لانه صار طلاقا عرفا.
ثم قال: إن حلف به، إن كان فعل كذا وقد كان فعل له امرأة واحدة أو أكثر بنى جميعا وإن لم تكن له امرأة لا يلزمه شئ لانه جعل يمينا بالطلاق، ولو جعلناه يمينا بالله تعالى فهو غموس، وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك وليس له امرأة كان عليه الكفارة، لان تحريم الحلال يمين اه.
وحاصله أنه إذا لم تكن له امرأة وحلف على ماض كذبا لا يلزمه شئ، لانه جعل طلاقا على
المفتي به فيلغو لعدم الزوجة، ولو جعل يمينا بالله تعالى فغموس، لانه كناية عن الحلف بالله تعالى كما مر في هو يهودي أنه كناية، وأن لم يعقل وجهها فعلى الوجهين لا يلزمه شئ سوى الاستغفار، وقيل إن قوله ولو جعل يمينا بالله تعالى: أي بناء على ظاهر الرواية من حمله على الطعام والشراب، وفيه نظر لانه إذا قال: إن كنت فعلت كذا فكل حل علي حرام، يصير بمعنى إن كنت فعلته فوالله لا آكل ولا أشرب، فإذا كان قد فعل انعقدت يمينه على عدم الاكل والشرب فيكفر بأكله أو شربه فلا تكون لغوا، فافهم.
وعلى هذا فما في النهاية عن النوازل من أنه إن لم تكن له امرأة تجب عليه الكفارة محمول على أنه جعل يمينا بالله تعالى مع كون الحلف على مستقبل، وإلا كان غموسا فلا تلزمه الكفارة، وأما قوله في البحر معناه: إذا أكل أو شرب لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب لا كما يفهم من ظاهر العبارة اه.
ففيه نظر، بل هو محمول على ما يفهم من ظاهر العبارة وهو وجوب الكفارة وإن لم يأكل ولم يشرب بناء على ما قلنا وإلا ورد عليه ما ذكرناه من النظر السابق، ويؤيده أن انصرافه إلى الطعام والشراب كان في العرف السابق ثم تغير ذلك العرف وصار مصروفا إلى الطلاق كما مر، فبعد ما صار حقيقة عرفية في الطلاق لا يصح حمله على العرف المهجور بل يبقى مرادا به الطلاق، غير أنه إذا لم تكن له امرأة يبقى مرادا به الطلاق فيلغوا ويجعل يمينا بالله تعالى، فتجب به الكفارة إن لم يكن غموسا، فالترديد في كلام الظهيرية مبني على قولين بدليل ما في البزازية حيث قال: وفي المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمت الكفارة، والنسفي؟ على أنه لا تلزمه اه.
فما قاله النسفي مبني على أنه يبقى مرادا به الطلاق، وظاهر كلامهم ترجيح خلافه، فاغتنم تحقيق هذا المقام فإنه من منح الملك السلام.
قوله: (سواء نكح بعده أو لا) هو ما عليه الفتوى كما يأتي.
قوله: (فيكفر بأكله أو شربه) مبني على ما فسر به في البحر عبارة النوازل، وقد علمت ما فيه، والصواب ان يقول: فيكفر بحنثه: أي بفعله المحلوف عليه، كأن قال إن دخلت الدار فكل حل علي حرام ثم دخلها يلزمه كفارة اليمين، لانها يمين منعقدة على عدم الدخول في المستقبل لا على عدم الاكل والشرب حتى لو أكل أو شرب قبل الدخول أو بعده لا يلزمه شئ.
قوله: (ولو بالله علي ماض) لفظ بالله سبق قلم: أي ولو كانت
يمينه على ماض، كما إذا قال إن كنت فعلت كذا فكل حل علي حرام وكان عالما بأنه فعله فهي غموس إن جعلت يمينا بالله تعالى فلا تلزمه كفارة، وقوله: أو لغو أي إن جعلت يمينا بالطلاق كما قاله النسفي.
وظاهر ما مر عن الظهيرية من قوله لانه جعل يمينا بالطلاق اعتماد الاول، وهو ظاهر ما قدمناه أيضا عن البزازية، وكذا ما يأتي قريبا.
وبما قررناه علم أن ما ذكره الشارح من قوله فغموس أو لغو هو حاصل ما قدمناه عن(4/37)
الظهيرية فليس في كلامه خلل سوى زيادة لفظ بالله فافهم.
قوله: (ولو له امرأة وقتها الخ) مقابل قول المصنف وإن لم تكن له امرأة.
قال في الظهيرية: وإن حلف بهذا على أمر في المستقبل ففعل ذلك وليس له امرأة كان عليها الكفارة، لان تحريم الحلال يمين، وإن كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه الكفارة، لان يمينه انصرف إلى الطلاق وقت وجودها، وإن لم تكن له امرأة وقت اليمين ثم تزوج امرأة ثم باشر الشرط، اختلفوا فيه.
قال الفقيه أبو جعفر: تبين المتزوجة.
وقال غيره: لا تبين، وبه أخذ القفيه أبو الليث، وعليه الفتوى لان يمينه جعل يمينا بالله تعالى وقت وجودها فلا يكون طلاقا بعد ذلك اه، ومثله في الخانية.
وفي عبارة البزازية: في هذه المسائل خلل نبهنا عليه في باب الايلاء.
قوله: (فأكل) صوابه فباشر الشرط كما في عبارة الظهيرية وغيرها، وذلك كدخول الدار مثلا، ولا نظر فيه للاكل وعدمه كما علمت.
قوله: (وقد مر في مطلب في الايلاء) ما مر هناك فيه خلل تابع فيه البزازية كما أوضحناه هناك.
مطلب: أحكام النذر قوله: (ومن نذر نذرا مطلقا) أي غير معلق بشرط مثل لله علي صوم سنة، فتح، وأفاد أنه يلزمه ولو لم يقصده كما لو أراد أن يقول كلاما فجرى على لسانه النذر، لان هزل النذر كالجد كالطلاق كما في صيام الفتح، وكما لو أراد أن يقول لله علي صوم يوم فجرى على لسانه صوم شهر كما في صيام البحر عن الولوالجية.
واعلم أن النذر قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج
والعتق ونحوها، وأما شرعيته فللاوامر الواردة بإيفائه، وتمامه في الاختيار.
قلت: وإنما ذكروا النذر في الايمان لما يأتي في أنه قال علي نذر ولا نية له لزمه كفارة، ومر في آخر كتاب الصيام أنه لو نذر صوما، فإن لم ينو شيئا أو نوى النذر فقط نوى النذر وأن لا يكون يمينا كان نذرا فقط وإن نوى اليمين، وأن لا يكون نذرا كان يمينا وعليه كفارة إن أفطر، وإن نواهما أو نوى اليمين كان نذرا ويمينا، حتى لو أفطر قضى وكفر، ومر هناك الكلام فيه.
قوله: (كما سيصرح به) أي المصنف قريبا، ويأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى ط.
قوله: (وهو عبادة مقصودة) الضمير راجع للنذر، بمعنى المنذور لا للواجب، خلافا لما في البحر.
قال في الفتح: مما هو طاعة مقصودة لنفسها، ومن جنسها واجب الخ.
وفي البدائع: ومن شروطه أن يكون قربة مقصودة فلا يصح النذر بعيادة المريض، وتشييع الجنازة، والوضوء والاغتسال، ودخول المسجد، ومس المصحف، والاذان، وبناء الرباطات والمساجد وغير ذلك، وإن كانت قربا إلا أنها غير مقصودة اه.
فهذا صريح في أن الشرط كون المنذر نفسه عبادة مقصودة لا ما كان من جنسه، ولذا صححوا النذر بالوقف، لان من جنسه واجبا وهي بناء مسجد للمسلمين كما يأتي مع أنك علمت أن بناء المساجد غير مقصود لذاته.
قوله: (خرج الوضوء) لانه عبادة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هو شرط لعبادة مقصودة وهي الصلاة.
ط عن المنح.
قوله: (وتكفين الميت) لانه ليس عبادة مقصودة، بل هو لاجل صحة الصلاة عليه،(4/38)
لان ستره شرط صحتهاط.
قوله: (ووجد الشرط) معطوف على قوله: وكان من جنسه عبادة وهذا إن كامعلقا بشرط وإلا لزم في الحال، والمراد الشرط الذي يريد كونه كما يأتي تصحيحه.
قوله: (لزم الناذر) أي لزمه الوفاء به، والمراد أن يلزمه الوفاء بأصل القربة التي التزمها لا بكل وصف إلتزمه، لانه لو عين درهما أو فقيرا أو مكانا للتصدق أو للصلاة فالتعيين ليس بلازم.
بحر.
وتحقيقه في المنح.
قوله: (الحديث الخ) قال في الفتح: هو حديث غريب إلا أنه مستغنى عنه، ففي لزوم المنذور الكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * (الحج: 92) وصرح المصنف
أي صاحب الهداية في كتاب الصوم بأنه واجب للآية، وتقدم الاعتراض بأنها توجب الافتراض للقطعية، والجواب بأنها مؤولة إذ خص منها النذر بالمعصية وما ليس من جنسه واجب فلم تكن قطعية الدلالة، ومن قال من المتأخرين بافتراضه استدل بالاجماع على وجوب الايفاء به اه.
ملخصا، وفي الشرنبلالية عن البرهان أنه: أي الافتراض هو الاظهر.
قوله: (لوجوب العتق) ترك ذكر الواجب من الصلاة والصوم والصدقة لظهوره ط.
قوله: (والمشي للحج) المراد الحج ماشيا، وإلا فالمشي ليس عبادة مقصودة اه ح.
وفيه أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور لا ما كان من جنسه كما قدمناه، وسيأتي في باب اليمين في البيع أنه لو قال علي المشي إلى بيت الله أو الكعبة يلزمه حج أو عمرة، وسنذكر أن هذا استحسان.
والقياس أن لا يجب به شئ لانه ليس بقرية، تأمل.
قوله: (والقعدة الاخيرة الخ) كذا ذكره في اعتكاف البحر، أورده عليه أن التشبيه إن كان في خصوص القعدة فهو غير لازم في الاعتكاف لجواز الوقوف في مدته وإن كان في مطلق الكينونة، فلم خص التشبيه بالعقدة مع أن الركوع كذلك؟.
والجواب: اختيار الاول، والغالب في الاعتكاف القعود، وذكر في اعتكاف المعراج، قلنا: بل من جنسه واجب لله تعالى وهو اللبث بعرفة وهو الوقوف، والنذر الشئ إنما يصح إذا كان من جنسه واجب أو مشتملا على الواجب، وهذا كذلك لان الاعتكاف يشمل على الصوم، ومن جنس الصوم واجب وإن لم يكن من جنس اللبث واجب، وتعقبه في الفتح في باب اليمين في الحج والصوم بأن وجوب الصوم فرع وجوب الاعتكاف بالنذر، والكلام الآن في صحة وجوب المتبوع، فكيف يستدل على لزومه بلزومه، ولزوالشرط فرع لزوم المشرط، ثم قد يقال: تحقق الاجماع على لزوم الاعتكاف بالنذر موجب إهدار اشتراط وجود واجب من جنسه اه: أي فهو خارج عن الاصل.
قوله: ووقف مسجد) أي في كل بلدة على الظاهر ط.
قوله: (وإلا) وإن لم يفعل الامام فعلى المسلمين.
قوله: (ما ليس من جنسه فرض) هذا هو الذي وعد بذكره.
قال المصنف في شرحه: وهذا يثبت أن المراد بالواجب في قولهم من جنسه واجب الفر ض، وبه صرح شيخنا في بحره الخ.
ويأتي تمام الكلام عليه قوله: (كعيادة مريض) هذا يفيد أن مرادهم بالفرض هنا فرض
العين دون ما يشمل فرض الكفاية اه ح.
أي فإن هذه فرض كفاية كما في مقدمة أبي الليث، فافهم،(4/39)
وقدمنا عن البدائع خروج هذه المذكرات بقوله: عبادة مقصودة على أنه يرد عليه دخول المسجد للطواف، ولصلاة الجمعة إذا كان الامام فيه فإن الدخول حينئذ فرض لكنه ليس مقصودا لذاته، وكذا عيادة الوالدين إذا احتاجا إليه لان برهما فرض، وقدمنا أن المشروط كونه عبادة مقصودة هو المنذور.
قوله: (ولو مسجد الرسول (ص)) الاولى ذكر مسجد مكة لانه المتوهم ط.
قوله: (وهذا هو الضابط) الاشارة إلى ما ذكره من أن ما ليس من جنسه فرض لا يلزم.
وعبارة الدرر: المنذور إذا كان له أصل في الفروض لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف، وما لا أصل له في الفروض فلا يلزم الناذر كعبادة المريض، وتشييع الجنازة، ودخول المسجد، وبناء القنطرة، والرباط، والسقاية ونحوها، وهذا هو الأصل الكلي، قوله: (فزاد) أي على الشرطين المارين في المتن.
قوله: (أن لا يكون معصية لذاته) قال في الفتح: وأما كون المنذور معصية يمنع انعقاد النذر فيجب أن يكون معناه إذا كان حراما لعينه أو ليس فيه جهة قربة، فإن المذهب أن نذر صوم يوم العيد ينعقد، ويجب الوفاء بصوم يوم غيره ولو صامه خرج عن العهدة، ثم قال بعد ذلك: قال الطحاوي: إذا أضاف النذر إلى المعاصي كلله علي أن أقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث اه.
قلت: وحاصله أن الشرط كونه عبادة، فيعلم منه أنه لو كان معصية لم يصح، فهذا ليس شرطا خارجا عما مر، لكن صرح به مستقلا لبيان أن ما كان فيه جهة العبادة يصح النذر به لما مر من أنه يلزم الوفاء بالنذر من حيث هو قربة لا بكل وصف التزمه به، فصلح التزام الصوم من حيث هو صوم مع إلغاء كونه في يوم العيد، ولذا قال في الفتح: إن قلت من شروط النذر كونه النذر بغير معصية، فكيف قال أبو يوسف: إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لمحمد.
فالجواب أن أبا يوسف صححه بوضوء، لانه حين نذر ركعتين لزمتاه بوضوء، لان إلتزام المشروط إلتزام الشرط، فقوله بعده: بغير وضوء لغو لا يؤثر، ونظيره إذا نذر بلا قراءة ألزمناه
ركعتين بقراءة أو نذر أن يصلي ركعة واحدة ألزمناه ركعتين أو ثلاثة ألزمناه بأربع اه.
وتمامه فيه.
قوله: (لانه لغيره) أي لان كونه معصية لغيره وهو الاعراض عن ضيافة الحق تعالى.
قوله: (وأن لا يكون واجبا عليه قبل النذر) في أضحية البدائع: لو نذر أن يضحي شاة، وذلك في أيام النحر، وهو موسر فعليه أن يضحي بشاتين عندنا شاة للنذر وشاة بإيجاب الشرع ابتداء، إلا إذا عني به الاخبار عن الواجب عليه، فلا يلزمه إلا واحدة، ولو قبل أيام النحر لزمه شاتان، بلا خلاف، لان الصيغة لا تحتمل الاخبار عن الواجب، إذ لا وجوب قبل الوقت، وكذا لو كان معسرا ثم أيسر في أيام النحر لزمه شاتان اه.
والحاصل أن نذر الاضحية صحيح، لكنه ينصرف إلى شاة أخرى غير الواجبة عليه ابتداء بإيجاب الشرع، إلا إذا قصد الاخبار عن الواجب عليه، وكان في أيامها، مثله ما لو نذر الحج لان الاضحية والحج قد يكونان غير واجبين، بخلاف حجة الاسلام فإنها نفس الواجب عليه لانها اسم لفريضة العمر كصوم رمضان وصلاة الظهر فلا يصح النذر بها، بخلاف ما قد يكون تطوعا واجبا(4/40)
كالصلاة والصوم كما سنحققه في الاضحية إن شاء الله تعالى.
قوله: (أو ملكا لغيره) فإن قيل: إن النذر به معصية فيغني عنه ما مر.
قلنا: إنه ليس معصية لذاته، وإنما هو لحق الغير.
إفاده في البحر، لكنه خارج بكونه لا يملكه، فيشمل الزائد، على ما يملكه وما لا ملك له فيه أصلا كهذا.
وفي البحر عن الخلاصة: لقال: لله علي أن أهدي هذه الشاة وهي ملك الغير لا يصح النذر، بخلاف قوله: لاهدين، ولو نوى اليمين كان يمينا اه.
قال في النهر: والفرق بين التأكيد وعدمه مما لا أثر له يظهر في صحة النذر وعدمه، ثم على الصحة هل تلزمه قيمتها أو يتوقف الحال إلى ملكها؟ محل تردد اه.
قلت: الظاهر الثاني، لان الهدي اسم لما يهدي إلى الحرم، فإذا صح نذره توقف إلى ملكها ليمكن إهداؤها.
تأمل ويظهر لي أن قوله: لاهدين يمين لا نذر، وقوله: ولو نوى اليمين كان يمينا راجع المسألة الاولى، فإن تم هذا اتضح الفرق، فتأمل.
قوله: (لزمه المائة فقط) سيذكر
الشارح وجهه.
قوله: (قلت ويزداد الخ) ذكر هذا الشرط صاحب البحر في باب الاعتكاف، وعزا الفرع المذكور إلى الولوالجية.
قال ط: وبه صارت الشروط سبعة، ما في المتن وهذه الخمسة، لكن اشتراط أن لا يكون أكثر مما يملك وأن لا يكون ملك الغير خاصا ببعض صور النذر، قوله: (مستحيل الكون) يشمل الاستحالة الشرعية لما في الاختيار: لو نذرت صوم أيام حيضها، أو قالت لله علي أن أصوم غدا فحاضت فهو باطل عند محمد وزفر، لانها أضافت الصوم إلى وقت لا يتصور فيه.
وقال أبو يوسف: تقضي في المسألة الثانية، لان الايجاب صدر صحيحا في حال لا ينافي الصوم ولا إضافة إلى زمان ينافيه، إذ الصوم يتصور فيه والعجز بعارض محتمل كالمريض فتقضيه كما إذا نذرت صوم شهر يلزمها قضاء أيام حيضها، لانه يجوز خلو الشهر عن الحيض فيصح الايجاب، وتمامه فيه.
قوله: (وفي القنية الخ) عبارتها كما في البحر: نذر أن يتصدق بدينار على الاغنياء ينبغي أن لا يصح.
قلت: وينبغي أن يصح إذا نوى أبناء السبيل لانهم محل الزكاة اه.
قلت: ولعل وجه عدم الصحة في الاول عدم كونها قربة أو مستحيلة الكون لعدم تحققها، لانها للغني هبة كما أن الهبة للفقير صدقة.
قوله: (ولو نذر التسبيحات) لعل مراده التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا والثلاثين في كل، وأطلق على الجميع تسبيحا تغليبا لكونه سابقا، وفيه إشارة إلى أنه ليس من جنسها واجب ولا فرض، وفيه أن تكبير التشريق واجب على المفتي به، وكذا تكبيرة الاحرام وتكبيرات العيدين، فينبغي صحة النذر به بناء على أن المراد بالواجب هو المصطلح ط.(4/41)
قلت: لكن ما ذكره الشارح ليس عبارة القنية وعبارتها كما في البحر، ولو نذر أن يقول دعاء كذا في دبر كل صلاة عشر مرات لم يصح.
قوله: (لم يلزمه) وكذا لو نذر قراءة القرآن، وعلله القهستاني في باب الاعتكا ف بأنها الصلاة.
في الخانية: ولو قال: علي الطواف بالبيت السعي بين الصفا والمروة، أو علي أن أقرأ القرآن إن فعلت كذا لا يلزمه شئ اه.
قلت: وهو مشكل، فإن القراءة عبادة مقصودة ومن جنسها واجب، وكذا الطواف فإنه عبادة
مقصودة أيضا.
ثم رأيت في لباب المناسك قال في باب أنواع الاطوفة: الخامس طواف الندر وهو واجب ولا يختص بوقت فهذا صريح في صحة النذر به.
قوله: (لزمه) لان من جنسه فرضا وهو الصلاة عليه (ص) مرة واحدة في العمر، وتجب كلما ذكر، وإنما هي فرض عملي، قال ح: ومنه يعلم أنه لا يشترط كون الفرض قطعيا ط.
قوله: (وقيل لا) لعل وجهه اشتراطه كونه الفرض قطعيا ح.
قوله: (ثم أن المعلق إلخ) أعلم أن المذكور في كتب ظاهر الرواية أن المعلق يجب الوفاء به مطلقا: أي سواء كان الشرط مما يراد كونه: أي يطلب حصوله كإن شفى الله مريضي أو لا، كإن كلمت زيدا أو دخلت الدار فكذا، وهو المسمى عند الشافعية نذر اللجاج، وروي عن أبي حنيفة التفصيل المذكور هنا، وأنه راجع إليه قبل موته بسبعة أيام وفي الهداية: إنه قول محمد وهو الصحيح اه، ومشى عليه أصحاب المتون كالمختار والمجمع ومختصر النقابة والملتقى وغيرها، وهو مذهب الشافعي، وذكر في الفتح أنه المروي في النوادر وأنه مختار المحققين، وقد انعكس الامر على صاحب البحر، فظن أن هذا له لا أصل في الرواية وأن رواية النوادر أنه مخير فيهما مطلقا، وأن في الخلاصة قال: وبه يفتي، وقد علمت أن المروي في النوادر هو التفصيل المذكور، ذكر في النهر أن الذي في الخلاصة هو التعليق بما لا يراد كونه فالاطلاق ممنوع اه.
والحاصل: أنه ليس في المسألة سوى قولين: الاول ظاهر الرواية عدم التخيير أصلا.
والثاني التفصيل المذكور.
وأما ما توهمه في البحر من القول الثالث هو التخيير مطلقا وأنه المفتي به فلا أصل له، كما أوضحه العلامة الشرنبلالي في رسالته المسماة تحفة التحرير، فافهم.
قوله: (بشرط يريده الخ) انظر لو كان فاسقا يريد شرطا هو معصية فعلق عليه كما في قول الشاعر: علي إذا ما زرت ليلي بخفية زيارة بيت الله رجلان حافيا فهل يقال: إذا باشر الشرط يجب عليه المعلق أم لا؟ ويظهر لي الوجوب لان المنذور طاعة وقد علق وجوبها على شرط، فإذا حصل الشرط لزمته، وإن كان الشرط معصية يحرم فعلها، لان هذه الطاعة غير حاملة على مباشرة المعصية بل بالعكس، وتعريف النذر صادق عليه ولذا صح النذر في قوله: إن زنيت بفلانة لكنه بتخير بينه وبين كفارة اليمين، لانه إذا كان لا يريده يصير فيه معنى
اليمين فيخيركما يأتي تقريره، بخلاف ما إذا كان يريده لفوات معنى اليمين فينبغي الجزم بلزوم المنذور فيه وإن لم أره صريحا، فافهم.
قوله: (لانه نذر بظاهره الخ) لانه قصد به المنع عن إيجاد الشرط فيميل إلى أي الجهتين شاء، بخلاف ما إذا علق بشرط يريد ثبوته، لان معنى اليمين وهو(4/42)
قصد المنع غير موجود فيه، لان قصده إظهار الرغبة فيما جعل شرطا.
درر.
قوله: (فيخير ضرورة) جواب عن قول صدر الشريعة.
أقول: إن كان الشرط حراما كإن زنيت ينبغي أن لا يتخير، لان التخيير تخفيف والحرام لا يوجب التخفيف.
قال في الدرر: أقول ليس الموجب للتخفيف هو الحرام بل وجود دليل التخفيف، لان اللفظ لما كان نذرا من وجه يمينا من وجه لزم أن يعمل بمقتضى الوجهين، ولم يجز إهدار أحدهما، فلزم التخيير الموجب للتخفيف بالضرورة، فتدبر اه.
قوله: (فلا يجبره القاضي) لان العبد لم يثبت له حق العتق عليه، لان ذلك بمنزلة ما لو حلف بالله تعالى ليعتقنه ليس له إجباره على أن يبر يمينه، لان ذلك مجرد حق الله تعالى.
قوله: (نذر أن يذبح ولده الخ) المسألة منصوصة في كافي الحاكم الشهيد وغيره، وفي شرح المجمع وشرح درر البحار أنه يجب به ذبح كبش في الحرم أو في أيام النحر في غير الحرم، وأنه يشترط لصحة النذر به في عامة الروايات أن يقول في النذر عند مقام إبراهيم أو بمكة.
وفي رواية عنه: لا يشترط، وفي الاختيار: ولو نذر ذبح ولده أو نحره لزمه ذبح شاة عند أبي حنيفة ومحمد، وكذا النذر بذبح نفسه أو عبده عند محمد، وفي الوالد الوالدة عن أبي حنيفة روايتان والاصح عدم الصحة، وقال أبو يوسف وزفر: لا يصح شئ من ذلك لانه معصية فلا يصح، ولهما في الولد مذهب جماعة من الصحابة كعلي وابن عباس وغيرهما، ومثله لا يعرف قياسا فيكون سماعا، ولان إيجاب ذبح الولد عبارة عن إيجاب ذبح الشاة، حتى لو نذر ذبحه بمكة يجب عليه ذبح الشاة بالحرم.
بيانه قصة الذبيح، فإن الله تعالى أوجب على الخليل ذبح ولده وأمره بذبح الشاة حيث قال: * (قد صدقت الرؤيا) * فيكون كذلك في شريعتنا، أما لقوله تعالى: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة
إبراهيم حنيفا) * أو لان شريعة من قبلنا تلزمنا حتى يثبت النسخ، وله نظائر منها أن إيجاب المشي إلى بيت الله تعالى عبارة عن حج أو عمرة، وإيجاب الهدي عبارة عن إيجاب شاة، ومثله كبير، وإذا كان نذر ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة لا يكون معصية بل قربة حتى قال الاسبيجابي وغيره من المشايخ: إن أراد عين الذبح وعرف أنه معصية لا يصح، ونظيره الصوم في حق الشيخ الفاني معصية لافضائه إلى إهلاكه، ويصح نذره بالصوم وعليه الفدية، وجعل ذلك إلتزاما للفدية، كذا هذا.
ولمحمد في النفس والعبد أن ولايته عليهما فوق ولايته على ولده، ولابي حنيفة أن وجوب الشاة على خلاف القياس عرفناه استدلالا بقصة الخليل، وإنما وردت في الولد فيقتصر عليه، ولو نذر بلفظ القتل لا يلزمه شئ بالاجماع، لان النص ورد بلفظ الذبح النحر مثله، ولا كذلك القتل، ولان الذبح والنحر وردا في القرآن على وجه القربة والتعبد، والقتل لم يرد إلا على وجه العقوبة والانتقام والنهي ولانه لو نذر ذبح الشاة بلفظ القتل لم يصح، فهذا أولى اه.
قوله: (لغا إجماعا) أي بناء(4/43)
على أصح الروايتين كما مر.
قوله: (لان الذبح ليس من جنسه فرض الخ) هذا التعليل لصاحب البحر وينافيه ما في الخانية قال: إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة فبرئ لا يلزمه شئ إلا أن يقول: فلله علي أن أذبح شاة اه.
وهي عبارة متن الدرر، وعللها في شرحه بقوله: لان اللزوم لا يكون إلا بالنذر، والدال عليه الثاني لا الاول اه.
فأفاد أن عدم الصحة لكون الصيغة المذكورة لا تدل على النذر: أي لان قوله: ذبحت شاة وعد لا نذر، ويؤيده ما في البزازية لو قال إن سلم ولدي أصوم ما عشت فهذا وعد، لكن في البزازية أيضا: إن عوفيت صمت كذا لم يجب، ما لم يقل لله علي: وفي الاستحسان: يجب، ولو قال إن فعلت كذا فأنا أحج ففعل يجب عليه الحج اه.
فعلم أن تعليل الدرر مبني على القياس، والاستحسان خلافه، وينافيه أيضا قول المصنف علي شاة أذبحها أو عبارة الفتح فعلي بالفاء في جواب الشرط، إذ لا شك أن هذا ليس وعدا، ولا يقال: إنما لم يلزمه شئ لعدم قوله لله علي، لان المصرح به صحة النذر بقوله لله علي حج أو
علي حجة، فيتعين حمل ما ذكره المصنف على القول بأنه لا بد من أن يكون من جنسه فرض، وحمل ما في الخانية والدرر من صحة قوله لله علي أن أذبح شاة على القول بأنه يكفي أن يكون من جنسه واجب، وسيأتي في آخر الاضحية عن الخانية: لو نذر عشر أضحيات لزمه ثنتان لمجئ الامر بهما، وفي شرح الوهبانية: الاصح وجوب الكل لايجابه مالله من جنسه إيجاب، ونقل الشارح هناك عن المصنف أن مفاده لزوم النذر بما من جنسه زاجب اعتقادي أو اصطلاحي اه.
ويؤيده أيضا ما قدمناه عن البدائع، وبه يهلم أن الاصح أن المراد بالواجب ما يشمل الفرض والواجب الاصطلاحي لا خصوص الفرض فقط.
قوله: (فتح وبحر) يوهم أنه في الفتح ذكر هذا التعليل، مع أن المذكور فيه عبارة المتن فقط، وكذلك في البحر معزيا إلى مجموع النوازل.
قوله: (ففي متن الدرر تناقض) أي حيث صرح أولا بأنه يشترط في النذر أن يكون به أصل في الفروض، ونص ثانيا على صحة النذر بقوله لله علي أن أذبح شاة، مع أن النذر ليس له اصل في الفروض، بل في الواجبات.
وأجاب ط: بأن مراده بالفرض ما يعم الواجب بأن يراده به اللازم فلا تناقض.
قوله: (كذا في مجموع النوازل) الاشارة إلى ما في المتن من قوله: ولو قال إن برئت إلى قوله: جاز.
قوله: (ووجهه يخفى) و هو أن السبع تقوم مقامه في الضحايا والهداية ط.
مطلب: النذر غير المعلق لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير قوله: (لما تقرر في كتاب الصوم) أي في آخر قبيل باب الاعتكاف وعبارته هناك مع المتن والنذر من اعتكاف أو حج أو صلاة أو صيام أو غيرها غير المعلق لو معينا لا يختص بزمان ومكان(4/44)
ودرهم وفقير، فلو نذر التصدق يوم الجمعة بمكة بهذا الدرهم على فلان فخالف جاز، وكذا لو عجل قبله، فلو عين شهرا للاعتكاف أو للصوم فعجل قبله عنه صح، وكذا لو نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها صح أو صلاة في يوم كذا فصلاها قبله، لانه تعجيل بعد وجود السبب، وهو النذر فيلغو التعيين، بخلاف النذر العلق، فأنه لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط اه.
قلت: وقدمنا هناك الفرق، وهو أن المعلق على شرط لا ينعقد سببا للحال كما تقرر في
الاصول، بل عند وجود شرطه، فلو جاز تعجيله لزم وقوعه قبل سببه فلا يصح، ويظهر من هذا أن المعلق يتعين فيه الزمان بالنظر إلى التعجيل، أما تأخيره فالظاهر ه جائز إذ لا محذور فيه، وكذا يظهر منه أنه لا يتعين فيه المكان والدرهم والفقير، لان التعليق إنما أثر في انعقاد السببية فقط، فلذا امتنع فيه التعجيل، وتعين فيه الوقت، أما المكان والدرهم والفقير فهي باقية على الاصل من عدم التعيين، ولذا اقتصر الشارح في بيان المخالفة على التعجيل فقط حيث قال: فإنه لا يجوز تعجيله فتدبر.
قلت: وكما لا يتعين الفقير لا يتعين عدده، ففي الخانية: إن زوجت بنتي فألف درهم من مالي صدقة لكل مسكين درهم فزوج ودفع الالف إلى مسكين جملة جاز.
(تنبيه): إنما لم يختص في النذر بزمان ونحوه، خلافا لزفر، لان لزوم ما إلتزمه باعتبار ما هو قربة لا باعتبارات أخر لا دخل لها في صيرورته قربة كما مر.
قال في الفتح: وكذا إذا نذر ركعتين في المسجد الحرام فأداها في أقل شرفا منه أو فيما لا شرف له أجزأه، خلافا لزفر، لان المعروف من الشرع أن إلتزامه بما هو قربة موجب، ولم يثبت من الشرع اعتبار تخصيص العبد العبادة بالمكان، بل إنما عرف ذلك لله تعالى، وتمامه فيه.
قلت: وإنما تعين المكان في نذر الهدي الزمان في نذر الاضحية، من كلا منهما اسم خاص معين فالهدي ما يهدي للحرم، والاضحية ما يذبح في أيامها حتى لو لم يكن كذلك لم يوجد الاسم، وسنذكر تمام تحقيقه في باب اليمين في البيع إن شاء الله تعالى.
قوله: (جاز) أشار إلى أن تعيين ما يشتري به مثل تعيين الزمان والمكان.
قوله: (قضاه وحده) أي قضي ذلك اليوم فقط لئلا يقع كل الصوم في غير الوقت كما مر في الصيام.
قوله: (وإن قال متتابعا) لان شرط التتابع في شهر بعينه لغو، لانه متتابع لتتابع الايام، وأيضا لا يمكن الاستقبال لانه معين، درر، وأما إذا كان لشهر غير معين فإن شاء تابعه وإن شاء فرقه، إلا إذا شرط التتابع فيلزمه ويسقبل.
فتح، أي يستقبل شهرا غيره أفطر يوما ولو من الايام المنهية كما مر في الصوم، وتقدم هناك تمام الكلام على ما يجب فيه التتابع وما لا يجب، وما يجوز تقديمه أو تأخيره وما لا يجوز تقديمه أو تأخيره وما لا يجوز، فراجعه.
قوله: (فأكل لعذر) وكذا
لدونه ح.
قوله: (فدى) أي لكل يوم نصف صاع من بر أو صاعا من شعير وإن لم يقدر استغفر الله(4/45)
تعالى كما مر.
قوله: (لزمه ما يملك منها فقط) وإن كان عنده عروض أو خادم يساوي مائة فإنه يبيع ويتصدق، وإن كان يساوي عشرة يتصدق بعشرة، وإن لم يكن شئ فلا شئ عليه، كمن أوجب على نفسه ألف حجة يلزمه بقدر ما عاش في كل سنة حجة، شرنبلالية عن الخانية.
وانظر هل يدخل في ذلك الدين كما يدخل في الوصية بثلث ماله؟ ظاهر التعليل: عدم الدخول لان الدين لا يملكه قبل قبضه، إذا قبضه صار ملكا حادثا بعد النذر، وفي الوصية بثلث المال يعتبر ماله عند الموت تأمل.
لكن سيأتي في أول الشركة أن الحق كونه مملوكا.
قوله: (لم يوجد الخ) أي وشرط صحة النذر أن يكون المنذور ملكا للناذر أو مضافا إلى السبب كقوله إن اشتريتك فلله علي أن أعتقك ط.
قوله: (في المساكين صدقه) أي ينفق عليهم، ففي بمعنى على.
قوله: (ولم يصح اتفاقا) أما لو كان له مال يصح ويكون المراد به جنس مال الزكاة استحسانا: أي جنس كان بلغ نصابا أو لا، عليه دين مستغرق أو لا، وإن لم يجد غيره أمسك منه قدر قوته، فإذا ملك غيره تصدق بقدره: أي بقدر ما أمسك كما سيأتي في متفرقات القضاء إن شاء الله تعالى.
وذكر الشارح هناك عن البحر قال: إن فعلت كذا فما أملكه صدقة، فحيلته أن يبيع ملكه من رجل بثوب في منديل، ويقبضه ولم يره ثم يفعل ذلك ثم يرده بخيار الرؤية فلا يلزمه شئ اه.
قال المقدسي هناك: ومنه ان المعتبر الملك قوله: (فيما مر) أي من قوله: إن النذر غير المعلق لا يختص بشئ.
قوله: (ولم يزد عليه) فلو قال نذر حج مثلا لزمه، قوله: (ولو نوى صياما الخ) محترز قوله: ولا نية له، وأشار إلى أنه لو نوى شيئا من حج أو عمر أو غيره فعليه ما نوى كما في كافي الحاكم.
قوله: (لزمه ثلاثة أيام) لان إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى.
وأدنى ذلك في الصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين.
بحر عن الولوالجية.
قوله: (ولو صدقة) أي بلا عدد.
قوله: (كالفطرة) أي لكل مسكين نصف صاع بر، وكذا لو قال: لله علي إطعام مسكين لزمه نصف صاع بر استحسانا، وإن قال: لله علي أن أطعم المساكين على عشرة عند أبي حنيفة.
فتح.
قوله: (لزمه
بقدر عمره) أي لزمه أن يحج بقدر ما يعيش، ومشى في لباب المناسك على أنه يلزمه الكل، وعليه أن يحج بنفسه قدر ما عاش ويجب الايصاء بالبقية، وعزاه القاري في شرحه إلى العيون والخانية والسراجية.
قال: وفي النوازل أنه قولهما، والاول قول محمد.
وفي الفتح: الحق لزوم الكل اه ملخصا.
قوله: (وصل بحلفه) قيد بالوصل لانه لو فصل لا يفيد، إلا إذا كان لتنفس أ سعال أو نحوه، وعن ابن عباس أنه كان يجوز الاستثناء المنفصل لا ستة أشهر، ويلزمه إخراج العقود كلها عن أن تكون ملزمة، وأن لا يحتاج للمحلل الثاني لان الطلق يستثنى، وفي المسألة حكاية الامام مع المنصور ذكرها في الدرر وغيره.
قوله: (إن شاء الله) مفعول وصل.
قوله: (عبادة) كنذر وإعتاق أو(4/46)
معاملة كطلاق وإقرار ط.
قوله: (أو النهي) كقولع لوكيله: لا تبع لفلان إن شاء الله ط.
قوله: (لم يصح الاستثناء) جواب قوله: ولو بالامر فافهم.
أي فللمأمور أن يبيعه، والفرق أن الايجاب يقع ملزما بحيث لا يقدر على إبطاله بعد، فيحتاج إلى الاستثناء حتى لا يلزمه حكم الايجاب، والامر لا يقع لازما فإنه يقدر على إبطاله بعزل المأمور به، فلا يحتاج إلى الاستثناء فيه.
ذخيرة.
وقدمناه قبيل باب الاستيلاد.
قوله: (كما مر في الصوم) من أنه إذا وصل المشيئة بالتلفظ بالنية لا تبطل، لانها لطلب التوفيق.
حموي، وظاهره أنها ليست فيه للاستثناء، حتى يقال إن النية ليست من الاقول فلا تبطل بالاستثناء ط عن أبي مسعود، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب: اليمين في الدخول والخروج والسكنى والاتيان والركوب وغير ذلك قوله: (وغير ذلك) كالجلوس والتزوج والتطهير.
مطلب: الايمان مبنية على العرف بيتا ببيت العنكبوت قوله: (وعندنا على العرف) لان المتكلم إنما يتكلم بالكلام العرفي: أعني الالفاظ التي يراد بها معانيها التي وضعت لها في العرف، كما أن العربي حال كونه بين أهل اللغة أنما يتكلم بالحقائق اللغوية فوجب صرف ألفاظ المتكلم إلى ما عهد أنه المراد بها.
فتح.
قوله: (فلا حنث الخ)،
صرح صاحب الذخيرة والمرغيناني بأنه يحنث بهدم بيت العنكبوت في الفرع المذكور، فمن المشايخ من حكم بأنه خطأ، ومنهم من قيد حمل الكلام على العرف بما إذا لم يمكن العمل بحقيقته.
قال في الفتح: ولا يخفي أنه على هذا يصير ماله وضع لغوي، ووضع عرفي يعتبر معناه اللغوي وإن تكلم به أهل العرف، وهذا يهدم قاعدة حمل الايمان على العرف، لانه لم يصر المعتبر إلا اللغة إلا ما تعذر، وهذا بعيد، إذ لا شك أن المتكلم لا يتكلم إلا بالعرف الذي به التخاطب، سواء كان عرف اللغة إن كان من أهلها أو غيرها إن كان من غيرها، نعم ما وقع مشتركا بين اللغة والعرف تعتبر فيه اللغة على أنها العرف، فأما الفرع المذكور فالوجه فيه: إن كان نواه في عموم قوله بيتا حنث، وإن لم يخطر له فلا لانصراف الكلام إلى المتعارف عند إطلاق لفظ بيت، فظهر أن مرادنا بانصراف الكلام إلى العرف إذا لم تكن له نية، وإن كان له نية شئ، واللفظ يحتمله انعقد اليمين باعتبار اه.
وتبعه في البحر وغيره.(4/47)
[ مب ] مبحث مهم في تحقيق قولهم: الايمان مبية على الالفاظ لا على الاغراض [ / مب ] قوله: (الايمان مبنية على الالفاظ الخ) أي الالفاظ العرفية ما قبله، واحترز به عن القول ببنائها على عرف اللغة أو عرف القرآن، ففي حلفه لا يركب دابة ولا يجلس على وتد، لا يحنث بركوبه إنسانا وجلوسه على جبل، وإن كان الاول في عرف اللغة دابة، والثاني في القرآن وتدا كما سيأتي، وقوله: لا على الاغرا ض: أي المقاصد والنيات، احترز به عن القول ببنائها على النية.
فصار الحاصل أن المعتبر إنما هو اللفظ العرفي المسمى، وأما غرض الحالف فإن كان مدلول اللفظ المسمى اعتبر، وإن كان زائدا على اللفظ فلا يعتبر، ولهذا قال في تلخيص الجامع الكبير: وبالعرف يخص ولا يزاد حتى خص الرأس بما يكبس ولم يرد الملك في تعليق طلاق الاجنبية بالدخول اه.
ومعناه أن اللفظ إذا كان عاما يجوز تخصيصه بالعرف، كما لو حلف لا يأكل رأسا فإنه في العرف اسم لما يكبس في التنور ويباع في الاسواق، وهو رأس الغنم دون رأس العصفور
ونحوه، فالغرض العرفي يخصص عمومه، فإذا أطلق ينصرف إلى المتعارف، بخلاف الزيادة الخارجة عن اللفظكما لو قال لاجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه يلغو، ولا يصح إرادة الملك، أي إن دخلت وأنت في نكاحي وإن كان هو المتعارف لان ذلك غير مذكور، ودلالة العرف لا تأثير لها في جعل غير الملفوظ ملفوظا.
إذا علمت ذلك فاعلم أنه إذا حلف لا يشتري لانسان شيئا بفلس فاللفظ المسمى وهو الفلس معناه في اللغة والعرف واحد، وهو القطعة من النحاس المضروبة المعلومة، فهو اسم خاص معلوم لا يصدق على الدرهم أو الدينار، فإذا اشترى له شيئا بدرهم لا يحنث، وإن كان الغرض عرفا أن لا يشتري أيضا بدرهم ولا غيره، ولكن ذلك زائد على اللفظ المسمى غير داخل في دلوله فلا تصح إرادته بلفظ الفلس، وكذا لو حلف لا يخرج من الباب، فخرج من السطح لا يحنث، وإن كان الغرض عرفا القرار في الدار وعدم الخروج من السطح أو الطاق أو غيرهما، ولكن ذلك غير المسمى، ولا يحنث بالغرض بلا مسمى، وكذا لا يضربه سوطا فضربه بعصا لان العصا غير مذكورة، وإن كان الغرض لا يؤلمه بأن لا يضربه بعصا ولا غيرها وكذا ليغدينه بألف فاشترى رغيفا بألف وغداه به لم يحنث، وإن كان الغرض أن يغديه بما له قيمة وافية، وعلى ذلك مسائل أخرى ذكرها أيضا في تلخيص الجامع: لو حلف لا يشتريه بعشرة حنث بأحد عشر، ولو حلف البائع لم يحنث به، لان مراد المشتري المطلقة، ومراد البائع المفردة وهو العرف، ولو اشترى أو باع بتسعة لم يحنث، لان المشتري مستنقص والبائع وإن كان مستزيدا لكن لا يحنث بالغرض بلا مسمى كما في المسائل المارة اه.
فهذه أربع مسائل أيضا.
الاولى: حلف لا يشتريه بعشرة فاشتراه بأحد عشر حنث، لانه اشتراه بعشرة وزيادة، والزيادة على شرط الحنث لا تمنع الحنث، كما لو حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها ودخل دارا أخرى.
الثانية: لو حلف البائع لا يبيعه بعشرة فباعه بأحد عشر لم يحنث، لان العشرة تطلق على(4/48)
المفردة، وعلى المقرونة: أي التي قرن بها غيرها من الاعداد، ولما كان المشتري مستنقصا: أي
طالبا لنقص الثمن عن العشرة علم أن مراده مطلق العشرة: أي مفردة أو مقرونة ولما كان البائع مستزيدا أي طالب لزيادة الثمن عن العشرة علم أن مراده بقوله لا أبيعه بعشرة: العشرة المفردة فقط تخصيصا بالعرف، فلذا حنث المشتري بالاحد عشر دون البائع.
الثالثة: لو اشترى بتسعة لم يحنث لانه لو توجد العشرة بنوعيها مع أنه وجد الغرض أيضا لانه مستنقص.
الرابعة: لو باع بتسعة لم يحنث أيضا، لانه وإن كان غرضه الزيادة على العشرة، وأنه لا يبيعه بتسعة ولا بأقل لكن ذلك غير مسمى لانه إنما سمي العشرة، وهي لا تطلق على التسعة، ولا يحنث بالغرض بلا مسمى، لان الغرض يصلح مخصصا لا مزيدا كما مر.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن قاعدة بناء الايمان على العرف معناه أن المعتبر هو المعنى المقصود في العرف من اللفظ المسمى، وإن كان في اللغة أو في الشرع أعم من المعنى المتعارف، ولما كانت هذه القاعدة موهمة اعتبار الغرض العرفي وإن كان زائدا على اللفظ المسمى وخارجا عن مدلوله كما في المسألة الاخيرة وكما في المسائل الاربعة التي ذكرها المصنف دفعوا ذلك الوهم بذك القاعدة الثانية، وهبناء الايمان على الالفاظ لا على الاغراض، فقولهم لا على الاغراض دفعوا به توهم اعتبار الغرض الزائد على اللفظ المسمى، وأرادوا بالالفاظ، الالفاظ العرفية بقرينة القاعدة الاولى، ولولاها لتوهم اعتبار الالفاظ ولو لغوية أو شرعية، فلا تنافي بين القاعدتين كما يتوهمه كثير من الناس، حتى الشرنبلالي، فحمل الاولى على الديانة والثانية على القضاء، ولا تناقض بين الفروع التي ذكروها.
ثم اعلم أن هذا كله حيث لم يجعل اللفظ في العرف مجازا عن معنى آخر كما في: لا أضع قدمي في دار فلان، فإنه صار مجازاد عن الدخول مطلقا كما سيأتي، ففي هذا لا يعتبر اللفظ أصلا، حتى لو وضع قدمه ولم يدخل لا يحنث، لان اللفظ هجر وصار المراد به معنى آخر، ومثله: لا آكل من هذه الشجرة وهي لا تثمر ينصرف إلى ثمنها جتى لا يحنث بعينها، وهذا بخلاف ما مر فإن اللفظ فيه لم يهجر بل أريد هو وغيره، فيعتبر اللفظ المسمى دون غيره الزائد عليه، أما هذا قد اعتبر فيه الغرض فقط، لان اللفظ صار مجازا عنه فلا يخالف ذلك القاعدتين المذكورتين، فاغتنم هذا
التقرير الساطع المنبر الذي لخصناه من رسالتنا المسماة رفع الانتفاض ودفع الاعتراض على قولهم: الايمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض فإن أردت الزيادة على ذلك والوقوف على حقيقة ما هنالك فارجع إليها الحرص عليهم، فإنها كشفت اللثام عن حور مقصورات في الخيام، والحمد لله رب العالمين.
قوله: (أو لا يضربه أسواطا) في بعض النسخ سوطا وهو الموافق لما في تلخيص الجامع.
قوله: (وضرب بعضها) أي بعض الاسواط، وفيه أنه لم يذكر للاسواط عدد، وفي بعض النسخ وضرب بعصا بعين وصاد مهملتين، وهو الموافق لما في تلخيص الجامع.
قوله: (لان العبرة لعموم اللفظ) فيه أنه لا عموم في هذه الفروع على أن العرف يصلح مخصصا لعموم(4/49)
اللفظ كما قدمناه، فصارت العبرة للعرف لا لعموم اللفظ، فالصواب إسقاط لفظة عموم ما مر من اعتبار الالفاظ لا الاغراض على ما قررناه آنفا.
قوله: (إلا في مسائل) لا حاجة إلى هذا الاستثناء، لان هذه المسائل داخلة في قاعدة اعتبار اللفظ كما علمت.
قوله: (والبيعة) بكسر الباء وسكون الياء، قوله: النصارى أي متعبدهم والكنيسة لليهود أي متعبدهم، وتطلق أيضا على متعبد النصارى.
مصباح.
وفي القهستاني عن القاموس: البيعة متعبد النصارى أو متعبد اليهود أو الكفار اه.
فيستعمل كل منهما مكان الآخر.
قوله: (والدهليز) بكسر الدار ما بين الباب والدار: فارسي معرب.
بحر عن الصحاح.
قوله: (والظلة التي على البا ب) قال في البحر: والظلة: الساباط الذي يكون على باب الدار من سقف له جذوع أطرافها على جدار الباب وأطرافها الاخر على الجدار المقابل له، وإنما قيدنا به لان الظلة إذا كان معناها ما هو داخل البيت مسقفا فإنه يحنث بدخوله لان يبات فيه اه.
قوله: (إذا لم يصلحا للبيتوتة) أما إذا صلحا لها يحنث بأن كانت الظلة داخل البيت كما مر وكان الدهليز كبيرا بحيث بيات فيه، قال في الفتح: فإن مثله يعتاد بيتوتته للضيوف في بعض القرى، وفي المدن يبيت فيه بعض الاتباع في بعض الاوقات فيحنث.
والحاصل أن كل موضع إذا أغلق الباب صار داخلا لا يمكنه الخروج من الدار وله سعة تصلح للمبيت من سقف يحنث بدخوله اه.
قوله: (في حلفه) متعلق بقوله: لا يحنث ط.
قوله:
(لانها) أي هذه المذكورات وهو على لقوله: لا يحنث والصالح للبيتوتة من دهليز وظلة يعد عرفا للبيتوتة ط.
قوله: (ولذا) أي لكون المعتبر الصلوح للبيتوتة وعدمه ط.
قوله: (في الصفة) أي سواء كان لها أربع حوائط كما هي صفات الكوفة أو ثلاثة على ما صححه في الهداية بعد أن يكون مسقفا، كما هي صفاف دورنا لانه يبات فيها، غاية الامر أن مفتحه واسع، كذا في الفتح، قوله: (والايوان) عطف تفسير ط.
قوله: (لانه) أي الصفة بتأويل البيت أو المكان.
قوله: (وإن لم يكن مسقفا) قد علمت أنه في الفتح قال: بعد أن يكون مسقفا، نعم ذكر في الفتح أن السقف ليس شرطا في مسمى البيت والدهليز.
قال في الشرنبلالية: فكذا الصفة اه.
قلت: وعرفنا في الشام إطلاق البيت على ما له أربع حوائط من جملة أماكن الدار السفلية، أما الاماكن العلوية فتسمى طبقة وقصرا وعليه ومشرفة، وأهل مدينة دمشق عرفهم إطلاق البيت على الدار بجملتها فيحكم على كل قوم بعرفهم.
قوله: (لا بناء بها أصلا) قيد به تبعا للفتح حيث قال: وهذا هو المراد، فإنه قال في مقابله: فيما إذا حلف لا يدخل هذه الدار فدخلها بعد ما صارت صحراء حنث، وإنما تقع المقابلة بين المعين والمنكر في الحكم إذا توارد حكمها على محل، فأما إذا دخل بعد ما زال بعض حيطانها فهذه دار خربة فينبغي أن يحنث في المنكر، إلا أن تكون له نية اه.
قوله: (لان الدار اسم للعرصة) أي أنها في اللغة اسم للعرصة التي ينزل بها أهلها وإن لم يكن(4/50)
بها بناء أصلا، لانهم كانوا يضعون فيها الاجنبية لا أبنية الحجر والمدر فصح أن البناء وصف فيها غير لازم، بل اللازم فيها كونها قد نزلت غير أنها في عرف أهل المدن لا تقال إلا بعد بالبناء فيها، ولو انهدم بعد ذلك قبل دار خراب، فيكون الوصف جزء مفهومها، فإن زالت بالكلية وعادت ساحة، فالظاهر أن إطلاق اسم الدار عليها عرفا كهذه دار فلان مجاز باعتبار ما كان، والحقيقة أن يقال: كانت دار.
فتح.
قوله: (والبناء وصف الخ) بيان لوجه الفرق بين الدار المنكرة والمعرفة، أما البيت فلا فرق فيه كما يأتي.
قوله: (إنما تعتبر في المنكر) لانها هي المعرفة له لا في المعين لان ذاته تتعرف بالاشارة فوق ما تتعرف بالصفة.
فتح.
قوله: (إلا إذا كانت شرطا) في الذخيرة قالوا:
الصفة إذ لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف، أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر وهو الصحيح، ألا ترى أن من قال لامرأته: إن دخلت هذ الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق؟ واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط اه.
قلت: وقوله هذه إشارة للمرأة فاعل دخلت والدار مفعول ليصير قوله راكبة صفة للمعين بالاشارة وهو امرأة.
قوله: (أو داعية لليمين) أي حاملة عليه، فإن الامتناع عن أكل الرطب قد يكون لضرره، فلا يحنث بعد صيرورته تمرا، وسيأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (وإن جعلت) أي الدار المعرفة بالاشارة.
قوله: (أو بيتا) في النهر عن المحيط: لو كانت دارا صغيرة فجعلها بيتا واحدا وأشرع بابه إلى الطريق أو إلى دار أخرى لا يحنث بدخلوها لتبدل الاسم والصفة بحدوث أمر جديد اه قوله: (لا يحنث) لانها لا تسمى دارا لحدوث اسم آخر لها.
ذخيرة.
قوله: (وإن بنيت بعد ذلك) لانه عاد اسم الدار بسبب جديد فنزل منزلة اسم آخر، وكذا لو لم تبن، لانه لم يزل اسم المسجد ونحوه، عنها.
يقال مسجد خراب وحمام خراب.
ذخيرة.
قوله: (وكذا بيتا بالاولى) لانه إذا اعتبر وصف البناء في معرفة ففي منكره أولى.
قال في البحر: فصار الحاصل: أن البيت لا فرق فيه بين أن يكون منكرا أو معرفا، فإذا دخله وهو صحراء لا يحنث لزوال الاسم بزال البناء، وأما الدار ففرق بين المنكرة والمعرفة اه.
قوله: (لزوال اسم البيت) أي بالانهدام لزوال مسماه وهو البناء الذي يبات فيه، بخلاف الدار لانها تسمى دارا ولا بناء فيها.
فتح.
وفي الذخيرة قال قائلهم: الدار دار وإن زالت حوائطها والبيت ليس ببيت بعد تهديم قوله: (لانه كالصفة) الضمير للسقف قال في الهداية: يحنث لانه يبات فيه والسقف وصف فيه اه، وفي الذخيرة لان اسم البيت لم يزل عنه لامكان البيتوتة فيه، أو نقول اسم البيت ثابت لهذه البقعة لاجل الحيطان والسقف جميعا، فإذا زال السقف فقد زال الاسم اسم من وجه دون وجه، فلا تبطل اليمين بالشك، وقياس الاول يحنث في المنكر أيضا لان اسم البيت لم يزل، وعلى قياس الثاني لا يحنث لانه بيت من وجه، والحاجة هنا إلى عقد اليمين فلا ينعقد عليه بالشك، بخلاف(4/51)
المعين فإن اليمين كانت منعقدة على هذه العين فلا تبطل بالشك اهملخصا.
قوله: (وعزاه في البحر إلى البدائع الخ) أي عزا ما ذكر في المنكر، ومقتضى ما نقلناه عن الذخيرة، أن الحكم فيه غير منقول، وإنما هو تخريج مبني على اختلاف التعليل في المعرف، فما في البدائع أحد وجهين، والوجه الآخر ما بحثه في النهر، فافهم، قوله: (حنث بدخولها على أي صفة كانت) أي دارا مسجدا أو حماما لانعقاد اليمين على العين دون الاسم والعين باقية.
ذخيرة.
قوله: (كهذا المسجد) أي فإنه يحنث بدخوله على أي صفة كان ط.
قوله: (به يفتى) خلافا لقول محمد: إنه إذا خرب واستغنى عنه يعود إلى ملك الباني أو ورثته.
ط عن الاسعاف.
قوله: (لم يحنث) لان اليمين وقعت على بقعة معينة فلا يحنث بغيرها.
بحر.
قوله: (وكذلك الدار) أي لو زيد فيها حصة.
قوله: (وذلك) أي ما عقد يمينه عليه موجود في الزيادة.
قلت: وهذا الفرع يؤيد القول بأن ما زيد في مسجده (ص) له فضيلة أصل المسجد الواردة في حديث صلاة في مسجدي وقدمنا تمام الكلام على ذلك في الصلاة.
قوله: (فنقضت) أي حين صارت خشبا.
قوله: (لم يحنث) لان ذلك أعيد بصنعة جديدة قائمة بالعين، ومن ذلك إذا حلف لا يجلس على هذا البساط فخيط جانباه وجعل خرجا وجلس عليه لا يحنث لانه صار يسمى خرجا، فإن فتقت الخياطة حتى عاد بساطا فجلس عليه حنث، لان الاسم عاد لا بصنعة جديدة قائمة بالعين، لان الفتق إبطال الصنعة لا صنعة، ولو قطع وجعله خرجين ثم فتقه وخاط القطع وجعلهما بساطا واجدا لا يحنث، وإن عاد الاسم لانه عاد بصنعة جديدة قائمة العين، ألا ترى أنه بمجرد الفتق لا يعود اسم البساط إلا بعد، الخياطة، وهذا إذا كان واحد من الخرجين لا يسمى بساطا لصغره، فلو سمي يحنث، وتمامه في الذخيرة.
قوله: (ثم براه) لانه صار قلما بسبب جديد.
ذخيرة.
قوله: (فإذا كسره) قال فضيلي: هذا إذا كسره على وجه يزول عنه اسم القلم فإنه يحتاج إلى الثناء أما إذا كسر رأس القلم بأن لا يحتاج إلى الاصلاح يحنث.
صيرفية.
قال ط: أو العرف الآن بخلاف هذا فإنه يقال قلم مكسور.
قوله: (والواقف على السطح) أي سطح الدار المحلوف على عدم دخلوها إذا
وصل إليه من سطح آخر، وإنما عد داخلا لان الدار عبارة عما أحاطت به الدائرة، وهذا حاصل في علو الدار وسفلها كما في الفتح.
قوله: (خلافا للمتأخرين) هم المعبر عنهم في قول الهداية: وقيل في عرفنا: يعني عرف العجم لا يحنث.
فتح.
قوله: (وعدمه على مقابله) أي عدم الحنث الذي هو(4/52)
قول المتأخرين على مقابله: أي على سطح لا ساتر له، لانه ليس إلا في هواء الدار فلا يحنث من حيث اللغة، إلا أن يكون عرف أنه داخل الدار، والحق ان السطح لا شك أنه من الدار لانه من أجزائها حسا، لكن لا يلزم من القيام عليه أنه يقال: إنه في العرف داخل الدار ما لم يدخل جوفها، إذ لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف حتى صح أن يقال: لم يدخل الدار ولكن صعد السطح من خارج.
أفاده في الفتح.
وحاصله أن الدخول لا يتحقق في العرف إلا في موضع له ساتر من حيطان أو داربزين أو نحوه، قال في النهر: ومقتضى كلام الكمال أنه لو حلف لا يخرج منها فصعد إلى سطحها الذي لا ساتر أن يحنث، والمسطور في غاية البيان أنه لا يحنث مطلقا لانه ليس بخارج اه.
قلت: فيه نظر، لانه لا يلزم من عدم تحقق الدخول في صعود السطح أن يتحقق الخروج فيه، بل يصح أن يقال: إن من صعد السطح ليس بداخل ولا خارج، لان حقيقة الدخول الانفصال من الخارج إلى الداخل والخروج عكسه، ولا شك أن السطح حيث كان من أجزاء الدار لم يكن الصاعد إليه خارجا عنها، ومقتضى هذا إن يحنث إذا توصل إليه من خارجها لانه انفصل من خارجها إلى داخلها، لكن مبني كلام الكمال على أنه لا يسمى في العرف داخلا فيها ما لم يدخل جوفها والجوف المستور بساتر، هذا ما ظهر لي فافهم.
قوله: (لا يحنث) لان الواقف على السطح لا يسمى واقفا عندهم.
زيلعي، وهذا على توفيق الكمال محمول على سطح لا ساتر له، لما علمت من أن المتأخرين هم المعبر عنهم في كلامهم الهداية بقوله: وقيل في عرفنا: يعني عرف العجم، فكان ينبغي للشارح أن يذكر توفيق الكمال بعد قوله: وقال ابن الكمال، لكن يبقى بعد هذا في كلامه إبهام أن ما نقله عن ابن الكمال قول ثالث خارج عن قولي المتقدمين والمتأخرين مع أنه قال المتأخرين
كما سمعت، قوله: (وعليه الفتوى) لان المفتي به اعتبار العرف، فحيث تغير العرف فالفتوى على العرف الحادث، فافهم.
قوله: (وأفاد) أي قوله والواقف على السطح داخل.
قوله: (ولو ارتقى شجرة) أي في الدار، والمراد أنه ارتقى إليها من خارج الدار، وإلا كان داخلا في الدار فيحنث بلا خلاف ح.
قوله: (أو حائطا) أي مختصا بالدار، فلو مشتركا بينه وبين الجار لم يحنث كما في الظهيرية.
بحر.
فافهم.
قوله: (لانه لا يسمى داخلا عرفا) لما مر من أنه لا يتعلق لفظ دخل إلا بجوف.
قوله: (لا ينتفع بها أهل الدار) أما لو كان للقناة موضع مكشوف في الدار يستقون منه، فإذا بلغه حنث، لانه من منافع الدار بمنزلة بئر الماء، وإن كان للضوء لم يحنث لانه ليس من مرافقها، ولا يعد داخله داخلا في الدار، بحر عن المحيط ملخصا، وقوله للضوء: أي لضوء القناة، كما عبر في الخانية وفي بعض نسخ البحر للوضوء، وهو تحريف.
قوله: (قال) أي في البحر.
قوله: (وعم إطلاقه) أي إطلاق السطح بأن حلف لا يدخل المسجد فدخل سطحه.
قوله: (لانه ليس بمسجد) ظاهره كما قال ط: إن المراد مسكن بناه الواقف، أما الحادث على سطحه فلا يخرج السطح عن حكم المسجد.(4/53)
قلت: لكن في العرف لا يسمى ذلك المسكن مسجدا مطلقا.
تأمل.
قوله: (ولو نقبا) قال في البحر: فإن نقب للدار بابا آخر فدخل يحنث، لانه عقد يمينه على الدخول من باب منسوب للدار وقد وجد، وإن عني به الباب الاول يدين، لان لفظه يحتمله، ولا يصدق في القضاء لانه خلاف الظاهر، حيث أراد بالمطلق المقيد.
قوله: (إلا إذا عينه بالاشارة) فإذا دخل في باب آخر لا يحنث، لانه لم يوجد الشرط.
بحر.
قوله: (كان خارجا) أي كان الطاق أو الواقف خارجا عن الباب.
قوله: (بحيث الخ) تصوير للعكس.
قوله: (انعكس الحكم) ففي الوجه الاول يحنث، وفي عكسه لا.
قوله: (لكن في المحيط الخ) استدراك على ما أفاده قوله: انعكس الحكم من أنه إذا وقف على العتبة الخارجة يحنث في حلفه لا يخرج، فإن مقتضى ما في المحيط أن لا يحنث لكون العتبة من بناء الدار، اللهم إلا أن يفرق بالعرف، فإن من كان على العتبة الخارجة يعد خارجا، ومن كان على
أغصان الشجرة يعد مستعليا على أغصان الشجرة التي في الدار لا خارجا ط.
قلت: ومر أن الظاهر قول المتأخرين في أنه لا يعد عرفا داخلا بارتقاء الشجرة، فكذا لا يعد خارجا في مسألتنا.
قوله: (لان الشجرة كبناء الدار) أي فهي كظلة في الدار على الطريق.
قوله: (إذا كان الحالف) أي على عدم الخروج.
قوله: (لم يحنث) لان اعتماد جميع بدنه على رجله التي هي في الجانب الاسفل.
قوله: (زيلعي) ومثله في كثير من الكتب، بحر.
قوله: (هو الصحيح) عزاه في الظهيرية إلى السرخسي وفي البحر وهو ظاهر، لان الانفصال التام الخ.
وقال في الفتح وفي المحيط: لو أدخل إحدى رجليه لا يحنث، وبه أخذ الشيخان الامامان شمس الائمة الحلواني والسرخسي، هذا إذا كان يدخل قائما فلو مستلقيا على ظهره أو بطنه أو جنبه فتدحرج، حتى صار بعضه داخل الدار، إن كان الاكثر داخل الدار يصير داخلا وإن كان ساقاه خارجها.
قوله: (ودوام الركوب واللبس الخ) يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة وهو راكبها، أو لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه، أو لا يسكن هذه الدار وهو ساكنها، فمكث ساعة حنث، فلو نزل أو نزع الثوب أو أخذ في النقلة من ساعته لم يحنث.
قوله: (فيحنث بمكث ساعة) لان هذه الافاعيل لها دوام بحدوث أمثالها، وإلا فدوام الفعل حقيقة مع أنه عرض لا يبقى مستحيل كما في النهر، والمراد بالساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه فيها النزول ونحوه كما في البحر، فلو دام على السكنى لعدم إمكان الخروج والنقلة لا يحنث كما يأتي بيانه.
قوله: (لا دوام الدخول الخ) لان الدخول حقيقة ولغة وعرفا في الانفصال من الخارج إلى الداخل، ولا دوام لذلك، ولذا لو حلف ليدخلنها غدا وهو فيها، فمكث(4/54)
حتى مضى الغد حنث، لانه لم يدخلها فيها إذا لم يخرج، ولو نوى بالدخول الاقامة فيها لم يحنث، وكذا لو حلف لا يخرج وهو خارج لا يحنث، حتى يدخل ثم يخرج، وكذا لا يتزوج وهو متزوج، ولا يتطهر وهو متطهر، فاستدام النكاح والطهارة لا يحنث.
فتح.
قوله: (والضابط أن ما يمتد) أي ما يصح امتداده كالقعود والقيام، ولذا يصح قران المدة به كاليوم والشهر.
قوله: (وهذا) أي الحنث بالمكث ساعة فيما يمتد لو اليمين حال الدوام: أي لو حلف وهو متلبس بالفعل بأن قال إن ركبت فكذا وهو
راكب فيحنث بالمكث، أما لو حلف قبله فلا يحنث بالمكث بل بإنشاء الركوب، قال في الفتح: لان لفظ ركبت إذا لم يكن الحالف راكبا يراد به إنشاء ركوب، فلا يحنث بالاستمرار، وإن كان له حكم الابتداء، بخلاف حلف الراكب لا أركب فإنه يراد به الاعم من ابتداء الفعل وما في حكمه عرفا اه قوله (في الفصول كلها) أي يمتد وما لا يمتد سواء كان متلبسا بالفعل ثم حلف أو لم يكن ط.
قوله: (وإليه مال أستأذنا) عبارة المجتبي: وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه، وإليه أشار أستأذنا اه.
ونقل كلامه في البحر وأقره عليه، والظاهر أن عرف زمانه كان كذلك أيضا.
مطلب: حلف لا يسكن الدار قوله: (حلف لا يسكن الخ) فلو حلف لا يعقد في هذه الدار ولا نية له، قالوا: إن كان ساكنا فيها فهو على السكنى، وإلا فعلى القعو حقيقة، بحر عن المحيط.
وفي الخانية: حلف لا يخرج من بلد كذا فهو على الخروج ببدنه، وفي لا يخرج من هذه الدار فهو على النقلة منها بأهله إن كان ساكنا فيها، إلا إذا دل الدليل على أنه أراد الخروج ببدنه اه.
قوله: (يعني الحارة) كذا قال في البحر: المحلة هي المسماة في عرفنا بالحارة اه.
قلت: المحلة في عرفنا الآن تطلق على الصقع الجامع لازقة متعددة كل زقاق منها يسمى حارة، وقد تطلق الحارة على المحلة كلها.
قوله: (فخرج) وكذا لو لم يخرج بالاولى.
بحر.
لان السكنى مما يمتد فلدوامه حكم الابتداء، وظاهره ما مر عن المجتبى عدم الحنث في عرفهم.
قوله: (وأهله) قال في البحر: الواو بمعنى أو، لان الحنث يحصل ببقا أحدهما، والمراد بالاهل زوجته وأولاده الذين معه وكل من كان يأويه لخدمته والقيام بأمره كما في البدائع.
قوله: (حتى لو بقي وتد حنث) جعل حنث جواب لو فصار المتن بلا جواب، فكان المناسب الاخصر أن يقول: ولو وتدا، وهو بكسر التاء أفصح من فتحها.
قهستاني.
وهذا تعميم للمتاع جريا على قول الامام بأنه لا بد من نقل المتاع كله كالاهل.
قوله: (واعتبر محمد الخ) أي لان ما وراء ذلك ليس من السكنى.
هداية.
وقال أبو يوسف: يعتبر نقل الاكثر لتعذر الكل في بعض الاوقات.
قال في البحر: وقد اختلف الترجيح: فالفقيه أبو الليث رجح قول الامام وأخذ به والمشايخ استثنوا منه ما لا يتأتى به السكنى كقطعة حصير ووتد كما ذكره في التبيين وغيره.
ورجح
في الهداية قول محمد بأنه أحسن وأرفق، ومنهم من صرح بأن الفتوى عليه كما في الفتح.
وصرح(4/55)
كثير كصاحب المحيط والفوائد الظهيرية والكافي بأن الفتوى على قول أبي يوسف، والافتاء بقول الامام أولى لانه أحوط وإن كان غيره أوفق اه.
قال في النهر: أنت خبير بأنه ليس المدار إلا على العرف، ولا شك أن مخرج على نية ترك المكان وعدم العود إليه ونقل من أمتعته ما يقوم به أمر سكنا وهو على نية نقل الباقي يقال ليس ساكنا فيه بل انتقل منه وسكن في المكان الفلاني، وبهذا يترجح قول محمد اه.
قلت: وهذا الترجيح بالوجه المذكور مأخوذ من الفتح، وفي الشرنبلالية عن البرهان: إن قول محمد أصبح ما يفتى به من التصحيحين اه.
قلت: ويؤيده ما مر من استثناء المشايخ، فإن عليه يتحد قول الامام مع قول محمد، وأما قول النهر: إنه ليس قول واحد منهم فهو غير ظاهر، وإن كان كلام الزيلعي وغيره يومهم ما قاله، فتأمل.
قوله: (على الاوجه) قال في الهداية: فإن انتقل إلى السكة أو إلى المسجد قالوا: لا يبر، دليله في الزيارات أن من خرج بعياله من مصره فما لم يتخذ وطنا آخر يبقى وطنه الاول في حق الصلاة، كذا هذا اه.
وفي الزيلعي: وقال أبو الليث: وهذا إذا لم يسلم الدار المستأجرة إلى أهلها، وأما إذا سلم فلا يحنث وإن كان هو والمتاع في السكة أو في المسجد اه.
قال في الفتح: وإطلاق عدم الحنث أوجه وبقاء وطنه في حق إتمام الصلاة لا يستلزم تسميته ساكنا عرفا، بل يقطع العرف فيمن نقل أهله وأمتعته وخرج مسافرا أن لا يقال فيه إنه ساكن وتمامه فيه.
وفي البحر عن الظهيرية: والصحيح أنه يحنث ما لم يتخذ مسكنا آخر اه.
قلت: المعتبر العرف والعرف خلافه كما علمت: قوله: (وهذا الخ) الاشارة إلى ما في المتن.
قال في النهر: وجواب المسألة مقيد بقيود أن تكون اليمين بالعربية، وأن يكون الحالف مستقلا بالسكنى وأن لا كون الترك لطلب منزل: (ولو بالفارسية بخروجه بنفسه) وإن كان مستقلا بسكناه.
فتح.
وهذا الفرق منقول عن أبي الليث.
قال في النهر: وكأنه بناه على عرفهم.
قوله: (كما لو كان سكناه تبعا) كابن كبير ساكن مع أبيه أو أمرأة مع زوجها، فلو حلف أحدهما لا يسكن هذه الدار فخرج بنفسه وترك أهله وماله أو هي زوجها ومالها لا يحنث.
فتح.
قوله: (كما لو أبت المرأة وغلبته) أي وخرج هو ولم يرد العود إليه.
بحر.
وأطلقه فشمل ما إذا خاصما عند الحاكم أو كما في البزازية.
قوله: (أو لم يمكنه الخروج الخ) عطفه على ما قبله غير مناسب، لان ما قبله في المسائل التي يبر فيها بخروجه بنفسه، وهذا ليس منها، فالمناسب أن يقول: ولو لم يمكنه الخرو الخ.
ويكون الجواب قوله الآتي: لم يحنث قال في الفتح: ثم إنما يحنث بتأخير إذا أمكنه النقل فيها، وإلا بأن كان لعذر ليل أو خوف اللص، أو منع ذي سلطان أو عدم موضع ينتقل إليه أو أغلق عليه الباب فلم يستطع فتحه أو كان شريفا أو ضعيفا لا يقدر على حمل المتاع بنفسه ولم يجد من ينقله لا يحنث، ويلحق ذلك الوقت بالعدم للعذر.
مطلب: إن لم أخرج كذا، فقيد أو منع حنث وأورد ما ذكره الفضلي فيمت قال: إن لم أخرج هذا المنزل فهي طالق فقيد أو منع من(4/56)
الخروج حنث، وكذا إذا قال لامرأته وهو في منزل أبيها إن لم تحضري الليلة منزلي فمنعها أبوه من الخروج حنث، وأجبيب بالفرق بين كون المحلوف عليه عدما فيحنث بتحققه كيفما كان، لان العدم لا يتوقف على الاختيار، وكونه فعلا فيتوقف عليه كالسكنى، لان المعقود عليه الاختياري، وينعدم بعدمه فيصير مسكنا لا ساكنا فلم يتحقق شرط الحنث اه.
ثم أعاد المسألة في آخر الايمان.
وذكر عن الصدر الشهيد، في الشرط العدمي خلافا، وأن الاصح الحنث، لان الشرح قد يجعل الموجود معدوما بالعذر كالاكراه وغيره، ولا يجعل المعدوم موجودا وإن وجد العذر اه.
ونحوه في الزيلعي والبحر، وقد أوضحنا هذه المسألة في آخر التعليق من الطلاق.
قوله: (ولو بدخول ليل) هذا بمجرده عذر في حق المرأة، بخلاف الرجل لما في آخر يمان الفتح عن الخلاصة قال لها: إن سكنت هذه الدار فأنت طالق وكان ليلا فهي للمعذورة حتى تصبح، ولو قال لرجل لم يكن معذورا هو الاصح إلا لخوف لص أو غيره.
قوله: (أو غلباب) أي إذا لم يقدر على فتحه والخروج منه،
ولو قدر على خروج بهدم بعض الحائط ولم يهدم لم يحنث، لان المعتبر القدرة على الخروج من الوجه المعهود عند النفس كما في الظهيرية.
بحر.
قوله: (وإن بقي أياما) هو الصحيح لان طلب المنزل من عمل النقلة فصار مدة الطلب مستثنى إذا لم يفرط في الطلب.
فتح.
قوله: (وإن أمكنه أن يستكري دابة) أي لنقل المتاع في يوم واحد مثلا إذ لا يلزمه النقل بأسرع الوجوه، بل بقدر ما يسمى ناقلا في العرف.
فتح.
قوله: (دين) أي ولا يصدق في القضاء.
بحر عن البدائع.
فرع: حلف لا يسكن هذه الدار ولم يكن ساكنها فيها لا يحنث حتى يسكنها بنفسه وينقل إليها من متاعه ما يبات فيه ويستعمله في منزله كما في البحر عن البدائع.
قوله: (فإنه يبر بنفسه فقط) أي ولا يتوقف على نقل المتاع والاهل.
فتح.
قال في النهر: وفي عصرنا يعد ساكنا بترك أهله ومتاعه فيها ولو خرج وحده فينبغي أن يحنث، قال الرملي: كونه يعد ساكنا مطلقا غير مسلم، بل إنما يعد ساكنا إذا كان قصده العود، أما إذا خرج منها لا بقصد العود لا يعد ساكنا، ولعله مقيد بذلك.
مطلب: حلف لا يساكن فلانا قوله: (حلف لا يساكن فلانا) فإن كان ساكنا معه فإن أخذ في النقلة وهي ممكنة وإلا حنث.
قال محمد: فإن كان وهب له المتاع وقبضه منه وخرج من ساعته وليس من رأيه العود فليس بمساكن، وكذلك إن أودعه المتاع أو أعاره ثم خرج لا يريد العو.
بحر وفي حاشية الرملي عن التاترخانية: لا تثبت المساكنة إلا بأهل كل منهما ومتاعه.
قوله: قوله: (فساكنه في عرصة دار) أي ساحتها وكذا في بيت أو غرفة بالاولى.
قوله: (فساكنه في عرصة دار) أي ساحتها وكذا في بيت أو غرفة بالاولى.
قوله: (أو هذا في حجرة) في بعض النسخ بالواو، ونسخة أو أحسن وهي الموافقة للبحر.
قوله: (حنث) فلو نوى أن لا يساكنه في بيت واحد أو حجرة واحدة يكونان فيه معا لم يحنث حتى يساكنه في فيما نوى وإن نوى بينا بعينه لم يصح بزازية وفي الذخيرة(4/57)
وغيرها لا يساكنه في هذه المدينة أو القرية أو في الدنيا فساكنه في دار حنث، ولو سكن كل في دار فلا إلا إذا نوى.
قوله: (إلا أن تكون دارا كبيرة) نحو دار الوليد بالكوفة ودار نوح ببخارى، لان هذه الدار بمنزلة المحلة.
ظهيرية.
قوله: (ولو تقاسماها الخ) يعني وحلف لا يساكن فلانا في دار
فاقتسماها كلا منهما في طائفة: فإن سمي دارا بعينها حنث، وإن لم يسم ولم ينو فلا كما في الخا نية.
ووجهه كما قال السائحاني إن اليمين إذا عقدت على دار بعينها يحنث بعد زوال البناء، فبعد القسمة الاولى.
قوله: (ولو دخلها فلان غصبا) معناه: وسكنها، لانه لا يحنث بمجرد الدخول.
رملي.
ومر أن المساكنة لا تثبت إلا بأهل كل منهما ومتاعه، قوله: (وإن انتقل فورا) أي على التفصيل السابق.
قوله: (وكما لو نزل ضيفا) أي لا يحنث، قال في الخلاصة وفي الاصل: لو دخل عليه زائرا أو ضيفا فأقام فيه يوما أو يومين لا يحنث، والمساكنة بالاستقرار الدوام وذلك بأهله ومتاعه اه.
وفي الخانية: حلف لا يساكن فلانا فنزل الحالف وهو مسافر منزل فلان فسكنا يوما أو يومين لا يحنث، حتى يقيم معه في منزله خمسة عشر يوما، كما لو حلف لا يسكن الكوفة فمر بها مسافرا ونوى إقامة أربعة أربعة عشر يوما لا يحنث، وإن نوى إقامة خمسة عشر يوما حنث اه.
وقد وقعت هذه المسألة في البحر بدون قوله: وهو مسافر فأوهم أن مسألة الضيف مقيدة بما دون خمسة عشر يوما مع احتمال أن يفرقوا بينهما، والله أعلم.
قوله: (به يفتى) هو قول أبي يوسف: وعند الامام يحنث بناء على أن قيام السكنى بالاهل والمتاع: بزازية.
وفرض المسألة في التاترخانية عن المنتقى فيما إذا سافر المحلوف عليه وسكن الحالف مع أهله، ولا يخفي أن هذه أقرب إلى مظنة الحنث.
قوله: (ولو قيد المساكنة بشهر الخ) عبارة البحر: لو حلف لا يساكنه شهر كذا فساكنه ساعة فيه حنث، لان المساكنة مما لا يمتد، ولو قال: لا أقيم بالرقة شهرا لا يحنث ما لم يقم جميع الشهر، ولو حلف لا يسكن الرقة شهرا فسكن ساعة حنث اه.
قلت: فقد فرقوا بين لفظ المساكنة ولفظ الاقامة، وعلله الفارسي في باب يمين الابد والساعة من شرحه على تلخيص الجامع بأن الوقت في غير المقدر بالوقت ظرف لا معيار، والمساكنة والمجالسة ونحوهما غير مقدرة بالوقت لصحتها في جميع الاوقات، وإن قلت فيكون الوقت لتقدير المنع الثابت باليمين لا لتقدير الفعل بالوقت وذكر أن السكنى لم يذكرها محمد في الاصل وإنما اختلف فيها المشايخ، فقيل كالمساكنة، وقيل يشترط استيعابها الوقت اه.
ومقتضى هذا أن الاقامة مقدرة بالوقت مقدرة بالوقت، بمعنى أنها لا تسمى إقامة ما لم تمتد مدة، ويشير إلى هذا ما في التاترخانية: وإذا
حلف لا يقيم في هذه الدا كان أبو يوسف يقول إذا قام فيها أكثر النهار أو أكثر الليل يحنث، ثم رجع وقال: إذا أقام فيها ساعة واحدة يحنث، وهو قول محمد، وإذا حلف لا يقيم بالرق شهرا فليس بحانث حتى يقيم بها تمام الشهر اه.
ومفاده: أن الاقامة متى قيدت بالمدة لزم في مفهومها الامتداد، وتقيدت بالمدة المذكورة(4/58)
كلها، بخلاف المساكنة، فإنه لا يلزم امتدادها مطلقا لصدقها على القليل والكثير فلا تكون المدة قيدا لها بل قيد للمنع، بمعنى أنه منع نفسه عن المساكنة في الشهر، فإذا سكن يوما منه حنث لعدم المنع، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل، وبه ظهر أن قولهم هنا: إن المساكنة مما لا يمتد، معناه لا يلزم في تحققها الامتداد بخلاف الاقامة إذا قرنت بالمدة فلا ينافي ما مر في كلام المصنف والشارح تبعا لغيرهما أن المساكنة مما يمتد، بخلاف الدخول والخروج، لان معناه أنها يمكن امتدادها، وهذا غير المعنى المراد هنا، وقد خفي هذا على الخير الرملي وغيره فادعوا أنا ما هنا مناقض لما مر، وأن الصواب إسقاط عدم من قوله: لعدم امتدادها فافهم.
ثم اعلم أنه في التاترخانية وغيرها ذكر أنه لو قال عنيت المساكنة جميع الشهر صدق ديانة لا قضاء، وقيل قضاء أيضا، والصحيح الاول.
قلت: وأنت خبير بأن مبنى الايمان على العرف، والعرف الآن فيمن حلف لا يساكن فلانا شهرا أو لا يسكن هذه الدار شهرا أو لا يقيم فيها شهرا أنه يراد جميع المدة في المواضع الثلاثة، والله سبحانه أعلم قوله: (وفي خزانة الفتاوى الخ) مخالف لما يأتي في باب اليمين بالضرب من أنه يشترط في الضرب القصد على الاظهر اه ح.
قلت: ومع هذا لا مناسبة هنا، إلا أن يقال: استوضح به قوله في المسألة المار إن أقام معه حنث علم أو لا.
قوله: (من المسجد) قيد به تبعا للامام محمد في الجامع الصغير احترازا عن الدار المسكونة.
قال في الذخيرة ما نصه: قال القدوري: الخروج من الدار المسكونة أن يخرج بنفسه ومتاعه وعياله، والخروج من البلدة أو القرية أن يخرج ببدنه خاصة، زاد في المنتقى: إذا خرج
ببدنه فقد بر أراد سفرا أو لم يرد اه.
ولا يخي أن قوله: زاد في المنتقى الخ راجع لمسألة الخروج من البلدة والقرية، فلا يدل على أنه يكفي أن يخرج ببدنه في مسألة الدار أيضا فليس في ذلك ما يخالف ما في البحر وغيره، فافهم، نعم في الظهيرية والخانية، ولو حلف لا يخرج من هذه الدار فهو على الرحيل منها بأهله إن كان ساكنا فيها، إلا إذا دل الدليل على أنه أراد به الخروج ببدنه.
قوله: (بأن حمل مكرها) أي ولو كان بحال يقدر على الامتناع ولم يمتنع في الصحيح.
خانية.
وفي البزازية تصحيح الحنث في هذه الصورة، هذا واعترض في الشرنبلالية ذكر الاكراه هنا بأنه لا يناسب قوله: ولو راضيا إذ لا يجامع الاكراه الرضا اه.
وفي الفتح: والمراد من الاخراج مكرها هنا أن يحمله ويخرجه كارها لذلك، لا الاكراه المعروف هو أن يتوعده حتى يفعل، فإنه إذا توعده فخرج بنفسه حنث، لما، عرف أن الاكراه لا يعدم الفعل عندنا اه.
وأقره في البحر، واعترض في اليعقوبية التعليل بما قالوا في لا أسكن الدار، فقيد، ومنع يحنث، لان للاكراه تأثيرا في إعدام الفعل، وأجبت عنه فيما علقته على البحر بأنه قد يقال: إنه يعدم الفعل بجيث لا ينسب إلى فاعله إذا أعدم الاختيار وهنا دخل باختيار، فليتأمل.
وفي القهستاني عن المحيط، لو خرج بقدميه للتهديد لم يحنث، وقيل حنث اه.
ومفاده اعتماد عدم الحنث، لكن في إكراه الكافي للحاكم الشهيد: لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار بوعيد تلف حتى دخل عتق، ولا يضمن المكره قيمة العبد.
قوله: (لا يحنث) لان الفعل وهو الخروج لم ينتقل إلى الحالف لعدم الامر وهو الموجب للنقل،(4/59)
فتح.
قوله: (في الاصح) وقيل يحث إذا حمله برضاه لا بأمره، لانه لما كان يقدر على الامتناع فلم يفعل صار كالآمر، وجه الصحيح الفعل بالامر لا بمجرد الرضا ولم يوجد الامر ولا الفعل منه فلا ينسب الفعل إليه، ولو قيل: إن الرضا ناقل دفع بفرع اتفاقي، وهو ما إذا أمره أن يتلف ماله ففعل لا يضمن المتلف لانتساب الاتلاف إلى المالك بالامر، فلو أتلفه وهو ساكن ينظر لم ينهه ضمن بلا تفصيل لاحد بين كونه راضيا أو لا.
فتح قوله: (أقساما) من الحمل والادخال بالامر أو بغيره مكرها أو راضيا.
قهستاني.
قوله: (وأحكاما) من الحنث وعدمه.
قوله: (وإذا لم يحنث) شرط
جوابه قول المصنف لا تنحل يمينه ط.
قوله: (أو بزلق) عطف على قوله: بلا أمره أي بزلق قدميه، وهو بفتحتين مصدر زلق كفرح، وفي نسخة ولو بزلق.
قوله: ح (أو بعثح ر) بصيغة المصادر فهو بسكون الثاء المثلثة، قال في القامو س: عثر كضرب ونصر وعلم وكرم، وعثرا وعثيرا وعثارا تعثرا: كبا اه ط.
قوله: (أو جمع دابة) في المصباح: جمع الفرس براكبه بجمع جماحا بالكسر وجموحا استعصى حتى غلب.
تأمل.
قوله: (على الصحيح) راجع إلى جميع المعاطيف ط.
قوله: (فتح وغيره) عبارة الفتح: قال السيد أبو شجاع: تنحل وهو أرفق بالناس.
وقال غيره من المشايخ: لا تنحل وهو الصحيح.
ذكر التمرتاشي وقاضيخان، وذلك لانه إنمالا يحنث لانقطاع نسبة الفعل إليه، وإذا لم يوجد منه المحلوف عليه كيف تنحل اليمين فبقيت على حالها في الذمة، ويظهر أثر هذا الخلاف فيما لو دخل بعد هذا لاخراج هل يحنث؟ فمن قال انحلت قال: لا يحنث، وهذا بيان كونه أرفق بالنا س، ومن قال لم تنحل قال: حنث.
ووجبت الكفارة وهو الصحيح اه.
وقوله فيما لو دخل بعد هذا الاخراج: يعني ثم خرج بنفسه، لان كلامه فيما لو حلف لا يخرج فأخرج محمولا بدون أمره، وإذا لم تنحل اليمين بهذا الاخراج يحنث لو دخل ثم خرج بنفسه لا بمجرد دخوله، فافهم.
قوله: (لكنه خالف في فتاويه الخ) ذكر الرملي أنه لم يجد ذلك في فتاوي صاحب البحر، بل وجد ما يخالفه.
قلت: ولعل ذلك ساقط من نسخته، وإلا فقد وجدته فيها.
قوله: (قاصدا) أي قاصدا الخروج إليها، فلو قصد الخروج لغيرها حنث وإن ذهب إليها.
قوله: (عند انفصاله من باب داره) لانه بذلك يعد خارجا بها، فلو كان في منزل داره فخرج إلى صحنها ثم رجع لا يحنث لم يخرج باب الدار، لانه لا يعد خارجا في جنازة فلان ما دام في دار.
بحر عن المحيط.
قوله: (لان الشرط الخ) علة لقوله: مشى معها أم لا ولما استشهد عليه من عبارة البدائع أيضا.
وحاصله: أن المستثنى هو الخروج على قصد الجنازة، الخروج هو الانفصال من داخل إلى خارج، ولا يلزم فيه الوصول إليها ليمشي معها أو يصلي عليها، وأما علة عدم الحنث فيما إذا أتى(4/60)
أمرا آخر بعد خروجه إليها فهي ما أفاده في الفتح من أن ذلك الاتيان ليس بخروج، والمحلوف عليه هو الخروج، قوله: (والذهاب) كون الذهاب مثل الخروج هو الذي يمشي عليه في الكنز وغيره، وصححه في الهداية وغيرها.
قال في الدر المنتقى: وقيل كالاتيان فيشترط فيه الوصول، وصححه في الخانية والخلاصة.
قال الباقاني: والمعتمد الاول، نعم لو نوى بالذها ب الاتيان أو الخروج فكما نوى اه.
قلت: والارسال والبعث كالخروج أيضا، فإنه لا يشترط فيهما الوصول، ففي الذخيرة: لو قال إن لم أرسل إليك أو إن لم أبعث إليك هذا الشهر نفقتك فأنت كذا فضاعت من يد الرسول لا يحنث.
قوله: (والرواح) هو بحث للبحر كما يأتي، ويظهر لي أن العرف فيه استعماله مرادا به الوصول، ولا يخفي أن النية تكفي أيضا، قوله: (والعيادة والزيادة) تابع في ذلك صاحب البحر حيث قال: وقيد الاتيان، لان العيادة والزيارة لا يشترط فيهما الوصول، ولذا قال في الذخيرة: إذا حلف ليعودن فلانا وليزورنه فأتى بابه فلم يؤذن له فرجع ولم يصل إليه لا يحنث، وإن أتى بابه ولم يستأذن حنث اه.
قلت: ومقتضاه أن الاتيان يشترط فيه الاجتماع وليس كذلك لما في الذخيرة: ولو حلف لا يأتي فلانا فهو على أن يأتي منزله أو حانوته لقيه أو لم يلقه وإن أتى مسجده لم يحنث، رواه إبراهيم عن محمد اه.
فقد علم أن العيادة والزيادة مثل الاتيان في اشتراط الوصول إلى المنزل دون صاحبه، بل يشترط في العيادة والزيارة الاستئذان فهما أقوى من الاتيان في اشتراط الوصول، فلا يصح إلحاقهما بالخروج والذهاب، والحمد لله ملهم الصواب.
قوله: (إلا في الاتيان) صوابه إلا في الاتيان والعيادة الزيارة كما علمت من اشتراط الوصول في الثلاثة، ومثله الصعود.
ففي الذخيرة: قال لامرأته: إن صعدت هذا السطح فأنت كذا فارتقت مرقاتين أو ثلاثة فقيل يجب أن يكون فيه الخلاف المار في الذهاب.
وقال أبو الليث: وعندي لا يحنث هنا بالاتفاق اه.
قلت: وصححه في الخانية، ولعل وجهه أن صعود السطح الاستعلاء عليه فلا بد من الوصول، نعم لو قال: إن صعدت إلى السطح ينبغي أن يجرد فيه الخلاف المار، تأمل.
وفي
الذخيرة عن المنتقى: لزم رجلا فحلف الملتزم ليأتينه غدا فأتى في الموضع الذي لزمه فيه لا يبر حتى يأتي منزله تحول إليه ولو قال إن لم آتك غدا في موضع كذا فأتاه فلم يجده فقد بر، بخلاف إن لم أوفك لانه على أن يجتمعا.
قوله: (فلو حلف الخ) تفريع على قوله: لان الشرط في الخروج والذها ب الخ ط.
قوله: (بحر بحثا) يؤيده العرف وكذا ما في المصباح حيث قال: وقد يتوهم بعض الناس أن الرواح لا يكون إلا في آخر النهار، وليس كذلك، بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير، أي وقت كان من ليل أو نهار.
قاله الازهري وغيره، وعليه قوله عليه الصلاة والسلام من راح إلى الجمعة في أول النها فله كذا أي من ذهب اه.
قوله: (ثم رجع عنها) وكذا لو لم يرجع بالاولى فهو غير قيد، ولذا قال في الفتح: رجع عنها أو لم يرجع.(4/61)
مطلب: حلف لا يخرج إلى مكة ونحوها قوله: (قصد غيرها أم لا) أي لان الحنث تحقق بمجرد الخروج على قصدها، فلا فرق حينئذ بعد ما خرج بين أن يقصد الذهاب إلى غيرها أو لا.
قوله: (فتح بحثا) حيث قال: وقد قالوا: إنما يحنث إذا جاوز عمرانه على قصدها، كأنه ضمن لفظا أخرج معنى أسار للعلم بأن المضي إليها سفر، لكن على هذا لو لم يكن بينه وبينها مدة سفر ينبغي أن يحنث بمجرد انفصاله من الداخل اه.
قلت: يؤيده قوله في الذخيرة: لان الخروج إلى مكة سفر، الانسان لا يعد مسافرا إذا لم يجاوز عمران مصره اه: أي بخلاف الخروج إلى الجنازة، لكن لما كانت الجنازة في المصر اعتبر في الخروج انفصاله من باب داره وإن كانت المقبرة خارج المصر لانه لم يحلف على الخروج إلى المقبرة، أما لو حلف على ذلك أو على الخروج إلى القرية مثلا مما يلزم منه الخروج من المصر، فالظاهر أنه يلزم مجاوزة العمران وإن لم يقصد مدة سفر، وفي البحر عن البدائع: قال عمر بن أسد: سألت محمدا عن رجل حلف ليخرجن من الرقة، ما الخروج؟ قال: إذا جعل البيوت خلف ظهره، لان من حصل في هذه المواضع جاز له القصر اه.
قال في البحر: فالحاصل أن الخروج إذا كان من البلد فلا يحنث حتى يجاوز عمران مصره، سواء كان إلى مقصده مدة سفر أو لا، وإن لم يكن خروجا من البلد فلا يشترط مجاوزة العمران اه.
وهذا مخالف لما بحثه في الفتح، فليتأمل، قوله: (وفيه الخ) لم أجد ذلك في الفتح بل هو في البحر وغيره، قوله: (مع فلان العالم) الذي في البحر وغيره العالم أي هذه السنة، فهو ظرف زمان معرف بأل التي للحضور.
قوله: (بر) فإذا بدا له أن يرجع رجع بلا ضرر، بحر.
قلت: والظاهر أنه لا بد من أن يكون خروجه على قصد السفر لا على قصد الرجوع، ولذا قال: فإذا بدا له الخ، ويدل عليه قوله في الخانية: فإذا خرج معه فجاوز البيوت ووجب عليه قصر الصلاة فقد بر، إذ لا يخفي أن وجوب القصر لا يكون إلا عند قصر السفر، وكذا قول المصنف وغيره فخرج يريدها.
(تنبيه): يعلم مما قررناه جواب ما يقع كثيرا فيمن خلف ليسافرن فإنه يبر بمجاوزته العمران على قصد السفر إلى مكان بينه وبين مدة السفر، فإذا بدا له الرجوع رجع بلا ضرر، وبه أفتى المصنف وغيره، لكن لا بد من قصد السفر كما قلنا، ولا مجرد الخروج على قصد الرجوع لانه لا يتحقق به السفر، والله أعلم.
قوله: (فخرج من جنازة) أي خرج من بغداد مع الجنازة بأن جاوز العمران، قال ط: لكن العرف بخلافه، فإن من حلف لا يخرج من مصر فزار الامام لا يعد خارجا منها في عرفنا اه.
قلت: لكن إذا قامت قرينة على إرادة الخروج مطلقا لسفر أو غيره يعد خارجا.
قوله: (كما مر) أي قريبا في قوله: إلا في الاتيان.
قوله: (والفرق لا يخفي) هو أن الخروج الانفصال من(4/62)
الداخل إلى الخارج، وأما الاتيان فعبارة عن الوصول، قال تعالى: * (فأتيا فرعون فقولا) * (الشعراء: 16) قوله: (فذهبت قبل العرس) أي بحيث لا تعد عرفا أنها أتت العرس بأن كان ذلك قبل الشروع في مبادئه.
وفي البزازية: لا يذهب إلى وليمة فذهب لطلب غريمه لا يحنث اه: أي إذا كان الغريم في الوليمة، وذكر في الذخيرة أنه أفتى بذلك شيخ الاسلام الاسبيجابي.
قوله: (فهو أن يأتي منزله
أو حانوته) فلو أتى مسجده لا يكفي، فالشرط الوصول إلى محله لا الاجتماع كما قدمناه.
قوله: (حتى مات أحدهما) قدر لفظ أحدهما لان الحنث لا يختص بمو ت الحالف فقط، بل المحلوف عليه مثل كما يأتي.
قوله: (حنث في آخر حياته) أحياة أحدهما، فلو كانت يمينه بالطلاق فماتت المرأة تبقى اليمين لامكان الاتيان بعد موتها، نعم لو كان الشرط طلاقها مثل إن لم أطلقك فأنت طالق ثلاثا يحنثبموتها أيضا لتحقق اليأس على الشرط بموتها، إذ لا يمكن طلاقها بعده، بخلاف الاتيان ونحوه كما قدمناه في الطلاق الصريح عن الفتح، وكلام الفتح هنا موهم خلاف المراد فتنبه.
قوله: (وكذا كل يمين مطلقة) أي لا خصوصية للاتيان، بل كل فعل حلف أن يفعله في المستقبل وأطلقه ولم يقيده بوقت لم يحنث حتى يقع اليأس عن البر، مثل ليضربن زيدا أو ليعطين فلانة أو ليطلقن زوجته، وتحقق اليأس عن البر يكون بفوت أحدهما، ولذا قال في غاية البيان: وأصل هذا أن الحالف في اليمين المطلقة لا يحنث ما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين لتصور البر فإذا فات أحدهما فإنه يحنث اه بحر.
قال ح: وهذا إذا كانت على الاثبات، فإن كانت على النفي لا يحنث في آخر حياته ويمكن حنثه حالا كما لا يخفي.
قوه: (وأما المؤقتة فيعتبر آخرها) أي آخر وقتها، وفي بعض النسخ آخره أي آخر الوقت المعلوم من المقام: أي فإذا مضى الوقت ولم يفعل حنث.
قوله: (فلا حنث) لتعلق الحنث بآخر الوقت ولم يوجد في حقه.
قوله: (لبطلان يمينه بالله تعالى) أشار به إلى أن يمينه لو كانت بالطلاق مثلا لا تبطل بالردة، لان الكفر لا ينافي التعليق بغير القرب ابتداء، فكذا بقاء اه ح.
قوله: (كما مر) أي أول الايمان، قوله: (فتدبر) أمر بالتدبر إشارة إلى خفاء إفادة ذلك من قوله حنث، ووجهها أن حنثه في آخر حياته يدل على بقاء اليمين صحيحة قبل الموت، إذ الباطلة لا حنث فيها، والحكم باللحاق مرتدا وإن كان موتا حكما لكنه غير مراد هنا لبطلان اليمين بمجرد الرد قبل الحكم باللحاق الذي هو في حكم الموت، فحيث بطلت اليمين قبل الموت علم أن مراده بقوله حتى مات الموت الحقيقي، إذ لا يتصور الحنث بالموت الحكمي، فافهم.(4/63)
مطلب: حلف لا يأتينه إن استطاع قوله: (فهي استطاعة الصحة) أي الاستطاعة المعلومة من استطاع هي سلامة آلات الفعل المحلوف عليه وصحة أسبابه كما في الفتح، والمراد بالآلات الجوارح فالمريض ليس بمستطيع وصحة الاسباب تهيئة لارادة الفعل على وجه الاختيار، فخرج الممنوع.
نهر: أي من منعه سلطان ونحوه.
قوله: (لانه المتعارف) أي المعنى المذكور هو المعروف عند الاطلاق كما في قوله تعالى: * (من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 79) بخلاف المعنى الآتي في المتن.
قوله: (فتقع على رفع الموانع) يشمل المانع المعنوي كالمرض والحسي كالقيد ونحوه، فيستغنى بذلك عن ذكر سلامة الآلات،.
ولهذا فسرها محمد بقوله إذا لم يمرض ولم يمنعه السلطان ولم يجئ أمر لا يقدر على إتيانه فلم يأته حنث اه.
قوله: (بحر بحثا) حيث قال: فينبغي أنه إذا نسي اليمين لا يحنث، لان النسيان مانع، وكذا لو جن فلم يأته حتى مضى الغد كما لا يخفي.
قوله: (المقارنة للفعل) أي التي تخلق معه بلا تأثير لها فيه، لان أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.
فتح قوله: (صدق ديانة) فإذا لم تأته لعذر أو لغيره لا يحنث، كأنه قال لآتينك إن خلق الله تعالى إتياني، وهو إذا لم يأت لم يخلق إتيانه ولا استطاعته المقارنة وإلا لاتى، فتح.
قوله: (لانه خلاف الظاهر) قال في الفتح: وقيل يصدق ديانة وقضاء لانه نوى حقيقة كلامه، لان اسم الاستطاعة يطلق بالاشتراك على كل من المعنيين، والاول أوجه لانه بخصوصه المعنيين بخصوصه فصار ظاهرا فيه بخصوصه يصدقه يصدقه القاضي، بخلاف الظاهر اه.
قوله: (وقد أظهر الزاهدي اعتزاله هنا) وتقدم نظير ذلك في باب الحج عن الغير حيث قال: إن مذهب أهل العدل والتوحيد أنه ليس أن يجعل ثواب عمله لغيره، وأراد بهم أهل الاعتزال كما مر بيانه، وعبارته هنا وفي قوله: أي صاحب الهداية حقيقة الاستطاعة فيما يقارن الفعل قوي، لانه بناه على مذهب الاشعرية، والسنية أن القدرة تقارن الفعل وأنه باطل، إذ لو كان كذلك لما كان فرعون وهامان وسائر الكفرة الذين ماتوا على الكفر قادرين على الايمان، وكاتكليفهم بالايمان تكليفا بما لا يطاق، وكان إرسال الرسل والانبياء وإنزال الكت ب والاوامر والنواهي والوعد والوعيد ضائعة في
حقهم اه.
قال في البحر: وهو غلط، لان التكليف ليس مشروطا بهذه القدرة حتى يلزم ما ذكره، وإنما هو مشروط بالقدرة الظاهرة، وهي سلامة الآلات وصحة الاسباب كما عرف في الاصول.
مطلب: لا تخرجي إلا بإذني قوله: (شرط للبر لكل خروج إذن) للبر متعلق بشرط، ولكل متعلق بنائب الفاعل، وهو إذن لا بشرط لئلا يلزم تعدية فعل بحرفين متقي اللفظ والمنى.
أفاده القهستاني، ثم لا يخفي أن اشتراط الاذن راجع لقوله: إلا بإذني أما ما بعده فيشترط فيه الامر أو العلم أو الرضا، وإنما شرط تكراره(4/64)
لان المستثنى خروج مقرون بالاذن، فما وراءه داخل في المنع العام، لان المعنى: لا تخرجي خروجا إلا خروجا ملصقا بإذني.
قال في النهر: ويشترط في إذنه أن تسمعه وإلا لم يكن إذنا، وأن تفهمه، فلو أذن لها بالعربية ولا عهد لها بها فخرجت حنث، وأن لا تقوم قرينة على أنه لم يرد الاذن، فلو قال لها اخرجي أما والله لو خرجت ليخرينك الله لا يكون إذنا صرح به محمد، وكذا لو قال لها في غضب اخرجي ينوي التهديد لم يكن إذنا، إذ المعى حينئذ: اخرجي حتى تطلقي اه ملخصا.
وفي البزازية: قامت للخروج فقال دعوها تخرج ولا نية له لم يكن إذنا، سمع سائلا فقال لها أعطيه لقمة فإن لم تقدر على إعطائه بلا خروج كان إذنا بالخروج وإلا فلا، وإن قال اشترى اللحم فهو إذن، ولو أذن لها بالخروج إلى بعض أقاربه فخرجت لكنس الباب أو خرجت في وقت آخر حنث، ولو استأذنت في زيارة الام فخرجت إلى بيت الاخ لا يحنث لوجود الاذن بالخروج، إلا إن قال: إن خرجت إلى أحد إلا بإذني، وفي لا تخرجي إلا برضاي فإذن ولم تسمع أو سمعت ولم تفهم لا يحنث بالخروج، لان الرضا يتحقق بلا علمها بخلاف الاذن وفي إلا بأمري فالآمر أن يحنث بالخروج، لان الرضا يتحقق بلا علمها خلاف الاذن، وفي إلا بأمري فالامر أن يسمعها بنفسه أو رسوله، وفي الارادة والهوى والرضا لا يشترط سماعها، وفي إلا بعلمي لا يحنث لو خرجت وهو يراها أو أذن لها بالخروج فخرجت بعده بلا علمه اه ملخصا.
وتمام فروع المسألة هناك.
قال في البحر: ولا فرق في المسألة بين أن يكون المخاطب الزوجة أو العبد، بخلاف ما لو قال: لا أكلم فلانا إلا بإذن فلان أو حتى يأذن أو إلا أن يأذنه، أو إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم، أو قال لرجل في داره والله لا تخرج إلا بإذني فإنه لا يتكرر الاذن في هذا كله، لان قدوم فلان لا يتكرر عادة، والاذن في الكلام يتناول كل ما يوجد من الكلام بعد الاذن، وكذا خروج الرجل مما لا يتكرر عادة، بخلاف الاذن للزوجة فإنه لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه، لا كل خروج إلا بنص صريح فيه، مثل أذنت لك أن تخرجي كلما أردت الخروج، كذا في الفتح اه.
(تتمة): في النهر عن المحيط: لو قال إلا بإذن فلان فمات المحلوف عليه بطلت اليمين عندهما، خلافا لابي يوسف اه.
وفي الذخيرة: حلف لا يشرب بغير إذن فلان فناوله فلان بيده ولم يأذن باللسان وشرب ينبغي أن يحنث، لانه ليس بإذن بل هو دليل الرضا.
قوله: (أو فرقة) قال في الفتح: ثم انعقاد اليمين على الاذن في قوله: إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق، والله لا تخرج إلا بإذني مقيد ببقاء النكاح.
لان الاذن إنما يصح لمن له المنع، وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خبر كل داعر في المدينة كان على مدة ولايته، فلو أبانها ثم تزوج فخرجت بلا إذن لا تطلق، وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لانها لم تنعقد إلا على بقاء النكاح اه.
فلو لم يقيد بالاذن لم يتقيد، بقيام النكاح، كما سيذكره الشارح عن الزيلعي في أواخر الايمان مع عدة مسائل من هذا الجنس، وهو كون اليمين المطلقة تصير مقيدة بدلالة الحال، بقي لو خرجت في عد البائن هل يحنث؟ يظهر لي عدمه لانها وإن كانت ممنوعة لكن مانعها الشرع لا الزوج.
تأمل.
قوله: (دين) أي ولا يصدق في القضاء، وعليه الفتوى.
خانية: أي لانه خلاف الظاهر، وإنما دين لانه محتمل كلامه، لان الاذن مرة موجب الغاية في قوله: حتى آذن وبين الاستثناء والغاية مناسبة من حيث إن ما(4/65)
بعدهما مخالف لما قبلهما فيستعار إلا بإذني لمعنى: حتى آذن، فتح.
قوله: (وتنحل يمينه الخ) أي لو خرجت بغير إذن ووقع الطلاق ثم خرجت مرة ثانية بلا إذن لا يقع شئ لانحلال اليمين بوجود الشرط، وليس فيها ما يدل على التكرار، بحر عن الظهيرية، قوله: (ولو نهاها بعد ذلك
صح) أي بعد قوله: كلما خرجت الخ قال في الخانية: وبه أخذ الشيخ الامام ابن الفضل، حتى لو خرجت بعد ذلك حنث ولو أذن لها بالخروج ثم قال لها كلما نهيتك فقد أذنت لك فنهاها لا يصح نهيه اه.
قوله: (وفي الصيرفية الخ) هذه مسألة استطرادية، وذكر في الذخيرة عبارة فارسية وقال بعدها ثم إن الزوج ذهب إلى سمرقند وبعث إليها أصحاب السلطان حتى أخرجوها على كره منها وذهبوا بها إلى زوجها بسمرقند بأمر الزوج هل يحنث في يمينه؟ فقيل: ينبغي أن يحنث على ظاهر جواب الكتاب أن للزوج نقلها من بلدة إلى بلدة أخرى بعد ما أوفى في المعجل، لانه صح الامر بالاخراج من الزوج وانتقل فعل المخرج إليه، فكأن الزوج أخرجها بنفسه، أما على اختبار أبي الليث أنه ليس له نقلها لم يصح الامر، ولم ينتقل فعل المخرج إليه فلا يحنث اه.
قوله: (بخلاف قوله الخ) مرتبط بما تقدم في المتن: أي لو قال لا تخرجي إلا أن آذن أو حتى آذن لك، فإنه يكفي الاذن مرة واحدة لانه للغاية، أما حتى فظاهر، وأما إلا أن فتجوز بإلا عنها لتعذر استثناء الاذن من الخروج، وتمامه في الفتح والبحر.
قال في البحر: وأشار إلى أنه لو قال عبده حر إن دخل هذه الدار إلا أن ينسى فدخلها ناسيا ثم دخل ذاكرا لم يحنث، بخلاف قوله إلا ناسيا، لانه استثنى من كل دخول دخولا بصفة فبقي ما سواه داخلا تحت اليمين، أما الاول فإن بمعنى حتى، فلما دخلها ناسيا انتهت اليمين اه.
قوله: (صدق) أي قضاء لانه محتمل كلامه، وفيه تشديد على نفسه.
بحر.
مطلب: لا يدخل دار فلان يراد به نسبة السكنى قوله: (ولو تبعا) حتى لو حلف لا يدخل دار أمه أو بنته وهي تسكن مع زوجها حنث بالدخول.
نهر عن الخانية.
قلت: وهو خلاف ما سيذكره آخر الايمان عن الواقعات، لكن ذكر في التاترخانية أن فيه اختلاف الرواية، ويظهر لي أرجحية ما هنا حيث كان المعتبر نسبة السكنى عرفا، ولا يخفي أن بيت المرأة في العرف ما تسكنه تبعا لزوجها، وانظر ما سنذكره آخر الايمان، قوله: (أو بإعارة) أي لا فرق بين كون السكنى بالملك أو الاجارة أو العارية، إلا إذا استعارها ليتخذ فيها وليمة فدخلها الحالف فإنه لا يحنث كما في العمدة، والوجه فيه ظاهر.
نهر: أي لانها ليست مسكنا له.
قوله:
(باعتبار عموم المجاز الخ) مرتبط بقوله: يراد يعني أن الاصل في دار زيد أن يراد بها نسبة الملك، وقد أريد بها ما يشمل العارية ونحوها، وفي جمع بين الحقيقة والمجاز وهو لا يجوز عندنا(4/66)
فجاب بأنه من عموم المجاز بأن يراد به معنى عام يكون المعنى الحقيقي فردا من أفراده وهو نسبة السكنى: أي ما يسكنها زيد بملك أو عارية، لكن بقي ما إذا دخل دار مملوكة لزيد وساكنها غيره فحلف رجل لا يدخل دار زيد، فمقتضى كون المعتبر نسبة السكنى أن لا يحنث، وفي المجتبى عن الايضاح أن فيه عن محمد روايتين وقيل: إذا كان لزيد دار غيرها سكنها لم يحنث، وإلا فيحنث اه.
قلت: وجزم في الخانية بالحنث ولم يفصل، وهو مرجح لاحدى الروايتين، وعليه فكان على المصنف أن يقول: يراد به نسبة السكنى أو الملك، لكن مشى في المحيط على عدم الحنث.
ففي النهر: اعلم أنه إذا حلف لا يدخل دار زيد، فداره مطلقا دار يسكنها، فلو دخل دار غلته لم يحنث كما في المحيط وعليه تفرع ما في المجتبى: إن دخلت دار زيد فعبدي حر، إن دخلت دار عمرو فامرأته طالق، فدخل دار زيد وهي في يد عمرو بإجارة لم يعتق وتطلق، فإن نوى شيئا صدق اه.
قلت: لكن الذي رأيته في المجتبى وكذا في البحر نقلا عنه يعتق وتطلق، وعليه متفرع على ما في الخانية لا على ما في المحيط.
وفي الخانية أيضا: لا يدخل دار فلان فآجرها فلان، فدخلها الحالف: فيه روايتان، قالوا: عدم الحنث قول أبي حنيفة وأبي يوسف، لان الاضافة عندهما كما تبطل بالبيع بالاجارة والتسليم وملك اليد للغير اه.
قلت: هذا يفيد أن ما جزم به في الخانية أولا قولهما، وإحدى الروايتين عن محمد، ويفيد أيضا أنها إذا بقيت بيد الملك غير مسكونة لاحد تبقى النسبة له فيحنث الحالف بدخولها ولو كان الملك ساكنا في غيرها، تأمل.
(تنبيه): في الخانية أيضا: حلف لا يدخل دار زيد ثم حلف لا يدخل دار عمرو فباعها زيد من
عمرو وسلمها إليه فدخلها الحالف حنث في اليمين الثانية عنده، لان عنده المستحدث بعد اليمين يدخلها فيها لو مات مالك الدار فدخل لا يحنث لانتقالها للورثة، ولو كان عليه دين مستغرق: قال محمد بن سلمة: يحنث، وقال أبو الليث: لا، وعليه الفتوى، لانها وإن لن يملكها الورثة وبقيت على حكم ملك الميت لم تكن مملوكة له من كل وجه اه ملخصا.
مطلب: لا يضع قدمه في دار فلان قوله: (ولو حافيا) الاولى أن يقول: ولو منتعلا لانه من النعل لم تمس قدمه الارض فيشمل الحافي بالاولى.
قدمه: (متعذرة) نحو: والله لا آكل من هذه النخلة كما يأتي أول الباب الآتي.
قوله: (أو مهجورة) كما في مثالنا.
قوله: (ووضع قدميه) أي بحيث يكون جسده خارج الدار.
درر.
قوله: (لم يحنث) هو ظاهر الرواية كما في الفتح.
شرنبلالية.
قال في الذخيرة: ومتى صار اللفظ مجازا عن غيره لا يعتبر اللفظ بحقيقته ويتصرف إلى المجاز كما في وضع القدم إلا لدليل يدل على عدم إرادة المجاز، فتعتبر الحقيقة، فإذا قال لامرأته إن ارتقيت هذا السلم أو وضعت رجلك عليه فأنت كذا فوضعت رجلها عليه ولم ترتق حنث، لان العطف دل على أنه أراد به الحقيقة، ثم قال: وفي المنتقى: لاضربنك بالسياط حتى أقتلك فهذا على الضرب الوجيع، ولو قال: لاضربنك(4/67)
بالسيف حتى تموتي فذا على الموت، عرف مراده من تقييده بالسيف اه.
قلت: وهذا لا ينافقولهم الايمان مبنية على الالفاظ لا على الاغراض، لان المراد الالفاظ التي لم تهجكما قدمناه أول الباب.
قوله: (لمزيد الخروج والضرب) أي لشخص أراد الخرو أو أراد الضرب، وهو متعلق بقوله المصنف في قوله: أي قول الحالف وقوله: فعله فورا نائب فاعل شرط، وضميره للمذكور من الخروج والضرب.
مطلب: في يمين الفور قوله: (فورا) سئل السغدي بماذا يقدر الفور؟ قال: بساعة، واستدل بما ذكر في الجامع الصغير: أرادت أن تخرج فقال الزوج إن خرجت فعادت وجلست وخرجت بعد ساعة لا يحنث،
حموي عن البرجندي، ولا يشترط لعدم حنثه إذا خرجت بعد ساعة تغيير تلك الهيئة الحاصلة مع إرادة الخروج، يشير إليه قول الفتح: تهيأ ت للخروج، فحلف لا تخرج، فإذا جلست ساعة ثم خرجت لا يحنث، لان قصده منعها من الخروج الذي تهيأت له، فكأنه قال: إن خرجت الساعة، وهذا إذا لم يكن له نية، فإن نوى شيئا عمل به.
شرنبلالية.
قلت: وهو مفاد عبارة الجامع الصغير أيضا، لكن في البحر عن المحيط: إن لم تقومي الساعة ولبست الثياب وخرجت ثم رجعت وجلست حتى خرج الزوج فخرجت وأتت الدار بعده لا يحنث، لان رجوعها وجلوسها ما دامت في تهيؤ الخروج لا يكون تركا للفور، كما لو أخذها البول فبالت قبل لبس الثياب اه ملخصا.
إلا أن يفرق بين الاثبات والنفي، فإن المحلوف عليه في الاول عدم الخروج وهو ترك فيتحقق بتحقق ضده وهو الجلوس على وجه الاعراض، فإنها إنما جلست للاعراض عن الخرجة المحلوف عليها فيتحقق عدم الخروج، سواء تغيرت الهيئة أو لا، والمحلوف عليه في الثاني المجئ المثبت، وهو لا يتحقق إلا يفعله، والفاعل إذا تهيأ للفعل وجلس منتظرا الهيئة هنا فيعلم بها أن الحلوس ليس على وجه فاعل حكما، لكن لا بد من بقاء تلك الهيئة هناك فيعلم بها أن الجلوس ليس على وجه الاعراض، لان الجلوس ضد الفعل المراد ظاهرا، هذا ما ظهر لي فتدبره.
قوله: (وهذه تسمى يمين الفور الخ) من فارت القدر غلت، استعير للسرعة، أو من فوران الغضب، انفرد الامام بإظهارها.
وكانت اليمين أولا قسمين: مؤبدة: أي مطلقة، ومؤقتة، وهذه مؤبدة لفظا مؤقتة معنى تتقيد بالحال، إما بأن تكون بناء على أمر حالي كما مثل، أو أن تقع جوابا بالكلام يتعلق بالحال، كما في إن تغديت، أفاده في النهر.
قوله: (ولم يخالفه أحد) كذا في البحر عن المحيط، لكم نقفي الفتح عن زفر والشافعي الحنث بها اعتبارا للاطلاق اللفظي.
قوله: (تغديه مع) نائب فاعل شرط، فلو خرج إلى منزله فتغدى لم يحنث، لان جوابه خرج مخرج الجواب فينطبق على السؤال فينصرف إلى الغداء المدعو إليه، كذا في الهداية.
قوله: (ذلك الطعام المدعو إليه) كذا في الايضاح لابن كمال معزيا إلى الهداية، والذي في الهداية هو ما سمعته، وهو محتمل أن يكون المراد به الفعل: أي التغدي، وأن يكون المراد به الطعام الذي هو حقيقة أن يكون المراد به الفعل: أي التغدي، وأن يكون المراد به الطعام الذي هو حقيقة الغداء(4/68)
بالدال المهملة، والظاهر الاول، وأن قول الهداية فينصرف إلى الغداء الخ على خذف مضاف: أي إلى أكل الغداء، أو أنه أطلق الغداء على التغدي تساهلا بدليل قوله في الباب الآتي: الغداء الاكل من طلوع الفجر إلى الظهر، قال في الفتح هناك: وهذا تساهل معروف فلا يعترض به اه.
ويلزم على ما فهمه ابن كمال أنه لو أكل ذلك الطعام في بيته وحده يحنث، وليس كذلك لان المحلوف عليه هو التغدي مع الطالب، لانه هو المدعو إليه، ولي في كلام الطالب الحالف تعيين طعام، بل لو دعاه إلى الغداء معه قبل حضور طعام أصلا، فالظاهر أن الحكم كذلك بدليل تعليلهم بأن الجواب ينطبق على السؤال، نعم لو قال الطالب تغد معي هذا الطعام تقيد به، أما بدون ذلك فلا، والذي يظهر لي أن هذا الفهم الذي فهمه ابن كمال غير صحيح، ولم أر من سبقه إليه وإن عول الشارح عليه.
تأمل.
قوله: (اليوم أو معك) مفعول ضم: أي بأن قال إن تغديت اليوم، أو قال إن تغديت معك حنث بمطلق التغدي، واعترض قوله: أو معك بأنه لم يزد على السؤال لان السؤال فيه لفظة مع فالصواب أن يقول: تغد عندي كما قال في الكنز اه.
قلت: لكن في الذخيرة: قال له تغد قال له تغد معي، فقال: والله لا أتغدى، فذهب إلى بيته وتغدى مع أهله لا يحنث، ووجه ذلك أن يمينه عقدت على غداء معين، وهو الذي دعاه إليه، لان قوله والله لا أتغدى خرج جوابا لسؤال المخاطب، وأمكن جعله جوابا لانهم لم يزد على حرف الجواب، فيجعل جوابا والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، والسؤال وقع على غداء بعينه بدلالة قوله: تغد معي: أي هذا الغداء، فيجعل ذلك كالمصرح به في السؤال، كأنه قال: تغد معي هذا الغداء، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، بخلاف ما لو قال والله لا أتغدى معك، لانه زاد على حرف الجواب، ومع الزيادة عليه لا يمكن أن يجعل جوابا فجعل ابتداء ولا قيد فيه اه، ومثله في التاترخانية عن السراجية، فعلم أن قوله إن تغديت معك زيادة على الجواب، وإن كان لفظ مع مذكورة في كلام الطالب للاستغناء عنه ولعمومه المدعو إليه وغيره: أي التغدي معه في ذلك اليوم وغيره، لكن لا يخلو عن نظر، فالظاهر ما قاله ح فتدبر.
ثم في هذه العبارة إطلاق الغداء على التغدي كما وقع في
عبارة الهداية تساهلا.
قوله: (حنث بمطلق التغدي) الاطلاق بالنظر لليوم معناه: سواء تغدى معه أو في بيته مثلا ذلك اليوم وبالنظر إلى قوله معي تغديه معه ولو في غير هذا الوقت، ولا يحنث إن تغدى مع غيره ولو في الوقت الذي حلف فيه ط.
قوله: (فجعل مبتدئا) لكن لو نوى الجواب دون الابتداء صدق ديانة، لان احتمال كونه جوابا قائم ولا قضاء لمخالفته الظاهر فيما فيه تخفيف عليه، ولو قال إن تغديت نوى ما بين الفور والابد كاليوم أو الغد لم يصدق أصلا، لان النية إنما تعمل في الملفوظ والحال لا تدل عليه فانتفى دلالة الحال ودلالة المقال، كما لو حلف لا يتزوج النساء ونوى عددا أولا يأكل طعاما ونوى لقمة أو لقمتين لم يصح، كذا في شرح تلخيص الجامع.
قوله: (إن للتراخي الخ) احترز بها عن إذا فإنها للفور، ففي الخانية: إذا فعلت كذا فلم أفعل كذا قال أبو حنيفة: إذا لم يفعل على أثر الفعل المحلوف عليه حنث، ولو قال إن فعلت كذا فلم أفعل كذا فهو على الابد، وقال أبو يوسف: على الفور أيضا اه، ومعنى كون إن التراخي أنها تكون للتراخي وغيره عند عدم قرينة الفور، والمراد فعل الشرط الذي دخلت عليه، وما رتب عليه، فإذا قال لها إن(4/69)
خرجت فكذا وخرجت فورا أو بعد يوم مثلا حنث، إلا لقرينة الفور فيتقيد به كما مر، ومنه ما مثل به، وكذا ما في الخانية: إن دخلن دارك فلم أجلس فهو على الفور اه: أي الجلوس على فور الدخول، وفيها أيضا: إن بعثت إليك فلم تأتني فعبدي حر، فبعث إليه فأتاه ثم بعث إليه ثانيا فلم يأته حنث، ولا يبطل اليمين بالبرحتى يحنث مرة فحينئذ يبطل اليمين اه.
مطلب: إن ضربتني ولم أضربك وفي الذخيرة: إن ضربتني ولم أضربك فهذا على الماضي عندنا، كأنه قال: ولم أكن ضربتك قبل ضربك إياي، وإن نوى بعد صح: أي إن ضربتني ابتداء ولم أضربك بعده، ويكون على الفور.
والحاصل: أن كلمة ولم تقع على الابد، كإن أتيتني ولم آتك إن زرتني ولم أزورك، وقد تقع على الفور، والمعتبر في ذلك معاني كلام الناس، وكذلك تقع على قبل وعلى بعد كما مر، وفي إن كلمتني ولم أجبك على بعد لان الجواب لا يتقدم، وعلى الفور أيضا باعتبار العادة اه
ملخصا.
قوله: (حنث) قال في الاختيار: لان مقصوده الدخول لقضاء الشهوة وقد فات، فصار شرط الحنث عدم الدخول لقضاء الشهوة وقد وجد اه.
قوله: (وفي البحر عن المحيط) عبارته إذا قال لامرأته إذا لم تجيئي إلى الفراش هذه الساعة فأنت طالق وهما في التشاجر، فطال بينهما كان على الفور، حتى لو ذهبت إلى الفراش لا يحنث اه.
وظاهره ولو كان بعد سكون شهوته فيقيد به ما قبله لكنه خلاف ما يفهم مما نقلناه عن الاختيار فينبغي تقييد هذا بما إذا لم تسكن شهوته، فتأمل.
قوله: (وكذا الخ) وكذا لو أخذها البول فبالت كما قدمناه، وقيل الصلاة تقع على الفور لانها عمل آخر، والفتوى على الاول كما في البحر، قوله: (واشتغلت بالصلاة) المكتوبة أي إذا خافت فوتها كما يعلم مما قبله، وهذا تكرار، إلا أن يحمل على ما إذا كان الحلف وهي تصلي.
تأمل.
قال في البحر: ولو اشتغلت بالتطوع أو بالوضوء أو أكلت أو شربت حنث، لان هذا ليس بعذر شرعا اه.
مطلب: لا يركب دابة فلان قوله: (مركب العبد المأذون الخ) يعني لو حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده فإنه يحنث بشرطين: الاول أن ينويها.
الثاني: أن لا يكون عليه دين مستغرق، أما إذا كان عليه دين مستغرق لا يحنث وإن نوى، لانه لا ملك للمولى فيه عند أبي حنيفة.
وإن كان الدين غير مستغرق، أو لم يكن عليه دين لا يحنث ما لم ينوه، لان الملك فيه للمولى لكنه يضاف للعبد عرفا، وكذا شرعا، قال (ص) من باع عبدا وله مال الحديث فتخيل الاضافة إلى المولى فلا بد من النية، وقال أبو يوسف: في الوجوه يحنث وإن لم ينو لاعتبار الملك، إذ الدين لا يمنع وقوعه للسيد عندهما.
هداية.
قلت: وبه ظهر أن التقييد بالمأذون لانه محل الخلاف فيحنث في غير المأذون إذا نواه بالاولى اتفاقا.
قوله: (والمكاتب) لم أرى من ذكره هنا، ولا يتأتى فيه هذا التفصيل، وإنما قال في البحر عن المحيط: ولو ركب دابة مكاتبة لا يحنث، لان ملكه ليس بمضاف إلى المولى لا ذاتا ولا يدا اه.
ومقتضاه أنه لا يحنث وإن نواه اتفاقا، لان دابته ملك له لا لمولاه، ولذا يضمنها المولى بالاتلاف،(4/70)
سواء كان عليه دين أو لا.
فتدبر.
ثم رأيت القهستاني قال: والاضافة إلى المأذون تشير إلى أنه لو ركب المكاتب لم يحنث، قوله: (لا يحنث استحسانا) أي وإن كان اسم الدابة لما يدب على الارض إذا قال دابة فلان، لان العرف خصصه بالركوب المعتاد، والمعتاد هو الحمار والبغل والفرس فيقيد به، وإن كان الجمل مما يركب أيضا في الاسفار وبعض الاوقات فلا يحنث بالجمل إلا إذا نواه، وكذا الفيل والبقر إذا نواه حنث، وإلا لا، وينبغي إن كان الحالف من البدو أن ينعقد على الجمل أيضا بلا نية، لان ركوبه معتاد لهم، وكذا إن كان حضريا جمالا والمحلوف على دابته جمال دخل في يمينه بلا نية، وإذا كان مقتضى اللفظ انعقادها على الانواع الثلاثة، فلو نوى بعضها دون بعض بأن نوى الحمار دون الفرس مثلا لا يصدق ديانة ولاقضاء، لان نية الخصوص لا تصح في غير اللفظ، وسيأتي تمامه في الفصل الآتي، وكذفي الفتح.
قلت: أي لان المحمول على العرف هو لفظ أركب لا لفظ دابة، فإن لفدابة يشمل الكل عرفا ولغة، وإنما خصص العرف لفظ أركب لهذه الانواع الثلاثة، فلو نوى بعضها لم يصح.
لانه تخصيص الفعل ولا عموم له، وسيأتي تمامه ثم حيث كان المدار على العرف المعتاد، فينبغي أن الحالف لو كان ليس ممن يركب الحمار أن لا يحنث بالحمار، وأنه لو كان الحالف مسافرا أن يحنث بالجملة بلا نية.
قوله (وينبغى حنثه بالبعير الخ) أي إذا كان ممن يركب البعير كالمسافر والجمال وأهل البدو كما عرف مما نقلناه عن الفتح.
قوله: (ولو حمل الخ) أما لو أكره على الركوب فركب حنث ط.
قوله: (ولو حلف لا يركب أو لا يركب مركبا) كذا في بعض النسخ، ومثله في البحر عن الظهيرية، وكذا في الخانية وهو المخالف لقول المصنف المار قريبا، فاليمين على ما يركبه الناس، نعم في بعض حلف لا يركب مركبا ومثله في النهر، وفي التاترخانية: حلف لا يركب مركبا فركب سفينة، قال الحسن في المجرد: لا يحنث، وعلي الفتوى اه: لكن العرف الآن المركب خاص بالسفينة فينبغي أن لا يحنث بغيرها.
قوله: (وسيجئ) أي قريبا في الباب الآتي، والله سبحانه أعلم.
باب اليمين في الاكل والشرب واللبس والكلام لم يذكر مسائل اللبس هنا، بل ذكرها في باب اليمين بالبيع والشراء، فكان المناسب إسقاط
اللبس من هذه الترجمة وذكره هناك، قوله: (ثم الاكل) ترتيب إخباري ط.
قوله: (إلى الجوف)(4/71)
متعلق بإيصال، فلو حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه ومضغه ثم ألقاه لا يحنث حتى يدخله في جوفه، لانه بدون ذلك لا يكون أكلا بل يكون ذوقا.
ط عن البحر.
قوله: (كماء وعسل) أي غير جامد، وإلا فهو مأكول.
تأمل.
ثم إن المائع الذي لا يحتمل المضغ إنما يسمى مشروبا إذا تناوله وحده وإلا فهو مأكول وكذا عكسه.
ففي البحر عن البدائع: لو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكل بخبز أو تمر أو لا يأكل هذا العسل أو الخل فأكله بخبز يحنث، لانه هكذا يكون، ولو أكله بانفراده لا يحنث، لانه شرب لا أكل، وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث لانه شرب لا أكل اه.
وفي الفتح: حلف لا يأكل لبنا فشربه لا يحنث، ولو ثرد فيه فأوصله إلى جوفه حنث اه.
وقوله ثرد فيه بالثاء المثلثة: أي فت الخبز فيه.
وفي الخانية حلف لا يأكل اللبن فطبخ به أرزا فأكله، قال أبو بكر البلخي: لا يحنث وإن لم يجعل فيه ماء وإن كان يرى عينه، وكذا لو جعله جنبا إلا أن ينوي أكل ما يتخذ منه، حلف لا يأكل السمن فأكل سويقا ملتوتا بالسمن: ذكر في الاصل إن كان السمن مستبينا يجد طعمه لانه ليس بمستهلك، وذكر الحاكم في المختصر: إن كان بحيث لو عصر سال منه السمن حنث، وإلا لا، وإن وجد طعمه قال: أي قاضيخان: وينبغي أن يكون الجواب في مسألة الارز على هذا التفصيل اه.
قلت: والحاصل أنه إذا حلف لا يأكل مائعا كلبن وسمن وخل، فإن شربه لا يحنث، وإن تناوله مع غيره ولم يستهلك كأكله بخبز أو تمر حنث وإن استهلك بأن لا يجد طعمه أو بأن لا ينعصر على الخلاف في تفسيره لم يحنث.
قال السائحاني: وقول الحاكم أرفق، ولذا مشت عليه الشروح اه.
وأما لو خلط مأكولا بمأكول آخر فيأتي بيانه في الفروع الآتية في أثناء الباب.
قوله: (ففي حلفه الخ) تفريع على تعريف الاكل ط.
قوله: (حنث ببلعها) أي مع قشرها أو بدونه إذا كانت مسلوقة.
قوله: (وفي لا يأكل عنبا الخ) قال في الفتح: ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا
فجعل يمصه ويرمي تفله ويبتلع المتحصل لا يحنث، لان هذا ليس أكلا ولا شربا بل مص اه.
ومثله في البحر عن البدائع.
قلت: لكن يصدق عليه تعريف الشرب المذكور، وهو إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف، إلا أن يكون المراد المائع وقت إدخاله الفم، وعليه فالمراد بالمص: استخراج مائية الجامد بالفم وأيصالها إلى الجوف.
ومقتضاه: أنه لو حلف لا يمص شيئا لا يحنث بشرب المائع، مع أن السنة في شرب الماء المص، فعلم أن المص أعم من الشرب من وجه فيجتمعان فيما إذا أخذ الماء بفيه مع ضيق الشفتين، وينفرد الشر ب بالعب والمص باستجلاب مائية الجامد بالفم، حتى لو عصر الفاكهة وشرب ماءها عبا يحنث في حلفه لا يشرب لا في حلفه لا يمص، ولو شربه مصا حنث فيهما، هذا ما ظهر لي.
قوله: (لان المص نوع ثالث) أي في بعض(4/72)
الاوجه كما في الصورة المذكورة، وإلا فقد يكون شربا ما علمته.
قوله: (وأكل قشره) أي ولم يشرب ماءه لان ذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون أكلا له، ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون أكلا له بابتلاع الماء، فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه وقد وجد فيحنث.
بحر عن البدائع.
وفيه نظر كما في الذخيرة.
وحاصله أنه ذكر في العيون أنه إذا ابتلع ماءه فقط لم يحنث، ولو ابتلع الحب أيضا دون القشر يحنث، وعلله الصدر الشهيد بأن العنب اسم لهذه الثلاثة، ففي الاول أكل الاقل، وفي الثاني الاكثر وله حكم الكل.
قوله: (لا يحنث بمصه) لانه ليس بأكل فقد وصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه المضغ.
ذخيرة.
قوله: (وفي عرفنا يحنث) من تتمة كلام القلانسي وهو محط الاستدراك اه ح: أي لانه يؤكل بالمضغ وبالمص عادة، وكذا العنب الرمان، قوله: (وأما الذوق فعمل الفم الخ) هذا هو الحق على ما في الفتح خلافا لما في النظم من أنه عمل الشفاه دون الحلق فإنه يدل على أن عدم الوصول إلى الجوف مأخوذ في مفهوم الذوق.
قلت: لكنه موافق لما في الفتح من رواية هشام: حلف لا يذوق فيمينه على الذوق حقيقة،
وهو أن لا يوصل إلى جوفه، إلا أن يتقدمه كلام يدل عليه نحو أن يقال تغد فحلف لا يذوق معه طعاما، فهذا على الاكوالشرب اه.
مطلب في الفرق بين الاكل والشرب والذوق قوله: (فكل أكل وشرب ذوق ولا عكس) أي وليس كل ذوق أكلا أو شربا بناء أن الذوق أعم مطلقا، لان لا يشترط فيه الوصول إلى الجوف بل يصدق بدونه، بخلافهما، فإذا أكل أو شرب يحنث في حلقه لا يذوق، وإذا حلف لا يأكل أو لا يشرب فذاق فلا إيصال إلى الجوف لم يحنث، لكن فيه أنه قد يتحقق الاكل بلا ذوق، كما لو ابتلع بما يتوقف معرفة طعمه على المضغ كبيضة أو لوزة، وعليه فبين الاكل والذوق عموم وجهي، وعن هذا قال في الفتح: إن قول المحيط لو حلف لا يذوق فأكل أو شرب يحنث يغلب على الظن أن المراد به الاكل المقترن بالمضغ أو بلع ما يدرك طعمه بلا مضغ، لانا نقطع بأن من ابتلع قلب لوزة لا يقال فيه ذاقها ولا يحنث ببلعها اه.
قلت: وعلى ما مر عن النظم فبينهما التباين كما بين الاكل والشرب فلا يحنث الحالف على واحد من الثلاثة بفعل الآخر.
قوله: (لا يحنث) أي في حلفه لا يذوق الماء كما في الجوهرة، لانه لا يقصد به ذوق الماء بل إقامة القربة، ولذا كره الذوق للصائم دون المضمضة.
قوله: (بم يصدق(4/73)
إلا بدليل) أي كقول القائل له تغد معي كما مر، وكذا العرف الآن لو قال ابتداء لا أذوق في بيت زيد طعاما فإنه يراد به الاكل.
مطلب: حلف لا يأكل من هذه النخلة مطلب: إذا تعذرت الحقيقة أو وجد عرف بخلافها تركت قوله: (حلف لا يأكل من هذه النخلة الخ) الاصل في جنس هذه المسائل أن العمل بالحقيقة عند الامكان، فإن تعذر أو وجد عرف بخلاف الحقيقة تركت، فإذا عقد يمينه على ما هو مأكول بعينه انصرفت إلى العين لامكان العمل بالحقيقة، وإذا عقدها على ما ليس مأكولا بعينه أو هو مأكولا إلا أنه لا تؤكل عينه عادة انصرفت إلى ما يتخذ منه مجازا، لان العمل بالحقيقة غير ممكن، فإذا حلف
لا يأكل من هذه الشاة شيئا فأكل من لبنها أو سمنها لا يحنث، لان عين الشاة مأكولة فينصرف إلى عينها لا ما يتولد منها، وكذا العنب، فلا يحنث بزبيبه وعصيره، وفي النخلة: يحنث بتمرها وطلعها، لان عينها مأكولة، وفي الدقيق: يحنث بخبزه لان الدقيق وإن كان يؤكل إلا أنه لا يؤكل كذلك عادة، وتمامه في الذخيرة.
قوله: (أو الكرمة) شجرة العنب ولم أرها بالتاء فلتراجع.
قوله: (بالمثلثة) لان المراد ما يتولد منها سواء كان تمرا بالمثناة أو غيره كالجمار، وهو شئ أبيض لين في رأس النخلة، ولان النخلة مثال والمراد ما يعمها وغيرها مما لا تؤكل عينه.
قوله: (فيحنث بالعصير) استشكل بأن اليمين على الاكل العصير مما لا يؤكل.
وأجيب بأن الاكل هنا مجاز عن التناول، فالمراد لا أتناول منها شيئا ط.
قلت: مقتضى الجواب أنه يحنث بشرب العصير ويحتاج إلى نقل فإن كلامهم يصح بدون هذا التأويل.
فقد ذكرنا عن البحر لو حلف لا يأكل هذا اللبن أو العسل أو الخل فأكله بخبز يحنث، لان أكله هكذا يكون، وكذا لو ثرد في اللبن.
وفي البزازية: لا يأكل طعاما ينصرف إلى كل مأكول مطعوم حتى لو أكل الخل يحنث اه.
فقد صح أكل ما يشرب فكذا يقال هنا، فتأمل.
قوله: (لا بالدبس المطبوخ) وكذا النبيذ والناطف والخل لانه مضاف إلى فعل حادث، فلم يبق مضافا إلى الشجرة.
بحر.
ولذا عطف عليه في قوله تعالى: * (ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم) * (يس: 53) فتح.
واحترز بالمطبوخ عما يسيل من الرطب فإنه يحنث بأكله كما في الذخيرة.
مطلب: فيما لو وصل غصن شجرة بأخرى قوله: (ولا بوصل الخ) يعني إذا قطع غصنا من الشجرة المحلوف عليها ووصله بشجرة أخرى وأكل من الثمر الخارج منه لابحنث اه ح.
وقال بعضهم: يحنث.
فتح وبحر.
ولعل وجه الاول أن الغصن صار جزءا من الثانية، ولا يسمى في العرف أكلا من الاولى، ومقتضى الاطلاق أنه لا فرق بين كون الشجرتين من نوع واحد أو نوعين، ونقل في الذخيرة المسألة مطلقة كما مر، ثم صورها بما إذا حلف لا يأكل من شجرة التفاح فوصل بها غصن شجرة الكمثرى، قال: فان سماها باسمهامع الاشاره التفاح لم يحنث، وإن لم يسمها بل قال من هذه
الشجرة حنث، ثم نقل عن بعضهم أن الرواية هكذا.(4/74)
قلت: ويمكن التوفيق بين القولين بحمل الحنث على ما إذا اختلف النوع، وسمي الشجرة باسمها ثم أكل مما سمي، والقول بعدم الحنث على ما إذا اتحد النوع أو اختلف ولم يسم، والله تعالى أعلم.
قوله: (فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله) لفظة وأكله زادها في البحر على ما في الفتح.
قال في الشرنبلالية: وقد يقايراد بالاكل: الانفاق في أي شئ فيحنث به إذا نوى فلينظر اه.
قلت: إذا نوى ذلك لا كلام، أما إذا لم ينو فالظاهر تقييده حقيقة، حتى لو اشترى به مشروبا وشربه لا يحنث، إلا إذا أكله مع غيره عملا بحقيقة الكلام ما لم يوجد نقل بخلافه فافهم.
قوله: (ولو أكل من عين النخلة لا يحنث) هو الصحيح كما في النهر وغيره.
قوله: (مهجورة) صوابه متعذرة كما عبر به في إيضاح الاصلاح.
وقال في حاشيته: ومن قال مهجورة لا يفرق بين المتعذر والمهجورة قال صاحب الكشف: المعتذر: ما لا يوصل إليه إلا بمشقة كأكل النخلة.
والمهجور: ما يتيسر إليه الوصول لكن الناس تركوه كوضع القدم اه ح.
وقد يقال: أراد بالمهجورة: الغير المستعملة تجوزا، كما تجوز صاحب الكشف بإطلاق المتعذر على المتعسر، مع أن المراد ما يشمل القسمين، وحقيقة المعتذر مثل قوله لا يأكل من هذا القدر، فافهم.
قوله: (لم يحنث بأكل ما يخرج منها) مقتضاه أن نية عينها صحت فهو قول أخر غير ما في الولوالجية كما أفاده في النهر، فافهم، ولم أر من صحح أحدهما، وما نقل عن حاشية أبي السعود أنه المتن، ثم ذكر بعد عبارة الولوالجية، فافهم.
قوله: (لتعين المجاز) ولذا انصرف إليه عند عدم النية فكانت الحقيقة خلاف الظاهر.
قوله: (إنما يأكلونه مطبوخا) أي فلا يحنث بأكله لكونه دخله صنعة جديدة ح.
قوله: (من هذا البسر أو الرطب) النخلة على ست مراتب: أولها طلع، وثانيها حلال، وثالثها بلح، ورابعها بسر، وخامسها رطب، وسادسها تمر كما يظهر من الصحاح، عزمية قوله: (بأكل رطبه وتمره وشيرازه) لف ونشر مرتب.
قال في المصباح: الشيراز مثال دينار: اللبن الرائب
يستخرج منه ماؤه، وقال بعضهم: لبن يغلي حتى يثخن ثم ينشف ويميل إلى الحموضة اه.
قوله: (لان هذه صفات الخ) إذ لا خفاء أن صفة البسورة والرطوبة واللبنية مما قد تدعو إلى اليمين.
بحسب الامزجة فإذا زالت زال ما عقدت عليه اليمين فأكله أكل ما لم تنعقد عليه اليمين نهر وفتح.
قوله:(4/75)
(بعد ما شاخ) أي صار شيخا وهو قول فوق الكهل كما يأتي.
قوله: (بفتحتين) أي فتح الحاء المهملة والميم: ولد الشاة في السنة الاولى، جمعه حملان كما في المصباح.
قوله: (لانها غير داعية) أي هذه الصفات غير داعية إلى الامتناع، لان هجران المسلم بمنع الكلام منهي، فلا يعتبر ما يخال داعيا إلى اليمين من جهل الصبي أو الشاب، وسوء أدبه، وكذا صفه الصغر في الحمل فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش، لان الصغر داع إلى الاكل لا إلى عدمه، واعترض بأن الهجران قد يجوز أو يجب إذا كان لله تعالى بأن كان يتكلم بما هو معصية أو يخشى فتنته أو فساد عرضه بكلامه، فإذا حلف لا يكلمه علم أنه وجد المسوغ، فيعتبر الداعي فيتقيد بصباه وشبيبه وبأن الحمل غير محمود لكثرة رطوباته، حتى قبل فيه النحس بين الجيدين، وأجاب في الفتح بأن الاعتراض بذلك ذهول ونسيان عن وضع المسألة، وأنها بنيت على العرف، وأن المتكلم لو أراد ما تصح إرادته من اللفظ لا يمنع منه، فالحمل عند العموم غذاء في غاية الصلاح، وما يدرك نحسه إلا أفراد عرفوا الطب فوجب تحكيم العرف، إذا لم ينو ذات الحمل، إذ لا يحكم على فرد من العموم أنه على خلافهم، فينصرف حلفه إليهم، وكذا الصبي لما كان موضع الشفقة والرحمة عند العموم، وفي الشرع: لم يجعل الصبا داعية إلى اليمين في حق العموم، وهذا لا ينفي كونه حالفا عرفا عدم طيب الحمل، أو سوء أدب صبي علم أنه لا يردعه إلا الهجر، أو علم أن الكلام معه يضره في دينه أو عرضه، فعقد يمينه على مدة الحملية أو الصبا فإنا نصرف يمينه، حيث صرفها، وإنما الكلام إذا لم ينو شيئا فيسلك به ما عليه العموم، أخطؤوا فيه أو أصابوا فليكن هذا منك ببال، فإنك تدفع به كثيرا من أمثال هذا الغلط المورد على الائمة اه ملخصا.
وهو في غاية الحسن.
وقد عدل في الذخيرة عن التعليل بكون الصفة داعية أو غير داعية وقال: الصحيح أنه لا يحنث في الرطب أو العنب إذا صار
تمرا أو زبيبا، لانه اسم لهذه الذات والرطوبة التي فيها، فإذا أكله بعد الجفاف، فقد أكل بعض ما عقد اليمين عليه، بخلاف الصبي بعد ما شاخ أو الحمل بعد ما صار كبشا فإنه لم ينقص بل زاد، والزيادة لا تمنع الحنث، ثم قال: فهذا الفرق هو الصحيح وعليه الاعتماد.
قوله: (تقيد به) الاولى بها.
قوله: (في المعرف والمنكر) مثل لا آكل هذا البسر أو لا آكل بسرا.
قوله: (اعتبر في المنكر) مثل لا آكل حملا أو لا أكلم صبيا، لان الكبش لا يسمى حملا، ولا الشيخ صبيا فلم يوجد المحلوف عليه، بخلاف المعرف كهذا الحمل أو هذا الصبي، لان الصفة الغير الداعية تلغو مع الاشارة فتعتبر الذات المشار إليها وهي باقية بعد زوال الصفة فلا تزول اليمين، قوله: (فبرأ) في المصباح برئ من المرض يبرأ من باب تعب ونفع.
مطلب: حلف لا يكلم هذا الصبي قوله: (فكلم صبيا حنث) لان اسم الرجل يتناول الصبي في اللغة، كما صرح به ابن الكمال في(4/76)
تصحيح السراجية، ولكن في العرف لا يسمى فالحق القول الثاني اه ح.
قوله: يدعى شابا الخ في الوجيز لبرهان الدين البخاري حلف لا يكلم صبيا أو غلاما أو شابا أو كهلا، فالكلام في معرفته لغة وشرعا عرفا.
أما اللغة فقالوا: الصبي يسمى غلاما إلى تسع عشرة، ثم شابا إلى أربع وثلاثين، ثم كهلا إلى أحد وخمسين، ثم شيخا إلى آخر عمره، وأما الشرع: فالغلام إلى أن يبلغ فيصير شابا وفتى، وعن أبي يوسف من ثلاث وثلاثين إلى خمسين فهو شيخ.
قال القدوري: قال أبو يوسف: الشاب من خمس عشرة إلى خمسين ما لك يغلب عليه الشمط قبل ذلك، والكهل.
من ثلاثين إلى آخر عمره، والشيخ فيما زاد على الخمسين، وكان يقول قبل هذا: الكهل من ثلاثين إلى مائة سنة فأكثر، والشيخ من أربعين إلى مائة، وهنا روايات آخر والمعول عليه ما به الافتاء، كذا في الفتح ملخصا لم يذكر معناها عرفا، لان كل أناس قد علموا مشربهم.
قوله: (فصار جنبا) فيه ثلاث لغات: أجودها سكون الباء، والثانية ضمها للاتباع، والثالثة وهي أقلها التثقيل، ومنهم من يجعلها من ضرورة الشعر، مصباح.
قوله: (كذا في نسخ الشرح) أي شرح المصنف حيث جعلها متنا في
شرحه.
قوله: (لم يحنث) لان بعضها صفات داعية وبعضها انقلبت عينها.
قوله: (فأكل حيسا) فسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينفع في اللبن، ويتشرب فيه اللبن، وقيل هو طعام يتخذ من تمر، ويضم إلى شئ من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمرم بحالها فيبقى الاسم اه بحر.
قوله: (الاصل الخ) قدمناه الكلام عليه قبل قوله: كل حل عليه حرام.
(فرع): ذكر في البحر عن الواقعات: إن أكلت هذا الرغيف اليوم فامرأته كذا وإن لم آكله اليوم فأمته حرة فأكل النصف لم يحنث، وكذا لو حلف على لقمة في فيه فأكل بعضها وأخرج البعض، لان شرط الحنث أكل الكل اه ملخصا.
(تنبيه): الاكل والشرب غير قيد، ففي البزازية: ضاع مال في دار فحلف كل واحد أنه لم يأخذه ولم يخرجه من الدار، ثم علم أن واحدا أخرجه مع آخر إن كان لا يطيق حمله وحده حنث، لان إخراجه كذلك يكون، وإن أطاقه وحده لا يحنث لانه صادق اه.
قلت: وعليه لو حلف لا يحمل هذه الخشبة أو الحجر فهو على هذا التفصيل.
ثم اعلم أما مر عن الواقعات مشكل جدا كما قال في الحاوي الزاهدي، قال: فإنه يجب أن يحنث في يمين العتق لانه لم يأكل الرغيف، إذ تقول لا واسطة بين النفي والاثبات، وكل واحد منهما شرط الحنث فيحنث في أحدهما.
وفي الجامع الاصغر عن أبي القاسم الصفار قال: إن شرب فلان هذا الشراب فامرأته طالق وقال الآخر إن لم يشربه فلان فامرأته طالق فشرب فلان مع غيره أو انصب بعضه في الارض حنث الثاني دون الاول اه.
قوله: (أن كل شئ) بفتح همزة أن والمصدر(4/77)
المنسبك خبر الاصل.
قوله: (وكذا لا يحنث الخ) أشار إلى أنه لا فارق بين ذكره معرفا وهو ما مر، أو منكرا لزاليمين بزوال الصفة الداعية كما تقدم.
قوله: (فإن الاسم يتناول الرطب أيضا) بسكون الطاء في الرطب، وكان المناسب إبداله باليابس لان وجه المخالفة بين البسر والعنب، وبين الجوز واللوز الحنث في يابس الاخيرين، لتناول الاسم له دون الاولين، هذا وفي عرف الشام الآن اللوز خاص باليابس، أما الرطب فيسمونه عقابية فلا يحنث بها، قوله: (أو بسرا) أي أو فحلف لا يأكل
بسرا.
قوله: (حنث بأكل المذنب) في المغرب بسر مذهب بكسر النون: أي مع التشديد، وقد ذنب: إذا بدا الارطاب من قبل ذنبه، وهو ما سفل من جانب القمع والعلاقة اه.
وفي المصباح: ذنب الرطب تذيبا: بدا فيه الارطاب، والمراد أنه يحنث بأكل البسر المذنب أو الرطب المذنب، وهو الذي أكثره رطب شي قليل منه عكس الاول.
قال في البحر: وحاصل المسائل أربع: وفاقيتان، وخلافيتان، فالوفاقيتان: لا يأكل رطبا فأكل رطبا مذنبا لا يأكل بسرا فكل بسرا مذنبا فيحنث فيهما اتفاقا والخلافيتان لا يأكل رطبا فأكل بسرا مذنبا لا يأكل بسرا فأكل رطبا مذنبا فيحنث عندهما، خلافا لابي يوسف اه.
وفي عامة نسخ الهداية ذكر قول محمد مع أبي يوسف، وفي بعضها مع الامام وهو الموافق لما في أكثر الكتب المعتبرة كما في الفتح والزيلعي.
قوله: (لاكله المحلوف عليه زيادة) لان آكل ذلك الموضع آكل رطب وبسر فيحنث به وإن كان قليلا، لان ذلك القدر كاف للحنث، ولهذا لو ميزه وأكله يحنث.
زيلعي.
وبحث فيه في الفتح بأن هذا بناء على انعقاد اليمين على الحقيقة لا العرف، وإلا فالرطب الذي فيه بقعة بسر لا يقال لآكله آكل بسر في العرف فكان قول أبي يوسف أقعد.
قوله: (لان الشراء الخ) جواب عما استشهد به أبو يوسف على قوله بعدم الحنث في المسألة الاولى اعتبارا للغالب كما في هذه المسألة.
وحاصل الجواب: أن اعتبار الغالب هنا لوقوع الشراء على الجملة، أما الاكل فينقضي شيئا فشيئا فيصادف المغلوب وحده، فلا يتبع الغالب وبحث فيه في الفتح بأن هذا قاصر على ما إذا فصله فأكله وحده، أما لو أكله جملة تحققت التبعية اه، وأشار إلى أن البسر غالب بقرينة الاضافة.
قال القهستاني: إذ المتبادر من إضافة الكباسة إلى البسر، وجعلها ظرفا للرطب أن البسر غالب، فلو كان الرطب غلبا أو هو والبسر متساويين ينبغي أن يحنث اه.
مطلب: حلف لا يأكل لحما قوله: (لا يأكل لحما) تنعقد هذه على لحم الابل والبقر والجاموس والغنم والطيور مطبوخا ومشويا أو قديدا، كما ذكر محمد في الاصل، فهذا من محمد إشارة إلى أنه لا يحنث بالنئ وهو
الاظهر، وعند أبي الليث يحنث، بحر عن الخلاصة وغيرها، قوله: (بأكل مرقه) قيده في الفتح(4/78)
بحثا في فروع ذكرها آخر الايمان بما إذا لم يجد طعم اللحم أخذا مما في الخانية لا يأكل مما يجئ به فلان، فجاء بحمص فأكل من مرقه، وفيه طعم الحمص يحنث اه.
قوله: (مع تسميتها في القرآن لحما) هذا يظهر في الثلاثة الاخيرة، وأما المرق ففي الحديث المرق أحد اللحمين ط.
مطلب في اعتبار العرف العملي كالعردف اللفظي قوله: (وما في التبيين) أي تبيين الكنز للزيلعي حيث قال: وذكر العتابي أنه لا يحنث بأكل لحم الحنزير والآدمي، وقال في الكافي: وعليه الفتوى فكأنه اعتبر فيه العرف، ولكن هذا عرف عملي، فلا يصح بقيدا، بخلاف العرف اللفظي، ألا ترى أنه لو حلف لا يركب دابة لا يحنث بالركوب على إنسان للعرف اللفظي، فإن اللفظ عرفا لا يتناول إلا الكراع، وإن كان في اللغة يتناوله، ولو حلف لا يركب حيوانا بحنث لركوب على إنسان لان اللفظ يتناول جميع الحيوان، والعرف العملي وهو أنه لا يركب عادة لا يصلح مقيدا اه.
قوله: (رده في النهر) وكذا قل في البحر: رده في فتح القدير بأنه غير صحيح، لتصريح أهل الاصول بقولهم: الحقيقة تترك بدلالة العادة، إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا، ولم يجب: أي صاحب الفتح عن الفرق بين الدابة والحيوان، وهي واردة علي إن سلمها اهح.
ولا يخفي أنه لا يسلمها بدليل أنه رد مبناها، وهو عدم اعتبار العرف العملي، وعبارة النهر هكذا: وفي بحث التخصيص من التحرير مسألة العادة العرف العملي مخصص عند الحنفية خلافا للشافعية، كحرمت الطعام، وعادتهم أكل البر انصرف إليه، وهو الوجه، أما بالعرف القولي فاتفاق كالدابة للحمار والدراهم على النقد الغالب، وفي الحواشي السعدية أن العرف العملي يصلح مقيدا عند بعض مشايخ بلخ لما ذكر في كتب الاصول في مسألة إذا كانت الحقيقة مستعملة والمجاز متعارفا اه.
قال في النهر: وهذه النقول تؤذن بأنه لا يحنث بركوب الآدمي في لا يركب الآدمي في لا يركب حيوانا، قوله: (والكبد) بالرفع، وكذا ما بعده عطفا على لحم، وكان الاولى ذك الخنزير، عقب الانسان كما فعل في الكنز ليكون مجرورا عطفا غلى الانسان بإضافة لحم
إليهما لانهما أعم، فتكون من إضافة الجزء إلى الكل، بخلاف الكبد، وما بعده، فإن اللحم ليس جزءا منه بل هو عينه، فلذا قلنا: إنه بالرفع عطفا على المضاف، وإن صح جره عطفا على المضاف إليه على جعل الاضافة فيه بيانية، لكن يلزم عليه اختلاف الاضافتين في لفظ واحد.
وفي القهستاني: الكبد بفتح الكاف وكسرها مع سكون الباء، والكرش بفتح الكاف وكسر الراء وسكونها.
قوله: (والرئة) بالهمزة، ويجوز قلبها ياء: السحر.
مصباح.
وفيه السحر وزان فلس، وسبب وقفل هو الرئة، وقيل: ما لصق بالحلقوم والمرئ من أعلى البطن، وقيل: كل ما تعلق بالحلقوم من كبد وقلب ورئة، قوله: (لحم) خبر المبتدأ وما عطف عليه: أي هذه المذكورات داخلة في مسمى اللحم.
قوله: (هذا الخ) الاشارة إلى الكبد والاربعة التي بعده، وعبارة البحر وفي الخلاصة: لو حلف لا يأكل لحما فأكل شيئا من البطون كالكبد والطحال يحنث في عر ف أهل الكوفة، وفي عرفنا لا يحنث، وهكذا في المحيط والمجتبى.
ولا يخفي أنه لا يسمى لحما في عرف أهل مصر أيضا،(4/79)
فعلم أن ما في المختصر: أي الكنز مبني على عرف أهل الكوفة، وأن ذلك يختلف باختلاف العرف اه كلام البحر.
قلت: وأما لحم الانسان ولحم الخنزير فهو لحم حقيقة لغة وعرفا، فلذا مشى المصنف كغيره على أنه يحنث به، لكن يرد عليه كما أفاد في الفتح أن لفظ آكل لا ينصرف إليه عرفا وإن كان في العرف يسمى لحما كما مر في لا يركب دابة فلان، فإن العرف اعتبر في ركب، والمتبادر منه ركوب الانواع الثلاثة وهي الحمار والبغل والفرس، وإن كان لفظ دابة في العرف يشمل غيرها أيضا كالبقر والابل، فقد تقيد الركوب المحلوف عليه بالعرف، ولذا نقل العتابي خلاف ما هنا فقال: قيل الحالف إذا كان مسلما ينبغي أن لا يحنث، لان أكله ليس بمتعارف، ومبني الايمان على العرف، قال: وهو الصحيح، وفي الكافي: وعليه الفتوى.
هذا خلاصة ما حققه في الفتح، وهو حسن جدا ويؤيذه ما قدمناه، ويأتي أيضا من أنه لا يحنث باللحم النئ كما أشار إليه محمد، وهو الاظهر، قال في الذخيرة: لانه عقد يمينه على ما يؤكل عادة فينصرف إلى المعتاد، وهو الاكل بعد الطبخ اه.
مع
أنه لا شك في أمن النئ لحم حقيقة فعلم أن الملحوظ إليه والعرف هو الاكل لا لفظ اللحم.
قوله: (ومنه علم) أي من قولهم: أما في عرفنا فإن المراد عرف بلادهم، وهي من العجم فافهم.
ثم إن التنبيه على هذا ليس فيه كبير فائدة.
لان قولهم باعتبار العرف في الايمان ليس المراد به عرف العرب بل أي عرف كان في أي بلد كان، كما سيأتي عند قوله: والخبز ما اعتاده أهل بلد الحالف وفي البحر عن المحيط: وفي الايمان يعتبر العرف في كل موضع حتى قالوا: لو كان الخالف خوارزميا فأكل لحم السمك يحنث لانهم يسمونه لحما.
قوله: (لحم في يمين الاكل لا في يمين الشراء) وجعل في الشافي الاكل والشراء واحدا، والاول أصح.
بزازية.
قلت: ولعل وجهه أن الرأس والاكارع مشتملة على اللحم وغيره، لكنها عند الاطلاق لا تسمى لحما فإذا حلف لا يشتري لحما لا يقال في العرف إنه اشترى لحما بل اشترى رأسا أو أكارع، أما إذا أكل اللحم الذي فيها فقد أكل لحما فيحنث، ويشير إلى هذا الفرق ما في الذخيرة، ولو أكل رؤوس الحيوان يحنث، لان ما عليها لحم حقيقة.
قوله: (لا يقع على صيده) وإنما يقع على لحمه وهو القياس في الحمار، إلا أن الحمار لما كان له كراء ويستعملون هذا اللفظ في الاكل من كرائه حملوه على الكراء، وفيما وراءه يبقى على الاصل.
منح عن جواهر الفتاوي ط.
قوله: (ولا يعم البقر الجاموس) أي فلو حلف لا يأكل لحم بقر ولا يحنث بأكل الجاموس، كعكسه لان الناس يفرقون بينهما، قيل يحنث، لان البقر أعم، والصحيح الاول كما في النهر عن التاترخانية.
وفي الذخيرة: لا يأكل لحم شاة لا يحنث بلحم العنز مصريا كان أو قرويا.
قال الشهيد: وعليه الفتوى.
قوله: ولا يحنث بأكل النئ) بالهمز وزان حمل والابدال والادغام عامي.
مصباح: أي إبدال الهمزة ياء إدغامها في الياء لغة العوام، وقدمنا وجه عدم الحنث قريبا.
قوله: (وهو اللحم السمين)(4/80)
كذا فسره في الهداية والظاهر: أن المراد به اللحم الابيض المسمى في العرف دهن البدن، فإنه يكون في حالة السمن دون الهزال قد يراد به شحم الكلية، لانها معلقة بالظهر.
قال في البحر: قال القاضي الاسبيجابي: إن أريد بشحم الظهر شحم الكلية فقولهما أظهر، وإن أريد به شحم اللحم
فقوله أظهر اه.
قوله: (بل بشحم البطن) هو ما كان مدورا على الكرش وما بين المصارين شحم الامعاء ط.
قوله: (اتفاقا) رد على صاحب الكافي حيث ذكر الخلاف في شحم الامعاء والشحم المختلط بالعظم..قال السرخسي: إنه لم يقل أحد بأن مخ العظم شحم اه.
وكذا لا ينبغي خلاف في الحنث بما على الامعاء، فإنه لا يختلف في تسميته شحما.
فتح.
قوله: (زيلعي) عبارته: لا يحنث بأكل شحم الظهر وشرائه وبيعه في يمينه لا يأكل شحما، ولا يشتريه ولا يبيعه، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يحنث.
قوله: (بألية) بفتح الهمزة، قال في المصباح: قال ابن السكيت وجماعة: ولا تكسر الهمزة ولا يقال لية، والجمع أليات كسجدة وسجدات، والتثنية أليان بحذف الهاء على خلاف القياس.
قوله: (إلا بالقضم من عينها) أي عين البر، وأنت ضميره لانه يسمى حنطة أيضا، وإلا بمعنى لكن: أي لكنه يحنث بقضمه من قضمت الدابة الشعير تقضمه من باب تعب كسرته بأطراف الاسنان، ومن باب ضرب لغه مصباح.
وليس المراد حقيقه القضم، بل ان ياكل عينها باطراف الاسنان هالاسنان أو بسطوحها.
وفي القهستاني: فلو ابتلعه صحيحا حنث بالاولى، كما في الكرماني فإن احترز بالقضم عما يتخذ منه كالخبز والسويق، فإنه لا يحنث به عنده، لان عين الحنطة مأكول، وعندهما يحنث.
قلت: ومبنى الخلاف على أن الحقيقة المستعملة أولى من المجاز المتعارف عنده خلافا لهما، فإن لفظ أكل الحنطة يستعمل حقيقة في أكل عينها، فإن الناس يقلونها ويأكلونها فهو أولى من المجاز، المتعارف وهو أن يراد بأكلت الحنطة أكل خبزها قال في الفتح لفظ أكلت حنطة يحتمل أن يراد به كل من المعنيين فيترحع قوله لترجع الحقيقة عند مساواة المجاز بل الآن لا يتعارف في أكل الخبز منها إلا لفظ آخر وهو أكلت الخبز.
ثم قال: وهذا الخلاف إذا حلف على حنطة معينة، أما فلو حلف لا يأكل حنطة ينبغي أن يكون قوله كقولهما.
ذكره شيخ الاسلام، ولا يخفي أنه تحكم، والدليل المذكور المتفق على إيراده في جميع الكتب يعم المعينة والمنكرة، وهو أن عنيها مأكول اه.
قوله: (لو مقلية كالبليلة) قال في الفتح: فإن الناس يغلون الحنطة ويأكلونها وهي التي تسمى في عرف بلادنا بليلة وتقلى أيضا: أي توضع جافة في القدر ثم تؤكل قضما اه.
وحينئذ فقوله: كالبليلة
الكاف فيه للتنظير إن كانت النسخ لو مقلية بالقاف، أما إذا كانت بالغين المعجمة فهي للتمثيل، والبليلة هي المسماة في عرف بلادنا سليقة لانها تسلق بالماء المغلي.
قوله: (فلا حنث إلا بالنية) ولو نوى ما يتخذ منها صح ولا يحنث بأكل عينها.
ذخيرة، قوله: (وهي مسألة المختصر) أي المتن:(4/81)
أي أنه يحنث بأكل عينها لو مغلية أو مقلية لا لو نيئة ولا بنحو خبزها.
مطلب: لا يأكل هذا البر قوله: (فيحنث بأكلها كيف كان) لعل وجهه أنه إذا وجدت الاشارة بدون تسمية تعتبر ذات المشار إليه سواء بقيت على حالها أو حدث لها اسم آخر.
قوله: (فيحنث بأكلها ولو نيئة) أي بخلاف الحنطة المعرفة وهو الوجه الاول فإنه لا يحنث بالنئ منها.
وأما عدم الحنث بالخبز ونحوه كالدقيق والسويق، فقد اشترك فيه المعرفة والنكرة لتقيد الحلف بالاسم، فإن الخبز ونحوه لا يسمى حنطة على الاطلاق، بل يقال: خبز حنطة، لكن يبقى الكلام في وجه الفرق بينهما في النئ حيث دخل في المنكر دون المعرف، ولعل وجهه أن حنطة نكرة في سياق النفي، فتعم جميع أنواع مسماها، بخلاف المغرفة فإنها تنصرف إلى المعهودة في الاكل والنئ غير معهود فيه، هذا غاية ما ظهر لى في هر لي في توجيهه، لكن ما ذكر من الفرق بينهما مبني على أن المنظور إليه لفظ حنطة، أما لو نظرنا إلى لفظ أكلت الحنطة فإنه لا يظهر الفرق، إذ قولك أكلت حنطة مثله في أنه يراد به حقيقته أو مجازه المستعمل على الخلاف بين الامام وصاحبيه، ويؤيده ما مر عن الفتح من رده ما ذكره شيخ الاسلام، وإن كان من جهة أخرى، وكذا يؤيده ما قدمناه في لا أركب دابة فلان، وفي لا آكل لحما، حيث اعتبر لفظ أركب وآكل فصرف إلى المعهود وقيد به لفظ دابة ولفظ لحما بلا فرق بين معرفة ومنكره، والله سبحانه أعلم.
قوله: (لم يحنث بالخارج) أي اتفاقا.
نهر.
وهذا إذا لم يقل حنطة بالتنكير.
قوله: (بما يتخذ منه) في النوازل: لو اتخذ منه خبيصا أخاف أن يحنث، وينبغي أن لا يتردد في حنثه إذا أكل منه ما يسمى في ديارنا بالكسكس.
نهر.
وهو المسمى في الشام بالمغربية مثله الشعيرية.
قوله: (في الاصح) احتراز عما قيل إنه يحنث لانه حقيقة كلامه، قلنا نعم، ولكن حقيقة مهجورة، ولما تعين المجاز سقطت الحقيقة كقوله
لاجنبية إن نكحتك فعبدي حر، فزني بها لا يحنث لانصراف يمينه إلى العقد فلم يتناول الوطئ إلا أن ينويه.
فتح.
قوله: (كما مر في أكل عين النخلة) إلا أنه لو نوى أكل عين الدقيق لم يحنث بأكل خبزه، لانه نوى الحقيقة.
بحر: أي بخلاف النخلة بناء علما مر عن الولوالجية.
قوله: (فالشامي بالبر الخ) هذا حيث لا مجاعة، وإلا فالظاهر أن المراد ما يسمى خبزا في ذلك الوقت.
قوله: (والطبري) نسبة إلى طبرستان وهي اسم آمل وأعمالها، سميت بذلك لان أهلها كانوا يحاربون بالفأس، ومعناها بالفارسية: أخذ الفأس بيده اليمنى، والمراد بالفأس الطبر، وهو معرب تبر كما في الفتح مطلب: لا يأكل خبزا قوله: (فلو دخل الخ) عبارة الفتح: قال العبد الضعيف: وقد سئلت لو أن بدويا اعتاد أكل(4/82)
خبز الشعير فدخل بلد المعتاد فيها أكل خبز الحنطة واستمر هو لا يأكل إلا الشعير، فحلف لا يأكل خبزا فقلت ينعقد على عرف نفسه فيحنث بالشعير، لانه لم ينعقد على عرف الناس، إلا إذا كان الخالف يتعاطاه فهو متهم فيهم فيصرف كلامه إليه لذلك، وهذا منتف فيمن لم يوافقهم بل هو مجانب لهم اه.
فقول الشارح: لان العرف الخاص معتبر ليس لفظه موجودا في الفتح، بل معناه فهم منه، فافهم.
وقال المصنف في منحه: قلت: وبهذا ظهر أن قول بعض المحققين أن مذهب عدم اعتبار العرف الخاص ولكن أفتى كثير باعتباره محله فيما عدا الايمان، أما هي فالعرف الخاص معتبر فيها يعرف ذلك من تتتبع كلامهم، ومما يدل عليه ما في فتح القدير الخ.
قوله: (انصرف إلى الخابزة الخ) الاوضح أن يقال: انصرف إلى ما تضربه في التنور لا ما تعجنه وتهيئه للضرب.
فيكون المعنى: لو قال لا آكل من خبز هند فإن كانت خبزته في التنور حنث، وإن كانت عجنته وهيأته: أي قطعته أقراصا للخبز وخبزه غيرها لا يحنث، وإلا فبعد التصريح باسمها لا يدخل غيرها، إلا أن يكون المراد بقوله من خبز فلانة أنه ذكر لفظ فلانة فيكون مشتركا يتناول الخابزة والعاجنة، ثم هذا كله لو كان مراده بالاضافة إضافة الصنعة، أما لو أراد إضافة الملك فإنه يحنث
بالخبز المملوك لها، ولو كان العاجن والخابز غيرها كما لا يخفى.
قوله: (ومنه) أي من الخبز الرقاق، وينبغي أن يخص ذلك بالرقاق البيساني بمصر، أما الرقاق الذي يحشى بالسكر واللوز فلا يدخل تحت اسم الخبز في عرفنا كما لا يخفي.
بحر.
قلت: وذلك كالذي يعمل منه البقلاوي والسنبوسك، وينبغي أيضا أن لا يحنث بالكعك والبقسماط لانه لا يسمى خبزا في العرف.
قوله: (لا الفطائر) الذي في الفتح والبحر: القطائف، وأما الفطائر فالظاهر أنها كذلك، فهي اسم عندنا لما يعجن بالسمن ويخبز أقراصا كالخبز ولا يسمى خبزا في العرف، وكذا ما يوضع في الصواني ويخبز ويسمى بغاجه لا يحنث به، وكذا الزلابيه.
قوله: (والثريد الخ) فعيل بمعنى مفعول وهو أن تفت الخبز ثم تبله بمرق، مصباح، قال في الفتح: ولا يحنث بالثريد لانه لا يسمى خبزا مطلقا، وفي الخلاصة: لا يأكل من هذا الخبز وأكله بعد ما تفتت لا يحنث لانه لا يسمى خبزا، ولا يحنث بالعصيد والططماج، ولا يحنث لو دقه فشربه، وعن أبي حنيفة في حيلة أكله أن يدقه فيلقيه في عصيدة ويطبخ حتى يصير الخبز هالكا اه ما في الفتح.
ومثله في البحر.
قلت: ومقتضى هذه الرواية أن يحنث لو فته بلا طبخ، وكذا لو جعله ثريدا، لان قوله: حتى يصير الخبز هالكا، يقتضي أن بقاء عينه يخرجه عن كونه خبزا، وهذا موافق لعرفنا الآن، ويؤيده ما قدمه الشارح في حلفه: لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه لا يحنث، لانه تمر مفتت وإن ضم إليه شئ من السمن أو غيره، نعم لو دق الخبز وشربه بماء لا يحنث لانه شرب لا أكل، وكذا لو حلف لا يأكل رغيفا وفت أرغفة وأكل منها لا يحنث، بخلاف ما إذا فت رغيفا واحدا وأكله كله فإنه يحنث، هذا ما يقتضيه عرف زماننا، والله أعلم.(4/83)
مطلب: لا يأكل طعاما قوله: (وحنث في لا يأكل طعاما الخ) الانسب ذكر هذه المسائل بعد قوله: والشواء والطبيخ على اللحم كما فعل في البحر، ثم إن ما ذكره من الخل والزيت والملح لا يسمى في عرفنا
طعاما، فينبغي الجزم بعدم حنثه، ثم رأيته في النهر كما يأتي، وكذا في ح حيث قال: هذا في عرفهم، أما في عرفنا فالطعام كالطبيخ ما يطبخ على النار.
قوله: (ولو بطعام نفسه) أي ولو خلط ذلك بطعام نفسه.
قوله: (إن يحنث لو عصر سال السمن) هذا مبني على ما في مختصر الحاكم، واعتبر في الاصل وجود الطعم كما قدمناه أول الباب.
قوله: (لم يحنث) لان العرف في قولنا أكل طعاما ينصرف إلى أكل الطعام المعتاد والتقييد بالاضطرار للحل، وإلا فلا يحنث بدونه الاولى.
قوله: (على اللحم المشوي والمطبوخ بالماء) لف ونشر مرتب، وخرج ما يشوي أو يطبخ من غير اللحم، قال في النهر: فلو حلف لا يأكل شواء لا يحنث بأكل الجزر والباذنجان المشويين، إلا أن ينوي كل ما يشوي، وكذا لو حلف لا يأكل طبيخا لا يحنث، إلا بأكل اللحم المطبوخ بالماء، لتعذر التعميم إذ الدواء مما يطبخ، وكذا الفول اليابس، فصرف إلى أخص الخصوص، هو ما ذكرنا عملا بالعرف فيهما وفي عطف الطبيخ على الشواء إيماء إلى تغايرهما، وهذا لان الماء مأخوذ في مفهوم الطبيخ، وإلا لكانا سواء، ولذا لو أكل قلية لم يحنث لانها لا تسمى طبيخا، وتمامه فيه، وفي البحر عن الفتح: وإن أكل من مرقه يحنث لما فيه من أجزاء اللحم، ولانه يسمى طبيخا وإن كان لا يسمى لحما كما قدمناه اه.
أي فيما إذا حلف لا يأكل لحما لا يحنث بالمرق فإنه لا يسمى لحما، وإن كان فيه أجزاء اللحم.
قوله: (كجبن) الذي في النهر: خبز.
قوله: (لكن في عرفنا لا) عبارة النهر: وأنت خبير أن الطعام في عرفنا لا يطلق على ما ذكر، فينبغي أن يجزم بعدم حنثه اه.
ورأيت بهامش نسخة النهر عن خط بعض العلماء ما نصه: الذي رأيته بخط الشارح: وأنت خبير بأنه في عرف أهل مصر مرادف للطبيخ لا يطلق علي غيره، فينبغي أن لا يحنث إلا بما يسمى طبيخا اه.
ثم رأيت في الخانية: لا يشتري طعاما فاشترى حنطة حنث.
قال الفقيه أبو بكر البلخي: في عرفنا الحنطة لا تسمى طعاما إنما الطعام هو المطبوخ.
قوله: (ما يباع في مصره) وهو ما يكبس في التنور: أي يطم ويدخل فيه، وهذا لان العموم المتناول للجراد والعصفور غير مراد، فصرفناه إلى ما تعورف.
نهر.
قال في البحر: وفي زماننا هو خاص الغنم فوجب على المفتي أن يفتي بما هو المعتاد في كل مصر وقع فيه حلف الحالف، كما أفاده في المختصر وما في التبيين من أن
الاصلي اعتبار الحقيقة اللغوية إن أمكن العمل بها وإلا فالعرف الخ، مردود لان الاعتبار أنما هو للعرف، وتقدم أن الفتوى على أنه لا يحنث بأكل لحم الخنزير والآدمي، ولذا قال في فتح القدير:(4/84)
ولو كان هذا الاصل المذكور منظورا إليه لما تجاسر أحد على خلافه في الفروع اه.
وفي البدائع: والاعتماد إنما هو على العرف اه.
قوله: (والطبيخ) بكسر الباء، ويقال الطبيخ أيضا أخضر كان أو أصفر.
وذكر السرخسي أن البطيخ ليس من الفاكهة وما هنا رواية القدوري، ورواه الحاكم الشهيد في المنتقى عن أبي يوسف.
نهر.
قوله: (والمشمش) بكسر الميمين وفتحهما كما في المختار، وبضمهما نقله الاجهوري الشافعي.
محشي التحرير.
مطلب: لا يأكل فاكهة قوله: (ونحوها) كالخوخ والسفرجل والاجاص والكمثرى، فيحنث بأكل هذه الاشياء في حلفه يأكل الفاكهة لانها اسم لما يتفكه به: أي يتنعم قبل الطعام وبعد زيادة على المعتاد من الغذاء الاصلي.
وفي المحيط: ما روي أن الجوز واللوز فاكهة في عرفهم، أما في عرفنا فإنه لا يؤكل للتفكه.
نهر.
قوله: (خلافا لهما) لانها مما قد يتغذى بها فسقطت عن كمال التفكه، فلا يتناولها مطلق الفاكهة، وأما عندهما، فهي فاكهة نظرا للاصل، وعليه الفتوى، ولا خلاف أن اليابس منها كالزبيب والتمر وحب الرمان ليست بفاكهة كما في الكرماني.
قهستاني.
وكذا لا خلاف في القثاء والخيار والفقوس والعجور.
والحاصل أنه لا خلاف في أن النوع الاول فاكهة كما لا خلاف في أن الاخير ليس بفاكهة، وفي الوسط خلاف نهر قوله: (خلاف عصر) أي أن الامام قال: إن العنب وأخويه ليس بفاكهة، لانه كان في زمنه لا يعد منها، وعد منها في زمنهما.
ولقائل أن يقول: مبنى هذا الجمع على اعتبار العرف والاستدلال بأنها قد يتغذى بها مبناه اللغة.
ويمكن الجواب بجواز كون العرف وافق اللغة في زمنه ثم خالفها في زمانهما وتمامه.
في الفتح.
قوله: (فيحنث بكل الخ) صرح بذلك في الذخيرة.
مطلب: حلف لا يأكل حلوى
قوله: (ما ليس من جنسه حامض) كالتين والتمر، فإنه ليس من جنسه حامض فخلص معنى الحلاوة فيه، فلو أكل عنبا أو بطيخا أو رمانا أو إجاصا لم يحنث، لان من جنسه ما ليس بحلو، وكذا إذا حلف لا يأكل حلاوة فهو كالحلوى، وتمامه في البحر.
قوله: (لكن الخ) استدراك على المتن حيث أطلقه، مع أن ما ذكره تفسيرا للحلوى عندهم وقالوا: المرجع فيه إلى العرف.
قال في البحر: والحاصل أن الحلو والحلوى والحلاوة واحد، وأما في عرفنا فالحلو اسم للعسل المطبوخ على النار بنشا ونحوه، وأما الحلوى والحلاوة فاسم لسكر أو عسل أو ماء عنب طبخ وعقد، والحلاوة الجوزية والسمسمية ا ه.
قلت: وفي زماننا الحلو كل ما يتحلى به من فاكهة وغيرها كتين وعنب وخبيصة وكنافة وقطائف، وأما الحلاوة والحلوى بالقصر فهي اسم لنوع خاص كالجوزية والسمسمية مما يعقد،(4/85)
وكذا ما يطبخ من السكر أو العسل بطحين أو نشا.
قوله: (لا حنث في فانيذ) فيه نظر.
ففي المصباح: الفانيذ نوع من الحلوى يعمل من القند والنشا ا ه.
وفيه أيضا القند ما يعمل منه السكر، فالسكر من القند كالسمن من الزبد.
قوله: (والادام ما يصطبغ به الخبز) في المغرب صبغ الثوب يصبغ حسن وصباغ وهو ما يصبغ به، ومنه الصبغ والصباغ من الادام، لان الخبز يغمس فيه ويلون به كالخل والزيت ا ه وفي المصباح: ويختص بكل إدام مائع كالخل، وفي التنزيل * (والصبغ للآكليين) * (المؤمنون: 02) قال الفارابي: واصطبغ بالخل وغيره: وقال بعضهم واصطبغ من الخل، وهو فعل لا يتعدى إلى مفعول صريح، فلا يقال اصطبغ الخبز بخل ا ه.
وفي الفتح: والاصطباغ افتعال من الصبغ، ولما كان ثلاثيه وهو صبغ متعديا لواحد جاء الافتعال منه لازما، فلا يقال اصطبغ الخبز لانه لا يصل إلى المفعول بنفسه حتى يقال يقام الفاعل إذا بنى الفعل له، وإنما يقام غيره من الجار والمجرور ونحوه فلذا يقال اصطبغ به ا ه.
قلت: وبه علم أنه كان على الشارح أن لا يذكر لفظ الخبز وإن تبع فيه النهر.
قوله: (لذوبه في الفم) جواب عما يقال: إنه لا يصبغ به.
تأمل قوله: (به يفتى) وبه أخذ الفقيه أبو الليث.
قال
في الاختيار: وهو المختار عملا بالعرف.
وفي المحيط: وهو الاظهر.
مطلب: حلف لا يأكل إداما أو لا يأتدم قوله: (وفيه) أي البحر حيث قال: وفي المحيط: قال محمد: التمر والجوز ليس بإدام لانه يفرد بالاكل في الغالب، فكذا العنب والبطيخ والبقل لانه لا يؤكل تبعا للخبز بل يؤكل وحده غالبا، وكذا سائر الفواكه، حتى لو كان في موضع يؤكل تبعا للخبز غالبا يكون إداما عنده اعتبارا للعرف ا ه.
وذكر في البحر أيضا: وإذا أكل الادام وحده، فإن كان حلف لا يأكل إداما حنث، وإن حلف لا يأتدم بإدام لا يحنث فلا بد أن يأكل معه الخبز، كما أشار في الكشف الكبير ا ه.
قوله: (وبقل) يعتاد في زماننا أكل الفقراء الخبز بالبصل والنعنع والطرخون.
قوله: (وفي البدائع الخ) مخالف لقوله قبله وجوز إلا أن يحمل قبله على الرطب، وقدمنا عن المحيط أن ما روي من أن الجوز واللوز فاكهة هو في عرفهم لا في عرفنا إلا أن يحمل على اليابس وهو بعيد، فالظاهر أن ما في البدائع مبني على عرفهم، وأيضا فإن الجوز اليابس لا يؤكل الآن مع الخبز غالبا، وإنما يفرد بالاكل، وقد علمت أن المعتبر في الادام ما يؤكل تبعا للخبز في الغالب، وليس المراد كل ما يمكن أكله مع الخبز، ولذا لم يحنث بالفاكهة مع الخبز، وكذا لو أكل مع الخبز كنافة أو قطائف، لان(4/86)
الغالب أكل ذلك وحده لا مقرونا بالخبز فلا يسمى إداما، نعم يقال في العرف: لا آكل هذا الرغيف إلا حافا، ويراد بالحاف أكله بلا شئ معه، فإذا قرن معه فاكهة أو نحوها يحنث تأمل.
قوله: (وهذا إن وجد الخ) وكذا لو حلف لا يأكل ملحا فأكل طعاما إن كان مالحا حنث، وإلا فلا.
وقال الفقيه: لا يحنث ما لم يأكل عين الملح مع الخبز أو مع شئ آخر لان عينه مأكول، بخلاف الفلفل، وعليه الفتوى، فإن كان في يمينه ما يدل على أنه يراد به الطعام المالح فهو على ذلك.
خانية.
قلت: وكذا يقال في اللحم ونحوه، ولكن ينبغي الحنث في عرفنا في اللحم مطلقا إذا كان ظاهرا في الحشو فإنه يسمى آكلا له.
قوله: (ويزاد في الزعفران رؤية عينه) مقتضى قوله: ويزاد أنه لا بد من وجود طعمه أيضا لكنبعيد.
وفي البزازية: لا يأكل زعفرانا فأكل كعكا على وجه زعفران
يحنث.
قوله (فطبخه بأرز) أي وإن لم يجعل فيه ماء ويرى عينه إلا أن ينوي ما يتخذ منه كمقدمناه أول الباب عن الخانية، ومثله في البزازية لكنه قال بعده: وفي النوازل إن كان يرى عينه ويجد طعمه يحنث.
قوله: (ولا ينظر الخ) ذكر هذه وما بعدها لكونها من تمام كلام الصيرفية، وإلا فهي استطرادية ليست من مسائل الباب.
قوله: (وإلى رأسه وظهره وبطنه حنث) فصل فيه في التاترخانية، وكذا قال في البزازية: وإن رأى الصدر والظهر والبطن أو أكثر الصدر والبطن فقد رآه، وإن أقل من النصف لا، وإن رآه ولم يعرفه فقد رآه، وإن رآها جالسة أو متنقبة أو متقنعة فقد رآها، إلا إذا عنى رؤية الوجه فيدين لا قضاء أيضا، وإن رآه خلف الزجاج أو الستر وتبين الوجه يحنث لا من المرآة.
قوله: (بمس اليد والرجل) مفاده أنه إذا مس غيرهما لا يحنث وفيه نظر.
وقد يقال: إنما قيد بهما لذكرهما في النظر: أي فالمس يخالف النظر في ذلك فلا ينافي أنه يحنث بمس غيرهما ط.
مطلب: عرض عليه اليمين فقال: نعم قوله: (كان حالفا) لانه إذا قال والله لتفعلن كذا فقال نعم كأنه يصير قال والله لافعلن، لان ما في السؤال معاد في الجواب كما سيأتي آخر الايمان.
قوله: (لكن في فوائد شيخنا عن التاترخانية الخ) ما عزاه إلى التاترخانية خلاف الموجود فيها، فإنه ذكر فيها مسألة ثم قال: وهذه المسألة تشير إلى أن الرجل إذا عرض على غيره يمينا من الايمان فيقول ذلك الغير نعم أنه يكفي ويصير حالفا بتلك اليمين التي عرضت عليه، وهذا فصل اختلف فيه المتأخرون، قال بعضهم لا يكفي، وقال بعضهم يكفي، وهذه المسألة دليل عليه وهو الصحيح ا ه.
فعلم أن قوله في الفوائد لا يصير حالفا صوابه يصير بدون لا كما نبه عليه السيد الحموي، ويؤيده ما قدمناه عن الخانية قبيل قوله: إن فعل كذا فهو كافر، وفي آخر أيمان الفتح: ولو قال عليك عهد الله إن فعلت فقال نعم، فالحالف المجيب ولا يمين على المبتدئ ولو نواه ا ه: أي لان قوله: عليك صريح في التزام العهد: أي(4/87)
اليمين على المخاطب، فلا يمكن أن يكون يمينا على المبتدئ، بخلاف ما إذا قال والله لتفعلن وقال الآخر نعم، فإنه إذا نوى المتبدئ التحليف والمجيب الحلف يصير كل منهما حالفا الخ ما
نقله ح عن البحر، فراجعه.
وفي مجموع النوازل: قالآخر: والله لا أجئ إلى ضيافتك فقال الآخر ولا تجئ إلى ضيافتي فقال نعم يصير حالفا ثانيا ا ه.
وبه جزم في الذخيرة والفتح، وبما ذكرناه مع ما قدمناه عن الخانية علم أنه لا فرق بين التعليق والحلف بالله تعالى، فافهم.
قوله: (ثم فرع) من كلام المصنف، فالضمير عائد إلى شيخه.
قوله: (أن الشاهد) أي كاتب القاضي، وهذا بدل من قوله: أن ما يقع.
قوله: (يقول للزوج تعليقا) أي يقول له كلاما فيه تعليق كأن يقوله له: إن تزوجت عليها تكن طالقا.
قوله: (لا يصح على الصحيح) أي المنقول عن التاترخانية، وقد علمت أنه خلاف ما فيها، فالصحيح أنه يصح كما مر عن الصيرفية ولم يثبت اختلاف التصحيح، فافهم.
مطلب: حلف لا يتغدى أو يتعشى قوله: (التغذي الخ) هذا أولى من قول غيره الغداء والعشاء، لان الغداء والعشاء بفتح أولهما مع المد اسم لما يؤكل في الوقتين لا للآكل فيهما، والمحلوف عليه الاكل فيهما لا المأكول، وإن أجاب عنه في الفتح بأنه تساهل معروف المعنى لا يعترض به ا ه.
قوله: (الاكل المترادف) فلو أكل لقمتين ثم فصل بزمن يعد فاصلا ثم أكل لقمتين وهكذا لا يكون غداء ط.
قوله: (الذي يقصد به الشبع) احترز به عن نحو لقمة ولقمتين أو أكثر ما لم يبلغ نصف الشبع كما في الفتح، وأما الاحتراز عن نحو اللبن والتمر فسيذكره في قوله: مما يتغدى به عادة فافهم.
قوله: (وكذا التعشي) ومثله التسحر على الظاهر ه.
قوله: (أكثر من نصف الشبع) كذا في البحر عن الزيلعي، والظاهر أن المراد به الشبع المعتاد له لا الشرعي كالثلث، وظاهره عدم الحنث بأكل نصف الشبع ط.
وقوله: (فيدخل وقت الغداء) وينتهي إلى العصر، لانه أول وقت العشاء في عرفنا كما يأتي.
قوله: (إلى زوال الشمس) غاية لقوله: وهو ما بعد طلوع الفجر وكان المناسب عدم الفصل بينهما.
قوله: (وغداء كل بلدة ما تعارفه أهلها) يغني عنه ما قبله ومثله العشاء والسحور ط.
قوله: (حتى لو شبع الخ) قال الكرخي: إذا حلف لا يتغذى فأكل تمرا أو أرزا أو غيره حتى شبع لا يحنث، ولا يكون غداء حتى يأكل الخبز، وكذلك إن أكل لحما بغير خبز اعتبارا للعرف، كذا في الاختيار ونحوه فئ البحر والفتح، والظاهر أنه مبني على أن المراد بالغداء ما يتغدى به في العرف غالبا، وهذا وإن كان يتغدى
به في العرف لكنه قليل، ونظيره ما مر في الادام، وفي البحر عن المحيط: لو تغدى بالعنب لا(4/88)
يحنث، إلا أن يكون من أهل الرستاق من عادتهم التغدي به في وقته.
قوله: (بعد صلاة العصر) والظاهر أنه ينتهي إلى دخول وقت السحور.
قوله: (والسحور) بالفتح ما يؤكل، وبالضم فعل الفاعل.
مصباح.
والمناسب هنا ضبطه بالضم لقوله: هو الاكل وليناسب التعبير بالتغدي والتعشي.
قال في الفتح: لما كان السحور ما يؤكل في السحر والسحر من الثلث الاخير، سمي ما يؤكل في النصف الثاني لقربه من الثلث الاخير سحورا بالفتح، والاكل فيه التسحر ا ه.
قلت: في زماننا لا يطلقون السحور إلى على ما يؤكل ليلا لاجل الصوم.
مطلب: قال إن أكلت أو شربت ونوى معينا لم يصح قوله: (ونحو ذلك) كما لو حلف لا يركب أو لا يغتسل، أو لا ينكح، أو لا يسكن دار فلان، أو لا يتزوج امرأة ونوى الخيل أو من جنابة امرأة معينة، أو بالاجارة أو الاعارة أو كوفية لم تصح نيته أصلا.
نهر.
قوله: (أي خبزا أو لبنا الخ) لف ونشر مرتب، وأفاد أنه ليس المراد بالمعين الفرد الشخصي، بل ما يعم النوعي.
قوله: لم يصدق أصلا أي لاقضاء ولا ديانة، لان النية إنما تعمل في الملفوظ لتعين بعض محتملاته وما نواه غير مذكور نصا فلم تصادف النية محلها فلغت.
نهر قوله: (وقيل يدين) هو رواية عن الثاني، واختاره الخصاف لانه مذكور تقديرا وإن لم يذكر تنصيصا.
وأجيب بأن تقديره لضرورة اقتضاء الاكل مأكولا، وكذا اللبس والشراب، والمقتضى لا عموم له كذا قالوا.
والتحقيق أن هذا ليس من المقتضى، لانه ما يقدر لتصحيح المنطوق بأن يكون الكلام كذبا ظاهرا كرفع الخطأ والنسيان، أو غير صحيح شرعا كأعتق عبدك عني، وقولك لا آكل خال عن ذلك، نعم المفعول: أعني المأكول من ضروريات وجود الاكل، ومثله ليس من المقتضي بل من حذف المفعول اقتصارا، وإلا لزم أن يكون كل كلامقتضي، إذ لا بد أن يستدعي مكانا وزمانا، وحيث كان هذا المصدر ضروريا للفعل لا يصح تخصيصه وإن عم بوقوعه في سياق النفي، فإن من ضرورة ثبوت الفعل في النفي ثبوت المصدر العام بدون ثبوت التصرف فيه بالتخصيص، فإن
عمومه ضرورة تحقق الفعل في النفي فلا يقبل التخصيص، بخلاف إن أكلت أكلا فإن الاسم مذكور صريحا فيقبله، وتمامه في الفتح قوله: كما لو نوى الخ أي كما يصدق ديانة لو نوى كل الاطعمة أو المياه، حتى لو أكل طعاما أو طعامين أو أكثر لا يحنث، وكذا لو شرب مدة عمره لانه لم يأكل الكل ولم يشرب الكل.
ثم اعلم أنه لا محل لتذكر هذه المسألة هنا، بل محلها بعد قوله: ولو ضم طعاما الخ كما فعله في البحر: أي فيما صرح بالمفعول كما نبه عليه، ويدل عليه التعليل بقوله: لنيته محتمل كلامه لانه إذا لم يصرح به ويكون معناه لا أوجد أكلا أو شربا أو لبسا فيحنث بكل أكل وجد، ولذا لم تصح نيته المعين منه، بخلاف ما إذا صرح به، لان طعاما المذكور يحتمل البعض والكل، فأيهما(4/89)
نوى صح، ولذا نقل في البحر عن المحيط أنه يصدق قضاء أيضا، وعلله في البدائع بأنه نوى حقيقة كلامه، ثم نقل عن الكشف أنه إنما يصدق ديانة فقط، وقال: لانه خلاف الظاهر، لان الانسان إنما يمنع نفسه عما يقدر عليه والكل ليس في وسعه، وفيه تخفيف عليه أيضا، وتمامه فيه.
أقول: ويظهر لي ترجيح الاول، لانه إذا نوى البعض إنما يصدق ديانة فقط كما يأتي، وهذا لا نزاع فيه، ويلزم منه أن يصدق قضاء وديانة إذا نوى الكل، لان عدم تصديقه في الاول قضاء، لانه خلاف ظاهر اللفظ، فيكون الظاهر العموم، وإلا لزم تصديقه اقتضاء في نية الخصوص.
وفي تلخيص الجامع: إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد، إلا أن ينوي الكل، قال شارحه: فيصدق ديانة وقضاء لا يحنث أبدا، لان الصرف إلى الادنى عند الاطلاق لتصحيح كلامه، فإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه فيصدق، وقيل: لا يصدق قضاء لان الحقيقة مهجورة ا ه.
وسيأتي هذا آخر الباب، وتعبيره عن الثاني بقبل يفيد ضعفه، وترجيح الاول كما قلنا، فافهم.
قوله: (دين) أي يؤكل إلى دينه فيما بينه وبين ربه تعالى، وأما القاضي فلا يصدقه لانه خلاف الظاهر، وقدمنا في الطلاق أن المرأة كالقاضي.
قوله: (لانه نكرة في سياق الشرط فتعم) لان الحلف في الشرط المثبت يكون على نفيه، فقوله إن لبست ثوبا في معنى: لا ألبس ثوبا.
قوله: (إلا في ثلاث
فيدين الخ) يعني لو قال: إن خرجت فعبدي حر نوى السفر مثلا، أو إن ساكنت فلانا فعبدي حر ونوى المساكنة في بيت واحد يدين، لان الخروج في نفسه متنوع إلى سفره وغيره حتى اختلفت أحكامهما، فقبلت إرادة أحد نوعيه، وكذا المساكنة متنوعة إلى كاملة هي المساكنة في بيت واحد، ومطلقة وهي ما تكون في دار، فإرادة المساكنة في بيت إرادة أخص أنواعها كما في الفتح.
وحاصله: أن النية صحت هنا لكون المصدر متنوعا باعتبار عمومه، فهو تخصيص أحد نوعي الجنس وزاد في تلخيص الجامع: إن اشتريت ونوى الشراء لنفسه: أي فتصح نيته ديانة، وإن لم يذكر المفعول لتنوع الشراء، فإنه تارة يكون لنفسه، وتارة يكون لموكله ولذا رتب على الاول الملك لنفسه، وعلى الثاني الملك للموكل، وهذا بخلاف ما إذا نوى الخروج لبغداد أو المساكنة بالاجارة أو الشراء لعبد، فإن الفعل فيه غير متنوع، فلم يصح تخصيصه بالنية بدون ذكر، كما في شرح التلخيص.
قلت: ونظير ذلك ما إذا قال أنت بائن ونوى الثلاث أو الواحدة يصح، بخلاف نية الثنتين، لان البينونة نوعان: غليظة، وخفيفة، فتصح نية إحداهما بخلاف الثنتين لانه عدد محض كما مر تقريره في محله لكنه يصدق في نية البينونة قضاء.
قال في الفتح: وكذا لو حلف لا يتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية لا يصح، لانه تخصيص الصفة، ولو نوى حبشية أو عربية صحت ديانة لانه تخصيص الجنس، ثم قال: وكون إرادة نوع ليس تخصيصا للعام مما لا يقبل المنع لانه لا يخرج عن قصر عام على بعض متناولاته ا ه.
أقول: قد يقال لا عموم هنا ولا تخصيص لعام، وإنما هو إرادة أحد محتملي اللفظ المشترك أو أحد نوعي الجنس كما في التوضيح والتلويح، والاول أولى، وبيانه أن الخروج مشترك بين سفر(4/90)
والانفصال من داخل إلى خارج، وكذا المساكنة مشتركة بين الكاملة وهي ما تكون في بيت واحد، ومطلقة وهي ما تكون في الدار مطلقا، وكذا الشراء فإنه يحتمل الخاص وهو ما يكون له والمطلق، ولكن لما كان المتبادر عرفا هو المعنى الثاني في المسائل الثلاث صدق ديانة فقط في نية المعنى
الاول منها، ولا يصدقه القاضي لانه خلاف الظاهر، وله نظائر في تلخيص الجامع لو قال: إن جامعتك أو باضعتك فهو على الجماع في الفرج لانه المتفاهم عرفا إلا أن ينوي ما دونه للاحتمال لكن لا يصرف عن الظاهر في القضاء فيحنث بهما: أي إذا نوى ما دونه يحنث به عملا بإقراره على نفسه بالحنث، ويحنث بالجماع في الفرج لتبادره، وكذا إن وطئتك فعبدي حر إلا أن يعني الوطئ بالقدم، وفي إن أتيتك ينوي لاستواء احتمالي الجماع والزيارة، لكن لو نوى الزيارة حنث بالجماع لانه زيارة وزيادة ا ه.
وبما قررناه: ظهر الفرق بين هذه المسائل المستثناة وبين ما مر في لا آكل ونحوه فإن حقيقة الاكل فيه واحدة فلم تصح نية التخصيص، بخلاف ما إذا صرح بالمفعول فإنه لفظ صريح فيصح تخصيصه، لكن نية التخصيص إنما تصح فيما كان من أفراد ذلك العام وهو المأكولات كالخبز ونحوه دون ما كان من متعلقاته الضرورية كالزمان والمكان والوصف، فلو نوى في زمان كذا لم يصح، ومثله لا أتزوج امرأة ونوى حبشية أو عربية فإنها بعض أفراد العام، لان الانسان أنواع: حبشي، وعربي، ورومي، باعتبار أصوله الذين ينسب إليهم بخلاف كوفية أو بصرية لانه وصف ضروري راجع إلى تخصيص المكان وهو غير ملفوظ صريحا فلا تصح نيته كبقية الصفات الضرورية ومثله ما في البحر عن البدائع: لا يكلم هذا الرجل ونوى ما دام قائما لم يصح، بخلاف لا يكلم هذا القائم ونوى ذلك يدين لتخصيصه الملفوظ، وكذا لاضربنه خمسين ونوى سوطا بعينه فإنه يبر بأي شئ ضربه، وكذا لا أتزوج امرأة أبوها يعمل كذا وكذا فهو باطل ا ه.
وظهر بما قررناه أيضا: أن الاستثناء في المسائل الثلاث في غير محله لان النية إنما وجدت في الملفوظ أيضا لان الفعل فيها صار مشتركا بواسطة اشتراك المصدر تأمل على أن لا أتزوج امرأة صرح فيه بالمفعول، فهو مثل لا آكل طعاما ولعله ذكره لينبه على أنه إنما يصح فيه تخصيص الجنس فقط دون الوصف، لكن فيه أن لا آكل طعاما كذلك بدليل أنه لو نوى لقمة أو لقمتين لم يصح على أنه يخالفه ما يذكره قريبا فيما لو قال نويت من بلد كذا فإنه يصدق ديانة لا قضاء، ولعل في المسألة قولين يدل عليه أنه في التاترخانية قال وروي عن محمد فيمن قال لاأتزوج امرأة ونوى كوفية أو بصرية
الخ وذكر فيها أيضا إن تزوجت فعبدي حر وقال عنيت فلانة وامرأة ممن أهل الكوفة لا يصح، ولو قال إن تزوجت امرأة وقال عنيت فلانة يصح ا ه.
وهذا ظاهر لانه في الاول لم يذكر المفعول.
ثم اعلم أنه يرد ما مر في يمين الفور حيث خصص بما دلت عليه القرينة كالغداء المدعو إليه ولعل وجهه أن العرف جعل اللفظ كالمصرح به ولا سيما إذا كان جوابا لكلام قبله لان السؤال معاد فيه فلم يكن تخصيصا للعام الغير مذكور بالنية، وهذا الموضع من مشكلات مسائل الايمان ولم أجد من أعطاه حقه من البيان وما ذكر به هو غاية ما ظهر لفهمي القاصر وفكري الفاتر.
مطلب: نية تخصيص العام تصح ديانة لا قضاء، خلافا للخصاف قوله: (نية تخصيص العام تصح ديانة لا قضاء) هذه الجملة بمنزلة التعليل لقوله قبله ولو ضم(4/91)
طعاما أو شرابا أو ثيابا دين لما علمت من أنه إذا ضم ذلك يصير نكرة في سياق الشرط فتعم، والعام تصح فيه نية التخصيص، لكن لا يصدقه القاضي لانه خلاف الظاهر.
واعلم أن الفعل لا يعم ولا يتنوع كما في تلخيص الجامع، لان العموم للاسماء لا للفعل هو المنقول عن سيبويه، كذا في شرحه للفارسي.
قلت: ويرد عليه ما مر من مسألة الخروج والمساكنة والشراء، إلا أن يقال كما مر: إن التنوع هناك للفعل بواسطة مصدره لا أصالة.
تأمل.
تنبيه: قيد بالنية لان تخصيص العام بالعرف يصح ديانة وقضاء أيضا، وأما الزيادة على اللفظ بالعرف فلا تصح، كما أوضحنا ذلك أول باب اليمين في الدخول والخروج.
بقي هل يصح تعميم الخاص بالنية، قال في الاشباه: لم أره.
قلت: والظاهر أن تعميمه من الزيادة على اللفظ، وإذا لم تصح الزيادة عليه بالعرف فلا تصح بالنية الاولى، لان العرف ظاهر، بخلاف النية.
تأمل.
قوله: (لا يصدق قضاء) ظاهره أنه يصدق ديانة، وهو مخالف لقوله آنفا لا الصفة ككوفية أو بصرية أي أنه لا يدين فيها كما نبهنا عليه، وما ذكره الشارح مأخوذ من الولوالجية كما ذكره في البحر، ومثله في البزازية حيث قال: كل امرأة من
بلد كذا لا يصدق في ظاهر الرواية، وذكر الخصاف أنه يصدق، وهذا بناء على جواز تخصيص العام بالنية فالخصاف جوزه، وفي الظاهر لا، وعلى هذا لو أخذ منه دراهم وحلفه على أنه ما أخذ منه شيئا ونوى الدنانير فالخصاف جوزه، والظاهر خلافه، والفتوى على الظاهر، وإذا أخذ بقول الخصاف فيما إذا وقع في يد الظلمة لا بأس به ا ه.
قلت: وهذا كله في القضاء، أما في الديانة فنيتخصيص العام صحيحة بالاجماع كما في البحر وقد مر.
والحاصل أن نية تخصيص العاتصح في ظاهر الرواية ديانة فقط، وعند الخصاف تصح قضاء أيضا، وهذا إذا كان العام مذكورا، وإلا فلا تصح نية تخصيصه أصلا في ظاهر الرواية، وقيل يدين كما قدمه الشارح وقدمنا أنه رواية عن الثاني وأنه اختاره الخصاف، فصار حاصل ما اختار الخصاف المذكور في أنه يصدق ديانة وقضاء، وفي غيره ديانة فقط.
قوله: (متى حلفه ظالم وأخذ بقوله الخصاف فلا بأس) أقول: المناسب أن يكون أخذ بضم أوله مبنيا للمجهول: أي وأخذ القاضي، إذ لا معنى لاخذ الحالف به قضاء، لان أخذ الحالف بما نواه غير خاص بقول الخصاف.
مطلب إذا كان الحالف مظلوما يفتى بقول الخصاف والحاصل: أنه لو حلفه ظالم فحلف ونوى تخصيص العام أو غير ذلك مما هو خلاف الظاهر وعلم القاضي بحاله لا يقضي عليه، بل يصدقه أخذا بقول الخصا ف، وأما إذا لم يكن مظلوما فلا يصدقه، فافهم.
قال في الفتاوي الهندية عن الخلاصة ما حاصله: أراد السلطان استحلافه بأنك ما تعلم غرماء فلان وأقرباه ليأخذ منهم شيئا بلا حق لا يسعه أن يحلف، والحيلة أن يذكر اسم الرجل(4/92)
وينوي غيره، وهذا صحيح عند الخصاف لا في ظاهر الرواية، فإن كان الحالف مظلوما يفتى بقول الخصاف، ولو حلفه القاضي ما له عليك كذا فحلف وأشار بأصبعه في كمه إلى غير المدعي صدق ديانة لا قضاء ا ه.
مطلب: النية للحالف لو بطلاق أو عتاق
قوله: (وقالوا النية للحالف الخ) قال في الخانية: رجل حلف رجلا فحلف ونوى غير ما يريد المستحلف إن بالطلاق والعتاق ونحوه يعتبر نية الحالف إذا لم ينو الحالف خلاف الظاهر ظالما كان الحالف أو مظلوما، وإن كان اليمين بالله تعالى، فلو الحالف مظلوما فالنية فيه إليه، وإن ظالما يريد إبطال حق الغير اعتبر نية المستحلف، وهو قول أبي حنيفة ومحمد ا ه.
قلت: وتقييده بما إذا لم ينو خلاف الظاهر يدل على أن المراد باعتبار نية الحالف اعتبارها في القضاء، إذ لا خلاف في اعتبار نية ديانة، وبه علم الفرق بينه وبين مذهب الخصاف، فإن عنده تعتبر نية في القضاء أيضا، ويفتى بقوله إذا كان الحالف مظلوما كما علمت.
وفي الهندية عن المحيط: ذكر إبراهيم النخعي اليمين على نية الحالف لو مظلوما، وعلى نية المستحلف لو ظالما، وبه أخذ أصحابنا.
مثال الاول: لو أكره على بيع شئ بيده فحلف بالله أنه دفعه لي فلان: يعني بائعه لئلا يكره على بيعه لا يكون يمينه غمو س حقيقة، لانه نوى ما يحتمله لفظه، ولا معنى لان الغموس ما يقتطع به حق مسلم.
ومثال الثاني: لو ادعى شراء شئ في يد آخر بكذا وأنكر فحلفه بالله ما وجب عليك تسليمه إلي فحلف ونوى التسليم إلى المدعي بالهبة لا بالبيع، فهذا وإن كان صادقفهو غموس معنى فلا تعتبر نيته.
قال الشيخ الامام خواهر زاده: هذا في اليمين بالله تعالى، فلو بالطلاق أو العتاق وهو ظالم أو لا ونوى خلاف الظاهر بأن نوى الطلاق عن وثاق أو العتاق عن عمل كذا أو نوى الاخبار فيه كاذبا فإنه يصدق ديانة، لانه نوى محتمل لفظه، إلا أنه لو ظالما أثم إثم الغموس، لانه وإن كان ما نوى صدقا حقيقة إلا أن هذا اليمين غموس معنى لانه قطع بها حق مسلم ا ه ملخصا.
وقوله: ونوى خلاف الظاهر وقوله بعده فإنه يصدق ديانة يدل على أنه لا يصدق قضاء، وهذا على إطلاقه موافق لظاهر الرواية، أما على مذهب الخصاف فيفرق بين المظلوم فيصدق قضاء أيضا وبين الظالم فلا يصدق.
والحاصل أن الحالف بطلاق ونحوه تعتبر فيه نية الحالف ظالما أو مظلوما إذا لم ينو خلاف الظاهر كما مر عن الخانية، فلا تطلق زوجته لا قضاء ولا ديانة بل يأثم لو ظالما إثم الغموس، ولو نوى خلاف الظاهر فكذلك، لكن تعتبر نية ديانة فقط، فلا يصدق القاضي بل يحكم عليه بوقوع
الطلاق، إلا إذا كان مظلوما على قول الخصاف، ويوافقه ما قدمه الشارح أو الطلاق من أنه لو نوى الطلاق عن وثاق دين إن لم يقرنه بعدد، ولو مكرها صدق قضاء أيضا ا ه.
وأما الحلف بالله تعالى فليس للقضاء فيه دخل، لان الكفارة حقه تعالى لا حق فيها للعبد حتى يرفع الحالف إلى القاضي كما في البحر، لكنه إن كان مظلوما تعتبر نيته فلا يأثم لانه غير ظالم، وقد نوى ما يحتمله لفظه فلم يكن غموسا لا لفظا ولا معنى، وإن كان ظالما تعتبر نية(4/93)
المستحلف فيأثم إثم الغموس وإن نوى ما يحتمله لفظه.
قال ح: وهذا مخصص لعموم قولهم نية تخصيص العام تصح ديانة، فاغتنتوضيح هذا المحل.
مطلب: حلف لا يشرب من دجلة فهو على الكرع قوله: (يمكفيه الكرع) قال في المصباح: كرع الماء كرعا من باب نفع وكروعا شرب بفيه مموضعه، فإن شرب بكفيه أو بشئ آخر فليس بكرع، وكرع في الاناء: أمال عنقه إليه فشرب منه.
قوله: (فيمينه على الكرع منه الخ) قال في الفتح: أي بأن يتناوله بفمه من نفس النهر عن أبي حنيفة: يعني إذا لم يكن له نية، فلو نوى بإناء حنث به إجماعا، وقال: إذا شرب منها كيفما شرب حنث، بلا فرق بينه وبين قوله من ماء دجلة ا ه.
قلت: هو المتعارف في زماننا، بخلاف من هذا الكوز فإنه على الكرع منه في العرف أيضا.
وفي البحر عن المحيط: لا يشرب من هذا الكوز فحقيقته أن يشرب منه كرعا، حتى لو صب على كفه وشرب لم يحنث ا ه.
لكن فيه إن وضعه على فمه وشربه منه لا يسمى كرعا كما علم من تعريفه.
تأمل قوله: (لم يحنث) لعدم الكرع في دجلة لحدوث النسبة إلى غيره.
بحر قوله: (لا يكون إلا بعد الخو ض في الماء) فإنه من الكراع، وهو من الانسان ما دون الركبة ومن الدواب ما دون الكعب، كذا قال الشيخ الامام نجم الدين النسفي، بحر عن الظهيرية.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) مثله في المنح عن التلويح، وفي النهر: وهذا الشرط أهمله شراح الهداية كغيرهم لما قدمناه عن المغرب: أي من أن الكرع تناول الماء بالفم من موضعه ولو إناء.
قوله: (فيحنث بغير
الكرع أيضا) كما إذا تناوله بكفه أو بإناء من غير أن يدخل فمه داخله.
قوله: (كالبئر والحب) أي إذا لم يكونا ممتلئين، وإلا حنث بالكرع.
والحب بالحاء المهملة: الخابية والكرامة عطاؤها، ويقال لك عندي حب وكرامة: يعني خابية وغطاؤها ط.
قوله: (ولو تكلف الكرع) أي من أسفل البئر فيما إذا قال: لا أشرب من هذا البئر بدون إضافة ماء قوله: (لعدم العرف) لان اليمين انعقد على غير الكرع لكون الحقيقة مهجورة، كما لا يضع قدمه في دار فلان.
تنبيه: قال في الفتح: ونظير المسألتين ما لو حلف لا يشرب من هذا الكوز فصب الماء في كوز آخر فشرب منه لا يحنث بالاجماع، ولو قال من ماء هذا الكوز فصب في كوز آخر فشرب منه حنث بالاجماع، وكذا لو قال من هذا الحب أو من ماء هذا الحب فنقل إلى حب آخر ا ه.
مطلب: تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وبقائها قوله: (إمكان تصور البر) قال في المنح: كل ما وقع في هذه المسائل من لفظ تصور فمعناه ممكن وليس معناه متعقل ا ه.
فالصواب حينئذ إسقاط تصور كما هو في بعض النسخ ط.(4/94)
قلت: لكن عبر في البحر: وعليه فالمراد بتصوره كونه ذا صورة: أي كونه موجودا، فالمراد إمكان وجوده في المستقبل: أي إمكانه عقلا وإن استحال عادة احترازا عما لا يمكن عقلا ولا عادة كما في المثال الآتي، فهذا لا تنعقد في اليمين ولا تبقى منعقدة، بخلاف ما أمكن وجوده عقلا وعادة أو عقلا فقط مع استحالته عادة كما في مسألة صعود السماء وقلب الحجر ذهبا فإنها تنعقد كما سيأتي.
قوله: (في المستقبل) قيد لبيان الواقع، لان المنعقدة لا تتأتى في غيره.
قوله: (شرط انعقاد اليمين) أي المطلقة أو المقيدة بوقت.
قوله: (ولو بطلاق) تعميم لليمين: أي لا فرق بين اليمين بالله تعالى أو بطلاق.
قوله: (وبقائها) أي شرط بقاء اليمين منعقدة، وهذا في اليمين المقيدة فقط، فإذا قال: والله لاوفينك حقك غدا فمات أحدهما قبل الغد بطلت اليمين، بخلاف المطلقة حيث لا يشترط لها تصور البر في البقاء باتفاق كما يأتي في قوله: وإن أطلق وكان فيه ماء فصب حنث.
قوله: (إذ لا بد من تصور الاصل الخ) بيانه أن اليمين إنما تنعقد لتحقيق البر، فإن من أخبر
بخبر أو وعد بوعد يؤكده باليمين لتحقيق الصدق فكان المقصود هو البر، فلا تجب الكفارة خلفا عنه لرفع حكم الحنث، وهو الاثم ليصير بالتكفير كالبار فإذ لم يكن البر منصورا لا تننعقد.
فلا تجب الكفارة ملفا عنه لان الكفارة حكم اليمين، وحكم الشئ إنما يثبت بعد انعقاده كسائر العقود، وتمامه في شرح الجامع الكبير.
ثم اعلم أن هذا الاصل وما فرع عليه قولهما.
وقال أبو يوسف: لا يشترط تصور البر.
مطلب: حلف لا يشرب ماء هذا الكوز ولا ماء فيه أو كان فيه ماء فصب قوله: (ففي حلفه الخ) في محل مفعول فرع.
وحاصل المسألة أربعة أوجه: لان اليمين إما مقيدة، أو مطلقة، وكل منهما على وجهين: إما أن لا يكون فيه ماء أصلا، أو كان فيه ماء وقت الحلف ثم صب.
ففي المقيدة لا يحنث في الوجهين لعدم انقعادها في الوجه الاول ولبطلانها عند الصب في الثاني، وفي المطلقة لا يحنث أيضا في الوجه الاول لعدم الانعقاد ويحنث في الثاني.
قوله: (اليوم) أي مثلا، إذا المراد كل وقت معين من يوم أو جمعة أو شهر.
قوله: (أو بنفسه) أي أو انصب بنفسه بلا فعل أحد.
قوله: (قبل الليل) أشار إلى أن المراد باليوم بياض النهار فلا يدخل فيه الليل.
قوله: (أو لا) صادق بما إذا علم عدم الماء فيه أو لم يعلم شيئا.
وقصره الاسبيجابي على الثاني، لانه إذا علم تقع يمينه على ما يخلقه الله تعالى فيه، وقد تحقق العدم فيحنث.
وصحح الزيلعي الاطلاق، وبه جزم في الفتح فقوله في الاصح: قيد للتعميم في قوله: أو لا لكن فصل المصنف في قوله الآتي ليقتلن فلانا بين علمه بموته فيحنث، وبين عدمه فلا، ومثله في الكنى، فيحمل ما هنا على التفصيل الآتي فيقيد عدم حنثه بما إذا لم يعلم، لكن فرق الزيلعي هناك بأن حنثه إذا علم تكون يمينه عقدت على حياة ستحدث وهو متصور، أما هنا فلان ما يحدث في الكوز غير المحلوف عليه ا ه: أي لان المحلوف عليه ماء مظروف في الكوز وقت الحلف دون الحادث بعد.(4/95)
قلت: وفيه نظر، فإنه إذا علم بأنه لا ماء فيه يراد ماء مظروف فيه بعد الحلف، أي ماء
سيحدث مثل لاقتلن زيدا، فإن القتل إزهاق الروح، فإذا علم بموته يراد روح ستحدث، لكن سيأتي أن ذات الشخص لم تتغير، بخلاف الماء، فليتأمل.
تنبيه: قال ط: هل يأثم إذا علم أنه لا ماء فيه؟ قياس ما مر عن التمرتاشي في ليصعدن السماء الاثم ا ه.
قلت: وقد مر أن الغموس تكون على المستقبل فهذا منها.
قوله: (لعدم إمكان البر) اعترض بأن البر متصور في صورة الاراقة، لان الاعادة ممكنة.
وأجيب بأن البر إنما يجب في هذه الصورة في آخر جزء من أجزاء اليوم بحيث لا يسع فيه غيره، فلا يمكن إعادة الماء في الكوز وشربه في ذلك الزمان ا ه ح عن العناية.
قوله: (لوجوب البر في المطلقة كما فرع) قال في الفتح: لقائل أن يقول: وجوبه في الحال إن كان بمعنى تعينه حتى يحنث في ثاني الحال، فلا شك أنه ليس كذلك، وإن كان بمعنى الوجوب الموسع إلى الموت، فيحنث في آخر جزء من الحياة فالمؤقتة كذلك، لانه لا يحنث إلا في آخر جزء من الوقت الذي ذكره، فذلك الجزء بمنزلة آخر جزء من الحياة، فلاي معنى تبطل اليمين عند آخر جزء من الوقتفي الموقتة، ولم تبطل عند آخر جزء من الحياة في المطلقة؟ ا ه.
وأجاب في النهر بما حاصله: أن الحالف في الموقتة لم يلزم نفسه بالفعل إلا في آخر الوقت، بخلاف المطلقة لانه لا فائدة في التأخير.
قلت: أنت خبير بأنه غير دافع مع استلزامه وجوب البر في المطلقة على فور الحلف، وإلا فلا فرق فافهم.
ويظهر لي الجواب بأن المقيدة لما كان لها غاية معلومة لم يتعين الفعل إلا في آخر وقتها، فإذا فات المحل فقد فات قبل الوجوب، فتبطل ولا يحنث لعدم إمكان البر وقت تعينه، أما المطلقة فغايتها آخر جزء من الحياة، وذلك الوقت لا يمكن البر فيه، ولا خلفه وهو الكفارة، ففي تأخير الوجوب إليه إضرار بالحالف، لانه إذا حنث في آخر الحياة لا يمكنه التكفير ولا الوصية بالكفارة، فيبقى في الاثم فتعين الوجوب قبله، ولا ترجيح لوقت دون آخر فلزم الوجوب عقب الحلف موسعا بشرط عدم الفوات، فإذا فات المحل ظهر أن الوجوب كان مضيقا من أول أوقات الامكان.
ونظيره ما قرروه في القول بوجوب الحج موسعا، فقد ظهر أن المعنى الذي لاجله اعتبر
آخر الوقت في الموقتة ولم يعتبر آخر الحياة في المطلقة، هذا ما وصل إليه فهمي القاصر، فتدبره.
قوله: (وهذا الاصل) وهو إمكان البر في المستقبل.
قوله: (منها الخ) ومنها ما سيذكره المصنف في باب اليمين بالضرب والقتل بقوله: لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم الخ ومنها ما في البحر: لو قال لها بعد ما أصبح: إن لم أجامعك هذه الليلة فأنت كذا ولا نية له، فإن علم أنه أصبح انصرف إلى الليلة القابلة، وإن نوى تلك الليلة بطلت يمينه، وكذا إن نمت الليلة أو إن لم أبت الليلة هنا وقد انفجر الصبح، وهو لا يعلم لا يحنث، لان النوم في الليلة الماضية لا يتصور كقوله: إن صمت أمس، ومنها: إن لم آت بامرأت إلى داري الليلة فلما أصبح قالت كنت في الدار لم يحنث، وإن قالت كنت غائبة حنث إن صدقها، ومنها: لا يعطيه أو لا يضربه حتى يأذن فلان(4/96)
فمات فلان ثم أعطاه لم يحنث ا ه.
قال الرملي: ولم يقيد هذه بالوقت، ومثله في الفتح وانظر ما الفربينها وبين مسألة الكوز إذا أطلق وكان فيه ماء فصب.
قوله: (فحاضت بكرة) الظاهر أن المراد وقت الطلوع أو بعيده في وقت لا يمكن أداء الصلاة فيه، ثم ما ذكره من تصحيح عدم الحنث عزاه في البحر إلى المبتغى، لكن ذكر في باب اليمين بالبيع والشراء تصحيح الحنث وعليه مشى المصنف هناك، وسيأتي تمام الكلام عليه.
قوله: (لعدم تصور البر) أي فلم تنعقد اليمين فلا يترتب الحنث ط.
وانظر ما تذكره قريبا عن شرح الجامع الكبير.
قوله: (ثوبا ملفوفا) قيد به ليمكنها الر عليه بخيار الرؤية ليعود مهرها كما في الفتح: قوله: (وتقبضه) هذا ليس بقيد، فإنه بمجرد الشراء ثبت لها في ذمته الثمن فانتفيا قصاصا، ولذا لم يذكره الزيلعي، وتمامه في ح.
قوله: (لعجزها عن الهبة الخ) يشكل عليه قولهم: إن الدين إذا قبض لا يسقط عن ذمة المديون حتى لو برأه الدائن يرجع عليه بما قبضه منه، وقصارى أمر الشراء به أن تكون كقبضه ا ه ح عن شرح المقدسي.
قلت: وأصل الاشكال لصاحب البحر ذكره في باب التعليق عند قوله: وزوال الملك لا يبطل اليمين.
وأجاب ط بأن مبنى الايمان على العرف، والعرف يقضي بأنها إذا اشترت بمهرها شيئا تصير لا شئ لها، وفيه أن المقصود العجز وعدم التصور شرعا لا عرفا، وإلا انتقض الاصل المار في
كثير من المسائل، فافهم وأجاب السائحاني بأنها لما جعلت المهر ثمنا والكل وصف في الذمة تغير من المهرية إلى الثمنية، فلم يكن هناك مهر حتى يوهب، وأما الدين فبدله لم يدفع على صريح المعاوضة، فلم يقع التقاص به من كل وجه ولم يدفع حالة كونه وصفا في الذمة، حتى ينتقل إليه لقربه منه ا ه.
مطلب في قولهم: الديون تقضى بأمثالها قلت: والجواب الواضح أن يقال: قد قالواا إن الديون تقضى بأمثالها: أي إذا دفع الدين إلى دائنه ثبت للمديون بذمة دائنه مثل ما للدائن بذمة المديون فيلتقيان قصاصا لعدم الفائدة في المطالبة، ولذا لو أبرأه الدائن براءة إسقاط يرجع عليه المديون كما مر، وكذا إذا اشترى الدائن شيئا من المديون بمثل دينه التقيا قصاصا، أما إذا اشتراه بما في ذمة المديون من الدين ينبغي أن لا يثبت للمديون بذمة الدائن شئ، لان الثمن هنا معين وهو الدين فلا يمكن أن يجعل شيئا غيره، فتبرأ ذمة المديون ضرورة بمنزلة ما لو أبره من الدين، وبه يظهر الفرق بين قبض الدين وبين الشراء به، فتدبر.
مطلب: حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن الحجر ذهبا قوله: (وفي ليصعدن السماء الخ) مثله إن لم أمس السماء، بخلاف إن تركت مس السماء(4/97)
فعبدي حر لا يحنث، لان الشرط هو الترك، وهو لا يتحقق في غير المقدور، عادة، وفي الاول شرط عدم المس والعدم يتحقق في غير المقدور كذا في التحرير شرح الجامع الكبير للحصيري معزيا إلى المنتقى، ومثله في النهر عن المحيط.
قلت: ويظهر الفرق في قولك لاأمس السماء وقولك أترك مس السماء، فإن الاول لا يقتضي أنه معتاد ممكن، بخلا ف الثاني، وهذا ينافي ما مر في إن لم تصل الصبح غدا، وفي إن لم تردي الدينار، ولعله رواية أخرى، فتأمل.
مطلب: يجوز تحويل الصفات وتحويل الاجزاء قوله: (لامكان البر حقيقة) لانه صعدتها الملائكة وبعض الانبياء، وكذا تحويل الحجر ذهبا
بتحيل الله تعالى صفة الحجرية إلى صفة الذهبية، بناء على أن الجواهر كلها متجانسة في قبول الصفات، أو بإعدام الاجزاء الحجرية وإبدالها بأجزاء ذهبية، والتحويل في الاول أظهر وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق.
فتح.
قوله: (ثم يحنث) عطف على معلوم من المقام: أي فتنعقد ثم يحنث ط.
قال في شرح الجامع الكبير: فباعتبار التصور في الجملة انعقدت اليمين، وباعتبار العجز عادة حنث للحال، وهذا العجز غير العجز المقارن لليمين، لان هذا هو العجز عن البر الواجب باليمين ا ه: أي بخلاف العجز في مسألة الكوز فإنه مقارن لليمين فلذا لم تنعقد.
واعلم أن الحنث في هذه المسألة عند أئمتنا الثلاثة، وفيها خلا ف زفر، فعنده لا تنعقد اليمين ولا يحنث لالحاقه المستحيل حقيقة، بخلاف مسألة الكو فإن فيها خلاف أبي يوسف كما مر.
تنبيه: المراد بالعجز هنا عدم الامكان والتصور عادة، فلو حلف ليؤدين له دينه اليوم فلم يكن معه شئ ولم يجد من يقرضه يحنث بمضي اليوم على المفتى به كما مر في باب التعليق، لان الاداء غير مستحيل عادة.
قوله: (لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت) أي فيحنث في آخره.
قال في الفتح: فلو مات قبله فلا كفارة عليه إذ لا حنث ا ه.
تنبيه: قال في شرح الجامع الكبير: قال الكرخي: إذا حلف أن يفعل ما لا يقدر عليه كقوله لاصعدن السماء فهو آثم.
وروى الحسن عن زفر فيمن قال: لامسن السماء اليوم إنه آثم ولا كفارة عليه، لانه لا تنعقد عنده إلا على ما يمكن.
قوله: (والظاهر خروجها الخ) هذا الاعتذار يحتاج إليه إن كانت المسألة من نص المذهب لا إن كانت من تخريج بعض المشايخ على القول باعتبار الحقيقة االلغوية، وإن لم يكن فالعرف وعليه مشى الزيلعي وقد تقدم رده وإن الاعتماد على العرف، ولو كانت هذه المسألة منصوصة لذكروا استثناءها من القاعدة المبني عليها مسائل الايمان وهو العرف، والذي ظهر حمل هذه المسألة على ما إذا نوى سقف البيت، كما أجابوا عن قول صاحب الذخيرة(4/98)
والمرغيتاني في لا يهدم بيتا أنه يحنث بهدم بيت العنكبوت كما أوضحناه في الباب السابق فراجعه ليظهر لك ما قلنا.
قوله: (وكذا الحكم) أي في الانعقاد والحنث للحال، وقيد بالقتل احترازا
عن الضرب.
ففي الخانية: ليضربن فلانا اليوم وفلان ميت لا يحنث علم بموته أو لا، ولو حيا ثم مات فكذلك عندهما، وحنث عند أبي يوسف ا ه.
أفاده في الشرنبلالية، فافهم.
قوله: (فيحنث) أي بالاجماع، لان يمينه انصرفت إلى حياة يحدثها الله تعالى فيه، وأنه تصور، وإذا أحياه الله تعالى فهو فلان بعينه لكنه خلاف العادة فيحنث، كما في صعود السماء.
قوله: (كمسألة الكوز) تشبيه في عدم الحنث لعدم التصور، لا في التفصيل بين العالم وغيره لما مر أن الاصح عدم التفصيل فيها، فإن حنث العالم هنا لان البرج متصور كما علمت، أما في الكوز لو خلق الماء لا يكون عين الماء الذي انعقد عليه اليمين، فلا يتصور البر أصلا، فكان الماء نظير الشخص لا نظير الحياة، كذا في شرح الجامع، وكأنه يشير إلى أنه لو جعل الماء نظير الحياة فلزم التفصيل فيه أيضا، لان الحياة الحادثة غير المعقود عليها.
تأمل قوله: (لان الترك لا يتصور في غير المقدور) لان ترك الشئ فرع عن إمكان فعله عادة: أي بخلاف العدم فإنه يتحقق مطلقا فلذا حنث في إن لم أمس السماء، كما في النهر وقدمناه عن شرح الجامع.
مطلب: حلف لا يكلمه قوله: (حلف لا يكلمه) قال في الذخيرة: يقع على الابد، وإن نوى يوما أو يومين أو بلدا أو منزلا فإنه لا يصدق ديانة ولا قضاء، وفي أي يوم كلمه حنث لانه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ ا ه.
قوله: (هو المختار) خلافا لما ذكره القدوري من أنه يحنث إذا كان بحيث لم يسمع، ورجحه السرخسي متمسكا بما في السير: لو أمن المسلم أهل الحرب من موضع بحيث يسمعون صوته لكنهم باشتغالهم بالحرب لم يسمعوه فهذا أمان ودفع بالفرق، وذلك أن الامان يحتاط في إثباته بخلاف غيره.
نهر قوله: (لو بحيث يسمع) أي إن أصغى إليه بإذنه وإن لم يسمع لعارض شغل أو صمم، فلو لم يسمع مع الاصغاء لشدة بعد لا يحنث كما في البحر عن الذخيرة، وفيه لو كلمه بكلام لم يفهمه المحلوف عليه ففيه روايتان.
قوله: (لا تطلق) أقول في البزازية: فلو وصل وقال إن كلمتك فأنت طالق فاذهبي لا يحنث، ولو اذهبي أو اذهبي يحنث ا ه.
لكن ما ذكره الشارح من التسوية بين الواو والفاء هو المذكور في الفتح والبحر عن المنتقى، ومثله في التاترخانية.
قوله: (ما
لم يرد الاستئناف) قال في التاترخانية: وفي الذخيرة والمنتقى: إن أراد بقوله فاذهبي طلاقا طلقت به واحدة، وباليمين أخرى.
قوله: (وقصد إسماع المحلوف عليه) أي ولم يقصد خطابه مع الحائط بل قصد خطاب الحائط فقط، ولذا قال في البحر وغيره: لو سلم على قوم هو فيهم حنث، إلا أن لا(4/99)
يقصده فيدين، أما لو قال السلام عليكم إلا على واحد فيصدق قضاء عندنا، ولو سلم من الصلاة لا يحنث، وإن كان المحلوف عليه عن يساره هو الصحيح، لان السلامين في الصلاة من وجه، ولو سبح له لسهو أو فتح عليه القراءة وهو مقتد لم يحنث، وخارج الصلاة يحنث.
تنبيه: لو قال إن ابتدأتك بكلام فعبدي حر فالتقيا فسلم كل على الآخر لا يحنث وانحلت اليمين لعدم تصور أن يكلمه بعد ذلك ابتداء، ولو قال لها إن ابتدأتك بكلام وقالت هي كذلك لا يحنث إذا كلمها لانه لم يبتدئها، ولا تحنث هي بعد ذلك لعدم تصور ابتدائها، كذا في الفتح ومثله في البحر والزيلعي والذخيرة والظهيرة.
وفي تلخيص الجامع: إن ابتدأتك بكلام أو تزوج أو كلمتك قبل أن تكلمني فتكالما أو تزوجا معا لم يحنث أبدا لاستحالة السبق مع القرآن ا ه.
وبه ظهر أن قول البزازية: حنث الحالف صوابه: لا يحنث.
قوله: (حنث مرتين) لانه انعقد اليمين بالاولى فيحنث بالثانية وتنعقد بها يمين أخرى، فيحنث بها في الثالثة مرة، لان اليمين الاولى قد انحلت بالثانية، وفي تلخيص الجامع لو قال ثلاثا لغير المدخولة إن كلمتك فأنت طالق انحلت الاولى بالثانية لاستئنا ف الكلام، بخلاف فاذهبي يا عدوة الله.
ا ه.
وحيث انحلت الاولى بالثانية لا يقع بالثالثة شئ لانها بانت لها إلى عدة، بخلاف المدخول بها.
قوله: (حسنا أو أحسنت) لان قوله انظر حسنا يفيد التفريع بأنك لم تتأمل في الجواب، وقوله أحسنت وإن كان تصويبا إلا أنه يتضمن أنه لم يحسن قبله، فكل من الكلمتين موجع.
قوله: (أو حلف الخ) عطف على قول المصنف حلف لا يكلمه وقوله: حنث جواب المسألتين.
قوله: (لاشتقاق الاذن) أي اشتقاقا كبيرا كما في النهر من الاذان وهو الاعلام ح.
قلت: وفيه نظر يعلم مما قدمناه في الوضوء.
قوله: (فيشترط العلم) ظاهره أنه لا يكتب
بمجرد السماع، بل لا بد معه من العلم بمعناه احترازا عما لو خاطبه بلغة لا يفهمها، كما قدمنا نظيره في حلفه: لا تخرجي إلا بإذني.
قوله: (فرضي) أي بأن أخبره بعد الكلام بأنه كان رضي.
قوله: (فلا يحنث بإشارة وكتابة) وكذا بإرسال رسول، لانه لا يسمى كلاما عرفا، خلافا لمالك وأحمد رحمهما الله تعالى، استدلالا بقوله تعالى: * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا) * إلى قوله: * (أو يرسل رسولا) * (الشورى: 15) أجيب عنه بأن مبنى الايمان على العرف.
فتح قوله: (عن الجامع) حيث قال إذا حلف لا يكلم فلانا أو قال والله لا أقول لفلان شيئا فكتب له كتابا لا يحنث، وذكر ابن سماعة في نوادره أنه يحنث ا ه.
فقوله خلافا لابن سماعة: أي فيهما، فتحصل أن الاقوال ثلاثة:(4/100)
الحنث مطلقا، وعدمه مطلقا، وتفصيل.
قاضيخان ط.
قوله: (تكون بالكتابة) أي كما تكون باللسان ولم ينبه عليه لظهوره، فافهم.
قوله: (والايماء) بالجر عطف على الاشارة، وكأنه أراد الاشارة باليد والايماء بالرأس، لان الاصل في العطف المغايرة.
قوله: (والاظهار الخ) بالرفع مبتدأ.
قوله: (والانشاء) كذا في النسخ، والذي في الفتح والبحر والمنح: الافشاء بالفاء: أي لو حلف لا يفشي سر فلان أو لا يظهره أو لا يعلم به يحنث بالكتابة وبالاشارة.
قوله: (ولو قال الخ) قال في البحر: فإن نوى في ذلك كله: أي في الاظهار والافشاء والاعلام والاخبار كونه بالكتابة دون الاشارة دين فيما بينه وبين الله تعالى ا ه.
وهكذا في الفتح ونحوه في البزازية، ولم يذكر في النهر الاخبار، وهو الظاهر لما مر أن الاخبار لا يكون بالاشارة، فما معنى أنه يدين في أنه لم ينو به الاشارة، ومفهوم قوله: دين الخ أنه لا يصدق قضاء، كما عزاه في التاترخانية إلى عامة المشايخ، وفيها: وكل ما ذكرنا أنه يحنث بالاشارة إذا قال أشرت وأنا لا أريد الذي حلفت عليه، فإن كان جوابا لشئ سئل عنه لم يصدق في القضاء ويدين.
قوله: (أو لا يبشره) تكرار مع قول المتن والبشارة تكون بالكتابة ا ه ح.
ولعله أو لا يسره من الاسرار.
قوله: (إن أخبرتني أو علمتني الخ) وكذا البشارة كما في الفتح والبحر، وهو مخالف لما سيذكره في الباب الآتي عن البدائع من أن الاعلام كالبشارة لا بد فيهما من الصدق ولو بلا باء، ويؤيده ما في تلخيص الجامع الكبير لو قال: إن أخبرتني أن
زيد قدم فكذا حنث بالكذب، كذا إن كتبت إلي وإن لم يصل، وفي بشرتني أو أعلمتني يشترط الصدق وجهل الحالف، لان الركن في الاوليين الدال على المخبر وجمع الحروف، وفي الاخريين إفادة البشر والعلم، بخلاف ما إذا قال بقدومه لان باء الالصاق تقتضي الوجود وهو بالصدق، ويحنث بالايماء في أعلمتني وبالكتاب والرسول في الكل ا ه.
قوله: (لافادتها) أي الباء إلصاق الخبر بنفس القدوم: أي فصار كأنه قال إن أخبرتني خبرا ملصقا بقدوم زيد فاقتضى وجود القدوم لا محالة.
قال ط: وفيه أالباء في إن أخبرتني أن فلانا قدم مقدرة ومقتضاه قصره على الصدق ا ه.
قلت: قد يجاب بأنها لم تدخل على المصدر الصريح، وفرقا بين الصريح والمؤول على أن تقديرها لضرورة التعدية فلا تفيد ما تفيده ملفوظة، فتأمل.
قوله: (وكذا إن كتبت بقدوم فلان) أي أنه مثله في اقتصاره على الصدق، بخلاف إن كتبت إلي أن فلانا قدم فعبدي حر يحنث بالخبر الكاذب، حتى لو كتب إليه قبل القدوم أن زيدا قدم حنث وإن لم يصل الكتاب إلى الحالف، كذا في شرح التلخيص.
ومفاده الحنث بمجرد الكتابة، ومقاد الفتح والبحر اشتراط الوصول، ويدل للاول تعليل التلخيص المار بأن الركن في الكتابة جمع الحروف: أي تأليفها بالقلم وقد وجد.
قوله: فقال نعم الخ) قال السرخسي: هذا صحيح، لان السلطان لا يكتب بنفسه وإنما يأمر به، ومن عادتهم الامر بالايماء والاشارة فتح.(4/101)
مطلب في حلف لا يكلمه شهرا فهو من حين حلفه قوله: (فمن حين حلفه) أي يقع على ثلاثين يوما من حين حلف، لان دلالة حاله وهي غيظه توجب ذلك، كما إذا آجره شهرا، لان العقود تراد لدفع الحاجة القائمة، بخلاف لاصومن شهرا فإنه نكرة في الاثبات توجب شهرا شائعا ولا موجب لصرفه إلى الحال فتح قوله: (ولو عرفه) كقوله: لا أكلمه الشهر يقع على باقيه، وكذا السنة واليوم والليلة، وأشار إلى أنه لو حلف بالليل لا يكلمه يوما حنث بكلامه في بقية الليل وفي الغد، لان ذكر اليوم للاخراج، وكذا لو حلف بالنهار لا يكلمه ليلة حنث بكلامه من حين حلف إلى طلوع الفجر، ولو قال في النهار: لا أكلمه يوما فهو من ساعة
حلفه مع الليلة المستقبلة إلى مثل تلك الساعة من الغد، لان اليوم منكر فلا بد من استيفائه، ولا يمكن إلا بإتمامه من الغد فلا يتبعه الليل، وكذا لا يكلمه ليلة فهو من تلك الساعة إلى مثلها من الليلة الآتية مع النهار الذي بينهما.
أفاده في البحر عن البدائع 7.
وفيه عن الواقعات لا أكلمك اليوم ولا غدا ولا بعد غد فله أن يكلمه ليلا لانها أيمان ثلاثة، ولو لم يكرر النفي فهي واحدة فيدخل الليل بمنزلة قوله ثلاثة أيام.
قوله: (فيما يتناول الابد الخ) مثل لا أكلمه فإنه لو لم يذكر الشهر تتأبد اليمين فذكر الشهر لاخراج ما وراءه فبقي ميلي يمينه داخلا.
بحر.
قوله: (وفيما لا يتناوله) مثل لاصومن أو لاعتكفن فإنه لو لم يذكر الشهر لا تتأبد اليمين فكان ذكره لتقدير الصوم به وأنه منكر فالتعيين إليه، بخلاف إن تركت الصوم شهرا فإن الشهر من حين حلف، لان تركه مطلقا يتناول الابد فذكر الوقت لاخراج ما وراءه، وتمامه في البحر.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية من الفرق بين الصلاة وخارجها، وهو ما عليه القدوري.
قوله: (كما رجحه في البحر) حيث قال: فقد اختلفت الفتوى، والافتاء بظاهر المذهب أولى.
قوله: (ورجح في الفتح عدمه) حيث قال: ولما كان مبنى الايمان على العرف، وفي العرف المتأخر لا يسمى التسبيح والقرآن كلاما، حتى يقال لمن سبح طول يومه أو قرأ: لم يتكلم اليوم بكلمة، اختار المشايخ أنه لا يحنث بجميع ما ذكر خارج الصلاة، واختير للفتوى من غير تفصيل بين اليمين بالعربية والفارسية ا ه.
وأفاد أن ظاهر الرواية مبني على عرف المتقدمين، وقوله من غير تفصيل الخ يبين قول الشارح مطلقا.
قوله: (وقواه في الشرنبلالية الخ) الضمير راجع إلى ما في الفتح، فكان الاولى تقديمه على قوله: بل في البحر.
قوله: (قائلا ولا عليك الخ) الذي رأيته في الشرنبلالية بعد نقله عن البحر أن الافتاء بظاهر المذهب أولى.
قلت: الاولوية غير ظاهرة، لما أن مبنى الايمان على العرف المتأخر، ولما علمت من أكثرية التصحيح له ا ه.
قوله: (ويقاس عليه) أي على ما في التهذيب و البحث لصاحب النهر، وكذلك(4/102)
الاستدراك بعده.
قوله: (فتأمل) إشارة إلى مخالفة ما في الفتح لكلام التهذيب أو إلى ما في دعوى
الاولوية من البحث، إذ لا يلزم من كونه كلاما منظوما وكون قائله متكلما أن يسمى إلقاء الدرس كلاما، وإلالزم أن تكون قراءة الكتب كذلك، وهذا كله بناء على عدم العرف، وإلا فإن وجد عرف فالعبرة له كما تقرر، فافهم.
مطلب مهم: لا يكلمه اليوم ولا غدا أو لا بعد غد فهي أيمان ثلاثة قوله: (اليوم) قيد اتفاقي ط.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم ينو ما في النمل بأن نوى غيرها أو لم ينو شيئا لا يحنث كما في البحر.
قوله: (لانهم لا يريدون به القرآن) أي لان الناس لا يريدون بغير ما في النمل القرآن بل التبرك.
قوله: (به يفتى) هو قول أبي يوسف.
وفرق محمد فقال: المقصود من قراءة كتاب فلان فهم ما فيه وقد حصل، ويحنث بقراءة سطر منه لا نصفه، لانه لا يكون مفهوم المعنى غالبا، والمقصود من قراءة القرآن عين القرآن إذ الحكم متعلق به كما في البحر.
قال ح: وقول محمد: هو الموافق لعرفنا كما لا يخفى.
مطلب: أنت طالق يوم أكلم فلانا فهو على الجديدين قوله: (حلف لا يكلم فلانا اليوم) هذا المثال غير صحيح هنا، لان الحكم فيه أن اليمين على باقي اليوم كما في البحر، والذي مثل به في الكنز كعامة المتون يوم أكلم فلانا فعلى الجديدين ا ه ح: أي لو قال يوم أكلم فلانا فأنت طالق فهو على الليل والنهار.
سميا جديدين: لتجددهما أي عودهما مرة بعد أخرى، فإن كلمه ليلا أو نهارا حنث.
قوله: (لقرانه اليوم بفعل لا يمتد) قيل المراد به الكلام، لان عرض والعرض لا يقبل الامتداد إلا بتجدد الامثال كالضرب والجلوس والسفر والركوب ولك عند الموافقة صورة ومعنى والكلام الثاني يفيد معنى غير مفاد الاول، وفيه أن الكلام اسم لالفاظ مفيدة معنى كيفما كان فتحققت المماثلة، ولذا يقال كلمته يوما فالصحيح أن المراد بما لا يمتد الطلاق، ولان اعتبار العامل في الظرف أولى من اعتبار ما أضيف إليه الظرف، لانه غير مقصود إلا لتعيين ما تحقق فيه المقصود، وتمامه في الفتح.
وقد مر مبسوطا في بحث إضافة الطلاق إلى الزمان.
قوله: (صدق) أي ديانة وقضاء وعن الثاني لا يصدق قضاء.
بحر قوله: (لعدم استعماله مفردا الخ) أي بخلا ف الجمع فإنه يستعمل في مطلق الوقت كقول
الشاعر: وكنا حسبنا كل بيضاء شحمة لياللاقينا جذاما وحميرا(4/103)
قوله: (ولو بعدهما لا يحنث) أقول: وكذا معهما لقول الخانية: حلف لا يدخل هذه الدار حتى يدخلها فلان فدخلاها معا لم يحنث، وكذا أكلمك حتى تكلمني، وكذا إن كلمتك إلا أن تكلمني ا ه.
سائحاني.
قوله: (لجعله القدوم والاذن غاية لعدم الكلام) أما الغاية في حتى فظاهرة، وأما في إلا أن فإن الاستثناء وإن كان هو الاصل فيها إلا أنها تستعار الشرط، والغاية عند تعذره لمناسبة هي أن حكم كل واحد منها يخالف ما بعده، وقيل هي للاستثناء.
قال في الفتح: وفيه شئ وهو أن الاستثناء فيها إنما يكون من الاوقات أو الاحوال على معنى امرأته طالق في جميع الاوقات أو الاحوال إلا وقت قدوم فلان أو إذنه أو إلا حال قدومه أو إذنه، وهو يستلزم تقييد الكلام بوقت الاذن أو القدوم، فيقتضي أنه لو كلمه بعده حنث لانه لم يخرج من أوقات وقوع الطلاق إلا ذلك الوقت ا ه.
قلت: وللفرق بين الغاية والحال قال في التاترخانية وغيرها: لا يكلمه إلا ناسيا فكلمه مرة ناسيا ثم مرة ذاكرا حنث، وفي إلا أن ينسى لا يحنث.
قوله: (سقط الحلف) أي بطل ويأتي وجهه.
قوله: (قيد بتأخير الجزاء) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وأحسن منه قول البحر: قيد بالشرط لانه لو قال الخ.
أفاده ح.
مطلب: إن كلمه إلا يقدم زيد أو حتى قوله: (بل للشرط الخ) قال في البحر: وهي هنا للشرط كأنه قال إن لم يقدم فلان فأنت طالق، ولا تكون للغاية لانها إنما تكون لها فيما يحتمل التأقيت والطلاق مما لا يحتمله معنى فتكون للشرط.
قوله: (لان الطلاق مما لا يحتمل التأقيت) يعني أنها إنما تكون للغاية فيما يحتمل التأقيت، والطلاق مما لا يحتمله فتكون فيه للشرط.
واعترض بأن الشرط وهو إلا أن يقدم مثبت، فالمفهوم أن القدوم شرط الطلاق لا عدمه.
وأجيب بأنه حمل على النفي لانه جعل القدوم رافعا للطلاق.
وتحقيقه
أن معنى التركيب وقوع الطلاق من الحال مستمرا إلى القدوم فيرتفع، فالقدوم علم على الوقوع قبله، وحيث لم يمكن ارتفاعه بعد وقوعه وأمكن وقوعه عند عدم القدوم اعتبر الممكن، فجعل عدم القدوم شرطا فلا يقع الطلاق، إلا أن يموت فلان قبل القدوم أو الاذن ا ه ملخصا من الفتح: أي لانه إذا مات تحقق الشرط.
قوله: (بطل اليمين) بناء على ما مر من أن بقاء تصور البر شرط لبقا اليمين المؤقتة، وهذه كذلك لانها مؤقتة ببقاء الاذن والقدوم، إذ بهما يتمكن من البر بلا حنث، ولم يبق ذلك بعد موت من إليه الاذن والقدوم، وعند الثاني: لما كان التصور غير شرط فعند سقوط الغاية تتأبد اليمين، فأي وقت كلمه فيه يحنث وتمامه في الفتح.
قوله: (كلمة ما زال وما دام الخ) هذا مما دخل تحت الاصل المذكور.(4/104)
قلت: ومنه قول العوام في زماننا: لا أفعل كذا طول ما أنت ساكن.
وفي البحر: لا أكلمه ما دام عليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه وكلمه لا يحنث، ولو قال: لا أكلمه وعليه هذا الثوب الخ حنث، لانه ما جعل اليمين مؤقتة بوقت بل قيدها بصفة فتبقى ما بقيت تلك الصفة.
قال لابويه: إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا فتزوج في حياتهما حنث، ولو تزوج أخرى لا يحنث، إلا إذا قال: كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين فيحنث بكل امرأة، وإن مات أحدهما سقط اليمين لان شرط الحنث التزوج ما داما حيين، ولا يتصور بعد موت أحدهما.
مطلب: لا أفعل كذا مادام كذا قوله: (فخرج منها) أي بنفسه، بخلاف ما دام في الدار فإنه لا بد من خروجه بأهله، وهذا إذا لم ينو ما دامت بخارى وطنا له، فإن نوى ذلك فهو كالدار.
قال في الخانية: حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى ففارقها ثم عاد وشرب، قال ابن الفضل: إن فارقها بنفسه ثم عاد وشرب لا يحنث، إلا أن ينوي ما دامت بخارى وطنا له، فإن نوى ذلك ثم عاد وشرب حنث لبقاء وطنه بها ا ه.
وفيها: والله لا أقربك ما دمت في هذه الدار لا يبطل اليمين إلا بانتقال تبطل به السكنى، لان معنى ما دمت في هذه الدار ما سكنت فيها، وما بقي في الدار وتد يكون ساكنا عند أبي حنيفة، وعندهما:
لا يكون ساكنا بذلك، والفتوى على قولهما.
قوله: (لانتهاء اليمين ببيع البعض) الذي يظهر تقييده بما إذا كان يمكنه أكل كله، وقد تقدم ما يدل على ذلك أبو السعود: أي تقدم في قول الشارح كل شئ يأكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربة فالحلف على كله وإلا فعلى بعضه.
أقول: ويظهر لي عدم الحنث مطلقا لعدم الشرط نظير ما قدمناه آنفا في ما دمتما حيين إذا مات أحدهما، ثم رأيت في الخانية علل المسألة بقوله: لان شرط الحنث الاكل حال بقاء الكل في ملك فلان ولم يوجد ا ه فافهم.
مطلب: لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم قوله: (وكذا لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم) أي وهو ينوي أن لا يترك لزومه، حتى يعطيه حقه بحر.
قوله: (بل بمفارقته بعده) أي بل يحنث بمفارقته بعد اليوم دون إعطاء، وأما لو فارقه قبل مضي اليوم فهو كذلك بالاولى ولذا لم يصرح به، فافهم.
قوله: (ولو قدم اليوم) أي بأن قال: لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي فمضى اليوم ولم يفارقه ولم يعطه حقه لم يحنث، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث لانه وقت للفراق ذلك اليوم.
بحر ووقع في الخانية ذكر اليوم مقدما ومؤخرا، والظاهر أنه لا فرق.
قوله: (وإن فارقه بعده) مفاده أنه لو فارقه في اليوم لا يحنث، لكنه مقيد بما إذا قضاه حقه وإلا حنث، فالاطلاق في محل التقييد كما لا يخفى أفاده ح.
مطلب: حلف لا يفارقني ففر منه يحنث تنبيه: قيد بالمفارقة، لانه لو فر منه لا يحنث، ولو قال لا يفارقني يحنث.
خانية.
وفيها لا أدرع مالي عليك اليوم فحلفه عند القاضي بر وكذا لو أقر فحبسه، وإن لم يحبسه يلازمه إلى الليل، ولو(4/105)
كان الدين مؤجلا لم يحل يقول له أعطني مالي فإذا قاله صار بارا، وسيأتي في باب اليمين بالضرب والقتل أنه لو قعد بحيث يراه ويحفظه فليس بمفارق، وسيأتي تمام مسائل قضاء الدين هناك.
قوله: (وكذا لو حلف الخ) نقفي المنح هذا الفرع عن جواهر الفتاوى بعبارة مطولة فراجعها.
قوله: (لتقييده من جهة المعنى بحال إنكاره) أي كما لو حلف المديون لغريمه أن لا يخرج من البلد
إلا بإذنه، فإنه مقيد بحال قيام الدين، لكن هذا التعليل لا يظهر بالنسبة إلى قوله: أو ظهر شهود فإنه بظهور الشهود لم يزل الانكار، بل العلة فيه أنه بعد ظهور الشهود لا يمكن التحليف.
تأمل وفي البرازية: حلفه ليوفين حقه يوم كذا وليأخذن بيده ولا ينصرف بلا إذنه فأوفاه اليوم ولم يأخذ بيده وانصرف بلا إذنه لا يحنث، لان المقصود هو الايفاء ا ه.
قلت: وقد تقدم أن الايمان مبنية على الالفاظلا على الاغراض، وهذا المقصود غير ملفوظ، لكن قدمنا أن العرف يصلح مخصصا وهنا كذلك، فإن العرف يخصص ذلك بحال قيام الدين قبل الايفاء، ويوضحه أيضا ما يأتي قريبا عن التبيين.
تنبيه: رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني عند قول الشارح لو حلف أن يجره الخ هذا يفيد أن من حلف أن يشتكي فلانا ثم تصالحا وزال قصد الاضرار واختشى عليه من الشكاية يسقط اليمين، لانه مقيد في المعنئ بدوام حالة استحقاق الانتقام كما ظهر لي ا ه.
فتأمله.
مطلب: حلف لا يكلم عبد فلان أو عرسه ثم زالت الاضافة ببيع أو طلاق قوله: (لا يكلم عبده) هذه الاضافة إضافة ملك، وقوله: أو عرسه أو صديقه إضافة نسبة، وهذا في إضافة الفرد.
وأما إضافة الجمع فالظاهر أنها كذلك من حيث زوال الاضافة والتجدد، نعم يفرق في إضافة الجمع بين إضافة الملك والنسبة من حيث إنه لا يحنث إلا بالكل في النسبة وبأدنى الجمع في الملك كما سيذكره المصنف.
قوله: (إن زالت إضافته) أي ولو إلى الحالف كما في لا آكل طعامك هذا فأهداه له فأكل لم يحنث في قياس قولهما.
وعند محمد: يحنث، وكذلك في بقية المسائل.
بحر عن الذخيرة قوله: (ببيع) أي أو هبة أو صدقة أو إرث أو غير ذلك.
رملي.
وهذا راجع للعبد والدار وما بعدهما.
قوله: (أو طلاق) راجع للعرش، وقوله: أو عداوة راجع للصديق.
قوله: (ونحوه مما يملك كالدار) هذا التعميم لا يناسب حله الآتي حيث جعل الدار مسكوتا عنها لكونها لا تكلم، وجعل القهستاني قوله: وكلمه من عموم المجاز: أي وفعل الحالف واحدا من هذه الافعال بأن كلم العبد أو دخل الدار المعين أو غيره ا ه.
ولو فعل الشارح كذلك لصح تعميمه واستغنى عما يأتي.
تنبيه: استثنى في البحر مسألة يحنث فيها وإن زالت الاضافة، وهي ما لو حلف لا يأكل من طعام فلان وفلان بائع الطعام فاشترى منه وأكل حنث.
قال: وعلله في الواقعات بأن يراد به طعامه(4/106)
باسم ما كان مجازا بحكم دلالة الحال، وكذا لا ألبس من ثياب فلان ا ه.
قلت: ووجه أنه إذا كان بائعا يراد به ما يشترى منه أو ما يصنعه فلا تتقيد اليمين بحال قيام الاضافة لان إضافة الملك غير مقصودة.
قوله: (أشار إليه بهذا أولا) أما إذا لم يشر إليه فلانه عقد يمينه على فعل واقع في محل مضاف إلى فلان فيحنث ما دامت الاضافة باقية وإن كانت متجددة بعد اليمين ولا يحنث بعد زوالها لعدم شرط الحنث.
وأما إذا أشار إليه فلان اليمين عقدت على عين مضافة إلى فلان إضافة ملك فلا تبقى اليمين بعد زوال الملك، كما إذا لم يعين، وهذا لان هذه الاعيان لا يقصد هجرانها لذواتها بالمعنى في ملاكها واليمين تتقيد بمقصود الحالف ولهذا تتقيد بالصفة الحاملة على اليمين، وإن كانت في الحاضر على ما بينا من قبل وهذه صفة حاملة على اليمين فتتقيد بها، فصار كأنه قال: ما دام ملكا لفلان نظرا إلى مقصوده، كذا في التبيين، ولم يذكر المصنف حنثه بالمتجدد، والحكم أنه إن لم يشر حنث بالتجدد، وإن أشار لا يحنث كما في الكنز ح.
قوله: (على المذهب) مقابله رواية ابن سماعة أن العبد كالصديق لا كالدار.
بحر وعند محمد: يحنث في الدار والعبد عند الاشارة، وبه قال زفر والائمة الثلاثة كما في الدر المنتقى.
قوله: (لان العبد ساقط الاعتبار) هذا وجه ظاهر المذهب، ولذا يباع كالحمار، فالظاهر أنه إن كان منه أذى إنما يقصد هجران سيده بهجرانه قوله: (بالطريق الاولى) لان العبد عاقل يمكن أن يعادي لذاته، ومع هذا قيل إنه ساقط الاعتبار فالدار بالاولى.
قوله: (فتنبه) أي لكون هذا مراد المصنف.
قوله: (إن أشار بهذا) أي بأن قال لا أكلم صديق فلان هذا أو زوجته هذه.
قوله: (أو عين) مثل لا أكلم عبدك زيدا.
قوله: (حنث) أي بفعل المحلوف عليه بعد زوال الاضافة كما هو موضوع المسألة ولا يحنث بالمتجدد كما في الكنز.
قوله: (لان الحر يهجر لذاته) أي فكانت الاضافة للتعريف المحض، والداعي لمعنى في المضاف إليه غير ظاهر، لانه لم يقل لا أكلم صديق فلان لان فلانا عدو لي.
زيلعي.
أفاد أن هذا عند عدم قرينة تدل على أن الداعي لمعنى في المضاف إليه، فلو وجدت لا يحنث بعد زوال الاضافة ومثلها النية، ولذا قال في البحر: إن ما في المختصر: أي الكنز إنما هو عند عدم النية، وأما إذا نوى فهو على ما نوى لانه محتمل كلامه.
قوله: (وإن لم يشر ولم يعين لا يحنث) إلا في رواية عن محمد، والمعتمد الاول شرح الملتقى.
قوله: (بأن اشترى عبدا أو تزوج بعد اليمين) لما كان المتبادر من كلام المصنف أن قوله وحنث بالمتجدد مرتبط بقوله: وإلا لا الواقع في مسألة غير العبد مثل بمثالين: أحدهما في العبد، والآخر في غيره إشارة إلى أن قوله: وحنث بالمتجدد مرتبط بمسألة العبد أيضا، بقرينة أن المصنف لم يذكر فيها حكم المتجدد، فعلم(4/107)
أن هذا راجع إلى المسألتين جميعا، لكن هذا إذا لم يشر فيهما، أما إذا أشار فيهما فمعلوم أنه لا يحنث، لان المتجدد غير المشار إليه وقت الحلف، فافهم.
والحاصل كما في البحر: أنه إذا أضاف ولم يشر لا يحنث بعد الزوال في الكل لانقطاع الاضافة، ويحنث في المتجدد في الكل لوجودها.
وإذا أضاف وأشار فلا يحنث بعد الزوال والتجدد إن كان المضاف لا يقصد بالمعاداة، وإلا حنث ا ه.
لكن قوله: وإلا حنث: أي بأن كان المضاف يقصد بالمعاداة كالزوجة والصديق مقتضاه أنه يحنث بالمتجدد إذا أشار، مع أن الحنث بالمتجدد هنا قد خصه الزيلعي بما إذا لم يشر كما هو المتبادر من عبارة الكنز والمصنف، فافهم.
قوله: (لا يكلم هذا الطيلسان) مثلث اللام.
قاموس: وهو ثوب طويل عريض قريب من طول وعرض الرداء مربع يجعل على الرأس فوق نحو العمامة، ويغطى به أكثر الوجه كما قاله جمع محققون، وهو لبيان الاكمل فيه ثم يدار طرفه الايمن من تحت الحنك إلى أن يحيط بالرقبة جميعها ثم يلقي طرفه على المنكبين، وتمامه في حاشية الخير الرملي عن شرح المنهاج لابن حجر.
قوله: (مثلا) لان قوله: صاحب هذه الدار ونحوها كذلك.
نهر قوله: (لان الاضافة للتعريف) لان الانسان لا يعادي لمعنى الطيلسان فصار كما لو أشار إليه وقالا أكلم هذا الرجل فتعلقت اليمين بعينه.
فتح قيل يجوز أن يكون حريرا فيعادي لاجله.
قلت: هو مدفوع بأن عداوة الشخص منشؤها صفة في الشخص وهي ارتكابه المحرم شرعا
نحوه لا ذات الحرير، وإلا لزم أنه لو كلم المشتري ولو امرأة أن يحنث، فافهم.
مطلب: لا أكلمه الحين أو حينا قوله: (الحين والزمان الخ) أي سواء كان في النفي كوالله لا أكلمه الحين أو حينا، إو الاثبات نحو لاصومن الحين أو حينا أو الزمان أو زمانا.
قوله: (من حين حلفه) أي يعتبر ابتداء الستة أشهر من وقت اليمين بخلاف لاصومن حينا أو زمانا فإن له أن يعين: أي ستة أشهر شاء، وتقدم الفرق.
فتح: أي تقدم في قوله لا أكلمه شهرا.
قوله: (لانه الوسط) علقة لقوله: ستة أشهر وذلك الحين قد يراد به ساعة كما في * (فسبحان الله حين تمسون) * (الروم: 71) وأربعون سنة كما قال المفسرون في * (هل أتى على الانسان حين من الدهر) * (الانسان: 1) وستة أشهر كما قال ابن عباس في * (تؤتي أكلها كل حين) * (إبراهيم: 52) لانها مدة بين أن يخرج الطلع إلى أن يصير رطبا فعند عدم النية ينصرف إليه لانه الوسط، ولان القليل لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة، والاربعون سنة لا تقصد بالحلف عادة لانه في معنى الابد، ولو سكت عن الحين تأبد، فالظاهر أنه لم يقصد الاقل ولا الابد ولا أربعين سنة، فيحكم بالوسط في الاستعمال، والزمان استعمل استعمال الحين، وتمامه في الفتح.
قوله: (أي النية) أي يصح بالنية ما نواه، وبين الشارح بتفسير الضمير أن الضمير عائد على النية التي تضمنها نوى، فهو من قبيل عود الضمير على مرجع معنوي متضمن في لفظ متأخر لفظا متقدم رتبة، لان الاصل ما نواه كائن بها ا ه ح.
قوله: (فيهما) أي في الحين والزمان: أي إذا نوى مقدارا صدق لانه نوى حقيقة كلامه، لان كلا منهما للقدر المشترك بين القليل والكثير والمتوسط، واستعمل في كل كما مر.
فتح.
مطلب: لا أكلمه غرة الشهر أو رأس الشهر(4/108)
قوله: (وغرة الشهر ورأس الشهر) وكذا عند الهلال، أو إذا أهل الهلال، وإن نوى الساعة التي أهل فيها صح لانه الحقيقة وفيه تغليظ عليه، كذا في الفتح.
وفيه أيضا أن الغرة في العرف ما ذكر وإن كان في اللغة للايام الثلاثة وبلغ الشهر التاسع والعشرون.
قوله: (وأوله إلى ما دون النصف) كذا
في البحر عن البدائع، ومقتضاه أن الخامس عشر ليس من أوله، ويخالفه الفرع الآتي، وكذا ما في الخانية: حلف ليأتينه في أول شهر رمضان فأتاه لتمام خمسة عشر لا يحنث، فإن كان الشهر تسعة وعشرون يوما، قال محمد: إن أتاه قبل الزوال من اليوم الخامس عشر ينبغي ألا لا يحنث، وإن أتاه بعد الزوال في هذا اليوم حنث ا ه.
ونحوه في ح عن القهستاني، ومثله في التاترخانية، ولعلهما قولان يشير إليه ما في البزازية: أوله قبل مضي النصف، وعن الثاني فيمن قال لا أكلمك آخر يوم من أول الشهر وأول يوم من آخره فعلى الخامس عشر والسادس عشر.
قوله: (والصيف الخ) قال في الفتح: وفي الواقعات والمختار أنه إذا كان الحالف في بلد لهم حساب يعرفون الصيف والشتاء مستمرا ينصرف إليه، وإلا فأول الشتاء ما يلبس الناس فيه الحشو والفرو، وآخره ما يستغني الناس فيه عنهما، والفاصل بين الشتاء والصيف إذا استثقل ثياب الشتاء واستخف ثياب الصيف والربيع من آخر الشتاء إلى أول الصيف والخريف من آخر الصيف إلى أول الشتاء، لان معرفة هذا أيسر للناس.
قوله: (أو الابد) أي معرفا أو منكرا بقرينة قصر التفصيل على الدهر.
قوله: (هو العمر) أشار إلى أنه لو قال لا أكلمه العمر فهو على الابد عند عدم النية، ولو نكره فعن الثاني على يوم، وعنه على ستة أشهر كالحين وهو الظاهر.
نهر عن السراج.
قوله: (عند عدم النية) أما إذا نوى شيئا فتعمل نيته.
أفاده ط.
قوله: (لم يدر) أي توقف فيه أبو حنيفة وقال: لا أدري ما هو قال في الاختيار: لانه لا عرف فيه فيتبع، واللغات لا تعرف قياسا، والدلائل فيه متعارضة فتوقف فيه.
وروى أبو يوسف عنه أن دهرا والدهر سواء، وهذا عند عدم النية، فإن كان له نية فعلى ما نوى ا ه: أي لو نوى مقدارا من الزمان عمل به اتفاقا فتح.
فإن قيل ذكر في الجامع الكبير: أجمعوا فيمن قال إن كلمته دهورا أو شهورا أو سنينا أو جمعا أو أياما يقع على ثلاثة من هذه المذكورات.
قلنا: هذا تفريع لمسألة الدهر على قول من يعرف الدهر كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها.
قاله ابن الضياء شرنبلالية.
قلت: والاحسن ما أجاب به في الفتح من أن قوله: إنه على ثلاثة، ليس فيه تعيين معناه أنه ما هو.
مطلب: المسائل التي توقف فيها الامام قوله: (توقف الامام في أربع عشرة مسألة) منها لفظ دهر، ومنها الدابة التي لا تأكل إلا الجلة،(4/109)
وقيل التي أكثر غذائها متى يطيب لحمها؟ فروي تحبس ثلاثة أيام وقيل سبعة، ومنها الكلب متى يصير معلما ففوضه للمبتلى، وعنه هو قولهما بترك الاكل ثلاثا، ومنها: وقت الختان روي عشر سنين أو سبع، وعليه مشى المصنف آخر المتن، وقيل: أقصاه اثنا عشر.
ومنها: الخنثى المشكل إذا بال من فرجيه.
وقالا: يعتبر الاكثر.
ومنها: سؤر الحمار والتوقف في طهوريته لا في طهارته.
ومنها: هل الملائكة أفضل من الانبياء؟ ومر في الصلاة أن خواص البشر أفضل.
ومنها: أطفال المشركين.
وقال محمد: لا يعذب الله أحدا بلا ذنب، ومر في الجنائز.
ومنها نقش جدار المسجد من ماله، ومر أنه يجوز لو خيف عليه من ظالم أو كان منقوشا زمن الواقف أو لاصلاح الجدار.
وفي الشرنبلالية أنه نظمها شيخ الاسلام ابن أبي شريف بقوله: حمل الامام أبا حنيفة دينه أن قال لا أدري لتسعة أسئله أطفال أهل الشرك أين محلهم وهل الملائكة الكرام مفضله؟ أم أنبياء الله؟ ثم اللحم من جلالة أنى يطيب الاكل له والدهر مع وقت الختان وكلبهم وصف المعلم أي وقت حصله والحكم في الخنثى إذا ما بال من فرجيه مع سؤر الحمار استشكله وأجائز نقش الجدار لمسجد من وقفه أم لم يجزأن يفعله؟ قلت: وألحقت بها ببيتا آخر فقلت: ويزاد عاشرة هل الجني يثاب بطاعة كالانس يوم المسأله قوله: (بل عن النبي (ص) وعن جبريل أيضا) في الكرماني سئل رسول الله (ص) عن أفضل البقاع، فقال: لا أدري حتى أسأل جبريل فسأله فقال: لا أدري حتى أسأل ربي، فقال عزوجل: خير البقاع المساجد، وخير أهلها أولهم دخولا وآخرهم خروجا وفي الحقائق: أنه تنبيه لكل مفت أن
لا يستنكف من التوقف فيما لا وقوف له عليه، إذ المجازفة افتراء على الله تعالى بتحريم الحلال وضده، كذا في القهستاني.
وقال الغزالي في الاحياء: وقال (ص): ما أدري أعزير نبي أم لا، وما أدري أتبع ملعون أم لا، وما أدري أذو القرنين نبي أم لا ا ه ح.
وهذا قبل أن يطلعه الله تعالى على أمرهم، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن تبعا مؤمن ط.
قوله: (والجمع) معناه أنه إذا حلف لا يكلمه الجمع بترك كلامه عشرة أيام، كل يوم هو يوم الجمعة، لا أنه يترك كلامه عشرة أسابيع كما قد يتوهم، وهذا حيث لا نية له، فإن نوى الاسابيع صح، بخلاف جمعة مفردا كقوله علي صوم جمعة إذا نوى الاسبوع أو لم ينو يلزمه صوم الاسبوع بحكم غلبة الاستعمال، يقال لم أرك منذ جمعة.
أفاده في البحر.
قوله: (عشرة من كل صنف) هذا عنده، وقال في الايام، وأيام كثيرة سبعة، والشهور اثنا عشر وما عداها للابد.
والاصل فيه أنه لتعريف العهد لو ثم معهود، وإلا فللجنس، فإذا كان للجنس فإما أن ينصرف إلى أدناه، أو إلى الكل لا ما بينهما، فهما يقولان وجد العهد في الايام والشهور، لان الايام تدور على سبعة والشهور على اثني عشر فيصرف إليه، وفي غيرهما لم يوجد فيستغرق العمر وهو يقول: إن أكثر ما يطلق عليه اسم الجمع عشرة وأقله ثلاثة، فإذا دخلت عليه أل استغرق الجمع وهو العشرة، لان الكل من الاقل بمنزلة العام من الخاص، والاصل في العام العموم فحملنا(4/110)
عليه.
زيلعي قوله: (لانه أكثر ما يذكر بلفظ الجمع) يعني أن العشرة أقصى ما عهد مستعملا فيه لفظ الجمع على اليقين، لانه يقال ثلاثة رجال وأربعة رجال إلى عشرة رجال، فإذا جاوز العشر ذهب الجمع فيقال أحد عشر رجلا الخ.
ح عن البحر قوله: (خمس سنين) لان كل زمان ستة أشهر عند عدم النية.
فتح قوله: (ومنكرها) أي منكر هذه الالفاظ.
قوله: (كما مر) أي في أيام كثيرة، ويقاس عليها غيرها ط.
قوله: (لا يكلم عبيدا) أشار به إلى أنه لا فرق بين المنكر والمضاف ط.
وإلى أنه لا غير فرق بين منكر هذه الالفاظ المارة، ومنكر غيرها إذا لم يوصف بالكثرة، ويأتيك قريبا تحقيق ذلك.
قوله: (وتصح نية الكل) أي قضاء وديانة لانه نوى حقيقة كلامه، كذا في الزيادات، وظاهر أنه لا يحنث بواحد.
بحر قوله: (لان المنع لمعنى في هؤلاء) فإن الاضافة فيهم إضافة
تعريف فتعلقت اليمين بأعيانهم، فما لم يكلم الكل لا يحنث، وفي الاول إضافة ملك لانها لا تقصد بالهجران وإنما المقصود المالك، فتناولت اليمين أعيانا منسوبة إليه وقت الحنث، وقد ذكر النسبة بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة، كذا في الاختيار ونحو في البحر.
قلت: وهو مخالف للعرف، فإن أهل العرف يريدون عدم الكلام مع أي زوجة منهن، ومع من كان له صداقة مع فلان ط.
قلت: وقدمنا أول الايمان قبيل قوله: كل حل عليه حرام عن القنية: إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق، فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا ا ه.
قوله: (فإن كان يعلم به) أي يعلم بأنه واحد حنث، لان الجمع قد يراد به الجنس كلا اشترى العبيد، لكن الفرق هنا أن إخوة فلان خاص معهود، بخلاف العبيد.
قوله: (وألحق في النهر) أي بالاخوة بحثا، والظاهر أنه لا خصوصية للاصدقاء والزوجات بل الاعمام ونحوهم، والعبيد والدواب وغيرهم كذلك لما قلنا.
مطلب: الجمع لا يستعمل لواحد إلا في مسائل قوله: (من المسائل الاربع الخ) ذكرها في شرحه على الملتقى آخر كتاب الوقف، وزاد عليها حيث قال: فائدة الجمع لا يكون: أي لا يستعمل للواحد إلا في مسائل وقف على أولاده وليس له إلا واحد، فله كل الغلة، بخلاف بنيه وقف على أقاربه المقيمين ببلد كذا فلم يبق منهم إلا واحد.
حلف لا يكلم إخوة فلان وليس له إلا واحد، حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب أو الخبز وليس منه إلا رغيف واحد.
حلف لا يكلم الفقراء أو المساكين أو الناس أو بنى ادم وهؤلاء(4/111)
القوم أو أهل بغداد حنث بواحد كما في الاطعمة والثياب والنساء، ثم أطال في ذلك وفي الكلام على المسألة الاولى، وأنها مخالفة لما في الخانية، ثوقف بينهما فراجعه، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام عليها في الوقف.
قوله: (وأما الاطعمة والثياب الخ) أي إذا كانت معرفة بأل مثل لا آكل الاطعمة ولا ألبس الثياب، بخلاف أطعمة زيد وثيابه فلا بد من الجمعية كما مر، وقوله
لانصراف المعرف للعهد الخ بيان لوجه الفرق.
مطلب: تحقيق مهم في الفرق بين لاأكلم عبيد فلان أو زوجاته أو النساء أو نساء أقول: والفرق بين هذه المسائل من المواضع المشكلة فلا بد من بيانه فنقول: قال في تلخيص الجامع وشرحه إن كلمت بني آدم أو الرجال أو النساء حنث بالفرد، إلا أن ينوي الكل إلحاقا للجمع المعرف بالجنس، فيصدق قضاء، ولا يحنث أبدا لان الصرف إلى الادنى عند الاطلاق لتصحيح كلامه، إذ ليس في وسعه إثبات كل الجنس، وإذا نوى الكل فقد نوى حقيقة كلامه، وأما الجمع المنكر كإن كلمت نساء فيحنث بالثلاث لانه أدنى الجمع، ولو نوى الزائد صدق قضاء وإن كان فيه تخفيف عليه، لان الزائد على الثلاث جمع حقيقة، وله نية الفرد أيضا لجواز إرادته بلفظ الجمع نحو * (إنا أنزلناه) * (القدر: 1) لا نية المثنى ا ه.
وقد صرح الاصوليون بأن المعرف يصرف للعهد إن أمكن، وإلا فللجنس لان أل إذا دخلت على الجمع ولا عهد تبطل معنى الجمعية: كلا أشتري العبيد.
إذا علمت ذلك فنقول: إن الجمع المضاف إذا كان محصورا فهو من قسم المعرف المعهود، فلا تبطل فيه الجمعية، ولكن تارة يكتفي بأدنى الجمع كما في عبيد فلان ودوابه وثيابه، وتارة لا بد من الكل كما في زوجاته وأصدقائه وإخوته، وقد مر الفرق.
وأما إذا كان غير محصور مثل لا أكلم بني آدم أو أهل بغداد أو هؤلاء القوم، فإنه يكون للجنس لعدم العهد فيحنث بواحد، ويشير إلى هذا الفرق ما في منية المفتي.
وعن أبي يوسف: إن كان له من العبيد ما يجمعهم بتسليم واحد لم يحنث حتى يكلم الكل، وإن كانوا أكثر من ذلك فكلم واحدا حنث، وكذا في الثياب إن كان له منها ما يلبس بلبسة واحدة لا يحنث إلا بالكل، وإن كان أكثر فبواحد ا ه.
فهذا صريح في الفرق بين المضاف المحصور وغيره، فصار المضاف المحصور مثل العرف بأل المعهود لا بد فيه من الجمعية، وغير المحصور مثل المنكر والمعرف بأل غير المعهود يكتفى في بالواحد، وعليه يخرج المسائل المارة عن شرح الملتقى، وبه يظهر صحة ما أجاب به صاحب البحر فيمن حلف أن أولاد زوجته لا يطلعون بيته فطلع واحد بأنه لا يحنث، ولا بد من الجمع كما تقدم قبيل قول المصنف
كل حل عليه حرام لكن كان المناسب أن يقول: لا بد من طلوع الكل، لانه مثل زوجا ت فلان لا مثل عبيده، وتقدم الفرق، لكن العرف الآن خلاف هذا كما ذكرناه قريبا، وظهر أيضا أن مسألة الوقف الصواب فيها ما في الخانية من التسوية بني الاولاد والبنين من أنه إذا لم يكن له إلا ولد واحد، فالنصف له والنصف للفقراء، إذ لا فرق بين قوله على أولادي، وقوله على بني، فإن كلا منهما جمع مضاف معهود، بخلا ف قوله على ولدي فإنه مفرد مضاف يشمل الواحد، فكل الغلة له، وبه يظهر أيضا أن الجمع المضاف المعهود إذا لم يوجد منه إلا فرد لا يبطل اللفظ بالكلية، بل(4/112)
يبقى له مدخل في الكلام وإلا لم يستحق الولد شيئا، ولذا حنث في لا أكلم إخوة فلان لم يوجد غير واحد، لكن هذا مع العلم، وإلا كان المقصود هو الجمع لا غير كما مر، فاغتنم تحقيق هذا المقام فإنه من مفردات هذا الكتاب، والحمد لله على الاتمام والانعام.
باب اليمين في الطلاق والعتاق قوله: (الاصل فيه) أي في مسائله: أي بعضها ط.
قوله: (أن الولد الميت) قيد بلفظ الولد، إشارة إلى اشتراط أن يستبين بعض خلقه.
قال في الفتح ولو لم يستبن شئ من خلقه لم يعتبر.
قوله: (ولد في حق غيره) فتنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد ويقع به المعلق على ولادته ط: أي من عتقها أو طلاقها مثلا.
قوله: (لا في حق نفسه) فلا يسمى ولا يغسل ولا يصلي عليه، ولا يستحق الارث والوصية ولا يعتق ا ه شلبي.
وسيأتي مثال هذا الاصل في قوله إن ولدت فأنت كذا حنث بالميت، بخلاف فهو حر ط.
قوله: (والاول اسم لفرد سابق) فيه أن المعتبر عدم تقدم غيره عليه السابق يوهم وجود لاحق وهو غير شرط كما يأتي، فالاوضح أن يقول: والاول اسم لفرد لم يتقدمه غيره.
أفاده ط.
قوله: (والاخير) كذا في البحر، وفي نسخة والآخر بمد الهمزة وكسر الخاء بلاياء وهي أولى، ولا يصح الفتح لصدقه على السابق وعلى اللاحق.
قوله: (بين العددين المتساويين) كالثاني من ثلاثة والثالث من خمسة، ولم يمثل المصنف له كالكنز ط.
وسيأتي بيانه.
قوله: (بأحدها) أي أحد الثلاثة المذكورة، وفي نسخة بضمير التثنية
والاولى أولى.
قوله: (لا يتصف بالآخر) بالمد والكسر، فلو قال آخر امرأة أتزوجها طالق فتزوج امرأة ثم أخرى، ثم طلق الاولى ثم تزوجها ثم مات طلقت التي تزوجها مرة، لان التي أعاد عليها التزوج اتصفت بكونها أولى فلا تتص ف بالآخرية للتضاد، كما لو قال آخر عبد أضربه فهو حر فضرب عبدا ثم ضرب آخر ثم أعاد الضرب على الاول ثم مات عتق المضروب مرة.
ح عن البحر.
قوله: (لعدمه أي لعدم التنافي، بيانه أن الفعل يتصف بالاولية، وإذا وقع وقع ثانيا بالآخرية لكون الثاني غير الاول فإنه عرض لا يبقى زمانين، وإنما يعتبره الشرع باقيا كالبيع ونحوه إذا لم يعرض عليه ما ينافيه كفسخ وإقالة، وإلا فهو زائل وما يوجد بعده فهو غير حقيقة، وإن كان عينه صورة فصح وصفه بالاولية والآخرية باعتبار الصورة وانتفى التنافي بين الوصفين باعتبار الحقيقة وذلك لكون الواقع آخرا غير الواقع أولا، ولذا قال: لان الفعل الثاني غير الاول فافهم.
قوله: (مرتين) ظرف للمتزوجة لا لطلقت ح.
قوله: (لعدم الفردية) أي في العبدين، وأما العبد فلعدم السبق فكان عليه أن يقول لعدم الفردية والسبق ا ه ح.(4/113)
مطلب: أول عبدأشتريه حر قوله: (عتق الثالث) أي في المثال المذكور لانه هو الموصوف بكونه أول عبد اشتراه وحده، ولا يخرجه عن الاولية شراء عبدين معا قبله، وكذا لو قال أول عبد أشتريه أسود أو بالدنانير فاشترى عبيدا بيضا أو بالدراهم ثم اشترى عبدا أسود أو بالدنانير عتق كما في البحر، ولا يلزم في المشتري أولا أن يكون جمعا كما لا يخفى.
قوله: (وأشار إلى الفرق) أي بين وحده وبين واحدا.
قوله: (للاحتمال الخ) هذا الفرق لشمس الائمة، ومقتضاه أنه لو نوى كونه حالا من العبد يعتق، لكن عبر عنه في الفتح بقيل، والذي اقتصر عليه في تلخيص الجامع الكبير وأوضحه قاضيخان في شرح الجامع الصغير وشرح الهداية وغيرهم هو أن الواحد يقتضي الانفراد في الذات، ووحده الانفراد في الفعل المقرون به، ألا ترى أنه لو قال في الدار رجل واحد كان صادقا إذا كان معه صبي أو امرأة، بخلاف في الدار رجل وحده فإنه كاذب، فإذا قال واحدا لا يعتق الثالث لكونه حالا
مؤكدة لم تفد غير ما أفاده لفظ أول، فإن مفاده الفردية والسبق ومفادها التفرد فكان كما لو لم يذكرها، أما إذا قال وحده فقد أضاف العتق إلى أول عبد لا يشاركه غيره في التملك والثالث بهذه الصفة، وإن عنى بقوله واحدا معنى التوحد صدق ديانة وقضاء لما فيه من التغليظ، فيكون الشرط حينئذ التفرد والسبق في حالة التملك، كما ذكره الفارسي في شرح التلخيص، وبما ذكر من الفرق علمت أنه لا فرق بين النصب والجر، بل ذكر في تلخيص الجامع أن حقه الكسر كما في بعض نسخ الجامع، وذكر شارحه عن كافي النسفي أن الالف خطأ من بعض الكتاب.
قوله: (فهو كوحده) أي فيعتق العبد الثالث، ورده في النهر بأن الجر كالنصب الفرق السابق.
قلت: ويؤيده ما نقلنا عن تلخيص الجامع وشرحه قوله: وفي النهر الخ في بعض النسخ وجوز في النهر الخ وعبارته: ولم أرى في كلامهم الرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف، والظاهر أنه لا يعتق أيضا كالنصف فتدبره ا ه.
قوله: (فملك عبدا ونصف عبد) أي معا كما في الفتح.
قوله: (عتق الكامل) لان نصف العبد ليس بعبد، فلم يشاركه في اسمه فلا يقطع عنه وصف الاولية والفردية، كما لو ملك معه ثوبا أو نحوه.
زيلعي قوله: كذا الثياب) مثل أول ثوب أملكه فهو هدي فملك ثوبا ونصفا.
قوله: (للمزاحمة) فإنه إذا قال أول كر أملكه فهو صدقة فملك كرا ونصف كر جملة لا يلزمه التصدق بشئ، لان النصف الزائد على الكر مزاحم له يخرجه عن الاولية والفردية، لان الكر اسم لاربعين قفيزا وقد ملك ستين جملة، نظيره أول أربعين عبدا أملكهم فهم أحرار فملك ستين لا يعتق أحد، فعلم أن النصف في الكر يقبل الانضمام إليه إذ لو أخذت أي نصف شئت وضممته إلى النصف الزائد يصير كرا كاملا، ونصف العبد ليس كذلك، زيلعي قوله: (فمات الحالف) وكذا لا يعتق لو لم(4/114)
يمت بالاولى، لانه ما دام حيا يحتمل أن يملك غيره.
قوله: (إذ لا بد للآخر من الاول الخ) قال في الفتح: وهذه المسألة مع التي تقدمت تحقق أن المعتبر في تحقق الآخرية وجود سابق بالفعل، وفي الاولية عدم تقدم غيره لا وجود آخر متأخر عنه، وإلا لم يعتق المشتري في قوله أول عبد أشتريه فهو حر إذا لم يشتر بعده غيره ا ه.
قوله: (بخلاف القبل) فإذا قلت: جاء زيد قبل لا يقتضي مجئ أحد
بعده، فإن معناه أن أحدا لم يتقدمه في المجئ ط.
قلت: والظاهر أن هذا فيما إذا كان قبل منصوبا منونا وإلا فهو مضاف تقديرا إلى شئ وجد بعده، إلا أن يقال إنه لا يلزم وجوده بعده ولو صرح بالمضاف إليه كجئت قبل زيد، فليتأمل.
قوله: (ثم مات الحالف) قيد به لانه لا يعلم أن الثاني آخر إلا بموت المولى، لجواز أن يشتري غيره فيكون هو الآخر بحر.
قلت: وهذا إذا تناولت اليمين غير هذا العبد وكانت على فعل لا يوجد بعد موت الم، ولم يؤقت وقتا لما في شرح الجامع الكبير لو قال لامرأتين: آخر امرأة أتزوجها منكما طالق فتزوج امرأة ثم الاخرى طلقت الثانية في الحال لاتصافها بالآخرية في الحال، واليمين لم يتناول غيرهما، ولو قال لعشرة أعبد آخركم تزوجا حر فتزوج بإذنه عبد ثم تزوج الاول أخرى ثم مات المولى لم يعتق واحد منهم لان بموته لم يتحقق الشرط لاحتمال ان يتزوج آخر بعد موت المولى، فلم يكن آخرهم إلا إذا تزوج كلهم بإذنه فيعتق العاشر في الحال، بلا توقف على موت المولى لانه آخرهم، ولا يتوهم زوال وصف الآخرية عنه، وكذا لو ماتوا قبله سوى المتزوجين فيعتق الذي تزوج مرة، ولو قال آخرهم تزوجا اليوم حر عتق الثاني الذي تزوج مرة بمضي اليوم دون الاول الذي تزوج مرتين لانه اتصف بالاولية فلا يتصف بالآخرية ا ه ملخصا، وتمامه فيه.
قوله: (مستندا إلى وقت الشراء) هذا عنده، وعندهما يقع مقتصرا على حالة الموت، فيعتبر من الثلث على كل حال لان الآخرية لا تثبت إلا بعدم شراء غيره بعده، وذلك يتحقق بالموت فيقتصر عليه.
وله أن الموت معرف، فأما اتصافه بالآخرية فمن وقت الشراء فيثبت مستندا بحر.
قوله: (لو علق البائن بالآخر) كقوله آخر امرأة أتزوجها فهي طالق ثلاثا، فعنده يقع منذ تزوج وإن كان دخل بها فلها مهر بالدخول بشبهة ونصف مهر الطلاق قبل الدخول وعدتها بالحيض بلا حداد ولا ترث منه، وعندهما: يقع عند الموت وترث لانه فار، ولها مهر واحد وعليها العدة أبعد الاجلين من عدة الطلاق والوفاة، وإن كان الطلاق رجعيا فعليها الوفاة وتحد كما في البحر قوله: (وأما الوسط الخ) فإذا اشترى ثلاثة أعبد متفرقين ثم مات عتق الثاني عند الموت عندهما، وعند الامام عتق مستندا إلى وقت شراء الثالث، لانه اكتسب اسم
الوسط في نفس الامر عند شراء الثالث، وعرفنا ذلك بموت السيد قبل أن يشتري رابعا، وأما قبل الثالث فلم يكتسب الثاني اسم الوسط لا عندنا ولا في نفس الامر، فلا يستند العتق إلى وقت شراء الثاني، بخلاف ما إذا قال آخر عبد أملكه فهو حر، ثم اشترى عبدين متفرقين، ثم مات حيث يعتق الثاني مستندا إلى وقت شرائه عند الامام، لانه اكتسب اسم الآخر بالشراء في نفس الامر، وعرفنا(4/115)
ذلك بموت السيد قبل أن يشتري عبدا آخر، هذا ما ظهر لي فتأمل وراجع ا ه ح.
قلت: وهو بحث جيد والقواعد له تؤيد.
وفي التلخيص وشرح للفارسي: لو قال كل مملوك أملكه حر إلا الاوسط فملك عبدا عتق في الحال لامتنا الاوسطية في حالا ومالا، فلو ملك ثانيا ثم ثالثا لم يعتق واحد منهما، لان الثاني صار أوسط بشراء الثالث، والثالث يحتمل أن يصير أوسط بملك خامس، وإنما يعتق الثاني إذا انتفت عنه الاوسطية بأن ملك رابعا فيعتق حين ملك الرابع وهلم جرا، والاوسطية تزول بموت المولى عن شفع كالاثنين والاربعة والستة، وتتحقق بموته عن وتر كثلاثة أو خمسة أو سبعة ونحوها فيعتقون إلا أوسطهم، وتمامه هناك.
قوله: (مستبين الخلق) أي ولو بعض الخلق كما قدمناه.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يستبن.
مطلب: إن ولدت فأنت كذا حنث بالميت بخلاف فهو حر قوله: عتق الحي وحده، أي عند الامام، وعندهما: لا يعتق أحد، لان الشرط تحقق بولادة الميت، فتنحل اليمين، لا إلى جزاء لان الميت، ليس بمحل للحرية، وله أن مطلق الاسم تقيد بوصف الحياة لانه قصد إثبات الحرية له، وعلى هذا الخلاف أول ولد تلدينه فهو حرفولدت ميتا ثم حيا.
أفاده في البحر.
قوله: (لبطلان الرق الخ) هذا تعليل من طرفهما لغير مذكور في كلام الشارح، وهو ما لو قال أول عبد يدخل علي فهو حر، فأدخل عليه عبد ميت ثم آخر حي عتق الحي إجماعا على الصحيح، والعذر لهما أن العبودية بعد الموت لا تبقى، لان الرق يبطل بالموت، بخلاف الولد في أول ولد تلدينه والولادة في إن ولدت لتحققهما بعد الموت.
أفاده ح.
قوله: (بل لغة الخ) قال في النهر: ولا تختص لغة بالسار، بل قد تكون في الضار، ومنه * (فبشرهم بعذاب
أليم) * (التوبة: 43) ودعوى المجاز مدفوعة بمادة الاشتقاق، إذلا شك أن الاخبار بما يخافه الانسان يوجب تغير البشرة أيضا ا ه.
أقول: لا منافا بين ما قاله من أنها حقيقة في خبر يغير البشرة وبين تقرير البيانيين الاستعار التهكمية في الآية، لانه نظر فيما قاله إلى أصل اللغة وهم نظروا إلى عرف اللغة، وكم لفظ اختلف معناه في أصلها وعرفها، كالدابة فإنها اسم لما يدب على الارض في أصل اللغة، وخصت في عرفها بذوات الاربع، وكاللفظ فإن معناه في أصل اللغة: الرمي، ثم خص في عرفها بما يطرحه الفم، كما في رسالة الوضع ا ه ح.
وحاصله: أنه منقول لغوي فيصح إطلاق لفظ الحقيقة والمجاز عليه، باختلاف الاعتبار كما أوضحه في التلويح في أول التقسيم في استعمال اللفظ في المعنى.
قوله: (خرج الكذب) فلا يعتبر.
وأورد أنه يظهر به في بشرة الوجه الفرح والسرور باعتبار الظاهر.
وأجيب بأنه إذا ظهر خلافه يزول، لكن في الفتح أن الوجه فيه نقل اللغة والعرف.
قوله: (فيكون) أي التبشير أو الضمير عائد للخبر الذي عاد إليه ضمير به.
مطلب: كل عبد بشرني بكذا حر قوله: من الاول أي من المخبر الاول دون الباقين: أي المخبرين بعده في المثال الآتي.(4/116)
قال في الفتح: وأصله ما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر بابن مسعود وهو يقرأ القرآن فقال عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يقرأ عمر القرآن غضا طريا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد فابتدر إليه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بالبشارة، فسبق أبو بكر عمر، فكان ابن مسعود [ / اث يقول: بشرني أبو بكر وأخبرني عمر.
قوله: (لما قلنا) من أن المبشر هو الاول دون الباقين.
قوله: (فتكون الحديث) أي فلا يعتق بالكتابة والرسالة لما مر في الباب السابق أن الحديث لا يكون إلا باللسان.
قوله: (إن ذكر الرسالة) بأن قال له إن فلانا يقول لك إن فلانا قدم، كما في البحر، فالمعتبر في الرسالة إسناد الكلام إلى المرسل بلا اشتراط ذكر مادة الرسالة.
قوله: (وإلا الرسول) أي وإن لم يذكر الرسالة، وإنما قال له إن فلانا قدم من غير إسناد إلى المرسل عتق الرسول.
قوله: (عتقوا) وإن
قال عنيت واحدا لم يصدق قضاء بل ديانة، فيسعه أن يختار واحدا فيمضي عتقه ويمسك البقية.
ط عن الهندية.
قوله: (فبشروه) كذا وقع للزيلعي والكمال وصاحب البحر والتلاوة بالواو ط.
قوله: (والاعلام لا بد فيه من الصدق) كان عليه أن يزيد: وجهل الحالف، كما قدمناه في التلخيص في الباب السابق، لان الاعلام لا يكون للعالم، وقدمنا أن ما ذكره هنا من اشتراط الصدق في الاعلام والبشارة مخالف لما قدمه هناك تبعا للفتح والبحر من عدم اشتراطه إذا كانا بدون باء، وأن ما هنا مذكور في التلخيص قوله: (والكذب لا يفيده) لان العلم الجزم المطابق للحق، والكذب لا مطابقة فيه ط.
مطلب: النية إذا قارنت علة العتق صح التكفير قوله: (النية الخ) أي نية العتق عن الكفارة، وقد ذكروا هذه القاعدة هنا لمناسبة تعليق العتق بالشراء فإنه يمين، وإلا فالمناسب لها كفارة الظهار أو كفارة اليمين.
قوله: (كالشراء) أي شراء القريب: أي إذا نواه عن كفارته أجزأه عندنا، خلافا لزفر والائمة الثلاثة، وهو قول أبي حنيفة أولا بناء على أن علة العتق عندهم القرابة لا الشراء، ولنا أن شراء القريب إعتاق لما روى السته إلا البخاري أنه (ص) قال: لن يجزي ولد عن والده، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه يريد فيشتريه فيعتق عند ذلك الشراء، وقد رتب عتقه على شرائه بالفاء لما علمت من أن المعنى فيعتق هو فهو مثل سقاه فأرواه، والترتيب بالفاء يفيد العلة على ما عرف مثل سها فسجد، وتمامه في الفتح.
قوله: (لانه جبري) فإن الملك يثبت فيه بلا اختيار فلا تتصور النية فيه فلا يعتق عن كفارته إذا نواه لانها(4/117)
نية متأخرة عن العتق، بخلاف ما إذا ملكه بهبة أو وصية ناويا عند القبول كما يأتي.
قوله: (بأن لم تقارن) أي النية العلة أي علة التكفير كما ذكرنا في الارث، وكما يأتي.
قوله: (ثم فرع عليها) أي على القاعدة المذكورة.
قوله: (فصح شراء أبيه) أي ونحوه من كل قريب محرم.
قوله: (لا شراء من حلف بعتقه) كقوله لعبد الغير إن اشتريتك فأنت حر فاشتراه ناويا عن التكفير لا يجزيه، لعدمها: أي عدم المقارنة للنية، فإن علة العتق قوله فأنت حر والشراء شرط، والعتق وإن كان ينزل عند وجود
الشرط لكنه إنما ينزل بقوله أنت حر السابق، فإنه العلة والشراء شرط عملها، فلا يعتبر وجود النية عنده لان النية شرط متقدم لا متأخر، حتى لو كان نوى عند الحلف يعتق عنها كما يأتي، وتمامه في الفتح.
قوله: (ولا شراء مستولدة الخ) أي إذا تزوج أمة لغيره فأولدها بالنكاح ثم قال لها إذا اشتريتك فأنت حرة عن كفارة يميني ثم اشتراها لا تجزيه عن الكفارة.
قوله: (لنقصان رقها) لانها استحقت العتق بالاستيلاد، حتى جعل إعتاقا من وجه، ولذا لا يجزي إعتاقها عن الكفارة ولو منجزا، ولكن أراد والفرق بينها وبين القريب لان شراءه إعتاق من كل وجه، لانه لم يثبت له قبل الشراء عتق من وجه.
أفاده في الفتح.
قوله: بخلاف الخ مرتبط بقوله: ولا شراء مستولدة.
قوله: للمقارنة تعليل قاصر، فإن المقارنة موجودة في المستولدة أيضا، وإنما وجه المخالفة ما في الفتح وهو أن حرية القنة غير مستحقة بجهة أخرى فلم تختل إضافة العتق إلى الكفارة وقد قارنته النية فكمل الموجب.
قوله: (كاتها ب الخ) كان عليه أن يذكره بعد قول المتن فصح شراء أبيه للكفارة بأن يقول: وكذا إذا وهب له أو تصدق عليه به أو أوصى له به ناويا عند القبول ح.
وهذه الثلاثة ذكرها في البحر بحثا، وزاد: أو جعل مهرا لها مع أن الثلاثة في الفتح والزيلعي.
مطلب: إن تسريت أمة فهي حرة قوله: (إن تسريت أمة) أي اتخذتها سرية فعلية، منسوبة إلى السر وهو الجماع أو الاخفاء.
قوله: (لمصادفتها الملك) أي لمصادفة الحلف، وأعاد عليه الضمير مؤنثا لان الحلف بمعنى اليمين: وهي هنا التعليق: أي لوقوعها في حالة الملك فهو كقوله إن ضربت أمة فهي حرة، فضرب أمة في ملكه عتقت، بخلاف من ملكها بعد التعليق.
قوله: (لا يعتق من شراها فتسراها) أي عندنا خلافا لزفر فإنه يقول: التسري لا يصح إلا في الملك، فكان ذكره ذكر الملك.
ولنا أنه لو عتقت المشتراة لزم صحة تعليق عتق من ليس في الملك بغير الملك وسببه، لان التسري ليس نفس الملك ولا سببه، وتمام تحقيق ذلك في الفتح.
قوله: (ويثبت التسري بالتحصين والوطئ) التحصين أن يبوئها بيتا ويمنعها من الخروج.
أفاده مسكين ط.
فلو وطئ أمة له ولم يفعل ما ذكر(4/118)
من التحصين والاعداد للوطئ لا يكون تسريا وإن علقت منه.
فتح.
وأفاد قول الشارح: والوطئ أنه لا بد منه فلا يكفي الاعداد له بدونه في مفهوم التسري، وهذا نبه عليه في النهر أخذا من قولهم: لو حلف لا يتسرى فاشترى جارية فحصنها ووطئها حنث، ثم قال: إنهم أغفلوا التنبيه عليه ا ه.
قلت: لكن صرح به ابن كمال فقال: وشرطفي الجامع الكبير شرطا ثالثا وهو أن يجامعها.
قوله: (وشرط الثاني) أي مع ذلك.
فتح: أي مع المذكور من الشرطين.
قوله: (طلقت وعتق) أي طلقت امرأته المعلق طلاقها على التسري وعتق عبده المعلق عتقه عليه، والمراد به العبد الذي كان في ملكه وقت الحلف دون المشري بعده كما في الفتح والنهر: أي لان قوله فعبدي حر ينصرف إلى العبد المضاف إليه وقت الحلف دون الحادث بعده كما مر في كتاب الاعتاق في باب الحلف بالعتق، ومثله يقال في الزوجة.
قوله: (وأفاد الفرق الخ) أي بين تعليق عتق الامة الغير المملوكة وقت الحلف على تسريها، وبين تعليق عتق عبده الذي في ملكه أو طلاق زوجته على تسري أمة، وإن لم تكن في ملكه وقت الحلف حيث صح الثاني دون الاول وبيان الفرق أن الاول لم يصح للمانع وهو تعليق عتق من ليس في الملك بغير الملك وسببه كما مر، أما الثاني فقد صح لعدم المانع لكونه تعليق عتق عبد أو طلاق زوجة في ملكه وقت الحلف، وذلك جائز بأي شرط كان كدخول الدار وغيره من الشروط، ومنها: تسري أمة في ملكه وقت الحلف أو مستجدة بعده، وهذا الفرق ظاهر خلافا لبعض معاصري صاحب البحر حيث قاس الثاني على الاول، فإنه غلط فاحش، كما نبه عليه في البحر والنهر والشرح نبلالية وأشار إليه المصنف بتصريحه بتعليله، ولذا أمر الشارح بحفظه.
مطلب: كل مملوك لي حر قوله: (كل مملوك لي حر) هذه المسائل إلى آخر الباب ليست من الايمان، لعدم التعليق فيها، فالاولى بها أبوابها ا ه ح.
قلت: ولعلهم ذكروها هنا لبيان حكمها إذا وقعت جزاء في التعليق، ثم رأيت ط ذكره.
قوله:
(عتق عبيده ومدبروه) أي الاماء والذكور.
فتح قوله: (ويدين في نية الذكرو) أي ولا يصدق قضاء لانه نوى التخصيص في اللفظ العام، ولو نوى السود دون غيرهم لا يصدأصلا، لانه نوى التخصيص بوصف ليس في لفظه ولا عموم إلا للفظ، فلا تعمل نيته، بخلاف الذكور فإن لفظ كل مملوك للرجال حقيقة لانه تعميم مملوك، وهو الذكر، وإنما يقال للانثى مملوكة، ولكن عند الاطلاق يستعمل لها المملوك عادة: يعني إذا عمم مملوك بإدخال كل ونحوه شمل الاناث حقيقة فلذا كان نية الذكور خاصة خلاف الظاهر، فلا يصدق قضاء، ولو نوى النساء وحدهن لا يصدق أصلا.
فتح.
قلت: وتقدم في باب الحلف بالعتق من كتاب العتق أنه لو قال مماليكي كلهم أحرار لم يدين في نية الذكور، لانه جمع مضاف يعم مع احتمال التخصيص، وقد ارتفع الاحتمال بالتأكيد،(4/119)
بخلاف كل مملوك، فإن الثابت فيه أصل العموم فقط، فقيل التخصيص، وقدم الشارح هناك أن لفظ المملوك والعبد يتناول المدبر والمرهون والمأذون على الصواب: أي خلافا للمجتبى في الاخرين.
قوله: (لملكهم يدا ورقبة) عائد للكل، وهو من إضافة المصدر لمفعوله: أي لكونهم مملوكين له يدا: أي أكسابا ورقبة.
قوله: (ومعتق البعض كالمكاتب) أي في أنه لا يدخل في المملوك لا أنه مثله في الدخول في المرقوق أيضا، لان كلا من الملك والرق ناقص في معتق البعض فلا يدخل في المملوك ولا في المرقوق ا ه ح.
قلت: وتقدم في العتق أن المشترك كالمكاتب أيضا لا يدخل إلا بالنية، وتقدم تمام الكلام عليه.
قوله: (لعدم الملك يدا) العدم ملك المولى ما في يد المكاتب، فصار الملك ناقصا فلا يدخل في المملوك المطلق، وكذا معتق البعض والمشترك لما علمت.
قوله: (أن يعتق المكاتب) لان الرق فيه كامل.
فتح قوله: (لا أم الولد) لنقصان رقها بالاستيلاد ط.
مطلب: لا يكلم هذا الرجل وهذا وهذا قوله: (هذه طالق الخ) كان الانسب بها الباب ذكر ما لو حلف لا يكلم هذا الرجل أو هذا وهذا ففي تلخيص الجامع وشرحه: أنه يحنث بكلام الاول، أو بكلام الاخرين، لان أو لاحد
الشيئين، ولو كلم أحد الاخيرين فقط لا يحنث ما لم يكلم الآخر، ولو عكس فقال لا أكلم هذا وهذا أو هذا حنث بكلام الاخير أو بكلام الاولين، لان الواو للجمع وكلمة أو بمعنى ولا لتناولها نكرة في النفي فتعم كما في قوله تعالى * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الانسان: 42) أي ولا كفورا، ففي الاول جمع بين الاخيرين بحرف الجمع فصار كأنه قال لا أكلم هذا ولا هذين، وفي الثاني جمع الاولين بحرف الجمع كأنه قال لا أكلم هذين ولا هذا ا ه.
وذك الفرق بينه وبين ما في المتن إن هذا في النفي وذاك في الاثبات فلا يعم، ونحوه في البحر.
قوله: (والاقرار) كما لو قال لفلان: علي ألف درهم أو لفلان وفلان لزمة خمسمائة للاخير وله أن يجعل خمسمائة لاي الاولين شاء، فإن مات من غير بيان اشترك في الخمسمائة الاولان ح.
قوله: (على الواقع منهما) أي على الثابت من الاولين وهو الواحد المبهم، ولذا قال في التلويح: إن المعطوف عليه هو المأخوذ من صدر الكلام لا أحد المذكورين بالتعيين ا ه.
قوله: (ولا يصح الخ) قال في التلويح: وقيل إنه لا يعتق أحدهم في الحال له الخيار بين الاول والاخيرين، لان الثالث عطف على ما قبله، والجمع بالواو كالجمع بألف التثنية، فكأنه قال هذا حر وهذان، كما إذا حلف لا يكلم هذا أو هذا وهذا، وأجاب شمس الائمة بأن الخبر المذكور وهو حر لا يصلح خبرا للاثنين، ولا وجه لاثبات خبر آخر، لان العطف للاشتراك في الخبر أو لاثبات خبر آخر مثله لا لاثبات مخالف له لفظا، بخلاف مسألة اليمين، لان الخبر يصلح للاثنين، يقال لا أكلم هذا أو لا أكلم هذين، وجعل صدر الشريعة هذا الجواب سببا للاولوية والرجحان لا للامتناع، لان المقدر قد يغاير المذكور لفظا كما في قولك هند جالسة وزيد، ويقول الشاعر:(4/120)
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.
اه ملخصا وتمامه فيه وأجاب صدر الشريعة في التنقيح بجواب آخر: وهو أ قوله: أو هذا مغير لمعنى قوله هذا حر، ثم قوله وهذا غير مغير، لان الواو للتشريك فيقتضي وجود الاول، وإنما يتوقف أول الكلام
على المغير لا على ما ليس بمغير فيثبت التخيير بين الاول والثاني بلا توقف على الثالث.
فصار معناه أحدهما حر، ثم قوله وهذا يكون عطفا على أحدهما ا ه.
قلت: وهذا أظهر من الجواب الاول لشموله صورة الاقرار دون الاول، لانه لا يختلف فيها تقدير الخبر، فتدبر.
قوله: (وهذا إذا لم يذكر الثاني والثالث خبرا) صادق بعدم ذكر خبر أصلا، وبذكر خبر للثالث فقط بأن يقول هذه طالق أو هذه وهذه طالق.
ذكره مسكين ط.
قوله: (بأن قال الخ) والظاهر أن الاقرار كذلك، كما إذا قال لهذا ألف درهم أو لهذا وهذا ألف درهم ط.
قوله: حلف لا يساكن فلانا محل هذه المسألة.
با ب اليمين في الدخول والخروج والسكنى وقدمها الشارح بعينها هناك ح.
قوله: (وبه يفتى) لانه لم يساكنه حقيقة كما قدمه الشارح.
قوله (قال لعبده الخ) سيذكر الشارح هذا الفرع في محله وهو باب اليمين بالضرب والقتل.
مطلب: في استعمال حتى للغاية وللسببية وللعطف قوله: (وبه يفتى) لان حتى للتعليل والسببية لا للغاية، وفي الذخيرة أن حتى في الاصل للغاية إن أمكن، بأن يكون مدخولها مقصودا ومؤثرا في إنهاء المحلوف عليه وفي تركه، فإن لم يمكن حملت على السببية وشرطها كون العقد معقودا على فعلين: أحدهما منه، والآخر من غيره، ليكون أحدهما جزاء عن الآخر، فإن تعذر حملت على العطف، ومن حكم الغاية اشتراط وجودها فإن أقلع عن الفعل قبل الغاية حنث، وفي السببية اشتراط وجود ما يصلح سببا لا وجود المسبب، وفي العطف اشتراط وجودهما.
مطلب: إن لم أخبر فلانا حتى يضربك فإذا قال إن لم أخبر فلانا بما صنعت حتى يضربك فعبدي حر، فشرط البر الاخبار فقط، وإن لم يضربه، لانه مما لا يمتد فلا يمكن حملها على الغاية، وأمكنت السببية، لان الاخبار يصلح سببا للضرب كأنه قال إن لم أخبره بصنعك ليضربك، كما لو حلف ليهبن له ثوبا حتى يلبسه أو دابة حتى يركبها فوهبه بر، وإن لم يلبس ولم يركب.
مطلب: إن لم أضربك حتى يدخل الليل
وإذا قال إن لم أضربك حتى يدخل الليل أو حتى يشفع لك فلان أو حتى تصيح فأقلع عن الضرب قبل ذلك حنث، لان ذلك يصلح غاية للضرب، وكذا إن لم ألازمك حتى تقضيني ديني.(4/121)
مطلب: إن لم آتك حتى أتغذى وإذا قال: عبده حر إن لم آتك اليوم حتى أتغدى عندك أو حتى أغديك أو حتى أضربك، فشرط البر وجودهما إذ لا تمكن الغاية، لان الاتيان لا يمتد ولا السببي، لان الفعلين من واحد وفعل الانسان لا يصلح جزاء لفعله، فحمل على العطف وصاالتقدير إن لم آتك وأتغدي عندك، وإن لم يقيد باليوم فأتاه فلم يتغد عنده ثم تغدى عنده في يوم آخر من غير أن يأتيه بر، لانه لما أطلق لا فرق بين وجود شرطي البر معا أو متفرقا ا ه مخلصا.
مطلب: لا يلتحق الشرط بعد السكوت سواء كان له أو عليه قوله: (اختلف في لحاق الشرط الخ) الخلاف فيما إذا كان الشرط عليه كالمثال الآتي، أما إذا كان له لا يلحق بالاجماع كقوله إن دخلت هذه الدار فأنت طالق فسكت سكتة ثم قال وهذه الدار، لان الثانية، لو لحقت باليمين لا تطلق بدخول الاولى وحدها، ولا يملك تغيير اليمين، كذا في الذخيرة، ومثله في البزازية وكذا قال في الخانية: لا يصح في قولهم ا ه.
والحاصل: أنه على المفتى به لا يلحق مطلقا سواء كان له أو عليه.
قوله: (بعد السكوت) متعلق بلحاق.
قوله: (فلا حنث في إن كان كذلك الخ) مثاله ما في الخانية: رجل قال لجاره: إن امرأتي كانت عندك البارحة؟ فقال الجار: إن كانت امرأتك عندي البارحة فامرأتي طالق، فسكت ساعة ثم قال ولا غيرها، ثم ظهر أنه كان عند الحالف امرأة أخرى.
باب اليمين في البيع والشراء والصوم والصلاة وغيرها قوله: (وغيرها) كالمشي واللبس والجلوس ط.
قوله: (الاصل فيه الخ) ذكر في الفتح أصلا أظهر من هذا، وهو أن كل عقد ترجع حقوقه إلى المباشر، ويستغني الوكيل فيه عن نسبة العقد إلى الموكل لا يحنث الحالف على عدم فعله بمباشرة المأمور لوجوده من المأمور حقيقة وحكما، فلا
يحنث بفعل غيره لذلك، وذلك كالبيع والشراء والايجار والاستئجار والصلح عن مال، والمقاسمة، وكذا الفعل الذي يستناب فيه ويحتاج للوكيل إلى نسبته للموكل كالمخاصمة، فإن الوكيل يقول أدعي لموكلي، وكذا الفعل الذي يقتصر أصل الفائدة فيه على محله كضرب الولد فلا يحنث في شئ من هذه بفعل المأمور، وكل عقد لا ترجع حقوقه إلى المباشر بل هو سفير وناقل عبارة يحنث فيه بمباشرة المأمور كما يحنث بفعله كالتزوج والعتق بمال أو بدونه والكتابة والهبة والصدقة والوصية والاستقراض والصلح عن دم العمد والايداع والاستيداع والاعارة والاستعارة، وكذا كل فعل ترجع مصلحته إلى الآمر كضرب العبد والذبح وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل على دابته وخياطة الثوب وبناء للدار ا ه ملخصا.
قوله: (تتعلق حقوقه بالمباشر) خرج عنه المخاصمة وضرب(4/122)
الولد فإنه لا يحنث فيهما بفعل المأمور مع أنه ليس في ذلك حقوق تتعلق بالمباشر، فالمناسب تعبير الفتح المار.
قوله: (كنكاح وصدقة) أما النكاح فكون حقوقه تتعلق بالامر الظاهر، ولذا ينسبه المباشر إلى آمره، فيطالب الآمر بحقوقه من مهر ونفقة وقسم ونحوه، وأما الصدقة فلم يظهر لي فيها ذلك، وكذا الهبة، ولعل المراد بالحقوق فيهما صحة الرجوع للآمر في الهبة وعدم صحته في الصدقة، نعم سيأتي في كتاب الوكالة أنه لا بد من إضافتهما إلى الموكل، وكذا بقية المذكورات في قول الفتح المار: وكل عقدلا ترجع إلى المباشر الخ، ونذكر قريبا الكلام عليه.
قوله: (وما لا حقوق له) يشمل نحو المخاصمة وضرب الولد مع أنه لا يحنث فيهما بفعل وكيله.
تأمل قوله: (يحنث بفعل وكيله أيضا) أي كما يحنث بفعل نفسه، والاولى إبدال وكيله بمأموره لما سيأتي، وللتعليل بأنه سفير ومعبر فإن ذلك صفة الرسول، لانه يعبر عن المرسل، لكن يطلق عليه وكيل لما في المغرب: السفير الرسول المصلح بين القوم، ومنه قولهم: الوكيل سفير ومعبر: يعني إذا لم يكن العقد معارضة: كالنكاح، والخلع، والعتق ونحوها لا يعتق به شئ ولا يطالب بشئ ا ه قوله: (يحنث بالمباشرة) شمل ما لو كان المباشر أصيلا أو وكيلا إذا حلف لا يبيع أو لا يشتري الخ.
أفاده في الفتح.
قوله: (لا بالامر) أي لا يحنث بأمره لغيره بأنه يباشر عنه يعني وقد باشر المأمور.
قوله: (ممن
يباشر بنفسه) أي دائما أو غالبا كما يأتي.
قوله: (ومنه الهبة بعوض) فلو حلف لا يبيع فوهب بشرط العوض ينبغي أن يحنث، كذا في القنية.
وبه جزم في الظهيرية.
ولو حلف لا يبيع داره فأعطاها صداقا لامرأته إن أعطاها عوضا عن دراهم المهر حنث، لا إن تزوج عليها ا ه نهر.
فإذا دخل ذلك تحت اسم البيع لزم منه إعطاء حكمه، وهو أنه لا يحنث بفعل مأموره ويكون القابل له مشتريا فيدخل في قوله لا أشتري حتى يحنث أيضا بالمباشرة لا بالامر، كما أفاده ح، فافهم.
قوله: (ومنه السلم) فلو حلف أن لا يشتري من فلان فأسلم إليه في ثوب حنث، لانه اشترى مؤجلا.
بحر عن الواقعات.
قال ح: وإذا كان المسلم مشتريا يجب أن يكون المسلم إليه بائعا ا ه.
فلا يحنثان إلا بالمباشرة ط.
قوله: (والاقالة) أي فيما لو حلف لا يشتري ما باعه، ثم أقال المشتري حنث كما عزاه في البحر للقنية، وفيه عن الظهيرية: لو كانت بخلاف الثمن الاول قدرا أو جنسا حنث.
قيل: هذا قولهما، أما عنده فلا لكونه إقالة على كل حال ا ه.
ومقتضاه أنها لو كانت بعين الثمن الاول لا يحنث عند الكل، ووجهه أن الاقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما، وهذا إذا لم تكن بلفظ مفاسخة أو متاركة أو تراد وإلا لم تجعل بيعا ولا بلفظ البيع، وإلا فبيع إجماعا كما سيأتي في بابها، وهل يقال لو الحلف بعتق أو طلاق تجعل بيعا ولا بلفظ البيع، وإلا فبيع إجماعا كما سيأتي في بابها، وهل يقال لو الحلف بعتق أو طلاق تجعل بيعا في حق ثالث، وهو هنا العبد أو المرأة فيحنث بها؟ لم أر من صرح به، وينبغي الحنث، تأمل ولا يخفى أنه إن وجد عرف عمل به.
قوله: (قيل والتعاطي) يفيد ضعفه، ونقل في النهر عن البدائع تأييد عدم الحنث في البيع بالتعاطي، والظاهر أن الشراء مثله يفيد ترجيح عدم الحنث فيه أيضا، لكن لا يخفى أن العرف الآن يخالفه.
قوله: (آجرتها امرأته) أي ولو بإذنه.
قوله: (كتركها في أيدي الساكنين) أي من غير قوله لهم(4/123)
اقعدوا فيها وإلا حنث كما في البحر، والمراد أن مجرد الترك لا يكون إجارة، وأما أخذ الاجرة ففيه التفصيل الآتي.
قوله: (قد سكنوا فيه) أي بعد الحلف أو قبله فيما يظهر، لان الاجارة بيع المنافع المستقبلة.
قوله: (بخلا ف شهر لم يسكنوا فيه) أي بخلاف شهر مستقبل لم يسكنوا فيه، فإذا
تقاضاهم بأجرته حنث.
قال في النهر: وهذا ليس إلا الاجارة بالتعاطي، فينبغي أن يجري فيه الخلاف السابق.
قوله: (وقيده بقوله الخ) هذا التقييد فيما إذا كان الحالف هو المدعى عليه، لان الصلح إقرارا عن بيع، أما عن إنكار أو عن سكوت فهو في حقه إفداء يمين، فيكون الوكيل من جانبه سفيرا محضا فيحنث بمباشرته، بخلاف ما إذ كان الحالف على عدم الصلح هو المدعي فإنه يحنث بفعل وكيله مطلقا.
أفاده ح عن البحر.
قوله: (والقسمة) بأن حلف لا يقاسم مع شريكه لا يحنث بفعل وكيله.
قوله: (والخصومة) أي جواب الدعوى سواء كان إقرارا أو إنكارا ح عن القهستاني.
وقيل: إنه يحنث بفعل وكيله كفعله، والفتوى على الاول كما في شرح الوهبانية.
قوله: (فيحنث بفعل وكيله) عبارة الخانية: فينبغي أن يحنث.
قال في البحر: وإنما لم يجزم به لان الولد أعم ولم يخصص بالكبير في الروايات، وذكر في الفتح أنه في العرف يقال فلان ضرب ولده وإن لم يباشر، ويقول العامي لولده غدا أسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولد أن يضربه تحقيقا لقوله: فمقتضاه أن تنعقد على معنى لا يقع به ضرب من جهتي، ويحنث بفعل المأمور ا ه ملخصا.
قوله: (كالقاضي) أي إذا وكل بضرب من يحل له ضربه صح أمره به فيحنث بفعله، ومثله السلطان والمحتسب كما في الدر المنتقى ح.
قوله: (وإن كان الحالف الخ) محترز قوله: إذا كان ممن يباشر بنفسه وهو بمنزلة الاستثناء من قوله: لا بالامر.
وحاصله: أنه لا يحنث بفعل المأمور إلا إذا كان لا يباشر بنفسه.
قال في الفتح: فإن مقصوده من الفعل ليس إلا الامر به فيوجد الحنث بوجود الامر به للعادة، وإن كان السلطان ربما يباشر بنفسه عقد بعض المبيعات، ثم لو فعل الآمر بنفسه يحنث أيضا لانعقاده على الاعم من فعله بنفسه أو مأموره ا ه.
فتأمل.
ثم قال: وكل فعل لا يعتاده الحالف كائنا من كان كحلفه لا يبني ولا يطين انعقد كذلك ا ه.
واستثنى في الهداية أيضا ما إذا نوى الحالف البيع بنفسه أو بوكيله فإنه يحنث ببيع الوكيل، لانه شدد على نفسه، وإن نوى السلطان ونحوه أن لا يتولاه بنفسه دين في القضاء لانه نوى حقيقة كلامه كما في الجوهرة: أي فلا يحنث بفعل مأموره.
قوله: (لتقييد اليمين بالعرف) فإن العرف انعقاد يمينه على الاعم من فعله بنفسه، أو مأموره كما مر.
قوله: (وبمقصود الحالف)
الاولى إسقاطه لا غناء ما قبله عنه، ولان القصد إنما يعتبر إذا ويخالف الظاهر لا مطلقا، ولعله أشار إلى أنه إنما يحنث إذا قصد الاعم، أما لو قصد فعل نفسه الذي هو حقيقة كلامه لا يحنث كما ذكرناه آنفا.
قوله: (وإن كان) أي الحالف، وعبارة الفتح: ولو كان رجلا يباشر بنفسه الخ، ومفاده أن الضمير ليس عائد للسلطان، وهو مفاد البحر وغيره أيضا: قوله: (اعتبر الاغلب) هذا هو الذي(4/124)
اعتمده في الخانية والمحيط والبزازية، واقتصر عليه في البحر تبعا للزيلعي.
منح.
قلت: وكذا جزم به في الفتح ومقابله مذكره الشارح ولذا عبر عنه بقيل.
قوله: (ويحنث بفعله وفعل مأموره الخ) هذا هو النوع الثاني مقابل قوله: يحنث بالمباشرة لا بالامر ثم هذا النوع منه ما هو فعل حكمي شرعي كالطلاق، ومنه ما هو فعل حسي كالضرب، فلو نوى أن لا يفعل بنفسه ففي الافعال الحسية يصدق قضاء وديانة لانها لا توجد إلا بمباشرته لها حقيقة، فإذا لم يباشرها فقد نوى حقيقة كلامه، وفي غيرها روايتان: أشهرهما أنه لا يصدق إلا ديانة، لانه كما يوجد بمباشرته يوجد بأمره، فإذا نوى المباشرة فقط فقد نوى تخصيص العام وهو خلاف الظاهر فلا يقبل منه كما في النهر عن كافي النسفي.
قوله: (لم يقل وكيله) حاصله: أنه عدل عن قول الكنز وفعل وكيله، لانه اعترضه في البحر بأن الاستقراض لا يصح التوكيل به لكن أجاب في النهر بأنه إنما خص الوكيل لتعليم الرسالة منه بالاولى ا ه.
وقال القهستاني: يمكن أن يحمل على ما هو متعارف من تسمية الرسول بالاستقراض وكيلا، كما إذا قال المستقرض: وكلتك أن تستقرض لي من فلان كذا درهما، وقال الوكيل للمقرض: إن فلانا يستقرض منك كذا، ولو قال أقرضني مبلغ كذا فهو باطل، حتى إنه لا يثبت الملك إلا للوكيل كما في وكالة الذخيرة ا ه.
قال ط: ووجهه الزيلعي في الوكالة بأنه لا يجب دين في ذمة المستقرض بالعقد بل بالقبض، والامر بالقبض لا يصح لانه ملك الغير، وتصح الرسالة في الاستقراض، لان الرسول معبر والعبارة ملك المرسل فقد أمره بالتصرف في ملكه، يصح التوكيل بالاقراض ويقبض القرض كأنه يقول لرجل أقرضني ثم يوكل رجلا بقبضه فإنه يصح ا ه.
قلت: وحاصله أن التوكيل بالقرض أو بقبضه صحيح لا بالاستقراض، بل لا بد من إخراجه مخرج الرسالة ليقع الملك للآمر وإلا وقع للمأمور، ولا يخفى أن هذا ليس خاصا بالاستقراض، بل النكاح مثله، وكذا لاستعارة كما سنذكره.
مطلب: حلف لا يتزوج قوله: (في النكاح) فلو حلف لا يتزوج فعقده بنفسه، أو وكل فعقد الوكيل حنث، كذا لو كان الحالف امرأة فلو حلفت وأجبرت ممن له ولاية الاجبار ينبغي أن لا تحنث، كما لو جن فزوجه أبوه كارها، ولو صار معتوها فزوجه أبوه لا يحنث كذا لو كان التوكيل قبل اليمين.
نهر عن شرح الوهبانية.
قلت: وسيأتي متنا آخر الباب الآتي ما لو حلف لا يتزوج فزوجه فضولي أو زوجه فضولي ثم حلف لا يتزوج.
مطلب: حلف لا يزوج عبده قوله: (لا الانكاح) أي التزويج، فلا يحنث به إلا بمباشرته، وهذا في الولد الكبير أو الاجنبي لما في المختار وشرحه: حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والاجازة، لان ذلك مضاف إليه متوقف على إرادته لملكه وولايته، وكذا في ابنه وبنت الصغيرين لولايته عليهما، وفي الكبيرين(4/125)
لا يحنث إلا بالمباشرة لعدم ولايته عليهما، فهو كالاجنبي عنهما فيتعلق بحقيقة الفعل ا ه.
ومثله في الزيلعي والبحر في آخر الباب الآتي بلا حكاية خلاف، فقول القهستاني: وعن محمد لا يحنث في الكل روايضعيفة.
قوله: (كتعليق) يصلح مثالا للقبل والبعد، وعبارة الزيلعي: وإنما يحنث بالطلاق والعتاق إذا وقعا بكلام وجد بعد اليمين، وأما إذا وقعا بكلام وجد قبل اليمين، فلا يحنث حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق فدخلت لم يحنث، لان وقوع الطلاق عليها بأمر كان قبل اليمين، ولو حلف أن لا يطلق ثم علق الطلاق بالشرط ثم وجد الشرط حنث، ولو وقع الطلاق عليها بمضي مدة الايلاء، فإن كان الايلاء قبل اليمين لا يحنث، وإلا حنث، وتمامه
فيه.
قوله: (والخلع) هو الطلاق وقد مر.
نهر قوله: (والكتابة) هو الصحيح، وفي المجتبى عن النظم أنها كالبيع.
نهر.
قوله: (والصلح عن دم العمد) لانه كالنكاح في كونه مبادلة مال بغيره، وفي حكمه الصلح عن إنكار.
قهستاني.
وفي حاشية أبي السعود: واحترز عن الصلح عن دم غير عمد، لانه صلح عن مال فلا يحنث فيه بفعل الوكيل، أما عن دم العمد فهو في المعنى عفو عن القصاص بالمال، ولا تجري النيابة في العفو، بخلاف الصلح عن المال.
حموي عن البرجندي.
قوله: (أو إنكار) لان الصلح عنه فداء باليمين في حق المدعى عليه فوكيله سفير محض ومثله السكوت، وأما المدعي لا يحنث بالتوكيل مطلقا كما مر، وشمل الانكار إنكار المال وإنكار الدم العمد وغيره.
قوله: (والهبة) فلو حلف لا يهب مطلقا أو معينا أو شخصا بعينه فوكل من وهب حنث صحيحة كانت الهبة أو لا، قبل الموهوب له أو لا، قبض أو لم يقبض، لانه لم يلزم نفسه إلا بما يملكه، ولا يملك أكثر من ذلك.
وفي المحيط: حلف لا يهب عبده هذا لفلان ثم وهبه له على عوض حنث لانه هبة صيغة ولفظا ا ه نهر.
وفي التاترخانية: إن وهب لي فلان عبده فامرأته طالق فوهب ولم يقبل الحالف حنث الحالف.
قوله: (أو بعوض) يعني إذا وهب بنفسه لا بوكيله أيضا لما قدمه من أنه لا يحنث بفعل وكيله في الهبة بشرط العوض، وسبب وهم الشارح قوله البحر: فالهبة بشرط العوض داخلة تحت يمين لا يهب نظرا إلى أنها هبة ابتداء فيحنث، وداخلة تحت يمين لا يبيع نظرا إلى أنها بيع انتهاء فيحنث اه.
وأنت خبير بأن كلامه فيما إذا فعل بنفسه وإلا لما صح قوله يحنث في الموضعين.
أفاده ح: أي لانه في البيع لا يحنث بفعل وكيله.
قوله: (والصدقة) هي كالهبة فيما مر.
قال ابن وهبان: وكذا ينبغي أن يحنث في حلفه أن لا يقبل صدقة فوكل بقبضها.
بقي لو حلف لا يتصدق فوهب لفقير أو لا يهب فتصدق على غني قال ابن وهبان: ينبغي الحنث في الاول، لان العبرة للمعاني لا في الثاني، لانه لا يثبت له الرجوع استحسانا، إذ قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب، ويحتمل العكس فيهما اعتبارا باللفظ ا ه ملخصا.
وأيد ابن الشحنة الاحتمال الاخير بما في التاترخانية عن الظهيرية، ولا يحنث بالصدقة في يمين الهبة ا ه.
قلت: لكن هذا ليس نصا فيما نحن فيه لاحتمال أن المراد الهبة لغني.
تأمل هذا، ونقل في
النهر كلام ابن وهبان باختصار مخل.
قوله: (والاستقراض) أي إن أخرج الوكيل الكلام مخرج الرسالة، وإلا فلا حنث كما مر.
قوله: (وإن لم يقبل) راجع للهبة وما بعدها كما في النهر ح، وكذا العطية والعارية.
نهر.(4/126)
قلت: لكن صرح في التاترخانية بأن القبول شرط الحنث في القرض عند محمد ورواية عن الثاني، وفي أخرى لا، والرهن بلا قبول ليس برهن، ولو استقرض فلم يقرضه حنث.
قال في النهر: وقيا س ما مر من أنه لم يلزمه نفسه إلا بما يملك ترجيح الرواية الاخرى، وينبغي أن يجري في الاستقراض الخلاف في القبول كالقرض ا ه.
قلت: يمكن دفع هذا القياس بالفرق بين ما فيه بدل مالي، وما ليس فيه، وأما الاستقراض فهو طلب القرض فيتحقق بدون إقراض.
تأمل وسيأتي تمام هذا البحث في آخر الباب الآتي عند قول المصنف حلف ليهبن فلانا فوهبه له فلم يقبل بر بخلاف البيع.
قوله: (وضرب العبد) لان المقصود منه وهو الائتمار بأمره راجع إليه، بخلاف ضرب الولد، فإن المقصود منه وهو التأدب راجع إلى الولد.
نهر: أي الولد الكبير، أما الصغير فكالعبد كما مر، وقدمنا أن العرف خلافه.
قوله: (قيل والزوجة) قال في النهر: والزوجة قيل نظير العبد وقيل نظير الولد.
قال في البحر: وينبغي ترجيح الثاني لما مر في الولد، ورجح ابن وهبان الاول لان النفع عائد إليه بطاعتها له، وقيل إن حنث فنظير العبد وإلا فنظير الولد.
قال بديع الدين: ولو فصل هذا في الولد لكا حسنا، كذا في القنية ا ه ح.
قوله: (وإن لم يحسن ذلك) الاولى أن يقول وإن كان يحسن ذلك، وعبارة الخانية: حلف ليخطبن هذا الثوب أو ليبنين هذا الحائط فأمر غيره بذلك حنث الحالف، سواء كان يحسن ذلك أو لا ا ه.
قلت: وظاهره أنه لو تكلف ذلك بنفسه يحنث أيضا، وكذا لو حلف لا يختتن أو لا يحلق رأسه أو لا يقع ضرسه ونحوه ذلك من الافعال التي لا يليها الانسان بنفسه عادة أو لا يمكنه فعلها إلا بمشقة عظيمة، مع أن الظاهر أن اليمين في ذلك تنعقد على فعل المأمور لا على فعل نفسه، لان
الحقيقة مهجورة عادة.
ثم رأيت في البحر عن النوازل: لو قال لامرأته إن لم تكوني غسلت هذه القصعة فأنت طالق وغسلها خادمها بأمرها، فإن كان من عادتها أنها تغسل بنفسها لا غير وقع، وإن كانت لا تغسل إلا بخادمها وعرف الزوج ذلك لا يقع، وإن كانت تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع، إلا إذا نوى الامر بالغسل ا ه.
فليتأمل قوله: (والذبح الخ) فلو حلف لا يذبح في ملكه شاة أو لا يودع شيئا يحنث بفعل وكيله لان المنفعة تعود إليه، وكذا لو حلف لا يعير، ولو عين شخصا فأرسل المحلوف عليه شخصا فاستعار حنث، لانه سفير محض فيحتاج إلى الاضافة إلى الموكل فكان كالوكيل بالاستقراض خانية وفي جمع التفاريق أن الحنث قول زفر، وعليه الفتوى خلافا لابي يوسف كما في النهر.
مطلب في العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل قوله: (إن أخرج الوكيل الخ) راجع لقوله: والاستعارة كما هو في عبارة التاترخانية حيث قال: وهذا إذا أخرج الكلام مخرج الرسالة بأن قال: إن فلانا يستعير منك كذا، فأما إذا لم يقل ذلك لا يحنث ا ه.
أي لانه لو قال أعرني كذا يقع ملك المنفعة له لا للآمر فلا يحنث الآمر بذلك.
وبه علم أن فائدة التقييد هي أن المراد بالامر هنا الرسالة لا الوكالة كما مر في الاستقراض.
وأما ما كان من الافعال الحسية كالضرب والبناء فلا شبهة في أنه لا يحتاج إلى الاسناد، وبما قررناه سقط ما قيل(4/127)
إن ما ذكره غير خاص بالاستعارة، بل الوكيل في النكاح وما بعده سفير محض، فلا بد من إضافة هذه العقود المذكورة إلى الموكل لما سيأتي في كتاب الوكالة أن العقود التي لا بد من إضافتها إلى الموكل: النكاح، والخلع، والصلح عن دم عمد وإنكار، والعتق على مال، والكتابة، والهبة، والتصدق، والاعارة، والايداع، والرهن، والاقراض، والشركة، والمضاربة ا ه.
قلت: المراد من الاضافة في هذه المذكورات التصريح باسر الآمر، لكن بعضها يصح مع إسناد الفعل إلى الوكيل كقوله صالحتك عن دعواك على فلان أو عما لك عليه من الدم، وزوجتك فلانة، وأعتقت عبد فلان أو كاتبته، وبعضها لا يصح فيها إسناد الفعل إلى الوكيل، بل
لا بد من إخراج الكلام مخرج الرسالة كقوله إن فلانا يطلب منك أن تهبه كذا أو تتصدق عليه أو تودع عنده، أو تعيره أو تقرضه أو ترهن عنده، أو تشاركه أو تضاربه بمال كذا.
أما لو أسنده إلى نفسه كقوله هبني أو تصدق علي الخ فإنه يقع للوكيل، وكذا قوله زوجني، بخلاف القسم الاول فإنه يقول: بعت واشتريت وأجرت بإسناد الفعل إلى نفسه بدون ذكر اسم الآمر أصلا، هذا ما ظهر لي وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك في محله، فافهم.
قوله: (وقضاء الدين وقبضه) فلو حلف لا يقبض الدين من غريمه اليوم يحنث بقبض وكيله، فلو كان وكل قبل فقبض الوكيل بعد اليمين لا يحنث.
قال قاضيخان: وينبغي الحنث كما في النكاح نهر.
قوله: (والكسوة) فلو حلف لا يلبس أو لا يسكو مطلقا أو كسوة بعينها أو معينا حنث بفعل وكيله، وتمامه في النهر.
قوله: (وليس منها التكفين) وكذا الاعارة، فلو كفنته بعد موته أو أعاره ثوبا لا يحنث.
شرح الوهبانية عن السراجية قوله: (والحمل) فلو حلف لا يحمل لزيد متاعا حنث بفعل وكيله، وهذا في غير الاجارة لما مر.
قال: أي الناظم: والظاهر أنه لا فرق بينه وبين الاستخدام، فإن المنفعة دائرة عليه والمدار عليها.
شرح الوهبانية قوله: (وذكر منها في البحر نيفا وأربعين) صوابه في النهر فإنه قال تكميل من هذا النوع الهدم والقطع والقتل والشركة كما في الوهبانية، وضرب الزوجات والولد الصغير في رأي قاضيخان، وتسليم الشفعة والاذن كما في الخانية والنفقة كما في الاسبيجابي، والوقف والاضحية والحبس والتعزير بالنسبة للقاضي والسلطان وينبغي أن الحج كذلك، كذا في شرح ابن الشحنة، ومنه الوصية كما في الفتح، وينبغي أن يكون منه الحوالة والكفالة فلا يحيل فلانا فوكل من يحيله أو لا يقبل حوالته أو لا يكفل عنه فوكل بقبول ذلك والقضاء والشهادة والاقرار وعد منه في البحر التولية، فلو حلف لا يولي شخصا ففوض إلى من يفعل ذلك حنث، وهي حادثة الفتوى ا ه.
قلت: وبهذا تمت المسائل أربعة وأربعين، والظاهر أنها لا تنحصر، لان منها الافعال الحسية وهي لا تختص بما مر، بل منها الطبخ والكنس وحلق الرأس ونحو ذلك، وإذا عد منها الاستخدام دخلت فيه هذه الصور وكثير من الصوالمارة أيضا، فافهم.
قوله: (مشيرا إلى حنثه فيما بقي) الاشارة من حيث إنلم يصرح بعدد ما بقي، وإلا فالحنث صريح في كلامه.
وقد يقال: سماه إشارة
لانه ساق الكلام لما لا يحنث به فيكون عبارة وغيره إشارة كما في عبارة النص وإشارة النص.(4/128)
تأمل قوله: (والحنث) بالنصب مفعول مقدم لقوله: اثبت بوصل الهمزة للضرورة.
قوله: (أراد بدخولها عليه قربها منه) أي بأن تقع متوسطة بين الفعل ومفعوله كإن بعت لك ثوبا احترازا عما لو تأخرت عن المفعول كإن بعت ثوبا لك، فالمتوسطة، متعلقة بالفعل لقربها منه لا على أنها صلة له لانه يتعدى إلى مفعولين بنفسه مثل بعث زيدا ثوبا، ولانه لو كانت اللام صلة له كان مدخولها مفعولا في المعنى فيكون شاريا، وليس المعنى عليه، بل الشاري غيره والبيع وقع لاجله فهي متعلقة به على أنها علة له مثل: قمت لزيد، وعلى هذا فلو عبر المصن ف بقوله: ولام تعلق بفعل كما عبر صاحب الدرر وغيره لكان أولى، لكنه عدل عن ذلك تبعا للكنز وغيره لئلا يتوهم تعلقها به على أنها صلة له، ولئلا يتوهم أن الواقعة بعد المفعول متعلقة به أيضا، مع أن المراد بيان الفرق بينهما بأن الاولى للتعليل والثاني للملك لكونها صفة له: أي إن بعت ثوبا مملوكا لك، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (تجري فيه النيابة) الجملة صفة فعل وقوله: للغير اللام فيه بمعنى عن: أو عن الغير كما في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) * (الاحقاف: 11) واحترز به عن فعل لا تجري فيه النيابة كالاكل والشرب، فإنه لا فرق فيه بين دخول الباء على الفعل أو على العين كما يأتي.
قوله: (وصياغة) بالياء المثناة التحتية أو بالباء الموحدة كما في القهستاني.
قوله: (أمره) بالنصب مفعول اقتضى وهو مصدر مضاف لفاعله، وهو الضمير العائد إلى الغير وهو المخاطب بالكاف والمفعول محذوف وهو الحالف.
وقوله: ليخصه به أي ليخص الحالف الغير: أي المخاطب به: أي بالفعل المحلو ف عليه، وفي المنح: أي لتفيد اللام اختصاص ذلك الفعل به: أي بذلك الغير ا ه فأرجع الضمير المستتر للام، والبارز للفعل، والمجرور للغير، وعليه فالمراد بالمحلوف عليه في كلام الشارح هو المخاطب، وهو المرافق لقول الزيلعي لاختصاص الفعل بالشخض المحلوف عليه.
قوله: (إذا اللام للاختصاص) وجه إفادتها الاختصاص هو أنها تضيف متعلقها وهو الفعل لمدخولها وهو كاف المخاطب فتفيد أن المخاطب مختص بالفعل، وكونه مختصا
به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره، وإذا باع بأمره كان بيعه إياه من أجله، وهي لام التعليل، فصار المحلوف عليه أن لا يبيعه من أجله، فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله، لان ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره به، ويلزم من هذا أن لا يكون إلا في الافعال التي تجري فيها النيابة، كذا في الفتح.
قوله: (ولا يتحقق إلا بأمره) قيده في البحر بأن يكون أمره بأن يفعله لنفسه لقول الظهيرية: لو أمره أن يشتري لابنه الصغير ثوبا لا يحنث.
وفي النهر أن مقتضى التوجيه: يعني بكونها للاختصاص حنثه إذا كان الشراء لاجله، ألا ترى أن أمره ببيع مح ال غيره موجب لحنثه غير مقيد بكونه له ا ه.
تنبيه: ذكر في الخانية ما يفيد أن الامر غير شرط، بل يكفي في حنثه قصده البيع لاجله، سواء كان بأمره أو لا.
قال في البحر: وهذا مما يجب حفظه، فإن ظاهر كلامهم هنا يخالفه مع أنه هو الحكم ا ه.(4/129)
قلت: يؤيده ما في شرح تلخيص الجامع لو قال لزيد إن بعت لك ثوبا فعبدي حر ولا نية له فدفع زيد ثوبا لرجل ليدفعه للحالف ليبيعه فدفعه وقال بعه لي ولم يعلم الحالف أنه ثوب زيد لم يحنث، لان اللام في بعت لزيد لاختصاص الفعل بزيد، وذلك إنما يكون بأمره الحالف أو بعلم الحالف أنه باعه له سواء كان الثوب لزيد أو لغيره ا ه.
وتمام الكلام فيما علقته في البحر.
قوله: (فلم يحنث في إن بعت لك ثوبا) التصريح بالمفعول به ليس بشرط لقول المحيص: حلف لا يبيع لفلان فباع ماله أو مال غيره بأمره حنث.
بحر وأنت خبير بأن تمايز الاقسام: أعني تارة تدخل على الفعل أو على العين إنما يظهر بالتصريح بالمفعول به فلذا صرح به المصنف نهر.
وحاصله: أن تصريح المصنف به لا لكونه شرطا، بل ليظهر الفرق بين دخول اللام عليه أو على الفعل.
قوله: (سواء ملكه الخ) تعميم لقوله: إن باعه بلا أمر.
وحاصله: أن الشرط أمره بالبيع لا كون الثوب ملك الآمر.
قوله: (أي المخاطب) تفسير للضمير المستتر في ملكه، وقوله: ذلك الثوب تفسير للضمير البارز.
قوله: (فإن دخل اللام الخ)
حاصله: أن الفعل إما أن يحتمل النيابة عن الغير أو لا، وعلى كل فإما أن تدخل اللام على الفعل أو على مفعوله وهو العين، فإن دخلت على فعل يحتمل النيابة اقتضت ملك الفعل للمخاطب، وهو أن يكون الفعل بأمره سواء كان العين مملوكا له أو لا، وهذا ما مر وفي الباقي وهو دخولها على فعل لا يحتمل النيابة كالاكل والشرب أو على العين مطلقا اقتضت ملك العين للمخاطب سواء كان الفعل بأمره أو لا.
قوله: (للمحلوف عليه) المراد به هنا العين.
قوله: (لانه كمال الاختصاص) أي أن اللام للاختصاص كما مر، وحيث دخلت اللام على العين أو على فعل لا يقبل النيابة اقتضت اختصاص العين بالمخاطب، وكمال الاختصاص بالملك فحملت عليه لكن يراد ما يشمل الملك الحقيقي والحكمي، لان الولد لا يملك حقيقة كما يشير إليه الشارح، ولذا قال في الفتح: فإنه يحنث بدخول دار يختص بها المخاطب: أي تنسب إليه وأكل طعام يملكه ا ه.
وقوله: أي تنسب إليه، ظاهره نسبة السكنى كما مر في لا أدخل دار زيد فيشمل الاجرة والعارية، فالمراد ملك المنفعة.
تأمل قوله: (ثوبا لك) أي موصوفا بكونه لك.
قوله: (إن باع ثوبه بلا أمره) لان اللام لم تدخل على الفعل حتى يعتبر اختصاص الفعل في المخاطب بأن يكون بأمر وإن صح تعلقها به، ولذا لو نواه يصح كما يأتي، لكن لما كانت أقرب إلى الاسم وهو الثوب من الفعل اقتضت إضافة الاسم إلى مدخولها وهو كاف المخاطب لان القرب من أسباب الترجيح كما في الفتح ولذا إذا توسطت تعلقت بالفعل لقربه كما مر مع أنه يصح جعلها حالا من الاسم المتأخر.
قوله: (هذا نظير)(4/130)
أي مثال، وكذا ما بعده، قوله: (إن أكلت لك طعاما) بتقديم اللام على الاسم، ولا يصح تعلقها هنا بالفعل وإن كان أقرب إليه، لانه لا يحتمل النيابة فلا يصح جعلها لملك الفعل للمخاطب فصارت داخلة على الاسم وإن تقدمت عليه كما لو تأخرت عنه وهو ظاهر، فلزم كون الاسم مملوكا للمخاطب.
وقوله: (لان اللام هنا الخ) الصواب ذكر هذا التعليل قبل قوله: وأما نظير دخوله على فعل لا يقع عن غيره كما ذكره في الفتح وغيره، إذ لا فرق هنا بين قرب اللام من الاسم أو من الفعل كما علمت، بل العلة هنا كون الفعل لا يقبل النيابة كما قررناه.
قوله: (وأما ضرب الولد الخ)
أشار إلى ما ذكرناه من أن المراد بملك العين ما يشمل الحكمي.
قوله: (فيما فيه تشديد عليه) بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الاولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث، أو باع ثوبا لغير المخاطب بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالامر فإنه يحنث، ولولا نيته لما حنث، لان نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي.
بحر.
قوله: (ودين فيما له) كما إذا باع بالامر ثوبا لغير المخاطب ونوى بالاختصاص الملك في الاولى، أو باع بلا أمر ثوبا للمخاطب ونوى الاختصاص بالامر في الثانية، لان اللام إذا قدمت على الاسم فالظاهر اختصاص الامر، وإذا أخرت فالظاهر اختصاص الملك، فإذا عكس فقد نوى خلاف الظاهر فلا يصدقه القاضي بل يصدق ديانة، لانه نوى محتمل كلامه قوله: (كما مر) أي قبيل قول المصنف لا يشرب من دجلة.
مطلب: قال إن بعته أو ابتعته فهو حر، فعقد بالخيار لنفسه عتق قوله: (أو ابتعته) أي اشتريته.
قوله: (فعقد) أي الحالف من بائع أو مشتر عليه: أي على العبد، وقوله: بيعا يشمل المسألتين، لان العقد بين البائع والمشتري يسمى عقد بيع.
قوله: (بالخيار لنفسه) أي نفس الحالف المذكور وهو البائع أو المشتري.
قوله: (حنث) نقل بعض المحشين عن حيل الخصاف أنه لا يحنث وتنحل اليمين، حتى لو نقض الشراء ثم اشتراه ثانيا باتا لا يعتق ا ه.
قلت: لكنه خلاف ما في المتون.
قوله: (لوجود الشرط) أي مع قيام الملك، لان خيار البائع لا يخرج المبيع عن ملكه بالاتفاق، وخيار المشتري يدخل المبيع في ملكه عندهما، وأما عنده فالمبيع وإن خرج عن ملك البائع ولم يدخل في ملك المشتري لكن المعلق بالشرط كالمنجز عند الشرط فيصير كأنه قال بعد الشراء أنت حر ولو نجز المشتري بالخيار لنفسه العتق يثبت الملك سابقا عليه، فكذا إذا علق، وتمامه في النهر.
قال ح: ومثل عقد البائع بالخيار لنفسه عقده بالخيار لاجنبي أو لنفسه وللمشتري، ومثل عقد المشتري بالخيار لنفسه عقده بالخيار لاجنبي.
قوله: (ولو بالخيار لغيره لا) يعني لو باعه الحالف بشرط الخيار للمشتري أو اشتراه بشرط الخيار للبائع لا يحنث.
أما الاول فلانه بات من جهته فلا يعتق لخروجه عن ملكه.
وأما الثاني فلانه باق على ملك بائعه كما في(4/131)
البحر عن الذخيرة، ولا يصح أن يراد هنا بالغير ما يشمل الاجنبي لان الحالف يحنث بائعا أو مشتريا.
أفاده ح.
قوله: (وإن أجيز بعد ذلك) مرتبط بقوله: ولو بالخيار لغيره لا يعني هذا إذا رد العقد ممن له الخيار، وكذا إن أجيز في الصورتين.
أما في الاولى: أعني ما إذا باعه الحالف بشرط الخيار للمشتري فظاهر لخروجه عن ملك البائع ثم دخوله في ملك المشتري.
وأما في الثانية وهي عكس الاولى فلانه في مدة الخيار لم يخرج عن ملك البائع وانحلت اليمين بالعقد.
أفاده ط فافهم.
قلت: وهذا يصلح حيلة للحالف، وهو أن يبيعه أو يشتريه بالخيار لغيره فلا يعتق عليه.
قوله: (في الاصح) لم أر من صرح بتصحيحه، وإنما قال في البحر: وسواء أجاز البائع بعد ذلك أو لم يجز.
الاجازة مستندا إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العقد قبل الاجازة تدخل في العقد، كذا في البدائع ا ه.
تأمل قوله: (كما لو قال الخ) تشبيه في عدم الحنث، وبيان لفائدة التقييد بتعليق البيع أو الشراء.
قال الزيلعي: بخلاف ما إذا علقه بالملك بأن قال إن ملكتك فأنت حر حيث لا يعتق به عنده، لان الشرط وهو الملك لم يوجد عنده، لان خيار الشرط للمشتري يمنع دخول المبيع في ملكه على قوله.
وعندهما: يعتق بوجود الشرط، لان خيار المشتري لا يمنع دخول المبيع في ملكه ا ه.
قلت: وهذا مقيد بما إذا لم يجز العقد بعد، فلو أجازه وأبطل الخيار أو مضت مدته تحقق الشرط وهو الملك كما لا يخفى، فيعتق عند الكل.
أفاده ط.
قوله: (لانه لو قال إن بعته) اقتصر على البائع، لان المشتري إذا حنث بشرائه بالخيار فحنثه بشرائه الباب بالاولى.
أفاده ط.
قوله: (وتنحل) عبارة الزيلعي: وينبغي أن تنحل.
قوله: (في المسألتين) هما إن بعته أو ابتعته ح.
قوله: (بالبيع أو الشراء) كذا في أغلب النسخ التي رأيناها بالعطف بأو، وفي بعضها بالواو، وهو لا يناسبه إفراد الفاسد، ولانه بيان لما يحنث به في المسألتين وهو أحدهما لا مجموعهما.
قوله: (الفاسد) قام في البحر: وهو مجمل لا بد من بيانه.
أما في المسألة الاولى وهي ما إذا قال إن بعتك فأنت حر فباعه بيعا فاسدا، فإن كان في يد البائع أو في يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق لانه لم يزل
ملكه عنه، وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق، لانه بالعقد زال ملكه عنه.
وأما في الثانية وهي ما إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا: فإن كان في يد البائع لا يعتق لانه على ملك البائع بعد، وإن كان في يد المشتري وكان حاضرا عنده وقت العقد يعتق لانه صار قابضا له عقب العقد فملكه، وإن كان غائبا في بيته أو نحوه: فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق لانه ملكه بنفس الشراء، وإن كان أمانة أو مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق لانه لا يصير قابضا عقب العقد، كذا في البدائع ا ه.
قوله: (والموقوف) أي ويحنث بالموقوف في حلفه لا يبيع بأن يبيعه لغائب قبل عنه فضولي أو لا يشتري بأن اشتراه ببيع فضولي فإنه يحنث عند إجازة البائع.
وفي التبيين ما يخالفه بحر ونهر: أي حيث قال: وصورة المسألة أن يقول إن اشتريت عبدا فهو حفاشترى عبدا من فضولي حنث بالشراء ثم قال: وعن أبي يوسف أنه يصير مشتريا عند(4/132)
الاجازة كالنكاح ا ه.
ومفاده أن ما في البحر رواية وأن المذهب حنثه بالشراء: أي قبل الاجازة لا عندهما مستندا كما زعمه المحشي، بدليل ما في تلخيص الجامع: ويحنث بالشراء من فضول أو بالخمر أو بشرط الخيار، إذ الذات لا تختل لخلل في الصفة ا ه.
قال شارحه الفارسي: لان شرط الحنث وجد وهو ذات البيع بوجود ركنه من أهله في محله، وإن لم يفد الملك في الحال لمانع وهو دفع الضرر عن المالك في الاول واتصال المفسد به في الثاني والخيار في الثالث، وإفادة الملك في الحال صفة البيع لا ذاته، فإن العرب وضعت لفظ البيع لمبادلة مال بمال، مع أنهم لا يعرفون الاحكام ولا الصحيح والفاسد، ومتى وجدت الذات لا تختل لخلل وجد في الصفات ا ه.
فافهم قوله: (لا الباطل) أي كما لو اشترى بميتة أو دم فلا يحنث لعدم ركن البيع وهو مبادلة مال بمال، ولهذا لا يملك المبيع بخلاف ما لو اشترى بخمر أو خنزير لانهما مال متقوم في حق بعض الناس، إلا أن البيع بهما فاسد لاشتراطه في البيع ما لا يقدر على تسليمه فأشبه سائر البيوع الفاسدة، كذا في التلخيص وشرحه قوله: (إلا بإجازة قاض أو مكاتب) لان المنافي زال بالقضاء لانه فصل مجتهد فيه، وبإجازة المكاتب انفسخت الكتابة فارتفع المنافي فتم العقد بحر.
ومن قوله: زال بالقضاء
تعلم أن استعمال الاجازة في القضاء من باب عموم المجاز ا ه ح.
قلت: وفي شرح التلخيص ما يفيد أنه لا بد من القضاء مع إجازة المكاتب، لكن ذكر الزيلعي نحو ما في البحر.
وفي الخانية: إذا بيع المكاتب برضاه جاز وكان فسخا للكتابة ا ه.
تتمة: قال الزيلعي: ولو حلف أن يبيع هذا الحر فباعه بر، لان البيع الصحيح لا يتصور فيه فانعقد على الباطل، وكذا الحرة وأم الولد.
وعن أبي يوسف: ينصرف إلى الصحيح لامكانه بالردة ثم السبي.
قوله: (والفرق في الظهيرية) هو أن الولادة من الزوج والنسب من الاب مقدم فيقع بما تقدم سببه أولا، وهذا المعنى لا يمكن اعتباره في حق الاجنبي كما في البحر ح.
وبيانه كما أفاده بعض المحشين أنه لما باع نصفها من الزوج صارت أم ولده قبل الجزاء وهو العتق فلا تعتق على البائع لانها أم ولد غيره، وكذا يثبت النسب من الاب فتعتق عليه.
قوله: (في الصحيح) راجع للتعميم كما يفيده قول النهر، لان بالنكاح لا يحنث بالفاسد سواء عينها أو لم يعينها هو الصحيح كما في الخانية: قوله: (وكذا لو حلف لا يصلي الخ) قال في التاترخانية عن الخلاصة: النكاح والصلاة وكل فعل يتقر ب به أي الله تعالى على الصحيح دون الفاسد.
قوله: (أو لا يحج) ذكره هنا إشارة إلى أن ذكر المصنف إياه فيما سيأتي ليس في محله ح.
قوله: (ولا يثبت بالفاسد) أي الذي فساده مقارن كالصلاة بغير طهارة، أما الذي طرأ عليه الفساد كما إذا شرع ثم قطع فيحنث به على التفصيل الآتي وسنتكلم عليه ح.
قوله: (فلا تنحل به اليمين) حتى لو تزوج فاسدا أو صلى كذلك ثم أعاد صحيحا(4/133)
حنث.
قوله: (وإنه) أي الملك يثبت بالفاسد إذا اتصل به القبض.
قوله: (والهبة والاجارة كبيع) قال في البحر: وقدمنا أنه لو حلف لا يهب فوهب قبة غير مقسومة حنث كما في الظهيرية، فعلم أن فاسد الهبة كصحيحها، ولا يخفى أن الاجارة كذلك لانها بيع ا ه: أي بيع المنافع.
مطلب: إذا دخلت أداة الشرط على كان تبقى على معنى المضي قوله: (كإن تزوجت أو صممت) كان المناسب أن يقول: كإن كنت تزوجت كما عبر في البحر بزيادة كنت لان أداة الشرط تقلب معنى الماضي إلى الاستقبال غالبا، فإذا أريد معنى الماضي
جعل الشرط كإن كقوله تعالى: * (إن كنت قلته فقد علمته) * إن كان قميصه قد لان المستفاد من كان الزمن الماضي فقط، ومع النص على المضي لا يمكن إفادة الاستقبال، وهذا من خصائص كان دون سائر الافعال الناقصة.
ذكره المحقق الرضي.
والظاهر أن هذا أغلبي أيضا بدليل قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) * (المائدة: 6) بمعنى صرتم كما في * (فكانت هباء) * (الواقعة: 6) أي صارت.
قوله: (لانه إخبار) أي فلا يقصد منه الحل والتقريب كما في البحر ولان ما مضى معرف معين لغو، وما يستقبل معدم غائب، والصفة في الغائب معتبرة.
شرح التلخيص قوله: (لان النكاح المعنوي) خص بالتعليل النكاح لانه المحدث عنه أولا ومثله غيره، والمعنوي اسم مفعول من عنى بمعنى قصد عبر به تبعا للبحر عن البدائع، والمختار في الاستعمال معنى بدون واو، مثل مرمى، والمراد أنه الحقيقة المقصودة.
قال في شرح التلخيص: إلا أن ينوي نكاحا أو فعلا صحيحا في الماضي فيصدق ديانة وقضاء وإن كان فيه تخفيف عليه لانه نوى حقيقة كلامه ورعاية الحقيقة واجبة ما أمكن، وإن نوى الفاسد في المستقبل صدق قضاء وإن نوى المجاز لما فيه من التغليظ، ويحنث بالجائز أيضا لان فيه ما في الفاسد وزيادة ا ه.
قوله: (فلا يحنث بالمقيد) لجواز بيعه قبل وجود شرطه.
قوله: (حتى لو قال) تفريع علي التعليل، ولا فرق بين هذا وبين ما في المتن إلا من حيث إن المعلق عتق المخاطب وفي الاول طلاق الزوجة أو عتق عبد آخر.
قوله: (أو استولد) هذا خاص بالامة ولا يناسبه فتح الكاف، والتاء في إن لم أبعك فأنت حر إلا أن يراد به الشخص الصادق بالذكر والانثى.
قوله: (ولا يعتبر الخ) قيل وقوع اليأس في الامة والتدبير ممنوع لجواز أن ترتد فتسبى فيملكها الحالف وأن يحكم القاضي ببيع المدبر.
وأجيب بأن من المشايخ من قال: لا تطلق لهذا الاحتمال، والاصح ما في الكتاب لان ما فرض أمر متوهم نهر.
زاد في غاية البيان في الجواب عن الامة: أو نقول إن الحالف عقد يمينه على الملك القائم لا الذي سيوجد.
مطلب: قالت له تزوجت علي فقال: كل امرأة لي طالق طلقت المحلفة قوله: (طلقت المحلفة) أالتي دعته إلى الحلف وكانت سببا فيه بحر.
وهذا إذا لم يقل ما دامت حية، لان كل امرأة نكرة، والمخاطبة معرفة بتاء الخطاب فلا تدخل تحت النكرة.
شرح(4/134)
التلخيص.
قوله: (وعن الثاني لا) أي لا تطلق لانه أخرجه جوابا فينطبق عليه، ولان غرضه إرضاؤها وهو بطلاق غيرها فيتقيد به.
وجه الظاهر عموم الكلام، وقد زاد على حرف الجواب فيجعل مبتدئا، وقد يكون غرضه إيحاشها حين اعترضت عليه ومع التردد لا يصلح مقيدا، ولو نوى غيرها صدق ديانة لا قضاء لانه تخصيص العام بحر.
قوله: (وصححه السرخسي الخ) وفي شرح التلخيص: قال البزدوي في شرحه إن الفتوى عليه قوله: (وفي الذخيرة الخ) حيث قال: وحكي عن بعض المتأخرين أنه ينبغي أن يحكم الحال، فإن جرى بينهما قبل ذلك خصومة تدل على أنه قال ذلك على سبيل الغضب يقع عليها، وإلا فلا.
قال شمس الائمة السرخسي: وهذا القول حسن عندي ا ه.
قلت: وهذا توفيق بين ظاهر الرواية الذي عليه المتون وبين رواية أبي يوسف وهو ظاهر، فإن حالة الرضا دليل على أنه قصد مجرد الجواب وإرضاءها لا إيحاشها، بخلاف حالة الغضب، وفي ذلك إعمال كل من القولين فينبغي الاخذ به.
قوله: (لا يحتمل هذه المرأة) لان كلام الزوج في المسألتين مبني على السؤال، وإنما يدخل في كلامه ما يجوز دخوله في السؤال، ولفظ امرأة في المسألة الاولى يتناولها، بخلاف لفظ غير هذه في المسألة الثانية.
أفاده في الذخيرة.
قوله: (لفوات المحل) أي المذكور في مسألة إن لم أبع هذا الرقيق الخ، فكان الاولى ذكر ذلك هناك كما فعل في البحر والنهر.
قوله: (فكسرته) أي على وجه لا يمكن التئامه إلا بسبك جديد كما هو ظاهر.
قوله: (طلقت) أي لبطلان اليمين باستحالة البر كما إذا كان في الكوز ماء فصب على ما مر.
نهر.
وأراد ببطلانها بطلان بقائها.
وقال في النهر أيضا: وكان ذلك في الحمام يمين الفور، وإلا فعود الحمام بعد الطيران ممكن عقلا وعادة، فتدبره.
قوله: (قال لمحرمه) أي نسبا أو رضاعا أو مصاهرة ط.
قوله: (إلى ما يتصور) وهو العقد عليها فإنها محل له في الجملة.
قال في التاترخانية: ولو قال إن تزوجت الجدار أو الحمار فعبدي حر لا تنعقد يمينه ا ه: أي لانه غير محل أصلا.
وفيها: قال لاجنبية إن نكحتك فأنت طالق لا تنصرف إلى العقد، ولو لامرأته أو جاريته فإلى
الوطئ حتى لو تزوجها بعد الطلاق أو العتق لا يحنث.
قوله: (عقد خارجها) أي بنفسه أو وكيله، فإذا كان في الكوفة وعقد وكيله خارجها لا يحنث كما في الخانية عن حيل الخصاف.
قوله: (لان المعتبر مكان العقد) فلو تزوج امرأة بالكوفة وهي في البصرة زوجها منه فضولي بلا أمرها فأجازت وهي في(4/135)
البصرة حنث الخالف، ويعتبر مكان العقد وزمانه لامكانه الاجازة وزمنها خانية.
قوله: (اعتبارا للغرض) فإن غرضه غير التي معه.
قوله: (لا يحنث بمن ولد ت له) قال الصدر الشهيد: هذا موافق قول محمد.
أما ما يوافق قولهما فقد ذكر في الجامع الصغير أن من حلف لا يكلم امرأة فلان وليس لفلان امرأة ثم تزوج امرأة وكلمها الحالف حنث عندهما، خلافا لمحمد، وفي الحجة والفتوى على قولهما.
تاترخانية.
مطلب: النكرة تدخل تحت النكرة، والمعرفة لا تدخل قوله: (النكرة تدخل تحت النكر الخ) المراد بالنكرة ما يشمل المعرف من وجه كالعلم المشارك له غيره في الاسم، وكالمضاف إلى الضمير إذا كان تحته أفراد مثل نسائي طوالق كما يظهر، والمراد بالمعرفة كما قال في الذخيرة ما كان معرفا من كل وجه، وهو ما يشاركه غيره في ذلك كالمشار إليه كهذه الدار وهذا العبد، والمضاف إلى الضمير كداري وعبدي، أما المعرف بالاسم كمحمد بن عبد الله والمضاف إليه كدار محمد بن عبد الله فإنه يدخل تحت النكرة، لان الاسم لا يقطع الشركة من كل وجه، ولذا يحسن الاستفهام فيقال من محمد بن عبد الله، فبقي فيه نوع تنكير، فمن حيث التعريف يخرج عن اسم النكرة، ومن حيث التنكير لا يخرج، فلا يخرج بالشك والاحتمال ولا يردما لو قال: فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق حيث يتعلق الطلاق بالاسم لا بالتزو، لانه احتمال للخروج هنا، ولا يرد أيضا كل امرأة أتزوجها ما دامت عمرة حية فهي طالق، حيث لا تطلق عمرة إذا تزوجها، لان عامة المشايخ على تقييده بما إذا كانت مشارا إليها بأن قال: عمرة هذه، وإلا دخلت تحت اسم امرأة، ولان الاسم والنسب وضعا لتعريف الغائب لا الحاضر، لان تعريفه بالاشارة كما في الشهادة، وتمام الكلام على ذلك في الذخيرة، وما ذكر من عدم دخول المعرفة تحت النكرة
إنما هو إذا كانا في جملة واحدة، بخلاف الجملتين كما يأتي.
قوله: (والدار له أو لغيره) أشار بالتعميم إلى خلاف الحسن بن زياد حيث قال إن الدار لو كانت له لا يحنث، لان الانسان لا يمنع نفسه عن دخول دار نفسه، والجواب أنه قد يمنع نفسه لغيظ ونحوه كما في شرح التلخيص.
قوله: (لتنكيره) أي لتنكير الحالف نفسه حيث لم يعينها بإضافة الدار إليه، لان الدار وإن ذكرت بالاشارة إليها لم يتعين مالكها، بخلاف الاشارة إلى جزئه كهذا الرأس كما يأتي.
قوله: (لا حنث بالحالف) كان المناسب زيادة والمخاطب: أي في قوله: دارك وفي بعض النسخ: لا حنث بالمالك، وهي أولى.
قوله: (لتعريفه) أي من كل وجه، لان ياء المتكلم وكاف المخاطب لا يدخل فيهما غيرهما، فلا يدخلان تحت النكرة وهي أحد إلا أن ينوي دخول نفسه أو المخاطب، لان أحد شخص من بني آدم وهما كذلك، وكذا لو قال إن ألبست هذا القميص أحدا فأنت طالق لا يدخل الحالف فلا يحنث إذا ألبسه لنفسه إلا بالنية، وكذا لو قال لعبده أعتق أي عبيدي شئت لا يدخل المخاطب، حتى لو أعتق نفسه لا يعتق، لان الضمير المستتر في أعتق معرفة فلا يدخل تحت أي لانها وإن كانت عند(4/136)
النحاة معرفة بالاضافة إلا أنها بمنزلة النكرة، لانها تصحب النكرة لفظا مثل: أي رجل، ومعنى مثل * (أيكم يأتيني بعرشها) * (النمل: 83) لان المعنى أي واحد منكم، ولان الامر بالاعتاق توكيل، فلا يدخل المأمور فيه كقولها لرجل زوجني مشئت ليس له أن يزوجها من نفسه، وتمامه في شرح التلخيص.
قوله: (فكان) أي الحالف أو ما ذكر من التعريف أقوى من ياء الاضافة: أي أقوى تعريفا من تعريف ياء الاضافة.
قوله: (إلا بالنية) أي لو نوى دخول المعرف تحت النكرة فإنها تشمله وغيره كما مر فيحنث.
قال في الذخيرة: لانه نوى المجاز وفيه تغليظ عليه، فيحنث بما نوى ويحنث بغيره، لانه الظاهر في القضاء.
قوله: (وفي العلم) لا حاجة إلى استثنائه لما قدمناه من أن المراد بالمعرفة ما كان معرفا من كل وجه، وهو ما لا يشاركه غيره.
قوله: (دخل الحالف لو هو كذلك) أي لو كان اسمه محمد بن أحمد والغلام له، فإذا كلم غلامه حنث، وأما لو كان الحالف غيره فإنه يحنث بالاولى، لانه منكر من كل وجه.
قوله: (لجواز استعمال العلم في موضع النكرة) أي من
حيث إن المسمى بهذا الاسم كثير فصار كأنه قال من كلم غلام رجل مسمى بهذا الاسم، ولو قال كذلك لم يتعين الحالف فصح دخوله تحت النكرة التي هي أحد.
قوله: (إلا المعرفة في الجزاء الخ) وكذا عكسه وهو لمعرفة في الشرط، فإنها تدخل تحت النكرة في الجزاء.
وحاصله كما في شرح التلخيص أن المعرفة لا تدخل تحت النكرة إذا كانت في جملة واحدة، فلو في جملتين لا يمتنع دخولها، لان الشئ لا يتصور أن يكون معرفا منكرا في جملة واحدة، بخلاف الجملتين لانهما كالكلامين، ففي إن دخل داري هذه أحد فأنت طالق فدخلتها هي تطلق، لانها وإن كانت معرفة بتاء الخطاب إلا أنها وقعت في الجزاء، فلم يمتنع دخولها تحت نكرة الشرط وهي أحد، وفي قوله لها إن فعلت كذا فنسائي طوالق ففعلت المخاطبة تطلق معهن، لانها معرفة في الشرط فجاز أن تدخل تحت الجزاء، وتكون منكرة في الجزاء: يعني باعتبار كونها واحدة غير معينة من جملة معلومة ذكرت في الجزاء ا ه.
وبه علم أن نسائي نكرة هنا وإن أضيف إلى الضمير، لان المراد بالنكرة ما ليس معرفا من كل وجه وهذا كذلك، ولذا يصح الاستفهام عنهن فيقال من نساؤك كما مر في العلم.
قوله: (لان المعرفة الخ) علة لقوله: لم يحنث والمراد بالمعرفة ياء المتكلم في داري، وقوله: لا تدخل تحت النكرة: أي التي في جملتها.
مطلب: قال علي المشي إلى بيت الله تعالى أو الكعبة قوله: (ويجب حج أو عمرة ماشيا الخ) أي استحسانه، وعلله في الفتح بأنه تعورف إيجاب أحد النسكين به فصار فيه مجازا لغويا حقيقة عرفية مثل ما لو قال: علي حجة أو عمرة، وإلا فالقياس أن(4/137)
لا يجب بهذا شئ لانه التزم ما ليس بقربة واجبة وهو المشي، ولا مقصودة ا ه.
وقدمنا أول الايمان في بحث النذر أن مثله النذر بذبح فإنه عبارة عن النذر بذبح شاة، وقدمنا أن صيغة النذر تحتمل اليمين كما مر بيانه في آخر كتاب الصوم، فلذا ذكروا مسائل النذر في الايمان، فافهم.
قوله: (من بلده) قال في النهر: ثم إن لم يكن بمكة لزمه المشي من بيته على الراجح لا من حيث يحرم من الميقات، والخلاف فيما إذ لم يحرم من بيته فإن أحرم منه لزمه المشي منه اتفاقا وإن كان بمكة
وأراد أن يجعل الذي لزمه حجا فإنه يحرم من الحرم ويخرج إلى عرفات ماشيا إلى أن يطوف طواف الزيارة كغيره، وإن أراد إسقاطه بعمرة فعليه أن يخرج إلى الحل ويحرم منه.
وهل يلزمه المشي في ذهابه؟ خلاف، والوجه يقتضي أنه يلزمه إذ الحاج يلزمه المشي من بلدته مع أنه ليس محرما بل ذاهب إلى محل الاحرام ليحرم منه، فكذا هذا ا ه.
والتوجيه لصاحب الفتح وتبعه في البحر أيضا.
قوله: (إن ركب) أي في كل الاوقات أو أكثرها، فإن ركب في غير ذلك تصدق بقدره ط.
قوله: (لادخاله النقص) أي فيما التزمه قوله: (أو المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام) هذا قوله: وقالا لزمه في هذين أحد النسكين، والوجه أن يحمل على أنه تعورف بعد الامام إيجاب النسك فيهما فقالا به فيرتفع الخلاف كما حققه في الفتح، وتبعه في البحر وغيره.
قوله: (لعدم العرف) علة لجميع ما تقدم، فليس الفارق في هذه المسائل إلا لعرف ط.
مطلب: إن لم أحج العام فأنت حر فشهدا بنحره بالكوفة لم يعتق قوله: (لم تقبل الخ) أي عندهما، لانها قامت على النفي، لان المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية، لانها لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج، غاية الامر أن هذا النفي مما يحيط به علم الشاهد، لكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرا هداية.
مطلب: شهادة النفي لا تقبل إلا في الشروط وحاصله: أنه لا يفصل في النفي بين أن يحيط علم الشاهد فتقبل الشهادة به أو لا فلا، بل لا تقبل على النفي مطلقا.
نعم على النفي في الشروط، حتى لو قال لعبده: إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهد أنه لم يدخلها قبلت ويقضي بعتقه كما في المبسوط، وأراد أن ما نحن فيه كذلك.
وأجيب بأنها قامت على أمر معاين، وهو كونه خارج البيت فيثبت النفي ضمنا، واعترضه في الفتح بأن العبد كما لا حق له في التضحية لا حق له في الخروج، فإذا كان مناط القبول كون المشهود به أمرا وجوديا متضمنا للمدعي به كذلك يجب قبول شهادة التضحية المتضمنة للنفي، فقول محمد أوجه ا ه.
وتبعه في البحر والنهر، لكن أجاب المقدسي في شرحه بأن الشهادة بعد الدخول أولت بالخروج الذي هو وجودي صورة، وفي الحقيقة المقصود أن الخروج يمكن الاحاطة به بلا ريب بأن يشاهد
العبد خارج الدار في جميع اليوم فهي نفي محصور، بخلاف التضحية بالكوفة ليست ضدا للحج، على أنه يمكن أن يكون ذلك كرامة له وهي جائزة كما قالوا في المشرقي والمغربية، فتأمل ا ه.(4/138)
مطلب: حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة قوله: (لوجود شرطه) وهو الصوم الشرعي، إذ هو الامساك عن المفطر على قصد التقرب، وقد وجد تمام حقيقته، وما زاد على أدنى إمساك في وقته فهو تكرار الشرط، ولانه بمجرد الشروع في الفعل إذا تمت حقيقته يمسى فاعلا، ولذا نزل إبراهيم عليه السلام ذابحا بإمرار السكين في محل الذبح، فقيل له: * (قد صدقت الرؤيا) * بخلاف ما إذا كانت حقيقته تتوقف على أفعال مختلفة كالصلاة كما يأتي فتح واعترض بأن الصوم الشرعي أقله يوم، وأجيب بأنه يطلق شرعا على ما دونه.
ودفع بأن المطلق ينصرف إلى الكامل.
قلت: جوابه أن هذا لو قال صوما كما يأتي، أما بدون تصريح بمصدر أو ظرف فالمراد الحقيقة وقد وجدت بالاقل، ولهذا في الشرع والعرف: إنه صام ثم أفطر فيحنث لوجود شرط الحنث قبل الافطار ثم لا يرتفبعد تحققه، فافهم.
ثم اعلم أن ما ذكره المصنف هنا كبقية المتون مخالف لما قدمه في هذا الباب من أنه لو حلف لا يصلي أو لا يصوم فهو على الصحيح دون الفاسكما قدمناه، وكنت أجبت عنه في باب نكاح الرقيق، بأن المراد بالصحيح ما وجدت حقيقته الشرعية على وجه الصحة فلا يضره عروض الفساد بعد ذلك، ويفيده ما ذكرناه عن الفتح من التعليل، وعليه فقوله: دون الفاسد احتراز عن الفاسد ابتدا، كما لو نوى الصوم عند الفجر وهو يأكل أو شرع في الصلاة محدثا، فليتأمل.
ثم رأيت في الفتح ما يفيد المنافاة بين القولين، حيث استشكل المسألة المارة، ثم أجاب بأن ما هنا أصح لانه نص عن محمد في الجامع الصغير، لكنه بعد أسطر أجا ب مستندا للذخيرة بأن المراد بالفاسد ما لم يوصف بوصف الصحة في وقت بأن يكون ابتداء الشروع غير صحيح، وقال: وبه يرتفع الاشكال، وتبعه في البحر والنهر وهذا عين ما فهمته من الاشكال والجواب والحمد لله على إلهام الصواب.
قوله: (لانه مطلق الخ) علة للمسألتين: أي فلا يراد باليوم بعضه وكذا في صوم، لان المراد بهما المعتبر شرعا فافهم.
قال في الفتح: أما في يوما فظاهر وكذا في صوما لانه مطلق فينصرف إلى الكامل وهو المعتبر شرعا، ولذا قلنا: لو قال لله علي صوم وجب عليه صوم يوم كامل بالاجماع، وكذا إذا قال علي صلاة تجب ركعتان عندنا، لا يقال المصدر مذكور بذكر الفعل، فلا فرق بين حلفه لا يصوم، ولا يصوم صوما فينبغي أن لا يحنث في الاول إلا بيوم، لانا نقول: الثابت في ضمن الفعل ضروري لا يظهر أثره في غير تحقق الفعل، بخلاف صريح، فإنه اختياري يترتب عليه حكم المطلق فيوجب الكمال ا ه.
قوله: (لان اليمين الخ) جواب عما أورد من أن اليمين هنا صحت مع أنه مقرون بذكر اليوم ولا كمال.
ورد في الفتح: إلا أن يراد بأن كلامنا كان في المطلق وهو لفظ يوما ولفظ هذا اليوم مقيد معرف، وإنما تشكل هذه المسألة والتي بعدها على قول أبي حنيفة ومحمد، لان التصور شرعا منتف، وكونه ممكنا في صورة أخرى وهي صورة النسيان(4/139)
والاستحاضة لا يفيد حيث كان في صورة الحلف مستحيلا شرعا، لانه لم يحلف إلا على الصوم والصلاة الشرعيتين، أما على قول أبي يوسف فظاهر ا ه.
قوله: (كتصوره في الناسي) أي في الذي أكل ناسيا فإن حقيقة الصوم: وهي الامساك عن المفطرات غير موجودة، مع أنه اعتبره الشارع صائما فقد وجد الصوم مع الاكل، وهذا نظير قوله: بعد أكله وأما قوله: أو بعد الزوال فلم يوجد له نظير، والناسي لا يصلح نظيرا له، وعن هذا قال في النهر: وأنت خبير بأن الصورة فيما إذا حلف بعد الزوال في الناسي الذي لم يأكل ممنوع ا ه.
قلت: ويجاب بأن المراد إمكان تصوره مع فقد شرط، وقد وجد ذلك في الناسي، ولا فرق بين شرط وشرط فيصلح ذلك نظيرا لهما، ويدل لما قلنا ما في الذخيرة من أن المراد بالتصور بعد الزوال وبعد الاكل أن الله سبحانه لو شرع الصوم بعدهما لم يكن مستحيلا، ألا ترى كيف شرعه بعد الاكل ناسيا، وكذا الصلاة مع الحيض تتصور، لان الحيض ليس إلا درور الدم وأنه لا ينافي شرعية الصلاة، ألا ترى أن للصلاة في حق المستحاضة مشروعة وشرط إقامة الدليل مقام المدلول
التصور لا الوجود، بخلاف مسألة الكوز الخ ا ه ملخصا.
قلت: وبهذا يجاب عن إشكال الفتح، لان المراد أنه لو شرع لم يكن مستحيلا شرعا لهذه الشواهد، نعم يقوي إشكاله ما قدمه الشارح في بحث مسألة الكوز إن تصل الصبح غدا فأنت كذا لا يحنث بحيضها بكرة في الاصح، وعزاه في البحر هنا للمنتقى، وقال هنا: فحينئذ لا يحنث في مسألة الصوم أيضا على الاصح، قال: لكن جزم في المحيط بالحنث فيهما.
وفي الظهيرية أنه الصحيح ا ه.
فافهم.
قوله: (كما في الاستحاضة) فإنها فقد معها شرط الصلاة مع حكم الشارع عليها بالصحة، فعلم أن شرعيتها مع فقد شرط غير مستحيلة بمعنى أنه تعالى لو شرعها مع الحيض لامكن كما مر فلا يرد إشكال الكمال، فافهم.
قوله: (لان محل الفعل) أي المحلوف عليه بقوله لا أشرب ماء هذا الكوز، والحال أنه لا ماء فيه.
مطلب: حلف لا يصلي حنث بركعة قوله: (بركعة) أي استحسانا لان الصلاة عبارة عن أفعال مختلفة، فما لم يأت بها لا تسمى صلاة: يعني لم يوجد تمام حقيقتها والحقيقة تنتفي بانتفاء الجزء، بخلاف الصوم فإنه ركن واحد ويتكرر بالجزء الثاني.
وأورد أن من أركان الصلاالقعدة وليست في الركعة الواحدة فيجب أن لا يحنث.
وأجيب بأنها موجودة بعد رفع رأسه من السجدة، وهذا إنما يتم بناء على توقف الحنث على الرفع منها، والاوجه خلافه، على أنه لو سلم فليست تلك القعدة هي الركن.
والحق أن الاركان الحقيقية هي الخمسة، والقعدة ركن زائد على ما تحرر، وإنما وجبت للختم فلا تعتبر ركنا في حق الحنث ا ه فتح ملخصا.
قال في النهر: وقدمنا أنها شرط لا ركن، وهو ظاهر في توقف حنثه على القراءة في الركعة وإن كانت ركنا زائدا، وهذا أحد قولين وقيل يحنث بدونها.
حكاهما في الظهيرية.
قوله: (بنفس السجود) أي بوضع الجبهة على الارض لتمام حقيقة السجود به بلا توقف على الرفع(4/140)
وهو الاوجه كما في الفتح.
قوله: (لتحقق الركعة) تقدم أن الصلاة تتحقق بوجود الاركان الاربعة لكن إذا قال ركعة فقد التزم زيادة على حقيقة الصلاة، وهو صلاة تسمى ركعة وهي الاولى
من شفع، فلو صلى ركعة ثم تكلم لا يحنث، لانها صورة ركعة لا صلاة هي ركعة.
وقال في الظهيرية: لانه ما صلى ركعة لانها بتيراء، ولو صلى ركعتين حنث بالركعة الاولى.
قال في البحر: وقد علم مما ذكرنا أن النهي عن البتيراء مانع لصحة الركعة وهي تصغير البتراء تأنيث الابتر، وهو في الاصل مقطوع الذنب ثم صار يقال للناقص ا ه.
قوله: (وإن لم يقعد الخ) مأخوذ من الفتح حيث قال: حلف لا يصلي صلاة فهل يتوقف حنثه على قعوده قدر التشهد بعد الركعتين؟ اختلفوا فيه، والاظهر أنه إن عقد يمينه على مجرد الفعل وهو ما إذا حلف لا يصلي صلاة يحنث قبل القعدة لما ذكرته: أي من أنها ركن زائد، وإن عقدها على الفرض كصلاة الصبح أو ركعتي الفجر، ينبغي أن لا يحنث حتى يقعد ا ه.
وفي النهر عن العناية أن الصلاة لا تعتبر شرعا بدونها، وصلاة الركعتين عبارة عن صلاة تامة، وتمامها شرعا لا يكون إلا بالقعدة ثم نقل بعد نقل ما في الفتح: وتوجيه المسألة يشهد لما في العناية اه.
وحاصله: أنه لا بد من القعدة مطلقا، وهذا كله مخالف لما في البحر عن الظهيرية حيث قال: والاظهر والاشبه أن عقد يمينه على مجرد الفعل، وهو إذا حلف لا يصلي صلاة لا يحنث قبل القعدة وإن عقدها على الفرض وهي من ذوات المثنى، فكذلك وإن كان من ذوات الاربع حنث، ولو حلف لا يصلي الظهر لا يحنث حتى يتشهد بعد الاربع اه.
لكن فيه شبه المنافاة، إذ لا فرق يظهر بين قوله لا أصلي الفرض وقوله لا أصلي الظهر مثلا.
تأمل وفي التاترخانية: لو حلف لا يصلي الظهر أو الفجر أو المغرب لا يحنث حتى يقعد في آخرها، ويظهر لي أن الاوجه ما في العناية كما مر عن النهر، ويظهر منه أيضا اشتراط القعدة في قوله لا أصلي ركعة، وإلا فهي صورة ركعة لا ركعة حقيقية.
تأمل قوله: (بعد شروعه) متعلق باقتداء.
قوله: (وإن وصلية) لكن الذي في نسخ المتن المجردة صدق بلا واو، فتكون إن شرطية وجوابها صدق.
مطلب: حلف لا يؤم أحدا قوله: (لانه أمهم) أي في الظاهر.
قال في الظهيرية: وقصده أن لا يؤم أحدا أمر بينه وبين الله تعالى، ثم قال: وذكر الناطفي أنه إذا نوى أن لا يؤم أحدا فصلى خلفه رجلان جازت صلاتهما، ولا
يحنث لان شرط الحنث أن يقصد الامامة ولم يوجد ا ه.
وظاهره أنه لا يحنث قضاء أيضا، ففي المسألة قولان، ويظهر الثاني لانه شروعه وحده أولا ظاهر في أنه لم يرد الامامة، وصحة اقتدائهم به لا يلزم منها نيته، ولذا لو أشهد لم يحنث مع صحة اقتدائهم، لان نية الامام الامامة شر لحصول الثواب له لا لصحة الاقتداء.
قوله: (ولو في الجمعة) لان الشرط فيها الجماعة وقد وجد فتح وعبارة البحر عن الظهيرية: وكذلك لو صلى هذا الحالف بالناس الجمعة، فهو على ما ذكرنا ا ه.
ومقتضاه أنه إن أشهد لا يحنث أصلا وإلا حنث قضاء لا ديانة إن نوى، لكن في(4/141)
البزازية: ولو أشهد قبل دخوله في الصلاة في غير الجمعة أن يصلي لنفسه لم يحنث ديانة ولا قضاء ا ه.
ومفهومه أنه في الجمعة يحنث قضاء وإن أشهد، ولعل وجهه أن الجماعة شرط فيها فإقدامه عليها ظاهر في أنه أم فيها.
تأمل قوله: (لعدم كمالها) قال في الظهيرية: لان يمينه انصرفت إلى الصلاة المطلقة ا ه: أي والمطلقة هي الكاملة ذات الركوع والسجود، وما بحثه في الفتح من أنه ينبغي إذا أم في الجنازة إن أشهد صدق فيهما، وإلا ففي الديانة خلا ف المنقول كما في النهر.
قلت: وبحث الفتح وجيه، إلا إذا حلف أن لا يؤم أحدا فالصلاة فتنصرف الصلاة إلى الكاملة، أما بدون ذكر الصلاة فالامامة موجودة في الجنازة.
تأمل.
قوله: (فإنه يحنث) أي على التفصيل المار كما هو ظاهر.
قوله: (منهيا عنها) أي إذا كانت على وجه التداعي وهو أن يقتدي أربعة بواحد ط.
قوله: (لامكان الوقوف عليها) أي فكان القول للمولى لانكاره شرط العتق، بخلاف نحو المحبة والرضا من الامور القلبية، فإن القول فيها للمخبر عنها.
قوله: (طلقت على الاظهر) الظاهر أن هذا في عرفهم، وفي عرفنا: تارك الصلاة من لا يصلي أصلا ا ه ح.
قوله: (استظهر الباقاني الخ) هو أحد القولين، ومبنى الثاني على انصراف الوقت إلى الاصل كما في الفتح، وهو الموافق للعرف كما أفاده ح.
لكن قد يقال: لا تأخير من النائم، فالاظهر مح ا في البزازية من أن الصحيح أنه إن كان نام قبل دخول الوقت وانتبه بعده لا يحنث، وإن كان نام بعد دخوله حنث.
قوله: (اجتمع حدثان فالطهارة منهما) أي مطلقا كجنابتين من امرأتين أو جنابة وحيض أو بول
ورعاف.
قال في البحر فلو حلف لا يغتسل من امرأته هذه فأصابها ثم أصاب أخرى أو بالعكس ثم اغتسل فهو منهما وحنث، وكذا لو حلفت لا تغتسل من جنابة أو من حيض فأجنبت وحاضت ثم اغتسلت فهو منهما.
وقال الجرجاني: هو من الاول اتحد الجنس أو لا كبول ورعاف.
وقال أبو جعفر: إن اتحد فمن الاول، وإلا فمنهما.
وقال الزاهد عبد الكريم: كنا نظن أن الوضوء من أغلظهما وإن استويا فمنهما، وقد وجدنا الرواية عن أبي حنيفة أنه منهما فرجعنا إلى قوله ا ه ملخصا.
وثمرة الخلاف تظهر فيما لو حلف: لا يتوضأ من الرعاف فرعف ثم بال فتوضأ حنث بلا خلاف، وإن بال أولا ثم رعف وتوضأ فعلى قول الجرجاني لا يحنث، وعلى ظاهر الجواب وقول أبي جعفر يحنث.
تاترخانية.
قلت: وبه علم أن ما جزم به الشارح هو ظاهر الرواية.
قوله: (يصلي الفجر الخ) كذا(4/142)
أجاب ابن الفضل حين سئل عنه فقال: ينبغي أن يصلي الفجر الخ.
قال ح: وفيه أنه إن كان المراد باليوم بقية النهار إلى الغروب فكيف يبر بثلاث صلوات فيه، وإن كان المراد منه ما يشمل الليلة بقرينة الخمس صلوات، فما الحاجة إلى مجامعتها قبل الغروب، على أن قوله: بجماعة لا دخل له في الالغاز فتأمل ا ه.
قلت: لعل وجهه أن يمينه بظاهرها معقودة على بقية النهار، وبذكره الخمس احتمل أنه أراد ما يشمل الليل، فإذا جامع واغتسل نهارا يحنث يقينا، وكذا لو جامع واغتسل ليلا لانه وجد شرط الحنث على كلا الاحتمالين، لانه في النهار لم يجامع وفي الليل قد اغتسل، وقد حلف أنه يجامع ولا يغتسل، أما إذا جامع في النهار واغتسل بعد الغروب فإنه على احتمال كون المراد بقية اليوم لم يوجد شرط الحنث، وعلى الاحتمال الآخر وجد فلا يحنث بالشك، وأما التقييد بالجماعة فهو لتأكيد كون الخمس هي المكتوبة.
ثم ظهر لي جواب آخر وهو اين يقال: إنها انعقدت عن النهار فقط، لكن يمكنه أداء الخمس في النهار انصرفت إلى ما يتصور شرعا وهو أداء الكل في أوقاتها، كما مر فيما لو حلف على تزوج محرمة فتزوجها حنث لان يمينه تنصرف إلى ما يتصور، وحينئذ فلا يبإلا إذا صلى كل صلاة في وقتها وجامع قبل الغروب واغتسل بعده، إذ لو جامع واغتسل
نهارا حنث، لانه حلف أن لا يغتسل في هذا اليوم، وإن كانا في الليلة حنث أيضا لانه حلف أن يجامع في النهار، وأظن أن هذا الوجه هو المراد وبه يندفع الايراد فافهم، والله سبحانه أعلم.
مطلب: حلف لا يحج قوله: (حلف لا يحج) أي سواء قال حجة أو لا كما في البحر وغيره.
قوله: (عن الثالث) أي أن هذا مروي عنه.
قوله: (عن الثاني) أي عن أبي يوسف.
قوله: (وبه جزم في المنهاج) جزم به أيضا في تلخيص الجامع الكبير، لان الحج عبارة عن أجناس من الفعل كالصلاة فتناولت اليمين جميعها، وذلك لا يوجد إلا بأكثر طواف الزيارة.
فإن جامع فيها لا يحنث، لان المقصود من الحج القربة فتناولت اليمين الحج الصحيح كالصلاة.
شرح الجامع.
قوله: (ولا يحنث في العمرة) أي فيما لو حلف لا يعتمر.
مطلب: إن لبست من مغزولك فهو هدي قوله: (أي صدقة أتصدق به بمكة) ذكر ضمير به على أن الصدقة بمعنى المتصدق به.
مطلب في معنى الهدي قال في الفتح ومعنى الهدي هنا: ما يتصدق به بمكة لانه اسم لما يهدى إليها، فإن كان نذر هدي شاة أو بدنة فإنما يخرجه عن العدة ذبحه في الحرم والتصدق به هناك، فلا يجزيه إهداء قيمته.
وقيل في إهداء قيمة الشاة روايتان، فلو سرق بعد الذبحة فليس عليه غيره، وإن نذر ثوبا جاز التصدق في مكة بعينه أو بقيمته، ولو نذر إهداء ما لم ينل كإهداء دار ونحوها فهو نذر بقيمتها ا ه.(4/143)
فالحاصل أن في مسألتنا لا يخرج عن العهدة إلا بالتصدق بمكة، مع أنهم قالوا: لو التزم التصدق على فقراء مكة بمكة ألغينا تعيينه الدرهم والمكان والفقير، فعلى هذا يفرق بين التزام بصيغة الهدي وبينه بصيغة النذر.
بحر.
مطلب في الفرق بين تعيين المكان في الهدي دون النذر ووجهه أن الهدي جعل التصدق به في الحرم جزء من مفهومه، بخلاف ما لو نذر التصدق
بدرهم على فقراء الحرم، فإن الدرهم لم يجعل التصدق به في الحرم جزاء من مفهومه، بل ذلك وصف خارج عن ماهيته، ومثله تعيين الزمان والدرهم فلذا لم يلزم بالنذر، ثم رأيت نحوه في ط عن الشرنبلالية، وكالهدي الاضحية فإنها اسم لما يذبح في أيام النحر، فالزمان مأخوذ في مفهومها، كما سنذكر تحقيقه في بابها إن شاء الله تعالى، فالهدي والاضحية خارجان من قولهم ألغينا تعيين الزمان والمكان، فإن الزمان متعين في نذر الاضحية والمكان في الهدي، وكذا النذر المعلق كإن شفى الله مريضي فلله علي صوم شهر مثلا، فإنه يتعين فيه الزي بمعنى أنه لا يصح صومه قبل وجود المعلق عليه، أما المكان والدرهم والفقير فلا تتعين فيه كما حققناه في بحث النذر أول الايمان، فافهم.
قوله: (بعد الحلف) أفاد أنه لو كان مملوكا وقت ت الحلف فغزلته فلبسه فإنه هدي بالاولى وهو متفق عليه.
بحر قوله: (وشرطا ملكه يوم حلف) لان النذر إنما يصح في الملك أو مضافا إلى سبب الملك ولم يوجد، لان اللبس وغزل المرأة ليسا من أسباب الملك، وله أن غزل المرأة عادة يكون من قطن الزوج، والمعتاد هو المراد وذلك سبب لمالكه.
بحر: أي الغزل من قطن الزوج سبب لملك الزوج لما غزلته، ولهذا يحنث إذا غزلت من قطن مملوك للزوج وقت الحلف، لانها إذا غزلته كان ذلك سببا لان يملك الزوج غزلها مع أن القطن ليس بمذكور، وتمامه في العناية، لكن يشكل أن الشرط إنما هو اللبس وهو ليس سببا للملك.
إلا أن يقال: إن المراد إن غزلت ثوبا ولبسته فيكون الشرط هو الغزل الذي هو سبب الملك لا مجرد اللبس.
قوله: (لانها إنما تغزل من كتان نفسها) أي فلم يوجد شرط النذر وهو الاضافة إلى ملكه أو سببه ط.
قوله: (وبقوله الخ) هذا ذكره في النهر، والاول ذكره في الفتح، وبحث في كل منهما نوح أفندي بأنه في حيز المنع، فإن بعض نساء مصر تغزل من كتان الزوج، وبعض نساء الروم بالعكس لاسيما نساء الجنود الذين يغيبون عنهن سنين، فالاولى اعتبار الغالب ا ه ملخصا.
قوله: (لا يلبس من غزلها) أي مغزولها كما عبر به قبله، وهو عند عدم النية على الثوب، وإن نوى عين الغزل لا يحنث بلبس الثوب لانه نوى الحقيقة، ولو حلف لا يلبس من غزلها فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها حنث، ولو من غزلها خيط واحد لان الغزل غير مقدر، إلا إذا قال: ثوبا من غزلها، لان بعض الثوب لا يسمى ثوبا
محيط لا يلبس من غزلها فلبس زره وعراه من غزلها لا يحنث، لانه لا يسمى لبسا عرفا، بخلاف اللبنة والزيق.
منتقى ا ه بحر ملخصا، ولو لبس ثوبا فيه رقعة من غزل غيرها حنث، لا لو حلف لا يلبس من غزلها فلبس ما خيط من غزلها فتح.
قوله: (لانه لا يسمى لابسا عرفا) بخلاف ما إذا لبس(4/144)
تكة من حرير فإنه يكره اتفاقا، لان المحرم استعمال الحرير مقصودا، وإن لم يصر لابسا وقد وجد، والمحرم باليمين اللبس، ولم يوجد.
بحر.
واعترض المصنف قوله اتفاقا بل هو الصحيح، وكذا القلنسوة ولو تحت العمامة كما في شرح الوهبانية، وعلى مقابل الصحيح لا حاجة إلى الفرق ا ه.
قال في البحر: ولا يكره الزر والعرى من الحرير لانه لا يعد لابسا ولا مستعملا، وكذا اللبنة والزيق لانه تبع كالعلم.
قوله: (ولو رجلا) أتى به لان خاتم الفضة ليس حليا في حقه للعرف، بخلاف الذهب.
قوله: (بلا فص) بفتح الفاء: أي ولو بلا فص.
قوله: (ولو غير مرصع عندهما) أما عند الامام فلو غير مرصع لا يحنث، وبقولهما قالت الائمة الثلاثة لانه حلي حقيقة فإنه يتزين به، وقال تعالى: * (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) * والمستخرج من البحر اللؤلؤ والمرجان، وله أنه لا يتحلى به عادة إلا مرصعا بذهب أو فضة، والايمان على العر ف لا على استعمال القرآن.
قال بعض المشائخ: قياس قوله إنه لا بأس بلبس اللؤلؤ للغلمان والرجال، وقيل هذا اختلاف عصر، ففي زمانه كان لا يتحلى به إلا مرصعا، ويفتى بقولها، لان العرف القائم أنه يتحلى به مطلقا قتح.
مطلب: حلف لا يلبس حليا قوله: (في حلفه) متعلق بقوله كما حنث.
قوله: (لا يلبس) بفتح أوله وثالثه، وقوله: حليا بضم الحاء وتشديد الياء جمع حلي بفتح فسكون كسدي وسدى بحر.
قوله: (بدليل حله للرجال) أي مع منعهم من التحلي بالفضة، وإنصما أبيح لهم لقصد التختم لا للزينة، وإن كانت الزينة لازم وجوده لكنها لم تقصد به فكان عدما، خصوصا في العرف الذي هو مبنى الايمان، وعند الائمة الثلاثة يحنث.
فتح.
قوله: (بأن كان له فص) يوهم كلامه ككلام الزيلعي أن ما له فص لا يحل للرجال، وفي كراهية القهستاني: يجوز الخاتم من الفضة على هيئة خاتم الرجال، وأما إذا كان له
فصان أو أكثر فحرام ا ه.
وعبارة الفتح ليس فيها هذا الايهام وهي: قال المشايخ: هذا إذا لم يكن مصبوغا على هيئة خاتم النساء بأن كان له فص، فإن كان حنث لانه لبس النساء ا ه تأمل.
قوله: (هو الصحيح) وقيل لا يحنث بخاتم الفضة مطلقا وإن كان مما يلبسه النساء.
قال في الفتح: وليس ببعيد، لان العرف بخاتم الفضة ينفي كونه حليا وإن كان زينة.
قوله: (كخلخال وسوار) لانه لا يستعمل إلا للتزين فكان كاملا في معنى الحلي.
بحر عن المحيط.
تتمة: حلف لا يلبس ثوبا أو لا يشتريه فيمينه على كل ملبوس يستر العورة، وتجوز به الصلاة فلا يحنث ببساط أو طنفسة أو قلنسوة أو منديل يمتخط به أو مقنعة أو لفافة، إلا إذا بلغت مقدار الازار، وكذا العمامة، ولو اتزر بالقميص أو ارتدى لا يحنث، والاصل أنه لو حلف على لبس ثوب غير معين لم يحنث إلا باللبس المعتاد، وفي المعين يحنث كيفما لبسه، ولا يحنث بوضع القباء على اللحاف حالة النوم ا ه ملخصا من البحر.(4/145)
مطلب: حلف لا يجلس على الارض أو لا ينام على هذا الفراش أو هذا السرير قوله: (على حائل منفصل) أي ليس بتابع للحالف، بخلاف ما إذا كان الحائل ثيابه، لانه تبع له فلا يصير حائلا، ولو خلع ثوبه فبسطه وجلس عليه لا يحنث لارتفاع التبعية: بحر وفتح.
قال في النهر: ولم أر ما لو جلس على حشيش، وينبغي أنه لو كان كثيرا يحنث ا ه.
وظاهره ولو غير مقلوع لانه في العرف جالس على الحشيش لا على الارض.
قوله: (على هذا الفراش) مثله هذا الحصير وهذا البساط.
هندية ط.
قوله: (لا يحنث) لان الشئ لا يتبع مثله فتنقطع النسبة عن الاسفل.
وعن أبي يوسف رواية غير ظاهرة عنه أنه يحنث، لانه يسمى نائما على فراشين فلم تنقطع النسبة ولم يصر أحدهما تبعا للآخر.
وحاصله: أن كون الشئ ليس تبعا لمثله مسلم ولا يضرنا نفيه في الفراشين، بل كل أصل في نفسه، ويتحقق الحنث بتعارف قولنا نام على فراشين وإن كان لم يماسه إلا الاعلى.
فتح.
قلت: وهذا هو المتعارف الآن.
قوله: (كما لو أخرج الحشو) أي ونام على الظهارة أو على الصوف
والحشو فلا يحنث فيهما، لانه لا يسمى فراشا كما في البحر عن الواقعات.
قوله: (للعرف) راجع للمسائل الثلاث.
قوله: (الاخيرين) أي الفراش والسرير.
قوله: (للعموم) أي عموم اللفظ المنكر للاعلى والاسفل ط.
قوله: (وما في القدوري) وقع مثله في الهداية والكنز قوله: (حمله في الجوهرة على المعرف) وكذا في الفتح حيث قال: قوله ومن حلف لا ينام على فراش: أي فراش معين بدليل قوله: وإن جعل فوقه فراشا آخر فنام عليه لا يحنث ا ه.
قلت: ووجه الدلالة أن قوله فراشا آخر يقتضي أن المحلوف عليه معين ليكون الآخر غيره، إذ لو كان منكرا لكان الآخر محلوفا عليه أيضا، فافهم.
قال في النهر: ويمكن أن يقال: إن المدعي أنه لا يحنث لانه لم ينم على الاسفل، وهذا لا فرق فيه بين المنكر والمعين لانقطاع النسبة إليه بالثاني، وأما حنثه في المنكر بالاعلى فبحث آخر ولا يخفى ما فيه، فإن قوله لا يحنث مطلق فالاحسن ما مر، فتدبر.
قوله: (لكن ينبغي) أي يجب.
قوله: (الملاءة) الذي في الفتح أنه ساتر رقيق يجعل فوقه كالملاءة المجعولة فوق الطراحة ا ه.
وفي المصباح: القران وزان كتاب: الستر الرقيق، وبعضهم يزيد: وفيه رقم ونقوش.
ثم قال: والملاءة بالضم والمد: الريطة ذات لفقين، والجمع ملاء بحذف الهاء.
وقال أيضا: الريطة بالفتح كل ملاءة ليست لفقين: أي قطعتين، وقد يسمى كل ثوب رقيق ريطة.
قوله: (بخلاف ما مر) أي من الطور الثلاث.
قوله: (بخلاف ما لو حلف لا ينام على ألواح هذا السرير الخ) هذا يوجد في بعض النسخ، وهو الموجود في نسخ المتن التي بديارنا كما(4/146)
قدمه الشارح، لكن يجب إسقاطه كما في كثير من النسخ لئلا يتكرر بما مر.
قوله: (حنث) لانه في العرف ماش على الارض، ولو كانت الاحجار غير متصلة بها.
قوله: (إن نمت على ثوبك الخ) في البحر عن المحيط: قال لها إن نمت على ثوبك فأنت طالق، فاتكأ على وسادة لها أو وضع رأسه على مرفقة لها أو اضطجع على فراشها، إن وضع جنبه أو أكثر بدنه على ثوب من ثيابها حنث لانه يعد نائما، وإن اتكأ على وسادة أو جلس عليها لم يحنث لانه لا يعد نائما ا ه.
والله سبحانه أعلم.
باب اليمين في الضرب والقتل وغير ذلك
قوله: (مما يناسب الخ) بيان لقوله: وغير ذلك لان مسائل الضرب والقتل ترجم لها في الهداية بابا مستقلا، وكذا مسائل تقاضي الدين، وترجم لما بقي بمسائل متفرقة لانها ليست من باب واحد، ويحتمل أن يكون الجار والمجرور في وضع خبر لمبتدأ محذوف: أي هذا الباب مما يناسب ترجمته الخ، فالمصدر المنسبك من أن والفعل فاعل يناسب أو هو مبتدأ مؤخر والجار والمجرور خبر مقدم.
قوله: (من الغسل والكسوة) بيان لقوله: وغير ذلك فالاولى تقديمه على قوله مما يناسب ط.
قوله: (أو قبلتك) في بعض النسخ أو قتلتك من القتل.
مطلب: ترد الحياة إلى الميت بقدر ما يخص بالالم قوله: (تقيد كل منها بالحياة) أما الضرب فلانه اسم لفعل مؤلم يتصل بالبدن أو استعمال آلة التأديب في محل يقبله، والايلام والادب لا يتحقق في الميت، ولا يرد تعذيب الميت في قبره، لانه توضع فيه الحياة عند العامة بقدر ما يحس بالالم، والبنية ليست بشرط عند أهل السنة، بل تجعل الحياة في تلك الاجزاء المتفرقة التي يدركها البصر، وأما الكسوة فلان التمليك معتبر في مفهومها، كما في الكفارة، ولهذا لو قال كسوتك هذا الثوب كان هبة، والميت ليس أهلا للتمليك.
وقال الفقيه أبو الليث: لو كانت يمينه بالفارسية ينبغي أن يحنث، لانه يراد به اللبث دون التمليك، ولا يرد(4/147)
قولهم إنه لو نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته ملكه لانه مستند إلى وقت الحياة والنصب، أو المراد أنه على حكم ملكه فتملكه ورثته حقيقة لا هو، وأيضا هذا ملك لا تمليك، هذا ما ظهر لي مطلب: في سماع الميت الكلام وأما الكلام فلان المقصود منه الافهام والموت ينافيه، ولا يرد ما في الصحيح من قوله (ص) لاهل قليب بدر هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فقال عمر: أتكلم الميت يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلا: والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع من هؤلاء، أو منهم فقد أجاب عنه المشايخ بأنه غير ثابت: يعني من جهة المعنى، وذلك لان عائشة ردته بقوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في
القبور) * (فاطر: 22) * (إنك لا تسمع الموتى) * (النمل: 08) وأنه إنما قاله على وجه الموعظة للاحياء، وبأنه مخصوص بأولئك تضعيفا للحسرة عليهم، وبأنه خصوصية له عليه الصلاة والسلام معجزة، لكن يشكل عليهم ما في مسلم إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنه شبه فيهما الكفار بالموتى، لافادة بعد سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى، هذا حاصل ما ذكره في الفتح هنا.
وفي الجنائز: ومعنى الجواب الاول أنه وإن صح سنده لكنه معلوم من جهة المعنى بعلة تقتضي عدم ثبوته عنه عليه الصلاة والسلام وهي مخالفته للقرآن، فافهم.
أما الدخول فلان المراد به زيارته أو خدمته حتى لا يقال دخل على حائط أو دابة، والميت لا يزار هو وإنما يزار قبره.
قال عليه الصلاة والسلام كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولم يقل عن زيارة الموتى، هذا حاصل ما ذكره الشراح هنا فتأمله.
وأما التقبيل فلانه يراد به اللذة أو الاسرار أو الشفقة، وأما القتل فكالضرب بل أولى.
قوله (كحلفه لا يغسله الخ) تمثيل لقوله: بخلاف الغسل.
قوله: (أو خنقها) أي عصر حلقها.
ط عن الحموي.
قوله: (خلافا لما صححه في الخلاصة) قال في النهر وإطلاقه يعم حالة الغضب والرضا، لكن في الخلاصة: لو عضها أو أصاب رأس أنفها فأدماها، ففي الجامع الصغير: إن كان في حالة الغضب يحنث، وإن كان في حالة الملاعبة لا يحنث، وهو الصحيح ا ه.
وذكره في البحر أيضا عن الظهيرية.
لكن في الفتح قال فخر الاسلام وغيره: هذا يعني الحنث إذا كان في الغضب، أما إذا فعل في الممازحة فلا يحنث ولو أدماها بلا قصد الادماء.
وعن الفقيه أبي الليث أنه قال: أراها في العربية، أما إذا كانت بالفارسية فلا يحنث بمد الشعر والخنق والعض.
والحق أن هذا هو الذي يقتضيه النظر في العربية أيضا، إلا أنه خلاف المذهب ا ه.
قال المقدسي: لعل وجهه أن هذا اللفظ صار في العرف منعا لنفسه عن إيلامها بوجه ما هو يشبه عموم المجاز فإن مطلق الايلام شامل لتلك الاقسام ا ه.
وقول الفتح إلا أنه خلاف المذهب قد يشمل حالة الممازحة، كما فهمه الشارح تبعا للمصنف مخالفا لتصحيح الخلاصة، وعبارة المصنف في منحه أطلقه تبعا لما في الهداية و الكنز وغيرهما من المعتبرات فانتظم ما إذا كانت اليمين بالعربية والفارسية، وما إذا كان في حالة
الغضب أو المزاح، وهو المذهب كما أفاده الكمال ا ه.
فافهم قوله: (والقصد ليس بشرط فيه)(4/148)
حتى لو حلف لا يضر ب زوجته فضرب غيرها فأصابها يحنث، لان عدم القصد لا يعدم الفعل.
قوله: (وقيل شرط) لانه لا يتعارف والزوج لا يقصده بيمينه.
بحر قوله: (ويكفي جمعها الخ) أي لو حلف على عدد معين من الاسواط قال في البحر عن الذخيرة: حلف ليضربن عبده مائة سوط، فجمع مائة سوط وضربه مرة لا يحنث.
قالوا: هذا إذا ضرب ضربا يتألم به، وإلا فلا يبر لانه صورة لا معنى، والعبرة للمعنى، ولو ضربه بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة كل مرة تقع الشعبتان على بدنه بر لانها صارت مائة، وإن جمع الاسواط جميعا وضربه ضربة: إن ضرب بعرض الاسواط لا يبر لان كل الاسواط لم يقع على بدنه، وإن ضربه برأسها إن سوى رؤوسها قبل الضرب بحيث يصيبه رأس كل سوط بر، وأما إذا اندس منها شئ لا يبر عند عامة المشايخ، وعليه الفتوى ا ه.
وفي الفتح حتى إن من المشايخ من شرط كون كل عود بحال لو ضرب به منفردا لاوجع المضروب، وبعضهم قالوا بالحنث على كل حال، والفتوى على قول عامة المشايخ، وهو أنه لا بدمن الالم.
قوله: (وأما قوله تعالى الخ) جواب عما أورد على أخذ الايلام في مفهوم الضرب، فإنه لا إيلام بحزمة الريحان، فيكون خصوصية إن كانت هي المرادة بالضغث.
وعن ابن عباس أنها قبضة من أغصان الشجر، وهذا جواب بالمنع: أي منع الايراد، والاول جواب بالتسليم كما في الفتح.
وأجاب في الحواشي السعدية بأن الضرب في الآية مستعمل فيما لا إيلام فيه فلا يرد السؤال، فإن مبنى الايمان على العرف لا على ألفاظ القرآن.
قوله: (ضغثا) في المصباح هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها، ويقال مل ء الكف من قضبان وحشيش أو شماريخ، والذي في الآية قيل: كان حزمة من أسل فيها مائة عود، وهو قضبان دقاق لا ورق لها يعمل منه الحصر، والاصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع قوله: (فخصوصية لرحمة) قال القاضي البيضاوي: زوجته ليا بنت يعقوب، وقيل رحمة بنت قراثيم بن يوسف ذهبت لحاجة وأبطأت فحلف إن برئ ضربها مائة ضربة.
فحلل الله تعالى يمينه من ذلك ا ه ح.
قال في الفتح: ودفع كونه خصوصية بأنه تمسك به في كتاب الحيل في جواز الحيلة، وفي الكشاف هذه الرخصة باقية.
والحق أن البر بضرب بضغث بلا ألم أصلا خصوصية لزوجة أيوب عليه السلام.
ولا ينافي ذلك بقاء شرعية الحيلة في الجملة، حتى أنه لو حلف ليضربنه مائة سوط فجمعه وضرب بها مرة لا يحنث، لكن بشرط أن يصيب بدنه كل سوط منها الخ.
قوله: (فهو على الكثرة والمبالغة) تقدم في(4/149)
آخر باب التعليق إن لم أجامعها ألف مرة فكذا فعلى المبالغة لا العدد، وقالوا هناك: والسبعون كثير، وأفاد أن القتل بمعنى الضرب كما هو العرف لان الذي تمكن فيه الكثرة، لا بمعنى إزهاق الروح إلا مع النية أو القرينة، ولذا قال في الدرر: شهر علي إنسان سيفا وحلف ليقتلنه فهو على حقيقته، ولو شهر عصا وحلف ليقتلنه فعلى إيلامه.
قوله: (كحلفه ليضربنه الخ) الظاهر أن المراد بالمبالغة هنا الشدة لا خصوص كثرة العدد لقول البحر في مسألة لا حيا ولا ميتا.
قال أبو يوسف: هذا على أن يضربه ضربا مبرحا، ثم إن هذا إذا حلف ليضربنه بالسياط حتى يموت، أما لو قال بالسيف فهو على أن يضربه بالسيف ويموت كما في البحر، ولم يذكر ما لو لم يذكر آلة، والظاهر أنه مثل الاول إلا مع النية كما قدمناه قوله: (وقد قدمها) أي هذه المسألة، وبين الشارح وجهها هناك.
قوله: (فضربه بالسواد) أي بالقرى.
في المصباح: العرب تسمي الاخضر أسود لانه يرى كذلك على بعد، ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزرعه.
قوله: (زمان الموت ومكانه) نشر مشوش، وإنما اعتبر ذلك لان القتل هو إزهاق الروح، فيعتبر الزمان والمكان الذي حصل فيه ذلك ط.
قوله: (بشرط كون الخ) فإن كان قبل اليمين فلا حنث أصلا، لان اليمين تقتضي شرطا في المستقبل لا في الماضي بحر ع الظهيرية.
قوله: (إن لم تأتني الخ) قدم هذا الفرع قبيل الباب الذي قبل هذا، ومحل ذكر هنا وقدمنا وجهه أن حتى فيه للتعليل والسببية لا للغاية ولا للعطف، وذكرنا تفاريع ذلك هناك.
قوله: (فعلى التراخي) أي إلى آخر جزء من أجزاء حياته أو حياة المحلوف عليه، فإن لم يضربه حتى مات أحدهما حنث.
قوله: (لم يحنث) لان اللقى الذي رتب عليه الضرب لا يكون إلا في مكان يمكن فيه
الضرب، ولذا قالوا: لو لقيه على سطح لا يحنث أيضا.
قلت: وهذا لو كانت يمينه على الضرب باليد، فلو بسهم أو حجر اعتبر ما يمكن.
تأمل قوله: (فيعتبر ذلك الخ) أي إذا حلف ليقضين دينه إلى بعيد فقضى بعد شهر أو أكثر بر في يمينه لا لو قضاه قبل شهر، وفي إلى قريب بالعكس.
قوله: (فعلى ما نوى) حتى لو نوى بالقريب سنة أو(4/150)
أكثر صحت نيته، وكذا إلى آخر الدنيا لانها قريبة بالنسبة إلى الآخر.
فتح قوله: (ويدين فيما فيه تخفيف عليه) هذا ذكره في البحر بحثا وكذا في النهر ويأتي ما يؤيده.
قوله: (كذا في البحر عن الظهيرية) ومثله في الخانية.
قوله: (وفي النهر عن السراج) ذكر ذلك في النهر عند قوله الكنز: الحين والزمان ومنكرهما ستة أشهر حيث قال: وفي السراج لا أكلمه مليا فهذا على شهر، إلا أن ينوي غير ذلك، ولو قال: لاهجرنك مليا فهو على شهر فصاعدا، وإن نوى أقل من ذلك لم يدين في القضاء ا ه.
فافهم وفي بعض نسخ النهر: فهو على ستة أشهر في الموضعين وما نقله الشارح موافق للنسخة الاولى.
وعبارة النهر هنا: وقياس ما مر أن يكون على شهر أيضا: أي قياس ما ذكره في البعيد والآجل، فإن مليا وطويلا في معناهما، وكأن صاحب النهر نسي ما قدمه عن السراج بدليل عدوله إلى القياس، وإلا فكان المناسب أن يقول: وقدمنا عن السراج أنه يكون على شهر أيضا إلا أن تكون النسخة ستة أشهر.
هذا وقول السراج لم يدين في القضاء، يؤيد بحث البحر الما آنفا تأمل.
تنبيه: في المغرب: الملي من النهار: الساعة الطويلة.
وعن أبي علي الفارسي: الملي: المتسع، وقيل في قوله تعالى: * (واهجرني مليا) * (مريم: 64) أي دهرا طويلا عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير، والتركيب دال على السعة والطوال ا ه.
قلت: يمكن أن يكون مأخوذ تركيبه وجها لزيادة مدته على البعيد والآجل، فلذا جزم في الظهيرية والخانية بأنه شهر ويوم، وتبعهما المصنف، وأما على نسخة ستة أشهر فباعتبار أنه اسم لزمان طويل، والزمان ستة أشهر تأمل.
قوله: (أحد عشر) لانه أقل عدد مركب بدون عطف، وأما
بالعطف نحو كذا وكذا فأقل عدد نظيره أحد وعشرون.
قوله: (ثلاثة عشر) لان البضع بالكسر ما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسع كما في المصباح، لكن صريح ما في الشرح أن الثلاثة داخلة وما في المصباح يخالفه تأمل.
مطلب: ليقضين دينه فقضاه نبهرجة أستوقة قوله: (نبهرجة) هذا غير عربي.
وأصله نبهره وهو الحظ: أي حظ هذا لدراهم من الفضة أقل وغشه أكثر ولذا ردها التجار: أي المستقصي منهم والمسهل منهم يقبلها نهر قوله: (أو زيوفا) جمع زيف: أي كفلس وفلوس.
مصباح: وهي المغشوشة يتجوز بها التجار ويردها بيت المال، ولفظ الزيافة غير عربي وإنما هو من استعمال الفقهاء.
نهر فتح: يعني أن فعله زاف وقياس مصدره الزيوف لا الزيافة كما في المغرب.
قوله: (ما يرده بيت المال) لانه لا يقبل إلا ما هو في غاية الجودة.
قهستاني، فالنبهرجة غشها أكثر من الزيوف.
فتح.
قوله: (أو مستحقة للغير) بفتح الحاء: أي أثبت الغير أنها حقه.
قال في الفتح: وإذ بر في دفع هذه المسميات الثلاثة، فلو رد الزيوف أو النبهرجة أو استردت المستحقة لا يرتفع البر، وإن انتقض القبض فإنما ينتقض في حق حكم يقبل الانتقاض،(4/151)
ومثله لو دفع المكاتب هذه الانواع وعتق فردها مولاه لا يرتفع العتق ا ه.
قوله: (ستوقة) بفتح السين المهملة وضمها وتشديد التاء.
قهستاني.
قال في الفتح: وهي المغشوشة غشا زائدا وهي تعريب ستوقة: أي ثلاثة طبقات: طبقتا الوجهين فضة وما بينهما نحاس ونحوه.
قوله: (لانهما الخ) علة لقوله: لا يبر قال الزيلعي: وإن كان الاكثر فضة والاقل ستوقة لا يحنث، وبالعكس يحنث لان العبرة للغالب.
قوله: (لم يجز) لانه يلزم الاستبدال ببدلهما قبل قبضه وهو غير جائز كما علم في بابه ح.
قوله: (ونقل مسكين) أي عن الرسالة اليوسفية: وهي التي عملها أبو يوسف في مسائل الخراج والعشر للرشيد.
ونقل العبارة أيضا في المغرب عند قوله ستوقة، وكذا في البحر والنهر عن مسكين، ولعل المراد أن الامام لا ينبغي له أن يأخذ النبهرجة من أهل الجزية أو أهل الاراضي بخلاف الستوقة فإنه يحرم عليه أخذها لان في ذلك تضييع حق بيت المال، والله سبحانه أعلم.
مطلب: المسائل الخمس التي جعلوا الزيوف فيها كالجياد قوله: (وهذه إحدى المسائل الخمس) الثانية: رجل اشترى دارا بالجياد ونقد الزيوف أخذ الشفيع بالجياد لانه لا يأخذها إلا بما اشترى.
الثالثة: الكفيل إذا كفل بالجياد ونقد الزيوف يرجع على المكفوف عنه بالجياد.
الرابعة: إذا اشترى شيئا بالجياد ونقد البائع الزيوف ثم باعه مرابحة فإن رأس المال هو الجياد.
الخامسة: إذا كان له على آخر دراهم جياد فقبض الزيوف فأنفقها ولم يعلم إلا بعد الانفاق لا يرجع عليه بالجياد في قول أبي حنيفة ومحمد، كما لو قبض الجياد، كذا في البحر ح.
مطلب: لاقضين مالك اليوم قوله: (ودفع للقاضي) وذكر الناطفي أن القاضي ينصب على الغائب وكيلا، وقيل إذا غاب الطالب لا يحنث الحالف، وإن لم يدفع إلى القاضي ولا إلى الوكيل، وفي بعض الروايات يحنث وإن دفع للقاضي والمختار الاول.
خانية.
قلت: وهذه إحدى المسائل الخمسة التي جوز فيها القضاء على المسخر، وذكرها ط، وسيذكرها الشارح في كتاب القضاء.
قوله: (باع ما للقاضي بيعه الخ) أي لا يبر بيمينه إلا إذا باع ما يبيعه القاضي عليه، إذا امتنع من البيع بنفسه، وذلك كما في الجوهرة وغيرها أنه يباع في الدين العروض أولا ثم العقار ويترك له دست من ثياب بدنه، وإن أمكنه الاجتزاء بدونها باعها، واشترى من ثمنها ثوبا يلبسه، لان قضاء الدين فرض مقدم على التجمل، وكذا لو كان له مسكن يمكنه أن يجتزئ بدونه ويشتري من ثمنه مسكنا يبيت فيه، وقيل يباع ما لا يحتاج إليه في الحال فتباع الجبة واللبد والنطع في الشتاء.
قوله: (وكذا يبر بالبيع) أي وإن لم يقبض، لان البر وقضاء الدين يحصل(4/152)
بمجرد البيع، حتى لو هلك المبيع قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين ولا ينتقض البر في اليمين، وإنما نص محمد على القبض ليتقرر الدين على ر ب الدين لاحتمال سقوط الثمن بهلاك المبيع قبل قبضه، ولو كان البيع فاسدا وقبضه: فإن كانت قيمته تفي بالدين، وإلا حنث لانه مضمون بالقيمة.
فتح قال في البحر: وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا لغير الحالف، ولذا قال في الظهيرية: إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته.
قوله: (ونحوه الخ) كما لو تزوج الطالب أمة المطلوب ودخل بها أو وجب عليه دين بالاستهلاك أو بالجناييبر أيضا.
نهر والظاهر أن التقييد بالدخول اتفاقي، واحتمال سقوط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول لا ينقص البر كاحتمال هلاك المبيع قبل قبضه كما مر، ويؤيده ما في الظهيرية: حلف لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها على ماله عليها، فهو استيفاء.
وفيها حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم، واستهلك شيئا من ماله اليوم: فلو مثليا لا يحنث لان الواجب مثله لا قيمته، ولو قيميا وقيمته مثل الدين أو أكثر حنث، لانه صار قابضا بطريق المقاصة، وهذا إن استهلكه بعد غصبه لانه وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه، وإن قبله كأن أحرقه لم يحنث لعدم القبض ا ه ملخصا.
وتمام فروع المسألة في البحر.
قوله: (به) متعلق بالبيع، والظاهر أنه غير قيد، حتى لو باعه شيئا بثمن قدر الدين تقع المقاصة وإن لم يجعل الدين الثمن يدل عليه مسألة الاستهلاك المذكورة آنفا ولذا لم يقيد به في الفتح.
قوله: (لان الديون تقضى بأمثالها) قال في الفتح: لان قضاء الدين لو وقع بالدارهم كان بطريق المقاصة، وهو أن يثبت في ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه لانه قبضه لنفسه ليتملكه، وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاصا، وكذا هنا قوله: (لان الهبة إسقاط) ولان القضاء فعل المديون والهبة فعل الدائن بالابراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر فتح.
تنبيه: قيل إن شرط البر القضاء، ولم يوجد فيلزم الحنث وإلا لزم ارتفاع النقيضين.
قال في الفتح: وهو غلط، فإن النقيضين الواجب صدق أحدهما دائما هما في الامور الحقيقة كوجود زيد وعدمه، أما المتعلق قيامهما بسبب شرعي فيثبت حكمهما ما بقي السبب قائما، وقيام اليمين سبب لثبوت أحدهما من الحنث أو البر، وينتفيان بانتفائه كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث، ولذا قالوا هنا لم يحنث، ولم يقولوا بر ولم يحنث ا ه.
قوله: (وإمكان البر شرط البقاء الخ) أي في اليمين المؤقتة بخلاف المطلقة فإنه فيها شرط الابتداء فقط، وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت، ثم حنث بعد مضي زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة
فتح قوله: (وعليه) أي ويبتنى على اعتبار هذا الشرط قوله: (لم يحنث) لفوات إمكان البر في الغد قبل وقته فبطلت اليمين.
قوله: (فأمر غيره) الضمير فيه عائد إلى الحلف، وضمير أحاله وقبض إلى فلان.
قال ط: أفاد به أن القضاء لا يتحقق بمجرد الحوالة والامر بل لا بد معهما من القبض.
قال(4/153)
في الهندية: وإن نوى أن يكون ذلك بنفسه صدق قضاء وديانة.
ولو حلف المطلوب أن لا يعطيه فأعطاه على احد هذه الوجوه حنث، وإن نوى أن لا يعطيه بنفسه لم يدين في القضاء.
قوله: (حلف لا يفارق غريمه الخ) تقدم بعض مسائل الغريم في أواخر باب اليمين بالاكل والشرب.
قوله: (أو يحفظه) الذي في المنح والبحر ويحفظه بالواو ط.
قال في البحر: وكذلك لو حال بينهما ستر أو أسطوانة من أساطين المسجد، وكذلك لو قعد أحدهما داخل المسجد والآخر خارجه والباب بينهما مفتوح بحيث يراه، وإن توارى عنه بحائط المسجد والآخر خارجه فقد فارقه، وكذلك لو كان بينهما باب مغلق إلا إن أدخله وأغلق عليه وقعد علي الباب، قوله: (قال) أي صاحب مجموع النوازل كما عزاه إليه في البحر عن الظهيرية.
قوله: (لم يحنث) الظاهر أن وجهه أنه يراد باليوم عرفا ما يشمل الليل، وتقدم أنه لو قال يوم أكلم فلانا فكذا فهو على الجديدين لقرانه بفعل لا يمتد فعم، وكذلك هنا لا الاعطاء لا يمتد، فافهم.
مطلب: لا يقبض دينه درهما دون درهم قوله: (لا يقبض دينه درهما دون درهم) أي لا يقبضه حالة كون درهم منه مخالفا لدرهم آخر في كونه غير مقبوض: أي لا يقبضه متفرقا بل جملة، فالمجموع في تأويل حال مشتقة فهو مثل بعته يدا بيد: أي متقابضين، كذا ظهر لي.
قوله: (لا يحنث حتى يقبض كله متفرقا) أي لا يحنث بمجرد قبض ذلك البعض، بل يتوقف حنثه على قبض باقيه، فإذا قبضه حنث.
فتح قوله: (وهو قبض الكل الخ) لانه أضاف القبض المتفرق إلى كل الدين حيث قال ديني وهو اسم لكله.
فتح، فلو قال: من ديني يحنث بقبض البعض، لان شرط الحنث هنا قبض البعض من الدين متفرقا، وأشار إلى أنه لو قيد باليوم فقبض البعض فيه متفرقا أو لم يقبض شيئا لم يحنث، لان الشرط أخذ الكل في اليوم
متفرقا، ولم يوجد، وتمامه في البحر.
قوله: (بوزنين) أو أكثر لانه قد يتعذر قبض الكل دفعة فيصير هذا المقدار مستثنى، ولان هذا القدر من التفريق لا يسمى تفريقا عادة والعادة هي المعتبرة.
زيلعي.
قوله: (فترك منه درهما) أي لم يأخذ منه أصلا قوله: (كيف شاء أي جملة أو متفرقا).
مطلب: حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جملة قوله: (لا يحنث) كذا ذكر في البحر عن الظهيرية هذه المسألة غير معللة، والظاهر أنها بمعنى المسألة المارة، لان درهما دون درهم بمعنى متفرقا كما مر، وقوله هنا إلا جملة هو معنى لا يقبضه متفرقا، لكن الاولى في الاثبات، وهذه في النفي، والمعنى واحد.(4/154)
مطلب: إن أنفقت هذا المال إلا على أهلك فكذا فأنفق بعضه لا يحنث ورأيت في طلاق الذخيرة المسائل التي ينظر فيها إلى شرط البر: وهب لرجل مالا فقال الواهب امرأتي طالق ثلاثا إن أنفقت هذا المال الذي وهبتك إلا على أهلك، ثم إنه أنفق بعضه على أهله وقضى بالباقي دينا أو حج أو تزوج لا تطلق امرأة الحالف.
ذكره خواهر زاده في شرح الحيل، وعلله بأن شرط بره إنفاق جميع ا لهبة على أهله فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو إنفاق جميعهم على غيرهم ولم يوجد، وهو نظير ما لو حلف لا يأخذ ما له على فلان إلا جميعا وأخذ البعض دون البعض لا يحنث، لان شرط بره أخذ جميع الدين جملة فيكون شرط حنثه ضد ذلك، وهو أخذ جميع الدين متفرقا ولم يوحد ذلك، كذا هنا ا ه.
وحاصله أنه لا يحنث بمجرد قبض البعض جملة أو متفرقا ما لم يقبض الباقي كما مر، فإذا ترك البعض بأن لم يقبضه أصلا بإبراء أو بدونه لم يحنث لعدم شرطه وهو قبض كله غير جملة: أي متفرقا.
ولما كانت هذه المسألة في معنى الاولى كما ذكرنا، قال الشارح وهو الحيلة في عدم حنثه في الاولى وبقي هنا شئ وهو ما لم يأخذ من دينه شيئا أصلا أو لم ينفق في مسألة الهبة شيئا بأن ضاعت الهبة مثلا، والظاهر أنه لا يحنث، لان المعنى إن أخذت دين لا آخذه إلا جملة، أو إن أنفقتها لا تنفقها إلا على أهلك، ونظيره لا أبيع هذا الثوب إلا بعشرة، أو لا تخرجي إلا بإذني فلم
يبعه أولم تخرج أصلا فلا شك في عدم الحنث، فكذا هنا.
مطلب: حلف لا يشكوه إلا من حاكى السياسة ولم يشكه أصلا لم يحنث ومنه يعلم جواب ما لو حلف لا يشكوه إلا من حاكم السياسة وترك شكايته أصلا لا يحنث، هذا ما ظهر لي فاغتنمه.
قوله: (بملكها) متعلق بقوله: لا يحنث.
قوله: (لان غرضه نفي الزيادة على المائة) أي أن ذلك هو المقصود عرفا والخمسون مثلا ليس زائدا على المائة، وهذا بخلاف ما لو قال: لي على زيد مائة وقال زيد خمسون، فقال إن كان لي عليه إلا مائة فهذا لنفي النقصان، لان قصده بيمينه الرد على المنكر ا ه فتح.
قوله: (لو مما فيه الزكاة) أي لو كانت الزيادة من جنس ما تجب فيه الزكاة كالنقدين والسائمة وعرض التجارة وإن قلت الزيادة، ولو كانت من غيره كالرقيق والدور لم يحنث، وهذا لان المستثنى منه عرفا المال لا الدراهم، ومطلق المال ينصرف إلى الزكوي كم لو قال والله ليس لي مال، أو قال مالي في المساكين صدقة، وهذا بخلاف ما لو أوصى بثلث ماله أو استأمن الحربي على ماله حيث يعم جميع الاموال، لان الوصية خلافه كالميراث، ومقصود الحربي الغنية له بماله، وتمامه في شرح التلخيص.
قوله: (حتى لو قال الخ) تفريع على ما فهم من كلامه من أن المال إذا أطلق ينصرف إلى الزكوي كما قررناه، فافهم.
مطلب: حلف لا يفعل كذا تركه على الابد قوله: (تركه على الابد الخ) ففي أي وقت فعله حنث، وإن نوى يوما أو يومين أو ثلاثة أو(4/155)
بلدا أو منزلا أو ما أشبهه لم يدين أصلا لانه نوى تخصيص ما ليس بملفوظ كما في الذخيرة.
قوله: (لان الفعل يقتضي مصدرا منكرا الخ) فإذا قال: لا أكلم زيدا فهو بمعنى لا أكلمه كلاما، وهذا أحد تعليلين ذكرهما في غاية البيان.
ثانيهما: أنه نفى فعل ذلك الشئ مطلقا ولم يقيده بشئ دون شئ فيعم الامتناع عنه ضرورة عموم النفي، وعليه اقتصر في البحر وهو أظهر، وأحسن منهما ما نقلناه عن الذخيرة لما يرد على الاول أن عموم، ذلك المصدر في الافراد لا في الازمان، وأيضا فقد قال ح: إن هذا ينافي ما مر في باب اليمين في الاكل: أي من أن الثابت في ضمن الفعل ضروري
لا يظهر في غير تحقيق الفعل، بخلاف الصريح، ومن أن الفعل لا عموم له كما في المحيط عن سيبويه.
قوله: (وما في شرح المجمع) أي لابن ملك من عدمه: أي عدم انحلال اليمين فهو سهو كما في البحر، بل تنحل فإذا حنث مرة بفعله لم يحنث بفعله ثانيا، وللعلامة قاسم رسالة رد فيها على العلامة الكافيجي حيث اغتر بما في شرح المجمع، ونقل فيها إجماع الائمة الاربعة على عدم تكرار الحنث.
قوله: (لا يحنث) لانه بعد الحنث لا يتصور البر وتصور البر شرط بقاء اليمين فلم تبق اليمين فلا حنث.
رسالة العلامة قاسم عن شرح مختصر الكرخي.
قوله: (إلا في كلما) لاستلزامها تكرر الفعل، فإذا قال: كلما فعلت كذا يحنث بكل مرة.
قوله: (وكذا الخ) هذا إذا لم يمض الوقت.
قوله: (والمحلوف عليه) الواو بمعنى أو.
قال: (لتحقق العدم) أي عدم الفعل في اليوم ط.
قوله: (ولو جن الحالف الخ) محل هذا في الاثبات كما في الفتح.
وصورته: قال لآكلن الرغيف في هذا اليوم فجن فيه ولم يأكل، أما في صورة النفي إذا جن ولم يأكل فلا شك في عدم الحنث ط، وقدم المصنف أول الايمان أنه يحنث لو فعل المحلوف عليه وهو مغمى عليه أو مجنون.
مطلب: حلف ليفعلنه بر بمرة قوله: (لان النكرة في الاثبات تخص) أراد بالنكرة المصدر الذي تضمنه الفعل، وهذا مبني على التعليل السابق وقد علمت مفيه.
وفي الفتح: لان الملتزم فعل واحد غير عين إذ المقام للاثبات فيبر بأي فعل سواء كان مكرها فيه أو ناسيا أصيلا أو وكيلا عن غيره، وإذا لم يفعل لا يحكم بوقوع الحنث حتى يقع اليأس عن الفعل، وذلك بموت الحالف قبل الفعل فيجب عليه أن يوصي بالكفارة، أو بفوات محل الفعل كما لو حلف ليضربن زيدا أو ليأكلن هذا الرغيف فمات زيد أو أكل الرغيف قبل أكله، وهذا إذا كانت اليمين مطلقة ا ه.
قوله: (ولو قيدها بوقت) مثل ليأكلنه في هذا اليوم.
فتح قوله: (بأن وقع اليأس) أي قبل مضي الوقت.
قوله: (أو بفوت المحل) هذا عندهما خلافا لابي يوسف فتح.(4/156)
مطلب: حلفه وال ليعلمنه بكل داعر قوله: (تقيد حلفه بقيام ولايته) هذا التخصيص بالزمان ثبت بدلالة الحال، وهو العلم بأن المقصود من الاستحلاف زجره بما يدفع شره أو شر غيره بزجره، لانه إذا زجر داعرا انزجر آخر، وهذا لا يتحقق إلا في حال ولايته لانها حال قدرته على ذلك فلا يفيد فائدته بعد زوال سلطنته، والزوال بالموت وكذا بالعزل في ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف أنه يجب عليه إعلامه بعد العزل.
فتح قوله: (وينبغي تقييد يمينه بفور علمه) هذا بحث لابن همام، فإنه قال: وفي شرح الكنز: ثم إن الحالف لو علم بالداعر ولم يعلم به لم يحنث إلا إذا مات هو أو المستحلف أو عزل، لانه لا يحنث في اليمين المطلقة إلا باليأس إلا إذا كانت مؤقتة فيحنث بمضي الوقت مع الامكان ا ه.
ولو حكم بانعقا هذه للفور لم يكن بعيدا نظرا إلى المقصود وهو المبادرة لزجره ودفع شره، والداعي يوجب التقييد بالفور: أي فور علمه به ا ه.
وأقره في البحر والنهر وا لمنح، واعترض بأنه خلاف ظاهر الرواية، ففي العناية: وليس يلزمه الاعلام حال دخوله، وإنما يلزمه أن لا يؤخر الاعلام إلى ما بعد موت الوالي أو عزله على ظاهر الرواية اه.
قلت: على ظاهر الرواية راجع إلى قوله: أو عزله أي بناء على ظاهر الرواية من أن العزل كالموت في زوال الولاية، خلافا لما عن أبي يوسف كما يعلم مما نقلناه سابقا على الفتح، ولا شك أن التقييد بالفور عند قيام القرينة حكم ثابت في المذهب.
فصار حاصل بحث ابن الهمام: أن الوالي إذا كان مراده دفع الفسا في البلد، وحلف رجلا بأن يعلمه بكل مفسد دخل البلد، فليس مراده أن يخبره بعد إفساده سنين في البلد، بل مراده إخباره به قبل إظهاره الفساد، فهذا قرينة واضحة على أن هذه اليمين يمين الفور الثابت حكمها في المذهب، فما في شرح الكنز والعناية مبني على عدم قيام قرينة الفور، وما بحثه ابن الهمام مبني على قيامها فحيث قامت القرينة على الفور حكم بها بنص المذهب وإلا فلا، فلم يكن بحثه مخالفا للمنقول بل هو معقول مقبول فلذا أقره عليه الفحول، فافهم.
قوله: (وإذا سقطت لا تعود) أي إذا سقطت بالعزل كما هو ظاهر الرواية كما مر لا تعود بعوده إلى الولاية.
قوله: (ولو ترقى بلا عزل الخ) هذا لم يذكره في الفتح، بل
ذكره في البحر بحثا بقوله: ولم أر حكم ما إذا عزل من وظيفته، وتولى وظيفة أخرى أعلى منها، وينبغي أن لا تبطل اليمين لانه صار متمسكا من إزالة الفساد أكثر من الحالة الاولى ا ه.
قلت: الظاهر أن محل هذا ما إذا لم يكن فاصل بين عزله وتوليته، بل المراد ترقيه في الولاية، وانتقاله عن الاولى إلى أعلى منها، ولذا عبر الشارح بقوله: ولو ترقى بلا عزل أما لو عزل ثم تولى بعد مثلا فقد تحقق سقوط اليمين والساقط لا يعود.
قوله: (ومن هذا الجنس) أي جنس ما تقيد بالمعنى وإن كان مطلقا في اللفظ.
قوله: (أو الكفيل بأمر المكفول عنه) كذا وقع في البحر، ولم يذكر في الفتح والنهر لفظ الامر، ولذا قيل: إنه لا فائدة للتقييد به.(4/157)
أقول: أي لان رب الدين له ولاية المطالبة على الكفيل سواء كان كفيلا بأمر المكفول عنه أو لا، لكن هذا بناء على أن الكفيل منصوب عطفا على غريمه، ولفظ أمر مضاف إلى المكفول عنه، وليس كذلك، بل الكفيل مرفوع عطفا على رب الدين، ولفظ أمر بالتنوين، والمكفول عنه منصوب عطف على غريمه مفعول حلف، ويوضحه قول كافي النسفي أو الكفيل بالامر المكفول عنه، وعليه فالتقييد بالامر له فائدة ظاهرة، لان الكفيل بالامر له الرجوع على المكفول عنه فيصير بمنزلة رب الدين فلذا كان لتحليفه المكفول فائدة، ويتقيد تحليفه بمدة قيام الدين بمنزلة رب الدين، فافهم.
وفي الخانية: الكفيل بالنفس إذا حلف الاصيل لا يخرج من البلدة إلا بإذنه فقضى الاصيل دين الطالب ثم خرج بعد ذلك لا يحنث.
قوله: (وولاية المنع حال قيامه) أي قيام الدين، ومفاده أن ذلك فيما إذا لم يكن الدين مؤجلا، إذ ليس له منعه من الخروج ولا مطالبته قبل حلول الاجل، وفيما إذا أدى الكفيل لرب المال، إذ ليس له مطالبة المكفول عنه قبل الاداء نعم له ملازمته أو حبسه إذا لوزم الكفيل أو حبس، فليتأمل.
قوله: (لعدم دلالة التقييد) لانه لم يذكر الاذن في موجب لتقييده، بزمان الولاية في الاذن، وعلى هذا لو قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها بغير إذنك فطالق، فطلق امرأته طلاقا بائنا أو ثلاثا، ثم تزوج بغير إذنها طلقت، لانه لم تتقيد يمينه ببقاء النكاح، لانها إنما تتقيد به لو كانت المرأة تستفيد ولاية الاذن والمنع بعقد النكاح ا ه فتح: أي بخلاف الزوج فإنه
يستفيد ولاية الاذن بالعقد وكذا رب الدين، كما في الذخيرة، وما قيل من أن الاضافة في قوله: امرأتي تدل على التقييد لانها بعد العدة لم تبق امرأته مدفوع بأن الاضافة لا للتقييد بل للتعريف، كما قالوا في قوله: إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث، فافهم، وانظر ما قدمناه في التعليق من كتاب الطلاق.
مطلب: حلف ليهبن له فوهب له فلم يقبل بخلاف البيع ونحوه قوله: (ونحوه) كالاجارة والصرف والسلم والنكاح والرهن والخلع.
بحر.
قوله: وكذا في طرف النفي فإذ قال: لا أهب حنث بالايجاب فقط، بخلاف لا أبيع.
قوله: (والاصل الخ) الفرق أن الهبة عقد تبرع، فيتم بالمتبرع، أما البيع فمعاوضة فاقتضى الفعل من الجانبين، وعند زفر الهبة كالبيع، واتفقوا على أنه لو قال بعتك هذا الثوب أو أجرتك هذه الدار فلم تقبل وقال بل قبلت فالقول له، لان الاقرار بالبيع تضمن الاقرار بالايجاب والقبول وعلى الخلاف القرض.
وعن أبي يوسف أن القبول فيه شرط لانه في حكم المعاوضة، ونقل فيه عن أبي حنيفة روايتان، والابراء يشبه البيع لافادته الملك باللفظ والهبة لانه تمليك بلا عوض.
وقال الحلواني: إنهما كالهبة، وقيل الاشبه أن يلحق الابراء بالهبة والقرض بالبيع، والاستقراض كالهبة بلا خلاف ا ه ملخصا في الفتح والبحر، وانظر ما قدمناه في باب اليمين بالبيع والشراء.
فرع: في الفتح لو قال لعبد إن وهبك فلان مني فأنت حر فوهبه منه: إن كان العبد في يد الواهب لا يعتق سلمه له أولا، وإن كان وديعة في يد الموهوب له إن بدأ الواهب فقال وهبتكه لا(4/158)
يعتق قبل أولا، وإن بدأ الآخر فقال هبه مني فقال وهبته منك عتق.
قوله: (شرط في الحنث) هذا فيما لو كان الحلف على النفي، فلو على الاثبات فهو شرط في البر فكان المناسب إسقاط قوله في الحنث.
فافهم.
مطلب: حلف لا يشم ريحانا قوله: (لا يشم) بفتح الياء والشين مضارع شممت الطيب بكسر الميم في الماضي، وجاء في
لغة فتح الميم في الماضي وضمها في المضارع نهر.
والمشهورة الفصيحة الاولى كما في الفتح.
قوله: (وياسمين) بكسر السين وبعضهم بفتحها وهو غير منصرف، وبعض العرب يعربه إعراب جمع المذكر السالم على غير قياس مصباح قوله: (والمعول عليه العرف) ذكر ذلك في الفتح بعد حكاية الخلاف في تفسير الريحان، وهو أنه ما طاب ريحه من النبات، أو ما ساقه رائحة طيبة كالورد، أو ما لا ساق له من البقول مما له رائحة مستلذة وغير ذلك.
قوله: (فوجد ريحه) أي من غير قصد شمه.
قوله: (للعرف) فما في الهداية من حنثه بالدهن لا الورق وما قاله الكرخي من حنثه بهما مبني على اختلاف العرف، وعرفنا ما ذكره المصنف فتح ملخصا.
مطلب: حلف لا يتزوج فزوجه فضولي قوله: (فأجاز بالقول) كرضيت وقبلت: نهر.
وفي حاوي الزهدي: لو هناه الناس بنكاح الفضولي فسكت فهو إجازة.
قوله: (حنث) هذا هو المختار كما في التبيين وعليه أكثر المشايخ، والفتوى عليه كما في الخانية، وبه اندفع ما في جامع الفصولين من أن الاصح عدمه بحر.
قوله: (وبالفعل) كبعث المهر أو بعضه بشرط أن يصل إليها، وقيل الوصول ليس بشرط.
نهر.
وكتقبيلها بشهوة وجماعها، لكن يكره تحريما لقرب نفوذ العقد من المحرم بحر.
قلت: فلو بعث المهر أولا لم يكره التقبيل والجماع لحصول الاجازة قبله قوله: (ومنه الكتابة) أي من الفعل ما لو أجاز بالكتابة لما في الجامع حلف لا يكلم فلانا أو لا يقول له شيئا فكتب إليه كتابا لا يحنث، وذكر ابن سماعة أنه يحنث نهر.
قوله: (به يفتى) مقابله ما في جامع الفصولين من أنه لا يحنث بالقول كما مر، فكان المناسب ذكره قبل زواله وبالفعل أفاده ط.
قوله: (لاستنادها) أي الاجازة لوقت العقد وفيه لا يحنث بمباشرته ففي الاجازة أولى.
بحر.
مطلب: قال كل امرأة تدخل في نكاحي فكذا قوله: (لا يحنث) هذا أحد قولين قاله الفقيه أبو جعفر ونجم الدين النسفي، والثاني أنه يحنث،(4/159)
وبه قال شمس الائمة والامام البزدوي والسيد أبو القاسم، وعليه مشى الشارح قبيل فصل المشيئة،
لكن رجح المصنف في فتاواه الاول، ووجهه أن دخولها في نكاحه لا يكون إلا بالتزويج، فيكون ذكر الحكم ذكر سببه المختص به فيصير في التقدير كأنه قال إن تزوجتها، وبتزويج الفضولي لا يصير متزوجا، كما في فتاوى العلامة قاسم.
قلت: قد يقال: إن له سببين: التزوج بنفسه، والتزويج بلفظ الفضولي، والثاني غير الاول بدليل أنه لا يح نث به في حلفه لا يتزوج.
تأمل قوله: (لكثرة أسباب الملك) فإنه يكون بالبيع والارث والهبة والوصية وغيرها، بخلاف النكاح كما علمت فلا فرق بين ذكره وعدمه.
قوله: (أو فعلا) بإخراج متاعها من بيته ط.
قوله: (لوجوبه قبل الطلاق) فلا يحال به إلى الطلاق، بخلاف النكاح، لان المهر من خصائصه منح عن العمادية قوله: (قال) أي فضولي.
قوله: (فأجاز الزوج) أي أجاز تعليق الفضولي.
قوله: (ومثله) أي مثل ما في المتن.
قوله: (ما يكتبه الموثوقون) أي الذين يكتبون الوثائق: أي الصكوك قوله: (إلى آخره) المناسب حذفه لان قوله: أو دخلت في نكاحي معطوف على تزوجت لا على بنفسي فلا يصح تعليله بأن عامله تزوجت، بل العلة فيه أنه ليس له إلا سبب واحد، وهو التزوج كما مر وهو لا يكون إلا بالقول.
أفاده ط.
قوله: (وهو خاص بالقول) فقوله: أو بفضولي ينصرف إلى الاجازة بالقول فقط.
بحر.
قوله: (فلا مخلص له الخ) كذا في البحر، وتبعه في النهر والمنح، وفي فتاوى العلامة قاسم وجامع الفصولين أنه اختلف فيه.
قيل لا وجه لجوازه لانه شدد على نفسه.
وقال الفقيه أبو جعفر وصاحب الفضول: حيلته أن يزوجه فضولي بلا أمرهما فيجيزه هو فيحنث قبل إجازة المرأة لا إلى جزاء لعدم الملك ثم تجيزه هي، فإجازتها لا تعمل فيجددان العقد، فيجوز إذا اليمين انعقدت على تزوج واحد.
وهذه الحيلة إنما يحتاج إليها إذا قال أو يزوجها غير لاجلي وأجيزه، أما إذا لم يقل وأجيزه، قال النسفي: يزوج الفضولي لاجله فتطلق ثلاثا إذ الشرط تزويج الغير له مطلقا، ولكنها لا تحرم عليه طلاقها قبل الدخول في ملك الزوج.
قال صاحب جامع الفصولين: فيه تسامح، لان وقوع الطلاق قبل الملك محال ا ه.
قلت: إنما سماه تسامحا لظهور المراد وهو انحلال اليمين لا إلى جزاء، لان الشرط تزويج الغير له وذلك يوجد من غير توقف على إجازته، بخلاف قوله: أتزوجها فإنه لا يوجد إلا بعقده
بنفسه أو عقد غيره له وإجازته.
قوله: (إلا إذا كان المعلق طلاق المزوجة) في بعض النسخ المتزوجة أي التي حلف ألا يتزوجها بنفسه أو بفضولي احتراز عما لو كان المعلق طلاق زوجته الاصلية بأن قال إن تزوجت عليك بنفسي أو بفضولي فأنت طالق، فإن حكم الشافعي بفسخ اليمين(4/160)
المضافة يؤكد الحنث لا ينافيه.
قوله: (إن الافتاء كاف) أي إفتاء الشافعي للحالف ببطلان هذه اليمين، وهو رواية عن من افتى بها أئمة خوارزم لكنها ضعيفة، نعم لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي كذا فتزوج امرأة وحكم القاضي بفسخ اليمين ثم تزوج أخرى يحتاج إلى الفسخ ثانيا عندهما، وقال محمد: لا يحتاج، وبه يفتى كما في الظهيرية.
فمن قال: إن بطلان اليمين هو قول محمد المفتى به كما في الظهيرية فقد اشتبه عليه حكم بآخر كما قدمنا بيانه في باب التعليق، فافهم قوله: (بحر) الاولى أن يقول: نهر لان جميع ما قدممذكور فيه، أما في البحر فإنه لم يذكر قوله أنه مما يكتبه الموثقون ولا قوله أدخلت في نكاحي بوجه ما، ولا قوله وقدمنا في التعاليق.
قوله: (لان المراد بها المسكن عرفا) يعني أن المراد ما يشمل المسكن، فيصدق على المملوكة غير المسكونة، وفيه تفصيل وخلاف ذكرناه في باب اليمين بالدخول.
قوله: (ولا بد أن تكون سكناه لا بطريق التبعية الخ) مخالف لما قدمه في الباب المذكور من قوله: ولو تبعا وهو ما في الخانية، لو حلف لا يدخل دار بنته أو أمه وهي تسكن في بيت زوجها، فدخل الحالف حنث.
وقد ذكر في الخانية أيضا مسألة الواقعات وقال: إن لم ينو تلك الدار لا يحنث، لان السكنى تضاف إلى الزوج لا إلى المرأة، ويمكن الجواب بأن الدار في مسألة الخانية المارة لما لم تكن للمرأة انعقدت يمينه على دار السكنى بالتبعية فحنث، أما في مسألة الواقعات المذكورة هنا فالدار فيها ملك المرأة فانصرفت اليمين إلى ما ينسب إليها أصالة، فلما سكنها زوجها نسب ت إليه وانقطعت نسبتها إليها فلم يحنث الحالف بدخولها ما لم ينوها.
أفاد بعضه السيد أبو السعود، لكن قدمنا في باب الدخول عن التاترخانية ما يفيد اختلاف الرواية، ولكن ما ذكر من الجواب توفيق حسن رافع للخلاف بقيد عدم النية المذكور أخذا مما مر عن الخانية فافهم.
مطلب: حلف لا مال له قوله: (بل بتشديد اللام) كذا في البحر عن مسكين، والظاهر أن التشديد غير لازم لانه يقال مفلس وجمعه مفاليس كما في المصباح، وهذا أعم من المحكوم بإفلاسه وغيره كما لا يخفى.
مطلب: الديون تقضى بأمثالها قوله: (بل وصف للذمة الخ) ولهذا قيل إن الديون تقضى بأمثالها على معنى أن المقبوض مضمون على القابض، لان قبضه بنفسه على وجه التملك ولرب الدين على المدين مثله، فالتقى الدينان قصاصا، وتمامه في البحر.
مطلب: قال لغيره والله لا تقم فقام لا يحنث قوله: (فإن لم يفعله المخاط ب حنث) كذا أطلقه في الخانية والفتح والنهر، وظاهره أنه يحنث(4/161)
سواء أمره بالفعل أو لا، وهو كذلك لان أمره لا يحقق الفعل من المحلوف عليه، وشرط بره ه الفعل، وشرط حنثه عدمه، ويأتي تمام بيانه قريبا.
مطلب: والله لا تقم فقام لا يحنث هذا، ورأيت في الصيرفية: مر علي رجل فأراد أن يقوم فقال والله لا تقم فقام، لا يلزم المار شئ، لكن عليه تعظيم اسم الله تعالى ا ه.
وذكره في البزازية بعبارة فارسية، فهذا الفرع مخالف لما مر، وقد يجاب بأن قوله لا يقم نهي، وهو إنشاء في الحال تحقق مضمونه عند التلفظ به، وهو طلب الكف عن القيام فصار الحلف على هذا الطلب الانشائي لا على عدم القيام، فالمقصود من الحلف تأكيد ذلك الطلب، فليتأمل.
والظاهر أن الامر مثل النهي فإذا قال الله أضرب زيدا اليوم لا يحنث بعدم ضربه، ويظهر أيضا أنه لو قعد ثم قام لا يحنث، ولو لم يكن بلفظ النهي لان المراد النهي عن القيام الذي تهيأ له المحلوف عليه فهو يمين الفور المار بيانها، وهذه المسألة تقع كثيرا.
مطلب: قال لتفعلن كذا قال نعم قوله: (ما لم ينو الاستحلاف) فإن نوى الاستحلاف فلا شئ على واحد منهما.
خانية وفتح:
أي لان المخاطب لم يجبه بقوله نعم حتى يصير حالفا.
قال في الخانية: ولو قال: والله لتفعلن كذا فقال الآخر نعم، فهو على خمسة أوجه: أحدها: أن ينوي كل من المبتدئ والمجيب الحلف على نفسه فهما حالفان، أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلان قوله نعم يتضمن إعادة ما قبله، فكأنه قال والله لافعلن كذا، فإذا لم يفعل حنثا جميعا.
الثاني: أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب اليمين على نفسه، فالحالف هو المجيب فقط.
الثالث: أن لا يريد المجيب اليمين بل الوعد فلا يكون أحدهما حالفا.
الرابع: أن لا يكون لاحدهما نية، فالحالف هو المبتدئ فقط الخامس: أن يريد المبتدئ الاستحلاف والمجيب الحلف، فالمجيب حالف لا غير اه ملخصا.
قلت: هذا الاخير هو عين الثاني، فتأمل.
قوله: (فالح حالف هو المبتد) وكذا فيما لو قال أحلف أو أشهد بالله قال عليك أو لا فلا يمين على المجيب في الثلاثة، وإن نويا أن يكون الحالف هو المجيب.
خانية.
قلت: ووجهه أنه أسند فعل القسم إلى نفسه فلا يمكن أن يكون فاعله غيره.
قوله: (ما لم ينو الاستفهام) أي بأن تكون همزة الاستفهام مقدرة فيصير المعنى هل أحلف أم لا، وهذا يصلح حيلة إذا أراد أن لا يحنث، فافهم.
قوله: (فالحالف المجيب) ولا يمين على المبتدئ وإن نوى اليمين.
خانية وفتح: أي لاسناده الحلف إلى المخاطب فلا يمكن أن يكون الحالف غيره.(4/162)
مطلب: حلف لا يدخل فلان داره قوله: (لا يدخل فلان داره الخ) نقله في النهر عن منية المفتي، وهذا رأيته فيها لكن بلفظ الدار معرفة، وهذا محمول على ما إذا كان فلان ظالما لا يمكن الحالف أن يمنعه كما يعلم مما ذكره
الشرنبلالي في رسالة عن الخانية والخلاصة وغيرهما: حلف لا يدع فلانا يدخل هذه الدار، فلو الدار ملك الحالف فشرط البر منعه بالقول والفعل بقدر ما يطيق، فلو منعه بالقول دون الفعل حنث، وإن لم تكن له فمنعه بالقول دون الفعل لا يحنث بالدخول.
وفي القنية عن الوبري: حلف ليخرجن ساكن داره اليوم، والساكن ظالم غالب يتكلف في إخراجه، فإن لم يمكنه فاليمين على التلفظ باللسان ا ه.
قال: وهذا يفيد أن ما مر من حنث المالك بالمنع بالقول فقط مقيد بما إذا قدر على منعه بالفعل، وإلا فيكفيه القول، ويفيده قول الخانية: بقدر ما يطيق.
هذا حاصل ما ذكره في الرسالة، وقد لخصها السيد أبو السعود تلخيصا مخلا، ونقله عنه ط في الباب السابق، وأنه أفتى بناء على ما فهمه فيمن حلف على أخته أن لا تتكلم بأنها لو تكلمت بعد ما نهاها عن الكلام لا يحنث، لانه لا يملك منعها، وقاس على ذلك أيضا أنه لو كانت اليمين على الاثبات مثل لتفعلن يكفي أمره بالفعل.
مطلب في الفرق بين لا يدعه يدخل وبين لا يدخل قلت: وهذا خطأ فاحش للفرق البين بيقولنا لا أدعه يفعل وبين لا يفعل، يوضح ذلك ما قدمناه في التعليق عن الولوالجية: رجل قال: إن أدخلت فلانا بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق، فاليمين في الاول على أن يدخل بأمره لانه متى دخل بأمره فقد أدخله، وفي الثانية على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لانه وجد الدخول، وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لان شرط الحنث الترك للدخول، فمتى علم ولم يمنع فقد ترك ا ه.
ونقل مثله في البحر عن المحيط وغيره، فانظر كيف جعلوا اليمين في الثاني على مجرد الدخول، لان المحلوف عليه هو دخول فلان، فمتى تحقق دخوله تحقق شرط الحنث وإن منعه قولا أو فعلا، لان منعه لا ينفي دخوله بعد تحققه.
وأما عدم الحنث بالمنع قولا وفعلا أو قولا فقط على التفصيل المار فهو خاص بالحلف على أنه لا يدعه أو لا يتركه يدخل، وكذا قوله لا يخليه يدخل، لانه متى لم يمنعه تحقق أنه تركه أو خلاه فيحنث، هذا هو المصرح به في عامة كتب المذهب، وهو ظاهر الوجه وقدمنا في آخر اليمين في الاكل والشرب فيما لو قال لا أفارقك حتى تقضبني حقي أنه لو فر منه لا
يحنث، ولو قال لا يفارقني يحنث كما في الخانية فقد جزم بحنثه إذ فر منه بعد حلفه لا يفارقني.
وعلى هذا فالصواب في جواب الفتوى السابعة أن أخت إذا تكلمت يحنث، سواء منعها عن الكلام أو لا لتحقق شرط الحنث وهو الكلام، ومنعه لها لا يرفعه بعد تحققه كما لا يخفى، نعم لو كان الحلف على أنه لا يتركها أو لا يخليها تتكلم فإنه يبر بالمنع قولا فقط، ولا يحتاج إلى المنع بالفعل لانه لا يملكه.
كما قال في الخانية: رجل حلف بطلاق امرأته أن لا يدع فلانا يمر على هذه القنطرة فمنعه بالقول يكون بارا، لانه لا يملك المنع بالفعل ا ه.
وبما قررناه ظهر أن ما نقله الشارح تبعا للمنية لا يصح حمله على ظاهره لمخالفته للمشهور في الكتب فلا بد من تأويله بما قدمناه.
وقد يؤول بأنه أراد معنى لا يدعه يدخل كما أفتى به في الخيرية، حيث سئل عمن حلف على(4/163)
صهره أنه لا يرحل من هذه القرية فرحل قهرا عليه فهل يحنث؟ أجاب: مقتضى ما أفتى به قارئ الهداية واستدل به الشيمحمد الغزي وأفتى به أنه إن نوى لا يمكنه فرحل قهرا عليه لا يحنث ا ه.
أو يؤوبأنه سقط من عبارة المنية لفظ لا بدعه وإلا فهو مردود، لان العمل على ما هو المشهور الموافق للمعقول والمنقول دون الشاذ الخفي المعلول، فاغتنم هذا التحرير، والله سبحانه أعلم.
تنبيه: علم أيضا مما ذكرناه أنه لو كان الحالف على الاثبات مثل قوله والله لتفعلن كذا فشرط البر هو الفعل حقيقة، ولا يمكن قياسه على لا يدعه يفعل، بأن يقال هنا: يكفي أمره بالفعل فإن ذلك لم يقل به أحد وأما ما مر عن القنية في: ليخرجن ساكن داره، فذاك في معنى لا يدعه يسكن كما علم مما مر، أما هنا فلا يكفي الامر لانه حلف على الفعل لا على الامر به، ومجرد الامر به يحققه كما لا يخفى، فإذا لم يفعل يحنث الحالف كما مر سواء أمره أو لا، وهذا ظاهر جلي أيضا، ولكن جل من لا يسهو، فافهم.
قوله: (بر بقوله اخرج) لان عقد الاجارة منعه من الاخراج بالفعل، لان مالك الدار لا يملك المنفعة مدة الاجارة، فهو حينئذ كالاجنبي.
شرنبلالي قوله: (وحلفه بر) لان قوله لا يدع ينصرف إلى ما يقدر عليه، وبعد تحليفه لا يقدر على الاخذ، وشرط الحنث أن يتركه مع القدرة ولذالا يحنث إذا قال لا أدع فلانا يفعل ففعل في غيبته.
قوله: (طلقت) لانه صار
حالفا للقاعدة المذكورة عقبه.
قوله: (به يفتى) وهو قول أبي يوسف خلافا لمحمد، بخلاف ما لو برهن أنه أقرضه ألفا والمسألة بحالها لا يحنث ا ه فتح أي لجوا أنه أقرضه ثم أبرأه أو استوفى منه قبل الدعوى فلم يظهر كذب المدعى عليه.
قوله: (حنث الخ) لان كل واحد من الشريكين يرجع بالعهدة على صاحبه، ويصير الحالف عاملا مع المحلوف عليه، وإن كان عقد الشركة نفسه لا يوجب الحقوق.
أما العبد المأذون فلا يرجع بالعهدة على المولى فلا يصير الحالف شريكا لمولاه.
بحر عن الظهيرية قوله: (فدخل المشتركة) أي فلا يحنث.
لان نصف الدار لا يسمى دارا.
فتح قوله: (إذا لم يكن ساكنا) ترك في الفتح هذا القيد، وقد صرح به في الخانية قال ط: أما إذا كان ساكنا فهي داره، لان الدار حينئذ تعم المستأجرة فأولى المشتركة التي سكنها، والله سبحانه أعلم.(4/164)
كتاب الحدود لما فرغ من الايمان وكفارتها الدائرة بين العبادة والعقوبة ذكر بعدها العقوبات المحضة ولولا لزوم التفريق بين العبادات لكان ذكرها بعد الصوم أولى، لاشتماله على بيان كفارة الفطر المغلب فيها جهة العقوبة نهر وفتح.
وهي ستة أنواع: حد الزنا، وحد شرب الخمر خاصة، وحد السكر من غيرها والكمية متحدة فيهما، وحد القذف، وحد السرقة، وحد قطع الطريق ابن كمال.
قوله: (الحد لغة) في بعض النسخ: هو لغة فالضمير عائد على الحد المفهوم من الحدود.
قوله: (المنع) ومنه سمي البواب والسجان حدادا لمنع الاول من الدخول والثاني من الخروج، وسمي المعرف للماهية حدا لمنعه من الدخول والخروج.
وحدود الدار نهاياتها، لمنعها عن دخول ملك الغير فيها وخروج بعضها إليه، وتمامه في الفتح.
قوله: (عقوبة) أي جزاء بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل، سمي بها لانها تتلو الذنب، من تعقبه: إذا تبعه.
قهستاني.
قوله: (مقدرة) أي مبنية بالكتاب أو السنة أو الاجماع.
قهستاني.
أو المراد لها قدر خاص، ولذا قال في النهر: مقدرة بالموت في الرجم وفي غيره بالاسواط الآتية اه: أي وبالقطع الآتي.
قوله: (حقا لله تعالى) لانها شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس من صيانة الانساب والاموال والعقول والاعراض.
قوله: (زجرا) بيان لحكمها الاصلي،
وهو الانزجار عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد، وهو وجه تسميتها حدودا.
قال في الفتح: والتحقيق ما قال بعض المشايخ: إنها موانع قبل الفعل، زواجر بعده: أي العلم بشرعيتها يمنع الاقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع من العود إليه.
قوله: (فلا تجوز الشفاعة فيه تفريع على قوله تجب الخ).
قال في الفتح: فإنه طلب ترك الواجب، ولذا أنكر (ص) على أسامة بن زيد حين شفع في المخزومية التي سرقت فقال: أتشفع في حد من حدود الله.
قوله: (بعد الوصول للحاكم) وأما قبل الوصول إليه والثبوت عنده فتجوز الشفاعة عند الرافع له إلى الحاكم ليطلقه، لان وجوب الحد قبل ذلك لم يثبت، فالوجوب لا يثبت بمجرد الفعل، بل على الامام عند الثبوت عنده، كذا في الفتح.
وظاهره جواز الشفاعة بعد الوصول للحاكم قبل الثبوت عنده، وبه صرح ط عن الحموي.
قوله: (بل المظهر التوبة) فإذا حد ولم يتب يبقى عليه إثم المعصية.
وذهب كثير من العلماء إلى أنه مطهر، وأوضح دليلنا في النهر.
مطلب: التوبة تسقط الحد قبل سقوطه قوله: (وأجمعوا الخ) الظاهر أن المراد أنها لا تسقط الحد الثابت عند الحاكم بعد الرفع إليه، أما قبله فيسقط الحد بالتوبة، حتى في قطاع الطريق سواء كان قبل جنايتهم عل نفس أو عضو أو مال أو كان بعد شئ من ذلك، كما سيأتي في بابه، وبه صرح في البحر هنا خلافا لما في النهر، نعم(4/165)
يبقى عليهم حق العبد من القصاص إن قتلوا، والضمان إن أخذوا المال، وقول البحر: والقطع إن أخذوا المال سبق قلم، وصوابه: والضمان.
والحاصل أن بقاء حق العبد لا ينافي سقوط الحد، وكأنه في النهر توهم أن الباقي هو الحد وليس كذلك، فافهم، وفي البحر عن الظهيرية: رجل أتى بفاحشة ثم تاب وأناب إلى الله تعالى فإنه لا يعلم القاضي بفاحشته لاقامة الحد عليه، لان الستر مندوب إليه اه.
وفي شرح الاشباه للبيري غن الجوهر: رجل شرب الخمر وزنى ثم تاب ولم يحد في الدنيا هل يحد له في الآخرة؟ قال: الحدود حقوق الله تعالى، إلا أنه تعلق بها حق الناس وهو الانزجا، فإذا تاب توبة نصوحا أرجو أن
لا يحد في الآخرة، فإنه لا يكون أكثر من الكفر والردة، وإنه يزول بالاسلام والتوبة.
قوله: (فلا تعزير حد) تعزير اسم لا مبني معها على الفتح، وحد خبرها، وكذا قوله: ولا قصاص حد وقدر الشارح خبرا للاول، لان الخبر المذكور مفرد لا يصلح خبرا لهما، لكنه مصدر للجنس فيصلح لهما، والخطب في ذلك سهل.
ثم إن الاول مفرع على قوله: مقدرة، والثاني على قوله وجبت حقا لله تعالى.
وقوله: لعدم تقديره أي تقدير التعزير: أي كل أنواعه، لان المقدر بعضها وهو الضرب، على أن الضرب وإن كان أقله ثلاثة وأكثره تسعة وثلاثون، لكن ما بين الاقل والاكثر ليس بمقدر كما أفاده في البحر.
مطلب: أحكام الزنا قوله: (والزنا) بالقصر في لغة أهل الحجاز فيكتب بالياء، وبالمد فلغة أهل نجد فيكتب بالالف.
بدأ بالكلام عليه لانه لصيانة النسل فكان راجعا إلى الوجود وهو الاصل، ولكثرة وقوع سببه مع قطيعته، بخلاف السرقة فإنها لا تكثر كثرته، والشرب وإن كثر فليس حده بتلك القطعية.
نهر وفتح.
مطلب: الزنا شرعا لا يختص بما يوجب الحد بل أعم قوله: (الموجب للحد) قيد به لان الزنا في اللغة والشرع بمعنى واحد، وهو وطئ الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته، فإن الشرع لم يخص اسم الزنا بما يوجب الحد بل بما هو أعم، والموجب للحد بعض أنواعه.
ولو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا، فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به، وتمامه في الفتح.
وبه علم أن ما في الكنز وغيره م تعريف الزنا بما مر تعريف للشرعي الاعم، فلا يعترض عليه بترك القيود التي ذكرها المصنف هنا، لانه تعريف للاخص الموجب للحد، على أن القيود المذكورة خارجة عن الماهية لانها شروط لاجراء الحكم كما في النهر.
تأمل.
قوله: (قدر حشفة) أي حشفة أو قدرها ممن كان مقطوعها، لكن صرح بالخفي وسكت عن الظاهر لعلمه بالاولى اختصارا، أو أقحم لفظ قدر لافادة التعميم لا للاحتراز عن نفس الحشفة، فإيلاج بعضها غير موجب للحد لانه ليس وطئا، ولذا لم يوجب الغسل ولم
يفس الحج كما في الجوهرة، وأشار بسكوته عن الانزال إلى أنه غير شرط.
قوله: (مكلف) أي عاقل بالغ، ولم يقل مسلم لانه غير شرط في حق الجلد.
قوله: (مطلقا) سواء ثبت عليه بإقراره(4/166)
بالاشارة أو ببينة كما في البحر وغيره.
قوله: (لا بالبرهان) ذكر ابن الشحنة في شرح الوهبانية أنه رآه في نسخته الخانية، وذكر أن المصنف: يعني ابن وهبان خص ذلك بالاخرس.
أقول: الذي رأيته في نسختين من الخانية هكذا: ولو أقر الاخرس بالزنا أربع مرات في كتاب كتبه أو إشارة لا يحد، ولو شهد عليه الشهود بالزنا لا تقبل.
الاعمى إذا أقر بالزنا فهو بمنزلة البصير في حكم الاقرار اه، فقوله: ولو شهد عليه الشهود الخ، إنما ذكره في الاخرس لا في الاعمى، خلافا لما رآه ابن الشحنة في نسخته فإنه غلط، لقول الفتح والبحر: بخلاف الاعمى صح إقراره والشهادة عليه، ومثله في التتارخانية عن المضمرات، وبه جزم في شرح الوهبانية للشرنبلالي وشرح الكنز للمقدسي.
قوله: (في قبل) متعلق بوطئ.
قوله: (أو ماضيا) أدخل به العجوز الشوهاء فإنها وإن لم تكن مشتهاة في الحال لكنها كانت مشتهاة فيما مضى.
قوله: (خرج المكره) أي بقيد طائع والدبر بقيد قبل، وهذا بناء على قول الامام من أنه لا حد باللواطة، أما على قولهما من أنه يحد بفعل ذلك في الاجانب فيدخل في الزنا، وسيأتي في الباب الآتي.
قوله: (ونحو الصغيرة) هو الميتة والبهيمة ح.
وهذا خرج بقيد مشتهاة، والمراد الصغيرة ونحوها، فإقحام لفظ نحو لقصد التعميم كما مر آنفا ونظيره على أحد الاحتمالات قولهم: مثلك لا يبخل.
قوله: (خال عن ملكه) أي ملك يمينه وملك نكاحه، وهو صفة لقبل ط.
أو صفة لوطئ.
قوله: (وشبهته) أي شبهة ملك اليمين وملك النكاح.
فالاولى كوطئ جارية مكاتبة أو عبده المأذون المديون، أو جارية المغنم بعد الاحراز بدارنا في حق الغازي.
والثانية كتزوج امرأة بلا شهود أو أمة بلا إذن مولاها، أو تزوج العبد بلا إذن مولاه، حموي عن المفتاح ط.
قوله: (أي في المحل) ويقال لها شبهة حكمية كوطئ جارية ابنه ط.
قوله: (لا في الفعل) وتسمى شبهة اشتباه كوطئ معتدة الثلاث.
وحاصله أن شرط كون الوطئ زنا خلوه عن شبهة المحل لانها توجب نفي الحد وإن لم يظن
حله، بخلاف شبهة الفعل فإنها لا تنفيه مطلقا، بل إن ظن الحل، أما إن لم يظنه فلا، ولذا خصص الاولى بالارادة مع أنه لو أريد خلوه عما يعم شبهة الفعل بقيد ظن الحل فيها صح أيضا.
أفاده السيد أبو السعود.
قوله: (في دار الاسلام) مفعول زاد، وهذا القيد يومئ إليه قولهم وأين هو، وكذا قولهم في الباب الآتي: لا حد بالزنا في دار الحرب والبغي.
وعليه فكان الاولى أن يقول: في دار العدل، ليخرج دار البغي أيضا، وهذا إذا لم يزن داخل العسكر الذي فيه السلطان أو نائبه المأذون له بإقامة الحد، وإلا فإنه يحد كما سيأتي هناك.
قوله: (أو تمكينه) بالرفع عطف على وطئ وأو للتقسيم والتنويع، واسم الاشارة للوطئ ط.
قوله: (فقعدت على ذكره) أي واستدخلته بنفسها.
قوله: (أو تمكينها) لما كانت المرأة تحد حد الزنا وقد سماها الله تعالى زانية في قوله: * (الزانية والزاني) * (سورة النور: الآية 2) علم أنها تسمى زانية حقيقة، ولا يلزم من كونها لا تسمى واطئة أنها زانية مجازا، فلذا زاد في التعريف تمكينها حتى يدخل فعلها في المعرف وهو الزنا الموجب للحد، فلو لم يكن تمكينها زنا حقيقة لما احتيج إلى إدخاله في التعريف، وهو أيضا أمارة كونها زانية حقيقة وإن لم(4/167)
تكن واطئة، كما أن الرجل يسمى زانيا حقيقة بالتمكين وإن لم يوجد منه الوطئ حقيقة، وبه سقط ما في البحر من أن تسميتها زانية مجاز، فافهم.
قوله: (فتم التعريف) تعريض بصاحب الكنز وغيره حيث عرفوه بالتعريف الاعم، وتقدم جوابه.
تأمل.
قوله: (وزاد في المحيط الخ) حيث قال: إن من شرائطه العلم بالتحريم، حتى لو لم يعلم بالحرمة لم يجب الحد للشبهة.
وأصله ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا زنى باليمن فكتب في ذلك عمر رضي الله تعالى عنه: أن الله حرم الزنا فاجلدوه، وإن كان لا يعلم فعلموه، فإن عاد فاجلدوه، ولان الحكم في الشرعيات لا يثبت إلا بعد العلم، فإن كان الشيوع والاستفاضة في دار الاسلام أقيم مقام العلم، ولكن لا أقل من إيراث شبهة لعدم التبليغ اه.
وبه علم أن الكون في دار الاسلام لا يقوم مقام العلم في وجوب الحد كما هو قائم مقامه في الاحكام كلها.
ح عن البحر.
قوله: (ورده في فتح القدير) أي في الباب الآتي بأن الزنا حرام في جميع الاديان والملل، فالحربي إذا دخل دار الاسلام فأسلم فزنى وقال ظننت أنه
حلال يحد ولا يلتفت إليه، وإن كان فعله أول يوم دخوله فكيف يقال إذا ادعى مسلم أصلي أنه لا يعلم حرمة الزنا لا يحد لانتفاء شرط الحد اه.
وأقره في البحر والنهر والمنح والمقدسي والشرنبلالي.
ونازع فيه ط بما مر عن عمر وبأن الحرمة الثابتة في كل ملة لا تنافي أن بعض الناس يجهلها.
كيف والباب تقبل فيه الشبهات.
وأما مسألة الحربي فلعلها على قول من لا يشترط العلم اه.
قلت: وكذا نازع فيه المحقق ابن أمير حاج في آخر شرحه على التحرير في بحث الجهل حيث قال بعد نقله ما مر عن المحيط: غير أن ظاهر قول المبسوط عقب هذا الاثر: فقد جعل ظن الحل في ذلك الوقت شبهة لعدم اشتهار الاحكام، يشير إلى أن هذا الظن في هذا الزمان لا يكون شبهة معتبرة لاشتهار الاحكام فيه، ولكن هذا إنما يكون مفيدا للعلم بالنسبة إلى الناشئ في دار الاسلام، والمسلم المهاجر المقيم بها مدة يطلع فيها على ذلك، فأما المسلم المهاجر الواقع منه ذلك في فور دخوله فلا.
وقد قال المصنف: يعني الكمال في شرح الهداية: ونقل في اشتراط العلم بحرمة الزنا إجماع الفقهاء، وهو مفيد أن جهله يكون عذرا، وإذا لم يكن عذرا بعد الاسلام ولا قبله فمتى يتحقق كونه عذرا؟ وحينئذ فالفرع المذكور: أي فرع الحربي هو المشكل فليتأمل اه.
قلت: قد يجاب بأن العلم بالحرمة شرط فيمن ادعى الجهل بها وظهر عليه أمارة ذلك، بأن نشأ وحده في شاهق أو بين قوم جهال مثله لا يعلمون تحريمه أو يعتقدون إباحته، إذ لا ينكر وجود ذلك، فمن زنى وهو كذلك في فور دخوله دارنا لا شك في أنه لا يحد، إذ التكليف بالاحكام فرع العلم بها، وعلى هذا يحل ما في المحيط.
وما ذكر من نقل الاجماع بخلاف من نشأ في دار الاسلام بين المسلمين أو في دار أهل الحرب المعتقدين حرمته ثم دخل دارنا فإنه إذا زنى يحد ولا يقبل اعتذاره بالجهل.
وعليه يحمل فرع الحربي ويزول عنه الاشكال، وهو أيضا محمل كلام الكمال، وبه يحصل التوفيق، وهو أولى من شق العصا والتفريق، هذا ما ظهر لي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (ويثبت) أي الزنا عند القاضي، أما ثبوته في نفسه فبإيجاد الانسان له لانه فعل حسي.
نهر.(4/168)
قوله: (رجال) لانه لا مدخل لشهادة النساء في الحدود، وقيد بذلك من إدخال التاء في العدد كما هو الواقع في النصوص.
قول: (فلو جاؤوا متفرقين حدوا) أي حد القذف، ولو جاؤوا فرادى وقعدوا مقعد الشهود وقام إلى القاضي واحد بعد واحد قبلت شهادتهم، وإن كانوا خارج المسجد حدواجميعا.
بحر عن الظهيرية.
وعبر بالمسجد لانه محل جلوس القاضي: يعني أن اجتماعهم يعتبر في مجلس القاضي لا خارجه، فلو اجتمعوا خارجه ودخلوا عليه واحدا فهم متفرقون فيحدون.
قوله: (بلفظ الزنا) متعلق بشهادة، فلو شهد رجلان أنه زنى وآخران أنه أقر بالزنا لم يحد، ولا تحد الشهود أيضا إلا إذا شهد ثلاثة بالزنا والرابع بالاقرار به فتحد الثلاثة.
ظهيرية.
لان شهادة الواحد بالاقرار لا تعتبر فبقي كلام الثلاثة قذفا.
بحر.
قوله: (لا مجرد لفظ الوطئ والجماع) لان لفظ الزنا هو الدال على فعل الحرام دونهما، فلو شهدوا أنه وطئها وطئا محرما لا يثبت.
بحر: أي إلا إذا قال وطئا هو زنا.
والظاهر أنه يكفي صريحه من أي لسان كان كما صرح به في الشرنبلالية في حد القذف، فإنه يشترط فيه صريح الزنا كما هنا.
تأمل.
قوله: (وظاهر الدرر الخ) ونصها: أي بشهادة ملتبسة بلفظ الزنا لانه الدال على فعل الحرام أو ما يفيد معناه، وسيأتي بيانه اه.
ولا يخفى أنها محتملة أن يكون قوله: أو ما يفيد معناه عطفا على الضمير في قوله: لانه الدال يعني أن الدال على فعل الحرام لفظ الزنا أو ما يفيد معناه، وليس ذلك صريحا في أن ما يفيد معناه تصح الشهاداة به نعم ظاهر العبارة عطفه على لفظ الزنا، لكن قوله: وسيأتي بيانه أراد به كما قاله بعض المحشين ما ذكره في التعزير من أن حد القذف يجب بصريح الزنا أو بما هو في حكمه بأن يدل عليه اللفظ اقتضاء كقوله في غضب: لست لابيك أو بابن فلان أبيه اه.
وأنت خبير بأن هذا لا يتأتى هنا، فهذا يؤيد ما قلنا من العطف على الضمير، فافهم.
ثم إنه لو لم يبينه بما ذكر في التعزير أمكن حمله على أن المراد به ما كان صريحا فهي من لغة أخرى، فافهم.
قوله: (لانه يدفع اللغات عن نفسه) بيان للتهمة، وعليه لو كان قذف أحدهم الرجل لم تقبل شهادته لما ذكر في الزوج.
أفاده في البحر.
قوله: (ويسقط نصف المهر) أي يسقط الزوج بهذه الشهادة لتضمنها مجئ الفرقة من قبلها حيث كانت مطاوعة لولده، وأما بعد الدخول فلا يسقط شئ من المهر بمطاوعتها
له، بل تسقط النفقة لنشوزها.
قوله: (ظهيرية) ومثله في البحر عن المحيط بزيادة: وتحد الثلاثة ولا يحد الزوج.
قوله: (فيسألهم الامام الخ) أي وجوبا.
وقال قاضيخان: ينبغي أن يسألهم.
در منتقى.
والظاهر أن ينبغي بمعنى يجب، لان هذا البيان شرط لاقامة الحد.
قال في الفتح بعدما صرح بالوجوب: ولو سألهم فلم يزيدوا على قولهم إنهما زنيا لا يحد المشهود عليه ولا الشهود، وتمامه فيه.
قوله: (أي عن ذاته وهو الايلاج) تفسير للماهية المعبر عنها بما هو، وظاهر كلامهم أنه ليس المراد بالماهية الحقيقية الشرعية المارة كما في البحر، لكن ذكر في الفتح فائدة سؤاله عن الماهية أن الشاهد عساه يظن أن مماسة الفرجين حرام: زنا، أو أن كل وطئ محرم زنا يوجب الحد فيشهد بالزنا.(4/169)
قال في النهر: وهو ظاهر في أن المراد بماهيته حقيقته الشرعية، إلا أن هذا يستلزم الاستغناء عن الكيفية والمكان لتضمن التعريف ذلك، فهو من عطف الخاص على العام اه.
قلت: الاستغناء مدفوع، لان الماهية بيان حقيقة الزنا من حيث هو، وأما الكيفية والمكان وغيرهما فهي في هذا الزنا: الزنا الخاص المشهود به، فيسألهم عن ذلك ليعلم أن هذا الخاص تحققت فيه الماهية الشرعية احتياطا في درء الحد، فتدبر.
قوله: (لجواز كونه مكرها الخ) بيان لقوله: وكيف هو على طريق الترتيب والاولى أن يقول بإكراه لان الضمير عائد على الزنا، لانه المسؤول عنه لا على الزاني.
قوله: (أو في صباه) وكذا يحتمل أن يكون بعد بلوغه، لكن في زمان متقادم كما في الفتح وغيره، وسيأتي حد التقادم.
قوله: (أو بأمة ابنه) أي ونحوها ممن لا يحد بوطئها كأمته وزوجته.
قال في الفتح: وقياسه في الشهادة على زنا المرأة أن يسألهم عمن زنى بها من هو للاحتمال المذكور، وزيادة كونه صبيا أو مجنونا فإنه لا حد عليها فيه عند الامام.
قوله: (هو زيادة بيان) أي لانه يغني عنه بيان الماهية، مع أن ظاهر كلامهم أن الحكم موقوف على بيانه كما في البحر، وأشار إلى أن الضمير في بينوه عائد إلى المذكور من الاوجه المسؤول عنها، كما يؤخذ من عبارة القدوري، خلافا لما في بعض الشروح من أن قوله: وقالوا الخ بيان لقوله: وبينوه لانه بمجرد القول المذكور لا يتم البيان كما في النهر.
قوله: (وعدلوا سرا وعلنا) السر بأن يبعث
القاضي ورقة فيها أسماؤهم وأسماء محلتهم على وجه يتميز به كل واحد منهم لمن يعرفه، فيكتب تحت اسمه: هو عدل مقبول الشهادة.
والعلانية بأن يجمع القاضي بين المزكي والشاهد ويقول: هذا الذي زكيته: يعني سرا، ولم يكتف هنا بظاهر العدالة اتفاقا، بأن يقال: هو مسلم ليس بظاهر الفسق، احتيالا للدرء، بخلاف سائر الحقوق عند الامام.
قالوا: ويحبسه هنا حتى يسأل عن الشهود بطريق التعزير، بخلاف الديون فإنه لا يحبس فيها قبل ظهور العدالة، وتمامه في البحر.
واعترضه بأنه يلزم الجمع بين الحد والتعزير.
قلت: وفيه نظر لانه بهذه الشهادة صار متهما، والمتهم يعزر، والحد لم يثبت بعد، على أنه لا مانع من اجتماعهما بدليل ما يأتي من أنه لا يجمع بين جلد ونفي إلا سياسة وتعزيرا، فتدبر.
قوله: (إذا لم يعلم بحالهم) أما لو علم عدالتهم لا يلزمه السؤال، لان علمه أقوى من الحاصل له من المزكى، ولولا إهدار الشرع إقامة الحد بعلمه لكان يحده بعلمه كما في الفتح، قيل: والاكتفاء بعلم هنا مبني على أنه يقضي بعلمه، وهو خلاف المفتى به.
قال ط: وفيه أن القضاء هنا بالشهادة لا بعلمه بالعدالة، فتأمل.
قوله: (حكم به) أي بالحد، وهذا إذا لم يقر المشهود عليه كما يأتي.
قوله: (ما لم يكن متهتكا) من هتك زيد الستر هتكا من باب ضرب: خرقه، وهتك الله ستر الفاجر: فضحه.
مصباح.
قال في الفتح بعد سوقه الاحاديث الدالة على ندب الستر: وإذا كان الستر مندوبا إليه ينبغي أن تكون الشهادة به خلاف الاولى التي مرجعها إلى كراهة التنزيه، وهذا يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتده ولم يتهتك به، وإلا وجب كون الشهادة أولى، لان مطلوب الشارع إخلاء الارض من المعاصي والفواحش، بخلاف من زنى مرة أو مرارا متسترا متخوفا اه.(4/170)
بقي لو كان أحدهما متهتكا دون الآخر، وظاهر التعليل المذكور أن الشهادة ملخصا أولى، لان درء المفاسد مقدم.
تأمل.
قوله: (ويثبت أيضا بإقراره) عطف على قوله: ويثبت بشهادة أربعة وقدم الاول لانه المذكور في القرآن، ولان الثابت بها أقوى حتى لا يندفع الحد بالفرار ولا بالتقادم، ولانها حجة متعدية الاقرار قاصرة.
كذا في الفتح والبحر، لكن قوله: ولا بالتقادم، مخالف لما قدمناه،
ولما سيأتي في باب الشهادة على الزنا.
ثم رأيت الرملي نبه على ذلك في حاشية المنح فقال: المقرر أن التقادم يمنعها دون الفرار، وكما يمنع التقادم قبولها في الابتداء فكذا يمنع الاقامة بعد القضاء.
قوله: (صريحا) أخرج به إقرار الاخرس بكتابة أو إشارة فلا يحد للشبهة بعدم الصراحة بخلاف الاعمى فإنه يصح إقراره والشهادة عليه.
بحر.
وقد مر.
قوله: (صاحيا) احتراز عن السكر كما يأتي.
قوله: (ولم يكذبه الآخر) فلو أقر بالزنا بفلانة فكذبته درئ الحد عنه سواء قالت تزوجني أو لا أعرفه أصلا، وعليه المهر إن ادعته المرأة، وإن أقرت الزنا بفلان فكذبها فلا حد عليها أيضا عنده، خلافا لهما في المسألتين.
بحر.
قوله: (أو رتقها) بأن تخبر النساء بأنها رتقاء قبل الحد، لان إخبارهن بالرتق يوجب شبهة في شهادة الشهود.
بحر.
قوله: (لجواز إبداء ما يسقط الحد) أي من الخرساء أو الاخرس على تقدير عدم الخرس واستشكل ما لو أقر أنه زنى بغائبة فإنه يحد قبل حضورها مع احتمال أن الخرس تذكر مسقطا عنه وعنها إذا حضرت فيحتاج إلى الفرق.
قلت: يؤخذ جوابه مما في الجوهرة من أن القياس عدم الحد في الثانية لجواز أن تحضر فتجحد فتدعي حد القذف أو تدعي نكاحها فتطلب المهر، وفي حده إبطال حقها، والاستحسان أن يحد لحديث ماعز، فإنه حد مع غيبة المرأة اه.
والحاصل أن القياس عدم الفرق بين المسألتين، ولكنه حد في الثانية على خلاف القياس للحديث، وهذا أولى مما أجاب به بعضهم من أن الزيلعي علل الثانية بأن حضور الغائبة ودعواها النكاح شبهة، واحتمال ذلك يكون شبهة الشبهة، والمعتبر هو الشبهة دون شبهة الشبهة، لما أورد عليه من أنه في المسألة الاولى كذلك.
قلت: وقد يفرق بينهما بأن نفس الخرس شبهة محققة مانعة، بخلاف الغيبة، ولذا لو أقر بالزنا بمن لا يعرفها فإنه يحد.
قال في الفتح: لانه أقر بالزنا ولم يذكر مسقطا، لان الانسان لا يجهل زوجته وأمته اه.
فعلم أن الغائبة إنما حد فيها لانه لم يبد مسقطا، بخلاف الخرساء فإن الخرس نفسه
مسقط للعلة المذكورة.
قوله: (في حال سكره) متعلق بأقر.
قوله: (ولو سرق أو زنى) أي في حال سكره وثبت ذلك بالبينة.
قوله: (لان الانشاء) أي إنشاء الزنا أو السرقة المعاين للشهود في حا سكره لا يحتمل التكذيب فيحد، بخلاف إقراره بذلك في حال سكره.
قوله: (أربعا في مجالسه) ولو(4/171)
كل شهر مرة، أما لو أقر أربعا في مجلس واحد كان بمنزلة إقرار واحد كما في النهر.
قوله: (أي المقر) وقيل مجالس القاضي، والاول أصح.
وفسر محمد تفرق المجلس بأن يذهب المقر عنه بحيث يتوارى عن بصر القاضي.
وظاهر قوله في الهداية: لا بد من اختلاف المجالس، وهو أن يرده القاضي كلما أقر فيذهب حتى لا يراه أن اختلاف المجالس لا يكون إلا برده.
نهر.
قوله: (كلما أقر رده) فيتسامح كما قال صدر الشريعة، لانه في الرابعة لا يرده، ومن ثم قال في الاصلاح: إلا الرابعة.
نهر.
قوله: (سأله كما مر) أي سؤالا مماثلا لما مر، وهذا السؤال بعد الرابعة كما في الكافي، وذكر أنه يسأل عن عقله وعن إحصانه.
قوله: (حتى عن المزني بها الخ) سقط لفظ حتى من بعض النسخ، ولا بد منه لان مراده إفادة أنه لابد من السؤال عن الخمسة المارة، وصرح بالمزني بها ردا على ابن الكمال حيث قال: لك أن تقول إنه لا حاجة إليه، لكن كان عليه التصريح بالزمان أيضا، لانه قيل لا يلزم لان التقادم يمنع الشهادة دون الاقرار، ورد بأن فائدته احتمال أنه زنى في حال صباه.
قوله: (فلا يثبت الخ) تفريع على ما فهم من حصر ثبوته بأحد شيئين: الشهادة بالزنا أو الاقرار به، وقوله: ولا بالبينة على الاقرار بيان لفائدة تقييد الشهادة بأن تكون على الزنا.
ووجهه كما في الزيلعي أنه إن كان منكرا فقد رجع، وإن كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الاقرار.
قوله: (ولو قضى بالبينة) أي البينة على الزنا لا على الاقرار.
قوله: (فأقر مرة) أو مرتين.
نهر.
والظاهر أن الثلاث كذلك، وقيد بما بعد القضاء، لانه لو أقر قبله يسقط الحد بالاتفاق كما صرح به في الفتح، وظاهره ولو أقر مرة واحدة.
قوله: (لم يحد) أي خلافا لمحمد، لان شرط الشهادة عدم الاقرار ففات الشرط قبل العمل بها، لان الامضاء من القضاء في الحدود كما يأتي فصار كالاول، وهو ما لو أقر قبل القضاء كما في الفتح، ثم إذا لم يكمل نصاب الاقرار الموجب للحد فلا يحد.
قوله: (بطلت الشهادة) أي وصار الحكم للاقرار فيعامل بموجبه لا بموجب الشهادة.
قوله: (بخلاف الشهادة) أي بخلاف ما لو ثبت زناه بالشهادة فهرب في حال الرجم فإنه يتبع بالحجارة حتى يؤتى عليه.
بحر عن الحاوي.
وسيأتي أنه لو هرب بعد ما ضرب بعد الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لا يقام.
قوله: (وإنكار الاقرار رجوع) أي إذا قال بعد ما أقر أربعا وأمر القاضي برجمه: والله ما أقررت بشئ فإنه يدرأ عنه الحد.
خانية.
وهذا مكرر مع قوله: ويخلى سبيله إن رجع إلخ إلا أن يفسر ذاك بقوله: رجعت عما أقررت به.
تأمل.
قوله: (كما سيجئ) أي في بابها.
قوله: (وكذا يصح الرجوع الخ) أي فلا يحد، وهذا إذا لم تقم البينة على إحصانه، وإلا فيحد كما يأتي متنا قبيل حد الشرب.
قوله: (لعدم المكذب) أي لانه خبر محتمل للصدق كالاقرار ولا مكذب له فيه فتحقق(4/172)
الشبهة في الاقرار، بخلاف ما فيه حق العبد وهو القصاص وحد القذف لوجود من يكذبه.
بحر.
قوله: (كحد شرب وسرقة) فإنه يسقط بالرجوع عن الاقرار بهما كما سيأتي في بابيهما.
قوله: (وإن ضمن المال) لانه حق العبد، فلا يسقط بعد إقراره بسرقته.
قوله: (لحديث ماعز) هو ابن مالك الاسلمي المروي في البخاري، فإنه فيه تلقينه بما ذكر.
قال في الاصل: ينبغي أن يقول له لعلك تزوجتها أو وطئتها بشبهة، والمقصود أن يلقنه ما يكون ذكره دارئا ليذكره أيا ما كان.
بحر وفتح.
قوله: (بلا بينة) متعلق بادعى.
قال في البحر: ولا يكلف إقامة البينة كما لو ادعى السارق العين أنها ملكه سقط القطع بمجرد دعواه، ولهذه المسألة أخوات سنذكرها في الباب الآتي.
قوله: (لا يسقط في الاصح) أي إذا ثبت زناه بالبينة، وكذا لو بالاقرار إذا لم يتقادم، وستأتي هذه المسألة آخر الباب الآتي.
قوله: (ويرجم محصن) بفتح الصاد، من أحصن: إذا تزوج، وهي مما جاء اسم فاعله على لفظ اسم المفعول، ومنه أسهب فهو مسهب: إذا أطال في الكلام، وألفج بالفاء والجيم فهو ملفج: إذا افتقر.
فتح مخلصا.
قوله: (في فضاء) هو المكان الواسع لانه أمكن في رجمه ولئلا يصيب بعضهم بعضا.
نهر.
قوله: (حتى يموت) أشار إلى أنه لا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله لانه واجب القتل، إلا أن يكون ذا رحم منه، فإن الاولى أن لا يتعمده لانه نوع من قطيعة الرحم.
قهستاني، ويأتي تمامه.
قوله: (فهدر) أي لا قصاص فيه لو عمدا، ولا دية لو خطأ.
قوله: (وينبغي الخ) صرح به في الفتح في باب الشهادة على الزنا.
قوله: (لا فتياته) افتعال من فات يفوت فوتا وفواتا.
قال في المصباح: وفاته فلان بذراع سبقه بها، ومنه قيل افتات فلان افتياتا إذا سبق بفعل شئ واستبد برأيه ولم يؤامر فيه من هو أحق منه بالامر فيه.
قوله: (والشرط بداءة الشهود به) أي بالرجم، لانهم قد يتجاسرون على الاداء ثم يستعظمون المباشرة فيرجعون وفيه احتيال للدرر كما في المحيط.
قهستاني.
قوله: (أو قطعوا بعد الشهادة) وكذا لو مرضوا بعدها قيد به، لانهم لو قطعوا قبلها رمى القاضي بحضرتهم، لانهم إذا كانوا مقطوعي الايدي لم تستحق البداءة بهم وإن قطعت بعدها فقد استحقت، وهذا يفيد أن كوالبداءة بهم شرطا إنما هو عند قدرتهم على الرجم.
بحر وفتح.
والمراد القطع بلا جناية مفسقة وإلا خرجوا عن الاهلية.
قوله: (ولا يحدون في(4/173)
الاصح) لان امتناعهم ليس صريحا في رجوعهم وإن كان ظاهرا فيه لامتناع بعض الناس من ذبح الحيوان الحلال، وتمامه في الفتح.
ولا يخفى أن هذا راجع لقوله: فإن أبوا أما في الموت والغيبة فلا شبهة في أنهم لا يحدون، وإنما سقط الرجم لاحتمال رجوعهم لو حضروا.
قوله: (أو قذف) أي إذا حد به كما قيده في الفتح.
قوله: (لان الامضاء من القضاء) أي إمضاء الحد وإيقاعه بالفعل من القضاء، فإذا لم يمضه ثم حصل مانع من العمل أو الشهادة بعد ثبوتها فكأنه لم يحصل القضاء بها أصلا.
ط.
قوله: (كما في الحاكم) أي الحاكم الشهيد: أي كتابه الكافي.
والظاهر أن الميم في كما زائدة، والاصل كافي الحاكم وهو كذلك في بعض النسخ.
قال في الفتح: وفي غير المحصن.
قال الحاكم في الكافي: يقام عليه الحد في الموت والغيبة اه: أي موت الشهود وغيبتهم، وبه سقط ما قيل إن المراد كما في الحاكم: أي كما يحد لو مات الحاكم أو غاب، وكيف يصح ذلك مع أن الامضاء من القضاء كما سمعت، ولذا قال في الكافي: وإذا حكم الحاكم بالرجم ثم عزل قبل أن يرجمه وولى غيره لم يحكم بذلك اه.
فافهم.
قوله: (ثم الامام) استظهارا في حقه، فربما يرى في الشهود ما يوجب درء الحد اه.
جوهرة.
قوله: (قاله ابن الكمال) لم
ينقله ابن الكمال عن أحد، وهو محتاج إلى النقل، فإنه خلاف ظاهر المتون.
قوله: (وما نقله المصنف عن الكمال رده في النهر) يأتي بيان ذلك قريبا.
قوله: (أفاد في النهر الخ) حيث قال: وفي الدراية: يستحب للامام أن يأمر طائفة من المسلمين أن يحضروا لاقامة الحدود.
واختلفوا في عددها، فعن ابن عباس واحد.
وقال عطاء اثنان.
والزهري ثلاثة.
والحسن البصري عشرة اه.
وهذا صريح في أن حصورهم ليس شرطا فرميهم كذلك، فلو امتنعوا لم يسقط اه.
قلت: وفيه نظر، فإن هذا ذكروه تفسيرا للطائفة في قوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * (سورة النور: الآية 2) والواقع في الآية الجلد لا الرجم، ولو سلم فالمراد أنه إذا كان عند الامام من يرجمه ينبغي له أن يأمر غيرهم بأن يحضروا، لما قالوا من أن مبنى الحد على التشهير، فالمراد بالناس من يباشر الرجم وحضورهم لا بد منه وإلا لزم فوات الرجم أصلا فيأثم الجميع.
قوله: (ويبدأ الامام لو مقرا) أي يبدأ الامام بالرجم لو كان الزاني مقرا وثبت بإقراره، لقول علي رضي الله تعالى عنه: أيها الناس إن الزنا زناءان: زنا السر وزنا العلانية.
فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمي ثم الامام ثم الناس.
وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الامام أول من يرمي، وتمامه في الفتح.
قوله: (مقتضاه الخ) قال في الفتح: واعلم أن مقتضى هذا أنه لو امتنع الامام لا يحل للقوم رجمه ولو أمرهم لعلمهم بفوات شرط الرجم، وهو منتف برجم ماعز للقطع بأنه عليه الصلاة والسلام لم يحضره.(4/174)
ويمكن الجواب بأن حقيقة ما دل عليه قول علي هو أنه يجب على الامام أمر الشهود بالابتداء احتيالا لثبوت دلالة الرجوع وعدمه، وأن يبتدئ هو في صورة الاقرار لينكشف للناس عدم تساهله في بعض شروط القضاء والحد، فإذا امتنع ظهرت أمارة الرجوع وامتنع الحد لظهور الشبهة، وهذا منتف في حقه عليه الصلا والسلام، فلم يكن عدم رجمه دليلا على سقوط الحد، ومقتضى ما ذكر أنه لو بدأ الشهود فيما إذا ثبت بالشهادة يجب أن يثني الامام، فلو لم يثن سقط الحد لاتحاد المأخذ فيهما اه.
ملخصا.
وقوله ومقتضى ما ذكر الخ، هو الذي نقله المصنف عن الكمال.
ورده في النهر بأنه إنما يتم لو سلم وجوب حضور الامام كالشهود وهو غير لازم كما في إيضاح الاصلاح لابن كمال.
قلت: ما ذكره ابن كمال لم يعزه لاحد كما مر، وما ذكره المحقق صاحب الفتح هو ظاهر المتون والدليل، فلا يعدل عنه إلا بنقل صريح معتبر.
ثم رأيت في الذخيرة ما نصه: تجب البداءة من الشهود ثم من الامام ثم من الناس، فافهم.
قوله: (لكن سيجئ الخ) أي في كتاب القضاء.
وهذا الاستدراك في غير محله، لانه ليس في ذلك أن القاضي امتنع من البداءة بالرجم، بل المراد أن الحاكم إذا ثبت عنده الحد بالحجة: أي بالبينة أو الاقرار وأمر الناس بالرجم لهم أن يرجموا بالشرط المتقدم وإن لم يحضروا مجلس الحكم ولم يعاينوا الحجة.
وقيل لا، لفساد الزمان.
قال في غرر الاذكار: والاحسن التفصيل بأن القاضي إذا كان عالما عادلا وجب ائتماره بلا تفحص، وإن كان عادلا لا جاهلا سئل عن كيفية قضائه، فإذا أخبر بما يوافق الشرع يؤتمر قوله، وإن كان ظالما لا يقبقوله عالما كان أو جاهلا اه.
قوله: (ويكره للمحرم الرجم) كذا في البحر عن المحيط.
وفيه عن الزيلعي وغيره أنه لا يقصد مقتله، فإن بغيره كفاية، وظاهره أنه إذا لم يقصد مقتلا لا يكره كما يفيد ما قدمناه عن القهستاني أيضا، ثم إن محل الكراهة إذا لم يكن المحرم شاهدا.
ففي الجوهرة: لو شهد أربعة على أبيهم بالزنا وجب عليهم أنم يبتدئوا بالرجم، وكذا الاخوة وذو الرحم.
ويستحب أن لا يتعمدوا مقتلا، وأما ابن العم فلا بأس أن يتعمد مقتله لان رحمه لم يكمل فأشبه الاجنبي.
وقوله يستحب الخ يفيد أن الكراهة تنزيهية تأمل.
قوله: (وإن فعل لا يحرم الميراث) نص عليه في كافي الحاكم.
قال في الجوهرة ولو شهد على أبيه بالزنا أو بالقصاص لم يحرم الميراث.
قوله: (وصح أنه عليه الصلاة والسلام صلى على الغامدية) أخرجه الستة إلا البخاري.
وأما أنه صلى على ماعز ففيه تعارض، وتمامه في الفتح.
قوله: (بدلالة النص) هو قوله تعالى: * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * (سورة النساء: الآية 52) نزلت في الاماء.
وإذا ثبت فيهن للرق ثبت في الذكور الارقاء دلالة، إذ لا يشترط فيها أولوية المسكوت عنه بالحكم بل تكفي المساواة.
نهر.
قوله: (وذكر الزيلعي الخ) فيكون دخول الذكور ثابتا بعبارة النص لا بدلالته.
قوله:
(لكنه عكس القاعدة) وهي تغليب الذكور على الاناث.
ووجه العكس هنا كما أفاده في الفتح هو(4/175)
كون الداعية فيهن أقوى، ولذا قدمت الزانية على الزاني في الآية.
قوله: (لقولهم ركنه) أي ركن الحد، وفيه تأمل.
بل الظاهر أن الركون هو الضرب أو الرجم.
تنبيه: في كافي الحاكم: يقام الحد على العبد إذا أقر بالزنا أو بغيره مما يوجبه وإن كان مولا غائبا وكذا في القطع والقصاص، وإن قال بعد عتقه زنيت وأنا عبد لزمه حد العبيد اه.
قوله: (في الصحاح الخ) تفسير لما وقع في عبارة المتون كالقدوري والكنز وغيرهما بسوط لا ثمرة له، إشارة إلى أن ما ذكره المصنف هو المراد بالثمرة لانه المشهور في الكتب كما قاله في معراج الدراية.
ورجح في المغرب أن المراد بها ذنبه.
وذكر في الفتح من رواية أنس أنه كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين حتى يلين ثم يضرب به فالمراد أن لا يضرب وفي طرفه يبس لانه يجرح أو يبر، فكيف إذا كان فيه عقدة.
والحاصل أنه يجتنب كل من الثمرة بمعنى العقدة، وبمعنى الفرع الذي يصير به ذنبين تعميما للمشترك في النفي، ولو تجوز بالثمرة فيما يشاكل العقد ليعم المجاز ما هو يابس الطرف على ما ذكرنا لكان أولى، فإنه لا يضرب بمثله حتى يدق رأسه فيصير متوسطا اه.
ملخصا.
قوله: (بين الجارح وغير المؤلم) بأن يكون مؤلما غير جارح، ولو كان المجلود ضعيف الخلقة فخيف هلاكه يجلد جلدا ضعيفا يحتمله.
فتح.
قوله: (وفرق جلده الخ) لان جمعه على عضو واحد قد يفسده، وضرب ما استثنى قد يؤدي إلى الهلاك حقيقة أو معنى بإفساد بعض الحواس الظاهرة أو الباطنة.
قوله: (قيل وصدره الخ) قائله بعض المشايخ، وهو رواية عن أبي يوسف، وفيه نظر، بل الصدر من المحامل والضرب بالسوط المتوسط عددا يسيرا لا يقتل في البطن، فكيف بالصدر؟ نعم إذا فعل بالعصا كما يفعل في زماننا ببيوت الظلمة ينبغي أن لا يضرب البطن.
فتح.
قوله: (خمسين متوالية) قيد بالتوالي ليحصل بها الالم، ولذا: قال في الجوهرة أيضا: ولا يجوز أن يفرقه في كل يوم سوطا أو سوطين لانه لا يحصل به الايلام.
قوله: (وقال علي رضي الله تعالى عنه) لفظه كما في الفتح عن
مصنف عبد الرزاق يضرب الرجل قائما، والمرأة قاعدة في الحدود اه.
فقوله: والتعازير الخ ليس منه.
قوله: (غير ممدود على الارض) لان مبنى الحد على التشهير زجرا للعامة والقيام أبلغ فيه، والمرأة مبني أمرها على الستر، وإن امتنع الرجل ولم يقف لا بأس بربطه بأسطوانة أو يمسك.
فتح.
قوله: (وكذا لا يمد السوط) أفاد أن قوله: غير ممدود يحتمل أن يعود إلى السوط أيضا: أي ضربا غير ممدود، ومد السوط فيه تفسيران: قيل بأن يرفعه الضارب فوق رأسه، وقيل أن يمده على جسد المضروب بعد وقوعه عليه وفيه زيادة ألم.
قال في الفتح: وكل ذلك لا يفعل.
فلفظ ممدود معمم في جميع معانيه لانه في النفي فجاز تعميمه اه: أي في مد الرجل على الارض ومد السوط بمعنييه،(4/176)
وهذا بناء على مختار صاحب الهداية وشمس الائمة في جواز تعميم المشترك في النفي، وكذا الجمع بين الحقيقة والمجاز في النفي، وهو خلاف المشهور في كتب الاصوكما بيناه في حواشينا على شرح المنار.
قوله: (ولا يجوز الحفر له) لعله أخذ من قول الهداية وغيرها: إن الربط والامساك غير مشروع، وأما الحفر للمرأة فلكونه أستر لها.
قلت: وينبغي تقييده بما لو ثبت الحد بالاقرار ليكون متمكنا من الرجوع بالهرب، بخلاف ما لو ثبت بالبينة.
تأمل.
قوله: (ولا يربط الخ) إلا إذا امتنع كما مر.
قوله: (ولا جمع بين جلد ورجم) للقطع بأنه لم يجمع بينهما (ص)، ولان الجلد يعرى عن المقصود مع الرجم.
فتح.
قوله: (أي تغريب في البكر) أي في غير المحصن، وقوله عليه الصلاة والسلام: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام منسوخ كشطره الآخر، وقوله عليه الصلاة والسلام: والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة بحر.
وتمام تحقيقه في الفتح.
قوله: (وفسره) أي فسر النفي المروي في حديث آخر كرواية البخاري من قول أبي هريرة: إن رسول الله (ص) قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد.
قوله: (وهو أحسن الخ) فيه أنه مخالف لروايات التغريب، وقولهم: إن في النفي فتح باب الفتنة لانفرادها عن العشيرة وعمن تستحي منه، ولقول علي: حسبهما من الفتنة أن ينفيا.
وروى عبد الرزاق قال: غرب عمر رضي الله عنه ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر فلحق بهرقل
فتنصر، فقال عمر: لا أغرب بعد مسلما، كما في الفتح، ولعل المراد أن فعل الحبس أحسن من فعل التغريب فليس المراد تفسير الوارد بذلك بقرينة التعليل، فتأمل.
قوله: (لانه يعود على موضوعه بالنقض) أي لان المقصود من إقامة الحد المنع عن الفساد وفي التغريب فتح باب الفساد كما علمت، ففيه نقض وإبطال للمقصود منه شرعا، فكأنه شبه المقصود الاصلي بالموضوع وهو محل العرض المختص به أو بموضوع العلم، وهو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية كبدن الانسان لعلم الطب.
تأمل.
مطلب: في الكلام على السياسة قوله: (إلا سياسة وتعزيرا) أي أنه ليس من الحد، ويؤيده ما قدمناه من حديث البخاري من عطف وإقامة حد على نفي عام كما أوضحه في الفتح.
وفيه أيضا: لو غلب على ظن الاما مصلحة في التغريب تعزيرا فله أن يفعله، وهو محمل الواقع للنبي (ص)، وأصحابه كما غرب عمر نصر بن الحجاج لافتتان النساء بجماله، والجمال لا يوجب نفيا، وعلى هذا كثير من مشايخ السلوك المحققين رضي الله عنا بهم وحشرنا معهم يغربون المريد إذا بدا منه قوة نفس ولجاج لتنكسر نفسه وتلين، مثل هذا المريد أو من هو قريب منه هو الذي ينبغي أن يقع عليه رأي القاضي في التغريب، أما من لم يستح وله حال تشهد عليه بغلبة النفس فنفيه يوسع طرق الفساد ويسهلها عليه اه.(4/177)
تنبيه: أشار كلام الفتح إلى أن السياسة لا تختص بالزنا، وهو ما عزاه الشارح إلى النهر.
وفي القهستاني: السياسة لا تختص بالزنا بل تجوز في كل جناية، والرأي فيها إلى الامام على ما في الكافي، كقتل مبتدع يتوهم منه انتشار بدعته وإن لم يحكم بكفره كما في التمهيد، وهي مصدر ساس الوالي الرعية: أمرهم ونهاهم كما في القاموس وغيره، فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة، فهي من الانبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم، ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير، ومن العلماء ورثة الانبياء على الخاصة في باطنهم لا غير كما في المفردات وغيرها اه.
ومثله في الدر المنتقى.
قلت: وهذا تعريف للسياسة العامة الصادقة على جميع ما شرعه الله تعالى لعباده من الاحكام الشرعية، وتستعمل أخص من ذلك مما فيه زجر وتأديب ولو بالقتل، كما قالوا في اللوطي والسارق والخناق: إذا تكرر منهم ذلك حل قتلهم سياسة، وكما مر في المبتدع، ولذا عرفها بعضهم بأنها تغليظ جناية لها حكم شرعي حسما لمادة الفساد، وقوله لها حكم شرعي معناه: أنها داخلة تحت قواعد الشرع وإن لم ينص عليها بخصوصها، فإن مدار الشريعة بعد قواعد الايمان على حسم مواد الفساد لبقاء العالم، ولذا قال في البحر: وظاهر كلامهم أن السياسة هي فعل شئ من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي اه.
وفي حاشية مسكين عن الحموي: السياسة شرع مغلظ، وهي نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها.
وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، وتوصل إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع، فمن أراد تفصيلها فعليه بمراجعة كتاب معين الحكام للقاضي علاء الدين الاسود الطرابلسي الحنفي اه.
قلت: والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير كما وقع في الهداية والزيلعي وغيرهما، بل اقتصر في الجوهرة على تسميته تعزيرا، وسيأتي أن التعزير تأديب دون الحد، من العزر بمعنى الرد والردع، وأنه يكون بالضرب وغيره، ولا يلزم أن يكون بمقابلة معصية، ولذا يضرب ابن عشر سنين على الصلاة، وكذلك السياسة كما مر في نفي عمر لنصر بن الحجاج، فإنه ورد أنه قال لعمر: ما ذنبي يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا ذنب لك، وإنما الذنب لي حيث لا أطهر دار الهجرة منك، فقد نفاه لافتتان النساء به وإن لم يكن بصنعه، فهو فعل لمصلحة وهي قطع الافتتان بسببه في دار الهجرة التي هي من أشرف البقاع، ففيه رد وردع عن منكر واجب الازالة.
وقالوا: إن التعزير موكول إلى رأي الامام، فقد ظهر لك بهذا أن باب التعزير هو المتكفل لاحكام السياسة وسيأتي بيانه، وبه علم أن فعل السياسة يكون من القاضي أيضا، والتعبير بالامام ليس للاحتراز عن القاضي بل لكونه هو الاصل، والقاضي نائب عنه في تنفيذ الاحكام كما
مر في قوله: فيسألهم الامام، وبدأ الامام برجمه ونحو ذلك.
وفي الدر المنتقى عن قوله: (معين الحكام): للقضاة تعاطي كثير من هذه الامور، حتى إدامة الحبس والاغلاظ على أهل الشر بالقمع لهم، والتحليف بالطلاق وغيره، وتحليف الشهود إذا ارتاب منهم.
ذكره في التاترخانية.
وتحليف المتهم لاعتبار حاله، أو المتهم بسرقة يضربه ويحبسه الوالي والقاضي اه.
وسيأتي في باب التعزير أن(4/178)
للقاضي تعزير المتهم، وصرح الزيلعي قبيل الجهاد أن من السياسة عقوبته إذا غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده، فقد أجازوا قتل النفس بغلبة الظن، كما إذا دخل عليه رجل شاهرا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله، وسيأتي تمام ذلك في كتاب السرقة.
قوله: (إلا أن يقع اليأس من برئه فيقام عليه) أي بأن يضرب ضربا خفيفا يحتمله.
وفي الفت: ولو كان المرض لا يرجى زواله كالسل، أو كان ضعيف الخلقة فعندنا وعند الشافعي يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ دفعة، وتقدم في الايمان أنه لا بد من وصول الكل إلى بدنه، ولذا قيل لا بد أن تكون مبسوطة اه.
والعثكال والعثكول: عنقود النخل.
قوله: (لا قبله أصلا) أي سواء كان حدها الجلد والرجم، كي لا يؤدي إلى هلاك الولد لانه نفس محترمة لا جريمة منه.
فتح.
قوله: (إلا إذا لم يكن الخ) هذه رواية عن الامام اقتصر عليها صاحب المختار.
قال في البحر: وظاهره أنها هي المذهب.
وفي النهر: ولعمري إنها من الحسن بمكان اه.
وفي حديث الغامدية أنه صلى الله عليه وسلم رجمها بعد ما فطمته وفي حديث آخر قال: لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه، فقال له رجل من الانصار: إلي رضاعه، فرجمها قال في الفتح: وهذا يقتضي أن الرجم عند الوضع، بخلاف الاول، والطريقان في مسلم، وهذا أصح طريقا الخ.
قوله: (فحتى يستغني) عبارة الفتح حتى تفطمه.
قوله: (حبسها سنتين) أي إذا ثبت زناها بالبينة كما مر.
ط.
مطلب: شرائط الاحصان قوله: (وشرائط إحصان الرجم) الاضافة بيانية: أي الشرائط التي هي الاحصان، فالاحصان هو الامور المذكورة فهي أجزاؤه، وقيد بالرجم لان إحصان القذف غير هذا كما سيأتي.
فتح
ملخصا.
قوله: (عقل وبلوغ) بدل من قوله: والتكليف وبيان له.
واعتر ض بأن التكليف شرط لكون الفعل زنا، لان فعل الصبي والمجنون ليس بزنا أصلا.
وأجاب في البحر بأنه إنما جعله شرط الاحصان لاجل قوله كونهما بصفة الاحصان اه.
يعني أنه شرط باعتبار أن الزاني لو كان رجلا مثلا فلا يرجم إلا إذا كان قد وطئ زوجة له مكلفة، فكونها مكلفة شرط في كونه محصنا لا في كون فعله الذي فعله مع الاجنبية زنا، ولذا لم يجلد به إذا لم تكن زوجته مكلفة ولا يرجم لعدم إحصانه.
قوله: (والاسلام) لحديث: من أشرك بالله فليس بمحصن ورجمه (ص) اليهوديين إنما كان بحكم التوراة قبل نزول آية الرجم ثم نسخ.
بحر.
وتحقيقه في الفتح، وخالف في هذا الشرط أبو يوسف والشافعي.
قوله: (والوطئ) أي الايلاج وإن لم ينزل كما في الفتح وغيره.
قوله: (وكونه بنكاح صحيح) خرج الفاسد كالنكاح بغير شهود فلا يكون به محصنا ط.
وينبغي أن يزيد اتفاقا لما سيذكره المصنف قبيل حد الشرب أنه لو كان بلا ولي لا يكون محصنا عند(4/179)
الثاني.
تأمل.
قوله: (حال الدخول) متعلق بقوله صحيح.
قال في الفتح: يعني تكون الصحة قائمة حال الدخول، حتى لو تزوج من علق طلاقها بتزوجها يكون النكاح صحيحا، فلو دخل بها عقيبه لا يصير محصنا لوقوع الطلاق قبله اه.
وتبعه في النهر.
قلت: ومقتضاه أن الوطئ حصل في نكاح لكنه غير صحيح مع أنه لم يحصل في النكاح أصلا، فالاولى أن يكون احترازا عما لو وطئ في نكاح موقوف على الاجازة ثم أجازت المرأة العقد أو ولي الصغيرة فلا يكون بهذا الوطئ محصنا وإن كان العقد صحيحا لانه وطئ في عقد لم يصح إلا بعده لا في حالة الوطئ.
تأمل.
قوله: (وكونهما) أي الزوجين المفهومين من قوله: والوطئ بنكاح صحيح وفي هذا الحل إصلاح لعبارة المتن.
فإنها لا تفيد اشتراط إحصان كل منهما لاحصان الآخر، وفيه خلاف الشافعي.
قلت: وقد يكون أحدهما محصنا دون الآخر، كما لو خلا بها وأقر بأنه وطئها أو بأنها كانت مسلمة وأنكرت، فإذا زنى يرجم لانه محصن بإقراره كما سيأتي قبيل حد الشرب.
قوله: (فلو نكح
أمة الخ) تفريع على الشرط الاخير: أي لو نكح الحر أمة أو العبد حرة ووطئها لم يكن واحد منهما محصنا إلا أن يطأها بعد العتق في الصورتين، فحينئذ يحصل لكل منهما الاحصان بهذا الوطئ لاتصاف كل منهما بصفة الاحصان وقته، حتى لو زنى أحدهما بعد هذا الوطئ يرجم، بخلاف الوطئ الحاصل قبل العتق.
وكذا لو دخل الحر المكلف المسلم بمنكوحته الكافرة أو المجنونة أو الصغيرة لم يكن أحدهما محصنا إلا أن يطأها ثانيا بعد إسلامها أو إفاقتها أو بلوغها.
وكذا لو كان الزوج صبيا أو مجنونا أو كافرا وهي حرة مكلفة مسلمة، حتى لو دخل بها الزوج وهو كذلك ثم زنت لا ترجم لعدم إحصانها.
وصورة كون زوج المسلمة كافرا كما في الفتح أن يكونا كافرين فتسلم هي فيطأها قبل عرض القاضي الاسلام عليه وإبائه فإنهما زوجان ما لم يفرق القاضي بينهما بإبائه اه.
تنبيه: اشتراط إحصان كل من الزوجين للرجم لا ينافي قولهم كما يأتي قبيل حد الشرب إذا كان أحد الزانيين محصنا دون الآخر يرجم المحصن ويجلد غير المحصن لان المراد أن الرجل إذا كان محصنا الاحصان المذكور بشروطه ثم زنى بامرأة فإنه يرجم، ثم المرأة المزني بها إذا كانت محصنة مثله ترجم أيضا، وإلا فتجلد، وكذا المرأة إذا كانت محصنة الاحصان المذكور ثم زنت برجل.
قوله: (حتى لو زنى ذمي بمسلمة الخ) أطلق الذمي فشمل لو كان له زوجة أدخل بها أولا، وكون المزني بها مسلمة غير قيد، وإنما لم يرجم لعدم إحصانه لكونه غير مسلم وقت الفعل وإن صار محصنا بعد إسلامه كما يفهم من الاطلاق، فيفيد أنه لا بد في الرجم من كونه مسلما وقت الزنا وكذا الحرية، حتى لو أسلم أو أعتق بعد الزنا ثم صار محصنا لا يرجم بل يجلد، فالمراد بهذا التفريع بيان هذه الفائدة مع تأويل ما وقع في فتاوى قارئ الهداية كما أفاده في النهر، حيث قال بعد تقرير شرائط الاحصان: وهذا يقتضي أن الذمي لوزنى بمسلمة ثم أسلم لا يرجم.
ولا يعارضه ما في فتاوى قارئ الهداية من أنه لو زنى أو سرق ثم أسلم إن ثبت ذلك بإقراره أو بشهادة المسلمين لا يدرأ عنه الحد، وإبشهادة أهل الذمة لا يقام عليه الحد لانه أراد بالحد هنا الجلد اه.
قوله: (فلو(4/180)
ارتدا ثم أسلما الخ) عزاه ابن الكمال إلى شرح الطحاوي، ومثله في الفتح، وقيد بارتدادهما معا في
الفتح: أي ليعود النكاح بعودهما إلى الاسلام بلا تجدد عقد آخر.
بقي لو ارتد أحدهما: ففي النهر: وعن محمد لو لحقت الزوجة بدار الحرب مرتدة وسبيت لا يبطل إحصان الزوج، كذا في المحيط اه.
وهو ظاهر لما يأتي من أنه لا يجب بقاء النكاح لبقاء الاحصان، وظاهره أنه لا يبطل إحصانها وإن عادت مسلمة، ولذا قال: لو أسلم لم يعد إلا بالدخول بعد: أي لا بد من تحقق شروط الاحصان عند وطئ آخر بعد الاسلام.
فعلم أن الردة تبطل اعتبار الوطئ بالنكاح الصحيح، وإذا بطل اعتباره بطل الاحصان، سواء كان المرتد كلا منهما معا أو أحدهما، لكن إذا ارتد أحدهما ثم أسلم لا يصير محصنا إلا بتجديد عقده عليها أو على غيرها ويطؤها بعده وهما بصفة الاحصان فيعود له إحصان جديد، لان الردة أبطلت الاحصان السابق.
قوله: (وقيل بالوطئ بعده) نسبه في النهر والبحر إلى أبي يوسف.
قوله: (واعلم الخ) ذكر هذه المسألة في الدرر.
قوله: (فلو نكح في عمره مرة) أي ودخل بها.
درر.
قوله: (ثم طلق) عبارة الدرر: ثم زال النكاح، وهي أعم لشمولها زوال النكاح بموتها أو ردتها أو نحو ذلك.
قوله: (ونظم بعضهم الخ) نقله القاضي زين الدين بن رشيد صاحب العمدة عن الفاكهاني المالكي كما في التتائي، ويوجد في بعض النسخ شروط الحصانة في ستة اه ط.
أقول: وهذا هو الصواب، لان الشطر الاول الذي ذكره الشارح من بحر السريع والبقية من بحر المتقارب، فافهم.
وقوله في آخر الابيات فلا يرجما بالياء المثناة التحتية كما رأيناه في النسخ، وينبغي أن يكون بالفوقية، ولا ناهية، وأصله لا ترجمن بنون التوكيد المخففة قلبت ألفا، إذ لو كانت لا نافية وجب الرفع، ولعل اقتصار الناظم على الشروط الستة لكونها مذهب المالكية وزيد عليها عندنا كونهما بصفة الاحصان وقت الوطئ وعدم الارتداد فصارت ثمانية، ويزاد كون العقد صحيحا فتصير تسعة، وقد غيرت هذا النظم جامعا للتسعة فقلت: شرائط الاحصان تسع أتت متى اختل شرط فلا ترجما بلوغ وعقل وحرية ودين وفقد ارتدادهما ووطئ بعقد صحيح لمن غدت مثله في الذي قدما(4/181)
باب الوطئ الذي يوجب الحد، والذي لا يوجبه قوله: (لقيام الشبهة) علة لقوله لا يوجبه.
قوله: (لحديث) علة لما فهم من العلة الاولى، وهو أن الحد لا يثبت عند قيام الشبهة.
وطعن بعض الظاهرية في الحديث بأنه لم يثبت مرفوعا.
والجواب أن له حكم الرفع، لان إسقاط الواجب بعد ثبوته بالشبهة خلاف مقتضى العقل.
وأيضا في إجماع فقهاء الامصار على الحكم المذكور كفاية، ولذا قال بعضهم: إن الحديث متفق عليه، وأيضا تلقته الامة بالقبول.
وفي تتبع المروي عن النبي (ص) وعن أصحابه من تلقين ماعز وغيره الرجوع احتيالا للدرء بعد الثبوت ما يفيد القطع بثبوت الحكم، وتمامه في الفتح.
قوله: (ثلاثة أنواع) يأتي بيانها.
قوله: (في المحل) هو الموطوءة كما في العيني والشلبي وغيرهما، فقوله الآتي أي الملك بمعنى المملوك.
قوله: (وبرهن) أي على أنها أمة ولده أو أمة أبويه مثلا.
قوله: (وكذا يسقط بمجرد دعواها) أي دعوى الشبهة، وهذا يغني عما قبله لانفهامه منه بالاولى.
قوله: (إلا في دعوى الاكراه الخ) قلت: الظاهر في وجه الفرق أن الاكراه لا يخرج الفعل عن كونه زنا، وإنما هو عذر مسقط للحد وإن لم يسقط الاثم، كما يسقط القصا ص بالاكراه على القتل دون الاثم فلا يقبل قوله بمجرد دعواه، بخلاف دعواه شبهة من الشبهة الثلاث لانه ينكر السبب الموجب للحد، فإن دعواه أنه تزوجها أو أنها أمة ولده إنكار للوطئ الخالي عن الملك وشبهته، فلذا قبل قوله بلا برهان.
تأمل.
والظاهر أن لزوم البرهان على الاكراه خاص بما إذا ثبت زناه بالبينة لا بإقراره.
قوله: (لا حد بلازم) أي ثابت.
مطلب في بيان شبهة المحل قوله: (بشبهة المحل) هو الموطوءة كما مر، وهي المنافية للحرمة ذاتا، على معنى أنا لو نظرنا إلى الدليل مع قطع النظر عن المانع يكون منافيا للحرمة.
نهر.
يعني أن النظر إلى ذات الدليل ينفي الحرمة ويثبت الحل مع قطع النظر عن المانع، كما في القهستاني.
وحاصله أنها وجد فيها دليل مثبت للحل لكنه عارضه مانع، فأورث هذا الدليل شبهة في حل
المحل والاضافة على معنى في.
وقال الزيلعي: أي لا يجب الحد بشبهة وجدت في المحل وإن علم حرمته، لان الشبهة إذا كانت في الموطوءة ثبت فيها الملك من وجه فلم يبق معه اسم الزنا فامتنع الحد على التقادير كلها، وهذا لان الدليل المثبت للحل قائم وإن تخلف عن أثباته حقيقة لمانع فأورث شبهة، فلهذا سمي هذا النوع شبهة في المحل، لانها نشأت عن دليل موجب للحل في المحل، بيانه قوله عليه الصلاة والسلام: أنت ومالك لابيك يقتضي الملك، لان اللام فيه(4/182)
للملك اه: أي وقد عارضه مانع من إرادة حقيقة الملك وهو الاجماع على عدم إرادته حقيقة فثبتت الشبهة عملا باللام بقدر الامكان.
قوله: (أي الملك) بمعنى المملوك، فلا ينافي تفسيره أيضا بالموطوءة، فافهم: أي شبهة كون المحل مملوكا له أو المصدر بمعنى المالكية: أي كونه مالكا له.
قوله: (وتسمى شبهة حكمية) لكون الثابت فيها شبهة الحكم بالحل.
قوله: (أي الثابت حكم الشرع محله) بنصب الثابت على أن ذلك تفسير لقوله شبهة حكمية أو يجره على أنه تفسير لقوله: بشبهة المحل وضمير حله للمحل.
وعبارة الفتح: وشبهة في المحل، وتسمى شبهة حكمية وشبهة ملك: أي الثابت شبهة حكم الشرع بحل المحل، فأسقط الشارح لفظ شبهة ولا بد منه، لان نفس حكم الشرع بحله لم يثبت، وإنما الثابت شبهته: يعني أنها هي التي ثبت فيها شبهة الحكم بالحل لا حقيقته لكون دليل الحل عارضه مانع كما مر.
قوله: (ولو ولده حيا) مبالغة على قوله: وولده ولده ج.
وتمام عبارة الفتح: وإن لم يكن له ولاية تملك مال ابن ابنه حال قيام ابنه، وتقدمت هذه المسألة في باب نكاح الرقيق ثم في الاستيلاد اه.
وسنذكر أنه لا يثبت فيها النس ب من الجد إذا كان ولده حيا.
قوله: (لحديث الخ) رواه ابن ماجه عن جابر بسند صحيح، وتمامه في الفتح، وذكر فيه قصة.
قوله: (ولو خلعا خلا عن مال) أما لو كانت بغير لفظ الخلع فهي داخلة بالاولى، وقد يكون الخلع خلا عن مال، لانه لو كان على مال لم يكن من هذا القسم بل يكون من شبهة الفعل الآتية، فلا ينتفي عنه الحل إلا إذا ظن الحل، كما في المطلقة ثلاثا، لانه لم يقل أحد إن المختلعة على مال تقع فرقتها طلاقا رجعيا، وإنما اختلف الصحابة في كونها فسخا أو
طلاقا: يعني بائنا، فالحرمة ثابتة على كل حال، وبهذا يعرف خطأ من بحث.
وقال: ينبغي جعلها من الشبهة الحكمية، هذا حاصل ما حققه في فتح القدير، ويشهد له قوله في الهداية: والمختلعة والمطلقة على مال بمنزلة المطلقة الثلاث لثبوت الحرمة بالاجماع، ومثله في البحر عن البدائع.
وبه يعلم أن ما نقله قبله عن جامع النسفي من أنه لا حد وإن علم الحرمة لاختلاف الصحابة في كونه بائنا محمول على ما إذا كان الخلع بلا مال، كما أن ما في المجتبى من أن المختلعة ينبغي أن تكون كالمطلقة ثلاثا لحرمتها إجماعا، محمول على ما إذا كان بمال توفيقا بين كلامهم، فافهم.
قوله: (وإن نوى بها ثلاثا) أي بالكنايات فلا يحد بوطئها في العدة وإن قال علمت أنها حرام لتحقق الاختلاف، لان دليل المخالف قائم وإن كان غير معمول به عندنا.
أفاده في الفتح.
ثم قال: وفي هذه المسألة يقال مطلقة ثلاث وطئت في العدة وقال علمت حرمتها لا يحد.
قوله: (الممهورة) أي التي جعلها مهرا لزوجته.
قوله: (قبل تسليمها لمشتر وزوجة) لف ونشر مرتب، لانهما في ضمان البائع أو الزوج و تعودان إلى ملكه بالهلاك قبل التسليم وكان مسلطا على الوطئ بالملك واليد، وقد بقيت اليد فتبقى الشبهة.
زيلعي.
قوله: (وكذا بعده في الفاسد) الاولى أن يقول: وكذا في الفاسد ولو بعده: أي بعد التسليم.
قال في البحر: أما قبله فلبقاء الملك، وأما بعده فلان له حق الفسخ فله حق الملك اه.(4/183)
وقد يقال: إن وطئ البائع في الفاسد قبل التسليم ليس مما نحن فيه، لانه وطئ في حقيقة الملك لا فشبهته، فقوله بعده للاحتراز عما قبله.
تأمل.
قوله: (ووطئ الشريك الخ) لان ملكه في البعض ثابت فتكون الشبهة فيها أظهر.
زيلعي.
وهذا إذا لم يكن أعتقها أحد الشريكن، وإلا ففيه تفصيل مذكور في الخانية.
قوله: (ووطئ جارية مكاتبه وعبده الخ) لان له حقا في كسب عبده فكان شبهة في حقه، زيلعي، وأما غير المديون فهو على ملك سيده.
قوله: (ووطئ جارية من الغنيمة) أي وطئ أحد الغانمين قبل القسمة كما في البحر عن البدائع.
قال ح: وسيأتي في كتاب السرقة عن الغاية بحثا: عدم قطع من سرق من المغنم وإن لم يكن حق فيه، لانه مباح الاصل فصار شبهة فكان ينبغي الاطلاق هنا أيضا.
تأمل اه.
قلت: وفيه أن ما كان مباح الاصل هو ما يوجد في دار الاسلام تافها مباحا كالصيد والحشيش، فهذا لا يقطع به وإن ملك وسرق من حرز، وجارية المغنم ليست كذلك، وإلا لزم أن يقطع بها ولو بعد الاحراز والقسمة، وكذا لو زنى بها.
تأمل.
قوله: (ووطئ جاريته قبل الاستبراء) هذه من زيادات الفتح.
وفيه أن الملك فيها كامل من كل وجه، إلا أنه منع من وطئه لها خوف اشتباه النسب، والكلام في وطئ حرام سقط فيه الحد لشبهة الملك، وهذه فيها حقيقة الملك فكانت كوطئ الزوجة الحائض والنفساء والصائمة والمحرمة مما منع من وطئها لعارض الاذى أو إفساد العبادة مع قيام الملك، إلا أن يراد بشبهة الملك ملك الوطئ لا ملك الرقبة، فليتأمل.
قوله: (والتي فيها خيار للمشتري) أي إذا وطئها البائع واقتصر على ذكر المشتري، لانه يعلم منه ما إذا كان الخيار للبائع بالاولى، لانه لم يحد إذا كان للبائع، لبقاء ملكه، وإن كان للمشتري فلان المبيع لم يخرج عن ملك بائعه بالكلية كما في البحر.
أفاده ط.
وقد يقال: إن المناسب أن لا يذكر خيار البائع، لان وطأه في حقيقة الملك لا في شبهته نظير ما مر، فكان الاولى ما ذكره الشارح، ويفهم منه ما إذا كان الخيار لهما أو لاجنبي، فافهم.
وفي التتارخانية: ولو باع جارية على أنه بالخيار فوطئها المشتري أو كان الخيار للمشتري فوطئها البائع فإنه لا يحد، علم بالحرمة أو لم يعلم.
قوله: (والتي هي أخته رضاعا) أي ووطئ أمته التي هي أخته رضاعا.
قلت: ومثلها أمته المجوسية والتي تحته أختها لوجود الملك فيهما أيضا مع أن حرمتهم غير مؤبدة.
تأمل.
قوله: (من لم يحرم به) أي بالمذكور من الردة وما بعدها، أما الردة فقد تقدم في كتاب النكاح أن مشايخ بلخ أفتوا بعدم الفرقة بردتها، وأما فيما بعدها فلخلاف الشافعي رحمه الله تعالى اه ح.
قوله: (وغير ذلك) منه ما ذكرناه من المجوسية والتي تحته أختها.
قوله: (فدعوى الحصر) أي المفهوم من قول الهداية وغيرها: والشبهة في المحل في ستة مواضع.(4/184)
مطلب في بيان شبهة الفعل
قوله: (بشبهة الفعل) أي الشبهة في الفعل الذي هو الوطئ حيث كامما قد يشتبه على حرمته لا في محله وهو الموطوءة، لان حرمة المحل هنا مقطوع بها إذا لم يقم فيه دليل ملك عارضه غيره فلم يكن في حل المحل شبهة أصلا.
قوله: (أي شبهة في حق من حصل له اشتباه) هو معنى قول المصنف إن ظن حله لان من ظن الحل فقد اشتبه عليه الامر، ولذا قال في الفتح: إنها تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة، إذ لا دليل في السمع يفيد الحل، بل ظن غير الدليل دليلا، كما يظن أجارية زوجته تحل له، لظنه أنه استخدام، واستخدامها حلال، فلا بد من الظن وإلا فلا شبهة أصلا لفرض أن لا دليل أصلا لتثبت الشبهة في نفس الامر، فلو لم يكن ظنه الحل ثابتا لم تكن شبهة أصلا اه.
قوله: (إن ظن حله) شرط لقوله: ولا حد الخ فنفي الحد هنا مشروط بظن الحل، لما علمت أن هذا الظن هو الشبهة لعدم دليل قائم تثبت به الشبهة، فلو لم يظن الحل شبهة أصلا بخلاف ما مر، فإن الشبهة فيه جاءت من دليل حل المحل فلا حاجة فيه إلى ظن الحل، فلذا انتفى الحد فيه سواء ظن الحل أو لا.
قوله: (العبرة لدعوى الظن الخ) أي لا للظن نفسه فإنه يحد إن لم يدع وإن حصل له الظن، ولا يحد إن ادعى وإن لم يحصل له الظن.
ابن كمال.
وفيه تورك على عبارة المصنف، لكن لا يخفى أن الظن أمر باطني لا يعلمه القاضي إلا بدعوى صاحبه، فقوله: إن ظن حله أي إن علم القاضي أنه ظن الحل يدرأ عنه الحد، وذلك لا يكون إلا بدعواه وإخباره.
قوله: (ولو ادعاه أحدهما الخ) لان الشبهة إذا تمكنت في الفعل من أحد الجانبين تتعدى إلى الجانب الآخر ضرورة.
بحر.
قوله: (كوطئ أمة أبويه الخ) لان بين الانسان وبين أبويه وزوجته وسيده انبساطا في الانتفاع بمالهم واستخدام جواريهم، فكان مظنة حل الوطئ على توهم أنه من الاستخدام، وكذا بقاء أثر الفراش في المعتدة من وجوب النفقة وحرمة تزوج أختها مظنة لتوهم حل وطئها، وقيد بالامة لما في الخانية: لو زنى بامرأة الاب أو الجد فإنه يحد وإن قال ظننت أنها تحل لي.
قوله: (ومعتدة الثلاث) هذا إذا لم ينو الثلاث بالكنايات إذ لنواها بها كان من شبهة المحل كما قدمه عن النهر.
قوله: (ولو جملة) أي ولو كان تطليقه الثلاث بلفظ واحد فلا يسقط عنده الحد، إلا أن ادعى ظن الحل، وكذا لو أوقع الثلاث متفرقة بالطريق الاولى إذ لم
يخالف فيه أحد، لان القرآن ناطق بانتفاء الحل بعد الثالثة فلم يبق شبهة في حل المحل، ولا اعتبار بخلاف من أنكر وقوع الجملة لمخالفته للقطعي، وهو إجماع الصحابة الذي تقرر في زمن عمر، لكن يشكل ما في نكاح الهداية من أن الحد لا يجب بوطئ المطلقة بائنا واحدة أو ثلاثا مع العلم بالحرمة على إشارة كتاب الطلاق.
وعلى عبارة كتاب الحدود يجب، لان الملك قد أزال حق الحل فيتحقق الزنا اه.
ووفق في البحر بحمل إشارة كتاب الطلاق على ما إذا أوقع الثلاث جملة، وحمل عبارة الحدود على ما إذا أوقعها متفرقة، لان إيقاعها جملة خالف فيه الظاهرية: أي فيكون من شبهة المحل، فلا يحد وإن اعتقد الحرمة لشبهة الدليل واعترضه ح بأن المصرح به في الفتح وغيره(4/185)
الجزم بأنها من شبهة الفعل وعدم اعتبار الخلاف بعد انعقاد الاجماع، وبأن الاشارة لا تعارض العبارة.
قلت: على أنه يمكن التوفيق بوجه آخر، وهو حمل الاشارة على ما إذا كان الطلاق البائن بلفظ الكنايات والعبارة على ما إذا كان بلفظ الصريح، والله أعلم.
قوله: (في رواية كتاب الحدود) أي أن محمدا ذكرها في كتاب الحدود من مسائل شبهة الفعل، وذكر في كتاب الرهن أنها من شبهة المحل.
قال في البحر: والحاصل أنه إذا ظن الحل فلا حد باتفاق الروايتين، والخلاف فيما إذا علم الحرمة، والاصح وجوبه، وذكر في الايضاح وجوبه وإن ظن الحل، وهو مخالف لعامة الروايات.
مطلب: الحكم المذكور في بابه أولى من المذكور في غير بابه قال في الدر المنتقى: واستفيد منه أن الحكم المذكور في بابه أولى من المذكور في غير بابه، لانه كأنه استطراد، هكذا كان.
أفادنيه والدي فليحفظ.
قوله: (وهي المختار) وفي الهداية: وهي الاصح، وتبعه الشارحون، لان عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال، لانه إنما يفيد له الملك بعد الهلاك فيصير به مستوفيا لحقه، لكنه بعد الهلاك لا يملك المتعة: أي الوطئ.
ومقتضى هذا وجوب الحد وإن ظن الحل، لكن لما كان الاستيفاء سببا لملك المال، وملك المال سببا لملك المتعة في الجملة حصل الاشتباه.
ذخيرة.
قوله: (المستعير للرهن) اللام للتعليل: أي الذي استعار
أمة ليرهنها لا للتعدية حتى يكون المعنى استعار أمة مرهونة من المرتهن اه ح.
والمناسب أن يقول: لا للتقوية، لان اسم الفاعل هنا متعد بنفسه، تقول أنا مستعير فرسا، فإذا قلت مستعير للفرس كانت زائدة لتقوية العامل، كقوله تعالى: * (مصدقا لما معهم) * (سورة البقرة: الآية 19) ولعل وجه كون المستعير بمنزلة المرتهن هو أنه إذا استعار شيئا ليرهنه بكذا ثم هلك عند المرتهن صار مستوفيا لدينه ووجب مثل الدين للمعير على المستعير، لانه صار قاضيا دينه بالرهن كما تقرر في محله، فإذا غرم مثله للمعير صار مالكا له فكان بمنزلة المرتهن.
تأمل.
قوله: (وسيجئ) أي في هذا الباب.
قوله: (وكذا المختلعة) أي على مال، لانه لو كان خلعا خلا عن مال كان من شبهة المحل كما قدمه عن النهر.
قوله: (يثبت في الاولى) هذا في غير الجد إذا وطئ جارية ابن ابنه وابنه حي، لان الجد لا يتملكها حال حياة الاب فلا يثبت النسب بدعوى الجد، نعم إن صدقه ابن الابن عتق لزعمه أنه عمه، وما في النهاية من أنه يثبت نسبه غلط كما حققه في الفتح.
قوله: (لتمحضه زنا) لانه لا شبهة ملك فيه، بل سقط الحد لظنه فضلا من الله تعالى وهو راجع إليه: أي إلى الواطئ لا إلى المحل، فكأن المحل ليس فيه شبهة حل فلا يثبت النسب بهذا الوطئ، ولذا لا تثبت به عدة لانه لا عدة من الزنا.
فتح.
قوله: (بشرطه) أي بشرط الثبوت، والمناسب إسقاطه كما يظهر قريبا.
قوله: (بأن تلد الخ) بدل من قوله: بشرطه قال ح: ويحمل على وطئ سابق على الطلاق كما تقدم في باب ثبوت النسب.
ولا نقول: إنه انعقد من هذا الوطئ الحرام حيث أمكن حمله على الحلال.
قوله: (لا لاكثر)(4/186)
ومثل الاكثر تمام السنتين ح.
قوله: (كما مر في بابه) من أنه لا يثبت النسب في المطلقة ثلاثا بعد سنتين إلا بدعوة ح.
قلت وتحصل من هذا أنه إذ ادعى الولد يثبت النسب، سواء ولدت لاقل من سنتين أو لاكثر وإن لزم الوطئ في العدة لوجود شبهة العقد، وأما بدون الدعوى فلا يثبت إلا إذا ولدت لاقل من سنتين حملا على أنه بوطئ سابق على الطلاق، فقول المصنف بشرطه لا محل له، لان كلامه فيما إذا ادعى النسب وفيه يثبت مطلقا كما علمت، وهو الذي حرر في الفتح وتبعه في البحر.
قوله:
(بالاولى) لانها أقل من الثلاث ط.
فإن حرمة الثلاث تزيل حل المحلية ولذا لا تحل له إلا بعد زوج آخر.
قوله: (وإلا في وطئ امرأة الخ) الاستثناء في هذه مبني على أنها من شبهة الاشتباه: أي شبهة الفعل، وعليه مشى الزيلعي، وكذا صاحب البحر أولا، وقيل إنها شبهة محل، وذكر في الفتح أولا أنه الاوجه لان قولهن هي زوجتك دليل شرعي مبيح للوطئ لقبول قول الواحد في المعاملات، ولذا حل وطئ من قالت أرسلني مولاي هدية إليك.
ثم قال: والحق أنه شبهة اشتباه، لان الدليل المعتبر فيها ما يقتضي ثبوت الملك لا ما يطلق شرعا مجرد الوطئ.
اه ملخصا.
فليتأمل.
قوله: (وقال النساء) الجمع غير قيد كما يأتي.
قوله: (فيثبت نسبه بالدعوة بحر) لفظ بالدعوة الخ يوجد في بعض النسخ: وهو غير لازم لان أصل الكلام فيه.
مطلب في بيان شبهة العقد قوله: (بشبهة العقد) أي ما وجد فيه العقد صورة لا حقيقة، لان الشبهة كما مر ما يشبه الثابت وليس بثابت، فخرج ما وجد فيه العقد حقيقة، ولذا قال في التاترخانية: وإذا كان الوطئ بملك النكاح أو بملك يمين والحرمة بعارض آخر فذلك لا يوجب الحد نحو الحائض والنفساء والصائمة صوم الفرض والمحرمة والموطوءة بشبهة والتي ظاهر منها أو آلى منها فوطئها في العدة لا حد عليه، وكذا الامة المملوكة إذا كانت محرمة عليه برضاع أو مصاهرة أو لكون أختها مثلا في نكاحه أو هي مجوسية أو مرتدة فلا حد عليه وإن علم الحرمة اه.
قوله: (كوطئ محرم نكحها) أي عقد عليها، أطلق في المحرم فشمل المحرم نسبا ورضاعا وصهرية، وأشار إلى أنه لو عقد على منكوحة الغير أو معتدته أو مطلقته الثلاث أو أمة على حرة أو تزوج مجوسية أو أمة بلا إذن سيدها أو تزوج العبد بلا إذن سيده أو تزوج خمسا في عقد فوطئهن أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما أو الاخيرة لو كان متعاقبا بعد التزوج فإنه لا حد، وهو بالاتفاق على الاظهر.
أما عنده فظاهر، وأما عندهما فلان الشبهة إنما تنتفي عندهما إذا كان مجمعا على تحريمه وهي محرمة على التأبيد.
بحر.
قلت: وهذا هو الذي حرره في فتح القدير وقال: إن الذين يعتمد على نقلهم وتحريرهم كابن
المنذر ذكروا أنه إنما يحد عندهما في ذات المحرم لا في غير ذلك كمجوسية وخامسة ومعتدة، وكذا عبارة الكافي للحاكم تفيده حيث قال: تزوج امرأة ممن لا يحل له نكاحها فدخل بها لا حد عليه، وإن فعله على علم لم يحد أيضا، ويوجع عقوبة في قول أبي حنيفة.
وقالا: إن علم بذلك فعليه الحد(4/187)
في ذوات المحارم اه.
فعمم في المرأة على قوله ثم خص على قولهما بذوات المحرم.
قوله: (وقالا الخ) مدار الخلاف على ثبوت محلية النكاح للمحارم وعدمه، فعنده هي ثابتة على معنى أنها محل لنفس العقد لا بالنظر إلى خصوص عاقد لقبولها مقاصده من التوالد فأورث شبهة، ونفياها على معنى أنها ليست محلا لعقد هذا العاقد فلم يورث شبهة، وتمامه في الفتح والنهر.
قوله: (إن علم الحرمة حد) أما إن ظن الحل فلا يحد بالاجماع ويعزر، كما في الظهيرية وغيرها.
مطلب: إذا استحل المحرم على وجه الظن لا يكفر، كما لو ظن علم الغيب وعلم من مسائلهم هنا أن من استحل ما حرمه الله تعالى على وجه الظن لا يكفر، وإنما يكفر إذا اعتقد الحرام حلالا، ونظيره ما ذكره القرطبي في شرح مسلم أن ظن الغيب جائز كظن المنجم والرمال بوقوع شئ في المستقبل بتجربة أمر عادي فهو ظن صادق، والممنوع ادعاء علم الغيب.
والظاهر أن ادعاء ظن الغيب حرام لا كفر، بخلاف ادعاء العلم، وسنوضحه في الردة.
بحر.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) الاستدراك على قوله: في جميع الشروح فإن المضمرات من الشروح.
وفيه أن القهستاني ذكر عن المضمرات أنه قال: والصحيح الاول، وأنه في موضع آخر قال: إذا تزوج بمحرمه يحد عندهما، وعليه الفتوى اه.
على أن ما في عامة الشروح مقدم.
وكذلك في الفتح نقل عن الخلاصة أن الفتوى على قولهما، ثم وجهه بأن الشبهة تقتضي تحقق الحل من وجه وهو غير ثابت، وإلا وجبت العدة والنسب، ثم دفع ذلك بأن من المشايخ من التزم وجوبهما، ولو سلم عدم وجوبهما لعدم تحقق الحل من وجه، فالشبهة لا تقتضي تحقق الحل من وجه، لان الشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت، فلا ثبوت لما له شبهة الثبوت بوجه، ألا ترى أن أبا حنيفة ألزم عقوبته بأشد ما يكون، وإنما لم يثبت عقوبة هي الحد فعرف أنه زنا محض إلا أن فيه شبهة فلا يثبت نسبه اه ملخصا.
وحاصله أن عدم تحقق الحل من وجه في المحارم لكونه زنا محضا يلزم منه عدم ثبوت النسب والعدة، ولا يلزم منه عدم الشبهة الدارئة للحد.
ولا يخفى أن في هذا ترجيحا لقول الامام.
قوله: (وحرر في الفتح الخ) صوابه في النهر، فإنه بعد ما ذكر ما قدمناه عن الفتح قال: وهذا إنما يتم بناء على أنها شبهة اشتباه.
قال في الدراية: وهو قول بعض المشايخ.
والصحيح أنها شبهة عقد، لانه روى عن محمد أنه قال: سقوط الحد عنه لشبهة حكمية فيثبت النسب، وهكذا ذكر في المنية اه.
وهذا صريح بأن الشبهة في المحل وفيها النسب على ما مر اه.
كلا النهر.
قلت: وفي هذه زيادة تحقيق لقول الامام لما فيه من تحقيق الشبهة حتى ثبت النسب، ويؤيده ما ذكره الخير الرملي في باب المهر عن العيني ومجمع الفتاوى أنه يثبت النسب عنده خلافا لهما.
قوله: (وفي المجتبى الخ) مثله في الذخيرة.
قوله: (ظانا الحل) أما لو اعتقده يكفر كما مر.
قوله: (ويعزر) أي إجماعا كما في الذخيرة، لكنه مخالف لما في الهداية من قوله: ولكن يوجع عقوبة إذا كان(4/188)
علم بذلك فقيد العقوبة بما إذا علم، ومثله ما مر عن كافي الحاكم.
وفي الفتح: لم يجب عليه الحد عند أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر وإن قال علمت أنها علي حرام، ولكن يجب الحد ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من التعزير سياسة لا حدا مقدرا شرعا إذا كان عالما بذلك.
وإن لم يكن عالما لا حد ولا عقوبة تعزير اه.
وقد يجاب بأن قوله ولا عقوبة تعزير المراد به نفي أشد ما يكون، فلا ينافي أن يعزر بما يليق بحاله حيث جهل أمرا لا يخفى عادة.
تأمل.
قوله: (خلافا لهما) أي في ذات المحرم فقط كما مر.
قوله: (فظهر أن تقسيمها الخ) إن أراد التقسيم من حيث الحكم فهي اثنان عند الكل، غايته أن حكم شبهة العقد عند الامام حكم شبهة المحل.
وعندهما: حكم شبهة الفعل، وإن أراد التقسيم من حيث المفهوم فهي اثنان أيضا، لان شبهة العقد منها ما هو شبهة الفعل كمعتدة الثلاث كما صرح به في النهر في باب ثبوت النسب، ومنها ما هو شبهة المحل كمسألة المتن اه ح.
قوله: (وحد بوطئ أمة أخيه الخ) أي وإن قال ظننت أنها تحل لي، لانه لا شبهة في الملك ولا في الفعل لعدم انبساط كل
في مال الآخر، فدعوى ظنه الحل غير معتبرة.
ومعنى هذا أنه علم أن الزنا حرام، لكنه ظن أن وطأه هذه ليس زنا محرما فيعارض ما مر عن المحيط من أن شرط وجوب الحد أن يعلم أن الزنا حرام.
فتح.
قوله: (سوى الولاد) بالكسر مصدر ولدت المرأة ولادا وولادة: أي سوى قرابة الولادة: أي قرابة الاصول أو الفروع فلا حد فيها، لكن لا يحد في قرابة الاصول إذا ظن الحل كما مر.
قوله: (وجدت على فراشه) يعني في ليلة مظلمة كما في الخانية.
شرنبلالية.
فيعلم حكم النهار بالاولى.
قوله: (إلا إذا دعاها) يعني الاعمى، بخلاف البصير كما في الخانية، وهو ظاهر عبارة الزيلعي والفتح أيضا.
ثم اعلم أن ما ذكره المصنف والشارح هو المذكور في المتون والشروح، وعزاه في التاترخانية إلى المنتقى والاصل، لكنه قال بعد ذلك: وفي الظهيرية رجل وجد في بيته امرأة في ليلة ظلماء فغشيها وقال ظننت أنها امرأتي لا حد عليه، ولو كان نهارا يحد.
وفي الحاوي: وعن زفر عن أبي حنيفة فيمن وجد في حجلته أو في بيته امرأة فقال ظننت أنها امرأتي، إن كان نهارا يحد، وإن كان ليلا لا يحد.
وعن يعقوب عن أبي حنيفة أن عليه الحد ليلا كان أو نهارا، قال أبو الليث: وبرواية زفر يؤخذ اه.
قلت: ومقتضاه أنه لا حد على الاعمى ليلا كان أو نهارا.
قوله: (وجاز) أي العطف على ضمير الرفع المتصل.
قوله: (لا يحد الحربي الخ) أي خلافا لابي يوسف، فعنده يحد الحربي المستأمن أيضا.
وقال محمد: لا يحد واحد منهما، غير أنه قال في العكس: وهو ما لو زنى ذمي بمستأمنة كقول الامام من أن الذمي يحد.(4/189)
والحاصل أن الزانيين إما مسلمان أو ذميان أو مستأمنان، أو الرجل مسلم والمرأة ذمية، أو مستأمنة أو بالعكس، أو الرجل ذمي والمرأة مستأمنة أو بالعكس، فهي تسع صور.
والحد واجب عند الامام في الكل إلا في ثلاث: إذا كانا مستأمنين، أو أحدهما.
أفاده في البحر.
مطلب في وطئ الدابة
قوله: (وتذبح ثم تحرق) أي لقطع امتداد التحدث به كلما رؤيت وليس بواجب كما في الهداية وغيرها وهذا إذا كانت مما لا يؤكل، فإن كانت تؤكل جاز أكلها عنده.
وقالا: تحرق أيضا، فإن كانت الدابة لغير الواطئ يطالب صاحبها أن يدفعها إليه بالقيمة ثم تذبح، هكذا قالوا: ولا يعرف ذلك إلا سماعا فيحمل عليه.
زيلعي ونهر.
قوله: (الظاهر أنه يطالب ندبا الخ) أي قولهم: يطالب صاحبها أن يدفعها إلى الواطئ ليس على طريق الجبر.
وعبارة النهر: والظاهر أنه يطالب على وجه الندب، ولذا قال في الخانية: كان لصاحبها أيدفعها إليه بالقيمة اه.
وعبارة البحر: والظاهر لا يجبر على دفعها.
تنبيه: لو مكنت امرأة قردا من نفسها فوطئها كان حكمها كإتيان البهائم.
جوهرة: أي في أنها لا حد عليها بل تعزر.
وهل يذبح القرد أيضا، مقتضى التعليل بقطع امتداد التحدث نعم، فتأمل.
قوله: (خبر الواحد كاف الخ) جملة معترضة بين القول ومقوله، والاولى ذكرها بعد هي عرسك لئلا يوهم أنها مقولة القول، والمراد أن تعبير المصنف كالكنز بقيل أولى من تعيبر القدوري بقلن.
مطلب فيمن وطئ من زف ت إليه تنبيه: مقتضى هذا كله أنه لا يسقط الحد بمجرد الزفاف، وأنه لا بد من أن ينضم إليه الاخبار بأنها زوجته، ويلزم عليه أن من زفت إليه زوجته ليلة عرسه ولم يكن يعرفها أنه لا يحل له وطؤها ما لم تقل له واحدة أو أكثر إنها زوجتك، وهو خلاف الواقع بين الناس، وفيه حرج عظيم لانه يلزم منه تأثيم الامة.
والظاهر أن يحل وطؤها بدون إخبار، ولا سيما إذ أحضرها النساء من أهله وجيرانه إلى بيته وجليت على المنصة ثم زفت إليه، فإن احتمال غلط النساء فيها وأنها غيرها أبعد ما يكون، ومع هذا لو فرض الغلط وقد وطئها على ظن أنها زوجته وأنها تحل له فوجوب الحد عليه إذا لم يقل له أحد إنها زوجتك في غاية البعد أيضا، إذ لا شك أن هذه الشبهة أقوى من شبهة العقد على أمه أو بنته وظنه حلها له، وأقوى من ظنه حل أمة أبويه ونحوها، وكذا من وجدها على فراشه ليلا على ما صححه أبو الليث.
ورأيت في الخانية: رجل زفت إليه غير امرأته ولم يكن رآها قبل ذلك فوطئها كان عليه المهر ولا حد عليه اه.
وظاهره أن الاخبار غير شرط.
وأظهر منه ما في كافي الحاكم
الشهيد: رجل تزوج فزفت إليه أخرى فوطئها لا حد عليها ولا على قاذفه.(4/190)
رجل فجر بامرأة ثم قال حسبتها امرأتي قال: عليه الحد، وليست هذه كالاولى لان الزفاف شبهة، ألا ترى أنها إذا جاءت بولد ثبت نسبه منه، وإن جاءت هذه التي فجر بها بولد لم يثبت نسبه منه اه.
فقوله لان الزفاف شبهة صريح في أن نفس الزفاف شبهة مسقطة للحد بدون إخبار، فهذا نص الكافي، وهو الجامع لكتب ظاهر الرواية، فالظاهر أن ما في المتون رواية أخرى، أو هو محمول على ما إذا لم نقم قرينة ظاهرة من عرس تجتمع فيه النساء أو من إرسال من تأتي بها إليه أو نحو ذلك مما يزيد على الاخبار، فلو لم يكن شئ من ذلك، كما إذا تزوج امرأة ثم بعد مدة أدخلت عليه امرأة في بيته ولم يعلم أنها التي عقد عليها أو غيرها، ولكنه ظن أنها هي فوطئها فهنا لا بد من إخبار واحدة أو أكثر بأنها زوجته، وإلا لزمه الحد، هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض له، والله تعالى أعلم.
قوله: (وعليه مهرها) أي ويكون لها كما قضى به علي رضي الله عنه، وهو المختار، لان الوطئ كالجناية عليها لا لبيت المال كما قضى به عمر رضي الله عنه، وكأنه جعله حق الشرع عوضا عن الحد، وتمامه في الزيلعي وغيره.
قوله: (بذلك قضى عمر) كذا وقع في الدرر، وصوابه علي.
وفي العزمية أنه سهو ظاهر.
مطلب في وطئ الدبر قوله: (أو بوطئ دبر) أطلقه فشمل دبر الصبي والزوجة والامة فإنه لا حد عليه مطلقا عند الامام.
منح ويعزر.
هداية.
قوله: (حد) فهو عندهما كالزنا في الحكم فيجلد جلدا إن لم يكن احصن، ورجما إن أحصن.
نهر.
مطلب في حكم اللواطة قوله: (بنحو الاحراق الخ) متعلق بقوله يعزر.
وعبارة الدرر فعند أبي حنيفة يعزر بأمثال هذه الامور.
واعترضه في النهر بأن الذي ذكره غيره تقييد قتله بما إذا اعتاد ذلك.
قال في الزيادات:
والرأي إلى الامام فيما إذا اعتاد ذلك، إن شاء قتله، وإن شاء ضربه وحبسه.
ثم نقل عبارة الفتح المذكورة في الشرح وكذا اعترضه في الشرنبلالية بكلا الفتح.
وفي الاشباه من أحكام غيبوبة الحشفة: ولا يحد عند الامام إلا إذا تكرر فيقتل على المفتى به اه.
قال البيري: والظاهر أنه يقتل في المرة الثانية لصدق التكرار عليه اه.
ثم ظاهر عبارة الشارح أنه يعزر بالاحراق ونحوه ولو في عبده ونحوه، وهو صريح ما في الفتح حيث قال: ولو فعل هذا بعبده أو أمته أو زوجته بنكاح صحيح أو فاسد لا يحد إجماعا، كذا في الكافي، نعم فيه ما ذكرنا من التعزير والقتل لمن اعتاده.
قوله: (والتنكيس الخ) قال في الفتح: وكان مأخذ هذا أن قوم لوط أهلكوا بذلك حيث خملت قراهم ونكست بهم، ولا شك في اتباع الهدم بهم وهم نازلون.
قوله: (وفي الحاوي) أي الحاوي القدسي.
وعبارته: وتكلموا في هذا التعزير من الجلد ورميه من أعلى موضع، وحبسه في أنتن بقعة وغير ذلك سوى الاخصاء والجب، والجلد أصح اه.
وسكت عليه في البحر والنهر، فتأمل.
قوله:(4/191)
(التقييد بالامام الخ) فيه كلام قدمناه قبل هذا الباب.
قوله: (الاستمناء حرام) أي بالكف إذا كان لاستجلاب الشهوة، أما إذا غلبته الشهوة وليس له زوجة ولا أمة ففعل ذلك لتسكينها فالرجاء أنه لا وبال عليه كما قاله أبو الليث، ويجب لو خا ف الزنا.
قوله: (كره) الظاهر أنها كراهة تنزيه، لان ذلك بمنزلة ما لو أنزل بتفخيذ أو تبطين.
تأمل.
وقدمنا عن المعراج في باب مفسدات الصوم: يجوز أن يستمني بيد زوجته أو خادمته، وانظر ما كتبناه هناك.
قوله: (ولا شئ عليه) أي من حد وتعزير، وكذا من إثم على ما قلناه.
مطلب: لا تكون اللواطة في الجنة قوله: (ولا تكون اللواطة في الجنة) قال السيوطي: قال ابن عقيل الحنبلي: جرت مسألة بين أبي علي بن الوليد المعتزلي وبين أبي يوسف القزويني في ذلك، فقال ابن الوليد: لا يمنع أن يجعل ذلك من جملة اللذات في الجنة لزوال المفسدة، لانه إنما منع في الدنيا لما فيه من قطع النسل وكونه محلا للاذى وليس في الجنة ذلك ولهذا أبيح شرب الخمر لما ليس فيه من السكر وغاية العربدة
وزوال العقل فلذلك لم يمنع من الالتذاذ بها.
فقال أبو يوسف: الميل إلى الذكور عاهة، وهو قبيح في نفسه، لانه محل لم يخلق للوطئ، ولهذا لم يبح في شريعة، بخلاف الخمر وهو مخرج الحدث، والجنة نزهت عن العاهات.
فقال ابن الوليد: العاهة هي التلويث بالاذى، فإذن لم يبق إلا مجرد الالتذاذ اه كلامه.
رملي على المنح.
قوله: (حرمتها عقلية) الظاهر أن المراد بالحرمة هنا القبح إطلاقا لاسم المسبب على السبب: أي قبحها عقلي، بمعنى أنه يدرك بالعقل وإن لم يرد به الشرع كالظلم والكفر، لان مذهبنا أنه لا يحرم بالعقل شئ: أي لا يكون العقل حاكما بحرمته، وإنما ذلك لله تعالى، بل العقل مدرك لحسن بعض المأمورات وقبح بعض المنهيات فيأتي الشرع حاكما بوفق ذلك فيأمر بالحسن وينهى عن القبح.
وعند المعتزلة: يجب ما حسن عقلا ويحرم ما قبح وإن لم يرد الشرع بوجوبه أو حرمته.
فالعقل عندهم هو المثبت، وعندنا المثبت هو الشرع والعقل آلة لادراك الحسن والقبح قبل الشرع.
وعند الاشاعرة: لا حظ للعقل قبل الشرع بل العقل تابع للشرع، فما أمر به الشرع يعلم بالعقل أنه حسن، وما نهى عنه يعلم أنه قبيح، وتمام أبحاث المسألة يعلم من كتب الاصول ومن حواشينا على شرح المنار.
قوله: (وقيل سمعية) أي لا يستقل العقل بإدراك قبحها قبل ورود الدليل السمعي.
قوله: (فتوجد) أي يمكن أن توجد.
قوله: (وقيل يخلق الله تعالى الخ) هذا خارج عن محل النزاع، لان الكلام في الاتيان في الدبر.
قوله: (والصحيح الاول) هو أنه لا وجولها في الجنة.
قوله: (لحرمتها) أي قبحها كما مر.
قوله: (وتزول حرمته ال) وجه آخر(4/192)
لبيان أشدية اللواطة، وهو أن وطئ الذكر لا يمكن زوال حرمته، بخلاف وطئ الانثى فإنه يمكن بتزوجها أو شرائها.
قوله: (لانه مطهر على قول) أي قوكثير من العلماء وأن كان خلاف مذهبنا كما مر.
قوله: (يكفر مستحلها) قدم الشارح في باب الحيض الخلاف في كفر مستحل وطئ الحائض ووطئ الدبر، ثم وفق بما في التتارخانية عن السراجية: اللواطة بمملوكه أو مملوكته أو امرأته حرام، إلا أنه لو استحله لا يكفر.
قاله حسام الدين اه: أي فيحمل القول بكفره على ما إذا استحل اللواطة بأجنبي، بخلاف غيره، لكن في الشرنبلالية أن هذا يعلم ولا يعلم: أي لئلا يتجرأ الفسقة
عليه بظنهم حله.
تتمة: للواطة أحكام أخر: لا يجب بها المهر ولا العدة في النكاح الفاسد ولا في المأتي بها لشبهة، ولا يحصل بها التحليل للزوج الاول، ولا تثبت بها الرجعة ولا حرمة المصاهرة عند الاكثر، ولا الكفارة في رمضان في رواية.
ولو قذف بها لا يحد خلافا لهما، ولا يلاعن خلافا لهما.
بحر.
وهو مأخوذ من المجتبى.
ويزاد ما في الشرنبلالية عن الشراج: يكفي في الشهادة عليها عدلان لا أربعة خلافا لهما.
قوله: (إلا إذا زنى الخ) يعني أن ما في المتن خاص بما إذا خرج من عسكر من له ولاية إقامة الحدود فدخل دار الحرب وزنى ثم عاد، أو كان مع أمير سرية أو أمير عسكر فزنى ثمة، أو كان تاجرا أو أسيرا.
أما لو زنى مع عسكر من له ولاية إقامة الحد فإنه يحد، بخلاف أمير العسكر أو السرية، لانه إنما فوض لهما تدبير الحرب لا إقامة الحدود، وولاية الامام منقطعة ثمة كما في الفتح.
شرنبلالية.
قوله: (لا عليه ولا عليها) لان فعل الرجل أصل في الزنا والمرأة تابعة له، وامتناع الحد في حق الاصل يوجب امتناعه في حق التبع.
نهر.
وكذا لا عقر عليه، لانه لو لزمه لرجع به الولي عليها لامرها له بمطاوعتها له، بخلاف ما لو زنى الصبي بصبية أو بمكرهة فإنه يجب عليه العقر كما في الفتح.
شرنبلالية.
قوله: (والحق وجوب الحد) أي كما هو قولهما وهذا بحث لصاحب الفتح، وسكت عليه في النهر والمتون والشروح على قول الامام.
قوله: (ولا بالزنا بإكراه) هذا ما رجع إليه الامام، وكان أولا يقول: إن الرجل يحد لانه لا يتصور إلا بانتشار الآلة، وهو آية الطواعية، بخلاف المرأة فلا تحد إجماعا، وأطلق فشمل الاكراه من غير السلطان على قولهما المفتى به من تحققه من غيره، وهو اختلاف عصر وزمان، وتمامه في البحر.
قال ط: والمراد أنه لا يجب على الزاني المكره، فلو زنى مكرها بمطاوعة وجب عليها الحد كما في حاشية الشلبي.
قوله: (ولا بإقرار إن أنكره الآخر) أي لو أقر أحدهما بالزنا أربع مرات في أربع مجالس وأنكر الآخر، سواء ادعى المنكر النكاح أو لم يدعه لا يحد المقر خلافا لهما في الثانية لانتفاء الحد عن المنكر بدليل موجب للنفي عنه فأورث شبهة في حق المقر، لان الزنا فعل واحد يتم بهما، فإذا تمكنت فيه شبهة تعدت إلى طرفيه، لانه ما أطلق بل أقر بالزنا بمن درأ الشرع الحد عنه، بخلاف ما لو أطلق وقال: زنيت
فإنه لا موجب شرعي يدفعه، ومثله لو أقر بالزنا بغائبة لانه لم ينتف في حقها بما يوجب النفي وهو(4/193)
الانكار، ولذا لو حضرت وأقرت تحد، فظهر أن الاعتبار للانكار للغيبة.
فتح ملخصا.
قلت: ويظهر من هذا أن السكوت لا يقوم مقام الانكار.
تأمل، نعم تقدم أنه لو أقر بالزنا بخرساء لا يحد لاحتمال أنها لو كانت تتكلم لابد ت مسقطا، وقدمنا في الباب السابق الفرق بينهما وبين الغائبة.
تنبيه: حيث سقط الحد يجب لها المهر وإن أقرت هي بالزنا وادعى النكاح، لانه لما سقط الحد صار ت مكذبة شرعا، ثم لو أنكرت الزنا ولم تدع النكاح وادعت على الرجل حد القذف فإنه يحد له ولا يحد للزنا، وتمامه في الفتح.
قوله: (وكذا لو قال اشتريتها ولو حرة) أي ولو كانت حرة لا يحد، لانه لم يقر بالزنا حيث ادعى الملك.
وفي كافي الحاكم: زنى بأمة ثم قال اشتريتها شراء فاسدا، أو على أن للبائع فيه الخيار، أو ادعى صدقة أو هبة وكذبه صاحبها ولم يكن له بينة درئ عنه الحد اه.
وفي التتارخانية عن شرح الطحاوي: شهد عليه أربعة بالزنا وأثبتوه ثم ادعى شبهة فقال ظننت أنها امرأتي لا يسقط الحد، ولو قال هي امرأتي أو أمتي لا حد عليه ولا على الشهود اه.
وفي البحر: لو ادعى أنها زوجته فلا حد وإن كانت زوجة للغير، ولا يكلف إقامة البينة للشبهة، كما لو ادعى السارق أن العين ملكه سقط الحد بمجرد دعواه اه وتقدمت هذه متنا في الباب السابق.
قلت: وانظر وجه الفرق بين قوله ظننت أنها امرأتي وقوله هي امرأتي، ولعل وجهه أن قوله ظننت يدل على إقراره بأنها أجنبية عنه فكان إقرارا بالزنا بأجنبية، بخلاف قوله هي امرأتي أو اشتريتها ونحوه فإنه جازم به وبأن فعله غير زنا، فتأمل.
بقي هنا شئ وهو أن الشبهة في هذه المسائل وفي مسألة المتن التي قبلها لم أر من ذكر أنها من أي أقسام الشبه الثلاثة، وظاهر كلامهم أنها خارجة عنها.
ووجهه أنه في هذه المسائل يدعي حقيقة الملك الذي لو ثبت لم يكن وطؤه فيه محرما، بخلاف تلك الاقسام، والظاهر أن النسب هنا لا يثبت وأن الفعل تمحض زنا، وإنما سقط الحد لشبهة صدقه في دعواه الملك بالعقد أو بالشراء ونحوه، وبهذا لا يثبت النسب لان الملك ثابت
لغيره، وعلى هذا فيمكن دخولها في شبهة الفعل وهي شبهة الاشتباه، لان مرجعها إلى أنه اشتبه عليه الامر بظنه الحل، والله سبحانه أعلم.
قوله: (وفي قتل أمة بزناها) هذا عندهما.
وأما عند أبي يوسف: فعليه القيمة لا الحد، لانه لم يبق زنا حيث اتصل بالموت كما في المحيط.
قهستاني.
قلت: وصحح في الخانية قول أبي يوسف، لكن المتون والشروح على الاول، بل ما ذكر عن أبي يوسف هو رواية عنه لا قوله، وهي خلاف ظاهر الرواية عنه كما أوضحه في الفتح.
قوله: (الحد بالزنا والقيمة بالقتل) أشار إلى توجيه وجوب الحد والقيمة بأنهما جنايتان مختلفتان بموجبين مختلفين ط.
قوله: (ولو أذهب عينها) كذا في البحر وغيره، والاظهر عينيها بالتثنية ليلزم كل القيمة لكنه مفرد مضاف فيعم بقرينة قوله الجثة العمياء.
قوله: (فأورث شبهة) أي في ملك المنافع تبعا فيندرئ عنه الحد بخلاف ما مر، فإن الجثة فائتة بالقتل فلا تملك بعد الموت، وتمامه في الفتح.
قوله: (وتفصيل ما لو أفضاها في الشرح) أي شرح المصنف.(4/194)
وحاصله أنه إن أفضاها وهي كبيرة مطاوعة بلا دعوى شبهة حد، ولا عقر عليه لرضاها به، ولا مهر لوجوب الحد، وإن كان مع دعوى شبهة فلا حد ويجب العقر، وإن كانت مكرهة ولم يدع شبهة لزمه الحد لا المهر، وضمن ثلث الدية إن استمسك بولها، وإلا فكلها لتفويته جنس المنفعة على الكمال، وإن ادعى شبهة فلا حد، ثم إن استمسك فعليه ثلث الدية، ويجب المهر في ظاهر الرواية، وإن لم يستمسك فكل الدية ولا مهر، خلافا لمحمد.
وإن أفضاها وهي صغيرة، فإن كان يجامع مثلها فكالكبيرة، إلا في حق سقوط الارش برضاها، وإلا فلا حد ولزمه ثلث الدية والمهر كاملا إن استمسك بولها، وإلا فكل الدية دون المهر، خلافا لمحمد لدخول ضمان الجزء لضمان الكل، كما لو قطع أصبع إنسان ثم كفه قبل البرء اه.
قوله: (فلا حد عليه اتفاقا) لانه ملكها بالضمان فأورث شبهة في ملك المنافع أخذا مما مر، وهذا إذا لم تمت.
ففي الجوهرة: ولو غصب أمة فزنى بها فماتت من ذلك أو غصب حرة ثيبا فزنى بها فماتت من ذلك.
قال أبو حنيفة: عليه الحد في الوجهين مع دية الحرة وقيمة الامة، أما الحرة فلا إشكال
فيها لانها لا تملك بدفع الدية، وأما الامة فإنها تملك بالقيمة، إلا أن الضمان وجب بعد الموت والميت لا يصلح تملكه.
قوله: (كما لو زنى بحرة) تقدمت متنا في الباب السابق عند قوله وندب تلقينه.
قوله: (لا يسقط الحد) أي في المسألتين لعدم الشبهة وقت الفعل كما ذكره الشارح هناك.
وقوله اتفاقا ذكره في: الفتح عن جامع قاضيخان في المسألة الاخيرة، وقدم الشارح أنه الاصح، ومفاده الخلاف.
وذكر في البحر عن المحيط: لو تزوج المزني بها أو اشتراها لا يسقط الحد في ظاهر الرواية لانه لا شبهة له وقت الفعل اه.
ثم ذكر في أول هذا الباب عن الظهيرية خلافا في المسألتين، هو أنه لا حد فيهما عنده بل عند أبي يوسف.
وروى الخلاف بالعكس.
وروى الحسن عن الامام أنه لا حد في الشراء بل في التزوج، لانه بالشراء يملك عينها، بخلاف التزوج.
قلت: ومسألة الغصب الثانية التي ذكرها المصنف توافق ظاهر الرواية.
قوله: (أما بتمكينه) أي تمكين الخليفة ولي الحق من الاستيفاء.
قوله: (وبه علم الخ) لانه لم يشترط القضاء هنا، فلو قتل الولي القاتل قبل القضاء لم يضمن وكذا لو أخذ ماله من غاصبه، بخلاف ما لو قتل أحد الزاني قبل القضاء برجمه فإنه يضمن كما مر، لان القضاء شرطه.
قوله: (ولا ولاية لاحد عليه) أي ليستوفيه.
وفائدة الايجاب الاستيفاء، فإذا تعذر لم يجب.
وأورد عليه ما المانع من أن يولي غيره الحكم بما يثبت عنده كما في الاموال، قيل ولا مخلص إلا إن ادعى أن قوله تعالى: * (فاجلدوا) * (سورة النور: الآية 2) يفهم أن الخطاب للامام أن يجلد غيره، وقد يقال أين دليل إيجاب الاستنابة.
فتح.
والله سبحانه أعلم.(4/195)
باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها تقدم أن الزنا يثبت بالاقرار والبينة، وقدم كيفية ثبوته بالاول، لان الثاني أندر نادر لضيق شروطه.
وأيضا لم يثبت عنده (ص) ولا عند أصحابه بعده إلا بالاقرار كما في الفتح.
قوله: (شهدوا بحد متقادم) أي بسبب حدلانه المشهود به لا نفس الحد اه ح: أي ففي التعبير تساهل كما في
الفتح.
قوله: (للتهمة) لان الشاهد مخير بين أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالاقدام على الاداء بعده لعداوة حركته فيتهم فيها وإن كان لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع، بخلاف الاقرار لان الانسان لا يعادي نفسه.
هداية.
وأورد على قوله يصير فاسقا بأن ذلك لو كان الاداء واجبا، وليس كذلك، إلا أن يجاب بأن سقوط الوجوب لاجل الستر فإذا أدى لم يوجد موضع الرخصة المسقطة للوجو ب.
تأمل.
قوله: (إذ فهي حق العبد الخ) أي وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى اه ح.
قال في الهداية: فحد الزنا والشرب والسرقة خالص حقه تعالى حتى يصح الرجوع عنها بعد الاقرار فيكون التقادم فيه مانعا.
وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الاقرار، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، ولان الدعوى فيه شرط، فيحمل تأخيرهم على انعدام الدعوى فلا يوجب تفسيقهم، بخلاف السرقة لان الدعوى ليست بشرط للحد لانه خالص حقه تعالى على ما مر، وإنما تشترط للمال.
هداية.
وحاصله أن في السرقة أمرين: الحد والمال، وإنما تشترط الدعوى للزوم المال لا للزوم الحد، ولذا ثبت المال بها بعد التقادم لانه لا يبطل به، بخلاف الحد.
قوله: (ويضمن المال الخ) عطف على قوله: لم تقبل قال في البحر: وقولهم بضمان المال مع تصريحهم بوجود التهمة في شهادتهم مع التقادم مشكل، لانه لا شهادة للمتهم ولو بالمال، إلا أن يقال: إنها غير محققة، وإنما الموجود الشبهة اه: أي إنما سقط الحد لاحتمال العداوة، وذل ك غير محقق لكنه يصير شبهة يسقط بها الحد دون المال.
قوله: (لانه حق العبد) ولا تأخير الشهادة لتأخير الدعوى لا يوجب فسقا، وينبغي أنهم لو أخروا الشهادة لا لتأخير الدعوى أن لا تقبل في حق المال أيضا كما في الفتح.
نهر.
قوله: (لانتفاء التهمة) لان الانسان لا يعادي نفسه كما مر.
قوله: (إلا في الشرب) فإن التقادم فيه يبطل الاقرار عند أبي حنيفة وأبي يوسف.
بحر عن غاية البيان.
وأما عند محمد فلا يبطله، وسيجئ تصحيحه في بابه.
قوله: (هو الاصح) اعلم أن التقادم عند الامام مفوض إلى رأي القاضي في كل عصر، لكن الاصح ما عن محمد أنه مقدر بشهر، وهو مروي عنهما أيضا.
وقد اعتبره محمد في شرب
الخمر أيضا.
وعندهما: هو مقدر بزوال الرائحة، وجزم به في الكنز في بابه، فظاهره كغيره أنه المختار.
فعلم أن الاصح اعتبار الشهر إلا في الشرب.
بحر.
وبه ظهر أن ما ذكره المصنف ليس قول محمد على إطلاقه، بل هو ماش على قولهما في الشرب، وعلى قول محمد في غيره، فافهم.(4/196)
قوله: (وقيل لا) أقول هذا هو المذهب، لانه هو المذكور في كافي الحاكم الشهيد، حيث قال: وإذا شهد الشهود على رجل بزنا قديم لم آخذ بشهادتهم ولا أحدهم اه.
ولذا قال الكرخي: إنه الظاهر: أي ظاهر الرواية.
وعلله في العناية بأن عددهم متكامل وأهلية الشهادة موجودة وذلك بمنع أن يكون كلامهم قذفا.
قوله: (بغائبة) أي والشهود يعرفونها، إذ لا حد عليه بعدم معرفتها كما يأتي.
شرنبلالية.
قوله: (ولو على سرقة) مثله القذف كما يشير إليه تعليله ح.
قوله: (لشرطية الدعوى الخ) أي أنها شرط للعمل بالبينة، لان الشهادة بالسرقة تتضمن الشهادة بملك المسروق للمسروق منه فلا تقبل بلا دعوى، وليست شرطا لثبوت الزنا عند القاضي، ولا يقال: يحتمل أن الغائبة لو حضرت تدعي النكاح فيسقط الحد.
لانا نقول: دعواها النكاح شبهة واحتمال دعواها ذلك شبهة الشبهة فلا تعتبر، وإلا أد إلى نفي كل حد لان ثبوته بالبينة أو الاقرار.
ويحتمل أن يرجع المقر أو الشهود، وذلك لا يعتبر، لان نفس هذا الرجوع شبهة واحتماله شبهة الشبهة.
أفاده في الفتح.
قوله: (حد) لانه لا يخفى عليه من له فيها شبهة فإنه كما لا يقر على نفسه كاذبا لا يقر على نفسه حال الاشتباه، فلما أقر بالزنا كان فرع علمه أنها لم تشتبه عليه، وصار معنى قوله لم أعرفها: أي باسمها ونسبها، ولكن علمت بأنها أجنبية، فكان هذا كالمنصوص عليه، بخلاف الشاهد فإنه يجوز أن يشهد على من تشتبه عليه فلا يكون قول الشاهد لا أعرفها موجبا للحد: فتح.
قوله: (لاحتمال أنها امرأته أو أمته) لو قال لاحتمال أن يكون له فيها شبهة لكان أعم اه ح.
وفي كافي الحاكم: وإن قال المشهود عليه إن التي رأوها معي ليست لي بامرأة ولا خادم لم يحد أيضا لتصور أن تكون أمة ابنه أو منكوحته نكاحا فاسدا.
بحر.
قوله: (كاختلافهم في طوعها) بأن شهد اثنان أنه أكرهها وآخران أنها طاوعته لم يحدا عنده.
وقالا: يحد الرجل لاتفاقهم على أنه زنى، وتفرد اثنان منهم بزيادة جناية وهي الاكراه،
وله أنه زناءان مختلفان لم يكمل في كل نصاب، لان زناها طوعا غير مكرهة فلا حد، ولا الطوع يقتضي اشتراكهما في الفعل والكره يقتضي تفرده فكانا غيرين ولم يوجد في كل نصاب.
ثم إن اتفاق الشهود على النسبة إلى الزنا بلفظ الشهادة مخرج لكلامهم من أن يكون قذفا، وتمامه في الزيلعي.
قوله: (ولو على كل زنا أربعة) راجع لقوله: أو في البلد كما اقتضاه كلام الشراح في تصويرهم المسألة وتعليلهم بامتناع فعل واحد في ساعة واحدة في مكانين متباينين فتيقنا بكذب أحد الفريقين.
وظاهره أنه لو شهد أربعة بالطوع وأربعة بالاكراه يحدان، وبه جزم محشي مسكين معللا بعدم التيقن بكذب أحد الفريقين حيث لم يذكروا وقتا واحدا، وجزم ج بأن لا حد لما مر أول الباب السابق من أن الحد يسقط في دعوى الاكراه إذا برهن.
قال: ومعلوم أن ذلك بعد ثبوت الحد عليه بالبينة، والبينة المثبتة للحد لا بد وأن تشهد بالطوع اه.
قلت: هذا إنما يظهر إذا ذكروا وقتا واحدا، وإلا فيمكن حمله على فعلين: أحدهما بالاكراه، والآخر بالطوع.
وأما ما مر في الباب السابق فهو فيما إذا شهد أربعة على زناه طوعا وأقام شاهدين(4/197)
على الاكراه في ذلك الفعل بعينه لا مطلقا فيندرئ الحد عنه للشبهة، فافهم، والله سبحانه أعلم.
قوله: (وإلا) بأن اتحد الوقت وتقارب المكانان، أو اختلف الوقت وتباعد المكانان، أو تقاربا.
ح.
قوله: (في زاويتي بيت) أي جانبيه.
قوله: (لامكان التوفيق) بأن يكون ابتداء الفعل في زاوية والانتهاء في أخرى بالاضطراب والحركة.
بحر.
لا يقال: هذاتو أما الاولى: فلان الزنا لا يتحقق مع بقاء البكارة ونحوه فلا يحدان لظهور الكذب، ولا الشهود لان ثبوت البكارة ونحوها بقول امرأة أو أكثر حجة في إسقاط الحد لا في إيجابه.
وأما الثانية: فلم يحد لاشتراط العدالة لثبوت الزنا، ولا الشهود، سواء علم فسقهم في الابتداء أو ظهر بعده، لان الفاسق من أهل الاداء والتحمل وإن كان في أدائه نوع قصور لتهمة الفسق، ولذا لو قضى بشهادته ينفذ عندنا فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فسقط الحد عنهم، ولذا لا يحد القاذف لو أقام أربعة من الفساق على زنا المقذوف.
وأما الثالثة: فلان الشهادة على الشهادة لا تجوز في الحدود لزيادة الشبهة باحتمال الكذب في موضعين في الاصول وفي الفروع، ولا يحد الفروع لان الحاكي للقذف غير قاذف وكذا الاصول بالاولى، ولو شهدوا بعد الفروع لرد شهادتهم من وجه برد شهادة الفروع اه.
ملخصا من البحر.
قوله: (فوجد مجبوبا) وجه عدم حد الشهود فيه يؤخذ مما عللوا به أيضا في البكارة والرتق وهو تكامل عددهم ولفظ الشهادة ثم رأيته كذلك في الدرر، فافهم.
وأيضا سيأتي أن المجبوب لا حد على قاذفه، وبه علل المسألة هنا الحاكم في الكافي.
قوله: (عميان) أي أو عبيد أو صبيان أو مجانين أو كفار.
نهر.
قوله: (حدوا القذف) أي دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب فلا يثبت الزنا.
قوله: (وأرش جلده) أي إذا كان جرحه الجلد كما في الهداية.
قوله: (خلافا لهما) حيث قال: إن الارش في بيت المال لانه ينتقل فعل الجلاد للقاضي وهو عامل للمسلمين فتجب الغرامة في مالهم.
وله أن الفعل الجارح لا ينتقل للقاضي لانه لم يأمر به فيقتصر على الجلاد، إلا(4/198)
أنه لا يجب عليه الضمان في الصحيح كيلا يمتنع الناس عن الاقامة مخافة الغرامة.
ابن كمال.
وعلى هذا الخلاف إذا رجع الشهود لا يضمنون عنده.
وعندهما يضمنون، وتمامه في الهداية والنهر.
وفي العزمية عن بعض شرح الهداية: ومعرفة الارش أن يقوم المحدود عبدا سليما من هذا الاثر فينظر ما ينقص به القيمة: ينقص من الدية بمثله اه.
قلت: لكن قوله: ينقص من الدية بمثله لا محل له، بل الظاهر أن يقال: فينظر ما ينقص به القيمة يؤخذ من الشهود.
وبيانه أنه لو فرض أن قيمته سليما ألف وقيمته بهذه الجراحة تسعمائة تكون الجراحة نقصته مائة هي الارش فيرجع على الشهود بها.
قوله: (فقط) قيد لقوله: ويحد من رجع أي يحد الراجع فقد حد القذف دون الباقين لبقاء شهادتهم.
قوله: (وغرم ربع الدية) لان التألف بشهادته ربع الحق، وكذا لو رجع الكل حدوا وغرموا الدية.
نهر.
وقول البحر: وغرموا ربع الدية صوابه جميع الدية كما قاله الرملي.
قوله: (وإن رجع قبله) أي الرجم سواء كان قبل القضاء أو بعده.
نهر.
قوله: (حدوا للقذف) أي حد الشهود كلهم.
أما إذا كان قبل القضاء فهو قول علمائنا الثلاثة
لانهم صاروا قذفة.
ك، أما بعده فهو قولهما وقال محمد: يحد الراجع فقط لان الشهادة تأكدت بالقضاء فلا تنفسخ إلا في حق الراجع.
ولهما أن الامضاء من القضاء، ولذا سقط الحد عن المشهود عليه.
نهر.
قوله: (لان الامضاء الخ) هذا التعليل فيما إذا كان الرجوع بعد القضاء واقتصر عليه لعدم الخلاف عند الثلاثة فيما قبله، فافهم.
ومعناه أن إمضاء الحد من تمام القضاء به.
وثمرته تظهر أيضا فيما إذا اعترضت أسباب الجرح أو سقوط إحصان المقذوف أو عزل القاضي كما في المعراج.
قوله: (حدا وغرما ربع الدية) أما الحد فلانفساخ القضاء بالرجم في حقهما.
وأما الغرم فلان المعتبر بقاء من بقي لا رجوع من رجع.
وقد بقي من يبقى ببقائه ثلاثة أرباع الدية فيلزمهما الربع.
فإن قيل: الاول منهما حين رجع لم يلزمه شئ فكيف يجتمع عليه الحد والضمان بعد ذلك برجوع غيره؟ قلنا: وجد منه الموجب للحد والضمان وهو قذفه وإتلافه بشهادته، وإنما امتنع الوجوب لمانع وهو بقاء من يقوم بالحق، فإذا زال المانع برجوع الثاني ظهر الوجوب.
ح عن الزيلعي.
قوله: (ولو رجع الثالث ضمن الربع) وكذا الثاني والاول.
بحر عن الحاوي القدسي.
قوله: (ولو رجع الخمسة) أي معا لا مرتبا.
قوله: (وضمن المزكي) أفرده لانه لا يشترط العدد في التزكية كما في الفتح: أي ضمن من زكى شهود الزنا إذا رجع عن التزكية وتؤخذ الدية من ماله لا من بيت المال، خلافا لهما، لان الشهادة إنما تصير حجة بالتزكية فكانت في معنى علة العلة فيضاف الحكم إليها، بخلاف شهود الاحصان إذا رجعوا لانه محض الشرط.
قوله: (إن ظهروا) أي شهود الزنا.
قوله: (عبيدا أو كفارا) بيان لقوله: غير أهل أشار به إلى أن المراد به كونهم غير أهل للاداء وإن كانوا أهلا للتحمل.
قوله: (وهذا الخ) تورك على المصنف حيث ترك كالكنز قيد الرجوع(4/199)
أخذا بظاهر كلام المنظومة، وقد حقق المقام في الفتح، فراجعه.
قوله: (بحرية الشهود وإسلامهم) أي وعدالتهم، وقيد بالاخبار بذلك ليكون تزكية سواء كان بلفظ الشهادة أو بلفظ الاخبار، لانه لو أخبر بأنهم عدول ثم ظهروا عبيدا لم يضمن اتفاقا لانها ليست تزكية، والقاضي قد أخطأ حيث اكتفى بهذا القدر.
بحر.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يرجع بل استمر على تزكيته قائلا هم أحرار مسلمون،
وكذا لو قال أخطأت.
فتح.
قوله: (ولا يحدون) أي الشهود، وكذا لا يضمنون.
بحر.
قوله: (لانه لا يورث) لانهم قذفوا حيا وقد مات فلا يورث كما في الفتح.
قلت: ولا يرد عليه المسألة المتقدمة، وهي ما إذا رجع أحد الاربعة بعد الرجم لما مر من انقلاب شهادته بالرجوع قذفا: أي لانها وقعت كانت معتبرة شهادة ثم انفسخت فصارت قذفا للحال كما حققه في الفتح هناك.
قوله: (كما لو قتل الخ) هكذا عبر في الدرر.
واعترض بأنه يوهم أن الضامن هو المزكي.
وليس كذلك بل هو القاتل، فالتشبيه بين الضمانين فقط لا مع ما أسند إليهما.
والاوضح قول الوقاية ضمن الدية: من قتل المأمور برجمه أو زكى شهود زناه فظهروا عبيدا أو كفارا اه.
قوله: (بعد التزكية) قيد به لان المراد بالامر ه الكامل، وهو أن يكون بعد استيفاء ما لا بد منه نهر، ويأتي محترزه.
قوله: (فظهروا كذلك) أما لو لم يظهروا كذلك فلا شئ على القاتل لكنه يعزر لافتيائه على الامام.
بحر عن الفتح.
وقدمه الشارح أول الحدود عن النهر بحثا.
قوله: (غير أهل) بدل من قوله كذلك.
قوله: (يضمن الدية) أي في ماله لانه عمد والعاقلة لاتعقل العمد، وتجب في ثلاث سنين لانه وجب بنفس القتل فيجب مؤجلا كالدية.
فتح.
قوله: (استحسانا) والقياس وجوب القصاص لانه قتل نفسا محقونة الدم عمدا بفعل لم يؤمر به، إذ المأمور به الرجم فلا يصير فعله منقولا إلى القضاء.
قوله: (لشبهة صحة القضاء) أي ظاهرا لانه حين قتله كان القضاء بالرجم صحيحا ظاهرا فأورث شبهة الاباحة.
قوله: (قبل الامر) أي قبل القضاء بالرجم كما عبر في الفتح، لان المراد بالامر الكامل كما مر.
قوله: (أو بعده) أي بعد الامر قبل التزكية خطأ من القاضي.
بحر.
قوله: (اقتص منه) أي في العمد ووجب في الخطإ الدية على عاقلته في ثلاث سنين.
بحر.
قوله: (كما يقتص الخ) التشبيه من حيث وجوب القصاص فقط.
وأفاد الفرق بين المسألتين من حيث وجوب القصاص هنا وإن لم يظهر الشهود عبيدا، وذلك أن المقتضي بقتله قصاصا حق الاستيفاء منه للولي، بخلاف المقضي برجمه.
قوله: (زيلعي من الردة) أي من باب الردة وهذا العزو كذلك وقع في البحر، وعزاه في النهر إلى الزيلعي من الدية.
قوله: (وإن رجم) بالبناء للمفعول: أي من أمر القاضي برجمه لو رجمه أحد.
قوله: (فديته في بيت المال) قال
في البحر: لم أر هل الدية تؤخذ حالا أو مؤجلة.
قوله: (فنقل فعله إليه) أي إلى الامام، لان الراجم فعل ما أمره به وقد ظهر عدم صحة الامر فنقل فعله إلى الامام وهو عامل للمسلمين فتجب(4/200)
الغرامة في مالهم، بخلاف ما إذا قتله بغير الرجم، لانه لم يأتمر أمره فلم ينقل فعله إليه، كما أفاده في الفتح.
مطلب: المواضع التي يحل فيها النظر إلى عورة الاجنبي قوله: (لاباحته لتحمل الشهادة) ومثله نظر القابلة والخافضة والختان والطبيب.
وزاد في الخلاصة: من مواضع حل النظر للعورة عند الحاجة: الاحتقان والبكارة في العنة والرد بالعيب.
فتح.
قلت: وكذا لو ادعى الزاني بكارتها، ونظمتها بقولي: ولا تنظر لعورة أجنبي بلا عذر كقابلة طبيب وختان وخافضة وحقن شهود زنا بلا قصد مريب وعلم بكارة في عنة أوزنا أو حين رد للمعيب قوله: (وإن أنكر الاحصان) أي استجماع شرائطه المتقدمة، كأن أنكر النكاح والدخول فيه والحرية.
قوله: (فشهد عليه رجل وامرأتان) أشار به إلى أنه يقبل شهادة النساء في الاحصان عندنا، وفيه خلاف زفر والائمة الثلاثة.
وكيفية الشهادة به أن يقول الشهود تزوج امرأة وجامعها أو باضعها.
ولو قالوا دخل بها يكفي عندهما، لانه متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء يراد به الجماع.
وقال محمد: لا يكفي، وتمامه في الزيلعي والفتح.
قوله: (أو ولدت زوجته منه) أي إذا ولدت في مدة يتصور أن يكون منه جعل واطئا شرعا، لان الحكم بثبوت النسب منه حكم بالدخول بها ولذها يعقب الرجعة.
زيلعي.
قلت: ظاهرة ثبوت الاحصان ولو كان ثبوت النسب بحكم الفراش كتزوج مشرقي بمغربية، وفيه نظر، لكن في الفتح أن الفرض أنهما مقران بالولد، ومثله في شرح الشلبي.
تأمل.
قوله: (قبل الزنا)
متعلق بولدت.
والظاهر أنه غير قيد كما يعلم من تعليل الزيلعي المذكور آنفا، حتى لو ولدت بعد الزنا لدون ستة أشهر يثبت نسبه ويعلم أنه وقت الزنا كان واطئا لزوجته.
تأمل.
قوله: (فهو محصن بإقراره) أي مؤاخذة له بإقراره، فلا يقال: إنها بإنكارها الوطئ لم تصر محصنة فلا يكون هو محصنا أيضا.
قوله: (وبه استغنى الخ) وجه الاستغناء أنه إذا كان أحدهما محصنا دون الآخر علم أن كل واحد منهما إذا زنى يحد بما يستوجبه، فالمحصن يرجم وغيره يجلد كما أفاده التفريع: نعم ما في بعض النسخ أعم، لانه يشمل ما لو كان عدم إحصان أحدهما ببكارته، ولعله أشار إلى هذا بقوله فتأمل.
لا يقال: ما في بعض النسخ غير صحيح كما توهم، لان شرط الرجم إحصان كل ولم يوجد.
لانا نقول: شرط الرجم إحصان كل من الزوجين لا الزانيين، فيرجم من زنى بامرأة إذا كان فيه شروط الاحصان التي منها دخوله بامرأة محصنة مثله.
وأما المرأة المزني بها فلا يشترط لرجمه أن تكون محصنة، بل إحصانها شرط لرجمها هي، فإن كانت محصنة مثله رجمت معه، وإلا جلدت، وهذا ظاهر نبهنا عليه عند الاحصان أيضا، فافهم.(4/201)
والحاصل أن الزانيين إما محصنان فيرجمان، أو غير محصنين فيجلدان، أو مختلفان فيرجم المحص ويجلد غيره.
قوله: (لشبهة الخلاف) أي خلاف العلماء والاخبار في صحته فلم تكن صحته قطعية، وهذه المسألة نقلها في البحر عن المحيط كذلك، فيحتمل أن يكون إسنادها إلى أبي يوسف لكونه هو الذي خرجها، لا لكون غيره قائلا بخلافه، ويحتمل أن يكون فيها خلافهما، والاول أظهر لعدم ذكر المخالف.
تأمل، والله سبحانه أعلم.
باب حد الشرب أخره عن الزنا لان الزنا أقبح منه وأغلظ عقوبة، وقدمه على حد القذف لتيقن الجريمة في الشارب دون القاذف لاحتمال صدقه، وتأخير حد السرقة لانه لصيانة الاموال التابعة للنفوس.
بحر.
قوله: (فلو ارتد فسكر الخ) أقول: ذكر في الدر المنتقى أن المرتد لا يحد للشرب سواء شرب قبل ردته أو فيها فأسلم اه.
ومثله في كافي الحاكم، وسيذكر الشارح في حد القذف عن السراجية لو
اعتقد الذمي حرمة الخمر فهو كالمسلم: أي فيحد.
قوله: (لانه لا يقام على الكفار) يعني أنه لما شرب في ردته لم يكن أهلا لقيام حد الشرب عليه لانه لا يقام على الكفار، وإذا كان وقت الشرب غير موجب للحد لا يحد بعد الاسلام، بخلاف ما إذا زنى أو سرق ثم أسلم فإنه يحد له لوجوبه قبله كما يفيده ما في البحر عن الظهيرية، فافهم.
قوله: (حد في الاصح) أفتى به الحسن، واستحسنه بعض المشايخ.
والمذهب أنه إذا شرب الخمر وسكر منه أنه لا يحد كما في النهر عن فتاوى قارئ الهداية، ومشى في المنظومة المحبية على الاول كما ذكره الشارح في الدر المنتقى.
قلت: وعبارة الحاكم في الكافي من الاشربة: ولا حد على الذمي في الشراب اه.
ولم يحك فيه خلافا وهو بإطلاقه يشمل ما لو سكر منه.
قوله: (لحرمة السكر في كل ملة) هذا ذكره قارئ الهداية.
قلت: ولي فيه نظر، فإن الخمر لم تكن محرمة في صدر الاسلام، وقد كان الصحابة يشربونها وربما سكروا منها كما جاء صريحا.
فمن ذلك ما في الفتح عن الترمذي عن علي رضي الله تعالى عنه صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) * ونحن نعبد ما تعبدون قال: فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (سورة النساء: الآية 34) الآية اه.
فلو كان السكر حراما لزم تفسيق الصحابة.
ثم رأيت في تحفة ابن حجر قال: وشربها المسلمون أول الاسلام، قيل استصحابا لما كان قبل الاسلام.
والاصح أنه بوحي، ثم قيل المباح الشرب لا غيبة العقل لانه حرام في كل ملة.
وزيفه المصنف: يعني النووي، وعليه فالمراد بقولهم بحرمته في كل(4/202)
ملة أنه باعتبار ما استقر عليه أمر ملتنا اه.
وهذا مؤيد لما بحثته، لكن في جوابه الاخير نظر.
قوله: (فلا يحد أخرس) سواء شهد الشهود عليه أو أشار بإشارته المعهودة وأفاد أن الاعمى يحد كما في البحر.
قوله: (للشبهة) لانه لو كان ناطقا يحتمل أن يخبر بما لا يحد به كإكراه أو غص بلقمة.
قال في البحر: ولو قال المشهود عليه بشرب الخمر: ظننتها لبنا أو لا أعلم أنها خمر لم يقبل، فإن قال
ظننتها نبيذا قبل، لانه بعد الغليان والشدة يشارك الخمر في الذوق والرائحة.
قوله: (طائع) مكرر مع قول المتن طوعا.
ح.
قوله: (غير مضطر) فلو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم يحد لانه بأمر مباح.
وقالوا: لو شرب مقداره وزيادة ولم يسكر حد كما في حالة الاختيار.
قهستاني.
وبه صرح الحاكم في الكافي.
قوله: (شرب الخمر) هي النئ من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد.
فإن لم يقذف فليس بخمر عند الامام خلافا لهما، وبقولهما أخذ أبو حفص الكبير.
خانية.
ولو خلط بالماء: فإن كان مغلوبا حد، وإن كان الماء غالبا لا يحد إلا إذا سكر.
نهر.
مطلب في نجاسة العرق ووجوب الحد بشربه وفي أشربة القهستاني: من قال إنها لم تبق خمرا بالطبخ لم يحد شاربها إلا إذا سكر، وعلى هذا ينبغي أن لا يحد شارب العرق ما لم يسكر.
ومن قال إنها بقيت خمرا فالحكم عنده بالعكس، وإليه ذهب الامام السرخسي، وعليه الفتوى، كما في تتمة الفتاوى اه.
قلت: علم بهذا أن المعتمد المفتى به أن العرق لم يخرج بالطبخ والتصعيد عن كونه خمرا فيحد بشرب قطرة منه وإن لم يسكر.
وأما إذا سكر منه فلا شبهة في وجوب الحد به، وقد صرح في منية المصلي بنجاسته أيضا فلا يغرنك ما أشاعه في زماننا بعض الفسقة المولعين بشربه من أنه طاهر حلال، كأنه قاله قياسا على ما قالوه في ماء الطابق: أي الغطاء من زجاج ونحوه فإنه قياس فاسد، لان ذاك فيما لو أحرقت نجاسة في بيت فأصاب ماء الطابق ثوب إنسان تنجس قياسا لا استحسانا، ومثله حمام فيها نجاسات فعرق حيطانها وكواتها وتقاطر، فإن الاستحسان فيها عدم النجاسة للضرورة لعدم إمكان التحرز عنه.
والقياس النجاسة لانعقاده من عين النجاسة.
ولا شك أن العرق المستقطر من الخمر هو عين الخمر تتصاعد مع الدخان وتقطر من الطابق بحيث لا يبقى منها إلا أجزاؤها الترابية، ولذا يفعل القليل منه في الاسكار أضعا ف ما يفعله كثير الخمر، بخلاف المتصاعد من أرض الحمام ونحوه فإنه ماء أصله طاهر خالط نجاسة، مع احتمال أن المتصاعد نفس الماء الطاهر.
ويمكن أن يكون هذا وجه الاستحسان في طهارته، وعلى كل فلا ضرورة إلى استعمال العرق الصاعد من نفس الخمر النجسة العين ولا يطهر بذلك، وإلا لزم طهارة البول.
ونحوه إذا استقطر في إناء ولا يقول به عاقل.
وقد طلب مني أن أعمل بذلك رسالة وفيما ذكرناه كفاية.
قوله: (بلا قيد سكر) تصريح بما أفاده قوله ولو قطرة، إشارة إلى أن هذا هو المقصود من المبالغة للتفرقة بين الخمر وغيرها من باقي الاشربة، وإلا فلا يحد بالقطرة الواحدة لان الشرط قيام الرائحة.
ومن شرب قطرة خمر لا يوجد منه رائحتها عادة، نعم يمكن الحد به على قول محمد الآتي من أنه لو أقر بالشرب لا يشترط قيام الرائحة، بخلاف ما إذا ثبت ذلك بالشهادة.
هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض له، فتأمل.
قوله: (أو سكر من نبيذ ما) أي من أي شراب كان غير الخمر إذا(4/203)
شربه لا يحد به إلا إذا سكر به، وعبر بما المفيدة للتعميم إشارة إلى خلاف الزيلعي حيث خصه بالانبذة الاربعة المحرمة بناء على قولهما.
وعند محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وهو نجس أيضا.
قالوا: وبقول محمد نأخذ.
وفي طلاق البزازية: لو سكر من الاشربة المتخذة من الحبوب والعسل المختار في زماننا لزوم الحد اه.
نهر.
قلت: وما ذكره الزيلعي تبع فيه صاحب الهداية، لكنه في الهداية من الاشربة ذكر تصحيح قول محمد، فعلم أن ما مشى عليه هنا غير المختار كما في الفتح.
وقد حقق في الفتح قول محمد: إن ما أسكر كثيره حرم قليله، وأنه لا يلزم من حرمة قليله أنه يحد به بلا إسكار كالخمر خلافا للائمة الثلاثة، وأن استدلالهم على الحد بقليله بحديث مسلم كل مسكر خمر وبقول عمر في البخاري: الخمر ما خامر العقل وغير ذلك لا يدل على ذلك، لانه محول على التشبيه البليغ كزيد أسد، والمراد به ثبوت الحرمة، ولا يلزم منه ثبوت الحد بلا إسكار، وكون التشبيه خلاف الاصل أوجب المصير إليه قيام الدليل عليه لغة وشرعا، ولا دليل لهم على ثبوت الحد بقليله سوى القياس ولا يثبت الحد به، نعم الثابت الحد بالسكر منه، وقد أطال في ذلك إطالة حسنة، فجزاه الله خيرا، ويأتي حكم البنج والافيون والحشيش.
قوله: (بكونه في دارنا) أي ناشئا فيها.
قوله: (لما قالوا الخ) تعليل لتفسير العلم الحكمي بكونه في دارنا، لكن بالمعنى الذي ذكرناه لا بمجرد الكون في دارنا، وإلا لم يوافق التعليل المعلل.
ويوضح المقام ما في كافي الحاكم الشهيد من الاشربة حيث
قال: وإذا أسلم الحربي وجاء إلى دار الاسلام ثم شرب الخمر قبل أن يعلم أنها محرمة عليه لم يحد، وإن زنى أو سرق أخذ بالحد ولم يعذر بقوله لم أعلم.
وأما المولود بدار الاسلام إذا شرب الخمر وهو بالغ فعليه الحد ولا يصدق أنه لم يعلم.
قوله: (قلت يرد عليه الخ) أي على ما يفهم من قولهم لحرمته: أي الزنا في كل ملة حيث جعلوه وجه الفرق بين الشرب والزنا، فإنه يفهم منه أن الشرب لا يحرم في كل ملة مع أنه مناف لما مر من حرمته كذلك.
ودفع بأن المحرم في كل ملة هو السكر لا نفس الشرب، والمراد التفرقة بين الشرب والزنا.
قلت: وفيه نظر، فإن قولهم فشرب الخمر جاهلا بالحرمة لا يحد أعم من أن يكون سكر من هذا الشرب أو لا، بل المتبادر السكر، ولو كان المراد الشرب بلا سكر لكان الواجب تقييده، أو كان يقال فشرب قطرة نعم قد يدفع أصل الايراد بمنع حرمة السكر في كل ملة لما قدمناه، فافهم.
تتمة: لو شرب الحلال ثم دخل الحرم حد، لكن لو التجأ إلى الحرم لم يحد لانه قد عظمه، بخلاف ما إذ شرب في الحرم لانه قد استخفه.
قهستاني عن العمادي.
ويأتي أنه لو شرب في دار الحرب لا يحد.
فعلم من مجموع ذلك أنه لا يحد للشرب عشرة: ذمي على المذهب، ومرتد وإن شرب قبل ردته وإن أسلم بعد الشرب وصبي، ومجنون وأخرس ومكره، ومضطر لعطش مهلك، وملتجئ إلى الحرم، وجاهل بالحرمة حقيقة وحكما، ومن شرب في غير دارنا، وبه يعلم شروط الحد هنا.
قوله: (بعد الافاقة) أي الصحو من السكر، وهو متعلق بقوله يحد مسلم.
قوله: (فظاهره أنه يعاد) جزم به في البحر.
قال في الشرنبلالية: وفيه تأمل اه.
وبين وجهه فيما نقل عنه بأن الالم(4/204)
حاصل وإن لم يكن كاملا ويصدق عليه أنه حدفلا يعاد بعد صحوه اه.
قلت: وفيه نظر، لما في الفتح: ولا يحد السكران حتيزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار، وهذا بإجماع الائمة الاربعة، لان غيبوبة العقل أو غلبة الطرب تخفف الالم.
ثم ذكر حكاية.
حاصلها: أن السكران وضع على ركبته جمرة حتى طفئت وهو لا يلتفت إليها حتى أفاق فوجد الالم.
قال: وإذا كان كذلك فلا يفيد الحد فائدته إلا حال الصحو، وتأخير الحد
لعذر جائز اه.
وحينئذ فلا يلزم من أن الامام لو أخطأ فحده قبل صحوه أن يسقط الواجب عليه من إقامة الحد بعد الصحو.
ولا يرد أنه لو قطع يسار السارق لا تقطع يمينه أيضا للفرق الواضح، فإن الانزجار حاصل باليسار أيضا وإن كان الواجب قطع اليمين، ولانه لو قطعت اليمين أيضا يلزم تفويت المنفعة من كل وجه وذلك إهلاك، ولذا لا يقطع لو كانت يسراه مقطوعة أو إبهامها.
قوله: (إذا أخذ الشارب) شرط تقدم دليل جوابه وهو قوله: يحد مسلم الخ وضمير أخذ يعود عليه، وهو المراد بالشارب، والمراد أخذه إلى الحاكم.
قوله: (وريح ما شرب الخ) قال في الفتح: فالشهادة بكل منهما: أي من شرب الخمر والسكر من غيره مقيدة بوجود الرائحة، فلا بد مع شهادتهما بالشرب أن يثبت عند الحاكم أن الريح قائم حال الشهادة، وهو بأن يشهدا به وبالشرب أو يشهد به فقط فيأمر القاضي باستنكاهه فيستنكه ويخبر بأن ريحها موجود اه.
قوله: (وهو مؤنث سماعي) الاولى وهي لعوده إلى الريح، ولكنه ذكر ضميرها لتذكير الخبر، والمؤنث السماعي هو ما لم يقترن لفظه بعلامة تأنيث، ولكنه سمع مؤنثا بالاسناد إن كان رباعيا كهذه العقرب قتلتها، وبه أو بالتصغير إن كان ثلاثيا كعيينة في تصغير عين وهذه النار أضرمتها، وذلك في ألفاظ محصورة.
قوله: (لبعد المسافة) أفاد أن زوالها المعالجة دواء لا يمنع الحد كما في حاشية مسكين معزيا إلى المحيط.
قوله: (ولا يثبت الشرب بها) لانها قد تكون من غيره كما قيل: يقولون لي انكه قد شربت مدامة فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا وانكه بوزن امنع، ونكه من بابه: أي أظهر رائحة فمك.
فتح.
قوله: (بالرائحة) بدل من قوله بها.
قوله: (ولا بتقايئها) مصدر تقايأ اه ح.
لاحتمال أنه شربها مكرها أو مضطرا فلا يجب الحد بالشك، وأشار إلى أنه لو وجد سكران لا يحد من غير إقرار ولا بينة لاحتمال ما ذكرنا، أو أنه سكر من المباح.
بحر.
لكنه يعزر بمجرد الريح أو السكر كما في القهستاني.
قوله: (رجلين) احتراز عن رجل وامرأتين، لان الحدود لا تثبت بشهادة النساء للشبهة كما في البحر.
قوله: (يسألهما الامام) أشار إلى ما في البحر عن القنية من أنه ليس لقاضي الرستاق أو فقيهه أو المتفقهة أو أئمة المساجد
إقامة حد الشرب إلا بتولية الامام.
قوله: (عن ماهيتها) لاحتمال اعتقادهم أن باقي الاشربة خمر.
قوله: (لاحتمال الاكراه) لكن لو قال: أكرهت لا يقبل، لانهم شهدوا عليه بالشرب طائعا وإلا لم(4/205)
تقبل شهادتهم، وتمامه في البحر.
قوله: (لاحتمال التقادم) هذا مبني على قول محمد بأن التقادم مقدر بالزمان وهو شهر، وإلا فالشرط عندهما أن يؤخذ والريح موجودة كما مر.
أفاده في البحر، فالتقادم عندهما مقدر بزوال الرائحة وهو المعتمد كما مر في الباب السابق.
والحاصل أن التقادم يمنع قبول الشهادة اتفاقا، وكذا يمنع الاقرار عندهما لا عند محمد، ورجح في غاية البيان قوله، وفي الفتح أنه الصحيح.
قال في البحر: والحاصل أن المذهب قولهما، إلا أن قول محمد أرجح من جهة المعنى اه.
قوله: (من السكر) بفتح السين والكاف: وهو عصير الرطب إذا اشتد، وقيل كل شراب أسكر.
عناية.
قلت: وهذا ظاهر على قولهما إنه لا يحد بالسكر من الاشربة المباحة، وكذا على قول محمد إنه يحد لعدم توافق الشاهدين على المشروب، كما لو شهد اثنان أنه زنى بفلانة واثنان أنه زنى بفلانة غيرها.
تأمل.
قوله: (ظهيرية) ومثله في كافي الحاكم.
قوله: (أو بإقراره) عطف على قوله: بشهادة رجلين وقدر الشارح يثبت لطول الفصل.
قال في البحر: وفي حصره الثبوت في البينة والاقرار دليل على أن من يوجد في بيته الخمر وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد شربوها لا يحدون وإنما يعزرون، وكذا الرجل معه ركوة من الخمر اه.
بل تقدم أنه لو وجد سكران لا يحد بلا بينة أو إقرار، بل يعزر.
قوله: (مرة) رد لقول أبي يوسف: إنه لا بد من إقراره مرتين.
بحر.
ولم يتعرض لسؤال القاضي المقر عن الخمر: ما هي؟ وكيف شربها؟ وأين شرب؟ وينبغي ذلك كما في الشهادة، ولكن في قول المصنف وعلم شربه طوعا إشارة إلى ذلك.
شرنبلالية.
تأمل.
قوله: (متعلق بيحد) أي تعلقا معنويا لانه مفعول مطلق عامله يحد.
قوله: (كما مر) فلا يضرب الرأس والوجه، ويضرب بسوط لا ثمرة له، وينزع عنه ثيابه في المشهور إلا الازار
احتراز عن كشف العورة.
بحر.
وفي شرح الوهبانية: والمرأة تحد في ثيابها.
قوله: (فلو أقر سكران) أي أقر على نفسه بالحدود الخالصة حقا لله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة لا يحد، إلا أنه يضمن المسروق، بخلاف حد القذف لان فيه حق العبد، والسكران كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له، لانه أدخل الآفة على نفسه، فإذا أقر بالقذف سكران حبس حتى يصحو فيحد للقذف ثم يحبس حتى يخف عنه الضرب فيحد للسكر، وينبغي أن يقيد حده للسكر بما إذا شهد عليه به وإلا فبمجرد سكره لا يحد لاقراره بالسكر، وكذا يؤاخذ بالاقرار بسبب القصاص وسائر الحقوق من المال والطلاق والعتاق وغيرها فتح ملخصا.
وقوله: عقوبة له الخ يدل على أنه لو سكر مكرها أو مضطرا لا يؤاخذ بحقوق العباد أيضا.
قوله: (أو أقر كذلك) أي بعد زوال ريحها، وهذا على(4/206)
قولهما: إن التقادم يبطل الاقرار وإنه مقدر بزوال الرائحة.
قوله: (فيعمل الرجوع فيه) لاحتمال صدقه وأنه كاذب في إقراره.
وإذا أقر وهو سكران يزيد احتمال الكذب فيدرأ عنه الحد أيضا.
قوله: (ثم ثبوته الخ) هذا بيان لدليلهما على اشتراط قيام الرائحة وقت الاقرار، فعند عدم قيامها ينتفي الحد لعدم ما يدل عليه، لان الاجماع لم يكمل إلا بقول من اشترط قيامها، لكن قدمنا تصحيح قول محمد بعدم الاشتراط وبيانه في الفتح.
قوله: (والسكران الخ) بيالحقيقة السكر الذي هو شرط لوجوب الحد في الشرب ما سوى الخمر من الاشربة.
ولمكان السكر متفاوتا اشترط الامام أقصاه درءا للحد، وذلك بأن لا يميز بين شئ وشئ، لان ما دون ذلك لا يعري عن شبهة الصحو، نعم وافقهما الامام في حق حرمة القدر المسكر من الاشربة المباحة فاعتبر فيها اختلاط الكلام، وهذا معنى قوله في الهداية: والمعتبر في القدر المسكر في حق الحرمة ما قالاه إجماعا أخذا بالاحتياط اه.
وذكر في الفتح أنه ينبغي أن يكون قوله كقولهما أيضا في السكر الذي لا يصح معه الاقرار بالحدود، لانه يكون أدرأ للحدود، وكذا في الذي لا تصح معه الردة، إذ لو اعتبر فيه أقصاه لزم أن تصح ردته فيما دونه مع أنه يجب أن يحتاط في عدم تكفير المسلم، والامام إنما اعتبر أقصى السكر للاحتياط في درء حد السكر، واعتبار الاقصى هنا
خلاف الاحتياط.
هذ حاصل ما في الفتح.
قلت: لكن ينبغي أن تصح ردته فيما دون الاقصى بالنسبة إلى فسخ النكاح لان فيه حق العبد، وفيه العمل بالاحتياط أيضا كما لا يخفى.
قوله: (ولو ارتد السكران لم يصح) أي لم يصح ارتداده: أي لم يحكم به.
قال في الفتح: لان الكفر من باب الاعتقاد أو الاستخفاف، ولا اعتقاد للسكران ولا استخفاف لانهما فرع قيام الادراك.
وهذا في حق الحكم، أما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان في الواقع قصد أن يتكلم به ذاكرا لمعناه كفر، وإلا لا اه.
وقد علمت آنفا ما المراد بالسكر هنا.
قوله: (فلا تحرم عرسه) أي بسبب الردة في حالة السكر، أما لو طلقها فإنه يقع كما يأتي بيانه.
قوله: (وهذه الخ) يعني أن حكم السكران من محرم كالصاحي، إلا في سبع: لا تصح ردته ولا إقراره بالحدود الخالصة، ولا إشهاده على شهادة نفسه، ولا تزويجه الصغير بأكثر من مهر المثل أو الصغيرة بأقل، ولا تطليقه زوجة من وكله بتطليقها حين صحوه، ولا بيعه متاع من وكله بالبيع صاحيا، ولا رد الغاصب عليه ما غصب منه قبل سكره، هذا حاصل ما في الاشباه.
ونازعه محشيه الحموي في الاخيرة بأن المنقول في العمادية أن حكم السكران فيها كالصاحي، فيبرأ الغاصب من الضمان بالرد عليه، وفي مسألة الوكالة بالتطليق بأن الصحيح الوقوع نص عليه في الخانية والبحر اه.
وقدمناه أول كتاب الطلاق، وكتبنا هناك عن التحرير أن السكران إن كان سكره بطريق محرم لا يبطل تكليفه، فتلزمه الاحكام، وتصح عباراته من الطلاق والعتاق والبيع والاقرار، وتزويج الصغار من كف ء(4/207)
والاقراض والاستقراض، لان العقل قائم، وإنما عرض فوا ت فهم الخطاب بمعصيته فبقي في حق الاثم ووجوب القضاء، ويصح إسلامه كالمكره لا ردت لعدم القصد اه، وقدم الشارح هناك أنه اختلف التصحيح في طلاق من سكر مكرها أو مضطرا، وقدمنا هناك أن الراجح عدم الوقوع، وقدمنا آنفا عن الفتح أنه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد عقوبة له.
مطلب في البنج والافيون والحشيشة قوله: (لكن دون حرمة الخمر) لان حرمة الخمر قطعية يكفر منكرها بخلاف هذه.
قوله: (لا
يحد بل يعزر) أي بما دون الحد كما في الدر المنتقى عن المنح، لكن فيه أيضا عن القهستاني عن متن البزودي أنه يحد بالسكر من البنج في زماننا على المفتى به اه.
تأمل.
قال في المنح: وفي الجواهر: ولو سكر من البنج وطلق: تطلق زجرا، وعليه الفتوى اه.
وقد تقدم عن قاضيخان تصحيح عدم الوقوع فليتأمل عند الفتوى اه.
وتقدم أول الطلاق عن تصحيح العلامة قاسم أنه إذا سكر من البنج والافيون يقع زجرا، وعليه الفتوى، وقدمنا هناك عن النهر أنه صرح في البدائع وغيرها بعدم الوقوع لانه لم يزل عقله بسبب هو معصية.
والحق التفصيل: إن كان للتداوي فكذلك، وإن للهو وإدخال الآفة قصدا فينبغي أن لا يتردد في الوقوع اه.
قلت: ويدل عليه للاول تعليل البدائع، وللثاني تعليل العلامة قاسم، وقدمنا هناك أيضا عن الفتح أن مشايخ المذهبين من الحنفية والشافعية اتفقوا على وقوع طلاق من غاب عقله بالحشيش وهي ورق القنب بعد أن اختلفوا فيها قبل أن يظهر أمرها من الفساد.
قوله: (إن البنج مباح) قيل هذا عندهما.
وعند محمد: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وعليه الفتوى كما يأتي اه.
أقول: المراد بما أسكر كثيره الخ: من الاشربة، وبه عبر بعضهم إلا لزم تحريم القليل من كل جامد إذا كان كثيره مسكرا كالزعفران والعنبر، ولم أر من قال بحرمتها، حتى أن الشافعية القائلين بلزوم الحد بالقليل مما أسكر كثيره خصوه بالمائع.
وأيضا لو كان قليل البنج أو الزعفران حراما عند محمد لزم كونه نجسا لانه قال: ما أسكر كثيره فإن قليله حرام نجس، ولم يقل أحد بنجاسة البنج ونحوه.
، وفي كافي الحاكم من الاشربة: ألا ترى أن البنج لا بأس بتداويه، وإذا أراد أن يذهب عقله لا ينبغي أن يفعل ذلك اه.
وبه علم أن المراد الاشربة المائعة، وأن البنج ونحوه من الجامدات إنما يحرم إذا أراد به السكر وهو الكثير منه دون القليل المراد به التداوي ونحوه، كالتطبب بالعنبر وجوزة الطيب، ونظير ذلك ما كان سميا قتالا كالمحمودة وهي السقمونيا ونحوها من الادوية السمية، فإن استعمال القليل منها جائز، بخلاف القدر المضر فإنه يحرم، فافهم واغتنم هذا التحرير.
قوله: (لانه حشيش) لا معنى لهذا التعليل، وليس في عبارة العناية اه ح.
قلت: وكذا ليس هو في عبارة النهر، ويمكن الجواب بأنه إشارة إلى ما قلناه، فالمراد التعليل
بأنه من الجامدات لا من المائعات التي فيها الخلاف في أن قليلها حرام أو لا، فافهم.
قوله: (أقيم عليه بعض الحد) أي حد الزنا أو السرقة أو الشرب كما في الكافي.(4/208)
قلت: وأما حد القذف ففيه تفصيل سيأتي في آخر الباب الآتي.
قوله: (ثم أخذ الخ) أقحم الشارح هذه المسألة بين كلامي المصنف إشارة إلى أن استئناف الحد للشرب الثاني لا يتقيد بما إذا أقيم عليه بعض الحد، فحول العبارة عن أصلها وكملها بما يناسبها، وأتى بلو في قوله ولو شرب الخ ليجعله مسألة مستأنفة، ولا يخفى ما فيه من حسن الصناعة.
قوله: (لما مر الخ) أي في أثناء الباب السابق: وقال في الهداية هناك: إن التقادم كما يمنع قبول الشهادة في الابتداء يمنع الاقامة بعد القضاء، حتى لو هرب بعد ما ضر ب بعض الحد ثم أخذ بعد ما تقادم الزمان لم يحد، لان الامضاء من القضاء في باب الحدود.
قلت: لكن هذا ظاهر في حد الزنا والسرقة، فإن التقادم مقدر فيهما بشهر كما مر، أما في الشرب فإنه مقدر عندهما بزوال الرائحة، وعند محمد بشهر أيضا والمعتمد قولهما كما مر، وقيام الرائحة إنما يشترط عند الاقرار أو عند الرفع إلى الحاكم، إلا لبعد المسافة، ولا يحد إلا بعد الصحو كما مر، ولم يشترطوا قيام الرائحة عند إقامة الحد، بل الصحو مظنة زوالها، فإذا كان عدم إكمال الحد بسبب زوال الرائحة على قولهما يلزم أن لا يقام عليه الحد إلا مع قيام الرائحة، ولم نر من قال بذلك.
فالظاهر أن هذا تفريع على قول محمد فقط، ولا يصح أن يقال: إنه مفرع على قولهما أيضا بأن تفرض المسألة فيما إذا أقر بالشرب فهرب، لان التقادم يبطل الاقرار عندهما كما تقدم لرجوع المحذور، فإنه يلزم عليه أن المقر لا يحد إلا إذا بقيت الرائحة موجودة، وإن لم يرجع عن إقراره الصادر عند قيام الرائحة.
وأيضا فالهرب رجوع عن الاقرار فلا حاجة معه إلى التقادم، هذا ما ظهر لي، فتأمله.
قوله: (ولو شرب أو زنى ثانيا) أي قبل إكمال الحد كما هو صورة المتن أو قبل إقامة شئ منه.
ففي الصورتين يحد حدا كاملا بعد الفعل الاخير، ويدخل ما بقي من الاول في الثاني، بخلاف ما إذا أقيم عليه حد الشرب فشرب ثانيا، أو حد الزنا فزنى ثانيا فإنه يحد للثاني، حدا
آخر، وبخلاف ما إذا اختلف الجنس، وسيجئ تمام الكلام على ذلك في باب القذف.
قوله: (وإلا لا) أي لا يضمن لان فعلها غير مضاف إليه.
قوله: (مصنف عمادية) أي نقله المصنف عن العمادية ح.
باب حد القذف قوله: (وشرعا الرمي بالزنا) الاولى ما في العناية من أنه نسبة المحصن إلى الزنا صريحا أو دلالة، إذ الحد إنما هو في المحصن.
نهر.
قلت: لكن الاحصان شرط الحد، وله شروط أخر ستذكر، والكلام في الحقيقة الشرعية المشروطة بما يأتي.
وينبغي أن يقيد أيضا بكونه على سبيل التعبير والشتم ليخرج شهادة الزنا.
قوله: (لكن في النهر الخ) عزاه في النهر إلى الحليمي من الشافعية معللا بأن الايذاء في قذف هؤلاء(4/209)
دونه في الحرة الكبيرة المتسترة، وذكره في البحر بحثا غير معزي.
ونقل أيضا عن شرح جمع الجوامع أن القذف في الخلو صغيرة عند الشافعية، قال: وقواعدنا لا تأباه لان العلة فيه لحوق العار، وهو مفقود في الخلوة.
واعترضه في النهر بأنه في الفتح استدل للاجماع بآية: * (والذين يرمون المحصنات) * (سورة النور: الآية 4) وبحديث: اجتنبوا السبع الموبقات وعد منها قذف المحصنات، أي وهذا صادق على قذف المحصنة في الخلوة بحيث لم يسمعه أحد.
واعترضه أيضا الباقاني في شرح الملتقى بأن المذكور في شرح جمع الجوامع عن ابن عبد السلام أنه ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة.
وقال محشيه اللقاني: إن المحقق من هذه العبارة نفي إيجاب الحد لا نفي كونه كبيرة أيضا لتوجه النفي على القيد.
وقال الزركشي أيضا: إن هذا ظاهر فيما إذا كان صادقا دون الكاذب لجراءته على الله تعالى: أي فهو كبيرة وإن كان في الخلوة.
وقال الشارح في شرح الملتقى: قلت الذي حررته في شرح منظومة والد شيخنا تبعا لشيخنا
النجم الغزي الشافعي: إنه من الكبائر وإن كان صادقا ولا شهود له عليه، ولو من الوالد لولده أو لولد لولده إن لم يحد به يعزر ولو غير محصن، وشرط الفقهاء الاحصان إنما هو لوجوب الحد لا لكونه كبيرة.
وقد روى الطبراني عن واثلة عن النبي (ص) أنه قال: من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار.
ثم من المعلوم ضرورة أن قذف أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كفر سواء كان سرا أو جهرا، وكذا القول في مريم، وكذا الرمي باللواطة اه: أي إنه من الكبائر أيضا، وسيأتي بيان حكمه في باب التعزير.
قوله: (كمية) أي قدرا وهو ثمانون سوطا إن كان حرا ونصفها إن كان القاذف عبدا.
بحر.
قوله: (فيثبت برجلين) بيان لقوله: وثبوتا وأشار إلى أنه لا مدخل فيه لشهادة النساء كما مر، وكذا الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي.
ويثبت أيضا: بإقرار القاذف مرة كما في البحر، ولا يستحلف على ذلك، ولا يمين في شئ من الحدود إلا أنه يستحلف في السرقة لاجل المال، فإن أبى ضمن المال ولم يقطع.
وإذا اختلف الشاهدان في الزمان لم تبطل شهادتهما عنده كما في الاقرار بالمال أو بالطلاق أو العتاق، وعندهما لا يحد القاذف وإن شهد أحدهما بالقذف والآخر على الاقرار به لم يحد اتفاقا استحسانا، وكذا تبطل لو اختلفا في اللغة التي قذف بها أو شهد أحدهما أنه قال يا ابن الزانية والآخر أنه قال لست لابيك اه.
ملخصا من كافي الحاكم.
قوله: (عن ماهيته) أي حقيقته الشرعية المارة.
قوله: (وكيفيته) أي اللفظ الذي قذف به اه ح.
قلت: فيه أن هذا اللفظ ركن القذف، والكيفية الحالة والهيئة، كما يقال: كيف زيد؟ فتقول صحيح أو سقيم، وقد مر تفسير السؤال عن الكيفية في الشهادة على الزنا بالطوع أو الاكراه.
فالظاهر أن يقال هنا كذلك، إذ لو أكره القاذف على القذف لم يحد، لكن ظاهر ما في الكافي أن السؤال عن هذا غير لازم حيث قال: وإن جاء المقذوف بشاهدين فشهدا أنه قذفه سئلا عن ماهيته وكيفيته، فإن لم يزيدا على ذلك لم تقبل، فإن القذف يكون بالحجارة ويغير الزنا، وإن قالا نشهد(4/210)
أنه قال يا زاني قبلت شهادتهما وحددت القاذف اه.
فظاهره أن السؤال عن الماهية والكيفية إنما هو
إذا شهد بالقذف، أما لو شهدا بأنه قال يا زاني لا يلزم السؤال عن ذلك أصلا، إذ لو كان مكرها لبيناه فليتأمل.
وعلى هذا فيمكن أن يراد بالكيفية أنه صريح أو كناية، فتأمل.
وفي حاشية مسكين عن الحموي: وينبغي أن يسألهما عن المكان لاحتمال قذفه في دار الحرب أو البغي، وعن الزمان لاحتمال قذفه في صباه لا لاحتمال التقادم لانه لا يبطل به، بخلاف سائر الحدود، ثم رأيت الاول في البدائع اه.
قوله: (إلا إذا شهدا الخ) تكلمنا عليه آنفا.
قوله: (كما يحبسه لشهود) الاولى لشاهد بصيغة المفرد.
قال في النهر فإن لم يعرف عدالتهما حبسه القاضي حتى يسأل عنهما، وكذا لو أقام شاهدا واحدا عدلا وادعى أن الثاني في المصر حبسه يومين أو ثلاثة، ولو زعم أن له بينة في المصر حبسه إلى آخر المجلس.
قالوا: والمراد بالحبس في الاولين حقيقته، وفي الثالث الملازمة.
قوله: (ولا يكلفه) أي لا يأخذ منه كفيلا إلى المجلس الثاني.
وقال أبو يوسف: يأخذه.
نهر.
وسيأتي توضيحه في عبارة المتن.
قوله: (ويحد الحر الخ) أي الشخص الحر، فلا ينافي قوله: ولو ذميا أو امرأة فافهم، ولم أر من تعرض لشروط القاذف، وينبغي أن يقال: إن كان عاقلا بالغا ناطقا طائعا في دار العدل، فلا يحد الصبي بل يعزر، ولا المجنون إلا إذا سكر بمحرم، لانه كالصاحي فيما فيه حقوق العباد كما مر، ولا المكره ولا الاخرس لعدم التصريح بالزنا كما صرح به ابن الشلبي عن النهاية، ولا القاذف في دار الحرب أو البغي كما مر.
وأما كونه عالما بالحرمة حقيقة أو حكما بكونه ناشئا في دار الاسلام فيحتمل أن يكون شرطا أيضا، لكن في كافي الحاكم: حربي دخل دار الاسلام بأمان فقذف مسلما لم يحد في قول أبي حنيفة الاول ويحد في قوله الاخير، وهو قول صاحبيه اه.
فظاهره أنه يحد ولو في فور دخوله، ولعل وجهه أن الزنا حرام في كل ملة فيحرم القذف به أيضا فلا يصدق بالجهل، هذا ما ظهر لي، ولم أر من تعرض لشئ منه.
قوله: (ولو ذميا) الاولى ولكافرا ليشمل الحربي المستأمن كما علمته آنفا، وسيذكره المصنف أيضا.
قوله: (قاذف المسلم الحر الخ) بيان لشروط المقذوف.
قوله: (الثابتة حريته) أي بإقرار القاذف أو بالبينة إذا أنكر القاذف حريته، وكذا لو أنكر حرية نفسه وقال أنا عبد، وعلى حد العبيد كان القول قوله.
بحر عن الخانية.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن المقذوف مسلما حرا، بأن كان كافرا أو مملوكا،
وكذا من ليس بمحصن إذا قذفه بالزنا فإنه يعزر ويبلغ به غايته كما سيذكره في بابه.
قوله: (البالغ العاقل) خرج الصبي والمجنون لانه لا يتصور منهما الزنا، إذ هو فعل محرم، والحرمة بالتكليف.
وفي الظهيرية: إذا قذف غلاما مراهقا فادعى الغلام البلوغ بالسن أو بالاحتلام لم يحد القاذف بقوله.
بحر.
فهذا يستثنى من قولهم: لو راهقا وقالا بلغنا صدقا، وأحكامهما أحكام البالغين.
شرنبلالية.
قوله: (العفيف عن فعل الزنا) زاد الشارح في باب اللعان وتهمته، واحترز به عن قذف ذات ولد ليس له أب معروف، ويأتي أنه لا يحد قاذفها لان التهمة موجودة، فينبغي ذكر هذا القيد هنا، ولم أر من ذكره.(4/211)
ثم اعلم أن الزنا في الشرع أعم مما يوجب الحد، وما لا يوجبه وهو الوطئ في غير الملك وشبهته، حتى لو وطئ جارية ابنه لا يحد للزنا ولا يحد قاذفه بالزنا، فدل على أن فعله زنا وإن كان لا يحد به كما قدمناه عن الفتح أول الحدود.
وأما لو وطئ جاريته قبل الاستبراء فليس بزنا، لانه فحقيقة الملك كوطئ زوجته الحائض، وإنما هو وطئ محرم لعارض، والزنا لا بد أن يكون وطئا محرما لعينه كما يأتي بيانه عند قوله: أو رجل وطئ في غير ملكه ولهذا قال مسكين: قوله عفيفا عن الزنا احتراز عن الوطئ الحرام في الملك، فإنه لا يخرج الواطئ عن أن يكون محصنا اه.
فما قيل إنه لا يصح أن يراد بالزنا هنا المصطلح ولا غيره: غير صحيح، فافهم.
قوله: (فينقص عن إحصان الرجم بشيئين) الاولى شيئين بدون الباء الجارة لان نقص يتعدى بنفسه.
أفاده ط.
هذا، وقدمنا أن شروط الاحصان تسعة فتدبره.
قوله: (وبقي من الشروط الخ) قلت: بقي منها أيضا على ما في شرح الوهبانية: أن لا يكون أم ولده الحرة الميتة، وأن لا يكون أم عبدة الحرة الميتة، وأن يطلب المقذوف الحد، وأن لا يموت قبل أن يحد القاذف لان الحدود لا تورث.
قوله: (أن لا يكون) أي المقذوف وولد القاذف.
قوله: (أو أخرس) لانه لا بد فيه من الدعوى، وفي إشارة الاخرس احتمال يدرأ به الحد.
قوله: (أو مجبوبا) هو مقطوع الذكر والانثيين جميعا كما فسروه في باب العنين، ولا يخفى أن مقطوع الذكر وحده
مثله اه ح.
ووجهه أن الزنا منه لا يتصور فلم يلحقه عار بالقذف لظهور كذب القاذف.
تأمل.
قوله: (أو خصيا) بفتح الخاء: من سل ت خصيتاه وبقي ذكره، والشارح تبع في التعبير به صاحب النهر، وهو وهم سري من ذكر المجبوب لتقارنهما في الخيال.
قال في المحيط: بخلاف ما لو قذف خصيا أو عنينه، لان الزنا منهما متصور لان لهما آلة الزنا اه ح.
قوله: (أو ملك فاسد) كذ في شرح الوهبانية عن النتف، وتبعه المصنف في المنح، وهو خلاف نص المذهب.
ففي كافي الحاكم: رجل اشترى جارية شراء فاسدا فوطئها ثم قذفه إنسان قال على قاذفه الحد اه.
ومثله في القهستاني، وكذا في الفتح قال: لان الشراء الفاسد يوجب الملك، بخلاف النكاح الفاسد لا يثبت فيه ملك، فلذا يسقط إحصانه بالوطئفيه فلا يحد قاذفه اه.
ونحوه في ح عن المحيط.
قلت: وقد يجاب بأن المراد بالملك الفاسد ما ظهر فيه فساد الملك بالاستحقاق.
ففي الخانية: اشترى جارية فوطئها ثم استحقت فقذفه إنسان لا يحد.
قوله: (حتى لو ارتد) وكذا لو زنى أو وطئ وطئا حراما أو صار معتوها أو أخرس أو بقي كذلك لم يحد القاذف كافي الحاكم.
تنبيه: ذكر في النهر عن السراجية أنه لو قذف خنثى بلغ مشكلا لا يحد.
قال: ووجهه أن نكاحه موقوف وهو لا يفيد الحل اه.
واعترضه الحموي بأنه لا دخل للنكاح البات المفيد للحل في إيجاب حد القذف حتى يترتب على عدمه عدم وجوب الحد، وإنما ذاك في حد الزنا بالرجم اه.
قلت: مراد النهر أن الخنثى لو تزوج ودخل فقذفه آخر لا يحد لانه وطئ في غير ملكه، إذ لا(4/212)
يصح النكاح إلا إذا زال الاشكال.
قوله: (بصريح الزنا) بأي لسان كان.
شرنبلالية وغيرها.
واحترز عما لو قال وطئك فلان وطئا حراما أو جامعك حراما فلا حد.
بحر.
وكذا لو قال فجرت بفلانة أو عرض فقال لست بزان كما في الكافي.
وفيه: وإن قال قد أخبرت بأنك زان أو أشهدني رجل على شهادته إنك زان، أو قال اذهب فقل لفلان إنك زان فذهب الرسول فقال له ذلك عنه لم يكن في شئ من ذلك حد.
قوله: (على ما في الظهيرية) ويخالفه ما في الفتح عن المبسوط: أنت أزنى من
فلان أو أزنى الناس لا حد عليه.
وعلله في الجوهرة بأن معناه أنت أقدر الناس على الزنا.
ونقل في الفتح أيضا عن الخانية أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان عليه الحد، وفي أنت أزنى مني لا حد عليه اه.
قلت: ووجه ما في الظهيرية ظاهر لان فيه النسبة إلى الزنا صريحا.
وما في المبسوط ناظر إلى احتمال التأويل، وما في الخانية من التفرقة مشكل.
وقد يوجه بأن قوله أنت أزنى من فلان فيه نسبة فلان إلى الزنا وتشريك المخاطب معه في ذلك القذف، بخلاف أنت أزنى مني لان فيه نسبة نفسه إلى الزنا وذلك غير قذف فلا يكون قذفا للمخاطب لانه تشريك له فيما ليس بقذف.
قوله: (عن شرح المنار) أي لابن ملك في بحث الكناية اه.
قلت: ومثله في المغرب حيث قال: النيك من ألفاظ الصريح في باب النكاح، ومنه حديث ماعز أنكتها قال: نعم.
قوله: (لم يحد) الظاهر أن ذكر لم سبق قلم.
قال في المحيط: ولو قال لغيره: يا زانئ برفع الهمزة: ذكر في الاصل أنه إذا قال عنيت به الصعود على شئ أنه لا يصدق ويحد من غير ذكر خلاف، لانه نوى ما لا يحتمله لفظه، لان هذه الكلمة مع الهمز إنما يراد به الصعود إذا ذكر مقرونا بمحل الصعود، يقال زانئ الجبل وزانئ السطح، أما غير مقرون بمحل الصعود إنما يراد به الزنا، إلا أن العرب قد تهمز اللين وقد تلين الهمزة، فقد نوى ما لا يحتمله فلا يصدق اه ح.
قلت: وقوله من غير ذكر خلاف صريح بالخلاف في كافي الحاكم فقال: وقال محمد: لا حد عليه، ومثله في الخانية، فما ذكره الشارح قول محمد، فافهم.
قوله: (أو بقوله زنأت في الجبل) أي وإن قال عنيت به الصعود خلافا لمحمد فلا يحد عنده لانه حقيقة في الصعود عنده.
قوله: (بالهمز) فلو أتى بالياء المثناة حد اتفاقا، وكذا لو حذف الجبل كما أفاده في غاية البيان، ولو قال عن الجبل، قيل لا يحد وجزم في المبسوط بأنه يحد.
قال في الفتح: وهو الاوجه، لان حالة الغضب تعين تلك الارادة وكونها فوقه، وتعين الصعود مسلم في غير حالة السباب.
نهر.
وفي البحر عن غاية البيان، وهو المذهب عنده.
قوله: (فلا حد) للكذب، ولان فيه نفي الزنا لان نفي الولادة نفي
للوطئ.
بحر.
وكذا لو نفاه عن أمه فقط للصدق لان النسب ليس لامه.
بحر.
قوله: (لابيه المعروف) أي الذي يدعى له، وكذا لست من ولد فلان أو لست لاب أو لم يلدك أبوك، بخلاف(4/213)
لست من ولادة فلان فإنه ليس بقذف.
بحر عن الظهيرية.
وبه علم أن التقييد بأبيه المعروف احتراز عما لو نفاه عن شخص معين غير أبيه لا عما لو نفاه عن أب مطلق شامل لابيه وغيره.
قال في البحر: وأشار المصنف إلى أنه لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه فالحكم كذلك من التفصيل اه.
قوله: (لانها المقذوفة في الصورتين) لان نفي نسبه من أبيه يستلزم كونه زانيا، فلزم أن أمه زنت مع أبيه فجاءت به من الزنا.
نهر ونحوه في الفتح.
قلت: وفيه نظر، بل يستلزم كون المقذوف هو الام وحدها كما صرح به أو لا، أما زنا الاب فغير لازم لانه إذا ولد على فراش أبيه وقد نفى القاذف نسبه عن أبيه لزم منه أن أمه زنت برج آخر، لان المراد بالاب أبوه المعروف الذي يدعى له كما مر، نعم يصح ذلك لو أريد بالاب من خلق هو من مائه فحينئذ يكون قذفا للام ولمن علقت به من مائه لا للاب المعروف، لكنه يخالف قوله قبله: لابيه المعروف هذا ما ظهر لي فتأمله.
قوله: (لا الطالب) هو الذي يقع القدح في نسبه كما يأتي، والمراد به هنا الابن، وهذا إذا كانت المقذوفة ميتة، فلو حية فالطالب هي، وعلى كل فالشرط إحصانها لا إحصان ابنها.
قوله: (في غضب) إذ في الرضا يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له في أسباب المروءة.
هداية.
قوله: (يتعلق بالصور الثلاث) فيه رد على البحر، حيث لم يقيده بالغضب في الثانية بل أطلق فيها تبعا لظاهر عبارة الهداية، لكن أولها الشراح فأجروا التفصيل في الكل.
وذكر في شرح الوهبانية أنه ظاهر المذهب والاعتماد عليه، وتمام تحقيقه في النهر.
قوله: (بطلب المقذوف المحصن) لعل المراد به المحصن في نفس الامر: وإلا فاشتراط الاحصان علم مما مر، فيكون إشارة إلى ما بحثه في القنية حيث نقل أنه إذا كان غير عفيف في السر له مطالبة القاذف ديانة، ثم قال: وفيه نظر، لانه إذا كان زانيا لم يكن قذفه موجبا للحد، وأيده في النهر بأن رفع العار مجوز لا ملزم وإلا لامتنع عفوه عنه وأجبر على الدعوى، وهو خلاف الواقع اه.
قلت: بل في التتارخانية: وحسن أن لا يرفع القاذف إلى القاضي ولا يطالبه بالحد، وحسن
من الامام أن يقول له قبل الثبوت: أعرض عنه ودعه اه.
فحيث كان الطلب غير لازم، بل يحسن تركه فكيف يحل طلبه ديانة إذا كان القاذف صادقا.
قوله: (لانه حقه) عبارة النهر: لان فيه حقه من حيث دفع العار عنه اه.
وهذه العبارة أولى لان فيه حق الشرع أيضا، بل هو الغالب فيه كما أوضحه في الهداية وشروحها.
قوله: (ولو المقذوف غائبا الخ) ذكر هذا التعميم في التتارخانية نقلا عن المضمرات، واعتمده في الدرر وقال: ولا بد من حفظه فإنه كثير الوقوع.
منح.
قلت: ولعله يشير إلى ضعف ما في حاوي الزاهدي: سمع من أناس كثيرة أن فلانا يزني بفلانة فتكلم ما سمعه منهم لآخر مع غيبة فلان لا يجب حد القذف لانه غيبة لا رمي وقذف بالزنا، لان الرمي والقذفبه إنما يكون بالخطاب كقوله يا زاني أو يا زانية.
قوله: (حال القذف) احتراز عن حال الحد، لما في البحر عن كافي الحاكم: غاب المقذوف بعد ما ضر ب بعض الحد لم يتم إلا وهو حاضر لاحتمال العفو اه.
وسينبه عليه الشارح.
قوله: (وإن لم يسمعه أحد نهر) لم أره في النهر هنا، وإنما ذكره أول الباب عن البلقيني الشافعي، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (وإن أمره(4/214)
المقذوف بذلك) أي بالقذف، لان حق الله تعالى فيه غالب ولذا لم يسقط بالعفو كما يأتي، بخلاف مالو قال لآخر اقتلني فقتله حيث يسقط القصاص لانه حقه، ويصح عفوه عنه.
قوله: (وينزع عنه الفرو والحشو) لانهما يمنعان وصول الالم، ومقتضى هذا أنه لو كان عليثوب ذو بطانة غير محشو لا ينزع.
والظاهر أنه إن كان فوق قميص نزع لانه يصير من القميص كالحشو أو قريبا منه، كذا في الفتح.
قوله: (بخلاف حد شرب وزنا) فإنه فيهما يجرد من ثيابه كما مر.
قوله: (لصدقه) لان معناه الحقيقي نفي كونه مخلوقا من مائه.
واعترضهم في الفتح بأن في نفيه عن أبيه احتمال هذا مع احتمال المجاز وهو نفي المشابهة، وقد حكموا حالة الغضب فجعلوها قرينة على إرادة المعنى الثاني المجازي، ونفيه عن جده له معنى مجازي أيضا وهو نفي المشابهة، ومعنى آخر وهو نفي كونه أبا أعلى له بأن لا يكون أبوه مخلوقا من مائه بل زنت به جدته، وحالة الغضب تعين هذا الاخير، إذ لا معنى لاخباره في حالة الغضب بأنك لتخلق من ماء جدك، ولا مخلص إلا أن يوجد إجماع فيه
على نفي التفصيل كالاجماع على ثبوته هناك اه.
ملخصا.
قلت: وقد يجاب بالفرق، وهو أن نفيه عن أبيه قذ ف صريح لانه المعنى الحقيقي، وحالة الغضب تنفي احتمال المجاز وهو المعاتبة بنفي المشابهة في الاخلاق، فقد ساعدت القرينة الحقيقة، بخلاف نفيه عن جده فإن معناه الحقيقي ليس قذفا بل هو صدق، لكن القرينة وهي حالة الغضب تدل على إرادة القذف، فيلزم منه العدول عن الحقيقة إلى المجاز لاثبات الحد، وهو خلاف القاعدة الشرعية من أنه يحتاط في درئه لا في إثباته، على أنه لا مانع من أن يأتي في حالة الغضب بكلام موهم للشتم والسب بظاهره ويريد به معناه الحقيقي، احتيالا لدرء الحد عنه، ولصيانة ديانته من إرادة المنكر والزور الذي هو من السبع الموبقات، بل حال المسلم يقتضي ذلك، بخلاف نفيه عن أبيه، فإنه قذف صريح بحقيقته مع زيادة القرينة كما قلنا، ففي العدول عنه تفويت حق المقذوف بلا موجب، هذا ما ظهر لي، فتدبره.
قوله: (وبنسبته إليه) أي إلى جده بأن قال له أنت ابن فلان لجده.
قوله: (لانهم آباء مجازا) أما الجد فلانه الاب الاعلى، وأما الخال فلما أخرجه الديلمي في الفردوس عن ابن عمر مرفوعا: الخال والد من لاوالد له.
وأما العم، فلقوله تعالى: * (وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) * (سورة البقرة الآية 331) فإن إسماعيل كان عما ليعقوب عليهم السلام.
وأما الراب فللتربية، وقيل: في قول نوح: * (ابني من أهلي) * (سورة هود: الآية 54) إنه كان ابن امرأته.
أفاده في الفتح.
قوله: (ولا بقوله: يا ابن ماء السماء) لانه يراد به التشبيه في الجود والسماحة، لان ماء السماء لقب به عامر بن حارثة الازدي، لانه في وقت القحط كان يقيم ماله مقام القطر فهو كالسماء عطاء وجودا، وتمام في الفتح.
قوله: (وفيه نظر) لان حالة الغضب تأتي عن قصد التشبيه كما قاله ابن كمال.
قلت: وقد أورد هذا في الفتح سؤالا.
وأجاب عنه بأنه لما لم يعهد استعماله لنفي النسب يمكن أن يجعل المراد به في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي، لما لم يستعمل للنفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة والسخاء ليس غير اه.(4/215)
قلت: واستعمال مثل ذلك في التهكم سائغ لغة وشائع عرفا، كما يقال في حال الخصام يا ابن النبي يا ابن الكرام يا كامل يا مؤدب ونحو ذلك مما لا يقصد حقيقته، فافهم.
تنبيه: قال في الفتح: وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء وهو معروف يحد في حاالسباب: بخلاف ما إذ لم يكن اه.
وأقره في البحر والنهر.
قلت: لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن ذلك الرجل مشهورا بالكرم ونحوه، وإلا فهو أصل المسألة، إذ لا فرق بين كونه حيا أو ميتا، ولا خصوصية أيضا لهذا الاسم، بل مثله كل اسم مشهور بصفة جميلة أو قبيحة، فابن ماء السماء والنبطي مثالان، هذا ما ظهر لي.
قوله: (يا نبطي) النبط: جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق، ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم، والجمع أنباط مثل سبب وأسباب، الواحد نباطي بفتح النون وضمها وبزيادة الالف.
مصباح.
تنبيه: في البحر أن ظاهر كلامهم أنه لا يحد في هذه المسائل سواء كان في حالة الغضب أو الرضا.
قوله: (في النهر الخ) عبارته: ينبغي أن يعزر به: أي بقوله يا نبطي، لان النسبة إلى الاخلاق الدنيئة تجعل شتما في الغضب، ويؤيده ما في المبسوط: لو قال لهاشمي لست بهاشمي عزر، وعلى هذا لو نسبه لغير قبيلته أو نفاه عنها.
قوله: (وفيه) أي في النهر عن التتارخانية عن أبي يوسف.
قوله: (يا حمل الزنا) الظاهر أنه محرك الميم بقرينة ما قبله وما بعده: وهو ولد الضأن في السنة الاولى، والسخلة تطلق على الذكر والانثى من أولاد الضأن ساعة تولد، والجمع سخال، وتجمع أيضا على سخل مثل تمرة وتمر.
مصباح.
قوله: (قذف) لان هذه الالفاظ تنبئ عن الولادة فكانت بمعنى يا ولد الزنا.
قوله: (بخلاف يا كبش الزنا) لانه لا ينبئ عن ذلك، أو لانه يطلق على سيد القوم وقائدهم كما في القاموس.
قوله: (يا حرام زاده) لان معناه المتولد من الوطئ الحرام فيعم حالة الحيض، كما سيذكره الشارح مع دفع ما يرد عليه في باب التعزير.
قوله: (وفيها) أي في القنية.
قوله: (فلا حد) أي على قاذف الولد بقوله يا ولد الزنا.
قوله: (لانه ليس بزنا) لان الزنا إدخال رجل ذكره.
فتح.
قوله: (فيراد زنيت وأخذت البدل) أي بلا استئجار.
قال في البحر: فإن قيل بل معناه زنيت بدرهم استؤجرت عليه، فينبغي أن لا يحد في قول أبي حنيفة.
قلنا: هذا محتمل
أيضا فيتقابل المحتملان ويبقى قوله زنيت.
قوله: (لعدم العرف بأخذه للمال) هكذا علل في الفتح والنهر، وفيه نظر فإنه كما يحتمل أن يكون هو الآخذ يحتمل أن يكون هو الدافع، بل هو الاظهر بقرينة العرف، وهو أن الرجل يدفع المال بمقابلة الزنا، نعم قد يأخذ على اللواطة به بدلا، لكن الكلام في الزنا، واللواطة غيره، فتأمل، ويؤيد ما قلنا ما في البحر: ولو قال لرجل زنيت ببعير أو بناقة أو ما أشبه ذلك لا حد عليه، لانه نسبه إلى إتيان البهيمة، فإن قال بأمة أو دار أو ثوب فعليه الحد، كذا في الخانية والظهيرية اه.
قوله: (وإنما يطلبه) أي الحد.
قوله: (بسبب) متعلق بالقدح.(4/216)
قوله: (وهم الاصول والفروع) شمل الاصول الجد، ولا يخالفه قول الخانية: لو قال جدك زان لا حد عليه، لما في الظهيرية من أنه لا يدري أي جد هو.
وفي الفتلان في أجداده من هو كافر فلا يكون قاذفا ما لم يعين مسلما، بخلاف أنت ابن ابن الزاني لانه قذف لجده الادنى، وشمل أيضا الام فتطالب بقذف ولدها، ويستثنى من الاصول أبو الأم وأم الام، وما في الفتح عن الخانية من ذكره أبا الاب بدل أبي الام سبق قلم، فإن الموجود في الخانية أبو الأم.
وخرج الاخ والعم والعمة والمولى كما في الخانية، أفاد ذلك كله في البحر.
قلت: والمراد بالاخ والعم أخو الميت وعمه.
قوله: (محجوبا) كالجد أو ابن الابن مع وجود الاب أو الابن ط.
قوله: (أو رق أو كفر) لانه لا يشترط إحصان الطالب كما مر.
قوله: (أو ولد بنت) فله المطالبة بقذف جده، وعن محمد خلافه، والمذهب الاول لان الشين يلحقه، إذ النسب ثابت من الطرفين.
بحر: أي طرف الاب وطرف الام.
قلت: ويشكل استثناء أبي الام وأم الام من الاصول كما مر، فليس لهما الطلب بقذف ولد البنت، وهنا أثبتوا لابن البنت الطلب بقذف أحدهما.
ويمكن دفع الاشكال بكون الاستثناء المار مبنيا على قول محمد، فليتأمل.
إلى ص.
مطلب في الشرف من الام ثم إن المراد بالنسب الجزئية فإنها مبنى ثبوت حق المطالبة هنا كما في الفتح، وإلا فالنسب
للاب فقط، فليس فيه دليل على أن ابن الشريفة شريف، ولذا قال الشارح في باب الوصية للاقارب من كتاب الوصايا: إن الشرف من الام فقط غير معتبر كما في أواخر فتاوى ابن نجيم، وبه أفتى شيخنا الرملي، نعم له مزية في الجملة اه.
وسيأتى تمامه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (ولو مع وجود الاقرب) مرتبط بقوله: وإنما يطلبه الخ ودخل المساوي بالاولى.
قوله: (للحوقهم العار) من إضافة المصدر إلى مفعوله، والعار بالرفع فاعل المصدر.
ط.
قوله: (بسبب الجزئية) أي كون الميت جزءا منهم أو كونهم جزءا منه.
ط.
قوله: (في الغائب) أي في قذف الغائب، وكذا في الحاضر بالاولى.
قوله: (للتداخل الآتي) أي في آخر الباب، وأشار إلى أن هذه المسألة من فروع تلك، فكان المناسب ذكرها هناك.
قوله: (ليس بقيد) أي في التداخل، فإن عليه حدا واحدا وإن كانا حيين.
قوله: (بل فائدته في المطالبة) أي في ثبوت المطالبة للابن، بخلاف ما إذا كانا حيين فإن الطلب لهما.
ط عن المنح.
قوله: (فجاء بها) الذي رأيته في المبسوط: فأتى بها، والظاهر أنه بالبناء للمجهول لما في التتارخانية وغيرها: إن من مواضع الخطأ أنه ضربها بغير خصم، وهذا يقتضي أن(4/217)
الرجل المذكور لم يرفعها إليه.
قوله: (على إقرار المعتوهة) وإقرارها هدر.
مبسوط.
قوله: (وألزمها الحد) والمعتوهة ليست من أهل العقوبة.
مبسوط: أي لا يلزمها الحد، ولو ثبت عليها ذلك بالبينة فإلزامها به خطأ من حيث ذاته، وكونه بإقرارها خطأ آخر، فافهم.
قوله: (وحدها حدين) ومن قذف جماعة لا يقام عليه إلا حد واحد.
مبسوط.
قوله: (وأقامهما معا) ومن اجتمع عليه حدان لا يوالي بينهما كما يأتي قريبا.
قوله: (وفي المسجد) وليس للامام أن يقيم الحد في المسجد.
مبسوط.
قوله: (وقائمة) وإنما تضرب المرأة قاعدة.
مبسوط.
قوله: (وبلا حضرة وليها) وإنما يقام الحدعلى المرأة بحضرة وليها، حتى إذا انكشف شئ من بدنها في اضطرابها ستر الولي ذلك عليها.
مبسوط.
فالمراد بالولي من يحل نظره إليها من زوج أو محرم.
قوله: (وقال في الدرر الخ) ومثله في الفتح والبحر.
قوله: (غير محصن) يأتي محترزة قريبا.
قوله: (بخلاف المتحد) فإنه يتداخل كما مر آنفا، ويأتي آخر الباب بيانه.
قوله: (ولا يوالي) الظاهر أنه مبني للمجهول ليناسب قوله قبله
يقام عليه الكل ويحتمل بناؤه للفاعل، وكذا قوله: فيبدأ لكنه خلاف المتبادر من عبارة الشارح حيث لم يفسره بالامام، بل فسر به الضمير البارز فقط، وإلا كان المناسب تقديمه، فافهم.
قوله: (لحق العبد) أي لما فيه من حق العبد وإن كان الغالب فيه حق الله تعالى.
قوله: (ولو فقأ) أي فقأ عين رجل.
نهر.
والذي يظهر أن المراد به ذهاب البصر.
رملي: أي لا إذهاب الحدقة لانه لا يمكن فيه القصاص، إذ المراد أنه لو فعل مع هذه الجنايات ما يوجب القصاص فيما دون النفس من إذهاب البصر ونحوه فيبدأ به لانه خالص حق العبد، ثم بالقذف لانه مشوب بحقه.
قوله: (لو محصنا) أما لو غير محصن فإنه يخير لانه يقام عليه الكل، ولا يلغى شئ كما مر.
قوله: (ولغا غيرها) هو حد السرقة والشرب، لانه محض حق الله تعالى وقد فات محله.
قوله: (وضمن للسرقة) يغني عنه ما ذكره بعده، وقيد بالضمان لانه لا يقطع لان القطع حقه تعالى.
قوله: (وترك ما بقي) أي حد السرقة والشرب كما لو لم يوجد مع القتل غيرهما.
قال في النهر: ومتى اجتمعت الحدود لحق الله تعالى وفيها قتل نفس قتل: وترك ما سوى ذلك، لان المقصود الزجر له ولغيره، وأتم ما يكون باستيفاء النفس والاشتغال بما دونه لا يفيد اه.
وفي أحكام الدين من الاشباه ما نصه: ولم أر إلى الآن ما إذا اجتمع قتل القصاص والردة والزنا، وينبغي تقديم القصاص قطعا لحق العبد، وما إذا اجتمع قتل الزنا والردة، وينبغي تقديم الرجم لان به يحصل مقصودهما، بخلاف ما إذا قدم قتل الردة فإنه يفوت الرجم اه.
قوله: (لعدم(4/218)
قطعه) فإن الضمان إنما يسقط لضرورة القطع ولم يوجد.
نهر.
قوله: (وعبد) الواو بمعنى أو فلذا أفرد الضمير بعده.
تأمل.
قوله: (أي أصله وإن علا) ذكرا كان أو أنثى، فلا يطالب أباه أو جده وإن علا وأمه وجدته وإن علت.
بحر.
قوله: (بقذف أمه) أي الميتة.
نهر.
فلو حية كانت المطالبة لها كما مر.
قال في البحر: وأشار إلى أنهما: أي الولد والعبد لا يطالبان بقذفهما بالاولى اه: أي بقذف الاب والمولي لهما.
قوله: (المحصنة) علم منه أنه لا بد أن تكون حرة.
قوله: (أو نحوه) أي كالام وغيرها مما يقع القدح في نسبه كما مر بيانه.
قوله: (ملك الطلب) أي حيث لم يكن مملوكا للقاذف،
فسقوط حق بعضهم لا يوجب سقوط حق الباقين.
بحر: وقيد بقوله للقاذف بأنه لو كان مملوكا لغيره له الطلب، كما أفاده أبو السعود الازهري.
قوله: (عزر) ذكره في النهر بحثا أخذا مما في القنية لو قال لآخر يا حرامي زاده لا يحد، ولو قاله الولد لوالده يعزر، فإذا وجب التعزير بالشتم فبالقذف أولى، فقوله في البحر: وفي نفسي منه شئ لتصريحهم بأن الوالد لا يعاقب بسبب ولده، فإذا كان لقذف لا يوجب عليه شيئافالشتم أولى اه ممنوع.
نهر.
ووجه المنع أن الاولوية بالعكس كما علمته، ولا يلزم من سقوط الحد بالقذف سقوط التعزير به لسقوط الحد بشبهة الابوة لكون الغالب فيه حق الله تعالى، بخلاف التعزير، ولانه لا يلزم من سقوط الاعلى سقوط الادنى، لكن لا يخفى أن قولهم لا يعاقب الوالد بسبب ولده يشمل التعزير لانه عقوبة، فبقي توقف صاحب البحر على حاله.
وقد يجاب بأن القاضي لم يعاقبه لاجل ولده بل لمخالفته أمر الله تعالى.
قوله: (ولا إرث فيه) أي إذا مات المقذوف قبل إقامة الحد على القاذف أو بعد إقامة بعضه بطل الحد، وليس لوارثه إقامته، وهذا بخلاف ما إذا كان المقذوف ميتا، فإن الطلب يثبت لاصوله وفروعه أصالة لا بطريق الارث، وتمامه في البحر.
قوله: (خلافا للشافعي) الاولى ذكره بعد قوله فيه وعنه لان الخلاف في الكل، ومبني الخلاف أن الغالب في حد القذف حق الشرع عندنا وعنده حق العبد، فعنده يورث ويصح الرجوع عنه والعفو والاعتياض نظرا إلى جانب حق العبد، وعندنا بالعكس نظرا إلى جانب حقه تعالى، وبيان تحقيق ذلك في الفتح.
قوله: (ولا اعتياض) مقتضاه أن القاذف إذا دفع شيئا للمقذوف ليسقط حقه رجع به قال المولى سري الدين في حواشي الزيلعي: وهل يسقط الحد إن كان ذلك بعد ما رفع إلى القاضي؟ لا يسقط وإن كان قبله سقط، كذا في فصول العمادي اه.
قلت: ينبغي أن يكون العفو عن هذا التفصيل، ولا ينافيه قولهم إنه لا يبطل بالعفو لحمله على ما بعد المرافعة.
أبو السعود.
أقول: والمنقول خلافه.
ففي الخانية: ولا يسقط هذا الحد بالعفو ولا بالابراء بعد ثبوته، وكذا إذا عفى قبل الرفع إلى القاضي اه.
قوله: (ولا صلح) فلا يجب المال، وسقوط الحد على
التفصيل السابق أفاده المصنف.(4/219)
وأورد أن الصلح هو الاعتياض فلا وجه لذكره بعده.
وأجيب بأن الاعتياض يعم عقد البيع، بخلاف الصلح.
ط.
قوله: (ولا عفو) فلا يسقط الحد بعد ثبوته، إلا أن يقول المقذوف لم يقذفني أو كذب شهودي، فيظهر أن القذف لم يقع موجبا للحد، لا أنه وقع ثم سقط، وهذا كما إذا صدقه المقذوف.
فتح.
قوله: (فيه) متعلق برجوع، وقوله وعنه متعلق باعتياض وما بعده، ففيه لف ونشر مرتب.
قوله: (نعم لو عفا الخ) فيه رد على بعض معاصري صاحب البحر حيث توهم من عدم صحة العفو أن القاضي يقيم الحد عليه مع عفو المقذوف متمسك س بقول الفتح: لا يصح العفو ويحد.
قال في البحر: وهو غلط فاحش.
ففي المبسوط: لا يكون للامام أن يستوفيه، لان الاستيفاء عند طلبه وقد تركه، إلا إذا عاد وطلب فحينئذ يقيم الحد، لان العفو كان لغوا فكأنه لم يخاصم اه.
قال: فتعين حمل ما في الفتح على ما إذا عاد وطلب اه.
قوله: (وكذا الخ) دليل آخر لصاحب البحر استدل به على الرد المذكور، وهو ما في كافي الحاكم: لو غاب المقذوف بعد ما ضرب الحد لم يتم الحد إلا وهو حاضر لاحتمال العفو، فالعفو الصريح أولى.
قوله: (حدا) أي المبتدئ والمجيب، لان كلا منهما قذف صاحبه، أما الاول فظاهر، وكذا الثاني لان معناه لا بل أنت زان، إذ هي كلمة عطف يستدرك به الغلط فيصير المذكور في الاول خبرا لما بعد بل بحر.
ولا يحدان إلا بطلبهما ولو بعد العفو والاسقاط كما مر، وقرره في البحر خلافا لما يوهمه كلام الفتح.
قوله: (لغلبة حق الله تعالى) فلو جعل قصاصا يلزم إسقاط حقه تعالى وهو لا يجوز.
بحر.
قلت: ولعل اشتراط الطلب ولو بعد الثبوت بالنظر إلى ما فيه من حق العبد.
قوله: (مثلا) أي من كل لفظ غير موجب لحد.
قوله: (ما سيجئ) أي في باب التعزير.
قوله: (أو تضاربا) أي ولو في غير مجلس القاضي كما يفيده كلام البحر والتعليل المذكور.
قوله: (لم يتكافآ) فيعزرهما ويبدأ بتعزير المبتدئ منهما لانه أظلم كما سيجئ.
قوله: (لهتك مجلس الشرع) أي هتك احترامه فلم يكن ذلك محض حقهما حتى يعتبر التساوي فيه، وقوله: ولتفاوت الضرب علة لقوله: أو تضاربا
ففيه لف ونشر مرتب.
تنبيه: لو تشاتما بين يدي القاضي هل له العفو عنهما؟ قال في النهر: لم أره، والظاهر لا، بخلاف قوله أخذت الرشوة من خصمي وقضيت علي فقد صرحوا بأن له أن يعفو والفرق بين اه.
مطلب: هل للقاضي العفو عن التعزير؟ قلت: وفيه نظر، لانهما إذا تشاتما استويا حقهما لكنهما أخلا بحرمة مجلس القاضي فبقي مجرد حقه فصار بمنزلة قوله أخذت الرشوة فله العفو.
يدل عليه ما في الولوالجية: لو تشاتما بين يديه ولم ينتهيا بالنهي، إن حبسهما وعزرهم فهو حسن، لئلا يجترئ بذلك غيرهما فيذهب ماء وجه القاضي، وإن عفى عنهما فهو حسن، لان العفو مندوب إليه في كل أمر اه.
وسنذكر في التعزير الاختلاف في أن الامام هل له العفو والتوفيق؟ لصاحب القنية بأن له ذلك في الواجب حقا لله تعالى، بخلاف(4/220)
ما كان لجناية على العبد فإن العفو فيه للمجني عليه، والظاهر أن تشاتمهما عند القاضي.
وقوله أخذت الرشوة اجتمع فيه حق الشرع مع حق العبد وهو القاضي، وترجح فيه حقه فكان حق عبد، كما يفيده كلام الولوالجية، وإلا لم يكن له العفو.
تأمل.
قوله: (ولو قاله لعرسه) أي لو قال لزوجته يا زانية.
قوله: وهو من أهل الشهادة) قيد به لانه إذا لم يكن أهلا لها لا يكون موجب قذفه لعانا ب حدا فيحد اه.
ح عن إيضاح الاصلاح لابن كمال: أي فيحد كل منهما بطلبهما، كما لو قاله لغير عرسه وهو المسألة المارة.
قوله: (فردت به) أي بذلك اللفظ بأن قالت بل أنت.
قوله: (ولا لعان) لانها لما حدت في القذف لم تبق أهلا للعان لانه شهادة، ولا شهادة للمحدود في قذف.
قوله: (الاصل الخ) جواب عما قد يقال لم قدم حدها حتى سقط اللعان مع أنه لو قدم اللعان لا يسقط حد القذف عنها، لان حدالقذف يجري على الملاعنة كما في الفتح.
قوله: (واللعان في معنى الحد) استئناف لبيان دخول المسألة تحت هذا الاصل، فافهم.
قوله: (ولذا) أي لكونه في معنى الحد.
قوله: (بدئ بالحد الخ) الاولى أن يقول: فبدئ بالحد ينفي اللعان، لان البداءة بالحد موقوفة على مخاصمة الام أولا فيسقط اللعان لانه بطلت شهادة الرجل، أما لو خاصمت المرأة أولا فلاعن
القاضي بينهما ثم خاصمت الام يحد الرجل للقذف كما في البحر.
قوله: (ولو قالت في جوابه) أي في جواب قول الزوج لها يا زانية.
قوله: (للشك) لانه يحتمل أنها أرادت به ما قبل النكاح فتحد لقذفها، ولا لعان لتصديقها إياه أو ما كان معه بعد النكاح، وأطلقت عليه زنا للمشاكلة فيجب اللعان دون الحد لوجود القذف منه وعدمه منها، والحكم بتعيين أحدهما بعينه متعذر، فوقع الشك في كل من وجوب اللعان والحد فلا يجب واحد منهما بالشك، حتى لو زال الشك بأن قالت قبل أن أتزوجك أو كانت أجنبية حدت فقط وهو ظاهر اه.
نهر وغيره.
قوله: (قيد بالخطاب) أي بكاف الخطاب فافهم.
قوله: (حد وحده) في بعض النسخ: حد وحدت، وهو تحريف لان الذي في الخانية أن قوله أنت أزنى مني ليس بقذف لما قدمناه من أن معناه أنت أقدر على الزنا، نعم على ما مر عن الظهيرية من أنه قذف تحد هي أيضا.
وقد يقال: إن الحد عليها وحدها، لانه إذا كان قذفا يكون تصديقا له في أنها زانية على ما هو الاصل في أفعل التفضيل من اقتضائه المشاركة والزيادة.
تأمل.
قوله: (ولو كان ذلك) أي المذكور من قوله يا زانية وردها بقوله زنيت بك.
قوله: (حدت) لزوال الشك كما مر.
قوله: (لتصديقها) علة لقوله دونه أي لا يحد هو أيضا لانها صدقته.
قوله: (يلاعن) لان النسب لزمه بإقراره، وبالنفي بعده صار قاذفا لزوجته فيلاعن.
نهر قوله: (وإن عكس) بأن نفاه أولا ثم أقر به قبل اللعان حد، لانه لما أكذب نفسه بطل اللعان الذي كان وجب بنفي الولد، لانه ضروري صير إليه ضرورة التكاذب بين الزوجين فكان خلفا عن الحد، فإذا بطل صير إلى الاصل.
قوله: (لاقراره) أي سابقا ولاحقا، واللعان يصح بدون قطع النسب كما يصح بدون(4/221)
الولد..بحر.
قوله: (فهدر) أي لا يتعلق به حد ولا لعان.
بحر.
قوله: (لانه أنكر الولادة) وبه لا يصير قاذفا، ولذا لو قال لاجنبي لست بابن فلان وفلانة وهما أبواه لا يجب عليه شئ.
زيلعي.
قوله: (لان الهاء تحذف للترخيم) كذا علله في الفتح، وعلله في الجوهرة بأن الاصل في الكلام التذكير.
قوله: (قلنا الاصل الخ) قد علمت أن هذا تعليل المسألة الوفاقية، وعلل لهذه في الجوهرة وغيرها بأنه أحال كلامه فوصف الرجل بصفة المرأة.
وقال في الفتح: ولهما أنه رماه بما يستحيل منه
فلا يحد، كما لو قذف مجبوبا، وكما لو قال أنت محل للزنا لا يحد، وكون التاء للمبالغة مجاز، بل هي لما عهد لها من التأنيث.
ولو كان حقيقة فالحد لا يجب بالشك.
قوله: (في بلد القذف) أي لا في كل البلاد.
بحر.
وهذا أعم من مجهول النسب، لانه من لا يعرف له أب في مسقط رأسه.
شرنبلالية.
قوله: (أو من لاعنت بولد) أي سواء كان حيا أو ميتا، وهذا إذا قطع القاضي نسب الولد وألحقه بأمه وبقي اللعان، فلو لاعنت بغير ولد أو لاعنت بولد ولم يقع نسبه أو بطل اللعان بإكذاب الزوج نفسه ثم قذفها رجل وجب الحد.
أفاده في البحر.
قوله: (لانه) أي الولد في المسألتين أمارة: أي علامة الزنا ففاتت العفة.
قوله: (أو بقذف رجل وطئ في غير ملكه الخ) الاصل فيه أن من وطئ وطئا حراما لعينه لا يحد قاذفه، لان الزنا هو الوطئ المحرم لعينه، وإن كان محرما لغيره يحد قاذفه لانه ليس بزنا، فالوطئ في غير ملكه من كل وجه أو من وجه حرام لعينه، وكذا الوطئ في الملك، والحرمة مؤبدة بشرط ثبوتها بالاجماع أو بالحديث المشهور عند أبي حنيفة لتكون ثابتة من غير تردد، بخلاف ثبوت المصاهرة بالمس والتقبيل لان فيها خلافا، ولا نص فيها بل هي احتياط.
أما ثبوتها بالوطئ فهو بنص: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) * (سورة النساء: الآية 22) ولا يعتبر الخلاف مع النص، فإن كانت الحرمة مؤقتة فالحرمة لغيره، وتمامه في الهداية وشروحها.
قوله: (كأمة ابنه) مثل له في الفتح بقوله: كوطئ الحرة الاجنبية والمكرهة، فالموطوءة إذا كانت مكرهة يسقط إحصانها، فلا يحد قاذفها لان الاكراه يسقط الاثم ولا يخرج الفعل عن كونه، فكذا يسقط إحصانها كما يسقط إحصان المكره الواطئ.
قوله: (كأمة مشتركة) أي بين الواطئ وغيره.
قوله: (أو في ملكه المحرم أبدا) إسناد الحرمة إلى الملك من إسناد ما للمسبب إلى سببه، لان المحرم هو المتعة والملك سببها.
واحترز بقوله: أبدا عن الحرمة المؤقتة، ويأتي أمثلتها قريبا، وترك اشتراط ثبوت الحرمة بالاجماع.
قوله: (في الاصح) احتراز عن قول الكرخي كالائمة الثلاثة: إنه يحد قاذفه لقيام الملك فكان كوطئ أمته المجوسية.
وجه الصحيح أن الحرمة في المجوسية ونحوها يمكن ارتفاعها فكانت مؤقتة، بخلاف حرمة الرضاع فلم يكن المحل قابلا للحل أصلا فكيف يجعل حراما لغيره؟ فتح.
قوله: (لفوات العفة)
تعليل للمسائل الثلاث: أي وإذا زالت العفة زال الاحصان، والنص إنما أوجب الحد على من رمى(4/222)
المحصنات، وفي معناه المحصنين رميه رمي غير المحصن ولا دليل يوجب الحد فيه، نعم هو محرم بعد التوبة فيعزر.
فتح.
قوله: (أو بقذف من زنت في كفرها) الانوثة غير قيد كما في الفتح، وأطلقه فشمل الحربي والذمي، وما إذا كان الزنا في دار الاسلام أو في دار الحرب، وما إذا قال له زنيت وأطلق ثم أثبت أنه زنى في كفره أو قال له زنيت وأنت كافر فهو كما قال لمعتق زنيت وأنت عبد، بحر.
وما ذكره من شمول الاطلاق والاسناد إلى وقت الكفر هو المتبادر من إطلاق المصنف كالكنز والهداية والزيلعي والاختيار وغيرها.
ويخالفه ما في الفتح من أن المراد قذفها بعد الاسلام بزنا كان في نصرانيتها، بأن قال زنيت وأنت كافرة، كما لو قال قذفتك بالزنا وأنت أمة فلا حد عليه، لانه إنما أقر أنه قذفها في حال لو علمنا منه صريح القذف لم يحد، لان الزنا يتحقق من الكافر ولذا يقام عليه الحد حدا لا الرجم، ولا يسقط الحد بالاسلام، وكذا العبد اه.
وتبعه في الشرنبلالية.
ومقتضاه أنه لو قال زنيت وأطلق يحد، إلا أن يقال: أنه يحد مع الاطلاق إذا لم يكن زناه في كفره ثابتا، فلو كان ثابتا لا يحد، ولذا قيده في البحر بقوله: ثم أثبت أنه زنى في كفره، وهو المفهوم من كلام المصنف كغيره حيث جعل موضوع المسألة قذف من زنت في كفرها، فمقتضاه ثبوت الزنا في حال كفرها، وأما لو قال قذفتك وأنت أمة فلا يحتاج إلى ثبوت زناها لما مر من التعليل.
قوله: (مات عن وفاء) وكذا لو مات عن غير وفاء بالاولى لموته عبدا.
بحر.
قوله: (في حريته) أي التي هي شرط الاحصان قوله: (وحد الخ) شروع في محترز قوله: أو في ملكه المحرم أبدا فإن الحرمة في هذه المذكورات مؤقتة، ومثل الحائض المظاهر منها والصائمة صوم فرض، ومثل الامة المجوسية الامة المتزوجة والمشتراة شراء فاسدا، لان الشراء الفاسد يوجب الملك، بخلاف المنكوحة نكاحا فاسدا فإن الملك لا يثبت فيه فلذا يسقط إحصانه بالوطئ فيه فلا يحد قاذفه كما في الفتح.
قوله: (ومسلم) بالجر وفي بعض النسخ ومسلما بالنصب، فالاول عطف على لفظ واطئ والثاني على محله.
قوله: (لثبوت ملكه فيهن) أي في هذه المسائل ففي بعضها ملك نكاح وفي بعضها ملك
يمين، وحرمة المتعة فيها ليست مؤبدة بل مؤقتة كما علمت فكان الوطئ فيها حراما لغيره لا لعينه فلم يكن زنا، لان الزنا ماكان بلا ملك.
قوله: (وفي الذخيرة خلافهما) وأصله أن تزوج المجوسي له حكم الصحة عنده، وحكم البطلان عندهما.
غاية البيان.
قوله: (مستأمن) بكسر الميم الثانية كما يأتي في بابه.
قوله: (لانه التزم الخ) أي وحد القذف فيه حق العبد كما مر.
قوله: (بخلاف حد الزنا والسرقة) أي فلا يلزمه خلافا لابي يوسف.
قوله: (فيحد في الكل) أي اتفاقا قوله: (غاية) أي غاية البيان.
قوله: (لكن الخ) استدرك على قوله: إلا الخمر فإنه بإطلاقه شامل لما إذا سكر منه، فافهم.
قوله: (أيضا) أي كما يحد للزنا والسرقة، لكن قدمنا أن المذهب أنه لا يحد.
قوله: (وفي(4/223)
السراجية الخ) تقييد لقوله: إلا الخمر.
قوله: (حد) أي إذا لم يتقادم على ما مر بيانه، في الباب السابق.
قوله: (لا) أي لا يحد، شهادتهم قامت على مسلم فلم تقبل.
قوله: (على زناه) أي زنا بالمقذوف.
قوله: (لسقوط إحصانه) لا محل لذكره هنا، لان جواب المسألة هو قول المصنف حد المقذوف، فالكلام في حد المقذوف لا في حد القاذف، وقدمنا قريبا عن الفتح أن الزنا يتحقق من الكافر ويقام عليه حد الجلد لا الرجم، ولا يسقط الحد بالاسلام، وقدمه الشارح أيضا عند بيان شروط الاحصان، نعم هذا التعليل يناسب سقوط الحد عن القاذف، وإذا كان جواب المسألة حد المقذوف يلزم منه سقوط الحد عن القاذف فلم يكن التعليل خارجا عن المناسبة من كل وجه، كيف والباب معقود لحد القاذف دون المقذوف، فافهم.
قوله: (كما مر) أي نظير ما مر من كونه في أربعة مجالس.
قوله: (وقد حرر في البحر الخ) أي في باب حد الزنا، وذكر مثله هنا في الشرنبلالية عن البدائع.
والحاصل أن تعبير الدرر بالاقرار لا يناسب قوله: حد المقذوف وإنما يناسب لو قال سقط الحد عن القاذف وهو الاولى، لان الباب معقودله لا لحد المقذوف.
قال في الفتح: فإن شهد رجلان أو رجل وامرأتان على إقرار المقذوف بالزنا يدرأ عن القاذف الحد، وعن الثلاثة: أي الرجل و المرأتين، لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة فكأنا سمعنا إقراره بالزنا اه.
ونحوه ما يذكره الشارح
قريبا عن الملتقط، فقوله لا تعتبر أصلا الخ: أي بالنسبة إلى حد المقذوف.
مطلب: لا تسمع البينة مع الاقرار إلا في سبع قوله: (لا تسمع مع الاقرار إلا في سبع) في وارث مقر بدين على الميت فتسمع للتعدي: أي تعدي الحكم بالدين إلى باقي الورثة، وفي مدعى عليه أقر بالوصاية فبرهن الوصي، وفي مدعى عليه أقر بالوكالة فيثبتها الوكيل دفعا للضرر.
وفي الاستحقاق: إذا أقر المستحق عليه ليتمكن من الرجوع على بائعه، وفيما لو خوصم الاب بحق عن الصبي فأقر لا يخرج عن الخصومة فتسمع البينة عليه، بخلاف الوصي وأمين القاضي، وفيما لو أقر الوارث للموصى له، وفيما لو آجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فبرهن الاول على المؤجر تقبل وإن كان مقرا له اه.
ملخصا.
قوله: (حد المقذوف) أي دون القاذف كما علمت وترك التصريح به لظهوره.
قوله: (بحد متقادم) تقدم بيانه في باب الشهادة على الزنا.
قوله: (وإن عجز عن البينة للحال الخ) أما لو أقام شاهدين لم يزكيا أو شاهدا واحدا وادعى أن الثاني في المصر فإنه يحبسه ثلاثة أيام للتزكية أو لاحضار آخر كما قدمناه أول الباب.
قوله: (إلى قيام المجلس) أي مقدار قيام القاضي من مجلسه.
فتح.
قوله: (ولا يكفل الخ)(4/224)
لان سبب وجوب الحد ظهر عند القاضي، فلاح يكون له أن يؤخر الحد لتضرر المقذوف بتأخير دفع العار عنه وإلى آخر المجلس قليل لا يتضرر.
وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد: يكفل، فلذا يحبس عندهما في دعوى الحد والقصاص، ولا خلاف أنه لا يكفل بنفس الحد والقصاص.
وكان أبو بكر الرازي يقول: مراد أبي حنيفة أن القاضي لا يجبره على إعطاء الكفيل، فأما إذا سمحت نفسه به فلا بأس، لان تسليمه نفسه مستحق عليه، والكفيل بالنفس إنما يطالب بهذا القدر.
فتح.
قوله: (درئ الحد الخ) لا الفاسق فيه نوع قصور وإن كان من أهل الاداء والتحمل، ولذا لو قضى بشهادته نفذ عندنا، فيثبت بشهادتهم شبهة الزنا فيسقط الحد عنهم وعن القاذف، وكذا عن المقذوف لاشتراط العدالة في الثبوت.
وأما لو كانوا عميانا أو عبيدا أو محدودين في قذف أو كانوا ثلاثة فإنهم يحدون للقذف دون المشهود عليه لعدم أهلية الشهادة فيهم أو عدم النصاب كما تقدم في باب الشهادة
على الزنا.
قلت: والظاهر أن القاذف يحد أيضا، لان الشهود إذا حدوا مع أنهم إنما تكلموا على وجه الشهادة لا على وجه القذف يحد القاذف بالاولى ولم أره صريحا، وهذا بخلاف شهادة الاثنين على الاقرار كما مر قريبا.
قوله: (يكتفي بحد واحد الخ) أفاد أن الحد وقع بفعل المتكرر، إذ لو حد للاول ثم فعل الثاني يحد حدا آخر للثاني سواء كان قذفا أو زناأو شربا كما صرح به في الفتح وغيره.
بحر.
لكن استثنى ما إذا قذف المحدود ثانيا المقذوف الاول كما يأتي قريبا.
قوله: (اتحد جنسها) بأن زنا أو شرب أو قذف مرارا.
كنز وكذا السرقة.
بحر.
قوله: (كما بيناه) أي عند قوله: اجتمعت عليه أجناس مختلفة الخ.
قوله: (بكلمة) مثل أنتم زناة.
نهر.
ومثله يا ابن الزانيين كما مر أول الباب.
قوله: (إلا سوطا) احتراز عما لو تمم الحد ثم قذف رجلا آخر فإنه يحد ثانيا.
قوله: (في المجلس) لم أر من صرح بمحترزه.
قوله: (ولا شئ للثاني للتداخل) والاصل أنه متى بقي عليه من الحد الاولى شئ فقذ ف آخر قبل تمامه ضرب بقية الاول ولم يحد للثاني.
جوهرة.
قلت: وقيد ذلك في البحر والنهر بما إذا حضرا جميعا، لما في المحيط والتبيين: لو ضرب للزنا أو للشرب بعض الحد فهرب ثم زنى أو شرب ثانيا حد حدا مستأنفا، ولو كان ذلك في القذف، فإن حضر الاول والثاني جميعا أو الاول كمل الاول، ولا شئ للثاني للتداخل، وإن حضر الثاني وحده يجلد حدا مستقبلا للثاني ويبطل الاول لعدم دعواه اه: أي لعدم دعوى الاول تكميل الحد الواجب له لانه بمنزلة العفو ابتداء، فكما لا يقام له الحدابتداء إلا بطلبه كذلك لا يكمل له إلا بطلبه، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
والحاصل أنه إنما يكتفي بتكميل الحد الاول إن طلب المقذوف الاول وحده أو مع الثاني فلو طلب الثاني وحده: حد له حدا مستقبلا كحد الزنا والشرب.(4/225)
وبه علم أن شرط تكميل الاول حضور الاول فقط، وأن التداخل قد يكون بتداخل الثاني فيما بقي من الاول، وقد يكون بتداخل ما بقي من الاول في الثاني وذلك فيما يحد به حدا مستقبلا كما
علم ت آنفا، ومر أيضا قبيل هذا الباب في قول المصنف: أقيم عليه بعض الحد فهرب وشرب ثانيا يستأنف فما ظنه بعض المحشين من التعارض بين ما مر وما هنا فهو خطأ لما علمت من اختلاف الموضوع.
قوله: (وما إذا قذف الخ) معطوف كسابقه على قوله: ما إذا اتحد.
قوله: (فعتق) بالبناء للفاعل لانه لازم لا يتعدى إلا بالهمزة.
ط عن ابن الشحنة.
قوله: (فإن آخذه الثاني) أي طالبه في أثناء الحد أو بعد تمامه ط.
قوله: (ثم قذفه) أي قذف المقذوف أو لا، بخلاف ما إذا قذف شخصا آخر بعد حده للاول فإنه يحد للثاني كما قدمناه.
قوله: (لان المقصود الخ) قال في البحر: لا يخفى ما فيه فإنه بالحد الاول لم يظهر كذبه في إخبار مستقبل، بل فيما أخبر به ماضيا قبل الحد، ولهذا قال في الفتح: وصار كما لو قذف شخصا فحد به ثم قذفه بعين ذلك الزنا، بأن قال أنا باق على نسبتي إليه الزنا الذي نسبته إليه لا يحد ثانيا، فكذا هذا، أما لو قذفه بزنا آخر حد به اه.
لكن في الظهيرية: ومن قذف إنسانا فحد ثم قذفه ثانيا لم يحد.
والاصل فيه ما روى: أن أبا بكرة لما شهد على المغيرة بالزنا وجلده عمر لقصور العدد بالشهادة كان يقول بعد ذلك في المحافل: أشهد أن المغيرة لزان، فأراد عمر أن يحده ثانيا فمنعه علي فرجع إلى قوله وصارت المسألة إجماعا اه.
فظهر أن المذهب إطلاق المسألة كما ذكره الزيلعي اه.
ما في البحر.
وتبعه في النهر: أي المذهب أنه شامل لما إذ قذفه بعين الزنا الاول أو بزنا آخر، خلافا لما قاله في الفتح.
قلت: والذي يظهلي أن الصواب ما في الفتح، وأنه إذا صرح بنسبته إلى زنا غير الاول يحد ثانيا كما لو قذف شخصا آخر لانه لم يظهر كذبه في القذف الثاني، بخلاف ما إذا حد ثم قذفه بالزنا الاول أو أطلق لحمل إطلاقه على الاول، لان المحدود بالقذف يكرر كلامه بعد القذف لاظهار صدقه فيما حد بسببه كما فعله أبو بكرة، فإن قوله: أشهد إن المغيرة لزان لم يرد به زنا آخر، وبه ظهر أن ما في الظهيرية لا ينافي ما في الفتح فلا يصلح للاستدراك به عليه.
قوله: (ومفادة الخ) أي مفاد ما مر عن الزيلعي من انتفاء الحد ثانيا حيث اتحد المقذوف أنه لو تعدد يحد، وقدمنا التصريح به عن الفتح وغيره، فإذا قذف شخصا بالزنا فحد له ثم قال له يا ابن الزانية فإنه يحد ثانيا، وإن كانت أم
المقذوف ميتة وكان الطلب له لان الثاني قذف لامه، وكذا يحد بالاولى لو كانت الام حية فخاصمته.
قوله: (إن التعزير يتعدد الخ) جزم به مع أن المصنف قال: لم أر من صرح به لكنه يؤخذ من كلامهم اه ط.
والمراد التعزير الذي هو حق العبد كما يفيده التعليل، وسيأتي تمام الكلام على ذلك عند قول المصنف في الباب الآتي وهو حق العبد.
قوله: (قلنا) أي في وجه الاستحسان بإبداء الفارق(4/226)
وهو أن حد الزنا أو الشرب ليس له مطالب مخصو ص فكان استيفاؤه للقاضي ابتداء والقاضي مندوب: أي مأمور بالدرء: أي درء الحد بالستر عليه كما مر في الشاهد للخبر، وهو حديث: من رأى عورة فسترها كن كمن أحيا موءودة فإذا أعرض القاضي عما ندب إليه وأراد استيفاءه لحقته تهمة بذلك، فلم يجز له استيفاؤه، بخلاف حد القذف والقود فإن له مطالبا وهو المقذوف وولي المقتول، حتى قيل إن إقامة التعزير لصاحبه كالقصاص كما نقله في المجتبى فلم يوجد من القاضي تهمة فيه، فكان له استيفاؤه فيما بينه وبين الله تعالى، لان القضاء ليس شرطا لاستيفاء القصاص بل للتمكين كما مر قبيل باب الشهادة على الزنا، هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المحل فتأمله، والله سبحانه أعلم.
باب التعزير لما ذكر الزواجر المقدرة شرع في غير المقدرة، وأخرها لضعفها، وألحقه بالحدود مع أن منه محض حق العبد لما أنه عقوبة، وتمامه في النهر.
قوله: (هو لغة التأديب مطلقا) أي بضرب وغيره دون الحد أو أكثر منه.
ويطلق على التفخيم والتعظيم، ومنه: * (وتعزروه وتوقروه) * (سورة الفتح: الآية 9) فهو من أسماء الاضداد.
قوله: (غلط) لان هذا وضع شرعي لا لغوي، إذ لم يعرف إلا من جهة الشرع، فكيف نسب لاهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله؟ والذي في الصحاح بعد تفسيره بالضرب: ومنه سمى ضرب ما دون الحد تعزيرا، فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد هو كون ذلك الضرب دون الحد الشرعي فهو كلفظ الصلاة والزكاة ونحوهما المنقولة لوجود المعنى اللغوي فيها وزيادة، وهذه دقيقة مهمة تفطن لها صاحب الصحاح وغفل عنها صاحب القاموس، وقد وقع له نظير ذلك كثيرا وهو غلط يتعين التفطن له اه.
نهر عن ابن حجر المكي.
وأجيب بأنه لم يلتزم الالفاظ اللغوية فقط، بل يذكر المنقولات الشرعية والاصطلاحية، وكذا الالفاظ الفارسية تكثيرا للفوائد، وفيه نظر لان كتابة موضوع لبيان المعاني اللغوية، فحيث ذكر غيرها كان عليه التنبيه عليه لئلا يوقع الناظر في الاشتباه.
قوله: (تأديب دون الحد) الفرق بين الحد والتعزير أن الحد مقدر والتعزير مفوض إلى رأي الامام، وأن الحد يدرأ بالشبهات والتعزير يجب معها، وأن الحد لا يجب على الصبي والتعزير شرع عليه.
والرابع أن الحد يطلق على الذمي والتعزير يسمى عقوبة له لان التعزير شرع للتطهير تتارخانية.
وزاد بعض المتأخرين أن الحد مختص بالامام والتعزير يفعله الزوج والمولى وكل من رأى أحدا يباشر المعصية، وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير، وأنه يحبس المشهود عليه حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير، وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه وأنه لا يجوز للامام تركوأنه قد يسقط بالتقادم بخلاف التعزير، فهي عشرة.
قلت: وسيجئ غيرها عند قوله: وهو حق العبد.
قوله: (أكثره تسعة وثلاثون سوطا) لحديث من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وحد الرقيق أربعون فنقص عنه سوطا، وأبو يوسف اعتبر أقل حدود الاحرار، لان الاصل الحرية فنقص سوطا في رواية عنه.
وظاهر الرواية عنه تنقيص خمسة كما روى عن علي.
ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي لكنه غريب عن علي، وتمامه في الفتح.
وفي(4/227)
الحاوي القدسي قال أبو يوسف: أكثره في العبد تسعة وثلاثون سوطا، وفي الحر خمسة وسبعون سوطا، وبه نأخذ اه.
فعلم أن الاصح قول أبي يوسف.
بحر.
قلت: يحتمل أن قوله: وبه نأخذ ترجيح للرواية الثانية عن أبي يوسف على الرواية الاولى لكون الثانية هي ظاهر الرواية عنه، ولا يلزم من هذا ترجيح قوله: على قولهما الذي عليه متون المذهب مع نقل العلامة قاسم تصحيحه عن الائمة، ولذا لم يعول الشارح على ما في البحر، وعن أبي يوسف أنه يقرب كل جنس إلى جنسه، فقرب اللمس والقبلة من حد الزنا، وقذف غير المحصن أو المحصن بغير الزنا من حد القذف صرفا لكل نوع إلى نوعه.
وعنه أنه يعتبر على قدر
عظم الجرم وصغره.
زيلعي.
قوله: (وأقله ثلاثة) أي أقل التعزير ثلاث جلدات وهكذا ذكره القدوري، فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر، وليس كذلك بل يختلف ذلك باختلاف الاشخاص، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله، وعليه مشايخنا رحمهم الله تعالى.
زيلعي، ونحوه في الهداية.
قال في الفتح: فلو رأى أنه ينزجر بسوط واحد اكتفى به، وبه صرح في الخلاصة.
ومقتضى الاول أنه يكمل له ثلاثة لانه حيث وجب التعزير بالضرب، فأقل ما يلزم أقله، إذ ليس وراء الاقل شئ ثم يقتضي أنه لو رأى أنه إنما ينزجر بعشرين كانت أقل ما يجب فلا يجوز نقصه عنها، فلو رأى أنه لا ينزجر بأقل من تسعة وثلاثين صار أكثره أقل الواجب، وتبقى فائدة تقدير الاكثر بها أنه لو رأى أنه لا ينزجر إلا بأكثر منها يقتصر عليها، ويبدل ذلك الاكثر بنوع آخر وهو الحبس مثلا.
قوله: (لو بالضرب) يعني أن تقدير التعزير بما ذكر إنما هو فيما لو رأى القاضي تعزيره بالضرب فليس له الزيادة على الاكثر، فلا ينافي ما يأتي من أن التعزير ليس فيه تقدير، بل هو مفوض إلى رأي القاضي، لان المراد تفويض أنواعه من ضرب ونحوه، كما يأتي.
قوله: (على أربع مراتب) تعزير أشراف الاشراف، وهم العلماء والعلوية بالاعلام، بأن يقول له القاضي بلغني أنك تفعل كذا فينزجر به.
وتعزير الاشراف، وهم نحو الدهاقين بالاعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة في ذلك.
وتعزير الاوساط، وهم السوقة بالجر والحبس.
وتعزير الاخساء بهذا كله وبالضرب اه..ومثله في الفتح عن الشافي والزيلعي عن النهاية، ويأتي الكلام عليه.
والدهاقين: جمع دهقان بكسر الدال وقد نضم وهو معرب يطلق على رئيس القرية، والتاجر ومن له مال وعقار.
مصباح.
قوله: (وكله مبني الخ) أي كل ما ذكر من المراتب الاربعة، ولا يصح أن يرجع إلى ما في المتن أيضا، لان ما ذكر فيه من التقدير لا فرق فيه بين القول بالتفويض وعدمه كما علمت، فافهم.
ثم إن ما ذكره من أنه مخالف للقول بالتفويض هو ما فهمه في البحر حيث قال: وظاهره أنه ليس مفوضا إلى رأي القاضي، وأنه ليس له التعزير بغير المناسب لمستحقه، وظاهر الاول: أي القول بالتفويض: أن له ذلك اه.
قلت: وفيه كلام نذكره قريبا.
قوله: (فإن من كان الخ) سنذكر ما يؤيده قريبا.
قوله: (ولا يفرق الضرب فيه) بل يضرب في موضع واحد لانه جرى فيه التخفيف من حيث العدد، فلو خفف(4/228)
من حيث التفريق أيضا يفوت المقصود من الانزجار.
قوله: (وقيل يفرق) ذكره محمد في حدود الاصل، والاول ذكر في أشربة الاصل.
قوله: (ووفق الخ) فليس في المسألة روايتان، بل اختلاف الجواب لاختلاف الموضوع، وهذا التوفيق مذكور في شروح الهداية والكنز.
قوله: (وإلا لا) أي إن لم يبلغ الاكثر، بل كان بالادنى كثلاث ونحوها، لانه لا يفسد العضو كما في الفتح، وبه علم أن المراد بالاقصى الاكثر أو ما قاربه مما يخشى من جمعه على عضو واحد إفساده، فافهم.
قال الزيلعي: ويتقي المواضع التي تتقى في الحدود: أي كالرأس والمذاكير.
قوله: (ويكون) أي التعزير به: أي بالضرب الخ وليس مراده حصر أنواعه فيما ذكر كما يفيده قوله الآتي، ويكون بالنفي.
عن البدائع.
قلت: ويكون أيضا بالتشهير والتسويد لشاهد الزور كما سنذكره آخر الباب.
قوله: (وبالصفع) هو أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الانسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع بل يقال ضربه بجمع كفه.
مصباح.
قوله: (فيصان عنه أهل القبلة) وإنما يكون لاهل الذمة عند أخذ الجزية منهم.
مطلب في التعزير بأخذ المال قوله (لا بأخذ مال في المذهب) قال في الفتح: وعن أبي يوسف يجوز التعزير للسلطان بأخذ المال.
وعندهما وباقي الائمة: لا يوجوز اه.
ومثله في المعراج، وظاهره أن ذلك رواية صعيفة عن أبي يوسف.
قال في الشر نبلالية: لولا يفتى بهذا لما فيه من تسليط الظلمة على أخذ مال الناس فيأكلونه اه.
ومثله في شرح الوهبانية عن ابن وهبان.
قوله (وفيه الخ) أي في البحر، حيث قال: وأفاد في البزازية أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به إمساك شئ من مله عند مدة لينتزجر ثم يعيده الحاكم إليه، لا أن يأخذه الحاكم لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة، إذ لا يجوز لاحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي.
وفي المجتبى لم يذكر كيفية الاخذ، أورى أن يأخذها فيسمكها، فإن أيس من توبته يصرفها إلى ما يزى.
وفي شرح الآثار: التعزير بالمال كان في
ابتداء الاسلام ثم نسخ اه.
والحاصل أن المذهب عدم التعزير بأخذ المال، وسيذكر الشارح في الكفالة عن الطرسوسي أن مصادرة السلطان لارباب الامور لا تجوز إلا لعمان بيت المال: أي إذا كان يزدها لبيت المال.
قوله: (والتعزير ليس فيه تقدير) أي ليس في أنواعه، وهذا حاصل قوله قبله (ويكون به وبالصفع الخ).
قال في الفتح: وبما ذكرنا من تقدير أكثره يعرف ما ذكر من أنه ليس في التعزير شئ مقدر بل مفوض إلى رأي الامام: أي من أنواعه، فإنه يكون بالضرب وبغيره.
أما إذا اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة فإنه حنينئذ فإنه لا يزيد على تسعة وثلاثين اه.(4/229)
قلت: نعم له الزيادة تمن نوع آخر، يضم ألى الضرب الحبس كما يذكره المصنف، وذلك يختلف باختلاف الجناية والجناني.
قال الزيلعي.
وليس في التعزير شئ مقدر، وإنما هو مفوض إلى رأي الامام على ما تقتضي جنايتهم، فإن العقوبة فيه تختلف باختلاف الجناية، فينبغي أن يبلغ غاية التعزير في الكبيرة، كما إذا أصاب من الاجنبية كل محرم سوى الجماع السارق المتاع في الدار ولم يخرجه، وكذا ينظر في أحوالهم، فإن من الناس من ينزجر باليسر، ومنهم من لا ينزجر إلا بالكثير.
وذكر في النهاية التعزير على مراتب إلى آخر ما مر عن الدرر.
أقول: وظاهر عبارته أن قوله: وذكر في النهاية الخ، بيان لقوله: وكذا ينظر في أحوالهم الخ: أي أن أحوال الناس على أربع الناس على أربع مراتب، فلا يكون ما في النهاية والدرر مخالفا للقول بالتفويص، وحينئذ فيكون المراد بالمرتبة الاولى وهي أشراف الاشراف من كان ذا مروءة صدرت منه الصغيرة على سبيل الزلة ولندور، فلذا قالوا تعزيره بالاعلام، لانه في العادة لا يفعل ما يقتضي التعزير بما فوق ذلك، ويحصل انزجاره بهذا القدر من التعزير، فلا ينافي أنه على قدر الجناية أيضا، حتى لو كان من الاشراف لكنه تعدى طوره ففعل اللواطة أو وجد مع الفسفة في مجلس الشرب ونحوه لا يكتفي بتعزيره بالاعلام فيما يظهر لخورجه عن المروءة، لان المراد بها كما في الفتح وغيره الدين الصلاح، وسيأتي آخر الباب أنه لو تكرر منه الفعل يضر التعزير، فهذا صريح في أنه بالتكرار لم
يبق ذا مروءة، وهذا مؤيد لما قدمه عن النهر من أنه لو ضرب غيره فأدماه لا يكفي تعزيره بالاعلام الخ.
ثم رأيت في الشرنبلالية عين ما بحثته، حيث قال: ولا يخفى أن هذا: أي الاكتفاء بتعزيره بالاعلام إنما هو مع ملاحظة السبب فلابد أن يكون مما يبلغ به أدنى الحد، كما إذا أصاب من أجنبية غير الجماع اه.
فهذا صريح في أن من كان من الاشراف يعزر على قدر جنايته، وأنه لا يكتفي فيه بالاعلام إذا كانت جنايته فاحشة تسقط بها مروءته، فقد ثبت بما قلنا عدم مخالفة ما في الدور للقول بتفويضه للقاضي، أو أن المعتبر حال الجناية والجاني.
خلافا لما فهمه في البحر كما قدمناه فاغتنم هذا التحرير المفرد.
قوله (وعليه مشايخنا) قدمنا عبارة الزيلعي عند قوله: (وأقله ثلاثة) مطلب يكون التعزير بالقتل قوله: (ويكون التعزير بالقتل) رأيت في الصارم المسلول للحافظ ابن تمية أن من أصول الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأي المصلحة في ذلك، ويحملون ما جاء عن النبي (ص) وأصحاله من القتل في مثل هذه الجرائم على أنه رأي ى المصلحة في ذلك ويسمونه القتل سياسة.
وكان حاصله أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي يعظمت بالتكرار وشرع القتل في جنسها، ولهذا أفتى أكثر هم بقتل من أكثر من سب النبي (ص) من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة اه.
وسيأتي اتمامه في فصل الجزية إن شاء الله تعالى: گ، ومن ذلك ما سيذكره المصنف من أن للامام قتل السارق سياسة: أي إن تكرر مه.
وسيأتى أيضا قبيل كتاب الجهاد من تكرر الخنق منه في المصر قتل به سياسة لسعية، بالفساد، وكل من كان كذلك يدفع شره القتل.
وسيأتي أيضا في(4/230)
باب الردة أن الساحر أو الزنديق الداعي إذا أخذ قبل توبته ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل، ولو أخذ بعدها قبلت وأن الخناق لا توبة له.
وتقدم كيفية تعزير اللوطي.
بالقتل.
قوله: (مع امراة) ظاهره أن المراد الخلوة بها إن لم ير منه فعلا فبيحا كما يدل عليه ما يأتي عن منية المفتي كما تعرفه،
فافهم.
فوله: (فلها قتله) أي إن لم يمكنها التخلص منه بصياح أو ضرب وإلا لم تكن مكرهة، فالشرط الآتي معتقبر هنا أيضا كما هو ظاهر.
ثم رأيته في كراهية شرح الوهبانية، ونصه: ولو استكره رجل امرأة لها قتله، وكذا الغلام، فإن قتله فدمه هدر إذا لم يستطع منعه إلا بالقتل اه.
فافهم.
قوله: (إن كان يعلم) شرط للقتل الذي تضمنه قوله كمن وجد رجلا.
قوله: (ومفاده الخ) توفيق بين العبارتين حيث اشترط في لاولى العلم بأنه لا ينزجر بغير القتل ولم يشترط في الثانية، فوفق بحمل الاولى على الاجنبيد والثانية على غيرها، وهذا بناء على أن المراد بقوله في الاولى (مع امراة) أي يزني بها، ويأتي الكلام عليه.
قوله (مطلقا) زاده المصنف على عبارة المنية متابعة لشيخه صاحب البحر قوله: (بما في البزازية وغيرها) أي كالخانية، ففيها.
لو رأى رجلا يزني بامرأته أو امرأة آخر وهو محصن فصاح به فلم يهرب ولم يمتنع عن الزنا حل له قتله ولا قصاص عليه اه.
قوله (فيحمل على المقيد) أي يحمل قول المنية قتلهما جميعا على ما إذا عدم الانزجار بصياح أو ضرب.
قلت: وقد ظهر لي في التوفيق، وجه آخر، وهو أن الشرط المذكور إنم هو فيما إذا وجد رجلا مع أمرأة لا تحل له قبل أن يزني بها فهذا لا يحل قتله إذا علم أنه ينزجر بغير القتل، سواء كانت أجنبية عن الواجد أو زوجة له أو محرما منه.
أما إذا وجده يزني بها فله مطلقا، ولذا قيد في المنيد بقوله: وهو يزني، أطلق قوله: قتلهما جميعا، وعليه فقو الخانية الذي قدمنا آنفا فصاح به غير قيد، ويدل عليه أيضا عبارة المجتبى الآتية، ثم رأيت في جنايات الحاوي الزاهدي ما يؤيده أيضا، حيث قال: رجل رأى رجلا مع أمراة يزني بها أو بقبلها أو يضمها إلى نفسه وهي مطاوعة فقتله أو قتلهما لا ضمان عليه، ولا يحرم من ميزاثها إن أثبته بالبينة أو بالاقرار، ولو رأى رجلا مع امرأة في مفازة خالية، أو رآه مع محارمه هكذا ولم يرمنه الزنا ودواعيه: قال بعض المشايخ: حل قتلهما.
وقال بعضهم: لا يحل حتى يرى منه العمل: أي الزنا ودواعيه، ومثله، في خزانة الفتاوى اه.
وفي سرقته البزازية: لو رأى في منزله رجلا معه أهله أو جاره يفجر وخاف إن أخذه أن يقهره فهو في سعة من قتله، ولو كانت مطاوعة له قتلهما، فهذا صريح في أن الفرق من حيث رؤية الزنا وعدمها.
تأمل.
قوله (مطلقا) أي بلا فرق أجنبية وغيرها قوله (وهو الحق) مفهومه أن مقابله(4/231)
باطل، ولم يظهر من كلامه ما يقتضي بطلانه، بل ما نقله بعده عن المجتبى يفيد صحته، وقد علمت مما قررناه من ينفق به كلامهم، وأما كون ذلك من الامر بالمعروف لا من الامر بالمعروف لا من الحد فلا يقتضي اشتراط العلم بعدم الانزجاز.
تأمل.
قوله (بلا شرط إحصان الخ) رد على ما في الخانية من قوله: وهو محصن، كما قدمناه، وجزم به الطرسوسي.
قال في النهر: ورده ابن وهبان بأنه ليس من الحد، بل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو حسن، فإن هذا المنكر، حيث تعين القتل طريقا في إزالته فلا معنى لاشتراطه الاحصان، ولذا أطلقه البزازي اه.
قلت: ويدل عليه أن الحد لا يليه إلا الامام: (وفي المجنبى الخ) عزاه بعضهم أيضا إلى جامع الفتاوى وحدود البزازية.
وحاصله أنه لا يحل ديانة لاقضاء فلا يصدقه إلا ببينة.
والظاهر أنه يأتي هنا التفصيل المذكور في السرقة، وهو ما في البزازية وغيرها إن لم يكن لصاحب الدار بينه، فإن لم يكن المقتول معروفا بالشر والسرقة قتل صاحب الدار قصاص وإن كان متهما به فكذلك قياسا.
وقي المقتول معروفا بالشر والسرقة قتل صاحب الدار لان دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا في المال قوله: قوله (وعلى هذا القياس الخر) هو من تمة عبارة المجتبى، وأقره في البحر والنهر ولذا مشى على المصنف، قوله (المكابر) أي الآخذ علانية بطريق الغلبة والقهر.
قال قي المصباح: كابرته مكابرة: غالبته قوله: (وقطاع الطريق) أي إذا كان مسافر ورأى كما يفيده ما بعده.
قوله: وإن لم يقطع عليه بل على غيره، لما فيه من تخليص الناس من شره وإذا كما يفيده ما بعده.
قوله (جميع الكبائر) أي أهلها.
وظاهر أن المراد بها المتعدي ضررها إلى الغير، فيكون قوله: (والاعونة والسعاة) عطف تفسير أو عطف خاص على عام، فيشمل ممن عم ضرره ولا ينزجر بغير القتل.
قوله: وقاطع الطريق واللص واللوطي والخناق ونحوم ممن عم ضرره ولا ينزجر بغير القتل.
قوله: (والاعونة) كأنه جمع معين أو عوان بمعناه، والمراد به الساعي إلى الحكام بالافساد قعطف السعادة عليه عطف تفسير.
وفي رسالة أحكام السياسة عن جمع النسفي: سئل شيخ الاسلام عن قتل الاعونة والظلمة والسعادة في أيام الفترة؟ قال: بياح قتلهم لانهم ساعون في الارض بالفساد، فقيل: إنهم يمتنعون عن ذلك في أيام الفترة ويختفون، قال ذلك: امتناع ضرورة * (ولو ردوا العادوا لما نهوا عنه) * (الانعام) كما نشاهد.
قال: وسألنا الشيخ أبا شجاع عنه، فقال: يباح قتله ويثاب قاتله ه.
قوله: (أفتى الناصحي الخ) لعل الوجوب النظر للامام ونوابه والاباحة والاباحة بالنظر الغير هم ط.
قوله: (ويكون بالنفي عن البلد) ومنه ما مر من نفي الزاني البكر.
ونفى عمر رضي الله عنه نصر بن حجاج لافتتان النساء بجماله.
وفي النهر عن شرح البخاري للعيني أن من آذي الناس ينفي عن البلد.
قوله (وبالهجوم(4/232)
الخ) من باب قعد: الدخول على غفلة بغتة.
قال في أحكام السبياسة وفي المنتقى: وإذا سمع في داره صوت المزاميز فأدخل عليه لانه لما سمع الصوت فقد أسقط حرمة داره.
وفي حدود البزازية وغصب النهاية وجناية الدراية: ذكر الصدر الشهيد عن أصحابنا أنه يهدم البيت على من اعتاد الفسق وأنواع الفساد في داره، حتى لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين.
وهجم عمر رضي الله عنه على نائحة في منزلها وضربها بالذرة حتى سقط خمارها، فقيل له فيه، فقال: (لا حرمة لها بعد اشتغالها بالمحرم، والتحقت بالاماء).
وروى أن الفقيه أبا بكر البلخى خرج إلى الرستاق وكانت النساء على شط كاشفات الرؤوس والذراع، فقيل له: فعلت هذا؟ لا حرمة لهن، إنما الشك في إيمانهن، كأنهن حربيات، وهكذا في جنايات مجمع الفتاوى.
وذكر في كراهية البزازية عن الواقعات الحسامية: ويقدم إبلاء العذر عن مظهر الفسق بداره، فإن كف فيها وإلا حبسه الامام أو أدبه أسواطا أو أزعجه من داره، إذا الكل يصلح تعزيرا.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أحرق بيت الخمار.
وعن الصفار الزاهدي الامر الامر بتخريب دار الفاسق.
قوله: (وإن ملحوها) أي تكسر وإن قال أصحابها نلقي فيها ملحا لاجل تخليلها.
وفي كراهية البزازية: قال قي العيون وفتاوى النسفي: إنه يكسر دنان الخمر، ولا يضمن الكاسر، ولا يكتفي بإلقاء الملح، وكذا من أراق خمور أهل الذمة وكسر دنانها وشق زقاقها إن كانوا أظهروها بين المسلمين لا يضمن،
لانهم لما أظهروها بيننا فقد أسقطوا حرمتها.
وفي سير العيون: يضمن إلا إذا كان إماما يرى ذلك لانه مختلف فيه، وفي المسلم يضمن الزق.
مسلم في منزله دن خمر اتخاذها خلا يضمن الدن عند الثاني، وإن لم يرد الاتخاذ لا يضمن عند الثاني.
وذكر الخصاف أن الكسر لو بإذن الامام لا يضمن.
وأصله فيمن كسر بربطا لمسلم، والفتوى على قولها في عدم الضمان.
اه.
قوله: (ولم ينقل إحراق بيته) تقدم نقله عن عمر في بيت الخمار، فالمراد أنه لم ينقل عن علمائنا، لكن ما مر عن الصفار يفيده.
قوله: (ويقيمه الخ) أي التعزير الواجب حقا لله تعالى لانه من باب إزالة المنكر، والشارع ولي كل أحد قي ذلك قال (ص): (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه) الحديث، بخلاف الحدود لم يثبت توليتها إلا للولاة، وبخلاف التعزير الذي يجب حقا للعبد بالقذف ونحوه فإنه لتوقفه على الدعوى لا يقيمه إلا الحاكم إلا أن يحكما فيه اه.
قوله (قنية) قها العزو القوله: (حال مبارشرة المعصية) وأما قوله: (يقيمه كل مسلم) فقد صرح به في الفتح وغيره.
قوله (وأما بعده الخ) تصريح بالمهوم.
قال في القنية لانه لو عزوه حال كونه مشغولا بالفاحشة فله ذلك، لانه نهى عن المنكر وكل واحد مأمور به، وبعد الفراغ ليس بنهي، لان النهي عما مضى لا يتصور فيتمحص تعزيرا وذلك إلى الامام اه.
وذكر قبله أن للمحتسب أن يعزر المعزر إن عزره بعد الفراغ منها.
قوله: (لكن في الفتح الخ) وعليه فما في القنية محمول على ما إذا كان حقا لله تعالى أو حقا(4/233)
لعبد وحكما فيه.
قوله (لا يقيمه إلا الامام) وقيل لصاحب الحق كالقصاص.
وجه الاول أن صاحب الحق قد يسرف فيه غلظا، بخلاف القصاص لانه مقدر كما في البحر عن المجتبى.
قوله: (ولم يتكافنا) عطفعى يعزران، وفيه إشارة إلى الجواب عما يتوهم من إطلاق قول مجمع الفتاوى الآتي: جاز المجازاة بمثله الخ.
والجواب أن ذلك فيما تمحض حقا لهما وأمكن فيه التساوي، كما لو قال له يا خبيت فقال بل أنت، بخلاف الضرب فإنه يتفاوت، وبخلاف التشاتم عند القاضي فإن فيه هتك مجلس الشرع كما مر في الباب السابق، وقدمنا تمامه.
قوله (جاز المجازاة بمثله) فيه
إشارة إلى اشتراط إمكان التساوي وتمحض كونه حقا لهما كما قلنا، إذا بدون ذلك لا ممائلة.
قوله: (إذا احتيج لزيادة تأديب) وذلك بأن يرى أن أكثر الضرب في التعزير وهو تسعة وثلاثون لا ينزجر بها، أو هو في شك من انزجاره بها يضم إليه الحبس، لان الحبس صلح تعزيرا بالنفراده، حتى لو رأى أن لا يضربه ويحبسه أياما عقوبة فعل.
فتح.
قال.
ط وصح القيد في السفهاء الدعار وأهل الافساد.
حموي عن المفتاح.
قوله: (وضربه أشد) أي أشد من ضرب حد الزنا.
ويؤخذ من التعليل أن هذا فيما إذا عزربما بدون أكثره، وإلا فتسعة وثلاثون من أشد الضرب فوق ثمانين حكما فضلا عن أربعين مع تنقيص، واحد من الاشدية فيفوت المعنى الذي لاجله نقص، فوق ثمانين حكما فضلا قطلوبغا.
شرنبلالية.
وإطلاق الاشديد شامل لقوته وجمعه في عضو واحد فلا يفرق الضرب فيه وقد مر الكلام فيه أول الباب، وأشار إلى أنه يجرد من ثيابه كماف غاية البيان ويخالفه ما في الخانية: يضرب التعزير قائما بثيابه وينزع الفرد والحشو ولا يمد في العزير اه.
والظاهر الاول لتصريح المبسوط به.
بحر.
وتقدم معنى المد في حد الزنا.
قوله (فلا يخفف وصفا) كي لايؤدي إلى فوات المقصود.
بحر: أي الانزجار.
قوله: (ثم حد الزنا) بالرفع لحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والاصل، ثم ضرب الزنا ط قوله: (لا بالقياس) رد على صدر الشريعة كما نبه عليه ابن كمال في هامش الايضاح.
قوله: (الضعف سببه) أي فسببه محتمل وسبب حد الشرب متيقن به وهو الشرب، والمراد أن الشرب متيقن السببة للحد لا متينقن الثبوت لانه بالبينة أو الاقرار وهما لا يوجبان اليقين.
بحر.
وهو مأخوذ من الفتح.
تأمل.
قوله: (وعزر كل مرتكب منكر الخ) وهذا هو الاصل في وجوب التعزير كما في البحر عن شرح الطحاوي.
مطلب التعزير قد يكون بدون معصية وظاهره أن المراد حصر أسباب التعزير فيما ذكر مع أنه قد يكون بدون معصية كتعزير الصبي(4/234)
والمتهم كما يأتي، وكنفي من خيف فتنة بجماله مثلا، كما مر في نفي عمر رضي الله تعالى عنه نصر بن حجاج.
وذكر في البحر أن الحاصل وجوبه بإجماع الامة الكل مرتكب معصية ليس فيها حد مقدر، كنظر محرم ومس محرم وخلوة محرمة وأكل ربا ظاهر اه.
قلت: وهذه الكلية غير منعكسة، لانه قد يكون في معصية فيها حد كزنا غير المحصن فإنه يجلد حدا، وللامام نفيه سياسة وتعزيزا كما مر في بابه.
وروى أحمد أن النجاشي الشاعر جئ به إلى علي رضي الله تعالى عنه وقد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم ضربه من الغد عشرين، لكن ذكر في الفتح أنه ضربه العشرين فوق االثمانين النطره في رمضان كما جاء في رواية أخرى أنه قال له: ضربناك العشرين، بجزاءتك على الله وإفطارك في رمضان اه.
فالتعرير فيه من جهة أخرى غير جهة الحد.
قوله (إلا إذا كان الكذب ظاهرا الخ) سيأتي الكلام فيه.
قوله.
(لانه غيبة) ظاهره لزوم التغزير وإن لم يعلم صاحب الحق، لكن مر عن الفتح أن ما يجب حقا للعبد يتوقف على الدعوى.
قوله: (وكل ما ارتكب معصية) لعله ذكره مع إغناء ما قبله عنه ليقيد أن المراد بالمنكر ما لا حد فيه.
قال في الفتح: ويعزر من شهد شرب الشاربين والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا، ومن معه ركوة خمر، والمفطر، في رمضان يعزر ويحبس، وكذا المسلم يبيع الخمر ويأكل الربا.
والمغنى، والمخنث، والنائحة يعزرون ويحبسون حتى حدثوا توبة، ومن يتهم بالقتل والسرقة يحبس ويخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة، وكذا من قبل أجنبية أو عانقها أو مسها بشهوة اه.
قوله: (فيعزر بشتم ولده) فيه كلام لصاحب البحر تقدم في حد القذف.
قوله: (وكل من ليس بمحصن) أي إحصان القذف.
ط.
وحاصله أن من لم يحد قاذفه لعدم إحصانه يعزر قاذمة، فلا يلزم من سقوط الحد لعدم الاحصان سقوط التعزير، قوله: (ويبلغ به غايته) أي تسعة وثلاثون سوطا، وهذا معطوف على قوله: (فيغزر) ومقتضاه بلوغ الغاية في شتم ولده ولى كذلك.
قوله (محرما غير جماع) الذي في الفتح والبحر وغيرها: كل محرم غير جماع.
ومفاد أنه لا يبلغ الغاية، بمجرد لمس أو تقبيل، وهو خلاف ما يفيده كلام الشارح.
قوله: (وفيما عداها) أي ما عدا هذه المواضع الثلاث لا يبلغ غاية التعزير، واقتصر عليها تبعا للبحر.
وزاد بعضهم غيرها.
منها ما في الدرر، قيل تارك الضلاة يضرب حتى
يسيل منه الدم.
وفي الحجة: لو ادعى الامام أنه كان مجوسا لا يصدق إلا أنه يضرب ضربا شديدا.
اه.
أي ولا يلزم القوم إعادة الصلاة.
وفي الخانية: من وطئ غلاما يعزر أشد التعزير، وفي التتار خانية: إن المرأة إذا ارتدت تجبر على الاسلام وتضرب خمسة وسبعين اه: أي على قول أبي يوسف أن أكثره ذلك، أما على قولهما فأكثره تسعة وثلاثون.
قوله: (أي بشتم) إطلاق القذف على الشتم مجاز شرعي، حقيقة الغوية.
بحر قوله: (مسلم ما) أي سواء كان عدلا أو مستورا،(4/235)
وسيأتي أن الذمي كالمسلم.
قوله (أو علم القاضي بفسقه) هذا لم يذكره في الفتح، بل ذكر في النهر عن الخانية، ولعله مبني على القول المرجوع من أن للقاضي أن يقضي بعلمه.
تأمل.
قوله: (بلا بيان سببه) مثل أنه فاسق، وهذا تفسر لقوله، (مجرد) واحترز به عما لو بين سببا شرعا كتقبيل أجنبية كما ذكره بعد.
مطلب في الجرح المجرد قلت: وهذا مخالف لما ذكروه الشهادات من أن الشهاة لا تقبل على جرح مجرد عن إثبات حق لله تعالى أو للعبد، مثل أن يشهدوا على شهود المدعي بأنهم فسقة أو زناة أو أكله الربا أو شربة الخمر أو على إقرار هم شهدوا بروز، وتقبل لو شهدوا على الجرح المركب مثل إنهم زنوا ووصفوا الزنا أو شربوا الخمر أو سرقوا مني كذا ولم يتقادم العهد، أو إني صالحتهم بكذا من المال على أن لا يشهدوا علي بالباطل وأطلب رد المال منهم، ففي هذا إثبات حق لله تعالى وهو الحد غايتة أن عادتهم فعل الزنا أو نحو، فهو جرح مجرد.
، وقد قال في القنية هنا: إن الشهادة على الجرح المجرد لا تصح، بل تصح، إذا ثبت فسقه في ضمن ما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود اه.
فهذا يفيد أن ما بين سببه كتقبيل أجنبية مثلا جرح مجرد لانه ليس في ضمن ما تصح فه الخصومة، ولهذا أورد الظاهر بأن مرادهم بحقه تعالى الحد لا التعزير لانه يسقط بالتوبة، فليس في وسع القاضي إلزامه به، بخلاف الحد، فإنه لا يسقط بها.
قلت: والتحقيق، أنه يفرق بين البابين بأن المراد بالمجرد هناما لم يبين سببه، وغير المجرد ما
بين له سبب موجب لحق الله تعالى من حد أو تعزير أو لحق العبد، والمراد بالمجرد في باب الشهادة ما لم يوجب حدا أو حق عبد وغير المجردما ثبت في ضمنما تصح فيه الخصومة من حق لله تعالى أو للعبد.
ووجه الفرق أن المقصود هنا إسقاط التعزير عن القاذف بإثبات ما يوجب صدقه لا إثبات فسق المقذوف ابتداء فلذا اكتفى ببيان السبب الموجب لفسقه، ولم يكتف بالمجرد عنه لا حتمال ظن الشاهدين ما ليس بموجب للفسق مفسقا.
وأما في باب الشهادة فإن المقصود إثبات فسق الشاهد ابتداء لان القاضي يبحث أولا عن عدالته ليقبل شهادته، فإذا برهن الخصم على جرحه كان المقصود إثبات فسقه لتسقط عدالته، لان الجرح مقدم على التعديل وإثبات الفسق مقصودا إظهار الفاحشة.
وقد قالوا: إنه مفسق لشهود الجرح فلا تقبل شهادتهم إلا إذا كان في ضمن إثبات حق تصح فيه الخصومة، لانه لم يصر مقصودا بإظهار الفاحشة بل يثبت ضمنا، ولا يدخل في الحق هنا التعزير لما مر عن المصنف.
فالحاصل أن ما يوجب التعزير جرح مجرد في باب الشهاة لا هنا فيقبل هنا بعد سببه لا هناك لما علمت، ويدل على ما قلنا ما صرحوا به هناك من أن الجرح المجرد إنما لا يقبل لو كن جهرا لانه إظهار للفاحشة أما لو كان سرافإنه يقبل، وكذا ما صرحوا به أيضا من أنه لا يقبل من أنه لا يقبل إذا كان بعد التعديل كما اعتمدة المصنف ومشى عليه هناك، فلو كان قبله قبل.
والظاهر أن علة قبله(4/236)
أنه يكون خبرا بفسق الشهود لئلا يقبل شهادتهم، ولذا يقبل الجرح سرا من واحد ولو كان شهادة لم يقبل، ولهذا لو عدلوا بعد الجرح تثبت عدالتهم وتقبل شهادهم، ولو الجرح سرا شهادة مقبولة لسقوط عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل، فثبت أنه إخبار لا شهادة، ونظيره سؤال القاضي المزكين عن الشهورة، فصار أنالجرح المجرد لا يقبل في باب الشهادة إذا كان على وجه الشهادة جهرا بعد التعديل وإلا قبل.
وأما في باب التعزير يقبل بعد بيان سببه.
ويخرج بذلك عن كونه مجردا.
تنبيه: سيأتي أن التعزير، يثبت بشهادة المدعي مع آخر وبشهادة عدل إذا كان في حقوقه تعالى
لانه من باب الاخبار، وظاهر كلامه هنا أنه لابد من شاهدين غيره، لانه تعزير القاذف ثبت حقا لمقذوف، فإذا ادعى القاذف فسق المقذوف لا يكفي شهادته لنفسه فلابد من إقامة البينة على صدق القاذف ليسقط عن التعزير الثابت حقا للمقذوف بخلاف ما كان حقا لله تعالى هذا ما ظهر لي في هذا المقام والسلام.
قوله: (وأراد إثباته) أي لاسقاط الحد عنه: قوله: (لثبوت الحد) أي فكان الجرح ثابتا ضمنا لا قصدا فلم يكن مجردا لكن المناسب التعليل ببيان السبب، ويؤيد ما مر قبل هذا الباب عن الملتقط من أنه لو أقام أربعة فساقا يدرا الحد عن القاذف والمقذوف والشهود، فعلم أن ثبوت الحد غير لازم، وهذا مؤيد لما حققناه آنفا يدرا الحد عن القاذف والمقذوف والشهود، فعلم ما لم يثبت ضمنا.
قوله: (حتى لو بينوا الخ) تفريح على قوله: (بلا بيان سببه).
قوله (وكذا في جرح الشاهد) قد علمت الفرق بين البابين قوله (ويبغي الخ) قاله صاحب البحر قوله: (ليعزره) أي يعزر المقذوف ويسقط التعزير عن القاذف.
قوله: (سأل القاضي المشتوم) أي ولا يطلب من الشاتم البينة في مثل هذا كمال في البحر.
قوله: (من الفرائض) أراد بها ما يشتمل الواجبات كما ذكره بعد.
قوله: (ثبت فسقه) وينبغي أن يلزم التعزير، لما مر من أنه يعزر كل مرتكب معصية لاحد فيها.
قوله: (بيا كافر) لم يقيد بكون المشتوم بذلك مسلما لما يذكره بعد.
قوله: (إن اعتقد المسلم كافرا نعم) أي يكفر إن اعتقده كافرا لا بسبب مكفر.
قال في الدخيرة.
المختار للقتوى أنه إن أراد الشتم ولا يعتقده كفرا لا يكفر، وإن اعتقده كفرا فخاطبه بهذا بناء على اعتقاده أنه كافر يكفر، لانه لما اعتقد المسلم كافر فقد اعتقد دين الاسلام كفرا اه.
قوله.
(كفر) أي لان إجابته إقرار بأنه كافر فيؤاخذ به لرضاه بالكفر ظاهرا، إلا إذا كان مكرها.
وأما فيما بينه وبين الله تعالى، فإن كان متأولا بأنه كافر بالطاغوت مثلا فلا يكفر.
قوله: (فيكون محتملا) قال في الشرنبلالية: ويرجح خلافه حالة السب، فلذا أطلقه في الهداية وغيرها.
قوله: (يا فاجر) يستعمل في عرف الشرع بمعنى الكافر(4/237)
والزاتي، وفي عرفنا اليوم بمعنى كثير الخصام والمنازعة.
قال في البحر، أفاذ بعطه يا فاجر على يا فاسق التعاير بينهما، ولذا قال في القنية: لو أقام مدعي الشتم شاهدين سهدا أحد هما أنه قال له يا
فاسق والآخر على أنه قال له يا فاجر لا تقبل هذه الشهادة اه.
قوله: (يا مخنت) بفتح النون، أما بكسرها فمرادف للوطي.
نهر وقيل المخنث من يؤتى كالمرأة، وعليه اقتصر في الدار المنتقى.
ونقل بعض المخشين عن الاشارات أن كسر النون أفصح والفتح أشهر، وهو من خلقه خلق انساء في حركاته وسكنانه وهيئاته وكلامه، فإن كان خلقة فلا ذم فيه، ومن يتكلفه فهو المذموم.
قوله (يا خائن) هو الذي يخون فيما في يده من الامانات.
أيو السعود عن المحمود.
قوله (يا سفيه) هو خائن) هو الذي يخون فيها في يده من الامانات.
أبو السعود عن المحمودي قوله (يا سفيه) هو المبذر المسرف، وفي عرفنا اليوم بمعنى بذي اللسان قوله: (يا بليد) إنما يعذر لانه يستعمل بمعنى الخيث الفاجر.
نهر عن السراج.
قلت: وهو في العرف اليوم بعمنى قليل فينبغي أن لا يعزر به.
ثم رأيت في الفتح، قال: وأنا أظن أنه يشبه يا أبله ولم يعزروا به.
قوله (يا أحمق) بمعنى ناقص العقل سيئ الاخلاق.
قوله: (يا مباحي) هو من يعتقد أن الاشياء كلها مباحة.
قوله: (ياعواني) هو الساعي إلى الحالم بالناس ظلما.
قوله (أو هزل) عبارة الفتح: قلت: أو هزل من تعود بالهزل بالقبيح اه.
قوله: (يا زنديق يا منافق) الاول هو من لا يتدين بدين، والثاني هو من يبطن الكفر ويظهر الاسلام كما سيذكره ف = الردة عن الفتح.
قوله: (يا رافضي) قال في البحر: ولا يخفى أن قوله يا رافضي بمنزلة يا كافر أو يا مبتدع فيعزر، لان الرافضي كافر إن كان يسب الشخين مبتدع إن فضل عليا عليهما من غير سب كما في الخلاصة اه.
قلت: وفي كفر الذافضي بمجرد السب كلام سنذكره إن شاء الله تعالى في باب المرتد، نعم لو كان يفذف السيدة عائشة رضي الله عنها فلا شك في كفره.
(يا مبتدعي) أهل البدعة: كل من قال قولا خالف فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة.
قوله (يالص) بكسر اللام وتضم.
در منتقى.
قوله: (إلا أن يكون لصا) الاولى أن يقول: إلا أن يكون كذلك، لئلا يوهم اختصاصه باللص، إذا لا فرق بين الكل كمما بحثه في اليعقوبية: وقال: إنه لا تصريح به اه.
قلت ويدل له قوله في الفتح.
بما إذا قاله لرجل صالح، أمالو قال لفاسق أو
للص يالص أو لفاجر يا فاجر لا شئ عليه، والتعليل يفيد ذلك وهو قولنا إنه آذاه بما ألحق به من الشين، فإن ذلك إنما يكون فيمن لم يعلم اتصافه بهذه، أما من علم فإن الشين، قد ألحقه بنفسه قبل قول القائل اه.
كلام الفتح.
قلت ويظهر من هذا وكذا من قول المصنف السابق: إلا أن يكون معلوم الفسق) أن المراد المجاهر المشتهر بذلك فلا يعزر شاتمه بذلك كما لو اغتابه فيه، بخلاف غيره لان فيه إيذاءه بما يعلم اتصافه به، وتقدم أنه يعزر بالغيبة وهي لا تكون إلا بوصفه بما فيه، وإلا كانت بهتانا، فإذا عزر بوصفه بما فيه مما لم يتجاهر به ففي شتمه به في الاولى، لانه أشد في الايذاء والاهانة، هذا(4/238)
ما ظهر لي فتأمله.
قوله (كما مر) أي عند قوله: " يا فاسق ".
قوله: (ما لم يخرج الدعوى) قيد للزوم التعزإير بالإخبار عن هذه الاوصاف: يعني أنه إذا ادعى عند الحاكم أن فلانا فعل كذا مما هو من حقوق الله تعالى فإن المديي لا يعرز إذا لم يكن على وجه السب والانتقاص، بل يعزر المدعى عليه لما سيذكر الشارح عن كفالة النهر أن كل تعزر لله تعالى يكفي فيه خبر العدل، وكذا لو ادعى عليه سرقة أو ما يوجب كفرا وعجز عن إثباته، بخلاف دعوى الرنا كما يأتي، و الفرق وجود النص على حده للقذف إذا لم يأت بأرتعة من لاشهدا.
قوله (يا ديوث) بتثليث الدالد ط.
ومثله القواد في عرف مصرو الشام.
فتح.
قوله (يا قرطبان) مرب قلتبان.
درر.
ومثله ياكشخان، وهو ألحق خلافا لما في الكنز من.
نه لا تعزير فيه كما في الفتح، وهو الخاء المعجمة كما في القاموس خلافا كما في البحر والنهر من.
نه بالمهملة.
قوله (مرادف ديوث) قال الزيلعي: هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعنه خاليا بها.
وقيل هو المتسبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح.
وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ، أو مع مزارعه طلى الضيعة، أو يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته.
قول: (بمعنى معرص) في بعض النسخ " معرس " بالسين.
قال في النهر بعد ما مر عن الزيلعي: وعلى كل تقدير فهو المنعنى المعرس بكسر الراء والسين المهملة، والعوام يلحنون فيه فيفتحون الراء ويأتون بالصاد.
قال العينى.
قوله) عزر بطلب الولد) لانه هو المقصود بالشم، والظاهر أن له
الطلب وإن كان أصله حيا، بخلاف قوله يا ابن الزانية، وأنه يعزر أيضا بطلب الأصل.
تأمل.
قوله: (وأنه يعزر الخ) عطف على قوله: " أنه إذا شتم " أي أن في كلام المصنف إيماء أيضا إلى أن موجبه التعزير الحد.
قوله: (لا يقال الخ) حاصله أنه كان ينبغى أن يوجب الحد لا التعزير.
قوله: (يسقط الحد) أي حد الزننا لشبهة العقد، فلم يكن قاذفا بالزنا الخالي عن الملك وشبهته، فلا يجد القاذف أيضا لكنه يعزر.
وكتب ابن كمال بهامش شرحه هنا أن النسبة إلى فعل لا يجب الحد بذلك الفعل: لا يوجب الحد اه.
فافهم قوله: (وهو ظاهر) لعل وجهه أنه صار حقيقة عرفية بمعنى الزانية، فهو قذف بصريح الزنا، ولأن الفحبة لا تلتزم عقد الإجارة الذي هو علة سقوط الحد عند الامام.
قوله: (يا من يعلب بالصبيان) أي معهم.
نهر.
والظاهر أن المراد به ف - العرف من يعفل معهم القبيح بقرينة الشتم.
قوله: (فيعم حالة الحيص) أي فلم يكن قذفا بصريح الزنا، فلا(4/239)
يوجب الحد بل التعزير.
قوله: (ويبالغ في تعزيره) أي فيما إذا عرف بالدياثة، وقوله: " أو يلا عن " أي فيما إذا أقر بها، ففيه لف ونشر مشوش كما تفيده عبارة المنح عن جواهر الفتاوى، لأنه إذا لاعن لا يحتاج إلى التعزير، وإذا أكذب نفسه يلزمه الحد كما في الجواهر أيضا.
واعترض بأن الديوث من لا يغار على أهل أو محرمه، فهو ليس بصريح الزنا فكيف الزنا فكيف يجب اللعان بإقراره بالدياثه؟.
قلت: الظاهر ان المراد إقراره بمعناها لا بلفظها.
أي بأن قال كنت أدخل الرجال على زوجتي يزنون بها.
قوله (تلزمه كفارة يمين) لأنه علق رجوعه على الكفر فينعقد يمينا كما مر في بابه، وأشار إلى أنه لا يصير كافرا برجوعه، لكن هذا إذا علم أنه برجوعه لا يصير كافرا، وإلا كفر لرضاه بالكفر كما مر في محله، وإلى أنه لا يلزمه كفارة في المسألة الأولى لأنه ليس كل رافضي كافرا كما مر، فلم يكن يعليقا على الكفر.
قوله: (لظهور كذبه) أي يقينا كما في الهداية.
وفي البحر عن الحاوي القدسي: الاصل أن كل سب عاد شينه إلى الساب فإنه لا يعزر، فإن عاد الشين فيه إلى المسبوب عزر اه.
وإنما يعود شينه إلى الساب لظهور كذبه.
قوله: (واستحسن الهداية: وقيل في عرفنا لأنه بعد شينا.
وقيل إن كان المسبوب من الاشراف كالفقهاء والعلوية
يعزر لأنه يلحفهم الوحشة بذلك، وإن كان من العامة لا يعزر، وهذا أحسن اه.
والحاصل أن ظاهر الرواية أنه لا يعزر مطلقا، ومختار الهنداني أنه يعزر مطلقا، والتفصيل المذكور كما في الفتح وغيره.
قال السيد أبو السعود: وقوي شيخنا ما اختاره الهندواني بأنه الموافق للضابط: كل من ارتكب منكرا أو آذى مسلما بغير حق بقول أو بعفل أو إشارة يلزمه التعزير.
قلت: ويؤيده الألفاظ لا يقصد بها حقيقة اللفظ حتى يقال بظهور كذبه، ولو لا النظر إلى ما فيها من الأذى لما قيل بالتعزير بها في حق الأشراف، وإلا فظهور الكذب فيها موجود في حق الكل، فينبغي أن يلحق بهم من كان في معناهم ممن يحصل له بذلك الاذى والوحشة، بل كثير من أصحاب الأنفس الأبية يحصل له من الوحشة أكثر من الفقهاء والعلوية.
وقد يجاب بأن المراد بالأشراف من كان كريم النفس حسن الطبع، وذكر الفقهاء والعلوية لأن الغالب فيهم ذلك، فمن كان بهذه الصفة يلحقه الشين بهذه الالفاظ المراد لازمنها من نحو البلادة وخبث الطباع، وإلا فلا، لأنه هو الذي الحق الشين بنفسه فلا يعتبر لحوق الوحشة به، كما لو قيل لفاسق يا فاسق، فيرجع إلى ما استحسنه في الهداية وغيرها.
ثم رأيت الشارح في الشارح في شرح الملتقى قال: ولعل المراد بالعلوي كل منق، وإلا بالتخصيص عير ظاهر، بل قال الفقيه أبو جعفر: إنه في الأخسة، أما في الأشراف فالتعزير.
اه.
فافهم.(4/240)
تنبيه: ذكر في شرحه على الملتقى أيضا أنه لو على وجه المزاح يعرز، فلو بطريق الحقارة كفر، لأن إهانة أهل العلم كفر على المختار.
فتاوى بديعية.
فتاوى بديعية.
لكنه يشكل بما في الخلاصة أن سب الختتنى ليس بكفر اه، والمراد بالختين عثمان وعلى رضى الله تعالى عنهما.
قوله (يا أبله) بعمنى الغافل.
قوله: (وأبوه ليس كذلك) أي ليس بحجام، وكذا لا تعزير لو كان كذلك بالأولى.
قوله: (وأوجب الزيلعي الخ) كأنه لعدم ظهور الكذب في يابن الحجام لموت أبيه: فالسامعون لا يعلمون كذبه فلحقه الشين بخلاف قوله يا حجام لأنهم يشاهدون صنعته.
بحر.
ودفعه في النهر بأن التفرقة تحكم، لأن بتعزيره غير مقيد بموت أبيه اه.
قلت: والذي رأيته في الزيعلي هكذا: ومن الألفاظ التى لا توجب التعزير قوله يا رستاقي ويا ابن الأسود ويابن الحجام وهو ليس كذلك اه.
فقول وليس كذلك: أي ليس بهذه الصفة، فليس المراد نفي الحكم المذكور كما فمهه الشارح وعيره، فافهم.
قوله: (لأنه عرفا بمعنى المؤجر) قال منلاخسروا: المؤاجر يستعمل فيمن يؤجر أهله للزنا، لكنه ليس معناه الحقيقي المتعارف، بل بمعنى الؤجر.
قوله: (يابغا) هو بالباء الموحدة والغين المعجمة المشدة ويقال باغا، وكأنه انتزع من البغاء.
بحر عن المغرب.
قوله: هو المأبون) أي الذي لا يقدر على تركه أن يؤتى في دبره لدودة ونحوها.
بحر.
قلت: لكن قال المصنف في شرحه تبعا اللدرر: إن البغا من شتم العوام يتفوهون به ولا بعرفون ما يقولون اه.
وهذا المناسب لما مشى عليه تبعا للمتون، من أنه تعزير فيه.
أما على تفسيره مالمأبون فلا، ولذا قال في البحر بعد ما نقل عن المغرب إنه المأبون: وينبغي أن يجب التعرير فيه اتفاقا، لأنه ألحق الشينبه لعدم ظهور الكذب فيه، ثم استشهد لذلك بما صرح به في الظهيرية من وجوب التعزير في يا معفوج: وهو المأتي في الدبر، معللا بأنه ألحق الشين به، بل البغا أقوى، لان الأبنة عيب شيديد.
قلت: وحاصله أن المأبون هو الذي يطلب أن يؤتى، بخلاف المعفوج وهو بالعين المهملة والفاء والجيم، وفسره في التتار خانية بالمضرب في الدبر.
وفى القاموس: عفج يعفج: ضرب.
وجاريته جامعها.
قوله: (يعزر فيهما) أي في يا مؤاجر وبايغا بناء على أن عرفهم استعمال مؤاجر فيمن يؤاجر أهله للزنا، وبغا في المأبون، وهذا مؤيد لما بحثه في البحر.
قلت: ولا يستعمل في فرفنا اللفظان في الشتم، فينبغي عدم التعزير فيهما كما عليه المتون.
قوله: (وفي ولد الحرام) هذا ذكره في النهر بحثا، حيث قال: وينبغي أن يعزر في ولد الحرام، بل أولى من " حرام زاده " ولم يذكر في النهر عبارة الملتقط، ففي كلام الشارح إيهام.
قوله: (والضابط الخ) قال ابن كمال: فخرج بالقيد الاول النسبة إلى الامور الخلقية، فلا يعزر في يا حمار ونحوه، فإن معناه الحقيقي غير مراد، بل معناه المجازي كالبليد، وهو أمر خلقي، وبالقيد الثاني
النسبة إلى ما لا يحرم الشرع، فلا يعزر في يا حجام ونحوه مما يعد عارا في العرف، ولا يحرم في الشرع، والقيد الثالث إلى ما لا يعد عارا، فلا يعزر في يا لاعب النرد ونحوه مما يحرم في الشرع اه.(4/241)
قلت: وهذا الضابط منبي على ظاهر الرواية، وقد علمت تفصيل الهداية.
قوله: (بسكون الحاء) أي مع ضم أوله في الموضعين.
قوله: (وفي يا ساحر) رأيته في البحر بالخاء المعجمة.
تأمل.
قوله: (يا مقامر) من قامرة مقامرة وفمارا فقمره: إذا راهبة فغلبه، كما في القاموس.
قوله: (وفي الملتقى الخ) هذا بمعنى ما مر عن الهداية الزيلعي، لكنه في الملتقى ذكره بعد جميع ما مر من الألفاظ.
وعبارة الهداية والزيلعي توهم أنه هذا التفصيل في نحو حمار وخنزير مما يتيقن فيه بكذب القائل فأعاده الشارح آخرا لدفع هذا الايهام، فافهم.
قوله: (ادعى سرقة) ذكر في البحر هذه المسألة عن القنية، وذكر الثانية عن قتاوى قارئ الهداية، وقوله بخلاف دعوى الزنا من كلام الفنية، وأشار الشارح إلى المسالتين بقوله فيما تقدم " ما لم تخرج محرج الدعوى " وقدمنا أنه دخل في دلك دعوى ما يوجب التعزير حقا لله تعالى.
قوله: (لما مر) أي قبيل هذا الباب من أنه مندوب للدرء: أي مأمور بالستر، فإذا لم يقدر عن إثباته كان مخالفا للأمر.
وذكرنا الفرق فيما تقدم بورود النص على جلده إذا لم يأت أربعة شهداء.
وأما ما في البحر عن القنية من الفرق بأن دعوى الزنا لا يمكن إثباتها إلا بنسبته إلى الزنا، بخلاف دعوى السرقة، دعوى السرقة فإن المقصود منها إثبات المال ويمكنه إثباته بدون نسبته إلى.
السرقة فلم يكن قاصدا نسبته إلى السرقة، ففيه نظر، لاقتضائه عكس الحكم (1) المذكور فيهما.
ثم رأيت الخير الرملي نبه على ذلك أيضا أوضحته فيما علقته على البحر، فافهم.
قوله (وهو أي التعزير الخ) لما كان ظاهر كلام المصنف كالزيلعي وقاضيخان أن كل تعزير حق العبد، مع أنه قد يكون حق الله تعالى كما يأتي، زاد الشارح قوله " غالب فيه " تبعا للدرر وشرح المصنف، فصار قوله: " حق العبد " مبتدا، وقوله: " غالب فيه " خبره، والجملة خبر قوله: " غالب فيه " خبره، والجملة خبر قوله: " وهو " والمراد كما أفاده ح أن أفراده التى هي أكثر من أفراده التى هي حق الله، وليس المراد أن الحقين اجتمعا فيه، وحق العبد غالب كما قيل بعكسه في حد القذف اه.
قلت: هذا وإن دفع الإيراد المار لكن المتبادر خلافه، وهو أنه اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب فيه عكس حد القذف، وقد دفع الشارح الإيراد بقوله بعده " ويكون أيضا حقا لله تعالى ".
فعلم أن المراد بالأولى: ماكان حقا للعبد، وأن فيه حق الله تعالى أيضا، ولكن حق العبد غالب فيه على عكس حد القدف.
وبيان ذلك أن جميع ما مر من ألفاظ القذف والشتم الموجبة للتعزير منهي عنها شرعا.
قال(4/242)
تعالى: * (ولا تنابزوا بالالقاب) * [ الحجرات: 11 ] فكان فيها حق الله تعالى وحق العبد وغلب حق العبد لحاجته، ولذا لو عفا سقط التعزير، بخلاف حد القذب، فإنه بالعكس كما مر، وربما تمحض حق العبد كما إذا شتم الصبي رجلا، فإنه غير مكلف بحق الله تعالى، هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المحمل، فافهم.
مطلب فيما لو شتم رجلا بألفاظ متعدة تنبيه: ذكر ابن المصنف في حواشيه على الأشباه أنه يوخذ من كونه حق عبد جواب حادثه القوت: هي أن رجلا شتم آخر بالفاظ متعددة من ألفاظ الشتم الموجب للتعزيز، وهو أنه يعزر لكل واحد منها، لأن حقوق العباد لا تداخل فيها، بخلاف الحدود ولم أر من صرح به، لكن كلامهم يفيده، نعم التعزير الذي هو حق الله تعالى ينبغي القول فيه بالتداخل اه.
وأصل البحث الوالده المصنف، وجزم الشارح كما مر قبيل هذا الباب.
قلت: ومقتضى هذا تعدده أيضا لو شتم جماعة بلفظ واحد، مثل أنتم فسقة أو بألفاظ بخلاف حد القذف كما مر هناك.
قوله: (والتكفيل) أي أخذ كفيل بنفس الشاتم ثلاثة أيام قال المشتوم لي عليه بينة حاضرة كما في كافي الحاكم.
قوله: (زيلعي) تمام عبارة الزيعلي: " وشرع في حق الصبيان " اه.
وسيأتي متنا.
قوله: (واليمين) يعني إذا أنكر، أنه سبه يحلف ويقضي عليه بالنكول.
فتح.
قوله: (لا بالله ما قلت) أي لا يحلفه بالله ما قلت له ياسق، لاحتما أنه قال ذلك، ورد عليه المشتوم بمثله، أو عفى عنه، أو أنه فاسق في نفس الأمر ولا بينة للشاتم، ففي ذلك كله ليس عليه.
للمشوم حق التعزيز الذي يدعي: كما لو على آخر أنه استقرض منه كذا وأنكر، فإنه يحلفه ما له عليك الألف الذي يدعي، لاحتمال أنه استقرض وأوفاه.
وأبراأه المدعى.
قوله (وشهادة رجل وامرأتين) صرح به الزيلعي، وكذا في التتار خاتية عن المنتقى.
ويخالفه ما في الجوهرة: لا تقبل في التعزير شهادة النساء مع الرجال عنده، لأنه عقوبة كالحد والقصاص.
وعند هما تقبل لأنه حق آدمي اه.
أفاده الشرنبلالي.
قلت: ومقتضى هذا أنه لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة أيضا عنده، مع أنه جزم الزيلعي، وكذا في الفتح والبحر عن الخانية بأنها تقبل، فلهذا جزم المصنف بقبولها في الموضعين.
قوله (كما في حقوق العباد) أي كما في باقيما.
قوله: (ويكون أيضا حقا الله تعالى) أي خالصا له تعالى كتفبيل أجنبية وحضور مجلس فسق.
قوله: (فلا عفو فيه) كذا قاله في فتح القدير، لكن في القنية عن مشكل الآثار أن إقامة التعزير إلى الامام عن أئمتنا الثلاثة والشافعي، والعفور إليه أيضا.
قال الطحاوي: وعندي أن العفور للمجني عليه لا للامام.
قال صاحب القنية: ولعل قالوه في التعزير الواجب حقا لله تعالى، وما قاله الطحاوي فيما إذا جنب على إنسان اه.
فهذا مخالف لما في فتح كما في البحر والنهر.
قلت: لكن ذكر في الفتح أول الباب أن ما نص عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته أو المشتركة وجب امتثال الأمر فيه، وما لم ينص عليه إذا رأى الامام المصلحة أو علم أنه لا ينزجز إلا(4/243)
به: وجب، لأنه زاجر مشروع لحقه تعالى كالحد، وما علم أنه انزجر بدونه: لا يجب اه.
فعلم أن قولهم: إن العفو فيه للإمام بمعنى تفويضه إلى رأيه، إن ظهر له المصلحة فيه أقامه، وإن ظهر عدمها أو علم انزجاره بدونه يتركه، وبه تندفع المخالفة، فافهم المخالفة، فافهم.
قوله: (ولا يمين) عطف على قوله فلا عفو، وهذا أخذه في النهر من قولهم في الأول واليمين فقال: وهو ظاهر في أن ماكان منه حق الله تعالى لا يحلف فيه الخ؟ قوله: (كما لو ادعى عليه أنه قبل أخته) أي أي أخت نفسه.
والذي في النهر: أجنبية، وهو المناسب، لأنها لو كانت أخت المدعي فالظاهر أنه يكون حق عبد لأنه يلحقه
بذلك عار شديد يحمله على الغيرة لمحارمه كما لا يخفى، إلا أن يراد أخت المقبل.
قوله (ويجوز إثباته الخ) عطف على قوله: " فلا عفو " فهو من التفريع أيضا على كونه حق الله تعالى.
قوله (لو معه آخر) كذا في الفيتح، ويأتى أنه يكفى فيه أخبار عدل واحد، وعليهفلو كان المدعى عدلا يكفى وحده.
قوله: (وعيرها) كالخانية والكافي.
(ذا مروءة) قال محمد رحمه الله: والمروءة عندي في الدين والصلاحكما في الفيتح وغيره.
قوله (فتح) أقول: اختصر عبارة الفتح اختصارا مخلا تبع فيه النهير، فإنه في الفتح ذكر أولا أما وجب من التعزير حقالله تعالى لا يجوز للإمام تركه.
ثم استشكل عليه ما في الخانية، وهو ما نقله الشارح عن القنية فقال: إنه يجب أن يكون في حقوق الله تعالى الخ: أي وإذا كان كذلك ناقض قوله أولا: إنه لا يجوز للإمام تركه.
ثم أجاب عنه بأن ما ذكر عن القنية والخانية سواء حمل على أنه من حقوق الله تعالى أو من حقوق العباد لا يناقض ما مر، لأنه إذا كان المدعى عليه ذا مروءة فقد حصل تعزيزه بالجر إلى باب القاضي والدعوى، ويكون قوله: " ولا يعزر " معناه لا يعزر بالضرب في أو مرة، فإن عاد عزره بالضرب اه.
ملخصا.
وبه تعلم أن الشارح اقتصر على محل الاستشكل المخالف لقوله أولا، فلا عفو فيه وترك المقصود من الجواب، فافهم.
أقول: ويظهر لي دفع المناقضة من وجه آخر، وهو أن ما وجب حقا لله تعالى لا يجوز للإمام تركه إلا إذا علم انزجار الفاعل كما مر.
ولا يخفى أن الفاعل طذا كان ذا مروءة في الذين والصلاح يعلم من حاله الانزجار من أول الأمر، لأنما وقع منه لا يكون عادة إلا عن سهو وغفلة، ولذا لم يعزر في أول مرة ما لم يعد، بل يوعظ لتذكر إن كان ساهيا، وليتعلم إن كان جاهلا يدون حر إلى باب القاضي، ويؤيد هذا ما سيذكره الشارح آخر الباب من بناء على استثناء ذوي الهيئات من وجوب التعزير.
قوله: (يفى أنه من باب الاخبار) أي فلا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى مجلس القضاء، كما في كفالة النهر، فهذا يخالف ما مر من اشتراط الشهادة.
قلت: لكن غاية ما أفاده فرع الظهيرية أنه لا يأثم من أعلم السلطان به وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين كون السلطان عادلا أو جائرا يخشى منه قتله، لما مر أنه يباح قتل كل مؤذ: أي إذا لم
ينزجر.
ولا يخفى أنه ليس في هذا تعرض لثبوت تعزيره بمجرد الإخبار عند السلطان، فضلا عن(4/244)
ثبوته عند القاضي.
على أنه يكن أن يراد بإعلام السلطان: الشهادة على عنده، تأمل.
مطلب في تعزير المتهم قوله: (للقاضي تعزير المتهم) ذكروا في كتاب الكفالة أن التهمة تثبت بشهادة مستورين أو واحد عدل فظاهر أنه لو شهد عند الحاكم واحد مستور وفاسق بفساد شخص: ليس للحاكم حبسه، بخلاف ما إذا كان عدلا أو مستورين فإن له حبسه.
بحر.
قلت: ومثلهما لو كان المتهم مشهورا بالفساد فيكفي فيه علم القاضي كما أفاده كلام الشارح.
وفي رسالة " دده أفندي " في السياسة عن الحافظ ابن قيم الجوزية الحنبلي: ما علمت أحدا من أئمة المسلمين يقول إن هذا المدعى عليه بهذه الدعوى وما أشبهها يحلف ويرسل لا حبس، وليس تحليفه وإرساله مذهبا لأحد من الائمة الاربعة ولا غيرهم، ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه مع العلم باشتهاره بالفساد في الأرض وكثرة سرقاته وقلنا لا نأخذه إلا بشاهدي عدل كان مخالفا للسياسة الشرعية.
ومن ظن أن الشرع تحليفه وإرساله فقد غلط غلطا فاحشا، لنصوص رسول لله صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأجل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة على الشرع، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة، فتعدوا حدود الله تعالى وخرجوا من الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة، على وجه لا يجوز، وتمامه فيها.
وفي هذا تصريح بأن ضرب المتهم بسرقة من السياسة، وبه صرح الزيلعي أيضا كما سيأتي في السرقة.
وبه علم أن للقاضي فعل السياسة ولا يختص بالإمام كما قدمناه في حد الزنا مع تعريف السياسة.
قوله: (وإن لم يثبت) أي ما اتهم به، أما نفس التهمة: أي كونه من أهلها فلابد من ثبوتها كما علمت.
قوله: (يكفي فيه خبر العدل) مخالف لما قدمه من أنه يجوز إثباته بمدع شهد به لو معه آخر، وهو مصرح به في الفتح، ولعله محمول على عدم العدالة.
قوله: (يقضي فيها بعلمه اتفاقا) وأما ما ذهب إليه المتأخرون وهو المفتى به من.
نه لا يقضي بعلمه في زماننا فيجب حمله على ما كان من حقوق العباد، كذا في كفالة
النهر، وفيه كلام كتبناه في قضاء البحر حاصله أن ما ذكره غير صحيح، وسيأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (كما مر) الذي مر + تقييده بما إذا بين سببه كتقبيل أجنبية وعناقها، وقد فسر المجرد بما لم يبين سببه، فالمراد بالمجرد هنا ما لم يكن في ضمن ما تصح به الدعوى، وقدمنا الكلام فيه، فافهم.
قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من.
نه من باب الإخبار، وأنه يكفي فيه خبر العدل.
قوله: (من المحاضر) جمع محضر، والمراد به هنا ما يعرض على السلطان ونحوه في شكاية متول أو حاكم، ويثبت فيه خصوص أعيان البلده وختمهم، ويسمى في عرفنا عرض محضر.
قوله (يعمل به الخ) قال في كفالة النهر.
وظاهره أن الإخبار كما يكون باللسان يكون بالبنان، فإذا كتب إلى السلطان بذلك ليزجره جاز، وكان له أن يعتمد عليه حيث كان معروفا بالعدالة.
قوله (فقد أخطا) والفرع(4/245)
المتقدم: أي عن الظهيرية ينادي بخطئه.
نهر.
قوله: (وفي كفالة العيني الخ) ذكره في البحر في هذا الباب، ومثله في الخانية.
قوله: (وأودبه) الظاهر أن المراد به الضرب، ويحتمل أنه عطف تفسير.
ط.
قوله: (والسرقة وضرب الناس) الظاهر أن الوار بمعنى " أو " لصدق التعليل على كل فرد بخصوصه ط.
قوله: (حتى يتوب) المراد حتى تظهر أمارات توبته، إذ لاوقوف لنا على حقيقتها، ولا يقدر بسته أشهر إذ قد تحصل التوبة قبلها، وقد لا تظهر بعدها، كذا حققه الطرسوسي، وأقره ابن الشحنه.
قوله: (وتقييد مسائل الشتم) أي الواقع في الكنز والهداية، وهذا ذكره في البحر والنهر.
الذي في الفتح الاقتصار على ما قبله من المسألة، وتعليلها.
ذكر ذلك آخر الباب.
قوله: (ولعل وجهه ما مر في ياسق) أي من أنه ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل، وأشار بقوله: " فتأمل " إلى ضعف هذا الوجه، فإنه وإن كان ألحقه بنفسه لكنا التزمنا بعقد الذمة معه أن لا تؤذيه اه ح.
وقد يقال: إنه وصفه بما هو فيه، فهو صادق كقوله للفاسق ياسق مع أنه قد يشق عليه، إلا أن يفرق بأن اليهودي مثلا لا يعتقد في نفسه أنه كافر، فتأمل.
قوله: (يعزر المولى عبده) قال في الفتح: وإذا أساء العبد الأدب حل لمولاه تأديبه، وكذا الزوجه.
قوله: (لما سيجئ) أي من أن الصغر لا يمنع وجوب التعزير.
قوله (الشرعية الخ) احترازا عما لو أمرها بنحو لبس الرجال أو
بالوشتم، وعما لو كانت لا تقدر عليها لمرض وإحرام أو عدم ملكها أو نحو ذلك.
قوله: (وتركها غسل الجنابة) أي إن كانت مسلمة، بخلاف الذمية لعدم خطابها به ويمنعها من الخروج إلى الكنائس.
ط عن حاشية الشلبي.
قوله: (وعلى الخروج من المنزل) أي بغير إذنه بعد إيفاء المهر.
قوله: (لو بغير حق) فلوبحق فلها الخروج بلا إذنه، وتقدم بيانه في النفقات.
قوله: (لوطاهرة الخ) أي وكانت خاليه عن صوم فرض.
ط عن المفتاح.
قوله: (ويلحق بذلك الخ) أشار إلى أن تعزير الزوج لزوجته ليس خاصا بالمسائل الأربعة المذكورة في المتون، ولذا قال في الولوالجبة.
له ضربها على هذه الأربعة وما في معناها، وهو صريح الضابط الآتي أيضا، وكذا ما نقلناه آنفا عن الفتح من أن له تأديب العبد والزوجة على إساءة الأدب، لكنعلى القول بأنه لا يضربها لترك الصلاة يخص الجواز بما لا تقصر منفعته عليها كما يفيده التعليل الآتي هناك.
قوله (ما لو ضربت ولدها الخ) هذا ذكرها في البحر بحثا أخذ من مسألة ضرب الجارية وقال: فإن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا(4/246)
أولى.
قوله (غيره) بفتح الغين المعجمة ط، وهو منصوب على الحالية أو المصدرية أو التمييز، تأمل.
قوله (ولا تتعظ بوعظه) مفاده أنه لا يعزرها أو مرة ط.
قوله (أو شتمته الخ) سواء شتمها ولا، على قوله العامة.
بحر.
وثبوت للزوج بما ذكر إلى قوله: " والضابط " غير مصرح به وإنما أخذه في البحر والنهر من قول البزازية وغيرها.
لو قال لها إن ضربتك بلا جناية فأمر ك بيدك فشتمته الخ فضربها لا يكون الأمر بيدها، لأن ذلك كله جناية.
قال في النهر: وهو ظاهر في أنه له تعزيرها في هذه المواضع اه.
قلت: وفيه أنه إذا كان ذلك جناية علق عليها الأمر لا يلزمه منه أن يكون موجبه التعزير، إذ لو زنت أو سرقت فضربها لم يصر الأمر بيدها لكونه ضربا بجناية، مع أن هذه الجناية لا توجب التعزير، فالأولى الاقتصار عل الضابط.
قوله: (ولو بنحو يا حمار) ينبغي على ظاهر الرواية عدم التعزير في يا حمار يا أبه، وعلى القول الثاني من أنه يعزر وإن كان المقول له ن الأشراف، وإلا لا ينبغي أن يفصل في الزوج إلا أن يفرق بين الزوجه إلا أن يفرق بين الزوجة وبين الزوجة وغيرها، والموضع يحتاج إلى تدبر وتأمل.
نهر.
قلت: يظهر لي الفرق بينهما، إذ لا شك أن هذا إساءة الأدب.
تأمل.
قوله: (أو كلمته أو شتمته) الضمير
لغير المحرم.
قوله: (والضابط الخ) عزاه في البحر إلى البدائع من فصل القسم بين النساء، قال.
وهو شامل لما كان متعلقا بلا زوج وبغيره اه أي سواء كان جناية على الزوج أو غيره.
قوله: (ولا على ترك الصلاة) عطف على قوله: " وليس منه الخ " لأنه في معنى لا يضربها على طلب نفقتها ط..قوله: (تبعا للدرر) وكذا ذكره في النهاية تبعا لكافي الحاكم كما في البحر.
وفيه القنية: ولا يجوز ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلاة إذا بغلت عشرا.
قوله (واستظهره) أي ما في الكنز والملتقيمن أن له ضربها على ترك الصلاة، وبه قال كثير كما في البحر.
قوله: (والأب يعزر الابن عليه) أي على ترك الصلاة.
ومثلها الصوم كما صرحوا به، وتعليل القنية الآتي يفيد أن الأم كالأب.
والظاهر أن الوصي كذلك، وأن المراد بالابن الصغير بقرينة ما بعده: أما الكبير فكا لأجنفي، نعم قدم الشارح في الحضانة عن البحر أنه إذا لم يكن مأمونا على نفسه فله ضمنه لدفع فتنة أوعار وتأديبه إذا وقع منه شئ.
فرع: في فصول العلامي: إذا رأى منكرا من والدية يأمرها مرة، فإن قبلا فبها، وإن كرها سكت عنهما واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإن الله تعالى يكفيه ما أهمه من أمر هما.
له أم أرملة تخرج إلى غيرها فخاف ابنها عليها الفساد ليس له منعها، بل يرفع(4/247)
أمرها للحاكم ليمنعها أو يأمره بمنعها.
قوله (ابن سبع) تبع فيه النهر.
والذي قدمه في كتاب الصلاة أمر ابن سبع وضرب ابن عشر اه ح.
وهكذا ذكره القهستاني عن المتقط، والمراد ضربه بيد لا بخشبه كما تقدم هناك.
قوله: (ويحلق به الزوج) فله ضرب زوجته الصغيزة على الصلاة كالأب.
قوله: (وفي القنية الخ) وفيها عن الروضة: ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضربه خلاف الحر.
قال: فهذا تنصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره، بخلاف المعلم، لأن المأمور يضربه نيابة عن الأب لمصلحة، والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة الودلد اه.
وهذا إذا لم يكن الضرب فاحشا كما يأتي في قريبا.
قوله: (فيجري بين الصبيان) أي يشرع في حقهم كما عبر الزيلعي، وهل يضرب تعزيرا بمجرد عقهل أو إذا بلغ عشرا كما في ضربه على
الصلاة؟ لم أره: نعم في البحر عن القنية: مراهق عالما فعليه التعزير اه.
والظاهر أن المراهقة غير قيد.
تأمل.
تنتبيه: في شهادات البحر: لم أر حكم الصبى إذا وجب التعزير عليه للتأدى فبلغ.
ونقل الفخر الرازي عن الشافعية سقوطه لزجره بالبلوغ، مقتضى ما في اليتيمة من كتاب السير أن الذمي إذا وجب التعزير عليه فأسلم لم يسقط عنه اه.
قال الخير الرملي: لا وجه لسقوطه خصوصا إذا كان حق آدمي.
قوله: (وهذا لو كان حق عبدالخ) بهذا وفق صاحب المجتبى بين قول السرخسي: إن الصغر لا يمنع وجوب التعزير، وقول الترجمان: يمنع بحمل الأولى على حق العبد والثاني على حقه تعالى، كما إذا شرب الصبي أو زنى أو سرق، وأقرة في البحر والنهر، وتبعهم المصنف.
قلت، لكن يشكل عليه ضربه على ترك الصلاة، بل ورد أنه تضرب الدابة على النفار لا على العثار، فتأمل.
قوله: (من حد أو عزر) أي من حده الإمام أو عزره كما في الهداية.
قوله: (فدمه هدر) أي عندنا ومالك وأحمد، خلافا للشافعي، لأن الإمام مأمور بالحد والتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة، وتمامة في الفتح والتبيين.
قلت: ومقتضى التعليل بالأمر أن ذلك غير خاص بالإمام، فقد مر أن لكل مسلم إقامة التعزير حال مباشرة المعصية لأنه مأمور بإزالة المنكر، إلا أن يفرق بأنه يكنه الرفع إلى الإمام فلم تتعين قوله: (فيتقير بشرط السلامة) أي كالمرور في الطريق ونحوه.
وأورد مالو جامع امرأة فماتت أو أفضاها، فإنه لا يضمن عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه مباح.
وأجيب بأنه يضمن الجهر بذلك، فلو وجبت الدية لوجب ضمانان بمضون واحد.
نهر.
قوله: (قال المصنف) أخذه من كلام شيخه في الحبر.
قوله: (وبهذا) أي التعليل المذكور.
قوله:(4/248)
(ضربا فاحشا) قيد به لأنه ليس له أنه يضربها في التأديب، ضربا فاحشا، وهو الذي يكسره العظم أو يخرق الجلد أو يسوده في التتار خانية.
قال في البحر: وصر حوا بأنه إذا صربها بغير حق وجب عليه التعزير اه: أي و طنلم يكن فاحشا قوله: (ويضمنه لو مات) ظاهر تقييد الضمان بما إذا كان
الضرب فاحشا، ويخالفه إطلاق الضمان في الفتح وغيره حيث قال: وذكر الحاكم لا يضرب امرأته على ترك الصلاة ويضرب ابنه، وكذا المعلم إذا أدب الصبي.
فمات منه يضمن عندنا والشافعي اه.
قال في الدر المنتقى: يضمن المعلم بضرب الصبي.
قوال مالك وأحمد، لا ضيمن الزوج ولا المعلم في التعزير، ولا الأب في التأديب، ولا الجد ولا الوصيي لو بضرب معتاد، وإلا ضمنه بإجماع الفقهاء اه.
لكن سيأتي في الجنايات قبيل باب الشهادة في القتل تفصيل، وهو الضمان، في ضرب التأديب لا وفي ضرب لاتعليم لأنه واجب، ما لم يكن ضربا غير معتاد فإنه موجب للضمان.
مطلقا، وسيأتي تمامه هناك.
قوله:) وعن الثاني الخ) عبارة الزيلعي هكذا: وروى عن أبي يوسف أن القاضي إذا لم يزد في التعزير على مائة لا يجب عليه الضمان إذا كان يرى ذلك، لأنه قد ورد: أكثر ما عزروا به مائة فإن زادت على مائة فمات يجب نصف الدية على بيت المال، لأن ما ذاد على المائة غير مأذون فيه، فحصل القتل بفعل مأذون فيه وبفعل غير مأذون فيه فيتنصف اه.
فعلم أن الكلام في القاضي الذي يرى ذلك اجتهادا أو تقليدا، وقدمنا أن أول الباب استدلال أئمتنا بحديث.
" من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين " ومقتضى ما قررنا هناك وجوب الضمان إذا تعدى بالزيادة مطلقا، وأن هذه الرواية غير معتمدة عند الكل، فافهم.
قوله: (وتعزر خمسة وسبعين) جرى على ظاهر الرواية عن أبي يوسف، وقدمنا ترجيح قولهما: إذا لا يبلغ التعزير أربعين قوله: (ولا تتزوج بغيره) بل تقدم أنها تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير، وهذه إحدى روايات ثلاث تقدمت في الطلاق.
الثانية أنها لا تبين ردا لقصدها السيئ الثالثة ما في النوادر من أنه يتملكا رقيقة إن كان مطرفا ط.
مطلب فيما إذا ارتجل إلى غير مذهبه.
قوله (ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر) أي إذا كان إرتحاله لا لغرض محمود شرعا، لما في التتارخاية نية: حكى أن رجلا من أصحاب أبي حنيفة، خطب إلى رجل من أصحاب الحديث ابنته في عهد أبي بكر لاجوزجاني، فأبى إلا أن يترك مذهبه فيقرأ خلف الإمام، ويرفع يديه عند الانحطاط ونحو ذلك فأجابه فزوجه، فقال الشيخ بعد ما سئل عن هذه وأطرق رأسه: النكاح جائز، ولكن أخاف عليه أن يذهب طيمانهوقت النزع لأنه استخف بمذهبه الذي هو حق عنده وتركه لأجل لأجل جيفة
منتنة، ولو أن رجلا برئ من مذهبه باجتهاد وضح له كان محمودا مأجورا.
أما انتقال غيره من غير دليل، بل ما يرغب من عرض الدنيا وشهوتها فهو المذموم الآثم المستوجب للتأديب والتعزير،(4/249)
لا رتكابه المنكر في الدين واستخفافه بدينه ومذهبه اه.
ملخصا.
وفيها عن الفتاوى النسفية: الثبات على مذهب أبي حنيفة خير وأولى، قال: وهذه الكلمة أقرب إلى الألفة اه.
وفي آخر التحرير للمحقق ابن الهمام: مسألة لا يرجع فيما قلد فيه: أي عمل به اتفاقا، وهل يقلد غيره في غيره؟ المختار نعم للقطع بأنهم كانوا يستفتون مرة واحدا ومرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا، فلو التزم مذهبا معينا كأبي حنيفة والشافعي: فقيل يلزم، وقيل مثل من لم يلتزم وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه شرعا اه.
ملخصا.
قال شارحه المحقق ابن أمير حاج: بل الدليل الشرعي اقتصى العمل بقول المجتهد وتقليده فيه فيما احتاج إليه وهو: (فاسألوا أهل الذكر) [ النحل: 34 ] والسوال إنما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة، فإذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عمله به، وأما التزامه فلم يثبت من السمع اعتباره ملزما إنما ذلك في النذب، ولا فرق في ذلك بين أن يلتزمه بلفظه أو بقلبه.
على أن قول القائل مثلا قلدت فلا نا فيما أفت يه تعليق التقليد والوعد به، ذكره المصنف اه.
مطلب العامي لا مذهب له قلت: وأيضا قالوا: العامي لا مذهب له، بل مذهبه مفتيه، وعلله في شرح التحرير بأن المذهب إنما يكون لمن يكون لمن له نوع نظر واستدلال وبصر بالمذهب على حسبه، أو لمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقوله.
وأما غير ممن قال أنا حنفي أو شافعي لم يصر وطنما أطلنا في ذلك لئلا يغتر بعض الجهلة بما يقع في الكتب من إطلاق بعض العبارات الموهمة.
خلاف المراد فيحملهم على تنقيص الائمة المجتهدين، فإن العلماء حاشاهم الله تعالى أن يريدوا الازداء بمذهب الشافعي أو غيره، بل يطلعون تلك العبارات بالمنع من الانتقال خوفا من التلاعب بمذاهب المجتهدين، نفعنا الله تعالى بهم، وأماتنا على حبهم آمين.
يدل لذلك ما في القنية رامزا
لبعض كتب المذهب: ليس للعامي أن يتحول من مذهب إلى مذهب، ويستوي فيه الحنفي والشافعي اه: وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام ذلك في فصل القبول من الشهادات.
قوله: (قذف بالتعريض) كأن قال أنا لست بزان يعزر، لأن لحد سقط للشبهة، وقد ألحق الشين بالمخاطب، لأن المعنى بل أنت زان فيعزر، وظاهر التقييد بالقذف أنه لو شتم بالتعريض لا يعزر (فله قيمه النقصان) أي له قدر ما نقص من قيمتها، ولم يذكر أنه يحد أو لا يحد أو لا لعلمه مما مر في بابه، وتقدم قبيل باب الشهادة على الزنا زنى بأمة فقتلها أنه الحد والقيمة بالقتل، وفي إقضائها تفصيل طويل.
قوله: (إن حلف خصمه) أي عند عدم البرهان.
قوله: (حتى يتوب أو يموت) عبارة غيره: حتى(4/250)
يردها.
وفي النهدية وغيرها: قال محمد: أحبسه أبدا حتى يردها أو يموت.
قوله (يعزر على الورع البارد الخ) قال في التتار خانية: روى أن رجلا وجد تمرة ملقاة فأخذها و عرفها مرارا ومراده إظهار ورعه وديانته، فقا له عمر رضي الله تعالى عنه: كلها يا باردالورع، فإن ورع يبغضه الله تعالى.
وضربه بالدرة.
اه.
قلت: وبه علم أن المراد ماكام على وجه الرياء كما الرياء كما أفاده بقوله " البارد " فافهم.
فلو كان من أهل الورع فهو ممدوح كما نقل أن امرأة سألت بعض الأئمة عن الغزل على ضوء العسس حين يمر على بيتها فقال من أنت؟ فقالت: من أنت؟ فقالت: أنا أخت بشر الحافي، فقال ها: لا تفعلي فإن الورع خروج من بيتكم قوله: (التعزير لا يسقط بالتوبة) لما مر أن الذمي إذا لزمه التعزير فأسلم لم يستط عنه، لكن هذا مقيد بما إذا كان حقا لعبد، أما ما وجب حقا لله تعالى فإن يسقط كما في شهادات البحر.
حموي على الأشباه.
قوله: (قلت قد قدمناه لأصحابنا الخ) تقدم ذلك عند قوله: " والشهادة على الشهادة " وهذا جواب لقول الأشباه: ولم أره لأصحابنا اه.
قلت: وفي كفالة كافي الحاكم الشهيد: وإذا كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أن لا أحبسه ولا أعزره إذا كان ذلك أول ما فعل.
ذكر عن الحسن رضي الله تعالى عنه
عن رسول الله صلى ولله عليه وسلم " تجافوا عن عقوبة ذي المروءة إلا في الحدود " اه.
وقال البيري: وفي الأجناس عن كفالة الأصل: لو ادعى قبل إنسان شتيمة فاحشة أو أنه ضربه عزر أسواي ا، وإن كان المدعى عليه رجلا له مروءة وخطر استحسنت أنه لا يعزر إذا كان أول ما فعل.
وفي نوادر ابن رستم عن محمد: وعظ حتى لا يعود إليه، فإن عاوتكره منه ضرب التعزير.
قلت لمحمد: والمروءة عندك في الدين والصلاح؟ قال نعم.
وفي التمر تاشي: إن كان له خطر ومروءة، فالقياس أن يعزر، وفي الاستحسان لا، إن كان أول ما فعل، فإن فعل أي مرة أخرى علم أنه لم يكن ذا مروءة والمروة مروءة شرعيه وعقليه رسمية اه.
ملحضا.
تنبيه: قال ابن حجر في الفتاوى الفقهية.
جاء الحديث من طرق كثيرة من رواية جماعة من الصحابة بالفاظ مختلفه، منها " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود " وفسرهم الشافعي بأنهم الذين لا يعرفون بالشر فيرل أحدفهم الزله فيترك.
وقيل هم أصحاب الصغائر.
وقيل الذين إذا وقع منهم الذنب تابوا، والأول أظهر وأمتن اه.
ملحظا.
قلت وقول أئمتنا: إذا كان أول ما فعل، يشير إلى التفسير الأول، كذا ما مر من تفسير المروءة.
قوله: (في حديث اتق الله لا تأتي الخ) لفظ الجامع الصغير " اتق الله يا أبا الوليد " وقوله: " لا تأتي " أصله " لئلا تأتي " فحذف اللام، كذا في المناوي ح.(4/251)
قلت: ومقتضاه أن تأتي منصوب بأن المضمرة بعد اللام المقدرة مع أن شرط إضمار " أن " عدم وجود " لا " بعدها، مثل لنعلم أي الحزبين فلو وجدت امتنع الإضمار مثل لئلا يعلم إلا أن يقال سوغ ذلك عدم التصريح باللام التعليلة، لكنه يتوقف على كون الرواية بالنصف، وإلا فالأظهر أنه نفى بمعنى النهي مثل: (فلا رفث ولا فسوق) [ البقرة: 197 ] أو نهي والياء الإشباع، وعلى كل فهونهيعن المسبب، والمرادا لنهى عن السبب مثل: (ولا تقتلوا أنفسكم) [ النساء: 92 ] (لا يفتننكم الشيطان) أي لا تفعلوا سبب القتل والفتنة، وهنا المراد النهي عن منع زكاة المواشي أو السرقة التي هي سبب الإتيان بما ذكر.
وعلى هذا التقرير يظهر في الحديث نكات لطيفة لا تخفى
على المتأمل، فافهم.
قوله: (له رغاء الخ) الرغاء صوت الإبل، كما أن الخوار صوت البقر.
والثؤاج بالثاء المثلثة المضمومة وبعدها همزة مفتوحة ممدودة مفتوحة ممدودة ثم جيم: صوت الغنم ط.
قوله: (قال يؤخذ منه) عبارة المناوي: قال ابن المنير: " أظن أن الحكام أخذوا بتجريس السارق ونحوه من هذا الحديث ونحوه " اه ح.
والتجريس بالقوم: التسميع بهم قاموس.
قلت: وهو معنى التشهير الذي ذكروه عندنا في شاهد الزور.
ففي التتار خانية: قال أبو حنيفة في المشهور: يطاف به ويشهر، ولا يضرب، وفي السراجبة: وعليه الفتوى.
وفي جامع التعابي، التشهير أن يطاف به في كتاب أنه يشهر على قولهما بغير الضرب.
والذي روى عن عمر أنه يسخم وجه فتأويله عند السرخسي أنه بطريق السياسة إذا رأى الصلحة، وعند الشيخ الإمام أنه التفضيح والتشهير فإنه يسمى سوادا اه.
ملخصا.
وسيأتي تمامه فبيل باب الرجوع عن الشهادة إن شاء الله تعالى، والله سبحانه أعلم.(4/252)
كتاب السرقة عقب به الحدود لانه منها مع الضمان..قال: وكأنهم ترجموا لها بالكتاب دون الباب لاشتمالها على بيان حكم الضمان الخ الحدود فكانت غيرها من وجه، فأفردت عنها بكتاب متضمن لابواب.
تأمل.
قال القهستاني: وهو نوعان، لانه إما أن يكون ضررها بذي المال أو به وبعامة المسلمين، فالاول يسمى بالسرقة الصغرى والثاني بالكبرى، بين حكمها في الآخر لانها أقل وقوعا وقد اشتركا في التعريف وأكثر الشروط اه: أي لان المعتبر في كل منهما أخذ المال خفية، لكن الخفية في الصغرى هي الخفية عن عين المالك أو من يقوم مقامه كالمودع والمستعير.
وفي الكبرى عن عين الامام الملتزم حفظ طرق المسلمين وبلادهم كما في الفتح، والشروط تعلم مما يأتي.
قوله: (هي لغة أخذ الشئ الخ) أفاد أنها مصدر وهي أحد خمسة، ففي القاموس: سرق منه الشئ يسرق: أي من باب ضرب سرقا محركة وككتف، وسرقة محركة: أي ككلمة وكفرجة: أي بضم فسكون، وسرقا
بالفتح أي مع السكون، والاسم السرقة بالفتح وكفرجة وكتف اه.
موضحا.
قوله: (خفية) بضم الخاء وكسرها ط عن المصباح.
قوله: (مجاز) أي من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق.
قوله: (وشرعا باعتبار الحرمة الخ) يعني أن لها في الشرع تعريفين: تعريفا باعتبار كونها محرمة، وتعريفا باعتبار ترتب حكم شرعي عليها، وهو القطع، ومر نظيره في الزنا.
قوله: (أخذه كذلك) أي أخذ الشئ خفية.
قوله: (أخذ مكلف) شمل الاخذ حكما، وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل ويأخذوا متاعه ويحملوه على ظهر واحد، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانا، وسيأتي.
بحر.
وأخرج الصبي والمجنون لان القطع عقوبة وهما ليسا من أهلها، لكنهما يضمنان المال كما في البحر.
قوله: (أو عبدا) فهو كالحر هنا، لان القطع لا يتنصف، بخلاف الجلد.
قوله: (أو كافرا) الاولى أو ذميا لما في كافي الحاكم أن الحربي المستأمن إذا سرق في دار الاسلام لم يقطع في قول أبي حنيفة ومحمد.
وقال أبو يوسف: أقطعه.
قوله: (أو مجنونا حال إفاقته) الاولى أن يقول: أو مجنونا في غير حال أخذه، لان قوله: ولو أنثى الخ تعميم للمكلف فيصير المعنى أخذ مكلف ولو كان ذلك المكلف مجنونا في حال إفاقته، ولا يخفى ما فيه، فإنه في حال الافاقة عاقل لا مجنون، إلا أن يجعل حال إفاقته ظرفا لاخذ، فكأنه قال: أخذ مجنون في حال إفاقته، فيصدق عليه أخذ مكلف، وإنما سماه مجنونا نظرا إلى حاله في غير وقت الاخذ، فيرجع إلى ما قلنا.
تأمل.
والحاصل كما في البحر والنهر أنه إذا كان يجن ويفيق، فإذا سرق في حال إفاقته قطع، وإلا فلا اه.
بقي لو جن بعد الاخذ هل يقطع أم تنتظر إفاقته؟ قال السيد أبو السعود: ظاهر ما قدمه في قوله: النهر من أنه يشترط لاقامة الحد كونه من أهل الاعتبار يقتضي اشتراط إفاقته، إلا أن يفرق بين الجلد والقطع بأن الذي يحصل به الجلد لا فائدة فيه قبلها لزوال الالم قبل الافاقة، بخلاف القطع اه.(4/253)
قلت: لكن في حد الشرب من البحر: إذا أقر السكران بالسرقة ولم يقطع لسكره أخذ منه المال، ثم قال شهدوا عليبالشرب وهو سكران قبلت، وكذا بالزنا وهو سكران، كما إذا زنى وهو
سكران وكذبالسرقة وهو سكران، ويحد بعد الصحو ويقطع اه.
فهذا يفيد اشتراط صحوه، إلا أن يفرق بين الجنون والسكر بأن السكر له غاية، بخلاف الجنون، لكن الظاهر انتظار إفاقته لاندراء الحد بالشبهة، وهي هنا احتمال إبداء ما يسقطه إذا أفاق كما لا يقطع الاخرس لذلك.
تأمل.
قوله: (ناطق بصير) زاد في البحر هنا قيدا آخر، وهو كونه صاحب يد يسرى ورجل يمنى صحيحتين، وسيأتي في فصل القطع.
قوله: (لجهله بمال غيره) يعني أن مقتضى حاله ذلك.
قوله: (عشرة دراهم) لما رواه أبو حنيفة مرفوعا: لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ورجح هذه على رواية ربع دينا ورواية ثلاثة دراهم لان الاخذ بالاكثر أحوط احتيالا للدرء كما بسطه في الفتح، وأطلق الدراهم فانصرفت إلى المعهودة، وهو أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل كما في الزكاة.
بحر.
ومثله في الهداية وغيره.
وبحث فيه الكمال بأن الدراهم كان ت في زمنه (ص) مختلفة: صنف عشرة وزن خمسة، وصنف وزن ستة، وصنف وزن عشرة فمقتضى ترجيحهم الاكثر فيما مر ترجيحه لنا أيضا، وتمامه في الشرنبلالية.
قوله: (ولم يقل مضروبة) أي مع أن ذلك شرط للقطع في ظاهر الرواية.
قوله: (جياد) فلو سرق زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة فلا قطع، إلا أن تكون كثيرة قيمتها نصاب من الجياد.
بحر.
قوله: (أو مقدارها) أي قيمة، فلو سرق نصف دينار قيمته النصاب قطع عندنا.
بحر.
وهو عطف على عشر اه ح.
قوله: (فلا قطع بنقرة) هي القطعة المذابة من الذهب والفضة قاموس، والمراد الثاني ط.
وهذا محترز كون العشرة مضروبة.
ومثله ما لو سرق أقل من وزن عشرة فضة تساوي عشرة مسكوكة لا يقطع لانه مخالف للنص في محل النص، وهو أن يسرق فضة وزن عشرة كذا في الفتح، فأفادأن الفضة غير المسكوكة يعتبر فيها الوزن والقيمة: أي كونها وزنها عشرة تساو عشرة مسكوكة، فلا قطع لو نقص الوزن عن عشرة وإن بلغ قيمة المسكوكة كمسألتنا هذه، ولا في عكسه كمسألة النقرة.
قوله: (ولا بدينار) محترز قوله: أو قيمتها.
وأفاد به أن غير الدراهم يقوم بها وإن كان ذهبا كما في الفتح.
قوله: (وقت السرقة ووقت القطع) فلو كانت قيمته يوم السرقة عشرة فانتقص وقت القطع لم يقطعه، إلا إذا كان النقص لعيب حدث أو لفوات بعض العين كما في الفتح والنهر.
قوله: (ومكانه) فلو سرق في بلد ما قيمته فيها عشرة فأخذ في أخرى وقيمته
فيها أقل لا يقطع.
(فتح).
قوله: (بتقويم عدلين) حال من قوله أو مقدارها.
قوله: (عند اختلاف المقومين) أي بأن قومه عدلان بنصاب وعدلان آخران بأقل منه.
وأما لو اختلفوا بعد اتفاقهم على النصاب فإنه لا يضر كما هو ظاهر.
قوله: (إلا إذا كان وعاء لها عادة) لان القصد فيه يقع على سرقة الدراهم، ألا ترى أنه لو سركيسا فيه دراهم كثيرة يقطع وإن كان الكيس يساوي درهما.
بحر.(4/254)
وفهم منه أنه لو علم بما في الثوب يقطع كما صرح به في المبسوط، لان المعتبر ظهور قصد النصاب، وكون المسروق كيسا فيه دلالة القصد، ولا يقبل قوله لم أقصد لم أعلم، كما في الفتح، فإقراره بالعلم بما في الثوب فيه دلالة القصد بالاولى.
قوله: (ولا ينتظر) أي إذا طلب المالك تضمينه فله ذلك في الحال لوجود سببه لانه يقدر على تسليمه للحال فصار مستهلكا.
قوله: (خفية) خرج به الاخذ مغالبة أو نهبا، فلا قطع به لو كان في المصر نهارا وإن دخل خفية استحسانا.
نهر.
قوله: (وابتداء فقط لو ليلا) حتى لو دخل البيت ليلا خفية ثم أخذ المال مجاهرة ولو بعد مقاتلة من في يده قطع.
بحر.
قوله: (وهل العبرة) أي في الخفية لزعم السارق أن رب الدار لم يعلم به أم لزعم أحدهما، وإن كان رب الدار فيه خلاف.
ويظهر ذلك فيما لو ظن السارق أن رب الدار علم به مع أنه لم يعلم، فالخفية هنا في زعم ر ب الدار لا في زعم السارق.
ففي الزيلعي: لا يقطع لانه جهر في زعمه.
وفي الخلاصة والمحيط والذخيرة: يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم أحدهما، أما لو زعم اللص أنه لم يعلم به مع أنه عالم يقطع اكتفاء بزعمه الخفية، وكذا لو لم يعلما اتفاقا.
وأما لو علما فلا قطع بالمسألة رباعية، كما أفاده في البحر.
قوله: (من صاحب يد صحيحة) حتى لو سرق عشرة وديعة عند رجل ولو لعشرة رجال يقطع.
فتح.
قوله: (فلا يقطع السارق من السارق) هكذا أطلقه الكرخي والطحاوي، لان يده ليست يد أمانة ولا ملك فكان طائعا، قلنا نعم، لكن يده يد غصب والسارق منه يقطع.
والحق ما في نوادر هشام عن محمد: إن قطعت الاولى لم أقطع الثاني، وإن درأت عنه الحد قطعته، ومثله في أمالي أبي يوسف، كذا في الفتح.
نهر.
وعلى هذا التفصيل مشى المصنف في الباب الآتي.
تنبيه: في كافي الحاكم: ولا يقطع السارق من مال الحربي المستأمن.
قوله: (مما لا يتسارع إليه الفساد) سيأتي هذا في المتن مع أشياء أخر لا يقطع بها، فإذا كان مراده استيفاء الشروط كان عليه ذكى الباقي.
تأمل.
قوله: (متقوما مطلقا) أي عند أهل كل دين.
ط.
قوله: (فلا قطع بسرقة خمر مسلم) هذه العبارة مع التطويل لا تشمل سرقة المسلم خمر الذمي، ولو قال فلا قطع بسرقة خمر لكان أخصر وأشمل اه ح.
قوله: (بدائع) تمام عبارتها على ما في البحر: فلو سرق بعض تجار المسلمين من البعض في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الاسلام فأخذ السارق، لا يقطعه الامام اه.
قلت: وظاهره أن الحكم كذلك لو سرق في دار البغي ثم خرجوا إلى دار العدل.
تأمل.
ولم يذكر سرقة أهل العدل من أهل البغي وعكسه.
وفي كافي الحاكم: رجل من أهل العدل أغار على عسكر البغي ليلا فسرق من رجل منهم(4/255)
مالا فجاء به إلى إمام العدل: لا يقطعه، لان لاهل العدل أخذ أموالهم على وجه السرقة ويمسكه إلى أن يتوبوا أو يموتوا، وفي العكس لو أخذ بعد ذلك فأتى به إمام أهل العدل لم يقطعه أيضا لانه محارب يستحل هذا اه.
ملخصا.
قوله: (من حرز) هو على قسمين: حرز بنفسه، وهو كل بقعة معدة للاحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بإذن كالدور والحوانيت والخيم والخزائن والصناديق.
أو بغيره، وهو كل مكان غير معد للاحراز وفيه حافظ كالمساجد والطرق والصحراء.
وفي القنية: لو سرق المدفون في مفازة يقطع بحر.
قلت: وجزم المقدسي بضعف ما في القنية كما نذكره في النباش.
قوله: (بمرة واحدة) فلو أخرج بعضه ثم دخل وأخرج باقيه ليقطع زيلعي وغيره.
قلت: وهذا لو أخرجه إلى خارج الدار لما في الجوهرة: ولو دخل دارا فسرق من بيت منها درهما فأخرجه إلى صحنها ثم عاد فسرق درهما آخر وهكذا حتى سرق عشرة فهذه سرقة واحدة، فإذا أخرج العشرة من الدار قطع، وإن خرج في كل مرة من الدار ثم عاد حتى فعل ذلك عشر مرات لم يقطع، لانها سرقات اه.
ومثله في التتارخانية، لكن ذكر في الجوهرة أيضا: لو أخرج نصابا من
حرز مرتين فصاعدا، إن تخلل بينهما إطلاع المالك فأصلح النقب أو أغلق الباب، فالاخراج الثاني سرقة أخرى فلا يجب القطع إذا كان المخرج في كل دفعة دون النصاب، وإن لم يتخلل ذلك قطع اه.
ومثله في النهر عن السراج قبيل فصل القطع، فقوله: وإن لم يتخلل ذلك قطع، يقتضي أنه لو أخرج بعض النصاب إلى خارج الدار ثم عاد قبل اطلاع المالك وإصلاحه النقب أو إغلاقه الباب أنه يقطع، وهو خلاف ما أطلقه هو وغيره من عدم القطع كما علمت، لانه لم يصدق عليه أنه في كل مرة أخرج نصابا من حرز بل بعض نصاب، نعم اطلاع المالك له اعتبار في مسألة أخرى ذكرها في الجوهرة أيضا، وهي لو نقب البيت ثم خرج ولم يأخذ شيئا إلا في الليلة الثانية، إن كان ظاهرا وعلم به رب المنزل ولم يسده لم يقطع، وإلا قطع اه.
ووجهه ظاهر، وهو أنه لو علم به ولم يسده لم يبق حرزا وإلا بقي حرزا، إذ لو لم يبق حرزا لزم أن لا تتحقق سرقته بعد هتك الحرز.
قوله: (اتحد مالكه أم تعدد) فلو سرق واحد من جماعة قطع، ولو سرق اثنان نصابا من واحد فلا قطع عليهما، فالعبرة للنصاب في حق السارق لا المسروق منه بشرط أن يكون الحرز واحدا، فلو سرق نصابا من منزلين فلا قطع والبيوت من دار واحدة بمنزلة بيت واحد، حتى لو سرق من عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة من كل واحد منهم درهما قطع، بخلاف ما إذا كانت الدار عظيمة فيها حجر كما في البدائع.
بحر.
وستأتي مسألة الحجر.
قوله: (لا شبهة ولا تأويل فيه) أخرج بالاول السرقة من دار أبيه ونحوه وبالثاني سرقة مصحف لتأويل أخذه للقراءة.
أفاده ط.
قوله: (وثبت ذلك الخ) لا يصح كون ذلك جزءا من التعريف، بل هو شرط للقطع كما أفاده بقوله فيقطع إن أقر مرة أو شهد رجلان الخ.
تأمل.
قوله: (وإليه رجع الثاني) أي أبو يوسف، وكان أولا يقول: لا يقطع إلا إذا أقر مرتين في مجلسين مختلفين كما في الزيلعي.
قوله: (ومن المتأخرين من أفتى بصحته) مقتضى صنيعه أن ذلك صحيح في حق القطع، ولا يخفى ما فيه لان(4/256)
القطع حد يسقط بالشبهة، والانكار أعظم شبهة مع أنه سيأتي أنه لا قطع بنكول عن اليمين، وأنه لو أقر ثم هرب لا يتبع، فيتعين حمل ما ذكره على صحته في حق الضمان.
قوله: (أو شهد رجلان) فلا
يقبل رجل وامرأتان للقطع بل للمال، وكذا الشهادة على الشهادة كما في كافي الحاكم.
قوله: (ولو عبدا) تعميم للضمير في عليه المقدر بعد قوله: أو شهد رجلان وسيأتي الكلام على سرقة العبد في الباب الآتي.
قوله: (وسألهما الامام كيف هي) ليعلم أنه أخرج من الحرز أو نول من هو خارج، وأين هي ليعلم أنها ليست في دار الحرب، وكم هي؟ ليعلم أنها نصاب أم لا.
قوله: (زاد في الدرر) نقله في البحر أيضا عن الهداية وقال: السؤال عن الماهية لاطلاقها على استرقاق السمع والنقص من أركان الصلاة، وعن الزمان لاحتمال التقادم.
زاد في الكافي أنه يسألهما عن المسروق، إذ سرقة كل مال لا توجب القطع.
قوله: (وممن سرق) ليعلم أنه ذو رحم محرم منه أم لا.
قوله: (وبيناها) أي المذكورات، وهو عطف على قوله: وسألهما.
قوله: (احتيالا) علة للسؤال.
قوله: (ويحبسه حتى يسأل عن الشهود) أي عن عدالتهم.
قال في الشرنبلالية: يشير إلى ما قاله الكمال: إن القاضي لو عرف الشهود بالعدالة له قطعه اه.
ولعله على القول بأن القاضي يقضي بعلمه وهو خلاف المختار الآن اه.
وهذا اشتباه، فإن قضاءه بالقطع بالبينة لا بعلمه، وعلمه بعدالة الشهود المتوقف عليها القضاء بالقطع ليس قضاء به.
حموي.
قلت: على أنه مر في الباب السابق أن في حقوقه تعالى يقضي القاضي بعلمه اتفاقا، وقد صرح في البحر عن الكشف بأن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلو ص.
قوله: (لعدم الكفالة في الحدود) لانه إذا جاء أخذ الكفيل بالنفس لا يحبس.
قوله: (إلا الزمان) لان تقادم العهد لا يمنع صحة الاقرار بها.
نوح عن المبسوط والمحيط.
واعترضه الحموي بأنه يجوز أن تكون السرقة في صباه فلا يحد.
قلت: لكن قال في حاوي الزاهدي: لو ثبتت السرقة بالاقرار لا يلزم السؤال عن زمانها حتى قال في أسنع لو قال سرقت في زمان الصبا يقطع ولا يلتفت إلى قوله اه.
وفي لفظ أسن رمز لكتاب الاسرار.
قوله: (إلا المكان) المناسب، وإلا المكان بالعطف لانه في الفتح استثنى الزمان والمكان.
قوله: (تحريف) أي لجواز أن يكون في دار الحرب، والمراد أن ذكر المكان في عبارة الفتح غير صحيح.
قوله: (وكذا لو رجع أحدهم) أي أحد السارقين المقرين.
قوله: (أو قال) أي أحد السارقين.
قوله (أو شهدا على إقراره) أي إقرار السارق.
قوله: (فلا قطع) أي في المسائل الثلاث،(4/257)
أما في الاوليين فلانه إذا سقط عن البعض لشبهة سقط عن الباقين كما في الكافي، والرجوع ودعوى الملك شبهة.
وأما في الثالثة فلان جحود الاقرار بمنزلة الرجوع، وهو لو أقر صريحا يصح رجوعه، فكذا لو شهدا على إقراره، والسكوت في باب الشهادة جعل إنكارا حكما كما ذكره المصنف.
قوله: (ونقله شارح الوهبانية الخ) حاصل ما نقله عن المبسوط أنه لو أقر ثم هرب لم يقطع ولو في فوره، لان الهرب دليل الرجوع، ولو رجع لا يقطع، فكذا إذا هرب بل يضمن المال.
وأما لو هرب بعد الشهادة ولو قبل الحكم، فإن أخذ في فوره قطع، وإلا لا، فإن حد السرقة لا يقام بالبينة بعد التقادم، والعارض في الحدود بعد القضاء قبل الاستيفاء كالعارض قبل القضاء اه.
وبه ظهر أنه قول المصنف تبعا للظهيرية فإن في فوره لا يقطع صوابه ولو في فوره ليعلم أنه بعد التقادم لا يقطع أيضا.
وأجيب بأنه قيد بالفورية ليصح قوله، بخلاف الشهادة لانه بعد التقادم لا يخالف الاقرار الشهادة في عدم القطع.
على أنه إذا كان لا يقطع بالهرب في فور الاقرار لا يقطع بعد التقادم فيه بالاولى كما أفاده ح.
لكن لا يخفى ما في العبارة من الايهام، والعبارة المحررة عبارة كافي الحاكم، وهي: وإذا أقر بالسرقة ثم هرب لم يطلب وإن كان ذلك بشهود طلب ما دام في فور ذلك.
قوله: (ولا قطع بنكول) أي نكول السارق عن الحلف عند القاضي.
قوله: (لاقراره على نفسه) علة للزوم المال في المسألتين لان النكول إقرار معنى، وإقرار السيد على عبد يوجب توجه المطالبة على نفسه.
أفاده ط.
قوله: (ونقل) أي في القهستاني ومثله في الذخيرة، وهو تأييد لما قبله حيث سماه: جورا شبيها بالعدل.
مطلب: ترجمة عصام بن يوسف قوله: (عن عصام) هو عصام بن يوسف من أصحاب أبي يوسف ومحمد، ومن أقران محمد بن
سماعة وابن رستم وأبي حفص البخاري.
قوله: (إنه سئل) أي سأله حبان بن جبلة أمير بلخ.
رملي.
قوله: (سارق ويمين) تعجب من طلب اليمين منه فإنه لا يبالي لاقدامه على ما هو أشد جناية، لكن الشرع لم يعتبر هذا.
قوله: (فقال) أي عصام.
قوله: (ما رأيت جورا الخ) سماه جورا باعتبار الصورة تعزير المتهم وقدمنا بيانه.
قوله: (بصحة إقراره بها مكرها) أي في حق الضمان لا في حق القطع كما قدمناه.
قوله: (وعن الحسن) هو ابن زياد، من أصحاب الامام.
قوله: (يحل ضربه الخ) لم يصرح الحسن به، بل هو مفهوم كلامه.(4/258)
مطلب: في جواز ضرب السارق حتى يقر قال في البحر: وسئل الحسن بن زياد: أيحل ضرب السارق حتى يقر؟ قال: ما لم يقطع اللحم لا يتبين العظم، ولم يزد على هذا اه كلام البحر.
وهو ضرب مثل: أي ما لو لم يعاقب لا تظهر السرقة، ففي عبارة الشارح سقط من الكاتب أو من قلمه بدليل أنه في شرحه على الملتقى ذكر عبارة الحسن على وجهها فلم يكن ما هنا تصرفا منه بسوء فهمه، إذ لم نعهد هذا الشارح الفاضل وصل في البلادة إلى ما زعمه من هو مولع بالاعتراض عليه، فافهم.
قوله: (عن ابن العز) أي في كتابه التنبيه على مشكلات الهداية حيث قال: الذي عليه جمهور الفقهاء في المتهم بسرقة ونحوها أن ينظر، فإما أن يكون معروفا بالبر لم تجز مطالبته ولا عقوبته.
وهل يحلف؟ قولان.
ومنهم من قال يعزر متهمه، وإما أن يكون مجهول الحال فيحبس حتى يكشف أمره، قيل شهرا، وقيل باجتهاد ولي الامر، وإن كان معروفا بالفجور، فقالت طائفة: يضربه الوالي أو القاضي.
وقالت طائفة: يضربه الوالي دون القاضي.
ومنهم من قال: لا يضربه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم أمر الزبير بن العوام أن يمس بعض المعاهدين بالعذاب لما كتم إخباره بالمال الذي كان صلى الله عليه قد عاهدهم عليه، وقال له: أين كنز حيي بن أخطب؟ فقال: يا محمد أنفذته النفقات والحروب، فقال: المال كثير والمسألة أقرب، وقال للزبير: دونك هذا، فمسه الزبير بشئ من
العذاب فدلهم على المال وهو الذي يسع الناس وعليه العمل الخ، وتمامه في المنح.
قوله: (ثم نقل) أي المصنف، وقوله جواز ذلك أي جواز ضر ب المتهم حيث قال نقلا عن الزيلعي.
ومنها: أي ومن السياسة ما حكي عن الفقيه أبي بكر الاعمش أن المدعى عليه إذا أنكر فللامام أن يعمل فيه بأكبر رأيه، فإن غلب على ظنه أنه سارق وأن المسروق عنده عاقبه، ويجوز ذلك، كما لو رآه الامام مع الفساق في مجلس الشرب، وكما لو رآه يمشي مع السراق، وبغلبة الظن أجازوا قتل النفس، كما إذا دخل عليه رجل شاهرا سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله اه.
قوله: (لغلبة الفساد) تمام عبارة النهر: وكيف يؤتى للسارق ليلا بالبينة بل ولا في النهار اه: يعني لا يتوقف على اقامت البينه تعزير المتهم، وقدمنا هناك عن ابن القيم حكاية الاجماع على ذلك، وقد سمعت آنفا تصريح الزيلعي بأن هذا من السياسة، وبه يعلم أن للقاضي فعل السياسة.
قوله: (ويحمل ما في التجنيس) وهو ما قدمه المصنف من أنه لا يفتى بعقوبة السارق.
قوله: (لو كسر سنه) بضم أوله مبنيا للمجهول، وأصل العبارة: لو شكا للوالي بغير حق فأتى بقائد فضرب المشكو عليه فكسر سنه أو يده الخ.
قوله: (كالمال) أي كما يضمن لو غرمه الوالي مالا.
قوله: (لا لو حصل) أي لا يضمن الارش لو حبسه الوالي فهرب وتسور جدار السجن(4/259)
فحصل ما ذكر من كسر سنه أو يده أو مات بضرب القائد.
قوله: (كان للورثة أخذ الشاكي بدين أبيهم) الظاهر أنه لا ينافي ما مر عن القنية لتعليله بظهور تعديه هنا: أي حيث ظهرت السرقة على يد آخر، بخلاف ما مر.
تأمل.
قوله: (لتعديه في هذا التسبب) قال في الذخيرة بعد عزوه المسألة لمجموع النوازل: قيل هذا الجواب مستقيم في حق الغرامة أصله السعاية غير مستقيم في حق الدية لانه صعد السطح باختياره: وقيل: هو مستقيم في الدية أيضا لانه مكره على الصعود للفرار من حيث المعنى اه.
وقوله أصله السعاية: أي أن الاصل في ذلك تضمينهم الساعي إذا كان بغير حق.
قوله: (وسيجئ في الغصب) حيث قال متنا وشرحا: لو سعى إلى سلطان بمن يؤذيه والحال أنه لا يدفع بلا رفع إلى السلطان أو سعى بمن يباشر الفسق ولا يمتنع بنهيه، أو قال لسلطان قد يغرم وقد
لا يغرم أنه قد وجد كنزا فغرمه السلطان شيئا لا يضمن في هذه المذكورات، ولو غرم السلطان ألبتة بمثل هذه السعاية ضمن، وكذا يضمن لو سعى بغير حق عند محمد زجرا له: أي للساعي، وبه يفتى وعزر، ولو الساعي عبدا طولب بعد عتقه، ولو مات الساعي فللمسعى به أن يأخذ قدر الخسران من تركته هو الصحيح.
جواهر الفتاوى.
ونقل المصنف أنه لو مات المشكو عليه بسقوطه من سطح لخوفه غرم الشاكي ديته، لا لو مات بالضرب لندوره، وقد مر في باب السرقة اه.
قلت: أنت خبيربان ذكره مطلب في ضمان الساعي ثم حاصل ما ذكره من ضمان الساعي أنه لو سعى بحق لا يضمن، ولو بلا حق: فإن كان السلطان يغرم بمثل هذه السعاية ألبتة يضمن، وإن كان قد يغرم وقد لا يغرم لا يضمن.
والفتوى على قول محمد من ضمان الساعي بغير حق مطلقا ويعزر، بل قدمنا إباحة قتله، بل أفتى بعض مشايخ المذهب بكفره.
قوله: (يسرقه مني) المناسب عطفه ب أو لانه مسألة ثانية.
ففي كافي الحاكم: أو قال لم يسرقه مني وإنما كنت أودعته.
قوله: (فلا يقطع) أما لو قال عفوت عنه لم يبطل القطع.
كافي الحاكم: أي لان القطع محض حقه تعالى فلا يملك إسقاطه، بخلاف ما قبله لانه ثبت في ضمن ثبوت حق العبد، وقد بطل بإقراره فبطل ما في ضمنه.
تأمل.
قوله: (وندب تلقينه) المناسب ذكره عند قوله: إن أقر بها أي ندب للامام أن يلقنه.
كافي، لما أخرجه أبو داود أنه (ص) أتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع، فقال (ص): ما إخالك سرقت، قال: بلى يا رسول الله، فأعادها عليه الصلاة والسلام مرتين أو ثلاثا، فأمر به فقطع وتمامه في الفتح.
قوله: (في حقهما) متعلق بلا قطع ح: أي لا قطع في حق الكافر ولا في حق المسلم، ولعل وجهه أنها سرقة واحدة، فلما بطلت الشهادة في حق المسلم بطلت في حق(4/260)
الكافر.
وأما الضمان فلاشك في انتفائه عن المسلم، وهل يضمن الكافر حصته منها؟ الظاهر نعم.
قلت: وفي كافي الحاكم: لو شهد رجلان على رجلين بسرقة وأحد السارقين غائب قطع
الحاضر، فإن جاء الغائب لم يقطع حتى تعاد عليه تلك البينة أو غيرها فيقطع اه.
فلينظر الفرق بين المسألتين، ولعل وجهه أن الكافر ليس أهلا للشهادة على المسلم، بخلاف شهادة المسلم على الغائب فإن المانع من قبولها الغيبة لا عدم الاهلية.
قوله: (تشارك جمع) أي في دخول الحرز بقرينة قوله: وإن أخذ المال بعضهم.
قال في الفتح: وإنما وضعها في دخول الكل، لانه لو دخل بعضهم لكنهم اشتركوا بعد ذلك في فعل السرقة لا يقطع إلا الداخل إن عرف بعينه، وإن لم يعرف عزروا كلهم وأبد حبسهم إلى أن تظهر توبتهم اه.
وقيد بقوله: وأصاب كلا نصاب لانه لو أصابه أقل لم يقطع، بل يضمن ما أصابه من ذلك.
جوهرة.
قوله: (استحسانا) والقياس أن يقطع الحامل وحده وهو قول زفر والائمة الثلاثة.
فتح.
قوله: (أو محرم) أي ذو رحم محرم من المسروق منه.
بحر.
قوله: (لم يقطع أحد) أطلقه فشمل ما إذا تولى الاخذ الكبار العقلاء، خلافا لابي يوسف، كما في الزيلعي.
قوله: (لا قطع) هذا قول أبي حنيفة الاول، وقوله الاخير: يقطع كما يأتي قريبا، وبه صرح في التتارخانية وغيرها.
قوله: (سوى رجم) في بعض النسخ سوى جلد وهي الصواب، وإن كان الاول هو الذي في الفتح والبحر والنهر نقلا عن كافي الحاكم، فقد رده في الشرنبلالية بأنه مخالف لما قدموه في حد الزنا بالرجم من أنه إذا غاب الشهود أو ما توا سقط الحد فيتجه استثناء الجلد فإنه يقام حال الغيبة والموت، بخلاف الرجلاشتراط بداءة الشهود به.
وعبارة كافي الحاكم في الحدود مصرحة بذلك، وكذل ك عبارته في السرقة، ونصها: وإذا كان: أي المسروق منه حاضرا والشاهدان غائبان لم يقطع أيضا حتى يحضروا.
وقال أبو حنيفة بعد ذلك: يقطع، وهو قول صاحبيه، وكذلك الموت، وكذلك هذا في كل حد وحق سوى الرجم، ويمضي القصاص وإن لم يحضروا استحسانا لانه من حقوق الناس اه.
فهذا تصريح الحكم في الحدود والسرقة بما قلنا، فليتنبه له اه.
قلت: والظاهر أن نسخة الكافي التي وقعت لصاحب الفتح سقط منها قوله: وقال أبو حنيفة إلى قوله: وكذلك الموت فوقع الخلل في اشتراط حضور الشاهدين وفي استثناء الرجم، لان الاستثناء وقع من القول الاخير الذي رجع إليه الامام فكان العمل عليه، لان ما رجع عنه المجتهد
بمنزلة المنسوخ، ولذا صرح في شرح الوهبانية بتصحيح قوله الاخير، فجزى الله تعالى الشرنبلالي(4/261)
خيرا على هذا التنبيه الحسن.
قوله: (تصحيح خلافه) أي خلاف قوله لا قطع، وهذا هو الصواب كما علمت.
قوله: (ويقطع بساج) قال الزمخشري: الساج خشب أسود رزين يجلب من بلاد الهند ولا تكاد الارض تبليه، والجمع سيجان مثل نار ونيران.
وقابعضهم: الساج يشبه الابنوس، وهو أقل سوادا منه.
مصباح.
قوله: (وقنا) بالفتح والقصر: هو الرمح.
قوله: (بفتح الباء) كذا في البحر عن الطلبة، ومثله في الفتح والنهر.
ورأيت في المصباح ضبطه بضمهما وقال: إنه خشب معروف، وهو معرب، ويجلب من الهند، واسمه بالعربية سأسم بهمزة وزان جعفر.
قوله: (وعود) بالضم الخشب، جمعه عيدان وأعواد وآلة من المعازف.
قاموس.
قلت: والمراد هنا الاول وهو الطيب لان آلة اللهو لا قطع بها كما يأتي قوله: (وأدهان) جمع دهن كزيت وشيرج.
قوله: (وورس) نبت أصفر يزرع باليمن ويصبغ به، قيل هو صنف من الكركم، وقيل يشبهه.
مصباح.
قوله: (وصندل) خشب معروف طيب الرائحة.
قوله: (وفصوص خضر) قيد الخضر اتفاقي.
در منتقى.
قوله: (وزبرجد) جوهر معروف، ويقال هو الزمرد.
مصباح.
قوله: (ولعل) بالتخفيف: ما يتخذ منه الحبر الاحمر غير الزنجفر والدودة، ويطلق على نوع من الزمرد ط.
وفي بعض النسخ: لعلع، وهو شجر حجازي كما في القاموس.
تأمل.
قوله: (غير مركب) احترز به عن باب الدار المركب فإنه لا يقطع به كما يأتي، ثم إنه يشترط للقطع هنا أن يكون به الحرز وأن يكون خفيفا لا يثقل حمله على الواحد، لانه لا يرغب في سرقة الثقيل من الابواب كما في الهداية والزيلعي.
قال في الفتح: ونظر فيه بأن لا ينافي ماليته ولا ينقصها، وإنما تقل فيه رغبة الواحد لا الجماعة، ولو صح هذا امتنع القطع في فردة حمل من قماش ونحوه، وهو منتف، ولذا أطلق الحاكم في الكافي القطع اه.
وأجيب بأنه إنما يرد لو لم يقل الثقيل من الابواب.
قلت: لا يخفى أن هذا هو منشأ النظر، فافهم.
قوله: (ولو متخذين) أي الاناء والباب، أشار
به إلى أن قوله: من خشب غير قيد، لان المراد ما دخلته الصنعة فالتحق بالاموال النفيسة، بخلاف الاواني المتخذة من الحشيش والقصب فلا قطع بها، لان الصنعة لم تغلب فيها حتى لا تتضاعف قيمتها ولا تحرز، حتى لو غلبت كأواني اللبن والماء من الحشيش في بلاد السودان، يقطع بها لما ذكرنا، وكذا الحصر البغدادية لغلبة الصنعة على الاصل.
أفاده في البحر ومثله في الزيلعي.
قوله: (ولا يوجد في دار العدل الخ) الاولى التعبير بدار الاسلام.
قال في الفتح: فأما كونها توجد في دار الحرب فليس شبهة في سقوط القطع، لان سائر الاموال حتى الدنانير والدراهم مباحة في دار الحرب، ومع هذا يقطع فيها في دارنا اه.
قوله: (لا يقطع بتافه الخ) أي إذا سرق من حرز لا شبهة فيه بعد أن أخذ وأحرز وصار مملوكا.
فتح.
قوله: (يوجد مباحا في دارنا) أي يوجد جنسه مباحا في الاصل بصورته الاصلية، بأن لم يحدث فيه صنعة متقومة غير مرغوب فيه، فخرج(4/262)
بصورته: الابواب والاواني من الخشب، وبغير مرغوب فيه: نحو المعادن من الذهب والصفر واليواقيت واللؤلؤ ونحوها من الاحجار فيقطع لكونها مرغوبا فيها.
وعلى هذا نظر بعضهم في الزرنيخ: بأنه ينبغي القطع به لاحرازه في دكاكين العطارين كسائر الاموال، بخلاف الخشب، لانه إنما يدخل الدور للعمارة فكان إحرازه ناقصا، بخلاف الساج والابنوس.
واختلف في الوسمة والحناء، والوجه القطع لاحرازه عادة في الدكاكين، كذا في الفتح، ومفاده اعتبار العادة في الاحراز.
قوله: (لا يحرز عادة) احتراز عن الساج والابنوس.
قلت: وقد جرت العادة إحراز بعض الخشب كالمخروط والمنشور دفوفا وعواميد ونحو ذلك، فينبغي القطع به كما يفيده ما مر.
تأمل.
قوله: (ولو مليحا) بتشديد اللام، ودخل فيه الطري بالاولى.
قوله: (وطير) لان الطير يطير فيقل إحرازه.
فتح.
قوله: (وصيد) هو الحيوان الممتنع المتوحش بأصل خلقته إما بقوائمه أو بجناحيه، فالسمك ليس منه.
ابن كمال.
قوله: (وزرنيخ) بالكسر فارسي معرب.
مصباح.
قوله: (ومغرة) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وتحرك: الطين الاحمر، وظاهر كلام الصحاح والقاموس أن التسكين هو الاصل والتحريك خلافه، وظاهر المصباح
العكس.
نوح.
قوله: (ونورة) بضم النون حجر الكلس، ثم غلبت على أخلاط تضاف إلى الكلس من زرنيخ وغيره، ويستعمل لازالة الشعر.
مصباح، وكذا ضبطها بالضم في القاموس.
قوله: (وخزف وزجاج) الخزف: كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاموس.
قال في الفتح: ولا يقطع في الآجر والفخار لان الصنعة لا تغلب فيها على قيمتها.
وظاهر الرواية في الزجاج أنه لا يقطع لانه يسرع إليه الكسر فكان ناقص المالية.
وعن أبي حنيفة: يقطع كالخشب إذا صنع منه الاواني اه.
وفي الزيلعي: ولا قطع في الزجاج لان المكسور منه تافه والمصنوع منه يتسارع إليه الفساد اه.
قلت: وظاهره أنه لا يقطع في الزجاوإن غلبت عليه الصنعة، وهل يقال مثله في الصيني و البلور مع أنه قد يبلغ بالصنعة نصبا كثيرة، ومفهوم علة الفخاء أنه يقطع به.
تأمل.
قوله: (وكل مهيأ لاكل) أما غير المهيأ مما لا يتسارع إليه الفساد كالحنطة والسكر فإنه يقطع فيه إجماعا كما في الفتح.
قوله: (مطلقا) ولو غير مهيأ لانه عن ضرورة ظاهرا وهي تبيح التناول.
فتح.
قوله: (وفاكهة رطبة) كالعنب والسفرجل والتفاح والرمان وأشباه ذلك ولو كانت محروزة في حظيرة عليها باب مقفل.
وأما الفواكه اليابسة كالجوز واللوز فإنه يقطع فيها إذا كانت محرزة.
جوهرة.
قوله: (وثمر على شجر) لانه لا إحراز فيما على الشجر ولو كان الشجر في حرز، لما في كافي الحاكم، وإن سرق التمر من رؤوس النخل في حائط محرز أو حنطة في سنبلها لم تحصد لم يقطع، فإن أحرز التمر(4/263)
في حظيرة عليها باب أو حصدت الحنطة وجعلت في حظيرة فسرق منها قط، وكذلك إن كانت في صحراء وصاحبها يحفظها اه.
قوله: (وأشربة مطربة) أي مسكرة.
والطرب: استخفاف العقل من شدة حزن وجزع حتى يصدر عنه ما لا يليق، كما تراه من صياح الثكالى وضرب خدودهن وشق جيوبهن، أو شدة سرور توجب ما هو معهو من الثمالى.
ثم الشراب إن كان حلوا فهو مما يتسارع إليه الفساد، أو مرا: فإن كان خمرا فلا قيمة لها، أو غيره ففي تقويمه خلاف، ولتأول السارق فيه الاراقة، فتثبت شبهة الاباحة، وتمامه في الفتح.
وشمل ما إذا كان السارق مسلما أو ذميا كما في
البحر.
قوله: (ولو الاناء ذهبا) أي على المذهب، لان الاناء تابع ولم يقطع في المتبوع، فكذا في التبع.
وفي رواية عن أبي يوسف أنه يقطع، وهو قول الائمة الثلاثة، ورجحه في الفتح فيما تعاين ذهبيته بأن الظاهر أن كلا مقصود بالاخذ، بل أخذ الاناء أظهر.
واستشهد بما في التجنيس: سرق كوزا فيه عسل وقيمة الكوز تسعة وقيمة العسل درهم يقطع، وهو نظير ما تقدم فيمن سرق ثوبا لا يساوي عشرة مصرور عليه عشرة يقطع إذا علم أن عليه مالا، بخلاف ما إذا لم يعلم اه.
ملخصا.
وأقره في البحر.
قوله: (وآلات لهو) أي بلا خلاف لعدم تقومها عندهما حتى لا يضمن متلفها.
وعنده وإن ضمنها لغير اللهو إلا أن يتأول آخذها للنهي عن المنكر.
فتح.
قوله: (وصليب) هو بهيئة خطين متقاطعين، ويقال لكل جسم صليب.
فتح.
قوله: (وشطرنج) بكسر الشين، فتح.
قيل هو عربي، وقيل معرب، وهو داخل في آلات اللهو، وكذا النرد بفتح النون.
قوله: (لتأويل الكسر الخ) علة للثلاثة، وعن أبي يوسف: يقطع بالصليب لو في يد رجل في حرز لا شبهة فيه، لا لو في مصلاهم لعدم الحرز وجوابه ما قلنا من تأويل الاباحة.
فتح.
قلت: لكن هذا التأويل يظهر فيما لو كان السارق ذميا.
ثم رأيت في الذخيرة ذكرها هذا التفصيل عن أبي يوسف في الذمي.
ووجهه ظاهر لان مصلاهم بمنزلة المسجد.
فلذا لم يقطع، بخلاف الحرز فيقطع لانه لا تأويل له، إلا أن يقال: تأويل غيره يكفي في وجود الشبهة فلا يقطع.
تأمل.
وفي النهر: ولو سرق دراهم عليها تمثال قطع، لانه إنما أعد للتمول فلا يثبت فيه تأويل.
قوله: (لانه حرز لا محرز) أفاد أن الكلام في الباب الخارج، فلو دخل الدار فهو محرز فيقطع به.
أفاده ط.
قلت: وهذا إذا لم يكن ثقيلا على ما مر عن الهداية في غير المركب.
وظاهره أن باب المسجد حرز وليس كذلك، فالاولى تعليل الهداية بقوله: ولا يقطع في أبواب المسجد لعدم الاحراز، فصار كباب الدار، بل أولى، لانه يحرز بباب الدار ما فيها، ولا يحرز بباب المسجد ما فيه حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه اه.
زاد في البحر: وكذا أستار الكعبة وإن كانت محرزة لعدم المالك.
تنبيه: قال في فخر الاسلام: لو اعتاد سرقة أبوا ب المسجد يجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس(4/264)
حتى يتوب.
قال في البحر: وينبغي أن يكون كذلك سارق البزابيز من الميض اه.
قال ط: وكذا سارق نعال المصلين اه.
قلت: بل كل سارق انتفى عنه القطع لشبهة ونحوها.
تأمل.
قوله: (ومصحف) مثلث الميم قاموس، والضم أشهر مصباح، لان الآخذ يتأول في أخذه القراءة والنظر فيه، ولانه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لاجله لا للجلد والاوراق.
هداية.
والاطلاق يشمل الكافر وغير القارئ.
قوله: (ولو محليين) قال نوح أفندي في حاشية الدرر: هذا اللفظ في أكثر النسخ بالياءين، ولكن الصواب أن يكون بياء واحدة كما يظهر من الصرف اه.
ومثله في شرح درر البحار.
قوله: (لان الحلية تبع) وعن أبي يوسف: يقطع في المصحف المحلى.
وعنه أنه يقطع إذا بلغت الحلية نصابا كما قال في حلية الصبي.
قال في الفتح: والخلاف في صبي لا يمشي ولا يتكلم، فلو كان يمشي ويتكلم ويميز لا قطع إجماعا لانه في يد نفسه، وكان أخذه خداعا ولا قطع في الخداع.
قوله: (يعبر عن نفسه) فالمراد بالكبير المميز المعبر عن نفسه بالغا كان أو صبيا.
بحر.
قوله: (لانه إما غصب) أي إن أخذه بالقهر أو خداع: أي إن أخذه بالحيلة وكلاهما غير سرقة.
ط.
قوله: (ودفاتر) جمع دفتر بالفتح وقد يكسر: جماعة الصحف المضمومة.
قاموس.
قوله: (فكمصحف) أي في تأويل أخذها للقراءة، وكون المقصود ما فيها ولا مالية له.
قوله: (وإلا فكطنبور) أي في تأويل أخذها لازالة ما فيها نهيا عن المنكر.
والحاصل: إنه يقطع بكتب علوم شرعية أو غيرها.
قال القهستاني: فيشمل: أي الدفتر المصحف وكتب العلوم الشرعية والآداب ودواوين فيها حكمة دون ما فيها أشعار مكروهة وكتب العلوم الحكمية فإنهما داخلان في آلات لهو كما أشار إليه في الزاد وغيره اه.
ثم نقل قولا آخر بالقطع بكتب الادب والشعر، لكن قال في الفتح والبحر: شمل مثل كتب السحر ومثل كتب العربية.
واختلف في غيرها: أي غير كتب الشريعة من العربية والشعر، فقيل ملحقة بدفاتر الحساب
فيقطع فيها.
وقيل بكتب الشريعة لان معرفتها قد تتوقف على اللغة والشعر، والحاجة وإن قلت كفت في إيراث الشبهة اه.
فتعليل القول الثاني يفيد ترجيحه ثم قال: ومقتضى هذا أنه لا يختلف في القطع بكتب السحر والفلسفة لانه لا يقصد ما فيها لاهل الديانة فكانت سرقة صرفا اه.
زاد في النهر: وينبغي أن ينظر في الآخذ لكتب السحر والفلسفة، فإن كان مولعا بذلك لا يقطع للقطع بأن المقصود ما فيها اه.
قلت: لكن كلام الفتح يخالفه، لانه جعل كون الديانة لا يقصدونها علة لكونها سرقة صرفا، ومعلوم أن السارق لا يلزم أن يكون من الذين لا يقصدونها، بل الغالب أن يكون غيرهم من أهل الشر كالسحرة ونحوهم.
فعلم أن الشبهة المسقطة للقطع لا يلزم وجودها في السارق، وإلا كانت علة حقيقة لا شبهة العلة، لان الشبهة ما يشبه الثابت وهو ليس بثابت، وإلا لزم ثبوت التفصيل المذكور في كتب الشريعة أيضا، وكذا في آلات اللهو والطعام في سنة القحط، ولم نر من عرج عليه، نعم قدمنا عن الذخيرة في الصليب ما يفيده عند أبي يوسف، فليتأمل.
قوله: (بخلاف العبد(4/265)
الصغير) لانه مال منتفع به إن كان يمشي ويعقل، أو بعرضية أن يصير كذلك إن كان خلافه، وتمامه في النهر.
قوله: (والماضي حسابها) أي الذي لم يبق لاحد فيه علقة فلم يبق إلا كاغد، فإذا بلغت قيمته نصابا قطع، كذا في تصحيح العلامة قاسم.
قوله: (وكلب وفهد) عطف على مالا قطع فيه بقرينة تنكيره، ولو قال وبكلب وفهد كما صنع في الوافي لكان أحسن.
حموي.
وشمل كلب الصيد والماشية لانه يوجد من جنسه مباح الاصل، ولاختلاف العلماء في ماليته فأورث شبهة.
بحر.
ط.
قوله: (في وديعة) أي تحت يده.
قوله: (أي أخقهرا) أي على وجه العلانية.
قوله: (أي اختطاف) أي علانية أيضا، فالنهب والاختلاس: أخذ الشئ علانية، إلا أن يفرق بينهما من جهة سرعة الاخذ في جانب الاختلاس، بخلاف النهب فإن ذلك غير معتبر فيه.
ط عن أبي السعود.
قوله: (لانتفاء الركن) وهو الحرز في الخيانة والاخذ خفية فيما بعدها ط.
قوله: (ونبش) أي لا قطع على النباش: وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن.
(بحر).
لان الحرز بالقبر أو الميت باطل لانه لا يحفظ
نفسه، والصحراء ليست حرزا، حتى لو دفن بها مال فسرق لم يقطع.
فما في القنية من أنه لو سرق المدفون بالمفازة قطع ضعيف.
مقدسي.
قوله: (في الاصح) لاختلال الحرز بحفر القبر، وقيل يقطع إذا كان مقفلا.
قهستاني.
قوله: (ولو اعتاده) أي اعتاد النبش.
وفيه إشارة إلى الجواب عما استدل به أبو يوسف والائمة الثلاثة من حديث من نبش قطعناه بحمله على السياسة، وتمام تحقيقه في الفتح.
قوله: (ومال عامة) وهو مال بيت المال فإنه مال المسلمين وهو منهم، وإذا احتاج ثبت له الحق فيه بقدر حاجته فأورث شبهة والحدود تدرأ بها.
بحر.
قوله: (ومشترك) أي بين السارق وبين ذي اليد.
قوله: (وحصر مسجد الخ) أي وإن كانت محرزة كما في البحر.
قوله: (ومال وقف) ذكره في البحر بحثا فقال: وأما مال الوقف فلم أر من صرح به، ولا يخفى أنه لا يقطع به، وقد عللوا عدم القطع فيما لو سرق حصر المسجد ونحوها من حرز بعدم المالك، وتبعه في النهر.
وقال: ولو قيل إن كان الوقف على العامة فماله كبيت المال، وإن كان على قوم محصورين فلعدم المالك حقيقة لكان حسنا اه.
ولا يخفى جريان العلة الثانية فيهما، لكن رده المقدسي والرملي بأنهم صرحوا بأنه يقطع بطلب متولي الوقف، وسيأتي التصريح به في الباب الآتي، وصرح به أيضا ابن مالك في شرح المنار في بحث الخاص.
قلت: ولذا والله أعلم علل في الفتح لعدم القطع في حصر المسجد بعدم الحرز: أي لكون(4/266)
المسجد غير حرز ومفاده أنه يقطع لو سرقها من حرز.
والظاهر أن وجهه كون الوقف يبقى على ملك الواقف حكما عند الامام، وهذا في أصل الوقف.
وأما الغلة فقد صرحوا بأنها ملك المستحقين، لكن ينبغي أن يقال: إن كان السارق له حق في الغلة لا يقطع بسرقته منها، سواء كان وقفا على العامة أو على قوم محصورين لثبوت الشركة، وكذا وقف المسجد إذا كان للسارق وظيفة فيه، بخلاف سرقته لحصره وقناديله إذ حقه في الغلة لا في الحصر.
تأمل.
مطلب في أخذ الدائن من مال مديونه من خلاف جنسه قوله: (ومثل دينه) أي مثله جنسا لا قدرا ولا صفة كما أفاده ما بعده.
قوله: (ولو دينه مؤجلا)
لانه استيفاء لحقه، والحال والمؤجل سواء في عدم القطع استحسانا، لان التأجيل لتأخير المطالبة والحق ثابت فيصير شبهة دارئة وإن لم يلزمه الاعطاء الآن.
ولا فرق بين كون المديون المسروق منه مماطلا أو لا خلافا للشافعي، وتمامه في الفتح.
قوله: (أو زائدا عليه أو أجود) بأنت خبير بأن الضمير في زائد أو أجود عائد على الدين، وفي عليه على المسروق، فالمناسب للتعميم أن يقال: أو أنقص منه أو أردأ، فيعلم حكم الزائد والاجود بالاولى.
والحاصل أنه لو سرق أكثر من دينه لا يقطع لانه يصير شريكا في ذلك المال بمقدار حقه كما في الفتح، وعلى قياسه يقال فيما لو سرق الاجود.
تأمل.
قوله: (لان النقدين جنس واحد حكما) ولهذا كان للقاضي أن يقضي بها دينه من غير رضا المطلوب.
بحر.
قلت: وهذا موافق لما صرحوا به في الحجر.
ومفاده أنه ليس للدائن أخذ الدراهم بدل الدنانير بلا إذن المديون ولا فعل حاكم، وقد صرح في شرح تلخيص الجامع في باب اليمين في المساومة بأن له الاخذ وكذا في حظر المجتبى، ولعله محمول على ما إذا لم يمكنه الرفع للحاكم، فإذا ظفر بمال مديونه له الاخذ ديانة بل له الاخذ من خلاف الجنس على ما نذكره قريبا.
قوله: (ومنه الحلي) أي بسبب ما فيه من الصياغة التحق بالعرض.
قوله: (ما لم المسأله مشكله، فلتحرر.
قوله لا يكون رهنا أو قضاء لدينه إلا بإذن مالكه، فكأنه ادعى أخذه فلا يقطع.
وفى الفتح: عن ابى يوسف: لا يقطع بالعروض لان له الاخذ عند بعض العلماء.
قلنا: هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر، فلا تصير شبهه دارئة إلا إذا ادعى الرهن أو القضاء.
مطلب: يعذر العمل بمذهب الغير عند لضرورة قوله: (وأطلق الشافعي أخذ خلاف الجنس) أي النقود أو العروض، لان النقود يجوز أخذها عندنا على ما قررناه آنفا قال القهستانى: وفيه إيماء إلى أن له أن يأخد من خلاف جنسه عند المجانسة في الماليه، وهذا اوسع فيجوز الاخذ به وإن لم يكن مذهبنا، فإن الانسان يعذر في العمل به عند الضرورة كما في الزاهدي اه.
قلت: وهذا ما قالوا أنه لا مسند له، لكن رأيت في شرح نظم الكنز للمقدس من كتاب
الحجر.
قال: ونقل جد والدى لامه الجمال الاشقر في شرحه للقدورى أن عدم جواز الاخذ من(4/267)
خلاف الجنس كان في زمانهم لمطاوعتهم في الحقوق.
والفتوى اليوم عى جواز الاخذ عند القدرة من أي مال كان لا سيما في ديارنا لمداومتهم للعقوق: عفاء على هذا الزمان فأنه زمان عقوق لا زمان حقوق وكل رفيق فيه غير مرافق وكل صديق فيه غير صدوق قوله: (بخلاف سرقته من غريم أبيه) سقط من بعض النسح لفظ غريم وهو خطأ.
قوله: (لا) إى لا يقطع، لان له ولايه أخذ دين ابنه الصغير.
بقى لو لم يكن له ولايه لسوء اختياره أو لكونه رقيقا.
واستظهر ط أنه كذلك، ويظهر لى خلافه.
تأمل.
قوله: (كسرقه شئ الخ) أي إذا سرق شيئا فقطع فيه فرده إلى مالكه ثم سرقه ثانيا ولم يتغير المسروق عن الحاله الاولى لا يقطع، والقياس أنه يقطع، وهو رواية عن أبى يوسف وقول الائمة الثلاثة، وبيانه في الفتح.
قوله: (أما لو تبدل العين) كما لو كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج فسرقه فإنه يقطع.
وعلى هذا الصوف والقطن والكتان.
وكل عين أحدث المالك فيه صنعا بعد القطع لو أحدثه الغاصب ينقطع به حق المالك.
بحر.
قوله: (كالبيع) أي لو باعه المالك م من السارق ثم اشتراه منه فسرقه يقطع ثانيا عند مشايخ بخارى.
وقال مشايخ العراق: لا يقطع.
وظاهر الفتح اعتماد الثاني، وذكر في النهر ما يؤيد الاول.
قوله: (على ما في المجتبى) أشار به إلى ما ذكرنا من الخلاف، وهذا لقول ذكره في المجتبى جازما به بلا حكايه خلاف كما ذكره المصنف في شرحه.
قوله: (أو من ذى رحم محرم) ترجم في الهداية والكنز لهذ ه المسائل بقوله: فصل في الحرز، وهو كما في النهر لغة: الموضع الذى يحرز فيه شئ.
وشرعا: ما يحفظ فيه المال عادتا كالدار وإن لم يكن لها أبواب أو كان وهو مفتوح، لان البناء لقصد الاحراز، وكالحانوت ولخيمة والشخص اه.
ومثله في الفتح.
لكن قوله: وإن لم يكن لها باب الخ، فيه كلام سنذكره عند مسأله الفشاش.
قوله: (فسقط كلام الزيلعى) حيث قال وقوله لا برضاع لا حاجة إلى إخراجه لانه لم يدخل في ذى الرحم المحرم.
ورده في البحر
بإن هذا الظن منه أنه متعلق بالرحم، وليس كذلك، بل متعلق بالمحرم اه ح.
قلت: لا يظن بالزيلعى أنه ظن ذلك لان لرحم وهو القرابة النسبية لا تكون بالرضاع أصلا حتى يظن أن قوله لا برضاع تقييد له، بل مبنى كلامه على ان المراد بالمحرم ما تكون محرميته من النسب كما هو المتبادر وكما عبر به في الهداية حيث قال: ذى رحم محرم منه، فقوله: منه أي من الرحم تصريح بالمراد، وعليه فلا يدخل فيه ابن العم الذى هو أخ رضاعا لانه محرم من الرضاع لا من الرحم.
ثم رأيت عبارة الكنز التى شرح عليها الزيلعى بلفظ منه كعبارة الهداية، فتعين ما قلناه وسقط ما سواه فافهم.
قوله: (بخلاف ماله إذا سرق من بيت غيره) أي سرق مال رحمه المحرم من بيت أجنبي فإنه يقطع لوجود الحرز.(4/268)
وفى الفتح لما في القطع من القطيعة.
وأجاب في البحر بأن القطع حق الشرع لاحقه فلا يكون قطيعة.
واعترضه في النهر بأنه مشترك الالزام، بأنه لو سرق من بيت رحمه المحرم يقطع ولا يلزم القطيعة لم ذكر.
قلت: أنت خبير بأنه لا يصح القول بالقطع فيه لقيام لمانع وهو عدم الحرز، بخلاف بيت الأجنبي، نعم ينبغى تقييده بغير قرابة الولاد، فلا يقطع في الولاية للشبة في ماله على ما مر كما في التبيين والبحر والنهر.
قوله: (اعتبارا للحرز وعدمه) أي قطع في المسألة الاخيرة اعتبارا للحرز ولم يقطع فيما قبلها اعتبارا لعدمه، ففيه لف ونشر مشوش.
وعن هذا قال البرجندى: الظاهر أنه لا دخل للقرابة، بل المعتبر الحرز، ففى كل موضع كان له أن يدخل فيه بلا مانع ولا حشمة ولا يقطع، سواء كان بينهما قرابة أو لا.
قال الحموى: فيه نظر، فإن الصديقين يدخل أحدهما بيت الآخر بلا مانع ولا حشمة مع أنه يقطع، فظهر أن القرابة المحرمية مدخلا.
واعترضه الشيخ أبو السعود بأن هذا فيما لم يؤذن له بدخوله، حتى لو سرق من محل جرت عادتة بدخوله لم يقطع اه.
قلت: لكن المنقول في الهداية وغيرها قطع الصديق لانه عاداه في السرقة، ولم يفصلوا بين
جريان عادة في الدخول وعدمة، ويأتى له مزيد بيان عقيبه.
قوله: (ابن كمال) حيث قال: المرضع التى شأنها الارضاع، والمرضعة التى هي في حال الرضاع ملقمة ثديها للصبى، كذا في الكشاف، فمن قال هنا مرضعة لم يصب اه.
لانه لا يمكن ان يسرق منها في حال إرضاعها له.
قوله: (لما مر) أي من اعتبار الحرز.
وعن أبى يوسف: لا يقطع لدخوله عليها بلا استئذان وحشمة، بخلاف الاخت رضاعا لانعدام هذا المعنى فيها عاده.
وجه الظاهر أنه لا قرابة بينهما والمحرمية بدون القرابة لا تحترم.
فتح.
قلت: وأذا كان القطع في السرقة من أمه رضاعا مع الدخول بلا استيذان وحشمة فكذا في الصديق.
وبه ظهر أن للقرابة المحرمية دخلا، وكذا قولهم لانه عاداه في السرقه يفيد الفرق وهو زوال الصداقة، بخلاف القرابة.
تأمل.
والله تعالى اعلم.
قوله: (ولا بسرقة من زوجته) أي ولو من وجه كالمبتونة المعتدة في منزل على حدة، ولو سرق بعد انقضاء العدة قطع.
كافى الحاكم.
قوله: (وإن تزوجها بعد القضاء) بالقطع لوجود الشبهه قبل الامضاء.
وأفاد أنه لافرق بين كونه زوجها وقت السرقة أو بعدها قبل إنقضاء القطع أو بعده، وفى الاخير خلاف أبى يوسف، ولو سرق أحدهما من الآخر فطلقها قبل الدخول لم يقطع أيضا كما في النهر.
قوله: (من حرز خاص له) يعنى بأن كان خارج مسكنها صرح به في الهداية والبحر والشرح نبلاليه.
فالضمير في له عائد على المسروق لا على السارق، فأفهم.
قوله: (أو عرسه) أي زوجه سيده وشريكه مثلا.
قال في ا لبحر: والعبد في هذا ملحق بمولاه حتى لا يقطع في سرقة لا يقطع فيها المولى كالسرقة من أقارب المولى وغيرهم لانه(4/269)
مأذون بالدخول عادة في بيت هؤلاء لاقامة المصالح قوله: (ولا من مكاتبة) لان له حقا في أكسابه.
نهر.
قوله: (وختنه وصهره) ختنه: زوج كل ذى رحم محرم منه، وصهره: كل ذى رحم محرم من امرأته وهذا عند الامام.
وقالا: يقطع لعدم الشبهة في ملك البعض لانها تكون بالقرابة وهى منتفية.
وله أن العادة جارية في دخول بعضهم منازل البعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز، وتأخير الزيلعى لدليله مؤذن بترجيحه.
نهر.
وفى كافى الحاكم: لا يقطع السارق من امرأة
أبيه وزوج ابنته وابن امرأته وأبويها استحسانا.
قوله: (ومغنم الخ) علله في ا لهدايه بقوله: لان فيه نصيبا، وذكر ان ذلك مأثور عن على رضى الله عنه حكما وتعليلا.
هو أنه اتى برجل سرق من المغنم فقال له فيه نصيب وهو خائن فلم يقطعه وكان قد سرق مغفرا، ورواه عبد الرزاق والدارقطني، وهذا ظاهر في أن لكلام فيمن له فيه استحقاق، وبه صرح في الفتح، لكن في النهر قال في الحواشى السعدية: وهذا التعليل يدل على أنه لو لم يكن له فيه نصيب يقطع، لكن الرواية مطلقة في مختصر القدورى وشرح الطحاوي، فلا بد من تعليل آخر اه.
وفى غاية البيان: ينبغى أن يكون ا لمراد من السارق من له نصيب فيه، أما من لا نصيب له فيقطع، اللهم إلا ان يقال: انه مباح الاصل وهو على صورته لم يتغير فصار شبهه.
وفى كلام المصنف: يعنى صاحب الكنز ما يومئ إلى اعتبار الاطلاق، حيث قدم أنه لا قطع في المال المشترك، وإذلا كان له حق فيه كان من المشترك، فذكره هنا ليس إلا لافادة التعميم اه.
قلت: ما ذكر من إطلاق الرواية قد يدع يأنه يخصصه التعلى المأثور الذى جعلوه دليل الحكم، وإلا لزم إثبات حكم بلا دليل، وما ذكره في غايه البيان من أنه مباح الاصل فيه نظر، لان مباح الاصل ما يكون تافها ويوجد مياحا في دار الاسلام كالصيد والحشيش كما مر، والمغنم قد يكون من أعز الاموال.
وايضاحكم مباح الاصل أنه لا يقطع به وإن ملك وسرق من حرز، والمغنم ليس كذلك قطعا.
نعم قال القهستانى بعد التعليل المأثور: ولا يخفى أن الآخذ ان كان من العسكر فالمغنم داخل في ما ل الشركة وإلا ففى مال العامة اه.
وهذا في غاية الحسن، فإن خمس المغنم لذوى الحاجة من العامة.
ومن سرق من مال التعامة لا يقطع لانه يستحق منه عند الحاجة فإورث شبهة كما عللوا به كما قدمناه عن البحر.
قوله: (في وقت جرت العادة بدخوله) لو سرق ليلا لان الاذن يختص بالنهار.
بحر.
وفيه إشاره إلى أنه لو اعتاد الناس دخوله في بعض الليل فهو كالنهار كما في المضمرات.
قهستانى، والى ذلك إذا كان الباب مفتوحا.
ففى الحاوى الزاهدي: ولو سرق من حمام أو خان أو رباط أو حوانيت التجار وبابها مغلق يقطع وإن كان نهارا في الاصح اه.
قوله: (وبيت أذن ف دخوله) فلا قطع بالسرقة منه في الوقت المأذون بالدخول فيه.
ط.
قوله: (ينبغى أن يقطع) بالبحث لصاحب البحر وتبعه من بعده ط.
قوله:
(لا يعتبر الحرز بالحافظ الخ) فلو سرق شيئا من الحمام وصاحبه عنده أو المسروق تحته لا يقطع،(4/270)
بخلاف المسجد.
والفرق أن الحمام بنى للاحراز كان حرزا كالبيت فلا يعتبر الحافظ، والمسجد لم يبن لاحراز الاموال فيعتبر الحافظ كالطريق والصحراء، وتمامه في الزيلعى.
وأفاد أن الحرز نوعان كما قدمنا عند قوله من حرز.
قوله: (به يفتى) زاد في الفتح: وهو ظاهر ا لمذهب، ومقابله القول بأنه يقطع عنده لو سرق من الحمام في وقت الاذن إذا كان ثمة حافظ، ولا يقطع عندهما.
قوله: فيقطع بسرقة لؤلؤة من اصطبل) لانه الحرز كما قدمناه كل بقعة معده للاحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بإذنه.
ولا يخفى ان الاصل كذلك، وهذا بخلاف الوديعة فإنه يعتبر فيها حرز مثلها، حتى لو وضع المودع اللؤلؤ في للاصطبل يضمن كما حققناه في تنقيح الفتاوى الحامدية من الوديعة، وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (والاول هو المذهب عندنا) ان كان أعاد لاجل نسبة إلى المجتبى كان أخصر عزوه إليه عقب عبارة المتن، ولعل المراد إفادة الحصر بالجملة المعرفة الطرفين، فإنه زائدة على ما في المتن فافهم.
قوله: (لكن جزم على القهستانى الخ) لم ينسبه القهستانى إلى أحد يعتمد عليه، وما مشى عليه المصنف قال فيه شمس الائمة السرخسى: هو المذهب عندنا كما نقله في الذخيره وغيرها وقد قال في الفتح: انه هو الصحيح كما ذكره الكرخي.
ثم قال: ونقل الاسبيجابى عن بعض اصحابنا ان كل شئ يعتبر بحرز مثله.
فعلم أن ما في القهستانى قول البعض وان المذهب المصحح خلافه، ولعل قوله: إنه المذهب سبق نظر، فليس في المسألة اختلاف تصحيح، فافهم.
قوله: (ولا يقطع قفاف) بقاف وفاءين بينهما ألف.
قوله: (هو من يسرق الدراهم) الذى في المغرب وغيره: هو الذى يعطى الدراهم لينقدها فيسرقها بين أصابعه ولا يشعر به صاحبه.
قوله: (بالفاء) أي وبشينين معجمتين بينهما ألف.
قوله: (لغلق الباب) بالتحريك، وجمعه أغلاق كسبب واسباب.
مصباح.
قوله: (نهارا) لعل وجهه ان يكون مجاهرا وشرط القطع الخفية، بخلاف ما إذا كان ليلا.
قال الزيلعى: ولو كان باب ا لدار مفتوحا في النهار فسرق لا يقطع لانه مكابرة لا سرقة، ولو كان في الليل بعد انقطاع انتشار الناس قطع اه.
زاد في الذخيره عن أبى العباس أنه سوى في الليل بين ما إذا كان الباب المفتوح مردودا أو غير مردود في أنه يقطع فيهما.
وفرق بينهما في النهار في انه لو مردودا قطع، وإلا لا اه.
قلت: ومسألة الفشاش مذكورة في كافي الحاكم، وهي تدل على أنه لا يقطع في النهار بلا فرق بين كونه مردودا أو لا، لانه إذا لم يقطع بفتحه نهارا وهو مقفل، فإذا كان مفتوحا مردودا أو لا فهو كذلك بالاولى، فلذا أطلق الزيلعي عدم القطع كما علمت، ثم ذكر بعده مسألة الفشاش المذكورة.
وبهذا علم أن ما قدمنا عن النهر عند قوله: أو من ذي رحم ليس على إطلاقه، فتدبر.
قوله: (قطع) أي لظنه الخفية، وأما لو علم فلا يقطع، لانه مجاهر.
قوله: (من السطح) أي إذا صعد(4/271)
إليه أو تناوله من داخل الدار، واحترز به عما لو سرق ثوبا بسط على حائط إلى السكة، بخلاف ما إذا كان إلى الدار فإنه يقطع كما في البحر.
قوله: (أي بحيث يراه) أفاد أنه ليس المراد بالعندية الحضور بل الاطلاع عليه.
قوله: (ولو الحافظ نائما) عبر بالحافظ لانه أعم من أن يكون هو رب المتاع أو غيره، وأطلق النائم فشمل ما إذا نام مضطجعا أو لا، وما إذا كان المتاع تحت رأسه أو تحت جنبه أو بين يديه حالة النوم هو الصحيح.
وقيل باشتراط كونه تحت رأسه أو جنبه.
فتح.
قال في النهر: ونبه بقوله: عنده إلى أنه لو كان لابسا له لم يقطع.
وقيل يقطع، حكاه في المجتبى اه.
وبسطه في البحر.
وفصل الزيلعي بين النائم وغيره، فيقطع في الاول لانه أخذ خفية، لا في الثاني لانه اختلاس، وذلك حيث قال: وفي المحيط لو سرق ثوبا عليه وهو رداؤه أو قلنسوة أو طرف منطقة أو سيفه أو سرق من امرأة حليا عليها لا يقطع لانها خلسة وليست بخفية سرقة، ولو سرق من رجل نائم قلادة عليه وهو لابسها أو ملاءة له وهو لابسها أو واضعها قريبا منه بحيث يكون حافظا لها قطع لانه أخذها بخفية وسرا ولها حافظ وهو النائم اه.
قوله: (ولو من بعض بيوت الدار) أي لا فرق بين أن يسرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بيت آخر فيها.
قوله: (لاختلال الحرز) لان الدار مع جميع بيوتها حرز واحد، فبالاذن فيها اختل الحرز في جميع بيوتها.
بحر.
قوله: (لشبهة عدم الاخذ) لان الدار وما فيها في يد صاحبها فتح.
وفيه أيضا أن المحرز بالمكان لا يجب القطع فيه إلا بالاخراج، لقيام يد المالك قبل الاخراج من داره فلا يتحقق الاخذ إلا بإزالة يده وذلك بالاخراج من حرزه، بخلاف المحرز بالحافظ فإنه يقطع كما أخذه لزوال يد المالك بمجرد الاخذ فتتم السرقة
فيجب موجبها اه.
قوله: (بخلاف الغصب) يعني أن هذا في حق القطع لسقوط الحد بالشبهة، بخلاف ضمان الغصب، يعني لو هلك ما سرقه ولم يخرجه.
قال في الفتح: قال بعضهم: لا ضمان عليه إذا تلف المسروق في يده قبل الاخراج من الدار ولا قطع عليه.
والصحيح أنه يضمن لوجود التلف على وجه التعدي، بخلاف القطع، لان شرطه هتك الحرز ولم يوجد اه.
قوله: (المتسعة جدا) أي التي فيها منازل، وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاع السكة، وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الاخراج من الدار.
بحر.
ونحو في الزيلعي وفي الكافي: يقطع إذا كانت دار واحدة عظيمة فيها مقاصير كل مقصورة مسكن على حيالها اه.
والمقصورة: الحجرة بلسان أهل الكوفة.
معراج.
قوله: (أو أغار) المراد دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة، يقال: أغار الفرس والثعلب في العدو أسرع.
بحر.
قوله: (من أهل الحجر) حال من فاعل أغار.
قوله: (لان كل حجرة حرز) علة للمسألتين، إذ لكل مقصورة باب وغلق على حدة ومال كل واحد محرز بمقصورته، فكانت المنازل بمنزلة دور في محلة، وإن كانت الدار صغيرة بحيث لا يستغني أهل المنازل عن الانتفاع بصحن الدار بل ينتفعون به انتفاع المنازل فهي بمنزلة مكان واحد، فلا يقطع الساكن فيها ولا المأذون له بالدخول فيها إذا سرق من بعض(4/272)
مقاصيرها.
زيلعي.
قوله: (في الطريق) أي بحيث يراه لانه باق في يده فصار كأنه أخرجه معه، وإلا فلا قطع فيه عليه وإن خرج وأخذه لانه صار مستهلكا له قبل خروجه بدليل وجوب الضمان عليه، كما لو ذبح الشاة في الحرز.
جوهرة.
قوله: (ثم أخذه) أشار إلى أنه لا يشترط للقطع الاخذ على فور الالقاء اه ط.
قوله: (يعتاده السراق) إما لتعذر الخروج مع المتاع أو ليمكنه الدفع أو الفرار.
زيلعي.
قوله: (فاعتبر الكل فعلا واحدا) أي كل من النقب والدخول والالقاء والاخذ حيث لم يعترض عليه يد معتبرة، وهذا جواب عن قول زفر: إنه لا يقطع لان الالقاء غير موجب له.
قوله: (ولو لم يأخذه) أي بأن خرج وتركه، وقوله: أو أخذه غيره أي قبل خروجه.
قوله: (فهو مضيع) فعليه ضمانه.
قوله: (لان سيره يضاف إليه) أما لو خرج بلا سوق ولا زجر لم يقطع، لان للدابة
اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها كما في البحر.
قوله: (لما مر) أي من أن الاخراج يضاف إليه.
ط.
قوله: (قوة جريه) في بعض النسخ بقوة جريه.
قوله: (لانه أخرجه) أي لان الماء أخرجه بسبب إلقائه فيه.
قوله: (ويشكل على الاخير) أي ما لو ألقاه في الماء وأخرجه بقوة جريه، والاستشكال لصاحب النهر.
قلت: وقد يدفع بأن الطائر فعله يضاف إليه لان للدابة اختيارا كما مر، فإذا لم يزجره بل طار بنفسه فقد عرض على فعل السارق فعل مختار فلم يضف إليه.
نظيره ما إذا خرج الحمار بنفسه بلا سوق في المسألة المارة، وكذا ما يأتي في الغصب لو حل قيد عبد غيره أو رباط دابته أو فتح باب اصطبلها أو قفص طائره فذهبت لا يضمن، فافهم.
قوله: (بعدم القطع) هو خلاف ما صححه في المبسوط، ومشى عليه المصنف تبعا للزيلعي والفتح والنهاية.
وفي الفتح: إنه قول الائمة الثلاثة فيرجع على ما جزم به الحدادي صاحب الجوهرة ولا سيما بعد اتضاح الجواب بما قلناه.
قوله: (وإن نقب ثم ناوله آخر الخ) جواب الشرط قوله الآتي: لا يقطع وأفاد أنه لا يقطع المناول ولا المتناول، لان الاول لم يوجد منه الاخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه، والثاني لم يوجد منه هتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد، وأطلقه فشمل ما إذا أخرج الداخل يده وناول الخارج أو أدخل الخارج يده فتناول من يد الداخل وهو ظاهر المذهب.
بحر.
قوله: (أو أدخل يده في بيت وأخذ) أي من غير دخول في البيت، وقيد بالبيت احترازا عن الصندوق ونحوه كما يأتي.
قوله: (ويسمى اللص الظريف) مأثور عن علي رضي الله عنه مع تفسيره بمن يدخل يده في نقب البيت كما في الزيلعي.
قوله: (لم يقطفي الصحيح) ذكره أيضا في الفتح والبحر، ولينظر الفرق(4/273)
بين هذه المسألة ومسألة ما لو ألقاه في الطريق ثم أخذه حيث لم يعتبر الكل فعلا واحدا كما اعتبر هناك، مع أنه في المسألتين لم يوجد اعتراض يد معتبرة على المال قبل خروج السارق، ولعل الفرق أنه هناك تحقق إخراج المال خفية قبل خروجه، أما هنا فلا، ثم لما خرج وأخذه من النقب لم يأخذه من حرز فصار كما إذا أدخل يده في بيت وأخذ.
تأمل.
قوله: (أو طرصرة خارجة) الصرة: هي
الخرقة التي يشد فيها الدراهم، يقال صررت الدراهم أصرها صرا: شددتها، والمراد لكم المشدودة التي فيها الدراهم نهر.
فقوله من نفس الكم بيان لقوله: صرة ولذا زاد لفظ نفس لئلا يتوهم أنها من غيره.
وحاصل صور المسألة أربعة.
قال في غرر الاحكام: اعلم أن الصرة إن جعلت نفس الكم، فأما إن جعل الدراهم داخل الكم والرباط من خارج أو بالعكس، وعلى التقديرين، فإما إن طر أو حال الرباط، فإن طر والرباط من خارج فلا قطع، وإن طروالرباط من الداخل بأن أدخل يده في الكم فقطع موضع الدراهم فأخذها من الكم قطع للاخذ من الحرز، وإن حل الرباط وهو خارج قطع، لانه حينئذ لا بد أن يدخل يده في الكم فيأخذ الدراهم، وإن حل الرباط وهو داخل لا يقطع لانه لما حل الرباط في الكم بقي الدراهم خارج الكم وأخذها من خارج، وعند أبي يوسف والائمة الثلاثة: يقطع في الوجوه كلها لان الكم حرز اه.
وتمام تحقيقه في الفتح.
قوله: (بفتح القاف) صوابه بكسرها كما في شرحه على الملتقى والمنح وغيرها والطلبة والقاموس.
ط.
قوله: (أو حملا عليه) أي على البعير، فلو على الارض فهي مسألة الجوالق الآتية.
قوله: (لان السائق الخ) تعليل على النشر المشوش، فقوله: لان السائق والقائد راجع لقوله: أو من قطار وقوله: والراعي راجع لقوله: من مرعى ط.
قوله: (لم يقصدوا للحفظ) بل يقصد الراعي لمجرد الرعي والسائق والقائد وكذا الراكب: يقصدون قطع المسافة ونقل الامتعة.
وعند الائمة الثلاثة كل من الراكب والسائق حافظ حرز، فيقطع في أخذ الحمل.
والحمل والجوالق والشق ثم الاخذ، وأما القائد فحافظ للجمل الذي زمامه بيده فقط عندنا.
وعندهم إذا كان بحيث يراها إذ التفت إليها حافظ للكل محرزة عندهم بقوده.
فتح.
وبه علم أن القائد ليس على إطلاقه عندنا لانه حافظ ما زمامه بيده، ولم أر التصريح به في غير هذه العبارة.
تأمل.
قوله: (وإن كان معها حافظ) أي مع ما ذكر من بعير المرعى والقطار والحمل، وإطلاق محمد عدم القطع في مواشي المرعى محمول على عدم الحافظ، ولو كان الحافظ هو الراعي اختلف المشايخ.
ففي البقالي: لا يقطع، وهو الذي في المنتقى عن أبي حنيفة، وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع مع
الحافظ.
ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق، بخلاف غيره.
فتح.
وفي المجتبى: وكثير من المشايخ أفتوا بما قاله البقالي.
نهر.
قوله: (وإن شق الحمل) أي جوالقا على الارض أو على ظهر جمل.
قهستاني.
وإنما قطع لان صاحب المال اعتمد الجوالق فكان هاتكا للحرز، بخلاف ما إذا أخذ الجوالق بما فيه، وكذا لو سرق من الفسطاط فإنه يقطع، ولو سرق نفس(4/274)
الفسطاط لا يقطع.
بحر.
ويأتي بيانه.
قوله: (فسرق منه) أي أخرج منه بيده ما قيمته عشرة دراهم فصاعدا، فلو خرج الشئ بنفسه ثم أخذه لا يقطع، لان الاخراج من الحرز شرط.
قهستاني.
وفي حاشية نوح أفندي: قيد بالاخذ من الحمل، لانه إذا لم يأخذ منه بالذات بل أخذ من الارض ما سقط منه بسبب شقه لا يقطع لانه لم يأخذ من الحرز اه.
ومثله في اليعقوبية.
قلت: ويشكل عليه ما لو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه فإنه يقطع كما مر، إلا أن يجاب بأن الالقاء في الطريق هناك معتاد كما مر بخلافه هنا، فتأمل.
قوله: (أو سرق جوالقا الخ) معناه إذا كان الجوالق في موضع ليس بحرز كالطريق والمفازة والمسجد ونحوه حتى يكون محرزا بصاحبه.
فتح.
قوله: (بضم الجيم) أي مع فتح اللام وكسرها، وبكسر الجيم واللام: الوعاء المعروف وجمعه كصحائف وجواليق وجوالقات.
قاموس ونحوه في الصحاح.
وفيهما أن القاف والجيم لا يجتمعان في كلمة إلا معربة أو صوتا.
قوله: (وربه يحفظه) أي يحفظ المسروق من الحيوان والحمل والمتاع مالكه أو غيره.
قوله: (قهستاني): أي فلا يلزم أن يكون الحافظ رب الجمل أو الجمل ابن كمال.
وأفاد أن هذه الجملة الحالية قيد في مسألة القطار أيضا، وهو ما أفاده الشارح أولا بقوله: وإن كان معها حافظ وهذا بخلاف مسألة الشق فقد قال السيد أبو السعود: إنه يجب فيها القطع مطلقا، فإن الجوالق غير محرز، فاعتبر الحافظ وما فيه محرز به، ففي شقه وأخذ ما فيه يقطع وإن لم يكن معه حافظ للاخذ من الحرز، وفي أخذه بجملته لا يقطع إلا أن يكون معه من يحفظه، وكأنهم إنما تركوا التنبيه على ذلك لوضوحه اه ملخصا قوله: (أو بقربه) أي بحيث يراه كما مر.
قوله: (أو أدخل يده) وكذا لو أدخل شيئا آخر يعلق بالمتاع.
قهستاني.
قوله: (في صندوق) بالضم
وقد يفتح، جمعه صناديق كعصفور وعصافير.
قاموس.
وفي المصباح أن الفتح عامي.
قوله: (أو في جيبه) جيب القميص ونحوه بالفتح: طوقه قاموس، وكذا قال في المصباح: جيب القميص بالفتح ما على النحر، والجمع أجياب وجيوب، والمراد بالجيب هنا ما يشق بجانب الثوب لتحفظ فيه الدراهم، وهل إطلاق الجيب عليه عربي أو عرفي.
حموي.
وفي حاشية أبي السعود أن الاخذ من العمامة أو الحزام كالاخذ من الجيب.
قوله: (أو كمه) أي بأن وضع شيئا في داخل الكم من غير ربط، وإلا فهي مسألة الطر.
تأمل.
قوله: (فهتكه) الهتك: الخرق والشق.
قوله: (فسطاطا) هو الخيمة قوله: (لم يقطع) لانه ليس محرزا، بل ما فيه محرز به.
فلذا قطع فيما فيه دونه، فتح.
ونظيره ما لو سرق الجوالق كما مر.
قوله: (ولو ملفوفا) أي ولو كان ملفوفا عنده يحفظه.
فتح.
قوله: (قطع) أي إذا أخذه من حرز هو مكان أو حافظ.
قوله: (فتبعها أخرى) أي خرجت من الحرز بنفسها من غير سوقه ولا إخراجه.
قوله: (قطع المحمول فقط) لانه لا عبرة للحامل، ألا ترى أن محلف أن لا يحمل طبقا فحمل حامل الطبق لم يحنث.
جوهرة.(4/275)
قلت: ولذا لو جلس على المصلى طائر عليه نجاسة لا تفسد صلاته، ومثله صبي يستمسك بنفسه، بخلاف من يستمسك لان المصلى يصير حاملا للصبي والنجاسة.
قوله: (لكونه إقرارا بالسرقة الخ) المسألة منقولة في الفتح وغيره معللة بأن الاضافة على الحال والنصب على الاستقبال، وما هنا علل به في شرح الوهبانية عن التجنيس.
قلت: وتحقيق المقام: أن اسم الفاعل لا ينصب المفعول إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فلوبمعنى الماضي مثل أنا ضارب زيد أمس وجبت إضافته وتسمى إضافة محضة والعامل تجوز إضافته، وتسمى غير محضة لانها على نية العمل والقطع عن الاضافة كما قرر في محله.
وبه ظهر أن اسم الفاعل حل الاضافة يحتمل أن يكون بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال: لا، لكن لما كان الاصل فيما كان بمعنى الحال أو الاستقبال هو العمل، فالاصل في المضاف أن يكون بمعنى الماضي، فيكون إقرارا بأنه سرق الثوب في الماضي، ويلزم منه أن يكون متصفا بسرقته أيضا في
الحال فيقطع.
أما إذا نصب الثوب لزم أن يكون الوصف بمعنى الحال أو الاستبقال، فإن حمل على الحال لزم القطع، وأن حمل على الاستقبال لم يلزم، فلا يقطع بالشك وتعين حمله على الاستقبال، فيكون عدة بأنه سوف يسرق هذا الثوب لا إقرارا بأنه هو سارقه في الحال: أي هذه السرقة المدعى بها، فافهم.
ووقع في شرح الوهبانية هنا كلام غير محرر، فتدبر.
قوله: (قلت في شرح الوهبانية الخ) وعبارته قلت: والقطع المذكور بإصراره وعدم رجوعه، أما لو رجع قبل رجوعه كما تقدم، وينبغي أن لا يجري في هذا الاطلاق، لان العوام لا يفرقون بين العالم والجاهل، اللهم إلا أن يقال: يجعل هذا شبهة في درء الحد، وفيه بعد، والله أعلم اه.
أقول: معناه أنه ينبغي أن يكون التفصيل السابق في حق العالم، أما الجاهل فلا يفرق بين كونه بمعنى الماضي أو الحال، وإنما يقصد الاقرار فيقطع مطلقا، إلا أن يجعل الاعراب شبهة دارئة في حقه فلا يقطع إذا نون، وفيه بعد، لان التنوين دليل عدم إرادة الاقرار، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
قوله: (وهذا إن عاد) ظاهره ولو في المرة الثانية، لكن قيد بعضهم بما إذا سرق بعد القطع مرتين.
وفي حاشية السيد أبي السعود: رأيت بخط الحموي عن السراجية ما نصه: إذا سرق ثالثا ورابعا للامام أن يقتله سياسة لسعيه في الار ض بالفساد اه.
قال الحموي: فما يقع من حكام زماننا من قتله أول مرة زاعمين أن ذلك سياسة جور وظلم وجهل، والسياسة الشرعية عبارة عن شرع(4/276)
مغلظ اه.
قوله: (قلت وقدمنا الخ) فيه كلام قدمناه هناك وفي هذا الباب عند تعزير المتهم، والله سبحانه أعلم.
باب كيفية القطع وإثباته لما كان القطع حكم السرقة ذكره عقبها لان حكم الشئ يعقبه.
بحر.
قوله: (تقطع يمين السارق) أي ولو كانت شلاء أو مقطوعة الاصابع أو الابهام، وإن كانت اليمنى مقطوعة قبل ذلك قطعت رجله اليسرى فإن كانت رجله اليسرى مقطوعة قبل ذلك: لم يقطع، ويضمن السرقة ويحبس
حتى يتوب.
جوهرة.
قوله: (من زنده) بفتح الزاي وسكون النون.
قوله: (هو مفصل رسغ) الاضافة بيانية.
قال في النهر: من مفصل الزند وهو الرسغ: قال الجوهري: الزند موصل طرف الذراع، وهما زندان الكوع والكرسوع، فالكوع طرف الزند الذي يلي الابهام.
والكرسوع: طرف زند الذي يلي الخنصر اه ح.
قوله: (وتحسم) بالحاء المهملة: أي تكوى بزيت مغلي ونحوه.
نهر.
ومثله في المغرب.
وقال مسكين: الحسم الكي بحديدة محماة لئلا يسيل دمه.
قوله: (وجوبا) أي كما يفيده قول الهداية، لانه لو لم يحسم يؤدي إلى التلف.
فتح.
وقد صرح به القهستاني.
قوله: (إلا في حر وبرد شديدين) وإلا في حال مرض.
مفتاح، وقيده في البناية بالمرض الشديد.
أفاده ط عن الحموي قوله: (فلا يقطع) إنما ذكره ليفيد أن الاستثناء من قوله: تقطع لا من قوله: تحسم وإن قرب ذكره.
ط.
قوله: (ليتوسط الامر) أي أمر الحر والبرد.
قوله: (ومؤنته) أي مؤنة القطع: أي ما ينفق فيه، وبينها بقوله: كأجرة حداد أي من يباشر الحد وهو القطع هنا، وقوله: وكلفة حسم يشمل ثمن الزيت، وكذا ثمن حطب وأجرة إناء يغلي فيه الزيت.
تنبيه: يسن عند الشافعي وأحمد تعليق يده في عنقه، لانه عليه الصلاة والسلام أمر به وعندنا ذلك مطلق للامام إن رآه، ولم يثبت عنه (ص) في كل من قطعه ليكون سنة.
فتح.
قوله: (كالسارق) محل هذه الكلمة عقب قوله: على المتمرد.
قال في شرح الوهبانية: قيل أجرة المشخص: أي المحضر للخصوم في بيت المال، وقيل: على المتمرد كالسارق إذا قطعت يده، فأجرة الحداد والدهن الذي تحسم به العروق على السارق لانه المتسبب اه ح.
قوله: (من الكعب) أي لا من نصف القدم من معقد الشراك خلافا للروافض.
قوله: (إن عاد) أي بعد ما قطعت يمينه، وإلا بأن(4/277)
سرق مرات قبل القطع تقطع يمينه للكل لانه يكتفي بحد واحد لجنايات اتحد جنسها كما تقدم بيانه قبيل باب التعزير.
قوله: (حتى يتوب الخ) أي أو يمو ت فتح.
وفي القهستاني: ومدة التوبة مفوضة إلى رأي الامام، وقيل ممتدة إلى أن يظهر سيما الصالحين في وجهه، وقيل يحبس سنة، وقيل إلى أن يموت، كما في الكفاية اه.
قوله: (ثالثا ورابعا) أي اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى.
قوله: (إن صح
حمل على السياسة أو نسخ) أشار إلى ما قاله الامام الطحاوي: تتبعنا هذه الآثار فلم نجد لشئ منها أصلا.
قال في الفتح: وفي المبسوط الحديث غير صحيح.
ولئن سلم يحمل على الانتساخ، لانه كان في الابتداء تغليظ في الحدود كقطع أيدي العرنيين وأرجلهم وسمر أعينهم.
ثم قال في الفتح بعد نقله: بل مذهبنا عن علي وابن عباس وعمر أن هذا قد ثبت ثبوتا لا مرد له، وبعيد أن يقطع (ص) أربعة السارق ثم يقتله ولا يعلمه مثل علي وابن عباس وعمر من الصحابة الملازمين، ولو غابوا لا بد من علمهم عادة فامتناع علي رضي الله تعالى عنه إما لضعف ما مر أو لعلمه بأن ذلك ليس حدا مستمرا، بل من رأى الامام قتله لما شاهد فيه من السعي بالفساد في الارض وبعد الطباع عن الرجوع، فله قتله سياسة، فيفعل ذلك القتل المعنوي اه: أي أن قطع أربعته قتل معنى، فإذا رأى أن له قتله سياسة فله قتله معنى، وهذا يشير إلى ما قدمناه من أن له قتله سياسة في الثالثة: تأمل.
قوله: (كمن سرق الخ) أي كما لا يقطع بل يحبس حتى يتوب من سرق الخ، لان القطع حينئذ تفويت جنس المنفعة بطشا، وذلك إهلاك، وفوت الاصبعين منها يقوم مقام فوت الابهام في نقصان البطش، بخلاف فوت واحدة غير الابهام، لم قيد باليسرى؟ لان اليمنى لو كانت شلاء أو ناقصة الاصابع قطع في ظاهر الرواية، لان استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز.
نهر.
قوله: (أو رجله اليمنى مقطوعة) قيد بقطعها لان المقطوع لو كان هو الاصابع منها: فإن استطاع المشي قطعت يده، وإلا لا كما في البحر عن السراج، وقيد باليمنى لانه لو كانت رجله اليسرى مقطوعة قطع.
قال في كافي الحاكم: وإن كانت رجله اليسرى شلاء قطعت يده اليمنى اه.
فلو يده اليمنى أيضا مقطوعة لم يقطع كما قدمناه أول الباب.
قوله: (لم يقطع) أي لم يقطع يده اليمنى في جميع ما ذكر كما نص عليه في غاية البيان، خلافا لما يوهمه كلام العيني والنهر، حيث قالا: لا تقطع رجله اليسرى اه.
وأجاب ابن الشلبي بأنه محمول على ما إذا سرق ثانيا، والحال أن رجله اليمنى مقطوعة فإنه حينئذ لا تقطع رجله اليسرى.
قال: وهذا الحمل صحيح، لكنه بعيد مخالف لما يقتضيه سياق الكلام.
قوله: (لانه إهلاك) أي بتفويت جنس منفعة البطش أو المشي، لانه إذا لم يكن له يد ورجل من طرف واحد لم يقدر على المشي أصلا، بخلاف ما إذا كان من طرفين فإنه حينئذ يضع العصا تحت إبطه.
ابن كمال.
قوله: (ولا يضمن) غير أن يؤدب.
نهر: أي إن كان عمدا.
بحر من الفتح: قوله: (ولو عمدا) هذا(4/278)
عند الامام.
وقالا: إنه يضم في العمد أرش اليسار.
وقال زفر: يضمن مطلقا: أي في العمد والخطإ، والمراد بالخطإ هو الخطأ في الاجتهاد من القاطع في أن قطعها يجزى نظرا إلى إطلاق النص.
أما الخطأ في معرفة اليمين من اليسار فلا يجعل عفوا لانه يعيد بعيد يتهم به مدعيه: وقيل يجعل عفوا.
قال في المصفى: هو الصحيح، والقياس ما قاله زفر.
نهر.
قوله: (في الصحيح) ظاهره أنه تصحيح لقول الامام في شموله العمد والخطأ، وهذا لم يذكره في النهر، وإنما الذي فيه تصحيح القول بجعل الخطإ عفوا على التفسير الثاني من تفسيري الخطإ كما سمعت من عبارة النهر، نعم ظاهر الرواية وغيرها اعتماد قول الامام وهو ظاهر إطلاق المتون، فافهم.
قوله: (إذا أمر بخلافه) أي بأن أمره الحاكم بقطع اليمين فقطع اليسرى، أما لو أطلق وقال أقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة، إذ اليد تطلق عليهما، وكذا لو أخرج السارق يده فقال هذا يميني لانه قطعه بأمره.
بحر.
تنبيه: لم يبين المصنف أن هذا القطع وقع حدا أم لا، قيل نعم فلا ضمان على السارق لو استهلك العين، وقيل لا فيضمن في العمد والخطإ كما في البحر والنهر.
قوله: (لانه أتلف وأخلف الخ) أي فلا يعد إتلافا، كمن شهد على غيره يبيع ماله بمثل قيمته ثم رجع.
هداية.
إنما قلنا إنه أخلف لان اليمنى كانت على شرف الزوال فكانت كالفائتة فأخلفها إلى خلف استمرارها.
بخلاف ما لو قطع رجله اليمنى: أي حيث يضمن، لانه وإن امتنع به قطع يده لكن لم يعوضه من جنس ما أتلف عليه من المنفعة، لان منفعة البطش ليست من جنس منفعة المشي، وأما إن قطع رجله اليسرى فلانه لم يعوض عليه شيئا.
فتح.
قوله: (وكذا لو قطعه غير الحداد) أي بعد أمر القاضي الحداد، أما إذا صدر ذلك قبل الامر أصلا فهو ما ذكره بعد.
ط.
والحاصل أن القاضي إذا أمر الحداد بقطعه فقطع اليسرى الحداد أو غيره لا يضمن.
قوله: (في الاصح) قال في الفتح: احتراز عما ذكر الاسبيجابي، في شرحه لمختصر الطحاوي حيث قال:
هذا كله إذا قطع الحداد بأمر السلطان.
ولو قطع يساره غيره، ففي العمد القصاص، وفي الخطإ الدية.
قوله: (ولو قطعه أحد الخ) قال في شرح الطحاوي: من وجب عليه القطع في السرقة فلم يقطع حتى قطع قاطع يمينه، فهذا لا يخلو إما أن يكون قبل الخصومة أو بعدها، قبل القضاء أو بعده، فإن كان قبل الخصومة فعلى قاطعه القصاص في العمد، والارش في الخطإ، وتقطع رجله اليسرى في السرقة، وإن كان بعد الخصومة قبل القضاء، فكذلك الجواب، إلا أنه لا تقطع رجله في السرقة لانه لما خوصم كان الواجب في اليمنى وقد فاتت فسقط، وإن كان بعد القضاء فلا ضمان على القاطع وكان قطعه من السرقة حتى لا يجب الضمان على السارق فيما استهلك من مال السرقة(4/279)
أو سرق هي في يده اه.
ط عن حاشية الشلبي على الزيلعي.
قال: فقول المصنف: وسقط القطع الخ تبع فيه شيخه في بحره وقد علمت ما فيه، إلا أن يحب على ما إذا كان القطع بعد الخصومة.
قوله: (قصاصا) احترز به عن القطع للسرقة فإنه لا يقطع ثانيا لاتحاد الجنس ط: أي فيقع هذا القطع عن السرقتين السابقتين بخلاف ما إذا سرق بعد القطع كما مر.
قوله: (قطعت رجله اليسرى) لانها المحل وقت القطع اه.
ح.
قوله: (لا القطع على الظاهر) قال في البحر: وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين، لكن في الكشف الكبير أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه اه.
فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال إنه لا يملكه مجردا عن طلب المال.
والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال وتشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حقه تعالى فلا يتوقف على طلب العبد اه.
وفي النهر: والظاهر ما جرى عليه الشارح الزيلعي وغيره من الاكتفاء بدعوى المال.
قوله: (على المذهب) وروى عن أبي يوسف أنه في الاقرار لا تشترط المطالبة كما في الفتح.
قوله: (لان الخصومة الخ) أفاد أن حد السرقة لا يثبت بدعوى الحسبة.
تأمل.
قوله: (قلت لكنه مخالف لما قدمه) أي في الباب السابق في قوله: وشرط للقطع حضور شاهديها وقته.
قوله: (بما يفيد ترجيح الاول) أي ما تقدم من اشتراط الحضور، وفيه نظر، بل مفاده ترجيح ما هنا، فإن الذي حرره هو ما
نقله عن كافي الحاكم من أن ما هنا هو قول الامام الاخير فيكون الاول مرجوعا عنه، ولذا صحح ما هنا في شرح المنظومة الوهبانية كما حررناه فيما تقدم، فافهم.
قوله: (وكل من له يد صحيحة ملك الخصومة) شمل المالك والامين والضامن كالغاصب، فإنه يجب عليه حفظ المغصوب كالامين فيملك الخصومة، لانه لا يقدر على إسقاط الضمان عن نفسه إلا بذلك، كما أفاده في الفتح، وشمل ما إذا كان المالك حاضرا أو غائبا كما في النهر عن السراج.
قوله: (ثم فرع عليه) الاولى ثم مثل له ط.
قوله: (متول) أي متولي الوقف كما في الزيلعي والفتح، وعبر في البحر بمتولي المسجد، وهذا يرد ما بحثه في البحر في الباب السابق من أنه لا قطع بسرقة مال الوقف، وقدمنا الكلام فيه هناك.
قوله: (وقابض على سوم الشراء) لانه إن سمى الثمن كان مضموما عليه، وإلا كان(4/280)
أمانة بمنزلة المودع، وعلى كل فيده صحيحة ومثل من ذكر كما في الفتح وغيره: المستعير والمستأجر والمضارب والمستبضع.
قوله: (بأن باع درهما بدرهمين) الاحسن قول النهر: باع عشرة بعشرين وقبضها فسرقت اه.
لتحقق النصاب الموجب للقطع اه.
ح.
قوله: (لان الشراء فاسدا) أي الذي منه الربا بمنزلة المغصوب في أن كلا منهما مضمون على ذي اليد بالقيمة.
قوله: (بخلاف معطي الربا) مخالف لقوله: ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم.
قوله: (لانه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد) فيه نظر، لما في الاشباه من أن الربا لا يملك فيجب عليه رد عينه ما دام قائما، حتى لو أبرأه صاحبه لا يبرأ منه لان رد عينه القائمة حق الشرع اه.
وبه علم أن صاحب الربا في عبارة المصنف والذي قبضه لم يملكه بل بقي على ملك المعطي، فصار المعطي مالكا والقابض ذا يد فتصح مطالبة كل منهما بمنزلة المغصوب، كما هو صريح عبارة المصنف الآتية تبعا للكنز، ولصاحب النهر هنا كلام غير محرر فراجعه وتدبر.
قوله: (ولا قطع بسرقة اللقطة) هذا لم يصرح به في الخانية، وإنما يفهم منها كما بحثه في البحر.
وعبارة الخانية رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل، بخلاف الوديعة، فإن في الوديعة يكون للمودع أن يأخذها من الثاني، لان لقطة
الثاني كالاول في ولاية أخذ اللقطة، وليس الثاني كالاول في إثبات اليد على الوديعة اه، قال في البحر: فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى اه.
وتبعه أخوه في النهر، وكذا المقدسي.
واعترضه السيد أبو السعود بأن نفي الخصومة بين الملتقط الاول والثاني لا يدل على أنه لا خصومة بين الملتقط والسارق منه.
اه.
قلت: أي لان الملتقط يده يد أمانة حتى لا يتمكن أحد من أخذها منه، ولو دفعها لآخر له أن يستردها منه، ولو ذكر أحد علامتها ولم يصدقه الملتقط أنها له لا يجبر على دفعها إليه، فلو لم تكن له يد صحيحة لم يكن له شئ من ذلك، وهذا يدل على أن له مخاصمة السارق منه، بخلاف ما إذا ضاعت منه فالتقطها غيره، فإن يد الاول زالت بإثبات يد مثل يده عليها، لان الثاني له ولاية أخذها فليس للاول بعد زوال يده مخاصمة الثاني.
وأما الوديعة إذا ضاعت من المودع فإن له مخاصمة ملتقطها، إذ ليس له إثبات يد عليها كالمودع، ولعل وجه الفرق بين المودع والملتقط الاول، مع أن كلا منهما يده يد أمانة، إن يد المودع أقوى لانها بإذن المالك فكانت يده يد المالك، بخلاف يد الملتقط، والله تعالى أعلم.
قوله: (سرق منه) بالبناء للمجهول والجملة صفة لسارق، وقوله: بعد القطع أي قطع السارق الاول، وقوله: لم يقطع أي السارق الثاني، وقوله: لان يده أي يد السارق الاول.
قوله: (كما يأتي آنفا) أي قريبا وهو بكسر النون، ويجوز في أوله المد والقصر،(4/281)
وقرئ بهما كما في القاموس.
قوله: (ويقطع بطلب المالك) شمل ما إذا حضر المسروق منه أو لم يحضر.
وعن محمد أنه لا بد من حضوره، وظاهر الرواية الاول كما في النهر والزيلعي.
قوله: (أي من الثلاثة) هم المودع والغاصب وصاحب الربا.
زيلعي وغيره.
ولا يخفى أن المراد بالمالك في مسألة الربا هو المعطي لانه باق على ملكه، فهذا صريح في أنه يقطع السارق بطلبه خلافا لما قدمه عن الشمني، ومثل الثلاثة غيرهم ممن مر، كما في الفتح وغيره.
قوله: (وكذا بطلب الراهن) أي إذا كانت العين قائمة وقد قضى الدين، أما إذا لم يقضه أو استهلك السارق العين فلا قطع بخصومته،
لانه قبل الايفاء لا حق له في المطالبة بالعين، وبالاستهلاك صار المرتهن مستوفيا لدينه.
قال الزيلعي: وينبغي أن يقطع بخصومته فيما إذا زادت قيمة الراهن على دينه بما يبلغ نصابا، لان له المطالبة بما زاد كالوديعة، وارتضاه في الفتح، وهو المذكور في غاية البيان نهر: أي أن له مطالبة السارق بعد الهلاك بما زاد، كما عبر به الزيلعي، فليس المراد أن له مطالبة المرتهن، إذ ليس له ذلك.
قوله: (لا بطلب المالك الخ) أي لا يقطع السارق الثاني بطلب الخ.
قوله: (لو سرق) قيد لطلب المالك ولطلب السارق.
قوله: (بعد القطع) أي قطع الاول.
قوله: (لسقوط عصمته) أي المال لانه لا ضمان على السارق بعد ما قطعت يمينه كما يذكره المصنف.
قال في الفتح: وقال مالك والشافعي في قول: يقطع بخصومة المالك، لانه سرق نصابا من حرز لا شبهة فيه.
ولنا أن المال لما لم يجب على السارق ضمانه كان ساقط التقوم في حقه، وكذا في حق المالك لعدم وجوب الضمان له، فيد السارق الاول ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك، فكان المسروق مالا غير معصوم، فلا قطع فيه اه.
قوله: (أو بعد ما درئ بشبهه) كدعواه أنه ملكه ونحو ذلك كما يأتي.
واعترض بأن هذا يغني عن قوله: قبل القطع وفيه أن المتبادر من قوله: قبل القطع كون القطع لازما له، وهذا ساقط عنه بشبهة، نعم يعلم حكم الساقط بالاولى، لكنه تابع الهداية لزيادة الايضاح، فافهم.
قوله: (فإن له) أي للسارق الاول.
قوله: (لان سقوط التقوم ضرورة القطع الخ) كذا في الهداية، وهو برفع ضرورة على أنه خبر أن أو بنصبه على أنه مفعول لاجله، والخبر محذوف: أي ثابت لضرورة القطع: أي أنه أمر ضروري للقطع: أي أنه يلزم من وجوب القطع سقوط التقوم لا ينفك عن القطع ولا يوجد بدونه، لان عدم سقوطه ينافي وجوب القطع كما يأتي بيانه، هذا ما ظهر لي.
وفي هذا التعليل إشارة إلى الرد على ما قاله الكرخي والطحاوي من إطلاق عدم القطع، سواء قطع الاول أو لا، كما قدمناه أول كتاب السرقة.
قلت: ومفهوم هذا التعليل أن المراد بقوله: قبل القطع ما إذا لم يقطع الاول أصلا، ويدل عليه ما يأتي من أنه لا فرق في عدم الضمان بين هلاك العين واستهلاكها قبل القطع أو بعده، فإذا لم(4/282)
تكن مضمونة بالاستهلاك قبل القطع: يعني ثم قطع تحقق سقوط التقوم.
فعلم أن التقوم لا يسقط إلا إذا لم يوجد قطع أصلا.
تأمل.
قوله: (فصار كالغاصب) أي في أن له يدا صحيحة هي يد الضمان.
قوله: (ثم بعد القطع الخ) أي قطع السارق الاول، والاولى ذلك هذا قبل قوله: بخلاف ما إذا سرق الخ.
قوله: (روايتان) إحداهما له استرداد المسروق من السارق الثاني لحاجته إلى الرد الواجب عليه، والاخرى لا، لان يده ليست يد ضمان ولا أمانة ولا ملك.
فتح.
قوله: (واختار الكمال الخ) أي اختار أن القاضي يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا، وإلا حفظه له كما يحفظ أموال الغيب، ولا يرده إلى الاول ولا يبقيه مع الثاني لظهور خيانة كل منهما.
قوله: (ورده قبل الخصومة) أي الدعوى والشهادة المترتبة عليها أو الاقرار، وقيد بالرد قبل الخصومة لانه لو رده بعدها سواء قضى بالقطع أو لا فإنه يقطع.
نهر.
قوله: (ولو حكما كأصوله ولو في غير عياله) أي كوالده وجده ووالدته وجدته، لان لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد، بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله، لانه شبهة الشبهة، وهي غير معتبرة، ومن الرد الحكمي الرد إلى فروعه وكل ذي رحم محرم منه إن كانوا في عياله، والرد إلى مكاتبه وعبده.
بحر، وكذا إلى زوجته وأجيره مشاهرة، وهو الذي يسمى غلامه أو مسانهة.
فتح.
وتمامه فيه.
قوله: (أو ملكه بعد القضاء بالقطع) لان الامضاء من القضاء في الحدود أي فالملك الحادث في هذه الحالة كالملك الحادث قبل القضاء، لان القاضي لما لم يمض صار كأنه لم يقض، فلا يستوفي القطع كما قبل القضاء، وهذا لان القاضي لا يخرج عن عهدة القضاء في باب الحدود بمجرد قوله: قضيت بل بالاستيفاء جلدا أو رجما أو قطعا، فلا جرم كان الامضاء من القضاء، بخلاف حقوق العباد فإنه ثمة بمجرد قوله: قضيت يخرج عن عهدة القضاء، وإن السارق لو قطع بعد الملك قطع في ملك نفسه اه.
ط عن الشلبي.
قوله: (ولو بهبة مع قبض) هكذا وقع التقييد بالقبض في الهداية.
ولقائل أن يقول: لا يشترط القبض لان الهبة تقطع الخصومة، لانه ما كان يهب ليخاصم فليتأمل.
شرنبلالية.
قلت: وهو بحث مخالف للمنقول من أنه غير معقول فهو غير مقبول، وذلك أن الخصومة قد وجدت، لان الكلام فيما بعد القضاء بالقطع، لكنهم عدوا ملك المسروق بعد القضاء شبهة، والهبة بدون قبض لا تفيد الملك فلم توجد الشبهة، ولم يقل أحد باشتراط خصومة أخرى بعد القضاء بالقطع، بل طلبه القطع غير شرط على الظاهر كما مر، نعم يشترط حضوره عنده القطع كما تقدم، فافهم.
قوله: (أو ادعى أنه ملكه) أي بعد ما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالاقرار.
بحر.
قوله: (للشبهة) هي احتمال صدقه ولذا صح رجوعه بعد الاقرار.
قوله: (أو نقصت قيمته) أي بعد القضاء، لان كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الامضاء لما ذكرنا.
قوله: (بنقصان السعر) أي لا بنقصان العين، لان العين لو نقصت فإنه يقطع لانه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا، كما إذا استهلكه كله، أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا.
بحر.
والمراد بنقصان العين فوات بعضها أو(4/283)
حدوث عيب فيها، كما قدمناه أول كتاب السرقة.
قوله: (في بلد الخصومة) أي وإن كان في البلد التي سرق فيها لم ينقص لما قدمه أول السرقة من أن المعتبر القيموقت السرقة ووقت القطع ومكانه.
قوله: (أقرا بسرقة نصاب) أي أقر اثنان أنهما سرقا نصابا: أي جنسه، إذ لا بد أن يصيب كلا منهما نصاب كما قدمه المصنف.
قوله: (لم يقطعا) أي المدعي والآخر لانها سرقة واحدة فلا تكون موجبة للقطع وغير موجبة.
قوله: (قطع المقر) أي وحده، لان إقراره على غيره لم يصح بتكذيبه فلم توجد الشركة في السرقة.
قوله: (لان شبهة الشبهة لا تعتبر) قال الزيلعي: وكان أبو حنيفة أولا يقول لا يجب عليه القطع لان الغائب ربما يدعي الشبهة عند حضوره، ثم رجع وقال: يقطع لان سرقة الحاضر تثبت بالحجة فلا يعتبر الموهوم، لانه لو حضر وادعى كان شبهة واحتمال الدعوى شبهة الشبهة فلا تعتبر اه.
ح قوله: (ولو أقر عبد مكلف الخ) أما لو كان صغيرا لم يقطع، ويرد المال لو قائما وكان مأذونا، وإن هالكا يضمن، وإن كان محجورا وصدقه المولى برد المال إلى المسروق منه لو قائما، ولو هالكا فلا ضمان ولا بعد العتق.
بحر.
قوله: (قطع) لان إقرار العبد على نفسه وبالحدود والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي لانه لا تهمة فيه، وإذا صح بالقطع صح
بالمال بناء عليه، ولا فرق بين كون العبد مأذونا أو لا، صدقه المولى أو لا، وتمامه في البحر.
قوله: (لو قائمة) فلو مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا.
بحر.
قوله: (كما لو قامت عليه بينة بذلك) أي فإنه يقطع بالطريق الاولى ويرد المال إلى المسروق منه.
بحر.
قوله: (ولا غرم على السارق) التعبير بالغرم يفيد أن المسروق غير باق فلو قائما يؤمر بالرد، فقول المصنف بعد ويرد العين تصريح بمفهوم قوله: ولا غرم ط.
قوله: (وغيرها) كالهداية.
قوله: (ورواه الكمال بعد قطع يمينه) عزاه إلى الدارقطني، لكن عزاه العلامة نوح إلى الدارقطني أيضا بلفظ المتن، والمعنى واحد فإن ما مصدرية، وأعل الحديث بالارسال وبجهالة بعض رواته، وجوابه مبسوط في الفتح وحاشية نوح على الدرر، واستدلوا بعد الحديث بالمعقول أيضا.
قال في الفتح: ولان وجوب الضمان ينافي القطع لانه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الاخذ، فتبين أنه أخذ ملكه فلا يقطع في ملكه لكن القطع ثابت قطعا، فما يؤدي إلى انتفائه وهو الضمان فهو المنتفي.
قوله: (لبقائها على ملك مالكها) ولذا قال في الايضاح: قال أبو حنيفة /: لا يحل للسارق الانتفاع بها بوجه من الوجوه، وكذا لو خاطها قميصا لا يحل له الانتفاع به لانه ملكه بوجه محظور، وقد تعذر إيجاب القضاء به فلا يحل الانتفاع، كمن دخل دار الحر ب بأمن وأخذ شيئا من أموالهم لم يلزمه الرد قضاء ويلزمه ديانة،(4/284)
وكالباغي إذا أتلف مال العادل ثم تاب.
فتح.
قوله: (في الظاهر من الرواية) وفي رواية الحسن: لا يظهر سقوط العصمة في حق الاستهلاك.
قوله: (لكنه يفتى الخ) قال في الفتح: وفي المبسوط: روى هشام عن محمد أنه إنما يسقط الضمان عن السارق قضاء لتعذر الحكم بالمماثلة، فأما ديانة فيفتى بالضمان للحقوق والخسران والنقصان للمالك من جهة السارق.
قوله: (قبل القطع) يعني ثم قطع، لان انتفاء الضمان إنما هو بسبب القطع كما علمت، وقدم الشارح أيضا أن سقوط التقوم ضرورة القطع.
قوله: (أو بعده) لكن يفرق بينهما بما في الكافي لو كان قبل القطع، فإن قال المالك أنا أضمنه لم يقطع عندنا، وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن اه.
قال في البحر: لانه في الاولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال.
قوله: (فللمالك تضمينه) أي تضمين
المشتري أو الموهوب له ثم يرجع المشتري على السارق بالثمن لا بالقيمة تتارخانية عن المحيط.
وفيها عن شرح الطحاوي: لو قطع ثم استهلكه غيره كان للمسروق منه أن يضمنه قيمته اه.
ومثله في النهر عن السراج.
وظاهره أن غير المشتري والموهوب له مثلهما، لكن ذكر في التتارخانية أيضا: لو أودع عند غيره فهلك الاصل فيه أن كل موضع لو ضمنه المالك له أن يرجع على السارق فليس له أن يضمنه، وفي كل موضع لو ضمنه لا يرجع على السارق فله أن يضمنه، والذي يرجع عليه المودع والمستأجر والمرتهن اه.
قلت: ووجهه ظاهر، لان ميثبت فيه الرجوع على السارق يلزم منه أن يكون مضمونا على السارق بعد القطع من انه غير مضمون عليه، بخلاف ما لا رجوع فيه عليه، لكن هذا التفصيل ظاهر في الهلاك، ولذا فرض المسألة فيما لو أودعه فهلك، بخلاف الاستهلاك فإن المستهلك متعد فلا رجوع له على السارق أصلا بلا فرق بين كونه مشتريا أو مودعا أو مستأجرا، نعم للمشتري الرجوع بالثمن على السارق لانه لما استهلكه وضمن قيمته ملكه من وقت الاستهلاك فيرجع على السارق بما دفعه إليه من الثمن لا بالقيمة، لظهور أن ما دفعه إليه لا يملك قبضه فيرجع به لا بما ضمن، فاغتنم تحرير هذا المحل فإنه من فيض المولى عزوجل.
قوله: (ولو قطع الخ) أي لو سرق سرقات فقطع في أحدها بخصومة صاحبها وحده فهو: أي ذلك القطع بجميعها، ولا يضمن شيئا لارباب تلك السرقات عنده، وقالا: يضمن كلها إلا التي قطع فيها، فإن حضروا جميعا وقطعت يده بخصومتهم لا يضمن شيئا من السرقات بالاتفاق.
فتح.
قوله: (ثم أخرجه) فلو شقه بعد الاخراج قطع اتفاقا.
نهر.
وهو مفهوم بالاولى.
قوله: (قطع) أي عندهما خلافا لابي يوسف.
ومحل الخلاف ما إذا شقه فاحشا وهو ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة على الاصح، واختار المالك تضمين النقصان وأخذ الثوب قطع عندهما خلافا له.
أما إذا اختار تضمين القيمة وترك الثوب فلا قطع اتفاقا، أما اليسير وهو ما يتعيب به فقط فيقطع فيه اتفاقا.
نهر.
قوله: (فله تضمين القيمة) أي من غير خيار.(4/285)
بحر: أي ليس له تضمين النقصان والقطع.
قوله: (فيملكه) أي السارق، فصار كما إذا ملكه إياه
لهبة بعد القضاء لا يقطع على ما تقدم.
فتح.
قوله: (وهل يضمن الخ) أي فيما إذا شقه نصفين ولم يكن إتلافا ح.
قوله: (صحح الخبازي لا) أي لا يضمن كيلا يجتمع القطع مع الضمان.
قوله: (وقال الكمال الحق نعم) حيث قال: والحق ما ذكر في عامة الكتب الامهات أنه يقطع ويضمن النقصان، إلى أن قال: ووجوب ضمان النقصان لا يمنع القطع، لان ضمان النقصان وجب بإتلاف ما فات قبل الاخراج، والقطع بإخراج الباقي فلا يمنع، كما لو أخذ ثوبين وأحرق أحدهما في البيت وأخرج الآخر وقيمته نصاب.
قوله: (ومتى اختار تضمين القيمة) أي فيما إذا كان الشق فاحشا، إذ لو كان يسيرا يقطع بالاتفاق كما قدمناه.
قال في الهداية: إذ ليس له اختيار تضمين كل القيمة.
قوله: (لما مر) أي قريبا من أنه يملكه مستندا إلى وقت الاخذ.
قوله: (فذبحها فأخرجها) قيد بالاخراج بعد الذبح، لانه لو أخرجها حية وقيمتها عشرة ثم ذبحها يقطع وإن انتقصت قيمتها بالذبح.
ط عن الحموي.
قوله: (من الحجرين) أي الذهب والفضة.
قوله: (دراهم) مفعول فعل.
قوله: (لتقوم الصنعة عندهما خلافا له) وأصل الخلاف في الغاصب هل يملك الدراهم والدنانير بهذه الصنعة أم لا، بناء على أنها متقومة أم لا، ثم وجوب القطع عنده لا يشكل لانه لم يملكها على قوله.
وأما على قولهما فقيل لا يجب القطع لانه ملكها قبله، وقيل يجب لانه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه، وعلى هذا الخلاف إذا اتخذه حليا أو آنية زيلعي.
قوله: (فهي للسارق اتفاقا) لان هذه الصنعة بدلت العين والاسم بدليل أنه تغير بها حكم الربا حيث خرجت عن كونها موزونة، بخلاف مسألة الذهب والفضة لبقاء الاسم مع بقاء العين كما كانت حكما، حتى لا يصح بيع آنية فضة وزنها عشرة بأحد عشر، كذا يفاد من الفتح.
قوله: (فقطع) إنما قطع باعتبار سرقة الثوب الابيض وهو لم يملكه أبيض بوجه ما والمملوك للسارق إنما هو المصبوغ، وكذا يقطع بالحنطة وإن ملك الدقيق.
بحر.
قوله: (لا رد) أي حال قيامه ولا ضمان: أي حال استهلاكه، وهذا عندهما.
وقال محمد: يرد الثوب ويأخذ ما زاد الصبغ، لان عين ما له قائم من كل وجه.
ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى، بدليل أن المسروق منه لو أخذ الثوب يضمن الصبغ، وحق المالك قائم صورة لا معنى بدليل أنه غير مضمون على السارق.
نهر.
قوله: (خلافا لما في الاختيار) أي من أنه لو صبغه بعد القطع يرده، وهو مخالف
لقول الهداية: فإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه، ولقول محمد سرق الثوب فقطع يده(4/286)
وقد صبغ الثوب أحمر لم يؤخذ منه، فإنه دليل على أنه لا فرق بين أن يصبغه قبل القطع أو بعده.
زيلعي.
وتبعه في البحر والنهر.
قلت: لكن قول محمد: وقد صبغه، جملة حالية، فمن أين يفيد كون الصبغ بعد القطع.
ثم رأيت سعد جلبي اعترض الزيلعي بأن عبارة الهداية ليست كما نقله.
اه.
قلت: لان عبارة الهداية هكذا: فإن سرق ثوبا فصبغه أحمر ثم قطع الخ، فعبارة الهداية مساوية لعبارة المصنف والكنز.
وقد ذكر الزيلعي أن ما في الكنز ذكر مثله في المحيط والكافي، ولا يخفى أن هذه العبارة تؤيد ما في الاختيار ولم يبق لدعوى الزيلعي دليل، فالاعتماد على ما قالوه لا على ما قاله، فتنبه.
قوله: (خلافا للثاني) لان السواد زيادة عنده كالحمرة.
وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة، ولكنه لا يقطع حق المالك.
وعند أبي حنيفة: السواد نقصان ولا يوجب انقطاع حق المالك، هداية.
قوله: (وهو اختلاف زمان الخ) فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما.
فتح.
قوله: (سرق في ولاية سلطان الخ) ذكره مع تعليله في الدرر.
وقال في الشرنبلالية: ذكره في الفيض.
وفي مختصر الظهيرية معزوا إلى الامام الاجل الشهيد.
قوله: (إذ لا ولاية له الخ) أي في وقت السرقة، إذ لا شك أنهما في وقت الدعوى تحت يده، وهل كذلك بقية الحدود والقصاص أيضا؟ لم أره، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب قطع الطريق أي قطع المارة عن الطريق فهو من الحذف والايصال، أو المراد بالطريق المارة من إطلاق المحل على الحال أو الاضافة على معنى في: أي قطع في الطريق: أي منع الناس المرور فيه، أخره عن السرقة لانه ليس سرقة مطلقة، لان المتبادر منها الاخذ خفية عن الناس، وأطلق عليها اسمها مجازا لضرب من الاخفاء وهو الاخفاء عن الامام ومن نصبهم لحفظ الطريق، ولذا لا يطلق عليه اسمها إلا مقيدة بالكبرى ولزوم التقييد من علامات المجاز كما في الفتح، وسميت كبرى
لعظم ضررها لكونه على عامة المسلمين أو لعظم جزائها.
قوله: (من قصده) أي قصد قطع الطريق، وعبر بمن ليفيد أنه لا يشترط كون القاطع جماعة فيشمل ما إذا كان واحدا له منعة بقوته ونجدته، كما في القهستاني والفتح، وشمل العبد، وكذا المرأة في ظاهر الرواية إلا أنها لا تصلب كما سيأتي.
قوله: (ولو في المصر ليلا) أي بسلاح أو بدونه وكذا نهارا لو بسلاح كما سيأتي، هذا هو رواية عن أبي يوسف أفتى بها المشايخ دفعا لشر المتغلبة المفسدين، كما في القهستاني عن الاختيار وغيره،(4/287)
ومثله في البحر.
أما ظاهر الرواية فلا بد أن يكون في صحراء دارنا على مسافة السفر فصاعدا دون القرى والامصار ولا ما بينهما، كما في القهستاني.
وفي كافي الحاكم: وإن قطعوا الطريق في دار الحرب على تجار مستأمنين أو في دار الاسلام في موضع غلب عسكر الخوارج ثم أتى بهم الامام لم يمض الحدود عليهم.
قوله: (وهو معصوم) أي بالعصمة المؤبدة وهو المسلم أو الذمي.
قهستاني.
والعصمة: الحفظ، والمراد عصمة دمه وماله بالاسلام أو عقد الذمة.
وفي حاشية السيد أبو السعود: مفاده لو قطع الطريق مستأمن لا يحد، وبه صرح في شرح النقاية معللا بأنه لا يخاطب بالشرائع.
وحكى في المحيط اختلاف المشايخ فيه.
قوله: (فلو على المستأمنين فلا حد) لكن يلزمه التعزير والحبس باعتبار إخافة الطريق وإخفاؤه ذمة المسلمين.
فتح.
قال في الشرنبلالية: ويضمن المال لثبوت عصمة مال المستأمن حالا وإن لم يكن على التأييد، ومحل عدل الحد بالقطع على المستأمن فيما إذا كان منفردا، أما إذا كان مع القافلة فإنه يحد ولا يصير شبهة، بخلاف اختلاط ذي الرحم بالقافلة، كما في الفتح اه.
قلت: لكن لو لم يقع القتل والاخذ إلا في المستأمن فلا حد، كما في الفتح أيضا.
تنبيه: قد علم من شروط قطع الطريق كونه ممن له قوة ومنعة، وكونه في دار العدل، ولو في المصر ولو نهارا إن كان بسلاح، وكون كل من القاطع والمقطوع عليه معصوما، ومنها كما يعلم مما يأتي كون القطاع كلهم أجانب لاصحاب الاموال، وكونهم عقلاء بالغين ناطقين، وأن يصيب كلا منهم نصاب تام من المال المأخوذ، وأن يؤخذوا قبل التوبة.
ثم اعلم أن القطع يثبت بالاقرار مرة واحدة.
وعند أبي يوسف بمرتين، ويسقط الحد برجوعه لكن يؤخذ بالمال إن أقر به يثبت بشهادة اثنين بمعاينته أو بالاقرار به، فلو لاحدهما بالمعاينة والآخر بالاقرار لا تقبل، ولو قالا: قطعوا علينا وعلى أصحابنا، لاتقبل لانهما شهدا لانفسهما، ولو شهدا أنهم قطعوا على رجل من عرض الناس وله ولي يعر ف أو لا يعرف إلا بمحضر من الخصم، وتمامه في الفتح آخر الباب.
قوله: (حبس) وما في الخانية من أنه يعزر ويخلى سبيله، خلاف المشهور، فتح، وأفاد أيضا أن الحبس في بلده لا في غيرها خلافا لمالك.
قوله: (وهو المراد بالنفي في الآية) لان النفي من جميع الارض محال وإلى بلد أخرى فيه إيذاء أهلها فلم يبق إلا الحبس، والمحبوس يسمى منفيا من الارض، لانه لا ينتفع بطيبات الدنيا ولذاتها، ولا يجتمع بأقاربه وأحبابه.
قال في الفتح: قال صالح بن عبد القدوس فيما ذكره الشريف في الغرر: خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الاحياء فيها ولا الموتى إذا جاء السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا قوله: (وظاهر أن المراد الخ) أي وليس المراد ما قاله بعض السلف أن الامام مخير في هذه(4/288)
الا جزية الاربعة، إذ من المقطوع به أنها أجزية على جناية القطع المتفاوتة خفة وغلظا، ولا يجوز أن يترتب على أغلظها أخف الا جزية المذكورة، وعلى أخفها أغلظ الا جزية، لانه مما يدفعه قواعد الشرع والعقل، فوجب القول بالتوزيع على أحوال الجنايات لانها مقابلة بها فاقتضت الانقسام.
فتقدير الآية أن يقتلوا: أن قتلوا، أو يصلبوا: أن قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف: إن أخذوا المال، أو ينفوا، إن أخافوا، وتمامه في الفتح والزيلعي.
قوله: (بعد التعزير) أي بالضرب، وإلا فالحبس تعزير أيضا كما مر في بابه.
قوله: (أو يموت) عطف على يتوب.
قوله: (وإن أخذ) أي القاطع أي جنسه السابق بالواحد والاكثر.
قوله: (وأصاب منه كلا نصاب) أي أصاب كل واحد منهم نصاب السرقة الصغرى.
قوله: (إن كان صحيح الاطراف) حتى لو كانت يسراه شلاء لم تقطع يمينه، وكذا لو كانت رجله اليسرى ولو كان مقطوع اليمنى لم تقطع له يد، وكذا الرجل اليسرى.
نهر.
ومفهومه أنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو رجله اليسرى أو كلاهما قطع كما سبق في السرقة الصغرى من أن استيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز فالمراد بقوله: إن كان صحيح الاطراف غير المستحقة للقطع أو الجمع لما فوق الواحد، أو يراد بالصحيح ما يقابل المقطوع دون الاشل.
أفاده السيد أبو السعود.
قوله: (لئلا يفوت نفعه) علة لقوله: من خلاف ط.
قوله: (فلذا لا يعفوه ولي) أي لكونه حدا خالص حق لله تعالى لا يسع فيه عفو غيره، فمن عفا عنه عصى الله تعالى.
فتح.
قال: وفي فتاوى قاضيخان: وإن قتل ولم يأخذ المال يقتل قصاصا، وهذا يخالف ما ذكرناه، إلا أن يكون معناه: إذا أمكنه أخذ المال فلم يأخذ شيئا ومال إلى القتل، فإنا سنذكر في نظيرها أنه يقتل قصاصا، خلافا لعيسى بن أبان اه.
والمراد بما سيذكره ما يأتي أنه من الغرائب.
قلت: لكن ما أول به عبارة الخانية بعيد، والاقرب تأويلها بأن المراد بقوله ولم يأخذ المال: أي النصاب، بل أخذ ما دونه وتصير المسألة حينئذ عين المسألة الآتي أنها من الغرائب.
قوله: (ولا يشترط الخ) أي فيقتل القاتل والمعين، سواء قتل بسيف أو حجر أو عصا كما يأتي.
قوله: (وبهذا الحل) هو قوله: بمخالفة أمره ح.
قوله: (عن تقدير مضاف) أي في قوله تعالى * (يحاربون الله) * وتقدير المضاف: أولياء الله اه ح.
قلت: والاحسن عباد الله ليشمل الذمي، كما نبه عليه في الفتح.
والحاصل أنه لما كان المخالفة والعصيا سببا للمحاربة أطلقت المحاربة عليها من إطلاق السبب على المسبب.
قوله: (خير الامام بين ستة أحوال) ترك السابع من الاقسام العقلية وهو ما إذا اقتصر على القطع، لانه لا يجوز اه ح.(4/289)
أقول: الاقسام العقلية عشرة: لانه إما أن يقتصر على القطع، أو القتل أو الصلب، أو يفعل الثلاثة فهذه أربعة، أو يفعل اثنين منها القطع ثم القتل، أو عكسه والقطع، ثم الصلب أو عكسه، والقتل ثم الصلب أو عكسه، فهذه ستة مع الاربعة بعشرة، لكن القطع بعد القتل غير مفيد، كالزاني إذا مات في أثناء الجلد كما في الزيلعي، ومثله القطع بعد الصلب.
قوله: (إن شاء قطع من خلاف
ثم قتل) أي بلا صلب خلافا لمحمد أنه لا يقطع، ولما عن أبي يوسف أنه لا يترك الصلب.
قوله: (ويصلب حيا) أي فيما إذا اختار الامام صلبه أو فيما إذا قلنا بلزومه على قول أبي يوسف، كذا في الفتح.
أما فيما إذا اختار الجمبين القتل والصلب، فلا بد أن يكون القتل سابقا، وإلا لم يبق فرق بين الجمع والاقتصار على الصلب.
قوله: (في الاصح) وعن الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب توقيا عن المثلة، ويأتي جوابه قريبا.
قوله: (وكيفيته في الجوهرة) وهي أن تغرز خشبة في الارض ثم يربط عليها خشبة أخرى عرضا فيضع قدميه عليها ويربط من أعلاها خشبة أخرى ويربط عليها يديه.
قوله: (ويبعج بطنه برمح) كذا في الهداية وغيرها.
وفي الجوهرة: ثم يطعن بالرمح ثديه الايسر ويخضخض بطنه إلى أن يموت.
وفى الاختيار: تحت ثديه الايسر، ولا يرد أن في الصلب مثلة، وهي منسوخة منهي عنها لان الطعن بالرمح معتاد، فلا مثلة فيه، ولو سلم فالصلب مقطوع بشرعيته فتكون هذه المثلة الخاصة بمستثناة من المنسوخ قطعا.
أفاده في الفتح.
وفيه أيضا: ولا يصلى على قاطع الطريق كما علم من باب الشهيد.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية لئلا يتأذى الناس برائحته.
قوله: (من أخذ مال) أي إن كان هالكا كما يفيده قوله: لا يضمن وذلك لسقوط عصمته بالقطع كما مر في السرقة الصغرى، أما لو كان المال باقيا يرده إلى مالكه كما في الملتقى.
قوله: (وتجري الاحكام المذكورة) من حبس وتعزير، أو قطع فقط، أو تخيير.
ط.
قوله: (بمباشرة بعضهم) لانه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردءا للبعض.
هداية.
قوله: (وحجر) مبتدأ خبره كسيف.
قوله: (لهم) أي لقطاع الطريق احترازا عن غيرهم فإنه لا يقتل بالقتل بحجر وعصا، لكن القتل هنا ليس بطريق القصاص بل هو حد، وعن هذا قال في النهر: إن هذه الجملة كالتي قبلها معلومة من قوله قتل حدا، إلا أنه أراد زيادة الايضاح.
قوله: (إن انضم إلى الجرح أخذ) لم يتقدم للجرح ذكر، فالاولى تعبير الكنز وغيره بقوله: وإن أخذ مالا وجرح قطع الخ.
قوله: (وإن جرح فقط) جواب الشرط قوله الآتي فلا حد كما سينبه عليه الشارح، وهذا شروع في ست مسائل لا حد فيها، وحيث سقط الحد يؤاخذ بحقوق العباد من قصاص أو مال، كما يأتي.
قوله: (ولم يأخذ نصابا) أي بأن لم يأخذ شيئا أصلا، أو أخذ ما دون النصاب، لانه لما كان الاخذ الموجب للحد هو(4/290)
النصاب كان ما دونه بمنزلة العدم كما في البحر، وتقدم أن الشرط أن يصيب كل واحد نصاب: أي إذا كانوا جماعة، ومثل ما دون النصاب الاشياء التي لا قطع فيها كالتافه، وما يتسارع إليه الفساد، كما نبه عليه الزيلعي.
قوله: (ولو كان) مع هذا الاخذ أي أخذ ما دون النصاب المفهوم من قوله: ولم يأخذ نصابا فافهم.
قوله: (لان المقصود هنا المال) أي أنه المقصود في قطع الطريق، وهذا جواب عن طعن عيسى بن أبان في المسألة أن القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة؟ قال الزيلعي: وجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير، بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل، لانه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون، فعدت هذه من الغرائب اه.
قلت: وبيانه أن قطع الطريق سمي سرقة كبرى، لان مقصود القطاع غالبا أخذ المال، وأما القتل فإنما هو وسيلة إلى أخذ المال، لكن إذا أخافوا فقط أو قتلوا فقط رتب عليه الشرع حدا فيتبع لانه تبين أنه المقصود دون المال.
أما إذا وجد مع ذلك أخذ مال ظهر أن مقصودهم ما هو المقصود الاصل وهو المال فحينئذ ينظر إليه: فإن بلغ نصابا لكل منهم وجب الحد لوجود شرطه، وإلا فلا حد لعدمه، وحيث لا حد وجب مژوجب القتل من قصاص أو دية ووجب ضمان المال، فافهم.
قوله: (أو قتل عمدا) قيد بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالاولى.
بحر.
قوله: (ومن تمام توبته رد المال الخ) أي لينقطع به خصومة صاحبه، ولو تاب ولم يرده لم يذكره في الكتاب.
واختلفوا فيه فقيل: لا يسقط الحد كسائر الحدود، وقيل يسقط، أشار إليه محمد في الاصل، لان التوبة تسقط الحد في السرقة الكبرى بخصوصها للاستثناء في النص، فلا يصح قياسها على باقي الحدود مع معارضة النص.
فتح.
وظاهره ترجيح القول الثاني، فقول الشارح: فقيل لا حد فيه نظر لانه يفيد ضعفه.
والظاهر أن هذا الخلاف عند عدم التقادم لما في النهر عن السراج: لو قطع الطريق وأخذ المال ثم ترك ذلك وأقام في أهله زمانا ثم قدر عليه درئ عنه الحد، لانه لا يستوفي مع تقادم العهد اه.
قال في النهر: وبه علم أن مجرد الترك ليس توبة بل لا بد أن تظهر عليه سيماها التلا تخفى.
قوله: (أو كان منهم غير مكلف) أي صبي أو مجنون لانها جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم
يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة، وأنه لا يثبت الحكم كالعامد والمخطئ إذا اشتركا في القتل حيث لا يجب القود.
وعن أبي يوسف: يحد الباقون لو باشر العقلاء.
زيلعي.
قوله: (أو أخرس) أي خلافا لابي يوسف.
زيلعي.
قوله: (أو كان ذو رحم محرم) كان تامة وذو فاعل، والمراد به أحد القطاع، وقوله: من أحد المارة متعلق بمحرم، والعلة فيه كما فيما قبله، وشمل ما إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم أو لا، لكن لم يأخذوا إلا من ذي الرحم المحرم، وما إذا أخذوا منه أو من غيره فلا يحدون في الاصح، كما في النهر وغيره.
تنبيه: لو كان في القافلة مستأمن لا يمتنع الحد، مع أن القطع عليه وحده يمنعه كما قدمناه، والفرق كما في الفتح أن الامتناع في حق المستأمن إنما كان لخلل في عصمة نفسه وماله وهو أمر يخصه، أما هنا فهو لخلل في الحرز، والقافلة حرز واحد فيصير كأن القريب سرق مال القريب وغير(4/291)
القريب من بيت القريب.
قوله: (أو شريك مفاوض) أي ولو كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون.
فتح.
ومقتضاه أن شريك العنان ليس كذلك، وينبغي أنه لو كان مال الشركة معه في القافلة أنهم لا يحدون لاختلال الحرز.
تأمل.
قوله: (أو قطع بعض المارة) أي القافلة وبه عبر في الكنز وهو أظهر، وإنما لم يقطع لان الحرز واحد وهو القافلة، فصار كسارق سرق متاع غيره وهو معه في دار واحدة.
فتح.
قوله: (وأقره المصنف) وكذا في الزيلعي والقهستاني عن الاختيار والفتح عن شرح الطحاوي.
قوله: (وللولي القود الخ) أي في المسائل المذكورة.
وحاصله أنه إذا لم يجب الحد لم يصيروا قطاعا فيضمنون ما فعلوا من قتل عمد أو شبهة عمد أو خطإ أو جراحة، ورد المال لو قائما، وقيمته لو هالكا أو مستهلكا، فتقييده بالقود يعلم منه حكم المال بالاولى، أو يراد بالارش ما يشمل ضمان المال، والمراد بالولي: من له ولاية المطالبة فيشمل صاحب المال ويشمل المجروح أيضا في أولى المسائل المذكورة.
وبه اندفع اعتراض البحر على الهداية بأن ذلك للمجروح لا لوليه، لانه إن أفضى الجرح إلى القتل ينبغي أن يحجب الحد اه: أي لو مات بالجراحة يرجع إلى الحالة الثالثة، وهي ما لو قتل فقط فينبغي أن يحد، فلا يكون لوليه القود.
قوله: (في ظاهر الرواية) كذا نص عليه في المبسوط وهو اختيار الطحاوي خلافا للكرخي من أن المرأة كالصبي، وهو ضعيف الوجه، مع مصادمته لاطلاق القرآن، فالعجب ممن عدل عن ظاهر الرواية كصاحب الدراية والتجنيس والفتاوى الكبرى وغيرهم، وتمامه في الفتح.
قوله: (هو المختار) قال في الشرنبلالية: هذا غير ظاهر الرواية.
قوله: (قتلن) أي قصاصا لا حدا بدليل قوله: وضمن المال وهذا بناء على أن المرأة لا تكون قاطعة طريق.
قال في الشرنبلالية: هو كذلك مبني على خلاف ظاهر الرواية، كما في الفتح اه ح.
قلت: فكان ينبغي للشارح عدم ذكر هذين الفرعين لمخالفتهما لما مشى عليه المصنف من ظاهر الرواية.
قوله: (ويجوز أن يقاتل دون ماله) أي تحت ماله أو فوقه أو قدامه أو وراءه، فإن لفظ دون يأتي لمعان المناسب منها ما ذكرنا، وقال بعضهم: على ماله.
قوله: (وإن لم يبلنصابا) أي نصاب السرقة وهو عشرة دراهم كما في منية المفتي.
وفي التجنيس: دخل اللص دارا وأخرج المتاع فله أن يقاتله ما دام المتاع معه لقوله عليه الصلاة والسلام.
قاتل دون مالك فإن رمى به ليس له أن يقتله لانه لا يتناوله الحديث.
وفي البزازية وغيرها: رجل قتله رب الدار، فإن برهن أنه كابره فدمه هدر، وإلا فإن لم يكن المقتول معروفا بالسرقة والشر قتل به قصاصا، وإن كان منهما تجب الدية في ماله استحسانا، لان دلالة الحال أورثت شبهة في القصاص لا في المال.
وفي الفتح: أخذ(4/292)
اللصوص متاع قوم فاستغاثوا بقوم فخرجوا في طلبهم، فإن كان أرباب المتاع معهم أو غابوا لكن يعرفون مكانهم ويقدرون على رد المتاع عليهم: حل لهم قتال اللصوص، وإن كانوا لا يعرفون مكانهم ولا يقدرون على الرد: لا يحل، وتمامه فيه.
قوله: (بكسر النون) أي ككتف وتسكن للتخفيف، ومثله الحلف والحلف، وفعله من باب قتل.
مصباح.
قوله: (في المصر) وكذا في غيره كما في شرح الشلبي عن الجامع الصغير، فهو قيد اتفاقي، بل غير المصر يعلم بالاولى، وإنما قيد به لئلا يتوهم أنه لا يكون كذلك في المصر كما في قطع الطريق.
قوله: (أي خنق مرارا) أراد مرتين فصاعدا بقرينة قوله الآتي: وإلا بأن خنق مرة وفي البحر: قيد بتعدده لانه لو خنق مرة واحدة فلا
قتل عند الامام.
قوله: (سياسة) قدمنا الكلام عليها في حد الزنا.
قوله: (وكل من كان كذلك) كاللوطي والساحر والعواني والزنديق والسارق كما قدمناه في أوائل باب التعزير.
قوله: (عند غير أبي حنيفة) أي عند صاحبيه ومن وافقهما من باقي الائمة، أما عند أبي حنيفة فتجب الدية على عاقلته كما في البحر، والله سبحانه أعلم.
بسم الله وبحمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وجنده.
وبعد: فيقول مؤلفه أفقر العباد إلى عفو مولاه يوم التناد، محمد أمين الشهير بابن عبدين، خادم العلوم الشرعية، في دمشق الشام المحمية قد نجز تسويد هذا النصف المبارك، بعون الله جل وتبار ك، من الحاشية المسماة رد المحتار، على الدر المختار في صفر الخير سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف، من هجرة نبينا محمد الذي تم به الالف، (ص) وشرف وعظم، فجاء بحمد الله تعالى مكملا فرعا وأصلا، ردا للمحتار على الدر المختار اسما وفعلا، لاشتماله على تنقيح عبارته، وتوضيح رموزه وإشاراته، والاعتناء ببيان ما هو الصحيح المعتمد وما هو معترض ومنتقد، وتحرير المسائل المشكلة، والحوادث المعضلة، التي لم يوضح كثيرا منها أحد قبل ذلك، ولا سلك مهامه بيانها سالك، مشحونا بذخائر زبر المتقدمين، وخلاصة كتب المتأخرين، ورسائلهم المؤلفة في الحوادث الغريبة، الجامعة للفوائد العجيبة، كرسائل العلامة ابن نجيم الاربعين، ورسائل العلامة الشرنبلالي الستين، وكثير من رسائل العلامة على القاري خاتمة الراسخين، ورسائل سيدي عبد الغني النابلسي الحبر المتين، ورسائل العلامة قاسم خاتمة المجتهدين، وحواشي البحر والمنح والاشباه وجامع الفصولين للفهامة الشيخ خير الدين، وفتاويه الخيرية، وفتاوى ابن الشلبي والرحيمي، والشيخ إسماعيل، والفتاوى الزينية والتمرتاشية، والحامدية، وفتاوى غيرهم من المفتين، وتحويرات شيوخنا ومشايخهم المعتبرين، وما من به الله تعالى على عبده من الرسائل التي ناهزت الثلاثين، وما حررته ونقحته في كتابي تنقيح الفتاوى الحامدية الذي هو بهجة الناظرين، وغير ذلك من كتب السادة الاخيار المعتمدين، مع بيان ما وقع من سهو أو غلط في كتب الفتاوى وكتب الشارحين، ولا سيما ما وقع في البحر والنهر والمنح والاشباه والدرر وكتب المحشين، حتى صار بحمد الله تعالى عمدة
المذهب، والطراز المذهب، ومرجع القضاة والمفتين، كما يعلمه من غاص بأفكاره في تياره من(4/293)
العلماء العاملين، الخالين عن دار الحسد المضني للجسد الصادقين المنصفين.
فدونك كتابا قد أعملت فيه الفكر، وألزمت فيه الجفن والسهر، وغرست فيه من فنون التحرير أفنانا، وفتقت فيه عن عيون المشكلا ت أجفانا، وأودعت فيه من كنوز الفوائد، عقود الدرر الفرائد، وبسطت فيه من أنفع المقاصد، أحسن الموائد، وجلوت فيه على منصة الانظار، عرائس أبكارها الافكار، وكشفت فيه بتوضيح العبارات، قناع المخدرات، ولم أكتف بتلويح الاشارات، عن تنقيح كشف تحرير الخفيات، فهو يتيمة الدهر، وغنيمة أهل العصر، وما ذاك إلا بمحض إنعام المولى، الذي هو بكل حمد وشكر أحق وأولى، حيث أبرز هذه الجواهر المكنونة، والدرر الفرائد المصونة، في ميمون أيام خليفة الله في أرضه، القائم بواجب حقه وفرضه، رافع ألوية الشريعة البديعة ومؤيدها، وموط دأبنيتها المنيعة والرفيعة ومشيدها، المجاهد في سبيل الله حق جهاده، والقاطع لدابر الكافرين بحده واجتهاده، الذي ابتسمت ثغور البلاد ببارقات مرهفاته وبكت عيون ذوي العناد بقاهرات عزماته، وأبدع نظام كتائب الجيوش بآرائه السديدة، ورفع أفئدة الاكاسرة القياصرة بقوة بطشته الشديدة، يكاد سنا برق طلعته يذهب بالابصار، وغصن رأفته يميس لينا كميس الاغصان ذات الازهار، وتكاد صواعق سطوته تزيح صم الجبال، ومواكب كتائب حوزته تفني عدد الرمال، من أنام الانام في أيامه في ظل الامان، ورعى الرعية في مراعي الرعاية والاحسان، وأنار بنوار رياض أمنه بلاد المسلمين، فضاء فضاء صدورهم بنور اليقين، وأزاح غيوم غمومهم بردع المشركين، فلاح فلاح قلوبهم لاعين الناظرين، راح وراح غفلاتهم بإيقاظ النائمين، فصاح ألسنتهم بالدعاء له كل حين: خليفة خلفت أنوار غرته شمس الضحى ونداه يخلف الديما سالت فواضله للمعتفي نعماصالت نواضله للمعتدي نقما السلطان الاعظم، والخاقان الافخم، تاج ملوك العرب والعجم، ظل الله في أرضه للامم، محمود الذات، ممدوح الصفات، لا زالت دعائم سلطنته قائمة، وعيون الحوادث عنها نائمة، ولا
برحت رياض عزته مخضرة بديم الديمومة والابود، ورياحين ذريته، ريانة بطلاوة التأبيد والخلود، ولا زالت أعيان دولته من علمائه وقضاته ووزرائه، يزيل نبراس آرائهم دجى الجور بسناه وسنائه، ولا فتئت نجوم جنوده الساطعة في أفلاك سمائه، شهبا ثواقب على مردة أعدائه، آمين آمين آمين.
وهذا، وقد نجز هذا السفر المسفر عن روض أريض مزهر، مقابلة وتصحيحا بحسب الامكان، سوى ما شدبعروض سهو أو نسيان، لا تخلو عنه جبلة الانسان، وذلك برسم من أمر باستكتابه، رغبة في نيل رضا مولاه وثوابه الامام الهمام، علي القدر والمقام، من امتطى الجوزاء بزمام، وصال في مواكب العز وحام، واشتهر اشتهار البدر في الظلام، قاضي قضاة الاسلام، منفذ القضايا والاحكام بالاتقان والاحكام، ذي الخيرات الحميدة، والماثر الفريدة التي لا ترام، مولانا عبد الحليم أفندي كجه جي زدة القاضي سابقا بدمشق الشام، دام في عز وإنعام، ومجد واحترام، بجاه من هو للانبياء ختام، وآله وصحبه السادة الكرام، عليه وعليهم الصلاة والسلام، في البدء والختام.
كتبه أسير وصمة ذنبه، الراجي عفو ربه محمد أمين الشهير بابن عابدين، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكل المسلمين، آمين، آمين، آمين.(4/294)
كتاب الجهاد هذا الكتاب يعبر عنه بالسير والجهاد والمغازي، فالسير جمع سيرة وهي فعلة بكسر الفاء من السير، فتكون لبيان هيئة السير وحالته، إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج، وقالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر، وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير.
بحر.
مطلب في فضل الجهاد قلت: والسير الكبير والسير الصغير كتابان للامام محمد بن الحسن رحمه الله تعالى على صيغة جمع سيرة لا على صيغة المفرد.
هذا وفضل الجهاد عظيم، كيف وحاصله بذل أعز المحبوبات
وهو النفس، وإدخال أعظم المشقات عليه تقربا بذلك إلى الله تعالى، وأشق منه قصر النفس على الطاعات على الدوام، ومجانبة هواها، ولذا قال (ص) وقد رجع من غزاة رجعنا من الجهاد الاصغر إلى الجهاد الاكبر ويدل عليه أنه (ص) أخره في الفضيلة عن الصلاة على وقتها في حديث ابن مسعود: قلت: يا رسول الله أي الاعمال أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها.
قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين.
قلت: ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله، ولو استزدته لزادني رواه البخاري، وجاء تأخيره عن الايمان في حديث أبي هريرة المتفق عليه قال: سئل رسول الله (ص): أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذ؟ قال: جج مبرور ويجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الايمان من عموم المجاز.
ولا ترد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد، لانها فرض عين وتتكرر، ولان الجهاد ليس إلا للايمان وإقامة الصلاة، فكان حسنا لغيره والصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه، وتمام تحقية ذلك ما ورد في فضل الجهاد المذكور في الفتح.
مطلب: المواظبة على فرائض الصلاة في أوقاتها أفضل من الجهاد قلت: وقد نص على ذلك الامام السرخسي في شرح السير الكبير حيث قال عن أبي قتادة: أن رسول الله (ص) قام يخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر الجهاد فلم يدع شيئا أفضل من الجهاد إلا الفرائض يريد به الفرائض التي تثبت فريضتها عينا وهي الاركان الخمسه، لان فرض العين آكد من فرض الكفاية، والثواب بحسب آكدية الفرضية، فلهذاستثنى الفرائض.
مطلب في تكفير الشهادة مظالم العباد ثم ذكر أحاديث في أن الشهيد تكفر خطاياه، إلا الدين.
وقال: إذا كان محتسبا صابرا مقبلا.
قال وفيه بيان شدة الامر في مظالم العباد.
وقيل كان هذا في الابتداء حين نهى (ص) عن الاستدانة لقلة ذات يدهم وعجزهم عن قضائه، ولهذا كان لا يصلي على مديون لم يخلف مالا، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كأو عيالا فهو علي وورد نظيره في
الحج أنه (ص) دعا لامته بعرفات، فاستجيب له إلا المظالم، ثم دعا بالمشعر الحرام فاستجيب له حتى المظالم، فنزل جبريل عليه السلام يخبره أنه تعالى يقضي عن بعضهم حق البعض فلا يبعد مثل ذلك في حق الشهيد المديون.(4/295)
مطلب فيمنم يريد الجهاد مع الغنيمة ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي (ص) فقال: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يريد عرض الدنيا، فقال عليه الصلاة والسلام: لا أجر له الحديث.
قال: ثم تأويله من وجهين: أحدهما: أن يرى أنه يريد الجهاد ومراده في الحقيقة المال، فهذا كان حال المنافقين ولا أجر له، أو يكون معظم مقصوده المال، وفي مثله قال عليه الصلاة والسلام للذي استؤجر على الجهاد بدينارين: إنما لك دينارك في الدنيا والآخرة وأما إذا كان معظم مقصوده الجهاد، ويرغب معه في الغنيمة فهو داخل في قوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (سورة البقرة: الآية 891) يعني التجارة في طريق الحج، فما أن لا يحرم ثواب الحج فكذا الجهاد.
قوله: (لاتحاد المقصود) وهو إخلاء الارض من الفساد.
ح.
قوله: (ووجهه الترقي) أي من الحدود إلى الجهاد.
قوله: (غير خفي) لان الحدود إخلاء عن الفسق والجهاد إخلاء عن الكفر.
ح.
قوله: (مصدر جاهد) أي بذل وسعه وهذا عام يشمل المجاهد بكل أمر بمعروف، ونهي عن منكر.
ح.
قلت: فلم يذكر الشارح معناه لغة بل بين تصريفه.
قوله: (وقتال من لم يقبله) أي قتاله مباشرة أو لا، فتعريف ابن كمال تفصيل لاجمال هذا.
ح.
قوله: (في القتال) أي في أسبابه وأنواعه من ضرب وهدم وحرق وقطع أشجار ونحو ذلك.
قوله: (أو معاونة الخ) أي وإن لم يخرج معهم بدليل العطف.
ط.
قوله: (أو تكثير سواد) السواد العدد الكثير وسواد المسلمين جماعتهم.
مصباح.
قوله: (أو غير ذلك) كمداواة الجرحى وتهيئة المطاعم والمشارب.
ط.
مطلب في الرباط وفضله قوله: (ومن توابعه الرباط الخ) قال السرخسي في شرح السير الكبير: والمرابطة المذكورة في
الحديث: عبارة عن المقام في ثغر العدو لاعزاز الدين ودفع شر المشركين عن المسلمين.
وأصل الكلمة من ربط الخيل، قال الله تعالى: * (ومن رباط الخيل) * (سورة الانفال: الآية 06) والمسلم يربط خيله حيث يسكن من الثغر ليرهب العدو به، وكذلك يفعله عدوه ولهذا سمي مرابطة اه.
واشترط الامام مالك أن يكون غير الوطن، ونظر فيه الحافظ ابن حجر بأنه قد يكون وطنه وينوي بالاقامة فيه دفع العدو، ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور.
قوله: (هو المختار) لان مأذونه لو كارابطا فكل المسلمين في بلادهم مرابطون.
وتمامه في الفتح.
قلت: لكن لو كا الثغر المقابل للعدو لا تحصل به كفاية الدفع إلا بثغر وراءه فهما رباط كما لا يخفى.
قوله: (وصح الخ) هذا لم يذكره في الفتح حديثا واحدا، لانه قال: والاحاديث في فضله كثيرة: منها ما في صحيح مسلم من حديث سلمان رضي الله عنه سمعت رسول الله (ص) يقول:(4/296)
رباط يوم في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه أجري عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفتان زاد الطبران وبعث يوم القيامة شهيدا وروى الطبراني بسند ثقات في حديث مرفوع: من مات مرابطا أمن الفزع الاكبر ولفظ ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة وبعثه الله يوم القيامة امنا من الفزع وعن أبي أمامة عنه عليه الصلاة والسلام قال: إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة، ونفقته الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره اه.
قوله: (أجرى عليه عمله ورزقه) قال السرخسي وقوله: أجرى عليه عمله نمى له عمله، وذلك في كتاب الله تعالى: * (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) * (سورة النساء: الآية 001) وقال عليه الصلاة والسلام: من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة فهذا هو المراد أيضا في كل من مات مرابطا، إنه يجعل بمنزلة المرابط إلى فناء الدنيا فيما يجري له من الثواب، لان نيته استدامة الرباط لو بقي حيا إلى فناء الدنيا، والثواب بحسب النية اه.
قلت: ومقتضاه أن المراد بإجراء العلم دوام ثواب الرباط كما صرح به في حديث آخر ذكره
السرخسي ومن قتل مجاهدا أو مات مرابطا فحرام على الارض أن تأكل لحمه ودمه ولم يخرج من الدنيا، حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وحتى يرى مقعده من الجنة وزوجته من الحور العين وحتى يشفع في سبعين من أهل بيته ويجري له أجرى الرباط إلى يوم القيامة وظاهره أن من مات مرابطا يكون حيا في قبره كالشهيد، وبه يظهر معنى إجراء رزقه عليه.
مطلب في بيان من يجري عليهم الاجر بعد الموت ] تنبيه: قال الشارح في شرحه على الملتقى: قد نظم شيخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي المحد ث ثلاثة عشر ممن يجري عليه الاجر بعد الموت على ما جاء في الاحاديث وأصلها للحافظ الاسيوطي رحمه الله تعالى، فقال: إذا مات ابن آدم جاء يجري عليه الاجر عد ثلا ث عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم شهيد للقتال لاجل بر كذا من سن صالحة ليقفى فخذها من أحاديث بشعر مطلب المرابط لا يسأل في القبر كالشهيد قوله: (وأمن الفتان) ضبط أمن بفتح الهمزة وكسر الميم بلا واو، وأومن بضم الهمزة وبزيادة واو، وضبط الفتان بفتح الفاء: أي فتان القبر، وفي رواية أبي داود في سننه وأمن من فتان القبر وبضمها جمع فاتن.
قال القرطبي: وتكون للجنس: أي كل ذي فتنة.
قلت: أو المراد فتان القبر من إطلاق صفة الجمع على اثنين أو على أنهم أكثر من اثنين، فقد(4/297)
ورد أن فتان القبر ثلاثة أو أربعة، وقد استدل غير واحد بهذا الحديث على أن المرابط لا يسأل في قبره كالشهيد علقمي على الجامع الصغير.
قوله: (هو فرض كفاية) قال في الدر المنتقى: وليس
بتطوع أصلا هو الصحيح، فيجب على الامام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته إلا إذا أخذ الخراج، فإن لم يبعث كان كل الاثم عليه، وهذا إذا غلب على ظنه أنه يكافئهم وإلا فلا يباح قتالهم، بخلاف الامر بالمعروف.
قهستاني عن الزاهدي اه.
قوله: (إذا حصل المقصو بالبعض) هذا القيد لا بد منه لئلا ينتقض بالنفير العام، فإنه معه مفروض لغيره مع أنه فرض عين لعدم حصول المقصود بالبعض.
نهر.
قلت: يعني أنه يكون فر ض عين على من يحصل به المقصود وهو دفع العدو، فمن كان بحذاء العدو إذا لم يمكنهم مدافعته يفترض عينا على من يليهم، وهكذا كما سيأتي، ولا يخفى أن هذا عند هجوم العدو أو عند خوف هجومه، وكلامنا في فريضته ابتداء، وهذا لا يمكن أن يكون فرض عين إلا إذا كان بالمسلمين قلة والعباذ بالله تعالى بحيث لا يمكن أن يقوم به بعضهم، فحينئذ يفترض على كل واحد منهم عينا.
تأمل.
قوله: (ولعله قدم الكفاية) أي الذي هو فرض كفاية على فرض العين، وهو الآتي في قوله: وفرض عين إن هجم العدو.
قوله: (لكثرته) أي كثرة وقوعه.
قوله: (وأما قوله تعالى الخ) جواب عما يرد على قوله: ابتداء وعلى عدم تقييده بغير الاشهر الحرم.
ثم اعلم أن الامر بالقتال نزل مرتبا، فقد كان (ص) مأمورا أولا بالتبليغ، والاعراض، * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) * (سورة الحجر: الآية 49) ثم بالمجادلة بالاحسن * (ادع إلى سبيل ربك) * (سورة النحل: الآية 521) الآية ثم أذن لهم بالقتال * (أذن للذين يقاتلون) * (سورة الحج: الآية 93) الآية، ثم أمروا بالقتال إن قاتلوهم * (فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * (سورة البقرة: الآية 191) ثم أمروا به بشرط انسلاخ الاشهر الحرم * (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين) * (سورة التوبة: الآية 5) ثم أمروا به مطلقا * (وقاتلوا في سبيل الله) * (سورة البقرة: الآية 091) واستقر الامر على هذا.
سرخسي ملخصا.
يعني في جميع الازمان والاماكن، سوى الحرم كما في القهستاني عن الكرماني.
ثم نقل عن الخانية أن الافضل أن لا يبتدأ به في الاشهر الحرم اه.
والمراد بقوله: سوى الحرم إذا لم يدخلوا فيه للقتال، فلو دخلوه للقتال حل قتالهم فيه لقوله تعالى: * (حتى يقاتلوكم فيه) * (سورة البقرة: الآية 191) وتمامه في شرح السير.
قوله: (إن قام به البعض) هذه الجملة وقعت موقع التفسير لفرض الكفاية.
فتح.
مطلب في الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية وحاصله: أن فرض الكفاية ما يكفي فيه إقامة البعض عن الكل، لان المقصود حصوله في نفسه من مجموع المكلفين كتغسيل الميت وتكفينه ورد السلام، بخلاف فرض العين، لان المطلوب إقامته من كل عين: أي من كل ذات مكلفة بعينها، فلا يكفي فيه فعل البعض عن الباقين، ولذا كان أفضل كما مر، لان العناية به أكثر، ثم إن فر ض الكفاية إنما يجب على المسلمين العالمين به سواء كانوا كل المسلمين شرقا ومغربا أو بعضهم.
قال القهستاني: وفيه رمز إلى أن فرض الكفاية على كل واحد من العالمين به بطريق البدل، وقيل: إنه فرض على بعض غير معين، والاول المختار لانه(4/298)
لو وجب على البعض لكان الآثم بعضا مبهما وذا غير مقبول، وإلى أنه قد يصير بحيث لا يجب على أحد، وبحيث يجب على بعض دون بعض، فإن ظن كل طائفة من المكلفين أن غيرهم قد فعلوا سقط الواجب عن الكل، وإن لزم منه أن لا يقوم به أحد، وإن ظن كل طائفة أن غيرهم لم يفعلوا وجب على الكل، وإن ظن البعض أن غيرهم أتى به وظن آخرون أن غيرهم ما أتى به وجب على الآخرين دون الاولين، وذلك لا الوجوب ها هنا منوط بظن المكلف، لان تحصيل العلم بفعل الغير وعدمه في أمثال ذلك في حيز التعسر، فالتكليف به يؤدي إلى الحرج.
وتمامه في مناهج العقول، وإلى أنه لم يجب على الجاهل به، وما في حواشي الكشاف للفاضل التفتازاني: إنه يجب عليه أيضا فمخالف للمتداولات اه.
قوله: (في زمن ما) مفهومه أنه إذا قام به البعض في أي زمن سقط عن الباقين مطلقا، وليس كذلك ط.
لما تقدم من أنه يجب على الامام في كل سنة مرة أو مرتين وحينئذ فلا يكفي فعله في سنة عن سنة أخرى.
قوله: (من المكلفين) أي العالمين به كما مر، ونظيره أنه لو مات واحد من جماعة مسافرين في مفازة، فإنما يجب تكفينه والصلاة عليه كفاية على باقي رفقائه العالمين به دون غيرهم.
قوله: (وإياك الخ) كذا في شرح ابن كمال، ومثله في الحواشي السعدية.
قوله: (بقيام أهل الروم مثلا) إذ لا يندفع بقتالهم الشر عن الهنود المسلمين.
نهر عن الحواشي السعدية، ثم قال فيها: وقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * (سورة التوبة: الآية 321) يدل على أن
الوجوب على أهل كل قطر، ثم قال في موضع آخر.
والآية تدل على أن الجهاد فرض على كل من يلي الكفار من المسلمين على الكفاية، فلا يسقط بقيام الروم عن أهل الهند، وأهل ما وراء النهر مثلا كما أشرنا إليه اه.
قال في النهر: ويدل عليه ما في البدائع، ولا ينبغي للامام أن يخلي ثغرا من الثغور من جماعة من المسلمين فيهم غناء وكفاية لقتال العدو، فإن قاموا به سقط عن الباقين، وإن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو، فعلى من وراءهم من المسلمين الاقرب فالاقرب أن ينفروا إليهم، وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال لما ذكرنا: إنه فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد، ولكن سقط الفرض عنهم لحصول الكفاية بالبعض فما لم يحصل لا يسقط اه.
قلت: وحاصله أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الامام أو على أهل ذلك الموضع حفظه، وإن لم يقدروا فرض على الاقرب إليهم إعانتهم إلى حصول الكفاية بمقاومة العدو، ولا يخفى أن هذا غير مسألتنا وهي قتالنا لهم ابتداء، فتأمل.
قوله: (بل يفرض على الاقرب فالاقرب الخ) أي يفرض عليهم عينا، وقد يقال كفاية بدليل أنه لو قام الابعد حصل المقصود فيسقط عن الاقرب، لكن هذا ذكره في الدرر فيما لو هجم العدو.
وعبارة الدرر: وفرض عين إن هجموا على ثغر من ثغور الاسلام، فيصير فرض عين على من قرب منهم، وهم يقدرون على الجهاد.
ونقل صاحب النهاية عن الذخيرة أن الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو، فأما من وراءهم يبعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم، حتى يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو أو لم(4/299)
يعجزوا عنها، لكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا، فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم، لا يسعهم تركه ثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الاسلام شرقا وغربا على هذا التدريج، ونظيره الصلاة على الميت، فإن من مات في ناحية من نواحي البلد فعلى جيرانه وأهل محلته أن يقوموا بأسبابه وليس على من كان يبعد من الميت أن يقوم بذلك، وإن كان الذي يبعد من
الميت يعلم أن أهل محلته يضيعون حقوقه أو يعجزون عنه كان عليه أن يقوم بحقوقه، كذا هنا اه.
مطلب: طاعة الوالدين فرض عين قوله: (لا يفرض على صبي) في الذخيرة للاب أن يأذن للمراهق بالقتال، وإن خاف عليه القتل.
وقال السعدي: لا بد أنه لا يخاف عليه، فإن خاف قتله لم يأذن له.
نهر.
قوله: (وبالغ له أبوان) مفاده أنهما لا يأثمان في منعه، وإلا لكان له الخروج حتى يبطل عنهما الاثم، مع أنهما في سعة من منعه إذا كان يدخلهما من ذلك مشقة شديدة، وشمل الكافرين أيضا أو أحدهما إذا كره خروجه مخافة ومشقة، وإلا بل لكراهة قتال أهل دينه، فلا يطيعه ما لم يخف عليه الضيعة، إذ لو كان معسرا محتاجا إلى خدمته فرضت عليه ولو كافرا، وليس من الصواب ترك فرض عين ليتوصل إلى فرض كفاية، ولو مات أبواه فأذن له جده لابيه وجدته لامه ولم يأذن له الآخران: أي أبو الأم وأم الاب فلا بأس بخروجه لقيام أب الاب وأم الام مقام الاب والام عند فقدهما، والآخران كباقي الاجانب إلا إذا عدم الاولان.
فالمستحب: أن لا يخرج إلا بإذنهما، ولو لم أم أم وأم أب، فالاذن لام الام بدليل تقدمها في الحضانة، ولان الاخرى لا تقوم مقام الاب، ولو له أب وأم أ ب لا ينبغي الخروج بلا إذنها لانها كالام لان حق الحضانة لها، وأما غير هؤلاء كالزوجة والاولاد والاخوات والاعمام فإنه يخرج بلا إذنهم، إلا إذا كانت نفقتهم واجبة عليهم وخاف عليهم الضيعة اه.
ملخصا من شرح السير الكبير.
قوله: (لان طاعتهما فرض عين) أي والجهاد لم يتعين فكان مراعاة فرض العين أولى، كما في التجنيس، وأخذ منه في البحر كراهة الخروج بلا إذنهما، واعترض على قول االفتح: إنه يحرم.
قلت: وفيه نظر، فإن الاولى هنا بمعنى الاقوى والارجح: أي إن الاقوى مراعاة فرض العين لقوته ورجحانه على فرض الكفاية، فحيث ثبت أنه فرض كان خلافه حراما، ولذا قال السرخسي: فعليه أن يقدم الاقوى، نعم قدمنا آنفا عنه في الجد والجدة الفاسدين أن المستحب أن لا يخرج إلا بإذنهما.
قوله: (وقال عليه الصلاة والسلام الخ) دليل آخر على تقديم الوالدين، وقدمنا الحديث المتفق عليه وفيه تقديم برهما على الجهاد، وفي صحيح البخاري في الرجل الذي جاء يستأذن النبي (ص) في الجهاد قال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد وذكر بعضهم أن ذلك
الرجل هو جاهمة بن عباس بن مرداس ثم رأيت في شرح سير الكبير قال: وذكر عن ابن عباس بن مرداس أنه قال: يا رسول الله إني أريد الجهاد، قال: ألك أم؟ قال: نعم، قال: الزم أمك الخ.
قوله: (تحت رجل أمك) هو في معنى حديث الجنة تحت أقدام الامهات ولعل المراد منه والله تعالى أعلم تقبيل رجلها، أو هو كناية عن التواضع لها وأطلقت الجنة على سبب دخولها.
قوله: (فيه خطر) كالجهاد وسفر البحر والخطر بالخاء المعجمة والطاء المهملة المفتوحتين الاشراف على(4/300)
الهلاك كما في ط عن القاموس.
قوله: (ومالا خطر) كالسفر للتجارة والحج والعمرة يحل بلا إذن، إلا إن خيف عليهما الضيعة.
سرخسي.
قوله: (ومنه السفر في طلب العلم) لان أولى من التجارة إذا كان الطريق آمنا ولم يخف عليهما الضيعة.
سرخسي.
قوله: (ومفاده الخ) أي تعليل عدم وجوبه كفاية على العبد والمرأة بكونه حق المولى، والزوج: أي حق مخلوق فيقدم على حق الخالق، لاحتياج المخلوق واستغناء الخالق تعالى يفيد وجوبه كفاية على المرأة لو أمرها به الزوج لارتفاع المانع من حق الخالق تعالى، وكذا غير المزوجة لعدم المانع من أصله ومثله العبد لو أمره به مولاه لكن سكت عنه لظهور وجوبه كفاية على العبد بإذن مولاه، بخلاف المرأة ولو غير مزوجة، لانها ليست من أهل القتال لضعف بنيتها، قال في الهداية في فصل قسمة الغنيمة: ولهذا: أي لعجزها عن الجهاد لم يلحقها فرضه، ولانها عورة كما في القهستاني عن المحيط قال: فلا يخص المزوجة كما ظن به ظهر الفرق وهو أعدم، وجوبه على العبد لحق المولى، فإذا زال حقه بإذنه ثبت الوجوب، بخلاف المرأة فإنه ليس لحق الزوج بل لكونها ليست من أهله ولذا لم يجب على غير المزوجة.
قوله: (وفي البحر الخ) مراد صاحب البحر مناقشة الفتح في دعواه الوجوب على المرأة لو أمرها الزوج، بناء على أن المراد وجوبه عليها بسبب أمره لها، وفيه أن مراده الوجوب بأمره تعالى لا بأمر الزوج، بل هو إذن وفك للحجكما أفاده ح.
وقد علمت عدم وجوبه عليها أصلا، إلا إذا هجم العدو كما يأتي.
قوله: (أي أعرج) نقله في الفتح عن ديوان الادب، وهو المناسب لقوله: وأقطع وفي المغرب أنه الذي أقعده الداء عن الحركة، وعند الاطباء هو الزمن، وقيل
المقعد المتشنج الاعضاء، والزمن: الذي طال مرضه اه.
قوله: (وأقطع) هو المقطوع اليد، والجمع قطعان كأسود وسودان.
صحاح.
قوله: (لعجزهم) لقوله تعالى: * (ليس على الاعمى حرج) * (سورة النور: الآية 16) فإنها نزلت في أصحاب الاعذار.
زيلعي.
وفيه إشعار بأن من عجز عنه لسبب من الاسباب لم يفرض عليه كما أشير إليه في الاختيار.
قهستاني.
قوله: (ومديون بغير إذن غريمه) أي ولو لم يكن عنده وفاء، لانه تعلق به حق الغريم تجنيس، فلو أذن له الدائن ولم يبرئه فالمستحب الاقامة لقضاء الدين لان البدء بالاوجب أولى، فإن خرج فلا بأس.
ذخيرة.
ولو الدائن غائبا فأوصى بقضاء دينه إن مات فلا بأس بالخروج لو له وفاء، وإلا فالاولى الاقامة لقضاء دينه.
هندية.
وكذا لو كان عنده وديعة ربها غائب فأوصى إلى رجل بدفعها إلى ربها فله الخروج.
بحر عن التتارخانية.
قوله: (لو بأمره) أي لانه حينئذ يثبت له الرجوع بما يؤدي عنه، بخلاف ما إذا كفله لا بأمره، فإنه لا رجوع للكفيل عليه، فلا يحتاج إلى استئذانه بل يستأذن الدائن فقط.
قوله: (ولو بالنفس) لان له عليه حقا بتسليم نفسه إليه إذا طلب منه، وقد صرحوا بأن للكفيل بالنفس منعه من السفر، وتمامه في النهر على خلاف ما بحثه في البحر.
قوله: (فله الخروج) أي بلا إذن الكفيل لعدم توجه المطالبة بقضاء الدين لكن الافضل الاقامة لقضائه.
ذخيرة.
قوله: (إن علم) أي بطريق الظاهر.
ذخيرة.(4/301)
قوله: (فليس له الغزو الخ) لما كان المتن صادقا بجواز خروجه، زاد قوله: فليس الخ ليفيد أنه لا يخرج ط.
قلت: وظاهر التعليل بخوف ضياعهم جواز خروجه لو كان في البلدة من يساويه.
تأمل.
قوله: (وعمم في البزازية السفر) يعني أطلقه حيث قال: أراد السفر.
قوله: (ولا يخفى أن المقيد) وهو منعه عن سفر الغزو ويفيد غيره بالاولى: أي يفيد منعه عن سفر غير الغزو بالاولى، لان الغزو فرض كفاية، فإذا منع منه يمنع من غيره سفر التجارة وحج النفل.
وأما السفر لحج الفرض أو الغزو إذا هجم العدو، فهو غير مراد قطعا فلا حاجة إلى استثنائه، على أن في دعوى الاولوية نظرا لان منعه من السفر الغزو لما فيه من الخطر، ولا يلزم منه منعه مما لا خطر فيه كما مر في سفر الابن بلا إذن الاب فإنه يمنع عن سفره للجهاد للتجارة وطلب العلم لما قلنا.
وأما ما في البزازية فقد يقال: إن المراد به السفر الطويل أو على قصد الرحيل، فإن فيه ضياعهم بخلاف غيره، فافهم.
قوله: (وفرض عين) أي على من يقرب من العدو، فإن عجزوا أو تكاسلوا فعلى من يليهم، حتى يفترض على هذا التدريج على كل المسلمين شرقا وغربا كما مر في عبارة الدرر عن الذخيرة: قال في الفتح: وكان معناه إذا دام الحرب بقدر ما يصل الابعدون ويبلغهم الخبر، وإلا فهو تكليف ما لا يطاق، بخلاف إنقاذ الاسير وجوبه على الكل متجه من أهل المشرق والمغرب ممن علم، ويجب أن لا يأثم من عزم على الخروج، وقعوده لعدم خروج الناس، وتكاسلهم أو قعود السلطان أو منعه اه.
وفي البزازية: مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الاسر ما لم تدخل دار الحرب.
وفي الذخيرة: يجب على من لهم قوة اتباعهم لاخذ ما بأيديهم من النساء والعزراري وإن دخلوا دار الحرب ما لم يبلغوا حصونهم، ولهم أن لا يتبعوهم للمال.
قوله: (إن هجم العدو) أي دخل بلدة بغتة، وهذه الحالة تسمى النفير العام.
قال في الاختيار: والنفير العام أن يحتاج إلى جميع المسلمين.
قوله: (فيخرج الكل) أي كل من ذكر من المرأة والعبد والمديون وغيرهم.
قال السرخسي: وكذلك الغلمان الذين لم يبلغوا إذا أطاقوا القتال فلا بأس بأن يخرجوا ويقاتلوا في النفير العام وإن كره ذلك الآباء والامهات.
قوله: (المدنف) بالبناء للمجهول: أي الذي لازمه المرض.
وفي ح عن جامع اللغة: الدنف: المرض الملازم، وفي المصباح: دنف دنفا من باب تعب فهو دنف: إذا لازمه المرض وأدنفه المرض، وأدنف هو يتعدى ولا يتعد اه.
قوله: (وشرط لوجوبه القدرة على السلاح) أي وعلى القتال وملك الزاد والراحلة كما في قاضيخان وغيره.
قهستاني.
وقدمنا عنه اشتراط العلم أيضا.
قوله: (لا أمن الطريق) أي من قطاع أو محاربين، فيخرجون إلى النفير، ويقاتلون بطريقهم أيضا حيث أمكن، وإلا سقط الوجوب لان الطاعة بحسب الطاقة.
تأمل.(4/302)
مطلب: إذا علم أنه يقتل يجوز له أن يقاتل بشرط أن ينكي فيهم، وإلا فلا، بخلاف الامر بالمعروف
قوله: (لم يلزمه القتال) يشير إلى أنه لو قاتل حتى قتل جاز، لكن ذكر في شرح السير أنه لا بأس أن يحمل الرجوحده وإن ظن أنه يقتل إذا كان يصنع شيئا بقتل أو بجرح أو بهزم فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله (ص) يوم أحد ومدحهم على ذلك، فأما إذا علم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم، لانه لا يحصل بحملته شئ من إعزاز الدين، بخلاف نهي فسقة المسلمين عن منكر إذا علم أنهم لا يمتنعون بل يقتلونه، فإنه لا بأس بالاقدام، وإن رخص له السكوت لان المسلمين يعتقدون ما يأمرهم به فلا بد أن يكون فعله مؤثرا في باطنهم، بخلاف الكفار.
قوله: (ويقبل خبر المستنفر) أي طالب النفر وهو الخروج للغزو.
أفاده الشلبي، ويقبل خبر العبد فيه كما في شرح الملتقى ط.
قوله: (لانه خبر يشتهر في الحال) أي فلا يكون الوجوب مبنيا على خبر الفاسق فقط، أو المراد أن خوف الاشتهار قرينة على صدقه.
تأمل.
قوله: (وكره الجعل) بضم الجيم وهو ما يجعل للانسان في مقابلة شئ يفعله، والمراد هنا أن يكلف الامام الناس بأن يقوي بعضهم بعضا بالكراع أي الخيل والسلاح وغير ذلك من النفقة والزاد.
نهر.
وعلل الكراهة في الهداية بقوله: لانه يشبه الاجر ولا ضرورة إليه، لان مال بيت المال معد لنوائب المسلمين اه.
والثاني: يوجب ثبوت الكراهة على الامام فقط والاول يوجبها على الغازي، وعلى الاما كراهة تسببه في المكروه كما في الفتح، وظاهره أن الكراهة تحريمية لقول الفتح: إن حقيقة الاجر على الطاعة حرام فما يشبهه مكروه اه.
قيل: إن هذا إنما يظهر على قول المتقدمين.
قلت: لا يخفى فساده بل هو على قول الكل، لان المتأخرين إنما أجازوا الاجر على أشياء خاصة نصوا عليها من الطاعات وهي: التعليم والاذان والامامة لا على كل طاعة، وإلا لشمل نحو الصوم والصلاة، ولا قائل به كما نبهنا عليه غيره مرة، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الاجارات، وأوضحناه في رسالتنا شفاء العليل وبل الغليل في أخذ الاجرة على الحتمات والتهاليل فافهم.
قوله: (ومفاده الخ) أي مفاد تفسير الفئ بما ذكر من وجود شئ الخ، ونحوه في الذخيرة وغاية البيان، وقيد بقوله: هنا لان حقيقة الفئ كما في الفتح ما يؤخذ بغير قتال كالخراج والجزية.
أما المأخوذ بقتال فيسمى غنيمة كما يأتي في الفصل الآتي، ولا تتقيد الكراهة بوجود الفئ فقط، وهو
الحق كما في المنح والبحر.
وقال لجواز الاستقراض من بقية الانواع، ولذا لم يذكر الفئ في بعض المعتبرات، وإنما ذكر مال بيت المال اه.
وسيأتي في آخر فصل الجزية بيان مصارف بيت المال، وتقدمت منظومة في باب العشر من كتاب الزكاة.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يوجد شئ في بيت المال لا يكره الجعل للضرورة.
قوله: (لدفع الضرر الاعلى) وهو تعدي شر الكفار إلى المسلمين.
فتح.
قوله: (بالادنى) وهو الجعل المذكور، فيلتزم الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
تنبيه: من قدر على الجهاد بنفسه وماله لزمه، ولا ينبغي له أخذ الجعل، ومن عجز عن(4/303)
الخروج وله مال ينبغي أن يبعث غيره عنه بماله، وعكسه إن أعطاه الامام كفايته من بيت المال لا ينبغي له أن يأخذ من غير جعلا، وإذا قال القاعد للغازي: خذ هذا المال لتغزو به عني لا يجوز، لانه استئجار على الجهاد بخلاف قوله: فاغز به، ومثله الحج، وللغازي أن يترك بعض الجعل لنفقة عياله، لانه لا يتهيأ له الخروج إلا به، وتمامه في البحر.
قوله: (دعوناهم إلى الاسلام) أي ندبا إن بلغتهم الدعوة، وإلا فوجوبا ما لم يتضمن ضررا كما يأتي.
قوله: (فإن أسلموا) أي بالتلفظ بالشهادتين على تفصيل ذكره في البحر هنا، وسيذكره الشارح في آخر باب المرتد مع التبري عن دينه، لو كان كتابيا على ما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى، وقد يكون الاسلام بالفعل كالصلاة بالجماعة والحج، وتمامه في البحر.
وتقدم ذلك منظوما في أول كتاب الصلاة وأشبعنا الكلام عليه ثمة.
قوله: (فيها) أي فبالخصلة الكاملة أخذوا ونعمت الخصلة.
قوله: (ولو محلا لها) بأن لم يكونوا مرتدين ولا من مشركي العرب كما يأتي بيانه في فصل الجزية.
قال في النهر: وينبغي للامام أن يبين لهم مقدار الجزية ووقت وجوبها والتفاوت بين الغني والفقير في مقدارها.
قوله: (فلهم مالنا من الانصاف الخ) أي المعاملة بالعدل والقسط.
والانتصاف: الاخذ بالعدل.
قال في المنح: والمراد أنه يجب لهم علينا ويجب لنا عليهم، لو تعرضنا لدمائهم وأموالهم أو تعرضوا لدمائنا وأموالنا ما يجب لبعضنا على بعض عند التعرض اه.
وفي البحر: وسيأتي في البيوع استثناء عقدهم على الخمر والخنزير فإنه كعقدنا على العصير والشاة، وقدمنا أن الذمي مؤاخذ بالحدود والقصاص إلا
حد الشرب، ومر في النكاح لو اعتقدوا جوازه بلا مهر أو شهود أو في عدة لتركهم وما يدينون، بخلاف الربا اه.
قوله: (فخرج) أي بالتقييد بالانصا ف والانتصاف.
مطلب في أن الكفار مخاطبون ندبا قوله: (إذ الكفار لا يخاطبون بها عندنا) الذي تحرر في المنار وشرحه لصاحب البحر أنمهم مخاطبون بالايمان، وبالعقوبات سوى حد الشرب، والمعاملات.
وأما العبادات فقال السمرقنديون: إنهم غير مخاطبين بها أداء واعتقادا.
قال البخاريون: إنهم غير مخاطبين بها أداء فقط.
وقال العراقيون: إنهم مخاطبون بهما فيعاقبون عليهما وهو المعتمد اه ح.
قوله: (ويؤيده) أي يؤيد ما ذكر من التقييد بالانصاف والانتصاف، أو يؤيد خروج العبادات.
وحاصله: أن لهم حكمنا في العقوبات والمعاملات إلا ما استثنى دون الايمان والعبادات فلا نطالبهم بهما وإن عوقبوا عليهما في الآخرة.
قوله: (ولا يحل لنا الخ) لان بالدعوة يعلمون أنا ما نقاتلهم على أموالهم وسبي عيالهم فربما يجيبون إلى المقصود بلا قتال، فلا بد من الاستعلام.
فتح.
فلو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي، ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الاحراز بالدار، فصار كقتل النسوان والصبيان.
بحر.
قوله: (من لا تبلغه) الاولى من لم ط.
قوله: (بفتح الدال) قال في شرحه على الملتقى: الدعوة هنا بفتح الدال، وكذا في الدعوة إلى الطعام، وأما في النسب فبالكسر، كذا قاله الباقاني، لكن ذكره غيره أنها في دار الحرب بالضم.
قوله: (وهو) أي الاسلام.(4/304)
قوله: (لا ينبغي الخ) الظاهر أنه بمعنى لا يحل كما يأتي نظيره.
قوله: (خلافا لما نقله المصنف) الاولى تقديمه على قوله: بقي الخ أي لا يحل في زماننا أيضا، خلافا لما نقله المصنف عن الينابيع من أن ذلك في ابتداء الاسلام، وأما الآن فقد فاض واشتهر، فيكون الامام مخيرا بين البعث إليهم وتركه له.
قال في الفتح: ويجب أن المدار غلبة ظن أن هؤلاء لم تبلغهم الدعوة: قوله: (إلا إذا تضمن ذلك ضررا) ذكروا هذا الاستثناء في الاستحباب مع إمكانه في الوجوب أيضا ط.
زاد في شرح الملتقى عن المحيط: أن يطمع فيهم ما يدعوهم إليه ط.
قوله: (كأن يستعدون الخ)
المناسب إسقاط النون لانه منصوب بأن المصدرية.
قوله: (بنصب المجانيق) أي على حصونهم، لانه عليه الصلاة والسلام نصبها على الطائف.
رواه الترمذي.
نهر.
وهو جمع منجنيق بفتح الميم عند الاكثر وإسكان النون الاولى وكسر الثانية، فارسية معربة، تذكر وتأنيثها أحسن، وهي آلة ترمى بها الحجارة الكبار.
قلت: وقد تركت اليوم للاستغناء عنها بالمدافع الحادثة.
قوله: (وحرقهم) أراد حرق دورهم وأمتعتهم، قاله العيني.
والظاهر أن المراد حرق ذاتهم بالمجانيق، وإذا جازت محاربتهم بحرقهم فما لهم أولى.
نهر.
وقوله: بالمجانيق: أي برمي النار بها عليهم، لكن جواز التحريق والتغريق مقيد كما في شرح السير بما إذا لم يتمكنوا من الظفر بهم بدون ذلك، بلا مشقة عظيمة، فإن تمكنوا بدونها فلا يجوز، لان فيه إهلاك أطفالهم ونسائهم ومن عندهم من المسلمين.
قوله: (إلا إذا غلب الخ) كذا قيد في الفتح إطلاق المتون، وتبعه في البحر والنهر، وعلله بأنه إفساد في غير محله الحاجة وما أبيح إلا لها، ولا يخفى حسنه لان المقصود كسر شوكتهم وإلحاق الغيظ بهم، فإذا غلب الظن بحصول ذلك بدون إتلاف وأنه يصير لنا لا نتلفه.
قوله: (ونحوه) كرصاص، وقد استغنى به عن النبل في زماننا.
قوله: (سئل ذلك النبي) كذا نقله في النهر عن أبي الليث: أي بأن نقول له هل نرمي أم لا، ونعمل بقوله، ولم يذكر ما إذا لم يمكن سؤاله.
قوله: (وما أصيب منهم) أي إذا قصدنا الكفار بالرمي، وأصبنا أحدا من المسلمين الذين تترس الكفار بهم لا نضمنه، وذكر السرخسي أن القول للرامي بيمينه في أنه قصد الكفار لا لولي المسلم المقتول أنه تعمد قتله.
قوله: (لان الفروض لا تقرن بالغرامات) أي كما لو مات المحدود بالجلد، أو القطع وأورد المضطر إلى أكل مال الغير فإنه مضمون، وأجاب عنه في الفتح بأن المذهب عندنا أنه لا يجب عليه أكله فلم يكن فرضا، فهو كالمباح يتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق.
قوله: (ولو أخرج واحد ما) أراد بالاخراج ما يعم الخروج وزاد لفظ ما للتعميم، فالمراد أي رجل كان لا بقيد(4/305)
كونه مسلما أو ذميا في نفس الامر أو بتغليب الظن، ولذا قال محمد: ولو أخرج واحد من عرض الناس.
قوله: (لجواز كون المخرج هو ذاك) فصار في كون المسلم في الباقي شك، بخلاف
الحالة الاولى فإن كون المسلم والذمي فيهم معلوم بالفرض، فوقع الفرق.
فتح.
قلت: ونظير هذه المسألة ما لو تنجس بعض الثوب فغسل طرفا منه ولو بلا تحر فإنه يصح أن يصلي به إذا لم يبق متيقن النجاسة، وهذا يرد على قولهم: اليقين لا يزول بالشك، وقدمنا تحقيق المسألة في الطهارة عن شرح المنية.
قوله: (ويحرم الاستخفاف به) زاد ذلك وإن استلزمه ما قبله، لان ذلك علة النهي، فإن إخراجه يؤدي إلى وقوعه في يد العدو، وفي ذلك تعريض لاستخفافهم به، وهو حرام، خلافا لقول الطحاوي: إن ذلك إنما كان عند قلة المصاحف كي لا تنقطع عن أيدي الناس، وأما اليوم فلا يكره.
قوله: (وامرأة) أي وعن إخراج أمرة، فهو معطوف على ما.
قوله: (هو الاصح) احتراز عن قول الطحاوي المذكور.
قوله: (إلا في جيش) أقله عند الامام أربعمائة، وأقل السرية عنده مائة كما رأيته في الخانية، وكذا قال في الشرنبلالية نقلها عنها وعن العناية، خلافا لما في البحر عن الخانية من أن أقل السرية مائتان وتبعه في النهر.
قال في الشرنبلالية: وما قاله ابن زياد من أن أقل السرية أربعمائة، وأقل الجيش أربعة آلاف قاله من تلقاء نفسه، نص عليه الشيخ أكمل الدين اه.
وفي الفتح: ينبغي أن يكون العسكر العظيم اثني عشر الف لقوله عليه الصلاة والسلام: لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة.
قلت: والتقييد بالقلة لانها قد تغلب بسبب آخر كخيانة الامراء في زمانا.
تتمة: في الخانية: لا ينبغي للمسلمين أن يفروا إذا كانوا اثني عشر ألفا، وإن كان العدو أكثر، وذكر الحديث.
ثم قال: والحاصل أنه إذا غلب على ظنه أنه يغلب لا بأس بأن يفر ولا بأس للواحد إذا لم يكن معه سلاح أن يفر من اثنين لهما سلاح، وذكر قبله: ويكره للواحد القوي أن يفر من الكافرين والمائة من المائتين في قول محمد، ولا بأس أن يقر الواحد من الثلاثة والمائة من ثلاثمائة.
قوله: (لكن الخ) قال في الفتح، ثم الاولى في إخراج النساء العجائز للطب والمداواة والسقي دون الشواب، ولو احتيج إلى المباضعة فالاولى إخراج الاماء دون الحرائر.
مطلب: لفظ ينبغي يستعمل في المندب وغيره عند المتقدمين
قوله: (ونهينا عن غدر الخ) عدل عن قول الهداية وغيرها، وينبغي للمسلمين أن لا يغدروا لان المشهور عند المتأخرين استعمال ينبغي بمعنى يندب ولا ينبغي بمعنى يكره تنزيها، وإن كان(4/306)
في عرف المتقدمى استعماله في أعم من ذلك وهو في القرآن كثير * (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) * (سورة الفرقان: الآية 81) قال في المصباح: وينبغي أن يكون كذا معناه يجب أو يندب بحسب ما فيه من الطلب اه.
مطلب في بيان نسخ المثلة قوله: (عن غدر) أن نقض عهد وغلول بضم الغين: الخيانة من المغنم قبل قسمته، ومثله بضم الميم اسم مصدر مثل به من باب نصر: أي قطع أطرافه وشوه به، كذا في جامع اللغة ح.
قوله: (أما قبله فلا بأس بها) قال الزيلعي: وهذا حسن، ونظيره الاحراق بالنار، وقيد جوازها قبله في الفتح بما إذا وقعت قتالا كمبارضرب فقطع أذنه ثم ضرب ففقأ عينه ثم ضرب فقطع يده وأنفه ونحو ذلك اه.
وهظاهر في أنه لو تمكن من كافر حال قيام الحرب ليس له أن يمثل به، بل يقتله، ومقتضى ما في الاختيار أن له ذلك كيف وقد علل بأنها أبلغ في كبتهم وأضر بهم.
نهر.
تنبيه: ثبت في الصحيحين وغيرهما النهي عن المثلة، فإن كان متأخرا عن قصة العرنيين فالنسخ ظاهر وإن لم يدر فقد تعارض محرم ومبيح، فيقدم المحرم ويتضمن الحكم بنسخ الآخر، وأما من جنى على جماعة بأن قطع أنف رجل وأذني رجل ويدي آخر ورجلي آخر وفقأ عيني آخر فإنه يقتص منه لكل، لكن يستأنى بكل قصاص إلى برء ما قبله، فهذه مثلة ضمنا لا قصدا، وإنما يظهر أثر النهي والنسخ فيمن مثل بشخص حتى قتله، فمقتضى النسخ أن يقتل به ابتداء ولا يمثل به.
فتح ملخصا.
قوله: (وغير مكلف) كالصبي والمجنون.
قوله: (وشيخ خر: فإن) أصل المتن وشيخ فان لكن زاد الشارح لفظة خر فيكون عطف خاص على عام.
قال في الفتح: ثم المراد بالشيخ الفاني: الذي لا يقتل من لا يقدر على القتال، ولا الصياح عند التقاء الصفين ولا على الاحبال، لانه يجئ منه الولد فيكثر محارب المسلمين.
ذكره في الذخيرة.
زاد الشيخ أبو بكر الرازي أنه إذا كان
كامل العقل نقتله، ومثله نقتله إذا ارتد، والذي لا نقتله الشيخ الفاني الذي خرف وزال عن حدود العقلاء والمميزين، فهذا لا نقتله، ولا إذا ارتد اه.
قلت: ومقتضى كلام الرازي أنه إذا كان كامل العقل يقتل وإن لم يقدر على القتال والصياح والاحبال ومقتضى ما في الذخيرة أنه إذا لم يقدر على ذلك لا يقتل، وإن كان كامل العقل، وهذا هو الموافق لما في شرح السير الكبير، وهذا الظاهر، لانه إذا كان عاقلا لكنه لا يقدر على شئ مما ذكر يكون في معنى المرأة والراهب، بل أولى.
فصار الحاصل: أن الشيخ الفاني إن كان خرفان زائل العقل لا يقتل، وإن كان له صياح ونسل لانه في حكم المجنون، وإن كان عاقلا لا يقتل أيضا إن لم يقدر على القتال ونحوه، وبه تعلم م في كلام الشارح من عدم الانتظام، وكان عليه أن يقول: وشيخ فان، لا صياح ولا نسل له، أو خرفان لا يعقل فلا يقتل، ولا إذا ارتد.
والمراد بمن لا صياح له: من لا يحرض على القتال بصياحه عند التقاء الصفين.
قوله: (ومقعد وزمن) وكذا من في معناهما كيابس الشق ومقطوع اليمنى أو من خلاف، لكن نظر فيه الشرنبلالية بأنه لا ينزل عن رتبة الشيخ القادر على الاحبال أو الصياح اه.(4/307)
قلت: ومثله يقال في المرأة والصبي والاعمى.
وقد يجاب بأنه يندفع ما يحذر منهم بإخراجهم إلى دارنل ما يأتي من أن لا يقتل يحمل إلى دارنا، سوى الشيخ الفاني عادم النفع بالكلية، وتمامه فيما علقناه على البحر.
قوله: (وراهب الخ) قال في الفتح وفي السير الكبير، لا يقتل الراهب في صومعته، ولا أهل الكنائس الذين لا يخالطون الناس، فإن خالطوا قتلوا كالقسيس، والذي يجن ويفيق يقتل في حال إفاقته وإن لم يقاتل: قال في الجوهرة: وكان يجوز قتل الاخرس والاصم وأقطع اليد اليسرى أو إحدى الرجلين لانه يمكنه أن يقاتل راكبا، وكذا المرأة إذا قاتلت.
قوله: (إلا أن يكون الخ) قال في الفتح استثناء من حكم عدم القتل: ولا خلاف في هذا لاحد، وصح أمره عليه الصلاة والسلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر وقد عمي لما جئ به في جيش هوازن للرأي، وكذا يقتل من قاتل من كل من قلنا: إنه لا يقتل كالمجنون والصبي والمرأة،
إلا أن الصبي والمجنون يقتلان في حال قتالهما، أما غيرهما من النساء والرهبان وغيرهم فإنهم يقتلون إذا قاتلوا بعد الاسر، والمرأة الملكة تقتل وإن لم تقاتل، وكذا الصبي الملك، لان في قتل الملك كسر شوكتهم، وقيد في الجوهرة الصبي الملك بما إذا كان حاضرا.
قوله: (في الحرب) متعلق برأي ومال على تأويل المال بالانفاق.
قوله: (ثم لا يتركونهم الخ) أي ينبغي أن لا يتركوا من ذكر ممن لا يقتل، بل يحملونهم إلى دار الاسلام إذا كان بالمسلمين قوة على ذلك لما ذكر، ولئلا يولد لهم فيكون في تركهم عون على المسلمين، وكذلك الصبيان يبلغون فيقاتلون، وأما الشيخ الفاني الذي لا يقاتل ولا يلقح ولا رأي له: فإن شاءوا تركوه إذ لا نفع فيه للكفار، أو حملوه ليفادى به أسرى المسلمين على قول من يرى المفاداة، وعلى القول الآخر: لا فائدة في حمله، ومثله العجوز التي لا تلد.
منح عن السراج ملخصا.
والمعتمد القول بالمفاداة كما سيذكره في الباب الآتي، وكذلك الرهبان وأصحاب الصوامع إذا كانوا لا يتزوجون.
بحر: أي ولا يخالطون، وبه وفق بعض المشايخ بين هذا ورواية أنهم يقتلون.
أفادة القهستاني عن المحيط.
قوله: (وسيجئ) أي في الباب الآتي.
قوله: (وفيه فراغ قلبنا) أي باندفاع شره عنا لاشتهار قتله بذلك.
قوله: (وقد حمل الخ) وكذا فعل عبد الله بن أنيس بسفيان بن عبد الله ومحمد بن مسلمة بكعب بن الاشرف، كما بسطه السرخسي وقال: عليه أكثر مشايخنا لو فيه غيظهم وفراغ قلبنا بأن يكون المقتول من قواد المشركين أو عظماء المبارزين اه.
قوله: (وعبارة الخانية الخ) قال في النهر: ولم أر نبش قبور أهل الذمة ويجب أن يقال: إن تحقق ذلك ولم يكن له وارث إلا بيت المال جاز نبشه، ثم نقل ما في الخانية وقال: هذا يعم الذمي اه.
لكن لا يخفى أن ما في الخانية ليس فيه التقييد بتحقق المال، بل الظاهر أن المراد(4/308)
عند توهم ذلك لانه عند التحقق يجوز النبش في المسلم لحق آدمي كسقوط متاع أو تكفين بثوب مغصوب أو دفن مال معه ولو درهما كما في جنائز البحر، فافهم قوله: (أن يبدأ أصله المشرك) لانه يجب عليه إحياؤه بالانفاق فيناقضه الاطلاق في إفتائه.
هداية.
والاولى التعليل بأنه كان سبب إيجاده لما يأتي قريبا قيد بالبدء احترازا عما لو قصد الاصل قتله كما يأتي، وبالاصل احترازا عن الفرع المشرك
وإن سفل، فللاب أن يبتدئ بقتله وكذا سائر القرابات كما في البحر والنهر، وعدل عن تعبير الكنز بالاب، لان أمه وأجداده وجداته من قبل الاب والام كالاب.
قوله: (كما لا يبدأ قريبه الباغي) أشار إلى فائدة التقييد بالمشرك، وهي أنه لو كان المحارب باغيا لا يتقيد بكونه أصلا، بل يعم الاخ وغيره.
قال في البحر: لانه يجب عليه إحياؤه بالانفاق عليه لاتحاد الدين، فكذا بترك القتل اه.
قلت: ومفاده تقييد القريب بالرحم المحرم، لانه لا يجب عليه أن ينفق على غيره، لكن يراد أنه يجب عليه الانفاق على فرعه المشرك.
ويجاب بأن ذاك في غير الحربي، لانه لا يجب الانفاق على الاصول والفروع الحربيين كما مر في بابه، لكن يلزم منه أن يكون له بدء أصله بالقتل، وأن لا يصح التعليل المار عن الهداية بأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق كما أورده في الحواشي السعدية، فالاولى التعليل بما ذكره في شرح السير أن الاب كان سبب إيجاده فلا يكون سبب إعدامه بالقصد إلى قتله كما قدمناه.
قوله: (بل يشغله) أي بالمحاربة بأن يعرقب فرسه، أو يطرحه عنها أو يلجئه إلى مكان ولا ينبغي أن ينصرف عنه ويتركه.
نهر.
قوله: (فإن فقد قتله) أي إذا لم يكن ثمة غيره قتله، كذا قاله في النهر، ولم أره لغيره.
وعبارة الزيلعي: وإن لم يكن ثمة من يقتله لا يمكنه من الرجوع، حتى لا يعود حربا على المسلمين، ولكنه يلجئه إلى مكان يستمسك به حتى يجئ غيره فيقتله.
قوله: (ولو قتله فهدر) أي باطل لا دية فيه ولا قصاص، نعم عليه التوبة والاستغفار كما في شرح الملتقى.
قوله: (لجواز الدفع مطلقا) أي ولو كان الاب مسلما فإنه إذا أراد قتل ابنه ولا يتمكن من التخلص منه إلا بقتله كان له قتله لتعينه طريقا لدفع شره، فهنا أولى، ولو كانا في سفر وعطشا ومع الابن ماء يكفي لنجاة أحدهما كان للابن شربه ولو كان الاب يموت، وينبغي أنه لو سمع أباه المشرك يذكر الله تعالى أو رسوله بسوء أن يكون له قتله لما روي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه حين سمعه يسب النبي (ص) وشرف وكرم، فلم ينكر النبي (ص) ذلك كذا في الفتح.
قوله: (بمال منهم) ويصرف مصارف الخراج والجزية إن كان قبل النزول بساحتهم بل برسول أما إذا نزلنا بهم فهو غنيمة نخمسها ونقسم الباقي.
نهر.
قوله: (أو منا) أي بمال نعطيه لهم إن خاف الامام الهلاك على نفسه والمسلمين بأي طريق كان نهى.
لقوله تعالى: * (وإن جنحوا للسلم) * (سورة الانفال: الآية 16) أي
ما لو اقال في المصباح والسلم بالكسر والفتح: الصلح، يذكر ويؤنث، والآية مقيدة برؤية المصلحة إجماعا لقوله تعالى: * (ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الاعلون) * (سورة محمد: الآية 53) أفاده في الفتح.(4/309)
قوله: (أن نعلمهم بنقض الصلح) أفاد شرطا زائدا على المتن، وهو إعلامهم به لان نبذ العهد نقضه، لكن لا يجوقتالهم أيضا حتى يمضي عليهم زمان يتمكن فيه ملكهم من إنفاذ الخبر إلى أطراف مملكته، حتى لو كانوا خربوا حصونهم للامان، وتفرقوا في البلاد فلا بد أن يعودوا إلى مأمنهم ويعمروا حصونهم كما كانت توقيا عن الغدر، وهذا لو نقض قبل مضي المدة، أما لو مضت فلا ينبذ إليهم، ولو كان الصلح بجعل فنقضه قبل المدة رد عليهم بحصته لانه مقابل بالامان في المدة فيرجعون بما لم يسلم لهم الامان فيه.
زيلعي.
قوله: (لفعله عليه الصلاة والسلام بأهل مكة) تبع فيه الهداية، ورده الكمال حيث قال: وأما استدلالهم بأنه (ص) نقض الموادعة التي كانت بينه وبين أهل مكة، فالاليق جعله دليلا لقوله الآتي: (وإن بدءوا بخيانة قاتلهم)، ولم ينبذ إليهم إذا كان باتفاقهم، لانهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه، وإنما قلنا هذا لانه (ص) لم يبدأ أهل مكة، بل هم بدءوا بالغدر قبل مضي المدة فقاتلهم، ولم ينبذ إليهم بل سأل الله تعالى أن يعمي عليهم حتى يبغتهم، هذا هو المذكور لجميع أهل السير والمغازي، وتمامه في ح.
قوله: (ولو بقتال) أي ولو كانت خيانة ملكهم بقتال أهل منعة بإذنه: أي لا فرق بين قتاله بنفسه أو بقتال بعض أتباعه بإذنه.
قوله: (انتقض حقهم فقط) أي حق المقاتلين ذوي المنعة بلا إذن ملكهم.
قال الزيلعي: فلا ينتقض في حق غيرهم.
لان فعلهم لا يلزم غيرهم وإن لم يكن لهم منعة لم يكن نقضا للعهد اه: أي بأن قاتل واحد منهم مثلا ثم ترك القتال يبقى عهده.
قوله: (بلا مال) أي بلا أخذه منهم لانه في معنى الجزية: وهي لا تقبل منهم.
نهر.
ولم يذكر صلحهم على أخذهم المال منا، ولا شك في جوازه عند الضرورة كما في أهل الحرب، ولكن هل يلزم إعلامهم بنقض العهد قبل انقضاء مدته أم لا لكونهم يجبرون على الاسلام بخلاف أهل الحرب؟ فليراجع.
قوله: (لانه غير معصوم) لانه يصير فيئا للمسلمين إذا ظهروا.
فتح.
قوله: (بعد وضع الحرب أوزارها) أي أثقالها، والمراد بعد انتهائها وإنما
يرد عليهم، لانه ليس فيئا، إلا أنه لا يرده حال الحرب لانه إعانة لهم.
فتح.
قوله: (ولم نبع الخ) أراد به التمليك بوجه كالهبة.
قهستاني.
بل الظاهر أن الايجار والاعارة كذلك، أفاده الحموي، لان العلة منع ما فيه تقوية على قتالنا كما أفاده كلام المصنف.
قوله: (يحرم) أي يكره كراهة تحريم.
قهستاني.
قوله: (كحديد) وكسلاح مما استعمل للحرب، ولو صغيرا كالابرة، وكذا ما في حكمه من الحرير والديباج، فإن تمليكه مكروه لانه يصنع منه الراية.
قهستاني.
قوله: (وعبيد) لانهم يتوالدون عندهم فيعودون حربا علينا مسلما كان الرقيق أو كافرا.
قوله: (ولا نحمله إليهم) أي لبيع ونحوه قد بأس لتاجرنا أن يدخل دارهم بأمان ومعه سلاح لا يريد بيعه منهم إذا علم أنهم لا يتعرضون له، وإلا فيمنع عنه كما في المحيط.
قهستاني.
وفي كافي الحاكم: لو جاء الحربي بسيف(4/310)
فاشترى مكانه قوسا أو رمحا أو فرسا لم يترك أن يخرج، وكذا لو استبدل بسيفه سيفا خيرا منه فإن كان مثله أو دونه لم يمنع، والمستأمن كالمسلم في ذلك إلا إذا خرج بشئ من ذلك فلا يمنع من الرجوع به اه.
نهر.
قوله: (ولو بعد صلح) تعميم للبيع والحمل.
قال في البحر: لان الصلح على شرف الانقضاء أو النقض.
قوله: (فجاز استحسانا) أي اتباعا للنص، لكن لا يخفى أن هذا إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الطعام فلو احتاجوه لم يجز.
قوله: (ولا نقتل من أمنه الخ) أي إذا أمن رجل حر أو امرأة حرة كافرا أو جماعة أو أهل حصن أو مدينة: صح أمانهم، ولم يجز لاحد من المسلمين قتالهم، والاصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: المسلمون تتكافأ دماؤهم أي لا تزيد دية الشريف على دية الوضيع ويسعى بذمتهم أدناهم أي أقلهم عددا وهو الواحد، وتمامه في الفتح: فهو مشتق من الادنى الذي هو الاقل كقوله تعالى: * (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر) * (سورة المجادلة: الآية 7) فهو تنصيص على صحة أمان الواحد، أو من الدنو وهو القرب كقوله تعالى: * (فكان قاب قوسين أو أدنى) * (سورة النجم: الآية 9) فهو دليل على صحة أمان المسلم في ثغر بقرب العدو، أو من الدناءة فهو تنصيص على صحة أمان الفاسق.
أفاده السرخسي.
بحث الامان
قوله: (أذن لهما في القتال) أي إذا كان الصبي والعبد مأذونين في القتال صح أمانهما في الاصح اتفاقا.
قهستاني عن الهداية.
خلافا لما نقله ابن الكمال عن الاختيار.
در منتقى.
قوله: (بعد معرفة المسلمين ذلك) أي كون ذلك اللفظ أمانا.
قلت: والظاهر أن الشرط معرفة المتكلم به، وإذا ثبت الامان به ثبت في حق غيره أيضا من المسلمين ولو لم يعرف معناه، فافهم.
قوله: (فلا أمان لو كان بالبعد منهم) أشار إلى أن المراد السماع ولو حكما لما نقله ط عن الهندية: لو نادوهم من موضع يسمعون وعلم أنهم لم يسمعوا بأن كانوا نياما أو مشغولين بالحرب فذلك أمان.
قوله: (كتعال) قال السرخسي: استدل عليه محمد بحديث عمر رضي الله تعالى عنه أيما رجل من المسلمين أشار إلى رجل من العدو أن تعال فإنك إن جئت قتلتك فأتاه فهو آمن وتأويله إذا لم يفهم أو لم يسمع قوله إن جئت قتلتك، أما لو علم وسمع فهو فئ.
قوله: (إلى السماء) لان فيه بيان إني أعطيتك ذمة إله السماء سبحانه وتعالى أو أنت آمن بحقه.
سرخسي.
قوله: (ولو نادى المشرك) بالرفع على الفاعلية: أي لو طلب المشرك الامان منا صح لو ممتنعا: أي في موضع يمنعه عن وصولنا إليه.
قال في البحر: وإن كان في موضع ليس بممتنع وهو ماد سيفه أو رمحه فهو فئ اه.
قلت: ومفاده أنه كان ممتنعا يصير آمنا بمجرد طلبه الامان وإن لم نؤمنه، وليس كذلك، بل هذا إذا ترك منعته ولا وجاء إلينا طالبا، ففي شرح السير: ولو كان في منعة بحيث لا يسع المسلمون كلامه ولا يرونه فانحط إلينا وحده بلا سلاح، فلما كان بحيث نسمعه نادى بالامان، فهو آمن،(4/311)
بخلاف ما إذا أقبل سالا سيفه مادا برمحه نحونا فلما قرب استأمن فهو فئ، لان البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف على حقيقته جائز، ولو في إباحة الدم كما لو دخل بيته إنسان ليلا، ولم يدر أنه سارق أو هارب، فلو عليه سيما اللصوص له قتله، وإلا فلا ثم.
قال: والحاصل أن من فارق المنعة عند الاستئمان فإنه يكون آمنا عادة، والعادة تجعل حكما إذا لم يوجد التصريح بخلافه، ولو وجدنا حربيا في دارنا فقال: دخلت بأمان لم يصدق، وكذا لو
قال: أنا رسول الملك إلى الخليفة، إلا إذا أخرج كتابا يشبه أن يكون كتاب ملكهم، وإن احتمل أنه مفتعل، لان الرسول آمن كما جرى به الرسم جاهلية وإسلاما، ولا يجد مسلمين في دارهم ليشهدا له، فلو لم يصحبه دليل ولا كتاب فأخذه مسلم فهو فئ لجماعة المسلمين عند أبي حنيفة، كمن وجد في عسكرنا في دار الحرب فأخذه واحد، لكنه هناك يخمس رواية واحدة، وهنا فيه روايتان، وعند محمد: هو فئ لمن أخذه كالصيد والحشيش.
وفي إيجاب الخمس فيه روايتان عن محمد أيضا اه.
ملخص.
قوله: (وصح طلبه الخ) هذا غلط، وعبارة البحر: لو طلب الامان لاهله لا يكون هو آمنا، بخلاف ما إذا طلب لذراريه فإن يدخل تحت الامان اه.
فإنها صريحة في أنه يصح طلب الامان لاهله وذراريه جميعا في غير أنه لا يدخل في الاول، ويدخل في الثاني اه ح.
قلت: وظاهره أن الكلام فيما لو قال آمنوا أهلي أو قال آمنوا ذراري فيدخل الطالب في الثاني دون الاول، ووجه الفرق خفي، أما لو قال أمنوني على أهلي أو على ذراري أو على متاعي، أو قال أمنوني على عشرة من أهل الحصن دخل هو أيضا، لانه ذكر نفسه بضمير الكناية وشرط ما ذكره معه، لان على للشرط لما نص على ذلك السرخسي مع فروع أخر ذكرت بعضها ملخصة فيما علقته على البحر.
مطلب: لو قال على أولادي ففي دخول أولاد البنات روايتان قوله: (ويدخل في الاولاد أولاد الابناء الخ) أي لو قال أمنوني على أولادي دخل فيه أولاده لصلبه، وأولادهم من قبل الذكور دون أولاد البنات، لانهم ليسوا بأولاده، هكذا ذكر محمد ها هنا.
وذكر الخصاف عن محمد أنهم يدخلون لقوله عليه الصلاة والسلام حين أخذ الحسن والحسين أولادنا أكبادنا.
ووجه الرواية الاولى: أن هذا مجاز بدليل قوله تعالى: * (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) * (سورة الاحزاب: الآية 04) أو هو خاص بأولاد فاطمة، كما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: كل الاولاد ينتمون إلى آبائهم، إلا أولاد فاطمة فإنهم ينسبون إلي، أنا أبوهم لكنه حديث شاذ، وهو مخالف لما تلونا.
مطلب: لو قال على أولاد أولادي يدخل أولاد البنات
ولو قال على أولاد أولادي دخل أولاد البنات، لان اسم ولد الولد حقيقة لمن ولده ولدك، وابنتك ولدك، فما ولدته ابنتك يكون ولد ولدك حقيقة، بخلاف الاول، لان ولدك من حيث الحكم من ينسب إليك، وذلك أولاد الابن دون أولاد البنت.
سرخسي.
وذكر في الذخيرة أن فيه روايتين أيضا، وسيأتي تمام تحقيق ذلك في الوقف إن شاء الله تعالى.
مطلب في دخول أولاد البنات في الذرية روايتان تنبيه: سكت الشارح عن دخول أولاد البنات في الذراري في البحر: أن فيه روايتين أيضا،(4/312)
وكذا قال السرخسي، وذكر وجه رواية عدم الدخول أن أولاد البنات من ذرية آبائهم لا من ذرية قوم الام، ووجه رواية الدخول أن الذرية اسم للفرع المتولد من الاصل، والابوان أصلان للولد، ومعنى الاصلية والتولد في جانب الام أرجح، لان الولد يتولد منها بواسطة ماء الفحل، ثم ذكر فيه حكاية.
قوله: (ولو غار عليهم) أي على من أمنهم بعض العسكر الاول.
قوله: (وعلى الواطئ المهر) أي مهر المثل ط.
قوله: (والولد حر) أي من غير قيمة وهو مسلم أيضا تبعا لابيه، كما في البحر.
قوله: (يعني بعد ثلاث حيض) وفي زمان الاعتداد يوضعن على يد عدل، والعدل امرأة عجوز ثقة لا الرجل.
بحر.
قوله: (وينقض الامام الامان) ويعلمهم بذلك كما مر.
قوله: (قهستاني).
قوله: (يؤدب) أي لو علم أنه منهي شرعا، وإلا فجهله عذر في دفع العقوبة عنه.
قهستاني.
قوله: (إلا إذا أمره به مسلم) بأن قال له أمنهم فقال الذمي: قد أمنتكم أو أن فلانا المسلم أمنكم فيصح في الوجهين: أما لو قال له المسلم: قل لهم إن فلانا أمنكم فيصح في الوجه الثاني، لانه أدى الرسالة على وجهها، دون الاول، لانه خالف لانه إنشاء عقد منه وهو لا يملكه، بخلاف قول المسلم له أمنهم، لان الذمي صار مالكا للامان بهذا الامر، فيكون فيه بمنزلة مسلم آخر، وتمامه في شرح السرخسي.
وصرح أيضا بأنه يصح سواء كان الآمر أمير العسكر أو رجلا غيره من المسلمين، لان أمان الذمي إنما لا يصح لتهمة ميله إليهم، وتزول التهمة إذا أمره مسلم به، بخلاف ما لو أمره بالقتال إذ لا يتعين به معنى الخيرية في الامان اه.
وبه ظهر أن ما في الزيلعي وغيره من تقييد الآمر
بكونه أمير العسكر قيد اتفاقي لانه الاغلب، فافهم.
قوله: (وأسير وتاجر) لانهما مقهوران تحت أيديهم فلا يخافون، والامان يختص بمحل الخوف.
بحر.
ثم نقل في البحر عن الذخيرة: أنه لا يصح أمانه في حق باقي المسلمين حتى كان لهم أن يغيروا عليهم، أما في حقه فصحيح، ويصير كالداخل فيهم بأمان فلا يأخذ شيئا من أموالهم بلا رضاهم: وكذا معنى عدم صحة أمان العبد المحجور: أي في حق غيره، أما في حق نفسه فصحيح بلا خلاف اه.
قلت: والظاهر أن التاجر المستأمن كذلك.
تنبيه: ذكر في شرح السير: لو أمنهم الاسير ثم جاء بهم ليلا إلى عسكرنا فهم فئ، لكن لا تقتل رجالهم استحسانا، لانهجاؤوا للاستئمان لا للقتال كالمحصور إذا جاء تاركا للقتال، بأن ألقى السلاح وناد بالامان فإنه يأمن القتل.
قوله: (محجورين عن القتال) فلو مأذونين فيه صح في الاصح(4/313)
اتفاقا، كما قدمنا.
قوله: (وفي الخانية الخ) عبارتها: حربي له عبد كافر فأسلم العبد، ثم خدم مولاه، كانت الخدمة أمانا اه.
وفيه أن تعليلهم عدجواز أمان الاسير والتاجر، بأنهما مقهوران تحت أيديهم يقتضي عدم صحة هذا الفرع، فتأمل اه ح.
قلت: يتعين حمل قوله: كانت الخدمة أمانا، على معنى كونه أمانا في حق العبد نفسه، لا في حق باقي المسلمين، نظير ما قدمناه عن الذخيرة في الاسير والعبد، المحجور، ويدل عليه تعبير الخانية بالحربي: أي في دار الحر ب من غير ذكر خروج ولا قتال، إذ المسألة ذكرها في الخانية في فصل إعتاق الحربي العبد المسلم، فافهم، والله أعلم.
باب المغنم وقسمته لما ذكر القتال وما يسقطه شرع في بيان ما يحصل به.
قوله: (والفئ ما نيل منهم بعد) أي بعد الحر ب هذا لا يشمل هدية أهل الحرب بلا تقدم قتال.
مطلب: بيان معنى الغنيمة والفئ قال في الهندية: الغنيمة اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة بقوة الغزاة وقهر الكفرة، والفئ: ما
أخذه منهم من غير قتال كالخراج والجزية.
وفي الغنيمة الخمس دون الفئ، وما يؤخذ منهم هدية أو سرقة أو خلسة أو هبة، فليس بغنيمة، وهو للآخذ خاصة.
قلت: لكن في شرح السير الكبير: لو وادع الامام قوما من أهل الحرب سنة على مال دفعوه إليه جاز لو خيرا للمسلمين، ثم هذا المال ليس بفئ ولا غنيمة حتى لا يخمس، ولكنه كالخراج يوضع في بيت المال، لان الغنيمة اسم لمال مصاب بإيجاف الخيل والركاب، والفئ اسم لما يرجع من أموالهم إلى أيدينا بطريق القهر، وهذا رجع إلينا بطريق المراضاة، فيكون كالجزية، والخراج يوضع في بيت المال اه.
ومقتضاه أن ما أخذ بالقتال والحرب غنيمة، وما أخذ بعده مما وضع عليهم قهرا كالجزية والخراج: فئ، وما أخذ منهم بلا حرب ولا قهر كالهدية والصلح فهو: لا غنيمة ولا فئ، وحكمه حكم الفئ لا يخمس ويوضع في بيت المال، فتأمل.
قوله: (إذا فتح الامام بلدة صلحا) ويعتبر في صلحه الماء الخراجي والعشري، فإن كان ماؤهم خراجيا صالحهم على الخراج، وإلا فعلى العشر.
أفاده القهستاني ط.
قوله: (وكذا من بعده) فلا يغيره أحد، لانه بمنزلة نقض العهد ط.
قوله: (أي قهرا) كذا في الهداية: واتفق الشارحون على أن هذا ليس تفسيرا له لغة، لانها من عنا يعنو عنوة: ذل وخضع، لكن نقل في البحر عن قوله: (القاموس) أن العنوة: القهر.
واعترضه في النهر بأن صاحب القاموس: لا يميز بين الحقيقي والمجازي، بل يذكر المعاني جملة: أي يذكر المعاني الاصطلاحية مع اللغوية بلا تمييز.(4/314)
قلت: لكن نقل صاحب النهر في أول باب العشر والخراج عن الفارابي، أنه من الاضداد، يطلق على الطاعة والقهر، وكذا في المصباح: عنا يعنو عنوة: إذا أخذ الشئ قهرا، وكذا إذا أخذه صلحا فهو من الاضداد، وفتحت مكة عنوة: أي قهرا اه.
قوله: (قسمها بين الجيش) أي مع رؤوس أهلها استرقاقا وأموالهم بعد إخراج خمسها لجهاته.
فتح.
قوله: (أو أقر أهلها عليها) أي من عليهم برقابهم وأرضهم وأموالهم، ووضع الجزية على الرؤوس، والخراج على أراضيهم من غير نظر إلى الماء الذي تسقى به: أهو ماء العشر كماء السماء والعيون والاودية والآبار، أو ماء الخراج
كالانهار التي شقتها الاعاجم، لانه ابتداء التوظيف على الكافر، وأما المن عليهم برقابهم وأرضهم فمكروه، إلا أن يدفع إليهم من المال ما يتمكنون به من إقامة العمل والنفقة على أنفسهم وعلى الاراضي إلى أن يخرج الغلال، وإلا فهو تكليف بما لا يطاق، وأما المن عليهم برقابهم مع المال دون الارض، أو برقابهم فقط، فلا يجوز لانه إضرار بالمسلمين بردهم حربا علينا.
فتح.
قوله: (والاول أولى) عبارة الاختيار قالوا: والاول أولى، وعبر في الفتح والبحر بقيل.
قوله: (ووضع عليهم الخراج) أي على أرضهم.
قوله: (وضع العشر لا غير) لانه ابتداء وضع على المسلمين.
منح.
تنبيه: للشرنبلالي رسالة سماها (الدرة اليتيمة في الغنيمة) حاصلها: أن تخيير الامام بين ما ذكر مخالف لاجماع الصحابة على ما فعله عمر من عدم قسمة الاراضي بين الغانمين، وعدم أخذ الخمس منها كما نقله علماؤنا وأقروه.
قلت: وقد يجاب بأن ما فعله عمر إنما فعله لانه كان هو الاصلح إذ ذاك كما يعلم من القصة، لا لكونه هو اللازم، كيف وقد قسم (ص) خيبر بين الغانمين، فعلم أن الامام مخير في فعل ما هو الاصلح فيفعله.
قوله: (وقتل الاسارى) بضم الهمزة وفتحها.
قاموس.
والسماع الضم لا غير، كما ذكره الرضي وغيره من المحققين: أي قتل الذين يأخذهم المقاتلين، سواء كانوا من العرب أو العجم فلا تقتل النساء ولا الذراري بل يسترقون لمنفعة المسلمين.
قهستاني.
قوله: (إن لم يسلموا) فلو أسلموا تعين الاسر.
قوله: (أو استرقهم) وإسلامه لا يمنع استرقاقهم، ما لم يكن قبل الاخذ، كذا في الملتقى وشرحه.
قوله: (ذمة لنا) أي حقا واجبا لنا عليهم من الجزية والخراج، فإن الذمة الحق والعهد والامان، ويسمى أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم، كما قال ابن الاثير، وقد ظن أن المعنى ليكونوا أهل ذمة لنا.
قهستاني.
قوله: (إلا مشركي العرب والمرتدين) فإنهم لا يسترقون ولا يكونون ذمة لنا، بل إما الاسلام أو السيف.
قوله: (كما سيجئ) أي في فصل الجزية.
قوله: (قلنا نسخ الخ) أي بآية: * (اقتلوا المشركين) * (سورة التوبة: الآية 5) من سورة براءة فإنها آخر سورة نزلت.
فتح.(4/315)
وأما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام من على أبي عزة الجمحي يوم بدر فقد كان قبل النسخ، ولذا لما أسره يوم أحد قتله.
وذكر محمد جوابا آخر، وهو أنه كان من مشركي العرب، ولا يؤسرون، فليس في المن عليه إبطال حق ثابت للمسلمين، ونحن نقول به فيهم وفي المرتدين، وإن رأى الامام النظر للمسلمين في المن على بعض الاسارى، فلا بأس أيضا، لانه عليه الصلاة والسلام من على ثمامة بن أثال الحنفي بشرط أن يقطع الميرة عن أهل مكة، ففعل ذلك حتى قحطوا.
شرح ا لسير ملخصا.
وقد نقل في الفتح أن قول مالك وأحمد كقولنا، ثم أيد مذهب الشافعي بما مر من قصة الجمحي ونحوها، وقد علمت جوابه.
قوله: (وحرم فداؤهم الخ) أي إطلاق أسيرهم بأخذ بدل منهم: إما مال، أو أسير مسلم، فالاول لا يجوز في المشهور، ولا بأس به عند الحاجة على ما في السير الكبير.
وقال محمد: لا بأس به لو بحيث لا يرجى منه النسل كالشيخ الفاني كما في الاختيار.
وأما الثاني فلا يجوز عنده، ويجوز عندهما، والاول الصحيح كما في الزاد، لكن في المحيط أنه يجوز في ظاهر الرواية، وتمامه في القهستاني.
وذكر الزيلعي أيضا عن السير الكبير: أن الجواز أظهر الروايتين عن أبي حنيفة، وذكر في الفتح أنه قولهما وقول الائمة الثلاثة، وأنه ثبت عن رسول الله (ص) في صحيح مسلم وغيره: أنه فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين، وفدى بامرأة ناسا من المسلمين كانوا أسروا بمكة.
قلت: وعلى هذا فقول المتون حرم فداؤهم مقيد بالفداء بالمال عند عدم الحاجة، أما الفداء بالمال عند الحاجة أو بأسرى المسلمين فهو جائز، قوله: (بعد تمام الحرب الخ) عبارة الدرر وصدر الشريعة: وأما الفداء فقبل الفراغ من الحرب جاز بالمال لا بالاسير المسلم، وبعده لا يجوز بالمال عند علمائنا، ولا بالنفس عند الامام، وعند محمد: يجوز، وعن أبي يوسف روايتان، وعند الشافعي: يجوز مطلقا اه.
قلت: وهذا التفصيل خلاف الظاهر من كلامهم كما علمت، ولذا قال ابن كمال بعد ذكره نحو ما نقلناه عنهم: وهذا البيان ظاهر في عدم الفرق بين أن يكون ذلك قبل وضع الحرب أوزارها أو
بعده اه.
وتبعه في النهر.
قوله: (واتفقوا أنه لا يفادى بنساء وصبيان) إذ الصبيان يبلغون فيقاتلون والنساء يلدن فيكثر نسلهم.
منح.
ولعل المنع فيما إذا أخذ البدل مالا، وإلا فقد جوزوا دفع أسراهم فداء لاسرنا، مع أنهم إذا ذهبوا إلى دارهم يتناسلون ط.
قوله: (وخيل وسلاح) أي إذا أخذناهما منهم فطلبوا المفاداة بمال لم يجز أن نفعل، لان فيه تقوية يختص بالقتال فيجوز من غيره ضرورة.
منح ط.
قوله: (إلا إذا أمن على إسلامه) أي وطابت نفسه بدفعه فداء، لانه يفيد تخليص مسلم من غير إضرار لمسلم آخر.
فتح.
تنبيه: في القنية: أراد في دار الحرب أيشتري أسارى وفيهم رجال ونساء وعلماء وجهال، فالاولى تقديم الرجال والجهال.
قال: وجوابه إن كان منصوصا من السلف فسمعا وطاعة، وإلا فقضية الدليل تقديم الناس صيانة لابضاع المسلمات،(4/316)
قلت: والعلماء احتراما للعلم اه.
وعلل البزازي تأخير العالم لفضله لانه لا يخدع، بخلاف الجاهل.
در منتقى.
وقد يقال: يقدم الرجا للانتفاع بهم في القتال ط.
وهذا ظاهر فيما إذا اضطر إليهم، وإلا فصيانة الابضاع مقدمة على ذلك للانتفاع.
تأمل.
قوله: (للعلم به) علة لسقوطه من المتن.
قوله: (بالاولى) لانه إذا حرم المن وهو الاطلاق يحرم الاطلاق مع الرد إلى الدار.
قوله: (وحرم عقر دابة الخ) أي إذا أراد الامام العود ومعه مواشي أهل الحرب ولم يقدر على نقلها إلى دارنا لا يعقرها كما نقل عن مالك، لما فيه من المثلة بالحيوان.
فتح.
وفي المغرب: عقر الناقة بالسيف: ضرب قوائمها.
قوله: (قوله: إذ لا يعذب بالنار إلا ربها) علة لمفهوم قوله بعده: وهو عدم إحراقها قبل الذبح وفي صحيح البخاري.
فإنه لا يعذب بها إلا الله وأخرج البزار في مسنده عن عثمان بن حبان قال: كنت عند أم الدرداء رضي الله عنها فأخذت برغوثا فألقيته في النار فقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يعذب بالنار إلا رب النار فتح ملخصا.
ولا يرد هذا على ما مر من جواز حرق أهل الحرب عند قتالهم، لان ذاك مقيد بما إذا لم يمكن الظفر بهم بدونه كما قدمناه عن شرح السير، فافهم.
وأورد المحشي على جواز إحراقها بعد الذبح
أنه يقتضي أن الميت لا يتألم مع أنه ورد أنه يتألم بكسر عظمه.
قلت: قد يجاب بأن هذا خاص ببني آدم لانهم يتنعمون ويعذبون في قبورهم، بخلاف غيرهم من الحيوانات، وإلا لزم أن لا ينتفع بعظمها ونحوه، ثم رأيت ط ذكر نحوه.
قوله: (ولا وجه إلى إبقائهم) لئلا يعودوا حربا علينا، لان النساء بهن النسل والصبيان يبلغون فيصيرون حربا علينا.
الولوالجية، واعترضه في الفتح بأن تركهم كذلك أشد من القتل المنهي عنه في حقهم.
قال: اللهم إلا أن يضطروا إلى ذلك بسبب عدم الحمل والميرة فيتركوا ضرورة اه.
وهو عجيب، فإن الولوالجي صرح بأن ذلك عند عدم إمكان الاخراج مطلقا، والمسألة في المحيط أيضا.
بحر وفيه نظر، فإن مراد الفتح أن تركهم في أرض خربة بلا طعام ولا شراب أشد من القتل، فحيث لم يمكن إخراجهم فليتركوا في مكانهم بلا مباشرة السبب في إهلاكهم.
قوله: (إبقاء للنسل) أي لتتناسل بعد رجوع عسكرنا فتؤذي أهل الحرب.
قوله: (يحرقن بالنار) أي إذا لم يمكن دفنهن بمحل يخفى عليهم ولم تطل المدة بحيث يتفسخن ط.
مطلب في قسمة الغنيمة قوله: (ولا تقسم غنيمة ثمة) على المشهور من مذهب أصحابنا، لانهم لا يملكونها قبل الاحر، وقيل تكره تحريما.
در، منتقى، قوله: (أو لحاجة الغزاة) وكذا لو طلبوا القسمة من الامام(4/317)
وخشي الفتنة كما في الهندية عن المحيط.
قوله: (فتصح) أي وتثبت الاحكام لا فتح: أي من حل الوطئ والبيع والعتق والارث، بخلاف ما قبل القسمة بدون اجتهاد أو احتياج، ولو بعد الاحراز بدارنا.
قال في الدر المنتقى: والذي قرره في المنح كغيره أنه لا ملك بعد الاحراز بدارنا أيضا إلا بالقسمة، فلا يثبت بالاحراز ملك لاحد، بل يتأكد الحق، ولهذا لو أعتق واحد من الغانمين عبدا بعد الاحراز لا يعتق، ولو كان له ملك ولو بشركة لعتق وحكم استيلاد الجارية بعد الاحراز قبل القسمة وبعدها سواء، نعم لو قسمت الغنيمة على الرايات أو العرافة فوقعت جارية بين أهل راية صح استيلاء أحدهم وعتقه للشركة الخاصة حيث كانوا قليلا كمائة فأقل، وقيل كأربعين، والاولى تفويضه
للامام اه.
ملخصا.
وتمام الكلام فيه.
والحاصل كما في الفتح عن المبسوط: أن الحق يثبت عندنا بنفس الاخذ ويتأكد بالاحراز ويملك بالقسمة كحق الشفعة يثبت بالبيع ويتأكد بالطلب ويتم الملك وبالاخذ، وما دام الحق ضعيفا لا تجوز القسمة اه.
ويبتنى على هذا ما يأتي في المتن من عدم جواز البيع بل القسمة، ومن استحقاق المدد لا من مات قبلها كما يأتي بيانه.
قلت: وهذا كله إذا لم يظهر عسكرنا على البلد، فلو ظهروا عليها وصارت بلد إسلام صارت الغنيمة محرزة بدارنا ويتأكد الحق فتصح القسمة كما يأتي التنبيه عليه قريبا.
قوله: (فتحل) عبر بالحل وفيما قبله بالصحة، لانه ليس المراد هنا قسمة التمليك بل الايداع ليحملوها إلى دار الاسلام ثم يرجعها منهم ويقسمها كما في الجوهرة وغيرها، فليست قسمة حقيقية حتى توصف بالصحة.
قوله: (حمولة) بفتح الحاء: كل ما احتمل عليه من حمار وغيره، سواء كانت عليه أحمال أو لم تكن اه.
قوله: (روايتان) قال في الفتح: والاوجه أنه إن خاف تفرقهم لو قسمها قسمة الغنيمة يفعل هذا، وإن لم يخف قسمها قسمة الغنيمة في دار الحرب لانها تصح للحاجة، وفي إسقاط الاكراه وإسقاط الاجرة ا ه.
وقوله: يفعل هذا أي جبرهم بأجر المثل.
قوله: (فإذا تعذر) أي القسم للايداع بسبب عدم الاجبار على إحدى الروايتين أو لم يوجد عندهم حمولة على الرواية الاخرى قسمها بينهم حينئذ اه ح.
قوله: (ولم تبع الغنيمة قبلها) أي قبل القسمة، سواء كان في دار الحرب أو بعد الاحراز في دارنا.
شرنبلالية.
لانها لا تملك قبل القسمة كما علمت.
قال في الفتح: وهذا ظاهر في بيع الغزاة، وأما بيع الامام لها فذكر الطحاوي أنه يصح لانه مجتهد فيه: يعني أنه لا بد وأن يكون الامام رأى المصلحة في ذلك، وأقله تخفيف إكراه الحمل عن الناس أو عن البهائم ونحوه وتخفيف مؤنته عنهم فيقع عن اجتهاد في المصلحة فلا يقع جزافا فينعقد بلا كراهة مطلقا اه.
وبه يظهر ما في قوله: لا للامام ولا لغيره قوله: جوهرة نص عبارتها: ولا يجوز بيع الغنائم قبل القسمة، لانه لا ملك لاحد فيها قبل ذلك، وإنما أبيح لم بالطعام والعلف للحاجة، ومن أبيح له تناول شئ لم يجز له بيعه كمن أباح طعاما لغيره اه.
فقوله: وإنما أبيح لهم الخ، جواب سؤال تقديره: كيف لا يجوز
البيع مع أنه يجوز لهم الانتفاع بالطعام والعلف كما يأتي؟ والجواب ظاهر، ولا يخفى أنه ليس المراد(4/318)
بيع شئبطعام، وإن كان الظاهر أن الحكم كذلك.
قوله: (ومدد لحقهم ثمة) أي إذا لحق المقاتلين في دار الحرب جماعة يمدونهم وينصرونهم شاركوهم في الغنيمة، لما مر من أن المقاتلين لم يملكوها قبل القسمة.
وذكر في التاترخانية أنه لا تنقطع مشاركة المدد لهم إلا بثلاث إحداها: إحراز الغنيمة بدارنا.
الثانية: قسمتها في دار الحرب الثالثة: بيع الامام لها ثمة، لان المدد لا يشارك الجيش في الثمن ا.
قال في الشرنبلالية: وتقييده بقوله: ثمة أي في دار الحرب، إشارة إلى أنه لو فتح العسكر بلدا بدار الحرب، واستظهروا عليه ثم لحقهم المدد لم يشاركهم لانه صار بلد الاسلام، فصارت الغنيمة محرزة بدار الاسلام.
نص عليه في الاختيار اه.
قلت: وكذا في شرح السير، وزاد أن مثله لو وقع قتال أهل الحرب في دارنا فلا شئللمدد.
تنبيه: قال في البحر: وأفاد المصنف أن المقاتل وغيره سواء، حتى يستحق الجندي الذي لم يقاتل لمرض أو غيره، وأنه لا يتميز واحد على آخر شئ حتى أمير العسكر، وهذا بلا خلاف، كذا في الفتح وفي المحيط.
والمتطوع في الغزو وصاحب الديوان سواء.
قوله: (لا سوقي) هو الخارج مع العسكر للتجارة.
نهر.
قوله: (أسلم ثمة) عائد على الحربي والمرتد، وأفرد الضمير للعطف ب أو، وزاد في الفتح: التاجر الذي دخل بأمان ولحق العسكر وقاتل.
قوله: (ولو مات بعد أحدهما) أي بعد القسمة أو البيع بناء على ما قدمناه عن الطحاوي من أن للامام بيع الغنيمة.
قوله: (أو بعد الاحراز بدارنا) قال في الدر المنتقى: وينبغي أن يزاد رابع هو التنفيل فسيجئ أنه يورث عنه وإن كان مات بدار الحرب وإن لم يثبت له الملك فيه، وفيها يلغز: أي مال يورث ولا يملكه مورثه؟ ولم أر من نبه على ذلك هنا فلينظر اه.
قلت: وفي التتارخانية عن المضمرات: ومن مات في دار الحرب من الغانمين بعد القسمة أو الاحراز بدارنا أو بعد بيع الامام الغنائم في دارنا أو في دار الحرب ليقسم الثمن بينهم أو بعد ما نفل لهم شيئا تحريضا أو بعد ما فتح الدار وجعلها دار إسلام فإنه يورث نصيبه، وإن مات قبل واحد من هذه ب
عد إصابة الغنيمة لا يورث اه.
والظاهر أنه يملك ما قبضه بالتنفيل ثمة، ففي كلام الدر المنتقى نظر، فتدبر.
قوله: (لتأكد ملكه) علة لقوله: أو بعد الاحراز بدارنا فيورث نصيبه إذا مات في دارنا قبل القسمة للتأكد لا الملك لانه لا ملك قبل القسمة، وهذا لان الحق المتأكد يورث كحق الرهن والرد بالعيب، بخلاف الضعيف كالشفعة وخيار الشرط.
فتح.
قوله: (استحسانا) لعل وجهه تعسر النقص.
مطلب في أن معلوم المستحق من الوقف: هل يورث؟ قوله: (وما في البحر من قياس الوقف) أي غلة الوقف فإنه قال: إنهم صرحوا بأن معلوم المستحق لا يورث بعد موته على أحد القولين، ولم أر ترجيحا وينبغي التفصيل، فمن مات بعد خروج الغلة وإحراز الناظر لها قبل القسمة يورث نصيبه لتأكد الحق فيه كالغنيمة بعد الاحراز بدارنا، وإن مات قبل الاحراز في يد المتولي لا يورث.
قوله: (رده في النهر) حيث قال: أقول في الدرر(4/319)
والغرر عن فوائد صاحب المحيط: للامام والمؤذن وقف فلم يستوفيا حتى ماتا سقط لانه في معنى الصلة، وكذا القاضي، وقيل لا يسقط لانه كالاجرة اه.
وجزم في البغية بأنه يورث، بخلاف رزق القاضي.
وأنت خبير بأن ما يأخذه القاضي ليس صلة كما هو ظاهر ولا أجرا، لان مثل هذه العبادة لم يقل أحد بجواز الاستئجار عليها، بخلاف ما يأخذه الامام والمؤذن، فإنه لا ينفك عنهما، فبالنظر إلى الاجرة يورث ما يستحق إذا استحق غير مقيد بظهور الغلة وقبضها في يد الناظر، وبالنظر إلى الصلة لا يورث وإن قبضه الناظر قبل الموت، وبهذا عرف أن القياس على الغنيمة غير صحيح، وسيأتي لهذا مزيد بيان في الوقف إن شاء الله تعالى.
أقول: لم يف بما وعد من بيانه في الوقف، وقوله: إن ما يأخذه القاضي ليس صلة، مخالف لما في الهداية وغيرها قبيل باب المرتد كما سيأتي، نعم ما يأخذه الامام ونحوه فيه معنى الصلة ومعنى الاجرة، والظاهر أن ذلك منشأ الخلاف المحكي في الدرر، لكن ما جزم به الغنيمة يقتضي ترجيح جانب الاجرة، وهو ظاهر، لا سيما على ما أفتى به المتأخرون من جواز الاجرة على الاذان والامامة والتعليم، وعلى هذا مشى الامام الطرسوسي في: أنفع الوسائل على أن المدرس ونحوه من
أصحاب الوظائف إذا مات في أثناء السنة يعطى بقدر ما باشر ويسقط الباقي.
قال: بخلاف الوقف على الاولاد والذرية، فإنه إذا مات مستحق منهم في حقه وقت ظهور الغلة، فإن مات بعد ظهورها ولو لم يبد صلاحها صار ما يستحقه لورثته، وإلا سقط اه.
وتبعه في الاشباه وأفتى به الفتاوي الخيرية، فليكن العمل عليه من التفصيل.
والفرق بين كون المستحق مثل المدرس أو من الاولاد، والله تعالى أعلم.
ثم رأيت الشيخ إسماعيل في شرحه على الدرر نقل قبيل باب المرتد مثل ذلك عن المفتي أبي السعود، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت إعطاء السلطان فتلحق الايام التي قبل المباشرة بأيام المباشرة حيث كان الاخذ عن ميت لانها من مبادئ أيام المباشرة كأيام التعطيل اه.
تنبيه: ظهر من كلام الطرسوسي أن معلوم المدرس ونحوه يورث عنه بقدر ما باشر وإن لم تظهر الغلة وأمعلوم المستحق في وقف الذرية يورث عنه بموته بعد ظهور الغلة وإن لم يقبضها الناظر على خلاف ما مر عن البحر، وينبغي أن تكون الغلة بعض قبض الناظر لها ملكا للمستحقين وإن لم تقسم حيث كانوا مائة فأقل، قياسا على الغنيمة إذا قسمت على الرايات قبل أن تقسم على الرؤوس، فقد مر قريبا أنها تملك للشركة الخاصة.
فالحاصل: أن غلة الوقف بعد ظهورها تورث لانه تأكد فيها حق المستحقين وبعد إحرازها بيد الناظر صارت ملكا لهم وهي في يده أمانة لهم يضمنها إذ استهلكها وأهلكت بعد امتناعه عن قسمتها إذا طلبوا القسمة، وإذا كانت حنطة أو نحوها يصح شراء الناظر حصة أحدهم منها، هذا ما ظهر لي.
ويؤيده ما سيأتي في الحوالة إن شاء الله تعالى عن البحر حيث جعل الحوالة على الناظر من المستحق كالحوالة على المودع، والله سبحانه أعلم.
قوله: (أي للغانمين) أي ممن له سهم أو رضخ.
شرنبلالية.
ويأخذ الجندي ما يكفيه ومن معه من عبيده ونسائه وصبيانه الذين دخلوا معه.
بحر.
قوله: (لا غير) فشرج التاجر والداخل لخدمة الجندي بأجر، إلا أن يكون قد خبز الحنطة أو(4/320)
طبخ اللحم، فلا بأس به حينئذ لانه ملكه بالاستهلاك ولو فعلوا لا ضمان عليهم.
بحر.
قوله: (بعلف) ولا بأس بعلف دوابه البر إذا لم يوجد الشعير.
در منتقى.
قوله: (وطعام) أطلقه فشمل
المهئ للاكل وغيره حتى يجوز لهم ذبح المواشي، ويردون جلودها في الغنيمة.
بحر.
قوله: (ودهن) بالضم لما يدهن به أما بالفتح فهو مصدر، والاول هنا أولى لتناسق المعطوفات خلافا للعيني، كما أفاده في النهر.
والمراد بالدهن ما يؤكل لقول الزيلعي: إن ما لا يؤكل عادة لا: يجوز له تناوله مثل الادوية والطيب ودهن البنفسج وما أشبه ذلك اه.
ولا شك أنه لو تحقق بأحدهم مرض يحوجه إلى استعمالها جاز كما بحثه في الفتح وصرح به في المحيط.
بحر.
قوله: (وقيد في الوقاية الخ) قال في الدر المنتقى: اعلم أنه ذكر في فتح القدير أن استعمال السلاح والكراع والفرس إنما يجوز بشرط الحاجة بأن مات فرسه أو انكسر سيفه، أما إذا أراد أن يوفر سيفه وفرسه باستعمال ذلك فلا يجوز، ولو فعل أثم ولا ضمان عليه إن تلف، وأما غير السلاح ونحوه مما مركالطعام فشرط في السير الصغير الحاجة إلى التناول من ذلك وهو القياس، ولم يشترطها في السير الكبير وهو الاستحسان، وبه قالت الائمة الثلاثة، فيجوز لكل من الغني والفقير تناوله اه.
ملخصا.
وهكذا ذكره في الشرنبلالية، ولا يخفى ترجيح الاستحسان ها هنا.
قلت: وهو ما اختاره الماتن: يعني صاحب الملتقى، وهو الحق كما علمت اه.
قال في النهر: ولو احتاج الكل إلى السلاح والثياب قسمها حينئذ، بخلاف السبي إذا احتيج إليه ولو للخدمة لكونه من فضول الحوائج اه.
وفسر الحاجة بالفقر.
قلت: والظاهر أنها أعم، إذ لو كان غنيا ولا يجد ما يشتريه فهو كذلك.
قوله: (فإن نهى لم يبح) والحاصل منع الانتفاع بشسلاح ودواب ودواء إلا لحاجة، وحل المأكول مطلقا إلا لنهي الامام، فالمنع مطلقا كمنع استباحة الفرج مطلقا، لان الفرج لا يحل إلا بالملك، ولا ملك قبل الاحراز بدارنا ولو أمته المأسورة، بخلاف امرأته المأسورة ومدبرته وأم ولده إن لم يطأهن الحربي كما سيجئ، فليحفظ.
در منتقى.
لكن في البحر ينبغي أن يقيد النهي عن المأكول والمشروب بما إذا لم تكن حاجة، فإن كانت لا يعمل نهيه اه.
قوله: (ولا بيع وتمول) أي لا ينتفع بالكل بالبيع في دار الحرب قبل القسمة أصلا احتيج إليه أولا، ولا التمول لعدم الملك، وإنما إبيح الانتفاع للحاجة، والمباح له لا يملك البيع.
در.
منتقى.
والمراد بالتمول أن يبقى ذلك الشئ عنده يجعله مالا له، ولذا قال القهستاني:
وإذا استعمل السلاح ونحوه يرده إلى المغنم.
قوله: (رد ثمنه) أي إذا أجازه الامام لانه بيع الفضولي.
نهر.
قوله: (فإن قسمت) أي الغنيمة تصدق به: أي بالثمن لانه لقلته لا تمكن قسمته فتعذر إيصاله إلى مستحقه فيتصدق به كاللقطة، كما في الفتح.
قوله: (لو غير فقير) فلو فقيرا يأكله.
بحر.
قوله: (مالا يملكه أهل الحرب) أي شيئا غير مملوك لهم لكن يخص منه ما يترك فيه العامة لما في البحر لو حش الجندي الحشيش في دار الحرب أو استقى الماء وباعه طلب له ثمنه.
قوله: (فهو مشترك) أي بين الغانمين فلا يختص به الآخذ.
بحر.
قوله: (أجازه) أي وأخذ الثمن ورده(4/321)
في الغنمية وقسمه بين الغانمين.
بحر.
قوله: (وإلا) صادق بصورتين: إحداهما لو كان المبيع قائما.
والثانية: لو كان البيع أنفع من الثمن، والظاهر أنه فيهما يفسخ البيع ويرد المبيع للغنيمة، مع أنه إذا كان قائما والثمن أنفع لهم أجازه كما في البحر، فيتعين حمل قوله: أو الثمن أنفع على معنى: أو لم يهلك والثمن أنفع.
قوله: (وبعد الخروج منها) أي من دار الحرب (لا): أي لا ينتفع بشئ مما ذكر لزوال المبيح، ولان حقهم قد تأكد حتى يورث نصيبهم.
بحر.
زاد في الكنز وغيره: وما فضل رده: أي والذي فضل في يده مما أخذه قبل الخروج من دار الحرب ورده الآخذ إلى الغنيمة بعد الخروج إلى دارنا لزوال الحاجة التي هي مناط الاباحة، وهذا التعليل يفيد أنه لو كان فقيرا أكله بالضمان كم في المحيط، هذا كله قبل القسمة، أما بعدها: فإن كان غنيا وكانت العين قائمة تصدق بها وبقيمتها لو هالكة، وإن كان فقيرا انتفع بها.
نهر.
قوله: (ومن أسلم منهم) أي في دار الحرب، لان المستأمن إذا أسلم في دار الاسلام، ثم ظهرنا على داره، فجميع ما خلفه فيها من الاولاد الصغار والمال فئ، لان التباين قاطع للعصمة وللتبعية.
بحر.
قوله: (قبل مسكه) قيد به، لانه لو أسلم بعده فهو عبد، لانه أسلم بعد انعقاد سبب الملك فيه.
بحر.
وقيد في البحر وتبعه في النهر بقيد آخر وهو قوله: ولم يخرج إلينا وفيه كلام يأتي قريبا.
قوله: (فإن كانوا أخذوا) أي قبل إسلامه.
قوله: (أو أودعه معصوما) قيد بالوديعة لان ما كان غصبا في يد مسلم أو ذمي فهو فئ عند الامام، خلافا لهما.
بحر.
قوله: (سوى طفله) كذا نقله في
النهر عن الفتح، مع أنه في الفتح قال بعده: وما أودعه مسلما أو ذميا ليس فيئا، فقد نظر إلى صدر كلامه الموهم ولم ينظر إلى عجزه، وستأتي المسألة في المستأمن متنا حيث قال: وإن أسلم ثمة فجاءنا فظهر عليهم فطفله حر مسلم ووديعته مع معصوم له وغيره فئ، ومن ثم قال الزيلعي هناك: إن حكم المسألتين واحد، وبه ظهر أن تقييد البحر بقوله: ولم يخرج إلينا، غير صحيح.
قوله: (لا ولده الكبير) لانه كافر حربي، ولا تبعية، وكذا زوجته.
بحر.
ومفاده أي المراد بالكبير البالغ، وأن الصغير يتبعه ولو كان يعبر عن نفسه، خلافا لما قيل: إنه لا يتبعه في الاسلام، إلا إذا كان صغيرا لا يعبر عن نفسه كما قدمناه في الجنائز، وسنذكره أيضا في فصل استئمان الكافر فاغتنم ذلك، فإنه أخطأ فيه كثير.
قوله: (وحملها) لانه جزء منها فيرق برقها والمسلم محل للتملك تبعا لغيره، بخلاف المنفصل، لانه حر لانعدام الجزئية عند ذلك.
بحر.
قوله: (وعقاره) وكذا ما فيه من زرع لم يحصد، لانه في يد أهل الدار، إذ هو من جملة دار الحرب فلم يكن في يده إلا حكما.
نهر.
قوله: (وعبده المقاتل) لانه لما تمرد على مولاه خرج من يده وصار تبعا لاهل داره.
بحر.
قوله: (قبل الاسلام أو بعده) لعله لانعقاد سبب الملك فيه للمسلمين، والاسلام لا يمنع الرق السابق عليه ط.(4/322)
قوله: (وقالالآخذه) أي هو لمن أخذه خاصة، وقدمنا قبل هذا الباب عن شرح السير نسبة هذا القول لمحمد.
قوله: (وفي الخمس) أي في وجوب الخمس روايتان عن الامام وكذا عن محمد كما قدمناه.
قوله: (استأجره لخدمة سفره الخ) هذه من مسائل الفصل الآتي، ووجهها غير ظاهر، فإن أجير الغازي للخدمة لا سهم له لاخذه على خروجه مالا، إلا إذا قاتل وترك العمل كما في شرح السير، وفيه لو دخل دار الحرب فارسا ثم دفع فرسه لرجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه جاز، لانه لو لم يشرط ذلك كان سهم فرسه له، ولو كان ذلك قبل الدخول فسهم الفرس لمن أدخله دار الحرب لان السبب وهو الانفصال فارسا قد انعقد له ويكون لصاحب الفرس عليه أجر مثل أجر فرسه اه.
ملخصا.
فتأمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
مطلب: مخالفة الامير حرام
فصل في كيفية القسمة لما فرغ من بيان الغنيمة شرع في بيان قسمتها، وأفردها بفصل لكثرة شعبها، وهو جعل النصيب الشائع معينا.
نهر.
قال في الملتقى وينبغي للامام أن يعرض الجيش عند دخول دار الحرب، ليعلم الفارس من الراجل.
قال في شرحه: وأن يكتب أسماءهم، وأن يؤمر عليهم من كان بصيرا بأمور الحرب وتدبيرها ولو من الموالي وعليهم طاعته لان مخالفة الامير حرام، إلا إذا اتفق الاكثر أنه ضرر فيتبع اه.
قوله: (المعتبر في الاستحقاق) أي استحقاق الغانمين لاربعة أخماس الغنيمة، لان خمسها يخرجه الامام لله تعالى كما سيجئ قال تعالى: * (فإن لله خمسه وللرسول) * (سورة الانفال: الآية 14) در.
منتقى.
قوله: (وقت المجاوزة) برفع وقت على أنه خبر المبتدأ.
قوله: (أي الانفصال من دارنا) أي مجاوزة الدرب، وهو الحد الفاصل بين دار الاسلام ودار الحرب.
نهر.
قوله: (فلو دخل دار الحرب فارسا) هو من معه فرس، ولو في سفينة كما في الشرنبلالية عن الاختيار وغيره لانه تأهب للقتال على الفرس، والمتأهب للشئ كالمباشر له.
قوله: (فنفق) كفرح ونصر: نفد وفنى.
قاموس ط.
وشمل ما لو قتل فرسه وأخذ منه القيمة كما في البحر، ومثله ما لو أخذه العدو كما في شرح السير واحترز به عمالو باعه قبل القتال فإنه يستحق سهم راجل كما يأتي.
قوله: (استحق سهمين) سهلنفسه وسهم لفرسه، وهذا عنده، وعندهما ثلاثة أسهم له سهم ولفرسه سهمان، لانه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك على ما رواه البخاري وغيره، وحمله أبو حنيفة على التنفيل توفيقا بين الروايات.
ملتقى وشرحه.
وإذا كان حديث في البخاري وحديث آخر في غيره رجاله رجال الصحيح، أو رجال روى عنهم البخاري، كان الحديثان متساويين، والقول بأن الاول أصح تحكم لا نقول له، مع أن الجمع وإن كان أحدهما أقوى أولى من إبطال الآخر، وتمامه في الفتح.
قوله: (ولا يسهم لغير فرس واحد) وعند أبي يوسف: يسهم لفرسين، وما روى فيه يحمل(4/323)
على التنفيل أيضا.
در.
منتقى.
بقوله: (صالح للقتال) اعترض بأن هذا يغني عن قوله: صحيح كبير وفيه أنه لا يلزم من كونه صحيحا كبيرا صلاحيته للقتال، لجواز كونه حرونا أو لا يجري فلا
يصلح للكر والفر.
أفاده ط.
لكن مراد المعترض أن كلام المتن يغني عما زاده الشارح، فالاولى الجواب بأنه زاد ذلك تفسيرا لقول المتن صالح للقتال نعم كان الاولى تأخيره عنه كما فعله في الشرنبلالية، فافهم.
تنبيه: يشترط في الفرس أن لا يكون مشتركا، فلا سهم لفرس مشترك للقتال عليه، إلا إذا استأجر أحد الشريكين حصة الآخر قبل الدخول.
در منتقى.
واستفيد منه أنه لا يشترط أن يكون الفرس ملكه، فيشمل المستأجر والمستعار، وكذا المغصوب، كما يأتي.
قوله: (لا لو مهرا فكبر) أي بأن طال المكث في دار الحرب، حتى بلغ المهر وصار صالحا للركوب فقاتل عليه لا يستحق سهم الفرسان.
بحر.
قوله: (وكأن الفرق الخ) هو لصاحب البحر، ولا يظهر إذا كان المرض بينا.
أفاده ط.
قلت: وقد ذكر الفرق الامام السرخسي، وهو أن المريض كان صالحا للقتال عليه إلا أنه تعذر لعارض على شرف الزوال، فإذا زال صار كأن لم يكن، بحذف المهر فإنه ما كان صالحا، وإنما صار صالحا في دار الحرب، ويوضحه أن الصغيرة لا نفقة لها على زوجها، لانها لا تصلح لخدمة الزوج، بخلاف المريضة لانها كانت صالحة، ولكن تعذر ذلك لعارض اه.
ملخصا.
قوله: (قبل دخوله) أي في الحد الفاصل بين دارنا ودار الحرب.
قوله: (ثم أخذه) أي في المسائل المذكورة: أي أخذه قبل القتال فله سهمان استحسانا، لانه التزم مؤنة الفرس من حين خروجه من أهله وقاتل عليه، فلا يحرم سهمه بعارض غصب ونحوه فيما بين ذلك، أما لو قاتل عليه الغاصب حتى غنموا وخرجوا فله سهم الفارس، إذ لا فرق بين الفرس المغصوب والمملوك، ولصاحب الفرس سهم راجل إلا إذا أصابوا غنائم بعد أخذه فرسه فله منها سهم فارس، وللغاصب سهم راجل كما لو كان الغصب بعد دخول دار الحرب.
وتمامه في شرح السير.
قوله: (فله سهمان) وكذا لو جاوزه: أي جاوز الدرب مستأجرا أو مستعيرا وحضر به: أي حضر به الوقعة، وكذا الغاصب، لكن يستحقه من وجه محظور فيتصدق به.
جوهرة.
وفي المنح: لو رجع الواهب فالموهوب له فارس فيما أصابه قبل الرجوع، وراجل فيما أصابه بعده، والراجع راجل مطلقا اه.
در منتقى: أي لانه جاوز الدرب راجلا باختياره كالمؤجر والمعير بخلاف المغصوب منه.
قوله: (لا لو باعه) أي باختياره، فلو مكرها فله
سهم فارس، كما في البحر وكالبيع ما لو رهنه أو آجره أو وهبه.
بحر.
قوله: (ولو بعد تمام القتال) تبع في هذا المصنف حيث قال: وفي فتح القدير: لو باعه بعد الفراغ من القتال لا يسقط عند البعض.
قال المصنف: يعني صاحب الهداية: الاصح أنه يسقط لانه ظهر أن قصده التجارة وهو غلط في النقل، عن الفتح، وهذه عبارة الفتح: ولو باعه بعد الفراغ من القتال لم يسقط سهم الفارس(4/324)
بالاتفاق، وكذا إذا باعه حال القتال لا يسقط عند البعض.
قال المصنف: الاصح أنه يسقط لانه ظهر أن قصده التجارة اه.
ومثله في التبيين والجوهرة، وعبارة القهستاني موافقة له فلا معنى للاستدراك اه ح ملخصا.
قلت: والظاهر أنه سقط من نسخة المصنف مابين لفظتي القتال فحصل الاختلال، فاستدراج الشارح عليه في محله، نعم كان الاولى له مراجعة عبارة الفتح، فافهم.
قوله: (ولتحفظ هذه القيود) أي المذكورة في قوله: ولا يسهم لغير فرس واحد صحيح كبير صالح للقتال كما هو صريح عبارته في شرحه على الملتقى، وأصل ذلك للمصنف فإنه بعد أن قيد المتن قوله: صالح للقتال قال: إن صاحب الكنز وغيره من أصحاب المتون أخل بما ذكرنا من القيد، وإن العجب من أصحاب المتون فإنهم يتركون في متونهم قيودا لا بد منها، وهي موضوعة لنقل المذهب، فيظن من يقف على مسائله الاطلاق، فيجري الحكم على إطلاقه، وهو مقيد فيرتكب الخطأ في كثير من الاحكام في الافتاء والقضاء اه.
فافهم.
قوله: (وذمي) ولو أسلم أو بلغ المراهق قبل القسمة والخروج إلى دار الاسلام يسهم له كما في شرح السير، والظاهر أن العبد إذا أعتق كذلك.
قوله: (ورضخ لهم) أي يعطون قليلا من كثير، فإن الرضيخة هي الاعطاء كذلك، والكثير السهم فالرضخ لا يبلغ السهم.
فتح.
قوله: (عندنا) وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد أنه من أربعة الاخماس.
فتح.
قوله: (إذا باشروا القتال) شمل المرأة فإنها يرضخ لها إذا قاتلت أيضا، وأطلاق مباشرة القتال في العبد، فشمل ما إذا قاتل بإذن سيده أو بدونه كما في الفتح، وبه صرح في شرح السير الكبير، وقال: القياس أنه إذا قاتل بلا إذن المولى لا يرضخ له كمستأمن قاتل بلا إذن الامام، والاستحسان أنه يرضخ، لانه
غير محجور عما يتمحض منفعة، وهو نظير القياس والاستحسان في العبد المحجور إذا آجر نفسه وسلم من العمل اه.
ملخصا.
وبه ظهر أن قوله في الولوالجية: إن العبد إذا كان مع مولاه يقاتل بإذنه يرضخ له غير قيد خلافا لما فهمه في البحر، ولم أر من نبه عليه فتنبه، وظهر به أيضا أن قوله في اليعقوبية: ينبغي أن يسهم للعبد المأذون بحث مخالف للمنقول.
تنبيه: اقتصر المصنف على المذكورين، لان الاجير لا يسهم له ولا يرضخ لعدم اجتماع الاجر والنصيب من الغنيمة، إلا إذا قاتل فإنه يسهم له.
بحر: أي بخلاف المذكورين فإنهم إذا قاتلوا يرضخ ولا يسهم لهم.
قوله: (أو تداوي الجرحى) هذا داخل فيما قبله، مع أنه يوهم التخصيص بهذا النوع، فالاولى أن يقول بدله: أو تطبخ أو تخبز للغزاة كما في شرح السير، ومثل ذلك السقي ومناولة السهام كما في الفتح.
والحاصل: أن المراد حصول منفعة منها للغزاة احترازا عما إذا خرجت لخدمة زوجها مثلا: قوله: (عند الحاجة) أما بدونها فلا، لانه لا يؤمن غدره.
مطلب في الاستعانة بمشرك قوله: (وقد استعان عليه الصلاة والسلام الخ) ذكر في الفتح أن في سنده ضعفا، وأن جماعة(4/325)
قالوا: لا يجوز لحديث مسلم أنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى بدر فلحقه رجل مشرك فقال: ارجع فلن أستعين بمشرك الحديث.
وروى رجلان ثم قال: وقال الشافعي رده عليه الصلاة والسلام المشرك والمشركين كان في غزوة بدر، ثم إنه عليه الصلاة والسلام استعان في غزوة خيبر بيهود من بني قينقاع، وفي غزوة حنين بصفوان بن أمية، وهو مشرك، فالرد إن كان لاجل أنه كان مخيرا بين الاستعانة وعدمها فلا مخالفة بين الحديثين، وإن كان لاجل أنه مشرك فقد نسخه ما بعد.
قوله: (فيزاد على السهم) أي إذا كان في دلالته منفعة عظيمة للمسلمين فيرضخ له على قدر ما يرى الامام ولو أكثر من سهام الفرسان.
شرح السير.
قوله: (لانه كالاجرة) أشار إلى الفرق بين ما إذا قاتل الذمي حيث لا يبلغ في الرضخ له السهم وما إذا دل حيث تصح الزيادة، وهو أن ما يدفع له في
هذه الحالة ليس رضخا، بل قائم مقام الاجرة، بخلاف ما إذا قاتل فإنه لا يبلغ به السهم لانه عمل عمل الجهاد، ولا يسوى في عمله بين من يؤجر عليه ومن لا يقبل منه.
أفاده في الفتح.
تنبيه: قال في الحواشي اليعقوبية: وجه لتخصيص حكم الدلالة على الطريق بالذمي، لان العبد أيضا إذا دخل يعطى له أجر الدلالة بالغا ما بلغ، إلا أن تمنع إرادة التخصيص، فليتأمل اه.
قوله: (سوا) أي في القسم فلا يفضل أحدها على الآخر.
فتح.
وهو خبر عن قول المصنف: والبراذين والعتاق وعلى حل الشارح خبر لمبتدأ محذوف: أي هذه الاربعة سواء، لانه قدر لكل واحد منها على انفراده خبرا، فلا يصلح أن يكون خبرا عنها جميعا، ولا يخفى أن ما زاده الشارح من الهجين بوزن عجين، والمقرف بوزن محسن يفهم حكمه بالاولى لانه فوق البراذين.
قوله: (لا يسهم للراحلة) هي المركوب من الابل ذكرا كان أو أنثى، والتاء فيها للوحدة أو للنقل من الوصفية إلى الاسمية، والجمل يختص بالذكر ط.
قوله: (لعدم الارهاب) أي تخويف العدو إذ لا تصح للكر والفر.
مطلب في قسمة الخمس قوله: (والخمس الباقي) أي الباقي بعد أربعة أخما س الغانمين.
قوله: (عندنا) وأما عند الشافعي فيقسم أخماسا: سهم لذوي القربى وسهم للنبي (ص) يخلفه فيه الامام ويصرفه إلى مصالح المسلمين، والباقي للثلاثة للآية.
زيلعي.
قوله: (لليتيم) أي بشروط فقره، وفائدة ذكره دفع توهم أن اليتيم لا يستحق من الغنيمة شيئا لان استحقاقها بالجهاد، واليتيم صغير فلا يستحقها، ومثله ما في التأويلات للشيخ أبي منصور لما كان فقراء ذوي القربى يستحقون بالفقر، فلا فائدة في ذكرهم في القرآن.
أجاب بأن أفهام بعض الناس قد تفضي إلى أن الفقير منهم لا يستحق، لانه من قبيل الصدقة، ولا تحل لهم.
بحر.
قوله: (والمسكين) المراد منه ما يشمل الفقير.
قوله: (وجاز صرفه الخ) علله في البدائع بأن ذكر هؤلاء الاصناف لبيان المصارف، لا لايجاب الصرف إلى كل صنف منهم شيئا، بل لتعيين المصرف، حتى لا يجوز الصرف إلى غير هؤلاء اه.
شرنبلالية.
قوله: (وقد حققته في شرح الملتقى) ونصه.
والخمس الباقي من المغنم كالمعدن والركاز يكون مصرفها لليتامى(4/326)
المحتاجين والمساكين وابن السبيل، فتقسم عندنا أثلاثا، هذه الاموال الثلاثة لهؤلاء الاصناف الثلاثة خاصة، غير متجاوز عنهم إلى غيرهم، فتصرف لكلهم أو لبعضهم، فسبب استحقاقهم احتياج بيتم أو مسكنة أو كونه ابن السبيل، فلا يجوز الصرف لغنيهم، ولا لغيرهم كما في الشرنبلالية والقهستاني.
قلت: ونقلت فيما علقته على التنوير عن المنية أنه لو صرف للغانمين لحاجتهم جاز اه.
ولعله باعتبار الحاجة فلا تنافي حينئذ، فتنبه اه.
أقول: لا معنى للترجي بعد تصريح المنية بقوله: لحاجتهم اه ح.
قوله: (من بني هاشم) بيان لذوي القربى، وفيه قصور، لان المراد بهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب، لانه عليه الصلاة والسلام وضع سهم ذوي القربى فيهم، وترك بني نوفل وبني عبد شمس مع أن قرابتهم واحدة، لان عبد مناف الجد الثالث للنبي (ص) له أولاد.
هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس.
بحر.
والمطلب عم الجد الاول وهو عبد المطلب بن هاشم.
قوله: (أي من الاصناف الثلاثة) وكذا الضمير في عليهم راجع إليهم، والضمير الثاني يغني عن الاول، ولكن زاده مع ما فيه من الركاكة ليفيد أن ذوي القربى إذا كانوا من الاصناف الثلاثة يقدمون على من كان منهم ممن ليس من ذوي القربى، فيتيم ذوي القربى مقدم على يتيم غيرهم، وهكذا قال في الدر المنتقى: والاوضح أن يقال: خمس الغنيمة والمعدن للمحتاج وذوو القربى منه أولى.
قوله: (لجواز الخ) علة لقوله: وقدم أي لان غير ذوي القربى يحل له أخذ الصدقة لدفع حاجته بخلافهم فليس في تقديمهم إضرار بغيرهم.
قوله: (ولا حق لاغنيائهم عندنا) وعند الشافعي: يستوي فيه فقيرهم وغنيهم ويقسم بينهم للذكر كالانثيين، لانه لم يفرق في الآية بين الفقير والغني، ولنا أن الخلفاء الراشدين قسموه كما قلناه بمحضر من الصحابة، فكان إجماعا والنبي (ص) كان يعطيهم للنصرة، لا للفقر لقوله (ص): إنهم لم يزالوا معي هكذا في الجاهلية والاسلام، وشبك بين أصابعه حين أعطى بني هاشم والمطلب لانهم قاموا معه حين أرادت قريش قتله عليه الصلاة والسلام، ودخل بنو نوفل وعبد شمس في عهد قريش، ولو كان لاجل القرابة لما خصهم، لان عبد شمس ونوفلا أخوان لهاشم: لابيه وأمه، والمطلب كان أخاه لابيه
فكان أقرب.
والمراد بالنصرة كونهم معه يؤانسونه بالكلام، والمصاحبة لا بالمقاتلة، ولذا كان لنسائهم فيه نصيب، ثم سقط ذلك بموته عليه الصلاة والسلام لعدم تلك العلة، وهي النصرة، فيستحقونه بالفقر.
زيلعي ملخصا.
وحاصله أنه كما سقط سهمه (ص) بموته عندنا سقط سهم ذوي القربى بموته أيضا لفقد علة استحقاقهم، حتى قال الطحاوي: لا يستحق فقيرهم أيضا، لكن الاول وهو قول الكرخي أظهر، وقد حقق في الفتح قسمة الخلفاء الراشدين أثلاثا كما قلنا، لا أخماسا كما قال الشافعي، فراجعه.
تنبيه: في الشرنبلالية عن البدائع تعطى القرابة كفايتهم اه.
وفيها عن الجوهرة أنه يقسم بينهم للذكر كالانثيين.(4/327)
قلت: واعترضه في الدر المنتقى بأنهم ذكروا هذا عن الشافعي لا عندنا.
قلت: على أنه ينافيه ما في البدائع.
قوله: (وما نقل المصنف) حيث قال: وفي الحاوي القدسي، وعن أبي يوسف: الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه.
وهذا يقتضي كما نبه عليه شيخنا: يعني صاحب البحر أن الفتوى على الصرف إلى الاقرباء الاغنياء فليحفظ اه.
قوله: (نظر فيه في النهر) حيث قال: وأقول فيه نظر، بل هو ترجيح لاعطائهم، وغاية الامر أنه سكت عن اشتراط الفقر فيهم للعلم به اه.
وأنت إذا تأملت كلام الحاوي رأيته شاهدا لما في البحر، وهذه عبارته: وأما الخمس فيقسم ثلاثة أسهم: سهم اليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل يدخل فقراء ذوي القربى فيهم، ويقدمون، ولا يدفع لاغنيائهم شئ، وعن أبي يوسف أن الخمس يصرف إلى ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وبه نأخذ اه.
إذ لو كان كما قاله في النهر لكانت رواية أبي يوسف عين ما قبلها، فتدبر اه ح.
قلت: لكن أنت خبير بأن هذه الرواية عن أبي يوسف: وهي خلاف المشهور عنه، والمتون والشروح أيضا على خلافها، فالواجب اتباع المذهب في هذه المسألة الذي اعتنى الشراح وغيرهم بتأييد أدلته والجواب عما ينافيه، فهذا أقوى ترجيح ولا يعارضه ترجيح الحاوي، ثم رأيت العلامة
الشيخ إسماعيل النابلسي نبه على نحو ما قلته في شرحه على الدرر والغرر.
قوله: (وذكره تعالى) أي قوله تعالى: * (فإن الله خمسه) * (سورة الانفال: الآية 14).
قوله: (لانه حكم علق بمشتق وهو الرسالة) عبارة النهر: وهو الرسول، فيكون مبدأ الاشتقاق علة وهو الرسالة رسول بعده اه: أي كما لو قيل: إذا لقيت عالما فأكرمه، وإذا لقيت فاسقا فأهنه، فإنه علق فيه الامر بالاكرام والاهانة على مشتق، وهو عالم وفاسق، فيدل على أن ما اشتق منه ذلك الوصف: أعني العلم والفسق: علة الحكم: أي أكرمه لعلمه وأهنه لفسقه، وبه يظهر ما في عبارة الشرح، ثم إن هذا أغلبي لما علمت من أن قوله تعالى: * (ولذي القربى) * (سورة الانفال: الآية 14) ليس علته القرابة عندنا بل النصرة، إلا أن يقال: مرادهم نفي كون العلة مجرد القرابة، بل العلة قرابة خاصة مقيدة بالنصرة على الوجه المار، فتدبر.
مطلب في أن رسالته (ص) باقية بعد موته تنبيه: قدمنا عن الشافعي رحمه الله تعالى أن سهمه (ص) يخلفه فيه الامام بعده: أي بناء على أنه (ص) كان يستحقه لامامته، وعندنا لرسالته، ولا رسول بعده: أي لا يوصف بعده أحد بهذا الوصف فلذا سقط بموته، بخلاف الامامة والقيام بأمور الامة، وبهذا التقرير اندفع ما أورده المقدسي على قولهم: ولا رسول بعده من أنهم إن أرادوا أن رسالته مقصورة على حياته فممنوع، إذ قد صرح في منية المفتي بأن رسالة الرسول لا تبطل بموته، ثم قال: ويمكن أن يقال: إنها باقية حكما بعد موته، وكان استحقاقه بحقيقة الرسالة لا بالقيام بأمور الامة اه.
ولا يخفى ما في كلامه من إيهام انقطاع حقيقتها بعده (ص)، فقد أفاد في الدر المنتقى أنه خلاف الاجماع.
قلت: وأما ما نسب إلى الامام الاشعري إمام أهل السنة والجماعة من إنكار ثبوتها بعد الموت، فهو افتراء وبهتان، والمصرح به في كتبه وكتب أصحابه خلاف ما نسب إليه بعض أعدائه، لان الانبياء(4/328)
عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم، وقد أقام النكير على افتراء ذلك الامام العارف أبو القاسيم القشيري في كتابه شكاية السنة وكذا غيره، كما بسط ذلك الامام ابن السبكي في طبقاته الكبرى في ترجمة الامام الاشعري.
قوله: (كالصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء والياء المشددة.
نهر: أي كما سقط
الصفي بموته (ص).
قوله: (يصطفيه لنفسه) أي قبل قسمة الغنيمة، وإخراج الخمس.
نهر.
كما اصطفى ذا الفقار وهو سيف منبه بن الحجاج حين قتله علي رضي الله تعالى عنه، وكما اصطفى صفية بنت حيي بن اخطب من غنيمة خيبر.
رواه أبو داود في سننه والحاكم.
فتح.
وفي الشرنبلالية قال في طلبة الطلبة: وكان النبي (ص) لا يستأثر بالصفي زيادة على سهمه.
قوله: (ومن دخل دارهم بإذن الامام) ولو واحدا من أهل الذمة.
ط عن الشلبي.
قوله: (أو منعة) في المصباح: هو في منعة بفتح النون: أي في عز قومه، فلا يقدر عليه من يريده.
قال الزمخشري: وهي مصدر مثل الانفة والعظمة، أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة وقد تسكن في الشعر لا غير خلافا لمن أجازه مطلقا.
قوله: (خمس) أي يأخذ الامام خمسه والباقي لهم.
قال في الفتح: لان على الامام أن ينصرهم حيث أذن لهم، كما أن عليه أن ينصر الجماعة الذين لهم متعة إذا دخلوا بغير إذنه تحاميا عن توهين المسلمين والدين فلم يكونوا مع نصرة الامام متلصصين، فكان المأخوذ قهرا غنيمة.
قوله: (ما أخذوا) بضمير الجمع.
مر.
إعادة لمعنى من كما روعي لفظها في قوله: فأغار.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يدخلوا بإذن الامام ولم يكونوا ذوي منعة بأن دخلوا بلا إذنه وهم ثلاثة فأقل، كما أفاده في الفتح.
قال: وعن أبي يوسف أنه قدر الجماعة التي لا منعة لها بسبعة، والتي لها منعة بعشرة.
قوله: (لانه اختلاس) من خلست الشئ خلسا من باب ضرب: اختطفته بسرعة على غفلة.
مصباح.
قوله: (وفي المنية الخ) أفاد به تقدير المنعة.
قوله: (وإلا جاز) لان الخمس في الثاني واجب بقول الامام، فله أن يبطله بقوله بخلافه في الاول، ولذا لو دخلو بغير إذنه خمس ما أخذوه.
بحر عن المحيط.
وحاصله: أنهم إذا لم يكن لهم منعة لا يجب الخمس، إلا إذا أذن فيكون قد وجب بسبب قوله: فله أن يبطله، بخلاف ما إذا كانت لهم منعة فإنه يجب، وإن لم يأذن لهم فلم يجب بقوله: فليس له إبطاله.
وفي النهر عن التتارخانية: لو كان بعضهم بإذنه وبعضهم بلا إذنه ولا منعة لهم فالحكم في كل واحد منهم حالة الاجتماع كما في حالة الانفراد، وإن كان لهم منعة يجب الخمس اه.
قوله: (وندب للامام) وكذا لامير السرية، إلا إذا نهاه الامام، فليس له ذلك إلا برضا العسكر، فيجوز من الاربعة الاخماس.
بحر.
مطلب في التنفيل قوله: (أن بنفل) التنفيل: إعطاء الامام الفارس فوق سهمه وهو من النفل، ومنه النافلة للزائد على الفرض، ويقال لولد الولد كذلك، ويقال نفله تنفيلا ونفله بالتخفيف نفلا لغتان فصيحتان.
فتح.
قوله: (وقت القتال) قيد به القدوري، ولا بد منه لانه بعده لا يملكه الامام، وقيل: ما داموا(4/329)
في دار الحرب بملكه، كذا في السراج، وقد يؤيد هذا القيل أن قوله (ص): من قتل قتيلا فله سلبه إنما كان بعد الفراغ من حنين، ولم أر جوازه قبل المقاتلة.
نهر.
قلت: وفيه نظر، لان المنقول أن ذلك كان عند الهزيمة تحريضا للمسلمين، على الرجوع إلى القتال.
وفي القهستاني: إن في قوله: وقت القتال، إشارة إلى أنه يجوز التنفيل قبله بالاولى، وإلى أنه لا يجوز بعده، لكن بعد القسمة لانه استقر فيه حق الغانمين اه.
ففيه التصريح بجوازه قبله، وعزاه ح إلى المحيط وقوله: لكن بعد القسمة، الظاهر أنه مبني على القيل المار عن السراج، ويؤيده قول المتون: وينفل بعد الاحراز من الخمس فقط، فإن مفهومه أنه قبل الاحراز بدارنا يجوز من الكل، لكن الظاهر أن هذا المفهوم غير معتبر، لانه وقع التصريح بخلافه، ففي المنبع عن الذخيرة: لا خلاف أن التنفيل قبل الاصابة، وإحراز الغنيمة قبل أن تضع الحرب أوزارها جائز، ويوم الهزيمة، ويوم الفتح لا يجوز، لان القصد به التحريض على القتال، ولا حاجة إليه إذا انهزم العدو، وأما بعد الاحراز فلا يجوز إلا من الخمس إذا كان محتاجا اه.
ملخصا.
وفي متن الملتقى، ومتن المختار: وللامام أن ينفل قبل إحراز الغنيمة وقبل أن تضع الحرب أوزارها فقولهم: وقيل أن تضع الحرب أوزارها فائدته دفع توهم الجواز بعد انتهاء الحرب، لان قولهم قبل إحراز الغنيمة يشمل ما بعد الاصابة: أي إصابة العسكر الغنيمة بالهزيمة وانتهاء الحرب مع أنه غير مراد كما بينه عطف هذه الجملة.
وفي الفتح التنفيل إنما يجوز عندنا قبل الاصابة، فقد ظهر ضعف ما في السراج، مع أن صاحب السراج لم يعول عليه في مختصره الجوهرة حيث قال عن الخجندي: التنفيل: إما أن يكون قبل الفراغ من القتال أو بعده، فإن كان بعده لا يملكه الامام، لانه إنما جاز لاجل التحريض
على القتال، وبعد الفراغ منه لا تحريض اه..قلت: وكل ما ورد من التنفيل بعد القتال فهو محمول عندها على أنه من الخمس كما بسطه السرخسي.
مطلب: الاقتبا س من القرآن جائز عندنا تنبيه: قولهم أن تضع الحرب أوزارها اقتباس من القرآن، وبه يستدل على جوازه عندنا كما بسطه الشارح في الدر المنتقى، فراجعه.
قوله: (وتحريضا) أي ترغيبا في القتال.
مطلب في قولهم اسم الفاعل حقيقة في الحال قوله: (سماه قتيلا لقربه منه) أي من القتل، ففيه مجاز الاول مثل أعصر خمرا، لكن قال الزركشي: قولهم: اسم الفاعل حقيقة في الحال: أي حال التلبس بالفعل لا حال النطق، فإن حقيقة الضارب والمضروب لا تتقدم على الضرب ولا تتأخر عنه، فهما معه في زمن واحد ومن هذا ظهر أن قوله عليه الصلاة والسلام: من قتل قتيلا فله سلبه أن قتيلا حقيقة، وأن ما ذكروه من أنه سمى قتيلا باعتبار مشارفته للقتل لا تحقيق فيه اه.
وصرح القرافي في شرح التنقيح، بأن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به، أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة مطلقا: يعني سواء كان بمعنى الحال أو الاستقبال أو الماضي إجماعا، وحينئذ فلا مجاز.
أبو السعود عن الحموي.
وقوله: إذا كان محكوما به كقولك زقد قائم فإنه حكم به على زيد، بخلاف جاء القائم فإنه جعل متعلق الحكم بالمجئ، ففي الاول لا بد من أن(4/330)
يكون متصفا بالقيام حال النطق، حتى يصح الحكم عليه بالصفة، وإلا كان مجازا، بخلاف الثاني فإن قولك: جاء القائم غدا، حكم بالمجئ على ذات القائم غدا أي على من يسمى قائما غدا: أي حال التلبس بالصفة، ومنه من قتل قتيلا أي شخصا يسمى قتيلا عند تحقق القتل فيه، فافهم.
قوله: (أو يقول من أخذ شيئا فهو له) هذا الفرع منقول في حواشي الهداية، وللكمال فيه كلام سنذكره مع جوابه عند قول الشارح: وجاز التنفيل بالكل.
قوله: (وقد يكون بدفع مال) كأن يقول له: خذ هذه
المائة واقتل هذا الكافر.
تأمل.
ولم أره.
قوله: (وترغيب مآل) الظاهر أنه بهمزة ممدودة والاضافة على معنى في: أي ترغيب في المآل مثل: إن قتلت قتيلا فلك ألف درهم، لكن يشترط أن لا يصرح بالاجر، كما سنذكره قريبا.
قوله: (فالتحريض الخ) جواب عما يورد على قوله: وندب للامام الخ.
وحاصله: أن التحريض الواجب قد يكون بالترغيب في ثواب الآخرة أو في التنفيل، فهو واجب مخير، وإذا كان التنفيل أدعى الخصال إلى المقصود يكون هو الاولى، فصار المندوب اختيار إسقاط الواجب به لا هو في نفسه بل هو واجب مخير.
فتح ملخصا.
وفيه رد لقول العناية: إن الامر في الآية مصروف لمن الوجوب لقرينة.
قوله: (ولا يخالفه) أي لا يخالف قول المصنف: وندب.
مطلب: كلمة لا بأس قد تستعمل في المندوب قوله: (بل يستعمل في المندوب) يظهر لي أن محله في موضع يتوهم فيه البأس: أي الشدة كما هنا، فإن فيه تخصيص الفارس بزيادة مع قطع الخمس، بل استعمل نظيره في القرآن في الواجب كما في قوله تعالى: * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * (سورة البقرة: الآية 851) فنفى الجناح لما كانوا يعتقدونه من حرمة السعي بين الصفا والمروة.
قوله: (قاله المصنف) أي تبعا للفتح وغيره.
قوله: (ولذا) أي لكونه مندوبا لا خلاف الاولى.
قوله: (استحسانا) والقياس عدمه، لان غيره يستحق بإيجابه وهو لا يملك الايجاب لنفسه، كالقاضي لا يملك القضاء لنفسه وجه الاستحسان أنه أوجب النفل للجيش وهو واحد منهم.
قوله: (فلا يستحقه) لانه في الاول خصهم بقوله: منكم فلا يتناوله الكلام، وفي الثاني: هو متهم بتخصيصه نفسه.
قوله: (إلا إذا عمم بعده) أي إذا قال: إن قتلت قتيلا فلي سلبه، ولم يقتل أحدا حتى قال: ومن قتل منكم قتيلا فله سلبه، فقتل الامير قتيلا استحقه، لان التنفيل صار عاما باعتبار كلاميه، ولا فرق بين كونه بكلامين أو بكلام واحد، لان الاول لم يصح للتهمة بالتخصيص وقد زالت بالثاني.
أفاده السرخسي.
وحاصله: أن التعميم حصل بمجموع الكلامين لا بالثاني فقط، فافهم.
قوله: (ويستحقه) أي السلب.
قوله: (وغيره) كالتاجر والمرأة والعبد.
بحر.
قوله: (أي التنفيل) أي تنفيل الامام بقوله:
من قتل قتيلا إنما يكون في مباح القتل: أي وإن كان لفظ قتيلا نكرة لكنه مقيد بمن يباح قتله،(4/331)
فيدخل فيه أجير لهم وتاجر منهم وعبد يخدم مولاه ومرتد أو ذمي لحق بهم ومريض أو مجروح وإن لم يستطع القتال، وشيخ فإن له رأي أو يرجى نسله لان قتله مباح، نعم لو قتل مسلما كان يقاتل في صفهم لم يكن له سلبه، لانه وإن كان مبا الدم لكن سلبه ليس بغنيمة كأهل البغي، إلا إذا كان سلبه للمشركين أعاروه إياه.
سرخسي.
وما ذكره في الدر المنتقى عن البرجندي عن الظهيرية من أنه يستحق السلب بقتل من لم يقاتل استحسانا لم أره في الظهيرية، بل الذي فيها عدم الاستحقاق كما عزاه إليها القهستاني، فافهم.
قوله: (ممن لم يقاتل) حتى لو قاتل الصبي فله سلبه، لانه مباح الدم، وكذا المرأة كما في شرح السير.
قوله: (ويعم كل قتلا في تلك السنة) الاولى السفرة كما عبر في البحر والنهر، وفي شرح السير: لو نفل فدار الحرب قبل القتال يبقى حكمه إلى أن يخرجوا من دار الحرب، حتى لو رأى مسلم مشركا نائما فقتله فله سلبه، كما لو قتله في الصف أو بعد الهزيمة، أما لو نفل بعد ما اصطفوا للقتال فهو على ذلك القتال حتى ينقضي ولو بقي أياما.
قوله: (وإن مات الوالي أو عزل) في شرح السير: لو جاء مع المدد أمير وعزل الامير الاول بطل تنفيله، فيما يستقبل لزوال ولايته بالعزل، أما لو لم يقدم أمير بل مات أميرهم فأمر عليهم غيره لم يبطل حكم تنفيل الاول لان الثاني قام مقامه، إلا إذا أبطله الثاني، أو كان الخليفة قال لهم: إن مات أميركم فأميركم فلان فيبطل تنفيل الاول، لان الثاني نائب الخليفة بتقليده من جهته، فكأنه قلده ابتداء، فينقطع حكم رأي الاول برأي فوقه اه.
ملخصا.
وحاصله: بطلانه بالعزل، وكذا بالموت إذا نصب غيره بعده من جهة الخليفة لا من جهتهم، وهو خلاف ما في الشرح تبعا للبحر والنهر.
قوله: (لانه نكرة في سياق الشرط) فيه أن النكرة في سياق الشرط إنما تعم في اليمين المثبت، لان الحلف على نفيه دون المنفى ك إن لم أكلم رجلا لانه على الاثبات كأنه قال لاكلمن رجلا، كما في التحرير ح.
قلت: ذكر في التحرير أيضا: أنه قد يظهر عموم النكرة من المقام وغيره علمت نفس وتمرة
خيرمن جرادة، وأكرم كل رجل اه.
وهنا كذلك كما يأتي تلوه، فافهم.
قوله: (بخلاف إن قتلت قتيلا) أي فقتل المخاطب قتيلين مثلا لا يعم الكل، بل له سلب الاول فقط استحسانا، والقياس أنه كالاول لانه علق استحقاقه بشرط يتكرر، فلا ينتهي بقتل الاول.
وجه الاستحسان أنه في الاول لما لم يعين إنسانا بعينه فقد خرج الكلام عنه عاما، ألا ترى أنه يتناول جميع المخاطبين، فكما يعم جماعتهم يعم جماعة المقتولين، وحقيقة معنى الفرق أن مقصود الامام من تحريشهم المبالغة في النكاية في المشركين، ولا فرق في ذلك بين أن يكون القاتل للعشرة مثلا عشرة من المسلمين أو واحدا منهم.
وأما الثاني فالمقصود فيه معرفة جلادة ذلك الرجل، وذلك يتم بدون إثبات العموم في المقتولين اه.
ملخصا من شرح السير الكبير.
وقد خطر لي هذا الفرق قبل رؤيته، ولله تعالى الحمد.
وحاصله: يرجع إلى أن العموم في أحدهما استفيد من قرينة المقام كما نبهنا عليه آنفا، فافهم.(4/332)
قوله: (ولو قال إن قتلت ذلك الفارس الخ) أقول: هذا إذا صرح بكونه أجرا، وإلا فهو تنفيل لما في السير الكبير للسرخسي، ولو قال الامير لمسلم حر أو عبد: إن قتلت ذلك الفارس من المشركين، فلك علي أجر مائة دينار، فقتله لم يكن له أجر، لانه لما صرح بالاجر لا يمكن حمل كلامه على التنفيل، والاستئجار على الجهاد لا يجوز وإن قال ذلك لذمي، فكذلك عندهما، وعند محمد: جاز، وأصل جواز الاستئجار على القتل عنده لا عندهما، لانه إزهاق الروح، وليس من عمله، ولو كان الاسرى قتلى فقال من قطع رؤوسهم فله أجر عشرة دراهم، ففعل ذلك مسلم أو ذمي استحقه، لان ذلك ليس من عمل الجهاد، ولو أراد قتل الاسرى فاستأجر عليه مسلما أو ذميا فهو على الخلاف اه.
ملخصا.
وهذا صريح بأنه لو لم يصرح بالاستئجار يكون تنفيلا، ويشهد له فروع كثيرة في السير الكبير أيضا منها: من جاء بألف درهم فله ألفان، فجاء رجل بألف لم يكن له غيرها، بخلاف من جاء بأسير فهو له وخمسمائة درهم فإنه يعطى ذلك، لان المقصود هنا نكاية العدو، وفيما قبله لا مقصود إلا المال، ولو قال: من قتل الملك فله عشرة آلاف دينار صح، وإن لم يحصل بقتله
مال.
قال حين اصطفوا للقتال: من جاء برأس فله مائة دينار فهو على رأس الرجال دون السبي، لان المقصود في هذه الحالة التحريض على القتال اه.
ففي هذه الفروع ذكر مال معلوم، وقد جعل تنفيلا لا إجارة لعدم التصريح بها، فقد ظهر أن ما ذكره الشارح تبعا للنهر عن المنية، وكذا ما نقله ح عن قاضيخان، ليس على إطلاقه.
وأما القول بأن الاستئجار على الطاعات جائز عند المتأخرين، ففيه أنهم أجازوه في مسائل خاصة للضرورة، وليس الجهاد منها، ولا يصح حمل كلامهم على كل عبادة كما نبهنا عليه سابقا، فافهم.
قوله: (ولو نفل السرية الخ) من فروع قوله: وسماع القاتل الخ.
قوله: (هي قطعة من الجيش الخ) قد علمت ما فيه قبل هذا الباب.
قوله: الربع) أي ربع الغنيمة: أي بأن جعل لهم ربعها يأخذونه دون بقية العسكر زيادة على سهامهم.
قوله: (فلهم النفل) أي للسرية، والاولى أن يقول: فلها لئلا يتوهم عود الضمير على العسكر.
قوله: (استحسانا) والقياس أنه لا نفل لهم، لان المقصود التحريض، ولا يحصل إذا لم يسمعه أحد منهم، وتكلم الامير بذلك في عسكر كتكلمه ليلا مع عياله.
وجه الاستحسان أن ما يتكلم به في عسكره يفشو عادة، وأن عادة الملوك التكلم بين خواصهم، وتمامه في شرح السير.
مطلب مهم في التنفيل العام بالكل أو بقدر منه قوله: (وجاز التنفيل بالكل) بأن يقول للسرية: ما أصبتم فهو لكم سوية بينكم.
قوله: (أو بقدر منه) بأن يقول: ما أصبتم فلكم ثلثه سوية بينكم بعد الخمس، أو يقول قبل الخمس: أي لكم ثلثه بعد إخراج الخمس أو قبل إخراجه: أي ثلث الاربعة الاخماس أو ثلث الكل.
قوله: (والفرق في الدرر) أي الفرق بين جواز التنفيل المذكور للسرية، وعدم جوازه للعسكر، لكنه لم يذكر في الدرر في الفرق إلا التنفيل بالكل، لانه يعلم منه الفرق في التنفيل بقدر منه، وعبارة الدرر هكذا في النهاية عن السير الكبير: أن الامام إذا قال لاهل العسكر جميعا ما أصبتم فلكم نفلا بالسوية بعد الخمس(4/333)
فهذا لا يجوز، وكذا إذا قال: ما أصبتم فلكم، ولم يقل بعد الخمس، فإن فعله مع السرية جاز، وذلك أن المقصود من التنفيل التحريض على القتال، وإنما يحصل ذلك بتخصيص البعض بشئ،
وفي التعميم إبطال تفضيل الفارس على الراجل وإبطال الخمس أيضا إذا لم يستثن اه.
قلت: وما ذكره من صحته للسرية صرح به في الهداية والاختيار والزيلعي.
لكن نقل في البحر عن الكمال التسوية بين العسكر والسرية في عدم الصحة حيث قال: لو قال للعسكر كل ما أخذتم فهو لكم بالسوية بعد الخمس أو للسرية: لم يجز، لان فيه إبطال السهمين اللذين أوجبهما الشرع، إذ فيه تسوية الفارس بالراجل، وكذا لو قال: ما أصبتم فهو لكم ولم يقل بعد الخمس، لان فيه إبطال الخمس الثابت بالنص.
ذكره في السير الكبير.
قال الكمال: وهذا بعينه يبطل ما ذكرناه من قوله: من أصاب شيئا فهو له، لاتحاد اللازم فيهما، وهو بطلان السهمين المنصوصين بالتسوية، بل وزيادة حرمان من لم يصب شيئا أصلا بانتهائه، فهو أولى بالبطلان، والفرع المذكور من الحواشي وبه أيضا ينتفي ما ذكر: أي صاحب الهداية من قوله: إنه لو نفل بجميع المأخوذ جاز إذا رأى المصلحة.
وفيه زيادة إيحاش الباقين وزيادة الفتنة اه.
وتبعه في النهر.
أقول وبالله سبحانه وتعالى التوفيق: لا تنافي بين ما نقله الجماعة وما نقله الكمال بحمل الاول على السرية المبعوثة من دار الحرب، والثاني على المبعوثة من دار الاسلام، وبه يندفع ما أورده الكمال على الفرع المنقول عن الحواشي وغيره، كما يعلم مما ذكره الامام السرخسي في السير الكبير في مواضع متفرقة منه.
وحاصله: أن السرية إن كانت مبعوثة من دار الحرب بأن دخل الامام مع الجيش ثم بعث سرية ونفل لهم ما أصابوا جاز، لانهم قبل التنفيل لا يختصون بما أصابوا، وهذا التنفيل للتخصيص على وجه التحريض، وإن كانت السرية مبعوثة من دار الاسلام لم يكن له ذلك، وكذا لو نفل لهم الثلث بعد الخمس، أو قبل الخمس كان باطلا، لانه ما خص بعضهم بالتنفيل، وليس مقصوده إلا إبطال الخمس أو إبطال تفصيل الفارس على الراجل، فلا يجوز، كما لو قال: لا خمس عليكم فيما أصبتم، أو الفارس والراجل سواء فيما أصبتم فإنه يكون باطلا، فكذا كل تنفيل لا يفيد إلا ذلك باطل، بخلاف قوله: من قتل قتيلا فله سلبه، ومن أصاب منكم شيئا فهو له دون باقي أصحابه، فإنه يجوز لان فيه معنى التخصيص للتحريض، لان القاتل يختص بالنفل، دون باقي أصحابه، وهذا وإن كان
فيه إبطال الخمس عن الاسلاب، لكن المقصود منه التحريض، وتخصيص القاتلين بإبطال شركة العسكر عن الاسلاب ثم يثبت إبطال الخمس عنها تبعا، وقد يثبت تبعا ما لا يثبت قصدا كالشرب والطريق في البيع والوقف في المنقول يثبت تبعا للعقار، وإن كان لا يثبت قصدا، ويوضحه أن الامام لو ظهر على بلدة له أن يجعلها خراجا، ويبطل منها سهام من أصابها والخمس، ولو أراد قسمتها بين الغانمين ويجعل حصة الخمس خراجا لمقاتلة الاغنياء لم يكن له ذلك لانه إبطال الخمس مقصودا، فلا يجوز، وفي الاول يثبت إبطاله تبعا لابطال حق الغانمين في الغنيمة، فيجوز وإن كان في الموضعين تخلص المنفعة للمقاتلة اه.
ملخصا من مواضعه.
والذي تحرر منه ومما مر: أن تنفيل كل العسكر بكل المأخوذ أو ثلثه مثلا بعد إخراج الخمس أو قبله لا يصح وكذا تنفيل السرية المبعوثة من دارنا لانها بمنزلة العسكر، والتنفيل هو تخصصيص(4/334)
بعض المقاتلين بزيادة للتحريض، وهذا ليس كذلك، لانه جعل كل المأخوذ أو ثلثه بين كل المقاتلين سوية بينهم، فصار المقصود منه إبطال التفاوت بين الفار س والراجل، وإبطال الخمس أيضا إن لم يستثنه بأن لم يقل بعد الخمس وإبطال ذلك مقصودا لا يصح، بخلاف السرية المبعوثة من الجيش في دار الحرب، لان معنى التنفيل موجود فيها لان المراد تمييزها من بين العسكر بجميع المأخوذ أو بثلثه لاجل تحريضها على القتال، وإن لزم منه إبطال التفاوت، والخمس لكونه ضمنا لا قصدا فصار بمنزلة قوله للعسكر: من قتل منكم قتيلا فله سلبه، فإنه تخصيص للبعض منهم، وهو القاتل، بزيادة على الباقي وإن لزم منه ما ذكر، بخلاف قوله لكل العسكر: ما أصبتم فهو لكم، لانه بمنزلة قوله ذلك للسرية المبعوثة من دار الاسلام، لعدم المشارك لها فليس فيه تخصيص بعض دون بعض، فلا يصح كما قررناه، وبهذا التقرير ظهر صحة الفرع المنقول من حواشي الهداية وهو: من أصاب شيئا فهو له، لانه تخصيص للمصيب بما أصابه، فهو بمنزلة قوله من قتل قتيلا فله سلبه، بخلاف قوله ما أصبتم فهو لكم، أو كل ما أخذتم، فهو لكم بالسوية، لانه تشريك محض بجميع المأخوذ بين جميع العسكر أو السرية، لان معناه قسمة جميع ما يأخذه كل واحد بينهم سوية، فصار
المقصود منه إبطال التفاوت، والخمس لا يصح إبطال ذلك قصدا كما علمت، وكذا ظهر صحة قوله لو نفل بجميع المأخوذ جاز أي بأن قال من أصاب شيئا فهو له، بخلاف ما أصبتم فهو لكم، لما علمت من أنه تشريك لا تخصيص، ولا يرد عليه قوله إن فيه إبطال السهمين أي التفاوت بين الفارس والراجل، وكذا إبدال الخمس لما علمت من أن ذلك جائز إذا كان ضمنا لا قصدا، وهنا حيث وجد تخصيص كل آخذ بما أخذه للتحريض، فقد تحقق معنى التنفيل وإن لزم منه حرمان من لم يصب شيئا.
فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنه من فيض المولى عزوجل، قوله: (ولا ينفل بعد الاحراز هنا) وكذا قبل الاحراز بعد الاصابة، كما أوضحناه عند قوله وندب للامام أن ينفل وقت الفتال.
قوله: (لجوازه لصنف واحد) أشار به إلى أنه يشترط أن يكون التنفيل المذكور لاحد الاصناف الثلاثة، فلا يجوز لغني كما صرح به الزيلعي والقهستاني وغيرهما، وما بحثه في البحر رده في النهر وغيره.
قوله: (وسلبه) بفتحتين بمعنى المسلوب والجمع أسلاب.
قوله: (ما معه من مركبه وثيابه) ومن ذهب وفضة في حقيبته أو وسطه، وخاتم وسوار ومنطقة في الصحيح نهر عن الحقائق.
قوله: (لاما على دابة أخرى) ولا ما كان مع غلامه أو في خيمته.
نهر.
قوله: (حكمه قطع حق الباقين) أي باقي الغانمين، وحينئذ فلا خمس فيما أصابه لاحد، ويورث عنه، ولو مات بدار الحرب.
شرنبلالية فليحفظ.
در.
منتقى.
قلت: ومن حكمه قطع التفاوت أيضا فيستوي فيه الفارس والراجل كما قدمنا عن شرح السير.
قوله: (لا الملك قبل الاحراز) هذا عندهما وعند محمد يثبت ووجوب الضمان بالاتلاف.
هداية وغيرها قلت.
والظاهر أن المراد بنفي ثبوت الملك عندهما نفي تمامه، وإلا فكيف يورث مال لم يملكه مورثه، ولم أر من نبه عليه.
در.
منتقى.
قوله: (لم يحل له وطؤها ولا بيعها) أي قبل(4/335)
الاحراز خلافا لمحمد كما مر.
قوله: (لم تحل له إجماعا) أي حتى يخرجها ثم يستبرئها ط عن الشلبي.
قوله: (والسلب للكل) أي لكل الجند إن لم ينفل الامام به للقاتل وخصه الشافعي رحمه الله بالقاتل.
در.
منتقى.
قوله: (لحديث الخ) ذكر في الفتح أن الحديث ضعيف، ولا يضر ضعفه لانا
نستأنس به لاحد محتملي حديث السلب أي قوله عليه الصلاة والسلام: من قتل قتيلا فله سلبه بحمله على التنفيل وليس كل ضعيف باطلا، وقد تضافرت أحاديث ضعيفة تفيد أن حديث السلب ليس نصبا عاما مستمرا، والضعيف إذا تعددت طرقه يرتقي إلى الحسن، فيغلب الظن بأنه تنفيل، وتمام تحقيق المقافيه.
قوله: (حيث وقع الاشتباه في قسمتهم) الاولى في قسمتهن بضمير النسوة لعوده إلى الاماء، إلا أن يقال أنه عائد إلى الغزاة وفيه بعد، ثم الواقع الآن أنه لا تقسم غنيمة أصلا كما ذكره في الجواب.
قوله: (وقع التنفيل الكلي) أي بقول السلطان: كل من أخذ شيئا فهو له، أما لو قال كل ما أصبتم فهو لكم، فإنه لا يصح كما مر، والمراد وقوعه لاي عسكر كان، في أي غزوة كانت، وإلا خالفه ما مرمن أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا، لكن يبقى النظر فيما بعد مو ت السلطان المنفل على هذا الوجه أو بعد عزله وتولية غيره، هل يبقى الاول العام أم لا؟ ويتعين عدمه ما لم ينفل الثاني مثله؟ وهكذا إلى وقتنا هذا، فقد ذكر في الخيرية أن أمر السلطان لا يبقى بعد موته، وما قيل من أن كل سلطان من سلاطين آل عثمان نصرهم الله تعالى، يؤخذ عليه عهد من قبله: لا ينفع كما أوضحت ذلك في كتابي تنبيه الولاة والحكام على شاتم خير الانام.
مطلب في حكم الغنيمة المأخوذة بلا قسمة في زماننا قوله: (فبعد إعطاء الخمس لا تبقى شبهة) قد علم مما قدمناه قريبا عند قوله: وجاز التنفيل بالكل أنه لا يلزم إعطاء الخمس في التنفيل العام المقصود منه التخصيص دون التشريك، كما لا يلزم فيه تفاوت الفارس والراجل لسقوط ذلك ضمنا لا قصدا، على أن الواقع في زماننا عدم القسمة، وعدم إعطاء الخمس فكيف تنتفي الشبهة على فرض لزوم الخمس، بل الشبهة باقية من حيث أنا لا نعلم أن سلطان زماننا هل نفل تنفيلا عاما أم لا، ولا يقال: إن عدم القسمة اليوم دليل على وجود التنفيل، لان جيوش زماننا يأخذون ما تصل إليه أيديهم سلبا ونهبة، حتى من بلاد الاسلام ولو ظهر مالكه المسلم لا يدفعه إليه إلا بثمنه فليس في حالهم ما يقتضي حملهم على الكمال، وكذا حكام هذا الزمان وأمراء الجيوش: لا ينفلون ولا يقسمون، ولا يخمسون، فالظاهر أن ما يؤخذ من الغنائم اليوم حكمه حكم الغلول، وقد ذكر في شرح السير الكبير أن الغال إذا ندم وأتى
بما غله إلى الامام بعد تفرق الجيش، فإن شاء رده عليه وأمره بصرفه إلى مستحقيه، وإن شاء أخذه(4/336)
منه ودفع خمسه لمستحقه ويكون الباقي كاللقطة، فإن لم يقدر على أهله تصدق به أو جعله موقوفا في بيت المال وكتب عليه أمره، وإن لم يأت به الغال إلى الامام إن لم يقدر على رده إلى أهله فالمستحب له أن يتصدق به، وإن قدر فالحكم فيه كاللقطة ودفعه إلى الامام أحب كما في اللقطة، فيعطي الخمس منه لاهله، وذكر أيضا أن بيع الغازي سهمه قبل القسمة باطل كإعتاقه.
مطلب في وطئ السراري في زماننا وفي حاوي الزاهدي: اشترى جارية مأسورة لم يؤد منها الخمس من الامير ينفذ، ويحل وطؤها، وإن اشتراها ممن وقعت في سهمه نفذ في أربعة أخماسها ولا يحل له وطؤها اه: أي إذا قسمت ولم تخمس، وأنما حل في بيع الامير بناء على أن له البيع قبل الاحراز، كما مر، ويكون الخمس حينئذ واجبا في الثمن لا فيها فيحل وطؤها، فإذا لم يوجد تنفيل ولا قسمة ولا شراء من أمير الجيش: لا يحل الوطئ بوجه أصلا، لكن لا نحكم على كل جارية بعينها من الغنيمة بأنها لم يوجد فيها شئ من ذلك، لاحتمال أن من أخذها اشتراها من الامير، فارتفع تيقن الحرمة وبقيت الشبهة القوية، فإن الظاهر محال الجيوش في زماننا عدم الشراء، ولا ترتفع الشبهة بعقده عليها لانها حيث كانت مشتركة بين الغانمين وأصحاب الخمس، لم يصح تزويجها نفسها، فالاحوط ما نقله بعض الشافعية عن بعض أهل الورع: أنه كان إذا أراد التسري بجارية شراها ثانيا من وكيل بيت المال.
قلت: أي لانه إذا حصل اليأس من معرفة مستحقها من الغانمين صارت بمنزلة اللقطة، واللقطة من مصارف بيت المال، لكن إذا كان المشتري فقيرا: له تملكها.
مطلب: فيمن له حق في بيت المال وظفر بشئ من بيت المال ونقل في القنية عن الامام الوبري أن من له حظ في بيت المال ظفر بما له وجلبيت المال فله أن يأخذه ديانة اه.
ونظمه في الوهبانية وفي البزازية قال الاما الحلواني: إذا كان عنده وديعة
فمات المودع بلا وارث: له أن يصرف الوديعة إلى نفسه في زماننا: لانه لو أعطاها لبيت المال لضاعت، لانهم لا يصرفونه مصارفه، فإذا كان من أهله صرفه إلى نفسه، وإلا صرفه إلى المصرف اه.
وقدم الشارح هذا في باب العشر من كتاب الزكاة، وظاهره أن من له حظ في بيت المال بكونه فقيرا أو عالما أو نحو ذلك، ووجد ما مرجعه إلى بيت المال من أي بيت من البيوت الاربعة الآتية في آخر الجزية له أخذه ديانة بطريق الظفر في زمانا، ولا يتقيد أخذه بأن يكون مرجع المأخوذ إلى البيت الذي يستحق منه، وإلا فمصرف تركه بلا وارث ولقطة هو لقيط فقير وفقير لا ولي له.
وقوله: فإذا كان من أهله: أي من أهل بيت المال غير مقيد بكونه من أهل ذلك البيت، كما هو ظاهر كلام الوبري أيضا، لانه لو تقيد بذلك لزم أن لا يأخذ مستحق شيئا، لان بيت المال في زماننا غير منتظم، وليس فيه بيوت مرتبة، ولو رد ما وجده إلى بيت المال لزم ضياعه لعدم صرفه الآن في(4/337)
مصارفه كما حررناه في باب العشر من الزكاة، فعلى هذا إذا اشترى جارية من الغنيمة: فإن كان ممن يستحق من الخمس، جاز له صرفها إلى نفسه بطريق استحقاقه من الخمس، وإن لم يكن مستحقا منه وله استحقاق من غيره كالعالم الغني ينبغي له أن يملكها لفقير مستحق من الخمس، ثم يشتريها منه أو يملكه خمسها فقط، ثم يشتريه منه لانه لو صرفها إلى نفسه يبقى فيها الخمس فلا يحل له وطؤها، لكن قد يقال: إن الغنيمة بعد الاحراز صارت مشتركة بين الغانمين، وأصحاب الخمس، وقد مر أن من مات بعد الاحراز يورث نصيبه، ولكن لما جهلت أصحاب الحقوق وانقطع الرجاء من معرفتهم صار مرجعها إلى بيت المال، وانقطعت الشركة الخاصة، وصار ت من حقوق بيت المال، كسائر أموال بيت المال المستحقة لعامة المسلمين استحقاقا، لا بطريق الملك، لان من مات وله حق في بيت المال لا يورث حقه منه، بخلاف الغنيمة المحرزة قبل جهالة مستحقيها، وتفرقهم فإنها شركة خاصة، وحيث صار مرجعها بيت المال لم يبق فيها حق الخمس أيضا، فلمن يستحق من بيت المال أن يتملكها لنفسه، هذا ما ظهر لي.
وقد رأيت رسالة لمحقق الشافعية السيد السمهودي قال فيها: وقد كان شيخنا الوالد قد شرى لي للتسري، فذاكر شيخنا العلامة محقق العصر الجلال المحلي في أمر الغنائم والشراء من وكيل بيت المال فقال له شيخنا الوالد: نحن نتملكها بطريق الظفر لما لنا من الحق الذي لا نصل إليه في بيت المال، لان تلك الجارية على تقدير كونها من غنيمة لم تقسم قسمة شرعية قد آل الامر فيها إلى بيت المال، لتعذر العلم بمستحقيها، فقال شيخنا المحلي: نعم لكم فيه حقوق من وجوه اه.
وهذا موافق لما نقلناه عن القنية وعن البزازية، والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب استيلاء الكفار لما فرغ من بيان حكم استيلائنا عليهم شرع في بيان حكم استيلاء بعضهم على بعض، وحكم استيلائهم علينا.
فتح.
وبه ظهر أنه من إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله أيضا، لانه هو ما فرغ من بيانه، فافهم.
قوله: (على بعضهم بعضا) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وصوابه بعضهم على بعض كما قال ح أو إسقاط لفظ بعضا كما قال ط.
قوله: (بدار الحرب) أفاد إطلاقه أنه لا يشترط الاحراز بدار المالك، حتى لو استولى كفار الترك والهند على الروم وأحرزوها بالهند، ثبت الملك لكفار الترك ككفار الهند كما في الخلاصة.
قهستاني ونحوه في البحر.
ويأتي ما يؤيده، لكن ذكر ابن كمال أن الاحراهنا غير شرط، وإنما هو مخصوص في المسألة الآتية وهي قوله: وإن غلبوا على أموالنا الخ على ما أفصح عنه صاحب الهداية اه: أي حيث أطلق هنا، وقيد بالاحراز في الآتية، وذكر في الشرنبلالية مثل ما ذكره ابن كمال، فتأمل.
قوله: (لاستيلائه على مباح) أي فيملكه هو بمباشرة سببه كالاحتطاب والاصطياد.
قوله: (ولو سبي الخ) ذكر المسألة بتعليلها في الدرر عن واقعات الصدر الشهيد، ولم يذكر أموال أهل الذمة لانها كأموالنا فتملك بالاحراز، وقوله: من دارنا: الظاهر أنه احتراز عما لو لحق الذمي بدار الحرب فسبى منها، أما لو دخل دارهم على نية العود، فالظاهر أنه لا يملك بالسبي لبقاء عهد الذمة، فله حكمنا.
تأمل.
قوله:(4/338)
(من ذلك السبي للكافر) فسر اسم الاشارة بما ذكر ليفيد أنه راجع إلى المسألة الاولى دون مسألة
الذمي، لانهم إذا لم يملكوا الذمي إذا سبوه لم نملكه منهم، فافهم.
قوله: (اعتبارا بسائر أملاكهم) أي كما نملك باقي أملاكهم وشمل ما إذا كان بيننا وبين المسببين موادعة، لانا لم نغدرهم إنما أخذنا مالا خرج عن ملكهم، ولو كان بيننا وبين كل من الطائفتين موادعة كان لنا أن نشتري من السابين لما ذكرنا، إلا إذا اقتتلوا بدارنا، لانهم لم يملكوه لعدم الاحراز فيكون شراؤنا غدرا بالآخرين، لانه على ملكهم، وتمامه في البحر عن الفتح.
وقوله: لم يملكوه لعدم الاحراز، يدل على اشتراط الاحراز في المسألة المارة، كما ذكرناه.
مطلب فيما لو باع الحربي ولده تنبيه: في النهر عن منية المفتي إذا باع الحربي هناك ولده من مسلم عن الامام لانه لا يجوز ولا يجبر على الرد.
وعن أبي يوسف أنه يجبر إذا خاصم الحربي.
ولو دخل دارنا بأمان مع ولده فباع الولد: لا يجوز في الروايات اه: أي لان في إجازة بيع الولد نقض أمانه كما في ط عن الولوالجية.
قوله: (ولو عبدا مؤمنا) وكذا الكافر بالاولى، وكان الاولى التعبير بالقن ليخرج المدبر والمكاتب وأم الولد، فإنهم لا يملكونهم كما سيذكره المصنف، ومثل العبد الامة كما في الدرر.
مطلب: يلحق بدار الحرب المفازة والبحر الملح قوله: (وأحرزوها بدارهم) ويلحق بها البحر الملح ونحوه كمفازة ليس وراءها بلاد إسلام، نقله بعضهم عن الحموي.
وفي حاشية أبي السعود عن شرح النظم الهاملي: سطح البحر له حكم دار الحرب اه.
وفي الشرنبلالية قبيل باب العشر: سئل قارئ الهداية عن البحر الملح أمن دار الحرب أو الاسلام؟ أجاب: إنه ليس من أحد القبيلين لانه لا قهر لاحد عليه اه.
قال في الدر المنتقى هناك: لكن قدمنا في باب نكاح الكافر أن البحر الملح ملحق بدار الحرب.
قوله: (ملكوها) هو قول مالك وأحمد أيضا، فيحل الاكل والوطئ لمن اشتراه منهم كما في الفتح لقوله تعالى: * (للفقراء المهاجرين) * (سورة الحشر: الآية 8) سماهم فقراء، فدل على أن الكفار ملكوا أموالهم التي هاجروا عنها، ومن لا يصل إلى ماله ليس فقيرا، بل هو ابن سبيل، ولذا عطفوا عليهم في آية الصدقات، وهذا مؤيد لما ورد من طرق كثيرة، وإن كانت ضعيفة تفيد هذا الحكم بلا شك، كما
أوضحه وأطال في تحقيقه ابن الهمام.
قوله: (لا للاستيلاء الخ) رد على الهداية حيث ذكر أن عند الشافعي لا يملكونها، لان الاستيلاء محظور، فلا يفيد الملك.
ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح، لان العصمة في المال إنما ثبتت على منافاة الدليل، وهو قوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) * (سورة البقرة: الآية 92) فإنه يقتضي إباحة الاموال وعدم العصمة، لكنها ثبتت لضرورة تمكن المالك من الانتفاع، فإذا زالت المكنة بالاستيلاء وتباين الدارين عاد مباحا كما كان اه.
موضحا من العناية والفتح.(4/339)
مطلب في أن الاصل في الاشياء الاباحة قوله: (لما أن الصحيح الخ) حاصله أن هذا التعليل الماعن الهداية مبني على أن الاصل في الاشياء الاباحة وهو رأي المعتزلة، والصحيح من مذهب أهل السنة أن الاصل فيها الوقف حتى يرد الشرع، بل الوجه أن العصمة ثابتة بخطاب الشرع عندنا، فلم تظهر العصمة في حقهم، وعند الشافعي هم مخاطبون بالشرائع، فظهرت العصمة في حقهم، فلا يملكونها بالاستيلاء، هذا حاصل ما في المنبع شرح المجمع.
أقول: وفيه نظر من وجوه: الاول: أن ما مر عن الهداية ليس مبنيا على أن الاصل الاباحة، لان الخلاف المذكور فيه إنما هو قبل ورود الشرع، وصاحب الهداية إنما أثبت الاباحة بعد ورود الشرع بمقتضى الدليل: يعني أن مقتضى الدليل إباحتها، لكن ثبتت العصمة بعارض، وقد صرح بذلك في أصول البزدوي حيث قال بعد ورود الشرع: الاموال على الاباحة بالاجماع ما لم يظهر دليل الحرمة، لان الله تعالى أباحها بقوله: * (خلق لكم ما في الارض جميعا) * (سورة البقرة: الآية 92).
الثاني: أن الكفار مخاطبون بالايمان وبالعقوبات سوى حد الشرب وبالمعاملات، وإنما الخلاف في العبادات كما قدمناه أوائل الجهاد.
الثالث: أن قوله: فلم تظهر العصمة في حقهم: أي هو مباح لهم، ففيه رجوع إلى القول
بالاباحة كما أفاده ط.
الرابع: أن نسبة الاباحة إلى المعتزلة مخالف لما في كتب الاصول، ففي تحرير ابن الهمام: المختار الاباحة عند جمهور الحنفية والشافعية اه.
وفي شرح أصول البزدوي للعلامة الاكمل: قال أكثر أصحابنا وأكثر أصحاب الشافعي إن الاشياء التي يجوز أن يرد الشرع بإباحتها وحرمتها قبل وروده على الاباحة، وهي الاصل فيها حتى أبيح لمن لم يبلغه الشرع أن يأكل ما شاء، وإليه أشار محمد في الاكراه حيث قال: أكل الميتة وشرب الخمر لم يحرما إلا بالنهي، فجعل الاباحة أصلا والحرمة بعارض النهي، وهو قول الجبائي وأبي هاشم وأصحاب الظاهر.
وقال بعض أصحابنا وبعض أصحاب الشافعي ومعتزلة بغداد: إنها على الحظر.
وقالت الاشعرية وعامة أهل الحديث: إنها إلى الوقف، حتى إن من لم يبلغه الشرع يتوقف ولا يتناول شيئا، فإن تناول لم يوصف فعله بحل ولا حرمة.
وقال عبد القاهر البغدادي: تفسيره لا يستحق ثوابا ولا عقابا وإليه مال الشيخ أبو منصور اه.
وبسط أدلة الاقوال فيه.
قوله: (ويفترض علينا اتباعهم) أي لاستنفاد أموالنا ما داموا في دار الاسلام، فإن دخلوا دار الحرب لا يفترض، والاولى الاتباع، بخلاف الذراري يفترض اتباعهم مطلقا.
بحر عن المحيط.
وقوله: مطلقا أي، وإن دخلوا دار الحرب، لكن ما لم يبلغوا حصونهم كما قدمناه أول الجهاد عن الذخيرة.
قوله: (فإن أسلموا تقرر ملكهم) أي لا سبيل لاربابها عليها بحر عن شرح الطحاوي، وعبر الشارح بالتقرر، لان ملكهم بعد الاحراز قبل الاسلام، على شرف الزوال(4/340)
إذا غلبنا عليهم، وبهذا التعبير صح ذكر هذه المسألة في شرح قوله: وإن غلبوا على أموالنا الخ ليفيد أنه قوله: ملكوها أي ملكا على شرف الزوال، وإلا كان المناسب ذكرها عند قوله: وملكنا ما نجده من ذلك الخ بأن يقول: إلا أن كانوا أسلموا التقرر ملكهم.
تأمل.
قوله: (أما قبله) أي قبل الاحراز.
قوله: (مطلقا) أي قبل القسمة أو بعدها.
قوله: (فمن وجد ملكه) الاضافة للعهد: أي الذي يملكه الكفار، فلو دخل في دارنا حربي بأمان وسرق من مسلم طعاما أو متاعا وأخرجه إلى دارهم ثم اشتراه مسلم وأخرجه إلى دارنا أخذه مالكه بلا شئ، وكذا لو أبق عبد إليهم اشتراه
مسلم، كما في المحيط وغيره.
قهستاني.
قوله: (كما حققه في الدرر) أي رادا على ما وقع في شرح المجمع لمصنفه من حمل القسمة على القسمة بين الكفار، حيث قال: إنه مخالف لجميع الكتب كما لا يخفى على أولي الابصار.
قوله: (بلا شئ) تفسير لقوله: مجانا.
قوله: (بالقيمة) أي قيمته يوم أخذ الغنائم.
قهستاني.
وفيه أيضا أنه لو مات الملك لا سبيل لوارثه، لان الخيار لم يورث اه: أي لانه مخير بين أخذه بالقيمة وتركه، لكن نقل السائحاني عن الخانية لو مات المأسور منه بعد إخراج المشتري من العدو، لورثته أخذه على قول محمد: لا لبعض الورثة، وعن أبي يوسف: ليس للورثة أخذه.
تنبيه: في الشرنبلالية عن الجوهرة: لو كان عبدا فأعتقه من وقع في سهمه نفذ عتقه وبطل حق المالك، وإن باعه أخذه مالكه بالثمن، وليس له نقض البيع.
قوله: (جبرا للضررين الخ) لان المالك القديم يتضرر بزوال ملكه عنه بلا رضاه، ومن وقع العين في نصيبه يتضرر بالاخذ منه مجانا، لانه استحقه عوضا عن سهمه في الغنيمة، فقلنا بحق الاخذ بالقيمة جبرا للضررين بالقدر الممكن، وقبل القسمة: الملك فيه للعامة، فلا يصيب كل فرد منهم ما يبالي بفوته فلا يتحقق الضرر اه.
درر.
قوله: (ولو قبلها الخ) مكرر بما قبله ط.
قوله: (الذي اشتراه) الضمير المستتر عائد إلى تاجر، لانه وإن تأخر في اللفظ لكنه متقدم في المعنى، لانه في جواب الشرط، فإن التقدير: ولو اشتراه منهم تاجر أخذه بالثمن الذي اشتراه به.
قوله: (وبالقيمة لو اتهبه منهم) لانه ثبت له ملك خاص فلا يزال إلا بالقيمة.
بحر.
وفيه إشارة إلى أنه لو مثليا لا فائدة في أخذه كما مر.
قوله: (أو ملكه بعقد فاسد) أي فإنه يأخذه بالقيمة لو قيميا.
قوله: (ليس لمالكه أخذه) أي بالخمر والخنزير، بل يأخذه بقيمة نفسه، كما نقله في النهر عن السراج الوهاج، وحينئذ لا معنى للاستدراك، بل كان عليه أن يقول: لو ملكه بعقد فاسد كما لو شراه بخمر أو خنزير اه ح.
قلت: لكن صاحب السراج قال في الجوهرة: وإن اشتراه بخمر أو خنزير أخذه بقيمة الخمر، وإن شاء تركه اه.
إلا أن يحمل هذا على ما إذا كان البيع مثليا، وما في السراج على ما إذا كان قيميا.
تأمل.
ولم يذكر: هل له أخذه بقيمة الخنزير؟ والظاهر نعم يجعل قيمة الخنزير قائمة مقام(4/341)
المبيع لا مقام الخنزير كما ذكروه في الشفعة، فيما اشترى دارا بخنزيز وشفيعها مسلم يأخذها بقيمة الخنزير وتكون قائمة مقام الدار، فتأمل.
قوله: (وكذا لو شراه الخ) أي ليس لمالكه أخذه وهذا تقييد لقول المتن وبالثمن الخ.
قوله: (فلو بأقل قدرا) كما لو كان التاجر اشترى قفيز بر بنصف قفيز منه.
قوله: (أو أردأ وصفا) كإن اشترى قفيزا جيدا بأردأ منه، وكذا لو بالعكس.
قوله: (وليس بربا لانه فداء) أي لا عوض، وهذا راجع إلى قوله فلو بأقل قدرا، أما الاردأ وصفا: بعد التماثل في القدر، ولا يتوهم كونه ربا لان جيدها ورديئها سواء.
قوله: (وإن وصلية) أي واصلة ما بعدها بما قبلها لا شرطية.
قوله: (فقأ عينه) المناسب أن يرسم ففئ بالياء مبنيا للمجهول وصورة المسألة: إذا أخذ الكفار عبدا ودخلوا به دار الحرب، فاشتراه رجل وأخرجه إلى دار الاسلام ففقئت عينه وأخذ أرشها، فإن المولى يأخذه بالثمن الذي أخذه به المشتري من العدو، ولا يأخذ الارش لان الملك فيه صحيح، فكان الارض حاصلا في ملكه، ولو أخذه فإنما يأخذه بمثله لان الارش دراهم أو دنانير، وتمامه في العناية.
قوله: (أو فقأها المشتري) أشار به إلى قول البحر: إنه لا فرق في الفاقئ، بين أن يكون المشتري أو غيره.
قوله: (لان الاوصاف الخ) أي والعين كالوصف، لانها بها يحصل وصف الابصار وقد كانت في ملك صحيح فلا يقابلها شئ منه، والعقر كالارش.
نهر.
قوله: (والقول للمشتري الخ) لانه ينكر استحقاق الاخذ بما يدعيه المالك القديم كالمشتري مع الشفيع.
قوله: (لان البينة مبينة) أي مظهرة وهو علة لمقدر، وهو إما عند وجود البرهان من أحدهما فيقبل لان الخ.
قوله: (أيضا) أي كما أن بينة المالكم تقبل إذا برهن وحده كما علم مما قبله.
قوله: (خلافا للثاني) فإن البينة عنده بينة المشتري، ولا يخفى أن الاوجه الاول، لان البينة لاثبات خلاف الظاهر، والظاهر مع من يكون القول قوله، وهو المشتري، فبينة المالك أقوى لاثباتها خلافه، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (وإن تكرر الاسر والشراء) قيد بالتكرار لان المشتري الاول لو وهبه كان لمولاه أخذه من الموهوب له بقيمته كما لو وهبه الكافر لمسلم.
فتح.
قوله: (لو ورد الاسر على ملكه) أي على ملك المشتري الاول فكان الاخذ له، حتى لو أبى أن يأخذه لم يلزم المشتري الثاني
إعطاؤه للاول.
فتح.
قوله: (ثم يأخذ المالك القديم) أي ثم بعد أخذ المشتري الاول من المشتري الثاني إذا أراد المالك الاول أن يأخذه من المشتري الاول: يأخذه بالثمنين.
قوله: (وقبل أخذ الاول) الظرف متعلق بما بعده وهو قوله: لا يأخذه القديم قال في النهر: أي لا يأخذه المالك القديم من الثاني، ولو كان الاول غائبا أو حاضرا أبى عن أخذه، لان الاسر ما ورد على ملكه.
قوله: (كي لا(4/342)
يضيع الثمن) أي على المشتر الاول.
قوله: (ومدبرنا) ظاهر في المدبر المطلق، أما المقيد فهل يملكونه أو لا؟ وفي تعليل المصنف بأن الاستيلاء إنما يكون سببا للملك إذا لاقى محلا قابلا للملك إشارة إلى ملكهم المقيد.
قوله: (شرنبلالية).
قوله: (فيأخذه مالكه) ولو في يد تاجر اشتراه منه أو واحد من العسكر.
نهر.
قوله: (تؤدي قيمته) أي لمن وقفي سهمه.
مطلب في قولهم: إن أهل الحرب أرقاء قوله: (ونملك عليهم جميع ذلك) فلو أهدى ملكهم لمسلم هدية من أحرارهم ملكه، إلا إذا كان قرابة له، ولو دخل دارهم مسلم بأمان ثم اشترى من أحدهم ابنه، ثم أخرجه إلى دارنا قهرا: ملكه، وهل يملكه في دارهم؟ خلاف، والصحيح، لا: كما في المحيط: وفيه إشعار بأن الكفار في دارهم أحرار، وليس كذلك فإنهم أرقاء فيها وإن لم يكن ملك لاحد عليهم على ما في المستصفى وغيره.
قهستاني ملخصا.
در.
منتقى.
قلت: لكن قدمنا في العتق أن المراد بكونهم أرقاء: أي بعد الاستيلاء عليهم، أما قبله فهم أحرار لما في الظهيرية، لو قال لعبده: نسبك حر أو أصلك حر، إن علم أنه سبي لا يعتق، وإلا عتق.
قال: وهذا دليل على أن أهل الحرب أحرار اه.
وما في المحيط دليل عليه أيضا.
قوله: (ولو ند) أي نفر من باب ضرب مصدره الندود كما في البحر عن المغرب.
قوله: (إذ لا بد للعجماء) أي للدابة لكونها لا تعقل.
قوله: (وإن أبق إليهم قن الخ) أي سواء كان لمسلم أو ذمي، قيد بقوله: إليهم لانهم لو أخذوه من دار الاسلام ملكوه اتفاقا، وبقوله: مسلم احترازا عن المرتد كما يأتي، وفي العبد الذمي إذا أبق قولان كما في الفتح، وبقوله: قهرا لما في شرح
الوقاية من أن الخلاف فيما أخذوه قهرا وقيدوه، أما إذا لم يكن قهرا فلا يملكونه اتفاقا.
نهر.
قوله: (لا) أي لا يملكونه، فيأخذه المالك القديم بلا شئ، سواء كان موهوبا منهم للذي أخرجه أو مشتري أو مغنوما، لكن لو أخذه بعد القسمة بعوض الامام المأخوذ منه من بيت المال، وتمامه في الفتح.
قوله: (لظهور يده على نفسه) لانه آدمي مكلف له يد على نفسه، وإنما سقط اعتبار يده لتمكين المولى من الانتفاع وقد زالت يد المولى بمجرد دخوله دار الحرب فظهرت يد العبد على نفسه وصار معصوما بنفسه فلم يبق محلا للتملك، بخلاف ما إذا أخذوه من دارنا، لان يد المولى قائمة حكما لقيام يد أهل الدار، وتمامه في الفتح.
قوله: (ملكوه اتفاقا) لعدم اليد والعصمة ط.
قوله: (وأخذ غيره بالثمن مجانا) أي عند الامام، وعندهما بالثمن أيضا اعتبارا لحالة الاجتماع(4/343)
بالانفراد، ولا تكون يده على نفسه مانعة من استيلاء الكفار على مانعه لقيام الرق المانع للملك بالاستيلاء لغيره.
بحر، ونظر فيه في الفتح بأن ملكهم ما معه لاباحته، وإنما يصير مباحا إذا لم تكن عليه يد لاحد وهذا عليه يد العبد.
قوله: (وعتق عبد مسلم) أي عند أبي حنيفة، ومثله ما لو أسلم في يده، كما في العناية.
مطلب: إذا شرى المستأمن عبدا ذميا يجبر على بيعه قوله: (لانه) أي المستأمن يجبر على بيعه: أي بيع العبد الذمي الذي شراه ولا يمكن من إدخاله دار الحرب كما في الزيلعي عن النهاية عن الايضاح.
قوله: (إقامة لتباين الدارين الخ) هذا وجه قول الامام، وقالا: لا يعتق، لان الازالة كانت مستحقة بطريق معين وهو البيع، وقد انقطعت ولاية الجبر عليه، فبقي في يده عبدا، وله أن تخلص المسلم عن ذل الكافر واجب، فيقام الشرط، وهو تباين الدارين مقام العلة وهو الاعتاق تخليصا له، كما يقام مضي الثلاث حيض مقام التفريق فيما إذا أسلم أحد الزوجين في دار الحرب.
ابن كمال.
قوله: (كما لو استولوا عليه الخ) ذكر هذا الفرع في الدرر، لكن ذكر في البزازية وكذا في التتارخانية من الملتقط: عبد أسره أهل الحرب وألحقوه بدارهم، ثم أبق منهم، يرد إلى سيده.
وفي رواية: يعتق اه.
وظاهره أن المرجح عدم العتق، وهو
ظاهر لان سيده المسلم له حق استرداده كما يوضحه ما يأتي عقبه.
قوله: (قيد بالمستأمن الخ) عبارة النهر هكذا: قيد بشراء المستأمن، لان الحربي لو أسر العبد المسلم وأدخله داره لا يعتق عليه اتفاقا، للمانع عنده من عمل المقتضى عمله، وهو حق استرداده المسلم اه.
وبه يظهر ما في عبارة الشارح من الخلل.
قوله: (لمانع حق استرداده) الاضافة بيانية: أي لمانع هو حق استرداد المولى المسلم عبده.
حاصله: الفرق من جهة الامام بين هذه المسألة وما قبلها، وهو أن كلامنا فيمن ملكه الحربي في دارنا ووجب إزالته عن ملكه، وهنا لم يملكه قبل إدخاله دارهم، فكان للمولى حق استرداده، فلو أعتقناه على الحربي حين أحرزه أبطلنا حق استرداد المسلم إياه جبرا، فكان ذلك مانعا من عمل المقتضى عمله: أي من تأثير تباين الدارين في الاعتاق.
قوله: (كعبد لهم الخ) أي كما يعتق عبد الخ، وهذا على قوله خلافا لهما.
قوله: (أسلم ثمة) أي في دار الحرب وهو قيد اتفاقي، إذ لو خرج مراغما لمولاه فأسلم في دارنا فالحكم كذلك، بخلاف ما إذا خرج بإذن مولاه أو بأمره لحاجة، فأسلم في دارنا، فإن حكمه أن يبيعه الامام، ويحفظ ثمنه لمولاه الحربي.
بحر.
قوله: (أو إلى عسكرنا ثمة) لا يعلم فيه خلاف بين أهل العلم.
فتح.
قوله: (أو اشتراه مسلم الخ) أي يعتق خلافا لهما، لان قهر مولاه زال حقيقة بالبيع، وكان إسلامه يوجب إزالة قهره عنه، إلا أنه تعذر الخطاب بالازالة فأقيم ماله أثر في زوال الملك مقام الازالة.
بحر.
قوله: (أو عرضه على البيع الخ) لانه لما عرضه فقد رضي بزوال ملكه.
فتح.
قوله: (ففي هذه التسع صور) أقول: بل(4/344)
هي إحدى عشرة صورة، إلا أن العبد الذي اشتراه المستأمن وأدخله دارهم إما مسلم أو ذمي، وقوله كما لو استولوا عليه: أي على العبد المسلم أو الذمي.
اه ح.
قلت: مسألة الاستيلاء قد علمت ما فيها، نعم يزاد مسألة ما لو خرج مراغما لمولاه.
قوله: (ولا ولاء لاحد عليه الخ) عزاه في الدرر إلى غاية البيان عن شرح الطحاوي، واعترض بأن الذي في شرح الطحاوي: ولا يثبت ولاء العبد الخارج إلينا مسلما لاحد، لان هذا عتق حكمي اه.
فقد خصه بالخارج إلينا.
قلت: لكن العذر لصاحب الدر أن العتق حكمي في الكل، فالظاهر عدم الفرق.
قوله: (لو قال الحربي الخ) الذي تقدم من المسائل صح فيه العتق بلا إعتاق، وهذه بالعكس، لان العتق لم يصح فيه مع صريح الاعتاق، والمراد بالحربي من كان منشؤه دار الحرب، سواء أسلم هناك أو بقي على حربيته احترازا عن مسلم دخل دار الحرب، فاشترى عبدا حربيا فأعتقه، فالاستحسان أنه يعتق بلا تخلية وله الولاء، كما حررناه أول باب العتق، فراجعه.
قوله: (آخذا بيده) أي لم يخل سبيله.
قوله: (لا يعتق عند أبي حنيفة) حتى لو أسلم والعبد عنده فهو ملكه، وعندهما: يعتق لصدور ركن العتق من أهله، بدليل صحة إعتاقه عبدا مسلما في دار الحرب في محله لكونه مملوكا.
قوله: (لانه معتق ببيانه) أي بتصريحه بلسانه مسترق ببنانه: أي بيده، وهذا وجه قول الامام.
قال الزيلعي: وهذا لان الملك كما يزول يثبت باستيلاء جديد وهو أخذه له بيده في دار الحرب، فيكون عبدا له، بخلاف المسلم، لانه ليس بمحمل التملك بالاستيلاء اه.
والله سبحانه أعلم.
باب المستأمن بكسر الميم: اسم فاعل بقرينة التفسير، ويصح بالفتح اسم مفعول والسين والتاء للصيرورة: أي من صار مؤامنا.
أفاده ط.
قوله: (دار غيره) المراد بالدار: الاقليم المختص بقهر ملك إسلام أو كفر، لا ما يشمل دار السكنى حتى يرد أنه غير مانع، فافهم.
قوله: (حرم تعرضه لشئ الخ) شمل الشئ أمته المأسورة لانها من أملاكهم بخلاف زوجته وأم ولده ومدبرته لعدم ملكهم لهن وكذا ما أسروه من ذراري المسلمين، فله تخليصهم من أيديهم إذا قدر، أفاده في البحر.
تنبيه: في كافي الحاكم وإن بايعهم الدرهم بدرهمين نقدا أو نسيئة أو بايعهم بالخمر والخنزير والميتة فلا بأس بذلك، لان له أن يأخذ أموالهم برضاهم في قولهما: ولا يجوز شئ من ذلك في قول أبي يوسف اه.
قوله: (إذ المسلمون عند شروطهم) لانه ضمن بالاستئمان أن لا يتعرض لهم، والغدر حرام، إلا إذا غدر به ملكهم فأخذ ماله أو حبسه أو فعل غيره بعلمه ولم يمنعه، لانهم هم الذين نقضوا العهد.
بحر.
قوله: (فلو أخرج الخ) تفريع لكون الملك حراما على حرمة التعرض
كما أشار إليه بقوله: للغدر فافهم.
قوله: (فيتصدق به) لحصوله بسبب محظور، وهو الغدر، حتى(4/345)
لو كان جارية لا يحل له وطؤها ولا للمشتري منه، بخلا ف المشتراة شراء فاسدا، فإن حرمة وطئها على المشتري خاصة، وتحل للمشتري منه لانه يباع بيعا صحيحا فانقطع به حق البائع الاول في الاسترداد، وهنا الكراهة للغدر والمشتري الثاني كالاول فيه، وتمامه في الفتح وفيه: لو تزوج امرأة منهم ثم أخرجها إلى دارنا قهرا ملكها فينفسخ النكاح ويصح بيعه لها، وإن طاوعته لا يصح بيعها لانه لم يملكها، وقيدوا إخراجها كرها بما إذا أضمر في نفسه أنه يخرجها ليبيعها، ولا بد منه إذ لو أخرجها لاعتقاده أن له أن يذهب بزوجته إذا أوفاها المعجل ينبغي أن لا يملكها اه.
قوله: (قيد بالاخراج لانه لو غصب الخ) يعني: ولم يخرجه لانه محترز القيد، وعبارته في الدر المنتقى: قيد بالاخراج لانه لو لم يخرجه وجب رده عليهم للغدر.
قوله: (وإن أطلقوه) أي تركوه في دارهم.
فتح.
قوله: (لانه لا يباح إلا بالملك) ولا ملك قبل الاحراز بدارنا.
قوله: (إلا إذا وجد) أي الاسير ومثله التاجر كما قدمناه.
وفي قوله: امرأته إشارة إلى بقاء النكاح، سواء سبيت الزوجة قبل زوجها أو بعده، لكن في فتاوى قارئ الهداية أن المأسورة تبين.
شرنبلالية.
ثم نقل في النكاح ما يفيد أنها لا تبين، لعدم تباين الدارين.
قال: فليتأمل فيما في قتاوى قارئ الهداية.
در، منتقى.
قوله: (بخلاف الامة) أي القنة المأثورة، فلا يحل له وطؤها مطلقا لانها مملوكة لهم.
بحر.
قوله: (تجب العدة) فلا يجوز وطؤهن حتى تنقضي عدتهن.
بحر.
قوله: (للشبهة) أي شبهة الملك، ففي البحر في غير هذا الموضع عن المحيط: لانهم باشروا الوطئ على تأويل الملك فتجب العدة ويثبت النسب اه.
قوله: (فإن أدانه التاجر) الذي دخل دار الحرب بأمان.
قوله: (ببيع أو قرض) ظاهره شمول الدين للقرض، وهو موافق لما في المغرب، مخالف لما في القاموس.
وفي طلبة الطلبة ما حاصله: أن من قصر المداينة على البيع بالدين شدد فقال أدان من باب الافتعال: ومن أدخل فيه القرض ونحوه مما يجب في الذمة بالعقد أو الاستهلاك خفف، وتمامه في النهر.
قوله: (وبعكسه) أي بأن أدان حربيا.
قوله: (لانه ما التزم الخ) قال الزيلعي: لان القضاء
يستدعي الولاية ويعتمدها، ولا ولاية وقت الادانة أصلا، إذ لا قدرة للقاضي فيه على من هو في دار الحرب، ولا وقت القضاء على المستأمن، لانما التزم حكم الاسلام فيما مضى من أفعاله، وإنما التزمه فيما يستقبل، والغصب فدار الحرب سبب يفيد الملك، لانه استيلاء على مال مباح غير معصوم، فصا كالادانة، وقال أبو يوسف: يقضي بالدين على المسلم دون الغصب، لانه التزم أحكام الاسلام حيث كان.
وأجيب بأنه إذا امتنع في حق المستأمن امتنع في حق المسلم أيضا تحقيقا للتسوية بينهما اه.
ملخصا.
قال في الفتح: ولا يخفى ضعفه، فإن وجوب التسوية بينهما ليس في أن يبطل حق أحدهما بلا موجب، لوجوب إبطال حق الآخر بموجب، بل إنما ذلك في الاقبال(4/346)
والاقامة والاجلاس ونحو ذلك.
قوله: (لانه غدر) لانه التزم بالامان أن لا يغدرهم، ولا يقضى عليه لما ذكرنا.
زيلعي: أي من أنه استيلاء على مال مباح.
والحاصل: أن الملك حصل بالاستيلاء فلا يقضى عليه بالرد.
لكنه بسبب محظور وهو الغدر، فأورث خبثا في الملك، فلذا يفتى بالرد: ديانة، فافهم.
قوله: (لما بينا) في قوله: لانه ما التزم حكم الاسلام الخ.
قوله: (ككونه مكتوفا أو مغلولا) أو مع عدد من المسلمين.
بحر.
قوله: (لوقوعه صحيحا) أي والولاية ثابتة حالة القضاء لالتزامهما الاحكام بالاسلام.
بحر.
قوله: (للتراضي) علة لكونه صحيحا.
قوله: (لما مر) أي أول الباب السابق، ولا يؤمر بالرد، لان ملكه صحيح لا خبث فيه.
نهر.
أي لانه لا غدر فيه، بخلاف المستأمن.
قوله: (لسقوط القود) أي في العمد، لانه لا يمكن استيفاء القود إلا بمنعة، ولا منعة دون الامام وجماعة المسلمين، ولم يوجد ذلك في دار الحرب.
بحر.
قوله: (كالحد) أي كسقوط الحد لو زنى أو سرق لعدم الولاية.
قوله: (فيهما) أي في العمد والخطإ.
قوله: (لتعذر الصيانة) علة لقوله في: ماله أي لا على العاقلة، لان وجوب الدية على العاقلة بسبب تركهم صيانته عن القتل، ولا قدرة لهم عليها مع تباين الدارين، وهذا في الخطإ، فكان ينبغي أن يزيد: ولان العواقل لا تعقل العمد.
قوله: (لاطلاق النص) هو قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * (سورة النساء: الآية 29) بلا تقييد بدار الاسلام أو الحرب.
درر.
قوله: (لما مر) أي من إطلاق النص.
قوله: (ولا شئ في العمد أصلا) أي لا كفارة لانها لا تجب في العمد عندنا، ولا قود لما ذكره، وهذا عنده، وقالا: في الاسيرين الدية في الخطأ والعمد، وتمامه في البحر.
قوله: (لانه بالاسر الخ) بيان للفرق من جهة الامام بين المستأمنين والاسيرين، وذلك أن الاسير صار تبعا لهم بالقهر حتى صار مقيما بإقامتهم ومسافرا بسفرهم كعبيد المسلمين، فإذا كان تبعا لهم فلا يجب بقتله دية كأصله وهو الحربي فصار كالمسلم الذي لم يهاجر إلينا، وهو المراد بقوله: كقتل مسلم من أسلم ثمة: أي في دار الحرب، فإنه لا يجب بقتل إلا الكفارة في الخطأ، لانه غير متقوم لعدم الاحراز بالدار، فكذا هذا لبطلان الاحراز الذي كان في دارنا بالتبعية لهم في دارهم، وأما المستأمن فغير مقهور لامكان خروجه باختياره فلا يكون تبعا لهم، وتمامه في الزيلعي.
قوله: (فسقطت عصمته المقومة) هي ما توجب المال أو القصاص عند التعرض، والمؤثمة ما توجب الاثم، والاولى تثبت بالاحراز، بالدار كعصمة المال لا بالاسلام عندنا، فإن الذمي م كفره يتقوم بالاحراز، والثانية بكونه آدميا، لانه خلق لاقامة الدين، ولا يتمكن من ذل ك إلا بعصمة نفسه(4/347)
بأن لا يتعرض له أحد، ولا يباح قتله إلا بعارض.
أفاده الزيلعي.
قوله: (كقتل مسلم أسيرا) أفاد أن تصوير المسألة بالاسيرين غير قيد، بالمعتبر كون المقتول أسيرا، لان المناط كون المقتول صار تبعا لهم بالقهر كما علمت، سواء كان القاتل مثله أو مستأمنا، فلو كان بالعكس بأن قتل الاسير مستأمنا فالظاهر أنه كقتل أحد المستأمنين صاحبه، كما بحثه ح.
قوله: (ولو ورثته مسلمون ثمة) كذا في غالب النسخ، وكان حقه أن يقول: مسلمين لانه خبر كان المقدرة بعد لو.
وفي بعض النسخ المسلمون فهو صفة لورثته، وخبر كان قوله: قمة والله سبحانه أعلم.
فصل في استئمان الكافر قوله: (ولا يمكن حربي مستأمن الخ قيد بالمستأمن لانه لو دخل دارنا بلا أمان: كان وما معه فيئا، ولو قال دخلت بأمان إلا أن يثبت، ولو قال: أنا رسول الملك، فلو معه كتاب بعلامة تعرف كان آمنا، ولو دخل الحرم فهو فئ عنده، وقالا: لا يؤخذ، ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذي
ولا يخرج.
ولو قال مسلم: أنا أمنته لم يصدق إلا أن يشهد رجلان غيره، وسواء أخذ قبل الاسلام أو بعده عند الامام، وقالا: إن أسلم فهو حر ولا يختص به الآخذ عنده، وظاهر قولهما إنه يختص به.
اه.
ملخصا من الفتح والبحر وقدمنا بعضه قبل باب المغنم.
قال الرملي: ويؤخذ مما ذكر جواب حادثة الفتوى: وهو أنه يخرج كثيرا من سفن أهل الحرب جماعة منهم للاستقاء من الانهر التي بالسواحل الاسلامية فيقع فيهم بعض المسلمين فيأخذهم اه: أي فيكون فيئا لجماعة المسملين عند الامام.
وفي كونه يخمس عنه روايتان كما قدمناه قبل المغنم.
قوله: (لئلا يصير عينا لهم الخ) العين: هو الجاسوس، والعون: الظهير على الامر، والجمع أعوان.
عناية.
قال الرملي: هذه العلة تنادي بحرمة تمكينه سنة بلا شرط وضع الجزية عليه إن هو أقامها.
تأمل اه.
قوله: (من قبل الامام) أي أو نائبه ط.
قوله: (قيد اتفاقي) أي بالنسبة للاقل لا للاكثر، فلا يجوز تحديدا أكثر من سنة بقرينة قوله السابق: لا يمكن الخ ط.
قوله: (وقيل نعم) أي يكون ذميا والاولى إبدال نعم بلا: أي لا يكون شرطا.
قوله: (وبه جزم في الدرر) أي نقلا عن النهاية، عن المبسوط، لكن عبارة المبسوط: ينبغي للامام أن يتقدم إليه فيأمره إلى أن قال: وإن لم يقدر له مدة فالمعتبر الحول.
قال في الفتح: وليس بلازم: أي لا يلزم من هذا أن قول الامام له ذلك غير شرط، فإنه يصدق بقوله له: إن أقمت طويلا منعتك من العود، فإن أقام سنة منعه من العود، وفي هذا اشتراط التقدم، غير أنه لم يوقت له مدة خاصة، والوجه أن لا يمنعه حتى يتقدم اه.
وأقره في البحر والنهر.(4/348)
وحاصل: أن ما في المبسوط غير صحيح في عدم الاشتراط، فلا ينافي تصريح العتابي بالاشتراط، وهو ما يشير إليه قول الهداية، لانه لما أقام سنة بغير تقدير الامام الخ، وبه يستغنى عن قول السعدية: فلعل فيه روايتين، فافهم.
وعليه فابتداء المدة من وقت التقدم، لا من وقت الدخول.
قوله: (ولا جزية عليه في حول المكث) لانه إنما صار ذميا بعده فتجب في الحول الثاني.
بحر.
قوله: (إلا بشرط أخذها منه فيه) أي في الحول: أي بأن قال له: إن أقمت حولا أخذت منك الجزية.
فتح.
مطلب في أحكام المستأمن قبل أن يصير ذميا وإذا صار ذميا يجري القصاص الخ أما قبل صيرورته ذميا فلا قصاص بقتله عمدا بل الدية.
قال في شرح السير: الاصل أنه يجب على الامام نصرة المستأمنين ما داموا في دارنا، فكان حكمهم كأهل الذمة، إلا أنه لا قصاص على مسلم أو ذمي بقتل مستأمن، ويقتص من المستأمن بقتل مثله، ويستوفيه وارثه إن كان معه، وذكر أيضا أن المستأمن في دارنا إذا ارتكب ما يوجب عقوبة لا يقام عليه إلا ما فيه حق العبد من قصاص، أو حد قذف.
وعند أبي يوسف: يقام عليه كل ذلك إلا حد الخمر كأهل الذمة.
ولو أسلم عبد المستأمن أجبر على بيعه، ولم يترك يخرج به، ولو دخل مع امرأته ومعهما أولاد صغار، فأسلم أحدهما أو صار ذميا فالصغار تبع له، بخلاف الكبار، ولو إناثا لانتهاء التبعية بالبلوغ عن عقل، ولا يصير الصغير تبعا لاخيه أو عمه أو جده ولو الاب ميتا في ظاهر الرواية.
وفي رواية الحسن: يصير مسلما بإسلام جده، والصحيح الاول، إذ لو صا مسلما إسلام الجد الادنى، لصار مسلما بإسلام الاعلى، فيلزم الحكم بالردة لكل كافر، لانهم أولاد آدم ونوح عليهما السلام، ولو أسلم في دارنا وله أولاد صغار في دارهم لم يتبعوه إلا إذا أخرجوا إلى دارنا قبل موت أبيهم اه.
ملخصا.
وسنذكر عنه أن تبعية الصغير تثبت وإن كان ممن يعبر عن نفسه، وذكر في موضع آخر أن المستأمن لو قتل مسلما ولو عمدا أو قطع الطريق أو تجسس أخبارنا، فبعث بها إليهم أو زنى بمسلمة أو ذمية كرها، أو سرق لا ينتقض عهده اه.
ملخصا.
وحاصله أن المستأمن في دارنا قبل أن يصير ذميا حكمه حكم الذمي، إلا في وجوب القصاص بقتله، وعدم المؤاخذة بالعقوبات غير ما فيه حق العبد، وفي أخذ العاشر منه العشر، وقدمنا قبل هذا الباب أنه التزم أمر المسلمين فيما يستقبل.
مطلب: ما يؤخذ من النصارى زوار بيت المقدس لا يجوز أقول: وعلى هذا فلا يحل أخذ ماله بعقد فاسد، بخلاف المسلم المستأمن في دار الحرب، فإن له أخذ ما لهم برضاهم، ولو بربا أو قمار، لان مالهم مباح لنا، إلا أن الغدر حرام، وما أخذ برضاهم ليس غدرا من المستأمن، بخلاف المستأمن منهم في دارنا، لان دارنا محل إجراء الاحكام
الشرعية، فلا يحل لمسلم في دارنا أن يعقد مع المستأمن إلا ما يحل من العقود مع المسلمين، ولا يجوز أن يؤخذ منه شئ لا يلزمه شرعا وإن جرت به العادة، كالذي يأخذ من زوار بيت المقدس، كما قدمناه في باب العاشر عن الخير الرملي.
وسيأتي تمامه في الجزية.(4/349)
مطلب مهم فيما يفعله التجار من دفع ما يسمى سوكرة وتضمين الحربي ما هلك في المركب وبما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا: وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته، ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلاده، يسمى ذلك المال: سوكرة، على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم، وله وكيل عنه مستأمن في دارنا، يقيم في بلاد السواحل الاسلامية بإذن السلطان، يقبض من التجار مال السوكرة، وإذا هلك من مالهم في البحر شئ يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، والذي يظهر لي: أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، لان هذا التزام ما لا يلزم.
فإن قلت: إن المودع إذا أخذ أجرة على الوديعة يضمنها إذا هلكت.
قلت: ليست مسألتنا من هذا القبيل، لان المال ليس في يد صاحب السوكرة، بل في يد صاحب المركب، وإن كان صاحب السوكرة هو صاحب المركب يكون أجيرا مشتركا قد أخذ أجرة على الحفظ وعلى الحمل، وكل من المودع والاجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت والغرق ونحو ذلك.
فإن قلت: سيأتي قبيل باب كفالة الرجلين قال لآخر: اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فسلك وأخذ ماله لم يضمن، ولو قال: إن كان مخوفا وأخذ مالك فأنا ضامن: ضمن، وعلله الشارح هناك بأنه ضمن الغار صفة السلامة للمغرور نصا اه: أي بخلاف الاولى، فإنه لم ينص على الضمان بقوله: فأنا ضامن، وفي جامع الفصولين: الاصل أن المغرور إنما يرجع على الغار لو حصل الغرور في ضمن المعاوضة، أو ضمن الغار صفة السلامة للمغرور فيصار كقول الطحان لرب البر:
جعله في الدلو فجعله فيه، فذهب من النقب إلى الماء، وكان الطحان عالما به يضمن، إذ غره في ضمن العقد وهو يقتضي السلامة اه.
قلت: لا بد في مسألة التغرير من أن يكون الغار عالما بالخطر كما يدل عليه مسألة الطحان المذكورة وأن يكون المغرور غير عالم، إذ لا شك أن رب البر لو كان عالما بنقب الدلو يكون هو المضيع لما له باختياره، ولفظ المغرور ينبئ عن ذلك لغة لما في القاموس: غيره غرا وغرورا فهو مغرور وغرير: خدعه وأطمعه بالباطل فاغتر هو اه.
ولا يخفى أن صاحب السوكرة لا يقصد تغرير التجار، ولا يعلم بحصول الغرق هل يكون أم لا.
وأما الخطر من اللصوص والقطاع فهو معلوم له وللتجار، لانهم لا يعطون مال السوكرة إعند شدة الخوف طمعا في أخذ بدل الهالك، فلم تكن مسألتنا من هذا القبيل أيضا، نعم: قد يكون للتاجر شريك حربي في بلاد الحرب، فيعقد شريكه هذا العقد مع صاحب السوكرة في بلادهم، ويأخذ منه بدل الهالك ويرسله إلى التاجر، فالظاهر أ هذا يحل للتاجر أخذه لان العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب، وقد وصل إليه مالهم برضاهم فلا مانع من أخذه، وقد يكون التاجر في بلادهم، فيعقد معهم هناك، ويقبض البدل في بلادنا أو بالعكس، ولا شك أنه في الاولى إن حصل بينهما خصام في بلادنا لا نقضي للتاجر بالبدل، وإن لم يحصل خصام ودفع له البدل وكيله المستأمن هنا يحل له أخذه، لان العقد الذي صار في بلادهم لا حكم له، فيكون قد أخذ مال حربي برضاه.
وأما في صورة العكس، بأن كان العقد(4/350)
في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل أخذه، ولو برضا الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الاسلام، فيعتبر حكمه، هذا ما ظهر لي في تحرير هذه المسألة فاغتنمه فإنه لا تجده في غير هذا الكتاب.
قوله: (وتحرم غيبته كالمسلم) لانه بعقد الذمة وجب له مالنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد.
قوله: (ويأخذوه ببينة) في بعض النسخ ويأخذونه وهو المناسب لعدم ما يقتضي حذف النون.
قوله: (ولو من أهل الذمة الخ) قال في الفتح: فأقاموا بينة من أهل الذمة قبلت استحسانا، لانهم لا يمكنهم إقامتها من المسلمين لان
أنسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فصار كشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال، فإذا قالوا: لا نعلم له وارثا غيرهم دفع إليهم المال، وأخذ منهم كفيلا لما يظهر في المآل من ذلك قيل هو قولهما لا قول أبي حنيفة، كما في المسلمين، وقيل بل قوله جميعا، ولا يقبل كتاب ملكهم ولو ثبت أنه كتابه اه: أي لان شهادته وحده لا تقبل، فكتابه بالاولى.
قوله: (بعد الحول) أي بعد المدة التي عينها له الامام حولا أو أقل أو أكثر.
قوله: (كما يفيده الاطلاق) كذا بحثه في البحر، وتبعه في النهر، وهذا ظاهر إن خيف عدم عوده، وإلا فلا كما يفيده التعليل الآتي.
قوله: (لان عقد الذمة لا ينقض) لكونه خلفا عن الاسلام.
بحر.
وعبارة الزيلعي، لان في عوده ضررا بالمسلمين بعوده حربا علينا، وبتوالده في دار الحرب وقطع الجزية اه.
ولا يخفى أن المفهوم منه أن المراد بالعود اللحاق بدارهم بلا رجوع.
قوله: (ومفاده منع الذمي أيضا) كذا في النهر، وهو مصرح به في الفتح حيث قال: وتثبت أحكام الذمي في حقه من منع الخروج إلى دار الحرب الخ.
قلت: والمراد الخروج على وجه اللحاق بهم، إذ لو خرج لتجارة مع أمن عوده عادة لا يمنع كالمسلم بقرينة التعليل المار، فتدبر.
ثم رأيت في شرح السير الكبير أن الذمي لو أراد الدخول إليهم بأمان فإنه يمنع أن يدخل فرسا معه أو سلاحا، لان الظاهر من حاله أنه يبيعه منهم، بخلاف المسلم إلا أن يكون معروفا بعدواتهم، ولا يمنع من الدخول بتجارة على البغال والحمير والسفن لانه للحمل، لكن يستحلف أنه لم يرد بيع ذلك منهم.
قوله: (كما يمنع) الاولى أن يقول كما يصير ذميا، كما قال الامام محمد رحمه الله تعالى في السير الكبير إذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان فاشترى أرض خراج، فوضع عليه الخراج فيها كان ذميا اه.
قال السرخسي: فيوضع عليه خراج رأسه، ولا يترك أن يخرج إلى داره لان خراج الارض لا يجب إلا على من هو من أهل دار الاسلام فكان ذميا.
وفي الهداية: وإذا لزمه خراج الارض، فبعد ذلك تلزمه الجزية لسنة مستقبلة، لانه يصير ذميا بلزوم الخراج فتعتبر المدة من وقت وجوبه.
قوله: (بأن ألزم به وأخذ منه) الظاهر أن المراد بالاخذ استحقاق الاخذ منه، وهو معنى الوضع عليه في عبارة الامام محمد، فليس المراد به الاخذ بالفعل، بل هو تأكيد لرد ما قيل إنه يصير ذميا بمجرد الشراء، وهو خلاف ظاهر الرواية، لانه قد
يشتريها للتجارة.
قال في الفتح: والمراد بوضعه إلزامه به وأخذه منه عند حلول وقته، وهو بمباشرة(4/351)
السبب، وهو زراعتها أو تعطيلها مع التمكن منها إذا كانت في ملكه أو زراعتها بالاجارة وهي في ملك غيره إذا كان خراج مقاسمة، فإنيؤخذ منه لا من المالك فيصير به ذميا، بخلاف ما إذا كان على المالك اه: أي بأن كان خراجا موظفا: أي دراهم معلومة، فإنه على مالك الارض، فلا يصير به المستأجر ذميا لانه لا يؤخذ منه، أما خراج المقاسمة: وهو ما يكون جزءا من الخارج كنصفه أو ثلثه فإنه يؤخذ من المستأجر، لكن هذا على قولهما، أما على قوله فإن الخراج مطلقا على المالك، وكذا الخلاف في العشر، وقد صرح بذلك السرخسي، وهو الموافق لما تقدم في باب العشر، وقدمنا ترجيح قول الامام هناك، ففي إطلاق الفتح نظر: لايهامه أن ذلك متفق عليه عندنا ولم ينبه على ذلك في البحر والنهر.
فتدبر.
قوله: (كخراج الرأس) أي في أنه إذا التزمه صار ملتزما المقام في دارنا.
بحر.
قوله: (أو صار لها الخ) أي تصير ذمية بذلك، وظاهره أن النكاح حادث بعد دخولها دارنا، وليس بشرط، فإنهما لو دخلا دارنا ثم صار الزوج مسلما أو ذميا، فهو كذلك كما أفاده في البحر، وقيد بالكتابية، لانها لو كانت مجوسية وأسلم زوجها يعرض القاضي عليها الاسلام، فإن أسلمت، وإلا فرق بينهما، ولها أن ترجع بعد انقضاء عدتها، كما في شرح السير.
قوله: (لتبعيتها له) المراد بالتبعية كونها التزمت المقام معه كما في البحر، وهذا شامل للزوج المسلم والذمي، فافهم.
قوله: (وإن لم يدخل بها) فالشرط مجرد عقده عليها كما أشار إليه الزيلعي.
بحر.
قوله: (لا عكسه) أي لا يصير المستأمن ذميا إذا نكح ذمية، لانه يمكنه طلاقها فيرجع إلى بلده، فلم يكن ملتزما المقام، وكذا لو دخلابأمان فأسلمت.
بحر.
وما في الهداية في آخر كتاب الطلاق من أنه يصير ذميا بالتزوج في دارنا غلط من الكاتب مخالف للنسخة الاصلية.
أفاده في النهر.
قوله: (على ما مر عن الدرر) أي من أنه لا يشترط قول الامام: إن أقمت سنة وضعنا علينا الجزية.
قوله: (ومنه الخ) أي من حكم المهر علم حكم غيره من الدين فإن للدائن منعه من الرجوع أيضا، فإذا منعه ومضى حول: صار ذميا.
قوله: (فإن رجع المستأمن) ظاهره أنه لا فرق بين كونه قبل الحكم
بكونه ذميا أو بعده، لان الذمي إذا لحق بدار الحرب صار حربيا كما سيأتي.
بحر.
قوله: (فأسر) أي من غير ظهور على دراهم بأن وجده مسلم فأسره.
قوله: (بمعنى غلب) الاولى تأخيره عن قوله: عليهم لقول المغرب: ظهر عليه غلب.
قوله: (فأخذوه) احتراز عما لو هرب كما يأتي.
قوله: (سقط دينه) لان إثبات اليد عليه بواسطة المطالبة، وقد سقطت، ويد من عليه أسبق إليه من يد العامة فيختص به فيسقط، ولا طريق لجعله فيئا لانه الذي يؤخذ قهرا، ولا يتصور ذلك في الدين.
نهر، وهذا معنى قوله الآتي: لسبق يده فهو علة للكل.
قوله: (وسلمه) أي لو أسلم إلى مسلم دراهم على شئ.
قوله: (وما غصب منه) ذكره في البحر بحثا، وبنى عليه في النهر السلم(4/352)
والاجرة.
قوله: (وصار ماله) أفاد أن الدين ليس ماله لانه ملك المديون، وللمالك حق المطالبة به ليستوفي مثله لا عينه.
قوله: (كوديعته) أي عند مسلم أو ذمي.
ملتقى.
قال ط: وكذا غيره بالاولى.
وفي البحر: وإنما صارت وديعته غنيمة لانها في يده تقديرا، لان يد المودع كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه، وإذا صار ماله غنيمة لا خمس فيه وإنما يصرف كما يصرف الخراج، والجزية لانه مأخوذ بقوة المسلمين بلا قتال، بخلاف الغنيمة.
قوله: (واختلف في الرهن) فعند أبي يوسف: للمرتهن بدينه، وعند محمد: يباع ويستوفي دينه والزيادة فئ للمسلمين، وينبغي ترجيحه لان ما زاد على قدر الدين في حكم الوديعة.
بحر.
ورده في النهر بأن تقديم قول أبي يوسف يؤذن بترجيحه، وهذا لان الوديعة إنما كانت فيئا لما مر أنها في يده حكما، ولا كذلك الرهن اه.
وأجاب الحموي: بأنه على تسليم أن التقديم يفيد الترجيح دائما فيفيد أرجحية الاول فيما إذا كان الرهن قدر الدين، أما الزيادة فقد صرحوا في كتاب الرهن بأنها أمانة غير مضمونة، وكذا قال ح: الحق ما في البحر، وذكر نحو ذلك.
قوله: (وجب التسليم إليه) لان ماله لا يصيره فيئا إلا بأسره أو بقتله ولم يوجد أحدهما ط.
قوله: (وعليه) أي على ما ذكر من وجوب التسليم، ووجه البناء أن طلب غريمه كطلبه بوكيله، أو رسوله، وهذه المسألة ذكرها في البحر بحثا فقال: ولم أر حكم ما إذا كان على المستأمن دين لمسلم أو ذمي أدانه له في دارنا ثم رجع، ولا يخفى أنه باق لبقاء المطالبة، وينبغي أن
يوفي من ماله المتروك، ولو صارت وديعته فيئا اه.
ولا يخفى أن فيما ذكره الشارح تبعا للنهر من بناء المسألة على ما قبلها تقوية للبحث، وقد علمت وجهه.
وقال في النهر، فإن كانت الوديعة من غير جنس الدين: باعها القاضي ووفى منها، وقد أفتيت بذلك اه.
قوله: (فماله له) وكذا دينه، ويلزم من ذلك أنه لو أرسل من يأخذه وجب تسليمه، كما لا يخفى.
قوله: (له ثمة) أي في دار الحرب عرس بالكسر: أي زوجة.
قوله: (وأولاد) أي ولو صغارا، لان الصغير إنما يتبع أباه في الاسلام عند اتحاد الدار.
بحر: أي ولو حكما لما في شرح التحرير، وكذا يتبعه إذا كان المتبوع في دار الحرب، والتابع في دار الاسلام اه: أي لان المسلم في دار الحرب من أهل دارنا.
مطلب مهم: الصبي يتبع أحد أبويه في الاسلام وإن كان يعقل، ما لم يبلغ: وخلافه خطأ تنبيه: في شرح السير الكبير: لو دخل الصغير الذي يعبر عن نفسه دارنا لزيارة أبويه: فإن كانا ذميين فله الرجوع إلى دار الحرب، بخلاف ما إذا كانا مسلمين أو أحدهما، فإنه يصير مسلما تبعا للمسلم منهما، لان الذي يعبر عن نفسه في حكم التبعية في الاسلام كالذي لا يعبر عن نفسه.
قال: وبهذا تبين خطمن يقول من أصحابنا: إن الذي لا يعبر عن نفسه لا يصير مسلما تبعا لابويه، فقد نص محمد ها هنا على أنه يصير مسلما اه.(4/353)
والحاصل: أنه تنقطع تبعية الولد في الاسلام لاحد أبويه ببلوغه عاقلا كما صرح به السرخسي قبل ذلك، ومقتضاه أنه لو بلغ مجنونا تبقى التبعية، وبه ظهر ما في فتاوى العلامة ابن الشلبي من أن الصبي إذا عقل لا يصير مسلما بإسلام أحد أبويه، فقد علمت أن هذا القول خطأ، وقد نبهنا على ذلك في باب نكاح الكافر، وفي باب الجنائز عند قوله: كصبي سبي مع أحد أبويه.
وبقي ما لو ادعى الابن البلوغ، وبرهن وادعى أبوه أنه قاصر وبرهن أيضا يريد القاضي أهل الخبرة، وأما لو كانت الدعوى بعد مضي مدة تقدم بينة الاب إنه قاصر، ليجعل الابن مسلما كما أفتى له الرحيمي، وأطال في تحقيقه في فتاواه، في أواخر كتاب الدعوى.
قوله: (ثم ظهرنا عليهم) أي على دارهم.
قوله: (فكله) أي كاما ذكر من عرسه وما بعدها.
قوله: (ولو سبي طفله الخ) قال
في البحر: ولو سبى الصبي في هذه المسألة وصار في دار الاسلام، فهو مسلم تبعا لابيه، لانهما اجتمعا فدار واحدة، بخلاف ما قبل إخراجه وهو فئ على كل حال اه.
لكن في العزمية قوله: ولو سبي: أي مع أمه، فإنه لو سبي بدونها لا تظهر فائدة التبعية بالاب، فإنه يحكم بإسلامه بتبعية الدار على ما مر في كتاب الصلاة اه: أي في فصل الجنائز.
قوله: (لاتحاد الدار) لانه لما أسلم في دار الحرب تبعه طفله.
درر.
فالمراد بالدار دار الحرب، فافهم، وذلك لان ما ثبت يكون باقيا ما لم يوجد مزيل، ومثله لو لم يسلم بل بعث إلى الامام: إني ذمة لكم أقيم في دار الحرب، وأبعث بالخراج كل سنة جاز، ويكون الاب أحق به لما قلنا، لان الذمي لا يملك بالقهر، وكذا لو أسلم الاب في دارنا أو صار ذميا، ثم رجع حتى ظهرنا على دارهم تبعه طفله ولا سبيل عليه، وتمامه في شرح السير، قوله: (وغيره) أي غير ما ذكر من الطفل والوديعة مع معصوم وهو أولاده الكبار وعرسه وعقاره ووديعته مع حربي.
درر قوله: (لعدم النيابة) أي نيابة الغاصب عنه قوله: (وللامام حق أخذ دية الخ) زاد لفظ: حق إشارة إلى ما في البحر من أن أخذه الدية ليس لنفسه، بل ليضعها في بيت المال، وهو المقصود من ذكرها هنا، وإلا فحكم القتل الخطإ معلوم، ولذا لم ينص على الكفارة لما سيأتي في الجنايات قوله: (ودية مستأمن أسلم هنا) أما إذا لم يكن مستأمنا أو لم يسلم لا شئ على قاتله كما في شرح مسكين، وتقدم قبيل هذا الفصل ما لو أسلم في دار الحرب فقتله مسلم قوله: (له القتل قصاصا) لان الدية وإن كانت أنفع للمسلمين من قتله لكن قد تعود عليهم من قتله منفعة أخرى، وهي أن ينزجر أمثاله عن قتل المسلمين.
بحر قوله: (أو الدية صلحا) أي برضا القاتل، لان موجب العمد هو القود.
بحر.
وحاصله: أن للامام أن يقتل أو يصالح على الدية إن رضي القاتل بالصلح، والظاهر أنه ليس له الصلح على أقل من الدية، كما يفيده التعليل الآتي إلا إذا لم يمكن إثبات القتل عليه كما في وصي اليتيم.
تأمل.
قال في الشرنبلالية وهل إذا طلب الامام الدية ينقلب القصاص ما لا كما في الولي؟ فلينتظر اه.(4/354)
قلت: الظاهر: نعم، لقول الفتح: وإنما كان للسلطان ذلك: أي القتل أو الصلح لانه هو ولي المقتول.
قال عليه الصلاة والسلام السلطان ولي من لا ولي له اه.
قوله: (نظرا) لحق العامة فإن ولايته.
عليهم نظرية، وليس من النظر إسقاط حقهم بلا عوض.
فتح..وفيه أيضا أنه لو كان المقتول لقيطا للامام أن يقتل القاتل عندهما، خلافا لابي يوسف، وتمامه فيه قوله: (أو من وجب عليه قود) أي في النفس، أما فيما دونها فيقتص منه في الحرم إجماعا، ذكره الشارح في الجنايات ط قوله: (التجأ بالحرم) فيه، ذكره الشارح في الجنايات، ولو قتل في البيت لا يقتل فيه وفي شرح السير: لو كانوا جماعة دخلوا الحرم للقتال فلا بأس أن نقاتلهم لقوله تعالى: * (حتى يقاتلوكم فيه) * (سورة البقرة: الآية 191) لا حرمة الحرم لا تلزمنا تحمل أذاهم كالصيد إذا صال على إنسان في الحرم.
جاز قتله دفعا لاذاه ولو قاتلوا في غيره، ثم انهزموا ودخلوا فيه لا نتعرض لهم إلا إذا كانت لهم فئة في الحرم، وصارت لهم منعة، لان المتلجئ إلى فئة محارب، وجميع ما ذكر في أهل الحرب هو كذلك في الخوارج والبغاة اه.
مطلب فيما تصير به دار الاسلام دار حرب، وبالعكس قوله: (لا تصير دار الاسلام دار حرب الخ) أي بأن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا أو ارتد أهل مصر وغلبوا وأجروا أحكام الكفر أو نقض أهل الذمة العهد وتغلبوا على دارهم، ففي كل من هذه الصور لا تصير دار حرب، إلا بهذه الشروط الثلاثة، وقالا: بشرط واحد لا غير، وهو إظهار حكم الكفر وهو القياس.
هندية.
ويتفرع على كونها صارت دار الحرب: أن الحدود والقود لا يجري فيها، وأن الاسير المسلم يجوز له التعرض لما دون الفرج، وتنعكس الاحكام إذا صارت دار الحرب دار الاسلام، فتأمل ط...وفي شرح درر البحار قال بعض المتأخرين: إذا تحققت تلك الامور الثلاثة في مصر المسلمين، ثم حصل لاهله الامان، ونصب فيه قاض مسلم ينفذ أحكام المسلمين: عاد إلى دار الاسلام، فمن ظفر من الملاك الاقدمين بشئ من ماله بعينه فهو له بلا شئ، ومن ظفر به بعدما باعه مسلم أو كافر من مسلم أو ذمي أخذه بالثمن إن شاء، ومن ظفر به بعدما وهبه مسلم، أو كافر لمسلم أو ذمي وسلمه إليه أخذه بالقيمة إن شاء اه.
قلت: حاصله أنه لما صار دار الحرب صار في حكم ما استولوا عليه في دارهم.
قوله: (بإجراء أحكام أهل الشر ك) أي على الاشتهار وأن لا يحكم فيها بحكم أهل الاسلام.
هندية.
وظاهره أنه لو أجريت أحكام المسلمين، وأحكام أهل الشرك لا تكون دار حرب ط.
قوله: (وباتصالها بدار الحرب) بأن لا يتخلل بينهما بلدة من بلاد الاسلام.
هندية ط.
وظاهره أن البحر ليس فاصلا، بل قدمنا في باب استيلاء الكفار أن بحر الملح ملحق بدار الحرب، خلافا لما في فتاوى قارئ الهداية.
قلت: وبهذا ظهر أن ما في الشام من جبل تيم الله المسمى بجبل الدروز وبعض البلاد التابعة كلها دار إسلام، لانها وإن كانت لها حكام دروز أو نصارى، ولهم قضاة على دينهم وبعضهم يعلنون بشتم الاسلام والمسلمين، لكنهم تحت حكم ولاة أمورنا، وبلاد الاسلام محيطة ببلادهم من كل(4/355)
جانب وإذا أراد ولي الامر تنفيذ أحكامنا فيهم نفذها.
قوله: (بالامان الاول أي الذي كان ثابتا قبل استيلاء الكفار للمسلم بإسلامه وللذمي بعقد الذمة.
هندية ط.
تتمة: ذكر في أول جامع الفصولين: كل مصر فيه وآل مسلم من جهة الكفار يجوز منه إقامة الجمع والاعياد وأخذ الخراج وتقليد القضاء وتزويج الايامي لاستيلاء المسلم عليهم، وأما طاعة الكفرة فهي موادعة ومخادعة، وأما في بلاد عليها ولاة كفار فيجوز للمسلمين إقامة الجمع والاعياد، ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين، ويجب عليهم طلب وآل مسلم اه.
وقدمنا نحوه في باب الجمعة عن البزازية.
قوله: (وهذا) أي قوله حربي أو مرتد إلى آخر الباب.
وقوله: لمجئ بعضه أي المسألة الاولى فإنها ستجئ في الجنايات.
وقوله: ووضوح باقيه أي مسألة الدار، وفى وضوحها نظر، والله سبحانه أعلم.
باب العشر والخراج والجزية شروع فيما على المستأمن في أرضه من الوظائف المالية إذا صار ذميا بعد الفراغ عما به يصير ذميا، وذكر العشر معه تتميما لوظيفة الارض، وقدمه لما فيه من معنى العبادة.
نهر.
وألحق به
الجزية لان المصرف واحد.
قوله: (أرض العرب) في مختصر تقويم البلدان: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض.
ويمن.
فأما تهامة فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأما الحجاز فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام، وفيه المدينة وعمان، وأما العروض فهو اليمامة إلى البحرين.
وإنما سمي الحجاز حجازا لانه حجز بين نجد واليمامة.
قال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى طريق الكوفة، وما وراء ذلك إلى أن يشارف البصرة، فهو نجد، ومن المدينة إلى طريق مكة إلى أن يبلغ هبط العرج حجاز أيضا، وما وراء ذلك إلى مكة وجدة فهو تهامة، وما كان بين العراق وبين وجرة وغمرة الطائف فهو نجد، وما وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة، وما بين تهامة ونجد فهو حجاز اه.
قوله: (وهي من حد الشام) نظم بعضهم حدها طولا وعرضا بقوله: جزيرة هذه الاعراب حدت بحد علمه للحشر باقي فأما الطول عند محققيه فمن عدن إلى ربو العراق وساحل جدة إن سرت عرضا إلى أرض الشآم بالاتفاق قوله: (وما أسلم أهله) أي والارض التي أسلم أهلها، وذكر الضمير هنا وفيما سيأتي مراعاة للفظ ما نهر.
قوله: (عنوة) بالفتح قال الفارابي: وهو من الاضداد يطلق على الطاعة والقهر وهو المراد هنا.
نهر.
قوله: (وقسم بين جيشنا) احترز به عما إذا قسم بين قوم كافرين غير أهله، فإنه(4/356)
خراجي كما في النتف، ولو قال: بيننا لشمل ما إذا قسم بين المسلمين غير الغانمين، فإنه عشري لان الخراج لا يوظف على المسلم ابتداء.
ذكره القهستاني.
در.
منتقى.
قوله: (والبصرة أيضا) والقياس أن تكون خراجية عند أبي يوسف، لانها بقرب أرض الخراج، لكنه ترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
در.
منتقى، وغيره.
وحاصله: أنه سيأتي أن ما أحياه مسلم يعتبر قرية عند أبي يوسف.
وعند محمد: يعتبر الماء، والمعتمد الاول، والبصرة أحياها المسلمون لانها بنيت في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى
عنه، وهي في حيز أرض الخراج، فقياس قول أبي يوسف أن تكون خراجية.
قوله: (لانه أليق بالمسلم) أي لما فيه من معنى العبادة، وكذا هو أخف حيث يتعلق بنفس الخارج، وهذا علة لما أسلم أهله أو قسم بين جيشنا، وأما أرض العرب فلانه لم ينقل عنه (ص) ولا عن أحد من الخلفاء أخذ خراج من أراضيهم، وكما لا رق عليهم لا خراج على أراضيهم.
نهر.
وتمامه في الفتح.
قوله: (وحررناه في شرح الملتقى) نصه وفي دار جعلت بستانا خراج إن كانت لذمي مطلقا، خلافا لهما أو لمسلم سقاها بمائه أي الخراج، وإن سقاها بماء العشر فعشر، ولو أن المسلم أو الذمي سقاها مرة بماء العشر ومرة بماء الخراج، فالمسلم أحق بالعشر والذمي بالخراج كما في المعراج.
واستشكل الباقاني وجوب الخراج على المسلم ابتداء فيما إذا سقاها بماء الخراج، بل عليه العشر بكل حال.
وفي الغاية عن السرخسي: وهو الاظهر.
وأجاب في البحر بأن الممنوع وضع في الخراج عليه جبر، أما باختياره فيجوز كما هنا، وكما لو أحيا مواتا بإذن الامام وسقاها بماء الخراج فعليه الخراج اه ح.
وسيأتي الكلام على ماء العشر والخراج.
قوله: (وسواد قرى العراق) أي عراق العرب.
درر.
في القاموس: سواد البلد قراها، وإنما سمي به لخضرة أشجاره وكثرة زروعه والعراق بالكسر اسم البصرة، والكوفة وبغداد ونواحيها.
در.
منتقى.
وعليه فقوله: قرى بدل من سواد أو تفسير على إسقاط أي التفسيرية، والاحتراز بعراق العرب عن عراق العجم، وهو من الغرب أذربيجان ومن الجنوب شئ من العراق، وخورستان ومن الشرق مفازة خراسان وفارس، ومن الشمال بلاد الديلم وقرفين كما في تقويم البلدان.
قوله: (قرية من قرى الكوفة) الذي في تقويم البلدان أنه ماء لبني تميم، وهو أول ماء يلقي الانسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكة اه.
ولعله أراد بالقرية القادسية المذكورة، ويؤيده أنه في تقويم البلدان جعلها الحد، فإنه قال: وامتداد العراق طولا وشمالا وجنوبا من الحديثة على دجلة إلى عبدان، وامتداده عرضا غربا وشرقا من القادسية إلى حلوان.
قوله: (بضم فسكون) أي بضم الحاء وسكون اللام.
قوله: (من الثعلبة)(4/357)
الذي رأيته في غيره: الثعلبية بياء النسبة.
قوله: (غلط) لانها من منازل البادية بعد العذيبة بكثير، كما
نقل عن ذخيرة العقبى.
قوله: (حصن صغير بشط البحر) أي بحر فارس وهو يدور بها فلا يبقى منها في البر إلا القليل، وهي عن البصرة مرحلة ونصف، كذا في تقويم البلدان.
قوله: (وبالايام الخ) قال في تقويم البلدان: والسائر من تكريت، وهي على النهاية الشمالية للعراق إلى عبدان، وهي على النهاية الجنوبية له على تقويس الحد الشرقي مسافة شهر، وكذلك من تكريت إلى عبدان إذا سار على تقويس الحد الغربي: أعني من تكريت إلى الانبار إلى واسط إلى البصرة إلى عبادان، فيكون دور العراق مسافة شهرين، وطوله على الاستقامة من تكريت إلى عبدان نحو عشرين مرحلة، وعرض العراق من القادسية إلى حلوان نحو إحدى عشرة مرحلة اه.
تأمل.
وهذا تحديد العراق بتمامه، وأما تحديد سواده، ففي البحر عن البناية عن شرح الوجيز: طول سواد العراق مائة وستون فرسخا وعرضه ثمانون فرسخا ومساحته ستة وثلاثون ألف جريب اه.
قوله: (إلا مكة) فإنها وإن فتحت عنوة، لكنها عشرية لانها من جزيرة العرب كما مر.
قوله: (سواء أقر أهله عليه الخ) أشار إلى أن قول المصنف: تبعا للكنز وأقر أهله عليه ليس بشرط في كونها خراجية، بل الشرط عدم قسمتها، صرح بذلك في شرح الطحاوي كما في النهر، ولم يقيد كونها خراجية بأن تسقى بماء الخراج لانه لا فرق بينه وبين ما إذا سقيت بماء العشر، كما إذا قسمت بين المسلمين، فإنها عشرية، وإن سقيت بماء الخراج، وإنما التفصيل في الفرق بين ما يسقى بماء العشر أو بماء الخراج في الارض المحياة لمسلم، التي لم تقسم ولم يقر أهلها عليها، كما حققه في البحر تبعا للفتح وغيره، ويأتي بتمامه.
قوله: (لانه أليق بالكافر) لانه يشبه الجزية لما فيه من معنى العقوبة، ولان فيه تغليظا حيث يجب وإن لم يزرع، بخلاف العشر لتعلقه بعين الخارج لا بالارض.
مطلب في أن أرض العراق والشام ومصر عنوة خراجية مملوكة لاهلها قوله: (وأر ض السواد) أي سواد العراق: أي قراه، وكذا كل ما فتح عنوة وأقر أهله عليه أو صولحوا ووضع الخراج على أراضيهم: فهي مملوكة لاهلها.
در.
منتقى.
قلت: وكذا أرض الشام ومصر فتحت عنوة على الصحيح، وأقر أهلها عليها بالخراج، فقد قال أبو يوسف في كتاب الخراج: وهذه الارضون إذا قسمت فهي أرض عشر، وإن تركها الامام في أيدي أهلها الذين قهروا
عليها فهو حسن، فإن المسلمين افتتحوا أرض العراق والشام ومصر، ولم يقسموا شيئا من ذلك، بل وضع عمر رضي الله عنه عليها الخراج، وليس فيها خمس.
اه ملخصا.
فقد أفاد أنها مملوكة لاهلها.
مطلب في جواز بيع الاراضي المصرية والشامية قوله: (ويجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها) أي بالرهن والهبة، لان الامام إذا فتح أرضا عنوة له أن يقر أهلها عليها، ويضع عليها الخراج وعلى رؤوسهم الجزية فتبقى الارض مملوكة لاهلها، وقدمناه قبل باب قسمة الغنائم.
فتح.
قال في الدرر المنتقى: وتورث عنهم إلى أن لا يبقى منهم(4/358)
أحد، فينتقل الملك لبيت المال الخ، ويأتي تمامه.
قوله: (ويجب الخراج في أرض الوقف) أي الارض الخراجية، كما يأتي تقييده في قوله: لو خراجية الخ.
والحاصل: أن الارض تبقى وظيفتها بعد الوقف كما كانت قبله.
مطلب: أراضي المملكة والحوز: لا عشرية ولا خراجية قوله: (فلا عشر ولا خراج) لم يذكر في البحر العشر، وإنما قال بعدما حقق: إن الخراج ارتفع عن أراضي مصر، لعودها إلى بيت المال بموت ملاكها، قال: فإذا اشتراها إنسان من الامام بشرطه شراء صحيحا ملكها، ولا خراج عليها، فلا يجب عليها الخراج، لان الامام قد أخذ البدل للمسلمين، فإذا وقفها سالمة من المؤن، فلا يجب الخراج فيها، وتمامه فيما كتبناه في التحفة المرضية في الاراضي المصرية اه.
نعم ذكر العشر في تلك الرسالة فقال: إنه يجب أيضا لانه لم ير فيه نقلا.
قلت: ولا يخفى ما فيه لانهم قد صرحوا بأن فرضية العشر ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع والمعقول، وبأنه زكاة الثمار والزروع، وبأنه يجب في الارض الغير الخراجية، وأنه يجب فيما ليس بعشري ولا خراجي كالمفاوز والجبال، وبأن سبب وجوبه الارض النامية بالخارج حقيقة، بأن يجب في أرض الصبي والمجنون والمكاتب، لانه مؤنة الارض، وبأن الملك غير شرط فيه، بل الشرط ملك الخارج، فيجب في الاراضي الموقوفة لعموم قوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما
أخرجنا لكم من الارض) * (سورة البقرة: الآية 762) وقوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (سورة الانعام: الآية 141) وقوله (ص): ما سقت السماء ففيه العشر، وما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر ولان العشر يجب في الخارج لا في الارض، فكان ملك الارض وعدمه سواء، كما في البدائع ولا شك أن هذه الارض المشتراة وجد فيها سبب الوجوب وهو الارض النامية وشرطه وهو ملك الخارج، ودليله وهو ما ذكرنا.
وقول المتن: يجب العشر في مسقى سماء وسيح الخ، فالقول بعدم الوجوب في خصوص هذه الارض يحتاج إلى دليل خاص ونقل صريح، ولا يلزم من سقوط الخراج المتعلق بالارض سقوط العشر المتعلق بالخارج، على أنه قد ينازع في سقوط الخراج، حيث كانت من أرض الخراج أسقيت بمائه، بدليل أن الغازي الذي اختط له الامام دارا لا شئ عليه فيها، فإذا جعلها بستانا وسقاها بماء العشر فعليه العشر، أو بماء الخراج فعليه الخراج كما يأتي، مع أن الواقع الآن في كثير من القرى أو المزارع الموقوفة أنه يؤخذ منها للميري النصف أو الربع أو العشر، وقد نبهنا على ذلك في باب العشر من كتاب الزكاة.
قوله: (لو كانت الارض خراجية) شرط لقوله: ويجب الخراج وقوله: والعشر عطف على الخراج.
قوله: (وقالوا الخ) هو مصرح به في الهداية وغيرها.
والحاصل: الاتفاق على أنها خراجية، وإنما اختلف العلماء في أنها فتحت عنوة أو صلحا،(4/359)
ولا يؤثر في كونها خراجية لانها تكون خراجية إذا لم يسلم أهلها، سواء فتحت عنوة ومن على أهلها بها، أو صلحا ووضع عليهم الجزية، كما مر آنفا.
مطلب: لا شئ على زراع الاراضي السلطانية من عشر أو خراج سوى الاجرة قوله: (المأخوذ الآن من أراضي مصر أجرة لا خراج) وكذا أراضي الشام كما يأتي عن (فضل الله الرومي) وقال في الدر المنتقى: فيؤجرها الامام، ويأخذ جميع الاجرة لبيت المال، كدار صارت لبيت المال، واختار السلطان استغلالها، وإن اختار بيعها فله ذلك، إما مطلقا أو لحاجة، فثبت أن بيع الاراضي المصرية وكذا الشامية صحيح مطلقا، إما من مالكها أو من السلطان، فإن كان من
مالكها.
انتقلت بخراجها وإن من السلطان فإن لعجز مالكها عن زراعتها فكذلك، وإن لموت مالكها فقدمنا أنها صارت لبيت المال، وإن الخراج سقط عنها، فإذا باعها الامام لا يجب على المشتري خراج، سواء وقفها أو أبقاها.
قلت: وهذا نوع ثالث: يعني لا عشرية ولاخراجية من الاراضي تسمى أرض المملكة، وأراضي الحوز، وهو من مات أربابه بلا وارث وآل لبيت المال، أو فتح عنوة وأبقى للمسلمين إلى يوم القيامة، وحكمه على ما في التتارخانية أنه يجوز للامام دفعه للزراع بأحد طريقتين: إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج، وإما بإجارتها لهم بقدر الخراج، فيكون المأخوذ في حق الامام خراجا، ثم إن كان دراهم فهو خراج موظف، وإن كان بعض الخارج فخراج مقاسمة، وأما في حق الاكراه فأجرة لا غير.
لا عشر ولا خراج، فلما دل الدليل على عدم لزوم المؤنتين العشر والخراج في أراضي المملكة، والحوز كان المأخوذ منها أجرة لا غير اه.
ما في الدر المنتقى ملخصا.
مطلب: لا شئ على الفلاح لو عطلها، ولو تركها لا يجبر عليها قلت: فعلى هذا لا شئ على زراعها من عشر أو خراج، إلا على قولهما بأن العشر على المستأجر، كما مر في بابه، على أنك علمت أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه، بل هو في حق الامام خراج ولا يجتمع عشر مع خراج.
تأمل.
ثم رأيت في الخيرية: الزارع في الارض الوقف عامل بالحصة وهو المستأجر وليس عليه خراج.
قال في الاسعاف: وإذ دفع المتولي الارض مزارعة فالخراج أو العشر من حصة أهل الوقف، لانها إجارة معنى، وبمثله نقول: إذا كانت الارض لبيت المال وتدفع مزارعة للمزارعين، فالمأخوذ منهم بدل إجازة لا خراج، كما صرح به الكمال وغيره، ومما هو مصرح به أن خراج المقاسمة لا يلزم بالتعطيل، فلا شئ على الفلاح لو عطلها وهو غير مستأجر لها، ولا جبر عليه بسببها، وبه علم أن بعض المزارعين إذا ترك الزراعة وسكن مصرا فلا شئ عليه، فما تفعله الظلمة من الاضرار به: حرام، صرح به في البحر والنهر اه ملخصا.
لكن إذا كان المأخوذ من المزارعين كالربع أو الثلث، من الغلة بدل إجارة كما مر، يلزم أن يكون استئجار
الارض ببعض الخارج منها، وهو فاسد لجهالته، فما وجه الجواز هنا؟ قال في الدر المنتقى: والجواب ما قلنا: إنه جعل في حق الامام خراجا وفي حق الاكرة أجرة لضرورة عدم صحة الخراج(4/360)
حقيقة وحكما لما مر اه: أي لعدم من يجب عليه بسبب موت أهلها، وصيرورتها لبيت المال.
قلت: لكن يمكن جعلها مزارعة كممر في كلام الخيرية: وهي في معنى الاجارة، لا إجارة حقيقة، ولهذا قال في الفتح إن المأخوذ بدل إجارة.
مطلب: القول لذي اليد أن الارض ملكه وإن كانت خراجية ثم اعلم أن أراضي بيت المال المسماة بأراضي المملكة وأراضي الحوز إذا كانت في أيدي زراعها لا تنزع من أيديهم ما داموا يؤدون ما عليها، ولا تورث عنهم إذا ماتوا، ولا يصح بيعهم لها، ولكن جرى الرسم في الدولة العثمانية أن من مات عن ابن انتقلت لابنه مجانا، وإلا فلبيت المال، ولو له بنت أو أخ لاب له أخذها بالاجارة الفاسدة، وإن عطلها متصرف ثلاث سنين أو أكثر بحسب تفاوت الارض: تنزع منه وتدفع لآخر، ولا يصح فراغ أحدهم عنها لآخر بلا إذن السلطان أو نائبه، كما في شرح الملتقى، وتمام الكلام على ذلك قد بسطناه في تنقيح الفتاوى الحامدية.
قوله: (ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع الخ) هذا من كلام الفتح، وأقره في البحر.
قلت: لكن عدم ملك الزارع في الاراضي الشامية غير معلوم لنا، إلا في نحو القرى والمزارع الموقوفة أو المعلوم كونها لبيت المال، أما غيرها فنراهم يتوارثونها ويبيعونها جيلا بعد جيل.
وفي شفعة الفتاوى الخيرية: سئل في أخوة لهم أراض مغروسة، ولرجل أرض مغروسة مجاورة لها، وطريق الكل واحد، باع الرجل أرضه هل لهم أخذها بالشفعة ولا يمنع من ذلك كونها خراجية؟ أجاب: نعم، لهم الاخذ بالشفعة، وكونها خراجية لا يمنع ذلك، إذ الخراج لا ينافي الملك.
ففي التتارخانية وكثير من كتب المذهب: وأرض الخراج مملوكة، وكذلك أرض العشر يجوز بيعها وأيقافها، وتكون ميراثا كسائر أملاكه، فتثبت فيها الشفعة.
وأما الاراضي التي حازها السلطان لبيت المال ويدفعها للناس مزارعة لا تباع فلا شفعة فيها، فإذا ادعى واضع اليد الذي تلقاها شراء أو إرثا
أو غيرهما من أسباب الملك أنها ملكه، وأنه يؤدي خراجها، فالقول له أو على من يخاصمه في الملك البرهان إن صحت دعواه عليه شرعا، واستوفيت شروط الدعوى، وإنما ذكرت ذلك لكثرة وقوعه في بلدنا حرصا على نفع هذه الامة بإفادة هذا الحكم الشرعي الذي يحتاج إليه كل حين، والله تعالى أعلم اه.
ما في الخيرية.
ولا يخفى أنه كلام حسن جار على القواعد الفقهية، وقد قالوا: إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه، وفي رسالة الخراج لابي يوسف: وأيما قوم من أهل الخراج أو الحرب بادوا فلم يبق منهم أحد، وبقيت أرضهم معطلة، ولا يعرف أنها في يد أحد، ولا أن أحدا يدعي فيها دعوى، وأخذها رجل فحرثها وغرس فيها وأدى عنها الخراج أو العشر فهي له، وهذه الموات التي وصفت لك، وليس للامام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف اه.
وقدمنا عنه أيضا أن أر ض العراق والشام ومصر عنوية خراجية تركت لاهلها الذين قهروا عليها.
وفي شرح السير للسرخسي: فإن صالحوهم على أراضيهم، مثل أرض الشام مدائن وقرى، فلا ينبغي للمسلمين أن يأخذوا شيئا من دورهم وأراضيهم، ولا أن ينزلوا عليهم منازلهم، لانهم أهل عهد وصلح اه.
فإذا كانت مملوكة لاهلها فمن أين يقال إنها صارت لبيت المال باحتمال أن أهلها كلهم ماتوا بلا وارث؟ فإن هذا الاحتمال لا ينفي الملك الذي كان ثابتا،(4/361)
وقد سمعت التصريح في المتن تبعا للهداية، بأن أرض سواد العراق مملوكة لاهلها يجوز بيعهم لها، وتصرفهم فيها، وكذلك أرض مصر والشام كما سمعته، وهذا على مذهبنا ظاهر، وكذا عند من يقول: إنها وقف على المسلمين، فقد قال الاماالسبكي: إن الواقع في هذه البلاد الشامية والمصرية أنها في أيدي المسلمين، فشك أنها لهم إما وقفا وهو الاظهر من جهة عمر رضي الله عنه، وإما ملكا وإن لم يعرف من انتقل منه إلى بيت المال، فإن من بيده شئ لم يعرف من انتقل إليه منه يبقى في يده، ولا يكلف بينة.
ثم قال: ومن وجدنا في يده أو ملكه مكانا منها فيحتمل أنه أحيى، أو وصل إليه وصولا صحيحا اه.
مطلب: ليس للامام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف قال المحقق ابن حجر المكي في فتاواه الفقهية بعد نقله كلام السبكي: فهذا صريح في أنا نحكم لذوي الاملاك والاوقاف ببقاء أيديهم على ما هي عليه، ولا يضرنا كون أصل الاراضي ملكا لبيت المال، أو وقفا على المسلمين، لان كل أرض نظرنا إليها بخصوصها، لم يتحقق فيها أنها من ذلك الوقف ولا الملك، لاحتمال أنها كانت مواتا وأحييت، وعلى فرض تحقق أنها من بيت المال، فإن استمرار اليد عليها والتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم أو النظار فيما تحت أيديهم الازمان المتطاولة قرائن ظاهرة أو قطعية على اليد المفيدة، لعدم التعرض لمن هي تحت يده وعدم انتزاعها منه.
قال السبكي: ولو جوزنا الحكم برفع الموجود المحقق: أي وهو اليد بغير بينة، بل بمجرد أصل مستصحب، لزم تسليط الظلمة على ما في أيدي الناس.
ثم قال ابن حجر بعد كلام طويل: إذا تقرر ذلك بان لك واتضح اتضاحا لا يبقى معه ريبة: أن الاراضي التي في أيدي الناس بمصر والشام المجهول انتقالها إليهم تقر في يد أربابها، ولا يتعرض لهم فيها بشئ أصلا، لان الائمة إذا قالوا في الكنائس المبنية للكفر إنها تبقى، ولا يتعرض لها عملا بذلك الاحتمال الضعيف: أي كونها كانت في برية، فاتصلت بها عمارة المصر، فأولى أن يقولوا ببقاء تلك الاراضي بيد من هي تحت أيديهم، باحتمال أنها كانت مواتا فأحييت، أو أنها انتقلت إليهم بوجه صحيح.
اه.
مطلب فيما وقع من الملك الظاهر بيبرس من إرادته انتزاع العقارات من ملاكها لبيت المال وقد أطال رحمه الله تعالى في ذلك إطالة حسنة ردا على من أراد انتزاع أوقاف مصر وإقليمها، وإدخالها في بيت المال، بناء على أنها فتحت عنوة، وصارت لبيت المال، فلا يصح وقفها.
قال: وسبقه إلى ذلك الملك الظاهر بيبرس، فإنه أراد مطالبة ذوي العقارات بمستندات تشهد لهم بالملك، وإلا انتزعها من أيديهم متعللا بما تعلل به ذلك الظالم، فقام عليه شيخ الاسلام الامام النووي رحمه الله تعالى، وأعلمه بأن ذلك غاية الجهل والعناد، وأنه لا يحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شئ فهو ملكه، لا يحل لاحد الاعتراض عليه، ولا يكلف إثباته ببينة، ولا زال النووي رحمه الله تعالى يشنع على السلطان ويعظه إلى أن كف عن ذلك، فهذا الحبر الذي
اتفقت علماء المذاهب على قبول نقله والاعتراف بتحقيقه وفضله نقل إجماع العلماء على عدم المطالبة بمستند عملا باليد الظاهر فيها أنها وضعت بحق اه.
قلت: فإذا كان مذهب هؤلاء الاعلام أن الاراضي المصرية والشامية أصلها وقف على المسلمين أو لبيت المال ومع ذلك لم يجيزوا مطالبة أحد يدعي شيئا أنه ملكه بمستند يشهد له بناء(4/362)
على احتمال انتقاله إليه بوجه صحيح، فكيف يصح على مذهبنا بأنها مملوكة لاهلها أقروا عليها بالخراج، كما قدمناه؟ أنه يقال: إنها صارت لبيت المال، وليست مملوكة للزراع، لاحتمال موت المالكين لها شيئا فشيئا بلا وارث، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال أوقافها وإبطال المواريث فيها، وتعدي الظلمة على أرباب الايدي الثابتة المحققة في المدد المطاولة بلا معارض ولا منازع، ووضع العشر أو الخراج عليها لا ينافي ملكيتها كما مر، وهو صريح قول المصنف وغيره هنا: إن أرض سواد العراق خراجية وإنها مملوكة لاهلها، واحتمال موت أهلها بلا وار ث لا يصلح حجة في إبطال اليد المثبتة للملك، فإنه مجرد احتمال لم ينشأ عن دليل، ومثله لا يعارض المحقق الثابت، فإن الاصل بقاء الملكية، واليد أقوى دليل عليها، فلا تزول إلا بحجة ثابتة، وإلا لزم أن يقال مثل ذلك في كل مملوك بظاهر اليد، مع أنه لا يقول به أحد.
وقد سمعت نقل الامام النووي الاجماع على عدم التعرض، مع أن مذهبه أن تلك الاراضي في الاصل غير مملوكة لاهلها بل هي وقف، أو ملك لبيت المال، فعلى مذهبنا بالاولى، واحتمال كون أهلها ماتوا بلا وارث بعد الامام النووي أبعد البعد، وهذا ابن حجر المكي بعد النووي بمئات من السنين وقد سمعت كلامه.
والحاصل في الاراضي الشامية والمصرية ونحوها: أن ما علم منها كونه لبيت المال بوجه شرعي فحكمه ما ذكره الشارح عن الفتح، وما لم يعلم فهو ملك لاربابه والمأخوذ منه خراج لا أجرة، لانه خراجي في أصل الوضع، فاغتنم هذا التحرير، فإنه صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ، وإنما أطلت في ذلك لاني لم أر من تعر ض لذلك هنا، بل تبعوا المحقق الكمال في ذلك والحق أحق أن يتبع، ولعل مراد المحقق ومن تبعه الاراضي التي علم كونها لبيت المال، والله
تعالى أعلم.
مطلب في السلطان وشرائه أراضي بيت المال قوله: (وعلى هذا) أي على كونها صارت لبيت المال.
قوله: (من وكيل بيت المال) متعلق بشراؤه، وهو من نصبه الامام قيما على بيت المال، وأما البيع فيصح بيعه بنفسه، بخلاف الشراء، فإن وصي اليتيم لا يصح شراؤه مال اليتيم، فلذا قيد الشراء بكونه من الوكيل وفي الخانية والخلاصة: فإن أراد السلطان أن يأخذها لنفسه يبيعها من غيره، ثم يشتري من المشتري اه.
وفي التجنيس: إذا أراد السلطان أن يشتريها لنفسه أمر غيره أن يبيعها من غيره ثم يشتريها لنفسه من المشتري، لان هذا أبعد من التهمة اه.
قوله: (لانه كوكيل اليتيم) أي كوصيه وسماه ويكلا مشاكلة.
قوله: (فلا يجوز إلا لضرورة) أي بأن احتاج بيت المال لكن نازعه صاحب البحر في رسالته بإطلاق ما مر آنفا ن الخانية والخلاصة، فإنه يدل على جواز البيع للامام مطلقا، وبما في الزيلعي من أن للامام ولاية عامة، وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض ع المشترك العام جائز من الامام، ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه، فقوله: شيئا نكرة في سياق الشرط يعم العقار وغيره لحاجة وغيرها.
قوله: (زاد في البحر) أي زاد على قوله: إلا لضرورة قوله: أو رغب في العقار الخ وعبر عن هذه الزيادة في التحفة المرضية بقوله: أو مصلحة فافهم.
قلت: وسنذكر آخر الباب أن للامام أن يقطع من بيت المال الارض لمن يستحق، وأن هذا(4/363)
تمليك رقبتها كما سنحققه، وعلى هذا فيمكن شراؤها من المستحق.
قوله: (على قول المتأخرين) أي في وصي اليتيم أنه ليس له بيع العقار إلا في المسائل السبع الآتية، وهو المفتى به.
وعند المتقدمين: له البيع مطلقا، واختاره الاسيبجابي وصاحب المجمع وكثير، كما في التحفة المرصية.
قوله: (في سبع مسائل) ونصه: وجاز بيعه عقار صغير من أجنبي لا من نفسه بضعف قيمته أو لنفقة الصغير، أو دين الميت أو وصيمرسلة لا إنفاذ لها إلا منه، أو تكون غلبته لا تزيد على مؤنته، أو خوف خرابه أنقصانه، أو كونه في يد متغلب اه ح.
قوله: (فضل الله
الرومي) في بعض النسخ الرضي ولعله تحريف.
قوله: (بأن غالب أراضينا) الظاهر أن المراد الاراضي الشامية، ويحتمل أن يكون المراد الاراضي الرومية، ويؤيده الاول ما قدمناه عن الدر المنتقى من قوله: وكذا الشامية حيث جعلها مثل المصرية، وكان هذا مأخوذ من كلام الفتح المار وقد علمت ما فيه.
قوله: (كالعارية) وجه الشبه بينهما عدم تصرف من هي في يده تصرف الملاك من البيع ونحوه اه ح.
فلا بنافي ما مر عن التتارخانية من أنها تكون في أيديهم بالاجرة بقدر الخراج، وسيذكر الشارح أن من أقطعه السلطان أرضا فله إجارتها.
قوله: (ثم يشتريها منه) يعني من المشتري كما قدمنا التصريح به في عبارة التجنيس، وظاهر هذا أنه لا تشترط الضرورة في صحة البيع والشراء كما مر.
قوله: (وإذا لم يعرف الحال في الشراء الخ) أي لم يعرف أنه شراء صحيح، وجد فيه المسوغ الشرعي، بناء على ما مر عن الفتح من أنه لا يجوز إلا لضرورة.
قوله: (فالاصل الصحة) حملا لحال المسلم على الكمال.
قوله: (وبه عرف الخ) هذا كله أيضا من كلام النهر، وأصله لصاحب البحر.
مطلب في وقف الاراضي التي لبيت المال ومراعاة شروط الواقف وحاصله أن من اشترى أرضا مما صار لبيت المال فقد ملكها، وإن لم يعرف حال الشراء حملا على الصحة ولا خراج عليها بناء على ما مر، من أنها لما مات ملاكها بلا ورثة عادت لبيت المال وسقط خراجها لعدم من يجب عليه، فإذا باعها الامام لم يجب على المشتري خراجها لقبض الامام ثمنها، وهو بدل عينها.
وتقدم أيضا أنه لا عشر عليها أيضا، وقدمنا ما في ذلك، وحيث ملكها بالشراء صح وقفه لها، وتراعى شروط وقفه.
قال في: التحفة المرضي: سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما.
وما ذكره الجلال السيوطي من أنه لا يراعى شروطه إن كان سلطانا أو أميرا، وأنه يستحق ريعه من يستحق في بيت المال، من غير مباشرة للوظائف، فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان إياه من بيت المال، كما لا يخفى اه.
وحاصله أن ما ذكره السيوطي لا يخالف ما قلنا، لانه محمول على ما إذا لم يعرف شراء الواقف لها من بيت المال، بل وصلت إليه بإقطاع السلطان لها: أي بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال، فلم يصح وقفه لها، ولا تلزم شروطه، بخلاف ما إذا ملكها ثم وقفها كما قلنا.(4/364)
مطلب: أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها قلت: لكن بقي ما إذا لم يعرف شراؤه لها ولا عدمه، والظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها، لانه لا يلزم من وقفه لها أنه ملكها، ولهذا قال السيد الحموي في حاشية الاشباه قبيل قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام ما نصه: وقد أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والامراء لا يراعى شرطها، لانها من بيت المال أو ترجع إليه، وإذا كان كذلك يجوز الاحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال اه.
ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك.
ومثله ما سيذكره الشارح في الوقف عن المحبية عن المبسوط من: أن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع، لان أصلهالبيت المال اه: يعني إذا كانت لبيت المال، ولم يعلم ملك الواقف لها، فيكون ذلك إرصادا لا وقفا حقيقة: أي أن ذلك السلطان الذي وقفه أخرجه من بيت المال، وعينه لمستحقيه من العلماء والطلبة، ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال.
مطلب: على ما وقع للسلطان برقوق من إرادته نقض أوقاف بيت المال ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة: أن ينقض هذه الاوقاف لكونها أخذت من بيت المال، وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان ابن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية، فقال البلقيني: ما وقف على العلماء والطلية لا سبيل إلى نقضه، لان لهم في الخمس أكثر من ذلك، وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض، ووافقه على ذلك الحاضرون، كما ذكره السيوطي في النقل المستور في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور.
ثم رأيت نحوه في شرح الملتقى، ففي هذا صريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات، لا أوقاف حقيقة، وأن ما كان منها على مصاريف بيت المال لا ينقض، بخلاف ما وقفه السلطان على أولاد أو عتقائه مثلا، وأنه حيث كانت أرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقف صحيحا، فإن شرط صحته ملك الواقف، والسلطان بدون
الشراء من بيت المال لا يملكه.
وقد علمت موافقة العلامة الاكمل على ذلك، وهو موافق لما مر عن المبسوط، وعن المولى أبي السيعود، ولما سيذكره الشارح في الوقف عن النهر: من أن وقف الاقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت أرضا مواتا، أو ملكا للامام فأقطعها رجلا، وهذا خلاف ما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لارض بيت المال صحيح.
قلت: ولعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة، كما نقل الطرسوسي عن قاضيخان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز.
قال ابن وهبان: لانه إذا أبده على مصرفه الشرعي فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه اه.
فقد أفاد أن المراد من هذا الوقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان مما هو مصلحة عامة، وهو معنى الارصاد السابق، فلا ينافي ما تقدم، والله سبحانه أعلم.
قوله: (بإذن الامام قيد به لان الاحياء يتوقف على إذنه.
ط عن المنح.
قوله: (كما مر) أنه إذ قاتل(4/365)
مع المسلمين أو دلهم على الطريق يرضخ له.
ط.
قوله: (خراجي) لانه ابتداء وضع على الكافر وهو أليق به كما مر.
قوله: (اعتبر قربه) أي قرب ما أحياه إن كان إلى أرض الخراج أقرب كانت خراجية، وإن كان إلى العشر أقرب فعشرية.
نهى.
وإن كانت بينهما فعشرية مراعاة لجانب المسلم.
ط.
وعند أبي يوسف: واعتبر محمد الماء، فإن أحياها بماء الخراج فخراجية، وإلا فعشرية.
بحر.
وبالاول يفتى.
د.
منتقى.
قوله: (ما قارب الشئ يعطى حكمه) استئناف قصد به التعليل كفناء الدار لصاحبها الانتفاع به، وإن لم يكن ملكا له، ولذا لا يجوز إحياء ما قرب من العامر.
بحر.
قوله: (وكل منهما الخ) تبع في هذا صاحب الدرر، وهو مخالف لما في الهداية والتبيين والكافي وغيرها، من أن اعتبار الماء فيما لو جعل المسلم داره بستانا.
قال في الكافي: لان المؤنة في غير المنصوص عليه تدور مع الماء فإن كانت تسقى بماء بئر أو عين فهي عشرية، وإن كانت تسقى بأنهار الاعاجم فخراجية ولو بهذا مرة وبهذا مرة، فالعشر أحق بالمسلم اه.
ومقتضاه أن المنصوص على أنه عشري كأرض العرب ونحوها أو على أنه خراجي كأرض السواد
ونحوها: لا يعتبر فيه الماء، وعن هذا قال في الفتح بعد كلام: والحاصل: أن التي فتحت عنوة إن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ولو سقيت بماء المطر، وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلا العشر، وإن سقيت بماء الانهر.
وكل أرض لم تفتح عنوة بل أحياها مسلم: إن كان يصل إليها ماء الانهار فخراجية، أو ماء عين ونحوه فعشرية، وهذا قول محمد وهو قول أب يحنيفة اه.
فتحصل أن الماء يعتب رفيما لو أحيا مسلم أرضا أو جعل داره بستانا، بخلاف المنصوص على أنه عشري أو خراجي، وقدمنا عن الدر المنتقى أن المفتى به قول أبي يوسف: إنه يعتبر القرب، وهو ما مشى عليه المصنف أولا كالكنز وغيره، وقدمه في متن الملتقى، فأراد ترجيحه على قول محمد.
وقال ح: وهو المختار كما في الحموي على الكنز عن شرح قراحصاري وعليه المتون، واعتبار الماء قول محمد.
قال في الشرنبلالية: قوله وكل منهما الخ فيه مخالفة لقوله قبله: وما أحياه مسلم يعتبر بقربه لانه اعتبر الحيثمة، وهنا اعتبر الماء، وعلمت أن ذاك قول أبي يوسف، وهذا قول محمد اه.
قوله: (بماء العشر) هو ماء السماء والبئر والعين والبحر الذي لا يدخل تحت ولاية أحد، وماء الخراج هو ماء أنها حفرتها الاعاجم، وكذا سيحون، وجيحون، ودجلة، والفرات، خلافا لمحمد.
والحاصل أنه ما كان عليه يد الكفرة ثم حويناه قهرا وما سواه عشري، وتمامه فيما قدمناه في باب العشر.
مطلب في خراج المقاسمة قوله: (خراج مقاسمة الخ) هذا إنما يوضع ابتداء على الكافر كالموظف، فإذا فتح بلدة ومن على أهلها بأرضها له أن يضع الخراج عليها مقاسمة أو موظفا، بخلاف ما إذا قسمها بين الجيش فإنه يضع العشر.
قال الخير الرملي: خراج المقاسمة كالموظف مصرفا وكالعشر ما أخذ إلا فرق فيه(4/366)
بين الرطاب والزرع والكرم والنخل المتصل وغيره فيقسم الجميع على حسب ما تطيق الارض من: النصف، أو الثلث، أو الربع، أو الخمس، وقد تقرر أن خراج المقاسمة كالعشر لتعلقه
بالخارج، ولذا يتكرر بتكرر الخارج في السنة وإنما بفارقه في المصرف، فكل شئ يؤخذ منه العشر أو نصفه يؤخذ منه خراج المقاسمة، وتجري الاحكام التي قررت في العشر وفاقا وخلافا، فإذا علمت ذلك علمت ما يزرع في بلادنا وما يغرس، فإذا غرس رجل في أرضه زيتونا أو كرما أو أشجارا يقسم الخارج كالزرع ولا شئ عليه قبل أن يطعم، بخلاف ما إذا غرس في الموظف، ولو أخذها مقاطعة على دراهم معينة بالتراضي ينبغي الجواز، وكذا لو وقع على عداد الاشحار، لان التقدير يجب أن يكون بقدر الطاقة من أي شئ كان، ولان تقدير خراج المقاسمة مفوض لرأي الامام، وكل من الانواع الثلاثة يفعل في بلادنا، فبعض الارض تقسم ثمار أشجارها، ويأخذ مأذون السلطان منها ثلثا أو ربعا ونحوه، وبعضها يقطع عليه دراهم معينة، وبعضها بعد أشجارها، ويأخذ على كل شجرة قدرا معينا، وكل ذلك جائز عند الطاقة والرتاضي على أخذ شئ في مقابله خراج المقاسمة لمن يستحقه، ولا شك أن أراضي بلادنا خراجية، وخراجها مقاسمة، كما هو مشاهد، وتقديره مفوض إلى رأي الامام اه.
ويأتي تمام الكلام.
قلت: لكن مر أن المأخوذ الآن من أراضي مصر والشام: أجرة لا عشر ولاخراج، والمراد الاراضي التي صارت لبيت المال لا المملوكة أو الموقوفة كما قدمناه، لكن هذه الاجرة بدل الخراج كما مر ويأتي.
قوله: (يتعلق بالتمكن من الانتفاع) بيان لكونه واجبا في الذمة: أي أنه يجب في ذمته بمجرد تمكنه من الانتفاع بالارض لا بعين الخارج حتى لو تمكن من الزراعة وعطلها وجب، بخلاف ما لم يتمكن كما سيذكره المصنف.
قوله: (كما وضع الخ) تمثيل لخراج الوظيفة.
قوله: (على السواد) أي قرى العراق.
قوله: (بذراع كسرى) احترز عن ذراع العام وهو ست قبضات.
فتح.
والقبضة أربع أصابع.
قوله: (بالفدان) بالتثقيل آلة الحرث، ويطلق على الثورين يحرث عليهما في قران، وجمعه فدادين، وقد يخفف فيجمع على أفدنة وفدن.
مصباح.
والمراد هنا الارض، وهو في عرف الشام نوعان: روماني، وخطاطي، ومساحة كل معروفة عند الفلاحين.
قوله: (وعلى الاول المعول بحر) وأصله في الفتح وقال: إن الثاني يقتضي أن الجريب يختلف قدره في البلدان، ومقتضاه أن يتحد الواجب مع اختلاف المقادير، فإنه قد يكون عرف بلد فيه مائة ذراع
وعرف أخرى فيبين خمسون ذراعا.
قوله: (يبلغه الماء) صفة لجريب، قيد به لما يأتي من أنه لا خراج إن غلب الماء على أرضه أو انقطع، وبه علم أن المراد الماء الذي تصير به الارض صالحة للزراعة، فصار كقول الكنز جريب صلح للزراعة.
قوله: (صاعا) مفعول وضع وهو القفيز الهاشمي الذي ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه، كما في الهداية وغيره، وهو ثمانية أرطال أربعة أمناء، وهو صاع رسول الله (ص)، وينسب إلى الحجاج فيقال صاع حجاجي، لان الحجاج أخرجه بعد ما فقد، كما في ط عن الشلبي.
قوله: (من بر أو شعير أي فهو بخير في إعطاء الصاع من الشعير أو البر، كما(4/367)
في النهاية معزيا إلى فتاوى قاضيخان.
والصحيح أنه مما يزرع في تلك الارض كما في الكافي، شرنبلالية، ومثله في البحر.
وبقي ما إذا عطلها، والظاهر أن الامام بخير.
تأمل.
قوله: (ودرهما) هو وزن سبعة كما في الزكاة.
بحر.
وهو أن يكون وزنه أربعة عشر قيراطا.
جوهرة قوله: (الرطبة) بالفتح، والجمع الرطاب: وهي القثاء والخيار والبطيخ والباذنجان، وما جرى مجراه، والبقول غير الرطاب مثل الكراث.
شرنبلالية.
قوله: (متصلة) يعني أنه يشترط في تلك الاشجار التي للعنب والتمر وغيرهما أن يكون متصلا بعضها ببعض بحيث لا يمكن أن يزرع بينها.
أفاده في شرح الملتقى، فلو كانت متفرقة في جوانب الارض ووسطها مزورع فلا شئ فيها، كما لا شئ في غرس أشجار غير مثمرة.
بحر ط.
وقوله: فلا شئ فيها: أي في الاشجار المتفرقة بل يجب في الارض، لانها إذا كانت متفرقة فهي بستان فيجب بقدر الطاقة على ما يأتي، أو الماد لا شئ فيها مقدر.
تأمل.
وقوله كما لا شئ في غرس الخ، هذا إذا لم يقصد شغل أرضه بها، فلو استنمى أرضه بقوائم الخلاف وما أشبهه أو القصب أو الحشيش كان فيه العشر كما قدمناه في بابه عن البدائع وغيرها.
تأمل.
ضعفها أي ضعف الخمسة وهو عشرة دراهم لما فيه من الاثمار، فإن كانت لم تثمر بعد ففيها خراج الزرع كما في الخانية.
در.
منتقى.
قوله: (ولما سواه) أي سوى ما ذكر من الاشباه الثلاثة الموظف عليها.
قوله: (مما ليس فيه توظيف عمر) قصد به إصلاح المتن فإن ظاهره أن الزعفران والبستان فيه توظيف عمر كما هو قضية العطف، مع أنه ليس كذلك.
قوله: (يحوطها) أي يرعاها ويحفظها، أو هو بتشديد الواو: أي دار عليها حائط.
قال في المصباح: حاطه يحوطه حوطا: رعاه، وحوط حوله تحويطا: أدار عليه نحو التراب حتى جعله محيطا له اه.
قوله: (فلو ملتفة الخ) في المصباح: التف النبات بعضه ببعض: اختلط.
ثم اعلم أن حاصل ما ذكره من الفرق بين البستان والكرم، هو أن ما كانت أشجار ملتفة فهو كرم، وما كانت متفرقة فهو بستان، وقد عزاه في البحر إلى الظهيرية، ومثله في كافي النسفي، ومقتضاه ان الكرم لا يختص بشجر جريب الارض التي فيها أشجار مثمرة بحيث لا يمكن زراعتها لم يذكر في ظاهر الرواية.
ور وى عن أبي يوسف أنه قال إذا كان النخل ملتفا جعلت عليه الخراج بقدر ما يطيق، ولا(4/368)
أزيد على جريب الكرم عشرة دراهم.
قوله: (لان التنصيف الخ) علة لقوله: وغاية الطاقة نصف الخارج فلا ينافي أنه يجوز النقص عنه، فافهم.
مطلب: لا يحول خراج الموظف إلى خراج المقاسمة، وبالعكس قوله: (فلا يزاد عليه في خراج المقاسمة) ترك ما لم يوظ ف مع أن الكلام فيه، فكان عليه أن يقول: فلا يزاد عليه فيه ولا في خراج المقاسمة ولافي الموظف الخ.
أفاده ح.
قلت: وقد يجاب بأن قوله: والتنصيف الخ يفيد أن يجوز وضع النصف أو الربع أو الخمس فيصير خراج مقاسمة لانه جزء من الخارج وهو غير الموظف، فقوله في خراج مقاسمة: أراد به هذا النوع، وقوله: ولا في الموظف الخ أراد به النوع الاول، فافهم.
قوله: (ولا في الموظف على مقدار ما وظفه عمر) وكذا إذا فتحت بلدة بعد عمر فأراد الامام أن يضع على ما يزرع حنطة درهمين وقفيزا وهي تطيقه ليس له ذلك عند أبي حنيفة، وهو الصحيح، لان عمر رضي الله تعالى عنه لم يزد لما أخبر بزيادة الطاقة.
أفاد في البحر عن الكافي.
قال ط: وهذا نص صريح في حرمة ما أحدثه الظلمة على الارض من الزيادة على الموظف، ولو سلم أن الاراضي آلت لبيت المال وصارت مستأجرة اه: أي لما قدمناه عن التاترخانية من أن الامام يدفعها للزراع بأحد طريقين: إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج، وإما بإجارتها لهم بقدر الخراج، فقوله: بقدر
الخراج يدل على عدم الزيادة.
قلت: لكن المأخوذ الآن من الاراضي الشامية التي آلت إلى بيت المال بوجب البراءة والدفاتر السلطانية، وكذا من الاوقاف شئكثير، فإن منها ما يؤخذ منه نصف الخارج، ومنها الربع، ومنها العشر والظاهر أنه خراج مقاسمة في أصل الوضع فيأخذ بقدره إذا صار بدل أجرة، ولعل ما مر من التوظف كان على سواد العراق فقط، والموضوع على الاراضي الشامية كان خراج مقاسمة فبقي المأخوذ قدره، وقدمنا التصريح عن الخير الرملي بأنه خراج مقاسمة.
قوله: (وإن أطاقت) تعمتم لقوله: ولا يزاد عليه الخ فيشمل ما لم يوظف كما صرح في قوله: وغاية الطاقة نصف الخارج ويشمل خارج المقاسمة كما نص عليه في النهر، وكذا الموظف من عمر رضي الله تعالى عنه كما في البحر.
أو من إمام بعده كما مر، فافهم.
مطلب: لا يلزم جميع خراج المقاسمة إذا لم تطق لكثرة المظالم قوله: (وجوازا عند الاطاقة) اعلم أن قول المصنف وغيره: وينقص مما وظف إن لم تطق: يفهم منه أنها إن أطاقت لا ينقص منه، وهو مخالف لما في الدراية من جواز النقصان عند الاطاقة.
قال في النهر: ولو قيل بوجوبه عند عدم الاطاقة وبجوازه عند الاطاقة لكان حسنا، وعليه يحمل ما في الدراية، فتدبره اه.
وحينئذ فالمفهوم مقول المصنف: إن لم تطق أنه لا يجب التنقيص عند الاطاقة فلا ينافي جوازه، فقول الشارح وجوبا قيد لقول المصنف: وينقص مما وظف لا لقوله في الشرح فينقص إلنصف الخراج وقوله: وجوازا عطف على وجوبا فكأنه قال: وينقص(4/369)
وجوبا مما وظ ف إن لم تطق، وجوازا إن أطاقت، وهذا كلام لا غبار عليه، وبه سقط ما قيل إن مقتضى هذا العطف أن الخارج من الكلام مثلا لو بلغ ألف درهم جاز أخذ خمسمائة ولا قائل به، والمراد أنه إن بلغ الخارج ضعف الموظف أو أكثر جاز للامام أن ينقص عن الموظف اه.
ووجه السقوط أن هذا إنما يرد لو كان قوله: وجوبا قيد لقوله: فينقص إلى نصف الخارج فيصير معنى قوله: وجواز أنه ينقص إلى نصف الخارج جوازا عند الاطاقة، ولا موجب لهذا الحل، فافهم.
قوله: (وينبغي أن لا يزاد على النصف الخ) هذا في خراج المقاسمة ولم يقيد به لانفهامه من التعبير بالنصف والخمس، فإن خراج الوظيفة ليس فيه جزء معين.
تأمل.
قال في النهر: وسكت عن خراج المقاسمة، وهو إذ من الامام عليهم بأراضيهم ورأى أن يضع عليهم جزءا من الخارج كنصف أو ثلث أو ربع، فإنه يجوز ويكون حكمه حكم العشر، ومن حكمه أن لا يزيد على النصف، وينبغي أن لا ينقص عن الخمس.
قاله الحدادي اه.
وبه علم أن قول الشارح: وينبغي مذكور في غير محله لان الزيادة على النصف غير جائزة كما مر التصريح به في قوله: ولا يزاد عليه وكأن عدم النقيص عن الخمس غير منقول، فذكره الحدادي بحثا.
لكن قال الخير الرملي: يجب أن يحمل على ما إذا كانت تطيق، فلو كانت قليلة الريع كثيرة المؤن ينقص، إذ يجب أن يتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة كما في أرض العشر، ثم قال: وفي الكافي: وليس للامام أن يحول الخراج الموظف إلى خراج المقاسمة.
أقول: وكذلك عكسه فيما يظهر من تعليله، لانه قال: لان فيه نقص العهد، وهو حرام اه.
قلت: صرح بالعكس القهستاني: وقدمنا على الرملي أن المؤخوذ من الاراضي الشامية خراج مقاسمة، وكتبنا أن ما صار منها لبيت المال تؤخذ أجرته بقدر الخراج ويكون المأخوذ في حق الامام خراجا، فحيث كان كذلك تعتبر فيه الطاقة، وبه يعلم أن ما يفعله أهل التيمار والزعامات من مطالبية أهل القرى بجميع ما عينه لهم السلطان على القرى كالقسم من النصف ونحوه طلم محض، لان ذلك المعين في الدفاتر السلطانية مبني على أنه كان لا يؤخذ من الزراع، سوى ذلك القسم المعين، والفاضل عنه يبقى للزراع، والواقع في زماننا خلافه، فإن ما يؤخذ منهم الآن ظلما مما يسمى بالذخائر وغيرها شئ كثير ربما يستغرق جميع الخارج من بعض الاراضي، بل يؤخذ منهم ذلك وإن لم تخرج الارض شيئا، وقد شاهدنا مرارا أن بعضهم يتنزل عن أرضه لغيره بلا شئ لكثرة ما عليها من الظلم، وحينئذ فمطالبته بالقسم ظلم على ظلم، والظلم يجب إعدامه، فلا يجوز مساعدة أهل التيمار على ظلمهم، بل يجب أن ينظر إلى ما تطيقه الاراضي، كما أفتى به الخير الرملي، ونقل بعض الشراح عن شمس الائمة من سيرة الاكاسرة: إذا أصاب زرع بعض الرعية آفة عوضوا له ما أنفقه
في الزراعة من بيت مالهم، وقالوا: التاجر شريك في الخسران كما هو شريك في الربح، فإذا لم يعطه الامام شيئا فلا أقل من أن لا يغرمه الخراج.
قوله: (فعليه خرآج الارض) كذا في البحر عن شرح الطحاوي.
قال ط: والاولى خراج الزرع كما نقله الشارح عن جميع الفتاوى في باب زكاة الاموال: أي فيدفع صاعا ودرهما.
قوله: (إلى أن يطعم) بضم أوله وكسر ثالثه مبنيم للفاعل.
قال في المصباح: أطعمت الشجرة بالالف أدرك تمرها.
قوله: (فعليه خراج الكرم) أي دائما لانه صار إلى(4/370)
الادنى مع قدرته على الاعلى.
قال في الفتاوى الهندية: قالوا: من انتقل إلى أخس الامرين من غير عذر فعليه خراج الاعلى، كمن له أرض الزعفران فتركه وزرع الحبوب فعليه خراج الزعفران، وكذا لو كان له كرم فقطع وزرع الحبوب فعليه خراج الكرم، وهذا شئ يعلم ولا يفتى به كي يطمع الظلمة في أموال الناس كذا في الكافي ح.
قال في الفتح: إذ يدعي كل ظالم أن أرضه كانت تصلح لزراعة الزعفران ونحوه وعلاجه صعب اه.
قوله: (وإذا أطعم) معطوف عن قوله: إلى أن يطعم قال في البحر وفي شرح الطحاوي: لو أنيت أرضه كرما فعليه خراجها إلى أن يطعم، فإذا أطعم، ف ءن كان ضعف وظيفة الكلام ففيه وظيفة الكرم، وإن كان أقل فنصفه إلى أن ينقص عن قفيز ودرهم، فإن نقص فعليه قفيز ودراهم اه.
والقفيز صاع كما مر، وهذا بناء على أنها كانت للزراعة، فلو للرطبة فالظاهر لزوم خمسة دراهم، فلذا قال الشارح: ولا ينقص عما كان.
تأمل.
قوله: (وكل ما يمكن الخ) مكرر مع ما تقدم ح.
قوله: (على المسناة) قال في جامع اللغة: المسناة: العرم، وهو ما يبنى للسيل ليرد الماء اه ح.
وحاصله: أنها ما يبنى حول الارض ليرد السيل عنها، وتسمى حافتا النهر مسناة أيضا، والظاهر أن الحكم فيها كذلك، لان ذلك ليس محل الزرع فلا يسمى شاغلا للارض فيكون تابعا لها.
قوله: (قوم) أراد باسم الجمع الاثنين مجازا بقرينة قوله: أحدهما وواو الجمع في شروا باعتبار صورة اسم الجمع ج.
قوله: (وفيها كرم) أراد به الجنس، كالذي بعده بقرينة الجمع فيما يأتي ح.
قوله: (فشرى) عطف على شروا عطف مفصل على مجمل ح.
قوله: (فلو معلوما) أي علم حصة الكروم
وحصة الاراضي من الخراج المأخوذ.
قوله: (وإلا كأن كان جملة) في بعض النسخ بأن كان جملة: أي بأن كان خراج الضيعة يؤخذ جملة من غير بيان لحصة الكروم وحصة الاراضي.
قوله: (فإن لم تعرف الخ) يعني لم يعرف أحد أن الكروم كانت أراضي، ولا أن الاراضي كانت كروما ح.
قوله: (قسم بقدر الحصص) أي ينظر إلى خراج الكروم والاراضي، فإذا عرف ذلك يقسم جملة خراج الضيعة عليها: على قدر حصصها.
ح عن الخانية.
قلت: والظاهر أن المراد أن ينظر إلى خراجهما خراج وظيفة بأن ينظركم جريبا فيهما، فإذا بلغ خراج الكروم مائة درهم مثلا وخراج الاراضي مائتين يقسم جملة خراج الضيعة عليها ثلاثة: ثلثه على الكروم، وثلثاه على الاراضي.
قرية المراد أهلها فلذا قال: خراجهم.
قوله: (إن لميعلم الخ) أي إن كان لا يعلم أن خراج أراضيهم كان على التساوي أم لا ترك كما كان.
تنبيه: في الخيرية: سئل في المسجد قرية له أرض لم يعرف عليها خراج من قديم الزمان ويريد السباهي المتكلم على القرأن أن يأخذ عليها خراجا.
أجاب: ليس له ذلك والقديم يبقى على قدمه، وحمل أحوال المسلمين على الصلاح واجب.
قوله: (ولا خراج الخ) أي خراج الوظيفة(4/371)
وكذا خراج المقاسمة والعشر بالاولى لتعلق الواجب بعين الخارج فيهما، ومثل الزرع والرطب والكرم ونحوهما.
خيرية.
قوله: (ما يمكن الزرع فيه ثانيا) قال في الكبرى: والفتوى أنه مقدر بثلاثة أشهر.
نهر.
ويمكن احتراز عنها خرج ما لا يمكن كالجراد، كما في البزازية.
قوله: (كأنعام) وكقردة وسباع ونحو ذلك.
بحر.
قوله: (وفأر ودودة) عبارة ومنه يعلم أن الدودة والفأرة إذا أكلا الزرع لا يسقط الخراج اه.
قلت: لا شك أنهما مثل الجراد في عدم إمكان الدفع، وفي النهر لا ينبغي الترد في كون الدودة آفة سماوية، وأنه لا يمكن الاحتراز عنها.
قال الخير الرملي: وأقول: إن كان كثيرا غالبا لا يمكن دفعه بحيلة يجب أن يسقط به، وإن أمكن دفعه لا يسقط، هذا هو المتعين للصواب.
قوله: (أو هلك الخارج بعد الحصاد) مفهومه أنه لو هلك قبله يسقط الخراج لكن يخالفه التفصيل المذكور
فيما لو أصاب الزرع آفة فإن الزرع اسم للقائم في أرضه، فحيث وجب الخراج بهلاكه بآفة يمكن الاحتراز عنها علم أنه يجب قبل الحصاد إلا أن يحمل الهلاك هنا على ما إذا كان بما لا يمكن الاحتراز عنه فتندفع المخالفة.
وقدمنا في باب العشر من الزكاة الاختلاف في وقت وجوبه.
فعنده يجب عند ظهور الثمرة والامن عليها من الفساد، وإن لم يستحق الحصاد إذا بلغت حدا ينتفع به، وعند الثاني عند استحقاق الحصاد، وعند الثالث إذا حصدت وصارت في الجرين، فلو أكل منها بعد بلوغ الحصاد قبل أن تحصد: ضمن عندهما لا عند محمد، ولو بعد ما صارت في الجرين لا يضمن إجماعا ومر تمامه هناك.
قوله: (وقبله يسقط) أي إلا إذا بقي من السنة ما يتمكن فيه من الزراعة كما يأخذ مما سلف ط.
قال الخير الرملي: ولو هلك الخارج في خراج المقاسمة قبل الحصاد أو بعده فلا شئ عليه لتعلقه بالخارج حقيقة، وحكمه حكم الشريك شركة الملك فلا يضمن إلا بالتعدي، فاعلم ذلك فإنه مهم ويكثر وقوعه في بلادنا.
وفي الخانية ما هو صريح في سقوطه في حصة رب الارض بعد الحصاد ووجوبه عليه في حصة الاكار معللا بأن الارض في حصته بمنزلة المستأجرة اه.
قوله: (إن فضل عما أنفق) ينبغي أن يلحق بالنفقة على الزرع ما يأخذه الاعراب وحكم السياسة ظلما كما يعلم مما قدمناه.
قوله: (أخذ منه مقدار ما بينا) أي إن بقي ضعف الخراج كدرهمين وصاعين، يجب الخراج، وإن بقي أقل من مقدار الخراج يجب نصفه، وأشار الشارح إلى هذا بقوله: وتمامه في الشرنبلالية فإنه مذكور فيها.
أفاده ح.
قوله: (مصنف.
سراج) على حذف العاطف أو على معنى مصنف عن السراج.
قوله: (وكذا حكم الاجارة) أي لو استأجر أرضا فغلب عليها الماء أو انقطع لا تجب الاجرة، وأما لو أصاب الزرع آفة فإنما يسقط أجرة ما بقي من السنة بعد الهلاك لا ما قبله، لان الاجرة يجب بإزاء المنفعة شيئا فشيئا، فيجب أجر ما استوفى لا غيره، فيفرق بين هذا وبين الخراج فإنه يسقط كما في البحر عن الولوالجية.
قلت: لكن في إجارة البزازية عن المحيط: الفتوى على أنه إذا بقي بعد هلاك الزرع مدة لا(4/372)
يتمكن من الزراعة لا يجب الاجر، وإلا يجب إذا تمكن من زراعته مثل الاول أو دونه فيالضرر،
وكذا لو منعه غاصب اه.
والخراج كذلك كما علمت.
قوله: (فإن عطلها صاحبها) أي عطل الارض الصالحة للزراعة.
در.
منتقى.
قلت: في الخانية: له في أرض الخراج أرض سبخة لا تصلح للزراعة أو لا يصلها الماء، إن أمكنه إصلاحها ولم يصلح فعليه الخراج، وإلا للا اه.
ومن التعطيل من وجه ما لو زرع الاخس مع قدرته على الاعلى، كما مر.
قلت: ويستثنى من التعطيل ما ذكره في الاسعاف في فصل أحكام المقابر والربط: لو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنه، وقيل لا يسقط والصحيح هو الاول اه.
وعليه مشى في المنظومة المحبية.
مطلب فيما لو عجز المالك عن زراعة الارض الخراجية وبقي ما لو عجز مالكها عن الزراعة لعدم قوته وأسبابه فللامام أن يدفعها لغيره مزارعة ليأخذ الخراج من نصيب المالك ويمسك الباقي لمالك، وإن شاء أجرها وأخذ الخراج من الاجرة، وإن شاء زرعها من بيت المال، فإن لم يتمكن باعها وأخذ الخراجمن ثمنها.
قال في النهاية: وهذا بلا خلاف لانه من باب صرف الضرر العام بالضرر الخاص.
وعن أبي يوسف يدفع للعاجز كفايته من بيت المال قرضا ليعمل فيها.
زيلعي.
وفي الذخيرة: لو عادت قدرة مالكها ردها الامام عليه إلا في البيع.
قوله: (يجب الخراج) أما في التعطيل فلان التقصير جاء من جهته، وأما فيما بعده فلان الهراج فيه معنى المؤنة فإمكن إبقاؤه على المسلم، وقد صح أن الصحابة اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها، وتمامه في الفتح.
قوله: (لا يجب شئ) لانه إذا منع ولم يقدر على دفعه لم يتمكن من الزراعة، ولان خراج المقاسمة يتعلق بعين الخارج مثل العشر، فإذا لم يزرع مع القدرة لو يوجد الخارج، بخلاف خراج الوظيفة، لانه يجب في الذمة بمجرد التمكن من الزراعة.
مطلب: لو رحل الفلاح من قرية لا يجبر على العود قوله: (وقد علمت الخ) حاصله دفع ما يتوهم من قولهم: لو عطلها صاحبها يجب الخراج أنه لو ترك الزراعة لعذر أو لغيره، أو رحل من القرية يجبر على الزراعة والعود، وليس كذلك: أما أولا
فلما علمت من قولهم إن الامام يدفعها لغيره مزارعة أو بالاجرة، أو يبيعها ولم يقولوا بإجبار صاحبها، وأما ثانيا فلما مر من أن الاراضي الشامية خراجها مقاسمة لا وظيفة فلا يجب بالتعطيل أصلا، وأما ثالثا فلانها لما صارت لبيت المال صار المأخوذ منها أجرة بقدر الخراج، والاجرة لا تلزم هنا بدون التزام، إما بعقد الاجارة أو بالزراعة قال الخير الرملي في حاشية البحر أقول: رأيت بعض أهل العلم أفتى بأنه إذا رحل الفلاح من قريته ولزم خراب القرية برحيله أنه يجبر على العود، وربما اغتر به بعض الجهلة، وهو محمول على ما إذا رحل لا عن ظلم وجور ولا عن ضرورة بل تعنتا وأمر السلطان بإعادته للمصلحة وهي صيانة القرية عن الخراب، ولا ضرر عليه في العود، وأما ما يفعله الظلمة الآن من الالزام بالرد إلى القرية(4/373)
مع التكاليف الشاقة والجور المفرط فلا يقول به مسلم، وقد جعل الحصني الشافعي في ذلك رسالة أقام بها الطامة على فاعل ذلك، فارجع إليها إن شئت اه.
قوله: (كي لا يتجرى الظلمة) قال في العناية: ورد بأنه كيف يجوز الكتمان وأنهم لو أخذوا كان في موضعه لكونه واجبا؟ أجيب بأنا لو أفتينا بذلك لادعى كل ظالم في أرض ليس شأنها ذلك أنها قبل هذا كانت تزرع الزعفران فيأخذ خراج ذلك وهو ظلم وعدوان اه.
قوله: (باع أرضا خراجية الخ) هذا إذا كانت فارغة، لكن اختلفو في اعتبار ما يتمكن المشتري من زراعته، فقيل الحنطة والشعير، وقيل أي زرع كان، وفي أنه هل يشترط إدراك الربع بكماله أو لا.
وفي واقعات الناطفي أن الفتوى على تقديره بثلاثة أشهر، وهذا منه اعتبار لزرع الدهن وإدراك الريع، فإن ريع الدهن يدرك في مثل هذه المدة.
وأما إذا كانت الارض مزروعة فباعها مع الزرع: فإن كان قبل بلوغه فالخراج على المشتري مطلقا، وإن بعد بلوغه وانعقاد حبه فهو كما لو باعها فارغة، ولو كان لها ريعان خريفي وربيعي وسلم أحدهما للبائع والآخر للمشتري فالخراج عليهما، ولو تداولتها الايدي ولم تمكث في ملك أحدهما ثلاثة أشهر فلا خراج على أحد اه.
من التاترخانية ملخصا.
قوله: (عناية) لم أجده فيها، وإنما عزاه في البحر إلى البناية وهي شرح الهداية للعيني.
قوله: (ولا يؤخذ العشر الخ) أي لو كان له أرض خراجها موظف لا
يأخذ منها عشر الخارج، وكذا لو كان خراجها مقاسمة من النصف ونحوه، وكذا لو كانت عشرية لا يؤخذ منها خرالانهما لا يجتمعان، ولذا لم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين، وإلا لنقل، وتمامه في الفتح.
قوله: (ولا يتكرر الخراج الخ) قال في الفتح: فالخراج له شدة من حيث تعلقه بالتمكن، وله خفة باعتبار عدم تكرره في السنة ولو زرع فيها مرارا والعشر له شدة وهو تكرره بتكرر خروج الخارج وخفة بتعلقه بعين الخارج، فإذا عطلها لا يؤخذ شئ اه.
قلت: ومن ذلك أن الخراج يسقط بالموت وبالتداخل كالجزية، وقيل لا كالعشر، وسيأتي تمام الكلام عليه في الفصل الآتي.
قوله: (أو وهبه له) بأن أخذه منه ثم أعطاه إياه.
قوله: (عند الثاني) أي عند أبي يوسف.
وقال محمد: لا يجوز.
بحر.
ولم يظهر لي وجه قول محمد إن كان مرادة أنه لا يجوز ولو كان مصرفا للخراج.
قوله: (وحل له لو مصرفا) أعاده لان قوله: جاز أي جاز ما فعله السلطان(4/374)
بمعنى أنه لا يضمن ولا يلزم من ذلك حله لرب الارض.
وفي القنية: ويعذر في صرفه إلى نفسه إن كان مصرفا كالمفتي والمجاهد والمعلم والمتعلم والذاكر والواعظ عن علم، ولا يجوز لغيرهم، وكذا إذا ترك عمال السلطان الخراج لاحد بدون علمه اه.
قوله: (خلاف المشهور) أي مخالف لما نقله العامة عن أبي يوسف: نهر.
قوله: (لا يجوز إجماعا) لعل وجهه أن العشر مصرفه مصرف الزكاة، لانه زكاة الخارج، ولا يكون الانسان مصرفا لزكاة نفسه، بخلاف الخراج، فإنه ليس زكاة ولذا يوضع على أرض الكافر هذا ما ظهر لي.
تأمل.
قوله: (معزيا للبزازية) وذلك حيث قال: وفي البزازية: السلطان إذا ترك العشر لمن هو عليه جاز، غنيا كان أو فقيرا، لكن إن كان المتروك له فقيرا فلا ضمان على السلطان، وإن كان غنيا ضمن السلطان العشر للفقراء من بيت مال الخراج لبيت مال الصدقة اه.
قلت: وينبغي حمله على ما إذا كان الغني من مستحقي الخراج، وإلا فينبغي أن يضمن السلطان ذلك من ماله.
تأمل.
وقدمنا في باب العشر عن الذخيرة مثل ما في البزازية.
وقال في الدر المنتقى: ثم رأيت في البرجندي في بيان مصرف الجزية، وكذا لو جعل العشور للمقاتلة جاز لانه مال حصل بقوتهم اه.
فليحفظ.
وليكن التوفيق اه: أي بحمل القول بالمنع على غير المقاتلة
والقول بالجواز عليهم.
قلت: لكن قوله: لو جعل العشور للمقاتلة ليس صريحا في جعل عشور أراضيهم.
تأمل.
قوله: (وفي النهر) من هنا إلى قوله: وفي الاشباه من كلام النهر.
قوله: (يعلم من قول الثاني) أي بجواز ترك الخراج وهبته لمن هو مصرف له.
مطلب في أحكام الاقطاع من بيت المال قوله: (حكم الاقطاعات الخ) قال أبو يوسف رحمه الله تعالى في كتاب الخراج: وللامام أن يقطع كل موات وكل ما ليس فيه ملك لاحد، ويعمل بما يرى أنه خير للمسلمين، وأعم نفعا.
وقال أ يضا: وكل أرض ليست لاحد، ولا عليها أثر عمارة فأقطعها رجلا فغمرها فإن كانت في أرض الخراج أدى عنها الخراج، وإن كانت عشرية ففيها العشر.
وقال في ذكر القطائع: إن عمر اصطفى أموال كسرى، وأهل كسرى، وكل من فر عن أرضه أو قتل في المعركة، وكل مفيض ماء أو أجمة، فكان عمر يقطع من هذا لمن أقطع.
قال أبو يوسف: وذلك بمنزلة بيت المال الذي لم يكن لاحد، ولا في يد وارث، فللامام العادل أن يجيز منه ويعطي من كانله عناء في الاسلام، ويضع ذلك موضعه، ولا يحابي به فكذلك هذه الارض، فهذا سبيل القطائع عند في أرض العراق، وإنما صارت القطائع يؤخذ منها العشر لانها بمنزلة الصدقة اه.
قلت: وهذا صريح في أن القطائع قد تكون من الموت، وقد تكون من بيت المال لمن هو من مصارفه، وأنه يملك رقية الارض، ولذا قال يؤخذ منها العشر، لانها بمنزلة الصدقة، ويدل له قوله أيضا: وكل من أقطعه الولاة المهديون أرضا من أرض السواد وأرض العرب والجبال من الاصناف التي ذكرنا أن للامام أن يقطع منها، فلا يحل لمن بعده من الخلفاء أن يرد ذلك، ولا يخرجه من يد من هو في يده وارث أو مشتر، ثم قال: والارض عندي بمنزلة المال، فللامام أن يجيز(4/375)
من بيت المال من له عناء في الاسلام، ومن يقوى به على العدو ويعمل في ذلك بالذي يرى أنه خير للمسلمين وأصلح لامرهم، وكذلك الارضون يقطع الامام منها من أحب من الاصناف اه.
فهذا
يدل على أن للامام أن يعطي الارض من بيت المال، على وجه التمليك لرقبتها كما يعطي المال، حيث رأى المصلحة، إذ لا فرق بين الار ض والمال في الدفع للمستحق فاغتنم هذه الفائدة، فإني لم أر من صرح بها، وإنما المشهور في الكتب أن الاقطاع تمليك الخراج مع بقاء رقبة الارض لبيت المال.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذا كانت رقبتها ببيت المال وهذا ظاهر، وأما إذا كانت رقبتها للمقطع له كما قلنا، فلا شك في صحة بيعه وغيره.
مطلب في إجارة الجندي ما أقطعه له الامام قوله: (نعم له إجازته الخ) قال ابن نجيم في رسالته في الاقطاعات: وصرح الشيخ قاسم في فتوى رفعت له بأن للجندي أن يؤجر ما أقطعه له الامام، ولا أثر لجواز إخراج الامام له أثناء المدة، كما لا أثر لجواز موت المؤجر في أثناء المدة، وللا لكونه ملك منفعة لا في مقابلة مال، لاتفاقهم على أن من صولح على خدمة عبد سنة، كان للمصالح أن يؤجره، إلى غير ذلك من النصوص الناطقة بإبحار ما ملكه من المنافع، لا في مقابلة مال فهو نظير المستأجر، لانه ملك منفعة الاقطاع بمقابلة استعداده لما أعد له، وإذا مات المؤجر أو أخرج الامام الارض عن المقطع تنفسخ الاجارة لانتقال الملك إلى غير المؤجر، كما لو انتقل الملك في النظائر التي خرج عليها إجارة الاقطاع وهي إجارة المستأجر، وإجارة العبد الذي صولح على خدمته مدة وإجارة، الموقوف عليه الغلة، وإجارة العبد المأذون، وإجارة أم الولد اه.
تنبيه: المراد بهذه الاجارة إجارة الارض للزراعة، لكن إذا كان للارض زراع واضعون أيديهم عليها ولهم فيها حرث، وكيس ونحوه مما يسمى كردارا ويؤدون ما عليها لا تصح إجارتها لغيرهم، أما إذا لم يكن لها زارع مخصوصون، بل يتواردها أناس بعد آخرين ويدفعون ما عليها من خراج المقاسمة، فله أن يؤجرها لمن أراد، لكن الواقع في زماننا المستأحر يستأجرها لاجل أخذ خراجها لا للزارعة ويسمى ذلك التزاما، وهو غير صحيح كما أفتى به الخير الرملي في كتاب الوقف، وكذا في كتاب الاجارة في عدة مواضع، فراجعه.
قوله: (وانتقل من أقطع له في زمن سلطان آخر) كذا في عبارة النهر، والظاهر أن ثقوله: انتقل بمعنى مات، ولو عبر به لكان أولى.
قوله: (هل
يكون لاولاده) أي هل تصير الارض لاولاد المقطع له: عملا يقول السلطان ولاولاده؟ فإنه بمعنى إن مات عن أولاد فلاولاده من بعده فهو تعليق معنى.
مطلب في بطلان التعليق بموت المعلق قوله: (ومقتضى قواعدهم الخ) حاصل الجواب: أنها لا تكون لاولاده لبطلان التعليق المذكور بموت السلطان المعلق.(4/376)
مطلب: في صحة تعليق التقرير في الوظائف قال في الاشباه من كتاب الوقف: يصح تعليق التقرير في الوظائف أخذا من تعليق القضاء، والامارة بجامع الولاية، فلو مات المعلق بطل التقرير، فإذا قال القاضي: إن مات فلان أو شغرت وظيفة كذا فقد قررتك فيها: صح، وقد ذكره في أنفع الوسائل تفقها وهو فقه حسن اه.
أقول: قدم الشارح في فضل كيفية القسمة في التنفيل أنه يعم كل قتال في تلك السنة ما لم يرجعوا وإن مات الوالي أو عزل ما لم يمنعه الثاني، ومقتضى هذا أن التعليق لا يبطل لموت المعلق، فإن قوله من قتل قتيلا فله سلبه فيه تعليق استحقاق السلب على القتل، لكن قدمنا هناك عن شرح السير الكبير خلافه وهو أنه يبطل التنفيل بعزل الامير، وكذا بموته إذا نصب غيره من جهة الخليفة لا من جهة العسكر.
قوله: (ولو أقطعه السلطان أرضا مواتا) أي من أراضي بيت المال حيث كان المقطع له من أهل الاستحقاق، فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال، والمراد من أهل الاستحقاق، فيملك رقبتها كما قدمناه أو من غير بيت المال، والمراد بإقطاعه أنه له بإحيائها على قول أبي حنيفة من اشتراط إذنه بصحة الاحياء، وهذا لا يختص بكون المحيي مستحقا من بيت المال، بل لو كان ذميا ملك ما أحياه.
قوله: (أو ملكها السلطان) أي بإحياء أو شراء من وكيل بيت المال.
قوله: (ثم أقطعها له) يعني وهبها له.
قوله: (جاز وقفه لها) وكذا بيعه ونحوه، لانه ملكها حقيقة.
قوله: (والارصاد الخ): الرصد: الطريق، ورصدته رصدا من باب قتل: قعدت له على الطريق، وقعدفدن بالمرصد كجعفر، وبالمرصاد بالكسر، وبالمرتصد أيضا: أي بطريق الا رتقا ب والانتظار، وربك لك بالمرصاد: أي مراقبك، فلا يخفى عليه شئ من
فعالك ولا تفوته.
مصباح.
ومنه سمى إرصاد السلطان بعض القرى والمزارع من بيت المال على المساجد والمدارس ونحوها لمن يستحق من بيت المال كالقراء والائمة والمؤذنين ونحوهم، كأن ما أرصده قائم على طريق حاجاتهم يراقبها، وإنما لم يكن وقفا حقيقة لعدم ملك السلطان له، بل هو تعيين شئ من بيت المال على بعض مستحقيه، فلا يجوز لمن بعده أن يغيره ويبدله كما قدمنا ذلك مبسوطا.
قوله: (بصحة إجارة المقطع) تقدم آنفا وذكرنا عبارة العلامة قاسم، والله سبحانه أعلم.
فصل في الجزية هذا هو الضرب الثاني من الخراج، وقدم الاول لقوته لوجوبه، وإن أسلموا بخلاف الجزية، أو لانه الحقيقة إذ هو المتبادر عند الاطلاق ولا يطلق على الجزية إلا مقيدا: أي فيقال خراج الرأس، وهذا أمارة المجاز، وبنيت على فعلة دلالة على الهيئة التي هي الاذلال عند الاعطاء.
نهر.
وتسمى جالية من جلوت عن البلد يجدء بالفتح والمد: خرجت، وأجليت مثله، والجالية: الجماعة، ومنه قيل لاهل الذمة الذين جلاهم عمر رضي الله عنه عن جزيرة العرب: الجالية، ثم نقلت الجالية إلى الجزية التي أخذت منهم، ثم استعملت في كل جزية تؤخذ.
وإن لم يكن صاحبها أجلى عن وطنه فقيل: استعمل فلان على الجالية، والجمع الجوالي.
مصباح.
فإطلاقها على الجزية مجاز(4/377)
بمرتبتين؟.
قوله: (لانها جزت عن القتل) أي قضت وكفت عنه، فإذا قبلها سقط عنه القتل.
بحر.
أو لانها وجبت عقوبة على الكفر كما في الهداية.
قال في الفتح: ولهذا سميت جزية وهي والجزاء واحد، وهو يقال على ثوا ب الطاعة وعقوبة المعصية.
قوله: (والجمع جزي) وفي لغة جزيات مصباح.
قوله: لا يقدر ولا يغير) أي لا يكون له تقدير من الشارع بل كل ما يقع الصلح عليه يتعين ولا يغير بزيادة ولا نقص.
درر.
وذلك كما صالح عليه الصلاة والسلام أهل نجران، وهم قوم نصارى بقرب اليمن على ألفي حلة في العام، وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب على أن يؤخذ من كل واحد منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم من المال الواجب، فلزم ذلك وتقدم تفصيله في الزكاة فتح.
قوله: (وما وضع بعد ما قهروا الخ) هذا الوضع والتقدير لا يشترط
فيه رضاهم كما في الفتح.
قوله: (على فقير معتمل) ظاهره أن القدرة على العمل شرط في حق الفقير فقط لقوله الآتي: وفقير غير معتمل وليس كذلك، بل هو شرط في حق الكل، ولذا قال في البناية وغيرها: لا يلزم الزمن منهم وإن كان مفرطا في اليسار، وكذا لو مرض نصف السنة، كما في شرح الزيلعي، فلو حذف الفقير لكان أولى.
بحر: أي لو حذفه من قوله الآتي: فيمن لا يوضع عليه الجزية وفقير غير معتمل بأن يقول وغير معتمل ليشمل الفقير وغيره، لا من قوله هنا على فقير معتمل كما فهمه في النهر، فاعترضه بأنه لو اقتصر على قوله: ومعتمل لما أفاد اشتراط القدرة على العمل في حق الغني، كيف وقد قابله اه.
قلت: الاعتمال: الاضطراب في العمل وهو الاكتساب، والمراد القدرة عليه حتى لو لم يعمل مع قدرته وجبت، كمن عطل الارض، كما في الفتح.
وقال: قيد بالاعتمال لانه لو كان مريضا في نصف السنة فصاعدا لا يجب عليه شئ اه.
وبه ظهر أن التقييد بالمعتمل هنا واقع في محله، وأن قوله الآتي: لا توضع على زمن وأعمى وفقير غير معتمل تصريح بمفهوم القيد هنا، وأن عطف الفقير والاعمى على الزمن عطف خاص على عام، لان المراد بالزمن العاجز فلو اقتصر عليه لاغناه لشموله الفقير وغيره، وقد يقال: إن غير المعتمل أعم، لانه يشمل ما إذا كان سالم الآلات صحيح البدن، لكنه لا يقدر على الكسب لخرقه وعدم معرفته معرفة يكتسب منها، وعلى هذا فتكون القدرة على العمل شرطا في الفقير فقط، إذ لا شك أن غير الفقير توضع عليه إذا كان صحيحا غير زمن، ولا أعمى، وإن لم يكن معتملا بهذا المعنى المذكور فيتعين تفسير غير المعتمل بما ذكرنا ليندفع الاستدراك على عبارات المتون، ثم رأيت في القهستاني ما يؤيده حيث قال: وفيه إشارة إلى أن الفقير هو الذي يعيش بكسب يده في كل يوم، فلو فضل على قوته وقوت عياله أخذت منه، وإلا فلا، وإلى أن غيره من لا حاجة له إلى الكسب للنفقة في الحال.
قوله: (وهذا للتسهيل الخ) الاشارة إلى قوله: في كل شهر درهم وقوله: في كل شهر درهمان وقوله: في كل شهر(4/378)
أربعة وفي القهستاني عن المحيط: إنها تجب في أوله عندهم لانها جزاء القتل، وبعقد الذمة يسقط
الاصل، فوجب خلفه في الحال، إلا أنه يخاطب بأداء الكل عنده في آخر الحول تخفيفا، وبأداء قسط شهرين عند أبي يوسف آخرهما، وقسط شهر عند محمد في آخره اه.
ومثله في التاترخانية، فما ذكره الشارح تبعا للهداية قول محمد.
والحاصل: أنها تجب في أول العام وجوبا موسعا كالصلاة وإنما يجب الاداء في آخره أو في آخر كا شهرين أو شهر للتهسيل والتخفيف عليه.
قوله: (واعتبر أبو جعفر العرف: حيث قال: ينظر إلى عادة كل بلد في ذلك، ألا ترى أن صاحب خمسين ألفا يبلغ يعد من المكثرين وفي البصرة وبغداد لا يعد مكثرا.
وذكره عن أبي نصر محمد بن سلام.
فتح.
قوله: (وهو الاصح) صححه في الولوالجية أيضا.
قال في الدر المنتقى: والصحيح في معرفة هؤلاء عرفهم، كما في الكرماني وهو المختار كما في الاختيار، وذكره القهستاني واعترف في المنح تبعا للبحر بأنه: أي التجديد لم يذكر في ظاهر الرواية، ولا يخفى أن الاول: أي اعتبار العرف أقرب لرأي صاحب المذهب، وأقره في الشرنبلالية.
وفي شرح المجمع وغيره: ويبنغي تفويضه للامام: أي كما هو رأي الامام، وفي التاترخانية: إنه الاصح فتبصر اه: يعني أن رأي الامام أن المقدرات التي لم يرد بها نص لا تثبت بالرأي، بل تفوض إلى رأي المبتلي كما قال في الماء الكثير وفي غسل النجاسة وغير ذلك.
قوله: (ويعتبر وجود هذه الصفات في آخر السنة الخ) قال في البحر: وينبغي اعتبارها في أولها لانه وقت الوجوب اه.
ورده في النهر بأنهم اعتبروا وجودها في آخرها، لانه وقت وجوب الاداء، ومن ثم قالوا: لو كان في اكثر السنه غنيا اخذ ولو اعتبر الاول لوجب إذا كان في اولها غنيا فقيرا في أكثرها أن يجب جزية الاغنياء وليس كذلك،، نعم الاكثر كالكل اه.
واعترضه محشي مسكين، بأن ما أورده على اعتبار الاول مشترك الالزام، إذ هو وارد أيضا على اعتبار الآخر لاقتضائه وجوب جزية الاغنياء إذا كان غنيا في آخرها فقيرا في أكثرها اه.
قلت: وحاصله أنه إذا كان المعتبر الوصف الموجود في أكثر السنة فلا فرق بين كونه في أولها أو آخرها، وعلى هذا فمن اعتبر آخرها أراد إذا كان ذلك الوصف موجودا في أكثرها، وعلى هذا فلا اعتبار لخصوص الاول أو الآخر، لكن سيذكر المصنف أن المعتبر في الاهلية وعدمها وقت
الوضع، بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع، حيث توضع عليه.
وحاصله على وجه يحصل به التوفيق بينه وبين اعتبار أكثر السنة: أن من كان من أهلها وقت الوضع وضعت عليه، وذلك بأن يكون حرا مكلفا وإلا لم توضع عليه، وإن صار أهلا بعده كما سيأتي، ومن كان أهلا وقت الوضع لكن قام به عذر لم توضع عليه إلا إذا زال العذر بعده كالفقير إذا أيسر والمريض إذا صح، لكن بشرط أن يبقى من السنة أكثرها، وعلى هذا فيعتبر أول السنة لتعرف الاهل من غيره، وبعد تحقق الاهلية لا يعتبر أولها في حق تغير الاوصاف، بل يعتبر أكثرها فيه كما إذا كان مريضا في أولها، فإن صح بعده وجبت، وإلا فلا، وكذا لو كان فقيرا غير معتمل، ثم صار فقيرا معتملا أو متوسطا أو غنيا في أكثرها، وعلى هذا يحمل ما في الولوالجية(4/379)
وغيرها من أن الفقير لو أيسر في آخر السنة أخذت منه اه: أي إذا أيسر أكثرها، وعلى هذا عكسه بأن كان غنيا في أولها فقيرا في آخرها اعتبر ما وجد في أكثرها، لكن ما مر من أنه يؤخذ في كل شهر قسط يؤخذ ممن كان غنيا في أولها شهرين مثلا قسط شهرين دون الباقي لما في القهستاني عن المحيط، يسقط الباقي في جزية السنة إذا صار شيخا كبيرا أو فقيرا أو مريضا نصف سنة أو أكثرها اه.
وأشار إلى أن ما نقص عن نصف سنة لا يجعل عذرا، ولذا قال في الفتح: إنما يوظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة، وإلا فلا جزية عليه، لان الانسان لا يخلو عن قليل مرض، فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام اه.
هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المحل، والله تعالى أعلم.
قوله: (وتوضع على كتابي) أي ولو عربيا.
فتح.
والكتابي من يعتقد دينا سماويا: أي منزلا بكتاب كاليهود والنصاري.
قوله: (السامرة) فاعل يدخل وهم فرقة من اليهود وتخالف اليهود في أكثر الاحكام، ومنهم السامري الذي وضع العجل وعبده مصباح.
قوله: (والارمن) نسبة على خلاف القياس إلى أرمينية بكسر الهمزة والميم بينهما راء ساكنة وبفتح الياء الثانية بعد النون وهي ناحية بالروم كما في المصباح.
قوله: (تؤخذ منهم عنده خلافا لهما) أي بناء على أنهم من النصارى أو من اليهود، فهم من أهل الكتاب عنده، وعندهما يعبدون الكواكب فليسوا من الكتابيين بل كعبدة
الاوثان، كما في الفتح والنهر.
قال ح: أقول: ظاهر كلامهم إن الصائبة من العرب، إذ لو كانوا من العجم لما تأتى الخلاف لما علمت أن العجمي تؤخذ منه الجزية لو مشركا اه.
قلت: ويؤيده ما نقله السائحاني عن البدائع من أنه عندهما تؤخذ منهم الجزية إذا كانوا من العجم لانهم كعبدة الاوثان اه.
قوله: (ومجوسي) من يعبد النار.
فتح.
قوله: (على مجوس هجر) بفتحتين.
قال في الفتح بلدة في البحرين اه.
وفي المصباح: وقد أطلقت على ناحية بلاد البحرين وعلى جميع الاقاليم، وهو المراد بالحديث اه.
وفيه أيضا البحران على لفظ التثنية موضع بين البصرة وعمان وهو من بلاد نجد.
قوله: (ووثني عجمي) الوثن: ما كان منقوشا في حائط ولا شخص له، والصنم: ما كان على صورة الانسان، والصليب: ما لا نقش له ولا صورة، ولكنه يعبد.
منح.
عن السراج ومثله في البحر، لكن ذكر قبله الوثن: ما له جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت، والجمع أوثان، وكانت العرب تنصبها وتعبدها اه.
وفي المصباح: الوثن الصنم، سواء كان من خشب أو حجر أو غيره اه.
والعجمي خلاف العربي.
قوله: (لجواز استرقاته الخ) وإنما لم تضرب الجزية على النساء والصبيان، مع جواز استرقاقهم لانهم صاروا اتباعا لاصولهم في الكفر، فكانوا أتباعا في حكمهم فكانت الجزية عن الرجل وأتباعه في المعنى إن كان له أتباع، وإلا فهي عنه خاصة.
فتح.
قوله: (لان المعجزة في حقه أظهر) لان القرآن نزل بلغتهم فكان كفرهم والحالة هذه أغلظ من كفر العجم.
فتح.
وأورد في النهر: أن هذا يشمل ما إذا كان كتابيا اه: أي فيخالف ما مر من أنها توضع عليه.(4/380)
قلت: والجواب أنه وإن شمله، لكن خص بقوله تعالى: * (من الذين أوتوا الكتاب) * (سورة التوبة: الآية 92) اه.
ثم رأيته في الشرنبلالية.
قوله: (فلا يقبل منهما) أي من العربي الوثني والمرتد إلا الاسلام، وإن لم يسلما قتلا بالسيف، وفي الدر المنتقى عن البرجندي أن نسبة القبول إلى السيف مسامحة.
قوله: (ولو ظهرنا عليهم، فنساؤهم وصبيانهم فئ) لان أبا بكر رضي الله تعالى
عنه استرق بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا، وقسمهم بين الغانمين.
هداية.
قال في الفتح: إلا أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الاسلام بعد الاسترقاق، بخلاف ذراري عبدة الاوثان: لا يجبرون اه: أي وكذا نساؤهم، والفرق أن ذراري المرتدين تبع لهم فيجبرون مثلهم، وكذا نساؤهم لسبق الاسلام منهن.
مطلب: الزنديق إذا أخذ قبل التوبة يقتل ولا تؤخذ منه الجزية تنبيه: قال في الفتح: قالوا لو جاء زنديق قبل أن يؤخذ فأخبر بأنه زنديق وتاب تقبل توبته، فإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل، لانهم باطنية يعتقدون في الباطن خلاف ذلك، فيقتل ولا تؤخذ منه الجزية اه.
وسيأتي في باب المرتد أن هذا التفصيل هو المفتى به.
وفي القهستاني: ولا توضع على المبتدع، ولا يسترق وإن كان كافرا، لكن يباح قتله إذا أظهر بدعته، ولم يرجع عن ذلك، وتقبل توبته.
وقال بعضهم: لا تقبل توبة الاباحية والشيعة والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة، وقال بعضهم: إن تاب المبتدع قبل الاخذ والاظهار تقبل، وإن تاب بعدهما لا تقبل، كما هو قياس قول أبي حنيفة كما في التمهيد السالمي اه.
قال في الدرر المنتقى: واعتمد الاخير صاحب التنوير.
قوله: (وصبي) ولا مجنون.
فتح.
قوله: (وامرأة) إلا نساء بني تغلب فإنها تؤخذ من نسائهم كما تؤخذ من رجالهم لوجوبه بالصلح كذلك، كما سيأتي.
قوله: (وابن أم ولد) صورته: استولد جارية لها ولد قد ملكه معها فإن الولد يتبع أمه في الحرية والتدبير والاستيلاد.
تنبيه: قال في الدر المنتقى: سقط من نسخ الهداية لفظ ابن وتبعه القهستاني، بل زاد وأمه ولا ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء الاحرار، فكيف بأم الولد، وإنما المراد ابن أم الولد.
قوله: (وفقير غير معتمل) تقدم الكلام عليه.
قوله: (لانه لا يقتل الخ) الاصل أن الجزية لاسقاط القتل فمن لا يجب قتله لا توضع عليه الجزية، إلا إذا أعانوا برأي أو مال فتجب الجزية كما في الاختيار وغيره.
در.
منتقى وقهستاني.
قوله: (وجزم الحدادي بوجوبها) أي إذا قدر على العمل حيث قال: قوله ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس: هذا محمول على أنهم إذا كانوا لا يقدرون على العمل، أما إذا كانو يقدرون فعليهم الجزية، لان القدرة فيهم موجودة، وهم الذين
ضيعوها، فصار كتعطيل أرض الخراج اه.
وبه جزم في الاختيار أيضا كما في الشرنبلالية، قال في النهر: وجعله في الخانية ظاهر الرواية حيث قال: ويؤخذ من الرهبان والقسيسين في ظاهر الرواية، وعن محمد أنها لا يؤخذ اه.
قوله: (ونقل ابن كمال أنه القياس) فيه نظر، لانه قال في شرح قوله: ولا على راهب لا يخالط فأما الرهابن وأصحاب الصوامع الذين يخالطون الناس فقال محمد: كان أبو(4/381)
حنيفة يقول بوضع الجزية إذا كانو يقدرون على العمل، وهو قول أبي يوسف.
قال عمرو بن أبي عمر: قلت لمحمد: فما قولك؟ قال: القياس ما قال أبو حنيفة، كذا في شرح القدوري للاقطع اه.
وبه علم أن هذا في المخالط على أن هذه الصيغة من محمد تفيد اختيار قول أبي حنيفة ولا تفيدأن مقابله هو الاستحسان الذي يقدم على القياس، ووجه كونه هو القياس أنا لو ظهرنا على دار الحرب لنا أن نقتل الراهب المخالط، بخلاف غير المخالط، وقد مر أن من لا يقتل لا توضع الجزية عليه، وهذا القياس هو مفهوم ما جرى عليه أصحاب المتون فيكون هو المذهب، وما مر عن الخانية يمكن حملة عليه، فلا يلزم أن يكون ظاهر الرواية، فافهم.
قوله: (لم توضع عليه) لان وقت الوجوب أول السنة عند وضع الامام، فإن الامام يجدد الوضع عند رأس كل سنة لتغير أحوالهم ببلوغ الصبي وعتق العبد وغيرهما فإذا احتلم وعتق العبد بعد الوضع فقد مضى وقت الوجوب، فلم يكونا أهلا للوجوب، ولوالجية.
قوله: (بخلاف الفقير) أي غير المعتمل إذا أيسر بالعمل فإنها توضع عليه ط.
قوله: (لان سقوطها لعجزه) لان الفقير أهل لوضع الجزية كما في الاختيار: أي لكونه حرا مكلفا، لكنه معذور بالفقر، فإذا زال أخذت منه، لكن إن بقي من الحول أكثره على ما قدمنا تحريره.
قوله: (كما طعن الملحدة) أي الطاعنين في الدين، قال في المصباح: ألحد الرجل في الدين لحدا وألحد إلحادا: طعن.
قوله: (إنما هي عقوبة لهم) ولانها دعوة إلى الاسلام بأحسن الجهات، وهو أن يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الاسلام، فيسلم مع دفع شره في الحال: قهستاني.
قوله: (فإذا جاز إمهالهم) أي تأخيرهم بلا جزية للاستدعاء إلى الايمان: أي لاجل دعائهم إليه بمحاربتهم وقتالهم بدونها فيها أولى: أي فإمهالهم للاستدعاء إلى
الايمان بالجزية أولى، لان مخالطتهم للمسلمين ورؤيتهم حسن سيرتهم تدعوهم إلى الاسلام كما علمت، فيحصل المقصود بلا قتال فيكون أولى، هذا ما ظهر لي في تقرير كلامه، وقد صرح أبو يوسف في كتاب الخراج بأنه لا يجوز ترك واحد بلا جزية، فعلم أن المراد ما قررناه، فتأمل.
قوله: (تعالى الخ) لا حاجة إلى سوق الدليل النقلي هنا، لان الملحد معترض على مشروعية هذا الحكم من أصله.
قوله: (ونصارى نجران) بلدة من بلاد همدان من اليمن.
مصباح.
وفي الفتح: روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: صالح رسول الله (ص) أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر، والنصف في رجب.
قوله: (ثم فرع عليه) أي على كونها عقوبة على الكفر.
قوله: (ولو بعد تمام السنة) يجب أن تحمل البعدية على المقارنة للتمام،(4/382)
لانه لو أسلم بعد التمام بمدة فالسقوط بالتكرار قبل الاسلام، لا بالاسلام اه.
خ.
قلت: لكن تحقق التكرار بدخول السنة الثانية فيه خلاف كما تعرفه.
قوله: (ويسقط المعجل) على تقدير مضاف: أي يسقط رده، فالسقوط هنا عن الامام لا عنه، بخلاف الواقع في المتن.
قوله: (فيرد عليه سنة) أي لو عجل لسنتين، لانه أدى خراج السنة الثانية، قبل الوجوب، فيرد عليه، أما لو عجل لسنة في أولها فقد أدى خراجها بعد الوجوب.
قال في الولوالجية: وهذا على قول من قال بوجوب الجزية في أول الحول كما نص عليه في الجامع الصغير، وعليه الفتوى.
قوله: (والموت) أي ولو عند تمام السنة في قولهم جميعا كما في الفتح.
قوله: (والتكرار) أي بدخول السنة ولا يتوقف على مضيها في الاصح كما يأتي قريبا وسقوطها بالتكرار قول الامام، وعندها، لا تسقط كما في الفتح.
قوله: (وبالعمى والزمانة الخ) أي لو حدث شئ من ذلك، وقد بقي عليه شئ لم يؤخذ كما فالولوالجية والخانية: أي لو بقي عليه شئ من أقساط الاشهر وكذا لو كان لم يدف شيئا، لكن قدمنا عن القهستاني عن المحيط تقييد سقوط الباقي بما إذا دامت هذه الاعذار نصف سنة فأكثر، ومثله ما ذكره الشارح أو الفصل عن الهداية فافهم.
هذا وفي التتارخانية قال في المنتقى قال أبو يوسف: إذا أغمى عليه أو أصابته زمانة وهو موسر أخذت منه
الجزية، قال الامام الحاكم أبو الفضل: على هذه الرواية يشترط للاخذ أهلية الوجوب في أول الحول، وعلى رواية الاصل شرطها من أوله إلى آخره اه.
ملخصا.
قلت: وحاصله أنه على رواية المنتقى يشترط وجود الاهلية في أوله فقط فلا يضر زوالها بعده، وعلى رواية الاصل يشترط عدم زوالها، وهو ما مشى عليه المصنف، وليس المراد عدم الزوال أصلا، بل المراد أن لا يستمر العذر نصف سنة فأكثر، فلا ينافي ما مر، فتدبر.
قوله: (لا يستطيع العمل) راجع لقوله: فقيرا وما بعده.
قوله: (والاصح الخ) وقيل لا بد من مضي الثانية ليتحقق الاجتماع.
قوله: (بعكس خراج الارض) فإن وجوبه بآخر الحول لان به يتحقق الانتفاع.
قوله: (ويسقط الخراج) أي خراج الارض.
قوله: (وقيل لا) جزم به في الملتقى.
قوله: (بحر) أقره في النهر أيضا.
قوله: (وعزاه في الخانية) حيث قال: فإن اجتمع الخراج فلم يؤد سنين عند أبي حنيفة يؤخذ بخراج هذه السنة، ولا يؤخذ بخراج السنة الاولى، ويسقط ذلك عنه كما قال في الجزية، ومنهم من قال: لا يسقط الخراج بالاجماع، بخلاف الجزية، وهذا إذا عجز عن الزراعة فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل اه.
قلت: وقد ترك المصنف والشارح هذا القيد وهو العجز عن الزراعة: أي في السنة الاولى، وعلى هذا فلا محل لذكر الخراج هنا، لانه لا يجب إلا بالتمكين من الزراعة، فإذا لم يجب لا يقال إنه(4/383)
سقط، ويظهر أن الخلاف المذكور لفظي يحمل القول الاول على ما إذا عجز، والثاني على ما إذا لم يعجز، إذ لا يتأتى الوجوب مع العجز كما مر في الباب السابق، ولذا قال: فإن لم يعجز يؤخذ بالخراج عند الكل، وعلى هذا فلم يبق في المسألة قولان، لكنه خلاف الظاهر من كلامهم، فإن الخلاف محكي في كثير من الكتب، وقد علمت أنه لا يتأتى الخلاف مع العجز، فالظاهر أن الخلاف عند عدمه، وعليه فالمناسب إسقاط هذا القيد، ولذا ذكر في الخانية هذه في المسألة باب العشر بدونه، ولم يذكر أيضا القول الثاني، فاقتضى كلامه اعتماد قول الامام: إنه لا يؤخذ بخراج السنة الاولى، لكن في الهندية عن المحيط ذكر صدر الاسلام عن أبي حنيفة روايتين،
والصحيح أنه يؤخذ اه.
وجزم به في الملتقى كما قدمناه، وبه ظهر أن كلا من القولين مروي عن صاحب المذهب، والمصر بتصحيحه عدم السقوط، فكان هو المعتمد، ولذا جزم به في متن الملتقى، وذكر في العناية الفرق بينه وبين الجزية بأن الخراج في حالة البقاء مؤنة من غير التفات إلى معنى العقوبة، ولذا لو شرى مسلم أرضا خراجية لزم خراجها، فجاز أن لا يتداخل، بخلاف الجزية فإنها عقوبة ابتداء وبقاء والعقوبات تتداخل اه.
وبه اندفع ما في البحر.
قوله: (وفيها الخ) أي في الخانية، ومحل ذكر هذه المسألة الباب السابق، وقد ذكرها في باب العشر وقدمنا الكلام عليها.
قوله: (في الاصح) أي من الروايات، لان قبولها من النائب يفوت المأمور به من إذلاله عند الاع طاء، قال تعالى: * (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (سورة التوبة: الآية 92) فتح.
قوله: (والقابض منه باعد) وتكون يد المؤدي أسفل ويد القابض أعلى.
هندية.
قوله: (ويقول الخ) هذا في الهداية أيضا، لكن لم يجزم به كما فعله الشارح، بل قال: وفي رواية: يأخذ بتلبيبه وبهزه هزا ويقول: أعط الجزية يا ذمي اه.
ومفاده عدم اعتمادها، وفي غاية البيان والتلبيب بالفتح: ما على موضع اللبب من الثياب، واللبب: موضع القلادة من الصدر.
قوله: (يا عدو الله كذا في غاية البيان، والذي في الهداية والفتح والتبيين يا ذمي.
قوله: (ويصفعه في عنقه) الصفع أن يبسط الرجل كفه فيضرب بها قفا الانسان أو بدنه، فإذا قبض كفه ثم ضربه فليس بصفع، بل يقال ضربه بجمع مصباح..وما ذكره من الصفنقله في التتارخانية، ونقله أيضا في النهر عن شرح الطحاوي، وقد حكاه بعضهم بقيل.
قوله: (لا يا كافر) مفادة المنع من قول يا عدو الله، بل ومن الاخذ بالتلبيب والهز والصفع، إذا لا شك بأنه يؤذيه، ولهذا رد بعض المحققين من الشافعية ذلك بأنه لا أصل له في السنة ولافعله أحد من الخلفاء الراشدين.
قوله: (ويأثم القائل إن أذاه به) مقتضاه أنه يعزر لارتكاب الاثم.
بحر.
وأقره المصنف، لكن نظر فيه في النهر.
قلت: ولعل وجه ما مر في يا فاسق من أنه هو الذي ألحق الشين بنفسه قبل قول القائل.
أفاده الشارح في التعزير ط.
قلت: لكذكرنا الفرق هناك، فافهم.(4/384)
مطلب في أحكام الكنائس والبيع قوله: (ولا يجوأن يحدث) بضم الياء وكسر الدال وفاعله الكافر ومفعوله بيعة كما يقتضى قول الشارح، ولا صنما.
وفي نسخة ولا يحدثوا أي أهل الذمة اه.
ح.
ومن الاحداث نقلها إلى غير موضعها كما في البحر وغيره.
ط.
قوله: (بيعة) بالكسر معبد النصارى واليهود، كذلك الكنيسة، إلا أنه غلب البيعة على معبد النصارى، والكنيسة على اليهود.
قهستاني.
وفي النهر وغيره: وأهل مصر يطلقون الكنيسة على متعبدهما، ويخصان اسم الدير بمعبد النصارى.
قلت: وكذا أهل الشام.
در.
منتقى.
والصومعة بيت يبنى برأس طويل ليتعبد فيه بالانقطاع عن الناس بحر.
قوله: (ولا مقبرة) عزاه المصنف إلى الخلاصة، ثم ذكر ما يخالفه عن جواهر الفتاوى، ثم قال: والظاهر الاول، ومن ثم عولنا عليه في المختصر.
مطلب: لا يجوز إحداث كنيسة في القرى، ومن أفتى بالجواز فهو مخطئ، ويحجر عليه قوله: (ولو قرية في المختار) نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الائمة السرخسي في الاجارات، ثم قال: إنه المختار، وفي الوهبانية: إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون، إلى أن قال: فقد علم أنه لا يحل الافتاء بالاحداث في القرى لاحد من أهل زماننا بعدما ذكرنا من التصحيح، والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ، ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا، ولا يحل العمل به ولا الاخذ بفتواه، ويحجر عليه في الفتوى، ويمنع، لان ذلك منه مجرد اتباع هوى النفس، وهو حرام، لانه ليس له قوة الترجيح، لو كان الكلام مطلقا، فكيف مع وجود النقل بالترجيح والفتوى، فتنبه لذلك، والله الموفق.
مطلب: تهدم الكنائس من جزيرة العرب ولا يمكنون من سكناها قال في النهر: والخلاف في غير جزيرة العرب، أما هي فيمنعون من قراها أيضا لخبر لا يجتمع دينان في جزيرة العرب اه.
قلت: الكلام في الاحداث مع أن أرض العرب لا تقر فيها كنيسة ولو قديمة فضلا عن إحداثها، لانهم لا يمكنون من السكنى بها للحديث المذكور، كما يأتي، وقد بسطه في الفتح وشرح السير الكبير، وتقدم تحديد جزيرة العرب أول الباب المار.
مطلب في بيان أن الامصار ثلاثة، وبيان إحداث الكنائس فيها تنبيه: في الفتح: قيل الامصار ثلاثة: ما مصره المسلمون: كالكوفة، والبصرة وبغداد، وواسط، ولا يجوز فيه إحداث ذلك إجماعا.
وما فتحه المسلمون عنوة فهو كذلك، وما فتحوه صلحا، فإن وقع على أن الارض لهم جاز الاحداث، وإلا فلا إلا إذا شرطوا الاحداث اه.
ملخصا.
وعليه فقوله: ولا يجوز أن يحدثوا، مقيد بما إذا لم يقع الصلح على أن الارض لهم أو على الاحداث، لكن ظاهر الرواية أنه لا استثناء فيه كما في البحر والنهر.
قلت: لكن إذا صالحهم على أن الارض لهم فلهم الاحداث، لا إذا صار مصرا للمسلمين بعد: فإنهم يمنعون من الاحداث بعد ذلك، ثم لو تحول المسلمون من ذلك المصر إلا نفرا يسيرا فلهم الاحداث أيضا، فلو رجع المسلمون إليه لم يهدموا ما أحدث قبل عودهم كما في شرح السير(4/385)
الكبير، وكذا قوله: وما فتح عنوة فهو كذلك، ليس على إطلاقه أيضا بل هو فيما قسم بين الغانمين أو صار مصرا للمسلمين، فقد صرح في شرح السير بأنه لو ظهر على أرضهم وجعلهم ذمة لا يمنعون من إحداث كنيسة، لان المنع مختص بأمصار المسلمين التي تقام فيها الجمع والحدود، فلو صارت مصرا للمسلمين منعوا من الاحداث، ولا تترك لهم الكنائس القديمة أيضا، كما لو قسمها بين الغانمين لكن لا تهدم، بل يجعلها مساكن لهم، لانها مملوكة لهم، بخلاف ما صالحهم عليها قبل الظهور عليهم، فإنه يترك لهم القديمة ويمنعهم من الاحداث بعدما صارت من أمصار المسلمين اه.
ملخصا.
مطلب: لو اختلفنا معهم في أنها صلحية أو عنوية فإن وجد أثر وإلا تركت بأيديهم تتمة: لو كانت لهم كنيسة في مصر فادعوا أنا صالحناهم على أرضهم، وقال المسلمون: بل
فتحت عنوة، وأراد منعهم من الصلاة فيها وجهل الحال لطول العهد سأل الامام الفقهاء وأصحاب الاخبار، فإن وجد أثرا عمل به، فإن لم يجد أو اختلفت الآثار جعلها أرض صلح، وجعل القول فيها لاهلها، لانها في أيديهم وهم متمسكون بالاصل، وتمامه في شرح السير.
قوله: (ويعاد المنهدم) هذا في القديمة التي صالحناهم على إبقائها قبل الظهور عليهم.
قال في الهداية: لان الابنية لا تبقى دائما، ولما أقرهم الامام فقد عهد إليهم الاعادة، إلا أنهم لا يمكنون من نقلها، لانه إحداث في الحقيقة اه.
مطلب: إذا هدمت الكنيسة ولو بغير وجه لا تجوز إعادتها قوله: (أشباه) حيث قال في فائدة نقل السبكي: الاجماع على أن الكنيسة إذا هدمت ولو بغير وجه لا يجوز إعادتها.
ذكره السيوطي في حسن المحاضرة.
قلت: يستنبط منه أنها إذا قفلت لا تفتح ولو بغير وجه، كما وقذلك في عصرنا بالقاهرة في كنيسة بحارة زويلة قفلها الشيخ محمد بن إلياس قاضي القضاة، فلم تفتح إلى الآن حتى ورد الامر السلطاني بفتحها، فلم يتجاسر حاكم على فتحها، ولا ينافي ما نقله السبكي قول أصحابنا: يعاد المنهدم، لان الكلام فيما هدمه الامام لا فيما تهدم، فليتأمل اه.
قال الخير الرملي في حواشي البحر أقوال: كلام السبكي عام فيما هدمه الامام وغيره.
في كلام الاشباه يخص الاول.
والذي يظهر ترجيحه العموم لان العلة فيما يظهر أن في إعادتها بعد هدم المسلمين استخفافا بهم وبالاسلام، وإخمادا لهم وكسرا لشوكتهم، ونصرا للكفر وأهله، غاية الامر أن فيه افتياتا على الامام فيلزم فاعله التعزير، كما إذا أدخل الحربي بغير إذن يصح أمانه ويعزر لافتياته، بخلاف ما إذا هدموها بأنفسهم فإنها تعاد كما صرح به علماء الشافعية، وقواعدنا لا تأباه لعدم العلة التي ذكرناها فيستثنى من عموم كلام السبكي اه.
مطلب: ليس المراد من إعادة المنهدم أنه جائز نأمرهم به بل المراد نتركهم وما يدينون تنبيه: ذكر الشرنبلالي في رسالة في أحكام الكنائس عن الامام السبكي معنى قولهم لا نمنعهم من الترميم ليس المراد أنه جائز نأمرهم به، بل بمعنى نتركهم وما يدينون، فهو من جملة
المعاصي التي يقرون عليها كشرب الخمر ونحوه، ولا نقول: إن ذلك جائز لهم، فلا يحل للسلطان(4/386)
ولا للقاضي أن يقول لهم افعلوا ذلك ولا أن يعينهم عليه، ولا يحل لاحد من المسلمين أن يعمل لهم فيه، ولا يخفى ظهوره وموافقته لقواعدنا.
مطلب: لم يكن من الصحابة صلح مع اليهود ثم نقل عن السراج البلقيني في كنيسة لليهود ما حاصله: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند فتح النواحي لم يكن منهم صلح مع اليهود أصلا اه.
قلت: وهذا ظاهر، فإن البلاد كانت بيد النصارى، ولم تزل اليهود مضروبة عليهم الذلة، ثم رأيت في حاشية شيخ مشايخنا الرحمتي كتب عند قول الشارح في خطبة الامام بجامع بني أمية ما نصه: ثم نقض أهل الذمة عهدهم في وقعة التتار وقتلوا عن آخرهم، فكنائسهم الآن موضوعة بغير حق اه.
مطلب مهم: حادثة الفتوى في أخذ النصارى كنيسة مهجورة لليهود ويؤخذ من هذا حكم حادثة الفتوى الواقعة في عام ثمانية وأربعين بعد المائتين والالف قريبا من كتابتي لهذا المحل، وهي أن كنيسة لفرقة من اليهود تسمى اليهود القرايين مهجورة من قديم لفقد هذه الفرقة وانقطاعهم في دمشق، فحضر يهودي غريب هو من الفرقة إلى دمشق، فدفع له النصارى دراهم معلومة، وأذن لهم في بنائها، وأن يجعلوها معبدا لهم، وصدق لهم على ذلك جماعة من اليهود لقوة شوكة النصارى في ذلك الوقت، وبلغني أن الكنيسة المذكورة في داخل حارة لليهود مشتملة على دور عديدة، وأن مراد النصارى شراء الحارة المذكورة وإدخالها للكنيسة، وطلبوا فتوى على صحة ذلك الاذن، وعلى كونها صارت معبدا للنصارى، فامتنعت من الكتابة.
مطلب فيما أفتى به بعض المتهورين في زماننا وقلت: إن ذلك غير جائز، فكتب لهم بعض المتهورين طمعا في عرض الدنيا أن ذلك صحيح جائز.
فقويت بذلك شوكتهم، وعرضوا ذلك على ولي الامر ليأذن لهم بذلك حيث وافق
غرضهم الحكم الشرعي، بناء على ما أفتاهم به ذلك المفتي، ولا أدري ما يؤول إليه الامر وإلى الله المشتكى.
ومستندي فيما قلته أمور: منها ما علمته من أن اليهود لا عهد لهم، فالظاهر أن كنائسهم القديمة أقرت مساكن لا معابد، فتبقى كما أبقيت عليه، وما علمته أيضا من أن أهل الذمة نقضوا عهدهم لقتالهم المسلمين مع التتار الكفار فلم يبق لهم عهد في كنائسهم، فهي موضوعة الآن بغير حق، ويأتي قريبا عند قوله: وسب النبي (ص) أن عهد أهل الذمة في الشام مشروط بأن لا يحدثوا بيعة ولا كنيسة، ولا يشتموا مسلما، ولا يضربوه، وأنهم إن خالفوا فلا ذمة لهم.
ومنها: أن هذه كنيسة مهجورة انقطع أهلها وتعطلت عن الكفر فيها، فلا تجوز الاعانة على تجديد الكفر فيها، وهذا إعانة على ذلك بالقدر الممكن حيث تعطلت عن كفر أهلها.
وقد نقل الشرنبلالي في رسالته عن الامام القرافي: أنه أفتى بأنه لا يعاد ما انهدم من الكنائس،(4/387)
وأن من ساعد على ذلك فهو راض بالكفر، والرضا بالكفر كفر اه.
فنعوذ بالله من سوء المنقلب.
ومنها: أن عداوة اليهود للنصارى أشد من عداوتهم لنا، وهذا الرضا والتصديق ناشئ عن خوفهم من النصارى لقوة شوكتهم كما ذكرناه.
ومنها: أنها إذا كانت معينة لفرقة خاصة ليس لرجل من أهل تلك الفرقة أن يصرفها إلى جهة أخرى، وإن كان الكفر ملة واحدة عندنا كمدرسة موقوفة على الحنفية مثلا لا يملك أحد أن يجعلها لاهل مذهب آخر وإن اتحدت الملة.
ومنها: أن الصلح العمري الواقع حين الفتح مع النصارى إنما وقع على إبقاء معابدهم التي كانت لهم إذ ذاك، ومن جملة الصلح معهم كما علمته آنفا أن لا يحدثوا كنيسة ولا صومعة، وهذا إحداث كنيسة لم تكن لهم بلا شك، واتفقت مذاهب الائمة الاربعة على أنهم يمنعون عن الاحداث كما بسطه الشرنبلالي بنقله نصوص أئمة المذاهب، ولا يلزم من الاحداث أن يكون بناء حادثا، لانه نص في شرح السير وغيره على أنه لو أرادوا أن يتخذوا بيتا لهم معدا للسكنى كنيسة يجتمعون فيه
يمنعون منه، لان فيه معارضة للمسلمين وازدراء بالدين اه: أي لانه زيادة معبد لهم عارضوا به معابد المسلمين، وهذه الكنيسة كذلك جعلوها معبدا لهم حادثا، فما أفتى به ذلك المسكين خالف فيه إجماع المسلمين، وهذا كله مع قطع النظر عما قصدوه من عمارتها بأنقاض جديدة وزيادتهم فيها، فإنها لو كانت كنيسة لهم يمنعون من ذلك بإجماع أئمة الدين أيضا، ولا شك أن من أفتاهم وساعدهم وقوى شوكتهم يخشى عليه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى.
قوله: (عن النقض) بالضم ما انتقض من البنيان، قاموس.
قوله: (وتمامه في شرح الوهبانية) ذكر عبارته في النهر حيث قال: قال في عقد الفرائد: وهذا: أي قولهم: من غير زيادة يفيد أنهم لا يبنون ما كان باللبن بالآجر، ولا ما كان بالآجر بالحجر، ولا ما كان بالجريد وخشب النخل بالنفي والساج، ولا بياض لم يكن: قال: ولم أجد في شئ من الكتب المعتمدة أن لا تعاد إلا بالنقض الاول، وكون ذلك مفهوم الاعادة شرعا ولغة غير ظاهر عندي، على أنه وقع في عبارة محمد: يبنونها.
وفي إجارة الخانية: يعمروا وليس فيها ما يشعر باشتراط النقض الاول.
مطلب في كيفية إعادة المنهدم من الكنائس وفي الحاوي القدسي: وإذا انهدمت البيع والكنائس لذوي الصلح إعادتها باللبن والطين إلى مقدار ما كان قبل ذلك، ولا يزيدون عليه، ولا يشيدونها بالحجر والشيد والآجر، وإذا وقف الامام على بيعه جديدة أو بنى منها فوق ما كان في القديم خربها، وكذا ما زاد في عمارتها العتيقة اه.
ومقتضى النظر أن النقض الاول حيث وجد كافيا للبناء الاول لا يعدل عنه إلى آلة جديدة، إذ لا شك في زيادة الثاني على الاول حينئذ اه.
قوله: (وأما القديمة الخ) مقابل قوله: ولا يحدث بيعة ولا كنيسة وكان الاولى ذكره قبل قوله: ويعاد المنهدم لان إعادة المنهدم إنما هي في القديمة دون الحادثة.
قوله: (في الفتحية) أراد بها المفتوحة عنوة بقرينة مقابلتها بالصلحية.
قوله: (بحر) عبارته: قال في فتح القدير: واعلم أن البيع والكنائس القديمة في السواد لا تهدم على الروايات كلها، وأما(4/388)
في الامصار فاختلف كلام محمد، فذكر في العشر والخراج تهدم القديمة، وذكر في الاجارة لا تهدم،
وعمل الناس على هذا، فإنا رأينا كثيرا منها توالت عليها أئمة وأزمان وهي باقية لم يأمر إمام بهدمها، فكان متوارثا من عهد الصحابة، وعلى هذا لو مصرنا برية فيها أو كنيسة فوقع داخل السور ينبغي أن لا يهدم، لانه كان مستحقا للامان قبل وضع السور، فيحمل ما في جوف القاهرة من الكنائس على ذلك، فإنها كانت فضافأدار العبيديون عليها السور، ثم فيها الآن كنائس ويبعد من إمام تمكين الكفامن إحداثها جهارا، وعلى هذا أيضا فالكنائس الموضوعة الآن في دار الاسلام غير جزيرة العرب كلها ينبغي أن لا تهدم لانها إن كانت في الامصار قديمة، فلا شك أن الصحابة أو التابعين حين فتحوا المدينة علموا بها وبقوها، وبعد ذلك ينظر: فإن كانت البلدة فتحت عنوة حكمنا بأنهم بقوها مساكن لا معابد فلا تهدم ولكن يمنعون من الاجتماع فيها للتقرب، وإن عرف أن فتحت صلحا حكمنا بأنهم أقروها معابد فلا يمنعون من ذلك فيها بل من الاظهار اه.
قلت: وقوله: فوقع داخل السور، ينبغي أن لا يهدم ظاهره أنه لم يره منقولا، وقد صرح به في الذخيرة وشرح السير، وقوله: وبعد ذلك ينظر الخ، قدمنا ما لو اختلف في أنها فتحية أو صلحية ولم يعلم من الآثار والاخبار تبقى في أيديهم، قوله: (خلافا لما في القهستاني) أي عن التتمة من أنها في الصلحية تهدم في المواضع كلها في جميع الروايات.
مطلب في تمييز أهل الذمة في الملبس قوله: (ويميز الذمي الخ) حاصله: أنهم لما كانوا مخالطين أهل الاسلام فلا بد من تمييزهم عنا كي لا يعامل معاملة المسلم من التوقير والاجلال، وذلك لا يجوز، وربما يموت أحدهم فجأة في الطريق ولا يعرف فيصلى عليه، وإذا وجب التمييز وجب أن يكون بما فيه صغار لا إعزاز، لان إذلالهم لازم بغير أذى من ضرب أو صفع بلا سبب يكون منه، بل المراد اتصافه بهيئة وضيعة، فتح.
قوله: (ومركبه) مخالفة الهيئة فيه إنما تكون إذا ركبوا من جانب واحد، وغالب ظني أني سمعته من الشيخ الاخ كذلك.
نهر.
قلت: وهو كذلك، ففي رسالة العلامة قاسم في الكنائس، وقد كتب عمر إلى أمراء الاجناد أن يختموا أهل الذمة بالرصاص ويركبوا على الاكف عرضا.
قوله: (وسلاحه) تبع فيه الدرر، وهو
مناف لقوله تبعا لغيره من أصحاب المتون، ولا يعمل بسلاح إلا أن يحمل على ما إذا استعان بهم الامام، أو المراد من تمييزه في سلاحه بأن لا يحمل سلاحا، وهو بعيد.
تأمل.
قوله: (إلا إذا استعان بهم الامام الخ) لكنه يركب في هذه الحالة بإكاف لا بسرج، كما قال بعضهم.
نهر.
قوله: (وذب) بالذال المعجمة: أي دفع وطرد العدو.
قوله: (وجاز بغل) أي إن لم يكن فيه عز وشرف، وتمامه في شرح الوهبانية.
قوله: (وهذا) أي جواز ركوبه لبغل أو حمار، وكان ينبغي تأخير هذه الجملة كلها عن قوله: ويركب سرجا كالاكف.
قوله: (إلا لضرورة) كما إذا خرج إلى قرية أ كان مريضا.
فتح.
قوله: (والمعتمد أن لا يركبوا) كتب بعضهم هنا أن الصواب يركبون بالنون، كما(4/389)
هو عبارة الاشباه لعدم الناصب والجازم، وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن.
أقول: هذا التصويب خطأ محض، لان المخففة من الثقيلة التي لا تنصب المضارع شرطا أن تقع بعد فعل اليقين أو ما ينزل منزلته نحو: * (علم أن سيكون) * (سورة المزمل: الآية 02) * (أفلا يرون أن لا يرجع) وهذه ليست كذلك بل هي المصدرية الناصبة نحو: * (وأن تصوموا خير لكم) * (سورة البقرة: الآية 481).
قوله: (مطلقا) أي ولو حمارا.
قوله: (في المجامع) أي في مجامع المسلمين إذا مر بهم.
فتح.
قوله: (كالاكف) بضمتين جمع إكاف مثل حمار وحمر.
مصباح.
فكان الاولى التعبير بالاكاف المفرد.
قوله: (كالبرذعة) بدل من قوله: كالاكف قال في المصباح: البرذعة بالذال والدال: حلس يجعل تحت الرحل، والجمع البراذع، هذا هو الاصل.
وفي عرف زماننا هي للحمار ما يركب عليه بمنزلة السرج للفرس اه.
فالمراد هنا المعنى العرفي لا اللغوي.
قوله: (ولا يعمل بسلاح) أي لا يستعمله، ولا يحمله لانه عز، وكل ما كان كذلك يمنعون عنه.
قلت: ومن هذا الاصل تعرف أحكام كثيرة.
در.
منتقى..قوله: (ويظهر الكستيج) بضم الكاف وبالجيم كما في القهستاني: فارسي معرب معناه: العجز والذل كما في النهر، فيشمل القلنسوة والزنار والنعل لوجود الذل فيها، ولقوله في البحر: وكستيجات النصارى قلنسوة سوداء من اللبد مضربة وزنار من الصوف اه.
فتعبيره بخصوص الزنار بيان لبعض أنواعه اه.
ح.
قوله: (
الزنار) بوزن تفاح وجمعه زنانير.
مصباح، وفي البحر عن المغرب أنه خيط غليظ بقدر الاصبع يشده الذمي فوق ثيابه.
قال القهستاني: وينبغي أن يكون من الصوف أو الشعر، وأن لا يجعل له حلقة تشده كما يشد المسلم المنطقة، بل يعلقه على اليمين أو الشمال كما في المحيط.
قوله: (ولو زرقاء أو صفراء) أي خلافا لما في الفتح من أنه إذا كان المقصود العلامة يعتبر في كل بلدة متعارفها، وفي بلادنا جعلت العلامة في العمامة فألزم النصارى بالازرق واليهود بالاصفر، واختص المسلمون بالابيض.
قال في النهر: إلا أنه في الظهيرية قال: وأما لبس العمامة والزنار الابريسم فجفاء في حق أهل الاسلام ومكسرة لقلوبهم، وهذا يؤذن بمنع التمييز بها، ويؤيده ما ذكره في التاترخانية: حيث صرح بمنعهم من القلانس الصغار، وإنما تكون طويلة من كرباس مصبوغة بالسواد مضربة مبطنة، وهذا في العلامة أولى، وإذا عرف هذا فمنعهم من لبس العمائم هو الصواب الواضح بالتبيان، فأيد الله سلطان زماننا، ولسعادته أبد ولملكه شيد ولامره سدد إذ منعهم من لبسها اه.
قلت: وهذا هو الموافق لما ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج من إلزامهم لبس القلانس الطويلة المضربة، وأن عمر كان يأمر بذلك ومنعهم من لبس العمائم.
تنبيه: قال في الفتح: وكذا تؤخذ نساؤهم بالزي في الطرق فيجعل على ملاءة اليهودية خرقة صفراء وعلى النصرانية زرقاء، وكذا في الحمامات اه: أي فيجعل في أعناقهن طوق الحديد كما في الاختيار.
قال في الدر المنتقى: قلت: وسيجئ أن الذمية في النظر إلى المسلمة كالرجل الاجنبي(4/390)
في الاصح، فلا تنظر أصلا إلى المسلمة فليتنبه لذلك اه.
ومفاده منعهن من دخول حمام فيه مسلمة، وهو خلاف المفهوم من كلامهم هنا، تأمل.
قوله: (وإنما تكون طويلة سوداء) ظاهره أن الضمير للعمامة وليس كذلك، بل هو للقلنسوة، لان المقصود منعهم من العمامة وللو غير طويلة وإلزامهم بالقلنسوة الطويلة كما علمته، فكان الصواب أن يقول: إنما يلبس قلنسوة طويلة سوداء والقلنسوة هي التي يدخل فيها الرأس، والعمامة ما يدار عليها من منديل ونحوه.
قوله: (الابريسم) بكسر الهمزة والراء وفتح السين وهو الحرير.
قال في المصباح: الحريرة واحدة الحرير وهو
الابريسم.
قوله: (كصوف مربع) لعله الفرجية، فإنه الآن من خصوصيات أهل القرآن والعلم.
ط.
قوله: (وأبراد رقيقة) البرد نوع من الثياب مخطط كما في النهاية.
قوله: (وتمامه في الفتح) حيث قال: بل ربما يقف بعض المسلمين خدمة لهم خوفا من أن يتغير خاطره منه، فيسعى به عند مستكتبه سعاية توجب له منه الضرر.
ثم قال: وتجعل مكاعبهم خشنة فاسدة اللون، ولا يلبسون طيالسة كطيالسة المسلمين ولا أردية كأرديتهم، هكذا أمروا، واتفقت الصحابة على ذلك اه.
وقال أيضا: ولا شك في وقوع خلاف هذا في هذه الديار اه.
قلت: وفي هذه السنة في البلاد الشامية استأسدت اليهود والنصارى على المسلمين، ولله در القائل: أحبابنا نوب الزمان كثيرة وأمر منها رفعة السفهاء فمتى يفيق الدهر من سكراته وأرى اليهود بذلة الفقهاء؟ قوله: (وينبغي أن يلازم الصغار أي الذل والهوان، والظاهر أن ينبغي هنا بمعنى يجب.
قال في البحر: وإذا وجب عليهم إظهار الذل والصغار مع المسلمين وجب على المسلمين عدم تعظيمهم، لكن قال في الذخيرة: إذا دخل يهودي الحمام إن خدمه المسلم طمعا في فلوسه فلا بأس به، وإن تعظيما له: فإن كان ليميل قلبه إلى الاسلام فكذلك، وإن لم ينو شيئا مما ذكرنا كره.
وكذا لو دخل ذمي على مسلم فقام له ليميل قلبه إلى الاسلام فلا بأس، وإن لم ينو شيئا أو عظمة لغناه كره اه.
قال الطرسوسي: وإن قام تعظيما لذاته وما هو عليه: كفر، لان الرضا بالكفر كفر، فكيف بتعظيم الكفر اه.
قلت: وبه علم أنه لو قام له خوفا من شره، فلا بأس أيضا، بل إذا تحقق الضرر فقد يجب وقد يستحب على حسب حال ما يتوقعه.
قوله: (ويتضيق عليه في المرور) بأن يلجئه إلى أضيق الطريق، وعبارة الفتح: ويضيق عليهم في الطريق.
قوله: (ويجعل على داره علامة) لئلا يقف سائل فيدعو له بالمغفرة أو يعامله في التضرع معاملة المسلمين، فتح.
قوله: (لانهما من أرض العرب)(4/391)
أفاد أن الحكم غير مقصور على مكة والمدينة، بل جزيرة العرب كلها كذلك، كما عبر به في الفتح وغيره، وقدمنا تحديدها، والحديث المذكور قاله عليه الصلاة والسلام في مرضه الذي مات فيه، كما أخرجه في الموطأ وغيره وبسطه في الفتح.
قوله: (ولا يطيل) فيمنع أن يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكنا، لان حالهم في المقام في أرض العرب مع التزام الجزية كحالهم في غيرها بلا جزية، وهناك لا يمنعون من التجارة، بل من إطالة المقام، فكذلك في أرض العرب.
شرح السير.
وظاهره أن حد الطول سنة.
تأمل.
قوله: (فالظاهر أنه ورد فيه ما استقر عليه الحال) أي فيكون المنع هو المعتمد في المذهب.
قلت: لكن الذي ذكره أصحاب المتون في كتاب الحظر والاباحة أن الذمي لا يمنع من دخول المسجد الحرام وغيره.
وذكر الشارح هناك أن قول محمد والشافعي وأحمد المنع من المسجد الحرام، فالظاهر أن ما في السير الكبير هو قول محمد وحده دون الامام، وأن الاصحاب المتون على قول الامام، ومعلوم أن المتون موضوعة لنقل ما هو المذهب فلا يعدل عما فيها، على أن الامام السرخسي ذكر في شرح السير الكبير أن أبا سفيان جاء إلى المدينة، ودخل المسجد، ولذلك قصة: قال: فهذا دليل لنا على مالك رحمة الله تعالى بمنعه المشرك من أن يدخل شيئا من المساجد، ثم قال: إن الشافعي قال: يمنعون من دخول المسجد الحرام خاصة للآية: * (إنما المشركون نجس) * (سورة التوبة: الآية 82) فأما عندنا لا يمنعون كما لا يمنعون عن دخول سائر المساجد، ويستوي في ذلك الحربي والذمي الخ قوله: (وفي الخانية الخ) كان أولى تقديمه على مسألة الاستيطان، ثم إن ظاهره أن نسائهم تميز بالكستيج دون العبيد، مع أنه ليس في عبارة الخانية ذكر النساء أصلا، ونصها: ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات، وهكذا نقله عنها في البحر والنهر.
وعبارة النهر قالوا: ويجب تميز نساؤهم أيضا عن نسائنا في الطرقات والحمامات، وفي الخانية: ولا يؤخذ عبيد أهل الذمة بالكستيجات اه.
مطلب في سكنى أهل الذمة المسلمين في المصر قوله: (الذمي إذا اشترى دارا الخ) قال السرخسي في شرح السير: فإن مصر الامام في
أراضيهم للمسلمين كما مصر عمر رضي الله عنه البصرة والكوفة، فاشترى بها أهل الذمة دورا وسكنوا مع المسلمين لم يمنعو من ذلك، فإنا قبلنا منهم عقد الذمة ليقفوا على مجاسن الدين، فعسى أن يؤمنوا، واختلاطهم بالمسلمين والسكن معهم يحقق هذا المعنى، وكان شيخنا الامام شمس الائمة الحلواني يقول: هذا إذا قلوا وكان بحيث لا تتعطل جماعات المسلمين ولا تتقلل الجماعة بسكناهم بهذه الصفة، فإما إذا كثروا على وجه يؤدي إلى تعطيل بعض الجماعات أو تقليلها منعوا من ذلك وأمروا أن يسكنوا ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة، وهذا محفوظ عن أبي يوسف في الامالي اه..قوله: (أي أراد شراءها) إنما فسره بها لقوله بعد لا ينبغي أن تباع منه.
قوله:(4/392)
(وقيل لا يجبر إلا إذا كثر) نقله في البحر عن الصغرى بعد أن نقله عن الخانية، بلا تقييد بالكثرة، ولكن لم يعبر عنه بقيل، ولا يخفى أن هذا القيد يصلح توفيقا بين القولين، وهذا قول شمس الائمة الحلواني كما علمته آنفا ومشى عليه في الوهبانية وشرحها، وكذا قال الخير الرملي: إن الذي يجب أن يعول عليه التفصيل، فلا نقول بالمنع مطلقا ولا بعدمه مطلقا، بل يدور الحكم على القلة والكثرة، والضرر والمنفعة، وهذا هو الموافق للقواعد الفقهية، فتأمل.
قوله: (فأجاب الخ) هذا الجواب مبني على اختيار الحلواني وغيره.
قال ط: ولم يجب عن المسؤول عنه وجوابه أنهما يستحقان الوظيفة لقيامهما بالعمل اه.
قلت: وإنما تركه لظهوره وتنبيها على ما هو الاهم فهو من أسلوب الحكيم كما في قوله تعالى: * (يسألونك عن الاهلة) * (سورة البقرة: الآية 981) الآية.
قوله: (ففي الخانية الخ) أي والاستخدام المذكور ينافي الاستخفاف.
قوله: (وإذا تكارى الخ) شروع في الكراء بعد الفراغ من الشراء، وظاهر كلام المصنف الفرق بينهما، وهو مبني على القول بالجبر على البيع مطلقا، وقد علمت أن المعول عليه القول بالتفصيل، فلا فرق بين الكراء والشراء، بل أصل العبارة المذكورة إنما هو في الشراء كما نقلناه آنفا في السرخسي.
قوله: (في المصر) الظاهر أنه غير قيد بعد اعتبار الشرط المذكور.
قوله: (ليس فيها مسلمون) هو في معنى ما مر من قوله: ليس فيها للمسلمين جماعة لان من شأن
المسلمين إقامة الجماعة.
قوله: (لكن رده الخ) وعبارته كما رأيته في حاشية الحموي وغيرها.
قوله: (في محلة خاصة) هذا اللفظ لم أجده لاحد، وإنما الموجود في الكتب أن الجواز مقيد بما ذكره الحلواني بقوله: هذا إذا قلوا بحيث لا تتعطل بسبب سكناهم جماعات المسلمين ولا تتقلل، أما إذا تعطلت أو تقللت، فلا يمكنون من السكنى فيها، ويسكنون في ناحية ليس فيها للمسلمين جماعة فكأن المصنف فهم من الناحية المحلة، وليس كذلك، بل قد صرح التمرتاشي في شرح الجامع الصغير بعد ما نقل عن الشافعي يؤمرون ببيع دورهم في أمصار المسلمين والخروج(4/393)
عنها، وبالسكنى خارجها لئلا تكون لهم منعة كمنعة المسلمين بمنعهم عن أن تكون لهم محلة خاصة حيث قال بعد ما ذكرناه نقلا عن النسفي: والمراد: أي بالمنع المذكور عن الامصار أن يكون لهم في المصر محلة خاصة يسكنونها ولهم فيها منعة كمنعة المسلمين، فأما سكناهم بينهم وهم مقهورون فلا كذلك اه.
قلت: وقوله: بمنعهم متعلق بقوله: صرح وقوله حيث قال: أي التمرتاشي: وحاصل كلامه أن المحلة من جملة المصر، مع أن الحلواني قال: لا يمكنون من السكنى فيها: أي في المصر ويسكنون في ناحية الخ.
فهو صريح بأنه إذا لزم تقليل الجماعة يسكنون في ناحية خارجة عن المصر فهي غير المحلة، وصريح كلام التمرتاشي أيضا منعهم عن أن يكون لهم محلة خاصة في المصر، وإنما يسكنون بينهم مقهورين: يعني إذا لم يلزم تقليل الجماعة، فتحصل من مجموع كلام الحلواني والتمرتاشي أنه إذا لزم من سكناهم في المصر تقليل الجماعة أمروا بالسكنى في ناحية خارج المصر ليس فيها جماعة للمسلمين، وإن لم يلزم ذلك يسكنون في المصر بين المسلمين مقهورين لا في محلة خاصة في المصر، لانه يلزم منه أن يكون لهم في مصر المسلمين منعة كمنعة المسلمين، بسبب اجتماعهم في محلتهم، فافهم.
قوله: (إنهم يؤمرون) مفعول نقل.
ط.
قوله: (نقلا) حال من فاعل صرح بتأويل اسم الفاعل اه.
ح.
قوله: (والمراد) الاوضح أن يقول: بأن المراد ويكون متعلقا بصرح ط.
قوله: (ولهم فيها منعة) الواو للحال، والمنعة بفتح النون جمع
مانع: أي جماعات يمنعونهم من وصول غيرهم إليهم.
أفاده ح.
وقوله: عارضة صفة منعة وعروضها إنما هو بسبب اجتماعهم في محلة خاصة، وقوله: فأما سكناهم الخ مقابلة: أي أن سكناهم بين المسلمين، لا في محلة خاصة، بل متفرقين بينهم وهم مقهورون لهم، فلا كذلك: أي فلا يكون ممنوعا.
مطلب في منعهم عن التعلي في البناء على المسلمين تنبيه: قال في الدر المنتقى: وكذا يمنعون عن التعلي في بنائهم على المسلمين، ومن المساواة عند بعض العلماء، نعم يبقى القديم كما في الوهبانية وشروحها، وفي المنظومة المحبية: ويمنع الذمي من أن يسكنا أو أن يحل منزلا عالي البنا إن كان بين المسلمين يسكن بل أهل ذمة على ما بينوا قلت: ومقتضى النظم الذي ذكره: المنع ولو البناء قديما، لانه علق المنع على السكنى لا على التعلية في البناء، لكن سئل في الخيرية عن طبقة ليهودي راكبة على بيت لمسلم، يريد المسلم منعه من سكناها، ومن التعلي عليه فأجاب: بأنه ليس للمسلمين ذلك، فقد جوزوا إبقاء دار الذمي العالية، على دار المسلم وسكناها إذا ملكها ما لم تنهدم فإنه لا يعيدها عالية كما كانت، وممن(4/394)
صرح بذلك ابن الشحنة في شرح النظم الوهباني، وكثير من علمائنا اه.
وذكر في جواب سؤال آخر: أنه إذا كان التعلي للتحفظ من اللصوص، لا يمنع منه، لانهم نصوا على أنهم ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين، وعلة المنع مقيدة بالتعلي على المسلمين، فإذا لم يكن ذلك بل للتحفظ، فلا يمنعون كما هو ظاهر اه.
وقال قارئ الهداية في فتاواه: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، فما جاز للمسلم فعله في ملكه جاز لهم، وما لا فلا، وإنما يمنع من تعلية بنائه إذا حصل لجاره ضرر كمنع وضوء وهواء.
قال: هذا هو ظاهر المذهب، وذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن للقاضي منعهم من السكنى بين المسلمين، بل يسكنون منعزلين.
قال قارئ الهداية: وهو الذي أفتى به أنا اه.
أي لانه إذا كان له منعهم من السكنى بيننا، فله منعهم من التعلي بالاولى.
وذكر في
جواب آخر: لا يجوز لهم أن يعلوا بناءهم على بناء المسلمين، ولا أن يسكنوا دارا عالية البناء بين المسلمين، بل يمنعون أن يسكنوا محلات المسلمين اه.
وهذا ميل منه إلى ما نقله عن أبي يوسف، وأفتى به أولا أيضا، والظاهر أن قوله: هذا هو ظاهر المذهب، يرجع إلى قوله: أهل الذمة في المعاملات كالمسلمين، ولما كان لا يلزم منه أن يكونوا مثلهم فيما فيه استعلاء على المسلمين أفتى في الموضعين بالمنع لما قدمه الشارح عن الحاوي من أنه ينبغي أن يلازم الصغار فيما يكون بينه وبين المسلمين في كل شئ، ولا يخفى أن استعلاءه في البناء على جيرانه المسلمين خلاف الصغار، بل بحث في الفتح أنه إذا استعلى على المسلمين حل للامام قتله، ولا يخفى أن لفظ استعلى يشمل ما بالقول وما بالفعل، وبهذا التقرير اندفع ما ذكره في الخيرية مخالفا لما قدمناه عنه من قوله: إن ما أفتى به قارئ الهداية من ظاهر المذهب أقوى مدركا للحديث الشريف الموجب، لكونهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا فإن قارئ الهداية لم يفت به بل أفتى في الموضعين بخلافه كما سمعت.
والحديث الشريف لا يفيد أن لهم ما لنا من العز والشرف، بل في المعاملات من العقود ونحوها، للادلة الدالة على إلزامهم الصغار وعدم التمرد على المسلمين، وصرح الشافعية بأن منعهم عن التعلي واجب، وأن ذلك لحق الله تعالى وتعظيم دينه، فلا يباح برضا الجار المسلم اه.
وقواعدنا لا تأباه فقد مر أنه يحرم تعظيمه، ولا يخفى أن الرضا باستعلائه تعظيم له، هذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم.
مطلب فيما ينتقض به عهد الذمي وما لا ينتقض قوله: (وينتقض عهدهم الخ) لانهم بذلك صاروا حربا علينا، وعقد الذمة ما كان إلا لدفع شر حرابتهم فيعرى عن الفائدة فلا يبقي ولا يبطل أمان ذريته بنقض عهده.
فتح.
قوله: (بالغلبة على موضع) أي قرية أو حصن.
فتح.
قوله: (للحرب) أي لاجل حربنا، وفي بعض النسخ للحراب بزيادة الالف، واحترز بالغلبة المذكورة عملو كانوا من أهل البغي يعنونهم على القتال، فإنه لا ينتقض عهدهم، كما ذكره الزيلعي وغيره في باب البغاة.
قوله: (أو باللحاق بدار الحرب) لا يبعد أن يقال: انتقاله إلى المكان الذي تغلبوا فيه كانتقاله إلى دار الحرب بالاتفاق، إن لم يكن ذلك
المكان مواخما لدار الاسلام: أي بأن كان متصلا بدار الحرب، وإلا فعلى قولهما كما في الفتح.
قوله: (أو بالامتناع عن قبول الجزية) أي بخلاف الامتناع عن أدائها على ما يأتي، لكن الامتناع عن(4/395)
قبولها إنما يكون عند ابتداء وضعها، وهو حينئذ لم يكن له عهد ذمة حتى ينتقض، ويمكن تصويره فيمن دخل في عقد الذمة تبعا ثم صار أهلا كالمجنون والصبي، فإذا أفاق أو بلغ أول الحول توضع عليه فإذا امتنع انتقض عهده.
أفاده ط.
قوله: (أو يجعل نفسه طليعة للمشركين) هذا مما زاده في الفتح أيضا، لكن لم يذكره هنا بل ذكره في النكاح في باب نكاح المشرك.
قوله: (بأن يبعث ليطلع الخ) صورته: أن يدخل مستأمن ويقيم سنة، وتضرب عليه الجزية وقصده التجسس على المسلمين ليخبر العدو ط.
قوله: (فلو لم يبعثوه) بأن كان ذميا أصليا وطرأ عليه هذا القصد.
ط.
قوله: (وعليه يحمل كلا المحيط) حيث قال: لو كان يخبر المشركين بعيوب المسلمين أو يقاتل رجلا من المسلمين ليقتله لا يكون نقضا للعهد، وهذا التوفيق لصاحب البحر، وأقره في النهر وغيره، ويشعر به تعبير الفتح بالطليعة، فإن الطليعة واحدة الطلائع في الحرب، وهم الذين يبعثون ليطلعوا على أخبار العدو كما في البحر عن المغرب.
قوله: (في كل أحكامه) فيحكم بموته باللحاق، وإذا تاب تقبل توبته وتعود ذمته وتبين منه زوجته الذمية التي خلفها في دار الاسلام إجماعا، ويقسم ماله بين ورثته.
فتح.
وتمامه في البحر.
قوله: (والمرتد يقتل) لان كفره أغلظ.
بحر.
قوله: (والمرتد يجبر على الاسلام) أما المرتدة فإنها تسترق بعد اللحاق: رواية واحدة وقبله في رواية.
بحر.
قوله: (بقوله نقضت العهد) لانه لا ينتقض عهده بالقول بل بالفعل كما مر، بخلاف الامان للحربي.
قلت: ولعل وجه الفرق أن أمان الحربي على شرف الزوال لتمكنه من العود متى أراد، فهو غير لازم، بخلاف عهد الذمة فهو لازم لا يصح الرجوع عنه، ولذا لا يمكن من العود إلى دار الحرب فيجبره الامام على الجزية ما دام تحت قهره، بخلاف ما إذا لحق بدارهم أو غلبوا على موضع أو جعل نفسه طليعة أو امتنع عن قبول الجزية، لانه في الاولين صار حربا علينا، كما مر، وفي الثالث: أنه لم يقصد العهد بل جعله علم وصلة إلى إصراره بنا، وفي الرابع: لم يوجد
منه ما يدفع عنه القتل بخلاف ما إذا امتنع عن أدائها، ولذا قال الزيلعي وغيره: لان الغاية التي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها، والالتزام باق فيأخذها الامام منه جبرا اه.
وبهذا اندفع ما استشكله في النهر من أنه لو امتنع عن قبولها نقض عهده، وليس ذلك إلا بالقول.
وجه الدفع أن الانتقاض لم يجئ من قوله لا أقبل، بل من عدم وجود ما يدفع عنه القتل وهو التزام أدائها، بخلاف امتناعه عن أدائها بقوله: لا أؤديها، فإنه قول وجد بعد التزامها الدافع للقتل، ولا يزول ذلك الالتزام به، وكذا بقوله: نقضت العهد لما قلنا، من أنه لازم لا يملك فسخه صريحا، ولا دلالة ما دام تحت قهرنا، فافهم.
واندفع به أيضا ما أورده في الدرر من أن امتناعه عن أدائها بقوله لا أعطيها ينافي بقاء الالتزام، لما قلنا من لزوم ذلك الالتزام، وأنه لا يملك نقضه صريحا، فكذا دلالة بالاولى فيجبر على أدائها ما دام مقهورا في دارنا، ثم رأيت الحموي أجاب بنحوه، والله تعالى أعلم.
قوله: (بل عن قبولها) أي بل ينتقض عهده بالاباء عن قبولها، وقدمنا تصويره، وقد علمت آنفا وجه الفرق بين(4/396)
المسألتين.
قوله: (ونقل العيني) حيث قال: وفي رواية مذكورة في واقعات حسام أن أهل الذمة إذا امتنعوا عن أداء الجزية ينتقض العهد، ويقاتلون، وهو قول الثلاثة اه.
ولا يخف ضعفها رواية ودراية.
بحر.
قلت: أما وجه الضعف رواية فلانه خلاف الرواية المشهورة في المذهب المنصوصة في المتون وغيرها وأما الدراية أي الضعف من حيث المعنى، فلما علمت من بقاء الالتزام الدافع للقتل فتؤخذ منهم جبرا، ويمكن تأويل ما في الواقعات بما إذا كانوا جماعة تغلبوا على موضع هو بلدهم أو غيرها وأظهروا العصيان والمحاربة، فإنها حينئذ لا يمكن أخذها منهم إلا بالقتال.
تأمل.
قوله: (ولا بالزنا بمسلمة) بل يقام عليه موجبه، وهو الحد، وكذا لو نكحها لا ينقض عهده، والنكاح باطل، ولو أسلم بعده ويعزران وكذا الساعي بينهما.
بحر.
قوله: (وإفتان مسلم) مصدر أفتن الرباعي اه ح.
قلت: لكن الذي رأيناه في النسخ افتتان بتاءين، وفي المصباح: فتن المال الناس من باب
ضرب: استمالهم، وفتن في دينه وافتتن أيضا بالبناء للمفعول: مال عنه اه.
ومقتضاه: أن الافتتان متعد لا لازم.
تأمل.
مطلب في حكم سب الذمي النبي (ص) قوله: (وسب النبي (ص)) أي إذا لم يعلن، فلو أعلن بشتمه أو اعتاده قتل، ولو امرأة وبه يفتى اليوم.
در.
منتقى.
وهذا حاصل ما سيذكره الشارح هنا، وقيده الخير الرملي بقيد آخر حيث قال: أقول هذا إن لم يشترط انتقاضه به، أما إذا شرط انتقض به كما هو ظاهر اه.
قلت: وقد ذكر الامام أبو يوسف في كتاب الخراج في صلح أبي عبيدة، مع أهل الشام أنه صالحهم، واشترط عليهم حين دخلها على أن يترك كنائسهم، وبيعهم على أن لا يحدثوا بناء بيعة، ولا كنيسة، وأن لا يشتموا مسلما، ولا يضربوه الخ، وذكر العلامة قاسم من رواية الخلال والبيهقي وغيرهما كتاب العهد وفى اخره: فلما أتيت عمر بن الخطاب بالكتاب زاد.
فيه: وأن لا نضرب أحدا من المسلمين شرطنا لهم ذلك علينا، وعلى أهل ملتنا وقبلنا عنهم الامان، فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق.
وفي رواية الخلال: فكتب عمر أن أمض لها ما سألوه، وألحق فيه حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا شيئا من سبايانا، ومن ضرب مسلما عمدا فقد خلع عهده اه.
وقد ذكر الشرنبلالي في رسالته كتاب العهد بتمامه، ثم قال: وقد اعتمد الفقهاء ذلك من كل مذهب كما نقله القاضي بدر الدين القرافي اه.
ثم ذكر الشرنبلالي أنه انتقض عهدهم بإحداث ذلك الدير: أي الذي أحدثوه في زمنه، وألف فيه الرسالة المذكورة، ثم قال بعد ذكره ما ألحقه عمر رضي الله تعالى عنه: إن هذا دليل لما قاله الكمال بن الهمامن نقض العهد بتمردهم واستعلائهم على المسلمين.(4/397)
قلت: ولعلهم لم يقيدوا بهذا القيد لظهوره كما تقدم عن الرملي، لان المعلق على أمر لا يوجد بدونه، ولان مرادهم بيان أن مجرد عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه من السب ونحوه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة وليس كل إمام إذا فتح بلدة يشترط هذا الشرط الذي شرطه عمر، فلذا تركوا
التصريح به على أن ما شرطه عمر على الشام ونحوها لا يجري حكمه على كل ما فتحه من البلاد ما لم يعلم اشتراطه عليهم أيضا.
فصار الحاصل: أن عقد الذمة لا ينتقض بما ذكروه ما لم يشترط انتقاضه به، فإذا اشترط انتقض: وإلا فلا إلا إذا أعلن بالشتم أو اعتاده لما قدمناه، ولما يأتي عن المعروضات وغيرها ولما ذكره ط عن الشلبي عن حافظ الدين النسفي إذا طعن الذمي في دين الاسلام طعنا ظاهرا جاز قتله، لان العهد معقود معه على أن لا يطعن، فإذا طعن فقد نكث عهده وخرج من الذمة اه.
لكن مقتضى هذا التعليل اشتراط عدم الطعن بمجرد عقد الذمة، وهو خلاف كلامهم، فتأمل.
تنبيه: قيد الشافعية الشتم بما لا يتدينون به.
ونقله في حاشية السيد أبي السعود عن الذخيرة بقوله: إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به بأن قال إنه ليس برسول أو قتل اليهود بغير حق أو نسبه إلى الكذب: فعند بعض الائمة لا ينتقض عهده، أما إذا ذكره بما لا يعتقده ولا يتدين به كما لو نسبه إلى الزنا أو طعن في نسبه اه.
قوله: (المقارن له) أي لعهد الذمة.
قوله: (فالطارئ) أي بالسب.
قوله: (فلو من مسلم قبل) أي إن لم يتب لا مطلقا، خلافا لما ذكره في الدرر هنا والبزازية وغيرهما، فإنه مذهب المالكية لا مذهبنا، كما سيأتي تحريره، فافهم.
قوله: (ويؤدب الذمي ويعاقب الخ) أطلقه فشمل تأديبه وعقابه بالقتل، إذا اعتاده، وأعلن به كما يأتي، ويدل عليه ما قدمناه آنفا عن حافظ الدين وجميع الظلمة وجميع الكبائر، وأنه أفتى الناصحي بقتل كل مؤذ.
ورأيت في كتاب الصارم المسلول لشيخ الاسلام ابن تيمية الحنبلي ما نصه: وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: لا ينتقض العهد بالسب، ولا يقتل الذمي بذلك، لكن يعزر على إظهار ذلك كما يعزر على إظهار المنكرات التي ليس لهم فعلها من إظهار أصواتهم بكتابهم ونحو ذلك، وحكاه الطحاوي عن الثوري، ومن أصولهم: يعني الحنفية أن ما لا قتل فيه عندهم مثل القتل بالمثقل والجماع في غير القبل إذا تكرر، فللامام أن يقتل فاعله، وكذلك له أن يزيد على الحد المقدر إذا رأى المصلحة في ذلك، ويحملون ما جاء عن النبي (ص) وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم،
على أنه رأى المصلحة فذلك ويسمونه القتل سياسة.
وكان حاصله: أن له أن يعزر بالقتل في الجرائم التي تعظمت بالتكرار، وشرع القتل في(4/398)
جنسها، ولهذا أفتى أكثرهم بقتل من أكثر من سب النبي (ص) من أهل الذمة وإن أسلم بعد أخذه، وقالوا يقتل سياسة، وهذا متوجه على أصولهم اه.
فقد أفاد أنه يجوز عندنا قتله إذا تكرر منه ذلك وأظهره، وقوله: وإن أسلم بعد أخذه، لم أر من صرح به عندنا، لكنه نقله عن مذهبنا وهو ثبت فيقبل.
قوله: (قال العيني الخ) قال في البحر: لا أصل له في الرواية اه.
ورده الخير الرملي لا يلزم من عدم النقض عدم القتل، وقد صرحوا قاطبة بأنه يعزر على ذلك ويؤدب، وهو يدل على جواز قتله زجرا لغيره، إذ يجوز الترقي في التعزير إلى القتل، إذا عظم موجبه ومذهب الشافعي كمذهبنا على الاصح.
قال ابن السبكي: لا ينبغي أن يفهم من عدم الانتقاض أنه لا يقتل، فإن ذلك لا يلزم اه.
وليس في مذهبنا ما ينفي قتله خصوصا إذا أظهر ما هو الغاية في التمرد، وعدم الاكتراث والاستخفاف واستعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم اه.
ونقل المقدسي ما قاله العيني، ثم قال: وهو مما يميل إليه كل مسلم، والمتون والشروح خلافه.
أقول: ولنا أن نؤدب الذمي تعزيرا شديدا بحيث لو مات كان دمه هدرا اه.
قلت: لكن هذا إذا أعلن بالسب وكان مما لا يعتقده كما علمته آنفا.
قوله: (وتبعه ابن الهمام) حيث قال: والذي عندي أن سبه عليه الصلاة والسلام أو نسبة مالا ينبغي إلى الله تعالى إن كان مما لا يعتقدونه كنسبة الولد إلى الله تعالى وتقدس عن ذلك إذا أظهره يقتل به، وينتقض عهده، وإن لم يظهره ولكن عثر عليه، وهو يكتمه فلا، وهذا لانه الغاية في التمرد والاستخفاف بالاسلام والمسلمين، فلا يكون جاريا على العقد الذي يدفع عنه القتل وهو أن يكون صاغرا ذليلا، إلى أن قال: وهذا البحث منا يوجب أنه إذا استعلى على المسلمين على وجه صار متمردا عليهم يحل للامام قتله أو يرجع إلى الذل والصغار اه.
قال في البحر: وهو بحث خالف فيه أهل المذهب اه.
وقال الخير الرملي: إن ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب، وأما ما بحثه في القتل فلا اه: أي لما
علمته آنفا من جواز التعزير بالقتل، ولما يأتي من جواز قتله إذا أعلن به.
قوله: (وبه أفتى شيخنا) أي بالقتل لكن تعزيرا كما قدمناه عنه، وينبغي تقييده بما إذا ظهر أنه معتاده كما قيده به في المعروضات، أو بما إذا أعلن به كما يأتي، بخلاف ما إذا عثر عليه وهو يكتمه كما مر عن ابن الهمام.
قوله: (وبه أفتى) أي أبو السعود مفتي الروم، بل أفتى به أكثر الحنفية إذا أكثر السب، كما قدمناه عن الصارم المسلول وهو معنى قوله: إذا ظهر أنه معتادة ومثله ما إذا أعلن به كما مر، وهذا معنى قول ابن الهمام: إذا أظهره يقتل به، فلم يكن كلامه مخالفا للمذهب، بل صرح به محرر المذهب الامام محمد كما يأتي.
قوله: (بأنه يقتل) لم يقيده بما إذا اعتاده كما قيد به أولا، فظاهره أنه يقتل مطلقا، وهو موافق لما أفتى به الخير الرملي ولما مر عن العيني والمقدسي، لكن علمت تقييده بالاعلان، أو بما في الصارم المسلول من اشتراط التكرار.
قوله: (لسبه للانبياء) المراد(4/399)
الجنس، وإلا فهو قد سب نبيا واحدا.
قوله: (ويؤيده) أي يؤيد قتل الكافر الساب.
قوله: (في أحاديثه) الجار والمجرور خبر مقدم وما في قوله: ما نصه نكرة موصوفة بمعنى شئ مبتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر إن ونصه مصدر بمعنى منصوصه مرفوع على أنه مبتدأ، وقوله: والحق الخ هذه الجملة إلى آخرها أريد بها لفظها في محل رفع، على أنها خبر نصه، وجملة هذا المبتدأ وخبره في محل رفع على أنها صفة لما الواقعة مبتدأ، وجملة ما وخبرها المقدم خبر أن في قوله: أن ابن كمال والمعنى: أن ابن كمال شئ منصوصه، والحق الخ ثابت في أحاديثه الاربعينية، فافهم.
قوله: (حيث قال الخ) بيانه أن هذا استدلال من الامام محمد رحمه الله تعالى، على جواز قتل المرأة إذا أعلنت بالشتم فهو مخصوص من عموم النهي عن قتل النساء، من أهل الحرب كما ذكره في السير الكبير، فيدل على جواز قتل الذمي المنهي عن قتله بعقد الذمة، إذا أعلن بالشتم أيضا، واستدل لذلك في شرح السير الكبير بعدة أحاديث منها: حديث أبي إسحاق الهمداني قال: جاء رجل إلى رسول الله (ص) قال: سمعت امرأة من يهود وهي تشتمك والله يا رسول الله إنها لمحسنة إلي فقتلتها، فأهدر النبي (ص) دمها.
قوله: (تغلبي وتغلبية) بكسر اللام على الاصل ومنهم من يفتحها.
مصباح.
نسبة إلى تغلب بن وائل بن ربيعة بوزن تضرب: قوم تنصروا في الجاهلية وسكنوا بقرب الروم امتنعوا عن أداء الجزية، فصالحهم عمر على ضعف زكاتنا، فهو وإن كان جزية في المعنى إلا أنه لا يراعى فيه شرائطها من وصف الصغار، وتقبل من النائب بل شرائط الزكاة وأسبابها، ولذا أخذت من المرأة لاهليتها لها، بخلاف الصبي والمجنون فلا يؤخذ من مواشيهم وأموالهم كما في النهر.
قوله: (إلا الخراج) أي خراج الارض، فإنه يؤخذ من طفلهم والمجنون لانه وظيفة الارض وليس عبادة.
بحر.
قوله: (ضعف زكاتنا) فيأخذ الساعي من غنمهم السائمة من كل أربعين شاة شاتين، ومن كل مائة وإحدى وعشرين أربع شياة، وعلى هذا من الابل والبقر.
نهر.
ولا شئ عليهم في بقية أموالهم ورقتهم كما في الاتقاني: يعني إلا إذا مروا على العاشر فإنه يؤخذ منهم ضعف ما يأخذ من المسلمين.
ط عن الحموي.
قوله: (كمولى القرشي) يعني أن معتق التغلبي كمعتق القرشي في أن كلا منهما لا يتبع أصله، حتى توضع الجزية والخراج عليهما وإن لم يوضعا على أصلهما تخفيفا والمعتق لا يلحق أصله في التخفيف، ولذا لو كان لمسلم مولى نصراني وضعت عليه الجزية، وتمامه في الفتح.
قوله: (وحديث الخ) جواب سؤال وهو أن ما عللتم به من أن المعتق لا يلحق أصله في التخفيف معارض للنص.
والجواب: أن الحديث المذكور غير مجري على عمومه(4/400)
بالاجماع، فإن مولى الهاشمي لا يلحقه في الكفاءة للهاشمية ولا في الامامة، وإذا كان عاما مخصوصا يصح تخصيصه أيضا بما ذكرنا من العلة، وتمامه في الفتح.
مطلب في مصارف بيت المال قوله: (ومصرف الجزية والخراج الخ) لان العشر مصرفه مصرف الزكاة كما مر.
قوله: (وإنما يقبلها الخ) ترك قيدا آخر: ذكره في الجوهرة، وهو أن يكون المهدي لا يطمع في إيمانه لو ردت هديته، فلو طمع في إيمانه بالرد لا يقبل منه.
قوله: (وما أخذ منهم بلا حرب) فيه أن ما قبله مأخوذ بلا حرب لكن فسره في النهر بالمأخوذ صلحا على ترك القتال قبل نزول
العسكر بساحتهم.
قوله: (مصالحنا) نبه بذلك عن أنه لا يخمس ولا يقسم بين الغانمين.
نهر.
وهو جمع مصلحة بفتح الميم واللام: ما يعود نفعه إلى الاسلام.
ط عن القهستاني.
قوله: (كسد ثغور) أي حفظ المواضع التي ليس وراءها إسلام، وفيه إشعار بأنه يصرف إلى جماعة يحفظون الطريق في دار الاسلام عن اللصوص.
قهستاني.
قوله: (وبناء قنطرة وجسر) القنطرة: ما بني على الماء للعبور، والجسر بالفتح والكسر: ما يعبر به النهر وغيره، مبنيا كان أو غيره كما في المغرب، ومثله بناء مسجد وحوض، ورباط وكري أنهار عظام غير مملوكة كالنيل وجيحون.
قهستاني.
وكذا النفقة على المساجد كما في زكاة الخانية، فيدخل فيه الصرف على إقامة شعائرها من وظائف الامامة والاذان ونحوهما.
بحر.
قوله: (وكفاية العلماء) هم أصحاب التفسير والحديث، والظاهر أن المراد بهم من يعلم العلوم الشرعية، فيشمل الصرف والنحو وغيرهما.
حموي عن البرجندي ط.
وفي التعبير بالكفاية إشعار بأنه لا يزاد عليها وسيأتي بيانه، وكذا يشعر باشتراط فقرهم، لكن في حظر الخانية سئل علي الرازي عن بيت المال هي للاغنياء فيه نصيب؟ قال: لا، إلا أن يكون عاملا أو قاضيا، وليس للفقهاء فيه نصيب إلا فقيه فرغ نفسه لتعليم الناس الفقه أو القرآن اه.
قال في البحر: أي بأن صرف غالب أوقاته في العلم، وليس مراد الرازي الاقتصار على العامل أو القاضي، بل أشار بهما إلى كل من فرغ نفسه لعمل المسلمين، فيدخل فيه المفتي والجندي، فيستحقان الكفاية مع الغني اه.
وذكر قبله عن الفتح أن طالب العلم قبل أن يتأهل عامل لنفسه لكن ليعمل بعده للمسلمين.
قوله: (والعمال) من عطف العام على الخاص، لما في القهستاني أنه بالضم والتشديد جمع عامل، وهو الذي يتولى أمور رجل في ماله وعمله كما قال ابن الاثير، فيدخل فيه المذكر والواعظ بحق وعلم كما في المنية، وكذا الوالي وطالب العلم والمحتسب والقاضي والمفتي والمعلم بلا أجر كما في المضمرات.
قوله: (وشهود قسمة) بالسين المهملة: أي الذين يشهدون بالقسمة بين الورثة والشركاء واستيفاء حقوقهم، وفي نسخة وشهود قيمة بالياء المثناة التحتية: أي الذين يشهدون على التقويم عند الاختلاف في القيمة ط.
قوله: (ورقباء سواحل) جمع رقيب من رقبته أرقبه من باب قتل: أي حفظته، والسواحل جمع ساحل، وهو شاطئ البحر.
مصباح.
فالمراد(4/401)
الذين يحفظون السواحل، والمرابطون في الثغور أو أعم، فافهم.
قوله: (ورزق المقاتلة) الرزق بالكسر اسم من الرزق بالفتح: ما ينتفع به.
قاموس.
وقال الراغب: الرزق يقال للعطاء الجاري دينيا كان أو دنيويا، وللنصيب، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به.
قهستاني ط.
قوله: (أي ذراري من ذكر الخ) لان العلة تعم الكل كما صرح به القهستاني ومنلا مسكين وغيرهما، وعبارة الهداية والكافي توهم تخصيصهم بالمقاتلة، وبه صرح شارح المجمع.
قال في الشرنبلالية: قال في البحر: وليس كذلك، وتبعه في المنح.
در.
منتقى.
وفسر الذراري في شرح درر البحار بالزوجة والاولاد.
مطلب: من له استحقاق في بيت المال يعطى ولده من بعده قوله: (لم أره) نقل الشيخ عيسى السفطي في رسالته ما نصه: قال أبو يوسف في كتاب الخراج: إن من كان مستحقا في بيت المال وفرض له استحقاقه فيه فإنه يفرض لذريته أيضا تبعا له، ولا يسقط بموته.
وقال صاحب الحاوي: الفتوى على أنه يفرض لذراري العلماء، والفقهاء والمقاتلة، ومن كان مستحقا في بيت المال لا يسقط ما فرض لذراريهم بموتهم اه ط.
قلت: لكن قول المتون الآتي ومن مات في نصف الحول حرم من العطاء ينافي ذلك، إلا أن يجاب بأن ما يجري على الذراري عطاء مستقل خاص بالذراري لا عطاء الميت بطريق الارث بين جميع الورثة.
تأمل.
لكن ما مر عن الحاوي لم أره في الحاوي القدسي، ولا في الحاوي الزاهدي، وراجعت مواضع كثيرة من كتاب الخراج فلم أره فيه، والله أعلم.
نعم قال الحموي في رسالته: وقد ذكر علماؤنا أنه يفرض لاولادهم تبعا ولا يسقط بموت الاصل ترغيبا اه.
وذكر العامة المقدسي أن إعطاءهم بالاولى لشدة احتياجهم، سيما إذا كانوا يجتهدون في سلوك طريق آبائهم اه.
مطلب: من له وطيفة توجه لولده من بعده ونقل العلامة البيري عن الخزانة عن مبسوط فخر الاسلام: إذا مات من له وظيفة في بيت المال لحق الشرع وإعزاز الاسلام كأجر الامامة والتأذين وغير ذلك مما فيه صلاح الاسلام والمسلمين وللميت أبناء يراعون ويقيمون حق الشرع وإعزاز الاسلام كما يراعي ويقيم الاب فللامام أن يعطي
وظيفة الاب لابناء الميت لا لغيرهم، لحصول مقصود الشرع، وانجبار كسر قبولهم اه.
مطلب: تحقيق مهم في توجيه الوظائف للابن قال البيري أقول: هذا مؤيد لما هو عرف الحرمين الشريفين ومصر والروم من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ولو كانوا صغارا على وظائف آبائهم مطلقا من إمامة وخطابة وغير ذلك عرفا مرضيا لي لان فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الذين يعول على إفتائهم اه.
قلت: ومقتضاه تخصيص ذلك بالذكور دون الاناث، وأنت خبير بأن الحكم يدور مع علته، فإن العلة هي إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على تحصيل العلم، فإذا اتبع الابن طريقة والده في الاشتغال في العلم، فذلك ظاهر، أما إذا أهمل ذلك واشتغل باللهو واللعب أو في أمور الدنيا جاهلا غافلا معطلا للوظائف المذكورة، أو ينيب غيره من أهل العلم بشئ قليل ويصرف باقي ذلك في شهواته، فإنه لا يحل لما فيه من أخذ وظائف العلماء وتركهم بلا شئ يستعينون به على العلم كما(4/402)
هو الواقع في زماننا، فإن عامة أوقاف المدارس والمساجد والوظائف في أيدي جهلة أكثرهم لا يعلمون شيئا من فرائض دينهم، ويأكلون ذلك بلا مباشرة ولا إنابة بسبب تمسكهم بأن خبز الاب لابنه، فيتوارثون الوظائف أبا عن جد كلهم جهلة كالانعام، ويكبرون بذلك فراهم وعمائمهم، ويتصدرون في البلدة حتى أدى ذلك إلى اندراس المدارس والمساجد، وأكثرها صار بيوتا باعوها أو بساتين استغلوها فمن أراد أن يطلب العلم لا يجد له مأوى يسكنه ولا شيئا يأكله فيضطر إلى أن يترك العلم ويكتسب.
ووقع في زماننا أن رجلا من أكابر دمشق مات عن ولد أجهل منه لا يقرأ ولا يكتب، فوجهت من وظائفه تولية مسجد ومدرسة على رجلين من أعلم علماء دمشق، فذهب ولده وعزلهما عن ذلك بالرشوة.
وفي أواخر الفن الثالث من الاشباه: إذا ولى السلطان مدرسا ليس بأهل لم تصح توليته.
چ وفي البزازية: السلطان إذا أعطى غير المستحق فقد ظلم مرتين: بمنع المستحق، وإعطاء غيره اه.
ففي توجيه هذه الوظائف لابناء هؤلاء الجهلة ضياع العلم والدين، وإعانتهم على
إضرار المسلمين، فيجب على ولاة الامور توجيهها على أهلها ونزعها من أيدي غير الاهل، وإذا مات أحد من أهلها توجه على ولده، فإن لم يخرج على طريقة والده يعزل عنها وتوجه للاهل، إذ لا شك أن غرض الواقف إحياء ما أوقفه من ذلك، فكل ما كان فيه تضييعه فهو مخالف لغرض الشرع، والواقف هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قوله: (فهذا) أي ما ذكر من المصالح.
وقوله: مصرف جزية وخراج أي ونحوهما مما ذكر معهما.
قوله: (مر في الزكاة) أي في باب المصرف.
قوله: (مر في السير) أي في فصل كيفية القسمة.
قوله: (وبقي رابع) تقدم هذا مع الثلاثة التي قبله نظما لابن الشحنة في آخر باب العشر من كتاب الزكاة، وقدمنا الكلام عليها.
قوله: (وفقير بلا ولي:) أي ليس له من تجب نفقته عليه.
قال في البحر: يعطون منه نفقتهم وأدويتهم ويكفن به موتاهم ويعقل به جنايتهم اه.
تنبيه: قال في الاحكام: العلماء يستحقون من النوع الاول بالعمل مع الغني، ومن النوع الثاني بصفة الفقر ونحوها، ومن النوع الثالث بأحد صفات مستحقيه، ومن النوع الرابع بصفة المرض ونحوه، ومن خص استحقاقهم بالاول نظر إلى محض صفة العلم اه.
قوله: (بيتا يخصه) فلا يخلط بعضه ببعض، لان لكل نوع حكما يختص له.
زيلعي.
قوله: (ليصرفه للآخر) أي لاهله.
قال الزيلعي: ثم إذا حصل من ذلك النوع شئ رده في المستقرض منه، إلا أن يكون المصروف من الصدقات أو من خمس الغنيمة على أهل الخراج وهم فقراء، فإنه لا يرد فيه شيئا لانهم مستحقون للصدقات بالفقر، وكذا في غيره إذا صرفه إلى المستحق اه.
قوله: (ويعطى بقدر الحاجة الخ) الذي في الزيلعي هكذا: ويجب على الامام أن يتقي الله تعالى ويصرف إلى كل مستحق قدر حاجته من غير زيادة، فإن قصر في ذلك كان الله تعالى عليه حسيبا اه وفي البحر عن القنية كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه يسوي في العطاء من بيت المال، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يعطيهم على قدر الحاجة والفقه والفضل، والاخذ بهذا في زماننا أحسن فتعتبر الامور الثلاثة اه.
أي فله أن(4/403)
يعطي الاحوج أكثر من غير الاحوج، وكذا الافقه والافضل أكثر من غيرهما، وظاهره أنه لا تراعى
الحاج في الافقه والافضل، وإلا فلا فائدة في ذكرهما، ويؤيده أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعطي من كان له زيادة فضيلة من علم أو نسب أو نحو ذلك أكثر من غيره، وفي البحر أيضا عن المحيط: والرأي إلى الامام من تفضيل وتسوية من غير أن يميل في ذلك إلى هوى، وفيه عن القنية: وللامام الخيار في المنع والاعطاء في الحكم اه.
قلت: ومثله في كتاب الخراج لابي يوسف الذي خاطب به هارون الرشيد حيث قال: فأما الزيادة أرزاق القضاة والعمال والولاة والنقصان مما يجري عليهم، فذلك إليك: من رأيت أن تزيده من الولاة والقضاة في رزقهم فزدهم، ومن رأيت أن تحط رزقه حططت.
قوله: (هو المفتي اليوم) لانهم كانوا يحفظون القرآن ويعلمون أحكامه ط.
قوله: (ممن ذكر) أي ممن يقوم بمصالح المسلمين، كالقضاة والغزاة ونحوهم.
زيلعي.
قوله: (في نصف الحول) المراد به ما قبل آخره بقرينة قوله: ولو في آخره ط.
قوله: (حرم من العطاء) هو ما يثبت في الديوان باسم كل ممن ذكرنا، من المقاتلة وغيرهم، وهو كالجامكية في عرفنا إلا أنها شهرية، والعطاء سنوي.
فتح.
قوله: (لانه صلة) ولذا سمي عطاء فلا يملك قبل القبض فلا يورث ويسقط بالموت.
فتح.
قوله: (في زماننا) قال في العناية: وفي الابتداء كان يعطي كل من كان له ضرب مزية في الاسلام كأزواج النبي (ص) وأولاده والمهاجرين والانصار.
قوله: (القاضي والمفتي والمدرس) عبارة البحر مثل القاضي، والمفتي والمدرس: وهي أولى لشمولها نحو المقاتلة اه ح.
قلت: وهي عبارة الهداية أيضا: قوله: (أو بعد تمامه) هذا مفهوم بالاولى، لانه إذا استحب الصرف إلى القريب قبل التمام فبعده أولى.
قوله: (فيندب الوفاء له) قال في الفتح: والوجه يقتضي الوجوب، لان حقه تأكد بإتمام عمله في السنة، كما قلنا: إنه يورث سهم الغازي بعد الاحراز بدار الاسلام لتأكد الحق حينئذ، وإن لم يثبت له ملك، وقلو فخر الاسلام في شرح الجامع الصغير: وإنما خص نصف السنة لان عند آخرها يستحب أن يصرف ذلك إلى ورثته، فأما قبل ذلك فلا، إلا على قدر عنائه يقتضي أن يعطي حصته من العام اه.
قوله: (قيل يجب الخ) عبارة الزيلعي: قيل يجب رد ما بقي من السنة، وقيل على قياس قول محمد في نفقة الزوجة يرجع، وعندهما: لا يرجع: هو
يعتبره بالانفاق على امرأة ليتزوجها وهما يعتبرانه بالهبة اه.
ونقل في الشرنبلالية تصحيح وجوب الرد عن الهداية والكافي، ولكني لم أره فيهما في هذا المضوع، فليراجع.
مطلب فيما إذا مات المؤذن أو الامام قبل أخذ وظيفتهما قوله: (فإنه سقط الخ) حاصله، أن ما يأخذه الامام والمؤذن من الوقف بمنزلة ما يأخذه(4/404)
القاضي ونحوه من بيت المال، نظرا إلى أنه في معنى الصلة لا تملك إلا بالقبض كما مر.
قوله: (وقيل لا يسقط الخ) أي ما يأخذه الامام والمؤذن.
قال وفي الشرنبلالية: جزم في البغية تلخيص القنية بأنه يورث، بخلا ف رزق القاضي كما في الاشباه والنظائر اه.
قلت: ووجهه ما أشار إليه الشارح تبعا للدرر بقوله: لانه كالاجرة أي فيه معنى الاجرة ومعنى الصلة، فليس أجرة من كل وجه، لكن وجه الاجرة فيه أرجح لجواز أخذ الاجرة على الاذان والامامة والتعليم كما أفتبه المتأخرون، بخلاف القضاء وغيره من الطاعات.
فإنه لا يجوز أصلا، ولعل وجه القول الاول ترجيح معنى الصلة في الكل بناء على أصل المذهب من عدم جواز الاجرة على شئ من الطاعات، لكن الفتوى على قول المتأخرين فلذا جزم في البغية بالقول الثاني، وفرق بين الامام والقاضي كما قدمناه قبيل فصل في كيفية القسمة، وقدمنا هناك عن الطرسوسي وغيره أن المدرس ونحوه إذا مات في أثناء السنة يعطي بقدر ما باشر فقط، بخلاف الوقف على الاولاد والذرية، فإن المعتبر فيهم ظهور الغلة فمن مات بعد ظهورها استحق لا قبله، وقدمنا هناك أيضا عن المفتي أبي السعود مثل ذلك، وأن المدرس الثاني يستحق الوظيفة من وقت توجيه السلطان.
قوله: (وهذا) أي قوله: والمؤذن الخ وقد نقله في الدر عن فوائد صاحب المحيط.
قوله: (وتمامه في الدرر) قال فيها وفي فوائد صدر الاسلام طاهر بن محمود: قرية فيها أراضي الوقف على إمام المسجد يصرف إليه غلتها وقت الادراك، فأخذ الامام الغلة وقت الادراك وذهب عن تلك القرية لا يسترد منه حصه ما بقي من السنة، وهو نظير موت القاضي وأخذ الرزق، ويحل للامام أكل ما بقي من السنة إن كان فقيرا، وكذلك الحكم في طلبة العلم في المدارس، والله سبحانه أعلم.
باب المرتد شروع في أحكام الكفر الطارئ بعد بيان الاصلي: أي الذي لم يسبقه إيمان.
قوله: (وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان) هذا بالنسبة إلى الظاهر الذي يحكم به الحاكم، وإلا فقد تكون بدونه كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوى أن يكفر بعد حين.
أفاده ط.
قوله: (بعد الايمان) خرج به الكافر إذا تلفظ بمكفر، فلا يعطي حكم المرتد ط.
نعم قد يقتل الكافر ولو امرأة إذا أعلن بشتمه (ص) كما مر في الفصل السابق.
قوله: (هو تصديق الخ) معنى التصديق قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد (ص) بحيث تعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، كالوحدانية والنبوة والبعث والجزاء، ووجوب الصلاة والزكاة وحرمة الخمر ونحوها اه.
ح عن شرح المسايرة.
قوله: (وهل هو فقط) أي وهل الايمان التصديق فقط، وهو المختار عند جمهور الاشاعرة، وبه قال الماتريدي ح عن شرح المسايرة.
قوله: (أو مع الاقرار) قال في المسايرة: وهو منقول عن أبي حنيفة، ومشهور عن أصحابه وبعض المحققين من الاشاعرة وقال: الخوارج هو(4/405)
التصديق مع الطاعة، ولذا كفروا بالذنب لانتفاء جزء الماهية.
وقال الكرامية: هو التصديق باللسان فقط، فإن طابق تصديق القلب فهو مؤمن ناج، وإلا فهو مؤمن مخلد في النار اه.
ح.
قلت: وقد حقق في المسايرة أنه لا بد في حقيقة الايمان من عدم ما يدل على الاستخفاف من قول أو فعل، ويأتي بيانه.
قوله: (والاقرار شرط) هو من تتمة القول الاول ح.
أما على القول الثاني فهو شطر، لانه جزء من ماهية الايمان، فلا يكون بدونه مؤمنا لا عند الله تعالى ولا في أحكام الدنيا، لكن بشرط أن يدرك زمنا يتمكن فيه من الاقرار، وإلا فيكفيه التصديق اتفاقا، كما ذكره التفتازاني في شرح العقائد.
قوله: (لاجراء الاحكام الدنيوية) أي من الصلاة عليه، وخلفه والدفن في مقابر المسلمين والمطالبة بالعشور والزكوات ونحو ذلك ولا يخفى أن الاقرار لهذا الغرض لا بد أن يكون على وجه الاعلان والاظهار على الامام وغيره من أهل الاسلام، بخلاف ما إذا كان لاتمام الايمان فإنه يكفي مجرد التكلم وإن لم يظهر على غيره، كذا في شرح المقاصد.
قوله: (بعد
الاتفاق) أي بعد اتفاق القائلين بعدم اعتبار الاقرار.
قال في شرح المسايرة: واتفق القائلون بعدم اعتبار الاقرار على أنه يلزم المصدق أنه يعتقد أنه متى طولب به أتى به، فإن طولب به فلم يقر به فهو - أي كفه عن الاقرار - كفر عناد، وهذا ما قالوا: إن ترك العناد شرط، وفسروه به: أي فسروا ترك العناد بأن يعتقد أنه متى طولب بالاقرار أتى به اه.
بقي ما لو لم يعتقد ذلك بأن كان خالي الذهن، أو اعتقد أنه متى طولب به لا يأتي به، لكنه عندما طولب به أتى به، فهل يكفي نظرا لحصول المقصود أو لا يكفي نظرا لاشتراطهم الاعتقاد السابق؟، أقول: الظاهر أن المراد بالاشتراط المذكور نفي اعتقاد عدمه: فليحرر اه ح أي لا يعتقد أنه متى طولب به لا يقر، وفي شرح المقاصد وشرح التحرير ما يفيده، ونصه: ثم الخلاف فيما إذا كان قادرا، وترك التكلم لا على وجه الاباء، إذ العاجز كالاخرس مؤمن اتفاقا، والمصر على عدم الاقرار مع المطالبة به كافر وفاقا، لكون ذلك من أمارات عدم التصديق، ولهذا أطبقوا على كفر أبي طالب.
اه.
فظهر أن خالي الذهن لو أتى به عند المطالبة مؤمن لعدم الاصرار على عدم الاقرار، ومن اعتقد عدم الاتيان به عندها ليس مؤمنا، فلو أتى به عندها كان ذلك: إيمانا مستأنفا، هذا ما ظهر لي.
قوله: (من هزل بلفظ كفر) أي تكلم به باختياره غير قاصد معناه، وهذا لا ينافي ما مر من أن الايمان هو التصديق فقط أو مع الاقرار، لان التصديق وإن كان موجودا حقيقة لكنه زائل حكما، لان الشارع جعل بعض المعاصي أمارة على عدم وجوده كالهزل المذكور، وكما لو سجد لصنم أو وضع مصحفا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقا، لان ذلك في حكم التكذيب، كما أفاده في شرح العقائد، وأشار إلى ذلك بقوله: للاستخفاف فإن فعل ذلك استخفافا واستهانة بالدين فهو أمارة عدم التصديق، ولذا قال في المسايرة: وبالجملة فقد ضم إلى التصديق بالقلب، أو بالقلب واللسان في تحقيق الايمان أمورا الاخلال بها إخلال بالايمان اتفاقا، كترك السجود لصنم وقتل نبي والاستخفاف به، وبالمصحف والكعبة، وكذا مخالفة أو إنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، لان ذلك دليل على أن التصديق مفقود، ثم حقق أن عدم الاخلال بهذه الامور أحد أجزاء مفهوم الايمان، فهو حينئذ التصديق والاقرار وعدم الاخلال بما ذكر، بدليل أن بعض هذه الامور تكون مع تحقق التصديق(4/406)
والاقرار، ثم قال: ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة، وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا، بل بالمواظبة على ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه فعلها (ص) زيادة، أو استقباحها، كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه اه.
قلت: ويظهر من هذا أن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، لانه لو وقف على قصده لما احتاج إلى زيادة عدم الاخلال بما مر، لان قصد الاستخفاف مناف للتصديق.
قوله: (فهو ككفر العناد) أي ككفر من صدق بقلبه وامتنع عن الاقرار بالشهادتين عنادا ومخالفة، فإنه أمارة على عدم التصديق، وإن قلنا: إن الاقرار ليس ركنا.
قوله: (والكفر لغة الستر) ومنه سمي الفلاح كافرا، لانه يستر البذر في الارض، ومنه كفر النعمة وهو موجود في المعنى الشرعي لانه ستر ما وجب إظهاره.
قوله: (تكذيبه (ص)) المراد بالتكذيب عدم التصديق الذي مر: أي عدم الاذعان والقبول، لما علم مجيئه به (ص) ضرورة: أي علما ضروريا لا يتوقف على نظر واستدلال،.
وليس المراد التصريح بأنه كاذب في كذا، لان مجرد نسبة الكذب إليه (ص) كفر، وظاهر كلامه تخصيص الكفر بجحد الضروري فقط، مع أن الشرط عندنا ثبوته على وجه القطع وإن لم يكن ضروريا، بل قد يكون استخفافا من قول: أو فعل كما مر، ولذا ذكر في المسايرة أن ما ينفي الاستسلام أو يوجب التكذيب فهو كفر، فما ينفي الاستسلام كل ما قدمناه عن الحنفية: أي مما يدل على الاستخفاف، وما ذكر قبله من قتل نبي إذ الاستخفاف فيه أظهر، وما يوجب التكذيب جحد كل ما ثبت عن النبي (ص) ادعاؤه ضرورة، وأما ما لم يبلغ حد الضرورة كاستحقاق بنت الابن السدس مع البنت بإجماع المسلمين، فظاهر كلام الحنفية الاكفار بجحده، فإنهم لم يشرطوا سوى القطع في الثبوت، ويجب حمله على ما إذا علم المنكر ثبوته قطعا، لان مناط التكفير وهو التكذيب أو الاستخفاف عند ذلك يكون، أما إذا لم يعلم فلا، إلا أن يذكر له أهل العلم ذلك فيلج اه.
مطلب في منكر الاجماع
وهذا موافق لما قدمناه عنه من أنه يكفر بإنكار ما أجمع عليه بعد العلم به، ومثله ما في نور العين عن شرح العمدة أطلق بعضهم أن مخالف الاجماع يكفر، والحق أن المسائل الاجماعية تارة يصحبها التواتر عن صاحب الشرع كوجوب الخمس وقد لا يصحبها، فالاول يكفر جاحده لمخالفته التواتر لا لمخالفته الاجماع اه.
ثم نقل في نور العين عن رسالة الفاضل الشهير حسام جلبي من عظماء علماء السلطان سليم بن بايزيد خان ما نصه: إذا لم تكن الآية أو الخبر المتواتر قطعي الدلالة أو لم يكن الخبر متواترا، أو كان قطعيا لكن فيه شبهة، أو لم يكن الاجماع إجماع الجميع أو كان، ولم يكن إجماع الصحابة أو كان، ولم يكن إجماع جميع الصحابة، أو كان إجماع جميع الصحابة، ولم يكن قطعيا بأن لم يثبت بطريق التواتر، أو كان قطعيا لكن كان إجماعا سكوتيا، ففي كل من هذه الصور لا يكون الجحود كفرا، يظهر ذلك لمن نظر في كتب الاصول، فاحفظ هذا الاصل فإنه ينفعك في استخراج فروعه حتى تعرف منه صحة ما قيل، إنه يلزم الكفر في موضع كذا، ولا يلز في موضع آخر اه.
تنبيه: في البحر والاصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر،(4/407)
وإن كان لعينه: فإن كان دليله قطعيا كفر، ولا فلا.
وقيل التفصيل في العالم، أما الجاهل فلا يفرق بين الحرام لعينه ولغيره، وإنما الفرق في حقه أن ما كان قطعيا كفر به.
وإلا فلا يكفر إذا قال: الخمر ليس بحرام، وتمامه فيه.
قوله: (بل أفردت بالتأليف) من أحسن ما ألف فيها ما ذكره في آخر نور العين، وهو تأليف مستقل، ومن ذلك كتاب الاعلام في قواطع الاسلام لابن حجر المكي، ذكر فيه المكفرات عند الحنفية والشافعية وحقق فيه المقام، وقد ذكر في البحر جملة من المكفرات.
مطلب: ما يشك أنه ردة لا يحكم بها قوله: (قافي البحر الخ) سبب ذلك ما ذكره قبله بقوله وفي: جامع الفصولين روى الطحاوي من أصحابنا: لا يخرج الرجل من الايمان إلا جحود ما أدخله فيه، ثم ما تيقن أنه ردة
يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الاسلام الثابت لا يزول بالشك مع أن الاسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الاسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره.
أقول: قدمت هذا ليصير ميزانا فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل، فإنه قد ذكر في بعضها: أنه كفر، مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة، فليتأمل اه.
ما في جامع الفصولين.
وفي الفتاوى الصغرى: الكفر شئ عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر اه.
وفي الخلاصة وغيرها: إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنعه، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم.
زاد في البزازية: إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل ح.
وفي التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل، لان الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية اه.
والذي تحرر أنه لا يفتي بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على مجمع حسن، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير فيها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشئ منها اه.
كلام البحر باختصار.
قوله: (والطوع) أي الاختيار احترازا عن الاكراه، ودخل فيه الهازل كما مر، لانه يعد مستخفا لتعمده التلفظ به، وإن لم يقصد معناه.
وفي البحر عن الجامع الصغير: إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر: قال بعض أصحابنا: لا يكفر لان الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر، وقال بعضهم: يكفر، وهو الصحيح عندي لانه استخف بدينه اه.
ثم قال في البحر والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به في الخانية، ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عامدا عالما كفر عند الكل، ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف اه.
قوله: (ومعتوه) عزاه في نهر إلى السراج، وهو الناقص العقل، وقيل المدهوش من غير جنون، كذا في المغرب.
وفي أحكامات الاشباه أن حكمه حكم الصبي العاقل، فتصح العبادات منه ولا تجب وقيل هو كالمجنون، وقيل كالبالغ العاقل اه.(4/408)
قلت: والاول هو الذي صرح به الاصوليون، ومقتضاه أن تصح ردته لكنه لا يقتل كما هو حكم الصبي العاقل.
تأمل.
ثم رأيت في الخانية قال: وأما ردة المعتوه فلم تذكر في الكتب المعروفة.
قال مشايخنا: هو في حكم الردة بمنزلة الصبي اه.
قوله: (وموسوس) بالكسر ولا يقال بالفتح، ولكن موسوس له أو إليه: أي تلقى إليه الوسوسة.
وقال الليث: الوسوسة حديث النفس، وإنما قيل موسوس لانه يحدث بما في ضميره، وعن الليث لا يجوز طلاق الموسوس، قال: يعني المغلوب في عقله، وعن الحاكم: هو المصاب في عقله إذا تكلم يتكلم بغير نظام، كذا في المغرب.
قوله: (وصبي لا يعقل) قدر عقله في فتاوى قارئ الهداية بأن يبلغ سبع سنين.
نهر.
وسيأتي آخر الباب.
قوله: (وسكران) أي ولو من محرم لما في أحكامات الاشباه أن السكران من محرم كالصاحي إلا في ثلاث: الردة، والاقرار بالحدود الخالصة، والاشهاد على شهادة نفسه الخ، قوله: (ومكره عليها) أي على الردة، والمراد الاكراه بملجئ من قتل أو قطع عضو أو ضرب مبرح فإنه يرخص له أن يظهر ما أمر به على لسانه وقلبه مطمئن بالايمان، ولا تبين زوجته استحسانا كما سيجئ في بابه.
قوله: (فليسا بشرط) هذا في الذكورة بالاتفاق وأما في البلوغ فعندهما خلافا لابي يوسف كما يأتي آخر الباب ح.
قوله: (فإنه يقتل ولا يعفى عنه) قيده في البحر بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه، وإلا فهكالمجنون اه ح.
قلت: وما جزم به الشارح من أنه لا يعفى عنه: أي إن تاب سيأتما يخالفه.
قوله: (من ارتد) أي عن الاسلام، فلو أن اليهودي تنصر أو تمجس أو النصراني تهود أو تمجس لم يجبر على العود لما كان عليه، لان الكفر كله ملة واحدة كما في البرجندي وغيره.
در منتقى، وسيذكره المصنف.
قوله: (الحاكم) أي الامام أو القاضي.
بحر.
قوله: (لبلوغه الدعوة) مصدر مضاف للمفعول، والدعوة فاعل اه ح.
قال في البحر: وعرض الاسلام هو الدعوة إليه، ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة.
قوله: (بيان لثمرة العرض) الظاهر أن ثمرة العرض: الاسلام والنجاة من القتل، وأما هذا فهو ثمرة التأجيل ثلاثة أيام، لان من انتقل عن الاسلام والعياذ بالله تعالى لا بد له غالبا من شبهة فتكشف له إن أبداها في هذه المدة.
تأمل.
قوله: (وقيل ندبا) أي وإن استمهل، وظاهر الرواية
الاول، وهو أنه لا يمهل بدون استمهال كما في البحر.
قوله: (إن استمهل) أي بعد العرض للتفكر قهستاني.
قوله: (وإلا قتله) أي بعد عرض الاسلام عليه وكشف شبهته ط.
قوله: (إلا إذا رجى إسلامه) أي فإنه يمهل، وهل هو حينئذ واجب أو مستحب؟ محل تردد، والظاهر الثاني.
تأمل.
قوله: (لكنه يضرب الخ) أي إذا ارتد ثانيا ثم تاب ضربه الامام وخلى سبيله، وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه ضربا وجيعا وحبسه حتتظهر عليه آثار التوبة ويرى أنه مخلص ثم خلى سبيله، فإن عاد فعل به هكذا.
بحعن التاترخانية.
وفي الفتح: فإن ارتد بلد إسلامه ثانيا قبلنا توبته أيضا.
وكذ ثالثا(4/409)
ورابعا، إلا أن الكرخي قال: فإن عاد بعد الثالثة يقتل إن لم يتب في الحال ولا يؤجل، فإن تاب ضربه ضربا وجيعا ولا يبلغ به الحد، ثم يحبسه ولا يخرجه حتى يرى عليه خشوع التوبة وحال المخلص فحينئذ يخلى سبيله، فإن عاد بعد ذلك فعل به كذلك أبدا ما دام يرجع إلى الاسلام.
قال الكرخي: هذا قول أصحابنا جميع: إن المرتد يستتاب أبدا، وما ذكره الكرخي مروي في النوادر، قال: إذا تكرذلك منه يضرب ضربا مبرحا ثم يحبس إلى أن تظهر توبته ورجوعه اه.
وذلك لاطلاق قوله تعالى:) * فإن تابوا وأقاموا الصلاة) * (سورة التوبة: الآية 5) الآية.
وعن ابن عمر وعلي: لا تقبل توبة من تكررت ردته كالزنديق، وهو قول مالك وأحمد والليث وعن أبي يوسف: لو فعل ذلك مرارا يقتل غيلة، وفسره بأن ينتظر فإذا أظهر كلمة الكفر قتل قبل أن يستتاب لانه ظهر منه الاستخفاف اه.
باختصار.
وحاصله أن ظاهر قوله وكذا ثالثا ورابعا أنه لو استمهل بعد الرابعة يؤجل ولا يحبس بعد التوبة.
والذي نقله عن الكرخي أنه لا يؤجل بعد الرابعة بل يقتل إلا أن تأد ب فإنه يضرب ويحبس كما هو رواية النوادر وعن ابن عمر وغيره: يقتل ولا توبة له مثل الزنديق.
قوله: (عن آخر حدود الخانية) ونصه: وحكى أنه كان ببغداد نصرانيان مرتدان، إذا أخذا تابا، وإذا تركا عادا إلى الردة.
قال أبو عبد الله البلخي: يقتلان ولا تقبل توبتهما اه.
أقول: الظاهر أن البلخي اختار قول ابن عمر، ولا يصح بناؤه على رواية النوادر المارة عن
الفتح كما لا يخفى، فافهم.
قوله (بلا توبة) أي بلا قبول توبة، وليس المراد أنه يقتل إن لم يثبت، لانه لا نزاع فيه.
قوله: (وإلا قتل) أي ولو عبدا فيقتل وإن تضمن قتله إبطال حق المولى، وهذا بالاجماع لاطلاق الادلة.
فتح.
قال في المنح: وأطلق فشمل الامام وغيره، لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بلا إذن الامام أدبه الامام اه.
وسيأتي متنا وشرحا استثناء أربعة عشر لا يقتلون.
قوله: (لحديث الخ) رواية أحمد والبخاري وغيرهما.
زيلعي.
قوله: (بعد نطقه بالشهادتين) كذا قيده في العناية والنهاية، وعزاه القهستاني إلى المبسوط والايضاح وغيرهما وقال: وإنما لم يذكره لان ذلك معلوم لكن مقتضى ما في الفتح عدم اعتماده، لانه عبر عنه بقيل وكأنه تابع ظاهر المتون، وهو مفاد كلام الزيلعي، ويؤيده ما سيذكره في المتن من أن إنكاره الردة توبة ورجوع.
وقد يوق بحمل ما هو ظاهر المتون على الاسلام المنجي في الدنيا عن القتل.
وما في الشروح من اشتراط النطق بالشهادتين أيضا محمول على الاسلام الحقيقي النافع في الدنيا والآخرة.
تأمل وذكر في الفتح أن الاقرار بالبعث والنشور مستحب.
قوله: (على وجه العادة) أي بدون التبري.
قال في البحر: وأفا باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بهما كفره، كذا في البزازية وجامع الفصولين اه.
قلت: وظاهره اشتراط التبري وإن لم ينتحل دينا آخر بأن كان كفره بمجرد كلمة ردة، والظاهر(4/410)
خلافه، وأن اشتراط التبري فيمن انتحل دينا آخر إنما هو شرط لاجراء أحكام الدنيا عليه، أما بالنسبة لاحكام الآخرة فيكفيه التلفظ بالشهادتين مخلصا، كما يدل عليه ما نذكره في إسلام العيسوية.
قوله: (لما مر) أي من أن العرض مستحب، ويكره تحريما عند من أوجبه.
أفاده في شرح الملتقى ط.
قوله: (قيد بإسلام المرتد) أي في قوله: وإسلامه.
مطلب في أن الكفار خمسة أصناف، وما يشترط في إسلامهم قوله: (لان الكفار) أي بكفر أصلي والمرتد كفره عارض.
قوله: (كالدهرية) بضم الدال نسبة إلى الدهر بفتحها، سموا بذلك لقولهم: * (وما يهلكنا إلا الدهر) * (سورة الجاثية: الآية 42) ح.
قوله: (كالثنوية)
وهم المجوس القائلون بإلهين أو كالمجوس كما في أنفع الوسائل ومقتضاه أنهم غيرهم، وهو الذي حققه ابن كمال باشا نقلا عن الآمدي مع مشاركة الكل في اعتقاد أن أصل العالم النور والظلمة: أي النور المسمى يزدان وشأنه خلق الخير.
والظلمة المسماة أهر من وشأنها خلق الشر.
قوله: (كالفلاسفة) أي قوم منهم كما في النهر، وإلا فجمهور الفلاسفة يثبتون الرسل على أبلغ وجه لقولهم بالايجاب اه ح.
أي باللزوم والتوليد لا بالاختيار لانكارهم كونه تعالى مختارا، وينكرون كونها بنزول الملك من السماء وكثيرا مما علم بالضرورة مجئ الانبياء كحشر الاجساد والجنة والنار.
والحاصل أنهم وإن أثبتوا الرسل لكن لا على الوجه الذي يثبته أهل الاسلام كما ذكره في شرح المسايرة فصار إثباتهم بمنزلة العدم، وعليه فيصح إطلاق الشارح.
تأمل.
قوله: (كالوثنية) فيه أن الوثنية لا ينكرون الصانع تعالى كما لا يخفى ح.
قال في شرح السير: وعبدة الاوثان كانوا يقرون بالله تعالى، قال تعالى: * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * (سورة الزخرف: الآية 78) ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية.
قال تعالى: * (إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) * (سورة الصافات: الآية 53) اه.
وهذا زاده في الدرر على ما في البدائع، وتبعه الشارح.
والظاهر أن صاحب البدائع أدخله في الثنوية لانهم جعلوا مع الله تعالى معبودا ثانيا وهو أصنامهم، فهم منكرون للوحدانية كالمجوس، وحكمهم في الاسلام واحد كما تعرفه.
قوله: (كالعيسوية) هم قوم من اليهود ينسبون إلى عيسى الاصفهاني اليهودي ح.
قلت: وعبارة البدائع: وصنف منهم يقرون بالصانع وتوحيده والرسالة في الجملة، لكنهم ينكرون عموم رسالة رسولنا (ص) وهم اليهود والنصارى.
قال في النهر: وليس المراد كل النصارى بل طائفة منهم في العراق يقال لهم العيسوية، صرح بذلك في المحيط والخانية اه.
قوله: (فيكتفي في الاولين الخ) عبارة البدائع: فإن كان من الصنف الاول أو الثاني فقال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، لان هؤلاء يمتنعون عن الشهادة أصلا، فإذا أقروا بها كان ذلك دليل إيمانهم، وكذلك إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله، لانهم يمتنعون عن كل واحدة من كلمتي الشهادة، فكان الاتيان بواحدة منهما أيتهما كانت دلالة الايمان اه: أي ويلزم من الايمان بإحداهما الايمان بالاخرى، وهذا
صريح في أن الثنوية ينكرون الرسالة فهم كالوثنية، فكيتفي في الكل بإحدى الكلمتين، وبه صرح(4/411)
في أنفع الوسائل فقال: إن عبدة الاوثان والنيران والمشرك في الربوبية والمنكر للوحدانية كالثنوية إذا قال الواحد منهم لا إله إلا الله يحكم بإسلامه، وكذا لو قال أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمنا أو آمنا بالله.
اه.
وذكر قبله عن المحيط أن الكافر إذا أقر بخلاف ما اعتقد يحكم بإسلامه، ونحوه في شرح السير الكبير.
وبه علم أن ما في شرح المسايرة لابن أبي شريف الشافعي من أنه يكتفي في الثنوي والوثني بالشهادتين بدون تبري فهو على مذهبه: أو المراد به إحداهما، فافهم.
قوله: (وفي الثالث بقول محمد رسول الله) فلو قال لا إله إلا الله يحكم بإسلامه لانه منكر الرسالة، ولا يمتنع عن هذه المقالة، ولو قال أشهد أن محمدا رسول الله يحكم بإسلامه، لانه يمتنع عن هذه الشهادة، فكان الاقرار بها دليل الايمان.
بدائع.
ومقتضاه أن الاتيان بالثانية يكفيه، لان المدار على الاقرار بخلاف معتقده.
قوله: (وفي الرابع بأحدهما) علله في الدرر بأنه لا منكر للامرين جميعا، فبأيهما شهد دخل في دين الاسلام اه.
وهذا التعليل موافق لما قدمناه عن البدائع، وبه صرح أيضا في شرح السير الكبير، وزاد أنه لو قال أنا مسلم فهو مسلم، لان عبدة الاوثان لا يدعون هذا الوصف لانفسهم، بل يبرؤون على قصد المغايظة للمسلمين، وكذا لو قال أنا على دين محمد، أو على الحنفية أو على دين الاسلام وقد علمت أن هذا الرابع داخل في الاولين، والحكم في الكل واحد، وهو الاكتفاء بأحد اللفظين عن الآخر، وأن ما مر عن شرح المسايرة لا يدفع المنقول عندنا، فافهم.
مبحث في اشتراط التبري مع الاتيان بالشهادتين قوله: (وفي الخامس بهما في التبري الخ) ذكر ابن الهمام في المسايرة أن اشتراط التبرى لاجراء أحكام الاسلام عليه لا لثبوت الايمان فيما بينه وبين الله تعالى، فإنه لو اعتقد عموم الرسالة وتشهد فقط كان مؤمنا عند الله تعالى اه.
ثم إن الذي في البدائع: لو أتى بالشهادتين لا يحكم بإسلامه حتى يتبرأ عن الدين الذي هو عليه وزاد على المحيط: لا يكون مسلما حتى يتبرأ من دينه مع
ذلك، ويقر أنه دخل في الاسلام، لانه يحتمل أنه تبرأ من اليهودية ودخل في النصرانية، فإذا قال مع ذلك: ودخلت في الاسلام يزول هذا الاحتمال.
وقال بعض مشايخنا: إذا قال: دخلت في الاسلام يحكم بإسلامه وإن لم يتبرأ مما كان عليه، لانه يدل على دخول حادث منه في الاسلام اه.
ومثله في شرح السير الكبير.
قلت: اشتراط قوله ودخلت في دين الاسلام ظاهر فيما إذا تبرأ من دينه فقط، إلا إذا تبرأ من كل دين يخالف دين الاسلام فلا يحتاج إليه لعدم الاحتمال المذكور، فلذا لم يذكره الشارح مع صيغة التبري التي ذكرها.
والظاهر أنه لو أتى بالشهادتين وصرح بتعميم الرسالة إلى بني إسرائيل وغيرهم أو قال أشهد أن محمدا رسول الله إلى كافة الخلق الانس والجن: يكفي عن التبري أيضا، كما صرح به الشافعية.
تنبيه: قال في الفتح: إن اشتراط التبري إنما هو فيمن بين أظهرنا منهم، وأما من في دار الحر ب لو حمل عليه مسلم فقال محمد رسول الله فهو مسلم، أو قال: دخلت في دين الاسلام أو دين محمد (ص) فهو دليل إسلامه، فكيف إذا أتى بالشهادتين، لان في ذلك الوقت ضيقا، وقوله هذا إنما أراد به الاسلام الذي يدفع عنه القتل الحاضر، فيحمل عليه ويحكم به بمجرد ذلك اه.(4/412)
قلت: وإنما اكتفى عليه الصلاة والسلام بالشهادتين، لان أهل زمنه كانوا منكرين لرسالته أصلا كما يأتي.
ثم اعلم أنه يؤخذ من مسألة العيسوي أن من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلا أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده لانه كان يقر بالشهادتين معه فلا بد من تبرئه منه كما صرح به الشافعي، وهو ظاهر.
قوله: (فيستفسر من جهل حاله) ذكر ذلك في النهر بعد أن ذكر أنه ليس كل اليهود والنصارى كذلك بل طائفة منهم يقال لهم العيسوية، فقال: وعلى هذا فينبغي أن يستفسر الآتي بالشهادتين منهم إن جهم حاله اه: أي فإن ادعى أنه عيسوي يعتقد تخصيص الرسالة بغير بني إسرائيل لا يصح إسلامه إلا بالتبري، وإن ادعى أنه ينكرها مطلقا اكتفى بالشهادتين، فافهم.
قوله:
(بل عمم في الدرر الخ) في البحر أو الجهاد عن الذخيرة: أما اليهود والنصارى فكان إسلامهم في زمنه عليه الصلاة والسلام بالشهادتين لانهم كانوا ينكرون رسالته (ص)، وأما اليوم ببلاد العراق فلا يحكم بإسلامه بهما ما لم يقل تبرأت عن ديني ودخلت في دين الاسلام، لانهم يقولون: إنه رسول إلى العرب والعجم لا إلى بني إسرائيل كذا صرح به محمد اه.
وفي شرح السير للسرخسي: وأما اليهود والنصارى اليوم بين ظهراني المسلمين إذا أتى واحد منهم بالشهادتين لا يكون مسلما، لانهم جميعا يقولون هذا: ليس من نصراني ولا يهودي عندنا نسأله إلا قال هذه الكلمة، فإذا استفسرته قال رسول الله إليكم لا إلى بني إسرائيل، ثأ قال: ولو قال أنا مسلم لم يكن مسلما بهذا، لان كل فريق يدعي ذلك لنفسه، فالمسلم هو المستسلم للحق، وكل ذي دين يدعي أنه منقاد للحق، وكان شيخنا الامام يقول: إلا المجوس في ديارنا، فإن من يقول منهم أنا مسلم يصير مسلما، لانهم يأبون هذه الصفة لانفسهم ويسبون به أولادهم ويقولون يا مسلمان اه.
قلت: وما عزاه إلى شيخه: يعني الامام الحلواني جزم به في محل آخر، وقدمنا عنه قريبا في الوثني أنه يصير مسلما بقوله: أنا مسلم أو على دين محمد أو الحنيفية أو الاسلام، فعلى هذا يقال كذلك في اليهود والنصارى في بلادنا، فإنهم يمنعون من قول أنا مسلم، حتى أن أحدهم إذا أراد منع نفسه عن أمر يقول: إن فعلته أكون مسلما.
فإذا قال: أنا مسلم طائعا فهو دليل إسلامه وإن لم يسمع منه النطق بالشهادتين، كما صرح به في شرح السير فيمن صلى بجماعة فإنه يحكم بإسلامه، وبأنه يحكم بالاسلام بمجرد سيما المسلمين في حق الصلاة عليه إذا مات، وكذا يمتنعون من النطق بالشهادتين أشد الامتناع، فإذا أتى بهما طائعا يجب الحكم بإسلامه لانه فوق السيما، إذ لا شك أن محمدا إنما اشترط التبري بناء على ما كان في زمنه من إقرارهم بالرسالة، على خلاف ما كان في زمن النبي (ص) من إنكارها، فإذا أنكروها في زماننا وامتنعوا من النطق بالشهادتين يجب أن يرجع الامر إلى ما كان في زمنه (ص)، إذ لم يبق وجه للعدول عنه.
على أن محمدا إنما حكم على ما كان في بلاد العراق لا مطلقا كما يوهمه ما في الدرر، وعن هذا ذكر العلامة قاسم أنه سئل عن سامري أتى بالشهادتين ثم رجع فأجاب بما حاصله أنه
ينظر في اعتقاده، فإنهم ذكروا أن بعض اليهود يخصص رسالة نبينا (ص) بالعرب، وهذا لا يكفيه مجرد الشهادتين، بخلاف من ينكر الرسالة أصلا، وبعض من أعمى الله قلبه جعلهم فرقة واحدة في جميع(4/413)
البلاد حتى حكم في نصراني منكر للرسالة تلفظ بالشهادتين ببقائه على النصرانية لم يتبرأ اه.
ملخصا.
والحاصل: أن الذي يجب التعويل عليه أنه إن جهل حاله يستفسر عنه، وإن علم كما في زماننا، فالامر ظاهر، وهذا وجه ما يأتي عن قارئ الهداية.
قوله: (لان التلفظ به صار علامة على الاسلام الخ) أفاد بقوله: صار إلى أن ما كان في زمن الامام محمد تغير، لانهم في زمنه ما كانوا يمتنعون عن النطق بها فلم تكن علامة الاسلام فلذا شرط معها التبري.
أما في زمن قارئ الهداية فقد صارت علاقة الاسلام، لانه لا يأتي بها إلا المسلم كما في زماننا هذا، ولذا نقل في البحر أول كتاب الجهاد كلام قارئ الهداية ثم أعقبه بقوله: وهذا المصير إليه في ديار مصر بالقاهرة، لانه لا يسمع من أهل الكتاب فيها الشهادتان، ولذا قيده محمد بالعراق اه.
ومثله في شرح العلامة المقدسي.
ونقل أيضا في الدر المنتقى كلام قارئ الهداية، ثم قال: وبه أفتى أحمد بن كمال باشا.
وفي شرح الملتقى لعبد الرحمن أفندي داماد: وأفتى البعض في ديارنا بإسلامه من غير تبر وهو المعمول له اه.
فليحفظ اه.
وقد أسمعناك آنفا ما فيه الكفاية.
مطلب: الاسلام يكون بالفعل كالصلاة بجماعة خاتمة: اعلم أن الاسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة أو الاقرار بها أو الاذان في بعض المساجد أو الحج وشهود المناسك لا الصلاة وحده ومجرد الاحرام.
بحر.
وقدم الشارح ذلك نظما في أول كتا ب الصلاة، وقدمنا الكلام عليه مستوفى، وذكرنا هناك أنه لا فرق في الاسلام بالفعل بين العيسوي وغيره، والمراد أنه دليل الاسلام فيحكم على فاعل ذلك به، وإلا فحقيقة الاسلام المنجية في الآخرة لا بد فيها من التصديق الجازم مع الاقرار بالشهادتين أو بدونه على الخلاف المار.
قوله: (لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن) ظاهره أنه لا يفتى به من حيث استحقاقه
للقتل ولا من حيث الحكم ببينونة زوجته.
وقد يقال: المراد الاول فقط، لان تأويل كلامه للتباعد عن قتل المسلم بأن يكون قصد ذلك التأويل، وهذا لا ينافي معاملته بظاهر كلامه فيما هو حق العبد وهو طلاق الزوجة وملكها لنفسها، بدليل ما صرحوا به من أنهم إذا أراد أن يتكلم بكلمة مباحة فجرى على لسانه كلمة الكفر خطأ بلا قصد لا يصدقه القاضي، وإن كان لا يكفر فيما بينه وبين ربه تعالى، فتأمل ذلك وحرره نقلا، فإني لم أر التصريح به، نعم سيذكر الشارح أن ما يكون كفرا اتفاقا يبطل العمل والنكاح، وما فيه خلاف يؤمر بالاستغفار والتوبة وتجديد النكاح اه.
وظاهره أنه أمر احتياط.
مطلب: في حكمن شتم دين مسلم ثم إن مقتضى كلامهم أيضا أنه لا يكفر بشتم دين مسلم: أي لا يحكم بكفره لامكان التأويل.
ثم رأيته في جامع الفصولين حيث قال بعد كلام: أقول: وعلى هذا ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم، ولكن يمكن التأويل بأن مراده أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الاسلام، فينبغي أن لا يكفر حينئذ، والله تعالى أعلم اه.
وأقره في نور العين ومفهومه أنه لا يحكم بفسخ النكاح،(4/414)
وفيه البحث الذي قلناه.
وأما أمره بتجديد النكاح فهو لا شك فيه احتياطا، خصوصا في حق الهمج الارذال الذين يشتمون بهذه الكلمة، فإنهم لا يخطر على بالهم هذا المعنى أصلا.
وقد سئل في الخيرية عمن قال له الحاكم أرض بالشرع فقال لا أقبل، فأفتى مفت بأنه كفر وبانت زوجته فهل يثبت كفره بذلك؟ فأجاب: بأنه لا ينبغي للعالم أن يبادر بتكفير أهل الاسلام، إلى آخر ما حرره في البحر.
وأجاب قبله في مثله بوجوب تعزيره وعقوبته.
قوله: (ولو رواية ضعيفة) قال الخير الرملي: أقول ولو كانت الرواية لغير أهل مذهبنا، ويدل على ذلك اشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا عليه اه.
قوله: (كما حرره في البحر) قدمنا عبارته قبيل قوله: وشرائط صحتها.
قوله: (وجوه) أي احتمالات لما مر في عبارة البحر عن التتارخانية أنه لا يكفر بالمحتمل.
قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن له نية ذلك الوجه الذي يمنع الكفر بأن أراد الوجه المكفر، أو لم تكن له نية أصلا لم ينفعه
تأويل المفتي لكلامه وحمله إياه على المعنى الذي لا يكفر، كما لو شتم دين مسلم وحمل المفتي الدين على الاخلاق الرديئة لنفي القتل عنه فلا ينفعه ذلك التأويل فيما بينه وبين ربه تعالى، إلا إذا نواه.
قوله: (وينبغي التعوذ بهذا الدعاء صباحا ومساء) تدخل أوراد الصباح من نصف الليل الاخير، والمساء من الزوال، هذا فيما عبر فيه بهما.
وأما إذا عبر باليوم والليلة فيعتبران تحديدا من أولهما، فلو قدم المأمور به فيهما عليه لا يحصل له الموعود به.
أفاده بعض من كتب على الجامع الصغير السيوطي.
ط.
قلت: ولم أر في الحديث ذكر صباحا ومساء، بل فيه ذكر ثلاثا كما في الزواجر عن الحكيم الترمذي أفلا أدلك على ما يذهب الله به عنك صغار الشرك وكباره، تقول كل يوم ثلاث مرات: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بكشيئا وأنا أعلم، وأستغفرك بما لا أعلم وعند أحمد والطبراني أيها الناس اتقوا الشرك فإنه أخفى من ذبيب النمل، وقالوا: كيف نتقيه يا رسول الله؟ قال قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه.
مطلب: توبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس قوله: (وتوبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس) هو بالمثناة التحتية ضد الرجاء وقطع الطمع عن الحياة، وعلل قبولها في الدرر تبعا للبزازية بأن الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى وابتدأ إيمانا وعرفانا، والفاسق له حالة البقاء، والبقاء أسهل من الابتداء.
والدليل على قبولها مطلقا قوله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * (سورة الشورى: الآية 52) اه.
وقد أطال في آخر البزازية في هذه المسألة، ونقل قبله القول بعدم قبول كل منهما، وعزاه أيضا إلى الحنفية والمالكية والشافعية، وانتصر له منلا علي القاري في شرح بدء الامالي وقدمنا ذلك مبسوطا في أول باب صلاة الجنائز.(4/415)
مطلب: أجمعوا على كفر فرعون وأما إيمان اليأس، فذهب أهل الحق أنه لا ينفع عند الغرغرة، ولا عند معاينة عذاب الاستئصال، لقوله تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * (سورة غامر: الآية 58) ولذا أجمعوا على كفر فرعون، كما رواه الترمذي في تفسير سورة يونس، وإن خالف في ذلك الامام العارف المحقق
سيدي محيي الدين بن عربي في كتابه الفتوحات.
قال العلامة ابن حجر في الزواجر: فإنا وإن كنا نعتقد جلالة قائله فهو مردود، فإن العصمة ليست إلا للانبياء، مع أنه نقل عن بعض كتبه أنه صرح فيها بأن فرعون مع هامان وقارون في النار.
وإذا اختلف كلام إمام فيؤخذ بما يوافق الادلة الظاهرة ويعرض عما خالفها، ثم أطال في بيان رده.
مطلب في استثناء قوم يونس وذكر أيضا أنه يستثنى من إيمان اليأس قوم يونس عليه السلام، لقوله تعالى: * (إلا قوم يونس) * (سورة يونس: الآية 89) الآية، بناء على أن الاستثناء متصل، وأن إيمانهم كان عند معاينة عذاب الاستئصال، وهو قول بعض المفسرين بجعله كرامة وخصوصية لنبيهم، فلا يقاس عليها.
مطلب في إحياء أبوي النبي (ص) بعد موتهما ألا ترى أن نبينا (ص) قد أكرمه الله تعالى بحياة أبويه له حتى آمنا به في حديث صححه القرطبي وابن ناصر الدين حافظ الشام وغيرهما، فانتفعا بالايمان بعد الموت على خلاف القاعدة إكرما لنبيه (ص)، كما أحيا قتيل بني إسرائيل ليخبر بقاتله.
وكان عيسى عليه السلام يحيي الموتى، وكذلك نبينا (ص) أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى.
وقد صح أن الله تعالى رد عليه (ص) الشمس بعد مغيبها حتى صلى علي كرم الله وجهه العصر، فكما أكرم بعود الشمس والوقت بعد فواته، فكذلك أكرم بعود الحياة ووقت الايمان بعد فواته.
وما قيل إن قوله تعالى: * (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم) * (سورة البقرة: الآية 911) نزل فيهما لم يصح، وخبر مسلم أبي وأبوك في النار كان قبل علمه اه.
ملخصا وقدمنا تمام الكلام على ذلك في باب نكاح الكافر.
قوله: (وفيها أيضا شهد نصرانيان الخ) هذا ساقط من بعض النسخ، وسيذكره بعد قوله: وكل مسلم ارتد الخ.
قوله: (على ما مر) أي عن الخانية معزيا للبلخي، لكن قدمنا أن المروي عن أصحابنا جميعا خلافه.
مطلب مهم: في حكم ساب الانبياء قوله: (الكافر بسب نبي) في بعض النسخ والكافر، بواو العطف، وهو المناسب.
قوله: (فإنه يقتل حدا) يعني أن جزاءه القتل على وجه كونه حدا، ولذا عطف عليه قوله: ولا تقبل توبته لان
الحد لا يسقط بالتوبة، فهو عطف تفسير، وأفاد أنه حكم الدنيا، أما عند الله تعالى فهي مقبولة كما في البحر.(4/416)
ثم اعلم أن هذا ذكره الشارح مجاراة لصاحب الدرر والبزازية، وإلا فسيذك خلافه ويأتي تحقيقه.
قوله: (مطلقا) أ سواء جاء تائبا بنفسه أو شهد عليه بذلك.
بحر.
قوله: (لانه حق عبد) فيه أن حق العبد لا يسقط إذا طالب به كحد القذف، فلا بد هنا من دليل يدل على أن الحاكم له هذه المطالبة ولم يثبت، وإنما الثابت أنه (ص) عفا عن كثيرين ممن آذوه وشتموه قبل إسلامهم، كأبي سفيان وغيره.
قوله: (وتمامه في الدرر) حيث قال نقلا عن البزازية.
وقال ابن سحنون المالكي: أجمع المسلمون أن شاتمه كافر، وحكمه القتل، ومن شك في عذابه وكفره: كفر اه.
قلت: وهذه العبارة مذكورة في الشفاء للقاضي عياض المالكي، نقلها عنه البزازي وأخطأ في فهمها، لان المراد بها ما قبل التوبة، وإلا لزم تكفير كثير من الائمة المجتهدين القائلين بقبول توبته وسقوط القتل بها عنه.
على أن من قال يقتل وإن تاب يقول: إنه إذا تاب لا يعذب في الآخرة كما صرحوا به، وقدمناه آنفا فعلم أن المراد ما قلناه قطعا.
قوله: (والديك ووالدي الذين خلفوك) بكسر الدال على لفظ الجمع فيهما أو في أحدهما.
قوله: (فيعم حضرة الرسالة) أي صاحبها (ص)، وعليه لا يختص الحكم بالشريف بل غيره مثله، لان آدم عليه السلام أبو جميع الناس ونوح الاب الثاني.
قوله: (باحتمال العهد) المفهوم من العبارة السابقة أنهما يقولان بأنه لا يعم وإن لم يتحقق عهد.
قوله: (فلا كفر) أي لوجود الخلاف في عمومه وتحقق الاحتمال فيه.
قوله: (لكن صرح في آخر الشفاء الخ) هذا استدراك على ما في فتاوى المصنف.
وعبارة الشفاء هكذا: قا أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي (ص) يقتل، وممقال ذلك مالك بن أنس والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي، وهو مقتضى قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والاوزاعي في المسلم، لكنهم قالوا: هي
ردة.
وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك: وروى الطبراني مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه (ص) أو برئ منه أو كذبه اه.(4/417)
وحاصله أنه نقل الاجماع على كفر الساب، ثم نقل عن مالك ومن ذكر بعده أنه لا تقبل توبته.
فعلم أن المراد من نقل الاجماع على قتله قبل التوبة.
ثم قال: وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه الخ: أي قال إنه يقتل: يعني قبل التوبة لا مطلقا، ولذا استدرك بقوله لكنهم قالوا هي ردة: يعني ليست حدا ثم ذكر أن الوليد روى عن مالك مثل قول أبي حنيفة، فصار عن مالك روايتان في قبول التوبة وعدمه، والمشهور عنه العدم ولذا قدمه.
وقال في الشفاء في موضع آخر: قال أبو حنيفة وأصحابه: من برئ من محمد (ص) أو كذب به فهو مرتد حلال الدم إلا أن يرجع اه.
فهذا تصريح بما علم من عبارته الاولى.
وقال في موضع بعد أن ذكر عن جماعة من المالكية عدم قبول توبته: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا.
وأما على رواية الوليد عن مالك ومن وافقه على ذلك من أهل العلم فقد صرحوا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل وإن أبى قتل، فحكموا له بحكم المرتد مطلقا، والوجه الاول أشهر وأظهر اه: يعني أن قول مالك بعدم قبول التوبة أشهر وأظهر مما رواه عنه الوليد، فهذا كلام الشفاء صريح في أن مذهب أبي حنيفة وأصحابه القول بقبول التوبة كما هو رواية الوليد عن مالك، وهو أيضا قول الثوري وأهل الكوفة والاوزاعي في المسلم: أي بخلاف الذمي إذا سب فإنه لا ينقض عهده عندهم كما مر تحريره في الباب السابق.
ثم إن ما نقله عن الشافعي المشهور عنه، والمشهور قبول التوبة على تفصيل فيه.
قال الامام خاتمة المجتهدين الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه: السيف المسلول على من سب الرسول: حاصل المنقول عند الشافعية أنه متى لم يسلم قتل قطعا، ومتى أسلم: فإن كان السب قذفا فالاوجه الثلاثة هل يقتل أو يجلد أو لا شئ؟ وإن كان غير قذف فلا أعرف فيه نقلا للشافعية غير قبول توبته.
وللحنفية في قبول توبته قريب من الشافعية، ولا يوجد للحنفية غير قبول التوبة.
وأما الحنابلة فكلامهم قريب من كلام المالكية.
والمشهور عن أحمد عدم قبول توبته، وعنه رواية
بقبولها، فمذهبه كمذهب مالك سواء.
هذا تحرير المنقول في ذلك اه.
ملخصا.
فهذا أيضا صريح في أن مذهب الحنفية القبول وأنه لا قول لهم بخلافه، وقد سبقه إلى نقل ذلك أيضا شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن تيمية الحنبلي في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص) كما رأيته في نسخة منه قديمة عليها خط حيث قال: وكذلك ذكر جماعة آخرون من أصحابنا: أي الحنابلة أنه يقتل ساب الرسول (ص)، ولا تقبل توبته، سواء كان مسلما أو كافرا، وعامة هؤلاء لما ذكروا المسألة قالوا خلافا لابي حنيفة والشافعي، وقولهما: أي أبي حنيفة والشافعي وإن كان مسلما يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كالمرتد.
وإن كان ذميا، فقال أبو حنيفة: لا ينقض عهده، ثم قال بعد ورقة: قال أبو الخطاب: إذا قذف أم النبي (ص) لا تقبل توبته، وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان.
وقال أبو حنيفة والشافعي: تقبل توبته في الحالين اه.
ثم قال في محل آخر: قد ذكرنا أن المشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه، وهو قول الليث بن سعد.
وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء، وهو أحد الوجهين لاصحاب الشافعي.
وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وهو المشهور من مذهب الشافعي بناء على قبول توبته المرتد اه.
فهذا صريح كلام القاضي عياض في الشفاء والسبكي وابن تيمية وأئمة مذهبه، على أن مذهب الحنفية قبول التوبة بلا حكاية قول آخر عنهم، وإنما حكوا الخلاف في بقية(4/418)
المذاهب، وكفى بهؤلاء حجة لو لم يوجد النقل كذلك في كتب مذهبنا التي قبل البزازي ومن تبعه، مع أنه موجود أيضا كما يأتي في كلام الشارح قريبا، وقد استوفيت الكلام على ذلك في كتاب سميته تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الانام أو أحذ أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام.
قوله: (ومفاده قبول التوبة) أقول: بل هو صريح، ونص في ذلك كما علمته.
قوله: (والبزازي تبع صاحب السيف المسلول) الذي قاله البزازي: إنه يقتل حدا، ولا توبة له أصلا، سواء بعد القدرة عليه والشهادة، أو جاء تائبا من قبل نفسه كالزنديق لانه حد وجب، فلا يسقط بالتوبة ولا يتصور فيه خلاف لاحد، لانه تعلق به حق العبد إلى أن قال: ودلائل المسألة تعرف في كتاب
الصارم المسلول على شاتم الرسول اه.
وهذا كلام يقتضي منه غاية العجب، كيف يقول لا يتصور فيه خلافلاحد بعد ما وقع فيه الائمة المجتهدين مع صدق الناقلين عنهم كما أسمعناك وعزوه المسألة إلى كتاب الصارم المسلول وهو ابن تيمية الحنبلي يدل على أنه لم يتصفح ما نقلناه عنه من التصريح بأن مذهب الحنفية والشافعية قبول التوبة في مواضع متعددة، وكذلك صرح به السبكي في السيف المسلول والقاضي عياض في الشفاء كما سمعته، مع أن عبارة البزازي بطولها أكثرها مأخوذ من الشفاء.
فقد علم أن البزازي قد تساهل غاية التساهل في نقل هذه المسألة، وليته حيث لم ينقلها عن أحد من أهل مذهبنا بل استند إلى ما في الشفاء والصارم، أمعن النظر في المراجعة حتى يرى ما هو صريح في خلاف ما فهمه ممن نقل المسألة عنهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم.
فلقد صار هذا التساهل سببا لوقوع المتأخرين عنه في الخطإ حيث اعتمدوا على نقله وقلدوه في ذلك، ولم ينقل أحد منهم المسألة عن كتاب من كتب الحنفية، بل المنقول قبل حدوث هذا القول من البزازي في كتبنا وكتب غيرنا خلافه.
قوله: (وقد صرح في النتف الخ) أقول: ورأيت في كتاب الخراج لابي يوسف ما نصه: وأيما رجل مسلم سب رسول الله (ص) أو كذبه أو عابه أو تنقصه فقد كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك المرأة، إلا أن أبا حنيفة قال: لا تقتل المرأة وتجبر على الاسلام اه.
وهكذا نقل الخبر الرملي في حاشية البحر: أن المسطور في كتب المذهب أنها ردة، وحكمها حكمها، ثم نقل عبارة النتف ومعين الحكام: والعجب منه أنه أفتى بخلافه في الفتاوى الخيرية.
رأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني في هذا المحل: والعجب كل العجب حيث سمع المصنف كلام شيخ الاسلام: يعني ابن عبد العال، ورأى هذه النقول كيف لا يشطب متنه عن ذلك.
وقد أسمعني بعض مشايخي رسالة حاصلها أنه لا يقتل بعد الاسلام، وأن هذا هو المذهب اه.
وكذلك كتب شيخ مشايخنا الرحمتي هنا على نسخته أن مقتضى كلام الشفاء وابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري في حديث إن فريضة الحج أدركت أبي الخ أن مذهب أبي حنيفة والشافعي حكمه
حكم المرتد، وقد علم أن المرتد تقبل توبته كما نقله هنا عن النتف وغيره، فإذا كان هذا في ساب الرسول (ص) ففي ساب الشيخين أو أحدهما بالاولى، فقد تحرر أن المذهب كمذهب الشافعي قبول(4/419)
توبته، كما هو رواية ضعيفة عن مالك، وأن تختم قتله مذهب مالك، وما عداه فإنه إما نقل غير أهل المذهب أو طرة مجهولة لم يعلم كاتبها، فكن على بصيرة في الاحكام، ولا تغتر بكل أمر مستغرب وتغفل عن الصواب، والله تعالى أعلم اه.
وكذلك قال الحموي في حاشية الاشباه نقلا عن بعض العلماء: إن ما ذكره صاحب الاشباه من عدم قبول التوبة قد أنكره عليه أهل عصره، وأن ذلك إنما يحفظ لبعض أصحاب مالك، كما نقله القاضي عياض وغيره.
أما على طريقتنا فلا اه.
وذكر في آخر كتاب نور العين أن العلامة النحرير الشهير ب حسام جلبي ألف رسالة في الرد على البزازي وقال في آخرها: وبالجملة قد تتبعنا كتب الحنفية فلم نجد القول بعدم قبول توبة الساب عندهم سوى ما في البزازية، وقد علمت بطلانه ومنشأ غلطه أول الرسالة اه.
وسيذكر الشارح عن المحقق المفتي أبي السعود التصريح بأن مذهب الامام الاعظم أنه لا يقتل إذا تاب ويكتفي بتعزيره، فهذا صريح المنقول عمن تقدم على البزازي ومن تبعه، ولم يستند هو ولا من تبعه إلى كتاب من كتب الحنفية، وإنما استند إلى فهم أخطأ فيه حيث نقل عمن صرح بخلاف ما فهمه كما قدمناه، وإن أردت زيادة البيان في المقام فارجع إلى كتابنا تنبيه الولاة والحكام.
قوله: (وهو ظاهر في قبول توبته) المراد بقول التوبة في الدنيا بدفع القتل عنه، أما قبولها في الآخرة فهو محل وفاق، وأصرح منه ما قدمناه عن كتاب الخراج لابي يوسف، فإن تاب وإلا قتل.
قوله: (كذلك) أي يكون شاتما لنبي، لكن قوله يا ابن مائة كلب: إن قاله لشريف فهو ممكن فجرى فيه الخلاف في قول توبته وعدمه، وإلا فقد يكون له مائة أب ليس فيهم نبي.
على أنه يمكن أن يكون مراده أنه اجتمع على أن المشتوم مائة كلب أو ألف خنزير، فلا يدخل أجداده في ذلك، وحيث احتمل التأويل فلا يحكم بالكفر عندنا كما مر.
قوله: (وإن شتم الملائكة كالانبياء) هو مصرح به عندنا، فقالوا: إذا شتم أحدا من الانبياء أو الملائكة كفر، وقد
علمت أن الكفر بشتم الانبياء كفر ردة، فكذا الملائكة، فإن تاب فيها وإلا قتل.
قوله: (فليحرر) قد علمت تحريره بما قلنا.
قوله: (هل للشافعي أن يحكم بقبول توبته) أي في إسقاط القتل عنه، وهو مبني على ما ذكره البزازي، وقد علمت أن أهل المذهب قائلون بقبول توبته، فلا وجه لما ذكره.
اه.
ط.
ولذا قال الرحمتي: قد علمت أن هذا ليس مذهبا للحنفية كما نطقت به كتبهم ونقله عنهم الائمة كالقاضي عياض وابن أبي حمزة.
قوله: (لانها حادثة أخرى الخ) يعني أن حكم الحنفي بكفره بناء على أن مذهبه عدم قبول التوبة لا يرفع الخلاف في عدم قبو ل التوبة، لان عدم قبولها حادثة أخرى لم يحكم بها الحنفي فيسوغ للشافعي الحكم ب قبولها، وإن قال الحنفي حكمت بالكفر(4/420)
وموجبه، لان موجب الكفر القتل إن لم يتب وهو المتفق عليه، ولا يلزم منه القتل أيضا إن تاب على أنه له موجبات أخر من فسخ النكاح وحبط العمل وغير ذلك، فلا يكون قول الحنفي حكمت بموجبه حكما بقتله، وإن تاب فللشافعي أن يحكم بعدم قتله إذا تاب.
والعجب من الشارح حيث نقل صريح ما في كتب المذهب من أن الحنفي كالشافعي في قبول توبته كيف جارى صاحب النهر في هذه المسألة، فكان الصواب أن يبدل الحنفي بالمالكي أو الحنبلي.
قوله: (سؤالا) مفعول رأيت.
وفي بعض النسخ سؤال بالرفع وهو تحريف.
قوله: (فأجاب بأنه يكفر الخ) قال السائحاني: أقول هذا لا يصدر عن أبي السعود، لان كلام القائل يحتمل أن كل الاحاديث الموجودة ليست صدقا لان فيها الموضوع، وهذا الاحتمال أقر ب من غيره.
وتقدم عن الدرر: إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي الميل لما يمنعه.
وقوله: والثاني أي إلحاق الشين يفيد الزندقة.
أقول: لا إفادة فيه، لان الزندقة أن لا يتدين بدين اه.
وكتب ط.
نحوه قوله: (فبعد أخذ الخ) تفريع على كونه صار زنديقا.
وحاصل كلامه أن الزنديق لو تاب قبل أخذه: أي قبل أن يرفع إلى الحاكم تقبل توبته عندنا، وبعده: لا اتفاق، وورد الامر السلطاني للقضاة بأن ينظروا في حال ذلك الرجل إن ظهر حسن توبته
بعمل بقول أبي حنيفة، وإلا فبقول باقي الائمة، وأنت خبير بأن هذا مبني على ما مشى عليه القاضي عياض من مشهور مذهب مالك وهو عدم قبول توبته، وأن حكمه حكم الزنديق عندهم، وتبعه البزازي كما قدمناه عنه، وكذا تبعه في الفتح، وقد علمت أن صريح مذهبنا خلافه كما صرح به القاضي عياض وغيره.
قوله: (وليكن التوفيق) أي يحمل ما مر عن النتف وغيره من أنه يفعل به ما يفعل بالمرتد على ما إذا تا ب قبل أخذه، وحمل ما في البزازية على ما بعد أخذه، وأنت خبير بأن هذا التوفيق غير ممكن لتصريح علمائنا بأن حكمه حكم المرتد، ولا شك أن حكم المرتد غير حكم الزنديق، ولم يفصل أحد منهم هذا التفصيل، ولان البزازي ومن تابعه قالوا: إنه لا توبة له أصلا سواء بعد القدرة عليه والشهادة، أو جاء تائبا من قبل نفسه كما هو مذهب المالكية والحنابلة، فعلم أنهما قولان مختلفان، بل مذهبان متباينان.
على أن الزنديق الذي لا تقبل توبته بعد الاخذ هو المعروف بالزندقة الداعي إلى زندقتكما يأتي، ومن صدرت منه كلمة الشتم مرة عن غيظ أو نحوه(4/421)
لا يصير زنديقا بهذا المعنى.
قوله: (وهو الذي ينبغي التعويل عليه) قلت: الذي ينبغي التعويل عليه ما نص عليه أهل المذهب فإن اتباعنا له واجب ط.
قوله: (رعاية لجانب حضرة المصطفى (ص)) أقول رعاية جانبه في اتباع ما ثبت عنه عند المجتهد.
قوله: (لكن في النهر الخ) قال السيد الحموي في حاشية الاشباه: حكي عن عمر بن نجيم أن أخاه أفتى بذلك، فطلب منه النقل فلم يوجد إلا على طرة الجوهرة، وذلك بعد حرق الرجل اه.
مطلب مهم: في حكم سب الشيخين وأقول: على فرض ثبوت ذلكفي عامة نسخ الجوهرة لا وجه له يظهر، لما قدمناه من قبول توبة من سب الانبياء عندنا، خلافا للمالكية والحنابلة، وإذا كان كذلك فلا وجه للقول بعدم قبول توبة من سب الشيخين بل، لم يثبت ذلك عن أحد من الائمة فيما أعلم اه.
ونقله عنه السيد أبو السعود الازهري في حاشية الاشباه اه.
أقول: نعم نقل في البزازية عن الخلاصة أن الرافضي إذا كان يسب الشيخين ويلعنهما فهو
كافر، وإن كان يفضل عليا عليهما فهو مبتدع اه.
وهذا لا يستلزم عدم قبول التوبة.
على أن الحكم عليه بالكفر مشكل لما في الاختيار: اتفق الائمة على تضليل أهل البدع أجمع وتخطئتهم، وسب أحد من الصحابة وبغضه لا يكون كفرا، لكن يضلل الخ.
وذكر في فتح القدير أن الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويكفرون الصحابة حكمهم عند جمهور الفقهاء وأهل الحديث حكم البغاة.
وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون.
قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء.
وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع.
وبعضهم يكفرون البعض، وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة، والنقل الاول أثبت، وابن المنذر أعرف بنقل كلام المجتهدين، نعم يقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير، ولكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا اه.
ومما يزيد ذلك وضوحا ما صرحوا به في كتبهم متونا وشروحا من قولهم: ولا تقبل شهادة من يظهر سب السلف وتقبل شهادة أهل الاهواء، إلا الخطابية.
وقال ابن ملك في شرح الجمع: وترد شهادة من يظهر سب السلف لانه يكون ظاهر الفسق، وتقبل من أهل الاهواء الجبر والقدر والرفض والخوارج والتشبيه، والتعطيل اه.
وقال الزيلعي: أو يظهر سب السلف: يعني الصالحين منهم وهم الصحابة والتابعون، لان هذه الاشياء تدل على قصور عقله وقلة مروءته، ومن لم يمتنع عن مثلها لا يمتنع عن الكذب عادة، بخلاف ما(4/422)
لو كان يخفي السب اه.
ولم يعلل أحد لعدم قبول شهادتهم بالكفر كما ترى، نعم استثنوا الخطابية لانهم يرون شهادة الزور لاشياعهم أو للحالف، وكذا نص المحدثون على قبول رواية أهل الاهواء، فهذا فيمن يسب عامة الصحابة ويكفرهم بناء على تأويل له فاسد.
فعلم أن ما ذكره في الخلاصة من أنه كافر: قول ضعيف مخالف للمتون والشروح، بل هو مخالف لاجماع الفقهاء كما سمعت.
وقد ألف العلامة منلا علي القاري - رسالة في الرد على الخلاصة - وبهذا تعلم قطعا أن ما عزى إلى الجوهرة من الكفر مع عدم قبول التوبة على فرض
وجوده في الجوهرة: باطل لا أصل له ولا يجوز العمل به، وقد مر أنه كان في المسألة خلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير، فكيف يميل هنا إلى التكفير المخالف للاجماع فضلا عن ميله إلى قتله وإن تاب، وقد مر أيضا أن المذهب قبول توبة ساب الرسول (ص) فكيف ساب الشيخين.
والعجب من صاحب البحر حيث تساهل غاية التساهل في الافتاء بقتله مع قوله: وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشئ من ألفاظ التكفير المذكورة في كتاب الفتاوى، نعم لا شك في تكفير من قذف السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، أو أنكر صحبة الصديق، أو اعتقد الالوهية في علي، أو أن جبريل غلط في الوحي، أو نحو ذلك من الكفر الصريح المخالف للقرآن، ولكن لو تاب تقبل توبته، هذا خلاصة ما حررناه في كتابنا تنبيه الولاة والحكام وإن أردت الزيادة فارجع إليه واعتمد عليه ففيه الكفاية لذوي الدراية.
قوله: (ويكفينا الخ) هذا مرتبط بقوله: وهذا يقوي القول الخ ط.
والمراد بالامر: الامر السلطاني، وقد علمت ما فيه.
والحاصل أنه لا شك ولا شبهة في كفر شاتم النبي (ص) وفي استباحة قتله، وهو المنقول عن الائمة الاربعة، وإنما الخلاف في قبول توبته إذا أسلم.
فعندنا - وهو المشهور عند الشافعية - القبول.
وعند المالكية والحنابلة عدمه، بناء على أن قتله حدا أو لا؟ وأما الرافضي ساب الشيخين بدون قذف للسيدة عائشة ولا إنكار لصحبة الصديق ونحو ذلك فليس بكفر فضلا عن عدم قبول التوبة، بل هو ضلال وبدعة، وسيأتي تمامه في أول باب البغاة إن شاء الله تعالى.
مطلب في حال الشيخ الاكبر سيدي محيي الدين بن عربي نفعنا الله تعالى به قوله: (للشيخ محيي الدين بن العربي) هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الاندلسي العارف الكبير ابن عربي، ويقال ابن العربي.
ولد سنة 065 ومات في ربيع سنة 186 ودفن بالصالحية.
وحسبك قول زروق وغيره من الفحول ذاكرين بعض فضله، هو أعرف بكل فن من أهله، وإذا أطلق الشيخ الاكبر في عرف القوم فهو المراد، وتمامه في ط عن طبقات المناوي.
قوله: (بعض المتصلفين) أي المتكلفين.
قوله: (تيقنا الخ) لعل تيقنه بذلك بدليل ثبت عنده أو بسبب عدم اطلاعه على مراد الشيخ فيها، وأنه لا يمكن تأويلها، فتعين عنده أنها مفتراة عليه، كما وقع للعارف(4/423)
4 الشعراني أنه افترى عليه بعض الحساد في بعض كتبه أشياء مكفرة وأشاعها عنه حتى اجتمع بعلماء عصره وأخرج لهم مسودة كتابه التي عليها خطوط العلماء فإذا هي خالية عما افترى عليه هذا: ومن أراد شرح كلماته التي اعترضها المنكرون فليرجع إلى كتاب الرد المتين على منتقص العارف محيي الدين لسيدي عبد الغني النابلسي.
قوله: (فيجب الاحتياط الخ) لانه إن ثبت افتراؤها فالامر ظاهر، وإلا فلا يفهم كل أحد مراده فيها، فيخشى على الناظر فيها من الانكار عليه أو فهم خلاف المراد.
وللحافظ السيوطي رسالة سماها تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي ذكر فيها أن الناس افترقوا فيه فرقتين: الفرقة المصيبة تعتقد ولايته، والاخرى بخلافها.
ثم قال: والقول الفصل عندي فيه طريقة لا يرضاها الفرقتان، وهي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه.
فقد نقل عنه أنه قال: نحن قوم يحرم النظر في كتبنا وذلك أن الصوفية تواطؤوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء، فمن حملها على معانيها المتعارفة كفر، نص على ذلك الغزالي في بعض كتبه، وقال: إنه شبيه بالمتشابه في القرآن والسنة، كالوجه واليد والعين والاستواء.
وإذا ثبت أصل الكتاب عنه فلا بد من ثبوت كل كلمة لاحتمال أن يدس فيه ما ليس منه من عدو أو ملحد أو زنديق وثبوت أنه قصد بهذه الكلمة المعنى المتعارف، وهذا لا سبيل إليه، ومن ادعاه كفر، لانه من أمور القلب التي لا يطلع عليها إلا الله تعالى.
وقد سأل بعض أكابر العلماء بعض الصوفية: ما حملكم على أنكم اصطلحتم على هذه الالفاظ التي يستشنع ظاهرها، فقال: غيرة على طريقنا هذا أن يدعيه من لا يحسنه ويدخل فيه من ليس أهله، والمتصدي للنظر في كتبه أو إقرائها لم ينصح نفسه ولا غيره من المسلمين، ولا سيما إن كان من القاصرين عن علوم الظاهر فإنه يضل ويضل، وإن كان عارفا فليس من طريقتهم إقرار المريدين لكتبهم، ولا يؤخذ هذا العلم من الكتب اه.
ملخصا.
وذكر في محل آخر: سمعت أن الفقيه العالم العلامة عز الدين بن عبد السلام كان يطعن في ابن عربي ويقول: هو زنديق، فقال له يوما بعض أصحابه: أريد أن تريني القطب، فأشار إلى ابن
عربي، فقال له أنت تطعن فيه، فقال: حتى أصون ظاهر الشرع، أو كما قال اه.
وللمحقق ابن كمال باشا فتوى قال فيها بعد ما أبدع في مدحه: وله مصنفات كثيرة: منها قصوص حكمية وفتوحات مكية بعض مسائلها مفهوم النص والمعنى وموافق للامر الالهي والشرع النبوي، وبعضها خفي عن إدراك أهل الظاهر دون أهل الكشف والباطن، ومن لم يطلع على المعنى المرام يجب عليه السكوت في هذا المقام، ولقوله تعالى: * (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * سورة الاسراء: الآية 63).
قوله: (شيخ الطريقة حالا وعلما) الطريقة: هي السيرة المختصة بالسالكين إلى الله تعالى: من قطع المنازل والترقي في المقاما ت، والحال عند أهل الحق معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب، من طرب أو حزن أو قبض أو بسط، أو هيبة، ويزول بظهور صفات النفس، سواء تعقبه المثل أم لا، فإذا دام وصار ملكه يسمى مقاما،(4/424)
فالاحوال مواهب، والمقامات تحصل ببذل المجهود، والعلم هو الاعتقاد الجزم المطابق للواقع، ومنه فعلي وهو ما لا يؤخذ من الغير، وانفعالي ما أخذ من الغير اه.
من تعريفات السيد الشريف قدس سره.
قوله: (وإمام الحقيقة) هي مشاهدة الربوبية بالقلب، ويقال هي سر معنوي لا حد له ولا جهة، وهي الطريقة والشريعة متلازمة، لان الطريق إلى الله تعالى لها ظاهر وباطن، فظاهرها الشريعة والطريقة وباطنها الحقيقة، فبطون الحقيقة في الشريعة والطريقة كبطون الزبد في لبنه، لا يظفر من اللبن بزبده بدون مخضه، والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اه.
من الفتوحات الالهية للقاضي زكريا.
قوله: (حقيقة ورسما) الحقيقة ضد المجاز.
والرسم الاثر أو بقيته أو مالا شخص له من الآثار جمعه أرسم ورسوم.
قاموس.
والمراد أنه الامام من جهة الحقيقة ونفس الامر، ومن جهة الاثر الظاهر للبصر.
قوله: (فعلا واسما) أي أحيا آثارها من جهة الفعل والاسم حتى صارت المعارف فاعلة أفعالها ومشهورة بين الناس.
قوله: (إذا تغلغل الخ) هذا بيت من بحر البسيط.
والتغلغل الدخول والاسراع.
والفكر: بالكسر ويفتح إعمال النظر في الشئ.
والخاطر: الهاجس.
قاموس.
وهو ما يخطر في القلب من تدبير أمر.
مصباح.
قوله: (عباب) كغراب معظم
السيل وكثرته وموجه.
والدلاء جمع دلو: أي لا يتغير بأخذ الدلاء منه، لانها لا تصل إلى أسفله لكثرته.
قوله: (تتقاصى عنه الانواء) التقاصي بالقاف والصاد المهملة: التباعد.
والانواء جمع نوء وهو النجم.
واستناءه: طلب نوءه: أي عطاءه.
قاموس: أي أنه سحاب تتباعد عن مطره وفيضه النجوم التي يكون المطر وقت طلوعها، أو تتباعد عنه عطايا الناس: أي لا تشبهه.
قوله: (الآفاق) جمع أفق بضم وبضمتين الناحية وما ظهر من نواحي الفلك.
قاموس.
قوله: (وهو يقينا) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أيقنه، جملة معترضة بين المبتدأ والخبر ط.
قوله: (وناطق بما كتبته) المراد أنه مقر به وأن الاول طابق الفعل ط.
والجملة عطف على أصفه.
قوله: (ما أنصفته) يقال أنصفته إنصافا.
عاملته بالعدل والقسط.
مصباح.
قوله: (وما علي) ما استفهامية أو نافية: أي وما علي شئ.
قوله: (يظن الجهل) أي يظن الجهل في غيره فهو مفعول أول، أو يظن الظن الجهل فهو مفعول مطلق، وقوله: عدوانا أي ظلما مفعول لاجله أو حال، وهذا أولى مما قيل: إن الجهل بمعنى المجهول مفعول أول، وعدوانا مفعول ثان: أي ذا عدوان، فافهم.
قوله: (برهانا) هو الحجة.
قاموس.
فهو حال مؤكدة ط.
قوله: (من مناقبه) جمع منقبة وهي المفخرة.
قاموس ط قوله: (إلا لعلي) أي لكن أخاف وأشفق اني زدت من جهة النقصان والتقصير في حقه، فنقصانا تمييز لا مفعول زدت لئلا يرد عليه ما قيل في زاد النقص أنه لا مناسبة بين الزيادة والنقص حتى يتسلط أحدهما على الآخر.(4/425)
مطلب في الساحر والزنديق قوله: (والكافر بسبب اعتقاد السحر) في الفتح: السحر حرام بلا خلاف بين أهل العلم، واعتقاد إباحته كفر.
وعن أصحابنا ومالك وأحمد: يكفر الساحر بتعلمه وفعله، سواء اعتقد الحرمة أو لا ويقتل، وفيه حديث مرفوع حد الساحر ضربة بالسيف يعني القتل.
وعند الشافعي: لا يقتل ولا يكفر إلا إذا اعتقد إباحته.
وأما الكاهن، فقيل هو الساحر، وقيل هو العراف الذي يحدث ويتخرص، وقيل من له من الجن من يأتيه بالاخبار.
وقال أصحاينا: إن اعتقد أن الشياطين يفعلون له ما يشاء كفر، لا إن اعتقد أنه تخييل.
وعند الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر مثل التقرب إلى الكواكب
وأنها تفعل ما يلتمسه: كفر.
وعند أحمد حكمه كالساحر، في رواية يقتل، وفي رواية إن لم يتب، ويجب أن لا يعدل عن مذهب الشافعي في كفر الساحر والعراف وعدمه.
وأما قتله فيجب ولا يستتاب إذا عرفت مزاولته لعمل السحر لسعيه بالفساد في الارض، لا بمجرد علمه إذا لم يكن في اعتقاده ما يوجب كفره اه.
وحاصله أنه اختار أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد مكفرا، وبه جزم في النهر، وتبعه الشارح، وأنه يقتل مطلقا إن عرف تعاطيه له، ويؤيده ما في الخانية: اتخذ لعبة ليفرق بين المرء وزوجه.
قالوا: هو مرتد ويقتل إن كان يعتقد لها أثرا ويعتقد التفريق من اللعبة لانه كافر اه.
وفي نور العين عن المختارات: ساحر يسحر ويدعي الخلق من نفسه يكفر ويقتل لردته.
وساحر يسحر وهو جاحد لا يستتاب منه ويقتل إذا ثبت سحره دفعا للضرر عن الناس.
وساحر يسحر تجربة ولا يعتقد به لا يكفر.
قال أبو حنيفة: الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه، والمسلم والذمي والحر والعبد فيه سواء.
وقيل يقتل الساحر المسلم لا الكتابي، والمراد من الساحر غير المشعوذ ولا صاحب الطلسم ولا الذي يعتقد الاسلام.
والسحر في نفسه، حق: أمر كائن إلا أنه لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق، والوسيلة إلى الشر شر فيصير مذموما اه.
والفرق بين الثلاثة: أن الاول مصرح بما هو كفر.
والثاني لا يدري كيف يقول كما وقع التعبير به في الخاني لانه جاحد، ويعلم منه أن الاول لا يستتاب: أي لا يمهل طلبا للتوبة لانها لا تقبل منه في دفع القتل عنه بعد أخذه كما يأتي دفعا للضرر عن الناس كقطاع الطريق والخناق وإن كانوا مسلمين.
وبه علم أن الثالث وإن كان لا يكفر لكنه يقتل أيضا للاشتراك في الضرر، وأن تقييد الشارح بكونه كافرا بسبب اعتقاد السحر غير قيد، بل يقتل ولو كان كافرا أصليا أو لم يكفر باعتقاده، نعم لما كان كلام المصنف في المسلم الذي ارتد قيد بذلك.
وعلم به وبما نقلناه عن الخانية أنه لا يكفر بمجرد عمل السحر ما لم يكن فيه اعتقاد أو عمل فهو مكفر، ولذا نقل في تبيين المحارم عن الامام أبي منصور: أن القول بأنه كفر على الاطلاق خطأ ويجب البحث عن حقيقته.
فإن كان في ذلك رد ما لزم في شرط الايمان فهو كفر، وإلا فلا اه.
والظاهر أن ما نقله في الفتح عن أصحابنا
مبني على أن السحر لا يكون إلا إذا تضمن كفرا.
ويأتي تحقيقه وقدمنا في خطبة الكتاب تعداد(4/426)
أنواع السحر، وتمام بيان ذلك في رسالتنا المسماة سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي.
قوله: (لسعيها الخ) أي لا بسبب اعتقادها الذي هو ردة، لان المرتدة لا تقتل عندنا، ومقابل لاصح ما في المنتقى أنها لا تقتل بل تحبس وتضرب كالمرتدة، كما في الزيلعي.
مطلب في الفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد قوله: (وكذا الكافر بسبب الزندقة) قال العلامة ابن كمال باشا في رسالته: الزنديق في لسان العرب يطلق على من ينفي الباري تعالى، وعلى من يثبت الشريك، وعلى من ينكر حكمته.
والفرق بينه وبين المرتد العموم الوجهي لانه قد لا يكون مرتدا، كما لو كان زنديقا أصليا غير منتقل عن دين الاسلام، والمرتد قد لا يكون زنديقا، كما لو تنصر أو تهود، وقد يكون مسلما فيتزندق.
وأما في اصطلاح الشرع فالفرق أظهر لاعتبارهم فيه إبطال الكفر والاعتراف بنبوة نبينا (ص)، على ما في شرح المقاصد، لكن القيد الثاني في الزنديق الاسلامي بخلاف غيره.
والفرق بين الزنديق والمنافق والدهري والملحد مع الاشتراك في إبطان الكفر: أن المنافق غير معترف بنبوة نبينا (ص).
والدهري كذلك مع إنكاره إسناد الحوادث إلى الصانع سبحانه وتعالى.
والملحد: وهو من مال عن الشرع القويم إلى جهة من جهات الكفر، من ألحد في الدين: حاد وعدل لا يشترط فيه الاعتراف بنبوة نبينا (ص) ولا بوجود الصانع تعالى، وبهذا فارق الدهري أيضا، ولا إضمار الكفر، وبه فارق المنافق، ولا سبق الاسلام وبه فارق المرتد، فالملحد أوسع فرق الكفر حدا: أي هو أعم من الكل اه.
ملخصا.
قلت: لكن الزنديق باعتبار أنه قد يكون مسلما وقد يكون كافرا من الاصل.
لا يشترط فيه الاعتراف بالنبوة، وسيأتي عن الفتح تفسيره بمن لا يتدين بدين.
ثم بين حكم الزنديق فقال: اعلم أنه لا يخلو، إما أن يكون معروفا داعيا إلى الضلال أو لا.
والثاني ما ذكره صاحب الهداية في التجنيس من أنه على ثلاثة أوجه: إما أن يكون زنديقا من الاصل على الشرك، أو يكون مسلما فيتزندق، أو يكون ذميا فيتزندق، فالاول يترك على شركه إن كان من
العجم: أي بخلاف مشرك العرب فإنه لا يترك.
والثاني يقتل إن لم يسلم لانه مرتد.
وفي الثالث يترك على حاله لان الكفر ملة واحدة اه.
والاول: أي المعروف الداعي لا يخلو من أن يتوب بالاختيار ويرجع عما فيه قبل أن يؤخذ أو لا.
والثاني يقتل دون الاول اه.
وتمامه هناك.
قوله: (لا توبة له) تصرحي بوجه الشبه، والمراد بعدم التوبة أنها لا تقبل منه في نفي القتل عنه كما مر في الساب، ولذا نقل البيري عن الشمني بعد نقله اختلاف الرواية في القبول وعدمه أن الخلاف في حق الدنيا، أما فيما بينه وبين الله تعالى فتقبل توبته بلا خلاف فهو.
ونحوه في رسالة ابن كمال.
قوله: (لكن في حظر الخانية الخ) استدراك على الفتح حيث لم يذكر هذا التفصيل.
ونقل في النهر عن الدراية رواية في القبول وعدمه، ثم قال: وينبغي أن يكون هذا التفصيل محمل الروايتين اه.
قوله: (المعروف) أي بالزندقة الداعي: أي الذي يدعو الناس إلى زندقته اه ح.(4/427)
فإن قلت: كيف يكون معروفا داعيا إلى الضلال، وقد اعتبر في مفهومه الشرعي أن يبطن الكفر؟.
قلت: لا بعد فيه، فإن الزنديق يموه كفره ويروج عقيدته الفاسدة، ويخرجها في الصورة الصحيحة، وهذا معنى إبطال الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال وكونه معروفا بالاضلال اه.
ابن كمال.
قوله: (إن الخناق توبة له) أفاد بصيغة المبالغة أن من خنق مرة لا يقتل.
قال المصنف قبيل الجهاد: ومن تكرر الخنق منه في المصر قتل به، وإلا لا اه ط.
قلت: ذكر الخناق هنا استطرادي، لان الكلام في الكافر الذي لا تقبل توبته، والخناق غير كافر.
وإنما لاتقبل توبته لسعيه في الارض بالفساد، ودفع ضرره عن العباد، ومثله قطاع الطرق.
مطلب في الكاهن والعراف قوله: (الكاهن قبل كالساحر) في الحديث من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد أخرجه أصحاب السنن الاربعة، وصححه الحاكم عن أبي هريرة.
والكاهن كما
في مختصر النهاية للسيوطي.
من يتعاطى الخبر عن الكائنات في المستقبل ويدعي معرفة الاسرار.
والعراف: المنجم.
وقال الخطابي: هو الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق والضالة ونحوهما اه.
والحاصل أن الكاهن من يدعي معرفة الغيب بأسباب وهي مختلفة، فلذا انقسم إلى أنواع متعددة كالعراف، والرمال، والمنجم: وهو الذي يخبر عن المستقبل بطلوع النجم وغروبه، والذي يضرب الحصى والذي يدعي أن له صاحبا من الجن يخبره عما سيكون، والكل مذموم شرعا، محكوم عليهم وعلى مصدقهم بالكفر.
وفي البزازية: يكفر بادعاء علم الغيب وبإتيان الكاهن وتصديقه.
وفي التتارخانية: يكفر بقوله أنا أعلم المسروقات أو أنا أخبر عن إخبار الجن إياي اه.
قلت: فعلى هذا أرباب التقاويم من أنواع الكاهن لادعائهم العلم بالحوادث الكائنة.
وأما ما وقع لبعض الخواص كالانبياء والاولياء بالوحي والالهام فهو بإعلام من الله تعالى فليس مما نحن فيه اه.
ملخصا من حاشية نوح من كتاب الصوم.
مطلب في دعوى علم الغيب قلت: وحاصله أن دعوى علم الغيب معارضة لنص القرآن فيكفر بها، إلا إذا أسند ذلك صريحا أو دلالة إلى سبب من الله تعالى كوحي أو إلهام، وكذا لو أسنده إلى أمارة عادية بجعل الله تعالى.
قال صاحب الهداية في كتابه مختارات النوازل: وأما علم النجوم فهو في نفسه حسن غير مذموم، إذ هو قسمان: حسابي وإنه حق وقد نطق به الكتاب، قال تعالى: * (الشمس والقمر بحسبان) * (سورة الرحمن: الآية 5) أي سيرهما بحسبان.
واستدلالي بسير النجوم وحركة الافلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره، وهو جائز كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض، ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى علم الغيب بنفسه يكفر اه.
وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من رسالتنا: سلي الحسام الهندي.
قوله: (الداعي إلى الالحاد) قدمنا عن ابن كمال بيانه.
قوله: (والاباحي) أي الذي يعتقد إباحة المحرمات وهو معتقد الزنادقة.
ففي فتاوى قارئ الهداية: الزنديق هو الذي يقول ببقاء الدهر(4/428)
ويعتقد أن الاموال والحرم مشتركة اه.
وفي رسالة ابن كمال عن الامام الغزالي في كتاب التفرقة بين
الاسلام والزندقة ومن جنس ذلك ما يدعيه بعض من يدعي التصوف أنه بلغ حالة بينه وبين الله تعالى أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب المسكر والمعاصي وأكل مال السلطان، فهذا مما لا أشك في وجوب قتله، إذ ضرره في الدين أعظم، ويفتح به باب من الاباحة لا ينسد، وضرر هذا فوق ضرر من يقول بالاباحة مطلقا، فإنه يمتنع عن الاصغاء إليه لظهور كفره.
أما هذا فيزعم أنه لم يرتكب إلا تخصيص عموم التكليف بمن ليس له مثل درجته في الدين، ويتداعى هذا إلى أن يدعي كل فاسق مثل حاله اه.
ملخصا.
مطلب في أهل الاهواء إذا ظهرت بدعتهم وفي نور العين عن التمهيد: أهل الاهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعا إذا لم يرجعوا ولم يتوبوا، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعا إلا الاباحية والغالية والشيعة من الروافض والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة لا تقبل توبتهم بحال من الاحوال، ويقتل بعد التوبة وقبلها، لانهم لم يعتقدوا بالصانع تعالى حتى يتوبوا ويرجعوا إليه.
وقال بعضهم: إن تاب قبل الاخذ والاظهار تقبل توبته، وإلا فلا، وهو قياس قول أبي حنيفة، وهو حسن جدا: فأما في بدعة لا توجب الكفر فإنه يجب التعزير بأي وجه يمكن أن يمنع من ذلك، فإن لم يمكن بلا حبس وضرب يجوز حبسه وضربه، وكذا لو لم يمكن المنع بلا سيف إن كان رئيسهم ومقتداهم جاز قتله سياسة وامتناعا.
والمبتدع لو له دلالة ودعوة للناس إلى بدعته ويتوهم منه أن ينشر البدعة وإن لم يحكم بكفره جاز للسلطان قتله سياسة وزجرا، لان فساده أعلى وأعم حيث يؤثر في الدين والبدعة لو كانت كفرا يباح قتل أصحابها عاما، ولو لم تكن كفرا يقتل معلمهم ورئيسهم زجرا وامتناعا اه.
قوله: (الذي لا يتدين بدين) يحتمل أن يكون المراد به الذي لا يستقر عن دين، أو الذي يكون اعتقاده خارجا عن جميع الاديان.
والثاني هو الظاهر من كلامه الذي سنذكره عنه، وقدمنا عن رسالة ابن كمال تفسيره شرعا بمن يبطن الكفر وهذا أعم.
قوله: (وتمامه فيه) أي في الفتح حيث قال: ويجب أن يكون حكم المنافق في عدم قبولنا توبته كالزنديق، لان ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا، والمنافق مثله في الاخفاء.
وعلى هذا فطريق العلم بحاله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه اه.
مطلب: حكم الدروز والتيامنة والنصيرية والاسماعيلية تنبيه: يعلم مما هنا حكم الدروز والتيامنة، فإنهم في البلاد الشامية يظهرون الاسلام والصوم والصلاة مع أنهم يعتقدون تناسخ الارواح، وحل الخمر والزنا، وأن الالوهية تظهر في شخص بعد شخص، الحشر والصوم والصلاة والحج، ويقولون المسمى به غير المعنى المراد، ويتكلمون في جناب نبينا (ص) كلمات فظيعة.
وللعلامة المحقق عبد الرحمن العمادي فيهم فتوى مطولة، وذكر فيها أنهم ينتحلون عقائد النصيرية والاسماعيلية الذين يلقبون بالقرامطة، والباطنية الذين ذكرهم صاحب المواقف.
ونقل عن علماء المذاهب الاربعة أنه لا يحل إقرارهم في ديار الاسلام بجزية ولا غيرها، ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم، وفيهم فتوى في الخيرية أيضا فراجعها.(4/429)
مطلب: جملة من لا تقبل توبته والحاصل أنهم يصدق عليهم اسم الزنديق والمنافق والملحد.
ولا يخفى أن إقرارهم بالشهادتين مع هذا الاعتقاد الخبيث لا يجعلهم في حكم المرتد لعدم التصديق، ولا يصح إسلام أحدهم ظاهرا إلا بشرط التبري عن جميع ما يخالف عن الاسلام، لانهم يدعون الاسلام ويقرون بالشهادتين وبعد الظفر بهم لا تقبل توبتهم أصلا.
وذكر في التتارخانية أنه سئل فقهاء سمرقند عن رجل يظهر الاسلام والايمان ثم أقر بأني كنت أعتقد مع ذلك مذهب القرامطة وأدعو إليه والآن تبت ورجعت وهو يظهر الآن ما كان يظهره قبل من الاسلام والايمان، قال أبو عبد الكريم ابن محمد: قتل القرامطة واستئصالهم فرض.
وأمن هذا الرجل الواحد، فبعض مشايخنا قال: يتغفل ويقتل: أي تطلب غفلته في عرفا مذهبه.
وقال بعضهم: يقتل بلا استغفال، لان من ظهر منه ذلك ودعا الناس لا يصدق فيما يدعي بعد من التوبة، ولو قبل منه ذلك لهدموا الاسلام وأضلوا المسلمين من غير أن يمكن قتلهم، وأطال في ذلك، وتقل عدة فتاوى عن أئمتنا وغيرهم بنحو ذلك، لكن تقدم اعتماد قبول التوبة قبل الاخذ لا بعده.
قوله: (لكن في حظر الخانية أي في كتاب الحظر والاباحة منها
والاستدراك على قول الفتح أولا: أي أو لم يعتقد تحريمه، وقدمنا أنه في الفتح نقل ذلك عن أصحابنا، وأنه اختار أنه لا يكفر ما لم يعتقد ما يوجب الكفر لكنه يقتل، ولعل ما نقله عن الاصحاب مبني على أن السحر لا يتم إلا بما هو كفر، كما يفيده قوله تعالى: * (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) * (سورة البقرة: الآية 201) وعلى هذا فغير المكفر لا يسمى سحرا، ويؤيد ما قدمناه عن المختارات من أن المراد بالساحر غير المشعوذ ولاصاحب الطلسم ولا من يعتقد الاسلام: أي بأن لم يفعل أو يعتقد ما ينافي الاسلام، ولذا قال هنا: ولا يعتقده، فقد علم أنه يسمى ساحرا ما لم يعتقد أو يفعل ما هو كفر، والله سبحانه أعلم.
مطلب: جملة من لا يقتل إذا ارتد قوله: (فالمستثنى أحد عشر) أي من قوله: وكل مسلم ارتد فتوبته مقبولة إلا أحد عشر: من تكررت ردته، وساب النبي (ص)، وساب أحد الشيخين، والساحر، والزنديق، والخناق، والكاهن، والملحد، والاباحي، والمنافق، ومنكر بعض الضروريات باطنا اه ط.
قلت: لكن الساحر لا يلزم أن يكون مرتدا بأن يكون مسلما أصليا فعلى ذلك فإنه يقتل ولو كافرا كما مر، والخناق غير كافر، وإنما يقتل لسعيه بالفساد كما قدمناه.
وأما الزنديق الداعي والملحد وما بعده فيكفي فيه إظهاره للاسلام وإن كان كافرا أصليا، فعلم أن المراد بيان جملة من لا تقبل توبته سواء كان مسلما ارتد أولم يرتد، أو كان كافرا أصليا، وعليه فكان المناسب ذكر قطاع الطريق، وكذا أهل الاهواء كما مر عن التمهيد، وكذا العواني كما مر في باب التعزير، وكذا كل من وجب عليه حد زنا أو سرقة أو قذف أو شرب.
وأما ذكر ساب النبي (ص) أو أحد الشيخين فقد علمت ما فيه.
قوله: (المرأة) يستثنى منها المرتدة بالسحر كما مر، وهو الاصح كما في البحر.
قوله: (والخنثى) أي المشكل فإنه إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الاسلام.
بحر عن التتارخانية.(4/430)
قوله: (ومن إسلامه تبعا) صوابه تبع اه ح.
قال في البحر عن البدائع: صبي أبواه مسلمان حتى حكم بإسلامه تبعا لابويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه،
إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق، ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ، حتى لو أقر بالاسلام ثم ارتد: يقتل، ولكنه في الاولى يحبس لانه كان له حكم الاسلام قبل البلوغ تبعا، والحكم في أكسابه كالحكم في أكساب المرتد لانه مرتد حكما اه.
قوله: (والصبي إذا أسلم) أي استقلالا بنفسه لا تبعا لابويه، وإلا فهو المسألة المارة، وأطلق عدم قتله فشمل ما بعد البلوغ.
ففي البحر: لو بلغ مرتدلا يقتل استحسانا لقيام الشبهة باختلاف العلماء في صحة إسلامه، وسيأتي الكلام في إسلامه وردته.
وبقي مسألة أخرى ذكرها في البحر والفتح عن المبسوط، وهي ما لو ارتد الصبي في صغره.
فعلم أن الاولى فيما إذا ارتد حال البلوغ: أي قبل أن يقر بالاسلام.
قوله: (والمكره على الاسلام) لان الحكم بإسلامه من حيث الظاهر، لان قيام السيف على رأسه ظاهر في عدم الاعتقاد فيصير شبهة في إسقاط القتل.
فتح، وفيه بعد نقله هذه المسائل عن المبسوط، قال: وفي كل ذلك يجبر على الاسلام، ولو قتله قاتل قبل أن يسلم لا يلزمه شئ.
قوله: (ثم رجعا) لان الرجوع شبهة الكذ ب في الشهادة.
قوله: (ومن ثبت إسلامه بشهادة رجل وامرأتين) هذا على رواية النوادر كما ستراه.
ح.
قوله: (وقيل تقبل) يوهم أن المسألة الاولى اتفاقية وليس كذلك، ويمكن إرجاعه للمسألتين في.
قوله: (ولو على نصرانية قبلت اتفاقا) لان المرتدة لا تقتل، بخلاف المرتد ولكنها تجبر على الاسلام، وهذا كله قول الامام.
وفي النوادر: تقبل شهادة رجل وامرأتين على الاسلام وشهادة نصرانيين على نصراني أنه أسلم، وهذا هو الذي في آخر كراهية الدرر كما في ح.
واعتمد قاضيخان قول الامام بعدم القتل بشهادة النساء وإن كان يجبر على الاسلام، لان أي نفس كانت لا تقتل بشهادة النساء.
ط عن نوح أفندي.
قوله: (من ولدته المرتدة بيننا) لانه يجبر على الاسلام كأمه، لكنه لا يقتل، كمن كان إسلامه تبعا لابويه ولم يصف الاسلام فبلغ كافرا كما مر، وقوله: بيننا أي المسلمين غير قيد لما سيأتي من أن الزوجين لو ارتدا معا فولدت ولدا يجبر بالضرب على الاسلام وإن حبلت به ثمة قوله: (والسكران إذا أسلم) يعني فإن إسلامه يصح، فإن ارتد لا يقتل كالصبي، العاقل إذا ارتد.
بحر عن التتارخانية.
قلت: أي إن ارتد بعد صحوه لا يقتل لان في إسلامه شبهة.
قوله: (لان إسلامه حكمي) أي
بتبعية الدار كما سيأتي في بابه.
قوله: (وفي الاستحسان يصح) وهو المعمول به.
رملي.
وهو الصواب.
ط، عن بعض العلماء.
قلت: ووجهه أن الحربي إنما يقاتل على الاسلام أصالة فلا يتأتى فيه قياس واستحسان،(4/431)
بخلاف الذمي فإنه بعد التزام الذمة لا يقاتل عليه، فالقياس أن لا يصح إسلامه بالاكراه: كما لا تصح ردة المسلم به.
وفي الاستحسان يصح، لكن لو ارتد لا يقتل وتقدم وجهه.
قوله: (فالمستثنى أربعة عشر) لان المكره تحته ثلاثة: الحربي والذمي والمستأمن، وشهادة نصرانيين على نصراني أو نصرانية صورتان، والباقي ظاهر.
قوله: (لان إنكاره توبة ورجوع) ظاهره ولو بدون إقرار بالشهادتين، وهو ظاهر قول المتون أول الباب وإسلامه أن يتبرأ عن الاديان حيث لم يذكر والاقرار بالشهادتين.
ويحتمل أن يكون المراد الانكار مع الاقرار بهما، ويؤيده ما في كافي الحاكم، وإذا رفعت المرتدة إلى الامام فقالت: ما ارتددت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، كان هذا توبة منها اه.
تأمل.
ثم رأيت في البيري على الاشباه قال: كون مجرد الانكار توبة غير مراد بل ذلك مقيد بثلاثة قيود.
قال في الذخيرة عن بشر بن الوليد: إذا جحد المرتد الردة وأقر بالتوحيد وبمعرفة رسول الله (ص) وبدين الاسلام فهذا منه توبة اه.
قوله: (كحبط عمل) يأتي الكلام عليه.
قوله: (وبطلان وقف) أي الذي وقفه حال إسلامه، سواء كان على قربة ابتداء أو على ذريته ثم على المساكين لانه قربة ولا بقاء لها مع وجود الردة، وإذا عاد مسلما لا يعود وقفه إلا بتجديد منه، وإذا مات أو قتل أو لحق كان الوقف ميراثا بين ورثته.
بحر عن الخصاف.
قوله: (وبينونة زوجة) وتكون فسخا عندهما.
وقال محمد: فرقة بطلاق ولو هي المرتدة فبغير طلاق إجماعا، ثم إذا تاب وأسلم ترتفع تلك البينونة.
بيري عن شرح الطحاوي.
وأقره السيد أبو السعود في حاشية الاشباه.
قلت: والظاهر أن قوله ترفع أصله لا ترتفع فسقطت لفظة لا النافية من قلم الناسخ، وإلا فهو مخالف لفروعهم الكثيرة المقررة في با ب نكاح الكافر وغيره، المصرحة بلزوم تجديد النكاح، ومنها ما يأتي قريبا، وصرح في البحر عن العناية أن البينونة لا تتوقف على إسلامه كبطلان وقفه
فإنه لا يعود صحيحا بإسلامه.
تأمل.
قوله: شررط في قوله السابق) فيمتنع القتل ط.
قوله: (كما مر) قدمنا ما فيه.
قوله: (وقد رأيت من يغلط في هذا المحل) أي حيث فهم أن الشهادة لا تقبل أصلا حتى في بقية الاحكام المذكورة.
قوله: (فالمستثنى أربعة عشر) صوابه خمسة عشر، لان هذا زائد على ما تقدم.
والوجه فيه أنه لم يتب حقيقة وإنما تاب حكما بجعل إنكاره توبة فهو داخل في المسلم الذي ارتد ولم يتب ط.
قوله: (وأولاده أولاد زنا) كذا في فصول العمادي، لكن ذكر في نور العين ويجدد بينهما النكاح إن رضيت زوجته بالعود إليه وإلا فلا تجبر، والمولود بينهما قبل تجديد النكاح بالوطئ بعد الردة يثبت نسبه منه، لكن يكون زنا اه.
قلت: ولعل ثبوت النسب لشبهة الخلاف فإنها عند الشافعي لا تبين منه.
تأمل.
قوله:(4/432)
(والتوبة) أي تجديد الاسلام.
قوله: (وتجديد النكاح) أي احتياطا كما في الفصول العمادية.
وزاد فيها قسما ثالثا فقال: وما كان خطأ من الالفاظ ولا يوجب الكفر فقائله يقر على حاله، ولا يؤمر بتجديد النكاح، ولكن يؤمر بالاستغفار والرجوع عن ذلك.
وقوله احتياطا: أي يأمره المفتي بالتجديد ليكون وطؤه حلالا باتفاق، وظاهره أنه لا يحكم القاضي بالفرقة بينهما، وتقدم أن المراد بالاختلاف ولو رواية ضعيفة ولو في غير المذهب.
قوله: (بخلاف المرتدة) أي فإنها تسترق بعد اللحاق بدار الحرب وتجبر على الاسلام بالضرب والحبس ولا تقتل، كما صرح به في البدائع، ولا يكون استرقاقها مسقطا عنها الجبر على الاسلام كما لو ارتدت الامة ابتداء فإنها تجبر على الاسلام.
بحر.
قوله: (ويزول ملك المرتد الخ) أي خلافا لهما.
وفى البدائع: لا خلاف أنه إذا أسلم فأمواله باقية على ملكه، وأنه إذا مات أو قتل أو لحق: تزول عن ملكه، وإنما الخلاف في زوالها بهذه الثلاثة مقصورا على الحال عندهما ومستندا إلى وقت وجود الردة عنده وتظهر الثمرة في تصرفاته، فعندهما نافذة قبل الاسلام، وعنده موقوفة لوقوف أملاكه اه.
قيد بالملك لانه لا توقف في إحباط طاعته وفرقة زوجته وتجديد الايمان، فإن الارتداد فيها عمل عمله، كذا في العناية.
وتقدم أن من عباداته التي بطلب وقفه وأنه لا يعود بإسلامه، وكذا لا توقف في بطلان إيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه
وتوكيله ووكالته، وتمامه في البحر.
قلت: ويستثنى من فرقة الزوجة ما لو ارتدا معا، فإنه يبقى النكاح كما صرح به في العناية.
وفي البحر: وأفاد أن الكلام في الحر، ولذا قال في الخانية: وتصرف المكاتب في ردته نافذ في قولهم.
زاد في النهر عن السراج: وكسبه حال الردة لمولاه.
قوله: (فإن أسلم الخ) جملة مفسرة لما قبلها ط.
قوله: (ورث كسب إسلامه وارثه المسلم) أشار إلى أن المعتبر وجود الوارث عند الموت أو القتل أو الحكم باللحاق، وهو رواية محمد عن الامام، وهو الاصح، وروى عنه اعتبار وقت الردة، وروى اعتبارهما معا، فعلى الاصح لو كان له ولد كافر أو عبد يوم الردة فعتق أو أسلم بعدها قبل أحد الثلاثة ورثه، وكذا لو ولد من علوق حادث بعدها إذا كان مسلما تبعا لامه بأن علق من أمة مسلمة، وتمامه في البحر، لكن قوله أو الحكم باللحاق خلاف الاصح، فإن الاصح وهو ظاهر الرواية اعتبار وجود الوارث عند اللحاق، وروى عند الحكم به كما في شرح السير الكبير.
قوله: (ولو زوجته) لانه بالردة كأنه مرض مرض الموت لاختياره سبب المرض بإصراره على الكفر مختارا حتى قتل.
نهر.
قوله: (بشرط العدة) قال في النهر هذا يقتضي أن غير المدخول بها لا ترث لصيرورتها بالردة أجنبية، وليست الردة موتا حقيقيا، بدليل أن المدخولة إنما تعتد بعد موته بالحيض لا بالاشهر، فلا تنتهض سببا للارث، والارث وإن استند إلى الردة لكن يتقرر عند الموت.
هذا حاصل ما في الفتح اه.
قوله: (بعد قضاء دين إسلامه الخ) هذا: أعني قضاء دين إسلامه من كسب(4/433)
الاسلام، ودين الردة من كسبها، رواه زفر عن الامام.
وروى أبو يوسف عنه أنه من كسب الردة، إلا أن لا يفي فيقضي الباقي من كسب الاسلام.
وروى الحسن عنه أنه من كسب الاسلام، إلا أن لا يفي فيقتضي الباقي من كسب الردة.
قال في البدائع والولوالجية: وهو الصحيح، لان دين الميت إنما يقضي من ماله وهو كسب إسلامه، فأما كسب الردة فلجماعة المسلمين، فلا يقتضي منه الدين إلا لضرورة فإذا لم يف تحققت.
نهر.
فما في المتن تبعا للكنز ضعيف كما في البحر.
قلت: لكن الحكم عليه بالضعف غير مسلم، فإنه جرى عليه أصحاب المتون كالمختار
والوقاية والمواهب والملتقى، وهي موضوعة لنقل المذهب كما صرحوا به.
تنبيه: في القهستاني: هذا إذا كان له كسبان، وإلا قضى مما كان بلا خلاف، وهذا أيضا إذا ثبت الدين بغير الاقرار وإلا ففي كسب الردة.
قوله: (وكسب ردته فئ) أي للمسلمين فيوضع في بيت المال.
قهستاني.
والمراد ما اكتسبه قبل اللحاق.
أما ما اكتسبه في دار الحرب فهو لابنه الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا لانه اكتسبه وهو من أهل الحرب وهم يتوارثون فيما بينهم، فلو لحق معه ابن مسلم ورث كسب إسلامه فقط، وتمامه في شرح السير.
قوله: (وقالا ميراث أيضا) لان زوال ملكه عندهما مقصور على الحال كما مر.
قوله: (ككسب المرتدة) فإنه لورثتها، ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه، وإن كانت صحيحة لا يرثها، لانها لا تقتل، فلم يتعلق حقه بمالها بالردة، بخلاف المرتد.
والحاصل أن زوجة المرتد ترث منه مطلقا وزوج المرتدة لا يرثها، إلا إذا ارتدت وهي مريضة.
بحر.
وسيأتي أيضا.
قوله: (وإن حكم بلحاقه) كان الاولى للمصنف أن يذكر الحكم باللحاق أولا كما عبر الشارح ويقول: وعتق مدبره الخ، عطفا على ورث لئلا يوهم اختصاص العتق بالحكم باللحاق وإكان يفهم منه أن الموت والقتل مثله فإنه تطويل بلا فائدة، كما أفاده ح.
قوله (من ثلث ماله) الظاهر أن المراد به كسب الاسلام ح.
وبه جزم ط بناء على ما مر من الصحيح.
قوله: (وحل دينه) لانه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الاسلام فصار كالموت، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بالقضاء لاحتمال العود.
وإذا تكرر موته تثبت الاحكام المتعلقة به كما ذكر.
نهر.
قوله: (ويؤدي مكاتبه) أي يؤدي بدل كتابته.
قوله: (والولاء للمرتد) أي لورثته ابتداء فيرثه العصبة بنفسه، بخلاف ما إذا كان للورثة فإنه يدخل فيه الاناث ط.
قوله: (وينبغي الخ) اعلم أن بعضهم لا يشترط القضاء باللحاق، بل يكتفي بالقضاء بحكم من أحكامه، وعامتهم على أنه يشترط القضاء به سابقا على القضاء بالاحكام.
أفاده في المجتبى ونحوه في الفتح.
وظاهره أن القضاء باللحاق قصدا صحيح، وينبغي أنه لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد، لان اللحاق كالموت، ويوم الموت لا يدخل تحت القضاء، فينبغي أن لا يدخل اللحاق تحت القضاء قصدا.
بحر.
قال في النهر: وأقول ليس معنى الحكم بلحاقه سابقا على هذه الامور: أن يقول ابتداء حكمت بلحاقه، بل إذا ادعى مدبر مثلا على وارثه أنه لحق بدار الحرب مرتدا، وأنه عتق بسببه(4/434)
وثبت ذلك عند القاضي حكم أولا بلحاقه ثم يعتق ذلك المدبر كما يعرف ذلك من كلامهم اه.
ونحوه في شرح المقدسي.
والحاصل: أن ما في المجتبى من الخلاف معناه أنه لو حكم القاضي بعتق المدبر يكفي عند البعض لثبوت اللحاق ضمنا، وأما عند العامة فلا بدمن حكمه أولا باللحاق لانه السبب، وفي كونه في حكم الموت خلاف الشافعي، فلشبه الخلاف لا بد من الحكم به أولا ثم بالعتق، وليس المراد أنه يحكم باللحاق قبل دعوى المدبر مثلا حتى يرد ما قاله في البحر، فقول الشارح: إلا في ضمن دعوى حق العبد معناه أن يسبق دعوى حق العبد، فيحكم به أولا ثم بما ادعاه العبد لانه الذي في النهر، وليس المراد أنه يكتفي عن الحكم به بالحكم بما ادعاه ليثبت الحكم باللحاق في ضمن الحكم الاول، فافهم.
قوله: (واعلم الخ) بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم أملاكه قبل ردته.
بحر.
قوله: (على أربعة أقسام) نافذ اتفاقا، باطل اتفاقا، موقوف اتفاقا، موقوف عنده نافذ عندهما ط.
قوله: (ما لا يعتمد تمام ولاية) قال الزيلعي: لانها لا تستدعي الولاية ولا تعتمد حقيقة الملك حتى صح ت هذه التصرفات من العبد مع قصور ولايته اه ط.
قوله: (الاستيلاد) صورته: إذا جاءت بولد، فادعاه، ثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته، وتصير أم ولد له، بحر.
ط.
قوله: (والطلاق) أي ما دامت في العدة، لان الحرمة بالردة غير متأبدة لارتفاعها بالاسلام فيقع طلاقه عليها في العدة، بخلاف حرمة المحرمية فإنها لاغاية لها فلا يفيد لحقق الطلاق فائدة.
فتح.
من باب نكاح الكافر.
وقدمنا هنا ك عن الخانية أن طلاقه إنما يقع قبل لحوقه، فلو لحق بدار الحرب فطلق امرأته لا يقع الا إذا عاد مسلما وهي في العدة، فطلقها.
وأورد أنه كيف يتصور طلاقه وقد بانت بردته.
وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع
الطلاق، وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة.
بحر: أي ولو كان الواقع بذكل الصريح بائنا كالطلاق الثلاث أو على مال، وكذا لو قال أنت طالق بائن، وأما قولهم إن البائن لا يلحق البائن فذاك إذا أمكن جعله إخبارا عن الاول، حتى لو قال أبنتك بأخرى يقع كما تقدم في الكنايات، فافهم.
قوله: (وتسليم الشفعة والحجر) قال في البحر: ولا يمكن توقف التسليم لان الشفعة بطلت به مطلقا.
وأما الحجر فيصح بحق الملك، فبحقيقة الملك الموقوف أولى اه.
قلت: ومفهومه أن له قبل إسلامه الاخذ بالشفعة.
والذي في شرح السير أن ذلك قول محمد.
وفي قول أبي حنيفة: لا شفعة له حتى يسلم، فلو لم يسلم ولم يطلب بطلت شفعته لتركه الطلب بعد التمكن بأن يسلم.
قوله: (ما يعتمد الملة) أي ما يكون الاعتماد في صحته على كون فاعله معتقدا ملة من الملل ط: أي والمرتد لا ملة له أصلا، لانه لا يقر على ما انتقل إليه، وليس المراد ملة سماوية لئلا يرد النكاح، فإن نكاح المجوسي والوثني صحيح وملة لهما سماوية، بل المراد الاعم.
قوله: (النكاح) أي ولو لمرتدة مثله قوله: (والذبيحة) الاولى والذبح لانه من التصرفات.
قوله: (والصيد) أي بالكلب والبازي ومثله الرمي.
بحر.
قوله: (والشهادة) أي أداؤها، لا تحملها ط.(4/435)
وذكر في الاشباه عن شهادات الولوالجية أنه يبطل ما رواه لغيره من الحديث، فلا يجوز للسامع منه أن يرويه عنه بعد ردته اه.
ولكن كلامنا فيما فعله في ردته وهذا قبلها.
قوله: (الارث) فلا يرث أحدا ولا يرثه أحد مما اكتسبه في ردته، بخلاف كسب إسلامه فإنه يرثه ورثته كما مر لاستناده إلى ما قبلها فهو إرث مسلم من مثله والكلام في إرث المرتد، فافهم.
قوله: (ما يعتمد المساواة) أي بين المتعاقدين في الدين.
وهو المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا، فإن أسلم نفذت، وإن هلك بطلت، وتصير عنانا من الاصل عندهما، وتبطل عنده.
بحر عن الخانية.
قوله: (أو ولاية متعدية) أي إلى غيره.
قوله: (ويتوقف منه عند الامام) بناء على زوال الملك كما سلف.
نهر.
قوله: (وينفذ عندهما) إلا أنه عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح، لان الظاهر عوده إلى الاسلام.
وعند محمد: كما تصح من المريض لانها تفضي إلى القتل ظاهرا.
ط عن البحر.
قوله: (والصرف
والسلم) من عطف الخاص لانهما من عقود المبايعة ط.
قوله: (والهبة) هي من قبيل المبادلة إن كانت بعوض كما في النهر، ومن قبيل التبرع إن لم تكن ح.
قوله: (والرهن) لانه مضمون عند الهلاك بالدين فهو معاوضة مآلا.
قوله: (والصلح عن إقرار) أي فيكون مبادلة.
وأما إذا كان عن إنكار أو سكوت فالمذكور في كتاب الصلح أنه معاوضة في حق المدعي، وفداء يمين وقطع نزاع في حق الآخر.
ومقتضاه أنه إن كان المرتد مدعيا فهو داخل في عقود المبادلة، وإن كان المدعي عليه يدخل في عقد التبرع.
أفاده ط.
لكن في كونه تبرعا نظر، لانه لم يدفع المال مجانا، بل مفاداة ليمينه، فهو خارج عن مبادلة المال بالمال وعن عقد التبرع.
تأمل.
قوله: (لانه مبادلة حكمية) وجهه ما قالوا إن الدين يقضي بمثله وتقع المقاصة، فقابض الدين أخذ بدل ما تحقق في ذمة المدين: ط.
قوله: (والوصية) أي التي في حال ردته، أما التي في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل قربة كانت أو غير قربة من غير ذكر خلاف، وتمامه في الشرنبلالية عن الفتح.
قوله: (وبقي الخ) لما فرغ من ذكر المنقول في الاقسام الاربعة ذكر أشياء لم يصرحوا بها، فافهم.
قوله: (ولا شك في بطلانهما) أما الامان فلانه لا يصح من الذمي، فمن المرتد أولى.
وأما العقل فلان المرتد لا ينصر ولا ينصر والعقل بالنصرة ح.
قوله: (فينبغي عدم جوازها) عبارة النهر: فلا ينبغي التردد في جوازها منه اه.
فلفظة عدم من سبق القلم.
قوله: (بطل ذلك كله الاشارة ترجع إلى المتوقف اتفاقا والمتوقف عند الامام.
ط.
قوله: (فكأنه لم يرتد) فلا يعتق مدبره وأم ولده، ولا تحل ديونه، وله إبطال ما تصرف فيه الوار ث لكونه فضوليا.
بحر.
وما مع وارثه يعود لملكه بلا قضاء ولا رضا من الوارث.
درمنتقى.
قلت: وكذا يبطل ما تصرف فيه بنفسه بعد اللحاق قبل الحكم به، كما لو أعتق عبده الذي في(4/436)
دار الاسلام أو باعه من مسلم في دار الحرب ثم رجع تائبا قبل الحكم بلحاقه فما له مردود عليه وجميع ما صنع فيه باطل، لانه باللحاق زال ملكه، وإنما توقف على القضاء دخوله في ملك وارثه، فتصرفه بعد اللحاق صادف مالا غير مملوك له فلا ينفذ، وإن عاد إلى ملكه بعد كالبائع بشرط خيار
المشتري إذا تصرف في المبيع لا ينفذ، وإن عاد إلى ملكه بفسخ المشتري، نعم لو أقر بحرية العبد أو بأنه لفلان صح، لانه ليس بإنشاء التصرف بل هو إقرار لازم، كما لو أقر بعبد الغير ثم ملكه اه.
ملخصا من شرح السير الكبير.
قوله: (وكما لو عاد بعد الموت الحقيقي) أي لو أحيا الله تعالى ميتا حقيقة وأعاده إلى دار الدنيا كان له أخذ ما في يد ورثته بحر.
إلا أنه ذكره بعد عود من حكم بلحاقه، وكذا ذكره الزيلعي، فكان على الشارح ذكره بعد قوله: وإن جاء بعده كما أفاده ح.
قوله: (بقضاء أو رضا) لان بقضاء القاضي بلحاقه صار المال ملكا لورثته فلا يعود إلا بالقضاء، ألا ترى أن الوارث لو أعتق العبد بعد رجوع المرتد قبل القضاء برد المال عليه نفذ عتقه ولم يضمن للمرتد شيئا، كما لو أعتقه قبل رجوع المرتد، وبهذا يستدل على أنه لا ينفذ عتق المرتد، لان العتق يستدعي حقيقة الملك.
شرح السير، ونقله في البحر عن التتارخانية، وبه جزم الزيلعي.
قوله: (ولو في بيت المال لا) قال في النهر: وفي قوله: وإرثه إيماء إلى أنه لا حق له فيما وجده من كسب ردته، لان أخذه ليس بطريق الخلافة عنه بل لانه فئ، ألا ترى أن الحربي لا يسترد ماله بعد إسلامه، وهذا وإن لم نره مسطورا إلا أن القواعد تؤيده اه.
وأصل البحث لصاحب البحر.
وظاهره أن ما وضع في بيت المال لعدم الوارث له أخذه، ففي كلام الشارح إيهام كما أفاده السيد أبو السعود.
قوله: (أو أزاله الوارث عن ملكه) سواء كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة، أو لا يقبله كعتق أو تدبير واستيلاد فإنه يمضي ولا عود له فيه ولا يضمنه اه.
فتح.
قوله: (وله ولاء مدبره وأم ولده) أفاد أنهم لا يعودون في الرق، لان القضاء بعتقهم قد صح، والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان.
فتح.
قوله: (ومكاتبه له) مبتدأ وخبر.
قوله: (إن لم يؤد) أي إلى الورثة بدل الكتابة فيأخذها من المكاتب: وأما إن أداه إليهم فلا سبيل له عليه، لانه عتق بأداء المال والعتق لا يحتمل الفسخ، ويؤخذ منهم المال لو قائما، وإلا لا ضمان عليهم كسائر أمواله: بحر.
مطلب: المعصية تبقبعد الردة قوله: (والمعصية تبقى بعد الردة) نقل ذلك مع التعليل قبله في الخانية عن شمس الائمة الحلواني.
قال القهستاني: وذكر التمرتاشي أنه يسقط عند العامة ما وقع حال الردة وقبلها من
المعاصي، ولا يسقط عند كثير من المحققين اه.
وتمامه فيه.
قلت: والمراد أنه يسقط عند العامة بالتوبة والعود إلى الاسلام للحديث الاسلام يجب ما قبله.
وأما في حال الردة فيبقى ما فعله فيها أو قبلها إذا مات على ردته، لانه بالردة ازداد فوقه ما هو أعظم منه فكيف تصلح ماحية له، بل الظاهر عود معاصيه التي تاب منها أيضا، لان التوبة طاعة(4/437)
وقد حبطت طاعاته وبدل له ما في التتارخانية عن السراجية: من ارتد ثم أسلم ثم كفر ومات فإنه يؤاخذ بعقوبة الكفر الاول والثاني، وهو قول الفقيه أبي الليث اه.
ثم لا يخفى أن هذا الحديث يؤيد قول العامة: ولا ينافيه وجوب قضاء ما تركه من صلاة أو صيام ومطالبته بحقوق العباد لان قضاء ذلك كله ثابت في ذمته، وليس هو نفس المعصية وإنما المعصية إخراج العبادة عن وقتها وجنايته على العبد فإذا سقطت هذه المعصية لا يلزم سقوط الحق الثابت في ذمته، كما أجاب بعض المحققين بذلك عن القول بتكفير الحج المبرور الكبائر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (وما أدى منها فيه يبطل) في التتارخانية معزيا إلى التتمة: قيل له: لو تاب تعود حسناته؟ قال: هذه المسألة مختلفة، فعند أبي علي وأبي هاشم وأصحابنا أنه يعود.
وعند أبي القاسم الكعبي: لا، ونحن نقول: إنه لا يعود ما بطل من ثوابه، لكنه تعود طاعاته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد.
اه.
بحر.
مطلب: لو تاب المرتد، هل تعود حسناته؟ وفي شرح المقاصد للمحقق التفتازاني في بحث التوبة: ثم اختلفت المعتزلة في أنه إذا سقط استحقاق عقاب المعصية بالتوبة هل يعود استحقا ثواب الطاعة الذي أبطلته تلك المعصية؟ فقال أبو علي وأبو هاشم: لا، لان الطاعة تنعدم في الحال، وإنما يبقى استحقاق الثواب وقد سقط والساقط لا يعود.
وقال الكعبي: نعم لان الكبيرة لا تزيل الطاعة وإنما تمنع حكمها، وهو المدح والتعظيم فلا تزيل ثمرتها، فإذا صارت بالتوبة كأن لم تكن ظهرت ثمرة الطاعة كنور الشمس إذا زال الغيم.
وقال بعضهم - وهو اختيار المتأخرين -: لا يعود ثوابه السابق لكن تعود طاعته السالفة مؤثرة في
استحقاق ثمراته وهو المدح، والثواب في المستقبل بمنزلة شجرة احترقت بالنار أغصانها وثمارها ثم انطفأت النار، فإنه يعود أصل الشجرة وعروقها إلى خضرتها وثمرتها اه.
وهذا يفيد أن الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم، وبين الكعبي على عكس ما مر، وأن الخلاف في إحباط الكبائر للطاعات لان هؤلاء الجماعة من المعتزلة.
وعندهم أن الكبيرة تخرج صاحبها من الايمان لكنها لا تدخله في الكفر، وإن كان يخلد في النار، ويلزم من إخراجه من الايمان حبط طاعاته، فالكبيرة عندهم من هذه الجهة بمنزلة الردة عندنا، فيصح نقل الخلاف المذكور إلى الردة تأمل.
قوله: (إلا الحج) لان سببه البيت المكرم وهو باق، بخلاف غيره من العبادات التي أداها لخروج سببها: ولهذا قالوا: إذا صلى الظهر مثلا ثم ارتد ثم تاب في الوقت يعيد الظهر لبقاء السبب وهو الوقت، ولذا اعتراض اقتصاره على ذكر الحج وتسميته قضاء، بل هو إعادة لعدم خروج السبب.
قوله: (لانه بالردة الخ) علة لقوله: ولا يقضي ولقوله: إلا الحج ط.
قوله: (أصاب مالا) أي أخذ، وقوله: أو شيئا أي فعل شيئا الخ.
ط قوله: (يعني المال المسروق لا الحد) الاولى ذكره عند قول المصنف يؤاخذ به وليس ذلك في عبارة الخانية ولا هو محل إيهام، لان قوله: أو حد مرفوع عطفا على فاعل يجب لا منصوب عطفا على مفعول أصاب حتى يحتاج للتأويل.
قوله: (وأصله) أي القاعدة(4/438)
فيما ذكر.
ط.
قوله: (أنه يؤاخذ بحق العبد) أي لا يسقط عنه بالردة، إلا إذا كان ممن لا يقتل بها كالمرأة ونحوها إذا لحقت بدار الحرب فسبيت فصارت أمة يسقط عنها جميع حقوق العباد، إلا القصاص في النفس فإنه لا يسقط.
بيري عن شرح الطحاوي.
قوله: (ففيه التفصيل) وهو أنه يقضي ما ترك من عبادة في الاسلام كما مر.
وأما الحدود.
ففي شرح السير: لو أصاب المسلم مالا أو ما يجب به القصاص أو حد القذف ثم ارتد أو أصابه وهو مرتد ثم لحق ثم تاب فهو مأخوذ به لا، لو أصابه بعد اللحاق ثم أسلم.
وما أصابه المسلم من حدود الله تعالى في زنا أو سرقة أو قطع طريق ثم ارتد أو أصابه بعد الردة ثم لحق ثم أسلم فهو موضوع عنه إلا أنه يضمن المال المسروق والدم في قطع الطريق بالقصاص أو الدية
لو خطأ على العاقلة لو قبل الردة، وفي ماله لو بعدها.
وما أصابه من حد الشرب ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤاخذ به، وكذا لو أصابه وهو مرتد محبوس في يد الامام ثم أسلم، لان الحدود زواجر عن أسبابها فلا بد من اعتقاد المرتكب حرمة السبب، ويؤخذ بما سواه من حدوده تعالى لاعتقاده حرمة السب وتمكن الامام من إقامته لكونه في يده، فإن لم يكن في يده حين أصابه ثم أسلم قبل اللحاق لا يؤخذ به أيضا اه.
ملخصا.
قوله: (أو الدية) أي على عاقلته إن أصاب ذلك قبل الردة، وفي ماله إن أصابه بعدها كما مر.
قوله: (وحاربنا زمانا) تأكيد لقوله ثم لحق وكذا بدون ذلك بالاولى.
قوله: (أخبر ت بارتداد زوجها) أي من رجلين أو رجل وامرأتين على رواية السير.
وعلى رواية كتاب الاستحسان: يكفي خبر الواحد العدل، لان حل التزوج وحرمته أمر ديني، كما لو أخبر بموته.
والفرق على الرواية الاولى أن ردة الرجل يتعلق بها استحقاق القتل كما في شرح السير الكبير للسرخسي.
ونقل المصنف عنه أن الاصح رواية الاستحسان، ومثله في الشرنبلالية معللا بأن المقصود الاخبار بوقوع الفرقة لا إثبات الردة.
قوله: (أو تطليقه ثلاثا) ينبغي أن يكون البائن مثله، وظاهره أنها في الرجعي لا يجوز لها التزوج ولعله لاحتمال المراجعة وليحرر ط.
قوله: (فأتاها بكتاب) ظاهره أن غير الثقة لو لم يأتها بكتاب لا يحل لها وإن كان أكبر رأيها صدقه.
تأمل.
قوله: (لا بأس بأن تعتد) أي من حين الطلاق أو الموت لا من حين الاخبار فيما يظهر.
تأمل.
ثم لا يخفى أنه إذا ظهرت حياته أو أنكر الطلاق أو الردة ولم تقم عليه بينة شرعية ينفسخ النكاح الثاني وتعود إليه.
قوله: (تحبس) لم يذكر ضربها في ظاهر الرواية.
وعن الامام أنها تضرب في كل يوم ثلاثة أسواط.
وعن الحسن تسعة وثلاثين إلى أن تموت أو تسلم، وهذا قتل معنى لان(4/439)
موالاة الضرب تفضي إليه، كذا في الفتح.
واختار بعضهم أنها تضرب خمسة وسبعين سوطا، وهذا ميل إلى قول الثاني في نهاية التعزير.
وقال في الحاوي القدسي: وهو المأخوذ به في كل تعزير بالضرب.
نهر.
وجزم الزيلعي بأنها تضرب في كل ثلاثة أيام.
وظاهر الفتح تضعي ف ما مر، والظاهر اختصاص الضرب والحبس بغير الصغيرة تأمل، وسنذكر ما يؤيده.
قوله: (ولا تقتل) يستثنى الساحرة
كما تقدم، وكذا من أعلنت بشتم النبي (ص) كما مر في الجزية.
قوله: (خلافا للشافعي) أي وباقي الائمة، والادلة مذكورة في الفتح.
قوله: (لا يضمن شيئا) لكنه يؤدب على ذلك لارتكابه ما لا يحل.
بحر.
قوله: (وليس للمرتدة التزوج بغير زوجها) في كافي الحاكم: وإن لحقت بدار الحرب كان لزوجها أن يتزوج أختها قبل أن تنقضي عدتها، فإن سببت أو عادت مسلمة لم يضر ذلك نكاح الاخت وكانت فيئا إن سبيت وتجبر على الاسلام، وإن عاد ت مسلمة كان لها أن تتزوج من ساعتها اه.
وظاهره أن لها التزوج بمن شاءت، لكن قال في الفتح: وقد أفتى الدبوسي والصفار وبعض أهل سمرقند بعدم وقوع الفرقة بالردة ردا عليها، وغيرهم مشوا على الظاهر ولكن حكموا بجبرها على تجديد النكاح مع الزوج ويضرب خمسة وسبعين سوطا، واختاره قاضيخان للفتوى اه.
قوله: (وعن الامام) أي في رواية النوادر كما في الفتح.
قوله: (ولو أفتى به الخ) في الفتح: قيل ولو أفتى بهذه لا بأس به فيمن كانت ذات زوج حسما لقصدها السيئ بالردة من إثبات الفرقة.
قوله: (وتكون قنة للزوج بالاستيلاء) قال في الفتح: قيل وفي البلاد التي استولى عليها التتر وأجروا أحكامهم فيها ونفوا المسلمين كما وقع في خوارزم وغيرها إذا استولى عليها الزوج بعد الردة ملكها لانها صارت دار حرب في الظاهر من غير حاجة إلى أن يشتريها من الامام اه.
وحاصله قوله: (وفي الفتح الخ) هذا ذكره في الفتح قبل الذي نقلناه عنه وحاصله آنفا أنها إذا ارتدت في دار الاسلام صارت فيئا للمسلمين فتسترق على رواية النوادر بأن يشتريها من الامام أو يهبها له.
أما لو ارتدت فيما استولى عليه الكفار وصار دار حرب فله أن يستولي عليها بنفسه بلا شراء ولا هبة، كمن دخل دار الحرب متلصصا وسبى منهم، وهذا ليس مبنيا على رواية النوادر لان الاسترقاق وقع في دار الحرب لا في دار الاسلام قوله: (وصح تصرفها) أي لا تتوقف تصرفاتها من مبايعة ونحوها، بخلاف المرتد، نعم يبطل منها ما يبطل من تصرفاته المارة.
قوله: (لانها لا تقتل) فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها فجاز تصرفها في مالها بالاجماع.
بحر عن البدائع.
قال المقدسي: فلو كانت ممن يجب قتلها كالساحرة والزنديقة ينبغي أن تلحق بالمرتد.
قوله: (وأكسابها مطلقا لورثتها) أي سواء كانت كسب إسلام أو كسب ردة.
قال في النهر تبعا للبحر:
وينبغي أن يلحق بها من لا يقتل إذا ارتد لشبهة في إسلامه كما مر.
قوله: (لو مريضة) لانها تكون(4/440)
فارة كما قدمناه.
قوله: (لو صحيحة) أي لو ارتدت حال كونها صحيحة.
قوله: (فلم تكن فارة) لانها إذا كانت لا تقتل لم تكردتها في حكم مرض الموت فلم تكن فارة فلا يرثها لانها بانت منه وقد ماتت كافر، بخلاف ردته لانها في حكم مرض الموت مطلقا فترثه مطلقا.
قوله: (فتأمل) ما ذكره في الزواهر مفهوم مما قبله، وقدمنا التصريح به عن البحر، وتقدم متنا في باب طلاق المريض أيضا فلم يظهر وجه الامر بالتأمل، نعم يوجد في بعض النسخ قبل قوله: قلت ما نصه: ويرثها زوجها المسلم استحسانا إن ماتت في العدة وترث المرتدة زوجها المرتد اتفاقا.
خانية.
قلت: وفي الزواهر الخ، وعليه فالامر بالتأمل وارد على إطلاق قول الخانية ويرثها زوجها المسلم، والله سبحانه أعلم.
قوله: (ولدته لاقل من نصف حول) أي من وقت الارتداد ط.
قوله: (أي الكتابية) فسره به ليعم اليهودية ط.
قوله: (إلا إذا جاءت به لاكثر الخ) استثناء من قوله: يرثه أما إذا جاءت به لاقل من ستة أشهر كان العلوق في حالة الاسلام فيكون مسلما يرث المرتد.
درر.
قوله: (بالجبر عليه) أي على الاسلام، فالظاهر من حاله أن يسلم درر: أي بخلاف ما إذا اتبع أمه الكتابية لانها لا تجبر عليه.
قوله: (وظهر عليه) بالبناء للمجهول: أي غلب وقهر.
قوله: (فئ) أي غنيمة يوضع في بيت المال لا لورثته.
بحر.
قوله: (لان المرتد لا يسترق) بل يقتل إن لم يسلم.
ولا يشكل كون ماله فيئا دون نفسه لان مشركي العرب كذلك.
بحر.
قوله: (بلا مال) متعلق بلحق.
بقي ما إذا لحق ببعض ماله ثم رجع ولحق بالباقي، ومقتضى النظر أن ما لحق به أولا فئ، وما لحق به ثاينا لورثته اه ح.
قوله: (في ظاهر الرواية) لان عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده، فيتقرر موته، وما احتيج للقضاء باللحاق لصيرورته ميراثا إلا ليترجح عدم عوده فتقرر إقامته ثمة فيتقرر موته، فكان رجوعه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء.
وفي بعض روايات السير جعله فيئا، لان بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة، والوجه ظاهر الرواية، كذا في الفتح تبعا للنهاية والعناية وفخر الاسلام من أن ظاهر الرواية الاطلاق، واعتمده في الكافي، وبه سقط
إشكال الزيلعي على النهاية.
أفاده في البحر.
قوله: (وحكمه) أي حكم المالك القديم إذا وجد ملكه في الغنيمة ما مر في الجهاد من التفصيل المذكور.
قوله: (لعدم الفائدة) أي في أخذه ودفع(4/441)
مثله.
قوله: (لحق بدارهم) أي بدار إهل الحرب.
قوله: (فجاء المرتد مسلما) يعني قبل أداء البدل للابن، إذ لو كان بعده يكون الولاء للابن، وقيد بالكتابة لان الابن إذا دبره ثم جاء الاب مسلما فإن الولاء للابن دون الاب كما في البحر عن التتارخانية، وكأن الفرق أن الكتابة تقبل الفسخ بالتعجيز فلم تكن في معنى العتق من كل وجه، بخلاف التدبير.
نهر.
قوله: (كلاهما للاب) قال في البحر: أشار به إلى أنه لا يملك فسخ الكتابة لصدورها عن ولاية شرعية، وقد صرح به الزيلعي، وقدمنا عن الخانية أنه يملك إبطال كتابة الوارث قبل أداء جميع البدل، إلا أن يقال: إن مرادهم أنه لا يملك فسخها بمجرد مجيئه من غير أن يفسخها، أما إذا فسخها انفسخت إلا أن جعلهم الوارث كالوكيل من جهته يأباه اه.
قوله: (فلحق) أما لو قتل بعد اللحاق ثم جاء تائبا فلا شئ عليه، وكذا لو غصب أو قذف لصيرورته في حكم أهل الحرب.
بحر.
قوله: (فديته في كسب الاسلام) هذا بناء على رواية الحسن المصححة كما قدمناه من أن دين المرتد يقضي من كسب إسلامه، إلا أن لا يفي، فمن كسب ردته كما يظهر من عبارة البحر، وهذا خلاف ما مشى عليه المصنف كغيره في الدين.
قوله: (عن الخانية) صوابه عن التتارخانية: وفيه رد على قول الفتح: لو لم يكن له إلا كسب ردة فقط فجنايته هدر عنده خلافا لهما.
قال في البحر والظاهر أنه سهو، ثم قال: وإن كان له الكسبان قالا: يستوفي منهما.
وقال الامام: من كسب الاسلام أولا، فإن فضل شئ استوفى من كسب الردة.
قوله: (وكذا) ظاهره أن الاشارة إلى ما قبله من وجوبه في كسب الاسلام إن كان الخ وهو صريح عبارة النهر عن الفوائد الظهيرية، لكن في الشرنبلالية عن فوائد الظهيرية: وإن ثبت ذلك بإقراره فعندهما: يستوفي من الكسبين جميعا، وعنده: من كسب الردة، لان الاقرار تصرف منه فيصح في ماله وكسب الردة ماله عنده اه.
ومثله في البحر عن التتارخانية.
قوله: (كجنايتهم في غير الردة) فيخير السيد بين الدفع والفداء، والمكاتب موجب جنايته في كسبه، وأما الجناية عليهم
فهدر.
أفاده في البحر.
وأما جناية المدبر فستأتي في الجنايات ط.
قوله: (فارتد) أفاد أن الردة بعد القطع، فلو قبله لا يضمن قاطعه، إذ لو قتله لا يضمن كما مر.
قوله: (والعياذ بالله) مبتدأ وخبر، أو بالنصب مفعول مطلق: أي نعوذ العياذ بالله تعالى.
قوله: (ومات منه) أي من القطع: أي مات مرتدا، فلو مسلما فيأتي.
قوله: (نصف الدية) أي ضمن دية اليد فقط وذلك نصف دية النفس، ولا يضمن بالسراية إلى النفس شيئا.
قوله: (لوارثه) إنما كانت له لانها بمنزلة كسب الاسلام ط.
قوله: (لان السراية الخ) تعليل للمسألة الاولى.
وعلل الثانية في الهداية بأنه صا ميتا تقديرا، والموت يقطع السراية، وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الاولى اه.
وإنما سقط القصاص لاعتراض الردة.
قوله: (لانه في الخطإ على العاقلة) الضمير يرجع إلى ما ذكر من(4/442)
ضمان نصف الدية، وفيه أن العاقلة لاتعقل الاطراف فليتأمل ط.
أقول: لم نر من قال ذلك، وإنما المصرح به أن العاقلة لا تعقل ما دون نصف عشر الدية، والواجب هنا نصف الدية فتتحمله العاقلة بلا شبهة.
قوله: (كلها) هذا عندهما، وعند محمد: النصف.
بحر.
قوله: (ارتد القاطع) لما بين حكم المقطوع المرتد أراد بيان حكم القاطع المرتد ط.
قوله: (لفوات محل القود) مقتضاه عدم الفرق في القاطع بين أن يرتد أو لا ط.
قلت: وقد صرحوا في الجنايات بأن موت القاتل قبل المقتول مسقط للقود.
قوله: (فالدية على العاقلة) لانه حين القطع كان مسلما وتبين أن الجناية قتل.
بحر.
قوله: (ولا عاقلة لمرتد) اعتراض بأنه لا محل له هنا، بل محله عند قوله: مرتد قتل رجلا خطأ.
قلت: أشار بذكره هنا إشارة خفية كما هو عادته شكر الله تعالى سعيه إلى فائدة التقييد بكون الردة بعد القطع في قوله: ارتد القاطع وهي ما لو كان القطع في حال الردة فإنه لا شئ على العاقلة فإنه لا عاقلة للمرتد، فاستغنى بالتعليل عن التصريح بالمعلل لانفهامه مما قبله، ولا تنس قوله في خطبة الكتاب فربما خالفت في حكم أو دليل فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل الخ، فافهم.
قوله: (وأخذ بماله) أي أسر مع ماله الذي اكتسبه في زمن ردته.
نهر.
قوله:
(فبدل مكاتبته لمولاه الخ) أما على أصلهما فظاهر، لان كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا، وأما عنده فلان المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة، فكذا أكسابه.
بحر.
قوله: (ولحقا فولد ت) وكذا إذا ولدت قبل الردة ثم لحقا به أو أحدهما إلى دار الحرب فإنه خرج عن الاسلام لانه كان بالتبعية لهما أو للدار، وقد انعدم الكل فيكون الولد فيئا، ويجبر على الاسلام إذا بلغ كالام، فإن كان الاب ذهب به وحده والام مسلمة في دار الاسلام لم يكن الولد فيئا لانه بقي مسلما تبعا لامه.
بحر.
قوله: (فالولدان فئ كأصلهما) هذا ظاهر في الولد، فإن أمه تسترق والولد يتبع أمه في الحرية والرق.
أما ولد الولد فلا يتبعها لانه لا يتبع الجد كما يأتي وهذه جدة في حكم الجد، ولا أباه لان أباه تبع والتبع لا يستتبع غيره كما يأتي.
وأجيب بأنه تبع لامه الحربية، وفيه أنه قد تكون أمه ذمية مستأمنة، فالمناسب كون العلة في كونه فيئا أن حكمه حكم الحربي كما يأتي، فافهم.
قوله: (والولد الاول يجبر بالضرب) أي والحبس.
نهر.
أي بخلاف أبويه فإنهما يجبران بالقتل.
قوله: (وإن حبلت به ثمة) أشار إلى أنها لو حبلت به في دار الاسلام يجبر بالاولى.
وبه يظهر أن تقييد الهداية بالحبل في دار الحرب غير احترازي.
أفاده في البحر.
قوله: (لتبعيته لابويه) أي في الاسلام والردة هما يجبران، فكذا هو وإن اختلفت كيفية الجبر ط.
قوله:(4/443)
(لعدم تبعية الجد) ولعدم تبعيته لابيه، لان ردة أبيه كانت تبعا والتبع لا يستتبع، خصوصا وأصل التبعية ثابتة على خلاف القياس، لانه لم يرتد حقيقة، ولذا يجبر بالحبس لا بالقتل، بخلاف أبيه.
بحر.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية وفي رواية الحسن عنه أنه يتبع الجد.
وجه الاول أنه لو تبع الجد لكان الناس كلهم مسلمين تبعا لآدم وحواء عليهما السلام ولم يوجد في ذريتهما كافر غير مرتد، وتمامه في الزيلعي.
والمسائل التي يخالف فيها الجد الاب ثلاث عشرة ستأتي في الفرائض، وذكر في البحر منها هنا إحدى عشرة ذكرها المحشي.
قوله: (فحكمه كحربي) في أنه يسترق وتوضع عليه الجزية أو يقتل.
وأما الجد فيقتل لا محالة لانه المرتد بالاصالة أو يسلم.
بحر عن الفتح.
قوله: (لانه مسلم) أي تبعا لابيه، ولا يتبع أمه في الرف لعدم تحقق الملك عليها وقت
ولادته، بخلاف ما إذا ولدته بعد السبي ط.
مطلب في ردة الصبي وإسلامه قوله: (وإذا ارتد صبي عاقل صح) سواء كان إسلامه بنفسه أو تبعا لابويه ثم ارتد قبل البلوغ فتحرم عليه امرأته ولا يبقى وارثا.
قهستاني.
ولكن لا يقتل كما مر لان القتل عقوبة وهو ليس من أهلها في الدنيا، ولكن لو قتله إنسان لم يغرم شيئا كالمرأة إذا ارتدت لا تقتل ولا يغرم قاتلها، كما في الفتح عن المبسوط.
قوله: (خلافا للثاني) فلا تصح عنده لانه ضرر محض.
وفي التتارخانية عن الملتقى أن الامام رجع إليه، ومثله في الفتح.
قوله: (ولا خلاف في تخليده في النار) فالخلاف إنما هو في أحكام الدنيا فقط.
بحر.
لان العفو عن الكفر دخول الجنة مع الشرك خلاف حكم الشرع والعقل كما في الاصول.
قهستاني.
قوله: (كإسلامه) فتترتب عليه أحكامه من عصمة النفس والمال وحل الذبح ونكاح المسلمة والارث من المسلم.
قهستاني قوله: (فإنه يصح اتفاقا) أي من أئمتنا الثلاثة، وإلا فقد خالف في صحة إسلامه زفر والشافعي كما في الفتح.
فإن قيل: هو غير مكلف.
قلنا: إنما يلزم إذا قلنا بوجوبه عليه قبل البلوغ كما عن ابي منصور والمعتزلة، وأنه يقع مسقطا للواجب، لكنا إنما نختار أنه يصح ليترتب عليه الاحكام الدنيوية والاخروية فتح.
قوله: (ويجبر عليه بالضرب) أي والحبس كما مر.
قلت: والظاهر أن هذا بعد بلوغه، لما مر أن الصبي ليس من أهل العقوبة، ولما في كافي الحاكم: وإن ارتد الغلام المراهق عن الاسلام لم يقتل، فإن أدرك كافرا حبس ولم يقتل.
قوله: (وقيل الذي يعقل الخ) قال في الفتح: بين: أي صاحب الهداية أن الكلام في الصبي الذي يعقل الاسلام.
زاد في المبسوط كونه بحيث يناظر ويفهم ويفحم اه.(4/444)
قلت: والظاهر أن ما ذكره المصنف بيان لقوله: يعقل الاسلام ومعنى تمييزه المذكور أن يعرف أن الصدق مثلا حسن والكذ ب قبيح يلام فاعله، وأن العسل حلو والصبر مر، ومعنى كونه بحيث يناظر أن يقول: إن المسلم في الجنة والكافر في النار، وإذا قيل له: لا ينبغي لك أن تخالف
دين أبويك، يقول: نعم لو كان دينهما حقا، أو نحو ذلك.
ولا يخفى أن ابن سبع لا يعقل ذلك غالبا، ويحتمل أن يكون المراد المناظرة ولو في أمر دنيوي، كما لو اشترى شيئا ودفع إلى البائع الثمن وامتنع البائع من تسليم المبيع قائلا لا أسلمه إلا إلى أبيك لانك قاصر فيقول له لم أخذت مني الثمن، فإن لم تسلمني المبيع ادفع لي الثمن، فهذا ونحوه من ابن سبع غالبا، وعليه يتحد القولان.
تأمل.
قوله: (وقد رأيت بفتح تاء المخاطب.
قوله: (وسنه سبع) وقيل ثمان وهو الصحيح، وأخرجه البخاري في تاريخه عن عروة، وقيل عشر أخرجه الحاكم في المستدرك، وقيل خمسة عشر وهو مردود، وتمام ذلك مبسوط في الفتح، وهو أول من أسلم من الصبيان الاحرار، ومن الرجال الاحرار أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، وتمام تحقيق ذلك في الدر المنتقى، ونقل عبارته المحشي.
قوله: (حتى قال الخ) ذكر في القاموس في مادة ودق.
قال المازني: لم يصح أن عليا رضي الله تعالى عنه تكلم بشئ من الشعر غير هذين البيتين.
تلكم قريش تمناني لتقتلني، الخ.
وصوبه الزمخشري اه.
ومقتضاه أن نسبة ما هنا إليه لم تصح.
قوله: (ظاهر كلامهم نعم اتفاقا) فائدة وقوعه فرضا عدم فرضية تجديد إقرار آخر بعد البلوغ.
قال في الفتح: ومقتضى الدليل أنه يجب عليه بعد البلوغ.
ثم قال: لكنهم اتفقوا على أن لا يجب على الصبي بل يقع فرضا قبل البلوغ.
أما عند فخر الاسلام فلانه يثبت أصل الوجوب به على الصبي بالسبب، وهو حدوث العالم وعقلية دلالته دون وجوب الاداء لانه بالخطاب وهو غير مخاطب، فإذا وجد بعد السبب وقع الفرض كتعجيل الزكاة.
وأما عند شمس الائمة: لا وجوب أصلا لعدم حكمه وهو وجوب الاداء، فإذا وجد وجد، فصار كالمسافر يصلي الجمعة يسقط فرضه وليست الجمعة فرضا عليه، لكن ذلك للترفيه عليه بعد سببها، فإذا فعل تم اه.
مطلب: هل يجب على الصبي الايمان؟ قوله: (وفي التحرير الخ) هذا قول ثالث.
وعبارة التحرير في الفصل الرابع: وعن أبي منصور الماتريدي وكثير من مشايخ العراق والمعتزلة إناطة وجوب الايمان به: أي بعقل الصبي وعقابه بتركه.
ونفاه باقي الحنفية دراية لقوله عليه الصلاة والسلام رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ،
وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل ورواية لعدم انفساخ نكاح المراهقة بعدم وصف الايمان اه.
موضحا من شرحه لابن أمير حاج.
وقال في أول الفصل الثاني: وزاد أبو منصور إيجابه على الصبي العاقل.
ونقلوا عن أبي حنيفة: لو لم يبعث الله تعالى للناس رسولا لوجب عليهم معرفته(4/445)
بعقولهم.
وقال البخاريون: لا تعلق لحكم الله تعالى بفعل المكلف قبل البعثة والتبليغ كالاشاعرة، وهو المختار وحكموا بأن المراد من رواية: لا عذر لاحد في الجهل بخالقه، لما يرى من خلق السموات الارض وخلق نفسه بعد البعثة، وحينئذ فيجب حمل الوجوب في قول الامام لوجب عليهم معرفته على معنى ينبغي، وتمامه في شرحه المذكور.
قوله: (لو مات بعده) أي بعد العقل.
مطل ب في معنى درويش درويشان قوله: (كفر بعضهم) لان معناه جميع الاشياء مباحة فيدخل فيه ما لا تجوز إباحته فيكون مبيح الحرام وهو كفر، وهذا باطل، لان معناه مسكنة المساكين أو فقر الفقراء فكأنه قال تمسكنا بمسكنة المساكين أو افتقرنا إليك بفقر الفقراء، ولا دلالة فيه قط على ما ذكر، كذا في البزازية.
ونازعه في نور العين بأن ما ذكره من المعنى هو معناه الوضعي، أما العرفي الذي جرى عليه اصطلاح الملاحدة والقلندرية فهو أن جميع الاشياء مباحة لك.
فالحق أن يكفر القائل إن كان من تلك الفئة، أو أراد ما أرادوه، أو لم يعلم معناه لكنه قاله تقليدا وتشبيها بهم أو يخشى عليه الكفر فيجدد وجوبا أو احتياطا إيمانه، وإن قاله غير عالم ولا متأمل فهو مخطئ يلزمه أن يستغفر، وغاية الامر أن لا يرخص في التكلم بأمثال هذه المقالة اه.
ملخصا.
قوله: (قيل بكفره) لعل وجهه أنه طلب شيئا لله تعالى والله تعالى غني عن كل شئ، والكل مفتقر ومحتاج إليه، وينبغي أن يرجح عدم التكفير فإنه يمكن أن يقول: أردت أطلب شيئا إكراما لله تعالى اه.
شرح الوهبانية.
قلت: فينبغي أو يجب التباعد عن هذه العبارة، وقد مر أن ما فيه خلاف يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد النكاح، لكن هذا إن كان لا يدري ما يقول، أما إن قصد المعنى الصحيح فالظاهر أنه لا بأس به.
قوله: (ليس يكفر) فإن الحضور بمعنى العلم شائع * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا
هو رابعهم) * (سورة المجادلة: الآية 7) والنظر بمعنى الرؤية * (ألم يعلم بأن الله يرى) * (سورة العلق: الآية 41) فالمعنى: يا عالم من يرى.
بزازية.
مطلب في مستحل الرق ص قوله: (ومن يستحل الرقص قالوا بكفره) المراد به التمايل والخفض والرفع بحركات موزونة كما يفعله بعض من ينتسب إلى التصوف.
وقد نقل في البزازية عن القرطبي إجماع الائمة على حرمة هذا الغناء وضرب القضيب والرقص.
قال: ورأيت فتوى شيخ الاسلام جلال الملة والدين الكرماني أن مستحل هذا الرقص كافر، وتمامه في شرح الوهبانية.
ونقل في نور العين عن التمهيد أنه فاسق لا كافر.
ثم قال: التحقيق القاطع للنزاع في أمر الرقص والسماع يستدعي تفصيلا ذكره في عوارف المعارف وإحياء العلوم، وخلاصته ما أجاب به العلامة النحرير ابن كمال باشا بقوله: ما في التواجد إن حققت من حرج ولا التمايل إن أخلصت من باس فقمت تسعى على رجل وحق لمن دعاه مولاه أن يسعى على الراس(4/446)
الرخصة فيما ذكر من الاوضاع، عند الذكر والسماع، للعارفين الصارفين أوقاتهم إلى أحسن الاعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الاحوال، فهم لا يستمعون إلا من الاله، ولا يتشاقون إلا له، إن ذكروه ناحوا وإن شكروه باحوا، وإن وجدوه صاحوا، وإن شاهدوه استراحوا، وإن سرحوا في حضرة قربه ساحوا، إذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد إرادته، فمنهم من طرقتهم طوارق الهيبة فخر وذاب، ومنهم من برقت له بوارق اللطف فتحرك وطاب، ومنهم من طلع عليه الحب من مطلع القرب فسكر وغاب، هذا ما عن لي في الجواب، والله تعالى أعلم بالصواب.
ومن يك وجده وجدا صحيحا فليحتج إلى قول المغني له من ذاته طرب قديم وسكر دائم من غير دن مطلب في كرامات الاولياء
قوله: (ومن لولي الخ) من مبتدأ وقال صلته وجهول خبره ولولي متعلق بيجوز، وطي مبتدأ خبره يجوز وأصل التركيب: ومن قال طي مسافة يجوز لولي جهول، وهذا قول الزعفراني، والقائل بكفره هو ابن مقاتل ومحمد بن يوسف ط.
قوله: (وإثباتها الخ) قال في البزازية: وقد ذكر علماؤنا أن ما هو من المعجزات الكبار: كإحياء الموتى، وقلب العصا حية، وانشقاق القمر، وإشباع الجمع من الطعام، وخروج الماء من بين الاصابع لا يمكن إجراؤه كرامة للولي، وطي المسافة من لقوله عليه الصلاة والسلام: زويت لي الارض فلو جاز لغيره لم يبق فائدة للتخصيص، لكن في كلام القاضي أبي زيد ما يدل على أنه ليس بكفر اه.
قلت: ويدل له ما قالوا فيمن كان بالمشرف وتزوج امرأة بالمغرب فأتت بولد يلحقه، فتأمل.
وفي التتارخانية أن هذه المسألة تؤيد الجواز.
وقد قال العلامة التفتازاني بعد أن حكى عن أكثر المعتزلة المنع من إثبات الكرامات للاولياء، وأن الاستاذ أبا إسحاق يميل إلى قريب من مذهبهم، وحكى ما قدمناه، وأن إمام الحرمين قال: المرضي عندنا تجويز جميلة خوارق العادات في معرض الكرامات.
ثم قال: نعم قد يرد في بعض المعجزات نص قاطع، على أن أحدا لا يأتي بمثله أصلا كالقرآن، ثم ذكر بقية الاقوال، ثم قال: والانصاف ما ذكره الامام النسفي حين سئل عما يحكى أن الكعبة كانت تزور واحدا من الاولياء، هل يجوز القول به فقال: نقض العادة على سبيل الكرامة لاهل الولاية جاز عند أهل السنة.
قلت: النسفي هذا هو الامام نجم الدين عمر مفتي الانس والجن، رأس الاولياء في عصره اه.
من شرح الوهبانية.
وتمامه فيه، والله سبحانه أعلم.
باب البغاة أخره لقلة وجوده، ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار.
بحر.
قلت: ولم يترجم له بكتاب إشارة إلى دخوله تحت كتاب الجهاد، لان القتال معهم في سبيل الله تعالى ولذا كان المقتومنا شهيدا كما سيأتي، إذا لا يختص الجهاد بقتال الكفار، وبه اندفع ما(4/447)
في النهر.
قال في الفتح: والبغاة جمع باغ، وهذا الوزن مطرد في كل اسم فاعل معتل اللام كغزاة ورماة وقضاة اه.
وإنما جمعه لانه قلما يوجد واحد يكون له قوة الخروج.
قهستاني.
قوله: (البغي لغة الطلب الخ) عبارة الفتح: البغي في اللغة: الطلب، بغيت كذا: أي طلبته.
قال تعالى حكاية ذلك ما كنا نبغ ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم.
والباغي في عرف الفقهاء: الخارج على أمام الحق اه.
لكن في المصباح: بغيته أبغيه بغيا: طلبته، وبغى على الناس بغيا: ظلم واعتدى فهو باغ والجمع بغاة، وبغى: سعى في الفساد، ومنه الفرقة الباغية لانها عدلت عن القصد، وأصله من بغى الجرح: إذا ترامى إلى الفساد اه.
وفي القاموس: الباغي: الطالب، وفئة باغية: خارجة عن طاعة الامام العادل اه.
قال في البحر: فقوله في فتح القدير: الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن إمام الحق تساهل، لما علمت أنه في اللغة أيضا اه.
قلت: قد اشتهر أن صاحب القاموس يذكر المعاني العرفية مع المعاني اللغوية، وذلك مما عيب به عليه، فلا يدل ذكره لذلك أنه معنى لغوي، ويؤيده أهل اللغة لا يعرفون معنى الاما الحق الذي جاء في الشرع بعد اللغة، نعم قد يعترض على الفتح بأن كلامه يقتضي اختصاص البغي بمعنى الطلب، وأن استعماله في الجور والظلم معنى عرفي فقط، وقد سمعت أنه لغوي أيضا.
وقد يجاب بأن مراده بقوله: ثم اشتهر في العرب الخ العرف اللغوي، وأن الاصل: ومدار اللفظ على معنى الطلب، لكن ينافيه قول المصباح: وأصله من بغى الجرح الخ، فتأمل.
قوله: (وشرعا هم الخارجون) عطفه على ما قبله يقتضي أن يكون التقدير والبغي شرعا هم الخارجون هو فاسد، كما أفاده ح، فكان المناسب أن يقول: فالبغاة عرفا: الطالبون لما لا يحل من جور وظلم، وشرعا الخ.
أفاده ط.
ويمكن أن يكون على تقدير مبتدأ: أي والبغاة شرعا الخ.
قوله: (على الامام الحق) الظاهر أن المراد به ما يعم المتغلب، لانه بعد استقرار سلطنته ونفوذ قهره لا يجوز الخروج عليه كما صرحوا به، ثم رأيت في الدر المنتقى قال: إن هذا في زمانهم، وأما في زماننا فالحكم للغلبة، لان الكل يطلبون الدنيا فلا يدرى العادل من الباغي كما في العمادية اه.
وقوله: بغير حق أي في نفس الامر، وإلا فالشرط اعتقادهم أنهم على حق بتأويل وإلا فهم لصوص، ويأتي تمام بيانه.
قوله:
(وتمامه في جامع الفصولين) حيث قال في أول الفصل الاول: بيانه أن المسلمين إذا اجتمعوا على إمام وصاروا آمنين به فخرج عليه طائفة من المؤمنين، فإن فعلوا ذلك لظلم ظلمهم به فهم ليسوا من أهل البغي وعليه أيترك الظلم وينصفهم، ولا ينبغي للناس أن يعينوا الامام عليهم لان فيه إعانة على الظلم، ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الامام أيضا لان فيه إعانة على خروجهم على الامام، وإن لم يكن ذلك لظلم ظلمهم ولكن لدعوى الحق والولاية فقالوا: الحق معنا فهم أهل البغي، فعلى كل من يقوى على القتال أن ينصروا إمام المسلمين على هؤلاء الخارجين، لانهم ملعونون(4/448)
على لسان صاحب الشرع، قال عليه الصلاة والسلام: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها فإن كانوا تكلموا بالخروج لكن لم يعزموا على الخروج بعد، فليس للامام أن يعترض لهم، لان العزم على الجناية لم يوجد بعد، كذا ذكر في واقعات اللامشي، وذكر، القلانسي في تهذيبه قال بعض المشايخ: لولا علي رضي الله عنه ما درينا القتال مع أهل القبلة، وكان علي ومن تبعه من أهل العدل وخصمه من أهل البغي، وفي زماننا الحكم للغلبة ولا تدري العادلة والباغية كلهم يطلبون الدنيا اه ط.
لكن قوله: ولا أن يعينوا تلك الطائفة على الامام، فيه كلام سيأتي.
قوله: (قطاع طريق) وهم قسمان: أحدهما الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة، يأخذون أموال المسلمين ويقتلونهم ويخيفون الطريق.
والثاني قوم كذلك، إلا أنهم لا منعة لهم لكن لهم تأويل، كذا في الفتح، لكنه عد الاقسام أربعة، وجعل هذا الثاني قسما منهم مستقلا ملحقا بالقطاع من جهة الحكم.
وفي النهر: هنا تحريف فتنبه له.
قوله: (وبغاة) هم كما في الفتح قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم اه.
والمراد خرجوا بتأويل وإلا فهم قطاع كما علمت.
وفي الاختيار: أهل البغي كل فئة لهم منعة يتغلبون ويجتمعون ويقاتلون أهل العدل بتأويل ويقولون الحق معنا ويدعون الولاية اه.
قوله: (وخوارج وهم قوم الخ) الظاهر أن المراد تعريف الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله تعالى عنه، لان مناط الفرق بينهم وبين البغاة هو استباحتهم دماء المسلمين وذراريهم بسبب الكفر، إذ لا تسبى الذراري ابتداء
بدون كفر، لكن الظاهر من كلام الاختيار وغيره أن البغاة أعم، فالمراد بالبغاة ما يشمل الفريقين، ولذا فسر في البدائع البغاة بالخوارج لبيان أنهم منهم وإن كان البغاة أعم، وهذا من حيث الاصطلاح، وإلا فالبغي والخروج متحققان في كل من الفريقين على السوية، ولذا قال علي رضي الله تعالى عنه في الخوارج: إخواننا بغوا علينا.
قوله: (لهم منعة) بفتح النون: أي عزة في قومهم فلا يقدر عليهم من يريدهم مصباح.
قوله: (بتأويل) أي بدليل يؤولونه على خلاف ظاهره، كما وقع للخوارج الذين خرجوا من عسكر علي عليه بزعمهم أنه كفر هو ومن معه من الصحابة، حيث حكم جماعة في أمر الحرب الواقع بينه وبين معاوية وقالوا: إن الحكم إلا الله، ومذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر، وأن التحكيم كبيرة لشبه قامت لهم استدلوا بها مذكورة مع ردها في كتب العقائد.
مطلب في أتباع عبد الوهاب الخوارج في زماننا قوله: (ويكفرون أصحاب نبينا (ص)) علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في اتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف.
قوله: (كما حققه في الفتح) حيث قال:(4/449)
وحكم الخوارج عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة.
وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم.
قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء.
مطلب في تكفير الخوارج وأهل البدع وقد ذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع.
وبعضهم يكفر من خالف منهم ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة، والنقل الاول أثبت، نعم يقع في كلام أهل مذهب تكفير كثير، لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم.
مطلب: لا عبرة بغير الفقهاء: يعني المجتهدين ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا، وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين اه.
لكن صرح في كتابه المسايرة بالاتفاق على تكفير المخالف فيما كان من أصول الدني وضرورياته: كالقول بقدم العالم، ونفي حشر الاجساد، ونفي العلم بالجزئيات، وأن الخلاف في غيره كنفي مبادئ الصفات، ونفي عموم الارادة، والقول بخلق القرآن الخ.
وكذا قال في شرح منية المصلي: إن ساب الشيخين ومنكر خلافتهما ممن بناه على شبهة له لا يكفر، بخلاف من ادعى أن عليا إله وأن جبريل غلط، لان ذلك ليس عن شبهة واستفراغ وسع في الاجتهاد بل محض هوى اه.
وتمامه فيه.
قلت: وكذا يكفر قاذف عائشة ومنكر صحبة أبيها، لان ذلك تكذيب صريح القرآن كما مر في الباب السابق.
قوله: بخلاف المستحل بلا تأويل) أي من يستحل دماء المسلمين وأموالهم ونحو ذلك، مما كان قطعي التحريم ولم يبنه على دليل كما بناه الخوارج كما مر، لانه إذا بناه على تأويل دليل من كتاب أو سنة كان في زعمه اتباع الشرع لا معارضته ومنابذته، بخلا ف غيره.
قوله: (والامام) أي الامام الحق الذي ذكره أولا ولم يذكر شروطه استغناء بما قدمه في باب الامامة من كتاب الصلاة، وقدمنا الكلام عليها هناك، فراجعها.
مطلب: الامام يصير إماما بالمبايعة أو بالاستخلاف ممن قبله قوله: (يصير إماما بالمبايعة) وكذا باستخلاف إمام قبله، وكذا بالتغلب والقهر كما في شرح المقاصد.
قال في المسايرة: ويثبت عقد الامامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وإما ببيعه جماعة من العلماء أو من أهل الرأي والتدبير.
وعند الاشعري: يكفي الواحد من العلماء المشهورين من أولي الرأي بشرط كونه بمشهد شهود لدفع الانكار إن وقع.
وشرط المعتزلة خمسة.
وذكر بعض الحنفية اشتراط جماعة دون عدد مخصوص اه.
ثم قال: لو تعذر وجود العلم والعدالة فيمن تصدى للامامة وكان في صرفه عنها إثارة فتنة لا تطاق حكمنا بانعقاد إمامته كي لا تكون كمن يبني قصرا ويهدم مصرا، وإذا تغلب آخر على المتغلب وقعد مكانه انعزل الاول وصار
الثاني إماما وتجب طاعة الامام عادلا كان أو جائرا إذا لم يخالف الشرع، فقد علم أنه يصير إماما بثلاثة أمور، لكن الثالث في الامام المتغلب وإن لتكن فيه شروط الامامة، وقد يكون بالتغلب مع المبايعة وهو الواقع في سلاطين الزمان نصرهم الرحمن.
قوله: (وبأن ينفذ حكمه) أي يشترط مع وجود(4/450)
المبايعة نفاذ حكمه، وكذا هو شرط أيضا مع الاستخلاف فيما يظهر، بل يصير إماما بالتغلب ونفاذ الحكم والقهر بدون مبايعة أو استخلاف كما علمت.
قوله: (فلا يفيد) أي لا يفيد عزله.
مطلب فيما يستحق به الخليفة العزل قوله: (وإلا ينعزل به) أي إن لم يكن له قهر ومنعه ينعزل به: أي بالجور.
قال في شرح المقاصد: ينحل عقد الامامة بما يزول به مقصود الامامة كالردة والجنون المطبق، وصيرورته أسيرا لا يرجى خلاصه، وكذا بالمرض الذي ينسبه المعلوم، وبالعمي والصمم والخرس، وكذا بخلعه نفسه لعجزه عن القيام بمصالح المسلمين وإن لم يكن ظاهرا بل استشعره من نفسه، وعليه يحمل خلع الحسن نفسه.
وأما خلعه لنفسه بلا سبب ففيه خلاف، وكذا في انعزاله بالفسق.
والاكثرون على أنه لا ينعزل، وهو المختار من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى.
وعن محمد روايتان، ويستحق العزل بالاتفاق اه.
وقافي المسايرة: وإذا قلد عدلا ثم جار وفسق لا ينعزل، ولكن يستحق العزل إن لم يستلزم فتنة اه.
وفي المواقف وشرحه: إن للامة خلع الامام وعزله بسبب يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها، وإن أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى الضرتين اه.
قوله: (فإذا خرج جماعة مسلمون) قيد بذلك لان أهل الذمة إذا غلبوا على بلدة صاروا أهل حرب كما مر، ولو قاتلونا مع أهل البغي لم يكن ذلك نقضا للعهد منهم، وهذا لا يرد على المصنف لانهم أتباع للبغاة المسملين.
نهر: أي فلهم حكمهم بطريق التبعية.
قوله: (عن طاعته) أي طاعة الامام، وقيده في الفتح بأن يكون الناس به في أمان والطرقات آمنة اه.
ومثله ما ذكره عن الدرر، وجهه أنه إذا لم يكن كذلك يكون عاجزا أو جائرا ظالما يجوز الخروج عليه وعزله إن لم يلزم منه فتنة كما علمته آنفا.
قوله: (وغلبوا على بلد) الظاهر إن ذكر البلد بيان للواقع غالبا، لان المدار على تجمعهم وتعسكرهم، وهو لا يكون إلا في محل يظهر فيه قهرهم والغالب كونه بلدة، فلو تجمعوا في برية فالحكم كذلك.
تأمل.
قوله: (أي إلى طاعته) أشار إلى أنه على تقدير مضاف.
قوله: (وكشف شبهتهم استحبابا) أي بأن يسألهم عن سبب خروجهم، فإن كان لظلم منه أزاله، وإن لدعوى أن الحق معهم والولاية لهم فهم بغاة فلو قاتلهم بلا دعوة جاز، لانهم علموا ما يقاتلون عليه كالمرتدين وأهل الحرب بعد بلوغ الدعوة.
بحر.
قوله: (فإن تحيزوا مجتمعين) أي مالوا إلى جهة مجتمعين فيها أو إلى جماعة، وهذا في معنى قوله: وغلبوا على بلد فكان أحدهما يغني عن الآخر على ما قلنا.
قوله: (حل لنا قتالهم بدءا) هذا اختيار لما نقله خواهر زاده عن أصحابنا أنا نبدؤهم قبل أن يبدؤونا، لانه لو انتظر حقيقة قتالهم (ربما) لا يمكنه الدفع، فيدار على الدليل ضرورة دفع شرهم.
ونقل القدوري أنه لا يبدؤهم حتى يبدؤوه.
وظاهر كلامهم أن المذهب الاول، بحر.
ولو اندفع شرهم بأهون من القتل وجب بقدر ما يندفع به شرهم.
زيلعي.(4/451)
مطلب في وجوب طاعة الامام قوله: (افترض عليه إجابته) والاصل فيه قوله تعالى: * (وأولي الامر منكم) * (سورة النساء: الآية 95) وقال (ص): اسمعوا وأطيعوا ولو أمر عليكم عبد حبشي أجدع وروى مجدع وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: عليكم بالسمع والطاعة لكل من يؤمر عليكم ما لم يأمركم بمنكر ففي المنكر لا سمع ولاطاعة، ثم إذا أمر العسكر بأمر فهو على وجه: إن علموا أنه نفع بيقين أطاعوه، وإن علموا خلافه كأن كان لهم قوة وللعدو مدد يلحقهم لا يطيعونه، وإن شكوا لزمهم إطاعته، وتمامه في الذخيرة.
قوله: (وإلا لزم بيته) أي إن لم يكن قادرا، وعليه يحمل ما روي عن جماعة من الصحابة، أنهم قعدوا في الفتنة، وربما كان بعضهم في تردد من حل القتال.
والمروي عن أبي حنيفة من قول الفتنة: إذا وقعت بين المسلمين فالواجب على كل مسلم أن يعتزل الفتنة ويقعد في بيته محمول على ما إذا لم يكن لهم إمام.
وما روى إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول
في النار محمول على اقتتالهما حمية وعصبية كما يتفق بين أهل قريتين ومحلتين، أو لاجل الدنيا والملك، وتمامه في الفتح.
قوله: (وفي المبتغى الخ) موافق لما مر من جامع الفصولين، ومثله في السراج، لكن في الفتح: ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الامام، إلا أن أبدوا ما يجوز لهم القتال كان ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه، بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره، بخلاف ما إذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التي للامام أخذها وإلحاق الضرر بها لدفع ضرر أعم منه اه.
قلت: ويمكن التوفيق بأن وجوب إعانتهم إذا أمكن امتناعه عن بغيه، وإلا فلا كما يفيده قول المبتغى، ولا يمتنع عنه.
تأمل.
قوله: (ولو طلبوا الموادعة) أي الصلح من ترك قتالهم ط.
قوله: (ولا يؤخذ منهم شئ) أي على الموادعة لانهم مسلمون، ومثله في المرتدين.
قوله: (لا نقتل رهونهم) أي وإن وقع الشرط على أن أيهما غدر يقتل الآخرون الرهن، لانهم صاروا آمنين بالموادعة أو بإعطاء الامان لهم حين أخذناهم رهنا، والغدر من غيرهم لا يؤاخذون به، والشرط باطل، وتمامه في الفتح.
قوله: (أو يصيروا ذمة لنا) أو بمعنى إلا، فلذلك حذف النون ح.
قوله: (أجهز على جريحهم) بالبناء للمفعول فيه وفي اتبع.
قوله: (أي أتم قتله) في المصباح: جهزت على الجريح من(4/452)
باب نفع، وأجهزت إجهازا: أتممت عليه وأسرعت قتله.
قوله: (واتبع موليهم) اي هاربهم لقتله أو أسره كي لا يلحق هو أو الجريح بفئته.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم يكن لهم فئة يلحقون بها لا يجهز ولا يتبع.
قوله: (إن شاء قتله) أي إن كان له فئة وإلا لا كما في القهستاني عن المحيط.
قال في الفتح: ومعنى هذا الخيار أن يحكم نظره فيما هو أحسن الامرين في كسر الشوكة لا بهوى النفس والتشفي.
قوله: (كنساء وشيوخ) أدخلت الكاف الصبيان والعميان كما في البحر ط.
قوله: (ما لم يقاتلوا) أي فيقتلون حال القتال وبعد الفراغ إلا الصبيان والمجانين.
بحر.
قوله: (ولا يقتل) أي يكره له كما في الفتح.
قوله: (ما لم يرد قتله) فإذا أراده فله دفعه ولو بقتله، وله أن يتسبب ليقتله غيره كعقر دابته، بخلاف أهل الحرب فله أن يقتل محرمه منهم مباشرة إلا الوالدين.
بحر: أي فإنه لا يجوز
له قتل الوالدين الحربيين مباشرة، بل له منعهما ليقتلهما غيره إلا إذا أراد قتله ولا يمكن دفعه إلا بالقتل فله قتلهما مباشرة كما مر أول الجهاد.
والحاصل أن المحرم هنا كالوالدين، بخلاف أهل الحرب، فإن له قتل المحرم فقط.
والفرق كما في الفتح أنه اجتمع في الباغي حرمتان: حرمة الاسلام، وحرمة القرابة.
وفي الكافر حرمة القرابة فقط.
قوله: (ولم تسب لهم ذرية) أي أولاد صغار، وكذا النساء، لان الاسلام يمنع الاسترقاق ابتداء كما في الزيلعي.
قوله: (وبيع الكراع أولى) بضم الكاف، من تسمية الشئ باسم بعضه، لما في المصباح أن الكراع من الغنم والبقر مستدق الساعد بمنزلة الوظيف من الفرس، وهو مؤنث يجمع على أكرع والاكرع على أكارع.
قال الازهري: الاكارع للدابة قوائمها.
قوله: (لانه أنفع) أي أنفع من إمساكه والانفاق عليه من بيت المال، أو للرجوع على صاحبه كما يفيده كلام البحر.
قوله: (وألقى السلاح) فعل ماض معطوف على قال.
قوله: (فمتى ألقاه الخ) قال في الفتح: وما لم يلق السلاح في صورة من الصور كان له قتله، ومتى ألقاه كف عنه، بخلاف الحربي لا يلزمه الكف عنه بإلقاء السلاح.
قوله: (فلا شئ فيه) أي لا دية ولا قصاص إذا ظهرنا عليهم.
فتح.
قوله: (لكونه مباح الدم) ألا ترى أن العادل إذا قتله لا يجب عليه شئ، ولان القصاص لا يستوفى إلا بالولاية وهي بالمنفعة، ولا ولاية لامامنا عليهم فلم يجب شئ وصار كالقتل في دار(4/453)
الحرب.
وعند الائمة الثلاثة يقتل به فتح.
(فلا إثم أيضا).
أخذه في النهر من ظاهر كلام الفتح ومثله في البحر، فتأمله قوله: (وقتلانا شهداء) أي فيصنع بهم ما يصنع بالشهدا كافي.
قوله: (بل يكفنون) أي بعد أن يغسلوا كما في البحر ح.
قوله: (لانها مثلة) أي لان هذه الهيئة: أو أنثه لتأنيث الخبر: أي والمثلة منهى عنهما.
قوله: (وجوزه بعض المتأخرين) لمنع كونه مثلة.
قال في البحر: ومنعه في المحيط في رؤوس البغاة، وجوزه في رؤوس أهل الحرب.
قوله: (إن لم يجر الخ) أي بأن أخرجهم إمام العدل قبل تقرر حكمهم لانه حينئذ لم تنقطع ولاية الامام فوجب القود.
فتح.
قوله: (وإن جرى لا) أي لا يقتل به ولكن يستحق عذاب الآخرة.
فتح.
قوله: (مطلقا) يفسره
ما بعده.
قال في البحر: إذا قتل عادل باغيا فإنه يرثه، ولا تفصيل فيه لانه قتله بحق فلا يمنع الارث.
وأصله أن العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم، لانه مأمور بقتالهم دفعا لشرهم، كذا في الهداية ونحوه في البدائع.
وفي المحيط: العادل لو أتلف مال الباغي يضمن لانه معصوم في حقنا.
ووفق الزيلعي بحمل الاول على إتلافه حال القتال بسبب القتال، إذلا يمكنه أن يقتلهم إلا بإتلاف شئ من أموالهم كالخيل، وأما في غير هذه الحالة فلا معنى لمنع الضمان لعصمة أموالهم اه.
ملخصا.
قلت: ويظهر لي التوفيق بوجه آخر، وهو حمل الضمان على ما قبل تحيزهم وخروجهم أو بعد كسرهم وتفرق جمعهم، أما إذا تحيزوا لقتالنا مجتمعين فإنهم غير معصومين بدليل حل قتالنا لهم، ويدل عليه تعليل الهداية بالامر بقتالهم، إذ لا يؤمر بقتالهم إلا في هذه الحالة.
فلو أتلف العادل منهم شيئا في هذه الحالة لا يضمنه لسقوط العصمة، بخلاف غيرها فإنه يضمن لانه حينئذ معصوم في حقنا، ولم أر من ذكر هذا التوفيق، والله تعالى الموفق.
قوله: (وبالعكس) أي إذا قتل باغ عادلا.
قوله: (وقت قتله) متعلق بقوله: أنا على باطل فكان عليه أن يذكره عقبه، إذ لا يلزم قوله ذلك وقت قتله، بل اللازم اعتقاد ذلك وقته، لكن قد يأتي لفظ قال بمعنى اعتقد تأمل.
وعبارة البحر: وإن قال قتلته وأنا أعلم أني على باطل لم يرثه.
اتفاقا أي من أبي يوسف وصاحبيه.
قوله: (لعدم الشبهة) وهي التأويل باعتقاد كونه على حق.
قوله: (ورثه) أي خلافا لابي يوسف لانه أتلف بتأويل فاسد، والفاسد منه ملحق بالصحيح إذا ضمت إليه المنعة في حق الدفع كما في منعة أهل الحرب وتأويلهم.
والحاصل أن نفي الضمان منوط بالمنعة مع التأويل، فلو تجردت المنعة عن التأويل كقوم تغلبوا على بلدة فقتلوا واستهلكوا الاموال بلا تأويل ثم ظهر عليهم أخذوا بجميع ذلك، ولو انفرد التأويل عن المنعة بأن انفرد واحد واثنان فقتلوا وأخذوا عن تأويل ضمنوا إذا تابوا وقدر عليهم،(4/454)
وتمامه في الفتح والزيلعي.
وفي الاختيار: وما أصاب كل واحد من الفريقين من الآخر من دم أو
جراحة أو استهلاك مال فهو موضوع لا دية فيه ولا ضمان ولا قصاص، وما كان قائما في يد كل واحد من الفريقين للآخر فهو لصاحبه.
قال محمد رحمه الله تعالى: إذا تابوا أفتيهم أن يغرموا، ولا أجبرهم على ذلك لانهم أتلفوه بغير حق، فسقوط المطالبة لا يسقط الضمان فيما بينه وبين الله تعالى، وقال أصحابنا: ما فعلوه قبل التحيز والخروج وبعد تفرق جمعهم يؤخذون به لانهم من أهل دارنا، ولا منعة لهم كغيرهم من المسلمين، أما ما فعلوه بعد التحيز لا ضمان فيه لما بيننا اه.
قلت: فتحصل من ذلك كله أن أهل البغي إذا كانوا كثيرين ذوي منعة وتحيزوا لقتالنا معتقدين حله بتأويل سقط عنهم ضمان ما أتلفوه من دم أو مال دون ما كان قائما، ويضمنون كل ذلك إذا كانوا قليلين لا منعة لهم أو قبل تحيزهم أو بعد تفرق جمعهم، وتقدم أن ما أتلفه أهل العدل لا يضمنونه، وقيل يضمنونه وقدمنا التوفيق.
قوله: (تبطل ديانته) أي تأويله الذي كان يتدين به وأسقطنا ضمانه بسببه، فإذا رجع ظهر أنه لا تأويل له فلا يرث ويضمن ما أتلف.
وفي عامة النسخ ديانة بدون ضمير، وهو تحريف، والموافق لما في ابن كمال عن غاية البيان هو الاول.
قوله: (عمدا) ليس في كلام الفتح، ولكن حمله عليه في النهر لانه المراد بدليل التعليل.
ثم قال في النهر: وينبغي أن لا يرث منه، وهذه ترد على إطلاق المصنف.
قوله: (كما في المستأمن) أي كما لو قتل المسلم مستأمنا في دارنا.
فتح.
قوله: (لبقاء شبهة الاباحة) علة لعدم وجوب القصاص المفهوم من وجوب الدية اه ح.
مطلب في كراهة بيع ما تقوم المعصية بعينه قوله: (تحريما) بحث لصاحب البحر حيث قال: وظاهر كلامهم أن الكراهة تحريمية لتعليلهم بالاعانة على المعصية ط.
قوله: (من أهل الفتنة) شمل البغاة وقطاع الطريق واللصوص.
بحر.
قوله: (إن علم) أي إن علم البائع أن المشتري منهم.
قوله: (لانه إعانة على المعصية) لانه يقاتل بعينه، بخلاف ما لا يقاتل به إلا بصنعة تحدث فيه كالحديد ونظيره كراهة بيع المعازف لان المعصية تقام بها عينها، ولا يكره بيع الخشب المتخذة هي منه، وعلى هذا بيع الخمر لا يصح ويصح بيع العنب، والفرق في ذلك كله ما ذكرنا.
فتح.
ومثله في البحر عن البدائع، وكذا في الزيلعي لكنه
قال بعده: وكذا لا يكره بيع الجارية المغنية والكبش النطوح والديك المقاتل والحمامة الطيارة، لانه ليس عينها منكرا وإنما المنكر في استعمالها المحظور اه.
قلت: لكن هذه الاشياء تقام المعصية بعينها، لكن ليست هي المقصود الاصلي منها، فإن عين الجارية للخدمة، مثلا والغناء عارض فلم تكن عين المنكر، بخلاف السلاح فإن المقصود الاصلي منه هو المحاربة به فكان عينه منكرا إذا بيع لاهل الفتنة، فصار المراد بما تقام المعصية به ما كان عينه منكر بلا عمل صنعة فيه، فخرج نحو الجارية المغنية لانها ليست عين المنكر، ونحو الحديد والعصير لانه وإن كان يعمل منه عين المنكر لكنه بصنعة تحدث فلم يكن عينه، وبهذا ظهر أن بيع الامرد ممن يلوط به مثل الجارية المغنية فليس مما تقوم المعصية بعينه، خلافا لما ذكره(4/455)
المصنف والشارح في باب الحظر والاباحة، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (يكره لاهل الحرب) مقتضى ما نقلناه عن الفتح عدم الكراهة، إلا أن يقال: المنفي كراهة التحريم والمثبت كراهة التنزيه، لان الحديد وإن لم تقم المعصية بعينه لكن إذا كان بيعه ممن يعمله سلاحا كان فيه نوع إعانة.
تأمل.
قوله: (نهر) عبارته: وعرف بهذا أنه لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به كبيع الجارية المغنية والكبش النطوح والحمامة الطيارة والعصير والخشب الذي يتخذ منه المعازف، وما في بيوع الخانية من أنه يكره بيع الامرد من فاسق يعلم أنه يعصي به مشكل.
والذي جزم به في الحظر والاباحة أنه لا يكره بيع جارية ممن يأتيها في دبره أو بيع الغلام من لوطي وهو الموافق لما مر.
وعندي أن ما في الخانية محمول على كراهة التنزيه والمنفي هو كراهة التحريم، وعلى هذا فيكره في الكل تنزيها، والذي إليه تطمئن النفس لانه تسبب في الاعانة، ولم أر من تعرض لهذا، والله تعالى الموفق اه.
قوله: (ينفذ) بالتشديد مبنيا للمجهول.
قوله: (لو عادلا) أي لو كان حكم قاضيهم عادلا: أي على مذهب أهل العدل.
قال في الفتح: وإذا ولى البغاة قاضيا على مكان غلبوا عليه فقضى ما شاء ثم ظهر أهل العدل فرفعت أقضيته إلى قاضي العدل نفذ منها ما هو عدل، وكذا ما قضى برأي بعض المجتهدين، لان قضاء القاضي في المجتهدات نافذ وإن كان مخالفا لرأي قاضي
العدل اه.
قوله: (ولو كتب قاضيهم الخ) محله إذا كان من أهل العدل، وإلا لا يقبل كتابه لفسقه كما في الفتح.
وأفاد صحة تولية البغاة القضاء كما سيأتي في بابه، والله سبحانه أعلم(4/456)
كتاب اللقيط أي كتاب لقط اللقيط.
قهستاني، والاولى قژول الحموي كتاب في بيان أحكام اللقيط، لان الكتاب معقود لبيان ما هو أعم من لقطه كنفقته وجنايته وإرثه وغير ذلك ط.
قوله: (عقبه مع اللقطة بالجهاد) تبع في هذا التعبير صاحب النهر، وفيه قلب، وصوابه عقب الجهاد به مع اللقطة ط.
قلت: لكن في المصباح: كل شئ جاء بعد شئ فقد عاقبه وعقبه تعقيبا، ثم قال: وعقبت زيدا عقبا من با ب قتل وعقوبا جئت بعده، ثم قال: والسلام يعقب التشهد: أي يتلوه، فهو عقيب اه.
فعلى هذا إذا قلت أعقبت زيدا عمرا كان معناه: جعلت زيدا تاليا لعمرو، لان زيدا فاعل في الاصل كما في ألبست زيدا جبة، وكذا تقول أعقبت السلام التشهد: أي أتيت بالسلام بعد التشهد، ومثله أعقبت السلام بالتشهد بزيادة الباء، وعليه فقوله عقب اللقيط بالجهاد معناه: أتى به عقب الجهاد فلا قلب فيه، هذا ما ظهر لي.
قوله: (لعرضيتهما) بفتح العين والراء اه ح: أي لتوقع عروض الهلاك والزوال فيهما: أي كما أن الانفس والاموال في الجهاد على شرف الهلاك، وإنما قدمه عليهما لكونهما فرضا لاعلاء كلمة الله تعالى والالتقاط مندوب.
قوله: (ما يلقط) أي يرفع من الارض.
فتح.
قوله: (ثم غلب) أي في اللغة كما هو ظاهر المغرب والمصباح، فهو كاستعمالهم اللفظ بمعنى الملفوظ ثم تخصيصه بما يلفظه الفم من الحروف.
قوله: (باعتبار المآل) لانه يؤول أمره إلى الالتقاط في العادة، وظاهره أنه مجاز لغوي بعلاقة الاول مثل (أعصر خمرا وانظر ما قدمناه في باب كيفية القسمة عند قوله: سماه قتيلا الخ.
قوله: (وشرعا اسم لحي مولود الخ) كذا في البحر، وظاهر الفتح اتحاد المعنى الشرعي واللغوي، وعلى ما هنا فالمغايرة بينهما بزيادة قيد الحياة وهو غير ظاهر، لان الميت كذلك فيما يظهر حتى يحكم بإسلامه تبعم للدار فيغسل ويصلى عليه، ولو وجد قتيلا في محلة تجب فيه الدية والقسامة كما سنذكره.
تأمل.
والمراد به ما كان من بني آدم
كما نقل عن الاتقاني وقيد بقوله: طرحه أهله احترازا عن الضائع.
قوله: (خوفا من العيلة) بالفتح: الفقر.
مصباح.
قوله: (فرارا من تهمة الريبة) التهمة: بفتح الهاء وسكونها: الشك والريبة.
مصباح.
وفيه أيضا: الريبة: الظن والشك، لكن المراد بها هنا الزنا.
قوله: (مضيعة) أي طارحه أو تاركه حتى ضاع أي هلك.
قوله: (إن غلب على ظنه هلاكه) بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك، وليس مراد الكنز من الوجوب الاصطلاحي بل الافتراض، فلا خلاف بيننا وبين باقي الائمة كما قدم توهم.
بحر.
قال في النهر: وفيه إيماء إلى أنه يشترط في الملتقط كونه مكلفا، فلا يصح التقاط الصبي والمجنون، ولا يشترط كونه مسلما عدلا رشيدا لما سيأتي من أن التقاط الكافر صحيح والفاسق أولى، وأن العبد المحجور عليه يصح التقاطه أيضا، فالمحجور عليه بالسفه(4/457)
أولى اه.
ويأتي قريبا تمام الكلام على المحجور.
قوله: (وإلا فمندوب) قال في البحر: وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه، لانه وجب عليه بعد التقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه.
قوله: (وهو حر) أي في جميع أحكامه حتى يحد قاذفه، لان الاصل في بني آدم الحرية لانهم أولاد خيار المسلمين آدم وحواء وإنما عرض الرق بعروض الكفر لبعضهم، وكذا الدار دار الاحرار.
فتح.
وشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد والولوالجية.
وفي المحيط: لو وجده المحجور ولا يعرف إلا بقوله قال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى، لانه ذو اليد إذا لا يد للعبد على نفسه وإن كان العبد مأذونا فالقول له لان له يدا، وتمامه في البحر.
قوله: (مسلم تبعا للدار) أفاد أن المعتبر في ثبوت إسلامه المكان، سواء كان الواجد مسلما أو كافرا، وفيه خلاف سيأتي.
قوله: (إلا بحجة رقه) يستثنى منه ما لو كان الملتقى عبدا محجورا وادعى مولاه أنه عبده كما مر آنفا، وكذا لو ادعاه الملتقط الحر إن لم يكن أقر بأنه لقيط كما في البحر.
قوله: (على خصم وهم الملتقط) هذا إذا كان اللقيط صغيرا، فلو كبيرا يثبت رقه بإقامة البينة عليه وبإقراره أيضا كما في القهستاني عن النظم لكن إقراره يقتصر عليه ويأتي بيانه في الفروع.
قوله: (وما يحتاج إليه) عبارة المتون: ونفقته في بيت المال.
قال في البحر: ولو قال وما
يحتاج إليه كان أولى، لما في المحيط من أن مهره إذا زوجه السلطان في بيت المال، وإن كان له مال ففي ماله اه.
قوله: (من نفقة وكسوة الخ) في النهر: قد مر أن النفقة اسم للطعام والشراب والكسوة والسكنى.
قوله: (ودواء) ذكره في النهر بحثا لانه أولى من التزويج.
قوله: (إذا زوجه السلطان) أي أو وكيله، وقيد به لان الملتقط لا يملك تزويجه كما يأتي.
والظاهر أن تزويج السلطان له مقيد بالحاجة، كما لو احتاج إلى خادم فزوجه امرأة تخدمه أو نحو ذلك، وإلا ففيه الاتفاق من بيت المال بلا ضرورة.
والظاهر أن نفقة زوجته في بيت المال أيضا، فتأمل.
قوله: (إن برهن على التقاطه) لانه عساه ابنه والوجه أن لا يتوقف على البينة بل ما يرجح صدقه لانها لم تقم على خصم حاضر، ولذا قال في المبسوط: هذه لكشف الحال، والبينة لكشف الحال مقبولة وإن لم تقم على خصم.
فتح.
تنبيه: أفاد أنه لو أنفق الملتقط من ماله فهو متبرع إلا إذا أذن له القاضي بشرط الرجوع، وسيأتي تمامه في اللقطة.
قوله: (ولو دية) قال في الفتح: حتى لو وجد اللقيط قتيلا في محلة كان على أهلها ديته لبيت المال وعليهم القسامة، وكذا إذا قتله الملتقط أو غيره خطأ فالدية على عاقلته لبيت المال، ولو عمدا فالخيار إلى الامام اه: أي بين القتل والصلح على الدية، وليس له العفو.
بحر.
قوله: (كجنايته) أي على غيره.
مطلب في قولهم: الغرم بالعنم قوله: (لان الغرم بالغنم) تعليل لقوله كجنايته.
قال في المصباح: والغنم بالغرم: أي مقابل به، فكما أن المالك يختص بالغنم ولا يشاركه فيه أحد فكذلك يتحمل الغرم ولا يتحمل معه أحد،(4/458)
وهذا معنى قولهم: الغرم مجبور بالغنم اه.
قوله: (وليس لاحد أخذه منه قهرا) لانه ثبت حق الحفظ له لسبق يده، وينبغي أن ينتزع منه إذا لم يكن أهلا لحفظه كما قالوا في الحاضنة، وكما يفيده قول الفتح الآتي إلا بسبب يوجب ذلك.
بحر.
قلت: وكذا يفيده ما سيأتي من أنه يثبت نسبه من ذمي، ولكن هو مسلم فينزع من يده قبيل
عقل الاديان.
والظاهر أن النزع فيه واجب، كما لو كان الملتقط فاسقا يخشى عليه منه الفجور باللقيط فينزع منه قبيل حد الاشتهاء ولا ينافيه ما في الخانية من أنه إذا علم القاضي عجزه عن حفظه بنفسه وأتى به إليه فإن الاولى له أن يقبله اه، لانه إذا لم يرد بالاولى الوجوب فوجهه أنه إذا لم يقبله منه بعد ما أتى به إليه علم أمانته وديانته وأنه حيث لم يقبله منه يدفعه هو إلى من يحفظه فلم يتعين القاضي لاخذه منه، بخلاف ما إذا كان يخشى عليه من الملتقط، وبه اندفع ما في النهر.
قوله: (في الفتح لا) حيث قال: لا ينبغي للامام أن يأخذ من الملتقط إلا بسبب يوجب ذلك، لان يده سبقت إليه فهو أحق منه.
قوله: (وحرر في النهر نعم) حيث قال: وأقول المذكور في المبسوط أن للامام الاعظم أن يأخذه بحكم الولاية العامة إلا أنه لا ينبغي له ذلك، وهو الذي ذكره في الفتح.
قوله: (وهذا) أي عدم أخذه من الملتقط.
قوله: (لانه أنفع للقيط) لانه يعلمه أحكام الاسلام ولانه محكوم له بالاسلام، فكان المسلم أولى بحفظه.
أفاده في البحر.
قلت: وهذا إذا لم يعقل الاديان وإلا نزع من الكافر ولو كان هو الملتقط وحده كما يأتي.
تأمل.
قوله: (ولو استويا) بأن كانا مسلمين أو كافرين.
قوله: (فالرأي للقاضي) وينبغي أن يرجح ما هو أنفع للقيط.
نهر.
بأن يقدم العدل على الفاسق والغني على الفقير، بل ظاهر تعليل الخانية بأنه أنفع للقيط عدم اختصاص الترجيح بالاسلام فيعم ما ذكر، فيقضي به للعدل والغنى حيث كان هو الانفع، ولذا قال في البحر: وهو يفيد أنه إن أمكن الترجيح اختص به الراجح اه.
وعلى هذا يحمل قوله ولو استويا: أي في صفات الترجيح كلها.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا تصح دعواهما، أما الملتقط فلتناقضه، وأما غيره فلان فيه إبطال حق ثابت بمجرد دعوى: أعني الحفظ للملتقط وحق الولد للعامة.
وجه الاستحسان أنه إقرار للصبي بما ينفعه والتناقض لا يضر في دعوى النسب، وإبطال حق الملتقط ضمنا ضرورة ثبوت النسب، وكم من شئ يثبت ضمنا لا قصدا، ألا ترى أن شهادة القابلة بالولادة تصح ثم يترتب عليها استحقاقه للارث، ولو شهدت عليه ابتداء لم يصح.
نهر.
قوله: (لو حيا) أي لو كان اللقيط حيا وهو مرتبط بقوله: بمجرد دعواه.
قوله: (وإلا فبالبينة) أي وإن كان اللقيط ميتا وترك مالا أو لم يترك فادعى رجل بعد موته أنه ابنه لا يصدق إلا بحجة.
بحر عن الخانية: أي لاحتمال ظهور مال له، ولعل وجه الفرق أن دعوى الحي تتمحض للنسب، بخلاف الميت لاستغنائه عنه بالموت فصارت دعوى الارث، ثم رأيته صريحا في الفتح.
وأيضا فإنه(4/459)
في دعوى الحي غير متهم لاقراره على نفسه بوجوب النفقة.
تأمل.
قوله: (ومن اثنين مستويين) أي إذا ادعياه معا فلو سبق أحدهما فهو ابنه ما لم يبرهن الآخر، وقيد الاستواء، إذ لو كان لاحدهما مرجح، فهو أولى كملتقط وخارج فيحكم به للملتقط ولو ذميا وبإسلام الولد، ولو خارجين يقدم من برهن على من لم يبرهن، والمسلم على الذمي، والحر على العبد، والذمي الحر على العبد المسلم، أفاده في البحر.
وكأن الشارح ترك التقييد بالمعية لكون الاسبق له مرجح وهو السبق لعدم المنازع، ومن المرجح وصف أحدهما علامة كما يأتي.
قوله: (كولد أمة مشتركة) أي فإنه لو ادعاه كل من الشريكين أو الشركاء معا ثبت من الكل، فهو تشبيه لمسألة المتن بهذه كما نبه عليه في الدر المنتقى لا تقييد لما في المتن بما إذا ادعاه كل من الملتقطين من جارية مشتركة، خلافا لما فهمه في البحر من عبارة الخانية كما نبه عليه في النهر، ولذا قال بعده: ولا يشترط اتحاد الام، وبه صرح في التتارخانية كما يأتي.
قوله: (وعبارة المنية) مبتدأ ومضاف إليه، وقوله: ادعاه الخ بدل من عبارة، وقوله: ظاهرة خبر المبتدأ، ومثل ما في المنية ما في الفتح حيث قال: ولا يلحق بأكثر من اثنين عند أبي يوسف، وهو رواية عن أحمد.
وعند محمد: لا يلحق بأكثر من ثلاثة.
وفي شرح الطحاوي: وإن كان المدعي أكثر من اثنين، فعن أبي حنيفة أنه جوزه إلى خمسة اه.
قال في البحر: ولم أر توجيه هذه الاقوال.
قوله (ولا يشترط اتحاد الام) لما في النهر عن التتارخانية: لو عين كل واحد منهما امرأة أخرى قضى بالولد بينهما، وهل يثبت نسب الولد من المرأتين على قياس قوله: يثبت وعلى قولهما: لا.
قوله: (لكن في القهستاني الخ) استدراك على ما في المنية، وعبارة القهستاني هكذا: وفيه: أي في قول النقاية: ولو رجلين إشارة إلى أنه لو ادعاه أكثر من رجلين لم يثبت منه، وهذا عند أبي يوسف.
وأما عند محمد فيثبت من الثلاث لا الاكثر.
وعند أبي حنيفة: يثبت من الاكثر اه.
فقوله: من الاكثر يشمل ما فوق الخمسة، لكن حيث قيده غيره بالخمسة يحمل إطلاقه
عليه لانه صريح.
قوله: (ولو رجلا وامرأتين) لعله أتى بالمبالغة إشارة إلى أن قوله الآتي: فلا بد من شهادة رجلين ليس المراد به الحصر في الرجلين بل المراد به نصاب الشهادة فهو نفي لقبول شهادة الفرد، فلا ينافي قبول شهادة رجل وامرأتين لان الشهادة على النسب لا يشترط فيها الرجال، بخلاف نحو الحدود والقود، فافهم.
قوله: (على الغير) أي على الزوج لانه يلزم من ثبوته منها ثبوته منه لان الولد للفراش.
قوله: (فلا بد من شهادة رجلين) ذكر في النهر أن هذا يخالف ما في المنية من أنها تصدق ولو ادعت أنه ابنها منه اه.
وذكر في الخانية الفرق بين هذا وبين قبول دعوى الرجل بلا بينة، وهو أن في قبول قول الرجل دفع العار عن اللقيط، وليس ذلك في دعوى المرأة فلا يقبل قولها بلا بينة اه.
ولذا قبل قولها بتصديق الزوج وشهادة القابلة، لانه يثبت نسبه من الزوج فيندفع عنه العار: أي(4/460)