الثوب: أي قال لآخر اشتره فلا عيب به يكون إقرارا بنفي العيب، لان عيوب الثوب ظاهرة ا ه.
قوله: (عبدي هذا آبق) أفاد باسم الاشارة أن العبد حاضر، وأن قوله آبق بمعنى الماضي، وهذا بخلاف ما إذا قال: بعتك على أنه آبق أو على أني برئ من إباقه المشتري الاول فإن الثاني يرده عليه كما سنوضحه عند قوله: باع عبدا الخ.(5/159)
قوله: (فوجده المشتري الثاني آبقا) بأن أبق عنده أيضا، لان الاباق لا يكون عيبا إلا بتكرره.
قوله: (لا يرده) أي على البائع الثاني.
قوله: (إنه أبق عنده) أي عند البائع الاول المقر.
قوله: (الموجود منه السكوت) يعني والسكوت ليس تصديقا منه لبائعه فيما أقر به فأما إذا قال البائع الثاني وجدته آبقا الآن صار مصدقا للبائع في إقراره بكونه آبقا.
شرنبلالية.
قوله: (اشترى جارية الخ) قال في شرح الوهبانية: وفي البزازية: اشترى مرضعا ثم اطلع بها على عيب ثم أمرها بالارضاع له الرد لانه استخدام، ولو حلب اللبن فأكله أو باعه لا يرد لان اللبن جزء منها فاستيفاؤه دليل الرضا: وفي الفتوى: الحلب بلا أكل أو بيع ولا يكون رضا، وحلب لبن الشاة رضا شرب أم لا.
قوله: لانه استخدام والاستخدام لا يكون رضا.
خانية: أي في المرة الاولى ويكون رضا في الثانية كما يأتي قريبا، ومقتضاه أنه لو أمرها به ثانيا كان رضا لا لو أرضعته مرات بالامر الاول.
تأمل.
مطلب في مسألة المصراة قوله: (بخلاف الشاة المصراة) روي أن النبي (ص) قال: لا تصروا الابل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر متفق عليه.
شرح التحرير.
وتصروا بضم التاء وفتح الصاد من التصرية، وهي ربط ضرع الناقة أو الشاة وترك حلبها اليومين أو الثلاثة حتى يجتمع اللبن.
قال الشارح في شرحه على المنار: وهو مخالف للقياس الثابت بالكتاب والسنة والاجماع من أن ضمان العدوان بالمثل أو القيمة والتمر ليس منهما فكان مخالفا للقياس، ومخالفته للكتاب والسنة إجماع المتقدمين فلم يعمل به لما مر، فيرد قيمة اللبن عند أبي يوسف.
وقال أبو حنيفة: ويرجع على البائع بأرشها ا ه.
وفي شرح التحرير: وقد اختلف العلماء في حكمها فذهب إلى القول بظاهر الحديث الائمة الثلاثة وأبو يوسف على ما في شرح الطحاوي للاسبيجابي نقلا عن أصحاب الامالي عند والمذكور عنه للخطابي وابن قديمة أنه يردها مع قيمة اللبن، ولم يأخذ أبو حنيفة ومحمد به لانه مخالف للاصول ا ه.
والحاصل كما في الحقائق أنه إذا اشتراها فحلبها فوجدها قليلة اللبن ليس له أن يردها عندنا.
وعند الشافعي وغيره: له أن يردها مع اللبن لو قائما ومع صاع تمر لو هالكا، وهل يرجع بالنقصان عندنا؟ فعلى رواية الاسرار لا، وعلى رواية الطحاوي نعم.
قال في شرح المجمع: وهو المختار، لان البائع بفعل التصرية غر المشتري فصار كما إذا غره بقوله إنها لبون.
قوله: (في غير ذلك) أي في غير الارضاع.
قوله: (فهو للاختبار) بالباء الموحدة: أي لاجل أن يختبره ويمتحنه ليعلم أنه مع العيب(5/160)
يصلح له أم لا.
قوله: (إلا على كره من العبد) مخالف لاطلاق ما مر أنه الاستحسان مع أن وجهه خفي.
تأمل.
قوله: (لما مر) أي قريبا في قوله: للتيقن بكذبه.
قوله: (فله الرد الخ) كذا في الفتح.
واستشكله في الشرنبلالية بما في المحيط: لو قال: علي أني برئ من إباقه أو على أنه آبق وقبله المشتري الاول على ذلك يرده الثاني عليه، لانه ذكر هذا وصفا للايجاب أو شرطا فيه، والايجاب يفتقر إلى الجواب، والجواب يتضمن إعادة ما في الخطاب، فإذا قال المشتري قبل ذلك صار كأنه قال: اشتريت
على أنه آبق فيكون اعترافا بكونه آبقا، بخلاف قوله: على أني برئ من الاباق لانه لم يضف الاباق إلى العبد ولا وصفه به فلم يكن اعترافا بوجود الاباق للحال، لان هذا الكلام كما يحتمل التبري عن إباق موجود من العبد يحتمل التبري عن إباق سيحدث في المستقبل، فلا يصير مقرا بكونه آبقا للحال بالشك فلا يثبت حق الرد بالشك ا ه.
وكتب الشرنبلالي في هامش الشرنبلالية أن حق العبارة في كلام الفتح لو قال: أنا برئ من كل عيب إلا إباقه لا يبرأ من إباقه فيرد به، ولو قال إلا الاباق فليس له الرد ا ه.
وحاصله: أن عبارة المصنف والفتح مقلوبة لمخالفتها لما في المحيط.
أقول: لا مخالفة ولا قلب أصلا، وذلك أن ما في المحيط فيما إذا اشتراه كذلك ثم باعه لآخر فللمشتري الآخر رده على الاول، بخلاف مسألة المصنف.
وبيانه أنه إذا قال البائع إلا إباقه بإضافة الاباق إليه يكون إخبارا بإباقه ويكون المشتري راضيا به قبل الشراء فلا يرده بإباقه عنده، بخلاف إلا الاباق بلا إضافة ولا وصف، إذ ليس فيه إقرار بإباقه للحال فلم يوجد رضا المشتري به فله رده، فلو فرض أن هذا المشتري باعه لآخر فللآخر رده عليه في الصورة الاولى لا في الثانية، وهذا هو المذكور في المحيط، فتدبر.
قوله: (لو برئ من كل حق له قبله دخل العيب لا الدرك) لان العيب حق له قبله للحال والدرك لا، كذا في الذخيرة.
وبيانه: لو قال المشتري للبائع أبرأتك من كل حق لي قبلك ثم ظهر في المبيع عيب ليس له دعوى الرد به لان الرد بالعيب من جملة الحقوق الثابتة له وقد أبرأه منها، بخلاف ما لو اشترى رجل عبدا مثلا فضمن له آخر الدرك: أي ضمن له الثمن إذا ظهر العبد مستحقا ثم قال الشمتري للضامن أبرأتك من كل حق لي قبلك لا يدخل الدرك فلو استحق العبد كان للمشتري الرجوع على الضامن بالثمن، لانه لم يكن له وقت الابراء حق الرجوع بالثمن لانه يتوقف على وجود الاستحقاق ثم على القضاء للمستحق على البائع بالثمن، لان بمجرد الاستحقاق لا ينتقض البيع في ظاهر الرواية ما لم يقض له بالثمن على البائع فلم يجب على الاصيل رد الثمن فلا يجب على الكفيل كما في الهداية من الكفالة، فحيث لم يثبت ذلك الحق في الحال لم يدخل في الابراء المذكور.
قوله: لعجز المشتري عن الاثبات اللام للتوقيت: أي حلف البائع وقت عجز المشتري، أما لو(5/161)
برهن المشتري فإنه برده على البائع.
قوله: (إن علم به) أي علم أن به عيبا بعد قوله ما ذكر.
قوله: (لان المبطل للرجوع إزالته عن ملكه إلى غيره بإنشائه) أي بأن باعه أو أعتقه على مال أو كاتبه ثم اطلع على عيب لانه صار حابسا له بحبس بدله، بخلاف ما إذا أعتقه بلا مال أو دبره أو استولد الامة ثم اطلع على عيبه فإنه لا يبطل الرجوع بالنقصان، لان ذلك إنهاء للملك كما مر تقرير ذلك، لكن قد يبطل الرجوع بدون إزالة عن ملكه إلى غيره كما لو استهلكه فكلامه مبني على الغالب، فافهم.
قوله: (أو إقراره) مثاله ما فرعه عليه بقوله: حتى لو باع الخ.
قوله: (وصدقه فلان) فلو كذبه رده بالعيب لبطلان إقراره بتكذيبه.
عزمية عن الكافي.
قوله: (كأنه وهبه) قال في الكافي: ولا نعني به أنه تمليك، لكن التمليك يثبت مقتضى للاقرار ضرورة فجعل كأنه ملكه بعد الشراء ثم أقر به ا ه.
عزمية.
قوله: (قوله الغنيمة) أي لشئ مغنوم من الكفار.
قوله: (بحر) ونصه: ثم اعلم أن الامام يصح بيعه للغنائم ولو في دار الحرب كما في التلخيص وشرحه، وقولهم: لا يصح بيعها قبل القسمة وفي دار الحرب محمول على غير الامام وأمينه ا ه.
قلت: لكن قيد في الذخيرة بيع الامام بقوله لمصلحة رآها فأفاد قيدا آخر، وهو أنه لا يبيع لغير مصلحة.
قوله: (قال المصنف الخ) رد على صاحب الدرر.
قوله: (لان الامين لا ينتصب خصما) المراد بالامين ما يعم الامام ليوافق الدليل المدعي، لان الامام نفسه أمين بيت المال.
عزمية.
وبين في الذخيرة وجه كونه لا ينتصب خصما بأن بيع الامام خرج على وجه القضاء بالنظر للغانمين، فلو صار خصما خرج بيعه عن أن يكون قضاء لان القاضي لا يصلح خصما ا ه.
قوله: (ولا يحلفه) أي لا يحلف منصوب الامام لو لم يكن عند المشتري بينة.
قال في البحر: ولا يقبل إقراره بالعيب، ولا يمين عليه لو أنكر، وإنما هو خصم لاثباته بالبينة كالاب ووصيه في مال الصغير، بخلاف الوكيل بالخصومة إذا أقر على موكله في غير مجلس القضاء فإنه وإن لم يصح لكنه ينعزل به ا ه.
قلت: لكن في الذخيرة فلو أقر منصوب الامام لم يصح إقراره، ويخرجه القاضي عن الخصومة وينصب للمشتري خصما آخر ا ه.
ومقتضاه أنه مثل الوكيل بالخصومة.
تأمل.
قوله: (ولا يصح
نكوله وإقراره) المناسب أن يقول: ولا يصح نكوله لانه إما بذل أو إقرار، ولا يصح بذله ولا إقراره ا ه(5/162)
ح.
وقوله: (ويرد النقص إلى محله) أي إن نقص الثمن الآخر عن الاول، إن كان المبيع من الاربعة أخماس يعطى منها وإن كان من الخمس يعطي منه، وكذا الزيادة توضع فيما كان المبيع منه.
ح في الدرر.
قوله: (لان الغرم بالغنم) المراد به هنا أن الغرم وهو رد النقص إلى المشتري بسبب الغنم وهو رد الفضل إلى محله.
قوله: (الدراهم) الاولى دراهم بالتنكير ط.
قوله: (لا يصح) إلا إذا حدث به عيب عند المشتري كما بحثه الخير الرملي.
قلت، ويستثنى أيضا ما إذا لم يقر بالبائع بالعيب، لما في جامع الفصولين شراه بمائة وقبضه فطعن بعيب فتصالحا على أن يأخذه البائع ويرد مائة إلا واحدا، قال: إن أقر البائع أن العيب كان عنده فعليه رد باقي الثمن، وإلا ملك الباقي.
وهو قول أبي يوسف ا ه.
قوله: (لانه لا وجه له غير الرشوة) في جامع الفصولين: لانه ربا، ولصاحب البحر رسالة في الرشوة ذكر ط هنا حاصلها، ومحل الكلام عليها في القضاء، وسنذكره هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو زال بمعالجة لا) أي لا يرجع، وعبر عنه في جامع الفصولين بقيل حيث قال: ولو قبض بدل الصلح وزال ذلك العيب، يرد بدل الصلح، وقيل: هذا لو زال بلا علاجه، فإن زال بعلاجه لا يرد ا ه.
مطلب في الصلح عن العيب فرع: لو شرياه فوجدا عيبا فصالح أحدهما البائع من حصته فليس للآخر أن يخاصم، وهذا فرع مسألة أن رجلين لو شربا فوجدا عيبا ليس لاحدهما الرد بدون الآخر عنده وعندهما لكل منهما رد حصته.
جامع الفصولين.
قوله: (رضي الوكيل بالعيب) أي الوكيل بالشراء.
قوله: (يساوي الثمن المسمى) أي الذي اشتراه به كما في الخانية عن المنتقى بعدما ذكر قولا آخر، وهو أنه إن كان قبل قبض المبيع لزم الموكل لو العيب يسيرا وإلا فيلزم الوكيل، أن اليسير ما لا يفوت جنس المنفعة كقطع يد واحدة وفق ء عين، بخلاف قطع اليدين وفق ء العينين فهو فاحش.
وذكر أن السرخشي قال: إن ما لا يدخل تحت تقويم المقومين فاحش، بأن لا يقومه أحد من العيب بقيمة الصحيح، وأن ما في
المنتقى قريب من هذا.
ثم قال: وفي الزيادات إن رضي قبل القبض لزم الموكل، وإن بعده لزم الوكيل ولم يفصل بين اليسير والفاحش.
والصحيح ما في المنتقى سوؤاء كان قبل القبض أو بعده، لانه يصير كأنه اشتراه مع العلم بالعيب، فإن كان لا يساوي ذلك الثمن لا يلزم الآمر ا ه فافهم.
مطلب في جملة ما يسقط به الخيار تنبيه: قال في البحر: وإلى هنا ظهر أن خيار العيب يسقط بالعلم به وقت البيع، أو وقت القبض أو الرضا به بعدهما أو اشترط البراءة من كل عيب، أو الصلح على شئ أو الاقرار بأن لا عيب به إذا(5/163)
عينه كقوله ليس بآبق فإنه إقرار بانتفاء الاباق، بخلاف قوله: ليس به عيب كما مر ا ه ملخصا.
قوله: (لان الغش حرام) ذكر في البحر أول الباب بعد ذلك عن البزازية عن الفتاوى: إذا باع سلعة معيبة عليه البيان.
وإن لم يبين، قال بعض مشايخنا: يفسق وترد شهادته، قال الصدر: لا نأخذ به ا ه.
قال في النهر أي لا نأخذ بكونه يفسق بمجرد هذا لانه صغيرة ا ه.
قلت: وفيه نظر لان الغش من أكل أموال الناس بالباطل فكيف يكون صغيرة، بل الظاهر في تعليل كلام الصدر أن فعل ذلك مرة بلا إعلان لا يصير به مردود الشهادة وإن كان كبيرة كما في شرب المسكر.
قوله: (الاولى الاسير إذا شرى شيئا الخ) عبارة الاشباه عن الولوالجية: اشترى الاسير المسلم من دار الحرب ودفع الثمن الخ، والمتبادر منه أن الاسير فاعل الشراء كما هو صريح عبارة الشارح، وليس كذلك بل هو مفعوله، لان نص عبارة الولوالجية هكذا: رجل اشترى الاسير من أهل الحرب وأعطاهم الزيوف والستوقة أو اشترى بعروض وأعطاهم العروض المغشوشة جاز، لان شراء الاحرار ليس بشراء ليجب عليه المال المسمى لكنه طريق لتخليصهم فكيفما استطاع تخليصهم له أن يفعل وعلى هذا قالوا: إذا اضطر المرء إلى إعطاء جعل العوان أجزأه أن يعطيه الزيوف والستوقة وينقص الوزن بدليل مسألة الاسير وهذا إذا كان الاسراء أحرارا، فإن كانوا عبيدا لا يسعه شئ من ذلك إذا دخل بأمان ا ه.
ومثله في الخانية: رجل اشترى الاسراء من أهل الحرب جاز له أن يعطيهم الزيوف والمغشوش لان شراء الاحرار لا يكون شراء حقيقة، وإن كان الاسراء عبيدا لا يسعه ذلك ا ه.
قوله: (في الجبايات) جمع جباية بالباء الموحدة قال في فتح القدير: الجبايات الموظفة على الناس ببلاد فارس على الضياع وغيرها للسلطان في كل يوم أو شهر أو ثلاثة أشهر فإنها ظلم.
بيري.
ونقل قبله ما قدمناه آنفا عن الولوالجية عن مسألة جعل العوان.
قوله: (فسخ في حق الكل) أي المتابعين وغيرهما، وقد ذكر ذلك في البحر عند قول الكنز: ولو باع المبيع فرد عليه الخ.
ثم أورد على ذلك مسائل منها: مسألة الحوالة المذكورة، ومنها أنه لو كان المبيع عقارا فرد بعيب لم يبطل حق الشفيع في الشفعة، ولو كان فسخا لبطلت الحوالة والشفعة، ثم ذكر أنه أجاب في المعراج بأنه فسخ فيما يستقبل، لا في الاحكام الماضية، بدليل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الاصل.
قلت: وعليه فلا محل للاستثناء الذي ذكره الشارح.
تأمل.
قوله: (لو أحال البائع بالثمن) صورة المسألة كما في الذخيرة: باع عبدا من رجل بألف درهم ثم إن البائع أحال غريما على المشتري حوالة مقيدة بالثمن فمات العبد قبل القبض حتى سقط الثمن أو رد العبد بخيار رؤية أو بخيار شرط أو خيار عيب قبل القبض أو يعده لا تبطل الحوالة استحسانا لانها تعتبر متعلقة بمثل ما أضيفت الحوالة إليه من الدين فلا تكون متعلقة بعين ذلك الدين وتعتبر مطلقة إذا ظهر أن الدين لم يكن واجبا وقت الحوالة، وقيد بما إذا أحال البائع لانه إذا أحال المشتري البائع ثم رد المشتري بالعيب بقضاء فإن القاضي يبطل الحوالة.
بيري.(5/164)
قلت: ولم يذكر أن المشتري أحال البائع على آخر حوالة مقيدة، فظاهره أنها مطلقة، مع أنه صرح في الجوهرة من الحوالة بأن المطلقة لا تبطل بحال ولا تنقطع فيها المطالبة، مع أن المقيدة هنا بقيت والمطلقة بطلت، لكن بقاء المقيدة هنا استحسان كما علمت، والقياس بطلانها إذا ظهر بطلان المال الذي قيدت به وهو الثمن هنا، وإنما بطلت المطلقة هنا لبطلان المال الذي كان للمحتال وهو البائع، وإنما لا تبطل المطلقة ببطلان وما على المحال عليه.
تأمل.
قوله: (ثم رد المبيع) بالبناء للمجهول: أي رده المشتري على البائع: قوله: (من غير المشتري) أما لو باعه منه ثانيا جاز ط.
ولا يرد عليه ما سيذكره المصنف في فصل التصرف في المبيع والثمن من أنه لو باع المنقول من بائعه قبل
القبض لم يصح، لان ذاك فيما إذا كان العقد الاول باقيا بدليل ما ذكره في باب الاقالة من أنها فسخ في حقهما فيجوز للبائع بيعه من المشتري قبل قبضه.
قوله: (وكان منقولا) احترازا عن العقار لجواز بيعه قبل قبضه خلافا لمحمد وزفر.
أفاده ط.
قوله: (لانه ضمان العهدة) وهو باطل عند الامام للاشتباه كما سيأتي في الكفالة إن شاء الله تعالى، وهنا لما ضمن عيوبه يحتمل أن المراد أنه يداويه منها، ويحتمل أن يضمن له النقصان، أو أنه يضمن له الرد على البائع غير منازعة، فلذا كان الضمان فاسدا ط.
قوله: (لانه ضمان العيوب) أي وهو عنده ضمان الدرك كما في الهندية فهو كالمسألة المذكورة بعد ط.
قوله: (ضمن الثمن) أي للمشتري، ولو مات عنده قبل أن يرده وقضى على البائع ينقصان العيب كان للمشتري أن يرجع على الضامن.
مطلب في ضمان العيوب ولو ضمن له بحصة ما يجد من العيوب فيه من الثمن، فهو جائز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فإن رده المشتري رجع على الضامن بذلك كما يرجع على البائع، ذخيرة.
قوله: (لم يرده) لانه عيب حدث عند المشتري ط.
قوله: (وإن قبله) أي وإن حصلت الغلبة قبل القبض ط.
قوله: (لتفرق الصفقة عليه) أي بهلاك بعض المبيع قبل قبضه بآفة سماوية، وقدمنا عن جامع الفصولين أنه يطرح عن المشتري حصة النقصان من الثمن وهو مخير في الباقي بين أخذه بحصته أو تركه، والله سبحانه وتعالى أعلم.(5/165)
باب البيع الفاسد أخره عن الصحيح لكون عقدا مخالفا للدين كما أوضحه في الفتح، وسيأتي أنه معصية يجب رفعها، وسيأتي في باب الربا أن كل عقد فاسد فهو ربا: يعني إذا كان فساده بالشرط الفاسد، وفي القاموس: فسد كنصر وقعد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد وفسيد، ولم يسمع انفسد ا ه.
ونقل في الفتح أنه يقال للحم الذي لا ينتفع به لدود ونحوه باطل، وإذا أنتن وهو بحيث ينتفع به فسد اللحم، وفيه مناسبة للمعنى الشرعي، وهو ما كان مشروعا بأصله لا بوصفه، ومرادهم من مشروعية
أصله كونه ما لا متقوما لا جوازه وصحته لان فساده يمنع صحته، أو أطلقوا المشروعية عليه نظرا إلى أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا.
وأما الباطل، ففي المصباح بطل الشئ يبطل بطلا وبطولا وبطلانا يضم الاوائل: فسد أو سقط حكمه فهو باطل، والجمع بواطل أو أباطيل ا ه.
وفيه مناسبة للمعنى الشرعي وهو ما لا يكون مشروعا لا بأصله ولا بوصفه.
وأما المكروه، فهو لغة: خلاف المحبوب، واصطلاحا: ما نهى عنه لمجاور كالبيع عند أذان الجمعة.
وعرفه في البناية بما كان مشروعا بأصله ووصفه، لكن نهى عنه لمجاور، ويمكن إدخاله تحت الفاسد أيضا على إرادة الاعم وهو ما نهى عنه فيشمل الثلاثة كما في البحر.
قوله: (المراد بالفاسد الممنوع الخ) قد علمت أن الفاسد مباين للباطل، لان ما كان مشروعا بأصله فقط يباين ما ليس بمشروع أصلا.
وأيضا حكم الفاسد أنه يفيد الملك بالقبض والباطل لا يفيده أصلا، وتباين الحكمين دليل تباينهما، فإطلاق الفاسد في قولهم باب البيع الفاسد على ما يشمل الباطل لا يصح على حقيقته، فأما أن يكون لفظ الفاسد مشتركا بين الاعم والاخص أو يجعل مجازا عرفيا في الاعم لانه خير من الاشتراك، وتمامه في الفتح.
مطلب في أنواع البيع ثم اعلم أن البيع جائز وقد مر بأقسامه.
وغير جائز، وهو ثلاثة: باطل، وفاسد، وموقوف، كذا في الفتح.
وأراد بالجائز النافذ، وبمقابله غيره لا الحرام، إذ لو أريد ذلك لخرج الموقوف لما قالوه من أن بيع مال الغير بلا إذنه بدون تسليم ليس بمعصية.
مطلب لبيع الموقوف من قسم الصحيح على أنه في المستصفى جعله من قسم الصحيح، حيث قال: البيع نوعان: صحيح، وفاسد.
والصحيح نوعان: لازم، وغير لازم.
نهر وذكر في البحر أن البيع المنهى عنه ثلاثة: باطل، وفاسد، ومكروه تحريما، وقد مرت.
وما لا نهى فيه ثلاثة أيضا: نافذ لازم، ونافذ ليس بلازم، وموقوف، فالاول: ما كان مشروعا بأصله ووصفه ولم يتعلق به حق الغير ولا خيار فيه، والثاني: ما لم يتعلق به حق الغير، وفيه خيار.
والموقوف: ما تعلق به الغير، وحصره في الخلاصة في خمسة عشر.
قلت: بل أوصله في النهر إلى نيف وثلاثين كما سيأتي في باب بيع الفضولي.
ثم قال في البحر:
والصحيح يشمل الثلاثة، لانه ما كان مشروعا بأصله ووصفه والموقوف كذلك فهو قسم منه، وهو(5/166)
الحق لصدق التعريف وحكمه عليه فإن حكمه إفادة الملك بلا توقف على القبض، ولا يضر توقفه على الاجازة كتوقف ما فيه خيار على إسقاطه ا ه.
قلت: ينبغي استثناء بيع المكره فإنه موقوف على إجازته مع أنه فاسد كما حققناه أول البيوع، وحررنا هناك أيضا أن أيضا ان بيع الهزل فاسد لا باطل، وإن كان لا يفيد الملك بالقبض لكونه أشبه البيع بالخيار، وليس كل فاسد يملك بالقبض كما سيأتي.
قوله: (في ركن البيع) هو الايجاب والقبول، بإن كان من مجنون أو صبي لا يعقل، وكان عليه أن يزيد أو في محله: أعني لمبيع، فإن الخلل فيه مبطل بأن كان البيع ميتة أو دما أو حرا أو خمرا، كما في ط عن البدائع.
قوله: (وما أورثه في غيره) أي في غير الركن، وكذا في غير المحل، وذلك بأن كان في الثمن بأن يكون خمرا مثلا، أو بأن كان من جهة كونه غير مقدور التسليم، أو فيه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون البيع بهذه الصفة فاسدا لا باطلا لسلامة ركنه ومحله عن الخلل، كما في ط عن البدائع.
وبه ظهر أن الوصف ما كان خارجا عن الركن والمحل.
تنبيه: في شرح مسكين: ثم الضابط في تمييز الفاسد من الباطل أن أحد العوضين إذا لم يكن مالا في دين سماوي فالبيع باطل، سواء كان مبيعا أو ثمنا، فبيع الميتة والدم والحر باطل، وكذا البيع به، وإن كان في بعض الاديان مالا دون البعض إن أمكن اعتباره ثمنا فالبيع فاسد، فبيع العبد بالخمر أو الخمر بالعبد فاسد، وأن تعين كونه مبيعا فالبيع باطل، فبيع الخمر بالدراهم أو الدراهم بالخمر باطل ا ه.
قلت: وهذا الضابط يرجع إلى الفرق بينهما من حيث المحل فقط، وما مر من حيث الركن والمحل فهو أعم، فافهم.
قوله: (بطل بيع ما ليس بمال) أي ما ليس بمال في سائر الاديان بقرينة قوله: والبيع به فإن ما يبطل سواء كان مبيعا أو ثمنا ما ليس بمال أصلا، بخلاف نحو الخمر فإن بيعه باطل إذا تعين كونه مبيعا، أو لو أمكن اعتباره ثمنا فبيعه فاسد كما علمته من الضابط المذكور آنفا، لان البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الاصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا ينفسخ البيع بهلاك المبيع دون الثمن، ولان الثمن غير مقصود بل هو وسيلة إلى المقصود وهو الانتفاع بالاعيان.
مطلب في تعريف المال قوله: (والمال) أي من حيث هو، لا المذكور قبله، لان التعريف المذكور يدخل فيه الخمر فهي مال وإن لم تكن متقومة، ولذا قال بعده: وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير، فإن المتقوم هو المال المباح الانتفاع به شرعا.
وقدمنا أول البيوع تعريف المال بما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، وأنه خرج بالادخار المنفعة، فهي ملك لا مال، لان الملك ما من شأنه أن يتصرف فيه بوصف الاختصاص كما في التلويح.
فالاولى ما في الدرر من قوله: المال موجود يميل إليه الطبع الخ، فإنه يخرج بالموجود المنفعة فافهم.
ولا يرد أن المنفعة تملك بالاجارة، لان ذلك تمليك لا بيع حقيقة ولذا قالوا: إن الاجارة لا بيع المنافع حكما: أي إن فيها حكم البيع وهو التمليك لا حقيقته، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (فخرج التراب) أي القليل ما دام في محله، وإلا فقد يعرض له بالنقل ما يصير به مالا معتبرا أو مثله الماء، وخرج أيضا نحو حبة من حنطة والعذرة الخالصة، بخلاف المخلوطة بتراب، ولذا جاز بيعها كسرقين كما يأتي، وخرج أيضا المنفعة على ما ذكرنا آنفا.
قوله: (والميتة) بفتح الميم وسكون(5/167)
الياء: التي ماتت حتف أنفها لا بسبب، وبتشديد الياء المكسورة: التي لم تمت حتف أنفها بل بسبب غير الذكاة كالمنخنقة، والموقوذة.
نوح أفندي: ولم أر هذا الفرق في القاموس ولا في المصباح ولا غيرهما، فراجعه.
قوله: (ولا فرق في حق المسلم الخ) أما في حق الذمي فيراد بها الاول، وأما الثاني فاختلفت عباراتهم فيه، ففي التجنيس جعله قسما من الصحيح، لانهم يدينونه ولم يحك خلافا، وجعله في الايضاح قول أبي يوسف، وعند محمد: لا يجوز، وجزم في الذخيرة بفساده، وجعله في البحر من اختلاف الروايتين.
نهر.
وعبارة البحر: وحاصله أن فيما لم يمت حتف أنفه بل بسبب غير الذكاة روايتين بالنسبة إلى الكافر في رواية الجواز، وفي رواية الفساد، وأما البطلان فلا، وأما في حقنا فالكل سواء ا ه، وذكر ط أن عدم الفرق في حقنا في المنخنقة مثلا إذا قوبلت بدراهم حتى تعين كونها مبيعا، أما إذا قوبلت بعين أمكن اعتبارها ثمنا فكان فاسدا بالنظر إلى العوض الآخر، باطلا بالنظر إليها، وهذا ما اقتضاه
الضابط السابق ا ه.
قوله: (التي ماتت حتف أنفها) الحتف: الهلاك.
يقال: مات حتف أنفه: إذا مات بغير ضرب ولا قتل، ومعناه: أن يموت على فراشه فيتنفس حتى ينقضي رمقه، ولهذا خص الانف.
مصباح.
قوله: (أو بخنق) مثل كتف ويسكن تخفيفا.
مصباح.
تنبيه: لم يذكروا دودة القرمز، أما إذا كانت حية فينبغي جريان الخلاف الآتي في دود القز وبزره وبيضه، وأما إذا كامت ميتة وهو الغالب فإنها على ما بلغنا تخنق في الكلس أو الخل، فمقتضى ما مر بطلان بيعها بالدراهم لانها ميتة.
وقد ذكر سيدي عبد الغني النابلسي في رسالة أن بيعها باطل، وأنه لا يضمن متلفها لانها غير مال.
قلت: وفيه أنها من أعز الاموال اليوم، ويصدق عليها تعريف المال المتقدم، ويحتاج إليها الناس كثيرا في الصباغ وغيره، فينبغي جواز بيعها كبيع السرقين والعذرة المختلطة بالتراب كما يأتي، مع أن هذه الدودة إن لم يكن لها نفس سائلة تكون ميتتها ظاهرة كالذباب والبعوض وإن لم يجز أكلها، وسيأتي أن جواز البيع يدور مع حل الانتفاع، وأنه يجوز بيع العلق للحاجة مع أنه من الهوام، وبيعها باطل، وكذا بيع الحيات للتداوي.
وفي القنية: وبيع غير السمك من دواب البحر لو له ثمن كالسقنقور وجلود الخز ونحوها يجوز، وآلا فلا، وجمل الماء: قيل يجوز حيا لا ميتا، والحسن أطلق الجواز اه فتأمل، ويأتي له مزيد بيان عند الكلام على بيع دود القز والعلق.
قوله: (والبيع به) أي بما ليس بمال.
قوله: (والمعدوم كبيع حق التعلي) قال في الفتح: وإذا كان السفل لرجل وعلوه لآخر فسقطا أو سقط(5/168)
العلو وحده فباع صاحب العلو علوه لم يجز، لان المبيع حينئذ ليس إلا حق التعلي، وحق التعلي ليس بمال، لان المال عين يمكن إحرازها وإمساكها ولا هو حق متعلق بالمال بل هو حق متعلق بالهواء، وليس الهواء مالا يباع، والمبيع لا بد أن يكون أحدهما، بخلاف الشرب حيث يجوز بيعه تبعا للارض، فلو باعه قبل سقوطه جاز، فإن سقط قبل القبض بطل البيع لهلاك المبيع قبل القبض ا ه.
والحاصل أن بيع العلو صحيح قبل سقوطه لا بعده، لان بيعه بعد سقوطه بيع لحق التعلي وهو ليس بمال، ولذا عبر في الكنز بقوله: وعلو سقط.
وعبر في الدرر بحق التعلي لانه المراد من قول الكنز وعلو سقط، كما علمته من عبارة الفتح، فالمراد من العبارتين واحد، فلذا فسر الشارح إحداهما
بالاخرى دفعا لما يتوهم من اختلاف المراد منهما، فافهم.
تنبيه: لو كان العلو لصاحب السفل فقال: بعتك علو هذا السفل بكذا صح ويكون سطح السفل لصاحب السفل وللمشتري حق القرار، حتى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر مثل الاول، لان السفل اسم لمبنى مسقف فكان سطح السفل سقفا للسفل.
خانية.
قوله: (لانه معدوم) يغني عنه قول المصنف والمعدوم أفاده ط.
قوله: (ومنه) أي من بيع المعدوم.
مطلب في بيع المغيب في الارض قوله: (بيع ما أصله غائ ب) أي ما ينبت في باطن الارض، وهذا إذا كان لم ينبت أو نبت ولم يعلم وجوده وقت البيع، وإلا جاز بيعه كما يأتي قريبا، قوله: (وفجل) بضم الفاء وبضمتين.
قاموس.
قوله: (كورد وياسمين) فإنه يخرج بالتدريج ط.
قوله: (وورق فرصاد) قيل: هو التوت الاحمر.
وقال أبو عبيد: هو التوت، وفي التهذيب: قال الليث: الفرصاد: شجر معروف.
مصباح.
قوله: وبه أفتى بعض مشايخنا بالياء في مشايخ لا بالهمزة.
قال القهستاني: وأفتى العقيلي وغيره بجوازه بتبعية الموجود إذا كان أكثر من المعدوم ا ه ط.
قلت: وهو رواية عن محمد، وقدمنا الكلام عليه في فصل ما يدخل تبعا.
قوله: (هذا إذا نبت الخ) الاشارة إلى قوله: ما أصله غائب وكان الاولى أن يقول: هذا إذا لم ينبت أو نبت ولم يعلم وجوده فإنه لا يجوز بيعه فيهما، كما في ط عن الهندية.
قوله: (وله خيار الرؤية الخ) قال في الهندية: إن كان المبيع في الارض مما يكال أو يوزن بعد القلع كالثوم والجزر والبصل فقلع المشتري شيئا بإذن البائع أو قلع البائع، إن كان المقلوع مما يدخل تحت الكيل أو الوزن إذا رأى المقلوع ورضي به لزم البيع في الكل وتكون رؤية البعض كرؤية الكل إذا وجد الباقي ذلك، وإن كان المقلوع شيئا يسيرا لا يدخل تحت الوزن لا يبطل خياره.
قال في البحر: وإن كان يباع بعد القلع عددا كالفجل فقلع البائع أو قلع المشتري بإذن البائع لا يلزمه الكل، لانه من العدديا ت المتفاوتة بمنزلة الثياب والعبيد، وإن قلعه بلا إذن البائع لزمه الكل إلا أن يكون ذلك شيئا يسيرا، وإن أبى كل القلع تبرع متبرع بالقلع أو فسخ القاضي العقدا ه ط.
مطلب في بيع أصل الفصفصة قلت: بقي شئ لم أر من نبه عليه، وهو ما يكون أصله تحت الارض ويبقى سنين متعددة، مثل(5/169)
الفصفصة تزرع في أرض الوقف تكون كالكردار للمستأجر في زماننا، فإذا باع ذلك الاصل وعلم وجوده في الارض صح بيعه، لكنه لا يرى ولا يقصد قلعه لانه أعد للبقاء، فهل للمشتري فسخ البيع بخيار الرؤية؟ الظاهر نعم، لان خيار الرؤية يثبت قبل الرؤية.
تأمل.
قوله: ما في ظهو الآباء من المني موافق لما في الدرر والمنح.
وعبارة البحر: المضامين جمع مضمونة: ما في أصلاب الابل، والملاقيح جمع ملقوح: ما في بطونها، وقيل: بالعكس.
قوله: (والملاقيح الخ) يجب أن يحمل ههنا على ما سيكون وإلا كان حملا، وسيأتي أن بيع الحمل فاسد لا باطل.
درر.
قلت: وفي فساده كلام سيأتي.
قوله: (والنتاج بكسر النون) كذا ضبطه النووي واختاره المصنف: يعني صاحب الدرر، وضبطه الكاكي بفتح النون، وهو مصدر نتجت الناقة على البناء للمفعول، والمراد به هنا المنتوج، فسره الزيلعي والرازي ومسكين بحبل الحبلة وتبعهم المصنف.
نوح.
قوله: (حبل الحبلة) بالفتحتين فيهما.
قال في المغرب: مصدر حبلت المرأ حبلا فهي حبلى، سمي به المحمول كما سمي بالحمل، وإنما أدخل عليه التاء للاشعار بمعنى الانوثة، لان معناه النهي عن بيع ما سوف يحمله الجنين إن كان إنثى، ومن روى الحبلة بكسر الباء فقد أخطأ ا ه نوح.
قوله: (وبيع أمة الخ) علله في الدرر بأنه بيع معدوم، ومقتضاه أن يكون معطوفا على قوله: حق التعلي أو قوله: والنتاج فكان الواجب إسقاط لفظ بيع نوح.
قوله: (ذكر الضمير) أي أتى به مذكرا مع أن الامة مؤنثة مراعاة لتذكير الخبر وهو عبد أو باعتبار الواقع.
قوله: (وعكسه) بالرفع عطفا على قوله: بيع وبالجر عطفا على أمة ط.
قوله: (بخلاف البهائم) كما إذا باع كبشا فإذا هو نعجة حيث ينعقد ويتخير.
بحر.
مطلب فيما إذا اجتمعت الاشارة مع التسمية قوله: والاصل الخ قال في الهداية: والفرق يبتني على الاصل الذي ذكرناه في النكاح لمحمد
رحمه الله تعالى، وهو أن الاشارة مع التسمية إذا اجتمعتا، ففي مختلفي الجنس يتعلق العقد بالمسمى ويبطل لانعدامه، وفي متحدي الجنس يتعلق بالمشار إليه وينعقد لوجوده ويتخير لفوات الوصف، كمن اشترى عبدا على أنه خباز فإذا هو كاتب.
وفي مسألتنا الذكر والانثى من بني آدم جنسان للتفاوت في الاغراض، وفي الحيوانات جنس واحد للتقارب فيها ا ه.
قال في البحر: والاصل المذكور متفق عليه هنا، ويجري في سائر العقود من النكاح والاجازة والصلح عن دم العمد والخلع والعتق على مال، وبه ظهر أن الذكر والانثى في الآدمي جنسان في الفقه وإن اتحدا جنسا في المنطق لانه الذاتي المقول على كثيرين مختلفين بمميز داخل، وفي الفقه المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا.
قال في(5/170)
الفتح: ومن المختلفي الجنس ما إذا باع فصا على أنه ياقوت فإذا هو زجاج فالبيع باطل، ولو باعه ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر صح البيع ويخير.
قوله: (ولو من كافر) نقله في البحر أيضا عن البزازية وأقره.
قلت: وينبغي أن يجري فيه الخلاف المار فيما ماتت بسبب غير الذبح مما يدين به أهل الذمة، بل هذا بالاولى لانه مما يدين به بعض المجتهدين، وكون حرمته بالنص لا يقتضي بطلان بيعه بين أهل الذمة لان حرمة المنخنقة بالنص أيضا، ولما اعتقدوا حلها لم نحكببطلان بيعها بينهم، نعم لو باع متروك التسمية عمدا مسلم يقول بحله كشافعي: نحكم ببطلان بيعه لانه ملتزم لاحكامنا ومعتقد لبطلان ما خالف النص فنلزمه ببطلان البيع بالنص، بخلاف أهل الذمة لانا أمرنا بتركهم وما يدينون، فيكون بيعه بينهم صحيحا أو فاسدا لا باطلا كما مر، ويؤيده ما مر في شركة المفاوضة من عدم صحتها بين مسلم وذمي لعدم التساوي في التصرف وتصح بين حنفي وشافعي، وإن كان يتصرف في متروك التسمية وعللوه بأن ولاية الالزام قائمة، ومعناه ما ذكرنا، فتدبر.
قوله: (وكذا ما ضم إليه) قال في النهر: ومتروك التسمية عمدا كالذي مات حتف أنفه حتى يسري الفساد إلى ما ضم إليه، وكان ينبغي أن لا يسري لانه مجتهد فيه كالمدبر فينعقد فيه البيع بالقضاء وأجاب في الكافي بأن حرمته منصوص عليها، فلا يعتبر خلافه ولا ينفذ بالقضاء.
قوله: (وبيع الكراب وكرى الانهار) في المصباح كربت الارض من باب قتل كرابا بالكسر: قلبتها للحرث، وفيه أيضا: كرى النهر كريا من باب رمي
حفرة فيه جديدة.
قوله: ولولوالجية قال فيها: ولو كان لرجل عمارة في أرض رجل فباعها، إن كان بناء أو أشجارا جاز بيعه إذا لم يشترط تركها، وإن كان كرابا أو كرى الانهار ونحوه فلم يكن ذلك بمال ولا بمعنى مال لا يجوز ا ه: يعني يبطل، فإنه داخل تحت قولنا: بطل بيع ما ليس بمال كما لا يخفى، وبعدم الجواز في الكراب وكرى الانهار، ونحو ذلك صرح في الخانية معللا بأنه ليس بمال متقوم منح، وتقدمت المسألة أول البيوع مع الكلام على مشد المسكة وبيع البراءات والجامكية والنزول عن الوظائف، وأشبعنا الكلام على ذلك كله.
قوله: (فإن بيع هؤلاء باطل) كذا في الهداية وأورد أنه لو كان باطلا لسرى البطلان إلى ما ضم إليه كالمضموم إلى الحر، وسيأتي أنه لا يسري، وقال بعضهم: فاسد.
وأورد أنه يلزم أن يملكوا بالقبض مع أنهم لم يملكوا به اتفاقا.
وأجيب عنهما بادعاء(5/171)
التخصيص، وهو أن من الباطل ما لا يسري حكمه إلى المضموم لضعفه، ومن الفاسد ما لا يملك بالقبض.
وذكر في الفتح أن الحق أنه باطل، ولا تخصيص لجواز تخلف بعض الافراد الخصوصية.
قلت: وما ذكره الشارح يصلح بيانا للخصوصية، وذلك أن بيع الحر باطل ابتداء وبقاء لعدم محليته للبيع أصلا بثبوت حقيقة الحرية، وبيع هؤلاء باطل بقاء لحق الحرية فلذا لم يملكوا بالقبض، لا ابتداء لعدم حقيقتها فلذا جاز بيعهم من أنفسهم، ولا يلزم بطلان بيع قن ضم إليهم، لانهم دخلوا في البيع ابتداء لكونهم محلا له في الجملة ثم خرجوا منه لتعلق حقهم، فيبقى القن بحصته من الثمن.
وتمامه في الدرر.
قوله: (وقول ابن الكمال) عبارته: البيع في هؤلاء باطل موقوف ينقلب جائزا بالرضا في المكاتب وبالقضاء في الآخرين لقيام المالية ا ه.
قوله: (قبل البيع) وتنفسخ الكتابة في ضمنه، لان اللزوم كان لحقه وقد رضي بإسقاطه، أما إذا باعه بغير رضاه فأجازه لم يجز رواية واحدة، لان إجازته لم تتضمن فسخ الكتابة قبل العقد، كذا في السراج.
وفي الخانية: لو بيع بغير رضاه فأجاز بيع مولاه لم ينفذ في الصحيح من الرواية، وعليه عامة المشايخ.
نهر.
قلت: لكن ذكر في الهداية آخر الباب فيما لو جمع بين عبد ومدبر، وتبعه في البحر والفتح أن
البيع في هؤلاء موقوف وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية، ولهذا ينفذ في المكاتب برضاه في الاصح، وفي المدبر بقضاء القاضي، وكذا في أم الولد عند أبي حنيفة وأبي يوسف ا ه.
فقوله موقوف مخالف لقوله هنا باطل.
وقوله: ينفذ في المكاتب برضاه في الاصح: مخالف للمذكور عن السراج والخانية، وبهذا يتأيد ما ذكره ابن المال.
وقد يجاب بأن قوله ينفذ في المكاتب برضاه في الاصح أي رضاه وقت البيع فيكون موقوفا في الابتداء على رضاه، فلو لم يرض كان باطلا، وبهذا تنتفي المخالفة بين كلاميه، لكن هذا الجواب لا يتأتى في عبارة ابن الكمال، فتأمل.
قوله: (قلت الاوجه الخ) أي إذا قضى بنفاذ بيع أم الولد قاض يراه لا ينفذ فإذا رفع إلى قاض آخر فأمضاه نفذ الاول وإن رده على ما قبل الامضاء، وما في الفتح على ما بعده.
قوله: (ولد هؤلاء كهم) أي ولد أم الولد من غير سيدها، بأن زوجها فولدت بعد ما ولدت من سيدها وكذا ولد المدبر أو المكاتب المولود بعد التدبير والكتابة.
وقوله: كهم أي(5/172)
في حكمهم، وفيه إدخال الكاف على الضمير وهو قليل.
قوله: (وبيع مبعض) أي معتق البعض كبيع الحر.
قوله: (ابن كمال) ونصه التقوم على ما ذكر في التلويح ضربان: عرفي وهو بالاحراز، فغير المحرز كالصيد والحشيش ليس بمتقوم.
وشرعي وهو بإباحة الانتفاع به وهو المراد ههنا منفيا ا ه: أي هو المراد بالتقوم المنفي هنا.
قوله: (كخمر) قيد بها لان ما سواها من الاشربة المحرمة جائز عنده خلافا لهما.
كذا في البدائع.
نهر.
قوله: (وميتة لم تمت حتف أنفها) هذا في حق المسلم، أما الذمي ففي رواية بيعها صحيح، وفي أخرى فاسد كما قدمناه عن البحر.
وظاهره أن اختلاف الرواية في الميتة فقط، أما الخمر فصحيح.
قوله: (ونحوه) كالجرح، والضرب من أسباب الموت سوى الذكاة الشرعية.
قوله: (فإنها) أي الميتة المذكورة، أما التي ماتت حتف أنفها فعي غير مال عند الكل، فلذا بطل بيعها في حق الكل كما مر.
قوله: (وهذا) أي الحكم المذكور ببطلان بلا تفصيل.
قوله: (أي بالدين) أي ما يصح أن يثبت دينا في الذمة.
قال ابن كمال: إنما قال بالدين دون الثمن لان الدين أعم منه،.
والمعتبر المقابلة به دون الثمن.
قوله: (بطل في الكل) لان المبيع هو الاصل وليس محلا للتمليك فبطل فيه فكذا في الثمن، بخلاف ما إذا كان الثمن عينا فإنه مبيع من وجه مقصود بالتملك
ولكن فسدت التسمية فوجبت قيمته دون الخمر المسمى.
قوله: (بطل في الخمر) أي وفي أخويه كما يستفاد من المتن والزيلعي.
سائحاني.
قال في البحر: والحاصل أن بيع الخمر باطل مطلقا، وإنما الكلام فيما قابله فإن دينا كان باطلا أيضا وإن عرضا كان فاسدا ثم قال، وقيدنا بالمسلم لان أهل الذمة لا يمنعون من بيعها لاعتقادهم الحل والتمول، وقد أمرنا بتركهم وما يدينون، وكذا في البدائع ا ه ملخصا.
وظاهره الحكم بصحة بيعها فيما بينهم ولو بيعت بالثمن، ويشهد له فروع ذكرها بعده.
قوله: (بقيمته) لم يذكر ابن كمال القيمة وإن كانت مرادة ط.
قوله: (ضم إلى حر) ولو مبعضا كمعتق البعض كما مر في باب عتق البعض.
قوله: (لتكون كالحر) أي فلا تكون مالا أصلا، أما لو ماتت بخنق أو نحوه فهي مال غير متقوم كما مر آنفا فينبغي أن يصح البيع فيما ضم إليها كبيع قن ضم إلى مدبر.
تأمل.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما إذا فصل ثمن كل جاز في القن والذكية بحصتها من الثمن، لان الصفقة تصير متعددة معنى(5/173)
فلا يسري الفساد من إحداهما إلى الاخرى.
قوله: (وظاهر النهاية يفيد أنه فاسد) أي ما ضم إلى الحر والميتة وهو القن والذكية، وعزاه القهستاني للمحيط والمبسوط وغيرهما.
والظاهر أن المراد بالفاسد الباطل، فيوافق ما في الهداية وغيرها من التصريح بالبطلان.
تأمل.
قوله: (بخلاف بيع قن ضم إلى مدبر) كمكاتب وأم ولد كما في الفتح: أي فيصح في القن بحصته، لان المدبر محل للبيع عند البعض فيدخل في العقد ثم يخرج فيكون البيع بالحصة في البقاء دون الابتداء، وفائدة ذلك تصحيح كلام العاقل من رعاية حق المدبر ابن كمال.
قلت: ومعنى البيع بالحصة بقاء إنه لما خرج المدبر صار القن مبيعا بحصته مع الثمن بإن يقسم الثمن على قيمته وقيمة المدبر فما أصا ب القن فهو ثمنه، وهذا بخلاف ضم القن إلى الحر فإن فيه البيع بالحصة ابتداء، لان الحر لم يدخل في العقد لعدم ماليته.
تنبيه: تقدم أن بيع المدبر ونحوه باطل لعدم دخوله في العقد، وههنا إنما دخل لتصحيح العقد فيما ضم إليه.
قال في الهداية هناك: فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده، وإنما
يثبت حكم الدخول فيما ضم إليه ا ه: أي إذا ضم البائع إليه مال نفسه وباعهما له صفقة واحدة يجوز البيع في المضموم بالحصة من الثمن المسمى على الاصح، وإن قيل إنه لا يصح أصلا في شئ.
فتح.
مطلب فيما إذا اشترى أحد الشريكين جميع الدار المشركة من شريكه قلت: علم من هذا ما يقع كثيرا، وهو أن أحد الشريكين في دار ونحوها يشتري من شريكه جميع الدار بثمن معلوم فإنه يصح على الاصح بحصة شريكه من الثمن، وهي حادثة الفتوى فلتحفظ.
وأصرح من ذلك ما سيأتي في المرابحة في مسألة شراء رب المال من المضارب من أن الكل ماله.
قوله: (أو قن غيره) معطوف على مدبر.
قوله: (فإنه) أي المسجد العامر.
قوله: (بخلاف الغامر المعجمة: الخراب) بجر الخراب على أنه بدل من الغامر، وكان الاولى أن يقول: وغيره أي من سائر الاوقاف.
مطلب في بطلان بيع الوقف وصحة بيع الملك المضموم إليه وحاصله أن المسجد قبل خرابه كالحر ليس بمال من كل وجه، بخلافه بعد خرابه لجواز بيعه إذا خرب في أحد القولين فصار مجتهدا فيه كالمدبر فيصح بيع ما ضم إليه، ومثله سائر الاوقاف ولو عامرة فإنه يجوز بيعها عند الحنابلة ليشتري بثمنها ما هو خير منها كما في المعراج.
قوله: (فكمدبر) أي فهو باطل أيضا.
قال في الشرنبلالية: صرح رحمه الله تعالى ببطلان بيع الوقف، وأحسن بذلك إذ جعله في قسم البيع الباطل إذ لا خلاف في بطلان بيع الوقف لانه لا يقبل التمليك والتملك، وغلط من جعلفاسدا، وأفتى به من علماء القرن العاشر ورد كلامه بجملة رسائل.
ولنا فيه رسالة هي حساب الحكم متضمنة لبيان فساد قوله وبطلان فتواه ا ه.
والغالط المذكور هو قاضي القضاة نور الدين الطرابلسي والعلامة أحمد بن يونس الشلبي كما ذكره الشرنبلالي في رسالته المذكورة.
قوله: (ولو محكوما به الخ) قال في النهر: تكميل: قد علمت أن الاصح في الجمع بين الوقف والملك أنه يصح في الملك، وقيده بعض موالي الروم وهو مولانا أبو السعود جامع أشتات العلوم، تغمده الله تعالى برضوانه بما إذا لم يحكم بلزومه فأفتى بفساد البيع في هذه الصورة، ووافقه بعض علماء العصر من(5/174)
المصريين، ومنهم شيخنا الاخ، إلا أنه قال في شرحه هنا: يرد عليه ما صرح به قاضيخان من أن
الوقف بعد القضاء تسمع دعوى الملك فيه، ولى هو كالحر، بدليل أنه لو ضم إلى ملك لا يفسد البيع في الملك، وهكذا في الظهيرية، وهذا لا يمكن تأويله فوجب الرجوع إلى الحق وهو إطلاق الوقف، لانه بعد القضاء وإن صار لازما بالاجماع، لكنه يقبل البيع بعد لزومه، إما بشرط الاستبدال على المفتى به من قول أبي يوسف، أو بورود غصب عليه ولا يمكن انتزاعه ونحو ذلك، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب ا ه.
والحاصل أن ها هنا مسألتين: الاولى: أن بيع الوقف باطل ولو غير مسجد خلافا لمن أفتى بفساده، لكن المسجد العامر كالحر وغيره كالمدبر.
المسألة الثانية: أنه إذا كان كالمدبر يكون بيع ما ضم إليه صحيحا ولو كان الوقف محكوما بلزومه، خلافا لما أفتى به المفتي أبو السعود.
قوله: (فيصح) تفريع على قول المصنف فيصح الخ على وجه الترتيب.
قوله: (لانها) أي المدبر وقن الغير والوقف.
قوله: (لم يصح) لما مر من أن المسجد العامر كالحر فيبطل بيع ما ضم إليه، لكن نقل في البحر عن المحيط أن الاصح الصحة في الملك، لان ما فيها من المساجد والمقابر مستثنى عادة ا ه: أي فلم يوجد ضم الملك إلى المسجد بل البيع واقع على الملك وحده.
قوله: (لا يعقل) قيد به لان الصبي العاقل إذا باع أو اشترى انعقد بيعه، وشراؤه موقوفا على إجازة وليه إن كان لنفسه، ونافذا بلا عهدة عليه إن كان لغيره بطريق الولاية، ط عن المنح.
وهذا إذا باع الصبي العاقل ماله أو اشترى بدون غبن فاحش، وإلا لم يتوقف لانه حينئذ لا يصح من وليه عليه كما يأتي فلا يصح منه بالاولى.
قوله: (شيئا) قدره للاشارة إلى أن الاضافة في بيع صبي من إضافة المصدر إلى فاعله ط.
قوله: (جاز) أي بيعه ط.
قوله: (كسرقين وبعر) في القاموس: السرجين والسرقين بكسرهما معربا سركين بالفتح، وفسره في المصباح بالزبل، قال ط: والمراد أنه يجوز بيعهما ولو خالصين ا ه.
وفي البحر عن السراج: ويجوز بيع السرقين والبعر والانتفاع به والوقود به.
قوله: (واكتفى في البحر) حيث قال كما نقله عنه في المنح: ولم ينعقد بيع النحل ودود القز إلا تبعا، ولا بيع العذرة خالصة بخلاف بيع السرقين والمخلوطة بتراب ا ه.
قوله: (وشعر الانسان) ولا يجوز الانتفاع به لحديث: لعن الله الواصلة والمستوصلة وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في
قرون النساء وذوائبهن.
هداية.
فرع: لو أخذ شعر النبي (ص) ممن عنده وأعطاه هدية عظيمة لا على وجه البيع فلا بأس به، سائحاني عن الفتاوى الهندية.(5/175)
مطلب: الآدمي مكرم شرعا ولو كافرا قوله: (ذكره المصنف) حيث قال: والآدمي مكرم شرعا وإن كان كافرا، فإيراد العقد عليه وابتذاله به وإلحاقه بالجمادات إذلال له ا ه: أي وهو غير جائز وبعضه في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلانه ط.
قلت: وفيه أنه يجوز استرقاق الحربي وبيعه وشراؤه وإن أسلم بعد الاسترقاق، إلا أن يجاب بأن المراد تكريم صورته وخلقته، ولذا لم يجز كسر عظام ميت كافر، وليس ذلك محل الاسترقاق والبيع والشراء، بل محله النفس الحيوانية، فلذا لا يملك بيع لبن أمته في ظاهر الرواية كما سيأتي، فليتأمل.
قوله: (وبيع ما ليس في ملكه) فيه أنه يشمل بيع ملك الغير بوكالة أو بدونها مع أن الاول صحيح نافذ، والثاني صحيح موقوف.
وقد يجاب بأن المراد بيع ما سيملكه قبل ملكه له، ثم رأيته كذلك في الفتح في أول فصل بيع الفضولي، وذكر أن سبب النهي في الحديث ذلك.
قوله: (لبطلان بيع المعدوم) إذ من شرط المعقود عليه: أن يكون موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه، وأن يكون ملك البائع فيما يبيعه لنفسه، وأن يكون مقدور التسليم.
منح.
قوله: (وماله خطر العدم) كالحمل واللبن في الضرع، فإنه على احتمال عدم الوجود، وأما بيع نتاج النتاج فهو من أمثلة المعدوم، فافهم.
قوله: (لا بطريق السلم) فلو بطريق السلم جاز، وكذا لو باع ما غصبه ثم أدى ضمانه كما قدمناه أول البيوع.
قوله: (لانعدام الركن وهو المال) أي من أحد الجانبين فلم يكن بيعا وقيل: ينعقد لان نفيه لم يصح، لانه نفى العقد فصار كأنه سكت عن ذكر الثمن، وفيه ينعقد البيع ويثبت الملك بالقبض كما يأتي قريبا، أفاده في الدرر.
قوله: (لانه أمانة) وذلك لان العقد إذا بطل بقي مجرد القبض بإذن المالك وهو لا يوجب الضمان إلا بالتعدي.
درر.
قوله: (وصحح في القنية ضمانة الخ) قال في الدرر: وقيل: يكون
مضمونا لانه يصير كالمقبوض على سوم الشراء، وهو أن يسمى الثمن فيقول: اذهب بهذا فإن رضيت به اشتريته بما ذكر، أما إذا لم يسمه فذهب به فهلك عنده لا يضمن، نص عليه الفقيه أبو الليث، قيل: وعليه الفتوى.
كذا في العناية ا ه.
قال في العزمية: الذي يظهر من شروح الهداية عود الضميرين في عليه، وعليه إلى أن حكم المقبوض على سوم الشراء ذلك تعويلا على كلام الفقيه، إلا أن القول الثاني في مسألتنا مرجح على القول الاول ا ه.
لكن في النهر واختار السرخسي وغيره أن يكون مضمونا بالمثل أو بالقيمة، لانه لا يكون أدنى حالا من المقبوض على سوم الشراء، وهو قول الائمة الثلاثة.(5/176)
وفي القنية إنه الصحيح لكونه قبضه لنفسه فشابه الغضب.
وقيل: الاول قول أبي حنيفة، والثاني قولهما، وتمامه فيه لقوله: (بغبن فاحش) المشهور في تفسيره أنه ما لا يدخل تحت تقويم المقومين.
قوله: (ورجح) رجحه في البحر حيث قال: ينبغي أن يجري القولان في بيع الوقف المشروط استبداله أو الخراب الذي جاز استبداله إذا بيع بغبن فاحش، وينبغي ترجيح الثاني فيهما، لانه إذا ملك بالقبض وجبت قيمته فلا ضرر على اليتيم والوقف ا ه.
قلت: وينبغي ترجيح الاول حيث لزم الضرر بأن كان المشتري مفلسا أو مماطلا.
تأمل.
مطلب: بيع المضطر وشراؤه فاسد قوله: (بيع المضطر وشراؤه فاسد) هو أن يضطر الرجل إلى طعام أو شراب أو لباس أو غيرها ولا يبيعها البائع إلا بأكثر من ثمنها بكثير، وكذلك في الشراء منه، كذا في المنح ا ه ح.
وفيه لف ونشر غير مرتب، لان قوله كذا في الشراء منه: أي من المضطر مثال لبيع المضطر: أي بأن اضطر إلى بيع شئ من ماله ولم يرض المشتري إلا بشرائه بدون ثمن المثل بغبن فاحش.
ومثاله: ما لو ألزمه القاضي ببيع ماله لايفاء دينه، أو ألزم الذمي ببيع مصحف أو عبد مسلم ونحو ذلك، ولكن سيذكر المصنف في الاكراه: لو صادره السلطان ولم يعين بيع ماله فباع صح.
قال الشارح هناك: والحيلة أن يقول من أين أعطى، فإذا قال الظالم بع كذا فقد صار مكرها فيه ا ه.
فأفاد أنه بمجرد المصادرة لا يكون مكرها بل يصح بيعه، إلا إذا أمره بالبيع مع أنه بدون أمر مضطر إلى البيع حيث لا يمكنه غيره،
وقد يجاب بأن هذا ليس فيه أنه باع بغبن فاحش عن ثمن المثل، نعم العبارة مطلقة فيمكن تقييدها بأنه إنما يصح لو باع بثمن المثل أو غبن يسير توفيقا بين العبارتين، فتأمل.
مطلب في البيع الفاسد قوله: (وفسد الخ) شروع في البيع الفاسد بعد الفراغ من الباطل وحكمه.
قوله: (ما سكت فيه عن الثمن) لان مطلق البيع يقتضي المعاوضة، فإذا سكت كان غرضه القيمة، فكأنه باع بقيمته فيفسد ولا يبطل.
درر: أي بخلاف ما إذا صرح بنفي الثمن كما قدمه قريبا.
(وعكسه) أي بيع الخمر بالعرض، بأن أدخل الباء على العرض فينعقد في العرض: أي لانه أمكن اعتبار الخمر ثمنا وهي مال في الجملة، بخلاف بيع العرض بدم أو ميتة.
قوله: (كما مر) أي في قوله: وإن بيعت بعين كعرض بطل في الخمر وفسد في العرض فيملكه بالقبض بقيمته وهذا في حق المسلم كما قدمناه.
قوله: (ملك المشتري للعرض) قيد به لان المشتري لام الولد وأخويها لا يملكهم بالقبض لبطلان بيعهم بقاء كما مر.
قوله: (لما مر أنهم مال في الجملة) أي فيدخلون في العقد، ولذا لا يبطل العقد فيما ضم(5/177)
إلى واحد منهم وبيع معهم، ولو كانوا كالحر لبطل كما في الدرر.
قوله: (وفسد بيع سمك لم يصد لو بالعرض الخ) ظاهره أن الفاسد بيع السمك وأنه يملك القبض.
وفيه أن بيع ما ليس في ملكه باطل كما تقأم، لانه بيع المعدوم، والمعدوم ليس بمال فينبغي أن يكون بيعه باطلا، وأن يكون الفاسد هو بيع العرض لانه مبيع من وجه وإن دخلت عليه الباء ويكون السمك ثمنا فيصير كأنه باع العرض وسكت عن الثمن أو باعه بأم الولد، بل يمكن أن يقال: إن بيع العرض أيضا باطل، لان السمك ليس بمال فيكون كبيع العرض بميتة أو دم، لكن جعله كأم الولد أظهر لانه مال في الجملة، فإنه لو صاده بعده ملكه، نعم هذا يظهر لو باع سمكة بعينها قبل صيدها، أما لو كانت غير معينة ثم صاد سمكة لم تكن عين ما جعلت ثمن العرض حتى يقال إنها ملكت بالصيد.
والحاصل: أنه لو باع سمكة مطلقة بعرض ينبغي أن يكون البيع باطلا من الجانبين كبيع ميتة بعرض أو عكسه، ولو كانت السمكة معينة بطل فيها لانها غير مملوكة، وفسد في العرض لان السمكة
مال في الجملة، ومثلها ما لو كان البيع على لحم سمك لانه مثلي، ولو باعها بدراهم بطل البيع لتعين كونها مبيعة وهي غير مملوكة، وهذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل، ولم أر من تعرض لشئ منه.
قوله: (صدر الشريعة) حيث قال: ففي السمك الذي لم يصد ينبغي أن يكون البيع باطلا إذا كان بالدراهم والدنانير، ويكون فاسدا إذا كان بالعرض لانه مال غير متقوم، لان التقوم بالاحراز، والاحراز منتف.
قوله: (وله خيار الرؤية) ولا يعتد برؤيته وهو في الماء لانه يتفاوت في الماء وخارجه.
شرنبلالية.
قوله: (إلا إذا دخل بنفسه الخ) استثناء منقطع من قوله: وإن أخذ بدونها صح يعني أنه لو صيد فألقي في مكان يؤخذ منه بدون حيلة كان صحيحا، وأما إذا دخل بنفسه ولم يسد مدخله يكون باطلا لعدم الملك بقرينة قوله: فلو سده ملكه فافهم.
قوله: (فلو سده ملكه) أي فيصح بيعه إن أمكن أخذه بلا حيلة، وإلا فلا لعدم القدرة على التسليم.
والحاصل كما في الفتح أنه إذا دخل السمك في حظيرة: فإما أن يعدها لذلك أو لا، ففي الاول يملكه وليس لاحد أخذه، ثم إن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه لانه مملوك مقدور التسليم، وإلا لم يجز لعدم القدرة على التسليم، وفي الثاني: لا يملكه، فلا يجوز بيعه لعدم الملك، إلا أن يسد الحظيرة إذا دخل فحينئذ يملكه، ثم إن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه وإلا فلا، وإن لم يعدها لذلك لكنه أخذه وأرسله فيها ملكه، فإن أمكن أخذه بلا حيلة جاز بيعه لانه مقدور التسليم، أو بحيلة لم يجز، لانه وإن كان مملوكا فليس مقدور التسليم ا ه.
مطلب في حكم إيجار البرك للاصطياد قوله: (ولم تجز إجارة بركة الخ) قال في النهر: اعلم أن في مصر بركا صغيرة كبركة الفهادة(5/178)
تجتمع فيها الاسماك هل تجوز إجارتها لصيد السمك منها؟ نقل في البحر عن (الايضاح عدم جوازها.
ونقل أولا عن أبي يوسف في كتاب الخراج عن أبي الزناد قال: كتبت إلى عمر بن الخطاب في بحيرة يجتمع فيها السمك بأرض العراق أنؤجرها؟ فكتب إلي أن افعلوا.
وما في الايضاح بالقواعد الفقهية أليق ا ه.
ونقل في البحر أيضا عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن حماد عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
أنه كتب إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن بيع صيد الآجام، فكتب إليه عمر: أنه لا بأس به، وسماه الحبس ا ه.
ثم قال في البحر: فعلى هذا لا يجوز بيع السمك في الآجام إلا إذا كان في أرض بيت المال، ويلحق به أرض الوقف.
وقال الخير الرملي: أقول: الذي علم مما تقدم عدم جواز البيع مطلقا، سواء كان في بحر أو نهر أو أجمة، وهو بإطلاقه أعم من أن يكون في أرض بيت المال أو أرض الوقف، وما تقدم عن كتاب الخراج غير بعيد أيضا عن القواعد، ومرجعه إلى إجارة موضع مخصوص لمنفعة معلومة هي الاصطياد، وما حدث به أبو حنيفة عن حماد مشكل فإنه بيع السمك قبل الصيد، ويجاب بأنه في آجام هيئت لذلك وكان السمك فيها مقدور التسليم، فتأمل واعتن بهذا التحرير، فإن المسألة كثيرة الوقوع ويكثر السؤال عنها ا ه.
لكن قوله غير بعيد الخ فيه نظر، لان الاجارة واقعة على استهلاك العين، وسيأتي التصريح بأنه لا يصرح إجارة المراعي وهذا كذلك، ولذا جزم المقدسي بعدم الصحة.
واعتراض البحر بما قلنا، والله أعلم.
قوله: (وبيع طير) جمع طائر، وقد يقع على الواحد والجمع طيور وأطيار، بحر عن القاموس.
قوله: (لا يرجع بعد إرساله من يده) أشار إلى أنه مملوك له ولكن علة الفساد كونه غير مقدور التسليم، فلو سلمه بعد البيع لا يعود إلى الجواز عند مشايخ بلخ.
وعلى قول الكرخي يعود، وكذا عن الطحاوي، وأطلقه فشمل ما إذا كان الطير مبيعا أو ثمنا.
بحر.
قوله: (أما قبل صيده فباطل أصلا) ينبغي أن يجري فيه الكلام الذي ذكرناه في السمك.
قوله: (صح) ذكره في الهداية والخانية، وكذا في الذخيرة عن المنتقى.
بحر.
قال في الفتح: لان المعلوم عادة كالواقع، وتجويز كونها لا تعود أو عروض عدم عودها لا يمنع جواز البيع كتجويز هلاك المبيع قبل القبض، ثم إذا عرض الهلاك انفسخ، كذا هنا إذا فرض وقوع عدم المعتاد من عودها قبل القبض انفسخ ا ه.
قوله: (وقيل لا) في البحر والشرنبلالية أنه ظاهر الرواية.
قوله: (ورجحه في النهر) حيث ذكر ما مر عن الفتح، ثم قال: وأقول فيه نظر، لان من شروط صحة البيع القدرة على التسليم عقبه، ولذا لم يجز بيع الآبق ا ه.
قال ح: أقول: فرق ما بين الحمام الآبق فإن العادة لم تقض بعودة غالبا، بخلاف الحمام، وما ادعاه من اشتراط القدرة على التسليم عقبه، إن أراد به القدرة حقيقة فهو ممنوع وإلا لاشتراط حضور
المبيع مجلس العقد وأحد لا يقول به، وإن أراد به القدرة حكما كما ذكره بعد هذا، فما نحن فيه كذلك لحكم العادة بعودة ا ه.(5/179)
قلت: وهو وجيه، فهو نظير العبد المرسل في حاجة المولى فإنه يجوز بيعه، وعللوه بأنه مقدور التسليم وقت العقد حكما إذ الظاهر عوده، ولو أبق بعد البيع قبل القبل خير المشتري في فسخ العقد كما في البحر وهنا كذلك، لكن لينظر متى يحكم بفسخ العقد لعدم عود ذلك الطائر فإنه ما دام محتمل الحياة يحتمل عوده.
تنبيه: في الذخيرة: باع برج حمام، فإن ليلا جاز، ولو نهارا فلا، لان بعضه يكون خارج البيت فلا يمكن أخذه إلا بالاحتيال ه.
والظاهر أنه مبني على ظاهر الرواية، تأمل، وفيه ألغز بعضهم فقال: يا إماما في فقه نعمان أضحى حائز السبق مفردا لا يجارى أي بيت يجوز بيعك إياه بليل ولا يجوز نهارا؟ قوله: (وبيع الحمل) بسكون الميم.
قوله: (وجزم في البحر ببطلانه) لنهيه (ص) عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، لما فيه من الغرر، وتقدم أن بيع الثلاثة باطل، وأعترض في اليعقوبية التعليل بالغرر، وهو الشك في وجوده بأنه ينبغي عليه أن لا يجوز بيع الشئ الملفوف الموصوف، لانه يحتمل أن لا يوجد شئ أو وصفه المذكور مع تصريحهم بجوازه ا ه.
قلت: فيه أنه لا غرر فيه لانه يسهل الاطلاع عليه، بخلاف الحمل فتدبر: وفي البحر عن السراج: فلو باع الحمل وولدت قبل الافتراق وسلم لا يجوز.
قوله: (لفساده بالشرط) لان ما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه، والحمل لا يجوز إفراده بالبيع فكذا استثناؤه، لانه بمنزلة الاطراف فصار شرطا فاسدا وفيه منفعة للبائع فيفسد البيع.
مطلب: استثناء الحمل في العقود على ثلاث مراتب ثم استثناء الحمل في العقود على ثلاث مراتب.
في وجه: يفسد العقد، والاستثناء كالبيع والاجارة والرهن لانها تبطلها الشروط الفاسدة.
وفي وجه: العقد جائز، والاستثناء باطل كالهبة والصدقة والنكاح والخلع والصلح عن دم العمد.
وفي وجه: يجوزان وهو الوصية، كما لو أوصى بجارية إلا حملها، وكذا لو أوصى بحملها لآخر صح، لان الوصية أخت الميراث والميراث يجري في الحمل، فكذا الوصية بخلاف الخدمة: زيلعي ملخصا: أي لو أوصى له بأمة إلا خدمتها لا يصح الاستثناء، لان الميراث لا يجري فيها والغلة كالخدمة.
بحر.
قوله: (بخلاف هبة ووصية) أي حيث يصح العقد فيهما، لكن الاستثناء باطل في الهبة جائز في الوصية كما علمت، فافهم.
قوله: (وجزم البرجندي ببطلانه) قال صدر الشريعة:(5/180)
ذكروا في فساده علتين: إحداهما أنه لا يعلم أنه لبن أو دم أو ريح، وهذه تقتضي بطلان البيع لانه مشكوك الوجود فلا يكون مالا، والاخرى أن اللبن يوجد شيئا فشيئا فيختلط ملك المشتري بملك البائع ا ه: أي وهذه تقتضي الفساد ط.
قلت: مقتضى الفساد لا ينافي مقتضى البطلان بل بالعكس، لان ما يقتضي البطلان يدل على عدم المشروعية أصلا فلذا جزم ببطلانه، فتأمل.
قوله: (للغرر) لانه لا يعلم وجوده، وينبغي أن يكون باطلا للعلة المذكورة، فهو مثل اللبن رملي.
قلت: ويؤيده ما في التجنيس: رجل اشترى لؤلؤة في صدف، قال أبو يوسف: البيع جائز، وله الخيار إذا رآه وقال محمد: البيع باطل، وعليه الفتوى ا ه.
قال الزيلعي: بخلاف ما إذا باع تراب الذهب والحبوب في غلافها حيث يجوز لكونها معلومة ويمكن تجربتها بالبعض أيضا ا ه.
قال في النهر: وينبغي أن يكون في ذلك الجوز الهندي.
قوله: (وصوف على ظهر غنم) للنهي عنه، ولانه قبل الجز ليس بمال متقوم في نفسه لانه بمنزلة وصف الحيوان لقيامه به كسائر أطرافه، ولانه يزيد من أسفل فيختلط المبيع بغيره كما قلنا في اللبن.
زيلعي.
قوله: (وجوزه الثاني) هو رواية عنه كما في الهداية.
قوله: (لم ينقلب صحيحا) مقتضاه أنه وقع باطلا، وإلا لصح بزوال المفسد كما سيتضح في بيع الآبق، وهو أيضا مقتضى التعليل بأنه ليس بمال متقوم، فكان على المصنف ذكره في الباطل،
قوله: (وكذا كل ما اتصاله خلقي) بخلاف اتصال الجذع والثوب فإنه بصنع العباد بن ملك.
قوله: (لما مر أنه معدوم عرفا) أي مر في فصل: ما يدخل في البيع تبعا عند قوله: كبيع بر في سنبلة وبيناه هناك بأنه هذا تمر وقطن، ولا يقال هذا نوى في تمره ولا حب في قطنه، ويقال هذه حنطة في سنبلها وهذا لوز وفستق في قشره، ولا يقال هذه قشور فيها لوز، قوله: (وإنما صححوا الخ) جواب عما استدل به أبو يوسف من جواز الصوف على ظهر الغنم كما في الكراث وقوائم الخلاف بالكسر وتخفيف اللام نوع من الصفصاف: أي مع أنها تزيد، والجواب كما في الزيلعي أنه أجيز في الكراث والقوائم للتعامل، إذ لا نص فيه فلا يلحق به المنصوص عليه ا ه.
وأيضا فالقوائم تزيد من أعلاها:(5/181)
أي فلا يحصل اختلاط المبيع بغيره، بخلاف الصوف ويعرف ذلك بالخضاب كما أفاده الزؤيلعي.
وفي البحر من فصل فيما يدخل في البيع تبعا عن الظهيرية: اشترى رطبة من البقول أو قثاء أو شيئا ينمو ساعة فساعة لا يجوز، كبيع الصوف، وبيع قوائم الخلاف يجوز وإن كان ينمو لان نموها من الاعلى، بخلاف الرطبات إلا الكراث للتعامل، وما لا تعامل فيه لا يجوز ا ه.
قلت: وقوله: للتعامل علة لقوله: إلا الكراث فقط، وإلا فكون قوائم الخلاف، تنمو من الاعلى، بخلاف الرطبات يفيد الجواز بلا حاجة إلى التعليل بالتعامل.
وذكر في البحر هنا عن الفضلي تصحيح عدم الجواز في قوائم الخلاف لانه وإن كان ينمو من أعلاه فموضع القطع مجهول، كمن اشترى شجرة للقطع لا يجوز لجهالة موضع القطع، لكن في الفتح أن منهم من منع، إذ لا بد للقطع من حفر الارض، ومنهم من أجاز للتعامل.
وفي الصغرى: القياس في بيع القوائم المنع، لكن جاز للتعامل، وبيع الكراث يجوز وإن كان ينمو من أسفله للتعامل أيضا، وبه يحصل الجواب عما استدل به الفضلي على المنع في القوائم لمن تأمل.
نهر.
قوله: (وشجر الصفصاف) أي قوائم شجره: أي أغصانه.
قوله: (وفي القنية باع أوراق توت) أي مع أغصانها.
قال في القنية: اشترى أوراق التوت ولم يبين موضع القطع لكنه معلوم عرفا صح، ولو ترك الاغصان له أن يقطعها في السنة الثانية، ولو باع أوراق توت لم يقطع قبل بسنة يجوز، وبسنتين لا يجوز لانه بسنة يعلم موضع قطعها عرفا ا ه.
قوله:
(وجذع) هو القطعة من النخل أو غيره توضع عليها الاخشاب.
نهر، لانه لا يمكن تسليمه إلا بضرر، ولو لم يكن معينا لا يجوز أيضا لما ذكرنا وللجهالة أيضا، هداية، فقوله: معين ليس للاحتراز عن الفساد بل لما ذكره بعده.
قوله: (أما غير المعين) الاولى ذكره بعد قوله: فلو قطع وسلم ط.
قوله: (فلا ينقلب صحيحا) قال في النهر: وذكر الزاهدي عن شرح الطحاوي أنه في غير المعين لا ينقلب بالتسليم صحيحا، وجزم به في إيضاح الاصلاح وهو ضعيف لانه غير المعين معلل بلزوم الضرر والجهالة، فإذا تحمل البائع الضرر وسلمه زال المفسد وارتفعت الجهالة أيضا، ومن ثم جزم في الفتح بأنه يعود صحيحا ا ه.
قلت: والذي نقله العلامة نوح عن الزاهدي عن شرح مختصر الطحاوي عكس ما نقله عنه في النهر، فليراجع، نعم عبارة ابن كمال في إيضاح الاصلاح أن غير المعين لا يعود صحيحا، وعزاه إلى الزاهدي في شرح القدوري.
قوله: (ويضره التبعيض) وكالثوب المهيأ للبس: زيلعي، وأشار المصنف إلى عدم جواز بيع حلية من سيف أو نصف زرع لم يدرك لانه لا يمكن تسليمه إلا بقطع جميعه، وكذا بيع فص خاتم مركب فيه، وكذا نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه وذراع من خشبة للضرر في(5/182)
تسليم ذلك، ولا اعتبار بما التزمه من الضرر، لانه إنما التزم العقد ولاضرر فيه.
بحر وفتح.
وفي بيع نصف الزرع ونحوه كلام طويل قدمناه أول كتاب الشركة.
قوله: (جاز) كما يجوز بيع قفيز من صبرة بحر.
قوله: (لانتفاء المانع) علة للمسألتين.
قوله: (وضربة القانص) من قنص قنصا على حد ضرب صاد كما في الصحاح بأن يقول: بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا.
نهر.
قوله: (والغائص) بأن يقول أغوص غوصة فما أخرجته من اللآلئ فهو لك بكذا كما في تهذيب الازهري، ومقتضاه المباينة بين القانص بالقاف والغائص بالغين، وفسر الزيلعي ضربة القانص بالقاف بما يخرج من الصيد بضربة الشبكة أو بغوص الصائد في الماء.
قال في النهر: وهذا يوهم شمول القانص بالقاف للغائص والواقع ما قد علمته.
وجعل في السراج القانص: صياد البر، والغائص: صياد البحر.
والحق أن الصائد بالآلة وهو القانص بالقاف أعم من كونه في البحر أو البر، بخلاف الغائص اه.
وحاصله أن القانص بالقاف: من يصطاد الصيد برا أو بحرا وأما الغائص بالغين: فهو من يغوص لاستخراج اللآلئ مثلا.
قوله: (كما مر) أي في قول المصنف: وبيع ما ليس في ملكه.
قوله: (والمزابنة) من الزين: وهو الدفع، لانها تؤدي إلى النزاع والمدافعة كما في البحر عن الفائق.
قوله: (مثل كيله تقديرا) أي بأن يقدر الرطب الذي على النخل بمقدار مائة صاع مثلا بطريق الظن والحرز فيبيعه بقدره من التمر.
قوله: (ومثله العنب) أي على الكرم.
قوله: (ولشبهة الربا) لانه بيع مكيل بمكيل من جنسه مع احتمال عدم المساواة بينهما بالكيل.
قوله: (فلو لم يكن) أي ما بيع بالتمر المقطوع.
قال في البحر: ثم اعلم أن تعريف المزابنة بأنها بيع الثمر بالتمر: أي بالمثلثة في الاول والمثناة في الثاني خلاف التحقيق، والاولى أن يقال: بيع الرطب بتمر الخ، لان الثمر بالمثلثة الشجر رطبا أو غيره، وإذا لم يكن رطبا جاز لاختلاف الجنس، ولو كان الرطب على الارض كالتمر لم يجز بيعه متساويا عند العلماء إلا أبا حنيفة لما سيأتي في باب الربا ا ه.
قوله: (فنهى عنها كلها) في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة زاد مسلم.
أما الملامسة: كأن يلمس كل منهما ثوب صاحبه بغير تأمل ليلزم اللامس البيع من غير خيار له عند الرؤية، وهذا بأن يكون مثلا في ظلمة أو يكون الثوب مطويا مرئيا يتفقان على أنه(5/183)
إذا لمسه فقد باعه منه وفساده لتعليق التمليك على أنه متى لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس.
والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولا ينظر كل واحد منهما إلى ثوب صاحبه على جعل النبذ بيعا، وهذه كانت بيوعا يتعارفونها في الجاهلية، وكذا إلقاء الحجر أن يلقى حصاة وثمة أثواب، فأي ثوب وقع عليه كان البيع بلا تأمل ورؤية ولا خيار بعد ذلك، ولا بد أن يسبق تراوضهما على الثمن، ولا فرق بين كون المبيع معينا أو غير معين.
ومعنى النهي ما في كل من الجهالة وتعليق التمليك بالخطر فإنه في معنى إذا وقع حجري على ثوب فقد بعته منك أو بعتنيه بكذا أو إذا نبذته أو لمسته، كذا في الفتح.
وذكر في الدرر أن النهي عن إلقاء الحجر ألحق بالاولين دلالة.
قوله: (لوجود
القمار) أي بسبب تعليق التمليك بأحد هذه الافعال ا ه ح.
قوله: (إن سبق ذكر الثمن) عبارة البحر: ولا بد في هذه البيوع أن يسبق الكلام منهما على الثمن ا ه: أي لتكون علة الفساد ما ذكر، وإلا كان الفساد لعدم ذكر الثمن إن سكتا عنه، لما مر أن البيع مع نفي الثمن باطل، ومع السكوت عنه فاسد.
قوله: (وثوب من ثوبين) قيد بالقيمي، إذ بيع المبهم في المثلي جائز كقفيز من صبرة.
قوله: (ضمن نصف قيمة كل) لان أحدهما مضمون بالقيمة لانه مقبوض بحكم البيع الفاسد والآخر أمانة، وليس أحدهما بأولى من الآخر فشاعت الامانة والضمان.
بحر.
قوله: (إذ الفاسد معتبر بالصحيح) أي ملحق به، فإنه لو كان البيع صحيحا بأن يقبض ثوبين على أنه بالخيار في أحدهما صح، فإذا هلكا ضمن نصف ثمن كل واحد، والقيمة في الفاسد كالثمن في البيع الصحيح كما في البحر.
قوله: (لتعذر رده) أي رد ما هلك أولا فتعين مضمونا.
بحر.
قوله: (والقول للضامن) أي في تعيين الهالك، وذلك بأن اختلف الثوبان أو العبدان وادعى الضامن أن الهالك هو الاقل قيمة وعكس الآخر، ولو برهنا فبرهان البائع أولى فيما يظهر كما قدمنا التصريح به في خيار التعيين.
قوله: (وهذا) أي الفساد فيما إذا باع ثوبين مثلا.
قوله: (إذا لم يشترط خيار التعيين) أي فيما دون الاربعة، وقول البحر: فيما دون الثلاثة فيه قصور.
قوله: (فلو شرط أخذ أيهما شاء) بنصب أخذ مصدرا على أنه مفعول به لشرط، بأن قال: بعتك واحدا منهما على أنك بالخيار تأخذ أيهما شئت فإنه يجوز استحسانا، وتقدم ذكر المسألة بفروعها في خيار الشرط.
فتح.
قوله: (لما مر) أي في باب خيار الشرط والتعيين.
قوله: (والمراعي) في المصباح: الرعي بالكسر والمرعى بمعنى واحد، وهو ما ترعاه الدواب والجمع المراعي.
بحر.
قوله: (أي الكلا) فسرها بالكلا دفعا لوهم أن يراد مكان الرعي فإنه جائز.
فتح.
أي إذا كان مملوكا كما لا يخفى.
والكلا كجبل: العشب رطبه ويابسه.
قاموس، قال في البحر: ويدخل فيه جميع أنواع ما ترعاه المواشي رطبا أو يابسا، بخلاف الاشجار، لان الكلا ما لا ساق له والشجر له ساق فلا تدخل فيه، حتى يجوز بيعها إذا نبتت في أرضه لكونها ملكه، والكمأة كالكلا ا ه.
قوله: (أما بطلانها) هذا(5/184)
مخالف لسوق كلام المصنف، لان كلامه في ذكر الفاسد، فمراده أن بيعها فاسد، وبه صرح في
شرحه، نعم قال بعد ذلك: وصرح منلا خسرو بفساد هذا البيع، وصرح في شرح الوقاية ببطلانه وعلله بعدم الاحراز ا ه.
فكان المناسب شرح كلامه على وفق مرامه مع بيان القول الآخر، وكأن الشارح لما رأى القول بالفساد معللا بعدم الملك حمله على أن المراد به البطلان، لان بيع ما لا يملك باطل كما علم مما مر، لكنه لا يوافق غرض المصنف كما علمت.
قوله: (فلعدم الملك) لاشتراك الناس فيه اشتراك إباحة لا ملك، ولانه لا يحصل للمشتري فيه فائدة لانه لا يتملكه بدون بيع.
فتح.
قوله: (لحديث الناس شركاء في ثلاث) أخرجه الطبراني بلفظ: المسلمون شركاء في ثلاث الخ، وكذا أخرجه ابن ماجه وفي آخره: وثمنه حرام أي ثمن كل واحد منها، وأخرجه أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة وابن عدي، قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات.
نوح أفندي.
ومعنى الشركة في النار: الاصطلاء بها وتجفيف الثياب، لا أخذ الجمر إلا بإذن صاحبه، وفي الماء سقي الدواب والاستقاء من الآبار والحياض والانهار المملوكة، وفي الكلا الاحتشاش ولو في أرض مملوكة، غير أن لصاحب الارض المنع من دخوله، ولغيره أن يقول إن لي في أرضك حقا، فإما أن توصلني إليه أو تحشه أو تستقي وتدفعه لي، وصار كثوب رجل وقع في دار رجل إما أن يأذن للمالك في دخوله ليأخذه، وإما أن يخرجه إليه، فتح ملخصا.
قوله: (وأما بطلان إجارتها) ما ذكره عن ابن الكمال من بطلان إجارتها مخالف لسوق كلام المصنف أيضا.
وقال في فتح القدير: وهل الاجارة فاسدة أو باطلة؟ ذكر في الشرب أنها فاسدة حتى يملك الآجر الاجرة بالقبض وينفذ عتقه فيه ا ه.
قال في النهر: فيحتاج إلى الفرق بين البيع والاجارة ا ه.
قوله: (وهذا) أي بطلان بيع الكلا.
قوله: (وقيل لا) أي لا يملكه، وهو اختيار القدوري لان الشركة ثابتة، وإنما تنقطع بالحيازة وسوق الماء ليس بحيازة وعلى الجواز أكثر المشايخ، واختاره الشهيد.
قال في الفتح: وعليه فلقائل أن يقول: ينبغي أن حافر البئر يملك الماء بتكلفه الحفر والطي لتحصيل الماء، كما يملك الكلا بتكلفة سوق الماء إلى الارض لينبت، فله منع المستقي وإن لم يكن في أرض مملوكة له ا ه.
وأقول: يمكن أن يفرق بينهما بأن سقي الكلا كان سببا في إنباته فنبت، بخلاف الماء فإنه موجود قبل حفره فلا يملكه بالحفر.
نهر.
مطلب: صاحب البئر لا يملك الماء وقال الرملي: إن صاحب البئر لا يملك الماء كما قدمه في البحر في كتاب الطهارة في شرح قوله: وانتفاخ حيوان عن الولوالجية فراجعه.
وهذا ما دام في البئر، أما إذا أخرجه منها بالاحتيال كما في السواني فلا شك في ملكه له لحيازته له في الكيزان ثم صبه في البرك بعد حيازته.
تأمل.
ثم حرر الفرق بين ما في البئر وما في الحباب والصهاريج الموضوعة في البيوت لجمع ماء الشتاء بأنها أعدت لاحراز الماء فيملك ما فيها، فلو آجر الدار لا يباح للمستأجر ماؤها إلا بإباحة المؤجر ا ه ملخصا.
قوله: (قال) أي العيني.
قوله: (وبيع القصيل والرطبة) في المصابح قصلته قصلا من باب(5/185)
ضرب: قطعته فهو قصيل ومقصول، ومنه القصيل وهو الشعير يجز إذا اخضر لعلف الدواب، والرطبة: الغضة خاصة قبل أن يجف والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب، والرطب وزان قفل: المرعى الاخضر من بقول الربيع.
وبعضهم يقول: الرطبة وزان: غرفة الخلا، وهو الغض من الكلا.
قوله: (وحيلته) أي حيلة جواز بيع الكلا، وكذا إجارته.
قال في البحر: والحيلة في جواز إجارته أن يستأجرها أرضا لايقاف الدواب فيها أو لمنفعة أخرى بقدر ما يريد صاحبه من الثمن أو الاجرة فيحصل به غرضهما ا ه.
وفي الفتح: والحيلة أن يستأجر الارض ليضرب فيها فسطاطه أو ليجعله حظيرة لغنمه ثم يستبيح المرعى فيحصل مقصودهما.
قوله: (كمقيل ومراح) المقيل: مكان القيلولة، وهي النوم نصف النهار.
والمراح بالضم: حيث تأوي الماشية بالليل وبالفتح اسم الموضع.
مطلب في بيع دودة القرمز قوله: (أي الابريسم) في المصباح: القز معرب.
قال الليث: هو ما يعمل منه الابريسم، ولهذا قال بعضهم: القز والابريسم مثل الحنطة والدقيق ا ه.
وأما الخز فاسم دابة، ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها.
بحر.
قوله: (أي بزره) أي البزر الذي يكون منه الدود قهستاني.
وهو بالزاي.
قال في المصباح: بذرت الحب بذرا: أي بالذال المعجمة من باب قتل: إذا ألقيته في الارض للزراعة.
والبذر: المبذور.
قال بعضهم: البذر في الحبوب كالحنطة والشعير: والبزر: أي بالزاي في الرياحين
والبقول، وهذا هو المشهور في الاستعمال.
ونقل عن الخليل كل حب يبذر فهو بذر وبزر، ثم قال في اجتماع الباء مع الزاي: البزر من البقل ونحوه بالكسر والفتح لغة، وقولهم لبيض الدود: بزر القز مجاز على التشبيه ببزر البقل لصغره.
قوله: (وهو بزر الفيلق) هو المسمى الآن بالشرانق.
قوله: (المحرز) قال في البحر: وهو معنى ما في الذخيرة إذا كان مجموعا، لانه حيوان منتفع به حقيقة وشرعا فيجوز بيعه وإن كان لا يؤكل كالبغل والحمار.
قوله: (وهذا) أي ما ذكره المصنف من جواز بيع الثلاث: وأما اقتصار صاحب الكنز على جواز الاولين دون النخل فلعل وجهه كما أفاده الخير الرملي أن إحرازه متعسر فترجح عنده قولهما.
ولذا قال بعضهم: يجوز بيعه ليلا لا نهارا لتفرقه حال النهار في المراعي.
وأما اعتذار البحر عنه بأنه لعله لم يطلع على أن الفتوى على قول محمد فهو بعيد.
قوله: (بيع العلق) في المصباح: العلق شئ أسود شبيه الدود يكون في الماء يعلق بأفواه الابل عند(5/186)
الشرب.
قوله: (وبه يفتى للحاجة) في البحر عن الذخيرة: إذا اشترى العلق الذي يقال له بالفارسية مرعل يجوز، وبه أخذ الصدر الشهيد لحاجة الناس إليه لتمول الناس له ا ه.
أقول: العلق في زماننا يحتاج إليه للتداوي بمصه الدم، وحيث كان متمولا لمجرد ذلك دل على جواز بيع دودة القرمز، فإن تمولها الآن أعظم إذ هي من أعز الاموال، ويباع منها في كل سنة قناطير بثمن عظيم، ولعلها هي المرادة بالعلق في عبارة الذخيرة بقرينة التعليل، فتكون مستثناة من بيع الميتة كما قدمناه، ويؤيده أن الاحتياج إليه للتداوي لا يقتضي جواز بيعه كما في لبن المرأة، وكالاحتياج إلى الخرز بشعر الخنزير فإنه لا يسوغ بيعه كما يأتي، فعلم أن المراد به علق خاص متمول عند الناس، وذلك متحقق في دود القرمز، وهو أولى من دود القز وبيضه فإنه ينتفع به في الحال دود القز في المآل، والله سبحانه أعلم.
قوله: (من الهوام) جمع هامة مثل دابة ودواب: وهي ماله: سم يقتل كالحية.
قاله الازهري.
وقد يطلق على ما يؤذي ولا يقتل كالحشرات مصباح، والمراد هنا ما يشمل المؤذي وغيره مما لا ينتفع به بقرينة ما بعده.
قوله: (فلا يجوز) بيعها باطل، ذكره قاضيخان ط.
قوله: (كحيات) في الحاوي الزاهدي: يجوز بيع الحيات إذا كان ينتفع منها للادوية، وما جاز الانتفاع بجلده
أو عظمه: أي من حيوانات البحر أو غيرها.
قال في الحاوي: ولا يجوز بيع الهوام كالحية والفأرة والوزغة والضب والسلحفاة والقنفذ وكل ما لا ينتفع به ولا بجلده وبيع غير السمك من دواب البحر، إن كان له ثمن كالسقنقور وجلود الخز ونحوها يجوز، وإلا فلا كالضفدع والسرطان وذكر قبله.
ويبطل بيع الاسد والذئب وسائر الهوام والحشرات، ولا يضمن متلفها.
ويجوز بيع البازي والشاهين والصقر وأمثالها والهرة ويضمن متلفها، لا بيع الحدأة والرخمة وأمثالهما ويجوز بيع ريشها ا ه.
لكن في الخانية: بيع الكلب المعلم عندنا جائز، وكذا السنور وسباع الوحش والطير جائز معلما أو غير معلم، وبيع الفيل حائز.
وفي القرد روايتان عن أبي حنيفة ا ه.
ونقل السائحاني عن الهندية ويجوز بيع سائر الحيوانات سوى الخنزير وهو المختار ا ه.
وعليه مشى في الهداية وغيرها من باب المتفرقات كما سيأتي.
قوله: (والحاصل الخ) ويرد عليه شعر الخنزير فإنه يحل الانتفاع به، ولا يجوز بيعه كما يأتي.
وقد يجاب بأن حل الانتفاع به للضرورة، والكلام عند عدمها.
قوله: (واعتمده المصنف) حيث قال: وهو ظاهر، فليكن المعول عليه.
قوله: (وهو بينهما أنصافا) الضمير عائد إلى القز الخارج من البيض.
والظاهر أن اشتراط كونه بينهما أنصافا إذا كان البيض منهما كذلك، فلو كان ثلثه من واحد والثلثان من آخر يكون القز بينهما أثلاثا اعتبارا بأصل الملك، كما لو زرعا أرضا ببذر منهما فالخارج على قدر البذر وإن شرطا خلافه.
قوله: (بالعلف مناصفة) متعلق بدفع: أي ذفع له(5/187)
ذلك ليكون الخارج من البزر والبقرة والدجاج بينهما مناصفة بشرط أن يعلف ذلك من ورق التوت ونحوه.
قوله: (فالخارج كله للمالك) أي الخارج: وهو القز واللبن والسمن والبيض كله للمالك، فإن استهلكه العامل ضمنه.
قوله: (وعليه قيمة العلف) أي إن كان مملوكا.
قوله: (وأجر مثل العامل) الظاهر أن له الاجر بالغا ما بلغ لجهالة التسمية، وانظر ما كتبناه في إجارات تنقيح الحامدية.
قوله: (ومثله دفع البيض) قال في النهر: والمتعارف في أرياف مصر دفع البيض ليكون الخارج منه بالنصف مثلا، وهو على وزان دفع القز بالنصف، فالخارج كله لصاحب البيض وللعامل أجر مثله ا ه.
قلت: ويتعارف الآن دفع المهر أو العجل أو الجحش ليربيه بنصفه فيبقى على ملك الدافع وللعامل
أجر مثله وقيمة علفه.
والحيلة فيه أن يبيعه نصف المهر بثمن يسير فيصير مشتركا بينهما.
ويتعارف أيضا ما سيذكره المصنف في كتاب المساقاة، وهو دفع الارض مدة معلومة ليغرسها وتكون الارض والشجر بينهما فإنه لا يصح، والثمر والغرس لرب الارض تبعا لارضه، وللآخر قيمة غرسه يوم غرسه وأجر مثل عمله ا ه.
قوله: (والآبق) أي المطلق، وهو الذي أبق من يد مالكه ولم يزعم المشتري أنه عنده، فهذا بيعه فاسد أو باطل، على الخلاف الذي حكاه المصنف بعد، أما لو أبق من يد غاصبه وباعه المالك منه أو من يد مالكه وباعه ممن يزعم أنه عنده فبيعه صحيح كما يأتي.
وأما لو باعه ممن يزعم أنه عند غيره.
ففي النهر أن بيعه فاسد اتفاقا، وعلله في الفتح بأن تسليمه فعل غيره وهو لا يقدر على فعل غيره فلا يجوز، وفي النهر أيضا: خرج بالآبق المرسل في حاجة المولى فإنه يجوز بيعه لانه مقدور التسليم وقت العقد حكما، إذ الظاهر عوده.
قوله: (ولو وهبه لهما صح) والفرق أن شرط البيع القدرة على التسليم عقب البيع وهو منتف، وما بقي له من اليد يصلح لقبض الهبة لا لقبض البيع، لانه قبض بإزاء مال مقبوض من مال الابن وهذا قبض ليس بإزائه مال من الولد فكفت تلك اليد له نظرا للصغير، لانه لو عاد إلى ملك الصغير، هكذا في الفتح والتبيين، بحر.
وفي عن الذخيرة تقييد صحة الهبة بما دام العبد في دار الاسلام.
قوله: (وما في الاشباه تحريف نهر) اعترض من وجهين: الاول: أن ما في الاشباه موافق لما هنا، وهذا نصه: بيع الآبق لا يجوز إلا لمن يزعم أنه عنده ولو لولده الصغير كما في الخانية.
الثاني: أنه في النهر لم يتعرض للاشباه، بل حكم بالتحريف على ما في بعض نسخ الخانية المنقول في البحر وهو جواز بيع الآبق لطفله لا هبته له، والمعول عليه النسخة الاخرى.
قلت: الذي رأيته في الاشباه ولولد بدون لو وعليها كتب الحموي، واعترضها بما مر عن الفتح والتبيين، ولما كان ما في الاشباه معزيا إلى الخانية ورد عليها ما ورد على الخانية فساغ ذكرها بدل(5/188)
الخانية، لانها أكثر تداولا في أيدي الطلبة من الخانية، فافهم.
ثم اعلم أن في عبارة البحر هنا تناقضا، فإنه ذكر نسخة الخانية المحرفة وقال: إنه عكس ما
ذكره الشارحون.
ثم قال: إن الحق ما ذكره قاضيخان، لما في المعراج: لو باعه لطفله لا يجوز، ولو وهبه له جاز الخ.
والصواب أن يقول: والحق خلاف ما ذكره قاضيخان، فتنبه.
قوله: (إلا ممن يزعم أنه عنده) مفاده أن النظر لزعم المشتري أن الآبق عنده لانه يزعم أن التسليم حاصل فانتفى المانع وهو عدم قدرة البائع على التسليم عقب البيع.
قوله: (عنده) شامل لما إذا كان في منزله، أو كان يقدر على أخذه ممن هو عنده، فإن كان لا يقدر على الاخذ إلا بخصومة عند الحاكم لم يجز بيعه كما في السراج.
نهر، وهذا مخالف لما قدمناه عن النهر من أنه لو باعه ممن يزعم أنه عند غيره فهو فاسد اتفاقا.
وأجاب ط بحمل ما تقدم على ما إذا لم يقدر على أخذه إلا بخصومة ا ه.
قلت: راجعت عبارة السراج فلم أر فيها قوله: ممن هو عنده ومثله في الجوهرة، وحينئذ فقوله: أو كان يقدر على أخذه: أي في حال إباقه قبل أن يأخذه أحد، أما إذا أخذه أحد فلا يجوز لما علمته من تعليل الفتح السابق، وقد صور المسألة في الفتح بما إذا كان ذلك الآخذ له معترفا بأخذه، فافهم: قوله: (وهل يصير قابضا الخ) أي لو اشتراه من زعم أنه عنده هل يصير قابضا في الحال، حتى لو رجع فوجده هلك بعد وقت البيع يتم القبض والبيع أم لا.
قوله: (إن قبضه) أي قبض الآبق حين وجده لنفسه لا ليرده على سيده، وهذا يغني عنه قوله: أو قبضه ولم يشهد أي على أنه قبضه لسيده.
قوله: (نعم) أي يصير قابضا، لان قبضه هذا قبض غصب وهو قبض ضمان كقبض البيع كما في الفتح.
قوله: (وأن أشهد لا الخ) أي لا يصير قابضا، لان قبضه هذا قبض أمانة، حتى لو هلك قبل أن يصل إلى سيده لا يضمنه.
فتح.
قوله: (فلا ينوب عن قبض الضمان) أي عن قبض البيع فإنه مضمون بالثمن.
قال في الفتح: فإن هلك قبل أن يرجع إليه انفسخ البيع ورجع بالثمن ا ه.
وأشار بهذا إلى ما في البحر عن الذخيرة: إذا اشترى ما هو أمانة في يده من وديعة أو عارية لا يكون قابضا، إلا إذا ذهب إلى العين إلى مكان يتمكن من قبضها فيصير الآن قابضا بالتخلية، فإذا هلك بعده هلك من ماله، وليس للبائع حبس العين بالثمن لانه صار راضيا بقبض المشتري دلالة ا ه ملخصا.
قوله: (وإلا إذا أبق الخ) عطف على قوله: إلا ممن يزعم أن عنده.
قوله: ذخيرة قال فيها: والاصل أن الاباق إنما يمنع جواز البيع إذا كان التسليم محتاجا إليه بأن أبق من يد المالك ثم باعه المالك، فأما إذا لم يكن محتاجا إليه
كما في مسألتنا يجوز البيع ا ه.
قوله: (يتم البيع) هو رواية عن أبي حنيفة ومحمد لقيام الملك والمالية في الآبق ولذا صح عتقه، وبه أخذ الكرخي وجماعة من المشايخ حتى أجبر البائع على تسليمه، لان صحة(5/189)
البيع كانت موقوفة على القدرة على التسليم وقد وجدت قبل الفسخ، بخلاف ما إذا رجع بعد أن فسخ القاضي البيع أو تخاصما فلا يعود صحيحا اتفاقا.
فتح.
قوله: (على القول بفساده) قال في الفتح: والحق أن الاختلاف فيه بناء على الاختلاف في أنه باطل أو فاسد وأنك علمت أن ارتفاع المفسد في الفاسد يرده صحيحا، لان البيع قائم مع الفساد، ومع البطلان لم يكن قائما بصفة البطلان بل معدوما فوجه البطلان عدم قدرة التسليم، ووجه الفساد قيام المالية والملك.
قوله: (ورجحه الكمال) حيث قال: والوجه عندي أن عدم القدرة على التسليم مفسد لا مبطل، وأطال في تحقيقه.
قوله: (وهو الاظهر من الرواية) قال في البحر: وأولوا تلك الرواية بأن المراد منها انعقاد البيع بالتعاطي الآن اه.
قلت: وهذا ينافي ما تقدم أول البيوع من أن البيع لا ينعقد بعد بيع باطل أو فاسد إلا بعد متاركة الاول.
قوله: (وبه كان يفتي البلخي) الذي في الفتح وهو مختار مشايخ بلخ: والثلجي، وبالثاء والجيم ط.
قلت: والاول هو أبو مطيع البلخي من أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة 179، والثاني هو محمد بن شجاع الثلجي من أصحاب الحسن بن زياد، توفي وهو ساجد سنة 632.
قوله: (ولو في وعاء) أتى بلو إشارة إلى أنه غير قيد، وما في البحر من أن الاولى تقييده بذلك لان حكم اللبن في الضرع تقدم دفعه في النهر بأن الضرع خاص بذوات الاربع كالثدي للمرأة، فالاولى عدم التقيد ليعم ما قبل الانفصال وما بعده.
قوله: (على الاظهر) أي ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف: جواز بيع لبن الامة، لجواز إيراد البيع على نفسها، فكذا على جزئها.
قلنا: الرق حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه لانه يختص بمحل تتحقق فيه القوة هي ضده وهو الحي، ولا حياة في اللبن فلا يكون محلا للعتق ولا للرق فكذا البيع، وأشار إلى أنه لا يضمن متلفه لكونه ليس بمال، وإلى أنه لا يحل التداوي به في العين الرمداء.
وفيه قولان: قيل بالمنع، وقيل: بالجواز إذا علم فيه الشفاء كما في الفتح هنا.
مطلب في التداوي بلبن البنت للرمد قولان وقال في موضع آخر: إن أهل الطب يثبتون نفعا للبن البنت للعين، وهي من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر، واختار في النهاية والخانية الجواز إذا علم فيه الشفاء ولم يجد دواء غيره.
بحر.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمامه في متفرقات البيوع، وكذا في الحظر والاباحة.
قوله: (لنجاسة عينه) أي عين الخنزير: أي بجميع أجزائه.
وأورد في الفتح.
على هذا التعليل بين السرقين(5/190)
فإنه جائز للانتفاع به مع أنه نجس العين ا ه.
قال في النهر: بل الصحيح عن الامام أن الانتفاع بالعذرة الخالصة جائز كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكراهية ا ه: أي مع أنه لا يجوز بيعها خالصة كما مر.
قوله: (فيبطل بيعه) نقله في الشرنبلالية أيضا عن البرهان، وفيه تورك على المصنف حيث عده في الفاسد، لكن قد يقال: إنه مال في الجملة حتى قال محمد بطهارته لضرورة الخرز به للنعال والاخفاف.
تأمل.
قوله: (لضرورة الخرز) فإن في مبدأ شعره صلابة قدر أصبع وبعده لين يصلح لوصل الخيط به.
قهستاني ط.
قوله: (وكره البيع) لانه لا حاجة إليه للبائع.
زيلعي.
وظاهره أن البيع صحيح.
وفيه أن جواز إقدام المشتري على الشراء للضرورة لا يفيد صحة البيع، كما لو اضطر إلى دفع الرشوة لاحياء حقه جاز له الدفع وحرم على القابض، وكذا لو اضطر إلى شراء ماله من غاصب متغلب لا يفيد ذلك صحة البيع حتى لا يملك البائع الثمن.
فتأمل.
قوله: فلا يطيب ثمنه مقتضى ما بحثناه أنه لا يملكه.
قوله: (على الصحيح) أي عند أبي يوسف، لان حكم الضرورة لا يتعداها وهي في الخرز فتكون بالنسبة إليه فقط كذلك، وما ذكر في بعض المواضع من جواز صلاة الخرازين مع شعر الخنزير وإن كان أكثر من قدر الدرهم ينبغي أن يخرج على القول بطهارته في حقهم.
أما على قول أبي يوسف فلا وهو الوجه، فإن الضرورة لم تدعهم إلى أن يعلق بهم بحيث لا يقدرون على الامتناع منه ويجتمع في ثيابهم هذا المقدار.
فتح.
قوله: (خلافا لمحمد) راجع إلى قوله: ويفسد الماء أي فإنه لا يفسد عنده.
قال الزيلعي: لان إطلاق الانتفاع به دليل طهارته ا ه.
وهذا يفيد تقييد حل الانتفاع به بالضرورة ويفيد جواز بيعه، ولذا قال في النهر: وينبغي أن يطيب للبائع الثمن على
قول محمد.
قوله: (قيل هذا) أي الخلاف المذكور في نجاسته وطهارته، وأشار بقيل إلى ضعفه، إذ المنتوف يفسد الماء ولو من غير الخنزير لاتصال اللحم النجس بمحل النتف منه، ولو قيل: إن الخلاف في المجزوز، أما المنتوف فغير طاهر لكان له وجه.
قوله: (وعن أبي يوسف الخ) مقابل قول المتن: وجاز الانتفاع به قال الزيلعي: والاول هو الظاهر، لان الضرورة تبيح لحمه، فالشعر أولى ا ه.
قوله: (لانه نجس) فيه أن النجاسة لا تنافي حل الانتفاع عند الضرورة كما علمت، لكن علل الزيلعي للكراهة بأن الخرز يتأتى بغيره، ومثله في الفتح، وحيث تأتي بغيره فلا ضرورة فلا يحل الانتفاع بالنجس.
قال في الفتح: إلا أن يقال ذلك فرد تحمل مشقة في خاصة نفسه فلا يجوز أن يلزم العموم حرجا مثله اه.(5/191)
وحاصله أن تأتي الخرز بغيره من شخص حمل نفسه مشقة في ذلك لا تزول به ضرورة الاحتياج إليه من عامة الناس.
قوله: (ولعل هذا) أي حل الانتفاع به لضرورة الخرز.
قوله: (أما في زماننا فلا حاجة إليه) للاستغناء عنه بالمخارز والابر.
قال في البحر: ظاهر كلامهم منع الانتفاع به عند عدم الضرورة بأن أمكن الخرز بغيره ط.
قوله: (وجلد ميتة) قيد بها، لانها لو كانت مذبوحة فباع لحمها أو جلدها جاز لانه يطهر بالذكاة إلا الخنزير.
خانية.
قوله: (ولو بالعرض الخ) أي أن بيعه فاسد لو بيع بالعرض.
وذكر في شرح المجمع قولين في فساد البيع وبطلانه.
قلت: وما ذكره الشارح من التفصيل يصلح توفيقا بين القولين، لكنه يتوقف على ثبوت كونه مالا في الجملة كالخمر والميتة لا بحتف أنفها، مع أن الزيلعي علل عدم جواز بيعه بأن نجاسته من الرطوبة المتصلة به بأصل الخلقة فصار حكم الميتة.
زاد في الفتح: فيكون نجس العين، بخلاف الثوب أو الدهن، المتنجس حيث جاز بيعه لعروض نجاسته، وهذا يفيد بطلان بيعه مطلقا، ولذا ذكر في الشرنبلالية عن البرهان أن الاظهر البطلان.
تأمل.
قوله: (اعتمادا على ما سبق) أي في قول المصنف تبعا للدرر وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير وميتة تمت حتف أنفها بالثمن.
قوله: (إلا جلد إنسان الخ) فلا يباع وإن دبغ لكرامته وفي الباقي لاهانته ولعدم عمل الدباغة فيه كما مر في محله.
قوله: (وينتفع به) أي بالجلد بعد دبغه.
قوله: (ولو جلد مأكول على الصحيح) وقال بعضهم: يجوز أكله لانه طاهر كجلد الشاة المذكاة، أما جلد غير المأكول كالحمار لا يجوز أكله إجماعا، لان الدبغ فيه ليس بأقوى من الذكاة، وذكاته لا تبيحه فكذا دبغه.
أفاده المصنف ط.
قوله: (ونجيز بيع الدهن المتنجس) عبارة المجمع النجس لكن مراده المتنجس: أي ما عرضت له النجاسة، وأشار بالفعل المضارع المسند لضمير الجماعة إلى خلاف الشافعي كما هو اصطلاحه.
قوله: (في غير الاكل) كالاستصباح والدباغة وغيرهما.
ابن مالك.
وقيدوا الاستصباح بغير المسجد.
قوله: (بخلاف الودك) أي دهن الميتة لانه جزؤها فلا يكون مالا.
ابن ملك: أي فلا يجوز بيعه اتفاقا، وكذا الانتفاع به لحديث البخاري: إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام، قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس قال: لا، هو حرام الحديث.
قوله: (كعصبها وصوفها) أدخلت الكاف عظمها وشعرها وريشها ومنقارها وظلفها ومنقارها وحافرها، فإن هذه الاشياء طاهرة لا تحلها الحياة فلا يحلها الموت، ويجوز بيع عظم الفيل والانتفاع به(5/192)
في الحمل والركو ب والمقاتلة.
منح ملخصا ط.
قوله: (وفسد شراء ما باع الخ) أي لو باع شيئا وقبضه المشتري ولم يقبض البائع الثمن فاشتراه بأقل من الثمن الاول لا يجوز.
زيلعي: أي سواء كان الثمن الاول حالا أو مؤجلا.
هداية.
وقيد بقوله: وقبضه لان بيع المنقول قبل قبضه لا يجوز ولو من بائعه كما سيأتي في بابه، والمقصود بيان الفساد بالشراء بالاقل من الثمن الاول.
قال في البحر: وشمل شراء الكل أو البعض.
قوله: (بنفسه أو بوكيله) تنازع فيه كل من شراء وباع.
قال في البحر: وأطلق فيما باع فشمل ما باعه بنفسه أو وكيله وما باعه شيئا أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة، كما شمل الشراء لنفسه أو لغيره إذا كان هو البائع اه.
فأفاد أنه لو باع شيئا أصالة بنفسه أو وكيله أو وكالة عن غيره ليس له شراؤه بالاقل لا لنفسه ولا لغيره، لان بيع وكيله بإذنه كبيعه بنفسه.
والوكيل بالبيع أصيل في حق الحقوق، فلا يصح شراؤه لنفسه، لانه شراء البائع من وجه، ولا لغيره لان الشراء واقع له من حيث الحقوق، فكان هذا شراء ما باع لنفسه من وجه، كذا يفاد من الزيلعي أيضا.
قوله: (من الذي اشتراه) متعلق بشراء،
وخرج به ما لو باعه المشتري لرجل أو وهبه له أو أوصى له به ثم اشتراه البائع الاول من ذلك الرجل فإنه يجوز، لان اختلاف سبب الملك كاختلاف العين.
زيلعي.
ولو خرج عن ملك المشتري ثم عاد إليه بحكم ملك جديد كإقالة أو شراء أو وهبة أو إرث فشراء البائع منه بالاقل جائز، لا إن عاد إليه بما هو فسخ بخيار رؤية أو شرط قبل القبض أو بعده.
بحر عن السراج.
قوله: (ولو حكما) تعميم لقوله: من الذي اشتراه.
قوله: (كوارثه) أي وارث المشتري: أي فلو اشترى من وارث مشتريه بأقل مما اشترى به الموروث لم يجز لقيام الوارث مقام المورث، بخلاف ما إذا اشترى وارث البائع بأقل مما باع به مورثه فإنه يجوز إن كان ممن تجوز شهادته له: والفرق أن وارث البائع إنما يقوم مقامه فيما يورث، وهذا مما لا يورث، ووارث المشتري قام مقامه في ملك العين.
أفاده في البحر.
قوله: (بالاقل من قدر الثمن) الاول وكالقدر الوصف، كما لو باع بألف إلى سنة فاشتراه به إلى سنتين.
بحر قوله: (قبل نقد كل الثمن الاول) قيد به لان بعده لا فساد، ولا يجوز قبل النقد وإن بقي درهم.
وفي القنية: لو قبض نصف الثمن ثم اشترى النصف بأقل من نصف الثمن لم يجز.
بحر.
قلت: وبه يظهر أن إدخال الشارح لفظة كل لا محل له، لانه يفهم أن قبل نقد البعض لا يفسد، وهو خلاف الواقع.
والحاصل أن نقد كل الثمن شرط لصحة الشراء لا لفساده، لانه يفسد قبل نقد الكل أو البعض، فتأمل.
قوله: (وإن رخص السعر) لان تغير السعر غير معتبر في حق الاحكام مما في حق الغاصب وغيره فعاد إليه المبيع كما خرج عن ملكه فيظهر الربح.
زيلعي.
قوله: (للربا) علة لقوله: لم يجز أي لان الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه، فإذا عاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج عن ملكه وصار بعض الثمن قصاصا ببعض بقي له عليه فضل بلا عوض، فكان ذلك ربح ما لم يضمن وهو حرام بالنص.
زيلعي.
قوله: (كابنه وأبيه) وكعبده ومكاتبه، لان شراء هؤلاء كشراء البائع بنفسه لاتصال منافع المال بينهم، وهو نظير الوكيل في البيع إذا عقد مع هؤلاء.
زيلعي: أي نظير ما لو باع(5/193)
الوكيل من ابنه نحوه.
ثم لا يخفى أن المراد شراء هؤلاء بالاقل لانفسهم، أما لو اشتروا بالوكالة عن
البائع لا يجوز ولو كانوا أجانب عنه كما مر في قول المصنف أو بوكيله.
قوله: (في غير عبده ومكاتبه) فشراؤهما متفق على عدم جوازه.
قال الزيلعي: لان كسب العبد لسيده، وله في كسب مكاتبه حق الملك فكان تصرفه كتصرفه.
قوله: (جاز مطلقا) أي سواء كان الثمن الثاني أقل من الاول أو لا، لان الربح لا يظهر عند اختلاف الجنس ا ه منح.
ولان المبيع لو انتقص يكون النقصان من الثمن في مقابلة ما نقص من العين سواء كان النقصان من الثمن بقدر ما نقص منها أو بأكثر منه.
بحر عن الفتح.
قوله: (كما لو شراه الخ) تشبيه في الجواز مع قطع النظر عن قوله مطلقا.
قوله: (بأزيد أو بعد النقد) ومثل الازيد المساوي كما في الزيلعي، وهذا قول المصنف بالاقل قبل نقد الثمن.
مطلب: الدراهم والدنانير جنس واحد في مسائل قوله: (والدراهم والدنانير جنس واحد) حتى لو كان العقد الاول بالدراهم فاشتراه بالدنانير وقيمتها أقل من الثمن الاول لم يجز استحسانا، لانهما جنسان صورة وجنس واحد معنى، لان المقصود بهما واحد وهو الثمينة، فبالنظر إلى الاول يصح، وبالنظر إلى الثاني لا يصح، فغلبنا المحرم على المبيح.
زيلعي ملخصا.
قوله: (في ثمان مسائل) الذي في المنح عن العمادية أن المسائل سبع غير الاربعة المزيدة ا ه ح.
وزاد الشارح مسألة المضاربة ابتداء.
قوله: (منها هنا) من اسم بمعنى بعض مبتدأ مضاف إلى الضمير وهنا اسم مكان مجازي مبني على السكون لتضمنه معنى الاشارة في محل نصب بمحذوف خبر المبتدأ، لا يصح جعل منها خبرا عن هنا لانه لتضمنه معنى غير مستقل لا يصح الابتداء به، ولو قال منها ما هنا لكان أولى ا ه ح.
قلت: ما ذكره من عدم صحة الابتداء بهنا صحيح، لكن علته أنه من الظروف التي لا تتصرف كما في المغني لا ما ذكره، وإلا لزم لا يصح الابتداء بأسماء الاشارة كلها، فافهم.
قوله: (وفي قضاء دين) صورته: عليه دين دراهم وقد امتنع من القضاء فوقع من ماله في يد القاضي دنانير كان له أن يصرفها بالدراهم حتى يقضي غريمه، ولا يفعل ذلك في غير الدنانير عند الامام، وعندهما غير الدنانير كذلك ط.
قوله: (وشفعة) صورته: أخبر الشفيع أن المشتري اشترى الدار بألف درهم فسلم الشفيع الشفعة ثم تبين أنه قد اشتراها بدنانير قيمتها ألف درهم أو أكثر ليس له طلبها وسقطت
بالتسليم الاول ط.
قوله: (وإكراه) كما لو أكره على بيع عبده بألف درهم فباعه بخمسين دينارا قيمتها ألف درهم كان البيع على حكم الاكراه، لا لو باعه بكيلي أو وزني أو عرض والقيمة كذلك.
قوله: (ومضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء) لم يذكر ذلك التقسيم في العمادية، وإنما ذكر صورتين في المضاربة.
إحداهما: ما إذا كانت المضاربة دراهم فمات رب المال أو عزل المضارب عن المضاربة وفي يده دنانير لم يكن للمضارب أن يشتري بها شيئا، ولكن يصرف الدنانير بالدراهم، ولو كان ما في يده عروض أو مكيل، أو موزون له أن يحوله إلى رأس المال، ولو باع المتاع بالدنانير لم يكن له أن يشتري بها إلا الدراهم.(5/194)
ثانيهما: لو كانت المضاربة دراهم في يد المضارب فاشترى متاعا بكيلي أو وزني لزمه، ولو اشترى بالدنانير فهو على المضاربة استحسانا عندهما ا ه ملخصا.
فالصورة الاولى تصلح مثالا للانتهاء، والثانية للبقاء، لكن لم يظهر لي كون الاولى مما نحن فيه، إذا لو كانت الدراهم والدنانير فيها جنسا واحدا ما كان يلزمه أن يصرف الدنانير بالدراهم.
تأمل.
ثم رأيت الشارح في باب المضاربة جعلهما جنسين في هذه المسألة وهذا عين ما فهمته، ولله تعالى الحمد.
أما مسألة المضاربة ابتداء فقد زادها الشارح.
وقال ط: صورته: عقد معه المضاربة على ألف دينار وبين الربح فدفع له دراهم قيمتها من الذهب تلك الدنانير صحت المضاربة والربح على ما شرطا أو لا، كذا ظهر لي.
قوله: (وامتناع مرابحة) صورته: اشترى ثوبا بعشرة دراهم وباعه مرابحة باثني عشر درهما ثم اشتراه أيضا بدنانير لا يبيعه مرابحة لانه يحتاج إلى أن يحط من الدنانير ربحه، وهو درهمان في قول الامام، ولا يدرك ذلك إلا بالحزر والظن، ولو اشتراه بغير ذلك من الكيلي أو الوزني أو العروض باعه مرابحة على الثمن الثاني ا ه.
قوله: ولا يدرك الخ أي لانه يحتاج إلى تقويم الدنانير بالدراهم وهو مجرد ظن، ومبنى المرابحة كالتولية والوضيعة على اليقين بما قام عليه لتنتفي شبهة ا ه ح.
قوله: (ويزاد زكاة) فإنه يضم أحد الجنسين إلى الآخر ويكمل به النصاب ويخرج زكاة أحد الجنسين من الآخر ط.
قوله: (وشركات) أي إذا كان مال أحدهما دراهم ومال الآخر دنانير فإنها تنعقد شركة العنان بينهما ط.
قوله: (وقيم
المتلفات) يعني أن المقوم: إن شاء قوم بدراهم، وإن شاء قوم بدنانير، ولا يتعين أحد الجنسين ط.
قوله: (وأروش جنايات) كالموضحة يجب فيها نصف عشر الدية، وفي الهاشمة العشر، وفي المنقلة عشر ونصف عشر، وفي الجائفة ثلث الدية.
والدية إما ألف دينار وعشرة آلاف درهم من الورق، فيجوز التقدير في هذه الاشياء من أي الجنسين ط.
قوله: (وفي الخلاصة) الخ لا محل لهذه الجملة هنا، وستأتي بعينها في محلها، وهو فصل التصرف في المبيع والثمن عقب باب المرابحة ح.
قوله: (كل عوض الخ) كالمنقول إذا اشتراه لا يجوز له التصرف فيه قبل قبضه بالبيع، بخلاف ما إذا أعتقه أو دبره أو وهبه أو تصدق به أو أقرضه من غير بائعه فإنه يصح على ما سيأتي.
وقوله: (ينفسخ) أي العقد بهلاكه: أي هلاك العوض، والجملة صفة عقد.
قال ط: أخرج به الثمن فإنه يجوز التصرف فيه بهبة أو بيع أو غيرهما قبل قبضه، سواء تعين بالتعيين كمكيل أو لا كنقود، لان العقد لا ينفسخ بهلاكه، لان الاصل وهو المبيع موجود.
ويأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في محله.
قوله: (وصح البيع فيما ضم إليه) أي إلى شراء ما باعه بأقل قبل نقد الثمن، منح.
قوله: (ثم اشتراه مع شئ آخر بعشرة) وكذا لو اشتراهما بخمسة عشر كما في النهر والفتح.
ويظهر منه أنه لو اشتراهما بخمسة مثلا: أي بأقل من(5/195)
الثمن الاول فهو كذلك بالاولى، فافهم.
قوله: (لانه طارئ) لانه يظهر بانقسام الثمن أو المقاصة فلا يسري.
زيلعي.
قوله: (ولمكان الاجتهاد) أي فكان الفساد فيما بيع أو لا ضعيفا لاختلاف العلماء فيه فلا يسري، كما إذا اشترى عبدين فإذا أحدهما مدبر لا يفسد في الآخر لذلك، بخلاف الجمع بين حر وعبد، وتمامه في الفتح.
لانه إنما منع في الاول باعتبار شبهة الربا، فلو اعتبرت في المضموم لكان اعتبار الشبهة الشبهة وهي غير معتبرة.
درر.
قوله: (لان مقتضي العقد الخ) أي وهذا الشرط ليس مقتضي العقد فيفسد به، لان فيه نفعا لاحد العاقدين، لانه قد يكون أكثر مما شرط أو أقل، قال ط: والحيلة في جوازه أن لا يعقد العقد إلا بعد وزنه تحريا للصحة، فيقول بعد الوزن: بعتك ما في هذا الظرف بكذا ويقول الآخر قبلت فيكون هذا من بيع الجزاف وهو صحيح.
حموي عن شرح ابن الشلبي.
قوله: (فإنه يجوز) فلو باع المشتري السلعة قبل أن يزن الظرف: عن أبي حنيفة: لا يجوز بيع
المشتري.
وقال أبو يوسف: يجوز.
خانية.
قوله: (كما لو عرف قدر وزنه) ببناء عرف للمجهول أي لو عرفاه وشرطا طرح قدره فإنه مقتضى العقد فيجوز.
قوله: (وقدره) الواو بمعنى أو ط.
قوله: (لانه قابض أو منكر) لف ونشر مرتب، قال في البحر: لانه إن اعتبر اختلافا في تعيين الزق المقبوض فالقول للقابض ضمينا كان أو أمينا، وإن اعتبر اختلافا في الزيت فهو في الحقيقة اختلاف في الثمن، فيكون القول للمشتري لانه ينكر الزيادة.
وإذا برهن البائع قبلت بينته.
وأورد عليه مسألتان: إحداهما: لو باع عبدين ومات أحدهما عند المشتري وجاء بالآخر يرده بعيب واختلفا في قيمة الميت فالقول للبائع.
والثانية: أن الاختلاف في الثمن يوجب التحالف.
وأجيب عن الاول بأن القول فيه للبائع لانكاره الزيادة أيضا، وعن الثاني بأن التحالف عن خلاف القياس عند الاختلاف في الثمن قصدا، وهنا الاختلاف فيه تبع لاختلافهما في الزق المقبوض أهو هذا أو لا، فلا يوجب التحالف، كذا في الفتح، والزق: بالكسر الظرف.(5/196)
مطلب في بيع الطريق قوله: (وصح بيع الطريق) ذكر في الهداية أنه يحتمل بيع رقبة الطريق وبيع حق المرور، وفي الثاني روايتان ا ه.
ولما ذكر المصنف الثاني فيما يأتي علم أن مراده هنا الاول.
ثم في الدرر عن التتارخانية: الطرق ثلاثة: طريق إلى الطريق الاعظم.
وطريق إلى سكة غير نافذة، وطريق خاص في ملك إنسان، فالاخير لا يدخل في البيع بلا ذكره أو ذكر الحقوق أو المرافق، والاولان يدخلان بلا ذكر ا ه ملخصا.
وحاصله: لو باع دارا مثلا دخل فيهما الاولان تبعا بلا ذكر، بخلاف الثالث: والظاهر أن المراد هنا هو الثالث، وقد علمت أيضا أن المراد بيع رقبة الطريق لا حق المرور، لان الثاني يأتي في كلام المصنف، فإذا كانت داره داخل دار رجل وكان له طريق في دار ذلك الرجل إلى داره، فإما أن يكون
له فيها حق المرور فقط، وإما أن يكون له رقبة الطريق، فإذا باع رقبة الطريق صح، فإن حد فظاهر، وإلا فله بقدر عرض باب الدار العظمى كما يأتي.
والفرق بين هذا الطريق والطريق الثاني وهو ما يكون في سكة غير نافذة إن هذا ملك للبائع وحده ولذا سمي خاصا، بخلاف الثاني فإنه مشترك بين جميع أهل السكة، وفيه أيضا حق للعامة كما يأتي بيانه قريبا، وقد اشتبه ذلك على الشرنبلالي فراجعه يظهر لك ما فيه بعد فهمك ما قررناه، والحمد لله.
قوله: (وفي الشرنبلالية عن الخانية لا يصح) نقل في الشرنبلالية عن الخانية الصحة عن مشايخ بلخ فما هنا بناء عليه ا ه ح.
قلت: عبارة الشرنبلالية هكذا: قوله: وصح بيع الطريق، يخالفه ما قال في الخانية، ولا يجوز بيع مسيل الماء وهبته، ولا بيع الطريق بدون الارض، وكذلك بيع الشرب.
وقال مشايخ بلخ: جائز، ويخالفه أيضا قوله الآتي في رواية الزيادات ا ه كلام الشرنبلالية، والمتبادر من قول الخانية: وقال مشايخ بلخ: جائز أن خلافهم في بيع الشرب: أي بدون أرض لا في جميع المسائل المذكورة بدليل فصله بقوله وكذلك الخ.
وقد ذكر في الدرر خلافهم في مسألة الشرب فقط، ولم أر من ذكر خلافهم في بيع المسيل والطريق، فافهم.
ثم اعلم أن ما ادعاه في الشرنبلالية من المخالفة غير مسلم، لان قول المصنف وصح بيع الطريق مراده به رقبة الطريق، بدليل تعليل الدرر بأنه عين معلوم، وبدليل ذكره بيع حق المرور بعده وإلا كان تكرارا، وقد تابعه المصنف هنا.
ومراد الخانية ببيع الطريق بيع حق المرور بدليل قوله بدون الارض، وقوله ويخالفه أيضا الخ غير مسلم حق المرور لا في بيع أيضا، لان رواية الزيادات إنما ذكرها في الدرر في بيع الطريق، فمن أين المخالفة؟ وما ذكره المصنف من جواز بيع الطريق وهبته مشى عليه في الملتقى أيضا بلا ذكر خلاف، وكذا في الهداية وغيرها، وإنما ذكروا اختلاف الرواية في بيع حق المرور كما يأتي.
تنبيه: باع رقبة الطريق على أنه له: أي للبائع، حق المرور أو السفل على أن له إقرار العلو جاز.
فتح.
قبيل قوله: والبيع إلى النيروز.
قوله: (ومن قسمة الوهبانية) خبر مقدم، والبيت مبتدأ مؤخر: أي هذا البيت منقول منها ط.
قوله: (وليس لهم الخ) جملة، قال الامام: معترضة بين بعض المقول،(5/197)
وهو خبر ليس المقدم واسمها المؤخر، والواو في ولم ينفذ للحال: أي والحال أن الدرب ليس بنافذ.
قال ابن الشحنة: والمسألة من التتمة عن نوادر ابن رستم.
قال أبو حنيفة في سكة غير نافذة: ليس لاصحابها أن يبيعونها ولو اجتمعوا على ذلك، ولا أن يقسموها فيما بينهم، لان الطريق الاعظم إذا كثر الناس فيه كان لهم أن يدخلوا هذه السكة حتى يخف هذا الزحام.
قال الناطفي: وقال شداد في دور بين خمسة: باع أحدهم نصيبه من الطريق فالبيع جائز، وليس للمشتري المرور فيه إلا أن يشتري دار البائع، وإذا أرادوا أن ينصبوا على رأس سكنهم دربا ويسدوا رأس السكة ليس لهم ذلك، لانها وإن كانت ملكا لهم ظاهرا لكن للعامة فيها نوع حق ا ه.
ملخصا.
ثم أفاد أن ما توهمه الناظم في شرحه من اختلاف الروايتين مدفوع، فإن ما ذكره ابن رستم في بيع الكل، وما ذكره في شداد في بيع البعض.
والفرق أن الثاني لا يفضي إلى إبطال حق العامة، بخلاف الاول.
هذا، وقد علمت ما قررنا سابقا أن ما في الوهبانية غير ما ذكره المصنف، لان مراد المصنف الطريق الخاص المملوك لواحد، وهذا طريق مشترك في سكة مشتركة.
قوله: (وفي معاياتها) خبر مقدم، والبيت مبتدأ مؤخر، وجملة وارتضاه الح معترضة، والضمير للوهبانية، وهي مفاعلة من عاياه: إذا سأله عن شئ يظن عجزه عن جوابه، من قولهم عيني عن جوابه: إذا عجز، وتمامه في ط عن ابن الشحنة.
قال السائحاني: والمعاياة عند الفرضيين كالالغاز عند الفقهاء والاحاجي عند أهل اللغة، لان ما يستخرج بالحزر يوقي الحجي: أي العقل والالغاز: جمع لغز بضم اللام، وقيل: بفتحها وبفتح الغين المعجمة.
قوله: (وارتضاه في ألغاز الاشباه) حقه أن يذكر عند البيت الاول، فإن الذي في ألغاز الاشباه هكذا: أي شركاء فيما يمكن قسمته إذا طلبوها لم يقسم نقل السكة الغير النافذة ليس لهم أن يقتسموها وإن أجمعوا على ذلك ا ه.
قوله: (ومالك أرض الخ) هي الارض المملوكة من السكة الغير النافذة فإنه لا يملك بيعها من غير شريكه.
قال: ولو باعها لبعض الشركاء هل يجوز؟ فيه نظر، ولم أقف على الجواب فيه ا ه.
قلت: ظاهر قولهم أنه لا يجوز بيع الطريق يقتضي المنع مطلقا حالة الانفراد، وإنما يجوز بالتبعية
فيما إذا باع الدار وطريقها.
قاله عبد البر بن الشحنة.
قلت: الذي تقدم في شداد جواز البيع، ثم عدم الجواز إنما هو على ما في الخانية.
وقال مشايخ بلخ بالجواز ط.
قلت: قدمنا الكلام على ما في الخانية، فافهم.
قوله: (وإن لم يبين الخ) بيان لقوله: أولا وكان الاولى تقديمه على قوله: (وهبته) كما فعل في الدرر.
قوله: (يقدر بعرض باب الدار العظمى)(5/198)
عزاه في الدرر إلى النهاية ومثله في الفتح بزيادة قوله: وطوله إلى السكة النافذة.
ثم قال في الدرر: وعلى التقديرين يكون عينا معلوما فيصح بيعه وهبته ا ه.
قلت: والظاهر أن العظمى صفة لباب، وأنثها لاكتساب الباب التأنيث بإضافته إلى الدار المؤنثة، ومعناه أنه لو كان له دار في داخل جاره مثلا وطريق في دار الجار فباع الطريق وحده ولم يبين قدره كان للمشتري من دار الجار بعرض باب دار البائع، فلو كان لها بابان الاول أعظم من الثاني كان له بقدر الباب الاعظم، هذا ما ظهر لي، وفي القهستاني: وطريق الدار عرضه عرض الباب الذي هو مدخلها وطوله منه إلى الشارع ا ه.
وفي الفتح عند قوله: ولو اشترى جارية إلا حملها الخ، ولو قال: بعتك الدار الخارجة على أن تجعل لي طريقا إلى داري هذه الداخلة فسد البيع، ولو قال: إلا طريقا إلى داري الداخلة جاز وطريقه بعرض باب الدار الخارجة ا ه.
فرع: في الخانية: باع نخلة في أرض صحراء بطريقها من الارض ولم يبين موضع الطريق.
قال أبو يوسف: يجوز، وله أن يذهب إلى النخلة من أي النواحي شاء ا ه.
فأفاد جواز بيع الطريق تبعا وإن لم يكن له ما يقدر به.
تأمل.
مطلب في بيع المسيل قوله: (لا بيع مسيل الماء) هذا أيضا يحتمل بيع رقبة المسيل وبيع حق التسييل كما في الهداية، ولكن لما قال المصنف بعده لا بيع حق التسييل علم أن مراده بيع رقبة المسيل.
ووجه الفرق بينه وبين رقبة الطريق كما في الهداية أن الطريق معلوم، لان له طولا وعرضا
معلوما كما مر.
وأما المسيل فمجهول لانه لا يدري قدر ما يشغله من الماء ا ه.
قال في الفتح: ومن هنا عرف أن المراد ما إذا لم يبين مقدار الطريق والمسيل، أما لو بين حد ما يسيل فيه الماء أو باع أرض المسيل من نهر أو غيره من غير اعتبار حق التسييل فهو جائز بعد أن يبين حدوده ا ه.
قوله: (تبعا للارض) يحتمل أن يكون المراد تبعا لارض الطريق، بأن باع الطريق وحق المرور فيه، وأن يكون المراد ما إذا كان له حق المرور في أرض غيره إلى أرضه فباع أرضه مع حق مرورها الذي في أرض الغير، والظاهر أن المراد الثاني، لان الاول ظاهر لا يحتاج إلى التنصيص عليه، ولقولهم إنه لا يدخل إلا بذكره أو بذكر كل حق لها، وهذا خاص بالثاني كما لا يخفى.
قوله: (وبه أخذ عامة المشايخ) قال السائحاني: وهو الصحيح، وعليه الفتوى مضمرات ا ه.
والفرق بينه وبين حق التعلي حيث لا يجوز هو أن حق المرور حق يتعلق برقبة الارض، وهي مال هو عين، فيما يتعلق به له حكم العين.
أما حق التعلي فمتعلق بالهواء وهو ليس بعين مال ا ه فتح.
قوله: (وفي أخرى لا) قال في الدرر: وفي رواية الزيادات: لا يجوز، وصححه الفقيه أبو الليث بأنه حق من الحقوق، وبيع الحقوق بانفراده لا يجوز ا ه.
وهذه الرواية التي توهم في الشرنبلالية مخالفتها لقول المصنف والدرر: وصح بيع الطريق، ومقدمناه ما فيه.
مطلب في بيع الشرب قوله: (وكذا بيع الشرب) أي فإنه يجوز تبعا للارض بالاجماع، ووحده في رواية وهو اختيار مشايخ بلخ لانه نصيب من الماء.
درر.
ومحل الاتفاق ما إذا كان شرب تلك الارض، فلو شرب غيرها(5/199)
ففيه اختلاف المشايخ كما في الفتح والنهر.
قوله: (وظاهر الرواية فساده) إلا تبعا، وهو الصحيح كما في الفتح، وظاهر كلامهم أنه باطل.
قال في الخانية: وينبغي أن يكون فاسدا لا باطلا، لان بيعه يجوز في رواية، وبه أخذ بعض المشايخ، وجرت العادة ببيعه في بعض البلدان فكان حكمه حكم الفاسد يملك بالقبض، فإذا باعه بعده: أي مع أرض له ينبغي أن يجوز، ويؤيده ما في الاصل: لو باعه بعبد وقبض العبد وأعتقه جاز عتقه، ولو لم يكن الشرب محلا للبيع لما جاز عتقه، كما لو اشترى بميتة أو دم فأعتقه لا يجوز ا ه.
وأما ضمانه بالاتلاف بأن يسقي أرضه بشرب غيره فهو إحدى الروايتين، والفتوى
على عدمه كما في الذخيرة، وهو الاصح كما في الظهيرية.
وتمامه في النهر.
قوله: (وسنحققه في إحياء الموات) حيث قال هو المصنف هناك: ولا يباع الشرب ولا يوهب، ولا يؤجر ولا يتصدق به، لانه ليس بمال متقوم في ظاهر الرواية، وعليه الفتوى.
ثم نقل عن شرح الوهبانية أن بعضهم جوز بيعه.
ثم قال: وينفذ الحكم بصحة بيعه ا ه ط.
قوله: (لا يصح بيع حق التسييل الخ) أي باتفاق المشايخ.
ووجه الفرق بينه وبين حق المرور على رواية جوازه أن حق المرور معلوم لتعلقه بمحل معلوم وهو الطريق، أما التسييل، فإن كان على السطح فهو نظير حق التعلي، وبيع حق التعلي لا يجوز باتفاق الروايات، ومر وجهه، وهو ليس حقا متعلقا بما هو مال بل بالهواء وإن كان على الارض، وهو أن يسيل الماء عن أرضه كي لا يفسدها فيمره على أرض لغيره فهو مجهول لجهالة محله الذي يأخذه، وتمامه في الفتح.
قوله: (لانه حق التعلي) أي نظيره.
قوله: (بثمن مؤجل) أي ثمن دين، أما تأجيل المبيع والثمن العين فمفسد مطلقا كما سيذكره الشارح.
قوله: (إلى النيروز) أصله نوروز عرب.
وقد تكلم به عمر رضي الله تعالى عنه فقال: كل يوم لنا نوروز، حين كان الكفار يبتهجون به.
فتح.
قوله: (في الحوت) الذي في الحموي عن البرجندي: الجدي ط.
قلت: وهذا أول فصل الشتاء، وما ذكره الشارح مذكور في القهستاني.
قوله: (فإذا لم يبينا الخ) أي إذا لم يبين العاقدان واحدا من السبعة فسد، أما إذا بيناه اعتبر معرفة وقته فإن عرف صح وإلا فسد وهو ما ذكره المصنف.
قوله: (والمهرجان) بكسر الميم وسكون الهاء.
ط عن المفتاح، وفي القهستاني أنه نوعان عامة، وهو أول يوم من الخريف: أعني اليوم السادس عشر من مهرماه.
وخاصة، وهو(5/200)
اليوم السادس والعشرون منه.
قوله: (فاكتفى بذكر أحدهما) ولكن إنما عبر المصنف بذلك كغيره لما قاله في السراج أيضا: إن صوم النصارى غير معلوم وفطرهم معلوم، واليهود بعكسه ا ه.
والحاصل أن المدار على العلم وعدمه، كما أفاده المصنف بقوله: إذا لم يدر المتعاقدان.
قوله: (فلو عرفاه جاز) أي عرفه كل منهما، فلو عرفه أحدهما فلا.
أفاده الرملي.
قوله: (للعلم به) قال في
الهداية.
لان مدة صومهم بالايام، فهي معلومة فلا جهالة ا ه.
ومفاده أن صوم اليهود ليس كذلك.
قال في الفتح: والحاصل أن المفسد الجهالة، فإذا انتفت بالعلم بخصوص هذه الاوقات جاز.
قوله: (وهو خمسون يوما) كذا في الدرر عن التمرتاشي، وفي الفتح والنهر خمسة وخمسون يوما.
وفي القهستاني: صوم النصارى سبعة وثلاثون يوما في مدة ثمانية وأربعين يوما، فإن ابتداء صومهم يوم الاثنين الذي يكون قريبا من اجتماع النيرين الواقع ثاني شباط من آذار، ولا يصومون يوم الاحد ولا يوم السبت إلا يوم السبت الثامن والاربعين، ويكون فطرهم: يعني يوم عيدهم يوم الاحد بعد ذلك.
قوله: (والحصاد) بفتح الحاء وكسرها ومثله القطاف والدياس.
فتح.
قوله: (والدياس) هو دوس الحب بالقدم لينقشر، وأصله الدواس بالواو لانه من الدوس قلبت ياء للكسرة قبلها.
فتح.
قوله: (قوله لانها) أي المذكورات من قوله: إلى قدوم وما بعده.
قوله: (ولو باع الخ) أفاد أن ما ذكر من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت في أصل العقد، بخلاف ما إذا ذكرت بعده، كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا، ويأتي تصحيح أنه لا يلتحق.
قوله: (شمني) ومثله في الفتح.
قوله: (صح التأجيل) كذا جزم به في الهداية والملتقى وغيرهما، وقدمنا تمام الكلام عليه أول البيوع عند قوله:(5/201)
وصح بثمن حال ومؤجل إلى معلوم فراجعه.
قوله: (ومتحملة في الدين) راجع إلى قوله: ولو باع مطلقا الخ يعني أن التأجيل بعد صحة العقد تأجيل دين من الديون فتتحمل فيه الجهالة اليسيرة، بخلافه في صلب العقد، لان قبول هذه الآجال شرط فاسد والعقد يفسد به، أفاده في الفتح.
قوله: (والكفالة) فإنها تتحمل جهالة الاصل كالكفالة بما ذاب لك على فلان، والذوب غير معلوم الوجود فتحل جهالة الوصف وهو الاجل بالاولى، وتمامه في الفتح.
قوله: (لا الفاحشة) كإلى هبوب الريح ونحوه كما يأتي.
قال في النهر: وهذا يشير إلى أن اليسيرة ما كانت في التقدم والتأخر، والفاحشة ما كانت في الوجود كهبوب الريح، كذا في العناية ا ه.
تنبيه: في الزاهدي: باعه بثمن نصفه نقد ونصفه إذا رجع من بلد كذا فهو فاسد.
قوله: (أو أسقط المشتري الاجل) وجه الصحة أو الفساد كان للتنازع وقد ارتفع قبل تقرره، وأفاد أن له الحق
يستبد بإسقاطه لانه خالص حقه.
وأما قول القدوري: تراضيا على إسقاطه، فهو قيد اتفاقي كما في الهداية.
قوله: (قبل حلوله) قيد به لانه لو أسقطه بعد حلوله لا ينقلب جائزا.
منح: أي لو قال أبطلت التأجيل الذي شرطته في العقد لا يبطل ويبقى الفساد لتقرره بمضي الاجل وليس المراد إسقاط الاجل الماضي، فافهم.
قوله: (وقبل فسخه) أي فسخ العقد: أما لو فسخه للفساد ثم أسقط الاجل لا يعود العقد صحيحا لارتفاعه بالفسخ.
قوله: (وقبل الافتراق) هذا في الاجل المجهول جهالة متفاحشة كما يأتي فلا محل لذكره هنا، ولذا اعترضه الرملي بأن إطباق المتون على عدم ذكره صريح في عدم اشتراطه.
وقول الزيلعي: لو أسقط المشتري الاجل قبل أخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع صريح بانقلابه جائزا ولو بعد أيام، ولو شرطنا قبل الافتراق لما صح قوله قبل أخذ الناس الخ، وإذا تتبعت كلامهم جميعا وجدته كذلك ا ه.
ملخصا.
قوله: (قوله ابن كمال وابن مالك) أقول: عزاه ابن كمال إلى شرح الطحاوي، وعزاه ابن ملك إلى الحقائق عن شرح الطحاوي وهو غير صحيح، فإن الذي رأيته في الحقائق وهو شرح المنظومة النسفية في باب ما اختص به زفر هكذا: اعلم أن البيع بأجل مجهول لا يجوز إجماعا، سواء كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس مثلا، أو متفاوتة كهبوب الريح وقدوم واحد من سفره، فإن أبطل المشتري الاجل المجهول المتقارب قبل محله وقبل فسخ العقد بالفساد انقلب البيع جائزا عندنا، وعند زفر: لا ينقلب، ولو مضت المدة قبل إبطال الاجل تأكل الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا، وإن أبطل المشتري الاجل المجهول المتفاوت قبل التفرق ونقد الثمن انقلب جائزا عندنا، وعند زفر: لا ينقلب جائزا، ولو تفرقا قبل الابطال تأكد الفساد ولا ينقلب جائزا إجماعا من شرح الطحاوي في أول السلم.
قلت: ذكر أبو حنيفة الاجل المجهول مطلقا، وقد بينت أن إسقاط كل واحد مؤقت بوقت على حدة ا ه ما في الحقائق، وقدمنا مثله أول البيوع عن البحر عن السراج، ورأيته منقولا أيضا عن البدائع.
وحاصله أن اعتبار إبطال الاجل قبل التفرق إنما هو في الاجل المجهول المتفاوت: أي المجهول جهالة متفاحشة، لا في المجهول المتقارب فإنهم لم يذكروه فيه.
والظاهر أن ابن كمال تابع ابن ملك،(5/202)
وأن نسخة الحقائق التي نقل منها ابن مالك فيها سقط، وتبعه أيضا المصنف والشارح، وهذا من جملة المواضع التي لم أر من نبه عليها ولله تعالى الحمد.
تنبيه: قول الحقائق ونقد الثمن غير شرط في المجلس لما في التاسع والثلاثين من جامع الفصولين: أبطل المشتري الاجل الفاسد ونقد الثمن في المجلس أو بعده جاز البيع عندنا استحسانا.
وقال زفر والشافعي: لم يجز، وتمامه فيه.
قوله: (فلا ينقلب جائزا وإن أبطل الاجل) هذا يوهم أن المراد وإن أبطل الاجل قبل الافتراق وليس كذلك، لما علمت من صريح النقول أنه ينقلب جائزا، ولان العيني لم يذكر قوله قبل الافتراق، فتعين أن المراد: وإن أبطله قبل حلوله.
قوله: (أو أمر المسلم الخ) عطف على كفل من قوله: كما لو كفل ط.
قوله: (يبيع خمر أو خنزير) أي مملوكين له بأن أسلم عليهما ومات قبل أن يزيلهما وله وارث مسلم فيرثهما.
فتح.
قوله: (يعني صح ذلك) أي التوكيل وبيع الوكيل وشراؤه.
بحر.
قوله: (مع أشد كراهة) أي مع كراهة التحريم، فيجب عليه أن يخلل الخمر أو يريقها ويسيب الخنزير، ولو وكله ببيعهما يجب عليه أن يتصدق بثمنهما.
نهر وغيره، وانظر لم لم يقولوا: ويقتل الخنزير مع أن تسييب السوائب لا يحل.
قوله: (كما صح ما مر) وهو المعطوف عليه.
منح: أي الكفالة وإسقاط الاجل: وأفاد بهذا أن قوله: أو أمر معطوف على قوله: كفل لئلا يتوهم عطفه على ما لا يصح وهو البيع إلى النيروز.
قوله: (لان العاقد الخ) أي إن الوكيل في البيع يتصرف بأهلية نفسه لنفسه، حتى لا يلزمه أن يضيف العقد إلى الموكل وترجع حقوق العقد إليه وهو أهل لبيع الخمر وشرائها شرعا فلا مانع شرعا من توكله.
فتح.
قوله: (أمر حكمي) أي يحكم الشرع بانتقال ما ثبت للوكيل من الملك إليه فيثبت له كثبوت الملك الجبري له بموت مورثه.
قوله: (وقالا لا يصح) أي يبطل كما في البرهان.
قوله: (وهو الاظهر) لعل وجهه ما قاله في الفتح من أن حكم هذه الوكالة في البيع أن لا ينتفع بالثمن، وفي الشراء أن يسيب الخنزير ويخلل الخمر أو يريقها فبقي تصرفا بلا فائدة فلا يشرع مع كونه مكروها تحريما، فأي فائدة في الصحة؟ وأجاب في النهر بأنا لا نسلم عدم المشروعية، لان عدم طيب الثمن لا يستلزم عدم الصحة، كما في شعر الخنزير إذا لم
يوجد مباح الاصل جاز بيعه وإن لم يطلب ثمنه، وأما في الشراء فله فائدة في الجملة وهي تخليل الخمر ا ه.
وتأمل ذلك مع ما قدمناه عند قوله: وشعر الخنزير الخ.
مطلب في البيع بشرط فاسد قوله: (ولا بيع بشرط) شروع في الفساد الواقع في العقد بسبب الشرط لنهيه (ص) عن بيع وشرط، ولكن ليس كل شرط يفسد البيع.
نهر.
وأشار بقوله: بشرط إلى أنه لا بد من كونه مقارنا(5/203)
للعقد، لان الشرط الفاسد لو التحق بعد العقد، قيل: يلتحق عند أبي حنيفة، وقيل: لا، وهو الاصح كما في جامع الفصولين في 93، لكن في الاصل أنه يلتحق عند أبي حنيفة وإن كان الالحاق بعد الافتراق عن المجلس، وتمامه في البحر.
قلت: هذه الرواية الاخرى عن أبي حنيفة، وقد علمت تصحيح مقابلها وهي قولهما: ويؤيده ما قدمه المصنف تبعا للهداية وغيرها، من أنه لو باع مطلقا عن هذه الآجال ثم أجل الثمن إليها صح فإنه في حكم الشرط الفساد كما أشرنا إليه هناك، ثم ذكر في البحر أنه لو أخرجه مخرج الوعد لم يفسد.
وصورته كما في الولوالجية: قال: اشتر حتى أبني الحوائط ا ه.
قال في النهر بعد ما ذكر عبارة جامع الفصولين: وبهذا ظهر خطأ بعض حنفية العصر، إذ أفتى في رجل باع لآخر قصب سكر قدرا معينا وأشهد على نفسه بأنه يسقيه ويقوم عليه بأن البيع فاسد لانه شرط تركه على الارض، نعم الشرط غير لازم ا ه.
قلت: وفي جامع الفصولين أيضا لو ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط على وجه العقد جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد، إذ المواعيد قد تكون لازمة فيجعل لازما لحاجة الناس تبايعا بلا ذكر شرطا الوفاء ثم شرطاه يكون بيع الوفاء، إذ الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد عند أبي حنيفة، ثم رمز أنه يلتحق عنده لا عندهما، وأن الصحيح أنه لا يشترط لالتحاقه مجلس العقد ا ه.
وبه أفتى في الخيرية وقال: فقد صرح علماؤنا بأنهما لو ذكرا الشرط البيع بلا شرط ثم ذكرا على وجه العدة جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد ا ه.
قلت: فهذا أيضا مبني على خلاف ما مر تصحيحه، والظاهر أنهما قولان مصححان.
مطلب في الشرط الفاسد إذا ذكر بعد العقد أو قبله تنبيه: في جامع الفصولين أيضا: لو شرط شرطا فاسدا قبل العقد ثم عقدا لم يبطل العقد ا ه.
قلت: وينبغي الفساد لو اتفقا على بناء العقد عليه كما صرحوا به في بيع الهزل كما سيأتي آخر البيوع، وقد سئل الخير الرملي عن رجلين تواضعا على بيع الوفاء قبل عقده وعقد البيع خاليا عن الشرط.
فأجاب بأنه صرح في الخلاصة والفيض والتتارخانية وغيرها بأنه يكون على ما تواضعا.
قوله: (عطف على إلى النيروز) كذا في الدرر، لكن هذا ظاهر لو كان لفظة بيع ليست من المتن كعبارة الدرر.
أما على كونها من المتن فالعطف على البيع في قوله: والبيع إلى النيروز.
قوله: (الاصل الجامع) مبتدأ، وقوله: بسبب شرط خبره ا ه ح.
والجملة في محل نصب بيعني، ويحتمل نصب الاصل على أنه مفعول يعني أي يعني المصنف الاصل الجامع في فساد العقد الخ ط.
قلت: وفي كل من التوجيهين خفاء، وكان الاوضح أن يزيد الشارح لفظة ما قبل قوله: لا يقتضيه فتكون هي الخير، لان الظاهر أن قوله: بسبب متعلق بفساد، وهذا ينافي كونه خبرا عن الاصل، ولان مراده أن يصير قوله: لا يقتضيه القعد الخ أصلا وضابطا، ولا يتم ذلك إلا بما قلنا نعم يحتمل كون الخبر بيع بشرط فل عليه ما قبله، ولا يصح كون ما قبله هو الخبر اقترانه بالواو العاطفة.
قوله: (لا يقتضيه العقد ولا يلائمه) قال في البحر: معنى كون الشرط يقتضيه العقد أن يجب(5/204)
بالعقد من غير شرط، ومعنى كونه ملائما أن يؤكد موجب العقد، كذا في الذخيرة.
وفي السراج الوهاج: أن يكون راجعا إلى صفة الثمن أو المبيع كاشتراط الخبز والطبخ والكتابة ا ه ما في البحر.
قوله: (وفيه نفع لاحدهما) الاولى قول الزيلعي، وفيه نفع لاهل الاستحقاق، فإنه أشمل وأحضر لشموله ما فيه نفع لاجنبي، فيوافق قوله الآتي: ولا نفع فيه لاحد ولاستغنائه عن قوله: أو لمبيع.
تنبيه: المراد بالنفع ما شرط من أحد العاقدين على الآخر، فلو على أجنبي لا يفسد ويبطل الشرط، لما في الفتح عن الولوالجية: بعتك الدار بألف على أن يقرضني فلان الاجنبي عشرة دراهم
فقبل المشتري لا يفسد البيع، لانه لا يلزم الاجنبي، ولا خيار للبائع ا ه ملخصا.
وفي البحر عن الملتقى قال محمد: كل شئ يشترطه المشتري على البائع يفسد به البيع، فإذا شرطه على أجنبي فهو باطل، كما إذا اشترى دابة على أن يهبه فلان لاجنبي كذا، وكل شئ يشترطه على البائع لا يفسد به البيع، فإذا شرطه على أجنبي فهو جائز وهو بالخيار، كما إذا اشترى على أن يحط عنه فلان الاجنبي كذا جاز البيع، فإن شاء أخذه بجميع الثمن أو ترك ا ه.
قوله: (من أهل الاستحقاق) أي ممن يستحق حقا على الغير وهو الآدمي.
بحر.
قوله: (فلو لم يكن الخ) صرح بمحترز هذا القيد والذي بعده وإن كان يأتي لزيادة البيان.
قوله: (قوله كشرط أن يقطعه) أي يقطع المبيع من حيث هو الصادق على الثوب أو العبد أو غيرهما، وبهذا ساغ عود الضمير عليه في قوله: أو يعتقه الخ.
قوله: (مثال لما لا يقتضيه العقد) أي ولا يلائمه، ولم يذكر مثال ما يقتضيه العقد ولا يلائمه.
قال في البحر: خرج عن الملائم للعقد ما لو اشترى أمة بشرط أن يطأها أو لا يطأها فالبيع فاسد، لان الملائم للعقد الاطلاق، وعن أبي يوسف: يجوز في الاول لانه ملائم.
وعند محمد: يجوز فيهما، لان الثاني إن لم يقتضيه العقد لا نفع فيه لاحد، فهو شرط لا طالب له ا ه.
قوله: (وفيه نفع للمشتري) ومنه ما لو شرط على البائع طحن الحنطة أو قطع الثمرة، وكذا ما اشتراه على أن يدفعه البائع إليه قبل دفع الثمن أو على أن يدفع الثمن في بلد آخر، أو على أن يهب البائع منه كذا، بخلاف على أن يحط من ثمنه كذا، لان الحط ملحق بما قبل العقد ويكون البيع بما وراء المحطوط.
بحر.
قوله: (مثال لما فيه نفع للبائع) ومنه ما لو شرط البائع أن يهبه المشتري شيئا أو يقرضه أو يسكن الدار شهرا أو أن يدفع المشتري الثمن إلى غريم البائع، لسقوط مؤنة القضاء عنه، ولان الناس يتفاوتون في الاستيفاء، فمنهم من يسامح ومنهم من يماكس، أو على أن يضمن المشتري عنه ألفا لغريمه.
بحر.
قوله: (لما مر الخ) قال في العزمية على الدرر: لم يسبق منه شئ مثل هذا في باب خيار الرؤية ولا(5/205)
في غيره، ولو سلم فلامساس له بمسألتنا.
قوله: (أو يعتقه) الضمير المستتر فيه وفيما بعده عائد على المشتري.
قوله: (فإن أعتقه صح) أي انقلب جائزا عنده خلافا لهما، حتى يجب على المشتري الثمن
وعندهما القيمة، بخلاف التدبير ونحوه، لان شرط العتق بعد وجوده يصير ملائما للعقد لانه منه للملك والفاسد لا تقرر له فيكون صحيحا، ولا كذلك التدبير ونحوه لجواز أن يحكم قاض بصحة بيعه فيقرر الفساد.
وأجمعوا على أنه لو أعتقه قبل القبض لا يعتق إلا إذا أمره البائع بالعتق، لانه صار قبض المشتري سابقا عليه، لان البائع سلطه عليه، وعلى أنه لو هلك في يد المشتري قبل العتق أو باعه أو وهبه يلزمه القيمة.
نهر ملخصا.
قوله: (مثال لما فيه نفع لمبيع يستحقه) لان العبد آدمي والآدمي من أهل الاستحقاق ومنه اشتراط أن لا يبيعه أو لا يهبه، لان المملوك يسره أن لا تتداوله الايدي، وكذا بشرط أن لا يخرجه من مكة.
وفي الخلاصة: اشترى عبدا على أن يبيعه جاز، وعلى أن يبيعه من فلان لا يجوز لان له طالبا.
وفي البزازية: اشترى عبدا على أن يطعمه لم يفسد، وعلى أن يطعمه خبيصا فسد ا ه بحر.
ونقل في الفتح أيضا عبارة الخلاصة وأقرها.
والظاهر أن وجهها كون بيع العبد ليس فيه نفع له، فإذا شرط بيعه من فلان صار فيه نفع لفلان وهو من أهل الاستحقاق فيفسد.
ووجه ما في البزازية إن إطعام العبد من مقتضيات العقد، بخلاف إطعامه نوعا خاصا كالخبيص.
قوله: (ثم فرع على الاصل) أي ذكر فروعا مبنية عليه، وتقدم في آخر باب خيار الشرط أن البيع لا يفسد بالشرط في اثنين وثلاثين موضعا، فراجعها.
قوله: (يقتضيه العقد) أي يجب به بلا شرط.
قوله: (ولا نفع فيه لاحد) أي من أهل الاستحقاق للنفع، إلا فالدابة تنتفع ببعض الشروط، وشمل ما فيه مضرة لاحدهما.
قال في النهر: كأن كان ثوبا على أن يخرقه أو جارية على أن لا يطأها أو دارا على أن يهدمها، فعند محمد: البيع جائز والشرط باطل.
وقال أبو يوسف: البيع فاسد، كذا في الجوهرة.
ومثل في البحر لما فيه مضرة بما إذا اشترى ثوبا على أن لا يبيعه ولا يهبه، والبيع في مثله جائز عندهما خلافا لابي يوسف ا ه.
قلت: فإطلاق المصنف مبني على قولهما، وشمل أيضا ما لا مضرة فيه ولا منفعة، قال في البحر: كأن اشترى طعاما أكله أو ثوبا بشرط لبسه فإنه يجوز ا ه.
تأمل.
قوله: (ولو أجنبيا) تعميم لقوله: لاحد وبه صرح الزيلعي أيضا.
قوله: (فلو شرط الخ) تفريع على مفهوم التعميم المذكور، فإن مفهومه أنه لو كان فيه نفع لاجنبي يفسد البيع، كما لو كان لاحد المتعاقدين.
قوله: (أو أن يقرضه) أي إن يقرض فلانا أحد العاقدين كذا، بأن شرط المشتري على البائع أن يقرض زيدا(5/206)
الاجنبي كذا من الدراهم أو شرط البائع على المشتري ذلك.
قوله: (فالاظهر الفساد) وبه جزم في الفتح بقوله: وكذا إذا كانت المنفعة لغير العاقدين، ومنه إذا باع ساحة على أن يبني بها مسجدا أو طعاما على أن يتصدق به فهو فاسد ا ه.
ومفاده أنه لا يلزم أن يكون الاجنبي معينا، وتأمله مع ما قدمناه آنفا عن الخلاصة، إلا أن يجاب بان المسجد والصدقة يراد بهما التقرب إلى الله تعالى وحده، وإن كانت المنفعة فيهما لعباده، فصار المشروط له معينا بهذا الاعتبار.
تأمل.
قوله: (وظاهر البحر ترجيح الصحة) حيث قال: وخرج أيضا ما إذا شرط منفعة لاجنبي، كأن يقرض البائع أجنبيا، فالبيع صحيح كما في الذخيرة عن الصدر الشهيد، وفيها: ذكر القدوري أنه يفسد كأن يقول اشتريت منك هذا على أن تقرضني أو تقرض فلانا ا ه.
وفي القهستاني عن الاختيار جواز البيع وبطلان الشرط وفي المنح: واختار صاحب الوقاية تبعا لصاحب الهداية عدم الفساد ا ه.
وله جزم في الخانية.
قلت: لكن قد علمت أن ما نقله الشارح عن ابن ملك من التعميم للاجنبي، صرح به الزيلعي، وبه جزم في الفتح، وكذا في الخلاصة كما قدمناه آنفا.
والحاصل: أنهما قولان في المذهب.
قوله: (عبر ابن الكمال بيركب الدابة) وهو أحسن، لان المراد بقوله: ولا نفع فيه لاحد أي من أهل الاستحقاق، فالتقييد بأهل الاستحقاق للاحتراز عما فيه لغيرهم كالدابة في بيعها بشرط أن لا يركبها فإنه غير مفسد لانها ليست بأهل لاستحقاق النفع.
وأما اشتراط أن لا يبيعها فإنه ليس فيه نفع لها عادة ولا لغيرها، وذلك ليس محل التوهم ليحترز عنه، بخلاف ما فيه نفعها.
قوله: (لكن يلائمه) عبر بدله في الفتح بما يتضمن التوثق بالثمن، وهو قريب مما قدمناه عن الذخيرة من تفسير الملائم بما يؤكد موجب العقد، فإن الثمن من موجبات العقد.
قوله: (كشرط رهن معلوم) أي بالاشارة أو التسمية، فلو لم يكن معلوما بذلك لم يجز إلا إذا تراضيا على تعيينه في المجلس ودفعه إليه قبل أن يتفرقا أو يعجل الثمن ويبطلان الرهن، وإذا كان مسمى فامتنع عن تسليمه لم يجبر، وإنما يؤمر بدفع الثمن، فإن لم يدفعهما خير البائع في الفسخ.
بحر.
قوله: (وكفيل حاضر) أي وقبل الكفالة، وكذا لو غائبا فحضر وقبلها قبل التفرق، فلو بعده أو كان حاضرا
فلم يقبل لم يجز، واشتراط الحوالة كالكفالة.
بحر.
قلت: في الخانية: ولو باع على أن يحيل البائع رجلا بالثمن على المشتري فسد البيع قياسا واستحسانا ولو باع على أن يحيل المشتري البائع على غيره بالثمن فسد قياسا وجاز استحسانا.
قوله: (أي صرم) بفتح الصاد المهملة: وهو الاديم: أي الجلد.
قوله: (سماه باسم ما يؤول) أي كتسمية العصير خمرا، وذلك أن قوله: على أن يحذوه أي يقطعه لا يناسب النعل، وإنما يناسب الجلد فإنه يقطع ثم يصير نعلا، وجوز في الفتح أن يكون حقيقة: أي اشترى نعل رجل واحدة على أن يحذوها: أي يجعل معها مثالا آخر ليتم نعلا الرجلين، ومنه: حذوت النعل بالنعل: قدرته بمثال قطعته.
قال: ويدل عليه قوله: أو يشركه فجعله مقابلا لقوله: نعلا، ولا معنى لان يشتري أديما على أن يجعل له شراكا فلا بد أن يراد حقيقة النعل ا ه.
وأجاب في النهر بأنه يجوز أن يراد بالنعل الصرم، وضمير يشركه للنعل بالمعنى الحقيقي على طريق الاستخدام اه.(5/207)
قلت: إرادة الحقيقة أظهرت في عبارة الهداية حيث قال: على أن يحذوها أو يشركها بضمير التأنيث، لان النعل مؤنثة، أما على عبارة المصنف كالكنز من تذكير الضمير، فالاظهر إرادة المجاز وهو الجلد.
قوله: (ومثله تسمير القبقاب) أصله للمحقق ابن الهمام حيث قال: ومثله في ديارنا شراء القبقاب على أن يستمر له سيرا.
قوله: (استحسانا للتعامل) أي يصح البيع ويلزم للشرط استحسانا للتعامل.
والقياس فساده، لان فيه نفعا لاحدهما وصار كصبغ الثوب، مقتضى القياس منعه لانه إجارة عقدت على استهلاك عين الصبغ مع المنفعة، ولكن جوز للتعامل، ومثله إجارة الظئر، وللتعامل جوزنا الاستصناع مع أنه بيع المعدوم، ومن أنواعه شراء الصوف المنسوخ على أن يجعله البائع قلنسوة، أو قلنسوة بشرط أن يجعل البائع لها بطانة من عنده.
وتمامه في الفتح.
وفي البزازية: اشترى ثوبا أو خفا خلقا على أن يرقعه البائع ويسلمه صح ا ه.
ومثله في الخانية: قال في النهر: بخلاف خياطة الثوب لعدم التعارف ا ه.
قال في المنح: فإن قلت: نهى النبي (ص) عن بيع وشرط فيلزم أن يكون العرف قاضيا على الحديث.
قلت: ليس بقاض عليه، بل على القياس، لان الحديث معلول بوقوع النزاع المخرج للعقد عن المقصود به وهو قطع المنازعة، والعرف ينفي النزاع فكان موافقا لمعنى الحديث، فلم يبق من الموانع إلا القياس والعرف قاض عليه ا ه ملخصا.
قلت: وتدل عبارة البزازية والخانية، وكذا مسألة القبقاب على اعتبار العرف الحادث.
ومقتضى هذا أنه لو حدث عرف في شرط غير الشرط في النعل والثوب والقبقاب أن يكون معتبرا إذا لم يؤد إلى المنازعة، وانظر ما حررناه في رسالتنا المسماة: نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف التي شرحت بها قولي: والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار قوله: (وهذا) أي التفصيل السابق.
قوله: (إنما هو إذا علقه بكلمة على) والظاهر من كلامهم أن قوله بشرط كذا بمنزلة على.
نهر.
قلت: يؤيده ما في القهستاني، حيث قيد الشرط بكون حرفه الباء وعلى دون إن اه.
قال في النهر: ولا بد أن لا يقولها بالواو، حتى لو قال: بعتك بكذا وعلى أن تقرضني كذا فالبيع جائز ولا يكون شرطا وأن يكون الشرط في صلب العقد الخ، وقدمنا الكلام على الاخير.
قوله: (بطل البيع) ظاهره ولو كان مضرا لا نفع فيه لاحد، وبه صرح القهستاني.
قوله: (ووقته) بصيغة الماضي من التوقيت ط.
قوله: (كخيار الشرط) أي كتوقيت خيار الشرط وهو ثلاثة أيام، وهذا منه، فإن خيار الشرط يصح لغير العاقدين.
قوله: (وبحر من مسائل شتى) أي متفرقة جمع شتيت، والمسألة مذكورة(5/208)
في البحر في هذا الباب أيضا، وكذا في النهر والقهستاني.
قوله: (وإذا قبض المشتري المبيع الخ) شروع في بيان أحكام البيع الفاسد، وشمل قبض وكيله والقبض الحكمي، لما قدمناه من أن أمر البائع بالعتق قبله صحيح لاستلزامه القبض، وهل التخلية قبض هنا؟ صحح في المجتبى والعمادية عدمه، وصحح في الخانية أنها قبض، واختاره في الخلاصة من البحر والنهر، وطحن البائع الحنطة بأمر المشتري كالعتق كما سيذكره الشارح ويأتي تمامه.
قوله: (عبر ابن الكمال بإذن) أي ليعم بيع المكره إذ
هو فاسد ولا رضا فيه كما حررناه أول البيوع.
قوله: (بأن يأمره بالقبض) أي وقبضه بحضرته أو غيبته ط.
عن الاتقاني.
قوله: (بأن قبضه في مجلس العقد بحضرته) تصوير للاذن دلالة، أما بعد المجلس فلا بد من صريح الاذن، إلا إذا قبض البائع الثمن وهو مما يملك به فإنه يكون إذنا بالقبض دلالة ا ه ح عن النهر.
فإن كان مما لا يملك بالقبض كالخمر والخنزير، فلا بد من صريح الاذن كما أفاده الزيلعي.
قوله: (وتقدم مع حكمه) أي في قوله: والبيع الباطل حكمه عدم ملك المشتري إياه إذا قبضه الخ.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ خرج الباطل بقيد الفاسد.
قوله: (كما مر) أي في أول الباب في قوله: والمراد بالفاسد الخ الممنوع مجازا عرفيا فيعم الباطل والمكروه.
قوله: (حقق إخراجه) أي إخراج الباطل بذلك: أي بقوله: وكل من عوضيه مال.
وتعقبه الحموي بأن من أفراد الباطل ما لا يخرج بهذا القيد وهو بيع الخمر والخنزير بالدراهم فإنه باطل، ومع أن كلا من عوضيه مال، وعلى هذا فلا بد من حذف هذا القيد لاقتضائه أن هذا الفرد من الباطل يكون فاسدا يملك بالقبض وليس كذلك ط.
قلت: المراد المال المتقوم كما قيده به في النهر، ولا شك أن الخمر ونحوه غير متقوم، ويدل على هذا أنه في أول الباب قال: وبطل بيع ما ليس بمال والبيع به، فإن المراد به ما ليس بمال في سائر الاديان، والخمر والخنزير مال عند أهل الذمة، ولذا قال بعده: وبطل بيع مال غير متقوم كخمر وخنزير، فعلم أن المراد بالمال هنا المتقوم، وهو المال في سائر الاديان فلا يدخل فيه الخمر ونحوه، فافهم.
قوله: (ولم ينهه) قيد لقوله: أو دلالة كما هو صريح الهداية وغيرها: أي إن الرضا بالقبض دلالة كما مر تصوريره مقيد بما إذا لم ينهه عن القبض، لان الدلالة تلغو مع النهي الصريح، فافهم.
قوله: (ولم يكن فيه خيار شرط) يوضحه قول الخانية: ويثبت خيار الشرط في البيع الفاسد كما يثبت في البيع الجائز، حتى لو باع عبد بألف درهم ورطل خمر على أنه بالخيار ثلاثة أيام وقبض المشتري العبد وأعتقه في الايام الثلاثة لا ينفذ إعتاقه، ولولا خيار الشرط للبائع نفد إعتاق المشتري بعد القبض ا ه سائحاني.
ومفاده صحة إعتاقه بعد مضي المدة لزوال الخيار وهو ظاهر.
قوله: (ملكه) أي ملكا خبيثا حراما فلا يحل أكله ولا لبسه الخ.
قهستاني.
وأفاد أنه يملك عينه، وهو الصحيح المختار خلافا(5/209)
لقول العراقيين إنه يملك التصرف فيه دون العين.
وتمامه في البحر.
قوله: (إلا في ثلاث) قلت: يزاد مثلها، وهي بيع المكاتب والمدبر وأم الولد على القول بفساده كما مر الخلاف فيه.
قوله: (في بيع الهازل) أي على ما صرح به البزودي وصاحب المنار من أنه فاسد: وذكر في القنية أنه باطل فلا استثناء كما في البحر، وقد بسطنا الكلام عليه أول البيوع، وحققنا أن المراد من قول الخانية والقنية: إنه باطل: أي فاسد، بدليل أنهما لو أجازاه جاز، والباطل لا تلحقه الاجازة، وأنه منعقد بأصله لانه مبادلة مال بمال لا بوصفه فافهم.
قوله: (وفي شراء الاب من ماله لطفله الخ) وقعت هذه العبارة كذلك في البحر والاشباه عن المحيط، وصوابها: وفي شراء الاب من مال طفله لنفسه فاسدا أو بيعه من ماله لطفله كذلك، لان عبارة المحيط على ما في الفتح والنهر هكذا: باع عبدا من ابنه الصغير فاسدا أو اشترى عبده لنفسه فاسدا لا يثبت الملك حتى يقبضه ويستعمله ا ه.
وبه اندفع توقف المحشي.
قوله: (حتى يستعمله) لان قبض الاب حاصل فلا بد من الاستعمال حتى يتحقق قبض حادث، ولذا جمع في المحيط بين القبض والاستعمال، وعلى هذا فلا يلزم في صورة الشراء لطفله أن يكون الاستعمال في حاجة طفله، فافهم، قوله: (لا يملكه به) أي بالقبض.
وفي الفتح عن جمع التفاريق: لو كان وديعة عنده وهي حاضرة ملكها.
قال في النهر أقول: يجب أن يكون مخرجا على أن النخلية قبض، ولذا قيده بكونها حاضرة، وإلا فقد مر أن قبض الامانة لا ينوب عن قبض المبيع ا ه: أي لان قبض المبيع مضمون بالثمن أو بالقيمة لو فاسدا وقبض الامانة غير مضمون، وهو أضعف من المضمون فلا ينوب عنه، وقدمنا قريبا اختلاف التصحيح في كون التخلية قبضا في البيع الفاسد.
قوله: (وإذا ملكه) مرتبط بقول المصنف ملكه ط.
قوله: (تثبت كل أحكام الملك) فيكون المشتري خصما لم يدعيه لانه يملك رقبته، نص عليه محمد رحمه الله، ولو باعه كان الثمن له، ولو أعتقه صح والولاء له، ولو أعتقه البائع لم يعتق، ولو بيعت دار إلى جنبها فالشفعة للمشتري.
وتمامه في البحر.
قوله: (ولا وطؤها) ذكر العمادي في فصوله خلافا في حرمة وطئها، فقيل: يكره ولا يحرم وقيل: يحرم.
بحر: أي لان فيه إعراضا عن
الرد الواجب، وفي حاشية الحموي: قيل: وهل إذا تزوجها يحل للزوج وطؤها؟ الظاهر نعم، وهل يطيب المهر للمشتري أم لا؟ محل نظر.
قوله: (ولا أن يتزوجها منه البائع) المراد لا يصح، لانها بصدد أن تعود إلى البائع نظرا إلى وجوب الفسخ فيصير ناكحا أمته، حموي.
قوله: (ولا شفعة لجاره ولو عقارا) أي لو اشترى دارا شراء فاسدا وقبضها ولا يثبت للجار حق الشفعة.
قال ط عن حاشية الاشباه للسيد أبي السعود: ولا لخليطه في نفس المبيع وشريكه في حق المبيع، لان حق البائع لم ينقطع لانه على شرف الفسخ والاسترداد نفيا للفساد، حتى إذا سقط حق الفسخ بأن بنى المشتري فيها يثبت حق الشفعة ا ه.
قوله: (ولا شفعة بها) هذا سبق نظر، لان الذي في الجوهرة هكذا: وإذا كان المشتري دارا فبيعت دار إلى جنبها ثبتت الشفعة للمشتري ا ه.
ثم ذكر المسألة المارة فقال: ولا تجب فيها شفعة للشفيع ا ه.
وفي الزيلعي والبحر وجامع الفصولين: لو اشترى دارا شراء فاسدا فبيعت بجنبها دار أخذها المشتري بالشفعة ا ه.
نعم في شرح المجمع: لو اشترى دارا لا تجوز الشفعة بها اه.(5/210)
ويجب أن تكون الباء بمعنى في ليوافق كلام غيره.
ولا يمكن تأويل كلام الشارح بذلك لانه يصير عين المسألة التي قبلها.
قوله: (بمثله إن مثليا) وإن انقطع المثل فبقيمته يوم الخصومة كما أفتى به الرملي وعليه المتون في كتاب الغصب.
قوله: (وإلا فبقيمته) يستثنى من ذلك العبد المبيع بشرط أن يعتقه المشتري، فإنه إذا أعتقه بعد القبض يلزمه الثمن كما قدمه الشارح.
قوله: (يعني إن بعد هلاكه الخ) تقييد لضمانه بالمثل أو بالقيمة، لانه إذا كان قائما بحاله كان الواجب رد عينه.
قوله: (أو تعذر رده) عطف عام على خاص، لان تعذر الرد يكون بالهلاك وبتصرف قولي أو حسي مما يأتي قوله: (يوم قبضه) متعلق بقيمته.
وقال محمد: قيمته يوم أتلفه لانه بالاتلاف يتقرر.
بحر عن الكافي.
قوله: (لان به) أي بالقبض، والاولى لانه ط.
قوله: (فلا تعتبر الخ) تفريع على اعتبار قيمته يوم القبض لا يوم الاتلاف: أي لو زادت قيمته في يده فأتلفه لم تعتبر الزيادة كالغصب.
قوله: (والقول فيها) أي في القيمة.
منح.
وفي البحر والجوهرة فيهما بضمير التثنية: أي في المثل والقيمة قوله: (للمشتري) أي مع يمينه والبينة للبائع.
بحر.
قوله: (لانكاره الزيادة) أي الزيادة في المثل أو القيمة التي يدعيها
البائع.
قوله: (ويجب على كل واحد الخ) عدل عن قول الكنز والهداية: ولكل منهما فسخه، لان اللام تفيد التخيير مع أن الفسخ واجب، وإن أجيب بأن اللام مثلها في وإن أسأتم فلها.
أو أن المراد بيان أن لكل منهما ولاية الفسخ رفعا لتوهم أنه إذا ملك بالقبض لزم، لان الآية تقتضي كون اللام بمعنى على بخلافها هنا، ولان كون المراد بيان الولاية المذكورة يلزمه منه ترك بيان الوجوب مع أنه مراد أيضا، والتصريح بالوجوب يدل على المرادين فكان أولى.
قوله: (فسخه) أي فسخ البيع الفاسد.
قلت: وهذا في غير بيع المكره فإنهم صرحوا بأنه فاسد، وبأنه مخير بين الفسخ والامضاء، نعم يظهر الوجوب في جانب المكره بالكسر.
قوله: (قبل القبض أو بعده) لكن إن كان قبله فلكل الفسخ بعلم صاحيه لا برضاه، وإن كان بعده: فإن كان الفساد في صلب العقد بأن كان راجعا إلى البدلين: المبيع والثمن، كبيع درهم بدرهمين، كالبيع بالخمر أو الخنزير فكذلك، وإن كان بشرط زائد كالبيع إلى أجل مجهول أو بشرط فيه نفع لاحدهما فكذلك عندهما لعدم اللزوم، وعند محمد لمن له منفعة الشرط، واقتصر في الهداية على قول محمد: ولم يذكر خلافا.
بحر.
وأفاد أن من عليه منفعة الشرط يفسخ بالقضاء والرضا على ما قال محمد: قهستاني.
قوله: (ولكون امتناعا عنه) أي عن الفساد.
قال في الهداية: وهذا قبل القبض ظاهر، لانه لم يفد حكمه فيكون الفسخ امتناعا منه ا ه.
فقوله: منه يحتمل عوده على الفساد أو على حكم البيع وهو الملك.
تأمل.
قوله: (ما دام المبيع بحاله) متعلق بقوله: وعلى كل واحد منهما فسخه واحترز به عما إذا عرض عليه ما تعذر به رده مما يمنع الفسخ كما يأتي بيانه.
قوله: (ولذا) أي لوجوب وفع المعصية، والاولى عدم زيادة التعليل والاقتصار على عبارة المصنف ليصح التعليل بعده، وإلا كان التعليل الثاني عين الاول، إلا أن يفرق بأن الثاني أعم من الاول.(5/211)
تأمل.
قوله: (وإذا أصر أحدهما) عبارة المصنف في المنح: أي البائع والمشتري، وظاهره إن أصرا بضمير التثنية، وهو المرافق لما في البزازية، لما قدمناه قريبا من أن لكل الفسخ بعلم الآخر لا برضاه، فإصرار أحدهما لا يحتاج معه إلى فسخ القاضي.
مطلب: رد المشتري فاسدا إلى بائعه فلم يقبله قوله: (وكل مبيع فاسد) وصف المبيع بالفساد لكونه محله.
قوله: (كإعارة) وكوديعة ورهن.
بحر.
قوله: (وغصب) فيه أن الكلام في رد المشتري.
والجواب أن المراد بالرد وقوعه في يد البائع كما أفاده ما بعده ط.
قوله: (ووقع في يد بائعه) الظاهر أن هذا شرط في الرد الحكمي كما في المسائل المذكورة، أما لو رده عليه قصدا فلا لما في الخانية: رده المشتري للفساد فلم يقبله، فأعاده إلى منزله فهلك لا يضمنه.
وقال بعضهم: هذا لو الفساد متفقا عليه، فلو مختلفا فيه ضمنه.
والصحيح أنه يبرأ فيهما إلا إذا وضع بين يديه فلم يقبله فذهب به إلى منزله فإنه يضمنه ا ه.
وذكر في البحر عن القنية أن الاشبه ما قاله بعضهم من التفصيل المذكور.
قلت: لكن لا يخفى أن تصحيح قاضيخان مقدم، لانه فقيه النفس.
والحاصل: أن الرد صح مطلقا وإن لم يقع في يد البائع لكون الرد قصديا لا ضمنيا، وبه يخرج عن الضمان لانه فعل الواجب عليه، لكن إذا وضعه بين يدي البائع حصل القبض أيضا بناء على أن التخلية قبض، وهو ما مر تصحيحه عن قاضيخان أيضا، فإذا ذهب به بلا إذنه صار غاصبا فيضمنه، بخلاف ما إذا ذهب به قبل التخلية المذكورة لعدم حصول القبض من البائع، فلم يصر غاصبا بالذهاب ولم يضمنه لوجود الرد الواجب عليه كما قلنا.
وبه ظهر أن المراد بوقوعه في يده وقوعه فيها حقيقة أو حكما كالتخلية المذكورة، وأن هذا شرط في الرد الحكمي لا القصدي كما علمته، هذا ما ظهر لي فاغتنمه.
قوله: (إن المستحق بجهة) كالرد للفساد هنا فإنه مستحق للبائع على المشتري، ومثله رد المغصوب على المغصوب منه.
قوله: (بجهة أخرى) كالهبة ونحوها.
قوله: (وإلا فلا) أي وإن لم يصل من جهة المستحق عليه بل وصل من جهة غيره فلا يعتبر، حتى أن المشتري فاسدا إذا وهب المشتري من غير بائعه أو باعه لرجل فوهبه الرجل من البائع الاول وسلمه لا يبرأ المشتري عن قيمته، ولم يعتبر العين واصلا إلى البائع بالجهة المستحقة لما وصل من جهة أخرى.
جامع الفصولين.
قوله: (فإن باعه الخ) محترز قوله: ما دام في يد المشتري وقيد ببيع المشتري لان البائع لو باعه بعد قبض المشتري وادعى أن الثاني كان فسخ الاول وقبضه وزعم المشتري الثاني أنه كان بعد الفسخ
والقبض من الاول فالقول له لا للبائع، وينفسخ الاول بقبض الثاني.
بحر عن البزازية.
ومثله في جامع الفصولين.
ولعل وجه انفساخ الاول أن المشتري نائب عن البائع في القبض لوجوب التسليم عليه فصار كأنه وقع في يد البائع، تأمل.
وأفاد أن البيع ثابت.
أما لو ادعى المشتري بيعه من(5/212)
فلان الغائب وبرهن لا يقبل وللبائع أخذه ولو صدقه فله القيمة كما في جامع الفصولين.
قوله: (لم يمتنع الفسخ) لان البيع فيهما ليس بلازم، ولم يدخل المبيع في ملك المشتري في صورة الخيار ط.
تنبيه: عبر في الوقاية بقوله: فإن خرج عن ملك المشتري، وهو أحسن من قول المصنف فإن باعه لانه يستغني به عما ذكره بعده.
قوله: (كما علمت) من قول المصنف، وكل مبيع فاسد ط.
قوله: (وفساده) أي فساد البيع الاول.
قوله: (ينقض كل تصرفات المشتري) أي التي يمكن نقضها، بخلاف ما لا يمكن كالاعتاق فإنه يتعين فيه أخذ القيمة من المكره بالكسر، فافهم.
قوله: (وسلم) قال في البحر: شرط في الهداية التسليم في الهبة لانها لا تفيد الملك إلا به، بخلاف البيع.
قوله: (أو استولدها) أفاد أنه لا يلزمه مع القيمة العقر، وقيل: عليه عقرها أيضا جامع الفصولين.
قال: وظاهره أي ظاهر ما في المتن أن المراد استيلاد حادث، فلو كانت زوجته أولا استولدها ثم اشتراها فاسدا وقبضها هل يكون كذلك لملكه إياه؟ فليحرر ا ه.
قلت: الظاهر بقاء الفسخ، لانه حق الشرع، ولم يعرض عليه تصرف حادث يمنعه.
تنبيه: نقل في النهر عن السراج أن التدبير كالاستيلاد، ومثله في القهستاني، لم يره في البحر منقولا فذكره بحثا.
قوله: (بعد قبضه) الاولى ذكر آخر المسائل ط.
قوله: (قلو قبله لم يعتق بعتقه) تخصيصه التفريع على العتق يوهم أن قوله: بعد قبضه متعلق بقوله: أو أعتقه فقط وليس كذلك، فكان الاظهر أن يقول: فلو قبله لم تنفذ تصرفاته المذكورة إلا إذا أعتقه البائع بأمر المشتري قوله: (وكذا لو أمره الخ) وفي جامع الفصولين: ولو برا، فخلطه البائع بطعام المشتري بأمره قبل قبضه صار قابضا وعليه مثله.
بحر.
قوله: (فيصير المشتري قابضا اقتضاء) ما يقدر لتصحيح الكلام كإعتق عبدك عني بألف فإنه يقتضي سبق البيع ليصح العتق عن الآمر وهنا كذلك، فإن صحة تصرف البائع
عن المشتري تقتضي أن يقدر سابقا عليه، ولهذا قال في المنح عن الفصول العمادية: وإنما كان كذلك لانه لما أمر البائع بالعتق فقد طلب أن يسلطه على القبض، وإذا أعتق البائع بأمره صار المشتري قابضا قبضا سابقا عليه ا ه فافهم.
مطلب: يملك المأمور ما لا يملكه الآمر قوله: (ما لا يملكه الآمر) فإن الآمر وهو المشتري لا يصح إعتاقه بنفسه، ولا يجوز له الطحن والذبح، لكن الظاهر أن المأمور وهو البائع في مسألة الطحن والذبح لا يجوز له أيضا، لان الواجب عليه الفسخ رفعا للمعصية كما مر، في فعله ذلك تقريرها، فقد استوى الآمر والمأمور في ذلك، ولذلك ذكر في البحر مسألة الامر بالعتق فقط.
ثم قال: وهذه عجيبة حيث ملك المأمور ما لم يملك الآمر ا ه.
والظاهر أن البائع يأثم بالعتق أيضا لما قلنا، ولكن الذي ملكه هو دون الآمر إنما هو نفاذ العتق مع قطع النظر عن الاثم وعدمه كما في باقي تصرفات المشتري بعد القبض، هذا ما ظهر لي فتدبره.(5/213)
تنبيه: لهذه المسألة نظير يملك المأمور فيه ما لا يملكه الآمر، وهو ما مر في قول المتن: أو أمر المسلم يبيع خمر أو خنزير أو شرائهما ذميا، أو أمر المحرم غيره ببيع صيده.
قوله: (وما في الخانية الخ) أي حيث جعل العتق عن البائع والدقيق والشاة له أيضا، ومثله في البزازية أيضا.
قوله: (كما بسطه العمادي) وأقره في جامع الفصولين.
قوله: (وقفا صحيحا) فلو فاسدا كأن اشترط فيه بيعه عند الحاجة لا يمنع الفسخ ط.
قوله: (وأخرجه عن ملكه) عطف لازم على قوله: وقفه.
قوله: (وما في جامع الفصولين) حيث قال: ولو وقفه أو جعله مسجدا لا يبطل حق الفسخ ما لم يبن ا ه ح: أي فالمانع من الفسخ هو البناء.
قوله: (غير صحيح) حمله في النهر على إحدى روايتين، وهو أولى من التغليط ح.
وحمله في البحر على ما إذا لم يقض به، أما إذا قضى به فإنه يرتفع الفساد للزومه.
قلت: لكن المسجد يلزم بدون القضاء اتفاقا.
قوله: (أو رهنه) أي وسلمه لان الرهن لا يلزم بدونه.
قوله: (أو أوصى به) أي ثم مات، لانه ينتقل من ملكه إلى ملك الموصى له وهو
ملك مبتدأ فصار كما لو باعه.
منح.
قوله: (أو تصدق به) أي وسلمه، لانه لا يخرج عن ملك المتصدق بدون تسليم.
قوله: (نفذ البيع الفاسد) أي لزم، وإلا فالاصل أن النافذ ما قابل الموقوف، واللازم ما لا خيار فيه، وهذا فيه خيار الفاسد، وبهذه التصرفات لزم.
تأمل.
ثم إن الشارح تبع المصنف حيث جعل فاعل نفذ هو البيع الفساد، والمفهوم من الهداية أن الفاعل ضمير يعود إلى ما ذكر من التصرفات.
وقال في الفتح: فإذا أعتقه أو باعه أو وهبه وسلمه فهو جائز وعليه القيمة من أنه ملكه بالقبض فتنفذ تصرفاته فيه، وإنما وجبت القيمة لانه انقطع حق الاسترداد لتعلق حق العبد به، والاسترداد حق الشرع وحق العبد مقدم لفقره، فقد فوت المكنة بتأخير التوبة ا ه ملخصا: أي أن الواجب عليه كان هو التوبة بالفسخ والاسترداد، وبتأخيره إلى وجود هذه التصرفات التي تعلق بها حق عبد يكون قد فوت مكنته من الاسترداد فتعين لزوم القيمة، ومقتضاه أن المعصبة تقررت عليه لا يخرج عن عهدتها إلا بالتوبة، وأن الفسخ قبل هذه التصرفات توبة كما يشير إليه الشارح: رفعا للمعصية.
قوله: (إلا في أربع الخ) عبارة الاشباه: العقد الفاسد إذا تعلق به حق عبد لزم وارتفع الفساد إلا في مسائل: أجر فاسدا فأجر المستأجر صحيحا فللاول نقضها.
المشتري من المكره لو باع صحيحا فللمكره نقضه.
المشتري فاسدا إذا أجر فللبائع نقضه.
وكذا إذا زوج ا ه.
وأنت خبير بأن كلام المتن في تصرف المشتري فاسدا فلا يصح استثناء الاولى لعدم دخولها، وكذا الثانية لاحتراز المتن عنها، والصورة الثالثة والرابعة ذكرهما الشارح حيث قال: غير إجارة ونكاح ا ه ح.
قلت: والضمائر في نقضه للعقد الاول بقرينة الاستثناء، وعليه فقوله وكذا إذا زوج: أي يكون للبائع نقض البيع لا التزويج، فلا ينافي ما يأتي تحريره.
قوله: (وكذا كل تصرف قولي) عطف على قوله في جميع ما مر وأراد به نحو التدبير، وما لو جعل مهرا أو بدل صلح أو إجارة أو غير ذلك مما يخرجه عن ملكه كما تفيده عبارة النقاية التي نقلناها عند قوله: فإن باعه.
قوله: (غير إجارة ونكاح)(5/214)
أي فلا يمنعان الفسخ، لان الاجارة تفسخ بالاعذار، ورفع الفساد من الاعذار والنكاح ليس فيه إخراج عن الملك.
بحر.
قوله: (وهل يبطل نكاح الامة) لما ذكر أن النكاح لا يمنع البائع من فسخ
البيع أراد أن يبين أنه هل ينفسخ النكاح الذي عقده المشتري كما تنفسخ الاجارة أم لا.
قوله: (المختار نعم ولوالجية) مخالفة لما صرح به في الفتح من عدم الانفساخ، وكذا في الزيلعي وغاية البيان عن التحفة.
قال في المجتبى: إلا الاجارة وتزويج الامة، لكن ا لاجارة تنفسخ بالاسترداد دون النكاح: وفي التتارخانية عن نوادر ابن سماعة: لو فسخ البيع للفساد وأخذ البائع الجارية مع نقصان التزويج ثم طلقلها الزوج قبل الدخول رد البائع على المشتري ما أخذه من النقصان، وفي السراج: لا ينفسخ النكاح لانه لا يفسخ بالاعذار وقد عقده المشتري وهي على ملكه.
وقد نقل في البحر عبارة السراج.
ثم قال: ويشكل عليه ما ذكره الولوالجي في الفصل الاول من كتاب النكاح: لو زوج الجارية المبيعة قبل قبضها وانتقض البيع فإن النكاح يبطل في قول أبي يوسف، وهو المختار، لان البيع متى انتقض قبل القبض انتقض من الاصل معنى فصار كأنه لم يكن فكان النكاح باطلا ا ه.
إلا أن يحمل ما في السراج على قول محمد، أو يظهر بينهما فرق ا ه ما في البحر.
وتبعه في النهر والمنح، وكتبت فيما علقته على البحر أن الفرق موجود، لان كلام الولوالجي فيما قبل القبض، وكلام السراج فيما بعد القبض المفيد للملك، ثم رأيت ط نبه على ذلك الفرق، وكذلك نبه عليه الخير الرملي في حاشية المنح حيث قال: العجب من ذلك مع أن ما في السراج فيما عقد بعد القبض، وما في الولوالجية قبل القبض كما هو صريح كل من العبارتين فكيف يستشكل بإحداهما على الاخرى، ولئن كان كلام السراج في البيع الفاسد وكلام الولوالجي في مطلق البيع، فقد تقرر أن فاسد البيع كجائزة في الاحكام، فتأمل ا ه.
قلت: ويكفينا ما أسمعناك نقله عن كتب المذهب، على أن الظاهر أن كلام الولوالجية لا يمكن حمله على مطلق البيع، بل مراده البيع الفاسد، لانه البيع الصحيح صورة إما أن ينتقض بالاستحقاق أو بالخيار أو بهلاك المبيع قبل قبضه، ولا فرق في الاولين بين ما قبل القبض وما بعده لعدم الملك أصلا، فتخصيصه الحكم بما قبل القبض دليل على أنه أراد البيع الفاسد، فإذا زوجها المشتري قبل القبض ثم فسخ العقد يظهر بطلان النكاح لكونه قبل الملك، بخلاف ما إذا زوجها بعده لانه زوجها وهي في ملكه فلا ينفسخ النكاح بفسخ البيع.
وأما إذا ماتت الجارية قبل قبضها في يد البائع فقد صرح في
متفرقات بيوع البحر عن الفتح بأنه لا يبطل النكاح وإن بطل البيع.
قوله: (كرجوع هبة) أي رجوع واهب في هبته بقضاء أو بدونه كما في البحر عن الفتح.
قوله: (عاد حق الفسخ) لان هذه العقود لم توجب الفسخ من كل وجه في حق الكل فصولين، وكذا لو فسخ البيع بعيب بعد قبضه بقضاء فللبائع حق الفسخ لو لم يقض بقيمته لزوال المانع، ولو رد بعيب بلا قضاء لا يعود حق الفسخ، كما لو اشتراه ثانيا، بحر.
لان رده بلا قضاء عقد جديد في حق ثالث.
قوله: (لا بعده) أي لو زال المانع بعد القضاء بالقيمة على المشتري لا يعود حق الفسخ، لان القاضي أبطل حق البائع في العين، ونقله إلى القيمة بإذن الشرع فلا يعود حقه إلى العين وإن ارتفع السبب، كما لو قضى على الغاصب بقيمة المغصوب بسبب الاباق ثم عاد العبد.
ذخيرة ومراده بالقيمة ما يعم المثل.
قوله: (بموت أحدهما)(5/215)
وكذا بالاجارة والرهن كما علمته.
قوله: (حتى يرد ثمنه) أي ما قبضه البائع من ثمن أو قيمة كما في الفتح.
قوله: (المنقود) لان المبيع مقابل به فيصير محبوسا به كالرهن.
فتح.
والمراد بالمنقود المقبوض احترازا عن الدين.
قوله: (بخلاف ما لو شرى) أي بخلاف غير المنقود كما لو شرى الخ.
قوله: (كإجارة ورهن) أي فاسدين ا ه ح.
وقوله: وعقد صحيح قيل: صوابه: بخلاف عقد صحيح لما في النهر، أما إذا لم يكن الثمن منقودا، كما إذا اشترى من مدينة عبدا بدين سابق شراء فاسدا وقبضه بالاذن فأراد البائع أخذه بحكم الفساد ليس للمشتري حبسه لاستيفاء ماله عليه من الدين والاجارة الفاسدة، وكذا الرهن الفاسد على هذا بخلاف ما إذا كان العقد صحيحا في الابواب الثلاثة ا ه.
قلت: هذا بناء على ما فهمه المعترض وهو غير متعين، لانه يمكن حمل كلام الشارح على وجه صحيح، وهو أن قوله: كإجارة ورهن راجع لاصل المسألة، وهو قوله: لا يأخذه حتى يرد الثمن المنقود فيكون المراد ما إذا كان بدل الاجارة والرهن منقودين.
قال في البحر: وأشار المؤلف إلى أنه لو استأجر إجارة فاسدة ونقد الاجرة أو ارتهن رهنا فاسدا أو أقرض قرضا فاسدا وأخذ به رهنا كان له أن يحبس ما استأجر وما ارتهن حتى يقبض ما نقد اعتبارا بالعقد الجائز إذا تفاسخا ا ه.
ونحوه في الفتح وعليه فقوله: وعقد صحيح قصد بذكره أن
هذه العقود مثله إذا كان البدل فيها منقودا، فإنه إذا كان منقودا لا فرق بين العقد الصحيح والفاسد في ثبوت حق الحبس بعد الفسخ في الكل بل الفرق بينهما في غير المنقود.
قال في جامع الفصولين برمز الخانية: شرى من مديونه فاسدا ففسخ ليس له حبس المبيع لاستيفاء دينه وكذا لو آجر دائنه إجارة فاسدة، ولو كان عقد البيع أو الاجارة جائزا فله الحبس لدينه ا ه.
فأفاد أن له الحبس في العقد الجائز إذا كان البدل غير دين بالاولى فافهم.
قوله: (والفرق في الكافي) أي الفرق بين الفاسد والصحيح إذا كان البدل غير منقود حيث يملك الحبس في الصحيح دون الفاسد هو ما ذكره في كافي النسفي.
وحاصله: أنه لما وجب للمديون على المشتري مثل الدين صار الثمن قصاصا لاستوائهما قدرا ووصفا، فاعتبر بما لو استوفيا حقيقة فكان له حق الحبس، وفي الفساد لم يملك الثمن بل تجب قيمة المبيع عند القبض وهي قبله غير مقررة لاحتمالها السقوط بالفسخ ودين المشتري مقرر، والمقاصة إنما تكون عند الاستواء وصفا فلم يكن له حق الحبس ا ه.
قوله: (فإن مات أحدهما) عبارة العيني، والزيلعي: فإن مات البائع، وهي أنسب لقول المصنف: فالمشتري أحق.
قوله: (والمستقرض) بأن استقرض قرضا فاسدا وأعطى به رهنا.
بحر.
قوله: (فاسدا) حال من الكل، وفيه وصف العاقد بصفة عقده مجازا لانه محله.
قوله: (بعد الفسخ) نص على المتوهم، فإن الحكم كذلك قبل الفسخ بالاولى ط.
قوله: (فالمشتري ونحوه) أي المستأجر والمقرض والمرتهن.
وحاصله: أن الحي الذي بيده عين المبيع أو المستأجر أو الرهن أحق بما في يده من العين من(5/216)
غرماء الآخر الميت حتى يقبض ما نقد.
قال في الفتح: لانه مقدم عليه: في حياته، فكذا على ورثته وغرمائه بعد وفاته، إلا أن الرهن مضمون بقدر الدين والمشتري بقدر ما أعطى، فما فضل فللغرماء ا ه.
قال الرحمتي: لكن سيأتي في كتاب الاجارة أن الراهن فاسدا أسوة الغرماء، وسيأتي آخر الرهن مثل ما هنا، ووفقنا بأن ما هنا وما يأتي في الرهن إذا كان سابقا على الدين، وما في الاجارة إذا كان الدين متقدما على الرهن ا ه.
وسيأتي توضيحه في آخر الرهن إن شاء الله تعالى.
تنبيه: لم يذكر ما إذا مات المشتري فاسدا.
وفي الخلاصة والبزازية: لو مات المشتري فالبائع أحق من سائر الغرماء بماليته، فإن زاد شئ فهو للغرماء ا ه.
ومعناه: أنه لو اشترى عبدا فاسدا وتقابضا ثم مات المشتري وعليه ديون وفسخ البائع البيع مع الورثة فالبائع، أحق بمالية العبد، وهي ما قبضه من المشتري حتى يسترد العبد المبيع، كما لو مات البائع فإن كانت قيمة العبد أكثر مما قبض فالزائد للغرماء، هذا ما ظهر لي فتأمله.
قوله: (بل قبض تجهيزه) أي تجهيز البائع أو المؤجر وما بعده، بمعنى أنه لو مات وكان المبيع ثوبا مثلا احتيج لتكفينه به فللمشتري حبسه حتى يأخذ ماله.
قال ط: والاولى أن يقول: بل من تجهيزه.
مطلب في تعيين الدراهم في العقد الفاسد قوله: (بناء على تعين الدراهم) المراد بها ما يشمل الدنانير.
وفي الاشباه: النقد لا يتعين في المعاوضات وفي تعيينه في العقد الفاسد روايتان، ورجح بعضهم تفصيلا بأن ما فسد من أصله: أي كما لو ظهر المبيع حرا أو أم ولد يتعين فيه لا فيما انتقض بعد صحته: أي كما لو هلك المبيع قبل التسليم والصحيح تعينه في الصرف بعد فساده وبعد هلاك المبيع، وفي الدين المشترك فيؤمر برد نصف ما قبض على شريكه، وفيما إذا تبين بطلان القضاء، فلو ادعى على آخر مالا وأخذه ثم أقر أنه لم يكن له على خصمه حق فعلى المدعي رد عين ما قبض ما دام قائما، ولا يتعين في المهر ولو بعد الطلاق قبل الدخول فترد مثل نصفه، ولذا لزمها زكاته ولو نصابا حوليا عندها، ولا في النذر والوكالة قبل التسليم، وأما بعده فالعامة كذلك، وتتعين في الامانات والهبة والصدقة والشركة والمضاربة والغصب.
وتمامه في جامع الفصولين ا ه.
قوله: (المصنف وطاب للبائع ما ربح لا للمشتري) صورة المسألة ما ذكره محمد في الجامع الصغير: اشترى من رجل جارية بيعا فاسدا بألف درهم وتقابضا وربح كل منهما فيما قبض بتصدق الذي قبض الجارية بالربح ويطيب الربح للذي قبض الدراهم ا ه.
وقول الشارح: وإنما طاب الخ أورده في صورة جواب عما استشكله صدر الشريعة وصاحب العناية والفتح والدرر والبحر والمنح وغيرهم، من أن المذكور في المتون من أن الربح يطيب للبائع في الثمن النقد هو الموافق للرواية المنصوصة في الجامع الصغير، وهو صريح في أن(5/217)
الدراهم لا تتعين في البيع الفاسد، فيناقض قولهم: إن تعينها فيه هو الاصح، فإنه يقتضي أن الاصح أنه لا يطيب الربح للبائع فيما قبض، وقد أجاب العلامة سعدي جلبي في حاشية العناية بما أشار إليه الشارح، وهو أنه يطيب على كل من القولين، لان عدم التعيين إنما هو في العقد الثاني الصحيح، لا في العقد الاول الفاسد ا ه.
وبيانه أنه إذا باع فاسدا وقبض دراهم الثمن ثم فسخ العقد يجب رد تلك الدراهم بعينها على المشتري، لان الاصح تعينها في البيع الفاسد، فلو اشترى بها عبدا مثلا شراء صحيحا، طاب له ما ربح، لانها لا تتعين في هذا العقد الثاني لكونه عقدا صحيحا حتى لو أشاء إليها وقت العقد له دفع غيرها، فعدم تعينها في هذا العقد الصحيح لا ينافي كون الاصح تعينها في العقد الفاسد.
وقد أجاب العلامة الخير الرملي بمثل ما أجاب العلامة سعدي قبل اطلاعه عليه وقال: إني في عجب عجيب من فهم هؤلاء الاجلاء التناقض من مثل هذا مع ظهوره.
قوله: (لا على الرواية الصحيحة) أي القائلة بعدم تعين الدراهم في العقد الفاسد ا ه ح.
قوله: (في بيع يتعين بالتعيين) أراد بالبيع المبيع، وأشار بقوله: يتعين بالتعيين كالعبد مثلا إلى وجه الفرق بين طيب الربح للبائع لا للمشتري، وهو أن ما يتعين بالتعيين يتعلق العقد به فتمكن الخبث فيه والنقد لا يتعين في عقود المعاوضة، فلم يتعلق العقد الثاني بعينه، فلم يتمكن الخبث فلا يجب التصدق كما في الهداية، وإنما لم يتعين النقد لان ثمن المبيع يثبت في الذمة، بخلاف نفس المبيع لان العقد يتعلق بعينه، ومفاد هذا الفرق أنه لو كان بيع مقايضة لا يطيب الربح لهما، لان كلا من البدلين مبيع من وجه، ولو كان عقد صرف يطيب لها، لكن قدمنا آنفا في الاشباه أن الصحيح تعينه في الصرف بعد فساده، وفي شرح البيري عن الخلاطي أنه الصحيح المذكور في عامة الروايات ا ه فافهم.
قوله: (بأن باعه بأزيد) تصوير لظهور الربح فلا يطيب له ذلك الزائد عما اشترى به، وأفاد أن ذلك في أول عقد.
وأما إذا أخذ الثمن واتجر وربح بعده أيضا يطيب له لعدم التعين في العقد الثاني كما نبه عليه ط، وهو ظاهر مما مر.
قوله: (كما طاب الخ) صورته ما في الجامع الصغير أيضا: لو ادعى على آخر مالا فقضاه ثم تصادقا على أنه لم يكن له عليه شئ وقد
ربح المدعي في الدراهم التي قبضها على أنها دينه يطيب له الربح، لان الدين وجب بالاقرار عند الدعوى ثم استحق بالتصادق وكان المقبوض بدل المستحق وهو الدين، وبدل المستحق مملوك ملكا فاسدا، بدليل أن من اشترى عبدا بجارية أو ثوب ثم أعتق العقد واستحقت الجارية يصح عتق العبد، فلو لم يكن بدل المستحق مملوكا لم يصح العتق، إذ لا عتق في غير الملك.
وتمامه في الفتح.
قوله: (لان بدل المستحق مملوكا) كذا فيما رأيته في عدة نسخ بنصب مملوكا وهو كذلك في بعض نسخ النهر، وفي بعضها بالرفع وهو الصواب على اللغة المشهورة في رفع خبر إن.
قوله: (فيما يتعين) كالعروض لا فيما لا يتعين كالنقود، ومر بيانه.
قوله: (كالغصب) وكالوديعة، فإذا تصرف الغاصب أو المودع في(5/218)
العرض أو النقد يتصدق بالربح لتعلق العقد بمال غيره، وتمامه في الدرر.
قوله: (وقال الكمال الخ) تقييد لما في المتن.
قوله: (لا يملكه أصلا) لانه متيقن أنه لا ملك له فيه فتح: أي فلا يطيب له ما ربح مطلقا سواء تعين أو لا.
قوله: (وقواه في النهر) بتصريحهم في الاقرار بأن المقر له إذا كان يعلم أن المقر كاذب في إقراره لا يحل له أخذه عن كره منه، أما لو اشتبه الامر عليه حل له الاخذ عند محمد، خلافا لابي يوسف، وحينئذ لا يطيب له ربحه، ويحمل الكلام ها هنا على ما إذا ظن أن عليه دينا بالارث من أبيه ثم تبين أن وكيله أوفاه لابيه فتصادقا على أن لا دين فحينئذ يطيب له وهذا فقه حسن فتدبره ا ه.
ونقله عنه الرملي وأقره، وبه اندفع ما في البحر من أن ظاهر إطلاقهم خلاف ما في الفتح.
قوله: (الحرام ينتقل) أي تنتقل حرمته وإن تداولته الايدي وتبدلت الاملاك.
ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولا للمشتري منه) فيكون بشرائه منه مسيئا لانه ملكه بكسب خبيث، وفي شرائه تقرير للخبث ويؤمر بما كان يؤمر به البائع من رده على الحربي، لان وجوب الرد على البائع إنما كان لمراعاة ملك الحربي ولاجل غدر الامان، وهذا المعنى قائم في ملك المشتري كما في ملك البائع الذي أخرجه، بخلاف المشتري شراء فاسدا إذا باعه من غيره بيعا صحيحا فإن الثاني لا يؤمر بالرد وإن كان البائع مأمورا به، لان الموجب للرد قد زال ببيعه، لان وجوب الرد بفساد البيع حكمه مقصور على ملك المشتري وقد زال ملكه بالبيع من غيره، كذا في شرح السير الكبير للسرخسي من الباب الخامس بعد
المائة.
مطلب: البيع الفاسد لا يطيب له ويطيب للمشتري منه قوله: (ويطيب للمشتري منه لصحة عقده) فيه أن عقد المشتري في المسألة الاولى صحيح أيضا، وقد ذكر هذا الحاكم في البحر معزيا للاسبيجابي بدون هذا التعليل، فكان المناسب إسقاطه.
ثم اعلم أنه ذكر في شرح السير الكبير في الباب الثاني والستين بعد المائة أنه إن لم يرده يكره للمسلمين شراؤه منه لانه ملك خبيث بمنزلة المشتري فاسدا إذا أراد بيع المشتري بعد القبض يكره شراؤه منه وإن نفذ فيه بيعه وعتقه لانه ملك حصل له بسبب حرام شرعا ا ه.
فهذا مخالف لقوله: ويطيب للمشتري وقد يجاب بأن ما أخرجه من دار الحرب لما وجب على المشتري رده على الحربي لبقاء المعنى الواجب على البائع رده تمكن الخبث فيه فلم يطب للمشتري أيضا كالبائع، بخلاف البيع الفاسد فإن رده واجب على البائع قبل البيع لا على المشتري، لعدم بقاء المعنى الموجب للرد كما قدمناه فلم يتمكن الخبث فيه فلذا طاب للمشتري، وهذا لا ينافي أن نفس الشراء مكروه لحصوله للبائع بسبب حرام، لان فيه إعراضا عن الفسخ الواجب، هذا ما ظهر لي.
مطلب: الحرمة تتعدد قوله: (الحرمة تتعدد الخ) نقل الحموي عن سيدي عبد الوهاب الشعراني أنه قال في كتابه المتن: وما نقل عن بعض الحنفية من أن الحرام لا يتعدى ذمتين.
سألت عنه الشهاب ابن الشلبي فقال: هو(5/219)
محمول على ما إذا لم يعلم بذلك، أما لو رأى المكاس مثلا يأخذ من أحد شيئا من المكس ثم يعطيه آخر ثم يأخذ من ذلك الآخر آخر فهو حرام ا ه.
مطلب فيمن ورث مالا حراما قوله: (إلا في حق الوارث الخ) أي فإنه إذا علم أن كسب مورثه حرام يحل له، لكن إذا علم المالك بعينه فلا شك في حرمته ووجوب رده عليه، وهذا معنى قوله: وقيده في الظهيرية الخ.
وفي منية المفتي: مات رجل ويعلم الوارث أن أباه كان يكسب من حيث لا يحل ولكن لا يعلم الطالب
بعينه ليرد عليه حل له الارث، والافضل أن يتورع ويتصدق بنية خصماء أبيه ا ه، وكذا لا يحل إذا علم عين الغصب مثلا وإن لم يعلم مالكه لما في البزازية: أخذ مورثه رشوة أو ظلما، إذا علم ذلك بعينه لا يحل له أخذه، وإلا فله أخذه حكما، أما في الديانة فيتصدق به بنية إرضاء الخصماء ا ه.
والحاصل: أنه إن علم أرباب الاموال وجب رده عليهم، وإلا فإن علم عين الحرام لا يحل له ويتصدق به بنية صاحبه وإن كان مالا مختلطا مجتمعا من الحرام ولا يعلم أربابه ولا شيئا منه بعينه حل له حكما، والاحسن ديانة التنزه عنه.
ففي الذخيرة: سئل الفقيه أبو جعفر عمن اكتسب ماله من أمراء السلطان ومن الغرامات المحرمات وغير ذلك هل يحل لمن عرف ذلك أن يأكل من طعامه؟ قال: أحب إلي في دينه أن لا يأكل ويسعه حكما إن لم يكن ذلك الطعام غصبا أو رشوة.
وفي الخانية: امرأة زوجها في أرض الجور إن أكلت من طعامه ولم يكن عين ذلك الطعام غصبا فهي في سعة من أكله، وكذا لو اشترى طعاما أو كسوة من مال أصله ليس بطيب فهي في سعة من تناوله الاثم على الزوج ا ه.
قوله: (وسنحققه ثمة) أي في كتاب الحظر والاباحة.
قال هناك بعد ذكره ما هنا لكن في المجتبى: مات وكسبه حرام فالميراث حلال، ثم رمز وقال: لا نأخذ بهذه الرواية، وهو حرام مطلقا على الورثة فتنبه ا ه ح.
ومفاده الحرمة وإن لم يعلم أربابه، وينبغي تقييده بما إذا كان عين الحرام ليوافق ما نقلناه، إذ لو اختلط بحيث لا يتميز يملكه ملكا خبيثا، لكن لا يحل له التصرف فيه ما لم يؤد بدله كما حققناه قبيل باب زكاة المال، فتأمل.
مطلب في أحكام زيادة المبيع فاسدا قوله: (بنى أو غرس فيما اشتراه فاسدا) وكذا لو شرى فاسدا قاضبان نخل فغرسه وأطعم وإن شراه مطعما فكذلك عنده، وعند الثاني يقلعه إن لم يضر الارض.
ذخيرة.
قوله: (لزمه فيمتهما) أي قيمة الدار والارض.
منح.
والاولى إفراد الضمير لان العطف بأو، وعلله الكرخي في مختصره بأن البناء استهلاك عند الامام: أي ومثله الغرس لان البناء والغرس يقصد بهما الدوام وقد حصلا بتسليط من البائع فينقطع بهما حق الاسترداد كالبيع.
قوله: (ورجحه) حيث قال: وقولهما أوجه، وكون البناء يقصد للدوام يمنع للاتفاق في الاجارة على إيجاب القلع، فظهر أنه قد يراد للبقاء وقد لا،
فإن قال: إن المستأجر يعلم أنه يكلف القلع ففعله مع ذلك دليل على أنه لم يرد البقاء قلنا المشتري فاسدا أيضا يكلف القلع عندنا ا ه.
قوله: (وتعقبه في النهر الخ) حيث قال: أقول: البناء الحاصل(5/220)
بتسليط البائع إنما يقصد به الدوام، بخلاف الاجارة، وبهذا عرف أن محط الاستدلال إنما هو التسليط من البائع، وكل ما هو كذلك ينقطع به حق الاسترداد ا ه.
قلت: وفيه أن المؤجر أيضا سلط المستأجر على الانتفاع بأرضه والمستأجر يملك البناء، فالاحسن الجواب بالفرق بين التسليطين بأن البائع سلطه على المبيع على وجه قد ينقطع به حق الاسترداد، بأن يخرجه عن ملكه ببيع ونحوه، أو بأن يفعل فيه ما يقصد به الدوام لجواز أن لا يطلب البائع الفسخ قبله، بخلاف المؤجر فإنه إنما سلطه في وقت خاص.
وأما كون الفسخ حقا للشرع فلا يبطل بتسليط البائع فينقض بأنه قد بطل بإخراجه عن ملكه ببيع ونحوه وهو بتسليط البائع، فكذا هنا تقديما لحق العبد لفقره وكون البيع ونحوه تعلق به حق الغير فيقدم، وهنا تعلق به حق العاقد العاصي فلا يقدم قد يمنع بأن العاصي لم يبطل الشرع حقه، كمن غضب حجرا وجعله أس حائطه يضمن قيمته ولا يكلف بنقص الحائط، فالهم.
قوله: (وكذا) أي ومثل البناء الغرس في امتناع الفسخ كل زيادة متصلة بالمبيع غير متولدة منه.
قوله: (وجارية علقت منه) وجعله من الزيادة الغير المتولدة نظرا لماء الرجل ط.
قوله: (فلو منفصلة كولد الخ) أي بإن ولدت من غير المشتري.
وفي الجوهرة: لو كانت الزيادة متصلة غير متولدة كالصبغ والخياطة انقطع حق الفسخ، وإن كانت متولدة: أي كالسمن لا تمنع الفسخ، وكذا منفصلة متولدة، كالولد والعقر والارش، ولو هلكت هذه الزوائد في يد المشتري لا يضمنها، وإن استهلكها ضمن، وإن هلك المبيع فقط فللبائع أخذها وأخذ قيمژ المبيع يوم القبض، وأن كانت منفصلة غير متولدة كالكسب والهبژ، فللبائع أخذ المبيع معها ولا تطيب له ويتصدق بها، وإن هلكت في يد المشتري لا يضمن، وكذا لو استهلكها عنده، وعندهما: يضمن، وإن استهلك المبيع فقط ضمنه والزوائد له لتقرر ضمان الاصل ا ه ملخصا.
وبه علم أن الزيادة بأقسامها الاربع لا تمنع الفسخ، إلا المتصلة الغير المتولدة، أما المتصلة المتولدة كالسمن والمنفصلة المتولدة كالولد والغير المتولدة
كالكسب فإنها لا تمنع الفسخ، وأنه يضمن المنفصلة المتولدة بالاستهلاك لا بالهلاك، وكذا غير المتولدة عندهما لا عنده، وهذا التقرير أيضا موافق لما في البحر عن جامع الفصولين.
قوله: (سوى منفصلة غير متولدة) أي كالكسب، وهذا استثناء من قوله: ويضمنها باستهلاكها فإن هذه لا تضمن بالاستهلاك عند الامام كما علمته.
مطلب: أحكام نقصان المبيع فاسدا قوله: (لو نقص الخ) شروع في حكم نقصان البيع فاسدا بعد بيان زيادته.
قوله: (أخذه البائع من الارش) أي أرش النقصان، ويجبر على ذلك لو أراده المشتري، لما في جامع الفصولين: لو قطع ثوبا شراه فاسدا ولم يخطه حتى أودعه عند بائعه يضمن نقص القطع لا قيمته لوصوله إلى ربه إلا قدر نقصه فوقع عن الرد المستحق.
قال: هذا التعليل إشارة إلى أن المبيع فاسدا إذا نقص في يد المشتري لا يبطل حقه في الرد، إذ لو بطل لما كان الرد مستحقا عليه ا ه.
فهو كما ترى ناطق بما قلنا.
رملي.(5/221)
تنبيه: لو زال العيب رجع المشتري على البائع بالارش الذي دفعه إليه، كما لو ابيضت عين الجارية في يد المشتري فاسدا وردها مع نصف القيمة ثم ذهب البياض فعلى البائع رد الارش كما في التاترخانية، ومثله ما قدمناه عنها فيما لو زوج المشتري الامة ثم فسخ البيع وأخذ البائع نقصان التزويج ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها رجع المشتري على البائع بما أخذ.
قوله: (صار مستردا) حتى لو هلك عند المشتري ولم يوجد منه حبس عن البائع هلك على البائع.
جامع الفصولين.
قوله: (خير البائع) إن شاء أخذه من المشتري وهو يرجع على الجاني، وإن شاء اتبع الجاني وهو لا يرجع على المشتري.
جامع الفصولين.
قوله: (وكره تحريما مع الصحة) أشار إلى وجه تأخير المكروه عن الفاسد مع اشتراكهما في حكم المنع الشرعي والاثم، وذلك أنه دونه من حيث صحته وعدم فساده، لان النهي باعتبار معنى مجاور للبيع لا في صلبه ولا في شرائط صحته، ومثل هذا النهي لا يوجب الفساد بل الكراهية كما في الدرر.
وفيها أيضا أنه لا يجب فسخه ويملك المبيع قبل القبض ويجب الثمن لا القيمة ا ه.
لكن في النهر عن النهاية أن فسخه واجب على كل منهما أيضا صونا لهما عن
المحظور وعليه مشى الشارح في آخر الباب، ويأتي تمامه.
قوله: (عند الاذان الاول) وهو الذي يجب السعي عنده.
قوله: (إلا إذا تبايعا يمشيان الخ) قال الزيلعي: هذا مشكل، فإن الله تعالى قد نهى عن البيع مطلقا، فمن أطلقه في بعض الوجوه يكون تخصيصا وهو نسخ، فلا يجوز بالرأي.
شرنبلالية.
والجواب ما أشار إليه الشارح من أن النص معلل بالاخلال بالسعي ومخصص، لكن ما مشى عليه الشارح هنا مشى على خلافه في الجمعة تبعا للبحر والزيلعي.
قوله: (وقد خص منه الخ) جواب ثان: أي والعام إذا دخله التخصيص صار ظنيا فيجوز تخصيصه ثانيا بالرأي: أي بالاجتهاد، وبه اندفع قول الزيلعي: فلا يجوز بالرأي.
قلت: وفيه نظر، فإن إشكال الزيلعي من حيث أن قوله تعالى: * (وذروا البيع) * مطلق عن التقييد بحالة دون حالة، فإن مفاد الآية الامر بترك البيع عند النداء، وهو شامل لحالة المشي، والذي خص منه من لا تجب عليه الجمعة هو الواو * (فاسعوا) * ولا يلزم منه تخصيص من ذكر أيضا في * (وذروا البيع) * لان القرآن في النظم لا يلزم منه المشاركة في الحكم كما تقرر في كتب الاصول، نظيره قوله تعالى: * (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * فإن الخطاب عام في الموضعين، لكن خص الدليل من الاول جماعة كالمريض العاجز، ومن الثاني جماعة كالفقير من أن المريض تلزمه الزكاة والفقير تلزمه الصلاة.
والحاصل: أن الدليل خص من وجوب السعي جماعة كالمريض والمسافر، ولم يرد الدليل بتخصيص هؤلاء من وجوب ترك البيع فيبقى الامر شاملا لهم، إلا أن يعلل بترك الاخلال بالسعي فيرجع إلى الجواب الاول فلم يفد الثاني شيئا، فتأمل.
قوله: (وكره النجش) لحديث الصحيحين: لا تتلقى الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا بيع حاضر لباد.
فتح.
قوله: (أو يمدحه) تفسير آخر، عبر عنه في النهر بقيل نقلا عن القرماني في شرح المقدمة قال: وفي القاموس ما(5/222)
يفيده.
قوله: (في النكاح وغيره) أي كالاجارة، وهذا ذكره المصنف في منحه.
قوله: (لا يكره) بل ذكر القهستاني وابن الكمال عن شرح الطحاوي أنه في هذه الصورة محمود.
قوله: (والسوم على سوم
غيره) وكذا البيع على بيع غيره.
ففي الصحيحين: نهى رسول الله (ص) عن تلقي الركبان إلى أن قال: وأن يستام الرجل على سوم أخيه وفي الصحيحين أيضا: لا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له.
وصورة السوم أن يتراضيا بثمن ويقع الركون به فيجئ آخر فيدفع للمالك أكثر أو مثله.
وصورة البيع أن يتراضيا على ثمن سلعة فيقول آخر: أنا أبيعك مثلها بأنقص من هذا الثمن أفاده في الفتح قال الخير الرملي: ويدخل في السوم الاجارة، إذ هي بيع المنافع.
قوله: (بل لزيادة التنفير) لان السوم على السوم يوجب إيحاشا وإضرارا، وهو في حق الاخ أشد منعا.
قال في النهر كقوله في الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، إذ لا خفاء في منع غيبة الذمي.
قوله: (وقد باع عليه الصلاة والسلام قدحا وحلسا الخ) رواه أصحاب السنن الاربعة في حديث مطول ذكره في الفتح.
وفي المصباح: الحلس كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله جمعه أحلاس كحمل وأحمال والحلس بساط يبسط في البيت.
قوله: (وتلقي الجلب) بفتحتين وهو المراد من تلقي الركبان في الحديث المار، وهذا يؤيد تفسيره بالجالب، لان الركبان جمع راكب، لكن الذي في المصباح والمغرب تفسيره بالمجاوب.
تأمل.
قال في الفتح: وللتلقي صورتان: إحداهما: أن يتلقاهم المشترون للطعام منهم في سنة حاجة ليبيعوه من أهل البلد بزيادة.
وثانيهما: أن يشتري منهم بأرخص من سعر البلد وهم لا يعلمون بالسعر.
قوله: (للضرر والغرر) لف ونشر مرتب، فالضرر في الصورة الاولى والغرر بتلبيس السعر في الصورة الثانية.
قوله: (وبيع الحاضر للبادي) لحديث الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نهى رسول الله (ص) أن يتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد قال: قلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد قال: لا يكون له سمسار فتح.
والحاضر من كان من أهل الحضر خلاف البدو، فالبادي من كان من أهل البادية أي البرية، ويقال حضري وبدوي نسبة إلى الحضر والبدو.
قوله: (في حالة قحط وعوز) القحط: انقطاع المطر.
والعوز: بتحريك الواو الحاجة.
قال في المصباح: عوز الشئ عوزا من باب تعب عز فلم يوجد، وعزت الشئ أعوزه من باب قال: احتجب إليه فلم أجده.
قوله: (قيل الحاضر المالك الخ) مشى(5/223)
عليه في الهداية حيث قال: وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الاضرار بهم ا ه أي بأهل البلد.
قال الخير الرملي: ويشهد لصحة هذا التفسير ما في الفصول العمادية عن أبي يوسف: لو أن أعرابا قدموا الكوفة وأرادوا أن يمتاروا منها ويضر ذلك بأهل الكوفة قال: أمنعهم عن ذلك، قال: ألا ترى أن أهل البلدة يمنعون عن الشراء للحكرة فهذا أولى ا ه.
قوله: (والاصح أنهما السمسار والبائع) بأن يصير الحاضر سمسارا للبادي البائع.
قال في الفتح قال الحلواني: هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع ويقول له لا تبع أنت أنا أعلم بذلك فيتوكل له ويبيع ويغالي، ولو تركه يبيع بنفسه لرخص على الناس.
قوله: (لموافقته آخر الحديث) ولموافقته لتفسير راوي الحديث كما قدمناه عن الصحيحين.
قوله: (دعوا الناس يرزق بعضهم بعضا) كذا في البحر.
والذي في الفتح: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ونقل الخير الرملي عن ابن حجر الهيثمي أن بعضهم زاد: دعوا الناس في غفلاتهم، ونسبه لمسلم.
قال: وهو غلط لا وجود لهذه الزيادة في مسلم، بل ولا في كتب الحديث كما قضى به سبر ما بأيدي الناس منها ا ه.
قوله: (ولذا عدى باللام لا بمن) هذا مرجح آخر للتفسير الثاني، فإن اللام في أن يبيع حاضر لباد تكون على حقيقتها وهي التعليل: أما على التفسير الاول تكون بمعنى من أو زائدة، لانه يقال: بعث الثوب من زيد.
قال في المصباح.
وربما دخلت اللام مكان من يقال: بعتك الشئ وبعته لك، فاللام زائدة زيادتها في قوله تعالى: * (وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) * والاصل بوأنا إبراهيم.
قوله: (لما مر) أي قريبا من قوله: وقد باع عليه الصلاة والسلام الخ.
قوله: (ويسمى بيع الدلالة) أي بيع الدلال.
قال في الفتح: وهو صفة البيع في أسواق مصر المسمى بالبيع في الدلالة.
مطلب في التفريق بين الصغير ومحرمه قوله: (ولا يفرق) بالبناء للمجهول، وهو أولى من قول النهر: ولا يفرق المالك، لان حذف الفاعل لا يجوز، إلا أن يقال: إنه تفسير للضمير الراجع إلى الملك المفهوم من المقام، تأمل.
وكما يمنع المالك عن التفريق يمنع المشتري كما يأتي، والكراهة فيه تحريمية كما في الفتح.
قوله: (عبر
بالنفي مبالغة في المنع) كذا في الفتح.
ووجهه أن شأن المسلم عدم فعل المحرم شرعا، فكأنه أمر لا يقع منه لا حاجة إلى نهيه عنه.
قوله: (وعن الثاني الخ) قال العلامة نوح من حواشي الدرر: عن أبي يوسف روايتان: رواية لا يجوز البيع في قرابة الولاد ويجوز في قرابة غيرها، وهو الاصح في مذهب الشافعي.
وفي رواية: لا يجوز في الكل: أي قرابة الولاد وغيرها، وهو قول الامام أحمد، لان الامر بالرد في الحديث لا يكون إلا في الفاسد.
وقال مالك: لا يجوز في الام ويجوز في غيرها ا ه، وما ذكره الشارح بعيد عن هذا ط.
قوله: (غير بالغ) أشار به إلى أن مدة منع التفريق تمتد إلى بلوغ الصغير(5/224)
بالاحتلام أو بالحيض، وهو قول للشافعي وفي أظهر قوليه: إلى زمان التمييز سبع أو ثمان بالتقريب، وقال بعض مشايخنا: إذا راهقا ورضيا بالتفريق فلا بأس به، لانهما من أهل النظر لانفسهما، وربما يريان المصلحة في ذلك.
فتح.
قوله: (وذي رحم) أطلقه فشمل ما إذا كان صغيرا أيضا أو كبيرا كما في الهداية وغيرها، ولذا قال بعده: بخلاف الكبيرين.
قوله: (أي محرم من جهة الرحم) أشار إلى أن الضمير في منه راجع إلى الرحم لا إلى الصغير، فلا بد أن يكون محرميته من جهة الرحم لا من الرضاع احترازا عن ابن عم هو أخ رضاعا فإنه رحم محرم لكن محرميته من الرضاع لا من الرحم، وإلى ذلك أشار بقوله فافهم.
وخرج أيضا بالاولى المحرم لا من الرحم كالاخ الاجنبي رضاعا وامرأة الاب والرحم غير المحرم كابن العم.
قوله: (وتوابعه) هي التدبير والاستيلاد والكتابة ح.
قوله: (ولو على مال) مبالغة على الاعتاق فقط كما لا يخفى، فلو قدمه لكان أولى ا ه ح.
لكن إذا كان مما لا يخفى استوى فيه التقديم والتأخير، فافهم.
قوله: (أو ببيع ممن حلف بعتقه) أي إذا حلف بقوله إن ملكت هذا فهو حر فباعه المالك منه ليعتق لم يكره، لان العتق ليس بتفريق، بل فيه زيادة التمكن من الاجتماع من محرمة.
قوله: (أو كان المالك كافرا) ظاهره ولو كان المشتري مسلما لكان لا يناسبه التعليل ومع أنه يكره التفريق بالشراء.
وفي الفتح: أما إذا كان كافرا فلا يكره لانهم غير مخاطبين بالشرائع والوجه أنه إن كان التفريق في ملتهم حلالا لا يتعرض لهم، إلا إن كان بيعهم من مسلم فيمتنع على المسلم، وإن كان ممتنعا في ملتهم فلا يجوز ا ه.
وذكر قبله أن يجوز للمسلم شراؤه من حربي
مستأمن، لان مفسدة التفريق عارضها أعظم منها وهو ذهابه إلى دار الحرب، وفيه مفسدة الدين والدنيا، أما الدين فظاهر، وأما الدنيا فتعريضه للقتل والسبي ا ه.
وظاهره أنه يكره للمسلم شراؤه من كافر غير حربي لعدم هذه المفسدة المعارضة، وهو موافق لما استوجهه فيما مر، وعلى هذا فلا وجه لما في النهر من أن المراد بالحربي الكافر، وبه ظهر أنه كان الاولى للشارح: أي يقول كما في البحر: أو كان البائع حربيا مستأمنا لمسلم فإنه لا يمنع المسلم من الشراء دفعا للمفسدة.
قوله: (أو متعددا الخ) أي إذا كان المالك متعددا، بأن كان أحدهما لزيد والآخر لعمرو فلا بأس بالبيع وإن كان العبد الآخر لطفل المالك الاول أو لمكاتبه، إذ الشرط اجتماعهما في ملك شخص واحد.
قال في البزازية: ولو أحدهما له والآخر لولده الصغير أو لمملوكه أو لمكاتبه أو مضاربه لا يكره التفريق، ولو كلاهما له فباع أحدهما من ابنه الصغير يكره ا ه.
وبقي ما إذا كانت الشركة في كل منهما معا، وظاهر القهستاني عدم الكراهة أيضا فليراجع.
قوله: (فلا بأس) جواب لقوله: ولو الآخر لطفله على أن لو شرطية لا وصلية، وإنما فصله عما قبله مصرحا بالجواب للتنبيه على أنه لا يكره وإن كان له ولاية على طفله، بحيث يمكنه بيعهما معا بلا تفريق وإن كان له حق في مال مكاتبه بحيث يمكن عود(5/225)
الآخر إلى ملكه إذا عجز المكاتب، فافهم.
قوله: (أو تعدد محارمه الخ) أي محارم الصغير، كما لو كان له أخوان شقيقان مثلا أو عمان أو خالان أو أكثر فله بيع الزائد على الواحد منهم، ويبقى الواحد مع الصغير ليستأنس به.
وله بيع الصغير مع واحد منهم لا وحده.
قال في الفتح: وكذا لو ملك ستة إخوة ثلاثة كبارا وثلاثة صغارا فباع مع كل صغير كبيرا جازا استحسانا.
قوله: (غير الاقرب) حال من ما ا ه ح، فلو كان معه أخت شقيقة وأخت لاب وأخت لام باع غير الشقيقة كما في الفتح.
قوله: (والابوين) أي وغير الابوين، فإذا كان معه أبواه لا يبيع واحدا منهما هو الصحيح في المذهب كما في البحر عن الكفاية.
قوله: (والملحق بهما) كأخ لاب وأخ لام أو خال وعم، فالمدلى بقرابة الام قام مقامها، والمدلى بالاب كالاب، وإذا كان الصغير أب وأم واجتمعوا في ملك واحد لا يفرق بين أحدهم، فكذا هنا، وكذا لو كان له عمة وخالة أو أم أب وأم أم لم يفرق بينه وبين أحدهما.
جوهرة.
قلت: لكن الالحاق بالابوين إنما يعتبر عند عدم أحدهما، لما في الفتح: لو كان معه أم وأخ أو أم وعمة أو خالة ألا أخ جاز بيع من سوى الام في ظاهر الرواية وهو الصحيح، لان شفقة الام تغني عمن سواها، ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها، والجدة كالام، فلو كان له جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة، ولو كان معه عمة وخالة لم يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة، ثم قال: ولو ادعاه رجلان فصارا أبوين له ثم ملكوا جملة فالقياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما.
وفي الاستحسان، لا يباع لان الاب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا، فصار الاصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز بيعه، وإن كانوا في درجة وكانوا من جنسين مختلفين كالاب والام والخالة والعمة لا يفرق، ولكن يباع الكل أو يمسك الكل، وإن كانوا من جنس واحد كالاخوين والعمين والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ويبيع ما سواه.
ومثل الخال والعم أخ لاب وأخ لام ا ه.
قوله: (كخروجه مستحقا) بأن ادعى رجل أحدهما أنه له وأثبته.
قوله: (بالجناية) كأن قتل أحدهما رجلا خطأ ودفعه سيده بها.
قوله: (وبيعه بالدين) بأن كان مأذونا واستغرقه الدين.
قوله: (لان النظر الخ) يعني أن المنظور إليه في منع التفريق دفع الضرر عن غيره وهو الصغير لا إلحاق الضرر به: أي بالملك، فلو منعنا التفريق هنا كان إلزاما للضرر بالمالك، كذا في الفتح، أي لان المالك يتضرر بإلزامه الفداء لولي الجناية وإلزامه القيمة للغرماء وإلزامه المعيب من غير اختياره.
زيلعي.
قوله: (والزوجين) أي ولو صغيرين زيلعي.
قوله: (فالمستثنى أحد عشر) كان الواجب تقديم هذه الجملة على قوله: بخلاف الكبيرين والزوجين لعدم دخولهما في المستثنى منه ا ه ح والاحد عشر: الاعتاق، توابعه، بيعه ممن حلف بعتقه كون المالك كافرا كونه متعددا، تعدد المحارم، ظهوره مستحقا، دفعه بجناية، بيعه بالدين، بيعه بإتلاف مال، رده بعيب.
وزاد في البحر: ما إذا كان الصغير مراهقا ورضيت أمه ببيعه ا ه ط.
قلت: في الفتح: لو كان الولد مراهقا فرضي بالبيع واختاره ورضيته أمه جاز بيعه ا ه.
ويزاد أيضا ما في الفتح حيث قال: ومن صور جواز التفريق ما في المبسوط إذا كان للذمي عبد له امرأة(5/226)
ولدت منه وأسلم العبد وولده الصغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وابنه وإن كان تفريقا بينه وبين أمه، لانه يصير مسلما بإسلام أبيه، فهذا تفريق بحق.
قوله: (إلا من حربي) لان مفسدة التفريق عارضها أعظم منها كما قدمناه.
قوله: (أيضا) أي كما في البيع الفاسد، وقدمنا عن الدرر أنه لا يجب فسخه، وما ذكره الشارح عزاه في الفتح أول باب الاقالة إلى النهاية، ثم قال: وتبعه غيره وهو حق، لان رفع المعصية واجب بقدر الامكان ا ه.
قلت: ويمكن التوفيق بوجوبه عليهما ديانة.
بخلاف البيع الفاسد، فإنهما إذا أصرا عليه يفسخه القاضي جبرا عليهما.
ووجهه أن البيع هنا صحيح ويملك قبل القبض ويجب فيه الثمن لا القيمة، فلا يلي القاضي فسخه لحصول الملك الصحيح.
قوله: (مجمع) عبارته: ويجوز البيع ويأثم ا ه وليس فيه ذكر الفسخ.
قوله: (مسلما) أي رقيقا مسلما ط.
قوله: (مع الاجبار الخ) أي لرفع ذلك الكافر عن المسلم، ولحفظ الكتاب عن الاهانة ط، والله سبحانه أعلم.
فصل في الفضولي نسبة إلى الفضول جمع الفضل: أي الزيادة وفتح الفاء خطأ، ولم ينسب إلى الواحد وإن كان هو القياس، لانه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى فصار كالانصاري والاعرابي.
ط عن البناية.
وفي المصباح: وقد استعمل الجمع استعمال المفرد فيما لا خير فيه، ولهذا نسب إليه على لفظه فقيل: فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، لانه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد، قوله: (مناسبته ظاهرة) هي توقف إفادة كل من الفاسد والموقوف الملك على شئ، وهو القبض في الاول والاجازة في الثاني ح.
قوله: (لانه من صوره) ووجهه أن المستحق يقول عند الدعوى هذا ملكي، ومن باعك إنما باعك بغير إذن فهو عين بيع الفضولي ا ه ح.
قوله: (هو) أي لغة ولم يصرح بذلك اكتفاء بقوله بعده واصطلاحا الخ فافهم.
قوله: (يخشى عليه الكفر) لان الامر بالمعروف وكذا النهي عن المنكر مما يعني كل مسلم، وإنما لم يكفر لاحتمال أنه لم يرد أن هذا فضل لا خير فيه، بل أراد أن أمرك لا يؤثر أو نحو ذلك.
قوله: (بمنزلة الجنس) فيدخل فيه الوكيل الوصي والولي والفضولي.
منح.
قوله: (خرج به نحو وكيل ووصي) المراد خروج هذين وما شابههما لا هما فقط، فهو نظير قولهم: مثلك لا يبخل، فالوكيل(5/227)
والوصي يتصرفان بإذن شرعي، وكذا الولي والقاضي والسلطان فيما يرجع إلى بيت المال ونحوه وأمير الجيش في الغنائم.
قوله: (كل تصرف الخ) ضابط فيما يتوقف على الاجازة وما لا يتوقف.
قوله: (صدر منه) أي من الفضولي أو من المتصرف مطلقا.
قوله: (كبيع وتزويج) أشار إلى أن المراد بالتمليك ما يعم الحقيقي والحكمي.
قوله: (أو إسقاط الخ) أي إسقاط الملك مطلقا.
قال في الفتح: حتى لو طلق الرجل امرأة غيره أو أعتق عبده فأجاز طلقت وعتق، وكذا سائر الاسقاطات للديون وغيرها ا ه.
تنبيه: قال في البحر: والظاهر من فروعهم أن كل ما صح التوكيل به إذا باشره الفضولي يتوقف إلا بالشراء بشرطه ا ه.
قال الخير الرملي: أي من العقود والاسقاطات ليخرج قبض الدين.
ففي جامع الفصولين: من قبض دين غيره بلا أمره ثم أجاز الطالب لم يجز قائما أو هالكا ا ه.
قلت: هذا أحد قولين ذكرهما في جامع الفصولين، فإنه ذكر قبل ما مر رامزا إلى كتاب آخر ما نصه: قال لمديون ادفع إلي ألفا لفلان فعسى يجيزه الطالب وأنا لست بوكيل عنه فدفع وأجاز الطالب يجوز؟ ولو هلك بعد الاجازة هلك على الطالب ولو هلك ثم أجاز لا تعتبر الاجازة ا ه.
قوله: (من يقدر على إجازته) كذا فسره في الفتح، فأفاد أنه ليس المراد المجيز بالفعل، بل المراد من له ولاية إمضاء ذلك الفعل من مالك أو لي كأب وجد ووصي وقاض كما مر بيانه قبيل باب المهر.
وفي أحكام الصغار للاستروشني من مسائل النكاح عن فوائد صاحب المحيط: صبية زوجت نفسها من كف ء وهي تعقل النكاح ولا ولي لها، فالعقد يتوقف على إجازة القاضي، فإن كانت في موضع لم يكن فيه قاض، إن كان ذلك الموضع تحت ولاية قاضي تلك البلدة ينعقد ويتوقف على إجازة ذلك القاضي وإلا فلا ينعقد.
وقال بعض المتأخرين: ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد البلوغ ا ه.
فهذا صريح في أن من ليس له ولي أو وصي خاص وكان تحت ولاية قاض فتصرفه موقوف على إجازة ذلك القاضي أو إجازته بعد بلوغه، وهذا إذا كان تصرفا يقبل الاجازة احترازا عما إذا طلق أو أعتق كما يأتي، وقد حررنا هذه المسألة قبيل كتاب الغصب من كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية، فارجع إليه فإن
فيه فوائد سنية: قوله: (انعقد موقوفا) أي على إجازة من يملك ذلك العقد ولو كان العاقد نفسه.
بيانه ما في الرابع والعشرين من جامع الفصولين: باعه أو زوجه بلا إذن ثم أجاز بعد وكالته جاز استحسانا: باع مال يتيم ثم جعله القاضي وصيا له فأجاز ذلك البيع صح استحسانا، ولو تزوج بلا إذن مولاه ثم أذن له في النكاح فأجاز ذلك النكاح جاز، ولا يجوز إلا بإجازته، ولو لم يأذن له لكنه عتق جاز بلا إجازة بعد عتقه، ولو تزوج الصبي أو باع ثم أذن له وليه أو بلغ لم يجز إلا بإجازته.
وتمام الفروع هناك فراجعه.
قوله: (وما لا مجيز له) أي وكل تصرف ليس له من يقدر على إجازته حالة العقد.
قوله: (بيانه) أي بيان هذا الضابط المذكور، وهذا يفيد أن الضمير في قول المصنف: كل تصرف صدر منه راجع للمتصرف لا للفضولي، لان الصبي هنا لا ينطبق عليه تعريف الفضولي المار لانه يتصرف في حق نفسه، إلا أن يجاب أن مباشرة العقد ليست حقه بل حق الولي ونحوه، فالمراد بالحق في التعريف ما يشمل العقد، كما أفاده ط.
قوله: (صبي) أي غير مأذون.
قوله: (باع مثلا الخ)(5/228)
أي تصرف تصرفا يجوز عليه لو فعله وليه في صغره كبيع وشراء وتزوج وتزويج أمته وكتابة قنه ونحوه، فإذا فعله الصبي بنفسه يتوقف على إجازة وليه ما دام صبيا، ولو بلغ قبل إجازة وليه فأجاز بنفسه جاز، ولم يجز بنفس البلوغ بلا إجازة، جامع الفصولين.
قوله: (بخلاف ما لو طلق مثلا) أي أو خلع أو حرر قنه مجانا أو بعوض أو وهب ماله أو تصدق به أو زوج قنه امرأة أو باع ماله محاباة فاحشة أو شرى شيئا بأكثر من قيمته فاحشا أو عقد عقدا مما لو فعله وليه في صباه لم يجز عليه، فهذه كلها باطلة، وإن أجازها الصبي بعد بلوغه لم تجز لانه لا مجيز لها وقت العقد فلم تتوقف على الاجازة، إلا إذا كان لفظ إجازته بعد البلوغ يصلح لابتداء العقد، فيصح ابتداء لا إجازة كقوله أوقعت ذلك الطلاق أو العتق فيقع، لانه يصلح للابتداء جامع الفصولين.
قوله: (وقف بيع مال الغير) أي على الاجازة على ما بيناه، وفي حكم الغير: الصبي لو باع مال نفسه بلا إذن وليه كما علمت، ثم إذا أجاز بيع الفضولي والثمن نقد فهو للمجيز، أما لو كان عرضا فهو للفضولي، لانه صار مشتريا له وعليه قيمته للمجيز كما سيأتي.
قوله: (لو الغير بالغا عاقلا الخ) لم أر ذلك في الحاوي.
ووجهه غير ظاهر
إذا كان للصغير أو للمجنون ولي أو كان في ولاية قاض، لانه يصير عقدا له مجيز وقت العقد فيتوقف على أنه مخالف، لما قدمناه عن جامع الفصولين من أنه: لو باع مال يتيم ثم جعله وصيا له فأجاز ذلك البيع صح استحسانا، فهذا صريح في أنه انقعد موقوفا فإنه لو لم ينعقد أصلا لم يقبل الاجازة بعد ما صار وصيا، ولعل ما في الحاوي قياس والعمل على الاستحسان.
قوله: (وهذا) أي التوقف المفهوم من قول المصنف وقف.
قوله: (على أنه لمالكه الخ) أي على أن البيع لاجل مالكه لا لاجل نفسه، وهذا مأخوذ من البحر حيث قال: ولو قال المصنف باع ملك غيره لمالكه لكان أولى، لانه لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا كما في البدائع ا ه.
لكن صاحب المتن قال في منحه: أقول: يشكل على ما نقله شيخنا على البدائع ما قالوه من أن المبيع إذا استحق لا ينفسخ العقد في ظاهر الرواية بقضاء القاضي بالاستحقاق وللمستحق إجازته.
وجه الاشكال أن البائع باع لنفسه لا للمالك الذي هو المستحق مع أنه توقف على الاجازة، ويشكل عليه بيع الغاصب فإنه يتوقف على الاجازة، فالظاهر ضعف ما في البدائع فلا ينبغي أن يعول عليه لمخالفته لفروع المذهب ا ه.
وذكر نحوه الخير الرملي، ثم استظهر أن ما في البدائع رواية خارجة عن ظاهر الرواية.
أقول: يظهر لي أن ما في البدائع لا إشكال فيه، بل هو صحيح لان قول البدائع لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا، معناه: لو باعه من نفسه فاللام بمعنى من فهو المسألة الثانية من المسائل الخمس، وحينئذ فمراد البدائع أو الموقوف ما باعه لغيره، أما لو باعه لنفسه لم ينعقد أصلا، فالخلل إنما جاء مما فهمه صاحب البحر من أن اللام للتعليل، وأنه احتراز عما إذا باعه لاجل مالكه، ولله در أخيه صاحب النهر حيث وقف على حقيقة الصواب، فقال عند قول الكنز: ومن باع ملك غيره: يعني لغيره، أما إذا باع لنفسه لم ينعقد كذا في البدائع ا ه.
لكنه لو عبر بمن بدل اللام لكان أبعد عن الايهام، وعلى كل فهو عين ما ظهر لي، والحمد لله رب العالمين.
قوله: (أو باعه من نفسه) لانه يكون(5/229)
مشتريا لنفسه، وقد صرحوا بأن الواحد لا يتولى الطرفين في البيع.
أفاده في المنح.
قوله: (أو شرط الخيار للمالك) قال في النهر: وفي فروق الكرابيسي: لو شرط الفضولي الخيار للمالك بطل العقد،
لانه له بدون الشرط فيكون الشرط له مبطلا اه.
وكان ينبغي أن يكون الشرط لغوا فقط فتدبره ا ه: أي لانه إذا كان للمالك الخيار في أن يجيز العقد أو يبطله.
يكون اشتراطه لا فائدة فيه فيلغو، وحيث لم يكن منافيا للعقد فينبغي أن لا يبطله.
وظاهر التعليل أن المراد خيار الاجازة، ومقتضى ما في الاشباه أن المراد به خيار الشرط حيث قال: خيار الشرط داخل على الحكم لا البيع فلا يبطله إلا في بيع الفضولي.
وقال البيري: وتقييده بالمالك ليس بشرط، بل إذا شرط الفضولي للمشتري له بأن قال: اشتريت هذا لفلان بكذا على أن فلانا بالخيار ثلاثة أيام لا يتوقف، كما في قاضيخان ومنية المفتي ا ه.
قلت: ولعل وجهه أن الاصل فساد العقد بشرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، إلا في صور منها ورود النص به كشرط الخيار، وفائدته التروي دفعا للغبن، ومن وقع له عقد الفضولي يثبت له الخيار بلا شرط غير مقيد بمدة، فكان اشتراط الخيار له ثلاثة أيام فقط مخالفا للنص، لانه لا فائدة فيه بل فيه ضرر بقصر المدة فلذا لم يتوقف على الاجازة بل بطل لضعف عقد الفضولي، وإن كان الشرط الفاسد يقتضي الفساد لا البطلان هذا ما ظهر لي، والله سبحانه أعلم.
قوله: (المكلف) قيد به لان المالك إذا كان صبيا أو مجنونا فالبيع باطل وإن لم يشترط الخيار له فيه ا ه ح.
وهذا بناء على ما مر عن الحاوي وعلمت ما فيه.
قوله: (أو باع عرضا الخ) بيانه: لرجل عبد وأمة فغصب زيد العبد وعمرو الامة ثم باع زيد العبد من عمرو بالامة فأجاز المالك البيع لم يجز.
قال في البحر: لان فائدة البيع ثبوت ملك الرقبة والتصرف، وهما حاصلان للمالك في البدلين بدون هذا العقد فلم ينعقد فلم تلحقه إجازة، ولو غصبا من رجلين وتبايعا وأجاز المالكان جاز، ولو غصبا النقدين من واحد وعقد الصرف وتقابضا ثم أجاز جاز، لان النقود لا تتعين في المعاوضات، وعلى كل واحد من الغاصبين مثل ما غصب، كذا في الفتح من آخر الباب ا ه.
قوله: (للمالك) أي مالك العرض الاول، وهو متعلق بمحذوف نعت العرض آخر، فيكون كل من العرضين لمالك واحد كما مشينا.
قوله: (به) متعلق بقوله: باع والضمير عائد على العرض الآخر.
قوله: (إلا في هذه الخمسة) أي الاربعة المذكورة هنا، ومسألة الحاوي هي الخامسة، وقد علمت أن الخامسة ليست كذلك، وكذلك مسألة بيعه على أنه لنفسه، فبقي المستثنى ثلاثة فقط وهي الآتية عن الاشباه.
قلت: ويزاد ما في جامع الفصولين: باع ملك غيره فشراه من مالكه وسلم إلى المشتري لم يجز والبيع باطل لا فاسد، وإنما يجوز إذا تقدم سبب ملكه على بيعه، حتى أن الغاصب لو باع المغصوب ثم ضمنه المالك جاز بيعه، أما لو شراه الغاصب من مالكه أو وهبه له أو ورثه منه لا ينفذ بيعه قبله، ولو غصب شيئا وباعه فإن ضمنه المالك قيمته يوم الغصب جاز بيعه، لا لو ضمنه قيمته يوم البيع ا ه.(5/230)
فهاتان مسألتان، فرجعت المسائل المستثناة خمسا لكن في الاخيرة كلام سيأتي.
قوله: (نفذ عليه) أي على المشتري، لو أشهد أنه يشتريه لفلان وقال فلان رضيت فالعقد للمشتري، لانه إذا لم يكن وكيلا بالشراء وقع الملك له فلا اعتبار بالاجازة بعد ذلك، لانها إنما تلحق الموقوف لا النافذ، فإن دفع المشتري إلي العبد وأخذ الثمن كان بيعا بالتعاطي بينهما، وإن ادعى فلان أن الشراء كان بأمره وأنكر المشتري فالقول لفلان لان الشراء بإقراره وقع له.
بحر عن البزازية.
قوله: (فيوقف) أي على إجازة من شرى له، فإن أجاز جاز وعهدته على المجيز لا على العاقد، وهذا لان الشراء إنما لا يتوقف إذا وجد نفاذا ولا ينفذ هنا على العاقد.
أفاده في جامع الفصولين.
قوله: (هذا) أي نفاذ الشراء على الفضولي الغير المحجور.
قوله: (فقال البائع بعته لفلان) أي وقال الفضولي اشتريت لفلان كما في البزازية وغيرها لان قوله: بع أمر لا يصلح إيجابا.
وفي الفتح قال: اشتريته لاجل فلان فقال: بعت أو قال المالك ابتداء بعته منك لاجل فلان فقال: اشتريت لم يتوقف، لانه وجد نفاذا على المشتري لانه أضيف إليه ظاهرا، وقوله: لاجل فلان يحتمل لاجل شفاعته أو رضاه ا ه.
وذكر في البزازية كذلك، ثم قال: والصحيح أنه إذا أضيف العقد في أحد الكلامين إلى فلان يتوقف على إجازته، وأقره في البحر، لكن في البزازية أيضا: لو قال اشتريت لفلان وقال البائع: بعت منك الاصح عدم التوقف ا ه.
وظاهره أنه ينفذ على المشتري، لكن نقل في البحر هذه الاخيرة عن فروق الكرابيسي وقال: بطل العقد في أصح الروايتين لانه خاطب المشتري فرده لغيره فلا يكون جوابا فكان شطر العقد، بخلاف قوله: بعته لفلان فقال: اشتريت له أو قبلت ولم يقل له، وقوله: بعت من فلان فقال: اشتريت لاجله أو قبلت فإنه يتوقف لاضافته إلى فلان في الكلامين.
قال في النهر:
وعلى هذا فالاكتفاء بالاضافة في أحد الكلامين بأن لا يضاف إلى الآخر ا ه.
وحاصله أن ما مر عن البزازية من تصحيح التوقف بالاضافة إلى فلان في أحد الكلامين محمول على ما إذا لم يضف العقد في أحد الكلامين إلى المشتري فلا ينافي ما صححه في الفروق، وعليه فلو أضيف في أحدهما إلى المشتري وفي الآخر إلى فلان بطل العقد كقوله: بعت منك فقال: اشتريت لفلان أو بالعكس، لان الكلام الثاني لا يصلح قبولا للايجاب، لكن لا يخفى أن صريح تصحيح البزازية أنه إذا أضيف إلى فلان في أحد الكلامين يتوقف، والمفهوم من تصحيح الفروق أنه لا يتوقف إلا إذا أضيف إليه في الكلامين، وهو المفهوم من كلام الفتح السابق، فصار الحاصل أنه إذا أضيف إلى فلان في الكلامين توقف على إجازته، وإلا نفذ عن المشتري ما لم يضف إلى الآخر صريحا فيبطل، ووقع في بعض الكتب هنا اضطراب وعدول عن الصواب كما يعلم من مراجعة نور العين، وهذا ما يحصل لي بعد التأمل، والله سبحانه أعلم.
قوله: (بزازية وغيرها) يوجد هنا في بعض النسخ زيادة نقلت من نسخة الشارح ونصها: قيد ببيعه لمالكه لان بيعه لنفسه باطل كما في البحر والاشباه عن البدائع كأنه لانه غاصب، وكذا من نفسه لان الواحد لا يتولى طرفي البيع إلا الاب كما مر.
وعبارة الاشباه: وبيع الفضولي موقوف إلا من ثلاث فباطل: إذا باع لنفسه بدائع.
وإذا شرط الخيار فيه للمالك تلقيح.
وإذا باع عرضا من غاصب عرض آخر للمالك به.
فتح.
لكن ضعف المصنف الاولى لمخالفتها لفروع المذهب، لتصريحهم بأن بيع الغاصب موقوف، وبأن المبيع إذا استحق(5/231)
فللمستحق إجازته على الظاهر مع أن البائع باع لنفسه لا للمالك الذي هو المستحق مع أنه توقف على الاجازة.
وأما الثانية ففي النهر: وينبغي إلغاء الشرط فقط.
قلت: وحاصله كما قاله شيخنا إن بيعه موقوف ولو لنفسه على الصحيح ا ه.
لكن في حاشية الاشباه لابن المصنف.
وردت مسألتين من الحاوي: وهما بيع الفضولي مال صغير، ومجنون لا ينعقد أصلا، وهذا آخر ما وجدته من الزيادة، ولا يخفى ما فيها من التكرار، وكأن الشارح قصد أن يعدل إليها عما كتبه أولا من قوله: أما لو باعه إلى قوله: قيد البيع.
قوله: (المحجورين) أخرج
المأذونين فلا يتوقف بيعهما ط.
قوله: (وكذا المعتوه) أي حكمه في البيع كحكم الصبي والعبد المحجورين ط.
قوله: (وسنحققه في الحجر) حيث قال: وصح طلاق عبد وإقراره في حق نفسه فقط لا سيده، فلو أقر بمال آخر إلى عتقه لو لغير مولاه ولو له هدر وبحد وقود أقيم في الحال لبقائه على أصل الحرية في حقهما، ومن عقد عقدا يدور بين نفع وضرر من هؤلاء المحجورين وهو يعقله أجاز وليه أو رد، وإن لم يعقله فباطل، وإن أتلفوا شيئا ضمنوا، لكن لا ضمان العبد بعد العتق ا ه.
وبه ظهر أن قول العمادية لا تنعقد الخ ليس على إطلاقه، وإن مراده بلا تنعقد لا تنفذ، فيشمل ما ينعقد موقوفا وما لا ينعقد أصلا فلا يخالف ما في المتن.
قوله: (ووقف بيع ماله من فاسد عقل الخ) كذا في الدرر، وفي أول البيع الفاسد من البحر عن الخلاصة: وبيع غير الرشيد موقوف على إجازة القاضي ا ه.
وهذا أولى لان الكلام في توقف المبيع.
أما على ما في المتن فالموقوف شراء فاسد العقل.
أما البيع الصادر من الرشيد فغير موقوف، ولذا قال في الشرنبلالية: هذا التركيب فيه نظر.
والمسألة من الخانية: الصبي المحجور إذا بلغ سفيها يتوقف بيعه وشراؤه وعلى إجازة الوصي أو القاضي.
وفي الخلاصة: إذا باع ماله وهو غير رشيد يتوقف على إجازة القاضيا ه.
قلت: وهذا على قولهما: أما على قول الامام فتصرفه صحيح كما سيأتي في بابه.
مطلب في بيع المرهون والمستأجر قوله: (ووقف بيع المرهون والمستأجر الخ) أي فإن إجازة المرتهن والمستأجر نفذ، وهل يملكان الفسخ؟ قيل: لا وهو الصحيح، وقيل: يملكه المرتهن دون المستأجر لان حقه في المنفعة، ولذا لو هلكت العين لا يسقط دينه وفي الرهن يسقط، وتمامه في البحر.
وجزم في الخانية بالثاني، لكن في حاشية الفصولين للرملي على الزيلعي: لا يملك المرتهن الفسخ في أصح الروايتين ا ه.
وليس للراهن والمؤجر الفسخ.
وأما المشتري فله خيار الفسخ إن لم يعلم بالاجارة والرهن عند أبي يوسف، وعندهما: له ذلك وإن علم، وعزى كل منهما إلى ظاهر الرواية كما في الفتح، لكن في حاشية الفصولين للرملي عن الولوالجية أن قولهما هو الصحيح، وعليه الفتوى، بقي لو لم يجز المستأجر حتى انفسخت الاجارة نفذ البيع السابق، وكذا ا لمرتهن إذا قضى دينه كما في جامع الفصولين.
وفهي أيضا عن الذخيرة: البيع
بلا إذن المستأجر نفذ في حق البائع والمشتري لا في حق المستأجر، فلو سقط حق المستأجر عمل ذلك البيع ولا حاجة إلى التجديد وهو الصحيح، ولو أجازه المستأجر نفذ في حق الكل، ولا ينزع من يده(5/232)
ليصل إليه ماله، إذ رضاه بالبيع يعتبر لفسخ الاجارة لا للانتزاع من يده.
وعن بعضنا: أنه لو باع وسلم أجازهما المستأجر بطل حتى حبسه ولو أجاز البيع لا التسليم لا يبطل حق حبسه ا ه.
تنبيه: لو بيع المستأجر من مستأجره لا يتوقف كما علم مما ذكرناه، وبه صرح في الفصولين وغيره.
وفيه: باع المستأجر ورضي المشتري أن لا يفسخ الشراء إلى مضي مدة الاجارة ثم يقبضه من البائع، فليس له مطالبة البائع بالتسليم قبل مضيها، ولا للبائع مطالبة المشتري بالثمن ما لم يجعل المبيع بمحل التسليم.
قوله: (ومزارع) صورته كما في ح عن الفتاوى الهندية: إذا دفع أرضه مزارعة مدة معلومة على أن يكون البذر من قبل العامل فزرعها العامل أو لم يزرع فباع صاحب الارض الارض يتوقف على إجازة المزارع ا ه.
أي لانه في حكم المستأجر للارض.
وأما لو كان البذر من المالك فينفذ لو لم يزرع، لان المزارع أجير له، ولو زرع لا لتعلق حق المزارع.
وتمامه في جامع الفصولين.
قوله: (نفذ) حقه أن يقول توقف، لانه إذا علم في المجلس توقف على إجازته فيخير بين أخذه وتركه، لان الرضا لم يتم قبله لعدم العلم فيتخير كما في خيار الرؤية كما ذكره في البحر من المرابحة.
قوله: (وإلا بطل) المناسب لما بعده وإلا فسد.
قوله: (قلت الخ) استدراك على المصنف، فإن مفاد كلامه أن المتوقف صحته: أي أن صحيح له عرضية الفساد فهو مبني على الضعيف، ويمكن حمل كلام المصنف على ما بعد العلم في المجلس.
قوله: (وبيع المبيع من غير مشتريه) قال في الدرر: صورته باع شيئا من زيد ثم باعه من بكر لا ينعقد الثاني، حتى لو تفاسخا الاول لا ينعقد الثاني، لكن يتوقف على إجازة المشتري إن كان بعد القبض، وإن كان قبله في المنقول لا، وفي العقار على الخلاف ا ه.
قوله: أولا: لا ينعقد الثاني، معناه: لا ينفذ بقرينة الاستدراك عليه بقوله لكن يتوقف الخ، وأراد بالخلاف ما سيأتي في فصل التصرف من أن بيع العقار قبل قبضه صحيح عندهما لا عند محمد، فهو عنده كبيع المنقول.
واعترضه في الشرنبلالية بما حاصله أن الخلاف الآتي إنما هو فيما إذا اشترى عقارا فباعه قبل
قبض، والكلام هنا في بيع البائع.
قلت: لا يخفى أن الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة، فالبيع في الحقيقة من المشتري، ولذا قال في جامع الفصولين: شراه ولم يقبضه حتى باعه البائع من آخر بأكثر فأجازه المشتري لم يجز، لانه بيع ما لم يقبض ا ه.
فاعتبره بيعا من جانب المشتري قبل قبضه، فافهم.
وظاهره أنه يبقى على ملك المشتري الاول، ويأتي تمامه في فصل التصرف في المبيع.
قوله: (لدخوله في بيع مال الغير) لا يخفى أن في هذه الصورة تفصيلا وفرقا بين الاجازة قبل القبض أو بعده وهو محتاج للتنبيه عليه، بخلاف غيرها من بيع مال الغير، فالاولى ذكرها كما فعل في الدرر.
قوله: (وبيع المرتد) فإنه موقوف عند الامام على الاسلام، ولا يتوقف عندهما ط.
قوله: (إن علم في المجلس صح) أي وله الخيار.
شرنبلالية عند(5/233)
قوله: والبيع بما باع فلان والظاهر أن المسائل بعده كذلك.
قوله: (وإلا بطل) غير مسلم لانه فاسد يملك بالقبض شرنبلالية.
قوله: (وبيع فيه خيار المجلس كما مر) الذي مر أول البيوع أنه إذا أوجب أحدهما فللآخر القبول في المجلس، لان خيار القبول مقيد به، فإذا قبل فيه لزم البيع بلا خيار إلا لعيب أو رؤية خلافا للشافعي، فإن كان المراد خيار القبول ففيه كما قال الواني إن البيع الموقوف إنما يكون بعد الايجاب والقبول، وإن كان المراد خيار الشرط، ففي الشرنبلالية أنه ليس من الموقوف، والخيار المشروط المقدر بالمجلس صحيح، وله الخيار ما دام فيه.
وإذا شرط الخيار ولم يقدر له أجل كان له الخيار بذلك المجلس فقط كما في الفتح ا ه.
وبيانه أن الموقوف مقابل للنافذ، وما فيه خيار مقابل للازم، فما فيه خيار غير لازم لا موقوف، لكن قد يقال: إن لزومه موقوف على إسقاط الخيار فيصح وصفه بالموقوف، لكن على هذا لا حاجة للتقييد بالمجلس، بل كان عليه أن يقول: وبيع فيه خيار الشرط ليشمل ما كان مقيدا بالمجلس وغيره، ولئلا يتوهم منه خيار القبول.
ثم إن ما تقله الشرنبلالي عن الفتح مخالف لما قدمه الشارح من أن خيار الشرط ثلاثة أيام أو أقل وأنه يفسد عند إطلاق أو تأبيد، وقدمنا هناك أنه إذا أطلق عن التقييد بثلاثة أيام إنما يفسد إذا أطلق وقت العقد.
أما لو باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له: أنت بالخيار، فله الخيار ما دام في المجلس كما في البحر
عن الولوالجية وغيرها، وحمل عليه في البحر كلام الفتح.
قوله: (على إجازة المالك) فلو تداولته الايدي فأجاز عقدا من العقود جاز ذلك العقد خاصة كما سيأتي تحريره.
وفي جامع الفصولين: لو باعه الغاصب ثم ضمنه مالكه جاز البيع، ولو شراه غاصبه من مالكه أو وهبه منه أو ورثه لم ينفذ بيعه قبل ذلك.
قوله: (يعني إذ باعه لمالكه الخ) تبع في ذلك المصنف، مع أن المصنف ذكر فيها مر أن هذا مخالف لفروع المذهب، فلا فرق بين بيعه لمالكه أو لنفسه، وقد علمت الكلام على ما في البدائع.
قوله: (على البينة) أي إن أنكر الغاصب ط.
قوله: (وبيع ما في تسليمه ضرر) كبيع جذع من السقف سواء كان معينا أو لا على ما في النهر عن الفتح، وقد علم أن المراد تعداد الموقوف، ولو صدر فاسدا فإن البيع في هذه الصورة فاسد موقوف ط.
قوله: (وبيع المريض لوارثه) أي ولو بمثل القيمة وهذا عنده، وعندهما: يجوز ويخير المشتري بين فسخ وإتمام لو فيه غبن أو محاباة قلت أو كثرت، كذا وصى الميت له باعه من الوارث فهو على هذا الخلاف، وكذا وارث صحيح بايع من مورثه المريض فهو على هذا الخلاف عنده لم يجز ولو بقيمته، وعندهما: يجوز جامع الفصولين.
قوله: (على إجازة الباقي) أو على صحة المريض، فإن صح من مرضه نفذ، وإن مات منه ولم تجز الورثة بطل.
فتح.
قوله: (على إجازة الغرماء) عزاه في البحر إلى الزيلعي، ومثله في جامع الفصولين.
قوله: (وبيع أحد الوكيلين) عزاه في البحر إلى وكالة الزيلعي، ثم ذكر أحد الوصيين أو الناظرين وقال: توقف على إجازة الآخر أخذا من الوكيلين ولم أرهما الآن صريحا ا ه.(5/234)
مطلب: البيع الموقوف نيف وثلاثون قوله: (وأوصله) أي البيع الموقوف.
قوله: (إلى نيف وثلاثين) أي ثمان وثلاثين، ذكر المصنف والشارح منها ثلاثة وعشرون صورة.
ذكر في النهر بيع غير الرشيد فإنه موقوف على إجازة القاضي.
والذي ذكره المصنف هنا البيع منه وبيع البائع المبيع بعد القبض من غير المشتري فإنه يتوقف على إجازة المشتري، وما شرط فيه الخيار أكثر من ثلاث، فإن الاصح أنه موقوف، وشراء الوكيل نصف عبد وكل في شراء كله فإنه موقوف إن اشترى الباقي قبل الخصومة نفد على الموكل وبيع نصيبه
من مشترك بالخلط أو الاختلاط فإنه موقوف على إجازة شريكه، وتقدم ذلك أول كتاب الشركة، وبيع المولى عبده المأذون فإن موقوف على إجازة الغرماء، وكذا بيعه أكسابه وبيع وكيل الوكيل بلا إذن فإنه موقوف على إجازة الوكيل الاول، وبيع الصبي بشرط الخيار إذا بلغ الصبي في المدة، والبيع بما حل به أو بما يريده أو بما يحب أو برأس ماله أو بما اشتراه ا ه: أي فإنه يتوقف على بيانه في المجلس كما تقدم نظيره ط.
قوله: (قبول الاجازة) أي ولو تداولته الايدي كما قدمناه آنفا.
قوله: (من المالك) أفاد أنه لا تجوز إجازة وارثه كما يذكره قريبا ويغني عن هذا تصريح المصنف بأن من شروط الاجازة قيام صاحب المتاع.
قوله: (بأن لا يتغير المبيع) علم منه حكم هلاكه بالاولى، فإن لم يعلم حاله جاز البيع في قول أبي يوسف أو لا وهو قول محمد لان الاصل بقاؤه ثم رجع أبو يوسف وقال: لا يصلح حتى يعلم قيامه عند الاجازة، لان الشك وقع في شرط الاجازة فلا يثبت مع الشك.
فتح ونهر، ولو اختلفا في وقت الهلاك فالقول للبائع أنه هلك بعد الاجازة لا للمشتري أنه هلك قبلها كما في جامع الفصولين.
قوله: (بحيث يعد شيئا آخر) بيان للمنفي وهو التغير، فلو صبغه المشتري فأجاز المالك البيع جاز، ولو قطعه وخاطه ثم أجاز لا يجوز لانه صار شيئا آخر.
منح ودرر، ومثله في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث، ويخالفه ما في البحر والبزازية أنه لو أجازه بعد الصبغ لا يجوز.
تأمل.
وفي جامع الفصولين: باع دارا فانهدم بناؤها ثم أجاز يصح لبقاء الدار ببقاء العرصة.
قوله: (لان إجازته كالبيع حكما) أي ولا بد في البيع من قيام هذه الثلاثة.
قوله: (لو كان عرضا معينا) بأن كات بيع مقايضة.
فتح.
وقيده بالتعيين لان الاحتراز عن الدين إنما يحصل به فإن العرض قد يكون دينا على ما ستقف عليه.
ابن كمال: أي كالسلم.
قوله: (فيكون ملكا للفضولي) أي فإذا هلك يهلك عليه ط.
وإنما توقف على الاجازة لان إجازة المالك إجازة عقد لا إجازة عقد، بمعنى أن المالك أجاز للبائع أن ينقد ما باعه ثمنا لما ملكه بالعقد لا إجازة عقد، لان العقد لازم على الفضولي كما في العناية.
قال في البحر: لانه لما كان العوض متعينا كان شراء من وجه والشراء لا يتوقف بل ينفذ على المباشر إن وجد نفاذا فيكون ملكا له وبإجازة المالك لا ينتقل إليه، بل تأثير إجازته في النقد لا العقد، ثم يجب على الفضولي مثل المبيع إن كان مثليا، وإلا فقيمته لانه لما صار البدل له صار مشتريا لنفسه بمال(5/235)
الغير مستقرضا له في ضمن الشراء فيجب عليه رده، كما لو قضى دينه بمال الغير.
واستقراض غير المثلي جائز ضمنا وإن لم يجز قصدا، ألا ترى أن الرجل إذا تزوج امرأة على عبد الغير صح ويجب عليه قيمته.
قوله: (أمانة في يد الفضولي) فلو هلك لا يضمنه كالوكيل، لان الاجازة اللاحقة كالوكلة السابقة من حيث إنه صار بها تصرفه نافذا، وإن لم يكن من كل وجه فإن المشتري من المشتري من الفضولي إذا أجاز المالك لا ينفذ بل يبطل، بخلاف الوكيل، وتمامه في الفتح، وأطلقه فشمل ما إذا هلك قبل تحقق الاجازة أو بعده كما يأتي بيانه.
فرع: لو أراد المشتري استرداد الثمن منه بعد دفعه له على رجاء الاجازة لم يملك ذلك.
ذكره في المجتبى آخر الوكالة.
رملي على الفصولين.
قوله: (وحكمه أيضا الخ) تبع في ذلك المصنف وهو عدول عن ظاهر المتن، فإن الظاهر منه أن قوله: وأخذ الثمن مبتدأ، وقوله الآتي: إجازة خبره، وهذا أولى كما يفيده قوله الآتي عن العمادية: ويكون إجازة أفاده ط.
قوله: (أخذ المالك الثمن) الظاهر أن أل للجنس فيكون أخد بعضه إجازة أيضا لدلالته على الرضا، ولتصريحهم في نكاح الفضولي بأن قبض بعد المهر إجازة.
أفاده الرملي عن المصنف.
قوله: (وهل للمشتري الخ) كان الاولى ذكر هذه الجملة بتمامها عقب ما قدمه عن الملتقى، لان ذاك فيما إذا وجدت الاجازة، وهذا فيما إذا لم توجد.
وحاصله: أنه إذا لم توجد الاجازة يبقى الثمن غير العرض على ملك المشتري، فإذا هلك في يد الفضولي هل يضمنه للمشتري؟ ففي شرح الوهبانية: قال في القنية بعد أن رمز للقاضي عبد الجبار والقاضي البديع: اشترى من فضولي شيئا ودفع إليه الثمن مع علمه بأنه فضولي ثم هلك الثمن في يده، ولم يجز المالك البيع فالثمن مضمون على الفضولي.
ثم رمز القاضيخان وقال: رجع على الفضولي بمثل الثمن، ثم رمز لبرهان صاحب المحيط وقال: لا يرجع عليه بشئ ثم رمز لظهير الدين المرغيناني وقال: إن علم أنه فضولي وقت أداء الثمن يهلك أمانة.
ذكره في المنتقى.
قال البديع: وهو الاصح ا ه.
وعلة تصحيح كونه أمينا أن الدفع إليه مع العلم بكونه فضوليا صيره كالوكيل ا ه.
قوله: (واعتمده ابن
الشحنة) كأنه أخذ اعتماده له من ذكر علة التصحيح المذكورة.
تأمل.
قوله: (وأقره المصنف).
قلت: وبه جزم في البزازية وجامع الفصولين، وعزاه في شرح الملتقى إلى القهستاني عن العمادية.
قوله: (وجزم الزيلعي وابن ملك الخ) حيث قالا: وإذا أجاز المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يد الفضولي بمنزلة الوكيل حتى لا يضمن بالهلاك في يده سواء هلك بعد الاجازة أو قبلها، لان الاجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ا ه.
وبه علم أن قول الشارح مطلقا معناه: سواء هلك قبل الاجازة أو بعدها، فافهم.
ثم اعلم أن المتبادر من كلام الزيلعي وابن ملك أن المراد: إذا وجدت الاجازة لا يضمن الفضولي الثمن سواء هلك قبلها أو بعدها، لان الثمن غير العرض يصير ملكا للمجيز، لان الفضولي(5/236)
بالاجازة اللاحقة صار كالوكيل، فيكون الثمن في يده أمانة قبل الهلاك من حين قبضه فيهلك على المجيز وإن كانت الاجازة بعد الهلاك، والمتبادر من كلام القنية أن الاجازة لم توجد أصلا، لا قبل الهلاك ولا بعده، فلذا اختلف المشايخ في ضمانه وعدمه.
وأما ما ذكره الزيلعي وابن ملك فلا وجه للاختلاف فيه، فلا منافاة بين النقلين، هذا ما ظهر لي فتدبره.
وبقي ما إذا هلك الثمن العرض في يد الفضولي قبل الاجازة، ففي جامع الفصولين: يبطل العقد ولا تلحقه الاجازة، ويضمن للمشتري مثل عرضه أو قيمته لو قيميا لانه قبضه بعقد فاسد ا ه.
تتمة: لم يذكر حكم هلاك المبيع وذكره في جامع الفصولين.
وحاصله أنه لو هلك قبل الاجازة، فإن كان قبل قبض المشتري بطل العقد، وإن بعده لم يجز بالاجازة وللمالك تضمين أيهما شاء وأيهما اختار تضمينه ملكه، ويبرأ الآخر فلا يقدر على أن يضمنه، ثم إن ضمن المشتري بطل البيع، لان أخذ القيمة كأخذ العين، وللمشتري أن يرجع على البائع بثمنه لا بما ضمن، وإن ضمن البائع: فإن كان قبض البائع مضمونا عليه: أي بأن قبضه بلا إذن مالكه نفذ بيعه بضمانة، وإن كان قبضه أمانة، وإنما صار مضمونا عليه بالتسليم بعد البيع لا ينفذ بيعه بضمانة، لان سبب ملكه تأخر عن عقده.
وذكر
محمد في ظاهر الرواية أن البيع يجوز بتضمين البائع، وقيل: تأويله أنه سلم أولا حتى صار مضمونا عليه ثم باعه فصار كمغصوب ا ه.
قوله: (بئسما صنعت) قال في جامع الفصولين: هو إجازة في نكاح وبيع وطلاق وغيرها، كذا روي عن محمد.
وفي ظاهر الرواية: هو رد، وبه يفتي ا ه.
والظاهر أن مثله أسأت.
قوله: (على المختار) أي في أحسنت وأصبت، ومقابله ما في الخانية من أنه ليس إجازة لانه يذكر للاستهزاء.
وفي الذخيرة أن فيه روايتين.
وفي جامع الفصولين: أحسنت أو وفقت أو كفيتني مؤنة البيع أو أحسنت فجزاك الله خيرا ليس إجازة، لانه يذكر للاستهزاء، إلا أن محمدا قال: إن أحسنت أو أصبت إجازة استحسانا.
أقول: ينبغي أن يفصل، فإن قاله جدا فهو إجازة، لا لو قاله استهزاء، ويعرف بالقرائن، ولو لم توجد ينبغي أن يكون إجازة إذ الاصل هو الجد ا ه.
وفي حاشيته للرملي عن المصنف أن المختار ما ذكره من التفصيل كما أفصح عنه البزازي.
قوله: (لو المبيع قائما) ذكره لانه تتمة عبارة العمادية، وإلا فالكلام فيه.
قوله: (بيع الآجر) بالجيم المكسورة.
قوله: (جاز) لانه بعدم إجازته لا ينفسخ، لما مر من أن المستأجر لا يملك الفسخ.
قوله: (بالفعل وبالقول) الاول من قوله أخذ الثمن، والثاني من قوله أو طلبه وما بعده.
وفي جامع الفصولين: لو أخذ المالك بثمنه خطأ من المشتري فهو إجازة، لا لو سكت عند بيع الفضولي بحضرته ا ه.
وسيذكر الشارح مسألة السكوت آخر الفصل.
قوله: (وإن للمالك الخ) استفيد ذلك من قول المصنف وحكمه قبول الاجازة، فإن المراد إجازة المالك كما مر فإنه يفيد أن له الفسخ أيضا، وأن المشتري والفضولي ليس لهما الاجازة، فافهم.
قوله: (وللمشتري الفسخ) أي قبل إجازة المالك تحرزا عن لزوم العقد.
بحر.
وهذا عند التوافق، على أن المالك لم يجز(5/237)
البيع ولم يأمر به فلا ينافي قول المصنف الآتي: باع عبد غيره بغير أمره الخ.
هذا، وذكر في الفتح وجامع الفصولين في باب الاستحقاق: ولو استحق فأراد المشتري نقض البيع بلا قضاء ولا رضا البائع لا يملكه، لان احتمال إقامة البينة على النتاج من البائع أو على التلقي من المستحق ثابت، إلا إذا حكم القاضي فيلزم العجز فينفسخ ا ه.
وقد مر أول الفصل أن الاستحقاق
من صور بيع الفضولي، فينبغي تقييد قوله: وللمشتري الفسخ بالرضا أو القضاء.
تأمل.
قوله: (وكذا للفضولي قبلها) أي قبل إجازة المالك ليدفع الحقوق عن نفسه فإنه بعد الاجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد إليه فيطالب بالتسليم ويخاصم بالعيب، وفي ذلك ضرر عليه فله دفعه عن نفسه قبل ثبوته.
قوله: (لا النكاح) أي ليس للفضولي في النكاح الفسخ بالقول ولا بالفعل لانه معبر محض، فبالاجازة تنتقل العبارة إلى المالك فتصير الحقوق منوطة به لا بالفضولي.
وفي النهاية أن له الفسخ بالفعل، بأن زوج رجلا امرأة ثم أختها قبل الاجازة فهو فسخ للاول، وفي الخانية خلافه.
بحر ملخصا.
قوله: (خير المشتري في حصته) أي حصة المجيز، لان المشتري رغب في شرائه ليسلم له جميع المبيع، فإذا لم يسلم يخير لكونه معيبا بعيب الشركة، وألزمه محمد بها لانه رضي بتفريق الصفقة عليه ليعلمه أنهما قد لا يجتمعان على الاجازة، شرح المجمع.
قوله: (فالمعتبر إجازته) ولو بدأ بالرد ثم أجاز فالمعتبر ما بدأ به، رملي على الفصولين.
قوله: (مطلقا) أي علم المالك بالثمن أو لم يعلم.
وأجاب صاحب الهداية أنه إذا علم بالحط بعد الاجازة فله الخيار بين الرضا والفسخ.
بحر عن البزازية.
فروع: في الفصولين: أمره ببيعه بمائة دينار فباعه بألف درهم فقال المالك قبل العلم: أجزت جاز بألف درهم، وكذا النكاح، لا لو قال: أجزت ما أمرتك به.
برهن المالك على الاجازة ليس له أخذ الثمن من المشتري إلا إذا ادعى الفضولي وكله بقبضه.
مات العبد في يد المشري ثم ادعى المالك الامر أو الاجازة، فإن قال كنت أمرته به صدق، ولو قال: بلغني فأجزته لم يصدق إلا ببينة، وكذا لو زوج الكبيرة أبوها ومات زوجها فطلبت الارث وادعت الامر أو الاجازة.
قوله: (اشترى من غاصب عبدا) لو قال من فضولي لكان أولى، لانه إذا لم يسلم المبيع لم يكن غاصبا مع أن الحكم كذلك، ولعله إنما ذكره لاجل قوله: أو باعه فإن بيع العبد قبل قبض فاسد.
أفاده في البحر.
وصورة المسألة: زيد باع عبد رجل بلا إذنه من عمرو فأعتق عمرو العبد أو باعه من بكر فأجاز المالك بيع زيد أو ضمنه أو ضمن عمرا المشتري وهو المعتق نفذ عتق عمر وإن كان أعتقه، وأما إن كان باعه فلا ينفذ البيع.
قوله: (فأجاز المالك بيغ الغاصب) قيد به، لانه لو أجاز
بيع المشتري منه وهو بيع عمرو لبكر جاز.
قال في جامع الفصولين رامزا للمبسوط: لو باعه المشتري من غاصب ثم وثم حتى تداولته الايدي فأجاز مالكه عقدا من العقود جاز ذلك العقد خاصة لتوقف كلها على الاجازة، فإذا أجاز عقدا منها جاز ذلك خاصة ا ه.
وبه ظهر أن بيع المشتري من(5/238)
الغاصب موقوف.
وأما ما في البحر والنهر عن النهاية والمعراج من أنه باطل فهو مخالف لما في جامع الفصولين وغيره من الكتب كما حرره الخير الرملي في حاشية البحر.
قوله: (أو أدى الغاصب الضمان إلى المالك على الاصح.
هداية) وتبعه في البناية، خلافا لما في لزيلعي من أنه لا ينفذ بأداء الضمان من الغاصب وينفذ بأدائه من المشتري.
أفاده في البحر.
قوله: (نفذ الاول) هذا عندهما.
وقال محمد: لا يجوز عتقه أيضا لانه لم يملكه.
قوله: (وهو البيع) أي بيع المشتري من الغاصب، أما بيع الغاصب فإنه ينفذ بإجازة المالك، وكذا بالتضمين.
وفي جامع الفصولين: وإنما يجوز لو تقدم سبب ملكه على بيعه، حتى أن غاصبه لو باعه ثم ضمنه مالكه جاز بيعه، ولو شراه غاصبه من مالكه أو وهبه منه أو ورثه لم ينفذ بيعه قبل ذلك، إذا الغصب سبب الملك عند الضمان، وليس بسبب البيع أو الهبة أو الارث، فبقي السبب وهو البيع والهبة والارث متأخرا عن البيع، ويجوز بيعه لو ضمنه قيمته يوم غصبه لا يوم بيعه ا ه.
ثم ذكر أنه لم يفصل بين قيمة وقيمة في عامة الروايات.
قوله: (لان الاعتاق الخ) علة لنفاذ الاعتاق، وأما عدم نفاذ البيع فلبطلانه بالاجازة لانه يثبت بها الملك للمشتري باتا.
مطلب: إذا طرأ ملك بات على موقوف أبطله والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله، وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف.
وأورد عليه أن بيع الغاصب ينفذ بأداء الضمان مع أنه طرأ ملك بات للغاصب على ملك المشتري الموقوف.
وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري.
بحر.
وأجاب في حواشي مسكين بأن هذا غير وارد، لان الاصل المذكور ليس على إطلاقه، لما في البزازية عن القاعدي ونصه: الاصل أن من باشر عقدا في ملك الغير ثم ملكه ينفذ لزوال المانع
كالغاصب باع المغصوب ثم ملكه، وكذا لو باع ملك أبيه ثم ورثه نفذ، وطرو البات إنما يبطل الموقوف إذا حدث لغير من باشر الموقوف، كما إذا باع المالك ما باعه الفضولي من غير الفضولي ولو ممن اشترى من الفضولي.
أما إن باعه من الفضولي فلا ا ه.
قلت: وعليه ففي مسألة بيع المشتري من الغاصب لو أجاز بيع الغاصب نفذ وبطل بيع المشتري، لان الملك البات للغاصب طرأ على ملك موقوف باشره هو، وأما بالنسبة إلى المشتري فقد طرأ على ملك موقوف لغير من باشره، لان المباشر للبيع الثاني الموقوف هو المشتري، نعم لو أجاز عقد المشتري يكون طور البات لمن باشر الموقوف.
قوله: (لثبوت ملكه به) أي بالضمان لا بالغصب، لان الغصب(5/239)
غير موضوع لافادة الملك ا ه ح.
قوله: (ولو قطعت يده) أي يد ما باعه الغاصب.
وقوله: مثلا أشار به إلى أن المراد أرش أي جراحة كانت، واحترز بالقطع من القتل أو الموت عند المشتري، فإن البيع لا يجوز بالاجازة لفوات المعقود عليه، وشرط صحة الاجازة قيامه كما مر، وتمامه في الفتح.
قوله: (عند مشتريه) احتراز عن الغاصب كما يأتي.
قوله: (له): أي للمشتري.
قوله: (يكون للمشتري) تصريح بما أفاده التشبيه في قوله: وكذا الخ.
قوله: (لان الملك تم له من وقت الشراء) أي فتبين أن القطع ورد على ملكه ط عن المنح.
قوله: (بخلاف الغاصب) أي لو قطعت اليد عنده ثم ضمن قيمته لا يكون الارش له لما مر قريبا من أن ثبوت ملكه بالضمان: أي لا بالغصب، لان الغصب غير موضوع للملك فلا يملك الارش وإن ملك العبد لعدم حصوله في ملكه.
قوله: (بما زاد) أي من الارش على نصف الثمن إن كان نصف القيمة أكثر من نصف الثمن.
نهر.
قوله: (وجوبا) قال في البحر: هو ظاهر ما في الفتح.
قوله: (لعدم دخوله في ضمانه) لان الملك غير موجود حقيقة وقت القطع، وأرش اليد الواحدة في الحر نصف الدية، وفي العبد نصف القيمة، والذي دخل في ضمانه هو ما كان بمقابلة الثمن، ففيما زاد في نصف الثمن شبهة عدم الملك.
وتمامه في البحر.
قوله: (قيد اتفاقي) فإنه وإن وقع في الجامع الصغير فليس من صورة المسألة.
فتح: أي لان ذكره يفيد توافق المتعاقدين عليه مع أنه محل المنازعة بينهما.
قوله: (مثلا) راجع لقوله: فبرهن لما
في النهر وغيره من أنه لو لم تكن بينة كان القول لمدعي الامر، إذ غيره متناقض فلا تصح دعواه، ولذا لم يكن له استحلافه ا ه.
وليس راجعا لقوله: المشتري على معنى أن البائع كذلك لانه يتكرر مع قول المصنف، كما لو أقام البائع البينة، أفاده ط.
قوله: (الفضولي) لامحل لذكره بعد تصريحه بأن قوله: بغير أمره قيد اتفاقي.
قوله: (ردت بينته) أي إن برهن، وقوله: ولم يقبل قوله أي إن لم يبرهن.
قوله: (للتناقض) إذ الاقدام على الشراء والبيع دليل على دعوى الصحة، وأنه يملك البيع ودعوى الاقرار بعدم الامر تناقضه، وقبول البينة مبني على صحة الدعوى.
نهر وغيره.
واعترض بأن التوفيق ممكن لجواز أن لا يعلم إلا بعد الشراء بإخبار عدول له بأنا سمعنا إقرار البائع بذلك قبل البيع.
وأجاب في البحر بأنه وإن أمكن التوفيق بذلك لكنه ساع في نقض ما تم من(5/240)
جهته فسعيه مردود عليه فقولهم إمكان التوفيق يدفع التناقض على أحد القولين مقيد بما إذا لم يكن ساعيا في نقض ما تم من جهته.
قوله: (إلا في مسألتين) ذكرهما في البحر هنا، لكن الشارح قدم في الوقف عند قوله: باع دارا ثم ادعى أني كنت وقفتها أن المستثنى سبع، وقدمنا هناك عن قضاء الاشباه أنها تسع، ومر الكلام عليها فراجعه.
قوله: (ولو عند غير القاضي) أفاد أن قول الكنز عند القاضي قيد اتفاقي.
قوله: (لان التناقض) أي من البائع لا يمنع صحة الاقرار لعدم التهمة في إقراره على نفسه، فللمشتري أن يساعده على ذلك فيتحقق الاتفاق بينهما فيبطل البيع في حقهما.
قوله: (خلافا للثاني) فعنده لرب العبد مطالبة المشتري، فإذا أدى رجع على البائع.
نهر.
وفيه: ولو أنكر المالك التوكيل وتصادقا عليه، فإن برهن الوكيل فبها وإلا استحلف المالك، فإن نكل لزمه لا إن حلف.
وتمامه فيه وفي البحر.
قوله: (بغير أمره) لا حاجة إليه لانه محل النزاع ط.
ولذا لم يذكره في الكنز.
قوله: (نهر) نقله عن البناية ولم يتكلم على مفهومه، ولعله لانه أولوي فإنه إذا لم يضمن إذا قبضها لا يضمن إذا لم يقبض بالاولى ط.
قوله: (فقيد اتفاقا) أي وقع في الكنز وغيره اتفاقا مقصودا للاحتراز، لانه إذا لم يدخلها يكون بالاولى.
قوله: (لعدم سراية إقراره على المشتري) هذا لا يصلح علة لما قبله، وإنما هو علة لعدم نزع الدار من يد المشتري، وأما علة عدم ضمان البائع قيمة الدار مع
إقراره بغصبها فهي عدم صحة غصب العقار، وهو قولهما، وقال محمد: يضمن قيمة الدار، وهو قول أبي يوسف أولا لصحة غصبه عنده ط.
ولذا قال في الفتح: وهي مسألة غصب العقار هل يتحقق أو لا؟ فعند أبي حنيفة لا فلا يضمن: وعند محمد نعم فيضمن ا ه.
قوله: (فإن برهن الخ) وإن لم يبرهن كان التلق مضافا إلى عجزه عنه لا إلى عقد البائع.
قال السائحاني: والظاهر أن الثمن يوضع في بيت المال حتى يتبين الحال.
قوله: (لانه نور دعواه بها) أي جعل لها نورا بالبينة: أي أوضحها وأظهرها.
قوله: (باعه) أي الشئ.
قوله: (فتصير مملوكة لا زوجة) إنما نص على أنها لا تصير زوجة مع أن البيع يقدم على الاجارة والرهن أيضا لانه يفهم من نفي الزوجية نفي الادنى منها بالاولى.
قال في الفتح: ونثبت الهبة لو وهبه فضولي وآجره آخر، وكل من العتق والكتابة والتدبير أحق من غيرها لانها لازمة، والاجارة أحق من الرهن لافادتها ملك المنفعة والبيع أحق من الهبة لبطلانها بالشيوع، فما لا يبطل بالشيوع كهبة فضولي عبد أو بيع آخر إياه يستويان، لان الهبة مع القبض تساوي(5/241)
البيع في إفادة الملك، وهبة المشاع فيما لا يقسم صحيحة، فيأخذ كل نصفه، ولو زوجاها كل من رجل فأجيزا بطلا، ولو باعاها تنتصف بين المشتريين ويخبر كل منهما ا ه.
والله سبحانه أعلم.
باب الاقالة مناسبتها للفضولي أنه عقد يرفع عند عدم الاجازة والاقالة رفع ط.
وذكرها في الهداية والكنز عقب البيع الفاسد والمكروه لوجوب رفع كل منهما على المتعاقدين كما مر، ويأتي تمامه.
قوله: (من أقال) ويأتي ثلاثيا يقال: قاله قيلا من باب باع إلا أنه قليل.
نهر.
قوله: (أجوف) أي عينه حرف علة ثم بينه بأنه يائي، وهو خبر مبتدأ محذوف: أي هو أجوف، ويائي خبر ثان ا ه ح.
وفيه رد على من قال: إنه واوي من القول والهمزة للسلب، فأقال بمعنى أزال القول: أي القول الاول وهو البيع، كأشكاه: أزال شكايته، ودفع بثلاثة أوجه ذكرها في الفتح: الال قولهم قلته بالكسر فهو يدل على أن عينه ياء لا واو فليس من القول.
الثاني أنه ذكر الاقالة في الصحاح من القاف من الياء لا مع الواو.
الثالث أنه ذكر في مجموع اللغة قال البيع قيلا وإقالة: فسخه ا ه.
قوله: (رفع العقد) ولو في بعض المبيع لما في
الحاوي: لو باع منه حنطة مائة من دينار ودفعها إليه فافترقا ثم قال للمشتري: ادفع إلي الثمن أو الحنطة التي دفعتها إليك فدفعها أو بعضها فهو فسخ في المردود ا ه.
قوله: (فعبر بالعقد) فهو تعريف للاعم من إقالة البيع والاجارة ونحوهما.
بحر.
واعترضه في النهر بأن مراده بالعقد عقد البيع.
قلت: تخصيصه بالبيع لكون الكلام فيه، وإلا فهو تعريف للاقالة مطلقا، لان حقيقتها في الاجارة لا تخالف حقيقتها في البيع، ولذا لم يذكر لها باب في غير هذا الموضع ونظيره النية مثلا تذكر في باب الصلاة ونحوها، وتعرف بالقصد الشامل للصلاة وغيرها، فافهم.
والمراد بالعقد القابل للفسخ بخيار كما يعلم مما يأتي، بخلاف النكاح.
قوله: (وهذا ركنها) الاولى تأخيره عن قوله: أو أحدهما مستقبل كما فعل المصنف ط.
قوله: (أو أحدهما مستقبل الخ) اعلم أن الاقالة عند أبي يوسف بيع، إلا أن لا يمكن ففسخ كما يأتي، وعند محمد بالعكس.
والعجب أن قول أبي يوسف كقول الامام في أنها تصح بلفظين أحدهما مستقبل مع أنها بيع عنده والبيع لا ينعقد بذلك، ومحمد يقول: إنها فسخ ويقول: لا تنعقد إلا بماضيين لانها كالبيع، فأعطاها بسبب الشبه حكم البيع.
وأبو يوسف مع حقيقة البيع لم يعطها حكمه، والجواب له أن المساومة لا تجري في الاقالة فحمل اللفظ على التحقيق، بخلاف البيع.
فتح.
قوله: (لعدم المساومة فيها) إشارة إلى الجواب المذكور أي لان الاقالة لا تكون إلا بعد نظر وتأمل، فلا يكون قوله: أقلني مساومة بل كان تحقيقا للتصرف كما في النكاح، وبه فارق البيع كما في شروح الهداية.
قوله: (وقال محمد: كالبيع) أي فلا تنعقد إلا(5/242)
بماضيين كما مر.
قال في الفتح: والذي في الخانية أن قول الامام كقول محمد.
قوله: (قال البرجندي الخ) قال في الفتح: وفي الخلاصة: اختاروا قول محمد: وفي الشرنبلالية: ويرجح قول محمد كون الامام معه على ما في الخانية ا ه.
قلت: واختار المصنف قول أبي يوسف تبعا للدرر واللمتقى.
قوله: (وتصح أيضا الخ) فلا يتعين فيها لفظ كما في الفتح، وظاهره أنه لا فرق بين الاقالة وهذه الالفاظ، وهو غير مراد، فإن الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما، وهذا إذا كانت بلفظ الاقالة، فلو بلفظ مفاسخة أو
متاركة أو تراد لم تجعل بيعا اتفاقا، ولو بلفظ بيع فبيع إجماعا كما يأتي، فتنبه لذلك.
وفي البزازية: طلب الاقالة فقال المشتري هات الثمن فإقالة اه.
قلت: والظاهر أن مثله ما لو كان الطلب من المشتري فقال البائع: خذ الثمن.
وفيها: اشترى عبدا ولم يقبضه حتى قال للبائع بعه لنفسك فلو باع جاز وانفسخ الاول، ولو قال بعه لي أو بعه ممن شئت أو بعه ولم يزد عليه لا يصح ا ه.
وظاهره أنه في الصورة الاولى ينفسخ، وإن باعه بعد المجلس.
تأمل.
ووجهه أنه إقالة اقتضاء، فإن أمره بالبيع لنفسه لا يتم إلا بتقدم الاقالة، فهو نظير قولك أعتق عبدك عني بألف، بخلاف بقية الصور، فإنه توكيل لا إقالة.
ثم رأيت ذلك التوجيه في الولوالجية وفي البزازية: ولا يصح تعليق الاقالة بالشرط بأن باع ثورا من زيد فقال: اشتريه رخيصا فقال زيد: إن وجدت مشتريا بالزيادة فبعه منه.
فوجد فباع بأزيد لا ينعقد البيع الثاني، لانه تعليق الاقالة لا الوكالة بالشرط، وفيها: قال المشتري إنه يخسر، فقال البائع بعه فإن خسر فعلي، فباع فخسر لا يلزمه شئ.
قوله: (هو الصحيح.
بزازية) عبارتها: قبض الطعام المشتري وسلم بعض الثمن ثم قال بعد أيام إن الثمن غال فرد البائع بعض الثمن المقبوض، فمن قال البيع ينعقد بالتعاطي من أحد الجانبين جعله إقالة وهو الصحيح، ومن شرط القبض من الجانبين لا يكون إقالة عنده ا ه.
ومثله في الخانية.
قوله: (وفي السراجية) الخ مقابل الصحيح، والمراد بالتسليم تسليم المبيع، وبالقبض قبض الثمن المدفوع ط.
قوله (وتتوقف على القبول) فلو اشترى حمارا ثم جاء به ليرده، فلم يقبله البائع صريحا واستعمل الحمار أياما ثم امتنع عن رد الثمن وقبول الاقالة كان له ذلك، لانه لم رد كلام المشتري بطل فلا تتم الاقالة باستعماله.
خانية.
قوله: (في المجلس) فلو قبل بعد الزوال المجلس أو بعد ما صدر عنه فيه ما يدل على الاعراض لا تتم الاقالة.
ابن ملك.
وفي القنية: جاء الدلال بالثمن إلى البائع بعد ما باعه بالامر المطلق، فقال له البائع لا أدفعه بهذا الثمن فأخبر به المشتري فقال أنا لا أريده أيضا، لا ينفسخ لانه ليس من ألفاظ الفسخ، ولان اتحاد المجلس في الايجاب والقبول شرط في الاقالة ولم يوجد، اشترى حمارا ثم جاء ليرده فلم يجد البائع فأدخله في إصطبله فجاء البائع بالبيطار فبزغه فليس بفسخ، لان فعل البائع وإن كان قبولا ولكن يشترط فيه اتحاد المجلس ا ه.
قوله: (ولو كان القبول فعلا) أفاد أنه
بعد الايجاب لا يكون من التعاطي، لان التعاطي ليس فيه إيجاب لما قدمناه أول البيوع عن الفتح من أنه(5/243)
إذا قال بعتكه بألف فقبضه ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا خلافا لمن قال إنه بيع بالتعاطي، لان التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ا ه.
تنبيه: قال في البزازية: جاء بقبالة العقار المشتري، فأخذها البائع وتصرف في العقار فإقالة.
وفي الخزانة.
دفع القبالة إلى البائع، وقبضه ليس بإقالة.
وكذا لو تصرف البائع في المبيع بعد قبض القبالة وسكت المشتري لعدم تسليم المبيع وقبض الثمن ا ه.
قلت: والقبالة بالفتح: الصك الذي يكتب فيه الدين ونحوه، والظاهر أن ما ذكره أولا من كون ذلك إقالة مبني على ما هو الصحيح من الاكتفاء بالتعاطي من أحد الجانبين وهو تصرفه في المبيع بعد قبض القبالة وما ذكره عن الخزانة مبني على أنه لا بد لكونه من الجانبين بقرينة التعليل، تأمل.
قوله: (فور قول المشتري أقلتك) متعلق بالامرين.
قال في الفتح: ويجوز قبول الاقالة دلالة بالفعل، كما إذا قطعه قميصا في فور قول المشتري: أقلتك ا ه.
والمراد بالفورية: أن يكون في المجلس بأن يقطعه قبل أن يتفرقا ولم يتكلم بشئ كما في ح عن الخانية.
وظاهر هذا أن القبض فورا بلا قطع لا يكفي، وهو خلاف قول الشارح: أو قبضه ولعل المسألة مفروضة فيما إذا كان الثوب بيد البائع قبل قوله: أقلتك فتأمل.
ثم رأيت في الذخيرة) وكذا في الحاوي صورة المسألة بما يرفع الاشكال حيث قال: وكذا دلالة بالفعل، ألا ترى أن من باع ثوبا وسلمه ثم قال للمشتري: أقلت البيع فاقطعه لي قميصا فإن قطعه في المجلس فهو إقالة وإلا فلا ا ه.
فالمتكلم بقوله، أقلت هو البائع، والقاطع هو المشتري، لا البائع.
عكس ما في الفتح والخانية فقطع المشتري الثوب قبل قبض البائع قبول دلالة ولا إشكال فيه.
فتدبر.
قوله: (لان من شرائطها الخ) علة لقوله: وتتوقف الخ ولا يرد أن المعطوفات لا تصلح تعليلا له، لان العلة مجموع ما ذكر فكأنه قال: لان لها شروطا منها اتحاد المجلس فافهم.
قوله: (ورضا المتعاقدين) لان الكلام في رفع عقد لازم، وأما رفع ما ليس بلازم فلم له الخيار بعلم صاحبه لا يرضاه بحر.
وحاصله: أن رفع العقد غير اللازم وهو ما فيه خيار لا يسمى إقالة، بل هو فسخ لانه لا يشترط
فيه رضاهما، فافهم.
قوله: (أو الورثة أو الوصي) أشار إلى ما في البحر من أنه لا يشترط لصحتها بقاء المتعاقدين، فتصح إقالة الوارث والوصي، ولا تصح إقالة الموصى له كما في القنية ا ه.
قوله: (وبقاء المحل) أي المبيع كلا أو بعضا لما سيذكره االمصنف من أنه يمنع صحتها هلاك المبيع وهلاك بعضه يمنع بقدره.
قوله: (القابل للفسخ بخيار) نعت للمحل وبخيار متعلق بالفسخ، ووصف المحل بقوله الفسخ مجاز لان القابل لذلك عقده.
قال ح: أي القابل للفسخ بخيار من الخيارات كخيار العيب والشرط والرؤية كما في الفتاوى الهندية ا ه.
وفي الخلاصة: والذي يمنع الرد بالعيب يمنع الاقالة.
ومثله في الفتح.
قوله: (فلو زاد الخ) تفريع على قوله: القابل للفسخ بخيار وقدمنا في خيار العيب أن الزيادة إما متصلة متولدة كسمن وجمال أو غير متولدة كفرس وبناء وخياطة، وإما منفصلة متولدة كولد وثمرة وأرش أو غير متولدة ككسب وهبة، والكل إما قبل القبض أو بعده، ويمتنع الفسخ بخيار العيب في موضعين: في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط، فافهم.
ويأتي زيادة بيان.
قوله: (وقبض بدلي الصرف في إقالته) أي إقالة عقد الصرف، أما على قول أبي يوسف(5/244)
فظاهر، لانها بيع، وأما على أصلها فلانها بائع في حق ثالث وهو حق الشرع.
بحر.
قوله: (وأن لا يهب البائع الثمن للمشتري) أي المشتري المأذون.
فلو وهبه لم تصح الاقالة بعدها، وقوله: قبل قبضه أي قبل قبض البائع الثمن من المأذون، وذلك لانها لو صحت الاقالة حينئذ لكان تبرعا بالمبيع للبائع، ولا يقدر على الرجوع عليه بالثمن لانه لم يصل إلى البائع منه شئ، وهو ليس من أهل التبرع.
أما بعد القبض فيرجع المأذون عليه بالثمن لوصوله ليده فلم يكن متبرعا فصحت الاقالة، ويرجع على البائع بعدها بقدر الموهوب له فيكون الواصل إليه قدر الثمن مرتين الموهوب وقدره.
وقاس ح على المأذون وصي اليتيم ومتولي الوقف نظرا للصغير والوقف، فيجري فيهما حكمه ط.
قوله: (في بيع مأذون ووصي ومتول) وكذا إذا اشتروا بأقل من القيمة، فإن الاقالة لا تصح.
نهر.
وكان على الشارح أن يقول: وأن لا يهب الثمن للمشتري المأذون أو الوصي أو المتولي قبل قبضه، وأن لا يكون بيعهم بأكثر من القيمة ولا شراؤهم بأقل منها ا ه ح، ويمكن أن يكون قوله: في بيع مأذون الخ قيد للمسألتين، لكن المأذون
مع ما عطف عليه بالنسبة إلى المسألة الاولى مشتر وبالنسبة إلى الثانية بائع، فتكون إضافة بيع بالنظر إلى الاولى من إضافة المصدر إلى مفعوله وبالنظر إلى الثانية إلى فاعله.
تأمل.
قوله: (الاصل أن من ملك البيع) أي أو الشراء كما يظهر مما يأتي.
قوله: (الثلاثة المذكورة) أي المأذون والوصي والمتولي إذا باعوا بأكثر من القيمة.
قال في جامع الفصولين: الوصي والمتولي لو باع شيئا بأكثر من قيمته ثم أقال لم يجز ا ه.
وعبارة الاشباه إلا في مسائل: اشترى الوصي من مديون الميت دارا بعشرين وقيمتها خمسون لم تصح الاقالة.
اشترى المأذون غلاما بألف وقيمته ثلاثة آلاف لم تصح.
والمتولي على الوقف لو أجر الوقف ثم أقال ولا مصلحة لم يجز عل الوقف ا ه.
فما في جامع الفصولين في البيع وما في الاشباه في الشراء.
مطلب: تحرير مهم في إقالة الوكيل بالبيع قوله: (والوكيل بالشراء) بخلاف الوكيل بالبيع تصح، ويضمن.
بحر.
ثم قال: وإنما يضمن الوكيل بالبيع إذا أقال بعد قبض الثمن، أما قبله فيملكها في قول محمد، كذا في الظهيرية ا ه.
وفي جامع الفصولين: الوكيل بالبيع لو أقال أو احتال أو أبرأ أو حط أو وهب صح عندهما وضمن لموكله، لا عند أبي يوسف الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الاقالة إجماعا ا ه.
وفي حاشية الخير الرملي بعد أن ذكر عبارة البحر أقول: وفيه توقف من وجوه: الاول تقييده الضمان بما إذا كانت الاقالة بعد قبض الثمن، مع أن الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الاقالة إجماعا.(5/245)
الثاني قوله: فيملكها عند محمد مع أنها جائزة عند الامام أيضا، فما وجه التخصيص بقول محمد.
الثالث ترتب عدم الضمان على كونه يملكها، مع قولهم تصح عندهما وضمن لموكله فهو صريح في الضمان مع كونها صحيحة.
وصريح كلام الظهيرية وإطلاقه يفيد صحة إقالة وكيل البيع مطلقا قبل قبض الثمن وبعده.
ثم رأيت في جامع الفتاوى والبزازية ما صورته: والوكيل بالمبيع يملك الاقالة بخلاف الوكيل بالشراء، يستوي أن تكون الاقالة قبل القبض أو بعده، فتأمله مع ما في الظهيرية، ومع ما في جامع الفصولين.
والظاهر أن معنى قوله في الظهيرية: فيملكها في قول محمد: أي على الموكل فيعود المبيع إى ملكه معنى قوله في الفصولين: الوكيل لو قبض الثمن لا يملك الاقالة إجماعا: أي على
الموكل فلا يعود المبيع إلى ملكه وتصح الاقالة عليه فيضمن، وبهذا يحصل التوفيق ويتضح الامر، وقد ذكر في البحر أول الاقالة فرعا لطيفا عن القنية فيه دلالة على صحة التوفيق المذكور، فراجعه.
فتحصل أن إقالته تصح عند الامام قبل القبض وبعده ويضمن، وعند محمد: يملكها قبله على الموكل، فتصح ولا يضمن، وبعده تصح ويضمن.
وعند أبي يوسف: لا تصح مطلقا ولا يضمن اه كلام الخير الرملي.
قلت: وهو توفيق لطيف، لكن ذكر في الباب العاشر من بيوع البزازية إقالة الوكيل بالبيع جائزة عند الامام ومحمد ا ه.
ومثله في القنية وزاد: أن المعنى فيه كون إقالته تسقط الثمن عن المشتري عندهما، ويلزم المبيع الوكيل، وعند أبي يوسف: لا تسقط الثمن عن المشتري أصلا ا ه.
ولعل ما في الظهيرية رواية عن محمد ويؤيده ما في وكالة كافي الحاكم الشهيد: لو وكل رجل رجلا ببيع خادم له فباعها ثم أقال البائع البيع فيها لزمه المال والخادم له، وكذلك لو لم يكن قبضها المشتري حتى أقاله من عيب أو من غير عيب ا ه.
فهذا نص المذهب، ومقتضاه أنه قول أئمتنا الثلاثة لكونه لم يذكر فيه خلافا، وظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل قبض الثمن أو بعده، وهو الوجه لان الاقالة بيع جديد في حق ثالث وهو الموكل هنا، فإذا أقال البائع بلا إذنه لا يصير مشتريا له إذ لا يملك ذلك عليه، بل صار البائع مشتريا لنفسه إذ الشراء متى وجد نفاذا لا يتوقف، وبه يظهر وجه الفرع الذي ذكره في البحر عن القنية، وهو قوله: باعت ضيعة مشتركة بينها وبين ابنها البالغ وأجاز الابن البيع ثم أقالت وأجاز الابن الاقالة ثم باعتها ثانيا بغير إجازته يجوز، ولا يتوقف على إجازته، لان بالاقالة يعود المبيع إلى ملك العاقد لا إلى ملك الموكل والمجيز ا ه.
أي أنها بإجازة ابنها البيع الاول صارت وكيلة عنه فيه، ثم صارت بالاقالة مشتريه لنفسها فلذا نفذ بيعها الثاني بلا إجازة، ويظهر مما ذكرنا أن إقالة المتولي أو الوصي البيع فيما تقدم تصح عليه ويضمن، فاغتنم تحرير هذا المحل.
قوله: (قيل وبالسلم) أي عند أبي يوسف قال في جامع الفصولين: الوكيل بالسلم لو قبض أدون مما شرط صح، وضمن لموكله ما شرط عند أبي حنيفة ومحمد، وكذا لو أبرأ عن السلم أو وهبه قبل قبضه أو أقاله أو احتال به صح، وضمن عندهما، ولم يجز عند أبي يوسف.
قوله: (ولا إقالة في نكاح الخ) أي لعدم
قبول الفسخ بخيار.
قوله: (للحديث) هو قوله (ص): من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته.
أخرجه أبو داود، وزاد ابن ماجه: يوم القيامة ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: على شرط الشيخين،(5/246)
وعند البيهقي من أقال نادما فتح.
قوله: (وتجب في عقد مكروه وفاسد) لوجوب رفع كل منهما على المتعاقدين صونا لهما عن المحظور، ولا يكون إلا بالاقالة كما في النهاية وتبعه غيره.
قال في الفتح: وهو مصرح بوجوب التفاسخ في العقود المكروهة السابقة وهو حق، لان رفع المعصية واجب بقدر الامكان ا ه.
وظاهر كلام النهاية أن ذلك إقالة حقيقة، ومقتضاه أنه يترتب عليه أحكام البيع الآتية، وأورد عليه أن الفاسد يجب فسخه على كل منهما بدون رضا الآخر، وكذا للقاضي فسخه بلا رضاهما، والاقالة يشترط لها الرضا، اللهم إلا أن يراد بالاقالة مطلق الفسخ كما أفاده محشي مسكين.
قلت: وإليه يشير كلام الفتح المذكور، وهو الظاهر لان المقصود منه رفع العقد كأنه لم يكن رفعا للمعصية والاقال تحقق العقد من بعض الاوجه، فلا بد أن يكون الفسخ في حق المتعاقدين وحق غيرهما.
والله سبحانه أعلم.
قوله: (وفيما إذا غره البائع يسيرا الخ) أصل البحث لصاحب البحر وضمن الشارح غره معنى غبنه، والمعنى: إذ غره غابنا له غبنا يسيرا: أي فإذا طلب منه المشتري الاقالة وجبت عليه رفعا للمعصية.
تأمل.
قوله: (كما سيجئ) أي في آخر الباب الآتي.
قوله: (وحكمها أنها فسخ الخ) الظاهر أنه أراد بالفسخ الانفساخ.
لان حكم العقد الاثر الثابت به كالملك في البيع، وأما الفسخ بمعنى الرفع فهو حقيقتها.
قوله: (فسخ في حق المتعاقدين) هذا إذا كانت قبل القبض بالاجماع، وأما بعده فكذلك عند الامام إلا إذا تعذر بأن ولدت المبيعة فتبطل: قال أبو يوسف: هي بيع إلا إذا تعذر بأن وقعت قبل القبض في منقول، فتكون فسخا إلا إذا تعذر أيضا بأن ولدت المبيعة والاقالة قبل القبض فتبطل.
وقال محمد: هي فسخ إن كانت بالثمن الاول أو بأقل، ولو بأكثر أو بجنس آخر فبيع، والخلاف مقيد بما إذا كانت بلفظ الاقالة كما يأتي.
نهر.
والصحيح قول الامام كما في تصحيح العلامة.
قاسم.
قوله: (فيما هو من موجبات العقد) قيد به الزيلعي وتبعه أكثر الشراح وفيه شئ، فإن الكلام فيما هو من موجبات العقد لا فيما هو ثابت بشرط زائد إذ الاصل عدمه، فقولهم فسخ: أي لما أوجبه عقد البيع، فهو على
إطلاقه تدبر.
رملي على المنح.
قوله: (أي أحكام العقد) أي ما ثبت بنفس العقد من غير شرط، بحر قوله: (بشرط زائد) الاولى أن يقول: بأمر زائد، وذلك كحلول الدين فإنه لا ينفسخ بالاقالة ليعود الاجل، لان حلوله إنما كان برضا من هو عليه حيث ارتضاه ثمنا فقد أسقطه فلا يعود بعد ط.
قوله: (كأنه باعه منه) أي كأن المشتري باع العين من البائع، لانه لما سقط الدين سقط الاجل، وصارت المقابلة بعد ذلك كأنه باع المبيع من بائعه فيثبت له عليه دين جديد.
تأمل.
قوله: (ولو رده بخيار) أي خيار عيب وعبارة بحر بعيب.
قوله: (لانه فسخ) فإن الرد بخيار العيب إذا كان بالقضاء يكون فسخا ولذا يثبت(5/247)
للبائع رده على بائعه، بخلاف ما إذا كان بالتراضي، فإنه بيع جديد.
قوله: (لم تعد الكفالة فيهما) أي في الاقالة والرد بعيب بقضاء ا ه ح.
فتحصل أن الاجل والكفالة في البيع بما عليه لا يعودان بعد الاقالة، وفي الرد بقضاء في العيب يعود الاجل، ولا تعود الكفالة ا ه ط.
قلت: ومقتضى هذا أنه لو كان الرد بالرضا لا تعود الكفالة بالاولى، وذكر الرملي في كتاب الكفالة أنه ذكر في التتارخانية عن المحيط، عدم عودها سواء كان الرد بقضاء أو رضا وعن المبسوط أنه إن كان بالقضاء تعود، وإلا فلا.
ثم قال الرملي والحاصل: أن فيها خلافا بينهم.
قوله: (لا قبله مطلقا) أي متصلة أو منفصلة.
قال في الفتح: والحاصل أن الزيادة متصلة كانت كالسمن أو منفصلة كالولد والارش والعقر، إذا كانت قبل القبض لا تمنع الفسخ والدفع وإن كانت بعد القبض متصلة، فكذلك عنده، وإن كانت منفصلة بطلت الاقالة لتعذر الفسخ معها ا ه.
ومثله في ابن ملك على المجمع لكن قدمنا عن الخلاصة أن ما يمنع الرد بالعيب يمنع الاقالة، وقدمنا أيضا أن الرد بالعيب يمتنع في المتصلة الغير المتولدة مطلقا، وفي المنفصلة المتولدة لو بعد القبض فقط.
ويوافقه ما في الخامس والعشرين من جامع الفصولين: أن الرد بالعيب يمتنع لو الزيادة متصلة لم تتولد اتفاقا كصبغ وبناء، والمنفصلة المتولدة كولد وثمر وأرش وعقر تمنع الرد، وكذا تمنع الفسخ بسائر أسباب الفسخ والمنفصلة التي لم تتولد
ككسب وغلة لا تمنع الرد والفسخ بسائر أسبابه ا ه.
تنبيه: قال في الحاوي: تقايلا البيع في الثوب بعدما قطعه المشتري وخاطه قميصا، أو في الحديد بعد ما اتخذه سيفا لا تصح الاقالة كمن اشترى غزلا فنسجه أو حنطة فطحنها، وهذا إذا تقايلا على أن يكون الثوب للبائع، والخياطة للمشتري: يعني يقال للمشتري: افتق الخياطة وسلم الثوب لما فيه من ضرر المشتري فلو رضي بكون الخياطة للبائع بأن يسلم الثوب إليه كذلك نقول: تصح ا ه.
وفي حاشية الخير الرملي على الفصولين: وقد سئلت في مبيع استغله المشتري هل تصح الاقالة فيه؟ فأجبت بقولي: نعم، وتطيب الغلة له والغلة اسم للزيادة المنفصلة كأجرة الدار وكسب العبد، فلا يخالف ما في الخلاصة من قوله: رجل باع آخر كرما فسلمه إليه فأكل نزله: يعني ثمرته سنة ثم تقايلا، لا تصح، وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها الاجنبي ا ه.
قوله: (وتصح بمثل الثمن الاول) حتى لو كان الثمن عشرة دنانير، فدفع إليه دراهم ثم تقايلا، وقد رخصت الدنانير رجع بالدنانير لا بما دفع، وكذا لو رد بعيب وكذا في الاجرة لو فسخت، ولو عقد بدراهم فكسدت ثم تقايلا رد الكاسد، كذا في الفتح.
نهر قوله: (وبالسكوت عنه) المراد أن الواجب هو الثمن الاول سواء سماه أو لا.
قال في الفتح: والاصل في لزوم الثمن، أن الاقالة فسخ في حق المتعاقدين، وحقيقة الفسخ ليس إلا رفع الاول، كأن لم يكن فيثبت الحال الاول، وثبوته برجوع عين الثمن إلى مالكه كأنه لم يدخل في الوجود غيره، وهذا يستلزم تعين الاول ونفي غيره من الزيادة والنقص وخلاف الجنس ا ه.
قوله: (ويرد مثل المشروط الخ) ذكر هذا هنا غير مناسب، لان ليس من فروع(5/248)
كونها فسخا بل من فروع كونها بيعا، ولذا ذكره الزيلعي وغيره في محترزات قوله فيما هو من موجبات العقد، فقال: كذا لو قبض أردأ من الثمن الاول أو أجود منه يجب رد مثل المشروط في البيع الاول كأنه باعه من البائع بمثل الثمن الاول، وقال الفقيه أبو جعفر: عليه رد مثل المقبوض، لانه لو وجب عليه رد مثل المشروط، للزمه زيادة ضرر بسبب تبرعه، ولو كان الفسخ بخيار رؤية أو شرط أو بعيب بقضاء يجب رد المقبوض إجماعا لانه فسخ من كل وجه ا ه.
ومثله في المنح، فافهم.
قوله: (ولو
تقايلا الخ) قدمناه آنفا عن النهر.
قوله: (لم تجز إقالته) مراعاة للوقف والصغير.
منح.
وينبغي أن تجوز على نفسه في مسألة البيع كما قدمناه.
قوله: (وإن شرط غير جنسه) متعلق بما قبل الاستثناء، فكان ينبغي تقديمه عليه ا ه ح.
قوله: (أو أكثر منه) أي من الثمن الاول أو من الجنس.
قوله: (أو أجله) بأن كان الثمن حالا فأجله المشتري عند الاقالة، فإن التأجيل يبطل وتصح الاقالة، وإن تقايلا ثم أجله ينبغي أن لا يصح الاجل، عند أبي حنيفة، فإن الشرط اللاحق بعد العقد يلتحق بأصل العقد عنده، كذا في القنية بحر.
لكن تقدم في البيع الفاسد أنه لا يصح البيع إلى قدوم الحاج، والحصاد والدياس، ولو باع مطلقا ثم أجل إليها صح التأجيل، وقدمنا أيضا تصحيح عدم التحاق الشرط الفاسد.
قوله: (إلا من تعيبه) أي تعيب المبيع عند المشتري فإنها تصح بالاقل، وصار المحطوط بإزاء نقصان العيب.
قهستاني.
قوله: (لا أزيد ولا أنقص) فلو كان أزيد أو أنقص، هل يرجع بكل الثمن أو بنقص بقدر العيب ويرجع بما بقي، فليراجع ط.
قلت: الظاهر الثاني، لان الاقالة عند التعيب جائزة بالاقل، والمراد نفي الزيادة والنقصان عن مقدار العيب، فصار الباقي بمنزلة أصل الثمن فتلغو الزيادة والنقصان فقط ويرجع بما بقي، والله أعلم.
تنبيه: علم من كلامهم أنه لو زال العيب فأقال على أقل من الاول لا يلزم إلا الاول، بقي لو زال بعد الاقالة هل يرجع المشتري على البائع بنقصان العيب الذي أسقطه من الثمن الاول؟ مقتضى كونها فسخا في حقهما أنه يرجع، ونظيره ما قدمناه في أوائل باب خيار العيب، لو صالحه عن العيب ثم زال رجع البائع.
تأمل.
وفي التاترخانية تعيبت الجارية بيد المشتري أو بآفة سماوية وتقايلا، ولم يعلم البائع بالعيب وقت الاقالة إن شاء أمضى الاقالة وإن شاء رد، وإن علم به لا خيار له ا ه.
قال الخير الرملي في حواشي المنح بعد نقله أقول: فلو تعذر الرد بهلاك المبيع هل يرجع بنقصان العيب بمقتضى جعلها بيعا جديدا أم لا لانها فسخ في حقهما؟ الظاهر الثاني ا ه.
وهذا يؤيده ما قلنا.
قوله: (قيل الخ) نقله في البحر عن البناية عن تاج الشريعة، ولم يعبر عنه بقيل، ولعل الشارح أشار إلى ضعفه لمخالفته إطلاق ما في الزيلعي والفتح من نفي الزيادة والنقصان، مع أن وجه هذا القول
ظاهر، لان المراد بما يتغابن فيه ما يدخل تحت تقويم المقومين، فلو كان المبيع ثوبا حدث فيه عيب، بعضهم يقول بنقصه عشرة، وبعضهم أحد عشر فهذا الدرهم يتغابن فيه؟ نعم، لو اتفق المقومون على(5/249)
شئ خاص تعين نفي الزيادة، تأمل.
قوله: (لا تفسد بالشرط الفاسد) كشرط غير الجنس أو الاكثر أو الاقل كما علمت.
قوله: (وإن لم يصح تعليقها به) مثل له في البحر بما قدمناه عن البزازية من قول المشتري للبائع إن وجدت مشتريا بأزيد فبعه منه.
قوله: (كما سيجئ) أي قبيل باب الصرف ا ه ح.
قوله: (والرابع الخ) صورته باع زيد من عمرو شيئا منقولا كثوب، وقبضه ثم تقايلا ثم باعه زيد ثانيا من عمرو قبل قبضه منه جاز البيع، لان الاقالة فسخ في حقهما، فقد عاد إلى البائع ملكه السابق فلم يكن بائعا ما شراه قبل قبضه.
قوله: (ولو كان) أي عقد المقايلة.
قوله: (البطل) أي فسد، وبه عبر المصنف ووجهه أنه باع المنقول قبل قبضه ط.
قوله: (كبيعه من غير المشتري) أي كما لو باعه البائع المذكور من غير المشتري قبل قبضه من المشتري فيفسد البيع لكون الاقالة بيعا جديدا في حق ثالث، فصار بائعا ما شراه قبل قبضه، بخلاف ما إذا باعه من المشتري لما علمت.
قوله: (جاز قبض المكيل والموزون) المراد جواز التصرف به ببيع أو أكل بلا إعادة كيله أو وزنه، ولو كانت الاقالة بيعا لم يجز ذلك كما سيأتي في بابه.
وقوله: منه: أي من المشتري متعلق بقبض.
قوله: (قبل القبض) متعلق بهبة، وفائدته أنه لو كانت الاقالة بيعا انفسخ، لان البيع ينفسخ بهبة المبيع للبائع قبل القبض كما في البحر، وإذا انفسخ لم تصح الهبة.
قوله: (بيع في حق ثالث) إنما كانت عنده فسخا في حقهما لانها تنبئ عن الفسخ والرفع، وبيعا في حق الثالث ضرورة أنه يثبت به مثل حكم البيع، وهو الملك لا مقتضى الصيغة، فحمل عليه لعدم ولايتهما على غيرهما كما في الزيلعي وتوضيحه في الشرنبلالية عن الجوهرة.
قوله: (بلفظ الاقالة) أي صريحا أو ضمنا لانها قد تكون بالتعاطي كما مر، فالمراد الاحتراز عما لو كانت بلفظ فسخ ونحوه أو بيع.
قوله: (في غير العقار) أي في المنقول، لانه لا يجوز بيعه قبل قبضه، أما في العقار فهي بيع مطلقا لجواز بيعه قبل قبضه، وما ذكره الشارح من كونها بيعا قبل القبض فسخا قبله، هو ما جزم به الزيلعي، وذكر في البحر عن البدائع أن هذا رواية عن أبي حنيفة.
قال: وظاهره ترجيح الاطلاق ا ه.
ويؤيده ما في الجوهرة من أنه لا خلاف بينهم أنها بيع في حق الغير، سواء كانت قبل القبض أو بعده، حمله على العقار بعيد، فليتأمل.
قوله: (لم تجعل بيعا اتفاقا) إعمالا لموضوعه اللغوي.
ط عن الدرر.
قوله: (ولو بلفظ البيع) كما لو قال البائع له: بعني ما اشتريت فقال: بعت كان بيعا.
بحر.
قوله: (فبيع إجماعا) أي من أبي يوسف منهما فيجري فيها حكم البيع حتى إذا دفع السلعة من غير بيان الثمن، كان بيعا فاسدا ط.
وكذا يفسد لو كان المبيع منقولا قبل قبضه وما في ح أنها بيع لو بعد القبض، وإلا ففسخ لئلا يلزم بيع المنقول قبل قبضه ففيه أن هذا التفصيل ففي لفظ الاقالة والكلام في لفظ البيع، فافهم، ولا يرد ما قدمناه عن البزازية من أن المشتري لو قال للبائع: بعه لنفسك، فلو باع جاز وانفسخ الاول، لان المراد بالبيع هنا أن يبيعه(5/250)
المشتري للبائع وفيما مر إذنه بالبيع لنفسه يقتضي تقدم الاقالة كما قدمناه.
قوله: (وثمرته) أي ثمرة كونها بيعا في حق ثالث.
قوله: (فسلم الشفيع الشفعة) قيد به لتظهر فائدة كونها بيعا وإلا لو لم يسلم بأن أقال قبل أن يعلم الشفيع بالبيع فله الاخذ بالشفعة أيضا إن شاء بالبيع الاول وإن شاء بالبيع الحاصل بالاقالة.
تأمل رملي.
قوله: (قضى له بها) أي إذا طلبها عند علمه بالمقايلة.
قوله: (والثاني لا يرد الخ) أي إذا باع المشتري المبيع من آخر ثم تقايلا ثم اطلع على عيب كان في يد البائع، فأراد أن يرده على البائع ليس له ذلك، لانه بيع في حقه فكأنه اشتراه من المشتري.
بحر فالثالث هنا هو البائع الاول، وهذه كما في الشرنبلالية حيلة للشراء بأقل مما باع قبل نقده ثمنه.
قوله: (لانه) أي الموهوب له لما تقايل مع المشتري منه صار كالمشتري من المشتري منه، فكأنه عاد إليه الموهوب بملك جديد وذلك مانع من رجوع الواهب في هبته، فالثالث هنا هو الواهب.
قوله: (والرابع المشتري الخ) صورته: اشترى شيئا فقبضه قبل نقد الثمن، فباعه من آخر، ثم تقايلا وعاد إلى المشتري ثم إن البائع اشتراه من المشتري بأقل من الثمن قبل النقد جاز ويجعل في حق البائع كأنه ملكه بسبب جديد.
فتح.
قوله: (إذ الرد بعيب بلا قضاء إقالة) أي والاقالة بيع جديد في حق الفقير، فيكون بالبيع الاول مستهلكا للعروض فتجب الزكاة، ولو كانت الاقالة فسخا في حق الفقير لارتفع البيع الاول وصار كأنه لم يبع وقد هلكت
العروض فلا تجب الزكاة ا ه ح.
وعن هذا قيد المصنف بكون العبد للخدمة، إذ لو كان للتجارة لم يكن البيع استهلاكا، فإذا هلكت العروض بعد الرد لم تجب زكاتها، وكذا قيد بكون الرد بغير قضاء، لانه بالقضاء يكون فسخا في حق الكل، فكأنه لم يصدر بيع، فلا تجب زكاتها بهلاكها بعده.
أفاده ط.
بقي شئ وهو أن كون الاقالة بيعا في حق ثالث شرطه كونها بلفظ الاقالة كما قدمه، والرد بلا قضاء ليس فيه لفظها، والجواب أن هذا الرد إقالة حكما، وليس المراد خصوص حروف الاقالة كما نبهنا عليه فيما مر.
فتدبر.
قوله: (التقابض في الصرف) لما مر من أن قبض بدلية شرط في صحتها.
قال في الفتح: لانه مستحق الشرع، فكان بيعا جديدا في حق الشرع.
قوله: (ووجوب الاستبراء) أي إذا اشترى جارية وقبضها ثم تقايلا البيع نزل هذه التقايل منزلة البيع في حق ثالث، حتى لا يكون للبائع الاول وطؤها إلا بعد الاستبراء.
حموي عن ابن مالك.
قوله: (لانه حق الله تعالى) علة للمسألتين.
قوله: (والاقالة بعد الاجارة والرهن) أي لو اشترى دارا فأجرها أو رهنها، ثم تقايل مع البائع.
ذكر في النهر أخذا من قولهم إنها بيع جديد في حق ثالث أنها تتوقف على إجازة المرتهن، أو قبضه دينه وعلى إجازة المستأجر.
قوله: (فالمرتهن ثالثهما) الاولى زيادة المستأجر.
قوله: (فهي تسعة)(5/251)
يزاد ما قدمه في قوله: أما لو وجب بشرط زائد كانت بيعا جديدا في حقهما أيضا الخ.
وقدمنا أن من فروع ذلك ما ذكره بعده في قوله: ويرد مثل المشروط، ولو المقبوض أجود أو أردأ.
قوله: (ويمنع صحتها هلاك المبيع) لما مر أن من شرطها بقاء المبيع لانها رفع العقد والمبيع محله.
بحر.
وكذا هلاكه بعد الاقالة وقبل التسليم يبطلها كما يأتي، وقدمنا عن الخلاصة أن ما يمنع الرد بالعيب يمنعها.
قوله: (كإباق) تمثيل للهلاك حكما: أي لو أبق قبل الاقالة، أو بعدها ولم يقدر على تسليمه.
قوله: (ولو في بدل الصرف) لان المعقود عليه الذي وجب لكل واحد منهما بذمة صاحبه وهذا إباق.
نهر.
والاولى أن يقول: ولو في بدلي الصرف، وكأنه نظر إلى أن لفظ بدل نكرة مضافة فتعم.
قوله: (وهلاك بعضه) أي بعض المبيع، كما يأتي تصويره في قوله: شرى أرضا مزروعة الخ.
قوله: (اعتبارا للجزء بالكل) يعني هلاك الكل كما منع في الكل، فهلاك البعض يمنع في البعض، وفيه إشارة إلى أنه لو قايله في بعض المبيع وقبله صح، وبه صرح في الحاوي، سائحاني، وقدمنا أول
الباب عبارة الحاوي.
قوله: (وليس منه) أي من هلاك البعض، فليس له أن ينقص شيئا من الثمن لجفافه.
قوله: (في المقايضة) بالياء المثناة التحتية: وهي بيع عين بعين كأن تبايعا عبدا بجارية فهلك العبد في يد بائع الجارية، ثم أقالا البيع في الجارية وجب رد قيمة العبد، ولا تبطل بهلاك أحدهما بعد وجودهما، لان كل واحد منهما مبيع، فكأن المبيع قائما وتمامه في العناية.
قوله: (وكذا في السلم) قال في البحر: ثم أعلم إنه لا يرد على اشتراط قيام المبيع لصحة الاقالة إقالة السلم قبل قبض المسلم فيه، فإنها صحيحة سواء كان رأس المال عينا أو دينا، وسواء كان قائما في يد المسلم إليه أو هالكا لان المسلم فيه، وإن كان دينا حقيقة فله حكم العين، حتى لا يجوز الاستبدال به قبل قبضه، وإذا صحت: فإن كان رأس المال عينا ردت، وإن كانت هالكة رد المثل إن كان مثليا والقيمة إن كان قيميا، وكذا إقالته بعد قبض المسلم فيه إن كان قائما، ويرد رب السلم عين المقبوض لكونه متعينا، كذا في البدائع ا ه ح.
قوله: (ولو هلكا) أي البدلان.
قوله: (إلا في الصرف) فهلاك بدليه لا يبطل الاقالة، لما مر أن المعقود عليه ما في ذمة كل من المتعاقدين.
قوله: (تقايلا فأبق العبد) أراد به أن الهلاك كما يمنع ابتداء الاقالة يمنع بقاءها ا ه ح.
وبه صرح في النهر.
قوله: (أو هلك المبيع) أي حقيقة لان الاباق هلاك لكنه حكمي.
والحاصل: أن قول المصنف: ويمنع صحتها هلاك المبيع لا يختص بكون الهلاك قبل الاقالة، بل مثله ما إذا كان الهلاك حقيقة أو حكما بعد الاقالة قبل التسليم إلى البائع، زنص عبارة البزازية: هلك المبيع بعد الاقالة قبل التسليم بطلت ا ه.
ثم رأيت الرملي في حاشية البحر نقل هذه العبارة عن البزازية، ونقلها أيضا بعينها عن مجمع الفتاوى ومجمع الرواية شرح القدوري عن شرح الطحاوي، ثم قال: ومثله في كثير من الكتب اه.
وبه سقط ما قيل إن هذه العبارة ليست في البزازية، بل ذكرها في البحر بلا عزو بدون قوله:(5/252)
قبل القبض ا ه فافهم.
قوله: (بزازية) عزو لقوله: تقايلا الخ نبه به على أنه ليس من مسائل المتون.
قوله: (مشجرة) في القاموس: أرض شجرة ومشجرة وشجراء: كثيرة الشجر ا ه.
فهي بفتح
الميم والجيم والراء كما يقال: أرض مسبعة على وزن مرحلة: كثيرة السباع كما في القاموس أيضا فافهم.
قوله: (فقطعه) أي المشتري، والضمير للشجر المعلوم من مشجرة ط.
قوله: (من أرث الشجر واليد) في المصباح: أرش الجراحة ديتها، وأصله الفساد ثم استعمل في نقصان الاعيان أنه فساد فيها ا ه.
فالمراد هنا بدل الفساد: أي بدل نقصان المبيع، فافهم.
قوله: قنية عزو لقوله: وإن اشترى الخ وقد نقل ذلك عنها في البحر، ثم قال: ورقم برقم آخر أن الاشجار لا تسلم للمشتري وللبائع أخذ قيمتها منه، لانها موجودة وقت البيع، بخلاف الارش: أي أرش اليد، فإنه لم يدخل في البيع أصلا لا قصدا ولا ضمنا ا ه.
قال الخير الرملي: وعليه فكل شئ موجود وقت البيع للبائع أخذ قيمته دخل ضمنا أو قصدا، وكل شئ لم يدخل أصلا لا قصدا ولا ضمنا ليس للبائع أخذه، وينبغي ترجيح هذا لما فيه من دفع الضرر عنه ا ه.
قوله: (صحت في الارض بحصتها) الفرق بينه وبين الشجر أن الشجر يدخل في بيع الارض تبعا، بخلاف الزرع كما في البحر ا ه ح: أي أن الزرع لا يدخل في بيع الارض إلا إذا نص عليه فيكون بعض المبيع، فله حصة من الثمن بخلاف الشجر، وعلى النقل الآخر عن القنية لا فرق بينهما.
قوله: (ولو تقايلا بعد إدراكه) أي في يد المشتري لم يجز، لان العقد إنما رد على التفصيل دون الحنطة.
بحر عن القنية: أي والحنطة زيادة منفصلة متولدة، وهي مانعة كما قدمناه عن جامع الفصولين.
قوله: (ردها وأخذ ثمنها) أي له ذلك، وقدمنا أن ما يمنع الرد بالعيب بمنع الاقالة، وقدم المصنف في خيار العيب أنه لو وطئ الجارية أو قبلها أو مسها بشهوة، ثم وجد بها عيبا لم يردها مطلقا: أي ولو ثيبا.
قوله: (وفيها مؤنة الرد على البائع مطلقا) لانه عاد إلى ملكه فمؤنة رده عليه.
قال القاضي بديع الدين: سواء تقايلا بحضرة المبيع أو بغيبته ا ه منح.
وهذا معنى قوله: مطلقا وإن لم يذكر في عبارة القنية فسقط ما قيل إن الصواب إسقاطه، فافهم.
قوله: (إلا إقالة السلم) أي قبل قبض المسلم فيه، فلو بعده صحت كما تعرفه.
قوله: (لكون المسلم فيه دينا سقط) أي بالاقالة، فلو انفسخت الاقالة لكان حكم انفساخها عود المسلم فيه، والساقط لا يحتمل العود، بخلاف الاقالة في البيع، لانه عين فأمكن عوده إلى ملك المشتري.
بحر من باب السلم.
قوله: (رأس المال) أي مال السلم.
قوله: (كهو قبلها) أي حكمها بعدها كحكمه قبلها، وفيه إدخال الكاف على ضمير
الرفع المنفصل، وهو مختص بالضرورة، وكذا قوله: كقبلها فيه أن الظروف التي تقع غايات لا تجر إلا بمن، حموي.
قوله: (فلا يتصرف فيه) أي بنحو بيع وشركة قبل قبضه فلا يجوز لرب المسلم شراء(5/253)
شئ من المسلم إليه برأس المال بعد الاقالة قبل قبضه: أي قبل قبض رب السلم رأس المال من المسلم إليه، وهذا في السلم الصحيح، فلو فاسدا جاز الاستبدال كسائر الديون كما ذكره الشارح في بابه، وفيه كلام سيأتي هناك.
قوله: (إلا في مسألتين) استثناء من قوله: كهو قبلها.
قوله: (لو اختلفا فيه) أي في رأس المال بعدها: أي بعد الاقالة: يعني وقبل تسليم المسلم فيه لما في سلم البحر عن الذخيرة: لو تقايلا بعد ما سلم المسلم إليه المسلم فيه ثم اختلفا في رأس المال تحالفا، لان المسلم فيه عين قائمة، وليس بدين فالاقالة هنا تحتمل الفسخ قصدا ا ه.
وهذا صريح في أن إقالة الاقالة في السلم جائزة لو بعد قبض المسلم فيه.
قوله: (فلا تحالف) بل القول فيه قول المسلم إليه.
ذخيرة.
بخلاف ما قبلها ط عن أبي السعود.
قال ح: لان التحالف باعتبار أن اختلافهما في رأس المال اختلاف في نفس العقد، ولا عقد بعد الاقالة.
قوله: (ولو تفرقا قبل قبضه) أي قبض رأس مال السلم بعد الاقالة جاز، لان قبضه شرط حال بقاء العقد لا بعد إقالته.
قوله: (إلا في الصرف) استثناء منقطع ا ه ح.
لان أصل الكلام في رأس المال، فالاولى أن يقول: بخلاف الصرف.
فإن الحاصل: أن رأس المال في السلم بعد الاقالة لا يجوز الاستبدال به، ولا يجب قبضه في مجلسها، وبدل الصرف بالعكس، فإن قبضه في مجلس الاقالة شرط لصحتها ويجوز الاستبدال به.
قال في البحر: من السلم، ووجه الفرق أن القبض في مجلس العقد في البدلين ما شرط لعينه بل للتعيين، وهو أن يصير البدل معينا بالقبض صيانة عن الافتراق عن دين بدين، ولا حاجة إلى التعيين في مجلس الاقالة في السلم، لاأه لا يجوز استبداله، فتعود إليه عينه، فلا تقع الحاجة إلى التعيين بالقبض، فكان الواجب نفس القبض، فلا يراعى له المجلس، بخلاف الصرف، لان التعيين لا يحصل إلا بالقبض، لان استبداله جائز، فلا بد من شرط القبض في مجلس التعيين ا ه.
وحاصله: أن السلم لما لم يجز الاستبدال به قبل قبضه ولم يلزم قبضه في مجلس الاقالة لان
التعيين موجود، بخلاف الصرف، فإنه لما جاز استبداله لزم قبضه ليحصل التعيين.
مطلب في اختلافهما في الصحة والفساد أو في الصحة والبطلان قوله: (اختلف المتبايعان الخ) كان الاولى ذكر هذه المسألة في باب البيع الفاسد ولكن مناسبتها هنا ذكر المسألة المستثناة.
قوله: (فالقول لمدعي البطلان) لان انعاقد البيع حادث والاصل عدمه ا ه ح.
فهو منكر الاصل العقد.
قوله: (لمدعي الصحة) لانهما لما اتفقا على العقد كان الظاهر من إقدامهما عليه صحته ا ه ح.
ولان مدعي الفساد يدعي حق الفسخ وخصمه ينكر ذلك والقول للمنكر، ط.
ولو برهنا فالبينة بينة الفساد، وهذا لو ادعى الفساد بشرط فاسد أو أجل فاسد باتفاق الروايات، وإن كان لمعنى في صلب العقد بأن ادعى أنه اشتراه بألف درهم وبرطل خمر والآخر يدعي البيع بألف درهم، فيه روايتان، عن أبي حنيفة في ظاهر الرواية: القول لمدعي الصحة أيضا والبينة بينة الآخر كما في الوجه الاول، وفي رواية القول المدعي الفساد.
خانية.
ولم يذكر هناك ما لو اختلفا في أنه لتحية أو جد أو اختلفا في أنه بات أو وفاء لانه سيذكر ذلك في آخر باب الصرف.
قوله: (قلت إلا في(5/254)
مسألة) الاستثناء من صاحب الاشباه وعزا فيها المسألة إلى الفتح.
قوله: (وادعى البائع الاقالة) أي به كما في الفتح، والظاهر أن الضمير في به عائد إلى الاقل المذكور لا إلى الثمن.
فصورة المسألة: اشترى زيد من عمرو ثوبا بألف، ثم رد زيد الثوب إليه قبل نقد الثمن، وادعى أنه باعه من قبل النقد بتسعين، وفسد البيع بذلك، وادعى البائع أنه رده إليه على وجه الاقالة بالتسعين، فالقول لزيد المشتري أي مع يمينه في إنكار الاقالة كما في الفتح، ووجهه كما في الحموي أن دعوى الاقالة تستلزم دعوى صحة البيع، لانها لا تكون إلا في الصحيح ا ه.
قلت: لكن تقدم أنها تجب في عقد مكروه وفاسد مع ما فيه من الكلام، ويظهر لي أن وجهه هو أن المشتري لما ادعى بيعه بالتسعين لم يجب له غيرها، ومدعي الاقالة يدعي أن الواجب المائة، لان الاقالة إن كانت بمائة فظاهر، وإن كانت بتسعين فلانها لا تكون إلا بمثل الثمن الاول وإن شرط أقل منه كما مر فقد صار مقرا للمشتري بالعشرة والمشتري يكذبه فلغا كلام مدعي الاقالة.
تأمل.
قوله: (ولو بعكسه)
بأن ادعى زيد المشتري الاقالة وادعى عمرو البائع أنه اشتراه من المشتري بتسعين.
قوله: (تحالفا) وجهه: أن المشتري بدعواه الاقالة يدعي أن الثمن الذي يستحقه بالرد مائة، والبائع بدعواه الشراء بالتسعين يدعي أن الثمن الواجب رده للمشتري تسعون، فنزل اختلافهما فيما يجب تسليمه إلى المشتري بمنزلة اختلافهما في قدر الثمن الموجب للتحالف بالنص، وإلا فالمائة التي هي الثمن الاول إنما ترد إلى المشتري بحكم الاقالة في البيع الاول وهي غير الخمسين التي هي الثمن في البيع الثاني، أفاده الحموي.
قلت: وفيه أن الكلام فيما قبل نقد المشتري الثمن، وأيضا فمسألة التحالف عند اختلاف المتبايعين، ورد بها النص على خلاف القياس فكيف يقاس عليها غيرها مع عدم التماثل الحادث؟ والذي يظهر لي أن المسألة مفرعة على قول أبي يوسف أن الاقالة بيع لا فسخ، وحينئذ فقد توافقا على البيع الحادث، لكن المشتري يدعيه بوجه الاقالة، والواجب فيها مائة والبائع يدعيه بالبيع الاقل، وذلك اختلاف في الثمن في عقد حادث والله أعلم، فافهم.
قوله: (بشرط قيام المبيع الخ) هذا شرط التحالف مطلقا.
قال في الاشباه: يشترط قيام البيع عند الاختلاف في التحالف إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري كما في الهداية ا ه.
فإنه إذا استهلكه غير المشتري تكون قيمة العين قائمة مقامها، وأما إذا استهلكه المشتري في يد البائع نزل قابضا وامتنعت الاقالة، وكذا إذا استهلكه أحد في يده لفقد شرط الصحة، وهو بقاء المبيع، ومحل عدم التحالف عند هلاك المبيع إذا كان الثمن دينا، أما إذا كان عينا بأن كان العقد مقابضة وهلك أحد العوضين فإنهما يتحالفان من غير خلاف، لان المبيع في أحد الجانبين قائم، ويرد مثل الهالك أو قيمته والمصير إلى التحالف فرع العجز عن إثبات الزيادة بالبينة، وتمامه في حاشبة الاشباه لابي السعود ط.
قوله: (نزله) بضم النون والزاي.
والمراد ثموته ا ه ح.
قوله: (لم يصح) تمام عبارة الخلاصة: وكذا إذا هلكت الزيادة المتصلة أو المنفصلة أو استهلكها أجنبي ا ه.
أقول: ينبغي تقييد المسألة بما إذا حدثت هذه الزيادة بعض القبض، أما قبله فلا تمنع الاقالة كما في الرد بالعيب.
تأمل.
وفي التاترخانية: ولو اشترى أرضا فيها نخل فأكل الثمر ثم تقايلا قالوا إنه تصح الاقالة، ومعناه على قيمته إلا أن يرضى البائع أن يأخذها كذلك اه رملي على المنح، وبما(5/255)
ذكره من التقييد يندفع ما يتوهم من منافاة ما في الخلاصة لما مر من أن هلاك بعضه يمنع الاقالة بقدره، ولما مر في قوله: شرى أرضا مزروعة الخ ومثله مسألة التاترخانية المذكورة، ويؤيده ما قدمناه من أن الزيادة المنفصلة المتولدة تمنع لو بعض القبض، والله سبحانه أعلم.
باب المرابحة والتولية وجه تقديم الاقالة عليهما: أن الاقالة بمنزلة المفرد من المركب، لانها إنما تكون مع البائع، بخلاف التولية والمرابحة فإنهما أعم من كونهما مع البائع وغيره ط.
وأيضا فالاقالة متعلقة بالمبيع لا بالثمن، ولذا كان من شروطها قيام المبيع، والتولية والمرابحة متعلقان أصالة بالثمن، والاصل هو المبيع.
قوله: (لما بين المثمن الخ) قال في الغاية: لما فرع من بيان أنواع البيوع اللازمة وغير اللازمة كالبيع بشرط الخيار وكانت هي بالنظر إلى جانب المبيع شرع في بيان أنواعها بالنظر إلى جانب الثمن كالمرابحة والتولية والربا والصرف، وتقديم الاول على الثاني لاصالة المبيع دون الثمن ا ه ط.
عن الشلبي.
قوله: (ولم يذكر المساومة) هي البيع بأي ثمن كان من غير نظر إلى الثمن الاول وهي المعتادة.
قوله: (والوضيعة) هي البيع بمثل الثمن الاول، مع نقصان يسير، إتقاني.
وفي البحر: هي البيع بأنقص من الاول، وقدمنا أول البيوع عن البحر خامسا وهو الاشتراك: أي أن يشرك غيره فيما اشتراه: أي بأن يبيعه نصفه مثلا لكنه غير خارج عن الاربعة.
قوله: (وشرعا بيع ما ملكه بما قام عليه وبفضل) عدل عن قول الكنز: هو بيع بثمن سابق، لما أورد من أنه غير مطرد ولا منعكس: أي غير مانع ولا جامع.
أما الاول فلان من شرى دنانير بالدراهم لا يجوز له بيعها مرابحة، وكذا من اشترى شيئا بثمن نسيئة لا يجوز له أن يرابح عليه من صدق التعريف عليهما، وأما الثاني فلان المغصوب الآبق إذا عاد بعد القضاء بالقيمة على الغاصب جاز بيع الغاصب له مرابحة بأن يقول: قام علي بكذا، ولا يصدق التعريف عليه بعدم الثمن، وكذا لو رقم في الثوب مقدارا ولو أزيد من الثمن الاول ثم رابحه عليه جاز كما سيأتي بيانه عند ذكر الشارح له، وكذا لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمة ثم رابحه على تلك القيمة، ولا يصدق التعريف عليهما، لكن أجيب عن مسألة الدنانير بأن الثمن المطلق يفيد أن مقابله مبيع متعين، ولذا قال الشارح: من العروض ويأتي بيانه، وعن مسألة الاجل بأن الثمن
مقابل بشيئين: أي بالمبيع وبالاجل، فلم يصدق في أحدهما أنه بثمن سابق.
وقول البحر: أنه لا يرد لجوازها إذا بين أنه اشتراه نسيئة، رده في النهر بأن الجواز إذا بين لا يختص بذلك، بل هو في كل ما لا تجوز فيه المرابحة، كما لو اشترى من أصوله أو فروعه جاز إذا بين كما سيأتي.
وعن مسائل العكس بأن المراد بالثمن ما قام عليه بلا خيانة، وتمامه في النهر، فكان الاولى قول المصنف تبعا للدرر بيع ما ملكه الخ لعدم احتياجه إلى تحرير المراد، ولانه لا يدخل فيه مسألة الاجل، لانه إذا لم يبين الاجل لم يصدق عليه أنه بيع ما ملكه بما قام عليه لما علمت قوله: (من العروض) احتراز عما ذكرنا من أنه لو شرى دنانير بدراهم، لا يجوز له بيعها مرابحة كما في الزيلعي والبحر والنهر والفتح.
وعلله في الفتح بأن يدلي الصرف لا يتعينان، فلم تكن عن هذه الدنانير متعينة لتلزم مبيعا ا ه.
لكن هذا وارد على تعريف المصنف، إذ لا دلالة فيه عليه، بخلاف تعريف الكنز وغيره، فإن قوله بالثمن السابق دليل على أن المراد(5/256)
بما ملكه المبيع المتعين، لان كون مقابله ثمنا مطلقا يفيد أن ما ملكه بالضرورة مبيع مطلقا كما في الفتح.
وقول المصنف: بما قام عليه ليس المراد به الثمن لما مر فلذا زاد الشارح قوله: من العروض تتميما للتعريف.
قوله: (ولبهبة الخ) تعميم لقوله: ما ملكه أشار به إلى دخول هذه المسائل فيه كما علمت قوله: (فإنه إذا ثمنه الخ) جواب إذا قوله: جاز، وعدل عن قول غيره وقومه قيمة ليشمل المثلي.
وحاصله أن ما وهب له ونحوه مما لم يملكه بعقد معاوضة إذا قدر ثمنه وضم إليه مؤنثه مما يأتي يجوز له أن يبيعه مرابحة، وكذا إذا رقم على ثوب رقما كما مر.
قال في الفتح: وصورة المسألة أن يقول: قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو الرقم ا ه.
وظاهره أنه لا يقول: قام علي بكذا، وبه صرح في البحر في الرقم، والظاهر أن الهبة ونحوها كذلك، وحينئذ لا يدخل ذلك في كلام المصنف.
تأمل.
ويأتي تمامه.
هذا، وقال ح: إن قول الشارح: فإنه إذا ثمنه أخرج به بعض التعريف عن كونه تعريفا، وفسر الفضل بما يضم فصار مجموع المتن مع الشرح عبارة المبسوط: وهي عبارة مستقيمة في ذاتها، لكن بقي تعريف المرابحة بيع ما ملكه فقط وهو تعريف فاسد لكونه غير مانع ا ه: أي لان قوله: بما قام عليه جزء التعريف.
وكذا
قوله: ويفضل فإن مراده به: فضل الربح لتحقق المرابحة، وإلا كان العقد تولية، وأما فضل المؤنة فإنه يضم إلى ما قام عليه، لكن لما كانت عبارة المتن في نفسها تعريفا تاما اكتفى بها، ولقصد الاختصار أخذ بعضها وجعله بيانا لتصوير مسألة الهبة ونحوها.
تأمل.
قوله: (وإن لم تكن من جنسه) أي وإن لم تكن المؤنة المضمومة من جنس المبيع ط.
قلت: والاظهر كون المراد من جنس الثمن بقرينة ما بعده.
تأمل.
قوله: (ونحوه) أي كصباغ وطراز.
قوله: (ثم باعه مرابحة) أي بزيادة ربح تلك القيمة التي قوم بها الموهوب ونحوه مع ضم المؤنة إليها لان كلامه في ذلك، بخلاف ما كان اشتراه بثمن فإنه يرابح على ثمنه لا على قيمته.
فافهم.
قوله: (جعله واليا) فكأن البائع جعل المشتري واليا فيما اشتراه نهر: أي جعل له ولاية عليه، وهذا إبداء مناسبة لمعنى الشرعي للمعنى اللغوي.
قوله: (بيعه بثمنه الاول) قد علمت أن المصنف عدل في تعريف المرابحة عن التعبير بالثمن الاول إلى قوله: بما قام عليه لدفع الايراد السابق، فما فر منه أولا وقع فيه ثانيا، فكان المناسب أن يقول: والتولية بيعه كذلك بلا فضل.
قوله: (ولو حكما) أدخل به ما مر في قوله: لو بهبة الخ فإنيوليه بقيمته لكونه لم يملكه بثمن.
قوله: (يعني بقيمته) تفسير للثمن الحكم لا لقوله بثمنه كما لا يخفى ح.
قوله: (وعبر عنها به) أي بالثمن حيث أراد به ما يعم القيمة حتى صار عبارة عنه وعنها، فافهم.
قوله: (لانه الغالب) أي الغالب فيما يملكه الانسان أنه يكون بثمن سابق.
قوله: (كون العوض) أي الكائن في العقد الاول ا ه ح.
وهو ملك به المبيع.
نهر.
تنبيه: استفيد من التعريف أن المعتبر ما وقع عليه العقد الاول دون ما وقع عوضا عنه، فلو(5/257)
اشترى بعشرة دراهم فدفع عنها دينار أو ثوبا قيمته عشرة أو أقل أو أكثر فرأس المال العشرة لا الدينار والثوب، لان وجوبه بعقد آخر وهو الاستبدال.
فتح.
ولو كان المبلغ مثليا فرابح على بعضه كقفيز من قفيزين جاز لعدم التفاوت، بخلاف القيمي، وتمام تعريفه في شرح المجمع.
وفي المحيط: لو كان ثوبا ونحوه لا يبيع جزءا منه معينا لانقسامه باعتبار القيمة، وإن باع جزءا شائعا جاز، وقيل: يفسد.
بحر.
قوله: (مثليا) كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والعددي المتقارب، أما إذا لم يكن له مثل بأن
اشترى ثوبا بعبد مقايضة مثلا فرابحه أو ولاه إياه كان بيعا بقيمة عبد صفته كذا أو بقيمة عبد ابتداء، وهي مجهولة.
فتح ونهر.
قوله: أو قيميا مملوكا للمشتري صورته: اشترى زيد من عمرو عبدا بثوب ثم باع العبد من بكر بذلك الثوب مع ربح أو لا، والحال أن بكرا كان قد ملك الثوب من عمرو قبل شراء العبد أو اشترى العبد بالثوب قبل أن يملكه من عمرو فأجازه بعده، فلا شك أن الثوب بعد الاجازة صار مملوكا لبكر المشتري، فيتناوله قول المتن: أو كان مملوكا للمشتري ا ه ح.
فهذه الصورة مستثناة مما لا مثل له.
قوله: (وكون الربح شيئا معلوما) تقدير لفظ الكون، هو مقتضى نصب المصنف قوله: معلوما.
ووقع في عبارة المجمع مرفوعا حيث قال: ولا يصح ذلك حتى يكون العوض مثليا أو مملوكا للمشتري، والربح مثلي معلوم، ومثله في الغرر، وصرح في شرحه الدرر بأن الجملة حالية، وكذا قال في البحر: إن قوله: أي المجمع والربح مثلي معلوم شرط في القيمي المملوك للمشتري كما لا يخفى ا ه.
وتبعه في المنح، فقد ظهر أن هذا ليس شرطا مستقلا، بل هو شرط للشرط الثاني، لان معلومية الربح وإن كان شرطا في صحة البيع مطلقا لكنه أمر ظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه لان جهالته تفضي إلى جهالة الثمن، وإنما المراد التنبيه على أنه إذا كان الثمن الذي ملك به المبيع في العقد الاول قيميا لا يصح البيع مرابحة، إلا إذا كان ذلك القيمي مملوكا للمشتري والحال أن الريح معلوم، ولهذا ذكر في الفتح أولا أنه لا يصح كون الثمن قيميا.
ثم قال: أما لو كان ما اشتراه به وصل إلى من يبيعه منه فرابحه عليه بربح معين كأن يقول: أبيعك مرابحة على الثوب الذي بيدك وربح درهم أو كر شعير أو ربح هذا الثوب جاز، لانه يقدر على الوفاء بما التزمه من الثمن ا ه.
وأفاد أن الربح المعلوم أعم كونه مثليا أو قيميا كما نبه عليه الشارح بقوله: ولو قيميا الخ فاغتنم تحرير هذا المحل.
قوله: (حتى لو باعه) تفريع على مفهوم قوله: معلوما في مسألة كون القيمي مملوكا للمشتري: يعني فلو كان الربح مجهولا في هذه الصورة لا يجوز، حتى لو باعه الخ، فافهم.
واعلم: أن لفظ ده بفتح الدال وسكون الهاء اسم للعشرة بالفارسية.
وزيادة بالياء المثناة التحتية وسكون الزاي: اسم أحد عشرة بالفارسية كما نقله عن البناية، وبيان هذه التفريع ما في
البحر حيث قال: وقيد الربح بكونه معلوما للاحتراز عما إذا باعه بربح ده يازده، لانه باعه برأس المال وببعض قيمته، لانه ليس من ذوات الامثال، كذا في الهداية.
ومعنى قوله: ده يازده أي بربح مقدار درهم على عشرة دراهم، فإن كان الثمن الاول عشرين كان الربح بزيادة درهمين، وإن كان ثلاثين كان الربح ثلاثة دراهم، فهذا يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال، لانه جعل الربح مثل عشر(5/258)
الثمن، وعشر الشئ يكون من جنسه، كذا في النهاية ا ه ما في البحر.
وحاصله: أنه إذا كان الثمن في العقد الاوقيميا كالعبد مثلا وكان مملوكا للمشتري فباع المالك المبيع من المشتري بذلك العبد وبربح ده يازده لا يصح، لانه يصير كأنه باعه المبيع بالعبد وبعشر قيمته فيكون الربح مجهولا لكون القيمة مجهولة، لانا إنما تدرك بالحرز والتخمين والشرط كون الربح معلوما كما مر، بخلاف ما إذا كان الثمن مثليا والربح ده يازده فإنه يصح.
قال في النهر: ولو كان البدل مثليا فباعه به وبعشرة: أي عشر ذلك المثلي، فإن كان المشتري يعلم جملة ذلك صح، وإلا فإن علم في المجلس خير وإلا فسد ا ه.
وبه ظهر أن قول الشارح: لم يجز أي فيما إذا كان الثمن قيميا كما قررناه أولا، وقوله: إلا أن يعلم الخ أي فيما إذا كان مثليا لانه الذي يمكن علمه في المجلس، فافهم.
قوله: (أجر القصار) قيد بالاجرة لانه لو عمل هذه الاعمال بنفسه لا يضم شيئا منها، وكذا لو تطوع متطوع بها أو بإعارة.
نهر.
وسيجئ.
قوله: (والصبغ) هو بالفتح مصدر، وبالكسر ما يصبغ به، درر.
والاظهر هنا الفتح لقول الشارح: بأي لون كان ط.
قوله: (والفتل) هو ما يصنع بأطراف الثياب بحرير أو كتان، من فتلت الحبل أفتله.
بحر.
قوله: (وكسوته) بالنصب: أي كسوة العبد المبيع.
قال في الفتح: ولا يضم ثم الجلال ونحوه، ويضم الثياب في الرقيق ا ه تأمل.
قوله: (وطعام المبيع بلا سرف) فلا يضم الزيادة.
ط.
عن حاشية الشلبي.
قال في الفتح: ويضم الثياب في الرقيق وطعامهم إلا ما كان سرفا وزيادة، ويضم علف الدواب إلا أن يعود عليه شئ متولد منها كألبانها وصوفها وسمنها، فيسقط قدر ما نال ويضم ما زاد، بخلاف ما إذا أجر الدابة أو العبد أو الدار فأخذ أجرته فإنه يرابح مع ضم ما أنفق عليه، لان الغلة ليست متولدة من العين، وكذا
دجاجة أصاب من بيضها يحتسب بما ناله وبما أنفق ويضم الباقي ا ه.
قوله: (وسقي الزرع) أي أجرته، وكذا يقال فيما بعده ط.
قوله: (وكسحها) في المصباح: كسحت البيت كسحا من باب نفع كنسته، ثم استعير لتنقية البئر والنهر وغيره فقيل: كسحته: إذا نقيته، وكسحت الشئ: قطعته وأذهبته.
قوله: (وكرى المسناة) في المصباح: كرى النهر كريا من باب رمى: حفر فيه حفرة جديدة، والمسناة: حائط يبنى في وجه الارض ويسمى السد ا ه.
وفسرها في المغرب بما بنى للسيل ليرد الماء، وكأن الشارح ضمن الكرى معنى الاصلاح.
تأمل.
قوله: (هو الدال على مكان السلعة وصاحبها) لا فرق لغة بين السمسار والدلال، وقد فسرهما في القاموس بالمتوسط بين البائع والمشتري، وفرق بينهما الفقهاء، فالسمسار هو ما ذكره المؤلف، والدلال هو المصاحب للسلعة غالبا.
أفاده سري الدين عن بعض المتأخرين ط.
وكأنه أراد ببعض المتأخرين صاحب النهر: فإنه قال: وفي عرفنا الفرق بينهما هو أن السمسار الخ.
قوله: (ورجح في البحر الاطلاق) حيث قال: وأما أجرة السمسار والدلال فقال الشارح الزيلعي: إن كانت مشروطة في العقد تضم، وإلا فأكثرهم على عدم الضم في الاول، ولا تضم أجرة الدلال بالاجماع ا ه.
وهو تسامح، فإن أجرة الاول تضم في ظاهر الرواية والتفصيل المذكور(5/259)
قويلة، وفي الدلال قيل: لا تضم والمرجع العرف، كذا في فتح القدير ا ه.
قوله: (وضابطه الخ) فإن الصيغ وأخواته في عين المبيع والحمل، والسوق يزيد في قيمته لانها تختلف باختلاف المكان فتلتحق أجرتها برأس المال.
درر.
لكن أورد أن السمسار لا يزيد في عين المبيع ولا في قيمته.
وأجيب بأن له دخلا في الاخذ بالاقل، فيكون في معنى الزيادة في القيمة، وقال في الفتح بعد ذكره الضابط المذكور: قال في الايضاح: هذا المعنى ظاهر، ولكن لا يتمشى في بعض المواضع، والمعنى المعتمد عليه عادة التجار حتى يعم المواضع كلها.
قوله: (وكذا إذا قوم الموروث الخ) قال في الفتح: لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمته، ثم باعه مرابحة على تلك القيمة يجوز.
وصورته: أن يقول قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو رقمه، ومعنى الرقم أن يكتب على الثو ب المشترى مقدارا سواء كان قدر الثمن أو أزيد ثم يرابحه عليه، وهو إذا قال رقمه كذا
وهو صادق لم يكن خائنا، فإن غبن المشتري فيه فمن قبل جهله ا ه.
قال في البحر: وقيده في المحيط بما إذا كان عند البائع أن المشتري يعلم أن الرقم غير الثمن، فأما إذا كان المشتري يعلم أن الرقم والثمن سواء فإنه يكون خيانة وله الخيار ا ه.
وفي البحر أيضا عن النهاية في مسألة الرقم: ولا يقول قام علي بكذا ولا قيمته كذا ولا اشتريته بكذا تحرزا عن الكذب ا ه.
وبه يظهر أن ما يفيده كلام الشارح من أنه يقول: قام علي بكذا غير مراد، بل يظهر لي أنه لا يقول ذلك في مسألة الهبة أيضا، لانه يوهم أنه ملكه بهذه القيمة مع أنه ملكه بلا عوض ففيه شبهة الكذب، ويؤيده قول الفتح.
وصورته: أن يقول قيمته كذا الخ، فقد سوى بينه وبين مسألة الرقم في التصوير، ثم أن قول الفتح ظاهره اشتراط كون الرقم بمقدار القيمة، فيخالف ما مر عن النهاية، وحمله على أن معناه أنه لا يرقمه بعشرة، ثم يبيعه لجاهل بالخط على رقم أحد عشر بعيد، والاحسن الجواب بحمله على ما إذا كان المشتري يظن أن الرقم والقيمة سواء كما يشير إليه ما مر عن المحيط، فافهم.
قوله: (وفيه ما فيه) فإنه يفيد أنه لا يضم وإن كان متعارفا، وهو خلا ف ما يدل عليه كلام المبسوط.
قال في الفتح: وكذا: أي لا يضم أجر تعليم العبد صناعة أو قرآنا أو علما أو شعرا، لان ثبوت الزيادة لمعنى فيه: أي في المتعلم وهو حذاقته، فلم يكن ما أنفقه على التعليم موجبا للزيادة في المالية، ولا يخفى ما فيه، إذ لا شك في حصول الزيادة بالتعلم، وأنه مسبب على التعليم عادة، وكونه بمساعدة القابلية في المتعلم كقابلية الثوب للصبغ، لا يمنع نسبته إلى التعليم فهو علة عادية والقابلية شرط.
وفي المبسوط: لو كان في ضم المنفق في التعليم عرف ظاهر يحلق برأس المال ا ه.
قلت: فقد ظهر أن البحث ليس في العلة فقط بل فيها وفي الحكم، فافهم.
قوله: (ولا نفقة نفسه) أي في سفره لكسوته وطعامه ومركبه ودهنه وغسل ثيابه ط.
عن حاشية الشلبي قوله: (وجعل الآبق)(5/260)
لانه نادر فلا يلحق بالسائق، لانه لا عرف في النادر.
فتح.
قوله: (كأنه للعرف) أصل هذا لصاحب النهر، حيث فال: وقد مر أن أجرة المخزن تضم وكأنه للعرف، وإلا فالمخزن ويبت الحفظ سواء في عدم الزيادة في العين ا ه ط.
قوله: (هذا هو الاصل) أي ولو في نفقة نفسه كما يقتضيه العموم ط.
قوله: (كما يفيده كلام الكمال) حيث ذكر ما قدمناه عنه ثم قال أيضا بعد أن عد جملة مما لا يضم: كذا ما لم تجر عادة التجار ا ه.
وقد علمت مما مر عن المبسوط، أن المعتبر هو العرف الظاهر لاخراج النادر كجعل الآبق، لانه لا عرف في النادر كما قدمناه آنفا.
قوله: (فإن ظهر خيانته) أي البائع في مرابحة بأن ضم إلى الثمن ما لا يجوز ضمه كما في المحيط، أو أخبر بأنه اشتراه بعشرة ورابح على درهم فتبين أنه اشتراه بتسعة.
نهر.
قوله: (أو برهان الخ) وقيل: لا تثبت إلا بإقراره، لانه في دعوى الخيانة متناقض والحق سماعها كدعوى العيب.
فتح.
قوله: (أخذه بكل ثمنه الخ) أي ولا حط هنا، بخلاف التولية، وهذا عنده.
وقال أبو يوسف: يحط فيهما، وقال محمد: يخير فيهما، والمتون على قول الامام، وفي البحر عن السراج: وبيان الحط في المرابحة على قول أبي يوسف إذا اشتراه بعشرة وباعه بربح خمسة، ثم ظهر أنه اشتراه بثمانية فإنه يحط قدر الخيانة من الاصل وهو الخمس وهو درهمان، وما قابله من الربح وهو درهم فيأخذ الثوب باثني عشر درهما ا ه.
قوله: (وله الحط) أي لاغير.
بحر.
قوله: (لتحقق التولية) في نسخة بتاءين، وفي نسخة بتاء واحدة على أنه فعل مضارع، والتولية فاعلة أو مصدر مضاف إلى التولية، وعلى كل فهو علة لقوله: وله الحط قدر الخيانة في التولية ط.
قال ح: يعني لو لم يحط في التولية تخرج عن كونها تولية لانها تكون بأكثر من الثمن الاول، بخلاف المرابحة فإنه لو لم يحط فيها بقيت مرابحة.
قوله: (ولو هلك المبيع الخ) لم أر ما لو هلك بعضه، هل يمتنع رد الباقي مقتضى قوله: أو حدث به ما يمتنع من الرد أن له الرد كما لو آكل بعض المثلي أو باعه، ثم ظهر له فيه عيب أو اشترى عبدين أو ثوبين فباع أحدهما ثم رأى في الباقي عيبا له رد ما بقي، بخلاف الثوب الواحد كما مر في خيار العيب.
تأمل.
قوله: (لزمه جميع الثمن) في الروايات الظاهرة، لانه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن، كخيار الرؤية والشرط، وفيهما يلزمه تمام الثمن قبل الفسخ، فكذا هنا، وهو المشهور من قول محمد، بخلاف خيار العيب، لان المستحق فيه جزء فائت يطالب به، فيسقط ما يقابله إذا عجز عن تسليمه.
وتمامه في الفتح، وانظر ما سيذكره الشارح عن أبي جعفر.
مطلب: خيار الخيانة في المرابحة لا يورث تنبيه: قال في البحر: وظاهر كلامهم أن خيار ظهور الخيانة لا يورث، فإنه مات المشتري
فاطلع الوارث على خيانة بالطريق السابق فلا خيار له.
قوله، (وقدمنا) أي في أوائل خيار العيب.(5/261)
قوله: (لو وجد المولى) بتشديد اللام المفتوحة اسم مفعول من التولية.
قوله: (لم يرجع بالنقصان) لانه بالرجوع يصير الثاني أنقص من الاول، وقضية التولية أن يكون مثل الاول.
بحر.
قوله: (شراه ثانيا الخ) صورته: اشترى بعشرة وباعه مرابحة بخمسة عشرة ثم اشتراه بعشرة فإنه يبيعه مرابحة بخمسة ويقول: قام علي بخمسة.
قوله: (بجنس الثمن الاول) يأتي محترزه.
قوله: (فإن رابح الخ) ظاهر دليل الامام يقتضي أنه لا فرق بين بيعه مرابحة أو تولية، والمتون كلها مقيدة بالمرابحة، وظاهرها جواز التولية على الثمن الاخير، والظاهر الاول كما لا يخفى.
بحر.
وبه جزم في النهر.
قوله: (وإن استغرق الربح ثمنه) كما لو اشتراه بعشرة وباعه بعشرين مرابحة، ثم اشتراه بعشرة لا يبيعه مرابحة أصلا، وعندهما يرابح على عشرة في الفصلين.
بحر: أي في الاستغراق وعدمه.
قوله: (لم يرابح) لان شبهة حصول الربح بالعقد الثاني ثابتة، لانه أي الربح يتأكد به بعدما كان على شرف السقوط بالظهور على عيب، فيرده فيزول الربح عنه والشبهة كالحقيقة في بيع المرابحة احتياطا، وقيد بقوله: لم يرابح لان له أن يبيعه مساومة.
نهر.
قوله: (بحر) أي عن المحيط، ومعنى كون قول الامام أوثق أي أحوط لما علمت من أن الشبهة كالحقيقة هنا للتحرز عن الخيانة.
قوله: (ولو بين ذلك) بأن يقول كنت بعته فربحت فيه عشرة، ثم اشتريته بعشرة، وأنا أبيعه بربح كذا على العشرة.
نهر.
قوله: (أو باع بغير الجنس) بأن باعه بوصيف: أي غلام أبو بداية أو عرض آخر، ثم اشتراه بعشرة كان له أن يبيعه مرابحة على عشرة، لانه عاد إليه بما ليس من جنس الثمن الاول، ولا يمكن طرحه إلا باعتبار القيمة، ولا مدخل لها في المرابحة ولذا قلنا: لو اشترى أشياء صفقة واحدة بثمن واحد، ليس له أن يبيع بعضها مرابحة على حصته من الثمن، كذا في الفتح وأراد بالاشياء القيميات، وتمامه في النهر وقد مر.
قوله: (أو تخلل ثالث) بإن اشترى من مشتري مشتريه لان التأكيد حصل بغيره.
درر.
تنبيه: علم من التقييد بالشراء أنه لو وهب ثوب، فباعه بعشرة ثم اشتراه بعشرة يرابح على
العشرة، ومن التقييد بالبيع يربح أنه لو أجر المبيع ولم يدخله نقص يرابح بلا بيان، لان الاجرة ليست من نفس المبيع، ولا من أجزائه فلم يكن حابسا لشئ منه: أي بخلاف ما لو نال من صوفه أو سمنه كما قدمناه، وأنه لو حط عنه بائعه كل الثمن يرابح على ما اشترى، بخلاف ما لو حط البعض لالتحاقه بالعقد دون حط الكل، لئلا يكون بيعا بلا ثمن، فصار تمليكا مبتدأ كالهبة وسيأتي أن الزيادة تلتحق فيرابح على الاصل والزيادة، وفي المحيط: شراه ثم خرج عن ملكه، ثم عاد إن عاد قديم ملكه كرجوع في هبة، أو بخيار شرط، أو رؤية أو عيب أو إقالة يرابح بما اشترى لانفساخ العقد، كأن لم يكن لا إن عاد بسبب جديد كهبة وإرث.
وتمامه في البحر.
قوله: (أي جاز أن يرابح) الاقعد في(5/262)
التعبير: أي إذا أراد أن يرابح سيد الخ وجب عليه أن يرابح على ما اشترى العبد، لان المرابحة على ذلك واجبة لا جائزة ط.
وكأن الشارح نظر إلى بيان صحتها فعبر بالجواز تبعا للدرر، فافهم.
قوله: (من مكاتبه) أو مدبره نهر.
قوله: (فاعتبار هذا القيد) أي بالنظر إلى مجرد عبارة المتن.
قال في النهر: ثم كونه مديونا بما يحيط برقبته صرح به محمد في الجامع الصغير عن الامام، ومن المشايخ من لم يقيد بالمحيط كالصدر الشهيد، وتبعه المصنف وشمس الائمة في المبسوط، لم يذكر الدين أصلا.
قال في العناية: والحق ذكره لانه إذا لم يكن عليه دين لم يصح البيع، والتحقيق أن ذكره وعدمه سواء بالنظر إلى المرابحة، لانها إذا لم تجز مع الدين فمع عدمه أولى، وأما بالنظر إلى صحة العقد وعدمه فله فائدة، والباب لم يعقد إلا للمرابحة فصنيع شمس الائمة أقعد ا ه.
قوله: (على ما شرى المأذون) متعلق بقوله: رابح وصورته كما في الكنز: اشترى المأذون ثوبا بعشرة وباعه من سيده بخمسة عشر يبيعه على عشرة.
قوله: (كعكسه) وهو ما إذا باع المولى للعبد.
قوله: (نفيا للتهمة) لان الحاصل للعبد لم يخل عن حق المولى، ولذا كان له أن يستبقي ما في يده، ويقضي دينه وكذا في كسب المكاتب، ويصير ذلك الحق له حقيقة بعجزه فصار كأنه باع واشترى ملك نفسه من نفسه فاعتبر عد ما في حكم المرابحة نفيا للتهمة.
نهر.
قوله: (كأصله وفرعه) وأحد الزوجين وأحد المتفاوضين عنده، وخالفاه فيما عدا العبد والمكاتب.
بحر.
قوله: (ولو بين ذلك) أي بين أن أحد هؤلاء اشتراه بعشرة ثم اشتراه هو
منه بخمسة عشر.
مطلب: اشترى من شريكه سلعة تنبيه: في الفتح: اشترى من شريكه سلعة ليست من شركتهما يرابح على ما اشترى، ولا يبين ولو من شركتهما يبيع نصيب شريكه على ضمانه في الشراء الثاني، ونصيب نفسه على ضمانه في الشراء الاول، لجواز كونها شريت بألف من شركتهما فاشتراها منه بألف ومائتين، فإنه يرابح على ألف ومائة، لان نصيب شريكه من الثمن ستمائة ونصيب نفسه من الثمن الاول خمسمائة فيبيعها على ذلك ا ه.
قوله: (بالنصف) أي بنصف الربح له، والباقي لرب المال وهو متعلق بقوله: مضاربا فكان الاوضح تقديمه على قوله: معه عشرة كما قاله ح.
قوله: (باع مرابحة رب المال باثني عشرة ونصف) وهذا في خصوص هذا المثال صحيح، والتفصيل ما ذكره في مضاربه البحر عن المحيط، من أنه على أربعة أقسام: الاول: أن يكون في قيمة المبيع، ولا في الثمن فضل على رأس المال، بأن كان رأس المال ألفا فاشترى منها المضارب عبدا بخمسمائة قيمته ألف، وباعه من رب المال بألف، فإن رب المال يرابح على ما اشترى به المضارب.
الثاني: أن يكون الفضل في قيمة المبيع دون الثمن فإنه كالاول.
الثالث: أن يكون فيهما، فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب، وحصة المضارب.
الرابع:(5/263)
أن يكون الفضل في الثمن فقط وهو كالثالث ا ه ح.
ولا يخفى أن مثال الشارح يحتمل كونه من الثالث أو الرابع لصدقه على كون قيمة الثوب عشرة كرأس المال أو المال أو أكثر، فلذا كان له أن يرابح على ما اشترى به المضارب، وهو عشرة وعلى حصة المضارب من الربح وهو درهمان ونصف دون حصة رب المال، لانها سلمت له، ولم تخرج عن ملكه.
ثم اعلم أن المصنف لم يسبق منه تمثيل المسألة بالشراء بالعشرة والبيع بالخمسة عشر، حتى يظهر قوله باثني عشرة ونصف، وهذا وإن وقع في عبارة الكنز كذلك، لكنه صور المسألة قبله في مسألة المأذون، كما قدمناه، ولذا أوضح الشارح عبارة المصنف في أثناء تقرير المتن بذكر المثال.
قوله: (وكذا عكسه) وهو ما إذا كان البائع رب المال، وهذا أيضا على أربعة أقسام، قسمان: لا يرابح فيهما إلا على
ما اشترى به رب المال، هما إذا كان لا فضل في الثمن، وقيمة المبيع على رأس المال كما لو اشترى المضارب من رب المال بألف المضاربة عبدا قيمته ألف كان قد اشتراه رب المال بنصف ألف أو لا فضل في قيمة المبيع فقط، بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألف وباعه من المضارب بألفين، وقسمان يرابح على ما اشترى به رب المال، وحصة المضارب: وهما إذا كان فيهما فضل، بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين، بعد ما عمل المضارب في ألف المضاربة، وربح فيها ألفا فإنه يرابح على ألف وخمسمائة، أو كان في قيمة العبد فقط بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة، فاشتراه رب المال بألف فباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب على ألف ومائتين وخمسين، كذا في البحر عن المحيط ا ه ح.
وبه ظهر أن قول الشارح: وكذا عكسه أراد به القسمين الاخيرين.
قوله: (كما سيجئ في بابه) وهو باب المضارب يضارب ط.
قوله: (وتحقيقه في النهر) حاصله: أنه ذكر في مضاربة الكنز تبعا للهداية أنه لو اشترى المضارب من المالك بألف عبدا اشتراه بنصفه رابح بنصفه ا ه.
فاعتبر أقل الثمنين، وقال الزيلعي هناك: ولو بالعكس: أي بأن اشترى رب المال بألف من المضارب عبدا مشترى بنصفه رابح بنصفه أيضا، فصورة العكس هناك مفروضة في شراء رب المال من المضارب، وهي مسألة المتون هنا، فما ذكره الزيلعي هناك مخالف لما صرح به نفسه هنا، من أنه يضم حصة المضارب، وذكر في السراج أنه يضم حصة المضارب في صورة الاصل، وصورة العكس، وقد وفق في البحر بين كلامي الزيلعي بتوفيق رده في النهر وقال: إن ما في السراج مخالف لصريح الرواية المصرح بها في كتاب المضاربة، وما ذكره الزيلعي من أن رب المال لا يضم حصة المضارب محمول على رواية.
وذكر أن الجواب الحق ما في مضاربة البحر من أن صورة العكس التي ذكرها الزيلعي هناك هي القسم الاول من كلام المحيط، فلم يكن فيه مخالفة لما ذكره في المرابحة أنه يضم حصة المضارب، لانه القسم الثالث أو الرابع من كلام المحيط ا ه ما في مضاربة البحر ملخصا.
قلت: ولم يتعرض هناك للجواب عما في السراج، وقد علمت صحته مما كتبناه على قول الشارح: وكذا عكسه وقد أوضحنا هذا المقام بأكثر مما هنا فيما علقناه على البحر.
قوله: (مريدها) أي مريد المرابحة.
قوله: (أي من غير بيان) لا حاجة إلى هذا لبيان لوضوحه ط.
قوله: (أما بيان
نفس العيب فواجب) لان الغش حرام إلا في مسألتين كما قدمه آخر خيار العيب، مر الكلام على ذلك.
قوله: (فتعيب عنده) أما لو وجد بالمبيع عيبا فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على الثمن(5/264)
الذي اشتراه به، لان الثابت له خيار فإسقاطه لا يمنع من البيع مرابحة كما لو كان فيه خيار شرط أو رؤية، وكذا لو اشتراه مرابحة فاطلع على خيانة فرضي به كان له أن يبيعه مرابحة على ما أخذه به لما ذكرنا أن الثابت له مجرد خيار.
بحر عن الفتح.
قوله: (بالتعييب) مصدر تعيب صار معيبا بلا صنع أحد، ويلحق به ما إذا كان بصنع المبيع، وشمل ما إذا كان نقصان العيب يسيرا أو كثيرا وعن محمد: لو نقص قدرا لا يتغابن الناس فيه لا يبيعه مرابحة بلا بيان، ودل كلامه أنه لو نقص بتغير السعر بأمر الله تعالى لا يلزمه البيان بالاولى.
بحر.
قوله: (ووطئ الثيب) بصيغة الفعل الماضي عطفا على قوله: اشتراه أو بصيغة المصدر عطفا على أنه اشتراه.
قوله: (كقرض فأر وحرق نار) الاولى ذكرهما بعد قوله: بآفة سماوية ا ه ح.
وقرض بالقاف، وذكره أبو اليسر بالفاء.
فتح.
والذي في القاموس والمصباح الاول.
قوله: (المشتري) بصيغة المفعول نعت للثوب.
قوله: (لا بد من بيانه) أي بيان أنه تعيب عنده بالتعيب.
قوله: (ورجحه الكمال) نعم رجحه أولا بقوله: واختياره وهذا حسن، لان مبنى المرابحة على عدم الخيانة وعدم ذكره أنها انتقصت إيهام للمشتري، أن الثمن المذكور كان لها ناقصة، والغالب أنه لو علم أن ذلك ثمنها صحيحة لم يأخذها معيبة إلا بحطيطة ا ه.
لكنه قال بعده: لكن قولهم هو كما لو تغير السعر بأمر الله تعالى فإنه لا يجب عليه أنه يبين أن اشتراه في حال غلائه، وكذا لو اصفر الثوب لطول مكثه أو توسخ إلزام قوي ا ه.
نعم أجاب في النهر بقوله: وقد يفرق بأن الابهام فيما ذكر ضعيف لا يعول عليه، بخلاف ما لو اعورت الجارية فرابحه على ثمنها فإنه قوي جدا فلم يغتفر ا ه.
قلت: وفيه كلام فقد يكون تفاوت السعرين أفحش من التفاوت بالعيب، والكلام حيث لا علم للمشتري بكل ذلك، والاحسن الجواب بأن ذلك مجرد وصف لا يقابله شئ من الثمن، بخلاف الفائت بعور الجارية، وقرض الفأر ونحوه فإنه جزء من المبيع، ولا يرد ما اشتراه بأجل، فإنه لا
يرابح بلا بيان كما يأتي لقولهم: إن الاجل يقابله جزء من الثمن عادة، فيكون كالجزء فيلزمه البيان.
قوله: (وأقره المصنف) وكذا شيخه في بحره والمقدسي.
قوله: (بالتعييب) مصدر عيبه إذا أحدث به عيبا.
بحر.
قوله: (ولو بفعل غيره الخ) دخل فيه ما إذا كان بفعله بالاولى وكذا ما إذا كان يفعل غيره بأمره، واحترز به عما إذا كان بفعل المبيع، فإنه ملحق بالآفة السماوية كما مر، لان المرابح لم يكن حابسا شيئا.
قوله: (وإن لم يأخذ الارش) لتحقق وجوب الضمان.
فتح قوله: (ووطئ البكر) لان العذرة جزء من العين يقابلها الثمن وقد حبسها.
فتح.
قوله: (كتكسر) أي تكسر الثوب.
قوله: (لصيرورة الاوصاف مقصودة بالاتلاف) أي فتخرج عن التبعية بالقصدية، فوجب اعتبارها فتتقابل(5/265)
ببعض الثمن.
فتح.
وهذا علة لقوله ببيان بالتعييب.
قوله: (ولذا قال الخ) أي فإنه يفهم منه أن الثيب لو نقصها الوطئ يلزمه البيان، لانه صار مقصودا بالاتلاف.
قوله: (اشتراه بألف نسيئة) أفاد أن الاجل مشروط في العقد، فإن لم يكن، ولكنه كان معتاد التنجيم، قيل: لا بد من بيانه، لان المعروف كالمشروط وقيل: لا يلزمه البيان وهو قول الجمهور كما في الزيلعي.
نهر.
وينبغي ترجيح الاول، لانها مبنية على الامانة، والاحتراز عن شبهة الخيانة، وعلى كل من القولين لو لم يكن مشروطا ولا معروفا، وإنما أجله بعد العقد لا يلزمه بيانه، بحر.
قال في النهر: لما مر من أن الاصح أنهما لو ألحقا به شرطا لا يلتحق بأصل العقد، فيكون تأجيلا مستأنفا، وعلى القول بأنه يلتحق ينبغي أن يلزمه البيان ا ه.
قوله: (خير المشتري) أي بين رده وأخذه بألف ومائة حالة، لان للاجل شبها بالمبيع، ألا ترى أنه يزاد في الثمن لاجله، والشبهة ملحقة بالحقيقة، فصار كأنه اشترى شيئين بالالف، وباع أحدهما بها على وجه المرابحة، وهذا خيانة فيما إذا كان مبيعا حقيقة، وإذا كان أحد الشيئين يشبه المبيع يكون هذا شبهة الخيانة.
فتح.
قوله: (لزم كل الثمن حالا) لان الاجل في نفسه ليس بمال، فلا يقابله شئ حقيقة إذا لم يشترط زيادة الثمن بمقابلته قصدا، ويزاد في الثمن لاجله إذا ذكر الاجل بمقابلة زيادة الثمن قصدا، فاعتبر مالا في المرابحة احترازا عن شبهة الخيانة، ولم يعتبر مالا في حق الرجوع عملا بالحقيقة.
بحر.
قوله: (في جميع ما مر) أي لا كما وقع في الزيلعي والفتح من إرجاعه إلى المسألة التي
قبله وهو بحث للبحر حيث قال: وينبغي أن يعود قوله: وكذا التولية إلى جميع ما ذكره للمرابحة، فلا بد من البيان في التولية أيضا في التعييب ووطئ البكر وبدونه في التعيب، ووطئ الثيب.
قوله: (وقال أبو جعفر الخ) عبر عنه في الفتح بقيل: حيث قال: وقيل: تقوم بثمن حال ومؤجل، فيرجع بفضل ما بينهما على البائع.
قال الفقيه أبو جعفر الهندواني ا ه.
قلت: وينبغي على قول أبي جعفر أن يرجع بالاولى فيما إذا ظهرت خيانة في مرابحة، لان الاجل لا يقابله شئ من الثمن حقيقة.
تأمل.
قوله: (بحر ومصنف) ومثله في الزيلعي معللا بالتعارف.
قوله: (وخير الخ) لان الفساد لم يتقرر، فإذا حصل العلم في المجلس جعل كابتداء العقد، وصار كتأخير القبول إلى آخر المجلس، ونظيره بيع الشئ برقمه إذا علم في المجلس، وإنما يتخير لان الرضا لم يتم قبله، لعدم العلم كما في خيار الرؤية.
وظاهر كلام المصنف وغيره: أن هذا العقد ينعقد فاسدا بعرضية الصحة، وهو الصحيح، خلافا للمروي عن محمد أنه صحيح له عرضية الفساد، كذا في الفتح، وينبغي أن تظهر الثمرة في حرمة مباشرته، فعلى الصحيح يحرم وعلى الضعيف لا.
بحر.
قوله: (وإلا بطل) أي تقرر فساده ط.(5/266)
تتمة: في الظهيرية: اشتراه بأكثر من ثمنه مما لا يتغابن الناس فيه، وهو يعلم لا يرابح بلا بيان، وكذا لو اشترى بالدين من مدينه وهو لا يشتري بمثل الثمن من غيره، فلو يشتري بمثله له أن يرابح، سواء أخذه بلفظ الشراء أو الصلح، وفي ظاهر الرواية يفرق بينهما بأن مبنى الصلح على الحط والتجوز بدون الحق، ومبنى الشراء على الاستقصاء ا ه ملخصا.
مطلب في الكلام على الرد بالغبن الفاحش قوله: (لا رد بغبن فاحش) في البحر عن المصباح: غبنه في البيع والشراء غبنا من باب ضرب، مثل غبنه فانغبن وغبنه: أي نقصه، وغبن بالبناء للمفعول فهو مغبون: أي منقوص في الثمن، أو غيره، والعبينة اسم منه.
قوله: (هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين) هو الصحيح كما في البحر، وذلك كما لو وقع البيع بعشرة مثلا، ثم إن بعض المقومين يقول إنه يساوي خمسة، وبعضهم ستة
وبعضهم سبعة فهذا غبن فاحش، لانه لم يدخل تحت تقويم أحد، بخلاف ما إذا قال بعضهم: ثمانية وبعضهم تسعة وبعضهم عشرة فهذا غبن يسير.
قوله: (وبه أفتى بعضهم مطلقا) أي سواء كان الغبن بسبب التغرير أو بدون، لكن هذا الاطلاق لم يذكره في القنية، وإنما حكي في القنية الاقوال الثلاثة، فيفهم منه أن هذا غير مقيد بالتغرير أو بدون، ولكن نقل في الفتح أن الامام علاء الدين السمرقندي ذكر في تحفة الفقهاء: أن أصحابنا يقولون في المغبون: إنه لا يرد، لكن هذا في مغبون لم يغر، أما في مغبون غر يكون له حق الرد استدلالا بمسألة المرابحة ا ه: أي بمسألة ما إذا خان في المرابحة فإن ذلك تغرير يثبت به الرد.
قوله: (ويفتى بالرد) ظاهره الاطلاق: أي سواء غره أولا بقرينة القول الثالث.
قوله: (أو غره الدلال) قال الرملي: مفهومه أنه لو غره رجل أجنبي غير الدلال لا يثبت له الرد، وبقي ما لو غر المشتري البائع في العقار فأخذه الشفيع، هل للبائع أن يسترد منه؟ ينبغي عدمه لانه لم يغره وإنما غره المشتري، وتمامه في حاشيته على البحر.
قوله: (وبه أفتى صدر الاسلام وغيره) وهو الصحيح كما يأتي، وظاهر كلامهم أن الخلاف حقيق، ولو قيل إنه لفظي، ويحمل القولان المطلقان على القول المفصل لكان حسنا، ويدل عليه حمل صاحب التحفة المتقدم ط.
قلت: ويؤيده أيضا عدم التصريح بالاطلاق في القولين الاولين، وحيث كان ظاهر الرواية محمولا على هذا القول المفصل، يكون هو ظاهر الرواية إذا لم يذكروا أن ظاهر الرواية عدم الرد مطلقا، حتى ينافي التفصيل، فلذا جزم في التحفة بحمله على التفصيل، وحينئذ لم يبق لنا إلا قول واحد، هو المصرح بأنه ظاهر الرواية، وبإنه المذهب وبأنه المفتى به وبأنه الصحيح، فمن أفتى في زماننا بالرد مطلقا فقد أخطأ خطأ فاحشا لما علمت من أن التفصيل هو المصحح المفتى به، ولا سيما بعد التوفيق المذكور، وقد أوضحت ذلك بما لا مزيد عليه في رسالة سميتها تحبير (تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تغرير) قوله: (فيرد مثل ما أتلفه) أي مع رد الباقي كما في القنية.
ونصها: قال الغزال: لا معرفة لي(5/267)
بالغزل فأتني بغزل أشتريه، فأتى رجل بغزل لهذا الغزال ولم يعلم به المشتري، فجعل نفسه دلالا بينهما واشترى ذلك الغزل له بأزيد من ثمن المثل، وصرف المشتري بعضه إلى حاجته، ثم علم بالغبن
وبما صنع، فله أن يرد الباقي بحصته من الثمن.
قال رضي الله عنه: والصواب أن يرد الباقي ومثل ما صرف في حاجته، ويسترد جميع الثمن، كمن اشترى بيتا مملوءا من بر فإذا فيه دكان عظيم فله الرد وأخذ جميع الثمن قبل إنفاق شئ منه، وبعده يرد الباقي ومثل ما أنفق ويسترد الثمن، كذا ذكره أبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى ا ه.
قوله: (بقي ما لو كان قيميا) أي وتصرف ببعضه، فهل يرجع بقدر ما غبن فيه أو لا يرجع، أو يرد الباقي ويضمن قيمة ما تصرف به؟ ووجه التوقف أن ما ذكره في القنية مفروض في المثلي، لان الغزل مثلي كما هو صريح كلام القنية المذكور آنفا، وكذا صرح في الفصل الثالث والثلاثين من جامع الفصولين: بأنه مثلي، وفي التتارخانية عن المنتقى: ولا يصح بيغ غزل قطن لين بغزل قطن خشن إلا مثلا بمثل، لان القطن سواء ا ه.
فحيث كان المنقول هنا في المثلي لم يعلم حكم القيمي، فافهم.
ثم اعلم أن ما قدمناه عن المنح عن تحفة الفقهاء من أن المغبون إذا غر له الرد استدلالا بمسألة المرابحة يفيد أن خيار التغرير في حكم خيار الخيانة والمرابحة، وقد مر في المتن والشرح أنه لو هلك المبيع أو استهلكه في المرابحة قبل رده أو حدث به ما يمنع من الرد لزمه جميع الثمن المسمى، وسقط خياره، وذكرنا هناك أن مقتضى قوله: أو حدث به الخ، أنه لو هلك البعض أو استهلكه له رد الباقي إلا في نحو الثوب الواحد الخ، والظاهر أن هنا كذلك، فتأمل.
قوله: (قلت وبالاخير، إلى قوله: وغيره) الاولى ذكر هذا عند قوله: وبه أفتى صدر الاسلام وغيره ا ه ح.
مطلب: الغرور لا يوجب الرجوع إلا في ثلاث مسائل قوله: (وفي كفالة الاشباه الخ) حيث قال: الغرور لا يوجب الرجوع، فلو قال: اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فأخذه اللصوص، أو قال: كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم فأكله ومات لم يضمن، وكذا لو أخبره رجل أنها حرة فتزوجها ثم ظهر أنها مملوكة فلا رجوع بقيمة الولد على المخبر إلا في ثلاث مسائل.
الاولى: إذا كان الغرور بالشرط، كما لو زوجه امرأة على أنها حرة ثم استحقت فإنه يرجع على المخبر بما غرمه للمستحق من قيمة الولد.
الثانية: أن يكون في ضمن عقد معاوضة، فيرجع المشتري على البائع من بقيمة الولد إذا استحقت بعد الاستيلاد ويرجع بقيمة البناء، لو
بنى المشتري ثم استحقت الدار بعد أن يسلم البناء.
وإذا قال الاب لاهل السوق: بايعوا ابني فقد أذنت له في التجارة فظهر أنه ابن غيره رجعوا عليه للغرور، وكذا لو قال: بايعوا عبدي فقد أذنت له فيابعوه ولحقه دين ثم ظهر أنه عبد لغيره رجعوا عليه إن كان الاب حرا وإلا فبعد العتق، وكذا لو(5/268)
ظهر حرا أو مدبرا أو مكاتبا، ولا بد في الرجوع من إضافته إليه والامر بمبايعته، كذا في السراج الوهاج.
الثالثة: أن يكون في عقد يرجع نفعه إلى الدافع كوديعة وإجارة فلو هلكت الوديعة والعين المستأجرة ثم استحقت وضمن المودع والمستأجر فإنهما يرجعان على الدافع بما ضمناه، وكذا من كان بمعناهما، وفي عارية وهبة لا رجوع، إذ القبض كان لنفسه.
وتمامه في الخانية من فصل الغرور من البيوع ا ه.
قلت: وعبر في الخانية في الثالثة بالقبض بدل العقد وهو الصواب، فتدير.
قوله: (إلا في ثلاث) زاد في نور العين مسألة رابعة وهي: ما إذا ضمن الغار صفة السلامة، كما إذا قال: اسلك هذا الطريق فإنه آمن وإن أخذ مالك فأنا ضامن فإنه يضمن، كما سيذكره المصنف آخر الكفالة عن الدرر.
قوله: (منها هذه) أي مسألة المتن، وهي داخلة تحت الثانية الآتية.
قوله: (وضابطها) أي الثلاث المستثناة.
قوله: (أن يكون في عقد) صوابه في قبض كما قدمناه عن الخانية، لان مسألة العقد تأتي بعد.
تأمل.
قوله: (رجع) أي الشخص الذي هو المودع أو المستأجر على الدافع لانه غره بأنه أودعه أو أجره ملكه.
قوله: (لكون القبض لنفسه) أي نفس المستعير أو الموهوب له، فكان هو المنتفع بالقبض دون المعير أو الواهب.
قوله: (أن يكون في ضمن عقد معاوضة) من بيع صحيح أو فاسد، وأخرج به عقود التبرعات كالهبة والصدقة، فإن الغرور لا يثبت الرجوع فيها، ط.
عن البيري.
وكذا أخرج الرهن لانه عقد وثيقة لا معاوضة كما يأتي.
وفي البيري عن المبسوط: إن الغرور في عقد المعاوضات يثبت الرجوع لان العقد يستحق صفة السلامة من العيب، ولا عيب فوق الاستحقاق، فأما بعقد التبرع فلان الموهوب له لا يستحق الموهوب بصفة السلامة.
قوله: (كبايعوا عبدي الخ) أي فيكون ضامنا للدرك فيما يثبت لهم على العبد في عقد المبايعة لحصول التغرير في هذا العقد كما يأتي تقريره، وبه اندفع ما قيل: إن التغرير لم يوجد في ضمن عقد المعاوضة.
قوله: (ثم ظهر حرا أو ابن الغير) لف ونشر مرتب.
قوله: (إن كان
الاب حرا) والاولى ما في بعض نسخ الاشباه إن كان الآذان حرا لشموله للمولى والاب: أي الاب صورة لا حقيقة، وهذا القيد لشئ مقدر في قوله: رجعوا عليه أي في الحال بقرينة قوله: وإلا فبعد العتق.
قوله: (وهذا) أي الرجوع شرطه شيئان أن يضيف العبد أو الابن إلى نفسه، وأمرهم بمبايعته فيضمن الاقل من قيمته ومن الدين، كما في البيري عن مختصر المحيط.
قوله: (ومنه) أي من التغرير في ضمن عقد المعاوضة.
قوله: (اشترني فأنا عبد ارتهني) صوابه: بخلاف ارتهني: أي لو قال العبد اشترني فأنا عبد فاشتراه فإذا هو حر، فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة: أي يدرى مكانه لا يرجع على العبد بما قبضه البائع للتمكن من الرجوع على القابض، وإن كان لا يدرى أين هو رجع المشتري على العبد ورجع العبد على بائعه بما رجع به عليه، وإنما يرجع مع أن البائع لم يأمره بالضمان عنه لانه أدى دينه وهو مضطر في أدائه، بخلاف من أدى عن آخر دينا بلا أمره والتقييد بقوله: اشترني فأنا عبد، لانه لو قال: أنا عبد ولم يأمره بالشراء أو قال: اشترني ولم يقل: فأنا عبد لا يرجع عليه بشئ ولو قال:(5/269)
ارتهني فأنا عبد الراهن لم يرجع على العبد، ولو الراهن غائبا في ظاهر الرواية عنهم، وعن أبي يوسف: لا يرجع في البيع والرهن، لان الرجوع بالمعاوضة وهي المبايعة هنا أو بالكفالة ولم يوجدا هنا، بل وجد مجرد الاخبار كاذبا فصار كما لو قال أجنبي لشخص ذلك، ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره فكان مغرورا من جهته، والتغرير في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض يحصل سببا للضمان دفعا للغرر بقدر الامكان، فكان بتغريره ضامنا لدرك الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع، كالمولى إذا قال لاهل السوق بايعوا عبدي فإني أذنت له ثم ظهر استحقاق العبد فإنهم يرجعون على المولى بقيمة العبد، ويجعل المولى بذلك ضامنا لدرك ما ذاب عليه دفعا للغرور عن الناس، بخلاف الرهن فإنه ليس عقد معاوضة بل عقد وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى جاز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه، ولو كان عقد معاوضة كان استبدالا به قبل قبضه وهو حرام، وبخلاف الاجنبي فإنه لا يعبأ بقوله فالرجل هو الذي اغتر ا ه ملخصا من الفتح في أول باب الاستحقاق.
قوله: (كما لو زوجه امرأة على أنها حرة) أي بأن كان وليا أو وكيلا عنها، وهذا بخلاف ما إذا أخبره بأنها حرة فتزوجها كما مر في عبارة الاشباه.
قوله: (استظهر المصنف لا) حيث قال: ولم أطلع في كلامهم على ما لو مات من ثبت في حقه التغرير، هل ينتقل الحق فيه إلى وارثه حتى يملك الرد كما في خيار العيب أو لا كما في خيار الرؤية والشرط لكن الظاهر عندي الثاني وقواعدهم شاهدة به، فقد صرحوا بأن الحقوق المجردة لا تورث، وأما خيار العيب فإنما يثبت فيه حق الرد للوارث باعتبار أن الوارث ملكه سليما فإذا ظهر فيه على عيب رده، وليس ذلك بطريق الارث، كما يفيده كلامهم، وتعليلهم عدم ثبوت الخيار للوارث في خيار الرؤية والشرط بأنه ليس إلا مشيئة وإرادة، فلا يتصور انتقاله إلى الوارث، وهكذا عرضته على بعض الاعيان من أصحابنا فارتضاه وأفتى بموجيه ا ه.
قلت: ويؤيده ما بحثه في البحر من أن خيار ظهور الخيانة لا يورث مستندا لذلك بما مر أنه لو هلك المبيع لزمه جميع الثمن، وعللوه بأنه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن كخيار الرؤية والشرط الخ ما قدمناه هناك، وفي مجموعة السائحاني بخطه، وأجاد المصنف بالاستشهاد بخيار الشرط، لان الكل لدفع الخداع، فإذا كان خيار الشرط الملفوظ به لا يورث فكيف غير الملفوظ مع كونه مختلفا فيه ا ه.
قوله: (قلت وقدمناه الخ) قدمنا هناك أن ذلك لم يذكره في الدرر بل ذكره المصنف هناك أيضا، وقدمنا أيضا أن الخير الرملي عن العلامة المقدسي أنه قال: والذي أميل إليه أنه مثل خيار العيب: يعني فيورث ا ه وهذا خلاف ما عزاه الشارح إلى حاشية ابن المصنف عن المقدسي، وقدمنا أيضا أن الخير الرملي وافق المقدسي في أنه يورث قياسا على خيار فوات الوصف المرغوب فيه كشراء عبد على أنه خباز، وقال: إنه به أشبه لانه اشتراه على قول البائع فكان شارطا له افتضاء وصفا مرغوبا فيه فبان بخلافه ا ه وقدمنا هناك ترجيح ما بحثه المصنف من أنه لا يورث كخيار ظهور الخيانة في المرابحة وأنه به(5/270)
أشبه فراجعه فافهم.
قوله: (ومال إلى أنه يورث) المراد بالارث انتقاله إلى الوارث بطريق الخلفية لا بطريق الارث حقيقة، كما علم مما نقلناه من عبارة المصنف في المنح وحققناه في باب خيار الشرط وعلمت ترجيح ما بحثه المصنف أولا: قوله: (قبيل التاسعة) صوابه قبيل العاشرة.
قوله: (ويصير مغرورا) عبارة الاشباه: ثم اعلم أن ملك الوارث بطريق الخلافة عن الميت، فهو قائم مقامه كأنه حي فيرد المبيع بعيب
ويرد عليه، ويصير مغرورا بالجارية التي اشتراها الميت الخ.
قلت: ومعناه أن الوارث لو استولد الجارية ثم استحقت، فالولد حر بالقيمة لكونه وطئها بناء على أنها ملكه فيرجع بما ضمن على بائع مورثه كما لو استولدها المورث، وأنت خبير بأن هذا لا يدل على أنه يثبت له خيار الرد بالتغرير فيما إذا اشترى مورثه شيئا بغبن فاحش بتغرير البائع، لانه مجرد خيار لا يقابله شئ من الثمن، بخلاف ثبوت حرية ولده فإنه ليس بخيار فهذا تأييد بما لا يفيد، فافهم.
قوله: (وقدمنا) أي قبيل باب خيار الرؤية.
قوله: (انتفى الغرر) كما لو اشترى سويقا على أن البائع لته بمن من السمن، وتقابضا والمشتري ينظر إليه فظهر أنه لته بنصف من جاز البيع، ولا خيار للمشتري وهو نظير ما لو اشترى صابونا على أنه متخذ من كذا جرة من الدهن، ثم ظهر أنه اتخذ بأقل من ذلك والمشتري كان ينظر إلى الصابون وقت الشراء جاز البيع من غير خيار.
ظهيرية.
قلت: وكون ذلك مما يعرف بالعيان غير ظاهر، فليتأمل.
وقدمنا تمامه هناك، والله سبحانه أعلم.
فصل في التصرف في المبيع والثمن الخ أوردها في فصل على حدة، لانها ليست في المرابحة، غير أن صحتها لما توقفت على القبض كان لها ارتباط بالتصرف بالبيع قبل القبض والباقي استطراد.
نهر.
قوله: (صح بيع عقار الخ) أي عندهما.
وقال محمد: لا يجوز، وعبر بالصحة دون النفاذ واللزوم، لانهما موقوفان على نقد الثمن أو رضا البائع، وإلا فللبائع إبطاله: أي إبطال بيع المشتري، وكذا كل تصرف يقبل النقض إذا فعله المشتري قبل القبض، أو بعده بغير إذن البائع فللبائع إبطاله، بخلاف ما لا يقبل النقض كالعتق والتدبير والاستيلاد.
بحر.
وقوله: أو بعده بغير إذن البائع الجار والمجرور متعلق بالضمير العائد على القبض: أي بعد القبض الواقع بلا إذنه لان قبض المبيع قبل نقد الثمن بلا إذن البائع غير معتبر، لان له استرداده وحبسه إلى قبض الثمن، وقيد بالبيع لانه لو اشترى عقارا فوهبه قبل القبض من غير البائع يجوز عند الكل كما في البحر عن الخانية: أي لحصول القبض بقبض الموهوب له كما يأتي واحترز به عن الاجارة فإنها لا تصح كما يأتي.
قوله: (من بائعه متعلق بقبض لا ببيع، لان بيعه من بائعه قبل
قبضه فاسد.
كما في المنقول، ويراجع ط.
قوله: (لعدم الغرر) أي غرر انفساخ العقد على تقدير(5/271)
الهلاك، وعلله بقوله لندرة هلاك العقار ط.
قوله: (حتى لو كان الخ) تفريع على مفهوم قوله: يخشى هلاكه.
قوله: (ونحوه) بأن كان في موضع لا يؤمن أن تغلب عليه الرمال ح عن النهر، ومثله في الفتح.
قوله: (كان كمنقول) أي بمنزلته من حيث لحوق الغرر بهلاكه.
قوله: (ككتابة) قال في الجوهرة: وفي الكتابة يحتمل أن يقال: لا تجوز لانها عقد مبادلة كالبيع، ويحتمل أن يقال: تجوز لانها أوسع من البيع جوازا ا ه.
لكن قال الزيلعي، ولو كاتب العبد المبيع قبل القبض توقفت كتابته، وكان للبائع حبسه بالثمن، لان الكتابة محتملة للفسخ، فلم تنفذ في حق البائع نظرا له وإن نقد الثمن نفذت لزوال المانع ا ه.
قال في البحر: ولا خصوصية لها، بل كل عقد يقبل النقض فهو موقوف كما قدمناه ا ه.
وبه علم أن الكتابة تصح لكنها تتوقف فلا يناسب قوله: فلا يصح اتفاقا كما أفاده ح، فكان المناسب إسقاطها قوله: (وإجارة) أي إجارة العقار فإنها لا تصح اتفاقا، وقيل: على الخلاف، والصحيح الاول لان المعقود عليه في الاجارة المنافع، وهلاكها غير نادر وهو الصحيح، كذا في الفوائد الظهيرية، وعليه الفتوى.
وكذا في الكافي فتح غيره.
قوله: (وبيع منقول) مجرور بالعطف على كتابة وهو في عبارة المصنف مرفوع، والاولى في التعبير أن يقول: حتى لو كان علوا أو على شط نهر أو نحوه أو آجره كان كمنقول، ولا يصح بيع منقول الخ.
وفي البحر: ودخل في البيع الاجارة لانها بيع المنافع: أي وهي في حكم المنقول والصلح لانه بيع ا ه.
أي الصلح عن الدين كما في الفتح، وتعبير النهر بالخلع سبق قلم.
ثم قال في البحر: وأراد بالمنقول المبيع المنقول فجاز بيع غيره كالمهر وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد.
قوله: (ولو من بائعه) مرتبط بقوله: وبيع منقول ط.
قوله: (كما سيجئ) أي قريبا في قول المصنف ولو باعه منه قبله لم يصح ط.
قوله: (بخلاف عتقه وتدبيره) يوهم أن فيه خلاف محمد الآتي، وليس كذلك، ففي الجوهرة: وأما الوصية والعتق والتدبير وإقراره بأنها أم ولده يجوز قبل القبض بالاتفاق ا ه.
وفي البحر: وأما تزويج الجارية المبيعة قبل قبضها فجائز، لان الغرر لا يمنع جوازه بدليل صحة تزويج الآبق، ولو زوجها قبل القبض ثم فسخ البيع انفسخ النكاح على قول أبي يوسف، وهو المختار كما في الولوالجية.
قوله: (غير بائعه) قيد به ليفهم أنه لو كان من بائعه فهو كذلك بالاولى.
قوله: (وهو واضح) صرح به الزيلعي وغيره خلافا لابي يوسف.
قوله: (والاصل الخ) قال في الفتح: الاصل أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض، لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والاجرة إذا كانت عينا في الاجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينا لا يجوز بيع شئ من ذلك، ولا أن يشرك فيه غيره، وما لا ينفسخ بهلاك العوض فالتصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر إذا كان عينا، وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد كل ذلك إذا كان عينا يجوز بيعه وهبته وإجارته قبل قبضه، وسائر التصرفات في قول أبي يوسف، ثم قال محمد: كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض فهو جائز، لانه يكون نائبا عنه ثم يصير قابضا لنفسه، كما لو قال: أطعم عن كفارتي جاز، ويكون الفقير نائبا عنه في القبض، ثم قابضا لنفسه ا ه ملخصا.(5/272)
قلت: وحيث مشى المصنف على قول محمد كان ينبغي للشارح ذكر الاصل الثاني أيضا، لانه يظهر مما ذكرنا أن الاصل غير خاص بقول أبي يوسف، إلا أن الشق الاول الاول منه وهو ما ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض كالبيع والاجارة لا يجوز التصرف قبل القبض في عوضه المعين عند أبي يوسف مطلقا، وأجاز محمد فيه كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة ونحوها، لان الهبة لما كانت لا تتم إلا بالقبض صار الموهوب له نائبا عن الواهب، وهو المشتري الذي وهبه المبيع قبل قبضه، ثم يصير قابضا لنفسه فتتم الهبة بعد القبض، بخلاف التصرف الذي يتم قبل القبض كالبيع مثلا، فإنه لا يجوز لانه إذا قبضه المشتري الثاني لا يكون قابضا عن الاول لعدم توقف البيع على القبض فيلزم منه تمليك المبيع قبل قبضه، وهو لا يصح، لكن يرد على الاصل المذكور العتق والتدبير بأن أعتق أو دبر المبيع قبل قبضه، فقد علمت جوازه اتفاقا مع أنه يتم قبل القبض، وهو تصرف في عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض فليتأمل.
قوله: (فقبله) أي قبل هبته، فإن لم يقبلها بطلت والبيع صحيح على
حاله.
جوهرة.
قوله: (لان الهبة مجاز على الاقالة) يقال: هب لي ديني وأقلني عثرتي، وإنما كان كذلك، لان قبض البائع لا ينوب عن قبض المشتري كما في شرح المجمع.
قوله: (بخلاف بيعه) فإنه لا يحتمل المجاز عن الاقالة لانه ضدها.
ط.
عن الشلبي.
قوله: (مطلقا) أي سواء باعه من بائعه أو من غيره ح.
قوله: (قلت الخ) استدراك على قول الجوهرة فإنه باطل.
قوله: (ونفي الصحة) أي الواقع في المتن يحتملهما: أي يحتمل البطلان والفساد، والظاهر الثاني لان علة الفساد الغرر كما مر مع وجود ركني البيع، وكثيرا ما يطلق الباطل على الفاسد، أفاده ط.
مطلب في تصرف البائع في المبيع قبل القبض تتمة: جميع ما مر إنما هو من تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه، فلو تصرف فيه البائع قبل قبضه، فإما بأمر المشتري أو لا، فلو بأمره كأن أمره أن يهبه من فلان أو يؤجره ففعل وسلم صح وصار المشتري قابضا، وكذا لو أعار البائع أو وهب أو رهن فأجاز المشتري، ولو قال: ادفع الثوب إلى فلان يمسكه إلى أن دفع لك ثمنه فهلك عند فلان لزم البائع، لان إمساك فلان لاجل البائع، ولو أمره بالبيع، فإن قال: بعه لنفسك أو بعه ففعل كان فسخا، وإن قال: بعه لي لا يجوز.
وأما تصرفه بلا أمر المشتري كما لو رهن المبيع قبل قبضه، أو آجره أو أودعه فمات المبيع انفسخ بيعه ولا تضمين، لانه لو ضمنهم رجعوا على البائع ولو أعاره أو وهبه فمات أو أودعه فاستعمله المودع فمات فإن شاء المشتري أمضى البيع، وضمن هؤلاء وإن شاء فسخه، لانه لو ضمنهم لو يرجعوا على البائع ولو باعه البائع فمات عند المشتري الثاني، فللاول فسخ البيع وله تضمين المشتري الثاني فيرجع بالثمن على البائع إن كان نقده ا ه ملخصا من البحر عن الخانية.
وفي جامع الفصولين: شراه ولم يقبضه حتى باعه البائع من آخر بأكثر فأجازه المشتري لم يجز، لانه بيع ما لم يقبض ا ه.
ويظهر منه ومما قبله أنه يبقى على ملك المشتري الاول فله أخذه من الثاني لو قائما، وتضمينه لو كان هالكا، والظاهر أن له أخذ القائم(5/273)
لو كان نقد الثمن لبائعه، وإلا فلا إلا بإذن بائعه، تأمل.
قوله: (اشترى مكيلا الخ) قيد بالشراء لانه لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية جاز التصرف فيه قبل الكيل والمطلق من المبيع ينصرف إل الكامل، وهو
الصحيح منه حتى لو باع ما اشتراه فاسدا بعد قبضه مكايلة لم يحتج المشتري الثاني إلى إعادة الكيل.
قال أبو يوسف: لان البيع الفاسد يملك بالقبض كالقرض.
قوله: (أي كره تحريما) فسر الحرمة بذلك، لان النهي خبر آحاد لا يثبت به الحرمة القطيعة، وهو ما أسنده ابن ماجه عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه (ص) نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري وبقولنا أخد مالك والشافعي وأحمد، وحين علله الفقهاء بأنه من تمام القبض ألحقوا بمنع البيع منع الاكل قبل الكيل والوزن وكل تصرف يبنى على الملك كالهبة والوصية وما أشبههما، ولا خلاف في أن النص محمول على ما إذا وقع البيع مكايلة، فلو اشتراه مجازفة له التصرف فيه قبل الكيل، وإذا باعه مكايلة يحتاج إلى كيل واحد للمشتري.
وتمامه في الفتح.
قوله: (وقد صرحوا بفساده) صرح محمد في الجامع الصغير بما نصه محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة قال: إذا اشتريت شيئا مما يكال أو يوزن أو يعد، فاشتريت ما يكال كيلا وما يوزن وزنا وما يعد فلا تبعه حتى تكيله وتزنه وتعده، فإن بعته قبل أن تفعل وقد قبضته فالبيع فاسد في الكيل والوزن ا ه ط.
قلت: وظاهره أن الفاسد هو البيع الثاني وهو بيع المشتري قبل كيله، وأن الاول وقع صحيحا لكنه يحرم عليه التصرف فيه من أكل أو بيع حتى يكيله، فإذا باعه قبل كيله وقع البيع الثاني فاسدا لما مر من أن العلة كون الكيل من تمام القبض، فإذا باعه قبل كيله فكأنه باع قبل القبض، وبيع المنقول قبل قبضه لا يصح، فكانت هذه المسألة من فروع التي قبلها، فلذا أعقبها بها قبل ذكر التصرف في الثمن، والتحقيق أن يقال: إذا ملك زيد طعاما ببيع مجازفة أو بإرث ونحوه، ثم باعه من عمرو مكايلة سقط هنا صاع البائع، لان ملكه الاول لا يتوقف على الكيل، وبقي الاحتياج إلى كيل للمشتري فقط فلا يصح بيعه من عمرو بلا كيل، فهنا فسد البيع الثاني فقط، ثم إذا باعه عمرو من بكر لا بد من كيل آخر لبكر، فهنا فسد البيع الاول والثاني لوجود العلة في كل منهما.
قوله: (كما بسطه الكمال) حيث قال: ونص في الجامع الصغير على أنه لو أكله، وقد قبضه بلا كيل لا يقال إنه أكل حراما، لانه أكل ملك نفسه، إلا أنه آثم لتركه ما أمر به من الكيل، فكان هذا الكلام أصلا في سائر المبيعات بيعا فاسدا إذا قبضها فملكها ثم أكلها، وتقدم أنه لا يحل أكل ما اشتراه شراء فاسدا، وهذا يبين أن ليس
كل ما لا يحل أكله أن يقال فيه أكل حراما ا ه ما في الفتح.
وحاصله: أنه إذا حرم الفعل وهو الاكل لا يلزم منه أن يكون أكل حراما، لانه قد يكون المأكول حراما كالميتة وملك الغير، وقد لا يكون حراما كما هنا، وكالمشري فاسدا بعد قبضه لانه ملكه، ومثله ما لو دخل دار الحرب بأمان وسرق منهم شيئا وأخرجه إلى دارنا ملكه خبيثا ويجب عليه رده عليهم، وكذا لو غصب شيئا واستهلكه بخلط ونحوه حتى ملكه ولم يؤد ضمانه يحرم عليه التصرف فيه بأكل ونحوه وإن كان ملكه.
قوله: (والمعدود) أي الذي لا تتفاوت آحاده كالجوز والبيض.
فتح.
وعن الامام أنه يجوز في المعدود قبل العد، وهو قولهما، كذا في السراج، والاول هو(5/274)
أظهر الروايتين عن الامام كما في الفتح.
نهر.
قوله: (لاحتمال الزيادة) علة لقوله: حرم أو لقوله: وقد صرحوا بفساده قال في الهداية بعد تعليله بالنهي المار: ولانه يحتمل أن يزيد على المشروط، وذلك للبائع، والتصرف في مال الغير حرام فيجب التحرز عنه.
قال في الفتح: وإذا عرف أن سبب النهي أمر يرجع إلى المبيع كل البيع فاسدا، ونص على الفساد في الجامع الصغير ا ه.
قوله: (بخلافه مجازفة) محترز قوله بشرط الكيل: وقوله بشرط الوزن والعد أي لو اشتراه مجازفة له أن يتصرف فيه قبل الكيل والوزن، لان كل المشار إليه له: أي الاصل، والزيادة: أي الزيادة على ما كان يظنه بأن ابتاع صبرة على ظن أنها عشرة فظهرت خمسة عشر وتمامه في العناية، ومثل الشراء مجازفة ما لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية كما مر أو بزراعة أو استقرض حنطة على أنها كر لان الاستقراض وإن كان تمليكا بعوض كالشراء لكنه شراء صورة عارية حكما، لان ما يرده عين المقبوض حكما فكان تمليكه بلا عوض حكما كما في الفتح، ولو باع أحد هؤلاء مكايلة فلا بد من كيل المشتري وإن سقط كيل البائع كما قدمنا.
وفي الفتح: ولو اشتراها مكايلة ثم باعها مجازفة قبل الكيل وبعد القبض لا يجوز في ظاهر الرواية، لاحتمال اختلاط ملك البائع بملك بائعه.
وفي نوادر ابن سماعة: يجوز ا ه.
وبه ظهر أن قوله: بخلافه مجازفة مقيد بما إذا لم يكن البائع اشترى مكايلة.
قوله: (لجواز التصرف فيهما بعد القبض قبل الوزن) كذا في البحر عن الايضاح، والظاهر أن هذا مفروض فيما إذا كان في
عقد صرف أو سلم، وإلا فالدراهم والدنانير ثمن، ويأتي أنه يجوز التصرف في الثمن قبل قبضه.
قوله: (كبيع التعاطي الخ) عبارة البحر: وهذا كله في غير بيع التعاطي، أما هو فقال في القنية: ولا يحتاج الخ، وظاهر قوله وهذا كله، لانه لا يتقيد بالموزونات بل التعاطي في المكيلات والمعدودات كذلك، وهو مفاد التعليل أيضا بأنه صار بيعا بعد القبض، فإنه لا يخص الموزونات، لكن فيه أن مقتضى هذا أنه لا يصير بيعا قبل القبض ولعله مبني على القول بأنه لا بد فيه من القبض من الجانبين، والاصح خلافه، وعليه فلو دفع الثمن ولم يقبض صح، وقدمنا في أول البيوع عن القنية دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة وقال له بكم تبيعها فقال مائة بدينار فسكت المشتري ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال البائع: غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ وقد تغير السعر فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الاول ا ه.
وتمامه هناك فتأمل.
قوله: (وكفى كيله من البائع بحضرته) قال في الخانية: لو اشترى كيليا مكايلة أو موزونا موازنة، فكال البائع بحضرة المشتري قال الامام ابن الفضل يكفيه كيل البائع، ويجوز له أن يتصرف فيه قبل أن يكيله ه.
قلت: وأفاد أن الشرط مجرد الحضرة لا الرؤية، لما في القنية: يشتري من الخباز خبزا كذا منا فيزنه وكفة سنجات ميزانه في دربنده، فلا يراه المشتري أو من البائع كذا منا فيزنه في حانوته، ثم يخرجه إليه موزونا لا يجب عليه إعادة الوزن، وكذا إذا لم يعرف عدد سنجاته ا ه.
قوله: (لا قبله أصلا الخ) أي لو كاله البائع قبل المبيع لا يكفي أصلا: أي ولو بحضرة المشتري، وكذا لو كاله بعد البيع بغيبة المشتري لما علمت من أن الكيل من تمام التسليم ولا تسليم مع الغيبة.
قوله: (فلو كيل الخ)(5/275)
تفريع على قوله: لا قبله أصلا لان قوله لعدم كيل الاول مبني على عدم اعتبار الكيل الواقع بحضرته قبل شرائه، ثم إن عبارة الفتح هكذا: ومن هنا ينشأ فرع وهو ما لو كيل طعام بحضرة رجل ثم اشتراه في المجلس، ثم باعه مكايلة قبل أن يكتاله بعد شرائه لا يجوز هذا البيع سواء اكتاله للمشتري منه أو لا، لانه لما لم يكتل بعد شرائه هو لم يكن قابضا فبيعه بيع ما لم يقبض فلا يجوز ا ه.
ومثله في البحر والمنح، فقوله: سواء اكتاله للمشتري منه أو لا الخ صريح في أن فاعل اكتاله هو المشتري الاول
الذي كيل الطعام بحضرته، ثم اشتراه ثم باعه.
وقول الشارح: وإن اكتاله الثاني صريح في أن فاعل اكتاله هو المشتري الثاني.
وعبارة الفتح أحسن لافادتها أن هذا الكيل الواقع من المشتري الاول للمشتري الثاني لا يكفيه عن كيل نفسه لوقوعه بعد بيعه للثاني، فكان بيعا قبل القبض لعدم اعتبار الكيل الواقع أولا بحضرته قبل شرائه.
وأما على عبارة الشارح فلا شبهه في عدم الجواز، ثم إن ما أفاده كلام الفتح من أن كيله للمشتري منه لا يكفي عن كيل نفسه ظاهر للتعليل الذي ذكره، لكنه مخالف لما شرح به كلام الهداية أولا حيث قال: وإن كاله بعد العقد بحضرة المشتري مرة كفاه ذلك، حتى يحل للمشتري التصرف فيه قبل كيله، وعند البعض لا بد من الكيل مرتين ا ه ملخصا.
فإن قوله كفاه: أي كفى البائع وهو المشتري الاول يفيد أنه يكفيه ذلك عن الكيل لنفسه، ولعل الشارح لاجل ذلك جعل فاعل اكتاله المشتري الثاني، لكن الظاهر عدم الاكتفاء بذلك الكيل، وإن وقع من المشتري الاول بعد البيع لما ذكره من التعليل، والله سبحانه أعلم.
قوله: (ولو كان المكيل أو الموزون ثمنا) أي بأن اشترى عبدا مثلا بكر بر أو برطل زيت، ثم لا يخفى أن هذه المسألة من أفراد قوله الآتي: وجاز التصرف في الثمن قبل قبضه، وقد تبع المصنف شيخه في ذكرها هنا.
قوله: (فقبل الكيل أولى) لان الكيل من تمام القبض كما مر.
قوله: (وإن اشتراه بشرطه) أي وإن اشترى المذروع شرط الذرع.
قوله: (في حرمة ما ذكر) أي من البيع ولا يصح إرادة الاكل هنا، وفي حكم البيع كل تصرف ينبني على الملك ط.
قوله: (والاصل ما مر مرارا الخ) منها ما قدمه أول البيع عند قوله: وإن باع صبرة الخ وقدمنا هناك وجه الفرق بين كون الذرع في القيميات وصفا وكون القدر بالكيل أو الوزن في المثليات أصلا وهو كون التشقيص يضر الاول دون الثاني الخ.
وذكر في الذخيرة الفرق بأن الذراع عبارة عن الزيادة أو النقصان في الطول والعرض، وذلك وصف.
قوله: (فيكون كله للمشتري) قال في الفتح: فلو اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع جاز أن يبيعه قبل الذرع، لانه لو زاد كان للمشتري ولو نقص كان له الخيار، فإذا باعه بلا ذرع كان مسقطا خياره على تقدير النقص وله ذلك ا ه.
قوله: (إلا إذا كان مقصودا) بأن أفرد لكل ذراع ثمنا، لانه بذلك التحق بالقدر في حق ازدياد الثمن، فصار المبيع في هذه الحالة هو الثوب المقدر، وذلك يظهر بالذرع والقدر معقود في المقدرات حتى يجب رد الزيادة فيما لا يضره التبعيض، ويلزمه
الزيادة من الثمن فيما يضره وينقص من ثمنه عند انتقاصه ا ه ط عن الزيلعي.
قوله: (واستثنى ابن الكمال) أي بحثا، وما يضره التبعيض كمصوغ فيجوز التصرف فيه قبل وزنه ولو اشتراه بشرطه.(5/276)
والاولى للشارج ذكر هذا عند قول المصنف: ومثله الموزون ط.
وعبارة ابن الكمال هي قوله بعد ذكر الاصل المار: ولا يخفى أن موجب هذا التعليل أن يستثنى ما يضره التبعيض من جنس الموزون، لان الوزن فيه وصف على ما مر ا ه.
مطلب في بيان الثمن والمبيع والدين قوله: (وجاز التصر ف في الثمن الخ) الثمن: ما يثبت في الذمة دينا عند المقابلة، وهو النقدان والمثليات إذا كانت معينة، وقوبلت بالاعيان أو غير معينة وصحبها حرف الباء: وأما المبيع: فهو القيميات والمثليات إذا قوبلت بنقد أو بعين: وهي غير معينة مثل اشتريت كر بر بهذا العبد.
هذا حاصل ما في الشرنبلالية عن الفتح، وسيذكره المصنف في آخر الصرف.
قوله: (أو غيرهما) كإجارة ووصية.
منح.
قوله: (أي مشارا إليه) هذا التفسير لم يذكره ابن ملك، بل زاده الشارح، والمراد بالمشار إليه ما يقبل الاشارة فيوافق تفسير بعضهم له بالحاضر.
وذكر ح أنه يشمل القيمي والمثلي غير النقدين، واعترضه ط بأنه لا وجه له، لان الباعث للشراح على هذا التفسير إدخال النقدين، لانه يتوهم من العين العرض ليقابل قوله: ولو دينا.
قلت: أنت خبير بأن دخول القيمي هنا لا وجه له أصلا، لان الكلام في الثمن، وهو ما يثبت دينا في الذمة والقيمي مبيع لا ثمن، وإنما مراد الشارح بيان أن الثمن قسمان، لانه تارة يكون حاضرا، كما لو اشترى عبدا بهذا الكر من البر أو بهذه الدراهم، فهذا يجوز التصرف فيه قبل قبضه بهبة وغيرها من المشتري وغيره وتارة يكون دينا في الذمة كما لو اشترى العبد بكر بر أو عشرة دراهم في الذمة، فهذا يجوز التصرف فيه بتمليكه من المشتري فقط، لانه تمليك الدين، ولا يصح إلا ممن هو عليه، ثم لا يخفى أن الدين قد لا يكون ثمنا، فقد ظهر أن بينهما عموما وخصوصا من وجه، لاجتماعهما في الشراء بدراهم في الذمة، وانفرد الثمن بالشراء بعبد، وانفاد الدين في التزوج أو الطلاق على دراهم
في الذمة قوله: (فالتصرف فيه تمليك ممن عليه الدين) في بعض النسخ تمليكه وهي الموافقة لقول ابن ملك: فالتصرف فيه هو تمليكه الخ: أي إن التصرف فيه الجائز هو كذا، قوله: (قوله ولو بعوض) كأن اشترى البائع من المشتري شيئا بالثمن الذي له عليه أو استأجر به عبدا أو دارا للمشتري، ومثال التمليك بغير عوض هبته ووصيته له.
نهر.
فإذا وهب منه الثمن ملكه بمجرد الهبة لعدم احتياجه إلى القبض، وكذا الصدقة ط.
عن أبي السعود.
قوله: (ولا يجوز من غيره) أي لا يجوز تمليك الدين من غير من عليه الدين، إلا إذا سلطه عليه، واستثنى في الاشباه من ذلك ثلاث صور.
الاولى: إذا سلطه على قبضه، فيكون وكيلا قابضا للموكل ثم لنفسه.
الثانية: الحوالة.
الثالثة: الوصية.
قوله: (كمكيل) فإنه إذا اشترى العبد بهذا الكر من البر تعين ذلك الكر، فلا يجوز له دفع كر غيره.
مطلب فيما تتعين فيه النقود وما لا تتعين قوله: (كنقود) فإذا اشترى بهذا الدرهم له دفع غيره وعدم تعين النقد ليس على إطلاقه، بل ذلك في المعاوضات وفي العقد الفاسد على إحدى الروايتين، وفي المهر: ولو بعد الطلاق قبل الدخول، وفي النذر والامانات والهبة والصدقة والشركة والمضاربة والغضب والوكالة قبل التسليم أو(5/277)
بعده، ويتعين في الصرف بعد هلاكه وبعد هلاك المبيع، وفي الدين المشترك فيؤمر برد نصف ما قبض على شريكه، وفيما إذا تبين بطلان القضاء بأن أقر بعد الاخذ أنه لم يكن له على خصمه شئ فيرد عين ما قبض لو قائما.
وتمامه في الاشباه في أحكام النقد، وقدمنا في أواخر البيع الفاسد.
قوله: (فلو باع الخ) تفريع على قول المصنف: وجاز التصرف في الثمن الخ.
مطلب في تعريف الكر قوله: (أو بكر بر) الكر كيل معروف، وهو ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف.
مصباح.
قوله: (جاز أخذ بدلهما شيئا آخر) لكن بشرط أن لا يكون افتراقا بدين كما يأتي في القرض.
قوله: (وكذا الحكم في كل دين) أي يجوز التصرف فيه قبل قبضه، لكن بشرط أن يكون تمليكا ممن عليه بعوض أو بدونه كما علمت، ولما كان الثمن أخص من الدين من وجه كما قررناه بين
أن ما عداه من الدين مثله.
قوله: (كمهر الخ) وكذا القرض.
قال في الجوهرة: وقد قال الطحاوي: إن القرض لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وهو ليس بصحيح ا ه.
قوله: (وضمان متلف) أي ضمانه بالمثل لو مثليا وإلا فبالقيمة، فافهم.
قوله: (بمال) قيد لخلع وعتق، لانهما بدون مال لا يكون لهما بدل، فافهم.
قوله: (وموروث وموصى به) قال الكمال: وأما الميراث فالتصرف فيه جائز قبل القبض، لان الوارث يخلف المورث في الملك وكان للميت ذلك التصرف، فكذا للوارث وكذا الموصى له، لان الوصية أخت الميراث ا ه.
ومثله للاتقاني، وهذا كالصريح في جواز تصرف الوارث في الموروث وإن كان عينا ط.
قوله: (سوى صرف وسلم) سيأتي في باب السلم قوله: ولا يجوز التصرف للمسلم إليه في رأس المال، ولا لرب السلم في المسلم قبل قبضه بنحو بيع وشركة ولو ممن عليه ولا شراء المسلم إليه برأس المال بعد الاقالة قبل قبضه بحكم الاقالة، بخلاف بدل الصرف حيث يجوز الاستبدال عنه، لكن بشرط قبضه في مجلس الاقالة لجواز تصرفه فيه، بخلاف السلم ا ه، وسيأتي بيانه ومرت مسألة الاقالة في بابها.
قوله: (فلا يجوز أخذ خلاف جنسه) الاولى أن يقول: فلا يجوز التصرف فيه ط.
قوله: (لفوات شرطه) وهو القبض في بدلي الصرف ورأس مال السلم قبل الافتراق.
قوله: (وصح الزيادة فيه) قال في البحر: لو عبر باللزوم بدل الصحة لكان أولى، لانها لازمة حتى لو ندم المشتري بعد ما زاد يجبر إذا امتنع كما في الخلاصة ا ه.
قوله: (في المجلس) أي مجلس العقد أو بعده.
قوله: (أو من أجنبي) فإن زاد بأمر المشتري تجب على المشتري لا على الاجنبي كالصلح، وإن بغير أمره، فإن أجاز المشتري لزمته وإن لم يجز بطلت، ولو كان حين زاد ضمن عن المشتري أو أضافها إلى مال نفسه لزمته الزيادة، ثم إن كان بأمر المشتري رجع، وإلا فلا.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (في غير صرف) يوهم أن الزيادة فيه لا تصح، مع أنها تصح وتفسده كما يذكره قريبا، كأنه حمل الصحة على الجواز والحمل، أو أراد من عدم الصحة في الصرف فساده.
قوله: (في المجلس) أي مجلس الزيادة.
قوله: (لو ندم الخ)(5/278)
أشار إلى أن الزيادة لازمه كما مر.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية كما في الهداية، وفي رواية الحسن أنها تصح بعد هلاك المبيع كما يصح الحط بعد هلاكه.
قوله: (بأن باعه ثم شراه) من صور
الهلاك حكما، لان تبدل الملك كتبدل العين، ولذا يمتنع بذلك رده بالعي ب والرجوع في الهبة، وأفاد أنه إذا لم يشتره فكذلك بالاولى.
قوله: (وكونه) أالمبيع محلا للمقابلة: أي لمقابلة زيادة الثمن ط.
قال ح: ولا حاجة إليه مع قول الشارح: ولو حكما كما لا يخفى.
قوله: (حقيقة) احتراز عما إذا خرج عن المحلية بأن هلك حقيقة كموت الشاة، أو حكما كالتدبير والكتابة.
قوله: (فلو باع الخ) تفريع على قوله: فلا تصح بعد هلاكه وكذا لو وهب وسلم أو طبخ اللحم أو طحن أو نسج الغزل أن تحمر العصير أو أسلم مشتري الخمر ذميا لا تصح الزيادة لفوات محل العقد، إذ العقد لم يرد على المطحون والمنسوج، ولهذا يصير الغاصب أحق بهما إذا فعل بالمغصوب ذلك، وكذا الزيادة في المهر شرطها بقاء الزوجية، فلو زاد بعد موتها لا يصح ا ه فتح.
وروى الحسن في غير رواية الاصول أنها تصح بعد هلاك المبيع، وعلى هذه الرواية تصح الزيادة في المهر بعد الموت.
نهر.
قلت: وهذه خلاف ظاهر الرواية كما نبه عليه في الجوهرة وغيرها، والعجب من الزيلعي جيث ذكر أن الزيادة لا تصح بعد هلاك المبيع في ظاهر الرواية، وأنها تصح في رواية النوادر.
ثم ذكر أن الهلاك الحكمي ملحق بالحقيقي، ثم قال: ولو أعتق المبيع أو كاتبه أو دبره أو استولد الامة أو تخمر العصير أو أخرجه عن ملكه ثم زاد عليه جاز عند أبي حنيفة خلافا لهما، وعلى هذا الخلاف الزيادة في مهر المرأة بعد موتها ا ه.
فليتأمل.
قوله: (بخلاف ما لو أجر) وكذا لو خاط الثوب أو قطعت يد العبد وأخذ المشتري الارش.
فتح.
قوله: (لقيام الاسم والصورة) أي في غير جعل الحديد سيفا فإن الصورة تبدلت فيه ط.
قوله: (وصح الحط منه) أي من الثمن، وكذا رأس مال السلم والمسلم فيه كما هو صريح كلامهم.
رملي على المنح.
قوله: (وقبض الثمن) بالجر عطفا على هلاك، وسيأتي بيان الحط بعد قبض الثمن عند قوله: ويصح الحط من المبيع الخ.
قوله: يلتحقان بأصل العقد هذا لو الحط من غير الوكيل، ففي شفعة الخانية: الوكيل بالبيع إذا باع الدار بألف ثم حط عن المشتري مائة صح وضمن المائة للآمر، وبرئ المشتري عنها ويأخذ الشفيع الدار بألف، لان حط الوكيل لا يلتحق بأصل العقد.
قوله: (بالاستناد) وهو أن يثبت أولا في الحال، ثم يستند إلى وقت العقد، ولهذا لا تثبت الزيادة في صورة الهلاك كما مر، لان ثبوته في الحال متعذر لانتفاء المحل فتعذر استناده، كالبيع
الموقوف لا ينبرم بالاجازة بعد هلاك المبيع وقتها كما في الفتح.
قوله: (فبطل حط الكل) أي بطل التحاقه مع صحة العقد، وسقوط الثمن عن المشتري خلافا لما توهمه بعضهم من أن البيع يفسد أخذا من تعليل الزيلعي بقوله: لان الالتحاق فيه يؤدي إلى تبديله، لانه ينقلب هبة أو بيعا بلا ثمن فيفسد، وقد كان من قصدهما التجارة بعقد مشروع من كل وجه، فالالتحاق فيه يؤدي إلى تبديله فلا يلتحق به ا ه فقوله: فلا يلتحق صريح في أن الكلام في الالتحاق، وأن قوله فيفسد مفرع على الالتحاق كما(5/279)
صرح به في شرح الهداية.
وقال في الذخيرة: إذا حط كل الثمن أو وهب أو أبرأ عنه، فإن كان قبل قبضه صح الكل، ولا يلتحق بأصل العقد، وفي البدائع من الشفعة: ولو حط جميع الثمن يأخذ الشفيع بجميع الثمن ولا يسقط عنه شئ، لان حط كل الثمن لا يلتحق بأصل العقد، لانه لو التحق لبطل البيع لانه يكون بيعا بلا ثمن، فلم يصح الحط في حق الشفيع وصح في حق المشتري وكان إبراء له عن الثمن ا ه.
زاد في المحيط: لانه لاقى دينا قائما في ذمته.
وتمامه في فتاوى العلامة قاسم.
قوله: (وأثر الالتحاق الخ) لا يخفى أن الزيادة تجب على المشتري، والمحطوط يسقط عنه، لكن لما كان ذلك بين المتعاقدين ربما يتوهم أنه لا يتعدى إلى غير ذلك العقد فنبه على أن أثر ذلك يظهر في مواضع.
قوله: (في تولية ومرابحة) فيولي ويرابح على الكل في الزيادة وعلى الباقي بعد المحطوط.
بحر.
قوله: (وشفعة) فيأخذ الشفيع بما بقي في الحط دون الزيادة كما يأتي.
قوله: (واستحقاق) فيرجع المشتري على البائع بالكل، ولو أجاز المستحق البيع أخذ الكل.
بحر.
: أي كل الثمن والزيادة.
قوله: (وهلاك) حتى لو هلكت الزيادة قبل القبض تسقط حصتها من الثمن، بخلاف الزيادة المتولدة من المبيع حيث لا يسقط شئ من الثمن بهلاكها قبل القبض.
زيلعي.
قلت: ولا يخفى عليك أن في الزيادة في المبيع والكلام في الزيادة في الثمن فلا يناسب ذكر هذا هنا، فافهم.
قوله: (وحبس مبيع) فله حبسه حتى يقبض الزيادة، قوله: (وفساد صرف) فلو باع الدراهم بدراهم متساوية ثم زاد أحدهما أو حط وقبل الآخر وقبض الزائد في الزيادة أو المردود في الحط فسد العقد، كأنهما عقداه كذلك من الابتداء عند أبي حنيفة، زيلعي.
ويأتي تمام الكلام عليه أول
باب الربا، وزاد الزيلعي: مما ظهر فيه أثر الالتحاق ما إذا زوج أمته ثم أعتقها، ثم زاد الزوج على مهرها بعد العتق تكون الزيادة للمولى المهر.
وفي النهر: وتظهر فيما لو وجد بالثياب المباعة عيبا رجع بحصته من الثمن مع الزيادة، وفيما إذا زاد في الثمن ما لا يجوز الشراء به، وفي المبيع ما لا يجوز بيعه فقبل فسد العقد، كذا في السراج ا ه.
وتمامه فيه.
وكأن الشارح لم يذكر هذه الثلاثة لان كلامه في الثمن.
تأمل.
قوله: (الحط فقط) لان في الزيادة إبطال حق الشفيع الثابت قبلها فلا يملكانه فله أن يأخذ بدون الزيادة.
قوله: (إن في غير سلم) قال الزيلعي: ولا تجوز الزيادة في المسلم فيه لانه معدوم حقيقة، وإنما جعل موجودا في الذمة لحاجة المسلم إليه، والزيادة في المسلم فيه لا تدفع حاجته بل تزيد في حاجته فلا تجوز ا ه ح.
ودل كلام السراج على جواز الحط منه.
رملي.
قوله: (وقبل المشتري) أي في مجلس الزيادة كما يفيده ما مر في الزيادة في الثمن.
قوله: (أيضا) أي كما تلتحق الزيادة في الثمن ط.
قوله: (فلو هلكت الزيادة الخ) هذا ما قدمه الشارح في قوله: وهلاك.
قوله: (وكذا لو زاد) أي المشتري ط.
قوله: (انفسخ العقد بقدره) فلو اشترى بمائة وتقابضا ثم زاد المشتري عرضا قيمته خمسون وهلك العرض قبل التسليم ينفسخ العقد في ثلثه.
بحر عن القنية.
ووجه الانفساخ أن العرض مبيع وإن جعل ثمنا، وهلاك المبيع(5/280)
قبل القبض يوجب الانفساخ، فافهم.
قوله: (فتصح بعد هلاكه) لانها تثبت بمقابلة الثمن وهو قائم.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (بخلافه في الثمن) الاولى بخلافها ط.
قوله: (كما مر) أي في قوله: وكان المبيع قائما أي لان المبيع بعد هلاكه لم يبق على حالة يصح الاعتياض عنه، بخلاف الحط من الثمن لانه بحال يمكن إخراج البدل عما يقابله فيلتحق بأصل العقد استنادا.
بحر.
قوله: (فيرجع) أي المشتري على البائع.
قوله: (لا في براءة الاستيفاء) لان براءة الاسقاط تسقط الدين عن الذمة، بخلاف براءة الاستيفاء مثال الاولى: أسقطت وحططت وأبرأت براءة إسقاط ومثال الثانية: أبرأتك براءة استيفاء أو قبض أو أبرأتك عن الاستيفاء ا ه ح.
مطلب في بيان براءة الاستيفاء وبراءة الاسقاط
وحاصله: أن براءة الاستيفاء عبارة عن الاقرار بأنه استوفى حقه وقبضه.
قوله: (اتفاقا) يرجع إليهما ط.
قوله: (ولو أطلقها) كما لو قال: أبرأتك ولم يقيد بشئ ا ه ح.
قوله: (وأما الابراء المضاف إلى الثمن الخ) تابع صاحب البحر حيث ذكر أولا صحة المبيع لو دينا لا عينا وعلله بما مر، ثم ذكر حط الثمن وهبته وإبراءه.
وحاصل ما ذكره في البحر عن الذخيرة: أنه لو وهبه بعض الثمن أو أبرأه عنه قبل القبض فهو حط، وإن حط البعض أو وهبه بعد القبض صح، ووجب عليه للمشتري مثل ذلك، ولو أبرأه عن البعض بعده لا يصح، والفرق أن الدين باق في ذمة المشتري بعد القضاء، لانه لا يقضي عين الواجب بل مثله، إلا أن المشتري لا يطالب به لان له مثله على البائع بالقضاء فلا تفيد المطالبة، فقد صادفت الهبة والحط دينا قائما في ذمة المشتري، وإنما لم يصح الابراء لانه نوعان: براءة قبض، واستيفاء، وبراءة إسقاط، فإذا أطلقت تحمل على الاول لانه أقل فكأنه قال: أبرأتك براءة قبض واستيفاء، وفيه لا يرجع، ولو قال براءة إسقاط صح ورجع على البائع، أما الهبة والحط فإسقاط فقط، وإذا وهبه كل الدين أو حط أو أبرأه منه فهو على ما ذكرنا، هذا ما ذكره شيخ الاسلام.
وذكر السرخسي أن الابراء المضاف إلى الثمن بعد الاستيفاء صحيح، حتى يجب على البائع رد ما قبض، وسوى بين الابراء والهبة والحط، فيتأمل عند الفتوى ا ه.
هذا حاصل ما في البحر عن الذخيرة.
قال في النهر: وعرف من هذا أنه لا خلاف في رجوع الدافع بما أداه إذا أبرأه براءة إسقاط وفي عدم ورجوعه إذا أبرأه براءة استيفاء، وأن الخلاف مع الاطلاق، وعلى هذا تفرع ما لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها لا يبطل التعليق، فإذا أبرأته براءة إسقاط وقع ورجع عليها، كذا في الاشباه ا ه.
قلت: والظاهر أن المبيع الدين مثل الثمن فيما ذكر، فكان الاولى للشارح أن يقول بعد قوله: بخلاف الدين وكذا الثمن لو حط بعضه أو وهبه، أو أبرأ عنه قبل القبض وكذا بعده فيرجع المشتري بما دفع.
لكن لو البراءة براءة إسقاط لا براءة استيفاء اتفاقا، ولو أطلقها فقولان، فيتأمل عند الفتوى(5/281)
الخ، فافهم.
قوله: (وهو المناسب للاطلاق) أي الرجوع هو المناسب لاطلاق البراءة، لكن الظاهر ما قاله شيخ الاسلام من حملها عند الاطلاق على براءة القبض والاستيفاء لانه أقل كما مر، لان حملها على معنى الاسقاط يوجب الرجوع عليه بما أخذ وهذا أكثر.
قوله: (لا يثبت بالشك) ولان وقوع الابراء بعد القبض قرينة على أن المراد به براءة القبض، إلا أن يظهر بقرينة حالية إرادة ومعنى الاسقاط، وعن هذا والله تعالى أعلم قال: فيتأمل عند الفتوى: أي يتأمل المفتي وينظر ما يقتضيه المقام في الحادثة المسؤول عنها فيفتي به، والله سبحانه أعلم.
قوله: (للحوق الحط بأصل العقد) كأنه باعه ابتداء بالقدر الباقي بعد الحط ط: أي بخلاف الهبة فكان شرطا لا يقتضيه العقد وفيه نفع لاحدهما.
قوله: (والاستحقاق الخ) المارد به هنا طلب الحق أو ثبوت الحق، وقوله: لبائع متعلق به، ومعناه في البائع أن له حق حبس المبيع حتى يقبض الثمن وما زيد فيه، ومعناه في المشتري أنه لو استحق منه المبيع رجع على بائعه بالثمن، وما زيد فيه كما تقدم، وكذا لو رده بعيب ونحوه كما يأتي، ومعناه في الشفيع أنه لو زاد البائع في العقار المبيع، فإن الشفيع يأخذ الكل، وعليه فالمراد بالزيادة أعم من أن تكون في الثمن أو في المبيع.
قوله: (فلو رد الخ) تفريع على قوله: أو مشتر أي إذا رد المشتري المبيع بخيار عيب أو نحوه من خيار شرط أو رؤية رجع على بائعه بالكل: أي بالثمن وما زيد فيه، وفي الجوهرة: إذا اشترى عشرة أثواب بمائة فزاده البائع بعد العقد ثوبا آخر ثم اطلع المشتري على عيب في أحد الثياب: إن كان قبل القبض فالمشتري بالخيار: إن شاء فسخ البيع في جميعها، وإن شاء رضي بها، وإن كان بعد القبض فله رد المعيب بحصته وإن كانت الزيادة هي المعيبة ا ه.
مطلب في تأجيل الدين قوله: (ولزم تأجيل كل دين) الدين: ما وجب في الذمة بعقد أو استهلاك، وما صار في ذمته دينا باستقراضه فهو أعم من القرض، كذا في الكفاية.
ويأتي في أول الفصل تعريف القرض، وأطلق التأجيل فشمل ما لو كان الاجل معلوما أو مجهولا، لكن إن كانت الجهالة متقاربة كالحصاد والدياس يصح، لا إن كانت متفاحشة كهبوب الريح كما في الهداية وغيرها، ومر في باب البيع الفاسد أن الجهالة اليسيرة متحملة في الدين بمنزلة الكفالة.
قوله: (إن قبل المديون) فلو لم يقبله بطل التأجيل
فيكون حالا.
ذكره الاسبيجابي.
ويصح تعليق التأجيل بالشرط، فلو قال لمن عليه ألف حالة إن دفعت إلي غدا خمسمائة فالخمسمائة الاخرى مؤخرة عنك إلى سنة فهو جائز، كذا في الذخيرة.
وفي الخانية: لو قال المديون: أبطلت الاجل أو تركته صار حالا، بخلاف برئت من الاجل أو لا حاجة لي فيه، وإذا قضاه قبل الحلول فاستحق المقبوض من القابض أو وجده زيوفا فرده أو وجد بالمبيع عيبا فرده بقضاء عاد الاجل، لا لو اشترى من مديونه شيئا بالدين وقبضه ثم تقايلا البيع، ولو كان بهذا الدين المؤجل كفيل لا تعود الكفالة في الوجهين ا ه.
بحر.
وقوله: في الوجهين: أي في الاقالة، وفي الرد بعيب(5/282)
بقضاء، وقدمنا في الاقالة أن عدم عود الكفاية في الرد بعيب فيه خلاف، فراجعه.
قوله: (إلا في سبع) وهي في الحقيقة ست، فإن مسالتي الاقالة واحدة.
قوله: (بدلي صرف وسلم) لاشتراط القبض لبدلي الصرف في المجلس واشتراطه في رأس مال السلم، وهو المراد ببدله هنا، أما المسلم فيه فشرطه التأجيل ط.
قوله: (وثمن عند إقالة وبعدها) في القنية: أجل المشتري البائع سنة عند الاقالة صحت الاقالة وبطل الاجل، ولو تقايلا ثم أجله ينبغي أن لا يصح الاجل عند أبي حنيفة، فإن الشرط اللاحق بعد العقد ملتحق بأصل العقد عنده ا ه.
بحر وتقدمت المسألة في باب الاقالة، وكتبنا هناك أنا قدمنا في البيع الفاسد تصحيح عدم التحاق الشرط الفاسد، وعليه فيصح التأجيل بعدها، ويؤيده ما نقله بعضهم عن سلم الجوهرة من أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الاقالة، لانه دين لا يجب قبضه في المجلس كسائر الديون ا ه.
ثم رأيت العلامة البيري قال: إن قوله الشرط اللاحق ملتحق بأصل العقد ساقط، لان التأجيل وقع بعد العقد لا على وجه الشرط، بل على وجه التبرع كما في سائر الديون، ويؤيده أنه نقل جواز تأخير الثمن بعد الرد بالعيب بقضاء أو بغيره، والعجب من المؤلف: أي صاحب الاشباه كيف أقره على ذلك ا ه كلام البيري ملخصا.
قلت: لكن وجه ما في القنية أن الاقالة بيع من وجه، وقد مر الخلاف في باب البيع الفاسد فيما لو باع مطلقا ثم أجل إلى أجل مجهول، قيل: يصح الاجل، وقيل: لا بناء على أنه يلتحق بالعقد، وهنا إذا التحق بعقد الاقالة يلزم أن يزيد الثمن فيها بوصف التأجيل، مع أن الاقالة إنما تصح بمثل
الثمن الاول، فالاحسن الجواب بما قلنا من تصحيح عدم الالتحاق.
تأمل.
قوله: (وما أخذ به الشفيع) يعني لو أجل المشتري الشفيع في الثمن لم يصح.
بحر.
وشمل ما لو كان الشراء بمؤجل، فإن الاجل لا يثبت في أخذ الشفيع كما سيذكره في بابها.
قوله: (ودين الميت) أي لو مات المديون وحل المال فأجل الدائن وارثه لم يصح، لان الدين في الذمة، وفائدة التأجيل أن يتجر فيؤدي الدين من نماء المال، فإذا مات من له الاجل تعين المتروك لقضاء الدين، فلا يفيد التأجيل، كذا في الخلاصة.
وظاهره أنه في كل دين، وذكره في القنية في القرض.
بحر.
وفي الفتح مثل ما في القنية لكن في الذخيرة تأجيل رب الدين ماله على الميت لا يجوز، والصحيح أنه قول الكل لان الاجل صفة الدين، ولا دين على الوارث، فلا يثبت الاجل في حقه، ولا وجه أيضا لثبوته للميت، لانه سقط عن ذمته بالموت ولا لثبوته في المال لانه عين والاعيان لا تقبل التأجيل.
وفي البرجندي قال صاحب المحيط: الاصح عندي أن تأجيله صحيح، وهكذا أفتى الامام قاضيخان، لانه إذا كان هذا الدين يتعلق بالتركة، لكنه يثبت في الذمة فلا يكون عينا فيصح التأجيل، وأفتى بعضهم بعدم الصحة، كذا في الفصول العمادية.
بيري.
قوله: (فلا يلزم تأجيله) أي أنه يصح بأجليه مع كونه غير لازم فللمقرض الرجوع عنه، لكن قال في الهداية: فإن تأجيله لا يصح لانه إعارة وصلة في الابتداء حتى يصح بلفظة الاعارة، ولا يملكه من لا يملك التبرع كالوصي والصبي ومعاوضة في الانتهاء، فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما في الاعارة إذ لا جبر في التبرع، وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح، لانه يصير بيع الدراهم بالذراهم نسيئة وهو ربا اه.
ومقتضاه أن قوله لا يصح على حقيقته، لانه إذا وجد فيه مقتضى عدم اللزوم ومقتضى عدم الصحة وكان الاول لا ينافي الثاني، لان ما لا يصح لا يلزم وجب اعتبار(5/283)
عدم الصحة، ولهذا علل في الفتح لعدم الصحة أيضا بقوله: ولانه لو لزم كان التبرع ملزما على المتبرع، ثم للمثل المردود حكم العين كأنه رد العين، وإلا كان تمليك دراهم بدارهم بلا قبض في المجلس، والتأجيل في الاعيان يصح ا ه ملخصا.
ويؤيده ما في النهر عن القنية: التأجيل في القرض باطل.
قوله: (إلا في أربع) أي بعد مسألتي الحوالة واحدة مسألتي الوصية واحدة أيضا، وقد
نظمت هذه مع التي قبلها بقولي: ست من الديون ليس يلتزم تأجيلها بدل صرف وسلم دين على ميت وما للمشتري على مقيل أو شفيع يا سري والقرض إلا أربعا فيها مضى جحد وصية حوالة قضى قوله: (إذا كان مجحودا) في الخانية: رجل له على رجل ألف درهم قرض فصالحه على مائة إلى أجل صح الحط والمائة حالة، وإن كان المستقرض جاحدا للقرض فالمائة إلى الاجل ا ه بيري.
ومثله لو قال المستقرض للمقرض سرا لا أقر لك حتى تؤجله عني، فأقر له عند الشهود بالالف مؤجلة.
قوله: (أو حكم مالكي بلزومه) فإنه عنده لازم، وقيد به لان الارجح أن حكم الحنفي بخلاف مذهبه لا ينفذ خصوصا في قضاة زماننا، وقيد بقوله: بعد ثبوت أصل الدين عنده لانه لو لم يكن ثابتا لا يصح حكمه بلزوم تأجيله، ولان المجحود لا يتوقف تأجيله على حكم مالكي.
قوله: (أو أحاله الخ) في الفتح والحلية في لزوم تأجيله: أن يحيل المستقرض المقرض على آخر بدينه، فيؤجل المقرض ذلك الرجل المحال عليه فيلزم ا ه.
وإذا لزم فإن كان للمحيل على المحال عليه دين فلا إشكال، وإلا أقر المحيل بقدر المحال به للمحال عليه مؤجلا أشار إليه في المحيط.
بحر.
وفائدة الاقرار تمكن المحال عليه من الرجوع على المحيل بما يدفعه للمقرض.
قوله: (أو أحاله على مديون الخ) أفاد أنه لا فرق بين كون تأجيل المحال عليه صادرا من المقرض أو من المحيل وهو المستقرض.
قوله: (لان الحوالة مبرئة) أي تبرأ بها ذمة المحيل ويثبت بها للمحال: أي المقرض دين على المحال عليه بحكم الحوالة، فهو في الحقيقة تأجيل دين لا قرض.
قوله: (فيلزم من ثلثه) فإن خرجت الالف من الثلث فيها وإلا فبقدر ما يخرج ط.
قوله: (ويسامح فيها نظرا للموصي) لانه وصية بالتبرع بمنزلة الوصية بالخدمة والسكنى فيلزم حقا للموصي.
هداية.
وحاصله: أن لزوم الوصية بالتبرع، ومنه ما نحن فيه خارج عن القياس رحمة وفضلا على الموصي إذ كان القياس أن لا تصح وصيته لانها تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته.
قوله: (وأقره المصنف) أي أقر ما ذكر من الحاصل، وهو لصاحب البحر فكان الاولى عزوه إليه.
قوله: (وتعقبه) أي تعقب الحاصل المذكور، فافهم.
قوله: (بأن الملحق بالقرض) هو الاقالة بقسميها والشفيع ودين الميت ح.
قوله: (تأجيله(5/284)
باطل) لتعبيرهم فيها بلا يصح، أو بباطل فلا يقال: إن التأجيل فيها صحيح غير لازم ط.
قلت: وقد علمت مما قدمناه أن القرض كذلك، ولعل مراد صاحب البحر بالباطل ما يحرم فعله ويلزم منه الفساد، فإن تأجيل بدلي الصرف والسلم كذلك، بخلاف القرض والملحق به، فإنه لو ترك المطالبة به إلى حلول الاجل لم يلزم منه ذلك، فلذا قال: إنه صحيح غير لازم، لكن ما قدمناه عن الهداية في القرض من قوله: وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لانه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا ا ه.
يقتضي أنه يلزم منه الفساد وأنه حرام ولم يظهر لي وجهه، فليتأمل.
قوله: (لان الدين واحد) أي فإذا تأخر عن الكفيل لزم تأخيره عن الاصيل أيضا إذ يثبت ضمنا ما يمتنع قصدا كبيع الشرب والطريق كما في البحر عن تلخيص الجامع، لكن في النهر عن السراج: قال أبو يوسف: إذا أقرض رجل رجلا مالا فكفل به رجل عنه إلى وقت كان على الكفيل إلى وقته، وعلى المستقرض حالا ا ه.
ونقل نحوه في كفالة البحر عن الذخيرة ووالغياثية، وذكر في أنفع الوسائل مثله من عدة كتب، وذكر أن هذه الحيلة لم يقل بها أحد غير الحصيري في التحرير وأنه إذا تعارض كلامه وحده مع كلام كل الاصحاب لا يفتى به ا ه.
وحاصله: أن الجمهور على أنه يتأجل على الكفيل دون الاصيل، وبه أفتى العلامة قارئ الهداية وغيره وسيأتي تمامه في الكفالة إن شاء الله تعالى.
تنبيه: لم يذكر ما لو أجل الكفيل الاصيل، وهو جائز، ففي البيري روى ابن سماعة عن محمد رجل قال لغيره: اضمن عني لفلان الالف التي علي ففعل، وأداها الضامن، ثم إن الضامن أخر المضمون عنه فالتأخير جائز، وليس هذا بمنزلة القرض، ولو قال: اقض عني هذا الرجل ألف درهم ففعل ثم أخرها لم يجز التأخير، لان هذا أدى عنه فصار مقرضا، والتأخير في القرض باطل والاول أدى عن نفسه ا ه.
قوله: (أن يقر الوارث الخ) الظاهر أنه مفروض في وارث لا مشارك له في الميراث، وإلا يلحقه ضرر بلزوم الدين علي وحده، والمقصود من هذه الحيلة بيان حكمها لو وقعت كذلك لا تعليم فعلها، لان فيها الاخبار بخلاف الواقع.
قوله: (ويصدقه الطالب أنه الخ) لو قال:
ويصدقه الطالب في ذلك لكان أخصر وأظهر، لان تصديقه بتأجيله على الميت غير لازم.
قوله: (وإلا لامر الوارث الخ) عبارة الاشباه: وإلا فقد حل الدين بموته فيؤمر الوارث الخ.
مطلب إذا قضى المديون الدين قبل حلول الاجل أو مات لا يؤخذ من المرابحة إلا بقدر ما مضى قوله: (وسيجئ آخر الكتاب) أي قبيل كتاب الفرائض، وهذا مأخوذ من القنية حيث قال فيها برمز نجم الدين: قضى المديون الدين قبل الحلول أو مات فأخذ من تركته، فجواب المتأخرين أنه لا(5/285)
يؤخذ من المرابحة التي جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الايام، قيل له: أتفتي به أيضا؟ قال: نعم.
قال: ولو أخذ المقرض القرض والمرابحة قبل مضي الاجل فللمديون أن يرجع بحصة ما بقي من الايام ا ه.
وذكر الشارح آخر الكتاب أنه أفتى به المرحوم مفتي الروم أبو السعود، وعلله بالرفق من الجانبين.
قلت: وبه أفتى الحانوتي وغيره، وفي الفتاوى الحامدية: سئل فيما إذا كان لزيد بذمة عمرو مبلغ دين معلوم فرابحه عليه إلى سنة، ثم بعد ذلك بعشرين يوما مات عمرو المديون، فحل الدين ودفعه الوارث لزيد، فهل يؤخذ من المرابحة شئ أو لا؟ الجواب جواب المتأخرين: أنه لا يؤخذ من المرابحة التي جرت المبايعة عليها بينهما إلا بقدر ما مضى من الايام.
قيل للعلامة نجم الدين: أتفتي به؟ قال: نعم، كذا في الانقروي والتنوير، وأفتى به علامة الروم مولانا أبو السعود، وفي هذه الصورة بعد أداء الدين دون المرابحة إذا ظنت الورثة أن المرابحة تلزمهم فرابحوه عليها عدة سنين بناء على أن المرابحة تلزمهم حتى اجتمع عليهم مال، فهل يلزمهم المال أو لا؟ الجواب: لا يلزمهم لما في القنية برمز بكر جواهر زاده: كان يطالب الكفيل بالدين بعد أخذه من الاصيل، ويبيعه بالمرابحة حتى اجتمع عليه سبعون دينارا، ثم تبين أنه قد أخذه فلا شئ له لان المبايعة على قيام الدين ولم يكن ا ه هذا ما ظهر لما والله سبحانه أعلم ا ه.
فصل في القرض بالفتح والكسر.
منح.
ومناسبته لما قبله ذكر القرض في قوله: ولزم تأجيل كل دين إلا القرض.
قوله: (ما تعطيه لتتقاضاه) أي من قيمي أو مثلي، وفي المغرب: تقاضيته ديني وبديني واستقضيته:
طلبت قضاءه واقتضيت منه حقي: أخذته.
قوله: (وشرعا ما تعطيه من مثلي الخ) فهو على التفسيرين مصدر بمعنى اسم المفعول، لكن الثاني غير مانع لصدقه على الوديعة والعارية، فكان عليه أن يقول: لتتقاضى مثله، وقدمنا قريبا أن الدين أعم من القرض.
قوله: (عقد مخصوص) الظاهر أن المراد عقد بلفظ مخصوص، لان العقد لفظ.
لذا قال: أي بلفظ القرض ونحوه: أي كالدين، وكقوله: أعطني درهما لارد عليك مثله، وقدمنا عن الهداية أنه يصح بلفظ الاعارة.
قوله: (بمنزلة الجنس) أي من حيث شموله القرض وغيره، وليس جنسا حقيقا، لعدم الماهية الحقيقية كما عرف في موضعه، واعترض بأن الذي بمنزلة الجنس قوله: عقد مخصوص وأما هذا فهو بمنزلة الفصل خرج به ما لا يرد على دفع مال كالنكاح، وفيه أن النكاح لم يدخل في قوله: عقد مخصوص أي بلفظ القرض ونحوه كما علمت، فصار الذي بمنزلة الجنس هو مجموع قوله: عقد مخصوص يرد على دفع مال، تأمل: قوله: (لآخر) متعلق بقوله: دفع.
قوله: (خرج نحو وديعة وهبة) أي خرج وديعة وهبة ونحوهما كعارية وصدقة، لانه يجب رد عين الوديعة والعارية ولا يجب رد شئ في الهبة والصدقة.
قوله: (في مثلي)(5/286)
كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب كالجوز والبيض.
وحاصله: أن المثلي ما لا تتفاوت آحاده: أي تفاوتا تختلف به القيمة، فإنه نحو الجوز تتفاوت آحاده تفاوتا يسيرا.
قوله: (لتعذر رد المثل) علة لقوله: لا في غيره أي لا يصح القرض في غير المثلي، لان القرض إعارة ابتداء حتى صح بلفظها معاوضة انتهاء، لانه لا يمكن به إلا باستهلاك عينه، فيستلزم إيجاب المثلي في الذمة، وهذا لا يتأتى في غير المثلي، قال في البحر: ولا يجوز في غير المثلي، لانه لا يجب دينا في الذمة، ويملكه المستقرض بالقبض كالصحيح والمقبوض بقرض فاسد يتعين للرد، وفي القرض الجائز لا يتعين بل يرد المثل وإن كان قائما.
وعن أبي يوسف: ليس له إعطاء غيره إلا برضاه، وعارية ما جاز قرضه قرض، وما لا يجوز قرضه عارية ا ه.
أي قرض ما لا يجوز قرضه عارية من حيث إنه يجب رد عينه لا مطلقا لما علمت من أنه يملك القبض.
تأمل.
قوله: (كمقبوض ببيع فاسد)، أي فيفيد الملك بالقبض كما علمت.
وفي جامع الفصولين: القرض الفاسد يفيد الملك، حتى لو استقرض بيتا فقبضه ملكه، وكذا سائر الاعيان، وتجب القيمة على المستقرض، كما لو أمر بشراء قن
بأمة المأمور ففعل فالقن للآمر.
قوله: (فيحرم الخ) عبارة جامع الفصولين: ثم في كل موضع لا يجوز القرض لم يجز الانتفاع به لعدم الحل، ويجوز بيعه لثبوت الملك كبيع فاسد ا ه.
فقوله: ويجوز بيعه بمعنى يصح لا بمعنى يحل، إذ لا شك في أن الفاسد يجب فسخه والبيع من الفسخ فلا يحل، كما لا يحل سائر التصرفات المانعة من الفسخ كما مر في بابه، وبه تعلم ما في عبارة الشارح.
قوله: (وكاغد) أي قرطاس، وقوله: عددا قيد للثلاثة، وما ذكره في الكاغد ذكره في التاترخانية.
ثم نقل بعده عن الخانية.
ولا يجوز السلم في الكاغد عددا، لانه عددي متفاوت ا ه.
ولعل الثاني محمول على ما إذا لم يعلم نوعه وصفته.
قوله: (كما سيجئ) أي في باب الربا حيث قال: ويستقرض الخبز وزنا وعددا عند محمد، وعليه الفتوى، ابن ملك.
واستحسنه الكمال واختاره المصنف تيسيرا ا ه.
وفي التاترخانية، قال أبو حنيفة: لا يجوز قرضه واستقراضه لا عددا ولا وزنا.
وفي رواية عن أبي يوسف مثله.
وقوله المعروف أنه لا بأس به، وعليه أفعال الناس جارية، والفتوى على قول محمد ا ه ملخصا.
ونقل في الهندية عن الخانية والظهيرية والكافي: أن الفتوى على جواز استقراضه وزنا لا عددا، وهو قول الثاني ا ه.
ولعله هو المراد بقوله المعروف، وسيذكر استقراض العجين والخميرة.
قوله: (والعدالي) بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة، وباللام المكسورة: وهي الدراهم المنسوبة إلى العدال، وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش، كذا في صرف البحر عن البناية.
قلت: والمراد بها دراهم غالبة الغش، كما وقع التصريح به في الفتح وغيره بدل لفظ العدالي لان غالبة الغش في حكم الفلوس من حيث إنها إنما صارت ثمنا بالاصطلاح على ثمينتها، فتبطل ثمينتها بالكساد، وهو ترك التعامل بها، بخلاف ما كانت فضتها خالصة أو غالبة، فإنها أثمان خلقة فلا تبطل ثمينتها بالكساد كما حققناه أول البيوع عند قوله: وصح بثمن حال ومؤجل.
قوله: (فعليه مثلها كاسدة) أي إذا هلكت، وإلا فيرد عينها اتفاقا كما في صرف الشرنبلالية، وفيه كلام سيأتي.
قوله:(5/287)
(فلا عبرة بغلائه ورخصه) فيه أن الكلام في الكساد، وهو ترك التعامل بالفلوس ونحوها كما قلنا، والغلاء والرخص غيره، وكأنه نظر إلى اتحاد الحكم فصح التفريع.
تأمل.
وفي كافي الحاكم: لو قال
أقرضني دانق حنطة فأقرضه ربع حنطة، فعليه أن يرد مثله، وإذا استقرض عشرة أفلس ثم كسدت لم يكن عليه إلا مثلها في قول أبي حنيفة، وقالا: عليه قيمتها من الفضة يستحسن ذلك.
وإن استقرض دانق فلوس أو نصف درهم فلوس ثم رخصت أو غلت لم يكن عليه إلا مثل عدد الذي أخذه.
وكذلك لو قال: أقرضني عشرة دراهم غلة بدينار فأعطاه عشرة دراهم، فعليه مثلها، ولا ينظر إلى غلاء الدراهم ولا إلى رخصها.
وكذلك كل ما يكال ويوزن فالقرض فيه جائز، وكذلك ما يعد من البيض والجوز ا ه.
وفي الفتاوى الهندية: استقرض حنطة فأعطى مثلها بعد ما تغير سعرها يجبر المقرض على القبول.
قوله: (وجعله) أي ما في الفتن من قوله: فعليه مثلها.
قوله: (وعند الثاني الخ) حاصله أن الصاحبين اتفقا على وجوب رد القيمة دون المثل، لانه لما بطل وصف الثمينة بالكساد تعذر رد عينها كما قبضها فيجب رد قيمتها، وظاهر الهداية اختيار قولهما.
فتح.
ثم إنهما اختلفا في وقت الضمان: قال في صرف الفتح: وأصله اختلافهما فيمن غصب مثليا فانقطع، فعند أبي يوسف: تجب قيمته يوم الغصب، وعند محمد: يوم القضاء، وقولهما: انظر للمقرض في قول الامام، لان في رد المثل إضرارا به، ثم قول أبي يوسف: أنظر له أيضا لان قيمته يوم القرض أكثر من يوم الانقطاع وهو أيسر أيضا، فإن ضبط وقت الانقطاع عسر ا ه ملخصا.
ولم يذكر حكم الغلاء والرخص، وقدمنا أول البيوع أنه عند أبي يوسف تجب قيمتها يوم القبض أيضا، وعليه الفتوى كما في البزازية والخلاصة، وهذا يؤيد ترجيح قوله في الكساد أيضا، وحكم البيع كالقرض، إلا أنه عند الامام يبطل البيع، وعند أبي يوسف: لا يبطل، وعليه قيمتها يوم البيع في الكساد والرخص والغلاء كما قدمناه أوو البيوع.
قوله: (فاخذه) بمد الهمزة.
أي طلب أخذه منه.
قوله: (بالعراق يوم اقتراضه) متعلقان بقوله: قيمته والثاني يغني عن الاول.
قوله: (وعند الثالث يوم اختصما) وعبارة الخانية: قيمته بالعراق يوم اختصما، فأفاد أن الواجب قيمته يوم الاختصام التي في بلد القرض، فكان المناسب ذكر قوله بالعراق هنا وإسقاطه من الاول، كما فعله في الذخيرة.
قوله: (فيأخذ طعامه) أي مثله في بلد القرض.
قوله: (ولو استقرض الطعام الخ) هذه هي المسألة الاولى، وهي ما لو ذهب إلى بلدة غير بلدة القرض وقيمة البلدتين مختلفة، لان العادة أن الطعام في مكة أغلى منه في العراق، وهذه رواية أخرى
وهي قول الامام، كما صرح به في الذخيرة، فإنه ذكر أولا ما مر من حكاية القولين.(5/288)
ثم قال ما نصه: بشر عن أبي يوسف: رجل أقرض رجلا طعاما أو غصبه إياه وله حمل ومؤنة والتقيا في بلدة أخرى الطعام فيها أغلى أو أرخص: فإن أبا حنيفة قال: يستوثق له من المطلوب حتى يوفيه طعامه حيث غصب أو حيث أقرضه، وقال أبو يوسف: إن تراضيا على هذا فحسن، وأيهما طلب القيمة أجبر الآخر عليه، وهي القيمة في بلد الغصب أو الاستقراض، والقول في ذلك قول المطلوب، ولو كان الغصب قائما بعينه أجبر على أخذه لا على القيمة ا ه.
وفيها أيضا: وذكر القدوري في شرحه: إذا استقرض دراهم بخارية، والتقيا في بلدة لا يقدر فيها على البخارية، فإن كان ينفق في ذلك البلد، فإن شاء صاحب الحق أجله قدر المسافة ذاهبا وجائيا واستوثق منه، وإن كان البلد لا ينفق فيها وجب القيمة ا ه.
وقدمنا أول البيوع أن الدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة، فلذا أوجب القيمة إذا كانت لا تنفق في ذلك البلد لبطلان الثمينة بالكساد، كما قدمناه، وبهذا ظهر أنه لو كانت الدراهم فضتها خالصة أو غالبة كالريال الفرنجي في زماننا فالواجب رد مثلها، وإن كانا في بلدة أخرى، لان ثمنية الفضة لا تبطل بالكساد ولا بالرخص أو الغلاء، ويدل عليه ما قدمناه عن كافي الحاكم من أنه لا ينظر إلى غلاء الدراهم، ولا إلى رخصها هذا ما ظهر لي، فتأمل وانظر ما كتبناه أول البيوع.
قوله: (استقرض شيئا من الفواكه الخ) المراد ما هو كيلي أو وزني إذا استقرضه ثم انقطع عن أيدي الناس قبل أن يقبضه إلى المقرض، فعند أبي حنيفة: يجبر المقرض على التأخير إلى إدراك الجديد ليصل إلى عين حقه، لان الانقطاع بمنزلة الهلاك، ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك، وقال أبو يوسف: هذا لا يشبه كساد الفلوس، لان هذا مما يوجد، فيجبر المقرض على التأخير إلا أن يتراضيا على القيمة، وهذا في الوجه كما لو التقيا في بلد الطعام فيه غال فليس له حبسه، ويوثق له بكفيل حتى يعطيه إياه في بلده، ذخيرة ملخصا.
قوله: (بنفس القبض) أي قبل أن يستهلكه.
قوله: (خلافا للثاني) حيث قال: لا يملك المستقرض القرض ما دام قائما، كما في المنح آخر الفصل ا ه ح.
قوله: (فله رد المثل) أي لو استقرض كر بر مثلا وقبضه فله حبسه ورد مثله، وإن طلب المقرض رد العين،
لانه خرج عن ملك المقرض، وثبت له في ذمة المستقرض مثله لا عينه ولو قائما.
قوله: (بناء على انعقاده الخ) هكذا نقل هذه العبارة هنا في المنح عن البحر، ونقل أيضا عن الزيلعي: أنهم اختلفوا في انعقاده بلفظ القرض، قيل: ينعقد، وقيل: لا، وقيل: الاول قياس قولهما، والثاني: قياس قوله ا ه.
قلت: والعبارتان غير مذكورتين في هذا الفصل من البحر وشرح الزيلعي، وإنما ذكرهما في كتاب النكاح عند قول الكنز: وينعقد بكل ما وضع لتمليك العين في الحال، فالضمير في انعقاده في عبارة البحر المذكورة في الشرح، وعبارة الزيلعي الني نقلناها عائدة على النكاح لا على القرض كما يوهمه كلام الشارح تبعا للمنح، وهذا أمر عجيب، نعم لهذه المسألة مناسبة هنا، وذلك أن ظاهر كلام المتن ترجيح قولهما، فكان المناسب للشارح أن يقول: وعلى هذا ينبغي اعتماد انعقاد النكاح بلفظ القرض، وهو أحد الصحيحين لافادته الملك للحال، فافهم.(5/289)
مطلب في شراء المستقرض القرض من المقرض قوله: (فجاز شراء المستقرض القرض) تفريع على قولهما، والمراد شراؤه ما في ذمته لا عين القرض الذي في يده، وحينئذ فقوله: ولو قائما فيه استخدام، لانه عائد إلى عين القرض الذي في يده، وبيان ذلك أنه تارة يشتري ما في ذمته للمقرض وتارة ما في يده: أي عين ما استقرضه، فإن كان الاول: ففي الذخيرة اشترى من المقرض الكر الذي له عليه بمائة دينار جاز، لانه دين عليه لا بعقد صرف ولا سلم، فإن كان مستهلكا وقت الشراء فالجواز قول الكل لانه ملكه بالاستهلاك وعليه مثله في ذمته بلا خلاف، وإن كان قائما فكذلك عندهما، وعلى قول أبي يوسف ينبغي أن لا يجوز لانه لا يملكه ما لم يستهلكه فلم يجب مثله في ذمته، فإذا أضاف الشراء الكر الذي في ذمته فقد أضافه إلى معدوم فلا يجوز ا ه.
وهذا ما في الشرح.
وإن كان الثاني: ففي الذخيرة أيضا: استقرض من رجل كرا وقبضه ثم اشترى ذلك الكر بعينه من المقرض لا يجوز على قولهما، لانه ملكه بنفس القبض فيصير مشتريا ملك نفسه، أما على قول أبي يوسف فالكر باق على ملك المقرض فيصير المستقرض مشتريا ملك غيره فيصح: وبقي ما لو كان المستقرض هو الذي باع الكر من المقرض، فيجوز على قولهما، لانه باع
ملك نفسه.
واختلفوا على قول أبي يوسف: بعضهم قالوا: يجوز لان المستقرض على قوله وإن لم يملك الكر بنفس القرض، إلا أنه يملك التصرف فيه بيعا وهبة واستهلاكا فيصير متملكا له، وبالبيع من المقرض صار متصرفا فيه وزال عن ملك المقرض فصح البيع منه ا ه ملخصا.
قوله: (بدراهم مقبوضة الخ) في البزازية من آخر الصرف: إذا كان له على آخر طعام، أو فلوس فاشتراه من عليه بدراهم وتفرقا قبل قبض الدراهم بطل، وهذا مما يحفظ، فإن مستقرض الحنطة أو الشعير بتلفها، ثم يطالبه المالك بها ويعجز عن الاداء فيبيعها مقرضها منه بأحد النقدين إلى أجل، وأنه فاسد لانه افتراق عن دين بدين ا ه.
وفيها في الفصل الثالث من البيوع: والحيلة فيه أن يبيع الحنطة ونحوها بثوب، ثم يبيع الثوب منه بدراهم ويسلم الثوب إليه ا ه.
قوله: (أقرض صبيا محجورا فاستهلكه) قيد بالمحجور، لانه لو كان مأذونا فهو كالبالغ وبالاستهلاك، لانه لو بقيت عينه فللمالك أن يسترده، ولو تلف بنفسه لا يضمن اتفاقا كما في جامع الفصولين.
قوله: (خلافا للثاني) فإنه يضمن.
قال في الهندية عن المبسوط: وهو الصحيح ط.
قوله: (وكذا الخلاف لو باعه) أي باع من الصبي أو أودعه: أي واستهلكهما، ولا حاجة إلى ذكر قوله: أو أودعه لتصريح المصنف به في قوله: وهو الوديعة ا ه ط.
قوله: (خلافا للثاني) فيؤاخذ به حالا كالوديعة عنده.
هندية ط.
قوله: (وهو) أي الاقراض لهؤلاء.
قوله: (وكذا الدين والسلم) أي لو جاء المديون أو رب السلم بدراهم ليدفعها إلى الدائن عن دينه، أو إلى المسلم إليه عن رأس المال فقال له: القها الخ.
قوله: (بخلاف الشراء والوديعة) المراد بالشراء(5/290)
المشري: أي لو جاء البائع بالمشتري أو المودع بالوديعة فقال له المشتري أو صاحب الوديعة: الق ذلك في الماء فألقاه صح الامر، ويكون ذلك على الآمر، ويصير قابضا لان حقه متعين، لانه ليس للبائع إعطاء غير المبيع، ولا للمودع إعطاء غير الوديعة، بخلاف المقرض والمديون ورب السلم، فإن له أن يبدل ما جاء به، ويعطى غيره، لانه قبل القبض باق على ملكه.
وقيد في المنح الشراء بما إذا كان صحيحا: أي لان الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض فيكون على ملك البائع.
قوله: (وعزاه لغريب الرواية) ظاهره أن الضمير عائد على صاحب الخانية، لانه نقل ما في المتن عنها، مع أن ما في الشرح
لم أره في الخانية، وإنما عزاه المصنف إلى غريب الرواية.
قوله: (وفيها) أي في الخانية معطوف على قوله: وفيها.
قوله: (شرط رد شئ آخر) الظاهر أن أصل العبارة كشرط رد شئ آخر ا ه ح.
قوله: (وقيل لا) هذا هو الصحيح كما في الخانية، وفيها: ولو كان الدين مؤجلا فقضاه قبل حلول الاجل يجير على القبول ا ه.
وذكر الشارح إعطاء الاجود، ولم يذكر الزيادة، وفي الخانية: وإن أعطاه المديون أكثر مما عليه وزنا، فإن كانت الزيادة تجري بين الوزنين: أي بأن كانت تظهر في ميزان دون ميزان جاز، وأجمعوا على أن الدانق في المائة يسير يجري بين الوزنين وقدر الدرهم والدرهمين كثير لا يجوز، واختلفوا في نصف الدرهم: قال الدبوسي: إنه في المائة كثير يرد على صاحبه، فإن كانت كثيرة لا تجري بين الوزنين إن لم يعلم المديون بها ترد على صاحبها، وإن علم وأعطاها اختيارا إن كانت الدراهم المدفوعة مكسرة أو صحاحا لا يضرها التبعيض لا يجوز إذا علم الدافع والقابض، وتكون هبة المشاع فيما يحتمل القسمة، وإن كان لا يضره التبعيض وعلما جاز، وتكون هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة ا ه، وسيذكر الشارح بعضه أول باب الربا.
قوله: (بأن يقرض الخ) هذا يسمى الآن بالوصية قال في الدرر: كره للسفتجة بضم السين وفتح التاء تعريب سفته: وهي شئ محكم، ويسمى هذا القرض به لاحكام أمره.
وصورته: أنه يدفع إلى تاجر مبلغا قرضا ليدفعه إلى صديقه في بلد آخر ليستفيد به سقوط خطر الطريق ا ه.
وقال في الخانية: وتكره السفتجة إلا أن يستقرض، مطلقا ويوفي بعد ذلك في بلد أخرى من غير شرط ا ه.
وسيأتي تمام الكلام عليها آخر كتاب الحوالة.
مطلب: كل قرض جر نفعا حرام قوله: (كل قرض جر نفعا حرام) أي إذا كان مشروطا كما علم مما نقله عن البحر.
وعن الخلاصة وفي الذخيرة: وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض، فعلى قول الكرخي: لا بأس به، ويأتي تمامه.
قوله: (فكره للمرتهن الخ) الذي في رهن الاشباه: يكره للمرتهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن الراهن ا ه سائحاني.(5/291)
قلت: وهذا هو الموافق لما سيذكره المصنف في أول كتاب الرهن.
قال في المنح هناك: وعن
عبد الله بن محمد بن أسلم السمرقندي، وكان من كبار علماء سمرقند: أنه لا يحل له أن ينتفع بشئ منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن، لانه أذن له في الربا لانه يستوفي دينه كاملا فتبقى له المنفعة فضلا، فتكون ربا، وهذا أمر عظيم.
قلت: وهذا مخالف لعامة المعتبرات من أنه يحل بالاذن إلا أن يحمل على الديانة وما في المعتبرات على الحكم.
ثم رأيت في جواهر الفتاوى: إذا كان مشروطا صار قرضا فيه منفعة وهو ربا، وإلا فلا بأس به ا ه ما في المنح ملخصا.
وتعقبه الحموي بأن ما كان ربا لا يظهر فيه فرق بين الديانة والقضاء، على أنه لا حاجة إلى التوفيق بعد أن الفتوى على ما تقدم: أي من أنه يباح.
قلت: وما في الجواهر يفيد توفيقا آخر يحمل ما في المعتبرات على غير المشروط، وما مر على المشروط، وهو أولى من إبقاء التنافي.
ويؤيده ما ذكروه فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت بشرط كره، وإلا فلا، وأفتى في الخيرية فيمن رهن شجر الزيتون على أن يأكل المرتهن ثمرته نظير صبره بالدين بأنه يضمن.
قوله: (دفعته) أي القرض والاولى دفعتها: أي العشرة.
قوله: (فأنكر المولى الخ) مفهومه أنه إذا أقر بقبض العبد يلزمه لما في الخانية، ولو أرسل رسولا إلى رجل وقال: ابعث إلي بعشرة دراهم قرضا فبعث بها مع رسوله كان الآمر ضامنا لها إذا أقر أن رسوله قبضها ا ه.
قوله: (لانه أقر أنه قبضها بحق) وهو كونه نائبا عن سيده في القبض.
قوله: (ليس له) أي ليس للمقرض أن يطلب منه: أي من القابض إلا حصته من القرض، لانه قبض الباقي بالوكالة عن رفقته.
قوله: (لا بالاستقراض) هذا منصوص عليه، ففي جامع الفصولين: بعث رجلا ليستقرضه فأقرضه فضاع في يده، فلو قال أقرض للمرسل ضمن مرسله، ولو قال: أقرضني للمرسل ضمن رسوله.
والحاصل: أن التوكيل بالاقراض جائز لا بالاستقراض، والرسالة بالاستقراض تجوز، ولو أخرج وكيل الاستقراض كلامه مخرج الرسالة يقع القرض للآمر، ولو مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه يقع للوكيل وله منعه عن آمره ا ه.
قلت: والفرق أنه إذا أضاف العقد إلى الموكل بأن قال إن فلانا يطلب منك أن تقرضه كذا صار رسولا والرسول سفير ومعبر، بخلاف ما إذا أضافه بأن قال: أقرضني كذا أو قال: أقرضني
لفلان كذا، فإنه يقع لنفسه، ويكون قوله لفلان بمعنى لاجله، وقالوا: إنما لم يصح التوكيل بالاستقراض لانه توكيل بالتكدي، وهو لا يصح.
قلت: ووجهه أن القرض صلة وتبرع ابتداء فيقع للمستقرض إذا لا تصح النيابة في ذلك فهو نوع من التكدي بمعنى الشحاذة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (استقراض العجين وزنا يجوز) هو المختار:(5/292)
مختار الفتاوى.
واحترز بالوزن عن المجازفة فلا يجوز.
بحر ط.
قوله: (ما رآه المسلمون) هو من حديث أحمد عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن الله نظر إلى قلوب العباد فاختار له أصحابا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المسلمون الخ وهو موقوف حسن، وتمامه في المقاصد الحسنة ط.
قوله: (يجوز ويكره) أي يصح مع الكراهة، وهذا لو الشراء بعد القرض لما في الذخيرة: وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض ولكن اشترى المستقرض من المقرض بعد القرض متاعا، فعلى قول الكرخي: لا بأس به، وقال الخصاف: ما أحب له ذلك، وذكر الحلواني أنه حرام لانه يقول: لو لم أكن اشتريته منه طالبني بالقرض في الحال، ومحمد لم يرد بذلك بأسا.
وقال خواهر زاده: ما نقل عن السلف محمول على ما إذا كانت المنفعة مشروطة وذلك مكروه بلا خلاف، وما ذكره محمد محمول على ما إذا كانت غير مشروطة وذلك غير مكروه بلا خلاف.
وهذا إذا تقدم الاقراض على البيع، فإن تقدم البيع بأن باع المطلوب منه المعاملة من الطالب ثوبا قيمته عشرون دينارا بأربعين دينارا ثم أقرضه ستين دينارا أخرى حتى صار له على المستقرض مائة دينار وحصل للمستقرض ثمانون دينارا، ذكر الخصاف أنه جائز، وهذا مذهب محمد بن سلمة إمام بلخ، وكثير من مشايخ بلخ كانوا يكرهونه ويقولون: إنه قرض جر منفعة، إذ لولاه لم يتحمل المستقرض غلاء الثمن.
ومن المشايخ من قال: يكره لو كانا في مجلس واحد، وإلا فلا بأس به، لان المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة، فكأنهما وجدا معا فكانت المنفعة مشروطة في القرض.
وكان شمس الائمة الحلواني يفتي بقول الخصاف.
وابن سلمة يقول: هذا ليس بقرض جر منفعة، بل هو بيع جر منفعة وهي القرض ا ه ملخصا.
وانظر ما سنذكره في الصرف عند قوله: وبيع درهم صحيح ودرهمين غلة قوله: (بطريف المعاملة) هو ما
ذكره من شراء الشئ اليسير بثمن غال.
قوله: (بأزيد من عشرة ونصف) وهناك فتوى أخرى بأزيد من أحد عشرة ونصف وعليها العمل.
سائحاني.
ولعله لورود الامر بها متأخرا عن الامر الاول.
قوله: (يعزر) لان طاعة أمر السلطان بمباح واجبة.
قوله: (ما أخذه من الربح) أي زائدا عما ورد به الامر ط.
قوله: (إن حصله منه بالتراضي الخ) مفهومه أنه لو أخذه بلا رضاه أنه يثبت له الرجوع بالزائد عما ورد وهو غير ظاهر، لانه إذا أقرضه مائة وباعه سلعة بثلاثين مثلا بيعا مستوفيا شرائطه الشرعية لم يكن فيه إلا مخالفته الامر السلطاني، لان مقتضى الامر الاول أن يبيع السلعة بخمسة فقط لتكون العشرة بعشرة ونصف، ومقتضى الامر الثاني أن يبيعها بخمسة عشر لتكون العشرة بأحد عشر ونصف، ولا يخفى أن مخالفة الامر لا تقتضي فساد البيع، لان ذلك لا يزيد على مخالفة أمر الله تعالى بالسعي وترك البيع وقت النداء، فإذا باع وترك السعي يكره البيع ولا يفسد، فكذا هنا بالاولى، على(5/293)
أنه إذا فسد البيع وجب الفسخ ورد جميع الثمن، وإذا صح وجب جميع الثمن فلا وجه لرد الزائد وأخذ ما ورد به الامر فقط سواء قلنا بصحة البيع أو فساده، فتعين أن هذا المفهوم غير مراد.
فتأمل.
قوله: (لكن يظهر الخ) لا وجه للاستدراك بعد ورود الامر الواجب الاتباع بعد الرجوع ط.
وقد يجاب بأن المراد أن المناسب اأن يرد الامر السلطاني بالرجوع: أي وإن أخذ ما أخذه بالتراضي لكن علمت ما فيه.
قوله: (وأقبح من ذلك السلم الخ) أي أقبح من بيع المعاملة المذكور ما يفعله بعض الناس من دفع دراهم سلما على حنطة أو نحوها إلى أهل القرى بحيث يؤدي ذلك إلى خراب القرية، لانه يجعل الثمن قليلا جدا فيكون إضراره أكثر من إضرار البيع بالمعاملة الزائدة عن الامر السلطاني، فيظهر أن المناسب أيضا ورود أمر سلطاني بذلك ليعزر من يخالفه، وظاهره أنه لم يرد بذلك أمر، والله سبحانه أعلم.
باب الربا لما فرغ من المرابحة وما يتبعها من التصرف في المبيع ونحو ذلك من القرض وغيره ذكر الربا، لان في كل منهم زيادة، إلا أن تلك الزيادة حلال وهذه حرام، والحل هو الاصل في الاشباه.
والربا بكسر الراء، وفتحها خطأ مقصور على الاشهر، ويثنى ربوان بالواو على الاصل، وقد يقال: ربيان على
التخفيف كما في المصباح، والنسب إليه ربوي بالكسر، والفتح خطأ كما في المغرب.
قوله: (ولو حكما الخ) تبع فيه النهر، لكنه لا يناسب تعريف المصنف فإنه قيده بكونه بمعيار شرعي، وهذا لا يدخل فيه ربا النسيئة ولا البيع الفاسد، إلا إذا كان فساده لعلة الربا، فالظاهر من كلام المصنف تعريف ربا الفضل، لانه هو المتبادر عند الاطلاق، ولذا قال في البحر: فضل أحد المتجانسين، نعم هذا يناسب تعريف الكنز بقوله: فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال ا ه.
فإن الاجل في أحد العوضين فضل حكمي بلا عوض، ولما كان الاجل يقصد له زيادة العوض كما مر في المرابحة صح وصفه بكونه فضل مال حكما تأمل.
قال في الشرنبلالية: ومن شرائط الربا عصمة البدلين، وكونهما مضمونين بالاتلاف فعصمة أحدهما وعدم تقومه لا يمنع، فشراء الاسير أو التاجر مال الحربي أو المسلم الذي لم يهاجر بجنسه متفضلا جائز، ومنها أن لا يكون البدلان مملوكين لاحد المتبايعين كالسيد مع عبده، ولا مشتركين فيهما بشركة عنان أو مفاوضة كما في البدائع ا ه.
وسيأتي بيان هذه المسائل آخر الباب.
قوله: (والبيوع الفاسدة الخ) تبع فيه البحر عن البناية، وفيه نظر، فإن كثيرا من البيوع الفاسدة ليس فيه فضل خال عن عوض كبيع ما سكت فيه عن الثمن، وبيع عرض بخمر أو بأم ولد فتجب القيمة ويملك بالقبض، وكذا بيع جذع من سقف وذراع من ثوب يضره التبعيض، وثوب من ثوبين، والبيع إلى النيروز ونحو ذلك، مما سبب الفساد فيه الجهالة، أو الضرر أو نحو ذلك نعم يظهر ذلك في الفساد بسبب شرط فيه نفع لاحد المتعاقدين مما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ويؤيد ذلك ما في الزيلعي قبيل باب الصرف في بحث ما يبطل بالشرط الفاسد حيث قال: والاصل فيه أن كل ما كان مبادلة مال بمال يبطل بالشروط الفاسدة لا ما كان مبادلة مال بغير مال أو كان من التبرعات، لان الشروط(5/294)
الفاسدة من باب الربا، وهو يختص بالمعاوضة المالية دون غيرها من المعاوضات والتبرعات، لان الربا هو الفضل الخالي عن العوض، وحقيقة الشروط الفاسدة هي زيادة ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، فيكون فيه فضل خال عن العوض وهو الربا بعينه ا ه ملخصا.
قوله: (فيجب رد عين الربا لو قائما لا
رد ضمانه الخ) يعني: وإنما يجب رد ضمانه لو استهلكه، وفي هذا التفريع خفاء، لان المذكور قبله أن البيع الفاسد من جملة الربا، وإنما يظهر لو ذكر قبله أن الربا من جملة البيع الفاسد، لان حكم البيع الفاسد أنه يملك بالقبض ويجب رده لو قائما ورد مثله أو قيمته لو مستهلكا.
مطلب في الابراء عن الربا وذكر في البحر عن القنية ما حاصله: أن شيخ صاحب القنية أفتى فيمن كان يشتري الدينار الردئ بخمسة دوانق ثم أبرأه غرماؤه عن الزائد بعد الاستهلاك بأنه يبرأ، ووافقه بعض علماء عصره، واستدل له بقول البزدوي: إن من جملة صور البيع الفاسد جملة العقود الربوية يملك العوض فيها بالقبض، وخالفه بعضهم قائلا: إن الابراء لا يعمل في الربا، لان رده لحق الشرع، وأيد صاحب القنية الاول بأن الزائد إذا ملكه القابض بالقبض، واستهلكه وضمن مثله، فلو لم يصح الابراء ولزمه رد مثل ما استهلكه لا يرتفع العقد السابق بل يتقرر مفيدا للملك في الزائد، فلم يكن في رده فائدة نقض عقد الربا ليجب حقا للشرع، لان الواجب حقا للشرع رد عين الربا لو قائما لا رد ضمانه ا ه.
واستحسنه في النهر.
قلت: وحاصله أن فيه حقين: حق العبد وهو رد عينه لو قائما ومثله لو هالكا، وحق الشرع وهو رد عينه لنقض العقد المنهي شرعا، وبعد الاستهلاك لا يتأتى رد عينه فتعين رد المثل وهو محض حق العبد ويصح إبراء العبد عن حقه فقول ذلك البعض: إن الابراء لا يعمل في الربا، لان رده لحق الشرع إنما يصح قبل الاستهلاك والكلام فيما بعده.
ثم اعلم أن وجوب رد عينه لو قائما فيما لو وقع العقد على الزائد، أما لو باع عشرة دراهم بعشرة دراهم وزاده دانقا وهبه منه فإنه لا يفسد العقد كما يأتي بيانه قريبا.
قوله: (خرج مسألة صرف الجنس بخلاف جنسه) كبيع كر بر وكر شعير بكري بر وكري شعير، فإن للثاني فضلا على الاول لكنه غير خال عن العوض لصرف الجنس لخلاف جنسه، والممنوع فضل المتجانسين.
قوله: (بمعيار شرعي) متعلق بمحذوف صفة لفضل أو حال منه، ولو أسقط هذا القيد لشمل التعريف ربا النساء ويمكنه الاحتراز عن الذرع والعد بالتصريح بنفيه.
قوله: (فليس الذرع والعد بربا) أي بذي ربا أو بمعيار ربا
فهو على حذف مضاف أو الذرع، والعد بمعنى المذروع والمعدود: أي لا يتحقق فيهما ربا والمراد ربا الفضل لتحقق ربا النسيئة، فلو باع خمسة أذرع من الهروي بستة أذرع منه أو بيضة ببيضتين جاز لو يدا بيد، لا لو نسيئة، لان وجود الجنس فقط يحرم النساء لا الفضل كوجود القدر فقط كما يأتي.
قوله: (مشروط) تركه أولى، فإنه مشعر بأن تحقق الربا يتوقف عليه وليس كذلك، والحد لا يتم بالعناية.
قهستاني.
فإن الزيادة بلا شرط ربا أيضا إلا أن يهبها على ما سيأتي.
قوله: (أي بائع أو مشتر) أي مثلا(5/295)
فمثلهما المقرضان والراهنان قهستاني قال: ويدخل فيه ما إذا شرط الانتفاع بالرهن كالاستخدام والركوب والزراعة واللبس وشرب اللبن وأكل الثمر، فإن الكل ربا حرام كما في الجواهر والنتف ا ه ط.
قوله: (فلو شرط لغيرهما فليس بربا) عزاه في البحر إلى شرح الوقاية، وهذا مبني على ما حققناه من أن البيوع الفاسدة ليست كلها من الربا، بل ما فيه شرط فاسد فيه نفع لاحد المتعاقدين، فافهم.
قوله: (بل بيعا فاسدا) عطف على محل خبر ليس ط وهذا مبني على ما قدمه في باب البيع الفاسد من أن الاظهر الفساد بشرط النفع للاجنبي، وبه اندفع ما في حواشي مسكين.
قوله: (فليس لافضل في الهبة بربا) أي وإن كان مشروطا.
ط عن الدر المنتقى: أي كما لو قال وهبتك كذا بشرط أن تخدمني شهرا فإن هذا شرط فاسد لا تبطل الهبة به كما سيأتي قبيل الصرف، وظاهر ما هنا أنه لو خدمه لم يكن فيه بأس.
قوله: (فلو شرى الخ) تفريع على مفهوم قوله: مشروط.
قوله: (وزاده دانقا) أي ولو لم يكن مشروطا في الشراء كما هو في عبارة الذخيرة المنقول عنها، فلو مشروطا وجب رده لو قائما كما مر عن القنية ثم إن.
قوله: (وزاده) بضمير المذكر يفيد أن الزيادة مقصودة.
وذكر ح أن الذي في المنح زادت بالتاء: أي زادت الدراهم، ومفاده أن الزيادة غير مقصودة، لكن الذي رأيته في المنح عن الذخيرة بدون تاء، وكذا في البحر عنها، وكذا رأيته في الذخيرة أيضا، فافهم.
قوله: (وهذا) أي انعدام الربا بسبب الهبة إن ضرها: أي الدراهم الكسر، فلو لم يضرها الكسر لم تصح الهبة إلا بقسمة الدانق وتسليمه لامكان القسمة.
قوله: (وفي صرف المجمع الخ) قال في الذخيرة من الفصل الرابع في الحط عن بدل الصرف: والزيادة فيه سوى أبو حنيفة بين الحط والزيادة، فحكم
بصحتهما والتحاقهما بأصل العقد وبفساد العقد بتسميتهما، وكذا أبو يوسف سوى بينهما: أي فأبطلهما ولم يجعل شيئا منهما هبة مبتدأة، ومحمد فوق بينهما فصحح الحط هبة مبتدأة دون الزيادة.
والفرق أن في الحط معنى الهبة، لان المحطوط يصير ملكا للمحطوط عنه بلا عوض، بخلاف الزيادة، إذ لو صحت تلتحق بأصل العقد، ويأخذ حصة من البيع والهبة تمليك بلا عوض، والتمليك بلا عوض لا يصلح كناية عن التمليك بعوض فلذا افتراقا ا ه.
قلت: وتوضيحه أن الحط إسقاط بلا عوض، فيجعل كناية عن الهبة لانها تمليك بلا عوض أيضا، بخلاف الزيادة فإنها تكون مع باقي الثمن عوضا عن المبيع، فكانت تمليكا بعوض فلا يصح جعلها كناية عن الهبة فلذا أبطلها.
قوله: (كحط كل الثمن) وجه الشبه أن حط كل الثمن لو لم يجعل هبة مبتدأة التحق بأصل العقد فأفسده لبقائه بلا ثمن، وكذا الحط هنا، فإنه لو التحق يفوت التماثل ويفسد العقد فلذا جعل هبة مبتدأة.
قوله: (والفرق بينهما خفي عندي) قد أسمعناك الفرق.
وقال ح: قال الشيخ قاسم: ولكنه ظاهر عندي، لان من الحط ما يمكن أن لا يلحق بأصل العقد ويجعل هبة مبتدأة بالاتفاق وهو حط جميع الثمن، فكان البعض كالكل، بخلاف الزيادة فإنها لا تكون إلا ملحقة بالعقد وبذلك يفوت التساوي ا ه.
قوله: (قال وفي الخلاصة الخ) أي قال ابن ملك ناقلا على الخلاصة(5/296)
ما يفيد عدم الفرق بين الحط والزيادة، فإن قول الخلاصة: فحلله: أي وهبه زيادته جاز يفيد ذلك.
قوله: (قلت الخ) استدراك على المجمع وتأييد لكلام شارحه.
ابن ملك.
قوله: (صريح في عدم الفرق بينهما) أي بين الزيادة والحط، فإن ما قدمه من قوله: إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن زيادة الدانق صحيحة عند محمد فينافي قول المجمع: إنه أجاز الحط وأبطل الزيادة.
أقول: والذي يظهر لي أن ما قدمه الشارح عن الذخيرة عن محمد صريح في الفرق بينهما لا في عدمه، لان قوله: إن وهبه منه انعدم الربا صريح في أن الزيادة بدون الهبة باطلة، لان الحط والزيادة في الثمن أو في المبيع غير الهبة، ولذا، يلتحقان بالعقد كما تقدم قبل فصل القرض، فإذا اشترى ثوبا بعشرة دراهم ودفع خمسة عشرة، فإن جعل الخمسة زيادة في الثمن وقبل البائع ذلك في
المجلس صح والتحقت بأصل العقد إن كان المبيع قائما، وإن جعل الخمسة هبة لم تصر زيادة في الثمن.
بل تكون هبة مبتدأة فيراعى لها شروط الهبة من الافراز والتسليم سواء كان المبيع قائما أو لا، إذا علمت ذلك ظهر لك أن ما قدمه عن الذخيرة ليس من باب الزيادة في الثمن أو في المبيع لانه جعله هبة مبتدأة حتى اشترط لها شرط الهبة وهو قوله: وهذا إن ضرها الكسر الخ ومثله ما نقله ابن ملك عن الخلاصة، فهذا صريح أنه لا يصح زيادة وإنما يصح هبة بشروطها، ولا مخالفة فيه لقول المجمع: إن محمدا أبطل الزيادة.
والحاصل: أن محمدا أجاز هنا الحط دون الزيادة، لكنه يجعل الحط هبة مبتدأة لا حطا حقيقة لئلا يفسد العقد كما مر، وأما الزيادة فقد أبطلها لانها لو التحقت بالعقد أفسدته، ولا يصح جعلها كناية عن الهبة لما مر فلذا بطلت، إلا إذا وهبه الزيادة صريحا، ولذا قال في الذخيرة: وإنما جاز هذا الصرف، لانه لو لم يجز إنما لم يجز لمكان الربا، فإذا وهب الدانق منه فقد انعدم الربا ا ه، هكذا يجب أن يفهم هذا المحل، فافهم ثم لا يخفى أن هذا كله إذا لم تكن الزيادة مشروطة كما قدمناه عن الذخيرة، فلو مشروطة ووقع العقد على الكل وجب نقض العقد لحق الشرع، ولا تؤثر الهبة والابراء إلا بعد الاستهلاك كما مر تحريره عن القنية.
قوله: (وعليه) أي على ما فهمه من التنافي بين العبارات المذكورة، وعلمت عدمه، وأن الزيادة إنما تصح إذا صرح بكونها هبة فتكون هبة بشروطها، ومع عدم التصريح فهي باطلة وهو الذي في المجمع.
قوله: (فيفسد) لان الزيادة والحط يصحان عنده على حقيقتهما، لا بمعنى الهبة، وإذا صحا التحقا بأصل العقد فيفسد لعدم التساوي.
قوله: (وعلته) العلة لغة: المرض الشاغل، واصطلاحا: ما يضاف إليه ثبوت الحكم بلا واسطة، وتمامه في البحر.
قوله: (أي علة تحريم الزيادة) كذا فسر الضمير في الفتح، وهو أولى من قول بعضهم: أي علة الربا، لانه وإن كان هو المذكور سابقا لكنه يحتاج إلى تقدير مضاف وهو لفظ تحريم، فافهم.
وأراد بالزيادة الحقيقة كما في قوله بعده أي الزيادة وأما كون المراد بها هنا ما يشمل الحكمية: وهي الاجل، ففيه أن المصنف لم يدخلها في التعريف كما بيناه، فالمتبادر إرادة الزيادة المعرفة وهي الحقيقة، وأيضا فإن قوله:(5/297)
القدر مع الجنس يختص بالحقيقة، لان علة الحكمية أحدهما كما بينه بعده، فقد عرف الحقيقة وبين علتها لكونها هي المتبادرة عند الاطلاق، ثم ذكر علة الحكمية تتميما للفائدة، فافهم.
قوله: (المعهود بكيل أو وزن) أشار إلى ما في الحواشي السعدية من أن أل في القدر للعهد، وبه اندفع ما في الفتح من اعتراضه على الهداية بشموله الذرع والعد، لكن الاولى أن يقول: وعلته الكيل أو الوزن لكونه أوضح، ولئلا يرد ما نذكره عن ابن كمال.
تنبيه: ما ينسب إلى الرطل فهو وزني.
قال في الهداية: معناه ما يباع بالاواقي لانها قدرت بطريق الوزن حتى يحتسب ما يباع بها وزنا، بخلاف سائر المكاييل ا ه.
قلت: وليس المراد بالرطل والاواقي معناهما المتعارف، بل المراد بالرطل كل ما يوزن به، بالاواقي الاوعية التي يوضع فيها الدهن ونحوه، وتقدر بوزن خاص مثل كوز الزيت في زماننا فإنه يباع الزيت به ويحسب بالوزن، هكذا يفهم من كلامهم، وعليه فالاواقي جمع واقية من الوقاية وهي الحفظ، لانها يحفظ بها المانع ونحوه لتعسر وضعه في الميزان بدونها، ولذا في الخير الرملي: فعلى هذا الزيت والسمن والعسل ونحوها موزونات وإن كيلت بالمواعين لاعتبار الوزن فيها اه.
قوله: (بالمد) أي مع فتح النون.
قوله: (فلم يجز الخ) ترك التفريع على الفضل لظهوره ط: أي كبيع قفيز بر بقفيزين منه حالا.
قوله: (متساويا) أما إذا وجد التفاضل مع النساء فالحرمة الفضل.
أفاده ابن كمال ط.
قوله: (وأحدهما نساء) أي ذو نساء، والجملة حالية، قال ط: فلو كان نسيئة يحرم أيضا لانه بيع الكالئ بالكالئ.
ابن كمال: أي النسيئة كمال.
ثم اعلم أن ذكر النساء للاحتراز عن التأجيل، لان القبض في المجلس لا يشترط إلا في الصرف، وهو بيع الاثمان بعضها ببعض، أما ما عداه فإنما يشترط فيه التعيين دون التقابض كما يأتي.
قوله: (كهروي بمرويين) الاولى أن يزيد نسيئة كما عبر في البحر وغيره ليكون مثالا لحل الفضل والنساء بسبب فقد القدر والجنس، فإن الثوب الهروي والثوب المروي بسكون الراء جنسان كما يعلم مما يأتي، وليسا بمكيل ولا موزون.
قوله: (لعدم العلة الخ) لان عدم العلة وإن كان لا يوجب الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم، لا بمعنى أنها تؤثر العدم، بل لا يثبت الوجود لعدم علته
فيبقى عدم الحكم وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الاصلي، وإذا عدم سبب الحرمة والاصل في البيع مطلقا الاباحة إلا ما أخرجه الدليل كان الثابت الحل.
فتح.
قوله: (أي القدر وحده) كالحنطة بالشعير.
قوله: (أو الجنس) أي وحده كالهروي بهروي مثله.
قوله: (حل الفضل الخ) فيحل كر بر بكري شعير حالا وهروي بهرويين حالا، ولو مؤجلا لم يحل.
والحاصل: كما في الهداية أن حرمة ربا الفضل بالوصفين وحرمة النساء بأحدهما.
قوله: (ولو مع التساوي) مبالغة على قوله: وحرم النساء فقط ح.
قوله: (لوجود الجنسية) فيه أن علة الحكم هنا عدم قبول العبد التأجيل لا وجود الجنسية، فلو مثل ببيع هروي بمثله لكان أولى ح.
قوله: (واستثنى(5/298)
في المجمع الخ) وكذا في الهداية حيث قال: إلا أنه إذا أسلم النقود في الزعفران ونحوه: أي كالقطن والحديد والنحاس يجوز الخ قال في الفتح: فإن الوزن فيها مختلف، فإنه في النقود بالمثاقيل والدراهم الصنجات، وفي الزعفران بالامناء والقبان، وهذا اختلاف في الصورة بينهما، وبينهما اختلاف آخر معنوي، وهو أن النقود لا تتعين بالتعيين والزعفران وغيره يتعين: وآخر حكمي، وهو أنه لو باع النقود موازنة وقبضها كان له بيعها قبل الوزن، وفي الزعفران ونحوه: يشترط إعادة الوزن، فإذا اختلفا: أي النقود ونحو الزعفران في الوزن صورة ومعنى وحكما لم يجمعهما القدر من كل وجه، ثم ضعف في الفتح هذه الفروق وقال: إن الوجه أن يستثنى إسلام النقود في الموزونات بالاجماع كي لا ينسد أكثر أبواب السلم، وسائر الموزونات غير النقد لا يجوز أن تسلم في الموزونات وإن اختلفت أجناسها، كإسلام حديد في قطن وزيت في جبن وغير ذلك، إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة، فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا في الحديد، لان السيف خرج من أن يكون موزونا، ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس، وكذا يجوز بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد نحاسا كان أو حديدا، وإن كان أحدهما أثقل من الآخر، بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري فيها ربا الفضل وإن كانت لاتباع وزنا، لان الوزن منصوص عليه فيهما فلا يتغير بالصنعة فلا يخرج عن الوزن بالعادة.
قوله: (ونقل ابن الكمال) عبارة ابن الكمال: وعلته الكيل أو الوزن مع الجنس لم يقل
القدر مع الجنس، لان القدر مشترك بين المكيل والموزون، فعلى تقدير ما ذكر يلزم أن لا يجوز إسلام الموزون في المكيل، لان أحد الوصفين محرم للنساء وقد نص على جواز إسلام الحنطة في الزيت ا ه وكتب في الهامش أن المسألة مذكورة في غاية البيان اه.
قلت: وحاصل ما ذكره أنه لو عبر بالقدر ثم قال: وإن وجد أحدهما الخ لافاد تحريم إسلام الموزون في المكيل، لانه قد وجد القدر وإن كان مختلفا، بخلاف ما لو عبر بالكيل أو الوزن: أي بأو التي لاحد الشيئين فإنه لا يشمل القدر المختلف، لكن فيه أن لفظ القدر مشترك كما قال: ولا يجوز استعماله في كلا معنييه عندنا، فإذا ذكر لا بد أن يراد منه إما الكيل وحده أو الوزن وحده، فيساوي التعبير بالكيل أو الوزن إلا أن يدعي أن القدر مشترك معنوي لا لفظي تأمل.
قوله: (ومفاده) أي مفاد ما ذكر من جواز إسلام منقود في موزون وإسلام الحنطة في الزيت، فإنه قد وجد في الاول القدر المتفق، وفي الثاني القدر المختلف، فافهم.
قوله: (فليحرر) تحريره ما أفاده عقبة من أن المراد بقولهم: وعلته القدر هو القدر المتفق كبيع موزون بموزون أو مكيل بمكيل، بخلاف المختلف كبيع مكيل بموزون نسيئة فإنه جائز، ويستثنى من الاول إسلام منقود في موزون للاجماع كما مر.
قوله: (وقد مر في السلم الخ) بيان لتحرير المراد، لكن اعترض بأن السلم سيأتي بعد، وهذا على نسخة فتنبه بالفاء، والامر بالتنبه وفي بعض النسخ قنية بالقاف اسم الكتاب المشهور، وصاحب القنية قدم السلم أول البيع فصح قوله: وقد مر في السلم.
تنبيه: ما أفاده من أن حرمة النساء بالقدر المتفق مؤيد لما نقله ابن كمال من جواز إسلام الحنطة(5/299)
في الزيت لاختلاف القدر لكون الحنطة مكيلا والزيت موزونا.
وبقي ما لو أسلم الحنطة في شعير وزيت: أي في مكيل وموزون، وقد نص في كافي الحاكم على أنه لا يجوز عندهما، ويجوز عند محمد في حصة الزيت.
قوله: (متفاضلا) أي ونسيئة وتركه لفهمه لزوما، فإنه كلما حرم الفضل حرم النساء ولا عكس وكلما حل النساء حل الفضل ولا عكس ا ه.
قوله: (خلافا للشافعي) فإنه جعل العلة الطعم والثمنية، فما ليس بمطعوم ولا ثمن فليس بربوي.
قوله: (كيلي) قيد به احترازا عما إذا اصطلح الناس
على بيعه جزافا، فإن التفاضل فيه جائز ومثله قوله: وزني فإنه احتراز عما إذا لم يتعارفوا وزنه أو عن بعض أنواعه كالسيف ا ه ح: أي فإن السيف خرج بالصنعة عن كونه وزنيا فيحل بيعه بجنسه متفاضلا بشرط الحلول كما مر.
قوله: (ثم اختلاف الجنس الخ) الاولى ذكر هذا عند قوله قبله: وإن عدما الخ لانه لا ذكر هنا لاختلاف الجنس، إلا أن يقال: إن قوله بجنسه يستدعي معرفة ما يختلف به الجنس ليعلم ما يتحد به.
قوله: (كما بسطه الكمال) حيث قال بعدما تقدم: فالحنطة والشعير جنسان، خلافا لمالك لانهما مختلفان اسما ومعنى، وإفراد كل عن الآخر في قوله (ص): الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير يدل عليه، وإلا قال الطعام بالطعام، والثوب الهروي والمروي جنسان لاختلاف الصنعة وقوام الثوب بها، وكذا المروي المنسوج ببغداد وخراسان واللبد الارمني والطالقاني جنسان والتمر كله جنس واحد، والحديد والرصاص والشبه أجناس، وكذا غزل الصوف والشعر ولحم البقر والضأن والمعز والالية واللحم وشحم البطن أجناس، ودهن البنفسج والجيري جنسان والادهان المختلفة أصولها أجناس، ولا يجوز بيع رطل زيت غير مطبوخ برطل مطبوخ مطيب، لان الطيب زيادة ا ه ملخصا.
وسيذكر الشارح أن الاختلاف باختلاف الاصل أو المقصود أو بتبدل الصفة، ويأتي بيانه.
قوله: (متماثلا) الشرط تحقق ذلك عند العقد.
ففي الفتح: لو تبايعا مجازفة ثم كيل بعد ذلك، فظهرا متساويين لم يجز خلافا لزفر، لان العلم بالمساواة عند العقد شرط الجواز ا ه.
لكن ذكر في البحر أول كتاب الصرف عن السراج: لو تبايعا ذهبا بذهب أو فضة بفضة مجازفة لم يجز، فإن علم التساوي في المجلس وتفرقا عن قبض صح ا ه فيحمل الاول على ما إذا علم التساوي بعد المجلس.
تأمل.
قوله: (لا متفاضلا) صرح به وإن علم بالمقابلة بما قبله إشارة إلى أن المراد التماثل في القدر فقط لما قدمه في البيع الفاسد من أنه لا يصح بيع درهم بدرهم استويا وزنا وصفة لكونه غير مفيد، تأمل.
قوله: (وبلا معيار شرعي) قال في الفتح: لما حصروا المعرف في الكيل والوزن أجازوا ما لا يدخل تحت الكيل مجازفة كتفاحة بتفاحتين وحفنة بحفنتين لعدم وجود المعيار المعرف للمساواة، فلم يتحقق الفضل، ولهذا كان مضمونا بالقيمة عند الاتلاف لا بالمثل.
ثم قال: وهذا إذا لم يبلغ كل واحد من البدلين نصف صاع، فلو بلغه أحدهما لم يجز حتى لا يجوز بيع نصف صاع فصاعدا بحفنة ا ه.
ثم رجح الحرمة مطلقا، ويأتي
بيانه.
قوله: (لم يقدر المعيار بالذرة) وقال في البحر: لو باع ما لا يدخل تحت الوزن، كالذرة من ذهب وفضة بما لا يدخل تحته جاز لعدم التقدير شرعا إذ لا يدخل تحت الوزن ا ه.
وظاهر قوله كالذرة أنها غير قيد، ويؤيده قول المصنف وذرة من ذهب الخ فيشمل الذرتين والاكثر مما لا يوزن، والظاهر أن الحبة معيار شرعا فلو باع نصف درهم بنصف إلا حبة لم يجز كما سيأتي آخر الصرف، فقد اعتبروا الحبة(5/300)
مقدارا شرعيا.
وفي الفتح عن الاسرار: ما دون الحبة من الذهب والفضة لا قيمة له ا ه.
ومقتضاه أن ما دون الحبة في حكم الذرة، فالمراد بالذرة هنا ما لا يبلغ حبة، فافهم.
قوله: (كحفنة) بفتح المهملة وسكون الفاء مل ء الكفين كما في الصحاح والمقاييس، لكن في المغرب والقاموس والطلبة والنهاية مل ء الكف ء قهستاني.
قوله: (ما لم يبلغ نصف صاع) أي فإذا بلغ نصف صاع لم يصح بيعه بحفنة كما ذكرناه آنفا عن الفتح.
قوله: (وفلس بفلسين) هذا عندهما.
وقال محمد: لا يجوز.
ومبنى الخلاف على أن الفلوس الرائجة أثمان، والاثمان لا تتعين بالتعيين، فصار عنده كبيع درهم بدرهمين.
وعندهما: لما كانت غير أثمان خلقة بطلت ثمنيتها باصطلاح العاقدين، وإذا بطلت تتعين بالتعيين كالعروض.
وتمامه في الفتح.
قوله: (بأعيانهما) أي بسبب تعين ذات البدلين ونقديتهما، فالباء السببية، لا بمعنى مع كما ظن، فإنه حال ولم يجز تنكير صاحبها كما تقرر، قهستاني.
قلت: كون الباء للسببية بعيد، لان قوله: بأعيانهما شرط لصحة البيع لا سبب، وكونها بمعنى مع لا يلزم كونه حالا بل يجوز كونه صفة.
تأمل.
قوله: (إنه قيد في الكل) المتبادر من كلام الفتح وغيره أنه قيد لقوله: وفلس بفلسين وقد يقال: يعلم أنه قيد للكل بالاولى، لانه إذا اشترط التعيين في مسألة الفلوس مع الاختلاف في بقائها أثمانا أو لا ففي غيرها بالاولى، إذ لا خلاف في أن غيرها ليس أثمانا بل في حكم العروض فلا بد من تعيينها.
تأمل.
قوله: (فلو كانا) أي البدلان، وهذا بيان لمحترز قوله: بأعيانهما.
قوله: (لم يجز اتفاقا) قال في النهر بعده: غير أن عدم الجواز عند انتفاء تعينهما باق وإن تقابضا في المجلس، بخلاف ما لو كان أحدهما فقط وقبض الدين فإنه يجوز، كذا في المحيط ا ه.
وحاصله: أن الصور أربع ما لو كانا معينين، وهو مسألة المتن الخلافية، وما إذا كانا غير معينين فلا يصح اتفاقا مطلقا، وما لو عين أحد البدلين دون الآخر.
وفيه صورتان: فإن قبض المعين منهما صح، وإلا فلا، وهذا مخالف لاطلاق المصنف الآتي في قوله: باع فلوسا بمثلها ويأتي تمامه.
قوله: (وبيضة ببيضتين) فيه أن هذا مما لم يدخله القدر الشرعي كالسيف والسيفين والابرة والابرتين، فجواز التفاضل لعدم دخول القدر الشرعي فيهما، ويحرم النساء لوجود الجنس ط.
والجواب أن قول المصنف وبلا معيار شرعي أعم من أن يكون مما يمكن تقديره بالميعار الشرعي أو لا، فالعلة في الكل عدم القدر كما صرح به الزيلعي، وأفاده الشارح بعد، فافهم.
قوله: (وسيف بسيفين الخ) لانه بالصنعة خرج عن كونه وزنيا كما قدمناه عن الفتح.
قوله: (وإناء بأثقل منه) أي إذا كان لا يباع وزنا لما في البحر عن الخانية باع إناء من حديد بحديد إن كان الاناء يباع وزنا تعتبر المساواة في الوزن، وإلا فلا، وكذا لو كان الاناء من نحاس أو صفر باعه بصفر ا ه.
قوله: (فيمتنع التفاضل) أي وإن كانت لا تباع وزنا، لان صورة الوزن منصوص عليها في النقدين فلا تتغير بالصنعة، فلا تخرج عن الوزن بالعادة كما قدمناه عن الفتح.
قوله: (مما لا يدخل تحت الوزن) بيان لقوله: وذرة أشار به إلى ما قدمناه من(5/301)
أن الذرة غير قيد.
قوله: (بمثليها) أي بمثلى الذرة، وفي بعض النسخ بصيغة المفرد، والاولى أولى لموافقته لقوله: حفنة بحفنتين الخ.
قوله: (فجاز الفضل الخ) تفريع على جميع ما مر ببيان أن وجه جواز الفضل في هذه المذكورات كونها غير مقدرة شرعا وإن اتحد الجنس ففقدت إحدى العلتين، فلذا حل الفضل وحرم النساء، ولم يصرح المصنف باشتراط الحلول لعلمه مما سبق.
قوله: (حتى لو انتفى) أي الجنس قوله: (فيحل) الاولى إسقاط الفاء لانه جواب لو.
قوله: (مطلقا) أي حالا ونسيئة.
قوله: (وصحح كما نقله الكمال) مفاده أن الكمال نقل تصحيحه عن غيره، مع أنه هو الذي بحث ما يفيد تصحيحه، فإنه ذكر ما مر من عدم التقدير شرعا بما دون نصف صاع، ثم قال: ولا يسكن الخاطر إلى هذا، بل يجب بعد التعليل بالقصد إلى صيانة أموال الناس تحريم التفاحة بالتفاحتين والحفنة بالحفنتين، أما إن كان مكاييل أصغر منها كما في ديارنا من وضع ربع القدح وثمن القدح المصري فلا
شك، وكون الشرع لم يقدر بعض المقدرات الشرعية في الواجبات المالية كالكفارات وصدقة الفطر بأقل منه لا يسلتزم إهدار التفاوت المتيقن، بل لا يحل بعد تيقن التفاضل مع تيقن تحريم إهداره ولقد أعجب غاية العجب من كلامهم هذا.
وروى المعلى عن محمد أنه كره التمرة بالتمرتين وقال: كل شئ حرم في الكثير فالقليل منه حرام ا ه، فهذا كما ترى تصحيح لهذه الرواية، وقد نقل من بعده كلامه هذا وأقروه عليه كصاحب البحر والنهر والمنح والشرنبلالية والمقدسي.
قوله: (كبر وشعير الخ) أي كهذه الاربعة والذهب والفضة، فالكاف في الموضعين استقصائية كما في الدر المنتقى.
قوله: (ولا يتغير أبدا) أي سواء وافقه العرف أو صار العرف بخلافه.
قوله: (ولو مع التساوي) أي التساوي وزنا في الحنطة وكيلا في الذهب لاحتمال التفاضل بالميعار المنصوص عليه، أما لو علم تساويهما في الوزن والكيل معا جاز ويكون المنظور إليه هو المنصوص عليه.
مطلب في أن النص أقوى من العرف قوله: (لان النص الخ) يعني: لا يصح هذا البيع وإن تغير العرف، فهذا في الحقيقة تعليل لوجوب اتباع المنصوص.
قال في الفتح: لان النص أقوى من العرف، لان العرف جاز أن يكون على باطل كتعارف أهل زماننا في إخراج الشموع والسرج إلى المقابر ليالي العيد، والنص بعد ثبوته لا يحتمل أن يكون على باطل، ولان حجية العرف على الذين تعارفوه والتزموه فقط، والنص حجة على الكل فهو أقوى، ولان العرف إنما صار حجة بالنص وهو قوله (ص): ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا ه.
قوله: (وما لم ينص عليه) كغير الاشياء الستة.
قوله: (حمل على العرف) أي على عادات الناس في الاسواق، لانها: أي العادة دالة على الجواز فيما وقعت عليه للحديث.
فتح.
قوله: (وعن الثاني) أي عن أبي يوسف، وأفاد أن هذه رواية خلاف المشهور عنه.
قوله: (مطلقا) أي وإن كان خلاف النص، لان النص على ذلك الكيل في الشئ أو الوزن فيه ما كان في ذلك الوقت، إلا لان(5/302)
العادة إذ ذاك كذلك وقد تبدلت فتبدل الحكم، وأجيب بأن تقريره (ص) إياهم على ما تعارفوا من ذلك بمنزلة النص منه عليه فلا يتغير بالعرف، لان العرف لا يعارض النص، كذا وجه ا ه فتح.
قوله:
(ورجحه الكمال) حيث قال عقب ما ذكرنا: ولا يخفى أن هذا لا يلزم أبا يوسف، لان قصاراه أنه كنصه على ذلك، وهو يقول يصار إلى العرف الطارئ بعد النص بناء على أن تغير العادة يستلزم تغير النص، حتى لو كان (ص) حيا نص عليه ا ه.
وتمامه فيه.
وحاصله توجيه قول أبي يوسف أن المعتبر العرف الطارئ بأنه لا يخالف النص بل يوافقه، لان النص على كيلية الاربعة، ووزنية الذهب والفضة مبني على ما كان في زمنه (ص) من كون العرف كذلك، حتى لو كان العرف إذ ذاك بالعكس لو رد النص موافقا له، ولو تغير العرف في حياته (ص) لنص على تغير الحكم.
وملخصه: أن النص معلول بالعرف، فيكون المعتبر هو العرف في أي زمن كان، ولا يخفى أن هذا فيه تقوية لقول أبي يوسف، فافهم.
مطلب: في استقراض الدراهم عددا قوله: (وخرج عليه سعدي أفندي) أي في حواشيه على العناية، ولا يختص هذا بالاستقراض بل مثله البيع والاجارة، إذ لا بد من بيان مقدار الثمن أو الاجرة الغير المشار إليهما، ومقدار الوزن لا يعلم بالعد كالعكس.
وكذا قال العلامة البركوي في أواخر الطريقة المحمدية: إنه لا حيلة فيه إلا التمسك بالرواية الضعيفة عن أبي يوسف.
لكن ذكر شارحها سيدي عبد الغني النابلسي ما حاصله: أن العمل بالضعيف مع وجود الصحيح لا يجوز، ولكن نحن نقول: إذا كان الذهب والفضة مضروبين، فذكر العد كناية عن الوزن اصطلاحا لان لهما وزنا مخصوصا، ولذا نقش وضبط، والنقصان الحاصل بالقطع أمر جزئي لا يبلغ المعيار الشرعي، وأيضا فالدرهم المقطوع عرف الناس مقداره، فلا يشترط ذكر الوزن إذا كان العد دالا عليه، وقد وقع في بعض العبارات ذكر العد بدل الوزن، حيث عبر في زكاة درر البحار بعشرين ذهبا، وفي الكنز بعشرين دينارا بدل عشرين مثقالا ا ه ملخصا.
وهو كلام وجيه.
ولكن هذا ظاهر فيما إذا كان الوزن مضبوطا بأن لا يزيد دينار على دينار، ولا درهم على درهم، والواقع في زماننا خلافه، فإن النوع الواحد من أنواع الذهب، والفضة المضروبين قد يختلف في الوزن كالجهادي والعدلي
والغازي من ضرب سلطان زماننا أيده الله، فإذا استقرض مائة دينار من نوع فلا بد أن يوفي بدلها مائة من نوعها الموافق لها في الوزن، أو يوفي بدلها وزنا لا عددا، وأما بدون ذلك فهو ربا لانه مجازفة، والظاهر أنه لا يجوز على رواية أبي يوسف أيضا، لان المتبادر مما قدمناه من اعتبار العرف الطارئ على هذه الرواية أنه لو تعورف تقدير المكيل بالوزن أو بالعكس اعتبر، أما لو تعورف إلغاء الوزن أصلا كما في زماننا من الاقتصار على العدد بلا نظر إلى الوزن، فلا يجوز لا على الروايات المشهورة، ولا على هذه الرواية لما يلزم عليه من إبطال نصوص التساوي بالكيل أو الوزن المتفق على العمل بها عند الائمة المجتهدين.
نعم إذا غلب الغش على النقود فلا كلام في جواز استقراضها عددا بدون وزن اتباعا للعرف، لخلاف بيعها بالنقود الخالصة، فإنه لا يجوز إلا وزنا كا سيأتي في كتاب الصرف إن شاء الله(5/303)
تعالى وتمام الكلام على هذه المسألة مبسوط في رسالتنا (نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف) فراجعها.
قوله: (وبيع الدقيق الخ) لا حاجة إلى استخراجه، فقد وجد في الغياثية عن أبي يوسف أنه يجوز استقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك، وعليه الفتوى ا ه ط.
وفي التاترخانية: وعن أبي يوسف: يجوز بيع الدقيق واستقراضه وزنا إذا تعارف الناس ذلك استحسن فيه ا ه ونقل بعض المحشين عن تلقيح المحبوبي أن بيعه وزنا جائز، لان النص عين الكيل في الحنطة دون الدقيق ا ه ومقتضاه أنه على قول الكل، لان ما لم يرد فيه نص يعتبر فيه العرف اتفاقا، لكن سنذكر عن الفتح أن فيه روايتين، وأنه في الخلاصة جزم برواية عدم الجواز.
قوله: (يعني بمثله) المراد من التخريج على هذه الرواية بيع الدقيق وزنا بمثله احترازا عن بيعه وزنا بالدراهم، فإنه جائز اتفاقا كما في الذخيرة، ونصه: قال شيخ الاسلام: وأجمعوا على أن ما ثبت كيله بالنص إذا بيع وزنا بالدراهم يجوز، وكذلك ما ثبت وزنه بالنص.
قوله: (وفي الكافي الفتوى على عادة الناس) ظاهر البحر وغيره أن هذا في السلم ففي المنح عن البحر: وأما الاسلام في الحنطة وزنا ففيه روايتان، والفتوى على الجواز لان الشرط كونه معلوما، وفي الكافي: الفتوى على عادة الناس ا ه.
قال في النهر وقول الكافي: الفتوى على عادة الناس،
يقضي أنهم لو اعتادوا أن يسلموا فيها كيلا وأسلم وزنا لا يجوز ولا ينبغي ذلك، بل إذا اتفقا على معرفة كيل أو وزن ينبغي أن يجوز لوجود المصحح، وانتفاء المانع، كذا في الفتح ا ه.
والحاصل أن عدم جواز الوزن في الاشباء الاربعة المنصوص على أنها مكيلة إنما هو فيما إذا بيعت بمثلها، بخلاف بيعها بالدراهم كما إذا أسلم دراهم في حنطة، فإنه يجوز تقديرها بالكيل أو الوزن وظاهر الكافي وجوب اتباع العادة في ذلك، وما بحثه في الفتح ظاهر ويؤيده ما قدمناه آنفا عن الذخيرة.
قوله: (بحر وأقره المصنف) الظاهر أن مراده بهذا تقوية كلام الكافي، وأنه لم يرض بما ذكره في النهر عن الفتح لكن علمت ما يؤيده.
قوله: (والمعتبر تعيين الربوي في غير الصرف) لان غير الصرف يتعين بالتعيين، ويتمكن من التصرف فيه، فلا يشترط قبضه كالثياب: أي إذا بيع ثوب بثوب بخلاف الصرف، لان القبض شرط فيه للتعيين، فإنه لا يتعين بدون القبض، كذا في الاختيار.
وحاصله: أن الصرف وهو ما وقع على جنس الاثمان ذهبا وفضة بجنسه، أو بخلاف لا يحصل فيه التعيين إلا بالقبض، فإن الاثمان لا تتعين مملوكة إلا به، ولذا كان لكل من العاقدين تبديلها أما غير الصرف فإنه يتعين بمجرد التعيين قبل القبض.
قوله: (ومصوغ ذهب وفضة) عطف خاص على عام، فإن المصوغ من الصرف كما سيصرح به الشارح في بابه وكأنه خصه بالذكر لدفع ما يتوهم من خروجه عن حكم الصرف بسبب الصنعة.
قوله: (حتى لو باع الخ) قال في البحر: بيانه كما ذكره الاسبيجابي بقوله: وإذا تبايعا كيليا بكيلي أو وزنيا بوزني كلاهما من جنس واحد أو من جنسين مختلفين، فإن البيع لا يجوز حتى يكون كلاهما عينا أضيف إليه العقد، وهو حاضر أو غائب بعد أن يكون موجودا في ملكه، والتقابض قبل الافتراق بالابدان ليس بشرط لجوازه، إلا في الذهب والفضة، لو كان أحدهما عينا أضيف إليه العقد، والآخر دينا موصوفا في الذمة فإنه ينظر إن جعل الدين منهما ثمنا، والعين مبيعا جاز البيع بشرط أن يتعين الدين منهما قبل التفرق بالابدان، وإن جعل(5/304)
الدين منهما مبيعا لا يجوز وإن أحضره في المجلس، والذي ذكر فيه الباء ثمن وما لم يدخل فيه الباء مبيع.
وبيانه: إذا قال بعتك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز حنطة جيدة، أو قال بعت منك هذه الحنطة على أنها قفيز بقفيز من شعير جيد فالبيع جائز، لانه جعل العين منهما مبيعا والدين الموصوف ثمنا، ولكن قبض الدين منهما قبل التفرق بالابدان شرط، لان من شرط جواز هذا البيع أن يجعل الافتراق عن عين بعين، وما كان دينا لا يتعين إلا بالقبض، ولو قبض الدين منهما ثم تفرقا جاز البيع قبض العين منهما أو لم يقبض، ولو قال: اشتريت منك فقيز حنطة جيدة بهذا القفيز من الحنطة أو قال: اشتريت منك قفيزي شعير جيد بهذا القفيز من الحنطة، فإنه لا يجوز وإن أحضر الدين في المجلس، لانه جعل الدين مبيعا فصار بائعا ما ليس عنده، وهو لا يجوز ا ه ح.
قوله: (خلافا للشافعي في بيع الطعام) أي كل مطعوم حنطة أو شعير أو لحم أو فاكهة فإنه يشترط فيه التقابض وتمامه في الفتح.
قوله: (وجيد مال الربا ورديئه سواء) أي فلا يجوز بيع الجيد بالردئ مما فيه الربا إلا مثلا بمثل لاهدار التفاوت في الوصف هداية.
قوله: (لا حقوق العباد) عطف على مال الربا.
قال في المنح: قيد بمال الربا، لان الجودة معتبرة في حقوق العباد، فإذا أتلف جيدا لزمه مثله قدرا وجودة إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا، ولكن لا تستحق: أي الجودة بإطلاق عقد البيع، حتى لو اشترى حنطة أو شيئا فوجده رديئا بلا عيب لا يرده كما في البحر معزيا إلى صرف المحيط ا ه ح: أي لان العيب هو العارض على أصل الخلقة والجودة أو الرداءة في الشئ أصل في خلقته، بخلاف العيب العارض كالسوس في الحنطة أو عفنها فله الرد به لا بالرداءة، إلا باشتراط الجودة كما قدمنا بيانه في خيار العيب.
تنبيه: أراد بحقوق العباد ما ليس من الاموال الربوية: أي ما لا يجمعها قدر وجنس ولا يتقيد ذلك بالاتلاف، ولذا قال البيري: قيد بالاموال الربوية لان الجودة في غيرها لها قيمة عند المقابلة بجنسها، كمن اشترى ثوبا جيدا بثوب ردئ وزيادة درهم بإزاء الجودة كان ذلك جائزا كما في الذخيرة ا ه.
قوله: (إلا في أربع الخ) فيه أن هذه الاربعة من حقوق العباد أيضا، وإن كان المراد من حقوق العباد خصوص الضمان عند التعدي، فالمناسب أن يذكره مع الاربع ويقول: إلا في خمس، ثم إن الاولى ذكرها في البحر بحثا، فإنه قال: وتعتبر أي الجودة في الاموال الربوية في مال اليتيم، فلا يجوز للوصي بيع قفيز حنطة جيدة بقفيز ردئ، وينبغي أن تعتبر في مال الوقف لانه كاليتيم: ثم قال:
وفي حق المريض حتى تنفذ من الثلث، وفي الرهن القلب إذا انكسر عند المرتهن ونقصت قيمته، فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا ويكون رهنا عنده ا ه.
قلت: والقلب بضم القاف وسكون اللام: ما يلبس في الذراع من فضة، جمعه قلبة كقرط وقرطة: وهي الحلق في الاذن، فإن كان من ذهب فهو السوار كما في البيري عن شرح التلخيص للخلاطي، وقوله: فإن المرتهن يضمن قيمته ذهبا: أفاد به أن ضمان القيمة إنما يكون من خلاف جنسه، إذ لو ضمن قيمته فضة، وهي أكثر من وزنه بسبب الصياغة يلزم الربا، ولو ضمن مثل وزنه يلزم إبطال حق المالك، ففي تضمينه القيمة من خلاف الجنس إعمال لحق الشرع وحق العبد، وليس هذا خاصا بقلب الرهن، بل مثله كل مثلي تعيب بغصب أو نحوه، فإنه يضمن بقيمته من خلاف(5/305)
جنسه، كما قدمناه في باب خيار الشرط فيما لو كان الخيار للمشتري وهلك في يده، ولا يلزم قبض القيمة قبل التفرق، لانه صرف حكما لا حقيقة كما سنذكره في الصرف.
وبما قررناه علم أن استثناء هذه المسائل من إهدار الجودة بإثبات اعتبارها إنما هو لمراعاة حق العبد، لكن على وجه لا يؤدي إلى إبطال حق الشرع، فما قيل إنه يفهم من استثنائها أنه يجوز للوصي بيع قفيز جيد بقفيزين رديئين نظرا للجودة المعتبرة في مال اليتيم ونحوه من بقية المسائل، وهو خطأ للزوم الربا غير وارد، لان المراد أنه لا يجوز إهدار الجودة في مال اليتيم ونحوه، حتى لا يجوز للوصي بيع قفيزه الجيد بقفيز ردئ ولا يلزم من اعتبار أحد الحقين إهدار الحق الآخر، فاغتنم تحقيق هذا المحل.
قوله: (فإن نقد أحدهما جاز الخ) نقل المسألة في البحر عن المحيط، لكنه وقع فيه تحريف حيث قال: وإن تفرقا بلا قبض أحدهما جاز، وصوابه لم يجز، كما عبر الشارح ونبه عليه الرملي، ثم إنه نقل في البحر قبله عن الذخيرة في مسألة بيع فلس بفلسين بأعيانهما أن محمدا ذكرها في صرف الاصل، ولم يشترط التقابض، وذكر في الجامع الصغير ما يدل على أنه شرط، فمنهم من لم يصحح الثاني، لان التقابض مع التعيين شرط في الصرف، وليس به، ومنهم من صححه، لان الفلوس لها حكم العروض من وجه وحكم الثمن من وجه، فجاز التفاضل للاول واشترط التقابض للثاني ا ه.
وأنت خبير بأن لفظ التقابض يفيد اشتراطه
من الجانبين، فقوله فإن نقد أحدهما جاز قول ثالث، لكن يتعين حمل ما في الاصل على هذا فلا يكون قولا آخر، لان ما في الاصل لا يمكن حمله، على أنه لا يشترط التقابض، ولو من أحد الجانبين، لانه يكون افتراقا عن دين بدين وهو غير صحيح، فيتعين حمله على أنه لا يشترط منهما جميعا بل من أحدهما فقط.
فصار الحاصل أن ما في الاصل يفيد اشتراطه من أحد الجانبين، وما في الجامع اشتراطه منهما، ثم إن الذي مر اشتراط التعيين في البدلين أو أحدهما مع القبض في المجلس فلو غير معينين لم يصح وإن قبضا في المجلس فقوله لما مر فيه نظر.
تنبيه: سئل الحانوتي عن بيع الذهب بالفلوس نسيئة، فأجاب: بأنه يجوز إذا قبض أحد البدلين، لما في البزازية لو اشترى مائة فلس بدرهم يكفي التقابض من أحد الجانبين.
قال: ومثله ما لو باع فضة أو ذهبا بفلوس كما في البحر عن المحيط.
قال: فلا يغتر بما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لا يجوز بيع الفلوس إلى أجل بذهب أو فضة لقولهم: لا يجوز إسلام موزون في موزون، إلا إذا كان المسلم فيه مبيعا كزعفران والفلوس غير مبيعة بل صارت أثمانا ا ه.
قلت: والجواب حمل ما في فتاوى قارئ الهداية، على ما دل عليه كلام الجامع من اشتراط التقابض من الجانبين، فلا يعترض عليه بما في البزازية المحمول على ما في الاصل، وهذا أحسن مما أجاب به في صرف النهر من أن مراده بالبيع السلم والفلوس لها شبه بالثمن، ولا يصح السلم في الاثمان، ومن حيث إنها عروض في الاصل اكتفى بالقبض من أحد الجانبين.
تأمل.
قوله: (فيجوز كيفما كان) أي سواء كان اللحم من جنس ذلك الحيوان أو لا، مساويا لما في الحيوان أو لا نهر.(5/306)
قوله: (أما نسيئة فلا) لانها إن كانت في الحيوان أو في اللحم كان سلما، وهو في كل منهما غير صحيح نهر.
قوله: (وشرط محمد زيادة المجانس) قال في النهر: وقال محمد: إن كان يغير جنسه كلحم البقر بالشاة الحية جاز كيفما كان، وإن كان بجنسه كلحم شاة بشاة حية فلا بد أن يكون اللحم المفرز أكثر من الذي في الشاة، لتكون الشاة بمقابلة مثله من اللحم وباقي اللحم بمقابلة السقط.
قوله: (ولو باع مذبوحة بحية) قال في النهر: أما على قولهما فظاهر، وأما على قول محمد فلانه لحم بلحم وزيادة اللحم في إحداهما مع سقطها بإزاء السقط ا ه.
والظاهر أنه يقال ذلك في المذبوحة بالمذبوحة ط.
قوله: (وكذا المسلوختين) أي وكذا بيع المسلوختين، ففيه خلاف المضاف وإبقاء المضاف إليه على إعرابه.
قوله: (عن السقط) بفتحتين قال في الفتح: المراد به ما لا يطلق عليه اسم اللحم كالكرش والمعلاق والجلد والاكارع ا ه.
قوله: (كرباس) بكسر الكاف: ثوب من القطن الابيض قاموس.
قوله: (كيفما كان) متساويا أو متفاضلا ا ه ح.
قوله: (لاختلافهما جنسا) لانه وإن اتحد الاصل فقد اختلفت الصفة كالحنطة والخبز، ولك اختلاف جنس كما سيأتي، وعلله في الاختيار باختلاف المقصود والميعار.
قوله: (في قول محمد) وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا متساويا.
بحر وأفاد أن بيع الكرباس بالقطن لا خلاف فيه، وبه صرح في الاختيار.
قلت: لان القطن يصير غزلا ثم يصير كرباسا، فالغزل أقرب إلى القطن من الكرباس، فلذا ادعى أبو يوسف المجانسة بين الغزل والقطن لا بين الكرباس والقطن.
قوله: (وهو الاصح) والفتوى عليه كما في الاختيار، وفي البحر أنه الاظهر.
قوله: (وفي القنية) أي عن أبي يوسف: قوله: (لانهما ليسا بموزونين) أي بل أحدهما موزون فقط، وهو الغزل فلم يجمعهما القدر، فجاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا.
وقوله: ولا جنسين أي بل هما جنس واحد، لانهما من أجزاء القطن، فلذا قيد بقوله: يدا بيد فيحرم النساء لاتحاد الجنس، ويظهر لي أن ما في القنية محمول على ثياب يمكن نقضها لكن لا تباع وزنا كما قيده آخرا، فيظهر اتحاد الجنس نظرا لما بعد النقض، وحينئذ فلا يخالف قول الشارح في بيع الكرباس بالقطن لاختلافهما جنسا، لان الكرباس بالنقض يعود غزلا لا قطنا، فاختلاف الجنس بعد النقض في صورة بيع الكرباس بالقطن موجود، لان القطن مع الغزل جنسان على ما هو الاصح بخلافه في صورة بيعه بالغزل، ويدل على هذا الحمل قوله في التاترخانية عن الغياثية: ويجوز بيع الثوب بالغزل كيفما كان إلا ثوبا يوزن وينقض ا ه فافهم.
قوله: (خلافا للعيني) حيث قال وزنا، وكأنه سبق قلم ح.
قوله: (في الحال) متعلق بقوله: متماثلا.
قوله: (لا المآل) بمد الهمزة، أي لا يعتبر التماثل بعد الجفاف.
قوله: (خلافا لهما) راجع لقوله: أو بتمر وبقولهما قالت الائمة الثلاثة، أما بيع الرطب
بالرطب فهو جائز بالاجماع كما في النهر وغيره.
قوله: (لم يجز اتفاقا) لان المجازفة والوزن لا يعلم بهما(5/307)
المساواة كيلا، لان أحدهما قد يكون أثقل من الآخر وزنا وهو أنقص كيلا.
أفاده ط.
قوله: (أو بزبيب) فيه الاختلاف السابق، وقيل لا يجوز اتفاقا.
بحر.
وحكي في الفتح فيه قولين آخرين: الجواز اتفاقا، والجواز عندهما بالاعتبار كالزيت بالزيتون.
قوله: (كذلك) أي في الحال لا المآل ا ه ح.
وهذا بالنظر إلى عبارة الشرح، أما على عبارة المتن فالاشارة إلى قوله: متماثلا فافهم.
قوله: (كتين ورمان) وكمشمش وجوز وكمثري وإجاص.
فتح.
قوله: (يباع رطبها برطبها الخ) بفتح الراء وسكون الطاء خلاف اليابس، وهذا تصريح بوجه الشبه المفاد من قوله: وكذا وهذا على الخلاف المار بين الامام وصاحبيه.
قوله: (بمثله) أي رطبا برطب أو مبلولا بمبلول وقوله: وباليابس أي رطبا بيابس أو مبلولا بيابس، فالصور أربع كما في العناية.
قوله: (منقوع) الذي في الهداية والدرر وغيرهما منقع، وفي العزمية عن المغرب المنقع بالفتح لا غير، من أنقع الزبيب في الخابية إذا ألقاه يبتل وتخرج منه الحلاوة ا ه.
قوله: (خلافا لمحمد) راجع لما ذكر في قوله: كبيع بر إلى هنا كما في الفتح، وذكر أيضا أن الاصل أن محمدا اعتبر المماثلة في أعدل الاحوال وهو المآل عند الجفاف وهما اعتبراها في الحال، إلا أن أبا يوسف ترك هذا الاصل في بيع الرطب بالتمر، لحديث النهي عنه، ولا يلحق به إلا ما في معناه قال الحلواني: الرواية محفوظة عن محمد أن بيع الحنطة المبلولة باليابسة إنما لا يجوز إذا انتفخت، أما إذا بلت من ساعتها يجوز بيعها باليابسة إذا تساويا كيلا.
قولا: (وفي العناية الخ) بيان لضابط فيما يجوز بيعه من المتجانسين المتفاوتين وما لا يجوز.
وأورد على الاصل للاول جواز بيع البر المبلول بمثله، وباليابس مع أن التفاوت بينهما بصنع العبد.
قال في الفتح: وأجيب بأن الحنطة في أصل الخلقة رطبة الخلقة رطبة وهي مال الربا إذ ذاك، والبل بالماء يعيدها إلى ما هو أصل الخلقة فيها فلم يعتبر، بخلاف القلي.
قوله: (فهو ساقط الاعتبار) فيجوز البيع بشرط التساوي.
قوله: (كما سيجئ) أي قريبا في قوله: لا بيع البر بدقيق الخ.
قوله: (لحوم مختلفة) أي مختلفة الجنس كلحم الابل والبقر والغنم، بخلاف البقر والجاموس والمعز والضأن.
قوله: (يدا بيد) فلا يحل النساء لوجود القدر.
قوله: (ولبن بقر وغنم) الاولى تقديمه على
قوله: بعضها ببعض وفي نسخة: ولبن بقر بغنم: أي بلبن غنم، وهذه النسخة أولى.
قوله: (باعتبار العادة) أي باتخاذ الحل منه.
قوله: (وشحم بطن بالية أو لحم) لانها وإن كانت كلها من الضأن إلا أنها أجناس مختلفة لاختلاف الاسماء والمقاصد.
نهر قال ط: فقوله بعد لاختلاف أجناسها يرجع إلى هذا أيضا.
قوله: (بالفتح) أي فتح الهمزة وسكون اللام وتخفيف الباء المثناة التحتية.
قوله: (ببر أو دقيق) لان الخبز بالصنعة صار جنسا آخر، حتى خرج من أن يكون مكيلا والبر والدقيق مكيلان، فلم يجمعهما القدر ولا الجنس حتى جاز بيع أحدهما بالآخر نسيئة.
بحر نسيئة.
بحر ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولو منه) أي ولو كان الدقيق من البر.
قوله: (وزيت مطبوخ بغير المطبوخ الخ) كذا في البحر.(5/308)
وقال في الفتح وأعلم أن المجانسة تكون باعتبار ما في الضمن فتمنع النسيئة كما في المجانسة العينية، و ذلك كالزيت مع الزيتون والشيرج مع السمسم، وتنتفي باعتبار ما أضيفت إليه، فيختلف الجنس مع اتحاد الاصل، حتى يجوز التفاضل بينهما كدهن البنفسج مع دهن الورد أصلهما واحد، وهو الزيت أو الشيرج فصارا جنسين باختلاف ما أضيفا إليه من الورد أو البنفسخ نظرا إلى اختلاف المقصود والغرض، وعلى هذا قالوا: لو ضم إلى الاصل ما طيبه دون الآخر جاز متفاضلا، حتى أجازوا بيع قفيز سمسم مطيب بقفيزين من غير المربى، وكذا رطل زيت مطيب برطلين من زيت لم يطيب، فجعلوا الرائحة التي فيها بإزاء الزيادة على الرطل ا ه ملخصا.
وتمامه فيه فراجعه، وعلى هذا فقول الشارح: وزيت مطبوخ إن أراد به المغلي لا يصح، لانه لا يظهر فيه اختلاف الجنس أو المطبوخ بغيره فلا يسمى زيتا، فتعين أن المراد به المطيب، وأن صحة بيعه متفاضلا مشروطة بما إذا كانت الزيادة في غير المطيب، وأن صحة بيعه متفاضلا مشروطة بما إذا كانت الزيادة في غير المطيب لتكون الزيادة فيه بإزاء الرائحة التي في المطيب.
قوله: (أو وزنا) المناسب إسقاطه، لانه يغني عنه قوله بعده: كيف كان ولان قول المصنف متفاضلا قيد لجميع ما مر، ولذا قال الشارح لاختلاف أجناسها فافهم، نعم وقع في النهر لفظ أو وزنا في محله حيث قال: وصح أيضا بيع الخبز بالبر وبالدقيق متفاضلا في أصح الروايتين عن الامام قيل: هو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة، وعليه الفتوى عددا أو وزنا كيفما اصطلحوا عليه، لانه بالصنعة صار جنسا آخر والبر والدقيق
مكيلان فانتفت العلتان ا ه.
قوله: (فلو اتحد) كلحم البقر والجاموس والمعز والضأن، وكذا ألبانها نهر.
قوله: (إلا في لحم الطير) فيجوز بيع الجنس الواحد منه كالسمان والعصافير متفاضلا.
فتح.
وفي القهستاني: ولا بأس بلحوم الطير واحدا باثنين يدا بيد كما في الظهيرية.
قوله: (حتى لو وزن) أي واتحد جنسه لم يجز: أي متفاضلا.
قوله: (أن الاختلاف) أي اختلاف الجنس.
قوله: (باختلاف الاصل) كخل الدقل مع خل العنب ولحم البقر مع لحم الضأن.
قوله: (أو المقصود) كشعر المعز وصوف الغنم، فإن ما يقصد بالشعر من الآلات غير ما يقصد بالصوف بخلاف لحمهما ولبنهما، فإنه جعل جنسا واحدا كما مر لعدم الاختلاف، أفاده في الفتح.
قوله: (أو بتبدل الصفة) كالخبز مع الحنطة والزيت المطيب بغير المطيب، و عبارة الفتح: وزيادة الصنعة بالنون والعين.
قوله: (وجاز الاخير) وهو بيع خبز ببر أو دقيق.
قوله: (ولو الخبز نسيئة) عبارة الدرر: وبالنساء في الاخير فقط، والشارح أخذ ذلك من قوله: به يفتى لانه إذا كان المتأخر هو البر جاز اتفاقا لانه أسلم وزنيا في كيلي، والخلاف فيما إذا كان الخبز هو النسيئة فمعناه، وأجازه أبو يوسف ط.
قوله: (والاحوط المنع الخ) قال في الفتح: لكن يجب أن يحتاط وقت القبض بقبض الجنس المسمى، حتى لا يصير استبدالا بالسلم فيه قبل قبضه إذا قبض دون المسمى صفة وإذا كان كذلك فالاحتياط، في منعه، لانه قل أن يأخذ من النوع المسمى خصوصا فيمن يقبض في أيام كل يوم كذا وكذا رغيفا.
قوله: (الاحسن الخ)(5/309)
أي في بيع الخبز بالبر نسيئة، ووجه كونه أحسن كون الخبز فيه ثمنا لا مبيعا، فلا يلزم فيه شروط السلم.
تأمل.
وأصل المسألة في الذخيرة حيث قال في السلم: وإذا دفع الحنطة إلى خباز جملة، وأخذ الخبز مفرقا ينبغي أن يبيع صاحب الحنطة خاتما أو سكينا من الخباز بألف من الخبز مثلا، ويجعل الخبز ثمنا ويصفه بصفة معلومة حتى يصير دينا في ذمة الخباز ويسلم الخاتم إليه، ثم يبيع الخباز الخاتم من صاحب الحنطة بالحنطة مقدار ما يريد الدفع ويدفع الحنطة، فيبقى له على الخباز الخبز الذي هو بمن هكذا قيل، وهو مشكل عندي، قالوا إذا دفع دراهم إلى خباز فأخذ منه كل يوم شيئا من الخبز فكلما أخذ يقول هو على ما قاطعتك عليه ا ه ما في الذخيرة.
قلت: ولعل وجه الاشكال أن اشتراطهم أن يقول المشتري كلما أخذ شيئا هو على ما قاطعتك عليه ليكون بيعا مستأنفا على شئ متعين، وهذا يقتضي أن الخبز لا يصح أن يكون دينا في الذمة، وإلا لم يحتج إلى أن يقول المشتري ذلك، ورأيت معزيا إلى خط المقدسي ما نصه.
أقول: يمكن دفعه بأن الخبز هنا ثمن بخلاف التي قست عليها، فتأمل ا ه.
أقول: بيانه أن المبيع هو المقصود من البيع، ولذا لم يجز بيع المعدوم إلا بشروط السلم، بخلاف الثمن فإنه وصف يثبت في الذمة، ولذا صح البيع مع عدم وجود الثمن، لان الموجود في الذمة وصف يطابقه الثمن لا عين الثمن، كما حققه في الفتح من المسلم على أن المقيس عليها لا يلزم فيها قول المشتري ذلك، لانه لو أخذ شيئا وسكت ينعقد بيعا بالتعاطي، نعم لو قال حين دفع الدراهم اشتريت منك كذا من الخبز وصار يأخذ كل يوم من الخبز يكون فاسدا والاكل مكروه، لانه اشترى خبزا غير مشار إليه، فكان المبيع مجهولا كما قدمناه عن الولوالجية أول البيوع في مسألة بيع الاستجرار.
قوله: (وكذا عددا وعليه الفتوى) هذا موجود في عبارة القهستاني عن المضمرات بهذا اللفظ، فمن نفى وجوده فيها فكأنه سقط من نسخته، ولعل وجه الافتاء به مبني على الافتاء بقول محمد الآتي في استقراضه عددا.
قوله: (وسجيئ) أي قريبا متنا.
قوله: (بدقيق أو سويق) أي دقيق البر أو سويقه، بخلاف دقيق الشعير أو سويقه فإنه يجوز لاختلاف الجنس.
أفاده في الفتح.
قوله: (هو المجروش) أي الخشن، وفي القهستاني وغيره: السويق دقيق البر المقلي، ولعله يجرش فلا ينافي ما قبله.
قوله: (ولا بيع بسويق) أي كلاهما من الحنطة أو الشعير كما في الفتح، فلو اختلف الجنس جاز.
قوله: (ولو متساويا) تفسير للاطلاق.
قوله: (لعدم المسوي) قال في الاختيار: والاصل فيه أن شبهة الربا وشبهة الجنسية ملتحقة بالحقيقة في باب الربا احتياطا للحرمة، وهذه الاشياء جنس واحد نظرا إلى الاصل، والمخلص: أي عن الربا هو التساوي في الكيل، وأنه متعذر لانكباس الدقيق في المكيال أكثر من غيره، وإذا عدم المخلص حرم البيع.
قوله: (خلافا لهما) هذا الخلاف في بيع الدقيق بالسويق كما هو صريح الزيلعي، فأجازاه لانهما جنسان مختلفان، لاختلاف الاسم والمقصود، ولا يجوز نسيئة لان القدر يجمعهما ط.
وكذا اقتصر على ذكر الخلاف في هذه المسألة في الهداية وغيرها(5/310)
وفي شرح درر البحار، ومنع اتفاقا أن يباع البر بأجزائه كدقيق وسيوق ونخالة، والدقيق بالسويق ممنوع عنده مطلقا وجوازه مطلقا.
قوله: (متساويا كيلا) نصب متساويا على الحال وكيلا على التمييز، وهو تمييز نسبة مثل تصبب عرقا والاصل متساويا كيله.
فتح.
قوله: (إذا كانا مكبوسين) لم يذكره في الهداية وغيرها، بل عزاه في الذخيرة إلى ابن الفضل.
قال في الفتح: وهو حسن.
ثم قال: وفي بيعه وزنا روايتان، ولم يذكر في الخلاصة إلا رواية المنع.
وفيها أيضا: سواء كان أحد الدقيقين أخشن أو أدق: وكذا بيع النخالة بالنخالة وبيع الدقيق المنخول بغير المنخول لا يجوز إلا مماثلا، وبيع النخالة بالدقيق يجوز بطريق الاعتبار عند أبي يوسف بأن تكون النخالة الخالصة أكثر من التي في الدقيق.
قوله: (وحنطة مقلية بمقلية) المقلي: الذي يقلى على النار، وهو المحمص عرفا.
قال في الفتح: واختلفوا فيه: قيل يجوز إذا تساويا كيلا، وقيل لا، وعليه عول في المبسوط، ووجهه أن النار قد تأخذ في أحدهما أكثر من الآخر والاول أولى ا ه.
قوله: (ففاسد) أي اتفاقا.
فتح.
قوله: (والسمسم) بكسر السينين وحكي فتحهما.
قوله: (الشيرج) بوزن جعفر.
قوله: (حتى يكون الزيت الخ) أي بطريق العلم، فلو جهل أو علم أنه أقل أو مساو لا يجوز فالاحتمالات أربع، والجواز في أحدها.
فتح.
وكتب بعضهم هنا أنه يؤخذ من نظائره في باب الصرف اشتراط القبض لكل من البيع والثمن في المجلس بعد هذا الاعتبار خصوصا من تعليل الزيلعي بقوله لاتحاد الجنس بينهما معنى باعتبار ما في ضمنهما، وإن اختلفا صورة، فثبتت بذلك شبهة المجانسة والربا يثبت بالشبهة ا ه.
قلت: وفيه غفلة عما تقدم متنا من أن التقابض معتبر في الصرف أما غيره من الربويات فالمعتبر فيه التعيين، وتعليل الزيلعي بالجنسية لوجوب الاعتبار وحرمة التفاضل بدونه، فتدبر.
قوله: (بالثقل) بضم الثاء المثلثة: ما استقر تحت الشئ من كدره.
قاموس وغيره.
قوله: (كجوز بدهنه الخ) قال في الفتح وأظن أن لا قيمة لثفل الجوز إلا أن يكون بيع بقشره فيوقد، وكذا العنب لا قيمة لثفله فلا تشترط زيادة العصير على ما يخرج ا ه.
قوله: (فسد بالزيادة) ولا بد من المساواة، لان التراب لا قيمة له فلا يجعل بإزائه شئ.
منح ط.
تنبيه: مثل ما ذكر في الوجوه الاربعة: بيع شاة ذات لبن أو صوف بلبن أو صوف، والرطب بالدبس، والقطن بحبه، والتمر بنواه.
وتمامه في القهستاني.
قوله: (عند محمد) وقال أبو حنيفة: لا يجوز وزنا ولا عددا.
وقال أبو يوسف: يجوز وزنا لا عددا، وبه جزم في الكنز وفي الزيلعي أن الفتوى عليه.
قوله: (وعليه الفتوى) وهو المختار لتعامل الناس وحاجاتهم إليه.
ط، عن الاختيار.
وما عزاه الشارح إلى ابن ملك ذكره في التاترخانية أيضا كما قدمناه في فصل القرض.
قوله: (واستحسنه الكمال) حيث قال: ومحمد يقول: قد أهدر الجبران تفاوته وبينهم يكون اقتراضه غالبا، والقياس يترك بالتعامل، وجعل المتأخرون الفتوى على قول أبي يوسف، وأنا أرى أن قول محمد أحسن.
قوله:(5/311)
(وبعكسه لا) أي وإذا كان الرغيفان نقدا والرغيف نسيئة لا يجوز.
بحر ونهر عن المجتبى.
وهكذا رأيته في المجتبى، فافهم.
وانظر ما وجه المسألتين.
وقال ط في توجيه الاولى: لانه عددي متفاوت، فيجعل الرغيف بمقابلة أحد الرغيفين.
والاجل يجعل رغيفا حكما بمقابلة الرغيف الثاني مجتبى ا ه.
ولم أره في المجتبى.
ويرد عليه أنه متى وجد الجنس حرم النساء كما مر في بيع تمرة بتمرتين، وأيضا التعليل بأنه عددي متفاوت يقتضي عدم الجواز، ولذا لما أجاز محمد استقراضه علله بإهدار التفاوت، فكيف يجعل التفاوت علة الجواز، وعلله شيخنا بأن تأجيل الثمن جائز دون البيع، وفيه أن هذا لا يظهر في الكسيرات.
والحاصل: أنه مشكل ولذا قال السائحاني: إن هذا الفرع خارج عن القواعد، لان الجنس بانفراده محرم النساء فلا يعمل به حتى ينص على تصحيحه، كيف وهو من صاحب المجتبى.
قوله: (كيف كان) أي نقدا ونسيئة.
مجتبى.
قوله: (ولا ربا بين السيد وعبده) لانه وما في يده لمولاه فلا يتحقق الربا لعدم تحقق البيع.
فتح.
قوله: (ولو مدبرا) دخل أم الولد كما في الفتح.
قوله: (لا مكاتبا) لانه صار كالحر يدا وتصرفا في كسبه.
نهر.
قوله: (إذا لم يكون دينه مستغرقا) وكذا إذا لم يكن عليه دين أصلا بالاولى، فافهم.
قوله: (يتحقق الربا اتفاقا) أما عند الامام فلعدم ملكه لما في يد عبده المأذون المديون، وأما عندهما فلانه إن لم يزل ملكه عما في يده، لكن تعلق بما في يده حق الغرماء
فصار المولى كالاجنبي، فيتحقق الربا بينهما كما يتحقق بينه وبين مكاتبه.
فتح.
قوله: (التحقيق الاطلاق) أي عن الشرط المذكور كما فعل في الكنز تبعا للمبسوط، وقد تبع المصنف الهداية قوله: (لا للربا بل لتعلق حق الغرماء) لانه أخذه بغير عوض.
ولو أعطاه العبد درهما بدرهمين لا يجب عليه الرد: أي على المولى كما في صرف المحيط.
نهر.
قوله: (إذا تبايعا من مال الشركة) الظاهر أن المراد إذا كان كل من البدلين من مال الشركة أما لو اشترى أحدهما درهمين من مال الشركة بدرهم من ماله مثلا فقد حصل للمشتري زيادة وهي حصة شريكه من الدرهم الزائد بلا عوض وهو عين الربا.
تأمل.
قوله: (ولا بين حربي ومسلم مستأمن) احترز بالحربي عن المسلم الاصلي والذمي، وكذا عن المسلم الحربي إذا هاجر إلينا ثم عاد إليهم، فإنه ليس للمسلم أن يراني معه اتفاقا كما يذكره الشارح، ووقع في البحر هنا غلط حيث قال: وفي المجتبى مستأمن منا باشر مع رجل مسلما كان أو ذميا في دراهم أو من أسلم هناك شيئا من العقود التي لا تجوز فيما بيننا كالربويات وبيع الميتة جاز عندهما، خلافا لابي يوسف ا ه فإن مدلوله جواز الربا بين مسلم أصلي مع مثله أو مع ذمي هنا، وهو غير(5/312)
صحيح لما علمته من مسألة المسلم الحربي، والذي رأيته في المجتبى هكذا: مستأمن من أهل دارنا مسلما كان أو ذميا في دارهم أو من أسلم هناك باشر معهم من العقود التي لا تجوز الخ.
وهي عبارة صحيحة، فما في البحر تحريف، فتنبه.
قوله: (ومسلم مستأمن) مثله الاسير، لكن له أخذ مالهم ولو بلا رضاهم كما مر في الجهاد.
قوله: (ولو بعقد فاسد) أي ولو كان الربا بسبب عقد فاسد من غير الاموال الربوية كبيع بشرط كما حققناه فيما مر، وأعم منه عبارة المجتبى المذكورة، وكذا قول الزيلعي: وكذا إذا تبايعا فيها بيعا فاسدا.
قوله: (ثمة) أي في دار الحرب قيد به، لانه لو دخل دارنا بأمان فباع منه مسلم درهما بدرهمين لا يجوز اتفاقا.
ط عن مسكين.
قوله: (لان ماله ثمة مباح) قال في فتح القدير: لا يخفى أن هذا التعليل إنما يقتضي حل مباشرة العقد إذا كانت الزيادة ينالها المسلم، والربا أعم من ذلك، إذ يشمل ما إذا كان الدرهمان: أي في بيع درهم بدرهمين من جهة المسلم ومن جهة الكافر.
وجواب المسألة بالحل عام في الوجهين، وكذا القمار قد يفضي إلى أن يكون مال الخطر
للكافر بأن يكون الغلب له، فالظاهر أن الاباحة بقيد نيل المسلم الزيادة، وقد ألزم الاصحاب في الدرس أن مرادهم من حل الربا والقمار ما إذا حصلت الزيادة للمسلم نظرا إلى العلة وإن كان إطلاق الجواب خلافه، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ا ه.
قلت: ويدل على ذلك ما في السير الكبير وشرحه حيث قال: وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، فلا بأس بأن يأخذ منهم أموالهم بطيب أنفسهم بأي وجه كان، لانه إنما أخذ المباح على وجه عري عن الغدر فيكون ذلك طيبا له، والاسير والمستأمن سواء، حتى لو باعهم درهما بدرهمين أو باعهم ميتة بدراهم أو أخذ مالا منهم بطريق القمار فذلك كله طيب له ا ه ملخصا.
فانظر كيف جعل موضوع المسألة الاخذ من أموالهم برضاهم، فعلم أن المراد من الربا والقمار في كلامهم ما كان على هذا الوجه وإن كان اللفظ عاما، لان الحكم بدور مع علته غالبا.
قوله: (مطلقا) أي ولو بعقد فاسد ط.
قوله: (بلا غدر) لانه لما دخل دارهم بأمان، فقد التزم أن لا يغدرهم، وهذا القيد لزيادة الايضاح، لان ما أخذه برضاهم لا غدر فيه.
قوله: (خلافا للثاني) أي أبي يوسف وخلافه في المستأمن دون الاسير.
قوله: (والثلاثة) أي الائمة الثلاثة.
قوله: (لان ماله غير معصوم) العصمة: الحفظ والمنع، وقال في الشرنبلالية: لعله أراد بالعصمة التقوم: أي لا تقوم له، فلا يضمن بالاتلاف لما قال في البدائع معللا لابي حنيفة، لان العصمة وإن كانت ثابتة فالتقوم ليس بثابت عنده حتى لا يضمن بالاتلاف، وعندهما نفسه وماله معصومان متقومان ا ه.
قوله: (فلا ربا اتفاقا) أي لا يجوز الربا معه فهو نفي بمعنى النهي كما في قوله تعالى: * (فلا رفث ولا فسوق) * (البقرة: 791) فافهم.
قوله: (ومنه يعلم الخ) أي يعلم مما ذكره المصنف مع تعليله أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لا يتحقق الربا بينهما أيضا كما في النهر عن الكرماني، وهذا يعلم بالاولى.
قوله: (إلا في هذه الست مسائل) أولها السيد مع عبده، وآخرها من أسلما ولم يهاجرا، وحقه أن يقول المسائل بالتعريف، والله سبحانه أعلم.(5/313)
باب الحقوق جمع حق، والحق خلاف الباطل، وهو مصدر حق الشئ من بابي ضرب وقتل: إذا وجب
وثبت، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها ا ه.
وفي البناية: الحق ما يستحقه الرجل، وله معان أخر منها ضد الباطل ا ه.
وتمامه في البحر وفي النهر: أعلم أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع، ولا بد له منه ولا يقصد إلا لاجله كالطريق والشرب للارض، ويأتي تمامه.
قوله: (لتبعيتها) أي لان الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع بحر عن المعراج.
قال بعضهم: ولهذا الباب مناسبة خاصة بالربا، لان فيه بيان فضل هو حرام، وهنا بيان فضل على المبيع هو حلال.
قوله: (ولتبعيته) أي المصنف وكذا صاحب الكنز والهداية.
قوله (مثلث العين) واللام ساكنة.
ط عن الحموي.
قوله: (لان الشئ) علة لقوله: لا يدخل فيه العلو وذلك أن البيت اسم لمسقف واحد جعل ليبات فيه، ومنهم من يزيد له دهليزا، فإذا باع البيت لا يدخل العلو ما لم يذكر اسم العلو صريحا، لان العلو مثله في أنه مسقف يبات فيه، والشئ لا يستتبع مثله، بل ما هو أدنى منه.
فتح.
ولم يدخل بذكر الحق لان حق الشئ تبع له فهو دونه، والعلو مثل البيت لا دونه.
قوله: (هو ما لا اصطبل فيه) قال في الفتح المنزل فوق البيت ودون الدار، وهو اسم لمكان يشتمل على بيتين أو ثلاثة ينزل فيها ليلا ونهارا وله مطبخ وموضع قضاء الحاجة، فيتأتى السكنى بالعيال مع ضرب قصور، إذ ليس له صحن غير مسقف ولا اصطبل الدواب، فيكون البيت دونه ويصح أن يستتبعه، فلشبهه بالدار يدخل العلو فيه تبعا عند ذكر التوابع غير متوقف على التنصيص على اسمه الخاص، ولشبهه بالبيت لا يدخل بلا ذكر زيادة ا ه: أي زيادة ذكر التوابع: أي قوله: بكل حق هو له الخ.
قوله: (أي حقوقه) في جامع الفصولين من الفصل السابع أن الحقوق عبارة عن مسيل وطريق وغيره وفاقا، والمرافق عند أبي يوسف عبارة عن منافع الدار، وفي ظاهر الرواية: المرافق هي الحقوق، وإليه يشير قوله: أو بمرافقه نهر.
فعلى قول أبي يوسف المرافق أعم لانها توابع الدار مما يرتفق به كالمتوضأ والمطبخ كما في القهستاني، وقدم قبله أن حق الشئ تابع لا بد له منه كالطريق والشرب ا ه.
فهو أخص.
تأمل.
قوله: (كطريق) أي طريق خاص في ملك إنسان، ويأتي بيانه.
قوله: (هو فيه أو منه) أي هو داخل فيه أو خارج منه بأو دون الواو على ما اختاره أصحابنا كما ذكره الصيرفي، والجملة صفة لحق لا لقليل أو كثير، فإن الصفة لا توصف ولا لكل على رأي كما تقرر، وبهذا التقرير اندفع طعن أبي يوسف على محمد بدخول الامتعة
فيها، وطعن زفر عليه بدخول الزوجة والولد والحشرات، قهستاني.
قوله: (بشراء دار) هي اسم لساحة أدير عليها الحدود تشتمل على بيوت وإصطبل وصحن غير مسقف وعلو، فيجمع فيها بين(5/314)
الصحن للاسترواح ومنافع الابنية للاسكان.
فتح.
قوله: (سواء كان المبيع بيتا الخ) عبارة النهر: قالوا هذا في عرف أهل الكوفة، أما في عرفنا فيدخل العلو من غير ذكر الصور كلها، سواء كان المبيع بيتا فوقه علوا ومنزلا كذلك، لان كل مسكن يسمى خانة في العجم، ولو علوا سواء كان صغيرا كالبيت أو غيره إلا دار الملك فتسمى سراي ا ه.
وهو مأخوذ من الفتح، لكن قوله: ولو علوا صوابه وله علو كما في عبارة الفتح.
وعبارة الهداية: ولا يخلو عن علو.
مطلب: الاحكام تبتنى على العرف قلت: وحاصله أن كل مسكن في عرف العجم يسمى خانة، إلا دار الملك تسمى سراي، والخانة لا يخلو عن علو فلذا دخل العلو في الكل، وظاهره أن البيع يقع عندهم بلفظ خانة، لكن في البحر عن الكافي: وفي عرفنا: يدخل العلو في الكل سواء باع باسم البيت أو المنزل أو الدار، والاحكام تبتنى على العرف، فيعتبر في كل إقليم وفي كل عصر عرف أهله ا ه.
قلت: وحيث كان المعتبر العرف فلا كلام، سواء كان باسم خانة أو غيره، وفي عرفنا: لو باع بيتا من دار أو باع دكانا أو إصطبلا أو نحوه لا يدخل علو المبنى فوقه ما لم يكن باب العلو من داخل المبيع.
قوله: (إلا دار الملك) المستثنى منه غير مذكور في كلامه كما علم مما ذكرناه.
قوله: (الكنيف) أي ولو خارجا مبنيا على الظلة لانه يعد في الدار.
بحر.
وهو المستراح، وبعضهم يعبر عنه يبيت الماء.
نهر.
قوله: (والاشجار) أي دون أثمارها إلا بالشرط كما مر في فصل ما يدخل في المبيع تبعا، وفيه بيان مسائل يحتاج إلى مراجعتها هنا.
قوله: (فيدخل تبعا) قيده الفقيه أبو جعفر بما إذا كان مفتحه فيها.
قوله: (والظلة لا تدخل) في المغرب: قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي فوق الباب، وادعى في إيضاح الاصلاح أن هذا وهم، بل هي الساباط الذي أحد طرفيه على الدار والآخر على دار أخرى أو على الاسطوانات التي في السكة وعليه جرى في فتح القدير وغيره.
نهر.
قوله: (ويدخل
الباب الاعظم) أي إذا كان له باب أعظم وداخله باب آخر دونه، وقوله: مع ذكر الموافق يفيد أنه لا يدخل بدونه وهو خفي، فإن ظاهر أنه مثل الطريق إلى سكة كما يأتي، فتأمل.
وقد يقال: إن صورة المسألة ما لو باع بيتا من دار فيدخل في البيع باب البيت فقط دون باب الدار الاعظم، وكذا لو باع دارا داخل دار أخرى لا يدخل باب الدار الاخرى أيضا بدون ذكر الموافق، بخلاف ما إذا كان البابان للمبيع وحده، وكان يتوصل من أحدهما إلى الآخر.
تأمل.
قوله: (لا يدخل الطريق الخ) يوهم أنه لا يدخل مع ذكر المرافق، وليس كذلك فكان عليه أن يقول: وكذا الطريق الخ، وبه يستغنى عن الاستثناء بعده.
قال في الهداية: ومن اشترى بيتا في دار أو منزلا أو مسكنا لم يكن له الطريق إلا أن يشتريه بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير، وكذا الشرب(5/315)
والمسيل لانه خارج الحدود، إلا أنه من التوابع فيدخل بذكر التوابع ا ه.
قال في الفتح وفي المحيط: المراد الطريق الخاص في ملك إنسان، فأما طريقها إلى سكة غير نافذة أو إلى الطريق العام فيدخل، وكذا ما كان له من حق تسييل الماء وإلقاء الثلج في ملك إنسان خاصة ا ه.
فلا يدخل كما في الكفاية عن شرح الطحاوي.
وقال فخر الاسلام: إذا كان طريق الدار المبيعة أو مسيل مائها في دار أخرى لا يدخل بلا ذكر الحقوق لانه ليس من هذا الدار ا ه.
وصورته: إذا كانت دار داخل دار أخرى للبائع أو غيره فباع الداخلة فطريقها في الدار الخارجة ليس من الدار المبيعة بل من حقوقها فلا يدخل فيها بلا ذكر الحقوق ونحوها، فصار بمنزلة بيع بيت أو نحوه من دار، فإن طريقه في الدار لا يدخل فيه لانه ليس منه بل خارج عن حدوده كما مر عن الهداية، فما أورده في الفتح من أن تعليل فخر الاسلام يقتضي أن الطريق الذي في هذه الدار يدخل، وهو خلاف ما في الهداية ففيه نظر، فتدبر.
تنبيه: قال في الكفاية وفي الذخيرة: بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون وقت البيع لا الطريق الذي كان قبله، حتى أن من سد طريق منزله وجعل له طريقا آخر وباع المنزل بحقوقه دخل في البيع الطريق الثاني لا الاول ا ه.
وفي الفتح عن فخر الاسلام: فإن قال البائع ليس للدار المبيعة طريق
في دار أخرى فالمشتري لا يستحق الطريق، ولكن له أن يردها بالعيب، ولو كان عليها جذوع لدار أخرى: فإن كانت للبائع أمر برفعها، وإن لغيره كانت بمنزلة العيب، ولو ظهر فيها طريق أو مسيل ماء لدار أخرى للبائع فلا طريق له في المبيعة ا ه.
وفي حاشية الرملي عن النوازل: له داران مسيل الاولى على سطح الثاني فباع الثانية بكل حق لها ثم باع الاولى من آخر فللمشتري الاول منع الثاني من التسييل على سطحه، إلا إذا استثنى البائع المسيل وقت البيع ا ه ملخصا.
قال: وما وقع في الخلاصة والبزازية عن النوازل من أنه ليس للاول منع الثاني سبق قلم، لان الذي في النوازل ما قدمناه ومثله في الولوالجية،، وبه علم جواب حادثة الفتوى له كرمان طريق الاول على الثاني فباع لبنته الثاني على أن له المرور فيه كما كان فباعته لاجنبي ليس للاجنبي منع الاب.
تتمة: جرى العرف في بلاد الشام أنه إذا كان في الدار ميازيب مركبة على سطحها أو بركة ماء في صحنها أو نهر كنيف تحت أرضها، وهي المسمى بالمالح دخول حق التسييل في الميازيب.
وفي النهر المذكور: ودخول شرب البركة الجاري إليها وقت البيع وإن لم ينصوا على ذلك، ولا سيما ماء البركة فإنه مقصود بالشراء حتى إن الدار بدونه ينقص ثمنها نقصا كثيرا، وقد مر آنفا عن الكافي أن الاحكام تبتنى على العرف وأنه يعتبر في كل إقليم وعصر عرف أهله، وقد نبهنا على ذلك في فصل ما يدخل في البيع، وأيدناه بما في الذخيرة من أن الاصل أن ما كان من الدار متصلا بها يدخل في بيعها تبعا بلا ذكر، وما لا فلا يدخل بلا ذكر إلى ما جرى العرف أن البائع لا يمنعه عن المشتري، فيدخل المفتاح استحسانا للعرف بعدم منعه، بخلاف القفل ومفتاحه والسلم من خشب إذا لم يكن متصلا بالبناء،(5/316)
وقدمنا هناك عن البحر أن السلم الغير المتصل يدخل في عرف مصر القاهرة، لان بيوتهم طبقات لا ينتفع بها بدونه، وتمام ذلك في رسالتنا نشر العرف، والله سبحانه أعلم.
قوله: (والشرب) بكسر الشين المعجمة: الحظ من الماء وفي الخانية: رجل باع أرضا بشربها فللمشتري قدر ما يكفيها، وليس له جميع ما كان للبائع ا ه عزمية.
قوله: (ونحوه) لا حاجة إليه مع المتن.
قوله: (مما مر) أي من ذكر
المرافق أو كل قليل وكثير منه ط.
قوله: (فتدخل بلا ذكر) أي يدخل الطريق والمسيل.
نهر.
قوله: (لانها الخ) أي لان الاجارة تعقد للانتفاع بعين هذه الاشياء، والبيع ليس كذلك، فإن المقصود منه في الاصل ملك الرقبة لا خصوص الانتفاع بل إما هو أو ليتجر فيها أو يأخذ نقضها.
نهر قال الزيلعي: ألا ترى أنه لو استأجر الطريق من صاحب العين لا يجوز: يعني لعدم الانتفاع به بدون العين فتعين الدخول فيها، ولا يدخل مسيل ماء الميزاب إذا كان في ملك خاص ولا مسقط الثلج فيه ا ه ومثله في المنح عن العيني.
وفي حواشي مسكين أن هذا تقييد لقول المصنف بخلاف الاجارة فأفاد أن دخول المسيل في الاجارة بلا ذكر الحقوق مقيد بما إذا لم يكن في ملك خاص.
قوله: (كالبيع) أفاد به أن الشرب والمسيل في حكم الطريق ط.
قوله: (ولا يدخل في القسمة الخ) حاصل ما في الفتح: أنهما إذا اقتسما ولاحدهما على الآخر مسيل أو طريق ولم يذكر الحقوق لا تدخل، لكن إن أمكن له إحداثها في نصيبه فالقسمة صحيحة، وإلا فلا، بخلاف الاجارة، لان الآجر إنما يستوجب الاجر إذا تمكن المستأجر من الانتفاع، ففي إدخال الشرب توفير المنفعة عليهما، وإن ذكر الحقوق في القسمة دخلت إن لم يمكنه إحداثها، لا إن أمكن إلا برضا صريح، لان المقصود بالقسمة تمييز الملك لكل منهما لينتفع به على الخصوص، بخلاف البيع فإن الحقوق تدخل بذكرها وإن أمكن إحداثها، لان المقصود منه إيجاد الملك ا ه ومثله في الكفاية عن الفوائد الظهيرية.
وفي النهر عن الوهبانية: إذا لم يمكنه فتح باب، وقد علم ذلك وقت القسمة صحت، وإن لم يعلم فسدت ا ه: أي لانه عيب وينبغي أن يقيد بذلك قول الفتح، وإلا فلا: أي وإن لم يمكن إحداثها فلا تصح القسمة إن لم يعلم بذلك وقتها، لانه إذا علم يكون راضيا بالعيب تأمل.
قوله: (نهر عن الفتح) كان عليه أن يؤجر العزو إلى النهر آخر العبارة، فإن جميع ما يأتي مذكور فيه ا ه ح.
قوله: (كما مر) أي في المتن، وعزاه الشارح إلى الخلاصة.
قوله: (أن تكون الهبة) أي هبة الدار.
قوله: (على مال) عبارة النهر على دار وهو متعلق بالثلاثة.
قوله: (والوجه فيها لا يخفى) لانها لاستحداث ملك لم يكن لا لخصوص الانتفاع، بخلاف الاجارة، والله سبحانه أعلم.(5/317)
باب الاستحقاق ذكره بعد الحقوق للمناسبة بينهما لفظا ومعنى، ولولا هذا لكان ذكره عقب الصرف أولى.
نهر.
قوله: (هو طلب الحق) أفاد أن السين والتاء للطلب، لكن في المصباح: استحق فلان الامر: استوجبه قاله الفارابي وجماعة، فالامر مستحق بالفتح اسم مفعول، ومنه خرج المبيع مستحقا ا ه فأشار إلى أن معناه الشرعي موافق للغوي، وهو كون المراد بالاستحقاق ظهور كون الشئ حقا واجبا للغير.
قوله: (بالكلية) أي بحيث لا يبقى لاحد عليه حق التمليك.
منح ودرر.
والمراد بالاحد أحد الباعة مثلا لا المدعي، فإن له حق التمليك في المدبر والمكاتب والاستحقاق فيهما من المبطل كما ذكره بعد ط.
قوله: (والناقل لا يوجب فسخ العقد) بل يوجب توقفه على إجازة المستحق، كذا في النهاية وتبعه الجماعة.
واعترضه شارح بأن غايته أن يكون بيع فضولي، وفيه إذا وجد عدم الرضا ينفسخ العقد، وإثبات الاستحقاق دليل عدم الرضا، والمفسوخ لا تلحقه إجازة قال في الفتح: وما في النهاية هو المنصور، وقوله إثبات الاستحقاق، دليل عدم الرضا: أي بالبيع ليس بلازم لجواز أن يكون دليل عدم الرضا بأن يذهب من يده مجانا، وذلك لانه لو لم يدع الاستحقاق ويثبته استمر في يد المشتري من غير أن يحصل له عينه ولا بد له، فإثباته ليحصل أحدهما: إما العين، أو البدل بأن يجيز ذلك البيع.
ثم اعلم أنه اختلف في البيع متى ينفسخ فقيل إذا قبض المستحق، وقيل بنفس القضاء، والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، حتى لو أجاز المستحق بعدما قضى له أو بعدما قبضه قبل أن يرجع المشتري على بائعه يصح وقال الحلواني: الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق لا يكون فسخا للبياعات ما لم يرجع كل على بائعه بالقضاء، وفي الزيادات: روي عن الامام أنه لا ينقض ما لم يأخذ العين بحكم القضاء.
وفي ظاهر الرواية: لا ينفسخ ما لم يفسخ وهو الاصل ا ه.
ومعنى هذا أن يتراضيا على الفسخ، لانه ذكر فيها أيضا أنه ليس للمشتري الفسخ بلا قضاء أو رضا البائع، لانه احتمال إقامة البائع البينة على النتاج ثابت إلا إذا قضى القاضي فيلزم فينفسخ، وتمامه في الفتح.
فقد اختلف التصحيح فيما ينفسخ به العقد، ويأتي قريبا عن الهداية أنه لا ينتقض في ظاهر الرواية ما لم يقض على البائع بالثمن، ويمكن التوفيق بين هذه الاقوال بأن المقصود
أنه لا ينتقض بمجرد القضاء بالاستحقاق، بل يبقى العقد موقوفا بعده على إجازة المستحق، أو فسخه على الصحيح، فإذا فسخه صريحا فلا شك فيه، وكذا لو رجع المشتري على بائعه بالثمن وسلمه إليه، لانه رضي بالفسخ، وكذا لو طلب المشتري من القاضي أنه يحكم على البائع بدفع الثمن، فحكم له بذلك أو تراضيا على الفسخ، ففي ذلك كله ينفسخ العقد، فليس المراد من هذه العبارات حصر الفسخ بواحد من هذه الصور، بل أيها وجد بعد الحكم بالاستحقاق انفسخ العقد، هذا ما ظهر لي في هذا المقام.
بقي شئ: وهو أنه يثبت للبائع الرجوع على بائعه بالثمن، وإن كان قد دفع الثمن إلى المشتري بلا إلزام القاضي إياه، وهذا مذهب محمد وعليه الفتوى، خلافا لابي يوسف كما في الحامدية ونور(5/318)
العين عن جواهر الفتاوى.
قوله: (لانه لا يوجب بطلان الملك) أي ملك المشتري، لان الاستحقاق أظهر توقف العقد على إجازة المستحق أو فسخه كما علمت.
قوله: (حكم على ذي اليد) حتى يؤخذ المدعى من يده درر، وهذا إذا كان خصما فلا يحكم على مستأجر ونحوه.
قوله: (وعلى من تلقى ذو اليد الملك منه) هذا مشروط بما إذا ادعى ذو اليد الشراء منه.
ففي البحر عن الخلاصة: إذا قال المشتري في جواب دعوى الملك هذا ملكي لاني شريته من فلان صار البائع مقضيا عليه ويرجع المشتري عليه بالثمن.
أما إن قال في الجواب ملكي ولم يزد عليه لا يصير البائع مقضيا عليه، والارث كالشراء نص عليه في الجامع الكبير.
وصورته: دار بيد رجل يدعى أنها له فجاء آخر وادعى أنها له وقضى له بها فجاء أخو المقضى عليه وادعى أنها كانت لابيه تركها ميراثا له وللمقضي عليه يقضى للاخ المدعي بنصفها لان ذاك لم يقل ملكي لاني ورثتها من أبي ليصير الاخ مقضيا عليه، كذا لو أقر الاخ المقضى عليه أنه ورثها من أبيه بعد إنكاره وإقامة البينة، ولو أقر بالارث قبل إقامة البينة لا تسمع دعوى الاخ ا ه.
قال: وذكر قبله إذا صار المورث مقضيا عليه في محدود فمات فادعى وارثه ذلك المحدود إن ادعى الارث من هذا المورث لا تسمع، وإن ادعى مطلقا تسمع، وإن كان المورث مدعيا وقضى له ثم بعد موته ادعى وارث المقضى عليه على وارث المقضى له هذا المحدود مطلقا لا تسمع ا ه.
فرع: وفي البزازية: مسلم باع عبدا من نصراني فاستحقه نصراني بشهادة نصرانيين لا يقضى له، لانه لو قضي له لرجع بالثمن على المسلم.
قوله: (ولو مورثه) الضمير عائد على من في قوله: وعلى من تلقى الملك منه أي لو اشتراه ذو اليد من مورثه، فالحكم عليه بالاستحقاق حكم على المورث، فلا تسمع دعوى بقية الورثة على المتسحق بالارث.
قوله: (فلا تسمع دعوى الملك منهم) تفريع على قوله: والحكم به حكم على ذي اليد الخ درر.
وأتى بضمير الجمع إشارة إلى شمول ما لو تعدد البيع من واحد إلى آخر وهكذا، ولذا قال في الدرر: بلا واسطة أو وسائط، وفرع في الغرر على ذلك أيضا: أنه لا تعاد البينة للرجوع.
قال في شرحه: يعني إذا كان الحكم للمستحق حكما على الباعة، فإذا أراد واحد من المشترين أن يرجع على بائعه بالثمن لا يحتاج إلى إعادة البينة.
قوله: (بل دعوى النتاج) عبارة الغرر: بل دعوى النتاج أو تلقي الملك من المستحق.
قال في شرحه الدرر: بأن يقول بائع من الباعة حين رجع عليه بالثمن أنا لا أعطي الثمن لان المستحق كاذب لان المبيع نتج في ملكي، أو ملك بائعي بلا واسطة، أو بها فتسمع دعواه، ويبطل الحكم إن أثبت، أو يقول: أنا لا أعطي الثمن لاني اشتريته من المستحق، فتسمع أيضا اه.
وأفاد كلامه أنه لا يشترط لاثبات النتاج حضور المستحق كما أجاب به في الحامدية، وقال: إن مقتضى ما أفتى به في الخيرية في باب الاقامة موافقا لما في العمادية: من أن هذا القول أظهر وأشبه، لكن في البزازية أن الاشتراط هو الاظهر والاشبه.
قلت: وعبارة البزازية وعند محمد: وهو اختيار شمس الاسلام يقبل بلا حضرته، لان الرجوع بالثمن أمر يخص المشتري فاكتفى بحضوره، واختيار صاحب المنظومة وهو قياس قولهما وهو الاظهر(5/319)
والاشبه عدم القبول بلا حضور المتسحق ا ه.
لكن في الذخيرة.
قيل على قول محمد وأبي يوسف الآخر يشترط، وعلى قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف الاول لا يشترط، وهذا القول أشبه وأظهر ا ه.
وهكذا عزاه في العمادية إلى الذخير والمحيط ومثله في جامع الفصولين ونور العين، فالظاهر أن ما في البزازية من العكس سبق قلم، كما حررناه في تنقيح الحامدية فتنبه لذلك.
واختلف في اشتراط حضرة المبيع وأفتى ظهير الدين بعدمه كما سنذكره.
قوله: (ما لم يرجع
عليه) فليس للمشتري الاوسط أن يرجع على بائعه قبل أن يرجع عليه المشتري الاخير.
درر.
وأفاد أنه لا يشترط إلزام القاضي البائع بالثمن، بل له الرجوع على بائعه بدونه، وهو قول محمد المفتى به كما علمت، ثم إنما يثبت له الرجوع إذا لم يبرئه البائع عن الثمن قبل الاستحقاق، فلو أبرأه البائع ثم استحق المبيع من يده لا يرجع على بائعه بالثمن، لانه لا ثمن له على بائعه، وكذلك بقية الباعة لا يرجع بعضهم على بعض.
ذخيرة: أي لتعذر القضاء على الذي أبرأ مشتريه.
جامع الفصولين.
ثم نقل فيه أن في رجوع بقية الباعة بعضهم على بعض، خلافا بين المتأخرين، وأما لو أبرأ المشتري البائع بعد الحكم له بالرجوع فيأتي قريبا أنه لا يمنع.
قوله: (ولا على الكفيل) أي الضامن بالدرك.
درر: أي ضامن الثمن عند استحقاق المبيع.
قوله: (ما لم يقض على المكفول عنه) اعترض بأن المكفول عنه، وهو البائع صار مقضيا عليه بالقضاء على المشتري الاخير، لما علمت من أن الحكم بالاستحقاق حكم على ذي اليد وعلى من تلقى الملك منه، وقبل القضاء لا مطالبة لاحد.
قلت: هذا اشتباه، فإن المراد بالقضاء هنا القضاء على المكفول عنه بالثمن والقضاء السابق قضاء بالاستحقاق، والمسألة ستأتي متنا في الكفالة قبيل باب كفالة الرجلين.
ونصها: ولا يؤخذ ضامن الدرك إذا استحق المبيع قبل القضاء على البائع بالثمن ا ه.
وهي في الهداية والكنز وغيرهما، وعلله في الهداية هناك بقوله: لان بمجرد الاستحقاق لا ينتقض البيع على ظاهر الرواية، ما لم يقض له بالثمن على البائع، فلم يجب على الاصل رد الثمن فلا يجب على الكفيل ا ه فافهم، لكن علمت مما قررناه أن العقد ينتقض بفسخ العاقدين، وبالرجوع بالثمن على البائع بدون قضاء، وأنه ليس المراد قصر الفسخ على واحد مما ذكره، وإذا انفسخ العقد بواحد منها وجب على الاصيل، وهو البائع رد الثمن على المشتري فيجب على الكفيل أيضا ولو بدون قضاء، ويؤيده قول محمد المفتى به المار آنفا.
قوله: (لئلا يجتمع ثمنان الخ) علة لقوله: ولا يرجع أحد الخ كما أفاده في الدرر.
قال ط: وهذا التعليل يظهر في غير المشتري الاخير وغير البائع الاول فيظهر في الباعة المتوسطين، فإن عند كل منهم ثمنا، فلو رجع بالثمن قبل أن يرجع عليه اجتمع في ملكه ثمنان ا ه.
قوله: (لان بدل المستحق مملوك) أي ثمنه باق على ملك البائع، وعبر عنه بالبدل ليشمل ما لو كان قيميا، وهذا بيان لوجه اجتماع الثمنين في رجوع أحدهم قبل الرجوع عليه.
قوله: (ولو صالح بشئ الخ) عبارة جامع الفصولين: المشتري لو رجع على بائعه وصالح البائع على شئ قليل، فلبائعه أن يرجع على بائعه بثمنه، وكذا لو أبرأه المشتري عن ثمنه بعد الحكم له برجوع عليه، فلبائعه أن يرجع على بائعه أيضا إذ المانع اجتماع البدل والمبدل في ملك واحد، ولم يوجد لزوال المبدل عن ملكه، ولو حكم للمستحق وصالح المشتري ليأخذ المشتري بعض الثمن من المستحق ويدفع المبيع إلى المستحق، ليس له أن يرجع على بائعه بثمنه، لانه بالصلح أبطل حق الرجوع ا ه.(5/320)
قلت: وما ذكره في الابراء إنما هو في إبراء المشتري البائع، وأما لو أبرأ البائع المشتري عن الثمن قبل الاستحقاق، فقدمنا آنفا أنه يمتنع الرجوع.
ثم قال في الفصولين: فلو أثبته: أي الاستحقاق وحكم له.
فدفع إليه شيئا وأمسك المبيع يصير هذا شراء للمبيع من المستحق، فينبغي أن يثبت له الرجوع على بائعه ا ه.
قوله: (فصالح المشتري) أي دفع المستحق إلى المشتري بعض الثمن صلحا عن دعوى المشتري نتاجا عند بائعه أو نحوه مما يبطل الاستحقاق لم يرجع على بائعه بالثمن، لان صلحه مع المستحق على بعض الثمن أسقط حقه في الرجوع، وهذا بخلاف العكس وهو ما إذا دفع المشتري إلى المستحق شيئا وأمسك المبيع، لانه صار مشتريا من المستحق فلا يبطل حق رجوعه كما علمت، وهذه المسألة هي الآتية عن نظم المحبية، ولا يخفى ظهور الفرق بينها وبين الاولى كما أفاده ط.
فافهم.
قوله: (يوجب فسخ العقود) أي الجارية بين الباعة بلا حاجة في انفساخ كل منها إلى حكم القاضي درر.
قوله: (ولكل واحد الخ) فلو أقام العبد بينة أنه حر الاصل، أو أنه كان عبدا لفلان فأعتقه، أو أقام رجل البينة أنه عبده دبره، فقضى بشئ من ذلك فلكل واحد أن يرجع على بائعه قبل القضاء عليه، وكذا المشتري يرجع على الكفيل قبل الرجوع عليه.
هندية عن الحاوي.
قوله: (وإن لم يرجع عليه) بصيغة المجهول: أي وإن لم يحصل الرجوع عليه.
درر.
قوله: (ويرجع هو أيضا) أي يرجع من له الرجوع على الكفيل بالدرك أيضا: أي كماله الرجوع على بائعه، وقوله: كذلك يغني عنه قول المصنف ولو قبل القضاء عليه أي قبل القضاء على المكفول عنه بالثمن.
قوله: (والحكم بالحرية الاصلية الخ) هذه الجملة في موقع التعليل لما قبلها، واحترز بالاصلية عن العارضة بعتق ونحوه
لانها تأتي.
قوله: (أو بقوله أنا حر) صورته: ادعى أنه عبد فقال المدعى عليه أنا حر الاصل ولم يسبق منه إقرار بالرق وعجز المدعي عن البينة، حكم القاضي بالحرية الاصلية، وكان حكمه بها حكما على العامة ا ه ح.
قوله: (إذا لم يسبق منه إقرار بالرق) أي ولو حكما كسكوته عند البيع مع انقياده كما سيأتي، وتسمع دعواه الحرية بعد اعترافه بالرق إذا برهن كما سيأتي.
قوله: (وكذا العتق وفروعه) عطف على قوله والحكم بالحرية الاصلية أي إذا ادعى أنه كان عبد فلان فأعتقه، أو ادعى رجل أنه عبده دبره أو أنها أمته استولدها، وحكم بذلك فهو حكم على الكافة، فلا تسمع دعوى أحد عليه بذلك.
ونقل الحموي عن بعضهم أن هذا بعد ثبوت ملك المعتق، وإلا فقد يعتق الانسان ما لا يملكه.
قوله: (وأما الحكم بالعتق في الملك المؤرخ الخ) يعني إذا قال زيد لبكر إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام، فقال بكر إني كنت عبد بشر ملكني منذ ستة أعوام فأعتقني، وبرهن عليه اندفع دعوى زيد، ثم إذا قال عمرو لبكر إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام وأنت ملكي الآن فبرهن عليه تقبل، ويفسخ الحكم بحريته ويجعل ملكا لعمرو.
درر.
وكذا الحكم بالملك على المستحق منه حكم على الباعة(5/321)
من وقت التاريخ كما في الخانية، وفي المقدسي: شراها منذ شهرين فأقام رجل بينة أنها له منذ شهر يقضى بها له، ولا يقضى على بائعه، برهنت أمة في يد مشتر أخير على أنها معتقة فلان أو مدبرته أو أم ولده رجع الكل إلا من كان قبل فلان.
سائحاني.
قوله: (قيل كالحرية) أفتى به المولى أبو السعود، وجزم به في المحبية، ورجحه المصنف في كتاب الوقف كما قدمه الشارح أول الوقف.
قوله: (وهو المختار) في الفواكه البدرية لابن الغرس: وهو الصحيح ا ه واقتصر عليه في الخانية في باب ما يبطل دعوى المدعي، واستدل له فكان مختاره.
قوله: (وصححه العمادي) نقل الرملي عن المصنف عبارة الفصول العمادية، وليس فيها تصحيح أصلا بل مجرد حكاية: الاول عن الحلواني والسعدي، والثاني عن أبي الليث والصدر الشهيد ا ه.
وفي جامع الفصولين: القضاء بالوقفية قيل يكون على الناس كافة، وقيل لا.
قوله: (القضاء يتعدى الخ) فإذا قضى بواحدة منها لا تسمع دعوى آخر، وأراد بالحرية ما يشمل العارضة كالعتق، ويجري في النكاح ما جرى في الملك المؤرخ فتسمع دعوى غيره على
نكاحها قبل التاريخ لا بعده، كما استنبطه والد محشي مسكين من كلام الدرر المار.
قال الحموي: ويزاد على الاربع ما في معين الحكام: لو أحضر رجلا وادعى عليه حقا لموكله وأقام البينة على أنه وكله في استيفاء حقوقه والخصومة في ذلك قبلت، ويقضى بالوكالة ويكون قضاء على كافة الناس، لانه ادعى حقا بسبب الوكالة فكان إثبات السبب عليه إثباتا على الكافة، حتى لو أحضر آخر وادعى عليه حقا لا يكلف إعادة البينة على الوكالة ا ه.
قوله: (ويثبت رجوع المشتري على بائعه بالثمن الخ) أشار إلى أن الاستحقاق لا بد أن يرد على ما كان ملك البائع ليرجع عليه، ففي الجامع الكبير: لو اشترى ثوبا فقطعه وخاطه، ثم استحق بالبينة لا يرجع المشتري على البائع بالثمن، لان الاستحقاق ما ورد على ملكه، لان لو كان ملكه في الاصل انقطع بالقطع والخياطة، كمن غصبه فقطعه وخاطه ملكه، فالاصل أن الاستحقاق إذا ورد على ملك البائع الكائن من الاصل يرجع عليه، وإن ورد عليه بعدما صار إلى حال لو كان غصبا ملكه به لا يرجع، لان متيقن الكذب، وعرف أن المعنى أن يستحقه باسم القميص، فلو برهن أنه كان له قبل هذه الصفة رجع المشتري بالثمن، وعلى هذا لو اشترى حنطة وطحنها ثم استحق الدقيق، ولو قال كانت لي قبل الطحن يرجع، وكذا لو شرى لحما فشواه ا ه فتح ملخصا.
وأطلق المصنف الرجوع فشمل ما إذا كان الشراء فاسدا كما في جامع الفصولين، وما إذا كان عالما بكونه ملك المستحق كما سيذكره المصنف، وما لو أبرأ البائع المشتري عن ثمنه، فللبائع الرجوع على بائعه لو الابراء بعد الحكم لا قبله، كما مر.
وما لو مات بائعه، ولا وارث له فالقاضي ينصب عنه وصيا ليرجع المشتري عليه، وما إذا زعم بائعه أنه نتج في ملكه، وعجز عن إثباته وأخذ منه الثمن فله الرجوع على بائعه، لانه لما حكم عليه التحق دعواه بالعدم، وكذا لو زعم أنه ليس له الرجوع(5/322)
لانكاره البيع، لانه لما حكم عليه ببينة التحق زعمه بالعدم، وما لو ألزم القاضي البائع بدفع الثمن أولا كما مر، وما لو أحال البائع رجلا بالثمن على المشتري وأدى إليه ثم استحقت الدار فإنه يرجع على البائع لا على المحال، وإن لم يظفر بالبائع، وما إذا كان البائع وكيلا، فللمشتري مطالبته بالثمن من
ماله، ولا ينتظر إن كان دفع الثمن إليه، وإن كان دفعه للموكل ينتظر أخذه من الموكل، وما إذا قال البائع للمشتري قد علمت أن الشهود شهدوا بزور وأن المبيع لي فصدقه المشتري فإنه يرجع عليه بالثمن، لانه لم يسلم له لمبيع، فلا يحل للبائع أخذ الثمن وقد استحق المبيع ا ه ملخصا كل ذلك من الذخيرة.
تنبيه: إذا ادعى المشتري استحقاق المبيع على بائعه ليرجع بثمنه، فلا بد أن يفسر الاستحقاق، ويبين سببه فلو بينه وأنكر البائع البيع فأثبته المشتري رجع بثمنه.
وقيل: يشترط حضرة المبيع لسماع البينة، وقيل لا، وبه أفتى ظهير الدين المرغيناني.
فلو ذكر شية العبد وصفته وقدر ثمنه كفى.
جامع الفصولين.
وفيه أن للمستحق عليه تحليف المستحق بالله ما باعه ولا وهبه ولا تصدق به ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، وتمامه فيه.
فرع: استأجر حمارا فادعاه رجل ولم يصدقه أنه مستأجر واستحقه عليه لا يرجع الآجر على بائعه، لان هذا الاستحقاق ظلم لانه لم يقع على خصم.
ذخيرة.
قوله: (إذا كان الاستحقاق بالبينة) فلو أخذ المستحق العين من المشتري بلا حكم فهلك فالوجه في رجوع المشتري على بائعه أن يدعي على المستحق أنك قبضته مني بلا حكم، وكان ملكي وقد هلك في يدك فأد إلي قيمته، فيبرهن أنه له فيرجع المشتري على بائعه بثمنه.
جامع الفصولين ومفهومه أنه لو لم يهلك فللمشتري منه استرداده، حتى يبرهن فيرجع المشتري على بائعه إن لم يقر المشتري أولا بأنه للمستحق.
وفي الفصولين أيضا: أخذه بلا حكم فقال المشتري لبائعه أخذه المستحق مني بلا حكم فأد ثمنه إلي فأداه، ثم برهن على المستحق أنه له في غيبة المشتري صح لانفساخ البيع بينه وبين المشتري بتراضيهما، فبقي على ملك البائع ولم يصح الاستحقاق ا ه.
واحترز بقوله بلا حكم عما إذا كان بحكم، ولم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، فإنه لا يصح مع غيبة المشتري، لعدم انفساخ البيع بالاستحقاق.
رملي.
قوله: (بإقرار المشتري) ولو عدل المشتري شهود المستحق: قال أبو يوسف: أسأل عنهما فإن عدلا رجع بالثمن، وإلا فلا لانه كإقرار.
ذخيرة.
قوله: (أو بنكوله) كأن طلب المستحق تحليفه على أنك لا تعلم أن المبيع ملكي.
قوله: (فلا رجوع) فلو برهن المشتري أن الدار ملك المستحق ليرجع بثمنه على بائعه لا يقبل
للتناقض.
لانه لما أقدم على الشراء فقد أقر أنه ملك البائع، فإذا ادعى لغيره كان تناقضا يمنع دعوى الملك، ولانه إثبات ما هو ثابت بإقراره، فلغا، أما لو برهن على إقرار البائع أنه للمتسحق يقبل لعدم التناقض، وأنه إثبات ما ليس بثابت ولا ببينة له فله تحليف البائع بالله ما هو للمدعي، لانه لو أقر لزمه جامع الفصولين: نعم لو أقر به للمتسحق ثم برهن على أن الامة حرة الاصل وهي تدعي أو أنها ملك فلان وهو أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل الشراء تقبل ويرجع بالثمن، لان التناقض في(5/323)
دعوى الحرية وفروعها لا يضر.
فتح.
قال في النهر: وظاهر أن قوله وهي تدعي اتفاقي.
قوله: (كما هو ظاهر كلام الزيلعي) حيث قال: لان البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، وللقاضي ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة، والاقرار حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء، وللمقر ولاية على نفسه دون غيره، فيقتصر عليه ا ه.
قال ط: وحمله الرملي في حاشية المنهج على بعض القضايا، أو يراد بالكافة كل من يتعدى إليه حكم القاضي في تلك القضية لا كافة الناس ا ه.
وحينئذ فلا حاجة للاستدراك ا ه.
قوله: (ونحوه) من فروعه وكولاء ونكاح ونسب ط.
قوله: (فإن ثبت الحق بهما) الظاهر أنه احتراز عما لو سبق الحكم بالبينة عقب الانكار، ثم أقر بخلاف العكس، لانه بعد الحكم للمستحق بإقرار المشتري لا يصح الحكم بعده بالبينة، بخلاف ما إذا كان قبل الحكم بشئ منهما بأن رهن ثم أقر المشتري أو بالعكس فإنه يجعل الحكم قضاء بالبينة عند الحاجة إلى الرجوع كما هنا.
وإن أمكن جعله قضاء بالاقرار، فافهم، وعلى هذا حمل في الفتح ما في فتاوى رشيد الدين من أنه لو أقر ومع ذلك برهن المستحق وأثبت عليه البينة رجع، لان القضاء وقع بالبينة لا بالاستحقاق، ثم ذكر رشيد الدين في كتاب الدعوى: لو ادعى عينا وبرهن وقبل أن يقضى له أقر له المدعى عليه، اختلفوا فقيل: يقضى بالاقرار، وقيل بالبينة، والاول أظهر وأقرب للصواب ا ه.
قال في الفتح: وهذا يناقض ما قبله، إلا أن يخص ذلك بعارض الحاجة إلى الرجوع.
فيتحصل أنه إذا ثبت الحق بهما يقضى بالاقرار على ما جعله الاظهر، وإن سبقته إقامة البينة مع تمكن القاضي من اعتباره قضاء بالبينة، وعند تحقق حاجة الخصم إليه ينبغي اعتباره قضاء بها ليندفع
الضرر عنه بالرجوع ا ه ملخصا.
قلت: ويؤيد هذا التوفيق أنه في جامع الفصولين نقل عبارة رشيد الدين الاولى معللة بالحاجة، وذكر في نور العين أن هذا أظهر وحقق ذلك فراجعه.
والظاهر أن مثل ما هنا ما لو باع شيئا كأن اشتراه ثم رد عليه بعيب قديم وأقر به وبرهن عليه المشتري وقضى بذلك يجعل قضاء بالبينة لحاجته إلى الرجوع على بائعه بخيار العيب.
قوله: (فبالبينة أولى) أي فاعتبار القضاء بالبينة أولى.
قوله: (فلو استحقت مبيعة ولدت) يشمل الدابة إذا ولدت عند المشتري أولادا كما في نور العين عن جامع الفتاوى.
قوله: (لا باستيلاده) قيد به لمكان قوله يتبعها ولدها وإلا فاستيلاد المشتري لا يمنع استحقاق الولد بالبينة، لكنه لا يتبعها بل يكون ولد المشتري حرا بالقيمة كما نبه عليه بعده.
قوله: (يتبعها ولدها) وكذا أرشها.
فتح.
قال: ولا خصوصية للولد بل زوائد المبيع كلها على التفصيل ا ه.
أي التفصيل بين كون الاستحقاق بالبينة أو بالاقرار، وبين دعوى المقر له الزوائد وعدمها، وسيذكر الشارح الزوائد آخرا.
قوله: (بشرط القضاء به) لان أصل يوم القضاء لانفصاله واستقلاله فلا بد من الحكم به، وهو الاصح في المذهب.
فتح.
قال في الهداية: وإليه تشير المسائل، فإن القاضي إذا لم يعلم بالزوائد.
قال محمد: لا تدخل الزوائد في الحكم، وكذا الولد إذا كان في يد غيره لا يدخل تحت(5/324)
الحكم بالام تبعا ا ه.
والظاهر أن الارش لا يدخل تبعا.
قوله: (في الاصح) مقابله ما قيل: إنه إذا قضى القضاي بالام يصير مقضيا به أيضا كما في الفتح.
قوله: (وكلام البزازي يفيد تقييده) أي تقييد القضاء بالولد للمستحق، وأخذ ذلك في النهر من قول البزازي: شهدوا على رجل في يده جارية أنها لهذا المدعي ثم غابا أو ماتا ولها ولد في يد المدعى عليه ويدعي أنه له وبرهن على ذلك لا يلتفت الحاكم إلى برهانه ويقضي بالولد للمدعي، فإن حضر الشهود وقالوا الولد للمدعى عليه ضمن الشهود قيمة الولد كأنهم رجعوا، فإن كانوا حضورا وسألهم عن الولد فإن قالوا إنه للمدعى عليه أو لا ندري لمن الولد يقضى بالام للمدعي دون الولد ا ه.
قوله: (بما إذا سكت الشهود) أي عن كونه لذي اليد، وكذا بالاولى إذا قالوا إنه للمستحق.
قوله إنه للمستحق.
قوله: (ثم استيلاده) أي استيلاد المشتري.
مطلب في الولد المغرور قوله: (فيكون ولد المغرور) الاولى أن يقول ولكن يكون الخ لان قوله لا يمنع الخ يتوهم منه أنه يتبعها كما إذا كان لا باستيلاده، فيناسبه الاستدراك بأنه يكون ولد المغرور: أي يكون لذي اليد حرا، لان وطأه كان في الملك ظاهرا، وعليه للمستحق القيمة: أي يوم الخصومة كما سيذكره في باب دعوى النسب، قال في جامع الفصولين: ولو أولدها على هبة أو صدقة أو شراء أو وصية أخذ المستحق الامة وقيمة الولد إذا الموجب للغرور ملك مطلق الاستباحة في الظاهر وقد وجد ويرجع الاب على البائع بثمنها وبقيمة ولدها لا بالعقر عندنا، ولا يرجع على الواهب والمتصدق والموصي بقيمة الولد عندنا، ولو باعها المشتري الاول فأولدها الثاني فاستحقت يرجع المشتري الثاني على الاول بالثمن وبقية الولد ولا يرجع الاول على بائعه إلا بالثمن عنده، وعندهما يرجع بقيمة الولد أيضا، ونظيره أن المشتري الثاني لو وجد عيبا وقد تعذر رده لعيب حدث فيرجع على بائعه بنقص العيب وبائعه لا يرجع به في بائعه عنده خلافا لهما.
مطلب: لا يرجع على بائعه بالعقر ولا بأجر الدار التي ظهرت وقفا تنبيه: إنما لم يرجع المشتري بالعقر لانه بدل منفعة استوفاها لنفسه، وجزاء على فعله ومثله ما لو نقصت الارض المستحقة بالزراعة، وضمن نقصانها لا يرجع به على بائعه وبه ظهر جواب حادثة الفتوى: فيمن اشترى دارا فظهرت وقفا وضمنه ناظر الوقف أجرتها فأجبت: بأنه لا يرجع بالاجرة على البائع خلافا لما أفتى به بعض علماء مصر القاهرة في زماننا مستدلا بقولهم الغرور في ضمن عقد المعاوضة يوجب الرجوع، ولا يخفى أنه غير صحيح لانه إنما يرجع بما يمكن تسليمه كما يأتي بيانه وبما ليس جزاء لفعله كما علمت.
قوله: (بالقيمة لمستحقه) أي مضمونا بها للمستحق والمراد القيمة يوم الخصومة كما ذكره في باب دعوى النسب.
قوله: (كما مر) صوابه: كما يأتي.
قوله: (والفرق ما مر) قال في الهداية: ووجه الفرق أن البينة حجة مطلقة فإنها كاسمها مبنية فيظهر بها ملكه من الاصل والولد كان متصلا بها، فيكون له أما الاقرار حجة قاصرة يثبت الملك في المخبر به ضرورة صحة(5/325)
الاخبار، وقد حصلت بإثباته بعد الانفصال فلا يكون الولد له.
قوله: (يتبعها) لان الظاهر أنه له زيلعي عن النهاية، ومقتضى الفرق المذكور أنه لا يكون له كما في الفتح.
قوله: (وكذا) أي كالولد في التفصيل المذكور كما مر.
قوله: (نعم لا ضمان بهلاكها) أي هلاك الزوائد ومنه موت الولد واحترز عن استهلاكها فتضمن به.
قوله: (ومنع التناقض دعوى الملك) هذا إذا كان الكلام الاول قد أثبت لشخص معين حقا، وإلا لم يمنع كقوله: لا حق لي على أحد من أهل سمرقند ثم ادعى شيئا على أحد منهم تصح دعواه كما في المؤيدية عن صدر الشريعة ا ه وكذا إذا كان كل من الكلامين عند القاضي واكتفى بعضهم في تحققه كون الثاني عند القاضي واختار في النهر الاول، لان من شرائط الدعوى كونها لديه واختار في البحر من متفرقات القضاء الثاني.
قال في المنح: ولعل وجهه أنه الذي يتحقق به التناقض ا ه.
وقال المقدسي: يكاد أن يكون الخلاف لفظيا، لان الكلام الاول لا بد أن يثبت عند القاضي، ليترتب على ما عنده حصول التناقض والثابت بالبيان كالثابت بالعيان، فكأنهما في مجلس القاضي، فالذي شرط كونهما في مجلسه يعم الحقيقي والحكمي في السابق واللاحق ا ه.
قلت: ويشهد له مسائل كثيرة في دعوى الدفع وسيأتي تمام الكلام عليه في متفرقات القضاء إن شاء الله تعالى.
مطلب في مسائل التناقض ثم اعلم أن التناقض يرتفع بتصديق الخصم وبتكذيب الحاكم أيضا وهو معنى قولهم: المقر إذا صار مكذبا شرعا بطل إقراره.
بحر عن البزازية.
وقدمنا قبل نحو ورقة مسائل في ارتفاعه بتكذيب الحاكم، ثم ذكر في البحر بعد ورقتين ارتفاعه بثالث حيث قال: إذا قال تركت أحد الكلامين فإنه يقبل منه لما في البزازية عن الذخيرة ادعاء مطلقا، فدفعه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا، وبرهن عليه فقال المدعي أدعيه الآن بذلك السبب وتركت المطلق يقبل ا ه.
أي لكون المطلق أزيد من المقيد وهو مانع لصحة الدعوى، ولذا لو ادعى المطلق أو لا تسمع كما في البزازية لكونه بدعوى المقيد، ثانيا يدعي أقل، لكن ما نقله في البحر عن البزازية لا يدل على كون ذلك قاعدة في إبطال التناقض، وإلا لزم أن يضر تناقض أصلا لتمكن المتناقض من قوله: تركت الكلام الاول، فإذا أقر أنه ليس له ثم قال هو لي وتركت الاول تسمع ولا قائل به أصلا.
والظاهر أن ما نقله عن البزازية وجهة كونه توفيقا
بين الكلامين بأن مراد المدعي الاقل الذي ادعاه أولا بدليل ما في البزازية أيضا: ادعى عليه ملكا مطلقا ثم ادعى عليه عند ذلك الحاكم بسبب يقبل، بخلاف العكس، إلا أن يقول العاكس أردت بالمطلق الثاني المقيد الاول لكون المطلق أزيد من المقيد، وعليه الفتوى ا ه فافهم.
قوله: (طلب نكاح الامة يمنع دعوى تملكها) تتمة عبارة الصغرى وطلب نكاح الحرة مانع من دعوى نكاحها ا ه.
وكان الاولى ذكره لانه مثال منع دعوى الملك في المنفعة.
قوله: (وكما يمنعها لنفسها يمنعها لغيره الخ) كما إذا ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة ثم ادعى أنه لفلان آخر وكله بالخصومة لا تقبل إلا إذا وفق وقال(5/326)
كان لفلان الاول وقد وكلني بالخصومة ثم باعه من الثاني ووكلني أيضا، والتدارك ممكن بأن غاب عن المجلس وجاء بعد فوت مدة وبرهن على ذلك على ما نص عليه الحصيري في الجامع دل على أن الامكان لا يكفي.
نهر عن البزازية.
قوله: (سنحققه الخ) حاصل ما ذكره هناك حكاية الخلاف.
قلت: وذكر في البحر هناك أن الاكتفاء بإمكان التوفيق هو القياس، والاستحسان أن التوفيق بالفعل شرط، وذكر محشيه الرملي عن منية المفتى أن جواب الاستحسان هو الاصح.
ا ه.
وفي جامع الفصولين بعد حكاية الخلاف: والاصوب عندي أن التناقض إذا كان ظاهر السلب، والايجاب والتوفيق خفيا لا يكفي إمكان التوفيق، وإلا ينبغي أن يكفي الامكان، ويؤيده ما في ح: أنه لو أقر له أنه له فمكث قدر ما يمكنه الشراء منه ثم برهن على الشراء منه بلا تاريخ قبل لامكان التوفيق بأن يشتريه بعد إقراره، ولان البينة على العقد المبهم تفيد الملك للحال ولذا لا تعتبر الزوائد ا ه.
وأقر في نور العين.
قوله: (وفروع هذا الاصل كثيرة) منها: ادعى عليه ألفا دينا فأنكر ثم ادعاها من جهة الشركة لا تسمع، وبالعكس تسمع لامكان التوفيق، لان مال الشركة يجوز كونه دينا بالجحود.
ادعى الشراء من أبيه ثم برهن على أنه ورثها منه يقبل لامكان أنه جحده الشراء ثم ورثه منه، وبالعكس لا ادعى أولا الوقف ثم لنفسه لا تسمع، كما لو ادعاها لغيره ثم لنفسه، وبالعكس تسمع لصحة الاضافة بالاخصية انتفاعا.
ادعاه بشراء أو إرث ثم ادعاه مطلقا لا تسمع، بخلاف العكس كما مر.
بحر ملخصا.
قوله:
(وإن قال أبي وابني) مفاده أن قول ذلك بعد قول المدعي الاول هو أخي، وليس كذلك لان المراد أن مدعي النفقة لو قال هو أبي أو ابني وكذبه ثم بعد موته صدقه المدعى عليه، وادعى الارث يقبل.
والفرق أن ادعاء الولاد مجردا يقبل لعدم حمل النسب على الغير، بخلاف دعوى الاخوة، أفاده ح.
ويمكن إرجاع ضمير قال هنا وفي المعطوف عليه إلى مدعي النفقة، ويكون المراد أن مدعي الارث وافقه على دعواه، فافهم.
قوله: (والاصل الخ) أشار بهذا وبالكاف إلى أنه ليس المراد حصر ما يعفى فيه التناقض بما ذكره المصنف، بل كل ما في سببه خفاء، فمنه: اشترى أو استأجر دارا من رجل ثم ادعى أن أباه كان اشتراها له في صغره أو أنه ورثها منه وبرهن قبل.
ادعى شراء من أبيه ثم برهن على أنه ورثها منه يقبل، وبالعكس لا.
ادعى عينا له وعليه قيمتها ثم ادعى أنها قائمة في يده وعليه إحضارها أو بالعكس يقبل.
اشترى ثوبا في منديل ثم زعم أنه له وأنه لم يعرفه يقبل.
اقتسما التركة ثم ادعى أحدهما أن أباه كان جعل له منها الشئ الفلاني: إن قال كان في صغري يقبل، وإن مطلقا لا، وتمامه في البحر.
قوله: (كالنسب) كما لو باع عبدا ولد عنده وباعه المشتري من آخر ثم ادعى البائع الاول أنه ابنه يقبل ويبطل الشراء الاول والثاني، لان النسب يبتنى على العلوق فيخفى عليه فيعذر في التناقض.
عيني.
وفي جامع الفصولين: قال أنا لست وارث فلان ثم ادعى إرثه وبين الجهة يصح، إذ التناقض في النسب لا يمنع صحة دعواه.
ولو قال ليس هذا الولد مني ثم قال هو مني يصح،(5/327)
وبالعكس لا لكون النسب لا ينتفي بنفيه، وهذا إذا صدقه الابن، وإلا فلا يثبت النسب لانه إقرار على الغير بأنه جزئي، لكن إذا لم يصدقه الابن ثم صدقه تثبت البنوة، لان إقرار الاب لم يبطل بعدم التصديق، ولو أنكر الاب إقراره فبرهن الابن عليه يقبل، والاقرار بأنه ابني يقبل لانه إقرار على نفسه بأنه جزؤه، أما الاقرار بأنه أخوه فلا، لانه إقرار على الغير.
ولو ادعى أن أبي فلان وصدقه ثبت نسبه فإذا ادعى أنه ابن فلان آخر لا يسمع، لان فيه إبطال حق الاول، وكذا لو لم يصدقه الاول لانه أثبت له حق التصديق، فلو صححنا إقراره الثاني يفضي إلى إبطال حق التصديق للاول وصار كمن ادعى أنه مولى فلان ولم يصدقه ثم ادعى أنه مولى فلان آخر لم يجز ا ه.
وتمامه فيه.
قوله: (والطلاق) حتى لو
برهنت على الثلاث بعدما اختلعت قبل برهانها واستردت بدل الخلع لاستقلال الزوج بذلك بدون علمها، وكذا لو قاسمت المرأة ورثة زوجها، وقد أقروا بالزوجية كبارا ثم برهنوا على أن زوجها كان طلقها في صحته ثلاثا رحعوا عليها بما أخذت.
نهر.
وفي البحر عن البزازية: ادعت الطلاق فأنكر ثم مات لا تملك مطالبة الميراث ا ه.
تأمل.
قوله: (وكذا الحرية) أي ولو عارضة وفصله عما قبله بكذا إشارة إلى أن التفريع بعده عليه فقط.
ومن فروع ذلك: لو برهن البائع أو المشتري أن البائع حرره قبل بيعه يقبل، إذ التناقض متحمل في العتق.
قال في جامع الفصولين بعد نقله أقول: التناقض إنما يحتمل بناء على الخلفاء، وذا يتحقق في المشتري لا البائع لانه يستبد بالعتق، فالاولى أن يحمل هذا على قولهما، إذ الدعوى غير شرط عندهما في عتق العبد، فتقبل بينة البائع حسبة وإن لم تصح الدعوى للتناقض ا ه.
ومنها: لو أدى المكاتب بدل الكتابة ثم ادعى تقدم إعتاقه قبلها يقبل.
بزازية.
وفي المبسوط: أقرت له بالرق فباعها ثم برهنت على عتق من البائع أو على أنها حرة الاصل يقبل استحسانا ولو باع عبدا وقبضه المشتري وذهب به إلى منزله والعبد ساكت وهو ممن يعبر عن نفسه فهو إقرار منه بالرق، فلا يصدق في دعوى الحرية بعده لسعيه في نقض ما تم من جهته إلا أن يبرهن فيقبل، وكذا لو رهنه أو دفعه بجناية كان إقرارا بالرق، لا لو آجره ثم قال أنا حر فالقول له، لان الاجارة تصرف في منافعه لا في عينه.
وتمامه في البحر.
قوله: (فلو قال عبد) أي إنسان وسماه عبدا باعتبار ظاهر الحال الآن، وإلا فالفرض أنه حر.
وقوله لمشتر أي لمريد الشراء.
قوله: (اشترني فأنا عبد) لا بد في كون المشتري مغرورا يرجع بالثمن من هذين القيدين: أعني الامر بالشراء والاقرار بكونه عبدا كما في الفتح وغيره.
وما في العتابية من الاكتفاء بسكوت العبد عند البيع في رجوع المشتري عليه فهو مخالف لما في سائر الكتب، وإن غلط فيه بعض من تصدر للافتاء بدار السلطنة العلية وأفتى بخلافه، كما أفاده الانقروي في منهوات فتاويه، وأفاد بقوله اشترني أنه لو قال له أجنبي اشتره فإنه عبد فلا رجوع بحال كما في جامع الفصولين وغيره.
قوله: (لزيد) كذا في النهر.
قال السائحاني: والظاهر أنه ليس بشرط، لان الغرور في ضمن المعاوضة ليس كفالة صريحة حتى يشترط معرفة المكفول له وعنه، ومما اغتفروا أيضا
هنا رجوع العبد على سيده بما أدى مع أنه لم يأمره بهذا الضمان الواقع منه ضمن قوله اشترني فأنا عبد ا ه.
قوله: (معتمدا على مقالته) احترز به عما إذا كان عالما بكونه حرا، لانه لا تغرير مع العلم كما لا يخفى، ولذا لو استولدها عالما بأن البائع غصبها فاستحقت لا يرجع بقيمة الولد وهو رقيق كما(5/328)
يذكره الشارح.
فافهم.
قوله: (أي ظهر حرا) ببينة أقامها، لانه وإن كان دعوى العبد شرطا عند أبي حنيفة في الحرية الاصلية، وكذا في العارضة بعتق ونحوه في الصحيح، لكن التناقض لا يمنع صحتها كما أفاده تفريع المسألة، وتمامه في الفتح.
قوله: (يعرف مكانه) ظاهر إطلاقهم ولو بعد بحيث لا يوصل إليه عادة كأقصى الهند.
نهر.
فافهم.
قوله: (لوجود القابض) أي البائع، والاولى قوله الفتح للتمكن من الرجوع على القابض.
قوله: (وإلا) أي بأن لم يعلم مكانه، ومثله ما إذا مات ولم يترك شيئا، فلو كان له تركة يعلم مكانها يرجع فيها فيما يظهر لان ذلك دين عليه كما يأتي، والدين لا يبطل بالموت، فافهم.
قوله: (رجع المشتري على العبد بالثمن) لانه يجعل العبد بالامر بالشراء ضامنا الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع دفعا للغرور والضرر، ولا تعذر إلا فيما لا يعرف مكانه، والبيع عقد معاوضة فأمكن أن يجعل الامر به ضمانا للسلامة كما هو موجبة.
هداية.
قوله: (خلافا للثاني) أي في رواية عنه.
قوله: (لا رجوع عليه اتفاقا) لان الحر يشتري تخليصا كالاسير، وقد لا يجوز شراء العبد كالمكاتب.
زيلعي.
قوله: (ورجع العبد على البائع) إنما يرجع عليه مع أنه لم يأمره بالضمان عنه لانه أدى دينه، وهو مضطر في أدائه.
فتح.
فهو كمعير الرهن إذا قضى الدين لتخليص الرهن يرجع على المديون لانه مضطر في أدائه.
قوله: (لم يضمن أصلا) أي سواء كان البائع حاضرا أو غائبا.
قال في الهداية: لان الرهن ليس بمعاوضة بل هو وثيقة لاستيفاء عين حقه حتى يجوز الرهن ببدل الصرف والمسلم فيه مع حرمة الاستبدال، فلا يجعل الامر به ضمانا للسلامة، وبخلاف الاجنبي: أي لو قال: اشتراه فإنه عبد لانه لا يعبأ بقوله فيه فلا يتحقق الغرور، ونظير مسألتنا قول المولى: بايعوا عبدي هذا فإني قد أذنت له ثم ظهر الاستحقاق يرجعون عليه بقيمته ا ه.
قوله: (والاصل الخ) مر هذا الاصل مبسوطا آخر باب المرابحة والتولية.
مطلب فيما لو باع عقارا وبرهن أنه وقف قوله: (لان مجرد الوقف لا يزيل الملك) أي عند الامام والفتوى على لزومه بدون الحكم بلزومه.
قوله: (على خلاف ما صوبه الزيلعي) حيث قال: وإن أقام البينة على ذلك قيل تقبل، وقيل لا تقبل وهو أصوب وأحوط ا ه.
قوله: (وتقدم في الوقف) قدمنا هناك أن الاصح سماع البينة دون الدعوى المجردة بلا تفصيل لان الوقف حق الله تعالى، فتسمع فيه البينة وتمام تحقيق المسألة هناك فراجعه.
قوله: (للقضاء عليهما) لان الملك للمشتري واليد للبائع والمدعى يدعيهما فشرط القضاء عليهما حضورهما(5/329)
فتح.
بقي لو قال المستحق لا بينة لي واستخلفهما فحلف البائع ونكل المشتري، فإنه يؤاخذ بالثمن فإذا أداه أخذ العبد وسلمه إلى المدعي، وإن حلف المشتري ونكل البائع لزم البائع كل قيمة العبد إلا أن يجيز المستحق البيع ويرضى بالثمن.
بزازية وجامع الفصولين.
قوله: (ثم هو) أي البائع.
قوله: (ولزم البيع) لانه يقرر القضاء الاول ولا ينقضه.
فتح لان القضاء بأن المستحق باعه يقرر القضاء بأنه ملك المستحق.
قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال: ولو فسخ القاضي البيع بطلب المشتري، ثم برهن البائع أن المستحق باعها منه يأخذها وتبقى له ولا يعود البيع المنتقض ا ه.
فأفاد أن قوله ولزم البيع مقيد بما إذا لم يفسخ القاضي البيع.
مطلب لا عبرة بتاريخ الغيبة قوله: (لا عبرة بتاريخ الغيبة الخ) اعلم أن الخارج مع ذي اليد لو ادعيا ملكا مطلقا فالخارج أولى إلا إذا برهن ذو اليد على النتائج أو أرخا الملك وتاريخ ذي اليد أسبق فهو أولى، ولو أرخ أحدهما فقط يقضى للخارج عندهما، وعند أبي يوسف وهو رواية عن الامام يحكم للمؤرخ خارجا أو ذا يد كما في جامع الفصولين من الفصل الثامن.
وأفاد المصنف أن تاريخ الغيبة غير معتبر، لان قول الخارج إن هذا الحمار غاب عني منذ سنة ليس فيه تاريخ مالك فإذا قال ذو اليد: إنه ملكي منذ سنتين مثلا، وبرهن لا يحكم له لانه وجد تاريخ الملك من أحدهما فقط، وهو غير معتبر فيقضي به للخارج عندهما كما علمت، ومثله لو برهن الخارج أنه له منذ سنتين وذو اليد أنه بيده منذ ثلاث سنين، فهو للخارج لان ذا اليد لم يبرهن على الملك كما في جامع الفصولين.
قوله: (بل العبرة لتاريخ الملك) أي التاريخ
الموجود من الطرفين كما علمت، وإلا فتاريخ الملك هنا وجد من المدعى عليه لكنه لم يوجد من المدعي بل وجد منه تاريخ الغيبة فقط.
قوله: (فقبل) ظرف متعلق بأخبر.
قوله: (أخبر المستحق عليه) أي الذي ادعى عليه بالاستحقاق، وهو المشتري وهو مرفوع على أنه فاعل أخبر والبائع مفعوله.
قوله: (بل يقضى بها للمستحق) لانه ما ذكر تاريخ الملك بل تاريخ الغيبة، فبقي دعواه الملك بلا تاريخ والبائع ذكر تاريخ الملك ودعواه دعوى المشتري، لان المشتري تلقى الملك منه، فصار كأن المشتري ادعى ملك بائعه بتاريخ سنتين إلا أن التاريخ لا يعتبر حالة الانفراد، فسقط اعتبار ذكره وبقيت الدعوى في الملك المطلق، فيقضي بالدابة.
درر: أي يقضى بها للمستحق.
قال في جامع الفصولين من الفصل السادس عشر بعد ذكره ما مر أقول: ويقضى بها للمؤرخ عند أبي يوسف، لانه يرجح المؤرخ حالة الانفراد وينبغي الافتاء به لانه أرفق وأظهر والله تعالى أعلم ا ه.
قوله: (لانعدام الغرور) لعلمه بحقيقة الحال.
درر ومثله ما لو تزوج من أخبرته بأنها حرة عالما بكذبها فأولدها فالولد رقيق كما في جامع الفصولين.
قوله: (ويرجع بالثمن) أي على بائعه وكان الاولى ذكر الرجوع بالثمن أولا، لكونه المقصود(5/330)
من التفريع على كلام المتن، ثم يقول: ولكن يكون الولد رقيقا.
أفاده السائحاني.
قوله: (وإن أقر بملكية المبيع للمستحق) أي بعد أن يكون الاستحقاق ثابتا بالبينة لا بإقرار المشتري المذكور، فلا ينافي قول المصنف السابق أما إذا كان بإقرار المشتري أو بنكوله فلا، على أنه قدم الشارح أنه إذا اجتمع الاقرار والبينة يقضى بالبينة عند الحاجة إلى الرجوع.
وبه اندفع ما في الشرنبلالية من توهم المنافاة فافهم.
قوله: (ورجع) أي بالثمن.
قوله: (بسبب ما) أي بشراء أو هبة أو إرث أو وصية.
قوله: (بخلاف ما إذا لم يقر) أي المشتري أي لم يقر نصا بأنه ملك للبائع، فإن الشراء وإن كان إقرارا بالملك، لكنه محتمل، وفي جامع الفصولين: لانه وإن جعل مقرا بالملك للبائع لكنه مقتضى الشراء، وقد انفسخ الشراء بالاستحقاق فينفسخ الاقرار.
قوله: (بل لا بد من الشهادة على مضمونه) بأن يشهدا أن قاضي بلدة كذا قضى على المستحق عليه بالدابة التي اشتراها من هذا البائع، وأخرجها من يد المستحق عليه كما في جامع الفصولين وغيره.
قوله: (من محاضر) بيان لما، والمراد مضمون ما في المذكورات،
فلا بد فيها من الشهادة على مضمون المكتوب لما في المنح.
والمحضر ما يكتبه القاضي من حضور الخصمين والتداعي والشهادة.
والسجل ما يكتب فيه نحو ذلك وهو عنده.
والصك ما يكتبه لمشتر أو شفيع ونحو ذلك ا ه ط.
قوله: (بخلاف نقل وكالة) كما إذا وكل المدعي إنسانا بحضرة القاضي ليدعي على شخص في ولاية قاض آخر وكتب القاضي كتابا يخبره بالوكالة ط.
قوله: (وشهادة) كما إذا شهدوا على خصم غائب، فإن للقاضي لا يحكم بل يكتب الشهادة ليحكم بها القاضي المكتوب إليه، ويسلم المكتوب لشهود الطريق كما يأتي في باب كتاب القاضي إلى القاضي ح.
قوله: (لانهما لتحصيل العلم للقاضي) أي لمجرد الاعلام لا لنقل الحكم، فلا تشترط الشهادة على مضمونها، بل تكفي الشهادة بأنهما من قاضي بلدة كذا.
هذا ما يفيده كلامه تبعا للدرر.
ولكن سيأتي في كتاب القاضي إلى القاضي اشتراط قراءته على الشهود أو إعلامهم به ومقتضاه أنه لا بد من شهادتهم بمضمونه وإلا فما الفائدة في قراءته عليهم ولعل ما هنا مبني على قول أبي يوسف بأنه لا يشترط سوى شهادتهم بأنه كتابه، وعليه الفتوى كما سيأتي هناك.
قوله: (ولذا لزم الخ) قال المصنف في كتاب القاضي إلى مسألة نقل الشهادة ولا بد من إسلام شهوده ولو كان لذمي على ذمي وعلله الشارح بقوله: لشهادتهم على فعل المسلم ا ه ط.
قوله: (ولا رجوع الخ) أي لو ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ كمائة درهم مثلا فاستحق بعض الدار لم يرجع صاحب الدار بشئ من البدل على المدعي لجواز أن تكون دعواه فيما بقي وإن قل.
درر وعبارة الهداية: فاستحقت الدار إلا ذراعا منها.
والظاهر أنه لو كان الاستحقاق على سهم شائع كربع أو نصف فهو كذلك، لان المدعي لم يدع سهما(5/331)
منها لان دعوى حق مجهول تشمل السهم والجزء.
نعم لو ادعى سهما شائعا يكون استحقاق الربع مثلا واردا على ربع ذلك السهم أيضا فللمدعى عليه الرجوع بربع بدل الصلح، هذا ما ظهر لي فتأمله.
قوله: (لدخول المدعي في المستحق) بالبناء للمجهول فيهما، قال في الدرر: للعلم بأنه أخذ عوض ما لم يملكه.
قوله: (واستفيد منه الخ) كذا ذكره شرح الهداية.
قوله: (لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة) لان المصالح عنه ساقط، فهو مثل الابراء عن المجهول فإنه جائز عندنا لما ذكر، بخلاف عوض
الصلح فإنه لما كان مطلوب التسليم اشترط كونه معلوما لئلا يفضي إلى المنازعة.
قوله: (لصحته) أي صحة الصلح.
قوله: (لجهالة المدعى به) بيان لوجه عدم صحة الدعوى، لان المدعى به إذا كان مجهولا لا تصح الدعوى حتى لو برهن عليه لم يقبل.
قوله: (ما لم يدع إقراره به) أي فإذا ادعى إقرار المدعى عليه بذلك الحق المجهول وبرهن على إقراره به يقبل: أي ويجبر المقر على البيان كما نقله ط عن نوح.
قوله: (بحصته) الاولى ذكره بعد قوله: شئ منها لان الضمير راجع إليه ط.
قوله: (لفوات سلامة المبدل) أي الشئ الذي استحق فإنه لم يسلم للمصالح.
قال في الدرر: لان الصلح على مائة وقع عن كل الدار، فإذا استحق منها شئ تبين أن المدعى لا يملك ذلك القدر فيرد بحسابه من العوض ا ه فافهم.
قوله: (لم يرجع الخ) هذا ظاهر فيما إذا ورد الاستحقاق على سهم شائع أيضا كربعها أو نصفها، أما إذا استحق جزء معين منها كذراع مثلا من موضع كذا فالصلح عن دعوى ربعها يدخل فيه ربع ذلك الجزء المستحق.
تأمل.
قوله: (وإن بقي أقل) بأن ادعى الربع ولم يبق الاستحقاق في يد المدعى عليه إلا الثمن فيرجع بحصة الثمن المستحق ط.
قوله: (فوجب الرجوع) أي بأصل المدعي وهو الدنانير ط.
قوله: (وفيها فروع أخر فلتنظر) منها استحقاق بعض المبيع وسيأتي.
ومنها مسائل أخر تقدمت في فصل الفضولي.
قوله: (إلا إذا البائع هاهنا ادعى الخ) أي فلا يرجع بالثمن، لانه لو رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه.
بزازية.
لكن هذا ظاهر إذا اتحد الثمن، فلو زاد فله الرجوع بالزيادة كما قاله ط.
وكذا لو ادعى عليه إقراره بأنه اشتراه مني وهي حيلة لا من البائع غائلة الرد بالاستحقاق، وبيانها أن يقر المشتري بأن بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فحينئذ لا يرجع بعد الاستحقاق لما قلنا، أما لو قال لا أرجع بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع، ولا يعمل(5/332)
ما قاله لان الابراء لا يصح تعليقه بالشرط كما في الفتح.
قوله: (وطفقا ذاك) أي شرع واسم الاشارة للمشتري.
قوله: (آكامها) بمد الهمزة جمع أكمة محركة: التل.
قوله: (تمامها) أي الخرابة وما بناه فيها.
قوله: (مطلقا) لم يظهر لي المراد به.
تأمل.
قوله: (بذا الذي كان عليها أنفقا) متعلق بقوله: راجعا المقدر في المعطوف أو المذكور في المعطوف عليه، ولو قدم هذا الشرط على الذي قبله لكان
أظهر، ويكون المراد بقوله: مطلقا أنه لا يرجع على المستحق بما أنفق ولا بالثمن، أما على البائع فلا رجوع بما أنفق فقط، ويرجع بالثمن كما صرح به في جامع الفصولين، ثم المراد بما أنفق قيمة البناء إن كان بنى فيها أو أجرة التسوية ونحوها كما يظهر مما يأتي.
ثم اعلم أنا قدمنا أنه لا يرجع المشتري على البائع بالثمن إذا صار المبيع بحال لو كان غصبا لملكه كما لو قطع الثوب وخاطه قميصا فاستحق القميص أو طحن البر فاستحق الدقيق.
وقد اختلفوا فيما لو غصب أرضا وبنى فيها أو غرس ما قيمته أكثر من قيمة الارض هل يملك الارض بقيمتها أم يؤمر بالقلع والرد إلى الملك؟ أفتى المفتي أبو السعود بالثاني وعليه يظهر إطلاقهم هنا، أما على القول الاول فتقيد المسألة بما إذا كان قيمة البناء أقل، وإلا كان الاستحقاق واردا على ملك المشتري وهو الارض والبناء بلا رجوع له على البائع أصلا، فتنبه لذلك.
قوله: (به) أي بالمبيع أو بالاستحقاق وهو متعلق بقوله: قضى والضمير في قوله: فصالح عائد على من اشترى والذي ادعاه وهو المستحق مفعول صالح وصلحا مفعول مطلق، وضمير له عائد على الذي.
قوله: (يرجع الخ) أي لانه صار شاريا للمبيع من المستحق، ومر تمام الكلام على ذلك أوائل الباب.
قوله: (شرى دارا) أي ولو كان الشراء فاسدا كما في جامع الفصولين، معللا بتحقق الغرور فيه.
قوله: (وبنى فيها) أي من ماله، فلو بنى بنقضها لم يرجع بقيمته كما هو ظاهر، ولا بما أنفق كما يعلم مما يأتي قوله (فاستحقت) أي الدار وحدها دون ما بناه فيها قوله (وقيمة البناء مبنيا) أي يقوم مبنيا فيرجع بقيمته لا مقلوعا، والمراد بالبناء ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي، فلا يرجع بما أنفق من طين ونحوه ولا بأجرة الباني ونحوه.
قوله: (على البائع) ثم هذا البائع يرجع على بائعه بالثمن فقط لا بقيمة البناء عنده، وعندهما يرجع بقيمة البناء، ذخيرة.
قوله: (إذا سلم النقض إليه) ظاهره أنه يرجع بعدما كلفه المستحق الهدم فهدمه والبائع غائب، ثم سلم نقضه إلى البائع، وذكر في الخانية عن ظاهر الرواية أنه لا يرجع عليه إلا إذا(5/333)
سلمه البناء قائما فهدمه البائع، ثم قال: والاول أقرب إلى النظر.
قلت: وعزاه في الذخيرة إلى عامة الكتب.
قوله: (يوم تسليمه) متعلق بقيمة، فلو سكن فيه
وانهدم بعضه أو زادت قيمته يرجع عليه بقيمة البناء يوم التسليم كما بسطه في جامع الفصولين، ونقلناه في آخر المرابحة عن الخانية.
قوله: (فبالثمن لا غير) وعند البعض: له إمساك النقض والرجوع بنقصانه أيضا كما في الذخيرة.
قوله: (كما لو استحقت بجميع بنائها) أي فإنه يرجع بالثمن لا غير، وهذه مسألة الخرابة السابقة.
قوله: (لما تقرر الخ) قال في جامع الفصولين: لان الاستحقاق إذا ورد على ملك المشتري لا يوجب الرجوع على البائع والبناء ملك المشتري فلا يرجع به، ولانه لما استحق الكل لا يقدر المشتري أن يسلم البناء إلى البائع وقد مر أنه لا يرجع بقيمة بنائه ما لم يسلمه إلى البائع ا ه.
قوله: (لان الحكم الخ) أي حكم القاضي بالاستحقاق يوجب الرجوع بالقيمة: أي بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه كما يأتي، لا بالنفقة: أي لا بما أنفقه وهو هنا أجرة الحفر والترميم بطين ونحوه مما لا يمكن نقضه وتسليمه، وأفاد أنه لا فرق بين أن يستحق لجهة وقف أو ملك وعبارة الشارح آخر كتاب الوقف توهم خلافه وقدمنا الكلام عليها هناك.
قوله: (كما في مسألة الخرابة) أي المتقدمة في النظم وهذا تشبيه، لقوله: لا بالنفقة إن كان لم يبن في الخرابة، وإن كان بنى فيها فهو تمثيل لقوله: كما لو استحقت الخ.
قوله: (حتى لو كتب في الصك) أي صك عقد البيع وهو تفريع على قوله: لا بالنفقة.
قوله: (فعلى البائع) أي إذا ظهرت مستحقة ط.
قوله: (يفسد البيع) لانه شرط فاسد لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ط.
قوله: (وطواها) أي بناها حجر أو آجر.
قوله: (لا بقيمة الحفر) كذا في جامع الفصولين، والاظهر التعبير بنفقة الحفر لان الحفر غير متقوم.
قوله: (فلو شرطاه) أي الرجوع بنفقة الحفر.
قوله: (وبالجملة) أي وأقول قولا ملتبسا بالجملة: أي مشتملا على جملة ما تقرر.
قوله: (بقيمة ما يمكن نقضه وتسليمه) أي بعد أن يسلمه للبائع كما مر، وهذا إن لم يكن عالما بأن البائع غاصب، فلو علم لم يرجع لانه مغتر لا مغرور.
بزازية.
ولو قال البائع بعتها مبنية وقال المشتري أنا بنيتها فأرجع عليك فالقول للبائع، لانه منكر حق الرجوع، ولو أخذ دارا بشفعة فبنى ثم استحق منه رجع على المشتري بثمنه لا بقيمة بنائه لانه أخذها برأيه: جامع الفصولين، وفيه: لو أضر الزرع بالارض فللمستحق أن يضمنه للنقصان ولا يرجع المشتري على بائعه إلا بالثمن.
تنبيه: نظم في المحبية مسألة أخرى وعزاها شارحها سيدي عبد الغني النابلسي إلى جامع الفتاوى
وهي: رجل اشترى كرما فقبضه وتصرف فيه ثلاث سنين، ثم استحقه رجل وبرهن وأخذه بقضاء(5/334)
القاضي، ثم طلب الغلة التي أتلفها المشتري هل يجوز رده أم لا؟ الجواب فيه: يوضع من الغلة مقدار ما أنفق في عمارة الكرم من قطع الكرم وإصلاح السواقي وبنيان الحيطان ومرمته، وما فضل من ذلك يأخذه المستحق من المشتري ا ه.
وبه أفتى في الحامدية أيضا وعزاه إلى جامع الفتاوى، وقال: بمثله أفتى الشيخ خير الدين في فتاواه، وأيضا أبو السعود أفندي مفتي السلطنة نقلا عن التوفيق كما في صور المسائل من الاستحقاق، ونقله الانقروي في فتاواه ا ه.
قلت: وهذا مشكل لانه مثل قيمة الجص والطين، فلا يرجع به على البائع ولا على المستحق، لان زوائد المغصوب متصلة أو منفصلة تضمن بالاستهلاك والغلة منهما، ولعل وجهه أنه إذا اقتطع من الغلة ما أنفقه لم يكن رجوعا من كل وجه، لان الغلة إنما نمت وصلحت بإنفاقه كما في الانفاق على الدابة كما يأتي لكن كما الاوفق الرجوع على البائع لانه غر المشتري في ضمن عقد البيع ولا صنع للمستحق في ذلك.
فليتأمل.
قوله: (في الفصل الخامس عشر) صوابه السادس عشر.
قوله: (له رد الباقي) لعيب الشركة.
قوله: (إن لم يتغير الخ) لان ذلك مانع من الرد بالعيب.
قوله: (ولو شرى أرضين الخ) قال في جامع الفصولين: استحق بعض المبيع فلو لم يميز إلا بضرر كدار وكرم وأرض وزوجي خف ومصراعي باب وقن يتخير المشتري، وإلا فلا كثوبين لان منفعة الدار يتعلق بعضها ببعض، ومنفعة الثوب لا تتعلق بمنفعة ثوب آخر ا ه.
وهذا إذا كان بعد القبض ولذا قال بعده: ولو استحق بعض المبيع قبل قبضه بطل البيع في قدر المستحق، ويخير المشتري في الباقي كما مر، سواء أورث الاستحقاق عيبا في الباقي أو لا لتفرق الصفقة قبل التمام، وكذا لو استحق بعد قبضه، سواء استحق المقبوض أو غيره يخير كما مر لما مر من التفرق، ولو قبض كله فاستحق بعضه بطل البيع بقدره، ثم لو أورث الاستحقاق عيبا فيما بقي يخير المشتري كما مر، ولو لم يورث عيبا فيه كثوبين أو قنين استحق أحدهما، أو كيلي أو وزني استحق بعضه أو لا يضر تبعيضه فالمشتري يأخذ الباقي بلا خيار ا ه.
وتقدم تمام الكلام على ذلك في خيار العيب.
قوله: (لم يرجع بما أنفق) أي لم يرجع المشتري على
البائع.
قنية.
وفيها أيضا: اشترى إبلا مهازيل فعلفها حتى سمنت ثم استحقت لا يرجع على البائع بما أنفقه وبالعلف ا ه.
ونقل في الحامدية بعده عن القاعدية: اشترى بقرة وسمنها ثم استحقت فإنه يرجع على بائعه بما زاد، كما لو اشترى دارا وبنى فيها ثم استحقت ا ه.
وهذا يناسب مسألة الكرم المارة آنفا، لكن يفيد أن يكون الرجوع على البائع كما قلنا، وما ذكره في القنية من عدم الرجوع هنا أظهر، والفرق بين التسمين والبناء ظاهر مما مر فلذا مشى عليه الشارح.
قوله: (ولو استحق ثياب القن الخ) في جامع الفصولين: شرى أرضا فيها أشجار حتى دخلت بلا ذكر فاستحقت الاشجار، قيل لا حصة لها من الثمن كثوب قن وبردعة حمار، فإن ما يدخل تبعا لا حصة له من الثمن، وقيل الرواية أنه يرجع بحصة الاشجار والفرق أنها مركبة في الارض، فكأنه استحق بعض الارض بخلاف الثياب فالتبعية هنا أقل، ولذا كان للبائع أن يعطي غيرها لو كانت ثياب مثله.
ثم قال: أقول في الشجر: وكل ما يدخل تبعا إذا استحق بعد القبض ينبغي أن يكون له حصة من الثمن ا ه.(5/335)
قلت: ويدل له ما نقل عن شرح الاسبيجابي: الاوصاف لا قسط لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض، والاوصاف ما يدخل في البيع بلا ذكر كبناء وشجر في أرض وأطراف في حيوان وجودة في الكيلي والوزني وعن فتاوى رشيد الدين: البناء وإن كان تبعا إذا لم يذكر في الشراء، لكن إذا قبض يصير مقصودا له حصة من الثمن ا ه.
وفي الخانية: وضع محمد رحمه الله تعالى أصلا: كل شئ إذا بعته وحده لا يجوز بيعه، وإذا بعته مع غيره جاز، فإذا استحق ذلك الشئ قبل القبض كان المشتري بالخيار: إن شاء أخذ الباقي بجميع الثمن، وإن شاء ترك.
وكل شئ إذا بعته وحده يجوز بيعه، فإذا بعته مع غيره فاستحق كان له حصة من الثمن ا ه.
قلت: فصار الحاصل أن ما يدخل في البيع تبعا إذا استحق بعد القبض كان له حصة من الثمن، فيرجع على البائع بحصته وإن استحق قبل القبض، فإن كان لا يجوز بيعه وحده كالشرب فلا حصة له من الثمن، فلا يرجع بشئ بل يخير بين الاخذ بكل الثمن والترك، وإن جاز بيعه وحده كالشجر وثوب القن كان له حصة من الثمن، فيرجع بها على البائع، وهذا إذا لم يذكر في البيع لما في جامع
الفصولين: إذا ذكر البناء والشجر كانا مبيعين قصدا لا تبعا، حتى لو فاتا قبل القبض يأخذ الارض بحصتها ولا خيار له، ولو احترقا أو قلعهما ظالما قبل القبض يأخذها بجميع الثمن أو ترك ولا يأخذ بالحصة، بخلاف الاستحقاق والهلاك بعد القبض وهو على المشتري.
قوله: (بلا إعادة بينة) أي على الاستحقاق، وهذا إذا كان الرجوع عند القاضي الذي حكم بالاستحقاق وهو ذاكر لذلك فلو نسي أو كان عند غيره لا بد من الاعادة، كما أفاده في جامع الفصولين.
قوله: (لو أبرأ الاول من الثمن) أي بأن يحكم القاضي بالاستحقاق وحكم للمشتري الاخير بالرجوع على الاول بالثمن ثم أبرأه، فللمشتري الاول الرجوع على بائعه كما قدمه الشارح أوائل الباب عن جامع الفصولين، ونقلنا قبله عن الذخيرة وجامع الفصولين: أنه لو أبرأه البائع عن الثمن قبل الاستحقاق فلا رجوع له بعد الاستحقاق، لانه لا ثمن له على بائعه، وكذا لا رجوع لبقية الباعة.
قوله: (لكن في الفصولين ما يخالفه) الذي في جامع الفصولين: التفرقة بني الاستحقاق المبطل والناقل كما تقدم في المتن أول الباب.
وهذا لا يخالف المنقول هنا عن أبي حنيفة، وإن كان مراده المخالفة في مسألة الابراء فلم أر فيه مخالفة لما هنا أيضا، بل فيه التفرقة بين إبراء المشتري البائع وبين إبراء البائع المشتري كما ذكرناه آنفا وقدمناه أول الباب.
قوله: (لم يرجع المستحق بالمال على المعتق) كذا في القنية، والظاهر أن المراد بالمال ما كان من كسب العبد، لان غايته أنه ظهر بالاستحقاق أن المعتق غاصب للعبد والغاصب يملك كسب العبد المغصوب، أما لو كان المال للمولى مع العبد فأعتقه عليه ينبغي أن يثبت للمستحق الرجوع به على المعتق.
تأمل.
قوله: (وأخذت بالشفعة) أي بقيمة العبد أو بعينه إن وصل إلى الشفيع بجهة ط.(5/336)
قوله: (ويأخذ البائع الدار من الشفيع) أي ويرجع الشفيع بما دفع من قيمة العبد على البائع.
قوله: (لبطلان البيع) علة لقوله: بطلت الشفعة ط.
والتعليل بذلك مذكور في القنية، وهو صريح في أن الاستحقاق في بيع المقايضة يبطل البيع.
وفي جامع الفصولين: استحقاق بدل المبيع يوجب الرجوع بعين المبيع قائما وبقيمته هالكا.
وفيه أيضا: إذا استحق أحد البدلين في المقايضة وهلك البدل الآخر تجب قيمة الهالك لا قيمة المستحق لانتقاض البيع ا ه.
وفي حاشيته للخير الرملي: هذا يدل بإطلاقه
على ما لو باعه المقايض لغيره وسلمه له ثم استحق بدله من يد المقايض للثاني أن يرجع بعين المبيع على المشتري منه لانتقاض البيع، ومن لوازمه رجوعه إلى ملكه، فإذا رجع عليه وأخذ منه يرجع هو بما دفع لبائعه من الثمن، وتسمع دعوى مالك المبيع على المشتري بغيبة بائعه لدعواه الملك لنفسه، فينتصب خصما للمدعي وهي واقعة الحال في مقايضة بهيم ببهيم وتقابضا وباع أحدهما ما في يده وسلم فاستحق من مشتريه، ولم أر فيها صريح النقل غير ما هنا، لكن مجرد الاستحقاق لا يوجب نقض البيع وفسخه كما مر بيانه ا ه ملخصا.
وتمامه فيها.
خاتمة: لم أر من ذكر ما إذا ورد الاستحقاق بعد هلاك المبيع كموت الدابة مثلا وهي واقعة الفتوى، وقد أجبت بأن المستحق لا بد له من إقامة البينة على قيمتها يوم الشراء، فيضمن المشتري القيمة ويرجع على بائعه بالثمن لا بما ضمن، لان المشتري غاصب الغاصب، وقد صرحوا في الغصب بأن المشتري من الغاصب إذا ضمن القيمة يرجع على بائعه بالثمن، لان رد القيمة كرد العين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب السلم شروع فيما يشترط فيه قبض أحد العوضين أو قبضهما كالصرف، وقدم السلم عليه لانه بمنزلة المفرد من المركب، وخص باسم السلم لتحقق إيجاب التسليم شرعا فيما صدق عليه: أعني تسليم رأس المال، وتمامه في النهر.
قوله: (وشرعا) معطوف على قوله: لغة.
قوله: (بيع آجل بعاجل) كذا عرفه في الفتح، واعترض على ما في السراج والعناية من أنه أخذ عاجل بآجل بأنه غير صحيح لصدقه على البيع بثمن مؤجل.
وفي غاية البيان أنه تحريف من النساخ.
وأجاب في البحر بأنه من باب القلب، والاصل أخذ آجل بعاجل.
قلت: وفيه أن القلب لا يسوغ لغير البلغاء لاجل نكتة بيانية كما صرحوا به ولا سيما في التعاريف، ويظهر لي الجواب بأنه ناظر إلى ابتدائه من جانب المسلم إليه: أي أخذ ثمن عاجل، ويؤيده كون السلم كالسلف مشعرا بالتقدم أولا، فالمناسب الابتداء بالعاجل وهو الثمن.
ثم رأيت في النهر عن الحواشي السعدية ما يوافق ما قلنا حيث قال: يجوز أن يقال المراد أخذ ثمن عاجل بآجل بقرينة
المعنى اللغوي، إذ الاصل هو عدم التغيير إلا أن يثبت بدليل ا ه.
ويظهر لي أيضا أن الاولى في تعريفه أن يقال شراء آجل بعاجل، لان السلم اسم من الاسلام كما في القهستاني، ولا يخفى أن الاسلام صفة المسلم، فهو المنظور إليه أصالة ولذا سموه رب السلم: أي صاحبه، فالمناسب بناء التعريف على(5/337)
ما يشعر به اللفظ والمعنى، وهو الشراء الذي هو المراد بالاسلام الصادر من رب السلم، بخلاف البيع الصادر من المسلم إليه، ومثله الاخذ لعدم إشعار اشتقاق اللفظ بهما.
قوله: (وركنه ركن البيع) من الايجاب والقبول.
قوله: (حتى ينعقد الخ) وكذا ينعقد البيع والشراء بلفظ السلم، ولم يحك في القنية فيه خلافا.
نهر قوله: (ويصح فيما أمكن ضبط صفته) لانه دين، وهو لا يعرف إلا بالوصف، فإذا لم يمكن ضبطه به يكون مجهولا جهالة تفضي إلى المنازعة، فلا يجوز كسائر الديون.
نهر قوله: (كمكيل وموزون) فلو أسلم في المكيل وزنا كما إذا أسلم في البر والشعير بالميزان: فيه روايتان، والمعتمد الجواز لوجود الضبط وعلى هذا الخلاف لو أسلم في الموزون كيلا.
بحر.
قوله: (فلم يجز فيها السلم) لكن إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير أيضا كان العقد باطلا اتفاقا، وإن كان غيرها كثوب في عشرة دراهم لا يصح سلما اتفاقا، وهل ينعقد بيعا في الثوب بثمن مؤجل؟ قال أبو بكر الاعمش: ينعقد، وعيسى بن أبان: لا، وهو الاصح.
نهر.
وهذا صححه في الهداية، ورجح في الفتح الاول، وأقره في البحر واعترضه في النهر بما هو ساقط جدا كما أوضحته فيما علقته على البحر.
قوله: (وعددي متقارب) الفاصل بين المتفاوت والمتقارب أن ما ضمن مستهلكه بالمثل فهو متقارب، وبالقيمة يكون متفاوتا.
بحر عن المعراج.
قوله: (كجوز) أي جوز الشام، بخلاف جوز الهند كما في البحر.
قوله: (وبيض) ظاهر الرواية أن بيض النعام من المتقارب، في رواية الحسن عن الامام، لا يجوز لتفاوت آحاده، والوجه أن ينظر إلى الغرض في العرف، فإن كان الغرض منه الاكل فقط كعرف أهل البوادي وجب العلم بالاول، أو القشر ليتخذ في سلاسل القناديل كما في مصر وغيرها وجب العمل بالرواية الاخرى، ووجب مع ذكر العدد تعيين المقدار واللون من نقاء البياض وإهداره أفاده في الفتح، وأجازوه في الباذنجان والكاغد عددا، وحمله في الفتح على باذنجان ديارهم
وفي ديارنا ليس كذلك، وعلى كاغد بقالب خاص، وإلا لا يجوز ا ه.
وفي الجوهرة: لا يجوز السلم في الورق إلا أن يشترط منه ضرب معلوم الطول والعرض والجودة.
قوله: (وفلس) الاولى وفلوس لانه مفرد لا اسم جنس.
قيل وفيه خلاف محمد لمنعه بيع الفلس بالفلسين، إلا أن ظاهر الرواية عنه كقولهما، وبيان الفرق في النهر وغيره.
قوله: (بكسر الباء) أي الموحدة وقد تخفف فيصير كحمل كما في المصباح وهو الطوب النئ.
نهر.
قوله: (وآجر) بضم الجيم وتشديد الراء مع المد أشهر من التخفيف وهو اللبن إذا طبخ.
مصباح.
قوله: (بملبن) كمنبر: قالب الطين.
قاموس.
فهو بفتح الباء.
وما في البحر عن الصحاح من أنه بكسر الباء فهو سبق قلم، فإنه لم يوجد في الصحاح، بل الذي فيه الملبن قالب اللبن، والملبن المحلب.
قوله: (بين صفته ومكان ضربه خلاصة) فيه نظر، فإن عبارة الخلاصة: ولا بأس في السلم في اللبن والآجر إذا بين الملبن والمكان وذكر عددا معلوما والمكان: قال(5/338)
بعضهم: مكان الايفاء، وهذا قول أبي حنيفة.
وقال بعضهم: المكان الذي يضرب فيه اللبن ا ه: أي لاختلاف الارض رخاوة وصلابة وقربا وبعدا، ولا يخفى أن الملبن إذا كان معينا لا يحتاج إلى بيان صفته، بخلاف ما إذا كان غير معين فلا بد من كونه معلوما، ويعلم كما في الجوهرة بذكر طوله وعرضه وسمكه.
قوله: (وذرعي كثوب الخ) وكالبسط والحصر والبواري كما في الفتح، وأراد بالثوب غير المخيط.
قال في الفتح: ولا في الجلود عددا، وكذا الاخشاب والجوالقات والفراء والثياب المخيطة والخفاف والقلانس، إلا أن يذكر العدد لقصد التعدد في المسلم فيه ضبطا للكمية، ثم يذكر ما يقع به الضبط كأن يذكر في الجلود مقدار من الطول والعرض بعد النوع كجلود البقر والغنم الخ.
قوله: (بين قدره) أي كونه كذا كذا ذراعا.
فتح.
وظاهره أن الضمير للثوب لا للذراع.
وفي البزازية: إن أطلق الذراع فله الوسط، وفي الذخيرة اختلفوا في قول محمد: له ذراع وسط، فقيل المراد به المصدر: أي فعل الذرع فلا يمد كل المد ولا يرخى كل الارخاء، وقيل الآلة، والصحيح أنه يحمل عليهما.
قوله: (كقطن) فيه أن هذا جنس والصفة كأصغر ومركب منهما كالملحم.
ط عن المنح.
وفسر الصفة في الدرر بالرقة والغلظ لكنه لا يناسب المتن.
قوله: (فإن الديباج) هو ثوب سداه ولحمته
إبريسم، بكسر الدال أصوب من فتحها.
مصباح.
وهو نوع من الحرير.
قوله: (والحرير الخ) قال في الفتح: هذا عرفهم، وعرفنا ثياب الحرير أيضا وهي المسماة بالكمخاء كلما ثقلت زادت القيمة.
فالحاصل: أنه لا بد من ذكر الوزن سواء كانت القيمة تزيد بالثقل أو بالخفة ا ه.
قوله: (فلا بد من بيانه مع الذرع) هو الصحيح كما في الظهيرية، ولو ذكر الوزن بدون الذرع لا يجوز، وقيده جواهر زاده بما إذا لم يبين لكل ذراع ثمنا، فإن بينه جاز، كذا في التاترخانية.
نهر.
قوله: (ما تتفاوت ماليته) أي مالية أفراده.
قوله: (بلا مميز) أي بلا ضابط غير مجرد العدد كطول وغلظ ونحو ذلك.
فتح.
قوله: (وما جاز عدا جاز كيلا ووزنا) وما يقع من التخلخل في الكيل بين كل نحو بيضتين مغتفر لرضا رب السلم بذلك، حيث أوقع العقد على مقدار ما يملا هذا الكيل مع تخلخله، وإنما يمنع ذلك في أموال الربا إذا قوبلت بجنسها، والمعدود ليس منها وإنما كان باصطلاحهما، فلا يصير بذلك مكيلا مطلقا ليكون ربويا، وإذا أجزناه كيلا فوزنا أولى.
فتح.
وكذا ما جاز كيلا جاز وزنا وبالعكس على المعتمد لوجود الضبط كما قدمناه عن البحر: أي وإن لم يجر فيه عرف كما قدمناه في الربا قبيل قوله: والمعتبر تعيين الربوي.
قوله: (ويصح في سمك مليح) في المغرب سمك مليح ومملوح، وهو القدير الذي فيه الملح.
قوله: (ومالح لغة رديئة) كذا في المصباح، وذكر أن قولهم ماء مالح لغة حجازية، واستشهد لها وأطال.
قوله: (وفي طري حين يوجد) فإن كان ينقطع في بعض السنة كما قيل إنه ينقطع في الشتاء في بعض البلاد: أي لانجماد الماء فلا ينعقد في الشتاء، ولو أسلم في الصيف وجب أن يكون الاجل لا يبلغ الشتاء، هذا معنى قول محمد، لا خير في السمك الطري إلا في حينه: يعني أن يكون السلم مع شروطه في حينه، كي لا ينقطع بين العقد والحلول، وإن كان في(5/339)
بلد لا ينقطع جاز مطلقا وزنا لا عددا لما ذكرنا من التفاوت في آحاده.
فتح أما المليح فإنه يدخر ويباع في الاسواق فلا ينقطع، حتى لو كان ينقطع في بعض الاحيان لا يجوز فيه كما أفاده ط.
ولا يخفى أن هذا في بلاد يوجد فيها، أما في مثل بلادنا فلا يصح، لانه لا يباع في الاسواق إلا نادرا.
قوله: (جاز وزنا وكيلا) أي بعد بيان النوع لقطع المنازعة ط.
قوله: (وفي الكبار) أي وزنا ولا يجوز
كيلا رواية واحدة.
أفاده أبو السعود ط.
قوله: (روايتان) والمختار الجواز، وهو قولهما لان السمن والهزال غير معتبر فيه عادة، وقيل الخلاف في لحم الكبار منه كذا في الاختيار وفي الفتح.
وعن أبي حنيفة في الكبار التي تقطع كما يقطع اللحم: لا يجوز السلم في لحمها اعتبارا بالسلم في اللحم ا ه.
قوله: (لا في حيوان ما) أي دابة كان أو رقيقا، ويدخل في جميع أجناسه، حتى الحمام والقمري والعصافير هو المنصوص عن محمد إلا أنه يخص من عمومه السمك.
نهر.
قال في البحر: لكن في الفتح إن شرطت حياته: أي السمك قلنا أن نمنع صحته ا ه.
وأقره في النهر والمنح.
قوله: (خلافا للشافعي) ومعه مالك وأحمد، وأطال في الفتح في ترجيح أدلة المذهب المنقولة والمعقولة، ثم ضعف المعقولة وحط كلامه على أن المعتبر النهي الوارد في السنة كما قاله محمد: أي فهو تعبدي.
قوله: (وأكارع) جمع كراع، وهو ما دون الركبة في الدواب.
فتح قوله: (وجاز وزنا في رواية) في السراج أو أسلم فيه وزنا اختلفوا فيه.
نهر.
واختار هذه الرواية في الفتح حيث قال: وعندي لا بأس بالسلم في الرؤوس والاكارع وزنا بعد ذكر النوع، وباقي الشروط فإنها من جنس واحد، وحنئذ لا تتفاوت تفاوتا فاحشا ا ه.
وأقره في النهر.
قوله: (بالحزم) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حزمة.
في القاموس حزمه يحزمه: شدة، والحزمة بالضم: ما حزم.
قوله: (ورطبة) هي الفصة خاصة قبل أن تجف، والجمع رطاب مثل كلبة وكلاب، والرطب وزان قفل: المرعى الاخضر من بقول الربيع، وبعضهم يقول: الرطبة وزان غرفة: الخلا، وهو الغض من الكلا.
مصباح.
قوله: (بالجرز) جمع جرزة مثل غرفة وغرف، وهي القبضة من القت ونحوه أو الحزمة.
مصباح.
وفيه: والقت: الفصة إذا يبست.
قوله: (إلا إذا ضبط الخ) بأن بين الحبل الذي يشد به الحطب والرطبة وبين طوله وضبط ذلك بحيث لا يؤدي إلى النزاع.
زيلعي.
قوله: (وجاز وزنا) أي في الكل.
فتح.
قال: وفي ديارنا تعارفوا في نوع من الحطب الوزن، فيجوز الاسلام فيه وزنا وهو أضبط وأطيب.
قوله: (وجوهر) كالياقوت والبلخش والفيروز ج.
نهر.
قوله: (وخرز) بالتحريك الذي ينظم وخرزات الملك جواهر تاجه، وكان إذا ملك عاما زيدت في تاجه خرزة ليعلم عدد سني ملكه.
قاله الجوهري.
وذلك كالعقيق والبلور لتفاوت(5/340)
آحادها تفاوتا فاحشا، وكذلك لا يجوز في اللآلئ الكبار.
نهر.
قوله: (من وقت العقد إلى وقت الاستحقاق) دوام الانقطاع ليس شرطا، حتى لو كان منقطعا عند العقد موجودا عند المحل أو بالعكس أو منقطعا فيما بين ذلك لا يجوز، وحد الانقطاع أن لا يوجد في الاسواق وإن كان في البيوت، كذا في التبيين.
شرنبلالية.
ومثله في الفتح و البحر والنهر، وعبارة الهداية: ولا يجوز السلم حتى يكون المسلم فيه موجودا من حين العقد إلى حين المحل، وسيذكره الشارح فما أوهمه كلامه هنا كالدرر غير مراد.
قوله: (لم يجز في المنقطع) أي المنقطع فيه، لانه لا يمكن إحضاره إلا بمشقة عظيمة فيعجز عن التسليم.
بحر.
قوله: (بعد الاستحقاق) أي قبل أن يوفي المسلم فيه.
بحر.
قوله: (ولحم) في الهداية: ولا خير في السلم في اللحم.
قال في الفتح: وهذه العبارة تأكيد في نفي الجواز، وتمامه فيه.
قوله: (ولو منزوع عظم) هو الاصح.
هداية وهو رواية ابن شجاع عن الامام وفي رواية الحسن عنه جواز منزوع العظم كما في الفتح.
قوله: (وجوازه إذا بين وصفه وموضعه) في البحر، وقالا: يجوز إذا بين جنسه ونوعه وسنه وصفته وموضعه وقدره كشاة خصي ثني سمين من الجنب أو الفخذ مائة رطل ا ه.
ولعل الشارح أراد بالوصف جميع ما ذكر.
قوله: (وعليه الفتوى بحر) نقل ذلك في البحر والفتح عن الحقائق والعيون.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على المتن.
فافهم.
قوله: (بالروايتين) أي رواية الحسن، ورواية ابن شجاع وهي الاصح، فما في القهستاني مبني على خلاف الاصح.
مطلب هل اللحم قيمي أو مثلي؟ قوله: (وفي العيني الخ) في البحر عن الظهيرية: وإقراض اللحم عندهما يجوز كالسلم، وعنه روايتان، وهو مضمون بالقيمة في ضمان العد، وإن لو مطبوخا إجماعا ولو نيئا فكذلك هو الصحيح ا ه.
وذكر في الفتح عن الجامع الكبير والمنتقى أن اللحم مضمون بالقيمة واختيار الاسبيجابي ضمانه بالمثل وهو الوجه، لان جريان ربا الفضل فيه قاطع بأنه مثلي فيفرق بين الضمان والسلم بأن المعادلة في الضمان منصوص عليها وتمامها بالمثل، لانه مثل صورة ومعنى والقيمة مثل معنى فقط، وتمام الكلام فيه.
قوله: (ولا بمكيال وذراع مجهول) أي لم يدر قدره كما في الكنز، والواو بمعنى أو أي لا يجوز
السلم بمكيال معين أو بذراع معين لا يعرف قدره، لانه يحتمل أن يضيع فيؤدي إلى النزاع، بخلاف البيع به حالا حيث يجوز لان التسليم به يجب في الحال فلا يتوهم فوته، وفي السلم يتأخر التسليم فيخاف فوته.
زيلعي.
زاد في الهداية: ولا بد أن يكون المكيال مما لا ينقبض ولا ينبسط كالقصاع مثلا، وإن كان مما ينكبس بالكبس كالزنبيل والجراب لا يجوز إلا في قرب الماء للتعامل فيه، كذا عن أبي يوسف ا ه.
واعترضه الزيلعي بأن هذا التفصيل إنما يستقيم في البيع حالا حيث يجوز بإناء لا يعرف قدره بشرط أن لا ينكبس ولا ينبسط ويفيد فيه استثناء قرب الماء، ولا يستقيم في السلم، لانه(5/341)
إن كان لا يعرف قدره لا يجوز السلم به مطلقا، وإن عرف قدره فالسلم به لبيان القدر لا لتعيينه، فكيف يتأتى فيه الفرق بين المنكبس وغيره ا ه.
وأجاب في النهر: بأنه إذا أسلم بمقدار هذا الوعاء برا وقد عرف أنه ويبة مثلا جاز، غير أنه إذا كان ينقبض وينبسط لا يجوز لانه يؤدي إلى النزاع وقت التسليم في الكبس وعدمه، لانه عند بقاء عينه يتعين.
وقول الزيلعي: لا لتعيينه ممنوع.
نعم هلاكه بعد العلم بمقداره لا يفسد العقد ا ه.
قلت: ولا يخفى ما فيه، لان الوعاء إذا تحقق معرفة قدره لا يتعين قطعا، وإلا فسد العقد بعد هلاكه، ولا نزاع بعد معرفة قدره لامكان العدول إلى ما عرف من مقداره فيسلمه بلا منازعة، كما إذا هلك، لان الكلام فيما عرف قدره، ويظهر لي الجواب عن الهداية بأن قوله: ولا بد الخ بيان لما يعرف قدره لا شرط زائد عليه، ويكون المراد أنه إذا كان مما ينقبض وينكبس بالكبس لا يتقدر بمقدار معين، لتفاوت الانقباض والكبس فيؤدي إلى النزاع، ولذا لم يجز البيع فيه حالا، فكلام الزيلعي وارد على ما يتبادر من كلام الهداية من أنه شرط زائد على معرفة القدر وعلى ما قلنا فلا، فاغتنم هذا التحرير.
قوله: (إلا إذا كانت النسبة لثمرة الخ) كان الاولى إسقاط قوله: لثمرة أو أنه يقول لثمرة أو بر إلى نخلة أو قرية.
تأمل.
قال في الفتح: فلو كانت نسبة الثمرة إلى قرية معينة لبيان الصفة لا لتعيين الخارج من أرضها بعينه كالخشراني ببخارى، والسباخي وهي قرية حنطتها جيدة بفرغانة لا بأس به،
لانه لا يراد خصوص النابت هناك بل الاقليم، ولا يتوهم انقطاع طعام إقليم بكماله فالسلم فيه، وفي طعام العراق والشام سواء، وكذا في ديار مصر في قمح الصعيد.
وفي الخلاصة و المجتبى وغيره.
لو أسلم في حنطة بخارى أو سمرقند أو إسبيجاب لا يجوز لتوهم انقطاعه، ولو أسلم في حنطة هراة لا يجوز، أو في ثوب هراة وذكر شروط السلم يجوز لان حنطتها يتوهم انقطاعها، إذ الاضافة لتخصيص البقعة، بخلاف إضافة الثوب لانها لبيان الجنس والنوع، لا لتخصيص المكان، فلو أتى المسلم إليه بثوب نسج في غير ولاية هراة من جنس الهروي: يعني من صفته ومؤنته أجبر رب السلم على قبوله، فظهر أن المانع والمقتضي العرف، فإن تعورف كون النسبة لبيان الصفة فقط جاز، وإلا فلا ا ه ملخصا.
قلت: ويظهر من هذا أن النسبة إلى بلدة معينة كبخاري وسمرقند مثل النسبة إلى قرية معينة، فلا يصح إلا إذا أريد بها الاقليم كالشام والعراق مثلا، وعلى هذا فلو قال دمشقية لا يصح لانه لا يراد بدمشق الاقليم، ولكن هل المراد ببخارى وسمرقند ودمشق خصوص البلدة أو هي وما يشمل قراها المنسوبة إليها؟ فإن كان المراد الاول فعدم الجواز ظاهر، وإن كان الثاني فله وجه لانها ليست إقليما، ولكن لا يصح قول الشارح: كقمح مرجي أو بلدي فإن القمح المرجي نسبة إلى المرج وهو كورة شرقي دمشق تشتمل على قرى عديدة مثل حوران: وهي كورة قبلي دمشق، وقراها أكثر وقمحها أجود من باقي كور دمشق، والبلدي في عرفنا غير الحوراني: ولا شك أن ذلك كله ليس بأقليم، فإن الاقليم واحد أقاليم الدنيا السبعة كما في القاموس.
وفي المصباح: يقال الدنيا سبعة أقاليم، وقد يقال ليس مرادهم خصوص الاقليم المصطلح، بل ما يشمل القطر والكورة، فإنه لا يتوهم انقطاع طعام ذلك بكماله فيصح إذا قال حورانية أو مرجية، وبه يصح كلام الشارح.
تأمل.
قوله: (فالمانع الخ) تقدم آنفا(5/342)
بيانه فيما لو أسلم في حنطة هراة أو ثوب هراة.
قوله: (إلى وقت المحل) بفتح فكسر مصدر ميمي بمعنى الحلول.
قوله: (لانه لا يدري الخ) هذا التعليل مخالف للتعليل المار عن الفتح، وعزاه إلى شرح الطحاوي.
قال في النهر: وهو أولى لان مقتضى هذا أنه لو عين جديد إقليم كجديدة من الصعيد مثلا أن يصح إذ لا يتوهم عدم طلوع شئ فيه أصلا ا ه.
يعني وهذا المقتضي غير مراد لمنافاته للشرط
المار.
قوله: (قلت الخ) القول والتقييد الذي بعده لصاحب البحر.
قوله: (أي شروط صحته) أشار إلى أن الاضافة في شرطه للجنس فيصدق على الواحد والاكثر، قوله: (التي تذكر في العقد) أفاد أن له شروطا أخر سكت عنها المصنف، لانها لا يشترط ذكرها فيه بل وجودها.
نهر.
وذلك كقبض رأس المال ونقده وعدم الخيار وعدم علتي الربا، لكن ذكر المصنف من الشروط قبض رأس المال قبل الافتراق مع أنه ليس مما يشترط ذكره في العقد.
قوله: (سبعة) أي إجمالا، وإلا فالاربعة الاول منها تشترط في كل من رأس المال والمسلم فيه، فهي ثمانية بالتفصيل.
بحر.
وسيأتي وفيه عن المعراج: إنما يشترط بيان النوع في رأس المال إذا كان في البلد نقود مختلفة وإلا فلا، وفيه عن الخلاصة: لا يشترط بيان النوع فيما لا نوع له.
قوله: (كبر أو تمر) ومن قال كصعيدية أو بحرية فقد وهم، وإنما هو من بيان النوع كما في البحر.
قوله: (كمسقي) هو ما يسقى سيجا: أي بالماء الجاري.
قوله: (وبعلي) هو ما سقته السماء.
قاموس.
قوله: (لا ينقبض ولا ينبسط) كالصاع مثلا، بخلاف الجراب والزنبيل.
قوله: (وأجل) فإن أسلما حالا، ثم أدخل الاجل قبل الافتراق، وقبل استهلاك رأس المال جاز ا ه.
ط عن الجوهرة.
قوله: (في السلم) احتراز عن خيار الشرط ولا حاجة إليه.
قوله: (به يفتى) وقيل ثلاثة أيام وقيل أكثر من نصف يوم، وقيل ينظر إلى العرف في تأجيل مثله، والاول: أي ما في المتن أصح، وبه يفتى.
زيلعي.
وهو المعتمد.
بحر وهو المذهب.
نهر.
قوله: (ولذا شرط الخ) أي لكونه يؤخذ من تركته حالا اشترط الخ.
وحاصله: بيان فائدة اشتراطهم عدم انقطاعه فيما بين العقد والمحل، وذلك فيما لو مات المسلم إليه، وقوله: لتدوم الخ علة لقوله: اشترط وقوله: بموته الباء للسببية متعلقة بتسليمه، والموت في الحقيقة ليس سببا للتسليم، بل للحلول الذي هو سبب التسليم فهو سبب السبب.
قوله: (إن تعلق العقد بمقداره) بأن تنقسم أجزاء المسلم فيه على أجزائه.
فتح: أي بأن يقابل النصف بالنصف والربع(5/343)
بالربع، وهكذا وذلك إنما يكون في الثمن المثلي.
قوله: (واكتفيا بالاشارة الخ) فلو قال أسلمت إليك هذه الدراهم في كر بر ولم يدر وز الدراهم، أو قال أسلمت إليك هذا البر في كذا منا من
الزعفران ولم يدر قدر البر لا يصح عنده، وعندهما يصح.
وأجمعوا على أن رأس المال إذا كان ثوبا أو حيوانا يصير معلوما بالاشارة.
درر.
قوله: (كما في مذروع وحيوان) لان الذرع وصف في المذروع والمبيع لا يقابل الاوصاف فلا يتعلق العقد على قدره، ولهذا لو نقص ذراعا أو تلف بعض أعضاء الحيوان لا ينقص من المسلم فيه شئ، بل المسلم إليه بالخيار إن شاء رضي به بكل المسلم فيه، وإن شاء فسخ لفوات الوصف المرغوب، وتمامه في الفتح.
قوله: (قلنا الخ) هو جواب عن قولهما بأنه لا يلزم بيان قدر رأس المال، ولو في مكيل ونحوه، بل تكفي الاشارة إليه لان المقصود حصول التسليم بلا منازعة.
قوله: (فيحتاج إلى رد رأس المال) أي فإذا كان غير معلوم القدر أدى إلى المنازعة.
قوله: (ولا يستبدله الخ) أي لا يتيسر له ذلك في المجلس، وربما يكون الزيوف أكثر من النصف فإذا رده واستبدل بها في المجلس بفسد السلم، لانه لا يجوز الاستبدال في أكثر من النصف عنده خلافا لهما كما في الفتح.
قوله: (في مجلس الرد) كذا في الفتح.
وفي بعض النسخ في مجلس العقد والصواب الاول.
تنبيه: من فروع المسألة ما لو أسلم في جنسين كمائة درهم في كر حنطة وكر شعير بلا بيان حصة واحد منهما من رأس المال لم يصح فيهما لانقسامه عليهما بالقيمة، وهي تعرف بالحزر، وكذا لو أسلم جنسين كدراهم ودنانير في كر حنطة وبين قدر أحدهما فقط، لبطلان العقد في حصة ما لم يعلم قدره فيبطل في الآخر أيضا لاتحاد الصفقة.
بحر وغيره.
قوله: (للمسلم فيه) احتراز عن رأس المال فإنه يتعين مكان العقد لايفائه اتفاقا، بحر.
قوله: (فيما له حمل) بفتح الحاء: أي ثقل يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال.
نهر.
قوله: (ومثله في الثمن والاجرة والقسمة) بأن اشترى أو استأجر دارا بمكيل أو موزون موصوف في الذمة أو اقتسماها وأخذ أحدهما أكثر من نصيبه والتزما بمقابلة الزائد بمكيل أو موزون كذلك إلى أجل، فعنده يشترط بيان مكان الايفاء وهو الصحيح، وعندهما لا يشترط.
نهر.
قوله: (وعينا مكان العقد) أي إن أمكن التسلم فيه بخلاف ما إذا كان في مركب أو جبل فيجب في أقرب الاماكن التي يمكن فيها، بحر وفتح، والمختار قول الامام كما في الدر المنتقى عن القهستاني.
قوله: (كبيع الخ) أي لو باع حنطة أو استقرضها أو أتلفها أو غصبها فإنه يتعين مكانها
لتسليم المبيع والقرض وبدل المتلف وعين المغصوب.
قوله: (واجبة التسليم في الحال) فإن تسليمها يستحق بنفس الالتزام فيتعين موضعه.
بحر.
بخلاف الاول: أي السلم فإنه غير واجب في الحال فلا يتعين مكانه فيفضي إلى المنازعة، لان قيم الاشياء تختلف باختلاف الاماكن فلا بد من البيان.
وتمامه في الفتح قوله: (فكل محلاتها سواء فيه) قبيل هذا إذا لم تبلغ نواحيه فرسخا، فإن بلغته فلا بد من بيان(5/344)
ناحية منه.
فتح وبحر.
وجزم به في النهر.
قوله: (وفيها قبله) أي في البزازية قبل ما ذكر.
قوله: (بعد الايفاء) قيد به لانه لو شرط الايفاء فقط أو الحمل فقط أو الايفاء بعد الحمل جاز، ولو شرط الايفاء بعد الايفاء كشرط أن يوفيه في محلة كذا ثم يوفيه في منزله لم يجز على قول العامة كما في البحر.
قوله: (الاجازة) أي التي تضمنها شرط الحمل بعد الايفاء والتجارة: أي الشراء المقصود بالعقد، وهذا بدل من الصفقتين بدل مفصل من مجمل.
قوله: (وما لا حمل له الخ) هو الذي لا يحتاج في حمله إلى ظهر وأجرة حمال، وقيل هو الذي لو أمر إنسانا بحمله إلى مجلس القضاء حمله مجانا، وقيل ما يمكن رفعه بيد واحدة ا ه ح عن النهر.
قوله: (كمسك وكافور) يعني القليل منه، وإلا فقد يسلم في أمنان من الزعفران كثيرة تبلغ أحمالا.
فتح.
وأراد بالقليل ما لا يحتاج إلى ظهر وأجرة حمال، فافهم.
قوله: (وصحح ابن كمال مكان العقد) نقل تصحيحه عن المحيط السرخسي، وكذا نقله عنه في البحر وجزم به في الفتح، لكن المتون على الاول، وصححه في الهداية والملتقى.
قوله: (فيما ذكر) أي فيما لا حمل له ولا مؤنة.
قوله: (لانه يفيد سقوط خطر الطريق) هذا التعليل مذكور في الفتح أيضا تبعا للهداية ومعناه: أنه إذا تعين المكان وأوفاه في مكان آخر يلزم المسلم إليه نقله إلى المكان المعين، فإذا هلك في الطريق يهلك عليه، فيكون رب السلم قد سقط عنهه خطر الطريق بذلك، بخلاف ما إذا لم يتعين فإنه إذا نقل بعد الايفاء إلى المكان المعين يكون هلاكه على رب السلم.
قوله: (وبقي من الشروط) إنما غاير التعبير، لان هذه الشروط الآتية ليست مما يشترط ذكرها في العقد بل وجودها ط.
قوله: (قبض رأس المال) فلو انتقض بطل السلم كما لو كان عينا فوجده معيبا أو مستحقا ولم يرض بالعيب أو لم يجز المستحق أو دينا فاستحق ولم يجزه واستبدل بعد المجلس، فلو قبله صح، أو وجده زيوفا أو
نبهرجة وردها بعد الافتراق سواء استبدلها في مجلس الرد أو لا، فلو قبله واستبدلها في المجلس أو رضي بها ولو بعد الافتراق صح، والكثير كالكل، وفي تحديده روايتان: ما زاد على الثلث، أو ما زاد على النصف، وإن وجده ستوقة أو رصاصا فإن استبدلها في المجلس صح، وإن بعد الافتراق بطل، وإن رضي بها لانها غير جنس حقه.
بحر ملخصا.
قوله: (ولو عينا) هو جواب الاستحسان.
وفي الواقعات: باع عبدا بثوب موصوف إلى أجل جاز لوجود شرط السلم، فلو افترقا قبل قبض العبد لا يبطل، لانه صير سلما في حق الثوب بيعا في حق العبد، ويجوز أن يعتبر في عقد واحد حكم عقدين كالهبة بشرط العوض، وكما في قول المولى إن أديت إلي ألفا فأنت حر ا ه نهر.
قلت: والظاهر أن هذا مفرع على جواب القياس.
تأمل.
قوله: (وصحت الكفالة والحوالة الخ) أي فله مطالبة الكفيل والمحتال عليه، فإن قبض المسلم إليه رأس المال من المحتال عليه أو الكفيل أو رب السلم في مجلس العاقدين صح، وبعده بطل السلم والحوالة والكفالة، وفي الرهن: إن هلك(5/345)
الرهن في المجلس فلو قيمته مثل رأس المال أو أكثر صح ولو أقل صح العقد بقدره، وبطل في الباقي وإن لم يهلك حتى افترقا بطل السلم وعليه رد الرهن لصاحبه.
بحر عن البدائع ملخصا.
قوله: (برأس مال السلم) وكذا الكفالة بالمسلم فيه صرح به في منية المفتي، وما سيأتي في الكفالة من أنها لا تصح في المبيع، لانه مضمون بغيره وهو الثمن فذاك في بيع العين، وهذا بيع الدين.
أفاده في حواشي مسكين: أي فإن عقد السلم لا ينفسخ بهلاك قدر المسلم فيه قبل قبضه، لان له أن يقيم غيره مقامه لعدم تعينه، بخلاف هلاك المبيع المعين قبل قبضه فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فيسقط عن المشتري، وسمي الثمن غيرا لان المضمون بالقيمة مضمون بعينه حكما.
وفي البحر عن أيضاح الكرماني.
لو أخذ بالمسلم فيه رهنا سلطه على بيعه فباعه، ولو بغير جنس المسلم فيه جاز.
قوله: (وهو شرط بقائه على الصحة) هو الصحيح، وستأتي فائدة الاختلاف في الصرف.
بحر وعبارته في الصرف: وثمرة الاختلاف تظهر فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف فهل يفسد فيما ليس بصرف؟ عند أبي حنيفة: فعلى القول الضعيف يتعدى الفساد، وعلى الاصح لا، كذا في الفتح ا ه.
قوله:
(بوصفها) أي وصف الصحة والاضافة بيانية.
قوله: (كون رأس المال منقودا) أي نقده الصيرفي ليعرف جيده من الردئ، وليس المراد بالنقد القبض، فإنه شرط آخر قد مر.
أفاده في البحر، وفائدة اشتراطه كما في الغاية الاحتراز عن الفساد، لانه إذا رد بعضه بعيب الزيافة، ولم يتفق الاستبدال في مجلس الرد انفسخ العقد بقدر المردود.
واستشكله في البحر: بأن هذه الفائدة ذكرت في تعليل قول الامام: إن بيان قدر رأس المال شرط، ولا تكفي الاشارة إليه كما مر، ومفاده عدم اشتراط الانتقاد أولا، وذكر قبله أن اشتراط الانتقاد يغني عن اشتراط بيان القدر.
وحاصله: أن أحدهما يكفي عن الآخر.
وأجاب في النهر بأن بيان القدر لا يدفع توهم الفساد المذكور: أي فلا بد من اشتراط الانتقاد.
قلت: ويرد على هذا الشرط أيضا أنه تقدم أنه لو وجدها زيوفا فرضي بها صح مطلقا، ولو ستوقة، لا، إلى آخر ما مر، ومفاده أن الضرر جاء من عدم التبديل في المجلس لا من عدم الانتقاد على أن النقاد قد يخطئ، وأيضا فإن رأس المال قد يكون مكيلا أو موزونا، ويظهر بعضه معيبا فيرده بعد هلاك البعض ويلزم الجهالة كما مر، فلا بد حينئذ من ذكر الشرطين: تأمل.
قوله: (وعدم الخيار) أي خيار الشرط، فإن أسقطه قبل الافتراق ورأس المال قائم في يد المسلم إليه صح، وإن هالكا لا ينقلب صحيحا بحر عن البزازية.
تنبيه: لا يثبت في السلم خيار الرؤية، لانه لا يثبت فيما ملكه دينا في الذمة كما في جامع الفصولين، ومر أول خيار الرؤية.
قوله: (وهو القدر المتفق) ذكر الضمير باعتبار الخبر، واحترز بالمتفق عن القدر المختلف كإسلام نقود في حنطة، وكذا في زعفران ونحوه، فإن الوزن وإن تحقق فيه إلا أن الكيفية مختلفة كما تقدم في الربا أفاده ط.
وكذا إسلام الحنطة في الزيت فإنه جائز كما مر هناك عن ولا الكمال.
قوله: (سبعة عشر) ستة في رأس المال، وهي بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره ونقده(5/346)
وقبضه قبل الافتراق، وأحد عشر في المسلم فيه: وهي الاربعة الاول، وبيان مكان إيفائه وأجله وعدم انقطاعه، وكونه مما يتعين بالتعيين وكونه مضبوطا بالوصف كالاجناس الاربعة المكيل والموزون والمذروع
والمعدود المتقارب، وواحد يرجع إلى العقد وهو كونه باتا ليس فيه خيار شرط، وواحد بالنظر للبدلين وهو عدم شمول إحدى علتي الربا البدلين.
منح بتصرف ط.
قوله: (القدرة على تحصيل المسلم فيه) لا حاجة إليه مع اشتراط عدم الانقطاع.
قال في النهر: والقدرة على تحصيله بأن لا يكون منقطعا ا ه ح.
وأما القدرة بالفعل في الحال فليست شرطا عندنا، ومعلوم أنه لو اتفق عجزه عند الحلول وإفلاسه لا يبطل السلم.
قاله الكمال ط.
قوله: (والمكوك صاع ونصف) والصاع ثمانية أرطال بالبغدادي كل رطل مائة وثلاثون درهما ط.
قلت: فيكون القفيز اثني عشر صاعا والكر سبعمائة وعشرين صاعا والصاع نصف مد شامي تقريبا، فالكر أربع غرائر ونصف غرارة كل غرارة ثمانون مدا شاميا.
قوله: (حال كون المائتين) أشار به إلى أن مائة في الموضعين نصب على الحال بتأويل مقسومة هذه القسمة وتجوز البدلية ا ه ح.
قوله: (دينا عليه) صفة المائة.
نهر.
أو بدل.
عيني.
وهو احتراز عما إذا كانت دينا على أجنبي كما يأتي.
قال في النهر: والتقييد بإضافة ثم جعل المائة قصاصا بما في ذمته من الدين فالحكم كذلك في الاصح ا ه.
قوله: (لانه طار) أي عرض بالافتراق قبل القبض، لما مر أن القبض شرط لبقاء العقد على الصحة لا شرط انعقاد.
قوله: (ولو إحداهما دنانير) محترز قول المصنف مائتي درهم الخ حيث فرض المسألة بكون مائتي الدين والنقد متحدي الجنس، لانه لو اختلفا بأن أسلم مائة درهم نقدا وعشرة دنانير دينا أو بالعكس لا يجوز في الكل، أما حصة الدين فلما مر، وأما حصة العين فلجهالة ما يخصه، وهذا عنده وعندهما يجوز في حصة النقد كما في الزيلعي، والخلاف مبني على إعلام قدر رأس المال.
بحر قوله: (أو على غير العاقدين) محترز قوله: مائة دينا عليه فلو قال: أسلمت إليك هذه المائة والمائة التي لي على فلان بطل في الكل، وإن نقد الكل لاشتراط تسليم الثمن على غير العاقد، وهو مفسد مقارن فتعدى.
بحر.
قوله: (قبل قبضه) أي قبض ما ذكر من رأس المال والمسلم فيه، أما الاول فلما فيه من تفويت حق الشرع، وهو القبض المستحق شرعا قبل الافتراق، وأما الثاني فلانه بيع منقول، وقد مر أن التصرف فيه قبل القبض لا يجوز.
نهر.
قوله: (بنحو بيع الخ) متعلق بالتصرف وذكره البيع مستدرك بقوله بعده ومرابحة وتولية تأمل.
قوله: (وشركة) صورته أن يقول رب السلم لآخر: أعطني نصف
رأس المال ليكون نصف المسلم فيه لك.
بحر.
قوله: (ومرابحة وتولية) صورة التولية أن يقول لآخر(5/347)