مسألة التأجيل خلاف يأتي.
قوله: (لان الصريح الخ) أي يعتبر ما شرطا وأن تعورف تعجيل البعض، لان الشرط صريح والعرف دلالة، والصريح أقوى.
قوله: (إلا إذا جهل الاجل) إذ هنا ظرفية فهو استثناء من أعم الظروف: أي فكما شرطا في كل وقت إلا في وقت جهل الاجل، فافهم.
قال في البحر: فإن كانت جهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحوه فهو كالمعلوم على الصحيح كما في لظهيرية، بخلاف البيع فإنه لا يجوز بهذا الشرط، وإن كانت متفاحشة كإلى الميسرة أو إلى هبوب الريح أو أن تمطر السماء فالاجل لا يثبت ويجب المهر حالا، وكذا في غاية البيان ا ه.
قوله: (إلا التأجيل) استثناء من المستثنى ح.
قوله: (فيصح للعرف) قال في البحر: وذكر في الخلاصة والبزازية اختلافا فيه، وصحح أنه صحيح.
وفي الخلاصة: وبالطلاق يتعجل المؤجل، ولو راجعها لا يتأجل ا ه: يعني إذا كان التأجيل إلى الطلاق.
أما لو إلى مدة معينة لا يتعجل بالطلاق، كما قد يقع في مصر من جعل بعضه حالا وبعضه مؤجلا إلى الطلاق، أو الموت وبعضه منجما، فإذا طلقها تعجل البعض المؤجل لا المنجم، فتأخذه بعد الطلاق على نجومه كما تأخذه قبله.
واختلف هل يتعجل المؤجل بالطلاق الرجعي مطلقا أو إلى انقضاء العدة؟ وجزم في القنية بالثاني، وعزاه إلى عامة المشايخ.
ولو ارتدت ولحقت ثم أسلمت وتزوجها فالمختار أنه لا يطالب بالمهر المؤجل إلى الطلاق كما في الصيرفية لان الردة فسخ لا طلاق ا ه ملخصا.
قوله: (وبه يفتى استحسانا) لانه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع.
وفي الخلاصة أن الاستاذ ظهير الدين كان يفتي بأنه ليس لها الامتناع، والصدر الشهيد كان
يفتي بأن لها ذلك ا ه.
فقد اختلف الافتاء.
بحر.
قلت: الاستحسان مقدم، فلذا جزم به الشارح.
وفي البحر عن الفتح: وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل حلول الاجل، فلو شرطه ورضيت به ليس لها الامتناع اتفاقا ا ه.
تنبيه: يفهم من قول الشارح إن أجله كله أنه لو أجل البعض ودفع المعجل ليس لها الامتناع على قول الثاني، مع أنه في شرح الجامع لقاضيخان ذكر أو لا أنه لو كان المهر مؤجلا ليس لها المنع قبل حلول الاجل ولا بعده، وكذا لو كان المؤجل بعضه واستوفت العاجل، وكذا لو أجلته بعد العقد.
ثم قال: وعلى قول أبي يوسف لها المنع إلى استيفاء الاجل في جميع هذه الفصول إذا لم يكن دخل بها الخ، وهذا مخالف لقول المصنف لاخذ ما بين تعجيله الخ لكن رأيت في الذخيرة عن الصدر الشهيد أنه قال في مسألة تأجيل البعض أن له الدخول بها في ديارنا بلا خلاف، لان الدخول عند أداء المعجل مشروط عرفا فصار كالمشروط نصا، أما في تأجيل الكل فغير مشروط لا عرفا ولا نصا فلم يكن له الدخول على قول الثاني استحسانا.
فافهم.
قوله: (على أن يعجل أربعين) أي قبل(3/158)
الدخول.
قوله: (لها منعه حتى تقبضه) أي تقبض الباقي بعد الاربعين، إذ ليس في اشتراط تعجيل البعض مع النص على حلول الجميع دليل على تأخير الباقي إلى الطلاق أو الموت بوجه من وجوه الدلالات.
والذي عليه العادة في مثل هذا التأخير إلى اختيار المطالبة.
بحر عن فتاوى العلامة قاسم.
فرع: في الهندية عن الخانية: تزوجها بألف على أن ينقدها ما تيسر له والبقية إلى سنة فالالف كله إلى سنة ما لم تبرهن أنه تيسر له منه شئ أو كله فتأخذه.
قوله: (ولها النفقة بعد المنع) أي المنع لاجل قبض المهر، ويشمل المنع من الوطئ وهي في بيته وهو ظاهر، وكذا لو امتنعت من النقلة إلى بيته فلها النفقة كما يأتي في بابها، وكذا لو سافرت.
ويشكل عليه أن النفقة جزاء الاحتباس، ولهذا لو كانت مغصوبة أو حاجة وهو ليس معها لا نفقة لهامع أنها لم تحتبس بعذر.
وقد يجاب بأن التقصير جاء من جهته بعدم دفع المهر فكانت محتبسة حكما كما لو أخرجها من منزله فلها النفقة، بخلاف المغصوبة والحاجة فإن ذلك ليس من جهته، هذا ما ظهر لي.
قوله: (فلا تخرج الخ) جواب شرط مقدر، أي فإن قبضته فلا تخرج الخ، وأفاد به تقييد كلام المتن، فإن مقتضاه أنها إن قبضته ليس لها الخروج للحاجة وزيارة أهلها بلا إذنه مع أنه لها الخروج، وإن لم يأذن في المسائل التي ذكرها الشارح كما هو صريح عبارته في شرحه على الملتقى عن الاشباه، وكذا فيما لو أرادت حج الفرض بمحرم، أو كان أبوها زمنا مثلا يحتاج إلى خدمتها ولو كان كافرا، أو كانت لها نازلة ولم يسأل لها الزوج عنها من عالم فتخرج بلا إذنه في ذلك كله كما بسطه في نفقات الفتح: خلافا لما في القهستاني، وإن تبعه ح حيث قال بعد الاخذ: ليس لها أن تخرج بلا إذنه أصلا، فافهم.
قوله: (أو لزيارة أبويها) سيأتي في باب النفقات عن الاختيار تقييده بما إذا لم يقدرا على إتيانها، وفي الفتح أنه الحق.
قال: وإن لم يكونا كذلك ينبغي أن يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف، أما في كل جمعة فهو بعيد، فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إن كانت شابة والرجل من ذوي الهيئات.
قوله: (أو لكونها قابلة غاسلة) أي تغسل الموتى كما في الخانية، وسيذكر الشارح في النفقات عن البحر أن له منعها لتقدم حقه على فرض الكفاية، وكذا بحثه الحموي.
وقال ط: إنه لا يعارض المنقول.
وقال الرحمتي: ولعله محمول على ما إذا تعين عليها ذلك ا ه.
قلت: لكن المتبادر من كلامهم الاطلاق، ولا مانع من أن يكون تزوجه بها مع علمه بحالها رضا بإسقاط حقه.
تأمل.
ثم رأيت في نفقات البحر ذكر عن النوازل أنها تخرج بإذنه وبدونه، ثم نقل عن الخانية تقييده بإذن الزوج.
قوله: (فيما عدا ذلك) عبارة الفتح: وما عدا ذلك من زيارة الاجانب وعيادتهم، والوليمة لا يأذن لها ولا تخرج الخ.
قوله: (والمعتمد الخ) عبارته فيما سيجئ في(3/159)
النفقة: وله منعها من الحمام إلا النفساء وإن جاز بلا تزين وكشف عورة أحد.
قال الباقاني: وعليه فلا خلاف في منعهن للعلم بكشف بعضهن، وكذا في الشرنبلالية معزيا للكمال ا ه.
وليس عدم
التزين خاصا بالحمام لما قاله الكمال.
وحيث أبحنا لها الخروج فبشرط عدم الزينة في الكل، وتغير الهيئة إلى ما لا يكون داعية إلى نظر الرجال واستمالتهم.
قوله: (مؤجلا ومعجلا) تفسير لقوله: كله والنصب بتقدير يعني.
مطلب في السفر بالزوجة قال في البحر عن شرح المجمع: وأفتى بعضهم بأنه إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأمونا سافر بها، وإلا لا، لان التأجيل إنما يثبت بحكم العرف.
فلعلها إنما رضيت بالتأجيل لاجل إمساكها في بلدها، أما إذا أخرجها إلى دار الغربة فلا الخ.
قوله: (لكن في النهر الخ) ومثله في البحر حيث ذكر أولا أنه إذا أوفاها المعجل فالفتوى على أنه يسافر بها كما في جامع الفصولين.
وفي الخانية والوالجية أنه ظاهر الرواية.
ثم ذكر عن الفقيهين أبي القاسم الصفار وأبي الليث أنه ليس له السفر مطلقا بلا رضاها فساد الزمان، لانها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا خرجت؟ وأنه صرح في المختار بأن عليه الفتوى.
وفي المحيط أنه المختار.
وفي الولوالجية أن جواب ظاهر الرواية كان في زمانهم، أما في زماننا فلا، وقال: فجعله من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان كما قالوا في مسألة الاستئجار على الطاعات، ثم ذكر ما في المتن عن شرح المجمع لمصنفه، ثم قال: فقد اختلف الافتاء، والاحسن الافتاء بقول الفقيهين من غير تفصيل واختاره كثير من مشايخنا كما في الكافي، وعليه عمل القضاء في زماننا كما في أنفع الوسائل ا ه.
ولا يقال: إنه إذا اختلف الافتاء لا يعدل عن ظاهر الرواية، لان ذلك فيما لا يكون مبنيا على اختلاف الزمان كما أفاده كلام الولوالجية، وقول البحر: فجعله الخ، فإن الاستئجار على الطاعات كالتعليم ونحوه لم يقل بجوازه الامام ولا صاحباه.
وأفتى به المشايخ للضرورة التي لو كانت في زمان الامام لقال به، فيكون ذلك مذهبه حكما كما أوضحت ذلك في شرح أرجوزتي المنظومة في رسم المفتي، فافهم.
قوله: (وجزم به البزازي) كذا في النهر مع أن الذي حط عليه كلام البزازي تفويض الامر إلى المفتي، فإنه قال: وبعد إيفاء المهر إذا أراد أن يخرجها إلى بلاد الغربة يمنع من ذلك لان الغريب يؤذي ويتضرر لفساد الزمان:
ما أذل الغريب ما أشقاه كل يوم يهنه من يراه كذا اختار الفقيه، وبه يفتى.
وقال القاضي: قول الله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم) * (سورة الطلاق: الآية 6) أولى من قول الفقيه قبل قوله تعالى: * (ولا تضاروهن) * (سورة الطلاق: الآية 6) في آخره دليل قول الفقيه.
لانا قد علمنا من عادة زماننا مضارة قطعية في الاغتراب بها.
واختار في الفصول قول القاضي، فيفتى بما يقع عنده من المضارة وعدمها، لان المفتي إنما يفتني بحسب ما يقع عنده من(3/160)
المصلحة ا ه.
فقوله: فيفتى الخ صريح في أنه لم يجزم بقول الفقيه ولا بقول القاضي، وإنما جزم بتفويض ذلك إلى المفتي المسؤول عن الحادثة، وأنه لا ينبغي طرد الافتاء بواحد من القولين على الاطلاق، فقد يكون الزوج غير مأمون عليها يريد نقلها من بين أهلها ليؤذيها أو يأخذ مالها، بل نقل بعضهم أن رجلا سافر بزوجته وادعى أنها أمته وباعها، فمن علم منه المفتي شيئا من ذلك لا يحل له أن يفتيه بظاهر الرواية، لانا نعلم يقينا أن الامام لم يقل بالجواز في مثل هذه الصورة.
وقد يتفق تزوج غريب امرأة غريبة في بلدة ولا يتيسر له فيها المعاش فيريد أن ينقلها إلى بلده أو غيرها وهو مأمون عليها، بل قد يريد نقلها إلى بلدها فكيف يجوز العدول عن ظاهر الرواية في الصورة، والحال أنه لم يوجد الضرر الذي علل به القائل بخلافه، بل وجد الضرر للزوج دونها، فنعلم يقينا أيضا أن من أفتى بخلاف ظاهر الرواية لا يقول بالجواز في مثل هذه الصورة، ألا ترى أن من ذهب بزوجته للحج فقام بها في مكة مدة ثم حج وامتنعت من السفر معه إلى بلده هل يقول أحد بمنعه عن السفر بها وبتركها وحدها تفعل ما أرادت؟ فتعين تفويض الامر إلى المفتي، وليس هذا خاصا بهذه المسألة، بل لو علم المفتي أنه يريد نقلها من محلة إلى محلة أخرى في البلدة بعيدة عن أهلها لقصد إضرارها لا يجوز له أن يعينه على ذلك، ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فلينظر في رسالتنا المسماة (نشر العرف في بناء بعض الاحكام على العرف) التي شرحت بها بيتا من أرجوزتي في رسم المفتي، وهو قولي: والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار
قوله: (وفي الفصول الخ) قد علمت أن هذا اختيار صاحب البزازية، وأن ما في الفصول غيره.
قوله: (وقيده) الضمير يعود إلى النقل المفهوم من قوله: وينقلها وكذا الضمير في قوله: وأطلقه وقوله: يمكنه الرجوع الاولى يمكنها.
وفي الشرنبلالية: وينبغي العمل بالقول بعدم نقلها من المصر إلى القرية في زماننا لما هو ظاهر من فساد الزمان، والقول بنقلها إلى القرية ضعيف، لقول الاختيار: وقيل يسافر بها إلى قرى المصر القريبة لانها ليست بغربة ا ه.
وليس المراد السفر الشرعي، بل النقل لقوله: لانها ليست بغربة ا ه.
ما في الشرنبلالية.
قلت: وفيه أنه بعد تصريح الكافي بأن الفتوى على جواز النقل، وقول القنية: إنه الصواب كيف يكون ضعيفا، نعم لو اقتصر على الترجيح بفساد الزمان لكان أولى، لكن ينبغي العمل بما مر عن البزازية من تفويض الامر إلى المفتي، حتى لو رأى رجلا يريد نقلها للاضرار بها والايذاء لا يفتيه، ولا سيما إذا كانت من أشراف الناس ولم تكن القرية مسكنا لامثالها، فإن المسكن يعتبر بحالها كالنفقة كما سيأتي في بابها.
مطلب: مسائل الاختلاف في المهر قوله: (وإن اختلفا في المهر) قال في الفتح: الاختلاف في المهر: إما في قدره، أو في(3/161)
أصله، وكل منهما في حال الحياة أو بعد موتهما أو موت أحدهما، وكل منهما إما بعد الدخول أو قبله.
قوله: (ففي أصله) بأن ادعى أحدهما التسمية وأنكر الآخر.
قوله: (حلف) أي بعد عجز المدعي عن البرهان، ولم يتعرض الشارحون للتحليف لظهوره كما في البحر.
قوله: (يجب مهر المثل) قال في البحر: ظاهر أنه يجب بالغا ما بلغ، وليس كذلك، بل لا يزاد على ما ادعته المرأة لو هي المدعية للتسمية، ولا ينقص عما ادعاه الزوج لو هو المدعي لها كما أشار إليها في البدائع ا ه.
قلت: هذا يظهر لو سمى المدعي شيئا وإلا فلا.
تأمل.
ثم هذا مقيد بما إذا كان الاختلاف قبل الطلاق مطلقا أو بعده وبعد الدخول أو الخلوة، أما لو طلقها قبل الدخول والخلوة فالواجب
المتعة كما في البحر، ولم يتعرض له هنا لانفهامه من قوله الآتي: وفي الطلاق قبل الوطئ حكم متعة المثل.
قوله: (وفي المهر يحلف إجماعا) إشارة إلى الرد على صدر الشريعة حيث قال: ينبغي أن لا يحلف المنكر عند أبي حنيفة لانه لا تحليف عنده في النكاح فيجب مهر المثل.
قال في البحر: وفيه نظر، لان التحليف هنا على المال لا على أصل النكاح، فيتعين أن يحلف منكر التسمية إجماعا ا ه.
وكذا اعترضه صاحب الدرر وابن الكمال ونسبه إلى الوهم.
قوله: (إجماعا) قيد لقوله: يجب ولقوله: يحلف.
قوله: (فإن اختلفا في قدره) أي نقدا كان أو مكيلا أو موزونا.
وهو دين موصوف في الذمة أو عين.
وقيد بالقدر، لانه لو كان في جنسه كالعبد والجارية أو صفته من الجودة والرداء أو نوعه كالتركي والرومي، فإن كان المسمى عينا فالقول للزوج، وإن كان دينا فهو كالاختلاف في الاصل، تمامه في البحر.
قوله: (حال قيام النكاح) أي قبل الدخول أو بعده، وكذا بعد الطلاق والدخول.
رحمتي.
أما بعد الطلاق قبل الدخول فيأتي.
قوله: (فالقول لمن شهد له مهر المثل) أي فيكون القول لها إن كان مهر مثلها كما قالت أو أكثر، وله إن كان كما قال أو أقل، وإن كان بينهما: أي أكثر مما قال وأقل مما قالت ولا بينة تحالفا ولزم مهر المثل، كذا في الملتقى وشرحه، وهذا على تخريج الرازي.
وحاصله أن التحالف فيما إذا خالف قولهما، أما إذا وافق قول أحدهما فالقول له، وهو المذكور في الجامع الصغير.
وعلى تخريج الكرخي يتحالفان في الصور الثلاث ثم يحكم مهر المثل، وصححه في المبسوط والمحيط، وبه جزم في الكنز في باب التحالف.
قال في البحر: ولم أر من رجح الاول.
وتعقبه في النهر بأن تقديم الزيلعي وغيره له تبعا للهداية يؤذن بترجيحه، وصححه في النهاية.
وقال قاضيخان: إنه الاولى، ولم يذكر في شرح الجامع الصغير وغيره، والاولى البدائة بتحليف الزوج، وقيل يقرع بينهما ا ه.
قلت: بقي ما إذا لم يعلم مهر المثل كيف يفعل؟ والظاهر أنه يكون القول للزوج لانه منكر للزيادة كما تقدم فيما إذا لم يوجد من يماثلها.
تأمل.
قوله: (وبينته مقدما الخ) هذا ما قاله بعض(3/162)
المشايخ، وجزم به في الملتقى، وكذا الزيلعي هنا وفي باب التحالف.
وقال بعضهم: تقدم بينتها أيضا، لانها أظهرت شيئا لم يكن ظاهرا بتصادقهما كما في البحر.
قوله: (لاثبات خلاف الظاهر) أي والظاهر مع من شهد له مهر المثل ط.
قوله: (وإن كان الخ) هذا بيان لثالث الاقسام في قوله: فالقول لمن شهد له مهر المثل وقوله: وإن أقاما البينة الخ فإنه إذا لم يقيما البينة أو أقاماها قد يشهد مهر المثل له أو لها أو يكون بينهما، فقدم بيان القسمين الاولين في المسألتين، وهذا بيان الثالث، وقوله: فإن حلفا راجع إلى المسألة الاولى، وقوله: أو برهنا راجع إلى الثانية، لكن كان عليه حذف قوله: تحالفا لانه إذا برهنا لا تحالف.
قوله: (تحالفا) فإن نكل الزوج يقضي بألف وخمسمائة، كما لو أقر بذلك صريحا، وإن نكلت المرأة وجب المسمى ألف لانها أقرت بالحط، وكذا في العناية.
واعترضه في السعدية بأنه إذا نكل يقضي بألفين على ما عرف أن أيهما نكل لزمه دعوى الآخر ا ه.
وصورة المسألة فيما إذا ادعت الالفين وادعى هو الالف وكان مهر المثل ألفا وخمسمائة.
قوله: (قضى به) أي بمهر المثل، لكن إذا برهنا يتخير الزوج في مهر المثل بين دفع الدراهم والدنانير، بخلاف التحالف لان بينة كل واحد منهما تنفي تسمية الآخر فخلا العقد عن التسمية فيجب مهر المثل، ولا كذلك التحالف لان وجوب قدر ما يقرب به الزوج بحكم الاتفاق والزائد بحكم مهر المثل.
بحر.
وتمامه فيه.
قوله: (وإن برهن أحدهما الخ) أي فيما إذا كان مهر المثل بينهما، ويغني عن هذا قوله قبله: وأي أقام بينة قبلت شهد له مهر المثل أو لا فإنه قوله: أو لا صادق بماذا شهد لها أو كان بينهما.
قوله: (لانه نوى دعواه) أي لان المبرهن أظهر دعواه وأوضحها بإقامة برهانه ط.
قوله (وفي الطلاق) مقابل قوله: حال قيام النكاح.
قوله: (قبل الوطئ) أي أو الخلوة.
نهر.
قوله: (حكم متعة المثل) فيكون القول لها إن كانت متعة المثل كنصف ما قالت أو أكثر، وله أن كانت المتعة كنصف ما قال أو أقل، وإن كانت بينهما تحالفا ولزمت المتعة.
وعند أبي يوسف القول له قبل الدخول وبعده لانه ينكر الزيادة، إلا أن يذكر ما لا يتعارف مهرا أو متعة لها، كذا في الملتقى وشرحه.
وذكر في البحر أن رواية الاصل والجامع الصغير أن القول للزوج في نصف المهر من غير تحكيم للمتعة، وأنه صححه في البدائع وشرح الطحاوي، ورجحه في الفتح بأن المتعة موجبة فيما إذا لم تكن تسمية، وهنا اتفقا على التسمية فقلنا ببقاء ما اتفقا عليه وهو نصف ما أقر به الزوج، ويحلف على نصف دعواها الزائد ا ه.
والحاصل ترجيح قول أبي يوسف، لكن نقضه في الفتح بعد ذلك، وتمامه فيما علقناه على البحر.
قوله: (لو المسمى دينا) هو ما يثبت في الذمة غير معين، بل بالوصف كالنقود والمكيل والموزون والمذروع كما يعلم مما قدمناه عن البحر.
قوله: (وإن عينا) أي معينا.
قوله: (كمسألة العبد والجارية) أي المذكورة في البحر في الاختلاف في القدر قبل الطلاق بقوله: وإن كان المسمى عينا بأن قال تزوجتك على هذا العبد وقالت المرأة على هذه الجارية الخ،(3/163)
فالمسألة مفروضة في المعين المشار إليه لا في مطلق عبد وجارية، فافهم.
قوله: (فلها المتعة الخ) قال في البحر: فلها المتعة من غير تحكيم، إلا أن يرضى الزوج أن تأخذ نصف الجارية، بخلاف ما إذا اختلفا في الالف والالفين، لان نصف الالف ثابت بيقين لاتفاقهما على تسمية الالف، والملك في نصف الجارية ليس بثابت بيقين لانهما لم يتفقا على تسمية أحدهما فلا يمكن القضاء بنصف الجارية إلا باختيارهما، فإذا لم يوجد سقط البدلان فوجب الرجوع إلى المتعة كذا في البدائع.
قوله: (تحالفا) وتهاترت البينتان.
قوله: (وإن حلفا) الاولى التفريع بالفاء.
قوله: (أصلا وقدرا) فإن كان الاختلاف بين الحي وورثة الميت في الاصل، بأن ادعى الحي أن المهر مسمى وورثة الآخر أنه غير مسمى أو بالعكس وجب مهر المثل، وإن كان في المقدار حكم مهر المثل.
ط عن أبي السعود.
قوله: (لعدم سقوطه) أي مهر المثل.
قال في الدرر: لان مهر المثل لا يسقط اعتباره بموت أحدهما، ألا ترى أن للمفوضة مهر المثل إذا مات أحدهما.
قوله: (القول لورثته) فيلزمهم ما اعترفوا به بحر.
ولا يحكم بمهر المثل لان اعتباره يسقط عند أبي حنيفة بعد موتهما.
درر.
قوله: (القول
لمنكر التسمية) هم ورثة الزوج أيضا كما في البحر، فالقول لهم في المسألتين، ولذا قال في الكنز: ولو ماتا ولو في القدر فالقول لورثته، فلو وصلية ما أفاده في النهر والعيني، فتفيد أن الاختلاف في التسمية كذلك.
قوله: (لم يقض بشئ) الاولى ولم يقض بالعطف: أي لان موتهما يدل على انقراض أقرانهما، فلا يمكن للقاضي أن يقدر مهر المثل كما في الهداية، لان مهر المثل يختلف باختلاف الاوقات، فإذا تقادم العهد بتعذر الوقوف على مقداره.
فتح.
وهذا يدل على أنه لو كان العهد قريبا قضى به.
بحر.
قلت: وبه صرح قاضيخان في شرح الجامع.
قوله: (ما يبرهن) بالبناء للمجهول: أي ما لم يبرهن ورثة الزوجة.
قوله: (وبه يفتى) ذكره في الخانية، وتبعه في متن الملتقى، وله قالت الائمة الثلاثة، لكن الشافعي يقول: بعد التحالف.
وعندنا وعند مالك: لا يجب التحالف.
فتح.
وانظر إذا تقادم العهد كيف يقضي بمهر المثل.
وقد يقال: يجري فيه ما تقدم من أنه إذا لم يوجد من يماثلها من قوم أبيها ولا من الاجانب فالقول للزوج، لكن مر أن القول له بيمينه.
تأمل.
ثم رأيت في البزازية معترضا على قول الكرخي: إن جواب الامام يتضح في تقادم العهد بقوله، وفيه نظر لانه إذا تعذر اعتبار مهر المهثل لا يكون الظاهر شاهدا لاحد فيكون القول لورثة الزوج لكونهم مدعى عليهم كما في سائر الدعاوى.
قوله: (وهذا كله الخ) نقله في البحر عن المحيط، وقال: وأقره عليه الشارحون ا ه.
وكذا ذكره قاضيخان في شرح الجامع وأقره.
قلت: وحاصل ذلك أن المرأة إذا مات زوجها وقد دخل بها فجاءت تطلب مهرها هي أو ورثتها بعد موتها وقد جرت العادة أنها لا تسلم نفسها إلا بعد قبض شئ من المهر كمائة درهم مثلا(3/164)
لا يحكم لها بجميع مهر المثل عند عدم التسمية، بل ينظر، فإن أقرت بما تعجلت من المتعارف وإلا قضى عليها به ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا: أي إن حصل اتفاق على قدر المسمى يدفع لها الباقي منه، وإلا فإن أنكر ورثة الزوج أصل التسمية فلها بقية مهر المثل، وإن أنكروا القدر فالقول لمن شهد له مهر المثل، وبعد موتها القول في قدره لورثة الزوج، هذا هو المفهوم من هذه العبارة، فسرنا
المتعارف تعجيله بمائة مثلا ليأتي قوله: قضينا عليك بالمتعارف وقوله: ثم يعمل في الباقي كما ذكرنا لانه لو كان المتعارف حصة شائعة كثلثي المهر كما هو المتعارف في زماننا لا يمكن أن يقضي عليها به إلا إذا كان المهر مسمى معلوم القدر، وإذا كان كذلك لا يتأتى فيه التفصيل المار ولكن يعلم منه أن الحكم كذلك فيقضي عليها بالثلثين مثلا ويدفع لها الباقي.
وفي المنح عن الخانية: رجل مات وترك أولادا صغارا فادعى رجل دينا على الميت أو وديعة وادعت المرأة مهرها، قال أبو القاسم: ليس للوصي أن يؤدي شيئا من الدين والوديعة ما لم يثبت بالبينة.
وأما المهر: فإن ادعت قدر مهر مثلها دفعه إليها إذا كان النكاح ظاهرا معروفا ويكون النكاح شاهدا لها، قال الفقيه أبو الليث: إن كان الزوج بنى بها فإنه يمنع منها مقدار ما جرت العادة بتعجيله ويكون القول قول المرأة فيما زاد على المعجل إلى تمام مهر مثلها ا ه.
هذا، ونقل الرحمتي عن قاضيخان أنه قال: إن في هذا نوع نظر، لان كل المهر كان واجبا بالنكاح فلا يقضي بسقوط شئ منه بحكم الظاهر، لانه لا يصلح حجة لابطال ما كان ثابتا ا ه.
ثم أطال في تأييد كلام القاضي، ورد على الرملي في اعتراضه على القاضي بأن النظر مدفوع لغلبة فساد الناس، فقال: إن الفساد لا يسقط به حق ثابت بلا دليل، والمهر دين في ذمة الزوج، وقضاء بعضه إثبات دين في ذمتها بقدره وذلك لا يكون بظاهر الحال، لان الظاهر يصلح للدفع لا للاثبات.
قلت: وذكر في البزازية قريبا مما قاله القاضي، لكن ما قاله الفقيه مبني على أن العرف الشائع مكذب لها في دعواها عدم قبض شئ وحيث أقره الشارحون وكذا قاضيخان في شرح الجامع فيفتى به، وهو نظير إعمالهم العرف وتكذيب الاب أن الجهاز عارية على ما يأتي بيانه مع أنه هو المملك، فلولا العرف لكان القول قوله، والله أعلم.
قوله: (وهذا إذا ادعى الزوج الخ) هذا من عند صاحب البحر، والمراد الزوج لو كان حيا أو ورثته كما هو ظاهر فلا يرد ما في الشرنبلالية من أن هذا لا يأتي في حال موتهما.
مطلب فيما يرسله إلى الزوجة
قوله: (ولو بعث إلى امرأته شيئا) أي من النقدين أو العروض أو مما يؤكل قبل الزفاف أو بعد ما بنى بها.
نهر.
قوله: (ولم يذكر الخ) المراد أنه لم يذكر المهر ولا غيره ط.
قوله: (كقوله الخ)(3/165)
تمثيل للمنفى وهو يذكر.
قوله: (والبينة لها) أي إذا أقام كل منهما بينة تقدم بينتها ط.
قوله: (فلها أن ترده) لانها لم ترض لكونه مهرا.
بحر.
قوله: (وترجع بباقي المهر) أو كله إن لم يكن دفع لها شيئا منه.
قال في النهر: وإن هلك وقد بقي لاحدهما شئ رجع به ا ه.
أما لو كانت قيمة الهالك قدر المهر فلا رجوع لاحد.
وفي البزازية: اتخذ لها ثيابا ولبستها حتى تخرقت ثم قال هو من المهر وقالت هو من النفقة: أعني الكسوة الواجبة عليه، فالقول لها، ولو الثوب قائما فالقول له لانه أعرف بجهة التمليك، بخلاف الهالك لانه يدعي سقوط بعض المهر والمرأة تنكر، وبالهلاك خرج عن المملوكية وحيث لا ملك بحال فالاختلاف في جهة التمليك باطل فيكون اختلافا في ضمان الهالك وبدله، فالقول لمن يملك البدل والضمان ا ه ملخصا.
واستشكله في النهر وقال: هذا يقتضي أن القول لها في الهالك في مسألة المتن، وهو مخالف لما قدمناه، والفرق يعسر فتدبره ا ه.
قلت: بل الفرق يسير إن شاء الله تعالى، وذلك أن مسألة المتن في دعواها أنه هدية فلا تصدق، ويكون القول له في حالتي الهلاك وعدمه، لانه المملك ولا شئ يخالف دعواه، أما هنا فقد ادعت الكسوة الواجبة عليه فيكون القول له في القائم لما ذكرنا وتطلب منه مهرها وكسوتها.
أما الهالك فالقول لها فيه لامرين: أحدهما أن الظاهر يصدقها فيه كما يأتي في المهيأ للاكل وما ينقله الشارح عن الفقيه.
ثانيهما: أنه لو كان القول له فيه لزم ضياع حقها في الكسوة الواجبة عليه، لانها من النفقة والنفقة تسقط بمضي المدة فلا يمكنها المطالبة عما مضى، ويلزم بذلك فتح باب الدعاوى الباطلة، بأن يدعي كل زوج بعد عشرين سنة أن جميع ما دفع لها من كسوة ونفقة من المهر فيرجع عليها بقيمته، وفي ذلك ما لا يرضاه الشرع من الاضرار بالنساء مع أن الظاهر والعادة
تكذبه.
أما في القائم فلا ضرر لانها تطالبه بكسوة أخرى إذا لم يرض بكونه كسوة، ولا تقتضي العادة أن يكون المدفوع كسوتها لان له أن يقول: أعطيها كسوة غيرها، هذا ما ظهر لي، والله الميسر لكل عسير.
قوله: (ولو عوضته) وكذا لو عوضه أبوها من مالها بإذنها أو من ماله فله الرجوع أيضا كما في الفتح، وكأنه في البحر لم يره، فاستشكل ما قاله في الفتح قبل ذلك من أنه لو بعث أبوها من مالفله الرجوع لو قائما، وإلا فلا، ولو من مالها بإذنها فلا رجوع لانه هبة منها، والمرأة لا ترجع في هبة زوجها ا ه.
قلت: وهذا محمول على ما إذا كان لا على جهة التعويض، فلا ينافي قول الشارح ولو عوضته الخ بقرينة ما نقلناه ولا عن الفتح.
هذا، وقد ذكر مسألة التعويض في الفتح وغيره مطلقة، وكذا في الخانية، لكنه قال فيها: وقال أبو بكر الاسكاف: إن صرحت حين بعثت أنها عوض فكذلك، وإلا كان هبة منها وبطلت نيتها ا ه.
ومثله في الهندية.
وهذا يحتمل أن يكون بيانا لمرادهم أو حكماية لقول آخر.
تأمل.
وينبغي(3/166)
اعتبار العرف فيما يقصد به التعويض فيكون كالملفوظ.
تأمل.
وما في ط من أن المعتمد خلاف ما قاله الاسكاف وعزاه إلى قوله: (الهندية) لم أره فيها، نعم سيذكر الشارح في آخر كتاب الهبة أنه لا فرق بين صريحها بالعوض وعدمه.
قوله: (من جنسه) لم يذكر الزيلعي هذه الزيادة ط، ولم أر أحدا ذكرها، ولعل المراد بها أن العوض لو كان هالكا وهو مثلي ترجع عليه وبمثله، فأراد بالجنس المثل.
تأمل.
قوله: (مشوي) لا مفهوم له ط.
قوله: (لان الظاهر يكذبه) قال في الفتح: والذي يجب اعتباره في ديارنا أن جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة، لان المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية، والظاهر معها لا معه، ولا يكون القول قوله إلا في نحو الثياب والجارية ا ه.
قال في البحر: وهذا البحث موافق لما في الجامع الصغير، فإنه قال: إلا في الطعام الذي يؤكل فإنه أعم من المهيأ للاكل وغيره ا ه.
قال في النهر: وأقول: وينبغي أن لا يقبل قوله أيضا في الثياب المحمولة مع السكر ونحوه للعرف ا ه.
قلت: ومن ذلك ما يبعثه إليه قبل الزفاف في الاعياد والمواسم من نحو ثياب وحلي، وكذا ما يعطيها من ذلك أو من دراهم أو دنانير صبيحة ليلة العرس، ويسمى في العرف صبحة، فإن كل ذلك تعورف في زماننا كونه هدية لا من المهر، ولا سيما المسمى صبحة، فإن الزوجة تعوضه عنها ثيابا ونحوها صبيحة العرس أيضا.
قوله: (ولذا قال الفقيه) أي أبو الليث.
قوله: (كخف وملاءة) لانه لا يجب عليه تمكنها من الخروج، بل يجب منعها إلا فيما سنذكره.
فتح.
قلت: ينبغي تقييد ذلك لما لم تجربه العادة، لما حررناه من أن ذلك في عرفنا يلزم الزوج وأنه من جملة المهر، كما قدمناه عن الملتقط، أن لها منع نفسها للمشروط عادة كالخف والمكعب وديباج اللفافة ودراهم السكر الخ، ومثله في عرفنا مناشف الحمام ونحوها، فإن ذلك بمنزلة المشروط في المهر فيلزمه دفعه ولا ينافيه وجوب منعها من الخروج والحمام كما لا يخفى.
قوله: (كخمار ودرع) ومتاع البيت.
بحر.
فمتاع البيت واجب عليه، فهذا محل ذكره، فافهم، وسيذكر المصنف في النفقة أنه يجب عليه آلة الطحن وآنية شراب وطبخ ككوز وجرة وقدر ومغرفة.
قال الشارح: وكذا سائر أدوات البيت كحصير وليد وطنفسة الخ.
قوله: (ما لم يدع أنه كسوة) هذا تقييد من عند صاحب الفتح، وأقره في البحر: أي أن ما يجب عليه لو ادعاه مهرا لا يصدق، لان الظاهر يكذبه، أما لو ادعى أنه كسوة وادعت أنه هدية فالقول له لان الظاهر معه.
قوله: (ولم يزوجها أبوها) مثله ما إذا أبت وهي كبيرة ط.
قوله: (فما بعث للمهر) أي مما اتفقا على أنه من المهر أو كان القول له فيه على ما تقدم بيانه.
قوله: (فقط) قيد في عينه لا في قائما، واحترز به عما إذا تغير بالاستعمال كما أشار(3/167)
إليه الشارح.
قال في المنح: لانه مسلط عليه من قبل الملك فلا يلزم في مقابلة ما انتقص باستعماله شئ ح.
قوله: (أو قميته) الاولى أو بدله ليشمل المثلى.
قوله: (لانه في معنى الهبة) أي والهلاك والاستهلاك مانع من الرجوع بها، وعبارة البزازية: لانه هبة ا ه.
ومقتضاه أنه يشترط في استرداد القائم القضاء أو الرضا، وكذا يشترط عدم ما يمنع من الرجوع، كما لو كان ثوبا فصبغته أو خاطته،
ولم أرمن صرح بشئ من ذلك فليراجع، والتقييد بالهدية احترازا عن النفقة فيما يظهر كما يأتي في مسألة الانفاق على معتدة الغير.
قوله: (ولو ادعت الخ) ذكر في البحر هذه المسألة عند قول الكنز.
بعث إلى امرأته شيئا الخ.
وقال: قيد بكونه ادعاه مهرا، لانه لو ادعته مهرا وادعاه وديعة: فإن كان من جنس المهر بالقول لها وإلا فله ا ه.
فعلم أن هذه المسألة في دعوى الزوجة لا في دعوى المخطوبة التي لم يزوجها أبوها، فكان المناسب ذكرها قبل قوله: خطب بنت رجل الخ وذلك لان دعو المخطوبة أن المبعوث من المهر تضرها لانه يلزمها رده قائما وهالكا، فالمناسب أن تكون دعوى الوديعة لها ودعوى المهر للزوج، لان الوديعة لا يلزمها ردها إذا هلكت، بخلاف الزوجة فإن دعواها أنه من المهر تنفعها لمنع الاسترداد مطلقا، ودعواه أنه وديعة تنفعه لانه يطالبها باستردادها قائمة وبضمانها مستهلكة.
قوله: (بشهادة الظاهر) يرجع إلى الصورتين ط.
مطلب: أنفق على معتدة الغير قوله: (أنفق على معتدة الغير الخ) حكي في البزازية في هذه المسألة ثلاثة أقوال مصححة حاصل الاول أنه يرجع مطلقا شرط التزوج أو لا تزوجته أو لا، لانه رشوة.
وحاصل الثاني أنه إن لم يشرط لا يرجع.
وحاصل الثالث وقد نقله عن فصول العمادي أنه إن تزوجته لا يرجع، وإن أبت رجع شرط الرجوع أولا إن دفع إليها الدراهم لتنفق على نفسها، وإن أكل معها لا يرجع بشئ أصلا ا ه.
وحاصل ما في الفتح حكاية الاول والاخير.
وحكى في البحر الاول أيضا ثم قال: وقيل يرجع إذا زوجت نفسها وقد كان شرطه، وصحح أيضا، وإن أبت ولم يكن شرطه لا يرجع على الصحيح ا ه.
فقوله لا يرجع إذا زوجت نفسها الخ، يفهم منه عدم الرجوع بالاولى إذا تزوجته ولم يشترط، وقوله وإن أبت الخ، يفهم منه أنه إن أبت وقد شرطه يرجع، فصار حاصل هذا القول الثاني أنه يرجع في صورة واحدة، وهي ما إذا أبت وكان شرط التزوج.
ولا يرجع في ثلاث: وهي ما إذا أبت ولم يشترطه، أو تزوجته وشرطه، أو لم يشرط، فهذه
أربعة أقوال كلها مصححة.
وذكر المصنف في شرحه أن المعتمد ما في فصول العمادي: أعني القول الثالث، وأن شيخه صاحب البحر أفتى به ا ه.(3/168)
قلت: والذي اعتمده ففيه النفس الامام قاضيخان هو القول الاول، فإنه ذكر أنه أن شرط التزوج رجع لانه شرط فاسد، وإلا فإن كان معروفا فقيل يرجع وقيل لا ثم قال: وينبغي أن يرجع لانه إذا علم أنه لو لم تتزوج لا ينفق عليها كان بمنزلة الشرط كالمستقرض إذا أهدى إلى المقرض شيئا لم يكن أهدى إليه قبل الاقراض كان حراما، وكذا القاضي لا يجيب الدعوة الخاصة، ولا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدى إليه، فيكون ذلك بمنزلة الشرط وإن لم يكن مشروطا ا ه.
وأيده في الخيرية في كتاب النفقات وأفتى به حيث سئل فيمن خطب امرأة وأنفق عليها وعلمت أنه ينفق ليتزوجها فتزوجت غيره، فأجاب بأنه يرجع، واستشهد له بكلام قاضيخان المذكور وغيره وقال: إنه ظاهر الوجه فلا ينبغي أن يعدل عنه ا ه.
تنبيه: أفاد ما في الخيرية حيث استشهد على مسألة المخطوبة بعبارة الخانية أن الخلاف الجاري هنا جار في مسألة المخطوبة المارة، وأن ما مر فيها من أن له استرداد، القائم دون الهالك والمستهلك خاص بالهدية دون النفقة والكسوة، إذ لا شك أن المعتدة مخطوبة أيضا، ولا تأثير لكونها معتدة يحرم التصريح بخطبتها، بل التأثير للشرط وعدمه، وكونه شرطا فاسدا، وكون ذلك رشوة كما علمته من تعليل الاقوال.
وعلى هذا فما يقع في قرى دمشق من أن الرجل يخطب امرأة ويصير يكسوها ويهدي إليها في الاعياد ويعطيها دراهم للنفقة والمهر إلى أن يكمل لها المهر فيعقد عليها ليلة الزفاف، فإذا أبت أن تتزوجه ينبغي أن يرجع عليها بغير الهدية الهالكة على الاقوال الاربعة المارة، لان ذلك مشروط التزوج كما حققه قاضيخان فيما مر.
وبقي ما إذا ماتت، فعلى القول الاول لا كلام في أن له الرجوع، أما على الثالث فهل يلحق بالاباء؟ لم أره.
وينبغي الرجوع لان الظاهر أن علة القول الثالث أنه كالهبة المشروطة بالعوض وهو
التزوج كما يفيده ما في حاوي الزاهدي برمز البرهان صاحب المحيط: بعثت الصهرة إلى بيت الختن ثيابا لا رجوع لها بعده ولو قائمة، ثم سئل فقال: لها الرجوع لو قائما.
قال الزاهدي: والتوفيق أن البعث الاول قبل الزفاف ثم حصل للزفاق فهو كهبة بشرط العوض وقد حصل فلا ترجع، والثاني بعد الزفاف فترجع ا ه.
وكذا لم أر ما لو مات هو أو أبى، فليراجع.
تتمة: لم يذكر لو أنفق على زوجته ثم تبين فساد النكاح، بأن شهدوا بالرضاع وفرق بينهما.
ففي الذخيرة: له الرجوع بما أنفق بفرض القاضي، لانه تبين أنها أخذت بغير حق، ولو أنفق بلا فرض لا يرجع بشئ.
قوله: (بشرط أن يتزوجها) الاولى أن يقول: بطمع أن يتزوجها كما عبر في البحر.
قوله: (مطلقا) تفسير الاطلاق في الموضعين كما دل عليه كلام المصنف في شرحه شرط التزوج أولم يشرطه، ولذا قلنا: الاولى أن يقول: بطمع أن يتزوجها ليتأتى الاطلاق المذكور وهذا القول هو الثالث قد اعتمده المصنف في متنه وشرحه.
وقال في الفيض: وبه يفتى.
قوله: (وإن أكلت معه فلا) أي لانه إباحة لا تملك أو لانه مجهول لا يعلم قدره.
تأمل.
ولينظر وجه عدم الرجوع في الهدية الهالكة أو المستهلكة على ما قلناه من عدم الفرق بين المخطوبة والمعتدة.
قوله: (بحر) عن العمادية صوابه منح عن العمادية، فإن ما في المتن عزاه في المنح إلى الفصول العمادية، وهو القول الثالث من الاقوال الاربعة التي قدمناها.
وأما ما في البحر فهو القول الاول، والقول(3/169)
الرابع، ولم يذكر القول الثالث أصلا ولا وقع فيه العزو إلى العمادية.
قوله: (ليس له الاسترداد منها) هذا إذا كان العرف مستمرا أن الاب يدفع مثله جهازا لا عارية كما يذكره قريبا، وكان يغنيه ما يأتي عما ذكره هنا.
ويمكن أن يكون هذا بيان حكم الديانة والآتي بيان حكم القضاء.
قوله: (في صحته) احتراز عما لو سلمها في مرض موته فإنه تمليك للوارث، ولا يصح بدون إجازة الورثة.
قوله: (وكذا لو اشتراه لها في صغرها) أي وإن سلمها في مرضه أو لم يسلمها أصلا لانها ملكته بشراء الاب لها قبل التسليم كما يأتي.
ولو مات قبل دفع الثمن رجع البائع على تركته ولا رجوع للورثة عليها.
ففي أدب الاوصياء عن الخانية وغيرها: الاب إذا شرى خادما للصغير ونقد الثمن من مال نفسه لا يرجع عليه إلا إذا أشهد بالرجوع، وإن لم ينقده حتى مات ولم يكن أشهد أخذ من تركته ولا يرجع عليه بقية الورثة ا ه.
قوله: (والحيلة) أي فيما بلو أراد الاسترداد منها.
قوله: (والاحوط) أي لاحتمال أنه اشترى لها بعض الجهاز في صغرها فلا يحل له أخذه بهذا الاقرار ديانة كما في البحر والدرر، وكذا لو كان بعد ما سلمه إليها وهي كبيرة.
قوله: (عند التسليم) أي بأن أبى أن يسلمها أخوها أو نحوه حتى يأخذ شيئا، وكذا لو أبى أن يزوجها فللزوج الاسترداد قائما أو هالكا لانه رشوة.
بزازية.
وفي الحاوي الزاهدي برمز الاسرار للعلامة نجم الدين: وإن أعطى إلى رجل شيئا لاصلاح مصالح المصاهرة: إن كان من قوم الخطيبة أو غيرهم الذين يقدرون على الاصلاح والفساد وقال هو أجرة لك على الاصلاح لا يرجع، وإن قال على عدم الفساد والسكوت يرجه لانه رشوة، والاجرة إنما تكون في مقابلة العمل والسكوت ليس بعمل، وإن لم يقل هو أجرة يرجع، وإن كان ممن لا يقدرون على ذلك: إن قال هو عطية أو أجرة لك على الذهاب والاياب أو الكلام أو الرسالة بيني وبينها لا يرجع، وإن لم يقل شيئا منها يكون هبة له الرجوع فيها إن لم يوجد ما يمنع الرجوع.
قوله: (وقالت هتمليك) كذا في الفتح والبحر.
وغيرها.
ويشكل جعل القول لها بأنه اعتراف بملكية الاب وانتقال الملك إليها من جهته، وقد صرح في البدائع بين المرأة لو أقرت بأن هذا المتاع اشتراه لي زوجي سقط قولها، لانها أقرت بالملك له ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت إلا بدليل ا ه.
ويجاب بأن هذه من المسائل التي عملوا فيها بالظاهر كاختلاف الزوجين في متاع البيت ونحوها مما يأتي في كتاب الدعوى آخر باب التحالف، ومثله ما مر في الاختلاف في دعوى المهر والهدية.
قوله: (فالمعتمد الخ) عبر عنه في فتح القدير بأنه المختار للفتوى.
ومقابله ما نقله قبله من(3/170)
أن القول لها: أي بدون تفصيل بشهادة الظاهر لان العادة دفع ذلك هبة.
وما اختاره الامام السرخسي من أن القول للاب ذلك يستفاد من جهته ا ه.
والظاهر أن القول المعتمد توفيق بين هذين
القولين بجعل الخلاف لفظيا.
قوله: (فالقول للاب) أي مع اليمين كما في فتاوى قارئ الهداية.
قلت: وينبغي تقييد القول للاب بما إذا كان الجهاز كله من ماله، أما لو جهزها بما قبضه من مهرها فلا، لان الشراء وقع لها حيث كانت راصية وهو بمنزلة الاذن منها عرفا، نعم لو زاد على مهرها فالقول له في الزائد إن كان العرف مشتركا.
ثم اعلم أنه قال في الاشباه: إن العادة بما تعتبر إذا اطردت أو غلبت، ولذا قالوا في البيع: لو باع بدراهم أو دنانير في بلد اختلف فيها النقود مع الاختلاف في المالية والرواج انصرف البيع إلى الاغلب.
قال في الهداية: لانه هو المتعارف فينصرف المطلق إليه ا ه كلام الاشباه.
مطلب في دعوى الاب أن الجهاز عارية قلت: ومقتضاه أن المراد من استمرار العرف هنا غلبته، ومن الاشتراك كثرة كل منهما، إذ لا نظر إلى النادر، ولان حمل الاستمرار على كل واحد من أفراد الناس في تلك البلدة لا يمكن، ويلزم عليه إحالة المسألة إذ لاشك في صدور العارية من بعض الافراد، والعادة الفاشية الغالبة في أشراف الناس وأوساطهم دفع ما زاد على المهر من الجهاز تمليكا، سوى ما يكون على الزوجة ليلة الزفاف من الحلي والثياب، فإن الكثير منه أو الاكثر عارية، فلو ماتت ليلة الزفاف لم يكن للرجل أن يدعي أنه لها، بل القول فيه للاب أو الام أنه عارية أو مستعار لها كما يعلم من قول الشارح، كما لو كان أكثر مما يجهز به مثلها، وقد يقال، هذا ليس من الجهاز عرفا، وبقي لو جرى العرف في تمليك البعض وإعارة البعض.
ورأيت في حاشية الاشباه للسيد محمد أبي السعود من حاشية الغزي قال الشيخ الامام الاجل الشهيد: الختار للفتوى أن يحكم بكون الجهاز ملكا لا عارية لانه الظاهر الغالب إلا في بلدة جرت العادة بدفع الكل عارية فالقول للاب.
وأما إذا جرت في البعض يكون الجهاز تركة يتعلق بها حق الورثة وهو الصحيح ا ه.
ولعل وجهه أن البعض الذي يدعيه الاب بعينه عارية لم تشهد له به العادة، بخلاف ما لو جرت العادة بإعارة الكل فلا يتعلق به حق ورثتها بل يبكون كله للاب، والله تعالى أعلم.
تنبيه: ذكر البيري في شرح الاشباه أن ما ذكروه في مسألة الجهاز إنما هو فيما إذا كان النزاع من الاب.
أما لو مات فادعت ورثته فلا خلاف في كون الجهاز للبنت لما في الولوالجية: جهز ابنته ثم مات فطلب بقية الورثة القسمة، فإن كان الاب اشترى لها في صغرها أو في كبرها وسلم لها في صحته فهو لها خاصة.
قلت: وفيه نظر لان كلام الولوالجية في ملك البنت له بالشراء لو صغيرة، وبالتسليم لو كبيرة.
ولا فرق فيه بين موت الاب وحياته، ويدل عليه ما مر من قول المصنف، والشارح ليس له الاسترداد منها ولا لورثته بعده، وإنما الكلام في سماع دعوى العارية بعد الشراء أو التسليم(3/171)
والمعتمد البناء على العرف كما علمت، ولا فرق في ذلك أيضا بين موت الاب وحياته، فدعوى ورثته كدعواه فتأمل.
قوله: (ما لو كان الخ) والظاهر أنه إن أمكن التمييز فيما زاد على ما يجهز به مثلها كان القول قوله فيه، وإلا فالقول قوله في الجميع.
رحمتي.
قوله: (والام كالاب (عزاه المصنف إلى فتاوى قارئ الهداية، وكذا بحثه ابن وهبان كما يأتي.
قوله: (وكذا ولي الصغيرة) ذكره ابن وهبان في شرح منظومته بحثا حيث قال: وينبغي أن يكون الحكم فيما تدعيه الام، وولي الصغيرة إذا زوجها كما مر لجريان العرف في ذلك، لكن قال ابن الشحنة في شرحه قلت: وفي الولي عندي نظر ا ه، وتردد في البحر في الام والجد، وقلا: إن مسألة الجد صارت واقعة الفتوى ولم يجد فيها نقلا.
وكتب الرملي أن الذي يظهر ببادي الرأي أن الام والجد كالاب الخ.
قوله: (و استحسن في النهر) حيث قال: وقال الامام قاضيخان: وينبغي أن يقال إن كان الاب من الاشراف لم يقبل قوله إنه عارية، وإن كان ممن لا يجهز البنات بمثل ذلك قبل قوله، وهذا لعمري من الحسن بمكان ا ه.
قلت: ولعل وجه استحسانه مع أنه لا يغاير القول المعتمد أنه تفصيل له، وبيان لكون الاشتراك الذي قد يقع في بعض البلاد إنما هو في غير الاشراف.
قوله: (وعلمه) عطف تفسير، فالمدار على العلم والسكوت بعده وإن كان غائبا.
قوله: (وزفت إلى الزوج) قيد به لان تمليك
البالغة بالتسليم، وهو إنما يتحقق عادة بالزفاف لانه حينئذ يصير الجهاز بيدها فافهم.
قوله: (ما هو معتاد) مفهومه أنه لو كان زائدا على المعتاد لا يكون سكوته رضا فتضمن، وهل تضمن الكل أو قدر الزائد؟ محل تردد، وجزم ط بالثاني.
قوله: (السبع والثلاثين) قال ح: قدمناها في باب الولي عن الاشباه.
قوله: (على ما في زواهر الجواهر) أي حاشية الاشباه للشيخ صالح ابن مصنف التنوير، فإنه زاد على ما الاشباه ثلاث عشرة مسألة، ذكرها الشارح في كتاب الوقف ح.
قوله: (يليق به) الضمير في عبارة البحر عن المبتغى عائد إلى ما بعثه الزوج إلى الاب من الدراهم والدنانير، ثم قال: والمعتبر ما يتخذ للزوج لا ما يتخذ لها ا ه.
قلت: وهذا المبعوث يسمى في عرف الاعاجم بالدستيمان كما يأتي: قوله: (إلا إذا سكت طويلا) قال الشارح في كتاب الوقف: ولو سكت بعد الزفاف زمانا يعرف بذلك رضاه لم يكن له أن(3/172)
يخاصم بعد ذلك وإن لم يتخذ له شئ ا ه ح.
وأشار بقوله يعرف إلى أن المعتبر في الطول والقصر العرف.
قوله: (لكن في النهر الخ) ومثله في جامع الفصولين ولسان الحكام عن فتاوى ظهير الدين المرغيناني، وبه أفتى في الحامدية.
قلت: وفي البزازية ما يفيد التوفيق حيث قال: تزوجها وأعطاها ثلاثة آلاف دينار الدستيمان وهي بنت موسر ولم يعط لها الاب جهازا، أفتى الامام جمال الدين وصاحب المحيط بأن له مطالبة الجهاز من الاب على قدر العرف والعادة أو طلب الدستيمان.
قال: وهذا اختيار الائمة.
وقال الامام المرغيناني: الصحيح أنه لا يرجع بشئ، لان المال في النكاح غير مقصود.
وكان بعض أئمة خوارزم يعترض بأن الدستيمان هو المهر المؤجل كما ذكره في الكافي وغيره، فهو مقابل بنفس المرأة، حتى ملكت حبس نفسها لاستيفائه، فكيف يملك الزوج طلب الجهاز والشئ لا يقابله عوضان.
وأجاب عنه الفقيه ناقلا عن الاستاذ أن الدستيمان إذا أدرج في العقد فهو المعجل الذي ذكرته، وإن لم يدرج فيه ولم يعقد عليه فو كالهبة بشرط العوض وذلك ما قلناه، ولهذا قلنا: إن
لم يذكره في العقد وزفت إليه بلا جهاز وسكت الزوج أياما لا يتمكن من دعوى الجهاز، لانه لما كان محتملا وسكت زمانا يصلح للاختيار دل أن الغرض لم يكن الجهاز ا ه ملخصا.
وحاصله أن ذلك المعجل لا يلزم كونه هو المهر المعجل دائما كما يوهمه كلام الكافي حتى يرد أنه مقابل لنفسها لا بجهازها بل فيه تفصيل، وهو أنه إن جعل من جملة المهر المعقود عليه فهو المهر المعجل وهو مقابل بنفس المرأة، وإلا فهو مقابل بالجهاز عادة، حتى لو سكت بعد الزفاف ولم يطلب جهازا علم أنه دفعه تبرعا بلا طلب عوض وهو في غاية الحسن، وبه يحصل التوفيق، والله الموفق، لكن الظاهر جريان الخلاف في صورة ما إذا كان معقودا عليه، لانه وإن ذكر على أنه مهر، لكن من المعلوم عادة أن كثرته لاجل كثرة الجهاز، فهو في المعنى بدل له أيضا، ولهذا كان مهر من لا جهاز لها أقل من مهر ذات الجهاز وإن كانت أجمل منها.
ويجاب بأنه لما صرح بكونه مهرا وهو ما يكون بدل البضع الذي هو المقصود الاصلي من النكاح دون الجهاز يعتبر المعنى، وسيأتي في باب النفقة إن شاء الله تعالى مزيد بيان لهذه المسألة، وأن هذا غير معروف في زماننا، بل كل أحد يعلم أن الجهاز للمرأة إذا طلقها تأخذه كله، وإذا ماتت يورث عنها، وإنميزيد المهر طبعا في تزيين بيته وبه وعوده إليه ولاولاده إذا ماتت، وهذه المسألة نظير ما لو تزوجها بأكثر من مهر المثل على أنها بكر فإذا هي ثيب، فقد مر الخلاف في لزوم الزيادة وعدمه بناء على الخلاف في هذه المسألة، وقدم أن المرجح اللزوم، فلذا كان المصحح هنا عدم الرجوع بشئ كما مر عن المرغيناني.
قوله: (نكح ذمي الخ) لما فرغ من مهور المسلمين ذكر مهور الكفار، ويأتي بيان أنكحتهم، وقوله: أو مستأمن يشير إلى أنه لو عبر المصنف بالكافر لكان أولى، لان المستأمن كالذمي هنا.
نهر عن العناية.
قوله: (ثمة) أي في دار الحرب.
قوله: (بميتة) المراد بها كل ما ليس بمال كالدم.
بحر.
قوله: (وذا جائز عندهم) بأن كان(3/173)
لا يلزم عندهم مهر المثل بالنفي وبما ليس بمال.
قوله: (قبله) أي قبل الوطئ.
قوله: (فلا مهر لها) هذا قوله: وعندهما: لها مهر المثل إذا دخل بها أو مات عنها، والمتعة لو طلقها قبل الوطئ.
وقيل
في الميتة والسكوت روايتان.
والاصح أن الكل على الخلاف.
هداية.
لكن في الفتح بأن ظاهر الرواية وجوب مهر المثل في السكوت عنه، لانه النكاح معاوضة، فما لم ينص على نفي العوض يكون مستحقا لها، وذكر الميتة كالسكوت لانها ليست مالا عندهم فذكرها لغو.
نهر.
قوله: (ولو أسلما الخ) لو وصلية.
وعبارة الفتح: ولو أسلما أو رفع أحدهما إلينا أو ترافعا ا ه.
ولم يقل أو أسلم أحدهما لانفهامه بالاولى.
قوله: (لانا أمرنا بتركهم) أي ترك إعراض لا تقرير، وقوله: وما يدينون الواو للعطف أو للمصاحبة فلا نمنعهم عن شرب الخمر وأكل الخنزير وبيعهما.
عن أبي السعود.
قوله: (وتثبت بقية أحكام النكاح) أي إن اعتقداها أو ترافعا إلينا ط.
قوله: (كعدة) أي لو طلقها وأمرها بلزوم بيتها إلى انقضاء عدتها ورفع الامر إلينا حكمنا عليها بذلك، وكذا لو طلبت نفقة العدة ألزمناه بها.
رحمتي.
قوله: (ونسب) أي يثبت نسب ولده فيما يثبت به النسب بيننا.
رحمتي.
قوله: (وخيار بلوغ) أي لصغير وصغيرة إذا كان المزوج غير الاب والجد ط.
قوله: (وتوارث بنكاح صحيح) هو ما يقران عليه إذا أسلما، بخلاف نكاح محرم أو في عده مسلم كما سيأتي في الفرائض.
قوله: (وحرمة مطلقة ثلاثا الخ) فيفرق بينهما ولو بمرافعة أحدهما، وأما لو كانا محرمين فلا يفرق إلا بمرافعتهما كما سيأتي في نكاح الكافر.
قوله: (قبل القبض) أما بعده فليس لها إلا ما قبضته ولو كان غير معين وقت العقد.
نهر.
قوله: (فلها ذلك) هذا قول الامام، وقال الثاني: لها مهر المثل في المعين وغيره، وقال الثالث: لها القيمة فيهما.
نهر.
قوله: (وتسيب الخنزير) كذا في الفتح، قال الرحمتي: والاولى فتقتل الخنزير.
قوله: (ولو طلقها الخ) قال في الفتح: ولو طلقها قبل الدخول ففي المعين: لها نصفه عند أبي حنيفة، وفي غير المعين في الخمر: لهب نصف القيمة، وفي الخنزير المتعة.
وعند محمد: لها نصف القيمة بكل حال لانه أوجب القيمة فتنتصف.
وعند أبي يوسف وهو الموجب لمهر المثل: لها المتعة لان مهر المثل لا يتنصف ا ه.
قوله: (إذ أخذ قيمة القيمي الخ) بيانه أن أخذ المثل في المثلي أو القيمة في القيمي بمنزلة أخذ العين والخمر مثلي، فأخذ قيمته ليس كأخذ عينه، بخلاف القيمة في القيمي كالخنزير فلذا أوجبنا فيه مهر المثل.
وأورد ما لو شرى ذمي من ذمي دارا بخنزير فإن لشفيعها المسلم أخذها بقيمة الخنزير.
وأجيب بأن قيمة الخنزير كعينه لو كانت بدلا عنه كمسألة النكاح والقيمة في الشفعة بدل عن الدار لا عن الخنزير، وإنما صير إليها للتقدير بها لا غير.
واعترض بأن القيمة في النكاح أيضا بدل عن الغير وهو البضع والمصير إليه للتقدير.
والجواب ما قالوا من أنه لو أتاها بقيمة الخنزير قبل الاسلام أجبرت على القبول، لان القيمة لها(3/174)
حكم العين فكانت من موجبات تلك التسمية، وبالاسلام تعذر أخذ القيمة فأوجبنا ما ليس من موجباتها وهو مهر المثل، فهذا يدل على أن قيمة الخنزير بدل عنه في النكاح بمنزلة عينه ولذا أجبرت المرأة على قبولها قبل الاسلام لا بعده، بخلاف مسألة الدار، ولو سلم عدم الفرق فقد يجاب بما مر آخر الزكاة في باب العاشر من أن جواز الاخذ بالقيمة في الدار لضرورة حق الشفيع، ولا ضرورة هنا لامكان إيجاب مهر المثل.
قوله: (الوطئ في دار الاسلام) أي إذا كان بغير ملك اليمين.
واحترز عن الوطئ في دار الحرب فإنه لا حد فيه، وأما المهر فلم أره.
قوله: (إلا في مسألتين) كذا في الاشباه من النكاح وفيها من أحكام غيبوبة الحشفة أن المستثنى ثمان مسائل، فزاد على ما هنا الذمية إذا نكحت بغير مهر ثم أسلما وكانوا يدينون أن لا مهر فلا مهر.
والسيد إذا زوج أمته من عبده فالاصح أن لا مهر، والعبد إذا وطئ سيدته بشبهة فلا مهر أخذا من قولهم فيما قبلها أن المولى لا يستوجب على عبده دينا، وكذا لو وطئ حربية أو وطئ الجارية الموقوفة عليه أو وطئ المرهونة بإذن الراهن ظانا الحل.
قال: ينبغي أن لا مهر في الثلاثة الاخيرة ولم أره الآن ا ه.
ونقل ح عن حدود البحر في نوع ما لا حد فيه لشبهة المحل أن من هذا النوع وطئ المبيعة فاسدا قبل القبض لاحد فيه لبقاء الملك أو بعده، لان له حق الفسخ فله حق الملك فيها، وكذا المبيعة بشرط الخيار للبائع لبقاء ملكه أو للمشتري لانها لم تخرج عن ملكه بالكلية ا ه.
قال ح: وهل لا مهر في هذه الاربع؟ إطلاق الشارح يشعر بذلك، فليراجع.
قلت: أما الاولى فداخلة في مسألة بيع الامة قبل التسليم فلا مهر، ومثلها المبيعة بخيار للبائع لان وطأها يكون فسخا للبيع، وأما المبيعة فاسدا بعد القبض فينبغي لزوم المهر لوقوع الوطئ في ملك
غيره، وكذا المبيعة بخيار للمشتري إن أمضى البيع، فافهم.
قوله: (صبي نكح الخ) في الخانية: المراهق إذا تزوج بلا إذن وليه امرأة ودخل بها فرد أبوه نكاحه قالوا: لا يجب على الصبي حد ولا عقر، أما الحد فلمكان الصبا، وأما العقر فلانها إنما زوجت نفسها منه مع علمها أن نكاحه لا ينفذ فقد رضيت ببطلان حقها ا ه.
وكذا لو زنى بثيب وهي نائمة فلا حد عليه ولا عقر، أو بكر بالغة دعته إلى نفسها وأزال عذرتها، وعليه المهر لو مكرهة أو صغيرة أو أمة ولو بأمرها لعدم صحة أمر الصغيرة في إسقاط حقها وأمر الامة في إسقاط حق المولى، ولا مهر عليه بإقراره بالزنى ا ه.
هندية ملخصا.
قوله: (وبائع أمته) أي إذا وطئها قبل التسليم إلى المشتري لا حد عليه ولا مهر، لانه من شبهة المحل لكونها في ضمانه ويده، إذا لو هلكت عادت إلى ملكه والخراج بالضمان، فلو وجب عليه المهر استحقه.
قوله: (ويسقط) أي عن المشتري ويثبت له الخيار، كما لو أتلف جزءا منها.
والوالجية.
قوله: (وإلا فلا) أي وإن لم تكن بكارة فلا يسقط شئ ولا خيار له أيضا.
وروى عن الامام أن له الخيار.
والوالجية.
قوله: (تدافعت جارية الخ) تقدم الكلام عليه أول الباب.(3/175)
مطلب: لابي الصغيرة المطالبة بالمهر قوله: (لابي الصغيرة المطالبة بالمهر) ولو كان الزوج لا يستمتع بها كما في الهندية عن التجنيس، والصغيرة غير قيد.
ففي الهندية: للاب والجد والقاضي قبض صداق البكر صغيرة كانت أو كبيرة، إلا إذا نهته وهي بالغة صح النهي، وليس لغيرهم ذلك، والوصي يملك ذلك على الصغيرة، والثيب البالغة حق القبض لها دون غيرها ا ه.
وشمل قوله: (وليس لغيرهم) الام، فليس لها القبض إلا إذ كانت وصية، وحينئذ فتطالب الام إذا بلغت دون الزوج كما أفاده في الهندية ط.
قلت: أي تطالب الام إذا ثبت القبض بغير إقرار الام لما في البزازية وغيرها: أدركت وطلبت المهر من الزوج فادعى الزوج أنه دفعه إلى الاب في صغرها وأقر الاب به لا يصح إقراره عليها لانه لا يملك القبض في هذه الحالة فلا يملك الاقرار به وتأخذ من الزوج، ولا يرجع على الاب لانه أقر بقبض الاب في وقت له ولاية قبضه، إلا إذا كان قال عند الاخذ: أبرأتك من مهرها ثم أنكرت
البنت له الرجوع هنا على الاب اه.
وفيها قبض الولي المهر ثم ادعى الرد على الزوج لا يصدق إذا كانت بكرا لانه يلي القبض لا الرد، ولو ثيبا يصدق لانه أمين ادعى رد الامانة ا ه.
وفيها قبض الاب مهرها وهي بالغة أو لا وجهزها أو قبض مكان المهر عينا، ليس لها أن لا تجيزه لان ولاية قبض المهر إلى الآباء، وكذا التصرف فيه ا ه.
لكن في الهندية: لو قبض بمهر البالغة ضيعة فلم ترض إن جرى التعارف بذلك جاز له، وإلا فلا ولو بكرا.
وتمام مسائل قبض المهر في البحر والنهر أول باب الاولياء.
قوله: (قال البزازي الخ) عبارته: ولا يجبر الاب على دفع الصغيرة إلى الزوج، ولكن يجبر الزوج على إيفاء المعجل، فإن زعم الزوج إنها تتحمل الرجال وأنكر الاب فالقاضي يريها للنساء ولا يعتبر السن ا ه.
قلت: بل في التاترخانية: البالغة إذا كانت لا تتحمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج.
مطلب في السر ومهر العلانية قوله: (المهر مهر السر الخ) المسألة على وجهين: الاول: تواضعا في السر على مهر ثم تعاقدا في العلانية بأكثر والجنس واحد، فإن اتفقا على المواضعة فالمهر مهر السر، وإلا فالمسمى في العقد ما لم يبرهن الزوج على أن الزيادة سمعة وإن اختلف الجنس، فإن لم ينفقا على المواضعة فالمهر هو المسمى في العقد، وإن اتفقا عليها انعقد بمهر المثل، وإن تواضعا في السر على أن المهر دنانير ثم تعاقدا في العلانية على أن لا مهر لها فالمهر ما في السر من الدنانير، لانه لم يوجد ما يوجب الاعراض عنها، وإن تعاقدا على أن لا تكون الدنانير مهرا لها أو سكتا في العلانية عن المهر انعقد بمهر المثل.
الوجه الثاني: أن يتعاقدا في السر على مهر ثم أقر في العلانية أكثر فإن اتفقا أو أشهدا أن الزيادة سمعة فالمهر ما ذكر عند العقد في السر، وإن لم يشهد فعندهما المهر هو الاول.
وعنده هو(3/176)
الثاني، ويكون جميعه زيادة على الاول لومن خلاف جنسه، وإلا فالزيادة بقدر ما زاد على الاول ا ه.
ملخصا من الذخيرة.
والحاصل في الوجه الاول أن العقد إنما جرى في العلانية فقط، وفي الوجه الثاني بالعكس أو جرى مرتين، مرة في السر ومرة في العلانية كما قدمناه مبسوطا عن الفتح عند قول المصنف: وما فرض بعد العقد أو زيد لا ينتصف وفيه نوع مخالفة لما هنا يمكن دفعها بإمعان النظر.
قوله: (المؤجل إلى الطلاق) احتراز عن المهر المؤجل إلى مدة معلومة فإنه يبقى إلى أجله بعد الطلاق، وقوله: يتعجل بالرجعي أي مطلقا، أو إلى انقضاء العدة كما هو قول عامة المشايخ، وعلى الاول لا يتأجل لو راجعها، وليس رجعي بقيد بل البائن مثله بالاولى، وقدمنا تمام الكلام على ذلك عند قوله: ولها منعه من الوطئ الخ.
قوله: (ولو وهبته المهر الخ) أي لو قال لمطلقته: لا أتزوجك حتى تهبيني مالك علي من مهرك ففعلت على أن يتزوجها فأبى، فالمهر عليه تزوج أم لا.
بزازية، وقوله فأبى: أي قال لا أتزوجك فيكون ردا للهبة، فلذا بقي المهر عليه وإن تزوجها بعد الاباء.
قوله: (ولو وهبته لاحد) أي غير الزوج، لان هبة الدين بمن عليه الدين تصح مطلقا، أما هبته لغيره فلا تصح ما لم يسلطه على قبضه فيصير كأنه وهبه حين قبضه، ولا يصح إلا بقبضه كما في جامع الفصولين.
قوله: (لم تصح) أي الهبة.
قوله: (وهذه حيلة الخ) أفاد أنها غير قاصرة على المهر، وفيها بعد الاشتراط رضا المديون بالحوالة، فإذا كان طالبا للهبة لا يرضى بالحوالة إلا أن يصور فيمن يجهل أن الحوالة تمنع من صحة الهبة.
وأجاب الشارح في مسائل شتى آخر الكتاب بأن يتمكن المحال من مطالبة المديون برفعه إلى من لا يشترط قبوله: أي كمالكي المذهب.
تأمل.
ومن الحيل شراء شئ ملفوف من زوجها بالمهر قبل الهبة: أي ثم ترده بعدها بخيار رؤية أو يصالحها إنسان عن المهر بشئ ملفوف قبل الهبة كما في البحر عن القنية، والاخيرة أحسن، والله تعالى أعلم.
باب نكاح الرقيق لما فرغ من نكاح من له أهلية النكاح من المسلمين شرع في بيان من ليس له ذلك وهو الرقيق، وقدمه على الكافر لان الاسلام غالب فيهم.
نهر.
قوله: (هو المملوك) في الصحاح: الرقيق المملوك يطلق على الواحد والجمع.
قال في البحر: والمراد هنا المملوك من الآدمي، لانهم
قالوا: إن الكافر إذا أسر في دار الحرب فهو رقيق لا مملوك، وإذا أخرج فهو مملوك أيضا، فعلى هذا فكل مملوك من الآدمي رقيق لا عكسه ا ه.
وعليه فالمراد بالرقيق هنا الرقيق المحرز بدارنا، فلامة إذا أسرت ولم تخرج إلى دارنا لو تزوجت لا يتوقف نكاحها بل يبطل لانه لا مجيز له وقت وقوعه كما في النهر بحثا.
قلت: قد يقال إن له مجيزا وهو الامام، لان له بيعها قبل الاخراج وبعده، فتأمل.
قوله: (كلا أو بعضا) يشمل المبعض والمملوك ملكا ناقصا كالمكاتب ومن ولد له سبب الحرية(3/177)
كالمدبر وأم الولد.
قوله: (والقن المملوك كلا) أخرج المبعض، لكن دخل فيه المكاتب والمدبر وأم الولد لدخولهم في المملوك.
وفي المغرب: القن من العبيد من ملك هو وأبواه، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، وأما أمة قنة فلم نسمعه.
وعن ابن الاعرابي: عبد قن خالص العبودية، وعليه قول الفقهاء، لانهم يعنون به خلاف المدبر والمكاتب ا ه.
فالمناسب ما في الرحمتي من أن القن المملوك ملكا تاما لم ينعقد له سبب الحرية.
قال ح: ثم اعلم أن كلا من الرق والملك كامل وناقص، ففي القن كاملان، وفي معتق البعض ناقصان، وفي المكاتب كمل الرق، وفي المدبر وأم الولد كمل الملك.
قوله: (توقف نكاح قن) أطلق في نكاحه فشمل ما إذا تزوج بنفسه أو زوجه غيره، وقيد بالنكاح لان التسري حرام مطلقا.
قال في الفتح: فرع مهم للتجار ربما يدفع لعبده جارية ليتسرى بها، ولا يجوز للعبد أذن له مولاه أو لا، لان حل الوطئ لا يثبت شرعا إلا بملك اليمين أو عقد النكاح، وليس للعبد ملك يمين فانحصر حل وطئه في عقد النكاح ا ه.
بحر.
قوله: (وأمة) قد علمت أن القن يشمل الذكر والانثى.
قوله: (ومكاتب) لان الكتابة أوجبت فك الحجر في حق الاكتساب، ومنه تزويج أمته إذ به يحصل المهر والنفقة للمولى، بخلاف تزويج نفسه وعبده، ودخل في المكاتب معتق البعض لا يجوز نكاحه عنده، وعندهما يجوز لانه حر مديون.
أفاد في البحر.
قوله: (وأم ولد) وفي حكمها ابنها من غير مولاها، كما إذا زوج أم ولده من غيره فجاءت بولد من زوجها، وأما ولدها من مولاها فحر،
وتمامه في البحر.
قوله: (فإن أجاز نفذ الخ) إن كان كل من الاجازة أو الرد قبل الدخول فالامر ظاهر، وإن كان بعده ففي الرد يطالب العبد بعد العتق كما ذكره بقوله: فيطالب الخ وفي الاجازة قال في البحر عن المحيط وغيره: القياس أن يجب مهران مهر بالدخول ومهر بالاجازة كما في النكاح الفاسد إذا جدده صحيحا.
وفي الاستحسان: لا يلزمه إلا المسمى، لان مهر المثل لو وجب لوجب باعتبار العقد، وحينئذ فيحب بعقد واحد مهران وإنه ممتنع ا ه.
ثم الاجازة تكون صريحا ودلالة وضرورة كما سيأتي، وفيه رمز إلى أن سكوته بعد العلم ليس بإجازة كما في القهستاني عن القنية.
قوله: (فلا مهر) تفريع على قوله: بطل ح: أي لا مهر على العبد ولا مهر للامة.
قوله: (فيطالب) جواب شرط مقدر: أي فإن دخل فيطالب، فافهم.
قوله: (من له ولاية تزويج الامة) أي وإن لم يكن مالكا لها.
بحر.
وشمل الوارث والمشتري، فلو مات الولي أو باعه فأجازه سيده الوارث أو المشتري يجوز، وإلا فلا كما أشير إليه في العمادية.
قهستاني، وشمل الشريكين.
فلو زوج أحدهما الامة ودخل الزوج، فإن رد الآخر فله نصف مهر المثل وللمزوج الاقل من نصفه ومن نصف المسمى.
بحر.
قوله: (كأب) أي أبي اليتيم فإنه يزوج أمته كذا جده وكذا وصيه والقاضي ح.
لانه من باب الاكتساب فتح.
قوله: (ومكاتب) لانه كما تقدم(3/178)
يجوز له تزويج أمته لكونه من الاكتساب لا عبده ط.
وخرج العبد المأذون فلا يملك تزويج الامة أيضا.
بحر.
ومثله الصبي المؤذون.
درر.
قوله: (ومفاوض) فإنه يزوج أمة المفاوضة لا عبدها.
ح عن القهستاني.
بخلاف شريك العنان فلا يملك تزويج الامة كما مر، وكذا المضارب كما في البحر.
قوله: (ومتول) ذكره في النهر بحثا حيث قال: ولم أر حكم نكاح رقيق بيت المال والرقيق في الغنيمة المحرزة بدارنا قبل القسمة والوقف إذا كان بإذن الامام والمتولي، وينبغي أن يصح في الامة دون العبد كالوصي.
ثم رأيت في البزازية: لا يملك تزويج العبد إلا من يملك إعتاقه ا ه: أي فإنه يدل على أنه لا يصح في العبد، وأما في الامة فينبغي الجواز تخريجا على الوصف كما قال،
ولعل الشارح اقتصر على المتولي ولم يذكر الامام لان أحكام الوصي والمتولي مستقيان من واد واحد، لكن الامام في مال بيت المال ملحق بالوصي أيضا، حتى أنه لا يملك بيع عقار بيت المال إلا فيما يملكه الوصي، وله بيع عبد الغنيمة قبل الاحراز وبعده فينبغي أن يملك تزويج الامة إذا رأى المصلحة.
تأمل.
قوله: (وأما العبد الخ) يستثنى من ذلك ما لو زوج الاب جارية ابنه من عبد ابنه فإنه يجوز عند أبي يوسف، بخلاف الوصي، لكن في المبسوط أنه لا يجوز في ظاهر الرواية فلا استثناء.
بحر.
قوله: (وغيره) أي من مدبر ومكاتب.
قوله: (لوجود سبب الوجوب منه) أي من القن وغيره، فإن العقد سبب لوجوب المهر والنفقة، وقد وجد من أهله مع انتفاء المانع وهو حق المولى لاذنه بالعقب.
قوله: (ويسقطان بموتهم) قيد سقوط المهر في البحر عند قول الكنز: ولو زوج عبدا مأذونا بما إذا لم يترك كسبا، في كلام الشارح إشارة إليه، أما النفقة ولو مقتضية فتسقط عن الحر بموته فالعبد بالاولى.
قوله: (وبيع قن) أي باعه سيده، لانه دين تعلق في رقبته وقد ظهر في حق المولى بإذنه فيؤدم ببيعه، فإن امتنع باعه القاضي بحضرته إلا إذا رضي أن يؤدي قدر ثمنه، كذا في المحيط.
نهر.
واشتراط حضرة المولى لاحتمال أن يفديه، وقد ذكر في المأذون المعديون أن للغرماء استسعاءه أيضا.
قال في البحر: من النفقة، ومفاده أن زوجته لو اختارت استعساءه لنفقة كل يوم أن يكون لها ذلك ا ه.
قلت: وكذا للمهر.
قوله: (كمدبر) أدخلت الكاف المكاتب ومعتق البعض وابن أم الولد كما في البحر.
قوله: (بل يسعى) لانه لا يقبل البيع فيؤدي من كسبه لا من نفسه، فلو عجز المكاتب صار المهر دينا في رقبته فيباع فيه إلا إذا أدى المهر مولاه واستخلصه كما في القن، وقياسه أن المدبر لو عاد إلى الرق بحكم شافعي ببيعه أن يصير المهر في رقبته.
بحر.
قوله: (ولو مات مولاه الخ) في القنية: زوج مدبره امرأة ثم مات المولى فالمهر في رقبة العبد يؤخذ به إذا عتق ا ه.
وفيه نظر لان حكمه السعاية قبل العتق لا التأخر إلى ما بعد العتق بحر.
قال في النهر: هذا مدفوع بأن ما في القنية فيه إفادة حكم سكتوا عنه، هو أن المدبر إذا لزمته السعاية في حياة المولى هل يؤاخذ بالمهر بعد العتق؟ قال: نعم، وهو ظاهر في أنه يؤاخذ به جملة واحدة حيث قدر عليه ويبطل حكم السعاية ا ه.
أقول: حاصل الجواب أن المدبر يسعى في حياة مولاه في المهر، أما بعد موت مولاه فإنه(3/179)
يسعى أولا في ثلثي قيمته لتلخيص رقبته من الرق ويصير المهر في رقبته يؤديه بعد عتقه كدين الاحرار لا بطريق السعاية، فإن وجد معه جملة أخذ منه وإلا عومل معاملة المديون المعسر، ولما كان فهم ذلك من عبارة القنية فيه خفاء عزا ذلك إليها وإلى النهر، فافهم.
قوله: (إن تجددت) يعني إن لزمه نفقة فبيع فيها فلم يف ثمنه بما عليه من النفقة بقي الفضل في ذمته فيطالب به بعد العتق ولا يتعلق برقبته فلا يباع فيه عند السيد الثاني، ثم إن تجمعت عليه نفقة عند السيد الثاني بيع فيها ويفعل بالفضل كما مرح.
ووجهه ما في البحر عن المبسوط أن النفقة يتجدد وجوبها بمضي الزمان وذلك في حكم دين حادث ا ه: أي إن ما تجدد وجوبه عند السيد الثاني في حكم دين حادث فيباع فيه، بخلاف ما تجمد عليه وبيع فيه أولا، فإنصه لا يباع فيه ثانيا لاستيفاء باقيه لانه في حكم دين واحد، خلافا لما في نفقات صدر الشريعة حيث يفهم منه أنه يباع في الباقي أيضا كما سيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى.
ثم الظاهر أن هذا مفروض فيما إذا كانت النفقة مفروضة بالتراضي أو بقضاء القاضي لانها بدون ذلك تسقط بمضي المدة كما ذكروه في النفقات.
ثم رأيت في نفقات البحر صور المسألة بما إذا فرض القاضي لها نفقة شهر مثلا وعجز عن أدائها باعه القاضي إن لم يفده المولى.
وأفاد أنه إنما يباع فيما يعجز عن أدائه لا لنفقة كل يوم مثلا للاضرار بالمولى، ولا لاجتماع قدر قيمته للاضرار بها.
وينبغي أن لا يصح فرضه لتراضيهما لحجر العبد عن التصرف ولاتهمامه بقصد الزيادة لاضرار المولى، ولذا فرض المسألة في البحر فيما إذا فرضها القاضي.
تأمل.
قوله: (وفي المهر مرة) فيه أنه لو لزمه مهر آخر عند السيد الثاني كما إذا طلقها ثم تزوجها بيع ثانيا، فلا فرق بين المهر والنفقة إلا باعتبار أن النفقة تتجدد عند السيد الثاني ولا بد، بخلاف المهر.
ح عن شيخه السيد.
وأجاب ط بأن النفقة التي حدثت عند الثاني سببها متحقق عند الاول فتكرر بيعه في شئ واحد، بخلاف بيعه فمهر ثان عند الثاني، فإن هذا
مسبب عن عقد مستقل حتى توقف على إذنه ا ه.
قلت: وحاصله أن النفقة المتجددة عند الثاني وإن كانت في حكم دين حادث ولذا بيع فيها ثانيا إلا أنها لما كان سببها متحدا وهو العقد الاول لم تكن دينا حادثا من كل وجه، أما المهر الثاني فهو دين حادث من كل وجه لوجوبه بسبب جديد، وأنت خبيبأن هذا جواب إقناعي.
ثم اعلم أن دين المهر والنفقة عيب في العبد، فللمشتر الخيار إن لم يرض به.
تنبيه: قال في البحر: علل في المعراج لعدم تكرار بيعه في المهر بأنه بيع في جميع المهر، فيفيد أنه لو بيع في مهرها المعجل ثم حل الاجل يباع مرة أخرى لانه إنما بيع في بعضه ا ه.
أقول: فيه نظر لانه مخالف لما نقله قبله في المبسوط من أنه ليس شئ من ديون العبد ما يباع فيه مرة بعد أخرى إلا النفقة، لانه يتجدد وجوبها بمضي الزمان الخ.
ولا يخفى أن المهر المؤجل كان واجبا قبل حلول الاجل، وإنما تأخرت المطالبة إلى حلوله، فلم يتجدد الوجوب عند المشتري حتى يباع ثانيا عنده، ولانه يلزم أنه لو كان المهر ألفا مثلا وقيمة العبد مائة فبيع بمائة ثانيا وثالثا وهكذا، لانه في كل مرة لم يبع في كل المهر وهو خلاف ما صرحوا به، ومراد المعراج بقوله: بيع(3/180)
في جميع المهر، أنه إنما بيع لاجل جميع المهر: أي لاجل ما كان جميعه واجبا وقت البيع، بخلاف النفقة الحادثة عند الثاني فإنه لم يبع فيها عند الاول فيباع فيها ثانيا عند الثاني، فالمراد بيان الفرق بين المهر والنفقة كما صرحوا به في البحر من النفقات فراجعه، فافهم.
قوله: (إلا إذا باعه منها) فإن ما عليها من مقدار ثمنه يلتقي قصاصا بقدره مما لها والباقي يسقط، لان السيد لا يستوجب دينا على عبده ح.
قوله: (ولو زوج المولى أمته الخ) حاصله تقييد المسألة الاولى التي يباع في القن بما إذا لم تكن الامة أمة مولى العبد فهذا كالاستثناء مما قبله، ثم استثنى من هذا الاستثناء ما إذا كانت أمة المولى مأذونة فإنه يباع لها أيضا، وأطلق هنا الامة والعبد، فشمل ما إذا كانا قنين أو مدبرين، أو كانت أم ولدا، أو كان ابن أم ولد.
قوله: (لا يجب المهر) لاستلزامه الوجوب لنفسه على نفسه وهو لا يعقل، وهذا بناء على أن مهر الامة يثبت للسيد ابتداء غير المأذونة والمكاتبة ومعتقة البعض
كما في النهر ح.
وفي استثناء المأذونة كلام يأتي قريبا.
قوله: (بل يسقط) أي بل يجب على السيد ثم يسقط بناء على أن مهر الامة يثبت لها أولا ثم ينتقل للسيد كما في النهر عن الفتح ح.
وفائدة وجوبه لها أنه لو كان عليها دين يستوفى منه ويقضي دينها.
قالوا: والاول أظهر، كذا في شرح الجامع الكبير.
بيري على الاشباه.
وأيده أيضا في الدرر، وهذا مؤيد لتصحيح الولوالجي.
قال في البحر: ولم أر مكن ذكر لهذا الاختلاف ثمرة.
ويمكن أن يقال: إنها تظهر فيما لو زوج الاب أمة الصغير من عبده: فعلى الثاني يصح، وهو قول أبي يوسف، وعلى الاول لا يصح التزويج، وهو قولهما، وبه جزم في الولوالجية معللا بأنه نكاح للامة بغير مهر لعدم وجوبه على العبد في كسبه للحال اه.
واعترضه الرحمتي بأنه لا استحالة في وجوب المال للصغير على أبيه، بخلاف ما لو زوجها من أمة نفسه.
قلت: وكأنه فهم أن الضمير في قوله: من عبده للاب مع أنه للصغير كما صرح به في الظهيرية.
هذا، وجعل العلامة المقدسي ثمرة الخلاف قضاء دينها منه وعدمه.
وقال: ويترجح القول بالوجوب ولهذا صححه ابن أمير حاج.
قوله: (ومحل الخلاف الخ) ذكره في النهر بحثا بقوله: وينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم تكن الامة مأذونة مديونة، فإن كانت بيع أيضا، ويدل عليه ما في الفتح: مهر الامة يثبت لها ثم ينتقل إلى المولى، حتى لو كان عليها دين قضى من المهر ا ه.
قلت: أنت خبير أن قول الفتح: يثبت لها الخ، هو أحد القولين، فكيف يجعله دللاي لعدم الخلاف؟ فإن المتبادر من عباراتهم أن قضاء دينها منه مبني على القول بأنه يثبت لها أو لا، أما على القول بأنه يثبت للسيد ابتداء فلا قضاء، ولهذا جعله العلامة المقدسي ثمرة الخلاف كما مر، فتأمل.
قوله: (لانه يثبت لها) أي لان المهر يثبت للامة مأذونة أو غيرها ثم ينتقل للمولى إن لم يكن عليها دين، وإلا فلا ينتقل إليه، فالضمير راجع للامة المذكورة لابقيد كونها مأذونة فهو استدلال بالاعم(3/181)
على الاخص، فافهم.
قوله: (فالمهر برقبته) وقيل في ثمنه والاول الصحيح كما في المنية، ولو أعتقه كان عليه الاقل من المهر والنفقة كما في النتف.
قهستاني.
قوله: (يدور معه الخ) أي يباع فيه وإن تداولته الايدي مرارا.
قوله: (كدين الاستهلاك) أي كما لو استهلك مال إنسان عند سيده.
قوله: (لكن للمرأة فسخ البيع) ذكره في البحر بحثا، ونقله المصنف في المنح عن جواهر الفتاوى حيث قال: رجل زوج غلامه ثم أراد أن يبيعه بدون رضا المرأة، إن لم يكن للمرأة على العبد مهر فللمولى بيعه، وإن كان فلا إلا برضاها.
وهذا كما قلنا في العبد المأذون والمديون إذا باعه بدون رضا الغرماء، فلو أراد الغريم الفسخ فله أن يفسخ البيع، كذلك هنا إذا كان عليه المهر لان المهر دين ا ه.
أما لو المولى قضاه عنه فلا فسخ أصلا.
قوله: (طلقها رجعية) مثله أوقع عليها الطلاق أو طلقها تطليقة تقع عليها.
بحر.
قوله: (إجازة) لان الطلاق الرجعي لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح، فكان الامر به إجازة اقتضاء، بخلاف البائن لانه يحتمل المتاركة، كما في النكاح الفاسد والموقوف.
ويحتمل الاجازة فحمل على الادنى، وأشار إلى أن الاجازة تثبت بالدلالة كما تثبت بالصريح وبالضرورة، فالصريح كرضيت وأجزت وأذنت ونحوه.
والدلالة تكون بالقول، كقول المولى بعد بلوغه الخبر: حسن أو صواب أو لا بأس به، وبفعل يدل عليها كسوق المهر أو شئ منه إلى المرأة والضرورة بنحو عتق العبد أو الامة، فالاعتاق إجزاة وتمامه في البحر.
ولو أذن له السيد بعد ما تزوج لا يكون إجازة، فإن أجاز العبد ما صنع جاز استحسانا كالفضولي إذا وكل فأجاز ما صنعه قبل الوكالة، وكالعبد إذا زوجه فضولي فأذن له مولاه في التزوج فأجاز ما صنعه الفضولي، كذا في الفتح.
أقول ولعل وجهه أن العقد إذا وقع موقوفا على الاجازة فحصل الاذن بعده ملك استئناف العقد فيملك إجازة الموقوف بالاولى، لكن علمت أن من الاجازة الصريحة لفظ أذنت فيناقض ما ذكر من أن الاذن بعد التزوج لا يكون إجازة.
وأجاب في البحر بحمل الاول على ما إذا علم بالنكاح فقال أذنت، والثاني على ما إذا لم يعلم، وبه جزم في النهر.
مطلب في الفرق بين الاذن والاجازة قلت: يظهر مما ذكرنا الفرق بين الاذن والاجازة، فالاذن كما سيقع، والاجازة لما وقع.
ويظهر منه أيضا أن الاذن يكون بمعنى الاجازة إذا كان الامر وقع وعلم به الآذن، وعلى هذا فقول البحر وغيره: الاجازة تثبت بالدلالة وبالصريح الخ، أنسب من قول الزيلعي: الاذن يثبت الخ.
وعلم أن المصنف لو قال: (إذن) بدل قوله: (إجازة) لصح أيضا، لان الامر بالطلاق يكون بعد العلم، والاذن بعد العلم إجازة.
فقول النهر: ولم يقل أذن لانه لو كان لاحتاج إلى الاجازة، فيه نظر فتدبر.
قوله: (للنكاح الموقوف) يستفاد من قوله: (للنكاح الموقوف) أنه عقد فضولي فتجري فيه أحكام الفضولي من صحة فسخ العبد والمرأة قبل إجازة المولى، وتمامه في النهر.
قوله: (لانه) أي قول(3/182)
المولى طلقها أو فارقها لانه يستعمل للمتاركة أي فيكون ردا.
ويحتمل الاجازة، فحمل على الر لانه أدنى، لان الدفع أسهل من الرفع، أو لانه أليق بحال العبد المتمرد على مولاه، فكانت الحقيقة متروكة بدلالة الحال.
بحر عن العناية.
وعلى الثاني ينبغي لو زوجه فضولي فقال المولى طلقها أنه يكون إجازة، إذ لا تمرد منه في هذه الحالة.
نهر.
قلت: التعليل الاول يشمل هذه الصورة فلا يكون إجازة.
قوله: (حتى لو أجازه) تفريع على ما فهم من المقام من أن ذلك رد.
وقال في البحر: وقد علم مما قررناه، أن قوله طلقها أو فارقها وإن لم يكن إجازة فهو رد، فينفسخ به نكاح العبد حتى لا تلحقه الاجازة بعده.
قوله: (بخلاف الفضولي) أي إذا قال له الزوج طلقها يكون إجازة لانه يملك التطليق بالاجازة فيملك الامر به، بخلاف المو لى، وهذا مختار صاحب المحيط.
وفي الفتح أنه الاوجه، ومختار الصدر الشهيد ونجم الدين النسفي أنه ليس بإجازة، فلا فرق بينهما.
وعلى هذا الاختلاف إذا طلقها الزوج.
وفي جامع الفصولين أن هذا الاختلاف في الطلقة الواحدة، أما لو طلقها ثلاثا فهي إجازة اتفاقا، وعليه فينبغي أن تحرم عليه لو طلقها ثلاثا لانه يصير كأنه إجازة أولا ثم طلق ا ه.
وبه صرح الزيلعي بحر.
قوله: (وإذنه لعبده الخ) أطلقه فشمل ما إذا أذن له في نكاح حرة أو أمة معينة أو لا،
فما في الهداية من التقييد بالامة والمعينة اتفاق.
بحر.
قوله: (بعد إذنه) متعلق بنكحها، وقيد به لئلا يتوهم أن قوله: (وإذنه لعبده) يدخل فيه الاذن بعد النكاح لان الاذن ما يكون قبل الوقوع على ما مر بيانه، فافهم.
قوله: (فوطئها) قيد به لان المهر لا يلزم في الفاسد إلا به ط.
قوله: (خلافا لهما) فعندهما الاذن لا يتناول إلا بالصحيح، فلا يطالب بالمهر في الفاسد إلا بعد العتق.
قوله: (تقيد به) أي ويصدق قضاء وديانة.
قال في النهر: واعلم أنه ينبغي أن يقيد الخلاف بما إذا لو لم ينو المولي الصحيح فقط، فإن نواه تقيد به أخذا من قولهم لو حلف أنه ما تزوج في الماضي يتناول يمينه الفاسد أيضا.
قال في التلخيص: ولو نوى الصحيح صدق ديانة وقضاء وإن كان فيه تخفيف رعاية لجانب الحقيقة ا ه نهر.
قوله: (كما لو نص عليه) أي فإنه يتقيد به اتفاقا أيضا كما بحثه في البحر أخذا مما بعده.
قوله: (صح) أي فإذا دخل بها يلزمه المهر في قولهم جميعا.
بحر عن البدائع.
قوله: (وصح الصحيح أيضا) أي اتفاقا، وهذا ما بحثه في النهر على خلاف ما بحثه في البحر من أنه لا يصح اتفاقا.
وإذا تأملت كلام كل منهما يظهر لك أرجحية ما في البحر كما أوضحته فيما علقته ويأتي قريبا بعض ذلك.
قوله: (ولو نكحها ثانيا) أي بعد الفاسد، وهذا عطف على قوله: (فيباع الخ) فهو أيضا من ثمرة الخلاف لانه إذا انتظم الفاسد عنده ينتهي به الاذن، وإذا لم ينتظمه لا ينتهي به عندهما فله أن يتزوج صحيحا بعده بها أو بغيرها.
قوله: (لانتهاء الاذن بمرة) مثل الاذن الامر بالتزويج، كما لو(3/183)
قال له تزوج فإنه لا يتزوج إلا مرة واحدة لان الامر لا يقتضي التكرار، وكذا إذا قال تزوج امرأة، لان قوله امرأة اسم لواحدة من هذا الجنس.
بحر عن البدائع.
قوله: (وإن نوى مرارا الخ) أي لو قال لعبده تزوج ونوى به مرة بعد أخرى لم يصح لانه عدد محض، ولو نوى ثنتين يصح لان ذلك كل نكاح العبد، إذ العبد لا يملك التزوج بأكثر من ثنتين.
بحر عن شرح المغني للهندي.
وحاصله أن الامر يتضمن المصدر وهو للفرد الحقيقي أو الاعتباري: أي جملة ما يملكه دون العدد المحض كما قالوا في طلق امرأتي ونوى الواحدة أو الثلاث يصح دون الثنتين.
قوله: (وكذا
التوكيل بالنكاح) بأن قال تزوج لي امرأة لا يملك أن يزوجه إلا امرأة واحدة، ولو نوى الموكل الاربع ينبغي أن يجوز على قياس ما ذكرنا لانه كل جنس النكاح في حقه ولكني ما ظفرت بالنقل، كذا في شرح المغني للهندي في بحث الامر.
بحر فافهم.
لكن نية الاربع إنما تصح إذا ليقل امرأة، أما لو قاله كما هو تصوير المسألة قبله فلا كما أفاده الرحمتي، ويؤيده ما مر آنفا عن البدائع من أن المرأة اسم لواحدة من هذا الجنس.
قوله: (بخلاف التوكيل به) أي توكيل من يريد النكاح به، وهذا مرتبط بقول المصنف: والاذن بالنكاح ينتظم جائزه وفاسده.
قوله: (فإنه لا يتناول الفاسد) لان النكاح الفاسد ليس بنكاح، لانه لا يفيد شيئا من أحكام النكاح، ولهذا لو حلف لا يتزوج نكاحا فاسدا لا يحنث، بخلاف البيع يجوز في قول أبي حنيفة لان الفاسد بيع يفيد حكم البيع وهو الملك، ويدخل في يمين البيع فيحنث به.
خانية.
قوله: (به يفتى) عبارة البحر: فلا ينتهي به اتفاقا، وعليه الفتوى كما في المصفى، وأسقط الشارح اتفاقا لان قوله: (وعليه الفتوى) يشعر بالخلاف وإرجاع ضمير عليه إلى الاتفاق فيه نظر، إذ لا معنى للافتاء بالاتفاق، فافهم.
قوله: (لا يملك الصحيح) لانه قد يكون له غرض في الفاسد وهو عدم لزوم المهر بمجرد العقد فإنه لا يلزم إلا بالوطئ.
وفي الصحيح يلزم المهر بمجرد العقد، ويتأكد بالخلوة والموت ولو بدون وطئ، ففيه إلزام على الموكل بما لم يلتزمه، وهذا يؤيد ما بحثه في البحر كما مرعند قوله: (وصح الصحيح أيضا).
قوله: (بخلاف البيع) أي بخلاف الوكيل ببيع فاسد فإنه يملك الصحيح، لان البيع الفاسد بيع حقيقة لافادته الملك بعد القبض، بخلاف النكاح الفاسد كما مر.
قوله: (الاذن في النكاح) الاولى بالنكاح بالباء، والمراد الاذن للعبد المحجور وهو فك الحجر وإسقاط الحق، لان العبد له أهلية التصرف في نفسه، وإنما حجر عليه لحق المولى فبالاذن يتصرف لنفسه بأهليته.
وعند زفر والشافعي: هو توكيل وإنابة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن هذا غير خاص بالعبد لانه يقال، أذن لزيد بأكل طعامي أو بسكنى داري، ففيه فك حجر وإسقاط حق، وكذا يقال: أذنت له ببيع داري، فيكون بمعنى الاحلال والاعارة والتوكيل، وإنما لم يكن الاذن للعبد توكيلا عندنا لما علمت من أنه بالاذن يتصرف لنفسه لا بطريق النيابة عن المولى.
قوله: (والتوكيل بالبيع) أي توكيل أجنبي
به.
وقول البحر: وقول البحر: أشار المصنف إلى أن الاذن بالبيع وهو التوكيل به يتناول الفاسد بالاولى اتفاقا(3/184)
يوهم أن الاذن هو التوكيل، لكن قد علمت أنه ليس عينه مطلقا بل قد يطلب عليه، فمراده الاذن الذي معنى توكيل الاجنبي لا إذن العبد.
تأمل.
قوله: (وبالنكاح لا) أي والتوكيل بالنكاح لا يتناول الفاسد كما مر.
قوله: (واليمين على نكاح) كما إذا حلف لا يتزوج فإنه لا يحنث إلا بالصحيح.
وأما إذا حلف أنه ما تزوج في الماضي فإنه يتناول الصحيح والفاسد أيضا، لان المراد في المستقبل الاعفاف وفي الماضي وقوع العقد.
بحر عن المبسوط.
قوله: (وصلاة) يقال على قياس ما تقدم: إن يمينه في الماضي منعقدة على صورة الفعل وقد وجدت، بخلافها في المستقبل فمنعقدة على المتهيئة للثواب وهو لا يحصل بالفاسد، ومثلها الصوم والحج ط.
قلت: وسيأتي في الايمان: حلف لا يصوم حنث بصوم ساعة بنية وإن أفطر لوجود شرطه، ولو قال صوما أو يوما حنث بيوم، وحنث في: لا يصلي بركعة، وفي: لا يصلي صلاة بشفع، وفي: لا يحج لا يحنث حتى يقف بعرفة عن الثالث، أو حتى يطوف أكثر الطواف عن الثاني اه.
وبه علم أن المراد بالصحيح في المستقبل ما يتحقق به الفعل المحلوف عليه شرعا مع شرائطه، وذلك في الصوم بساعة، وفي الصلاة بركعة وإن أفسده بعده.
تأمل.
قوله: (صح) أي النكاح لانه يبتني على ملك الرقبة وهو باق بعد الدين كما هو قبله.
بحر، قوله: (وساوت الغرماء) أي أصحاب الديون، وفيه تصريح بأن المهر سائر الديون، فلو مات العبد وكان له كسب يوفى منه.
وما في الفتح عن التمرتاشي: لو مات العبد سقط المهر والنفقة يجب حمله في المهر على ما إذا لم يترك شيئا نهر، وأصل هذا الاستخراج والتوفيق لصاحب البحر.
قوله: (والاقل) أي إن كان المهر المسمى أقل من مهر المثل تساوى الغرماء فيه، ولم يذكره المصنف لعلمه بالاولى.
قوله: (والزائد عليه الخ) أي إذا كان المسمى أكثر من مهر المثل فإنها تساويهم في قدر الزائد عليه يطالب به بعد استيفاء الغرماء.
بحر: أي فيسعى لها به إن بقي في ملك مولاه أو تصبر إلى أن يعتق، ولو باعه الغرماء معها ليس لها بيعه ثنيا لاخذ الزائد، لانه لا يباع في المهر مرتين كما
حررناه فيما مر.
تأمل.
قوله: (كدين الصحة) أي إذا كان على المريض دين صحة وهو ما ثبت ببينة مطلقا أو بإقراره صحيحا قدم على دين المرض وهو ما أقر به مريضا، لان فيه إضرارا بالغرماء فيقضي بعد قضاء ديونهم.
قوله: (إلا إذا باعه منها) في الخانية: زوجه بألف وباعه منها بتسعمائة وعليه دين ألف أجاز الغريم البيع كانت التسعمائة بينهما يضرب الغريم فيها بألف والمرأة بألف، ولا تتبعه المرأة بعد ذلك ويتبعه الغريم بما بقي من دينه إذا عتق ا ه.
وقوله ولا تتبعه بتاءين ثم باء موحدة: أي لا تطالبه بما بقي من مهرها لانه صار ملكها وانفسخ النكاح والسيد لا يستوجب على عبده مالا، بخلاف ما بقي للغريم فإنه باق في ذمة العبد فطالبه به بعد عتقه، أما قبله فلا لما مر من أن العبد لا يباع في دين أكثر من مرة إلا النفقة، ولان الغريم لما أجاز بيع المولى منها تعلق حقه في القيمة فقط، ولا يخفى أن للمرأة بيعه وعتقه.
كما لو باعه المولى من غيرها، ولا يمنع من بيعه تعلق(3/185)
الدين برقبته إلى ما بعد عتقه لما قلنا، فما قيل من أنه ليس لها بيعه لتعلق حق الغريم به فهو وهم منشؤه التصحيف، ولو كانت النسخة: ولا تبيعه ويبيعه الغريم من البيع، نافي قوله: إذا عتق، فافهم.
قوله: (كما مر) أي قبيل قوله: (ولو زوج المولى أمته من عبده) ح.
قوله: (بنته) المراد من ترثه من النساء بعد موته سواء كانت بنتا أو بنت ابن أو أختا ط.
قوله: (لانها لم تملك المكاتب) لانه لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ما لم يعجز، وإنما تملك ما في ذمته من بدل الكتابة، وأما صحة عتقها إياه فلانه يبرأ به عن بدل الكتابة أولا ثم يعتق.
فتح.
قوله: (للتنافي) أي بين كونه مالكا لها وكونها مالكة له.
قوله: (أو أم ولده) ومثلها المدبرة، ولا تدخل المكاتبة بقرينة قوله فتخدمه: أي المولى لان المكاتبة لا يملك المولى استخدامها فلذا تجب النفقة لها بدون التبوئة.
بحر.
وأما نفقة الاولاد فتكون على الام، لان ولد المكاتبة دخل في كتابتها، وتمامه في شرح أدب القضاء للخصاف.
قوله: (لا تجب تبوئتها) هي في اللغة مصدر بوأته منزلا: أي أسكنته إياه.
وفي الاصطلاح على ما في شرح النفقات للخصاف: أن يخلي المولى بين الامة وبين زوجها ويدفعها إليه ولا يستخدمها.
أما إذا كانت تذهب وتجئ وتخدم مولاها لا تكون تبوئة ا ه بحر.
وقال قبله:
وقيد بالتبوئة لان المولى إذا استوفى صداقها أمر أن يدخلها على زوجها وإن لم يلزمه أن يبوئها، كذا في المبسوط، ولذا قال في المحيط لو باعها بحيث لا يقدر الزوج عليه سقط مهرها كما سيأتي في مسألة ما إذا قتلها ا ه: أي سقط لو قبل الوطئ.
هذا وفيما نقله عن الخصاف وما نقله عن المبسوط شبه التنافي، لان الاول أفاد أنه لا بد في تحقق معنى التبوئة اصطلاحا من تسليم الامة إلى الزوج، الثاني أفاد أن التسليم إليه بعد قبض الصداق واجب، وعدم وجوب التبوئة ينافي وجوب التسليم المذكور.
والجواب ما أفاده في النهر من أن التسليم الواجب يكتفي فيه بالتخلية، بل بالقول بأن يقول له المولى متى ظفرت بها وطئتها، كما صرح به في الدراية، والتبوئة المنفية أمر زائد على ذلك لا بد فيها من الدفع، والاكتفاء فيها بالتخلية كما ظن بعضهم غير واقع ا ه.
وهذا أولى مما أجاب به المقدسي من أن المراد بالتبوئة المنفية التبوئة المستمرة.
قوله: (وإن شرطها) لانه شرط باطل، لان المستحق للزوج ملك الحل لا غير، لانه لو صح الشرط لا يخلو إما أن يكون بطريق الاجارة أو الاعارة، فلا يصح الاول لجهالة المدة، ولا الثاني لان الاعارة لا يتعلق بها اللزوم.
بحر.
قوله: (أما لو شرط الحر الخ) بيان للفرق بين المسألتين، وهو أن اشتراط حرية الاولاد وإن كان لا يقتضيه نكاح الامة أيضا، إلا أنه صح لانه في معنى تعليق الحرية بالولادة والتعليق صحيح، ويمتنع الرجوع عنه لانه يثبت مقتضاه جبرا، بخلاف اشتراط التبوئة لانه يتوقف وجودها على فعل حسي اختياري، لانه وعد يجب الايفاء به، غير أنه إذا لم يف به لا يثبت متعلقه: أعنى نفس الموعود به.
فتح ملخصا.
وأقره في البحر والنهر، ومقتضى وجوب الوفاء به أنه شرط غير باطل، لكن لا يلزم من صحته وجوده بخلاف اشتراط الحرية، لكن تقدم التصريح بأنه باطل، وكذا صرح به في كافي الحاكم فقال: لو شرط ذلك للزوج(3/186)
كان هذا الشرط باطلا، ولا يمنعه أن يستخدم أمته، ولعل معنى وجوب الوفاء به أنه واجب ديانة، ومعنى بطلانه أن غير لازم قضاء، فتأمل.
تنبيه: قال في النهر: وقيد الرجل في الفتح بالحر حتى لو كان عبدا كانت الاولاد عبيدا
عندهما، خلافا لمحمد ا ه.
ونظر في ح بأن التعليق المعنوي موجود.
قلت: وهو الذي يظهر، وهذا القيد غير معتبر المفهوم، ولذا لم يقيد به في كثير من الكتب.
وأما ما ذكره في النهر من الخلاف، فإنما رأيتهم ذكروه في مسألة العبد المغرور إذا تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة، بخلاف الحر المغرور فإن أولاده أحرار بالقيمة اتفاقا، فالظاهر أن ما في النهر سبق نظر بقرينة أنه ذكر مسألة المغرور، ثم قال: وقيد الرجل في الفتح الخ، فاشتبه عليه مسألة بمسألة، فليراجع.
قوله: (حرية أولادها) أي أولاد القنة ونحوها، وقوله: فيه أي في العقد، والظاهر أن اشتراطها بعده كذلك، ويحرر ط.
قوله: (في هذا النكاح) أما لو طلقها ثم نكحها ثانيا فهم أرقاء، إلا إذا شرط كالاول ط.
قوله: (والتزويج) عطف على قبول ط، وهو أحسن من، قول ح: إنه عطف على الشرط.
قوله: (على اعتباره) حالا من التزويج والهاء للشرط ح.
قوله: (هو معنى الخ) خبر إن ح، فكأنه قال: إن ولدت أولادا من هذا النكاح فهم أحرار ط.
قوله: (ومفاده) أي مفاد التعليل المذكور، وذلك لان المعلق قبل وجود الشرط عدم، ولا بد له من بقاء الملك عند وجود الشرط، وهذا البحث لصاحب البحر، وأقره عليه أخوه في النهر والمقدسي.
وقال في البحر: وقد ذكر ذلك في المبسوط في التعليق صريحا بقوله: كل ولد تلدينه فهو حر، فقال: لو مات المولى وهي حبلى لم يعتق ما تلده لفقد الملك لانتقالها للورثة، ولو باعها المولى وهي حبلى جاز بيعه، فإن ولدت بعده لم تعتق ا ه.
إلا أن يفرق بين التعليق صريحا والتعليق معنى ولم يظهر لي الآن ا ه.
قلت يظهر لي الفرق بينهما من حيث إن هذا التعليق المعنوي تعلق به حق الزوج في ضمن العقد المقصود منه أصالة الولد والرقيق ميت حكما فصار المقصود به أصالة حرية الولد، فلا يكون في حكم التعليق الصريح، فلا يبطل بزوال ملك المولى ونظيره المكاتب، فإن عقد الكتابة معاوضة وهو متضمن لتعليق التعليق على أداء البدل، ولا يبطل هذا التعليق الضمني بموت المولى المعلق.
وأيضا فإن المغرور الذي تزوج امرأة على أنها حرة يكون شارطا لحرية أولاده معنى، فإذا ظهر أنها أمة تكون أولاده أحرارا مع أن هذا الشرط لم يكن مع المولى، وفي مسألتنا وقع شرط الحرية مع
المولى صريحا فلا ينزل حاله عن حال المغرور، فتأمل.
قوله: (ولو ادعى الزوج الخ) هذا ذكره في النهر بحثا وقال: إنه حادثة الفتوى.
واستنبطه مما في جامع الفصولي في المغرور: لو ادعى أنه تزوجها على أنها حرة وكذبه المولى، فإن برهن فالاولاد أحرار بالقيمة وإلا حلف المولى لانه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه،(3/187)
فإذا نكل يحلف.
قوله: (لكن لا نفقة الخ) لانها جزاء الاحتباس، ولذا لم تجب نفقة الناشزة والحاجة مع غير الزوج والمغصوبة والمحبوسة بدين عليها.
رحمتي.
وعطف السكنى على النفقة عطف خاص على عام، لان النفقة اسم لها وللطعام والكسوة قوله: (ولا يستخدمها) مبني على ما مر عن نفقات الخصاف.
وذكر في البحر أن التحقيق أن العبرة لكونها في بيت الزوج ليلا، ولا يضر الاستخدام نهارا ا ه.
ويأتي مثله قريبا.
قوله: (فارغة عن خدمة المولى) ظاهره أنه لو وجدها مشغولة بخدمة المولى في مكان خال ليس له وطؤها، ولم أره صريحا.
وقد يقال: إن كان استمتاعه لا ينقص خدمة المولى أبيح له، لانه ظفر بحقه غير منقص حق المولى لا سيما والمدة قصيرة ط.
قوله: (ويكفي في تسليمها) أي الواجب بمقتضى العقد وهو بهذا المعنى لا ينافي عدم وجوب التبوئة كما أوضحناه قبل.
قوله: (أو استخدامها نهارا الخ) هذا ما تقدم قريبا عن البحر أنه التحقيق.
قال ح: وتكون نفقة النهار على السيد ونفقة الليل عن الزوج كما في القهستاني عن القينة.
قوله: (وإن أبى الزوج) أي وإن أوفى المهر بتمامه، لان حق المولى أقوى ط.
قوله: (وله) أي للمولى حيث تم الملك له.
نهر.
احترازا عن المكاتب، فإن ملكه فيه ناقص، فولاية الاجبار في المملوك تعتمد كمال الملك، وهو كامل في المدبر وأم الولد وإن كان الرق ناقصا، والمكاتب على عكسهما.
بحر.
قوله: (ولو أم ولد) ومثلها المدبر والمدبرة، وأشار إلى أن القنة كذلك بالاولى، لكنها داخلة في القن لاطلاقه عليهما كما مر، فافهم.
قوله: (ولا يلزمه الاستبراء) قدمنا في فصل المحرمات أن الصحيح وجوب الاستبراء على السيد إذا أراد أن يزوجها
وكان يطؤها.
وأما الزوج فقال في الهداية: إنه لا يستبرئها لا استحبابا ولا وجوبا عندهما.
وقال محمد: لا أحب أن يطأها قبل أن يستبرئها ا ه.
ورجح أبو الليث قول محمد، وتقدم تمام الكلام على ذلك.
قوله: (فهو من المولى) أي إن ادعاه في القنة والمدبرة ولم ينفه عنه في أم الولد ط.
قلت: وهذا إذا زوجها غير عالم، لما قدمناه في المحرمات عن التوشيح من أنه ينبغي أنه لو زوجها بعد العلم قبل اعترافه به أنه يجوز النكاح ويكون نفيا.
قوله: (والنكاح فاسد) فلا يلزم المهر إلا بوطئ الزوج ط.
قوله: (وإن لم يرضيا) أشار إلى ما في القهستاني وغيره من أن المراد بالاجبار تزويجهما بلا رضاهما إكراهما على الايجاب والقبول كما قيل ا ه فافهم.
قوله: (لا مكاتبه ومكاتبته) لانهما التحقا بالاجانب بعقد الكتابة، ولهذا يستحقان الارش على المولى بالجناية عليهما،(3/188)
وتستحق المكاتبة المهر إذا وطئها المولى فصار كالحرين فلا يجبران على النكاح.
ط عن أبي السعود.
قوله: (ولو صغيرين) ظاهره أن المراد الاجازة ولو في حال الصغر مع أن عبارة الصغيرين الحرين غير معتبرة أصلا.
ويحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفذ نكاح المولى عليهما ولو كانا صغيرين، بل يتوقف على إجازتهما بعد بلوغهما، والمتبادر من كلامهم الاول.
تأمل.
قوله: (فلو أديا) أي بدل الكتابة قبل رد العقد.
فتح.
قوله: (عاد موقوفا على إجازة المولى) لانه تجدد له ولاية أخرى غير الولاية التي قارنها رضاه بتزويجها، لان تلك الولاية كانت بحكم الملك وهذه بحكم الولاء، فيشترط تجدد رضاه لتجدد الولاية، وصار كالشريك إذا زوج العبد المشترك ثم ملك باقيه، فإن النكاح يحتاج إلى إجازته لتجدد ملكه في الباقي، وكمن أذن لعبد ابنه الصغير في التجارة ثم مات الابن فورثه، فإن العبد يحتاج في التصرف إلى إذن جديد من الاب لتجدد ولاية ملكه، وكمن زوج نافلته موجود ابنه ثم مات الابن فالنكاح يحتاج إلى إجازة الجد لتجدد ولايته، بخلاف الراهن إذا باع العبد المرهون والمولى إذا باع العبد المأذون المديون ثم سقط الدين في الصورتين بطريق من طرق السقوط حيث لا يفتقر العقد فيهما إلى إجازة المالك ثانيا، لان نفاذ العقد فيهما بالولاية الاصلية وهي ولاية الملك.
من شرح تلخيص الجامع الكبير.
قوله: (لعدم أهليتهما) لان الكتابة
لم تبق بعد العتق والصغير ليس من أهل الاجازة: قوله: (إن لم يكن الخ) قيد لقوله: عاد الخ.
قوله: (ثانيا) راجع إلى رضا لا إلى توقف: أي رضا ثانيا.
قال في شرح التلخيص: لكن لا بد من إجازة المولى وإن كان قد رضي أولا ا ه.
فافهم.
قوله: (لعود مؤن النكاح عليه) لانه لما زوجه إنما رضي يتعلق مؤن النكاح كالمهر والنفقة بكسب المكاتب لا بملك نفسه، وكسب المكاتب بعد عجزه ملك المولى.
شرح التلخيص قوله: (لانه طرأ حل بات) أي حل وطئها للسيد على حل موقوف: أي حلها للزوج فأبطله كالامة إذا تزوجت بغير إذن ثم ملكها من تحل له بطل النكاح لطريان الحل البات على الموقوف، ولا يبطل نكاح العبد المكاتب لعدم الطريان المذكور.
ن شرح التلخيص.
قوله: (والدليل يعمل العجائب) وجه العجب أن المولى يملك إلزام النكاح بعد العتنق لا قبله، وأنه يتوقف على إجازة المكاتب قبل العتق ولا يتوقف على إجازته بعده، وأن المكاتبة لو ردت إلى الرق يبطل النكاح الذي باشرالمولى وإن أجازه، ولو عتقت جاز بأجازته، ولهذا قيل: إنها مهما زادت من المولى بعدا زادت قربا إليه في النكاح.
قوله: (وبحث الكمال هنا غير صائب قال الكمال: الذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازة المولى بعد العتق بل بمجرد عتقها ينفذ النكاح، لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ، لانه لو توقف: فإما على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته، وإما على العبد، ولا وجه له لانه صدر من جهته فيكف يتوقف، ولانه كان نافذا من جهته وإنما توقف على السيد فكذا السيد هنا فإنه ولي مجبر، وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد، فهذا هو الوجه، وكثير ما يقلد الساهون الساهين.
ورده في البحر بأنه سوء أدب وغلط.
أما الاول فلان المسألة صرح بها الامام محمد في الجامع(3/189)
الكبير، فكيف ينسب السهو إليه وإلى مقلديه؟ وأما الثاني فلان محمدا رحمه الله علل لتوقفه على إجازة المولى بأنه تجدد له ولاية لم تكن وقت العقد وهي الولاء بالعتق، ولذا لم يكن له الاجارة إذا كان لها ولي أقرب منه كالاخ والعم، فصار كالشريك إلى آخر ما قدمناه عن شرح التلخيص، قال: وكثيرا ما يعترض المخطئ على المصيبين ا ه.
ومثله في النهر والشرح نبلالية وشرح الباقاني.
مطلب: على أن الكمال ابن الهمام بلغ رتبة الاجتهاد وأجاب العلامة المقدسي بأن ما بحثه الكمال هو القياس كما صرح به الامام الحصيري في شرح الجامع الكبير، وإذا كان هو القياس لا يقال في شأنه إنه غلط وسوء أدب، على أن الشخص الذي بلغ رتبة الاجتهاد إذا قال: مقتضى النظر كذا الشئ هو القياس، لا يرد عليه بأن هذا منقول، لانه إنما تبع الدليل المقبول، وإن كان البحث لا يقضي على المذهب ا ه.
والذي ينفي عنه سوء الادب في حق الامام محمد أنه ظن أن الفرع من تفريعات المشايخ، بدليل أنه قال في صدر المسألة: وعن هذا استطرفت مسألة نقلت من المحيط، هي أن المولى إذا زوج مكاتبته الصغيرة، إلى أن قال: هكذا تواردها الشارحون، فهذا يدل على أنه ظن أنها غير منصوص عليها، فالانسب حسن الظن بهذا الامام.
قوله: (ولو قتل المولى أمته) قيد بالقتل لانه لو باعها وذهب بها المشتري من المصر أو غيبها بموضع لا يصل إليه الزوج لا يسقط المهر، بل تسقط المطالبة به إلى أن يحضرها.
وفي الخانية لو أبقت فلا صداق لها ما لم تحضر في قياس قول الشيخين.
نهر.
وكالقتل ما لو أعتقها قبل الدخول فاختارت الفرقة، وقيد بالمولى لان قتل غيره لا يسقط به المهر اتفاقا، وبالامة لانه لو قتل المولى الزوج لا يسقط لانه تصرف في العاقد دون المعقود عليه، وأراد بالامة القنة والمدبرة وأم الولد، لان مهر المكاتبة لها لا للمولى، فلا يسقط بقتل المولى إياها.
بحر.
والمكاتبة المأذونة والمديونة على ما سيجئ.
قوله: (قبل الوطئ) أي ولو حكما.
نهر.
لما مر مرارا أن الخلوة الصحيحة وطئ حكما.
قوله: (ولو خطأ) أي أو تسببا كما هو مقتضى الاطلاق.
نهر.
قوله: (فلو صبيا) مثله المجنون بالاولى.
نهر.
قوله: (على الراجح الخ) ذكر في المصفى فيه قولين.
وفي الفتح: لو لم يكن من أهل المجازاة بأن كان صبيا زوج أمته وصيه مثلا قالوا: يجب أن لا يسقط في قول أبي حنيفة، بخلاف الحرة الصغيرة إذا ارتدت بسقط مهرها، لان الصغيرة العاقلة من أهل المجازاة على الردة، بخلاف غيرها من الافعال لانها لم تحظر عليها والردة محظورة عليا ا ه.
فترجح عدم السقوط.
بحر.
قال الرحمتي: لكن الصبي من أهل المجازاة في حقوق العباد، ألا ترى أنه يجب عليه الدية إذا قتل والضمان إذا أتلف؟ والمجنون مثله ولذا ترك
التقييد بالمكلف في الهداية والوقاية والدرر والمنتقى والكنز، والدليل يعضده وفيهم الاسوة الحسنة.
قوله: (سقط المهر) هذا عنده خلافا لهما لانه منع المبدل، قبل التسليم فيجازى بمنع البدل، وإن كان مقبوضا لزمه رد جميعه على الزوج.
بحر.
قوله: (كحرة ارتدت) لا الفرقة جاءت من قبلها قبل تقرر المهر فيسقط.
رحمتي.
قوله: (ولو صغيرة) لحظر الردة عليها بخلاف غيرها من الافعال كما مر.
قوله: (لا لو فعلت ذلك القتل امرأة) أي القتل المذكور وهو ما يكون قبل الوطء.
قال في النهر: لان جناية الحر على نفسه هدر في أحكام الدنيا، وبتسليم أنها ليست هدرا فقتلها(3/190)
نفسها تفويت بعد الموت، وبالموت صار للورثة فلا يسقط وإذالم يسقط مع أن الحق لها أولا فعدم السقوط بقتل الوارث أولى ا ه.
قوله (ولو أمة) لان المهر لمولاها ولم يوجد منه مع المبدل.
بحر.
قال ح: حاصل ما يفهم من كلامهم أن العلة في سقوط المهر أمران: الاول أن يكون صادرا ممن له المهر.
الثاني أن يترتب عليه حكم دنيوي كالمذكور في صدر المتن، ففي الامة غير المأذونة وغير المكاتبة إذا قتلت نفسها فقد الامران، وفي الحرة إذا قتلت نفسها والمولى الغير المكلف إذا قتل أمته فقد الثاني، وفي الاجنبي أو الوارث إذا قتل حرة أو أمة فقد الاول ا ه: أي لان الوارث بالقتل لم يبق وارثا مستحقا للمهر لحرمانه به فصار كالاجنبي.
بحر.
قوله: (أو ارتدت الامة) مقابل قوله: كحرة ارتدت.
قوله: (كما رجحه في النهر) راجع للاخيرتين، وسبقه إلى ذلك في البحر قياسا على تصحيح عدم السقوط في قتل الامة نفسها، فإن الزيلعي جعل الروايتين في الكل، وإذا كان الصحيح منهما فمسألة القتل عدم السقوط فليكن كذلك هنا، وهو الظاهر لان المستحق وهو المولى لم يفعل شيئا ا ه.
قوله: (أو فعله) الضمير المستتر للمولى المكلف والبارز للقتل ح.
قوله: (لتقرره) أي المهر به: أي بالوطئ ح.
قوله: (ولو فعله بعبده صورته: زوج عبده ثم قتله وضمن قيمته يوفي منها مهر المرأة، ومثله ما إذا باعه.
قال في النهر: وسيأتي أنه لو أعتق المديون كان عليه قيمته، فالقتل أولى ح.
قوله: (أو مكاتبته) لما عرف أن مهر المكاتبة لها لا
للمولى.
بحر.
قوله: (أو مأذونته المديونة) بحث لصاحب النهر حيث قال: وأقول: ينبغي أن يقيد الخلاف: أي الخلاف المار بين الامام و صاحبيه بما إذا لم تكن مأذونة لحقها به دين، فإن كانت لا يسقط اتفاقا لما مر من أن المهر في هذه الحالة لها توفي منه ديونها، غاية الامر أنه إذا لم يف بدينها كان على المولى قيمتها للغرماء فتضم إلى المهر ويقسم بينهم ا ه.
تنبيه: الحاصل أن المرأة إذا ماتت فلا يخلو إما أن تكون حرة أو مكاتبة أو أمة، وكل من الثلاث إما أن يكون حتف أنفها أو بقتلها فنسها أو بقتل غيرها، وكل من التسعة إما قبل الدخول أو بعده، فهي ثمانية عشر، ولا يسقط مهرها على الصحيح إلا إذا كانت أمة وقتلها سيدها قبل الدخول.
بحر.
قلت: ويزاد في التقسيم المأذونة المديونة، فتبلغ الصور أربعة وعشرين.
مطلب في حكم العزل قوله: (والاذن في العزل) أي عزل زوج الامة.
قوله: (وهو الانزال خارج الفرج) أي بعد النزع منه لا مطلقا، فقد قال في المصباح: فائدة المجامع إن أمنى في الفرج الذي ابتدأ الجماع فيه قيل أمانه وألقى ماءه، وإن لم ينزل: فإن كان لاعياء وفتور قيل أكسل وأقحط وفهر، وإن نزع وأمنى خارج الفرج قيل عزل، وإ أولج في فرج آخر فأمنى فيه قيل فهر فهرا من باب منع، ونهى عن ذلك، وإن أمنى قبل أن يجامع فهو الزملق بضم الزاي وفتح الميم المشددة وكسر اللام.
قوله: (لمولى الامة)(3/191)
ولو مدبرة أو أم ولد، وهذا هو ظاهر الرواية عن الثلاثة لان حقها في الوطئ قد تأدى بالجماع.
وأما سفح الماء ففائدته الولد، والحق فيه للمولى، فاعتبر إذنه في إسقاطه، فإذا أذن فلا كراهة في العزل عند عامة العلماء وهو الصحيح، وبذلك تضافرت الاخبار.
وفي الفتح: وفي بعض أجوبة المشايخ الكراهة، وفي بعض عدمها.
نهر.
وعنهما أن الاذن لها.
وفي القهستاني أن للسيد العزل عن أمته بلا خلاف، وكذا لزوج الحرة بإذنها.
وهل للاب أو الجد الاذن في أمة الصغير؟ في حاشية أبي السعود عن شحر الحموي: نعم.
قال: وفيه أنه لا مصلحة للصبي فيه لانه لو جاء ولد يكون رقيقا له، إلا أن يقال، إنه متوهم ا ه.
وفيه إنه لو لم يعتبر
التوهم هنا لما توقف على إذن المولى.
تأمل، قوله: (وهو) أي التعليل المذكور يفيد التقييد: أي تقييد احتياجه إلى الاذن بالبالغة وكذا الحرة بتقييد احتياجه بالبالغة، إذ غير البالغة لا ولد لها.
قال الرحمتي: وكالبالغة المراهقة إذ يمكن بلوغها وحبلها ا ه.
ومفاد التعليل أيضا أن زوج الامة لو شرط حرية الاولاد لا يتوقف العزل على إذن المولى كما بحثه السيد أبو السعود.
قوله: (نهر بحثا) أصله لصاحب البحر حيث قال: وأما المكاتبة فينبغي أن يكون الاذن إليها، لان اولد لم يكن للمولى، ولم أره صريحا ا ه.
وفيه أن للمولى حقا أيضا باحتمال عجزها وردها إلى الرق، فينبغي توقفه على إذن المولى أيضا رعاية للحقين.
رحمتي.
قوله: (لكن في الخانية) عبارتها على ما في البحر: ذكر في الكتاب أنه لا يباح بغير إذنها.
وقالوا: في زماننا يباح بغير إذنها، وقالوا: في زماننا يباح لسوء الزمان ا ه.
قوله: (قال الكمال) عبارته: وفي الفتاوى: إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان، فليعتبر مثله من الا عذار مسقطا لاذنها ا ه.
فقد علم مما في الخانية أن منقول المذهب عدم الاباحة، وأن هذا تقييد من مشايخ المعذهب لتغير بعض الاحكام بتغير الزمان، وأقره في الفتح، وبه جزم القهستاني أيضا حيث قال: وهذا إذا لم يخف على الولد السوء لفساد الزمان وإلا فيجوز بلا إذنها ا ه.
لكن قول الفتح: فليعتبر مثله، الخ، يحتمل أن يرد بالمثل ذلك العذر، كقولهم: مثلك لا يبخل.
ويحتمل أنه أراد إلحاق مثل هذا العذر به.
كأن يكون في سفر بعيد، أو في دار الحرب فخاف على الولد، أو كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها فخاف أن تحبل، وكذا ما يأتفي إسقاط الحمل عن ابن وهبان، فافهم.
مطلب في حكم إسقاط الحمل قوله: (وقالوا الخ) قال في النهر: بقي هل يباح الاسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شئ، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط لان التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة، كذا في الفتح، وإطلاقهم يفيد عدم توقف جواز إسقاطها قبل المدة المذكورة على إذن الزوج.
وفي كراهة الخانية: ولا أقول بالحل، إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه لانه أصل
الصيد، فلما كان يؤاخذ بالجزء فلا أقل من أن يلحقها إثم هنا إذا أسقطت بغير عذر ا ه.
قال ابن(3/192)
وهبان: ومن الاعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لابي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه.
ونقل عن الذخيرة: لو أرادت الالقاء قبل مضي زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه، وكان الفقيه علي بن موسى يقول: إنه يكره، فإن الماء بعد ما وقع في الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما في بيضة صيد الحرم، ونحوه في الظهيرية.
قال ابن وهبان: فإباحة الاسقاط محمولة على حالة العذر، أو أنها لا تأثم إثم القتل ا ه.
وبما في الذخيرة تبين أنهم ما أرادوا بالتحقيق إلا نفخ الروح، وأن قاضيخان مسبوق بما مر من التفقه، والله تعالى الموفق ا ه كلام النهر ح.
تنبيه: أخذ في النهر من هذا وإنما قدمه الشارح عن الخانية والكمال أنه يجوز لها سد فم رحمها كما تفعله النساء مخالفا لما بحثه في البحر من أنه ينبغي أن يكون حراما بغير إذن الزوج قياسا على عزله بغير إذنها.
قلت: لكن في البزازية أن له منع امرأته عن العزل ا ه.
نعم النظر إلى فساد الزمان يفيد الجواز من الجانبين، فما في البحر مبني على ما هو أصل المذهب، وما في النهر على ما قاله المشايخ، والله الموفق.
قوله: (إن لم يعد قبل بول) بأن لم يعد بعد أصلا أو عاد بعد بول.
نهر: أي وعزل في العود أيضا كما نقله أبو السعود عن الحانوتي.
ونقل أيضا عن خط الزيلعي أنه ينبغي أن يزاد بعد غسل الذكر: أي لنفي احتمال أن يكون على رأس الذكر بقية منه بعد البول فتزول بالغسل، وبه ظهر أن ما ذكروه في باب الغسل أن النوم والمشي مثل البول في حصول الانقاء لا يتأتى هنا، فافهم.
قوله: (وخيرت أمة) هذا يسمى خيار العتق.
قال في النهر: ولو اختارت نفسها بلا علم الزوج يصح، وقيل لا يصح بغيبته، كذا في جامع الفصولين.
قوله: (ولو أم ولد) أي أو مدبرة، وشمل الكبيرة والصغيرة.
بحر.
قوله: (ومكاتبة)
خالف زفر فقال: لا خيار لها، وقواه في الفتح وأجاب عنه في البحر.
قوله: (ولو كان النكاح برضاها) وكذا بدون رضاها بالاولى.
وعبارة الزيلعي وغيره: ولا فرق في هذا بين أن يكون برضاها أو بغيره ا ه.
وهذا التعميم ظاهر في غير المكاتبة لما قدمه الشارح قريبا من أن له إجبار قنه على النكاح لا مكاتبه ولا مكاتبته.
وفي المعراج أنه ليس إجبارهما بالاجماع، وبه تأيد قوله في الشرنبلالية: إن نفى رضا المكاتبة منفي، فإنه كما لا ينفذ تزويجها نفسها بدون إذن مولاها لبقاء ملكه لرقبتها لا ينفذ تزويجه إياها بدون إذنها لموجب الكتابة، وتمامه هناك.
قوله: (دفعا لزيادة الملك عليها) علة لقوله: خيرت وذلك أن الزوج، كان يملك عليها طلقتين، فلما صارت حرة صار يملك عليها طلقة ثالثة، وفيه ضرر لها، فملكت رفع أصل العقد لدفع الزيادة المضرة لها، ولهذا لم يثبت خيار العتق للعبد الذكر لانه ليس عليه ضرر وهو قادر على الطلاق.
قوله: (فلا مهر لها) أي إن لم يدخل بها الزوج،(3/193)
لااختيارها نفسها فسخ من الاصل، وإن كان دخل بها فالمهر لسيدها، لان الدخول بحكم نكاح صحيح فتقرر به المسمى.
بحر.
قوله: (أو زوجها) بالنصف عطف على قوله: نفسها.
قوله: (فالمهر لسيدها) أي سواء دخل الزوج بها أو لم يدخل، لان المهر واجب بمقابلة ما ملك الزوج من البضع وقد ملكه عن المولى فيكون بدله للمولى.
بحر عن غاية البيان.
قلت: وقوله سواء دخل بها الزوج أو لم يدخل، لا ينافي ما سيأتي متنا من التفصيل، بأنه لو وطئ الزوج قبل العتق فالمهر للمولى، أو بعده فلها، لان ذاك فيما إذا كان النكاح بدون إذن المولى ونفذ النكاح بالعتق وبه تملك منافعها، فإذا وطئ بعده فالمهر لها بخلاف ما هنا فإن النكاح بالاذن، فنفذ النكاح في حال قيام الرق كما سيأتي، فافهم.
قوله: (ولو صغيرة) أي لو كانت المعتقة صغيرة وقد زوجها مولاها قبل العتق تأخر خيارها إلى بلوغها.
قال في البحر: لان فسخ النكاح من التصرفات المترددة بين النفع والضرر، فلا تملكه الصغيرة ولا يملكه وليها لقيامه مقامها، كذا في جامع الفصولين، فإذا بلغت كان لها خيار العتق لا خيار البلوغ على الاصح، كذا في الذخيرة ا ه.
وقيل يثبت لها خيار البلوغ أيضا، ويدخل تحت خيار العتق.
وأما لو زوجها بعد العتق ثم بلغت فإن لها خيار البلوغ، لان ولاية المولى عليها في الصورة الاولى كولاية الاب بل أقوى، وفي هذه كولاية الاخ والعم بل أضعف كما أو ضحناه في باب الولي.
قوله: (معا) قيد في الجمل الثلاثة، وإنما قيد به لان بارتداد أحدهما أو لحاقه أو سبيه ينفسخ النكاح ا ه ح.
قوله: (خيرت عند الثاني) لانها بالعتق ملكت أمر نفسها وازداد ملك الزوج عليها.
ح عن البحر.
قوله: (خلافا للثالث) أي حيث قال: لا خيار لها، لان بأصل العقد ثبت عليها ملك كامل برضاها ثم انتقص الملك، فإذا أعتقت عاد إلى أصله كما كان، ولا يخفى ترجيح قول أبي يوسف لدخوله تحت النص، كذا في البحر، ومراده بالنص قوله (ص) لبريرة حين أعتقت: ملكت بضعك فاختاري ا ه ح.
أي حيث أفاد قوله: فاختاري أن علة الاختيار ملك البضع على وجه زاد ملك الزوج عليها، مثل زنى فرجم وسرق فقطع، حيث أدافت الفاء أن العلة الزنى والسرقة كما تقرر في الاصول، فلا يرد ما أورده الرحمتي من أن النص لا عموم فيه لانه خطاب لمعينة، فتدبر.
قوله: (خيار العتق) بدل من هذا الخيار ح.
قوله: (عذر) رأي لاشتغالها بخدمة المولى تتفرغ للتعلم.
ثم إذا علمت يبلط بما يدل على الاعراض في مجلس العلم كخيار المخيرة، ولو جعل لها قدرا على أن تختاره ففعلت سقط خيارها كما في النهر.
زاد في تلخيص الجامع: ولا شئ لها لانه حق ضعيف، فلا يظهر في حق الاعتياض كسائر الخيارات والشفعة والكفالة بالنفس، بخلاف خيار العيب.
قوله: (فلو لم تعلم به) قال في البحر عن المحيط: إذا زوج عبده أمته ثم أعتقها فلم تعلم أن لها الخيار حتى ارتدا ولحقا بدار الحرب ورجعا مسلمين ثم علمت بثبوت الخيار أو علمت بالخيار في دار الحرب فلها الخيار في مجلس العلم ا ه ح.
وكذا الحربية إذا تزوجها حربي ثم أعتقت خيرت، سواء علمت في دار الحرب أو في دارنا بعد الاسلام.
نهر.
قوله: (إلا إذا قضى باللحاق)(3/194)
أي فلا يصح فسخها لعودها رقيقة بالحكم بلحاقها، لان الكفار في دار الحرب كلهم أرقاء وإن كانوا غير مملوكين لاحد كما يأتي أول العتاق ا ه ح.
وأقره ط والرحمتي.
قلت: ما يأتي محمول على الحربي إذا أسر، فهو رقيق قبل الاحراز بدارنا، وبعده رقيق ومملوك كما سيأتي هناك، وهو صريح ما قدمناه أول هذا الباب، فالظاهر أن علة عدم صحة الفسخ كون الحكم باللحاق موتا حكميا يسقط به التصرفات الموقوفة على الاسلام فيسقط به حق الفسخ الذي هو حق مجرد بالاولى، ثم رأيت في شرح التلخيص علل بما قلته، فلله تعالى الحمد.
قوله: (وليس هذا حكما) جواب سؤال تقديره: كيف حكمتم بصحة فسخ من في دار الحرب وأحكامنا منقطعة عنهم؟ ح.
قوله: (بل فتوى) أي إخبار عند السؤال عن الحادثة ط.
قوله: (ولا يتوقف) أي الفسخ بخيار العتق لا يتوقف على قضاء القاضي.
قوله: (ولا يبطل بسكوت) أي ولو كانت بكرا، بل لا بد من الرضا صريحا أو دلالة ط.
قوله: (ولا يثبت لغلام) أي لعبد ذكر لانه ليس فيه زيادة ملك عليه، بخلاف الامة، ولانه يملك الطلاق فلا حاجة إلى الفسخ.
قوله: (ويقتصر على مجلس) أي مجلس العلم ويمتد إلى آخره، فإذا قامت بطل.
قوله: (كخيار مخيرة) أي من قال لها زوجها اختاري نفسك، فإنها تختار ما دامت في المجلس.
قوله: (بخلاف خيار البلوغ في الكل) أي في كل الخمسة المذكور، فإن الجهل فيه ليس بعذر، ويتوقف على القضاء، ويبطل بسكوتها بعد علمها بالنكاح ويثبت للانثى والغلام ولا يمتد إلى آخر المجلس إن كانت بكرا، ولو ثيبا فوقته العمر إلى وجود الرضا صريحا أو دلالة كما في الغلام إذا بلغ.
قوله: (نكح عبد بلا إذن) قيد بالنكاح، لانه لو اشترى شيئا فأعتقه المولى لا ينفذ الشراء بل يبطل، لانه لو نفذ عليه بتغير المالك.
بحر.
قوله: (فعتق) بفتح أوله مبنيا للفاعل، ولا يجوز ضمه بالبناء للمفعول لانه لازم.
أبو السعود عن الحموي ط.
قوله: (أو باعه) أي مثلا، والمراد انتقال الملك إلى آخر بشراء أو هبة أو إرث.
قوله: (فأجاز المشتري) أي أجاز النكاح الواقع عند المالك الاول.
قوله: (لزوال المانع) لان المانع من النفاذ كان حق المولى وقد زال لما خرج عن ملكه.
قوله: (وكذا حكم الامة) أطلقها فشمل القنة والمدبرة وأم الولد والمكاتبة، لكن في المدبرة وأم الولد تفصيل يأتي.
بحر.
وهذا في الامة إذا أعتقت، أما لو مات عنها أو باعها: فإن كان المالك الثاني لا يحل له وطؤها فكالعبد، وإلا فإن كان الزوج لم يدخل بها بطل العقد الموقوف لطرو الحل البات عليه، وإن كان دخل ففي ظاهر الرواية
كذلك لبطلان الموقوف باعتراض الملك الثاني وإن كان ممنوعا من غشيانها، وتوضيحه في البحر قوله: (ولا خيار لها) أي للامة، أما العبد فلا خيار له أصلا وإن نكح بالاذن كما مر، وشمل المكاتبة فإنها لا خيار لها للعلة الآتية، وبها صرح في الشرنبلالية، وما قاله ابن كمال باشا من أنها لها الخيار كما مر فهو سبق قلم، وكذا لم كتبه بهامشه من قوله في الهداية وقال زفر: لا خيار لها، بخلاف الامة الخ فهو كذلك، لان ما مر من أن لها الخيار عندنا خلافا لزفر إنما هو في مسألة تزوجها بإذن مولاها، وكلامنا في التزوج بدون إذنه كما هو صريح في كلام الهداية، فتنبه.
قوله:(3/195)
(لكون النفوذ بعد العتق) فصارت كما إذا زوجت نفسها بعد العتق، ولذا قال الاسبيجابي: الاصل أن عقد النكاح متى تم على المرأة وهي مملوكه ثبت لها خيار العتق، ومتى تم على المرأة وهي حرة لا يثبت لها خيار العتق.
بحر.
قوله: (فلم تتحقق زيادة الملك) أي بطلقة ثالثة، وعلة ثبوت الخيار ثبوت الزيادة المذكورة كما مر.
قوله: (وكذا لو اقترنا) أي العتق ونفاذ النكاح، فإنهما لما أجازهما المولى معا ثبتا معا.
قوله: (وكذا مدبرة عتقت بموته) أي حكمها حكم ما إذا أعتقا في حياته المذكور في قوله: وكذا حكم الامة وأفاد قوله: عتقت أنها تخرج من الثلث، فإن لم تخرج لم ينفذ حتى تؤدي بدل السعاية عنده.
وعندهما جاز كما في البحر عن الظهيرية: أي لانها عندهما تسعى وهي حرة.
قوله: (وكذا أم الولد الخ) أي إذا أعتقها أو مات عنها المولى، إن دخل بها الزوج قبل العتق نفذ النكاح على رواية ابن سماعة عن محمد، لانه وجبت العدة من الزوج فلا تجب العدة من المولى، أما على ظاهر الرواية لا تجب العدة من الزوج فوجبت العدة من المولى، ووجوبها منه قبل الاجازة يوجب انفساخ النكاح كما في البحر عن المحيط، وإنما لم تجب العدة من الزوج لانها لا تجب إلا بعد التفريق بينهما، كما أفاده في البحر في المسألة السابقة.
قوله: (تمنع نفاذ النكاح) أي تبطله، إذ لا يمكن توقفه مع العدة.
بحر.
لان المعتدة لا تحل لغير من اعتدت منه.
قوله: (فلو وطئ الزوج الامة) أي التي نكحت بغير إذن مولاها ثم نفذ نكاحها بالعتق.
قوله: (فالمهر المسمى له) أي أن كان وإلا فمهر المثل.
نهر.
وإنما كان له لان الزوج استوفى منافع مملوكة للمولى.
بحر.
قوله:
(لمقابلته بمنفعة ملكتها) لان العقد نفذ بالعتق، وبه تملك منافعها، بخلاف النفاذ بالاذن والرق قائم.
بحر.
قوله: (ومن وطئ قنة ابنه) أي أو ابنته.
حموي عن البرجندي وشمل الابن الكافر.
قهستاني والصغير والكبير.
بحر.
وشمل ما إذا كانت موطوءة للابن أو لم تكن ظهيرية من العتق، ومحترز القنة ما يأتي في قوله: ولو ادعى ولد أم ولده الخ ومحترز الا بن ما يأتي في قول المصنف ولو وطئ جارية امرأته أبى والده الخ.
قوله: (فولدت) عطف على وطئ، وتعقيب كل شئ بحسبه كما في تزوج زيد فولد له، فالظاهر أنها لو ولدت قبل مضي مدة الحمل لم تصح الدعوى بل مفاد قوله: فادعاه عطفا على فولدت أنه لو ادعاه وهي حبلى لم تصح حتى تلد.
قال في البحر: ولم أره صريحا.
وفي النهر: ينبغي أنها لو ولدته لاقل من ستة أشهر من وقت دعوته أن تصح.
مطلب في تفسير العقر قوله: (لزم عقرها) قال في الفتح: العقر هو مهر مثلها في الجمال: أي ما يرغب فيه في مثلها جمالا فقط، وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنى لو جاز فليس معناه، بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا، لان الثاني للبقاء بخلاف الاول ا ه.
وإذا تكرر منه الوطئ ولم تحبل لزمه مهر واحد، بخلاف وطئ الابن جارية الاب مرارا فعليه بكل وطئ المهر، لان المهر وجب بسبب دعوى الشبهة، ولو لم يدعها يلزمه الحد، فبتكرر دعواها يتكرر المهر، بخلاف الاب فإنه لا يحتاج إلى(3/196)
دعوى الشبهة.
خانية.
قوله: (وارتكب محرما الخ) كذا في النهر وأصله في البحر حيث قال: وقيد بالولادة لانه لو وطئ أمة ابنه ولم تحبل فإنه يحرم عليه ولا يملكها ويلزمه عقرها، بخلاف ما إذا حبلت منه فإنه يتبين أن الوطئ حلال لتقدم ملكه عليه ولا يحد قاذفه في المسألتين، أما إذا لم تلد منه فظاهر لانه وطئ وطأ حراما في غير ملكه، وأما إذا حبلت منه فلان شبهة الخلاف في أن الملك يثبت قبل الايلاج أو بعده مسقطة لاحصانه كما في الفتح وغيره ا ه.
قوله: فإنه يتبين أن الوطئ حلال، تصريح بمفهوم ما هنا، وفيه تأمل، لان ثبوت ملكه لها قبل الوطئ عندنا وقبيل العلوق عند الشافعي إنما هو لضرورة ثبوت النسب كما أوضحه في الفتح، ولا يلزم من ذلك حل
الاقدام على هذا الوطئ، كما لو غصب شيئا وأتلفه ثم أدى ضمانه لمالكه لا يلزم من استناد الملك إلى وقت الغصب حل ما صنع، ولعل المراد بقوله حلال: أنه ليس بزنى، إذ لو كان زنى لزمه العقر ولم يثبت النسب، ويدل على ما قلنا إطلاق قوله الآتي: ولذا يحل له عند الحاجة الطعام لا الوطئ وكذا ما قدمناه عن الظهيرية مصحة الدعوى في الامة الموطوءة للابن مع أنها محرمة على الاب حرمة مؤبدة، فليتأمل.
قوله: (فادعاه) أي عند قاض كما في شرح ابن الشلبي.
وأفاد أنه لا يشترط في صحة الدعوى دعوى الشبهة ولا تصديق الابن.
فتح.
والظاهر أن الفاء لمجرد الترتيب فلا يلزم الدعوى عقب الولادة.
وادعى الحموي اللزوم فورا وهو بعيد، فليراجع.
قوله: (وهو حر مسلم عاقل) فلو كان عبدا أو مكاتبا أو كافرا أو مجنونا لم تصح الدعوى لعدم الولاية، ولو أفاق المجنون ثم ولدت لاقل من ستة أشهر يصح استحسانا، ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتيهما مختلفة جازت الدعوى من الاب.
فتح.
فأفادأن الاسلام شرط فيما لو كان الا بن مسلما، أما لو كان كافرا فلا يشترط الاسلام الاب ولو اختلفت الملة، لان الكفر ملة واحدة.
وفي الظهيرية: لو كان الاب مسلما والابن كافرا صحت دعوته، ولو كان الاب مرتدا فدعوته موقوفة عنده نافذة عندهما.
قوله: (بشرط الخ) فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه ثم استردها لا تصح الدعوى، لان الملك إنما يثبت بطريق استنادا إلى وقت العلوق فيستدعي قيام ولاية التملك من حيث العلوق إلى التملك، هذا إن كذبه الابن، فإن صدقه صحت الدعوى ولا يملك الجارية، كما إذا ادعاه أجنبي ويعتق على المولى كمفي المحيط.
بحر.
قال في النهر المذكور في الشرح للزيلعي: وعليه جرى في فتح القدير وغيره أنه لا يشترط في صحتها دعوى الشبهة ولا تصديق الابن ا ه.
أقول: كأنه فهم أن الاشارة في قوله: هذا إن كذبه الابن، راجعة إلى أصل المسألة: أعني ما إذا بقيت الجارية في ملك الابن، وليس كذلك بل هي راجعة إلى قوله: فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه الخ.
فلا ينافي ذلك ما ذكره في الزيلعي والفتح من عدم اشتراط التصديق، لانه في أصل المسألة لا فيما نحن فيه، بدليل أن اشتراط بقائها في ملك الابن مذكور في الزيلعي والفتح، فلو كان لا يشترط تصيدق الابن وأن أخرجها عن ملكه لم يبق فائدة لاشتراط بقائها
في ملكه.
وفي الظهيرية من العتق: يشترط أن تكون الجارية في ملكه من وقت العلوق إلى الدعوة، حتى لو علقت فباعها الابن ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب بقضاء أو غيره أو بخيار رؤية أو شرط أو بفساد البيع ثم ادعاه الاب لا يثبت النسب إلا إذا صدقه الابن ا ه.
فهذا أيضا صريح فيما قلنا،(3/197)
فتدبر.
قوله: (وبيعها لاخيه مثلا) أي أو ابنه أو ابن أخيه لا يضر، لانها لا تخرج والحالة هذه عن كونها جارية فرعه ا ه ح.
وفيه أن بيعها لابنه لا يفيد، لانه لا ولاية للجد عليه مع وجود الاب، نعم بيعها لابن أخيه يفيد إذا كان أبو ذلك الابن ميتا أو مسلوب الولاية بكفر أو رق أو جنون ليكون للجد المدعي ولاية، لان دعوة الجد لا تصح إلا عند الولاية على فرعه كما يأتي.
أفاد الرحمتي، فافهم قوله: (لوقت العلوق) كذا في الفتح: أي لوقت الوطئ القريب من وقت العلوق كي لا ينافي ما يأتي قريبا.
تأمل.
قوله: (وعليه قيمتها) أي لولده يوم علقت كما في مسكين ط.
وفي المحيط: ولو استحقها رجل يأخذها وعقرها وقيمة ولدها.
لان الاب صار مغرورا، ويرجع الاب على الابن بقيمة الجارية دون العقر وقيمة الولد لان الابن ما ضمن له سلامة الاولاد ا ه.
بحر.
قوله: (لقصور الخ) أي أن للاب ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى بقاء نفسه فكذا إلى صون نسله لانه جزء منه، لكن الاولى أشد، ولذا يتملك الطعام بغير قيمته والجارية بالقيمة، ويحل له الطعام عند الحاجة دون وطئ الجارية، ويجبز الابن على الانفاق عليه دون دفع الجارية للتسري: فللحاجة جاز له التملك، ولقصورها أوجبنا عليه القيمة للحقين.
فتح.
وما ذكره من أنه لا يجبر على الجارية للتسري ذكره الزيلعي أيضا، ومثله في الدرر وغاية البيان والنهاية، وما في هذه الشروح المعتبر لا يعارضه ما سيأتي في النفقة، وعزاه في الشرنبلالية إلى الجوهرة من أنه يجبر، فتدبر.
قوله: (لا عقرها) تقدم تفسيره قريبا.
وعند الشافعي وزفر: عليه عقرها لثبوت الملك فيها قبيل العلوق لضرورة صيانة الولد.
وعندنا قبيل الوطئ، لان لازم كون الفعل زنى ضياع الماء شرعا، فلو لم يقدم عليه ثبت لازمه فظهر أن الضرورة لا تندفع إلا بإثباته قبل الايلاج، بخلاف ما لو لم
تحبل حيث يجب العقر.
فتح: أي لانها إذا لم تحبل لم توجد علة تقدم ملكه فيها وهي صيانة الولد كما أفاده الزيلعي.
قوله: (وقيمة ولدها) أي ولا قيمة ولدها لانه علق حر التقدم ملكه.
نهر.
قوله: (ما لم تكن مشتركة) قال في البحر: فلو كانت مشتركة بينه: أي بين الابن وبين أجنبي كان الحكم كذلك، إلا أنه يتضمن لشريكه نصف عقرها ولم أره، ولو كانت مشتركة بين الاب والابن أو غيره يجب حصة الشريك الابن وغيره من العقر، وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل إذ ما فيها من الملك يكفي لصحة الاستيلاد، وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما لا شرطا كما في الفتح، وهي مسألة عجيبة، فإنه إذا لم يكن للواطئ فيها شئ لا مهر عليه، وإذا كان مشتركة لزمه ا ه.
قوله: (وهذا الخ) الاشارة إلى جميع ما مر.
قوله: (قدم الاب) لان له جهتين: حقيقة الملك في نصيبه، وحق التملك في نصيب ولده.
بحر.
قلت: وفي الظهيرية: ولو كانت مشتركة بين رجل وابنه وجده فادعوه كلهم فالجد أولى، وينبغي حلمه على ما إذا كان أبو الرجل ميتا مثلا ليصير للجد الترجيح من جهتين.
تأمل.
قوله:(3/198)
(وإلا أي وإن لم يكونا شريكين، وهذا صادق بما إذا كانت للابن وحده أو للاب وحده، والثاني لا يصح هنا، لكن أصل المسألة مفروض في جارية الابن، فهو قرينة على أن المراد الاول فقط، فافهم.
قوله: (فالابن) أي تقدم دعواه لانها سابقة معنى.
بحر.
أي لان له حقيقة الملك ولابيه حق التملك، ولان ملك الابن سابق فصار كأنه ادعى قبل الاب.
تأمل ا ه.
قوله: (ولو ادعى) أي الاب، وقوله: المنفي بالنصب نعت الولد أم الولد، وقوله: أو مدبرته أو مكاتبته مجروران بالعطف على أم، وهذا بيان لمحترز قوله: قنة ابنه أي لو ادعى ولد أم ولد ابنه الذي نفاه ابنه لا يثبت نسبه إلا بتصديق الابن، لان أم الولد لا تقبل الانتقال إلى ملك غير المستولد، وقيد بقوله المنفي لانه إذا لم ينفه الابن يثبت نسبه منه فلا يمكن ثبوته من الاب وإن صدقه الابن، وكذا لو ادعى ولد مدبرة ابنه أو ولد مكاتبة ابنه الذي ولدته في الكتابة أو قبلها لا يثبت نسبه إلا بتصديق الابن كما في البحر، لانه لا يمكن جعل الاب متملكا: لهما قبل الوطئ، فإن صدقه ثبت نسبه لاحتمال وطئ الاب بشبهة والظاهر
لزوم العقر للمكاتبة، لان لها العقر بوطئ المولى، فبوطئ أبيه أولى، وحيث لم يثبت الملك في أم الولد المدبرة ينبغي لزوم العقر للابن على أبيه كما يفيده ما قدمناه فيما لو وطئها ولم تحبل.
تأمل.
قوله: (وجد صحيح) خرج به الجد الفاسد كأبي الام، وكذا غير الجد من الرحم المحرم فلا يصدق في جميع الاحوال لفقد ولايتهم.
بحر عن المحيط.
قوله: (بعد زوال ولايته) أي الاب، وأراد بزوال الولاية عدمها، ليشمل ما لو كان كفره أو جنونه أو رقه أصليا.
أفاده الرحمتي.
والمراد بالولاية: ولاية التملك كما مر.
قوله: (فيه) متعلق بكاف التشبيه ح.
فالمعنى أن الجد مشابه للاب في حكم المذكور.
قوله: (ويشترط ثبوت ولايته) أي ولاية الجد الناشئة عن فقد ولاية الاب: أي لا يكفي ثبوتها وقت الدعوة فقط بل لا بد من ثبوتها من وقت العلوق إلى وقت الدعوة.
قال في الفتح: حتى لو أتت بالولد لاقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما قلنا في الاب ا ه: أي من أن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق، فيستدعي قيام ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك.
قوله: (ولو فاسدا) لان الفاسد يثبت فيه النسب، فاستغنى عن تقدم الملك له.
بحر.
قوله: (أبوه) أي أو جده.
رحمتي.
قوله: (ولو بالولاية) في البحر عن الخانية: إذا تزوج الرجل جارية ولده الصغير فولدت منه لا تصير أم ولد له، ويعتق الولد بالقرابة.
قوله: (لتولده من نكاح) فلم تبق ضرورة إلى تملكها من وقت العلوق لثبوت النسب بدونه، وأمومية الولد فرع التملك والنكاح ينافيه.
قوله: (ويجب المهر) للالتزامه إياه بالنكاح، وهو إن لم يكن مسمى مهر مثلها في الجمال.
نهر.
قوله: (لا القيمة) لعدم تملكه.
نهر.
قوله: (بملك أخيه له) فعتق عليه بالقرابة.
هداية، وظاهره أن الولد علق رقيقا.
واختلف فيه: فقيل يعتق قبل الانفصال، وقيل بعده وثمرته تظهر في الارث، فلو مات المولى وهو الابن يرثه الولد على الاول دون الثاني، والوجه هو الاول لانه حدث على ملك الاخ من حين(3/199)
العلوق فلما ملكه عتق عليه بالقرابة بالحديث كذا في غاية البيان.
والظاهر عندي هو الثاني.
لانه لا ملك له من كل وجه قبل الوضع لقولهم الملك هو القدرة على التصرفات في الشئ ابتداء، ولا
قدرة للسيد على التصرف في الجنين ببيع أو هبة، وإن صح الايصاء به وإعتاقه، فلم يتناوله الحديث، لانه في المملوك من كل وجه، ولذا لو قلا: كل مملوك أملكه فهو حر، لا يتناول الحمل.
بحر.
وأقره في النهر والمقدسي.
قوله: (ومن الحيل) أي من جملة الحيل التي يدفع بها الانسان عنه ما يضره، وهذا حيلة لما إذا أراد وطئ الامة ولا تصير أم ولد له وإن ولدت منه كي لا تتمرد عليه إذا ولدت وعلمت أنها لا تباع فيملكها لطفله بهبة أو بيع ثم يتزوجها بالولاية فيصير حكمها ما مر، فإذا احتاج إلى بيعها باعها وحفظ ثمنها لطفله أو أنفقه عليه أو على نفسه إن احتاج إليه.
قوله: (ولو وطئ جارية امرأته الخ) محترز قوله سابقا قنة ابنه ط.
قوله: (لا يثبت النسب إلا بتصديق المولى الخ) فيه اختصار.
وعبارة البحر: لا يثبت النسب، ويدرأ عنه الحد للشبهة، فإن قال: أحلها المولى لي، لا يثبت النسب إلا أن يصدقه المولى في الاحلال وفي أن الولد منه، فإن صدقه في الامرين جميعا ثبت النسب، وإلا فلا، وإن كذبه المولى ثم ملك الجارية يوما من الدهر ثبت النسب، كذا في الخانية.
وفي القنية: وطئ جارية أبيه فولدت منه، لا يجوز بيع هذا الولد، ادعى الواطئ الشبهة أو لا، لانه ولد ولده فيعتق عليه حين دخل في ملكه وإن لم يثبت النسب، كمن زنى بجارية غيره فولدت منه ثم ملك الولد، يعتق عليه وإن لم يثبت نسبه منه ا ه.
قلت: ومعنى أحلها المولى: بنكاح أو بهبة مثلا، لا بقوله: جعلتها حلالا لك.
قوله: (وسيجئ الخ) ذكر هناك ما يفيد الخلاف، وفيه كلام سيأتي هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (قالت لمولى زوجها) وكذا لو قال ذلك زوج الامة لمولى زوجته، لكن لا يسقط المهر.
بحر.
قوله: (الحر المكلف) قيد به ليمكن الاعتاق، وفيه أنه ليس بمعتق، إنما هو وكيل عنها فيه، فمقتضاه أن يتوقف بيع الصبي على إجازة وليه.
وأما الاعتاق فلا ينظر إليه لصحة توكيله فيه ط.
وصورة كون مولى الزوج غير حر أو غير مكلف: أن يشتري العبد المأذون عبدا متزوجا أو يرثه الصبي أو المجنون من أبيه، وإلا فقد مر أنه لا يملك تزويج العبد إلا من يملك إعتاقه.
قوله: (ورطل من خمر) مفعول زادت أي زادته على قولها بألف.
قوله: (كالصحيح) لان البيع هنا غير
مقصود، فلا يلزم وجود شروطه كما يأتي قريبا.
قوله: (ففعل) أي قال أعتقه.
ح عن النهر.
قوله: (اقتضاء) هو دلالة اللفظ على مسكوت يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته، فالاول كحديث: رفع الخطأ والنسيان): أي رفع حكمهما وهو الاثم، وإلا فهما واقعان في الخارج، والثاني كمسألتنا فإنه لا يمكن تصحيحه إلا بتقديم الملك، إذ الملك شرط لصحة العتق عنه، فتقدم الملك بالبيع مقتضى(3/200)
بالفتح والاعتاق عن الآمر مقتض بالكسر فيصير قوله أعتق: طلب التمليك منه الالف ثم أمره بإعتاق عبد الآمر عنه، وقوله أعتقت: تمليك منه ثم الاعتاق عنه.
وإذا ثبت الملك للآمر فسد النكاح للتنافي بين الامرين، ثم الملك فيه شرط والشروط أتباع، فلذا ثبت البيع المقتضى بالفتح بشروط المقتضى وهو العتق لا بشروط نفسه إظهارا للتبعية، فيشترط أهلية الآمر للاعتاق، حتى لو كان صبيا مأذونا لم يثبت البيع ويسقط القبول الذي هو ركن البيع، ولا يثبت فيه خيار رؤية أو عيب، ولا يشترط كونه مقدور التسليم، فصح الامر بأعتاق الآبق، ويسقط اعتبار القبض في الفاسد، كما لو قال أعتقه عني بألف ورطل من خمر ا ه.
بحر بالمعنى.
قوله: (لكن لو قال الخ) حاصله أن ما ثبت بالاقتضاء إنما يثبت بشروط المقتضي بالكسر لا بشروط نفسه كما علمت، لكن هذا إذا لم يصرح بالمقتضى بالفتح.
قال في فتح القدير: فلو صرح بالبيع فقال: بعتكه وأعتقته، لا يقع عن الآمر بل عن المأمور، فيثبت البيع ضمنا في هذه المسألة ولا يثبت صريحا، كبيع الاجنة في الارحام، فإذا صرح به ثبت بشرط نفسه والبيع لا يتم إلا بالقبول ولم يوجد فيعتق عن نفسه ا ه.
أي ولا يفسد النكاح كما في البحر.
قوله: (ومفاده الخ) البحث لصاحب النهر ح.
قوله: (لو قال) أي الآمر، والاولى التصريح به والاتيان بعده بضميره.
قوله: (وسقط المهر) لاستحالة وجوبه على عبدها.
نهر.
قوله: (لا يفسد) أي النكاح خلافا لابي يوسف، والله تعالى أعلم.
باب نكاح الكافر لما فرغ من نكاح الاحرار والارقاء من المسلمين شرع في نكاح الكفار، وتقدم في آخر باب
المهر حكم مهر الكافر، وأنه تثبت بقية أحكام النكاح في حقهم كالمسلمين: من وجوب النفقة في النكاح، ووقوع الطلاق ونحوهما: كعدة ونسب، وخيار بلوغ، وتوارث بنكاح صحيح، وحرمة مطلقة ثلاثا، ونكاح محارم.
قوله: (يشمل المشرك والكتابي) لو قال: يشمل الكتابي وغيره، لكان أولى، ليدخل من ليس بمشرك ولا كتابي كالدهري، وأشار إلى أن التعبير بالكافر لشموله الكتابي أولى من تعبير الهداية تبعا للقدوري بالمشرك ا ه ح.
واعتذر في الفتح عن الهداية بأنه أراد بالمشرك ما يشمل الكتابي، إما تغليبا، أو ذهابا إلى ما اختاره البعض من أهل الكتاب داخلون في المشركين، أو باعتبار قول طائفة منهم: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، تعالى الله رب العزة والكبرياء.
قوله: (خلافا لمالك) فلا يقول بصحة أنكحتهم ولو صحت بين المسلمين، وأخذ منه أنه لا يقول بالاصلين الاخيرين بالاولى ط.
قوله: (ويرده) أي قول مالك المفهوم من قوله: خلافا لمالك فإنه بمنزلة(3/201)
وقال مالك: لا يصح ط.
قوله: * (وامرأته حمالة الحطب) * (سورة المسد: الآية 4) أي فهذه الاضافة قاضية عرفا ولغة بالنكاح، وقد قصها الله تعالى في كتابه مفيدة لهذا المعنى ط.
قوله: (ولدت من نكاح لا من سفاح) أي لا من زنا، والمراد به نفي ما كانت عليه الجاهلية من أن المرأة تسافح رجلا مدة ثم يتزوجها، وقد استدل بالحديث المذكور في الفتح أيضا.
ووجهه أنه (ص) سمى ما وجد قبل الاسلام من أنكحة الجاهلية نكاحا.
مطلب في الكلام على أبوي النبي (ص) وأهل الفترة ولايقال: إن فيه إساءة ادب لاقتضائه كفر الابوين الشريفين، مع أن الله تعالى أحياهما له وآمنا به كما ورد في حديث ضعيف.
لانا نقول: إن الحديث أعم بدليل رواية الطبراني وأبي نعيم وابن عساكر: خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح الجاهلية شئ وإحياء الابوين بعد موتهما لا ينافي كون النكاح كان في زمن الكفر، ولا ينافي أيضا ما قاله الامام في الفقه الاكبر من أن والديه (ص) ماتا على الكفر، ولا ما في صحيح مسلم استأذنت ربي أن أستغفر لامي فلم يأذن لي وما فيه أيضا: أن رجلا قال: يارسول الله أين أبي؟
قال: في النار، فلما قفا دعاه فقال: إن أبي وإباك في النار لامكان أن يكون الاحياء بعد ذلك، لانه كان في حجة الوداع، وكون الايمان عند المعاينة غير نافع فكيف بعد الموت؟ فذاك في غير الخصوصية التي أكرم الله بها نبيه (ص).
وأما الاستدلال على نجاتهما بأنهما ماتا في زمن الفترة فهو مبني على أصول الاشاعرة أن من مات ولم تبلغه الدعوى بموت ناحيا، أما الماتريدية، فإن مات قبل مضي مدة يمكنه فيها التأمل ولم يعتقد إيمانا ولا كفرا فلا عقاب عليه، بخلاف ما إذا اعتقد كفرا أو مات بعد المدة غير معتقد شيئا، نعم البخاريون من الماتريدية وافقوا الاشاعرة، وحملوا قول الامام: لا عذر لاحد في الجهل بخالقه، على ما بعد البعثة، واختاره المحقق ابن الهمام في التحرير، لكن هذا في غير من مات معتقدا للكفر، فقد صرح النووي والفخر الرازي بأن من مات قبل البعثة مشركا فهو في النار، وعليه حمل بعض المالكية ما صح من الاحاديث في تعذيب أهل الفترة، بخلاف من لم يشرك منهم ولم يوحد بل بقي عمره في غفلة من هذا كله ففيهم الخلاف وبخلاف من اهتدى منهم بعقله كقس بن ساعده و زيد بن عمرو بن نفيل فلا خلاف في نجاتهم، وعلى هذا فالظن في كرم الله تعالى أن يكون أبواه (ص) من أحد هذين القسمين، بل قيل: إن آباءه (ص) كلهم موحدون، لقوله تعالى: * (وتقلبك في الساجدين) * (سورة الشعراء: الآية 912) لكن رده أبو حيان في تفسيره بأنه قول الرافضة، ومعنى الآية: وترددك في تصفح أحوال المتهجدين، فافهم.
وبالجملة كما قال بعض المحققين: إنه لا ينبغي ذكر هذه المسألة إلا مع مزيد الادب، وليست من المسائل التي يضر جهلها أو يسأل عنها في القبر أو في الموقف، فحفظ اللسان عن التكلم فيها إلا بخير أولى وأسلم، وسيأتي زيادة كلام في هذه المسألة في باب المرتد عند قوله وتوبة اليأس مقبولة دون إيمان اليأس.
قوله: (كعدم شهود) وعدة من كافر.
قوله: (عند الامام) هو(3/202)
الصحيح كما في المضمرات.
قهستاني.
وعند زفر: لا يجوز، وهما مع الامام في النكاح بغير شهود، ومع زفر في النكاح في عدة الكافر ح.
قال في الهداية: ولابي حنيفة أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا
للشرع لانهم يخاطبون بحقوقه، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لانه لا يعتقده، بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم لانه يعتقده ا ه.
وظاهره أنه لا عدة من الكافر عند الامام أصلا، وإليه ذهب بعض المشايخ فلا تثبت الرجعة للزوج بمجرد طلاقها، ولا يثبت نسب الولد إذا أتت به لاقل من ستة أشهر بعد الطلاق.
وقيل تجب، لكنها ضعيفة لا تمنع من صحة النكاح، فيثبت للزوج الرجعة والنسب، والاصح الاول كما في القهستاني عن الكرماني ومثله في العناية.
وذكر في الفتح أنه الاولى ولكن منع عدم ثبوت النسب، لانهم لم ينقلوا ذلك عن الامام بل فرعوه على قوله بصحة العقد بناء على عدم وجوب العدة، فلنا أن نقول بعدم وجوبها وبثبوت النسب، لانه إذا علم من له الولد بطريق آخر وجب إلحاقه به بعد كونه عن فراش صحيح، ومجيئها به لاقل من ستة أشهر من الطلاق مما يفيد ذلك ا ه.
وأقره في البحر، ونازعه في النهر لان المذكور في المحيط والزيلعي أنه لا يثبت النسب.
قال: وقد غفل عنه في البحر، وأنت خبير بأن صاحب الفتح لم يدع أن ذلك لم يذكروه بل اعترف بذلك، وإنما نازعهم في التخريج وأنه لا يلزم من عدم ثبوت العدة عدم ثبوت النسب، فافهم.
قوله: (لحرمة المحل) أي محل العقد وهو الزوجة، بأن كانت غير محل له أصلا، فإن المحرمية منافية له ابتداء وبقاء، بخلاف عدم الشهود والعدة كما يأتي.
قوله: (كمحارم) وكمطلقة ثلاث ومعتدة مسلم.
قوله: (بل فاسدا) أفاد أن الخلاف في الجواز والفساد مع اتفاقهم على عدم التعرض قبل الاسلام والمرافعة.
رملي.
قوله: (وعليه) أي على الاصح من وقوعه جائزا تجب النفقة إذا طلبتها، وإذا دخل بها ثم أسلم فقذفه إنسان يحد كما في البحر وأما على القول بوقوعه فاسدا لا تجب ولا يحد قاذفه، لانه وطئ في غير ملكه فلا يكون محصنا.
قوله: (وأجمعوا الخ) جواب عمايقال: إنه على القول بالجواز ينبغي ثبوت الارث أيضا.
والجواب أن لقياس عدم ثبوت الارث لاحد الزوجين لانهما أجنبيان، لكنه ثبت بالنص على خلاف القياس في النكاح الصحيح مطلقا: أي ما يسمى صحيحا عند الاطلاق كالنكاح المعتبر شرعا.
وأما نكاح المحارم فيسمى صحيحا لا مطلقا، بل بالنسبة إلى الكفار فيقتصر على مورد النص.
قلت: وفيه أن ما فقد شرطه ليس صحيحا عند الاطلاق أيضا مع أنه يثبت فيه التوارث كما
سيذكره الشارح في كتاب الفرائض، حيث قال معزيا للجوهرة: وكل نكاح لو أسلما يقران عليه يتوارثان به، وما لا فلا.
قال: وصححه في الظهيرية ا ه.
تأمل.
ثم في حكاية الاجماع تبعا للبدائع نظر، فقد جرى القهستاني على ثبوت الارث، لكن الصحيح خلافه كما سمعت، وكذا قال في سكت الانهر: ولا يتوارثون بنكاح لا يقران عليه كنكاح المحارم، وهذا هو الصحيح ا ه.
قوله: (أسلم المتزوجان الخ) وكذا لو ترافعا إلينا قبل الاسلام أقرا عليه، ولم(3/203)
يذكره لانه معلوم بالاولى كما في النهر والبحر.
قوله: (أو في عدة كافر) احترز عن عدة مسلم كما ينبه عليه المصنف بعد، وقيد في الهداية الاسلام والمرافعة بما إذا كانا والحرمة قائمة.
قال في العناية: وأما إذا كانا بعد انقضاء العدة فلا يفرق بينهما بالاجماع.
قوله: (معتقدين ذلك) فلو لم يكن جائزا عندهم يفرق بينهما اتفاقا لانه وقع باطلا فيجب التجديد.
بحر.
ونقل بعض المحشين عن ابن كمال أن الشرط جوازه في دين الزوج خاصة ا ه.
قلت: والظاهر أنه أراد الزوج الاول وهو الذي طلقها، لان العدة حق الزوج المطلق، فإذا كان لا يعتقدها لا يمكن إيجابها له، بخلاف ما لو كانت تحت مسلم كما قدمناه قريبا عن الهداية.
تأمل.
قوله: (أقرا عليه) أي عنده خلافا لهما فيما إذا كان النكاح في العدة كما مر، لكن في البحر والفتح عن المبسوط: إذا أسلما والعدة منقضية لا يفرق بالاجماع.
قوله: (لانا أمرنا بتركهم الخ) هذا التعليل إنما يظهر فيما إذا ترافعا وهما كافران، أما بعد الاسلام فالعلة ما في البحر من أن حالة الاسلام والمرافعة حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها، وكذا العدة لا تنافيها، كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة ا ه ط.
أي فإن الموطوءة بشبهة تجب العدة عليها حال قيام النكاح مع زوجها وتحرم عليه.
فتح: أي تحرم عليه إلى انقضاء العدة.
قوله: (محرمين) بأن تزوج مجوسي أمه أو بنته، وكذا لو تزوج مطلقته ثلاثا أو جمع بين خمس أو أختين في عقدة ثم أسلما أو أحدهما فرق بينهما إجماعا فتح.
وكذا قال في النهر: وليس الحكم مقصورا على المحرمية، بل كذلك لو تزوج مطلقته ثلاثا الخ ثم قيدنا بكونه تزوجه خمسا في عقدة، لانه لو تزوجهن على التعاقب فرق بينه وبين الخامسة
فقط، ولو تزوج واحدة ثم أربعا جاز نكاح الواحدة لا غير، ولو أسلم بعدما فارق إحدى الاختين أقرا عليه ا ه.
وتمامه فيه.
قوله: (فرق القاضي) أما على قولهما فظاهر، لان هذه الانكحة لها حكم البطلان فيما بينهم، وأما على قوله فلانه وإن كان لها حكم الصحة في الاصح حتى تجب النفقة ويحد قاذفه، إلا أن المحرمية وما معها تنافي البقاء كما تنافي الابتداء، بخلاف العدة.
نهر.
وفي أبي السعود عن الحموي قال البرجندي: ظاهر العبارة يدل على أنه لا تقع البينونة بالاسلام.
وقال قاضيخان: تبين بدون تفريق القاضي.
ذكره في القنية.
قوله: (لعدم المحلية) أي محلية المحرمين وما معها لعقد الزوجية ابتداء وبقاء، وهذا تعليل على قول الامام كما علمت.
قوله: (وبمرافعة أحدهما لا يفرق) أي عنده خلافا لهما، بخلاف ما إذا ترافعا فإنه يفرق بينهما عنده أيضا، لانهما رضيا بحكم الاسلام فصار القاضي كالمحكم.
فتح.
قوله: (لبقاء حق الآخر) لانه لم يرض بحكمنا.
قوله: (بخلاف إسلامه) أي إسلام أحدهما جواب عن قولهما بأنه يفرق بمرافعة أحد الزوجين كما يفرق بإسلامه.
وبيان الجواب على قوله بالفرق، وهو أنه بإسلام أحدهما ظهرت حرمة الآخر لتغير اعتقاده واعتقاد المصر لا يعارض إسلام المسلم، لان الاسلام يعلو ولا يعلى، بخلاف مرافعة أحدهما ورضاه فإنه لا يتغير به اعتقاد الآخر.
فتح.
قوله: (إلا إذا طلقها ثلاثا الخ) استثناء من قوله: وبمرافعة أحدهما(3/204)
لا يفرق ط.
قوله: (فإنه يفرق بينهما) لان هذا التفريق لا يتضمن إبطال حق على الزوج، لان الطلقات الثلاث قاطعة لملك النكاح في الاديان كلها.
بحر.
قلت: لكن المشهور الآن من اعتقاد أهل الذمة أنه لا طلاق عندهم، ولعله مما غيره من شرائعهم.
قوله: (كما لو خالعها) تشبيه في مطلق تفريق لا بقيد كونه بعد مرافعه، لقول الشارح بعد فإنه في هذه الثلاثة يفرق من غير مرافعة ط.
قوله: (من غير عقد) وذلك لان الخلع طلاق والذمي يعتقد كون الطلاق مزيلا للنكاح، والوطئ بعده، حرام في الاديان كلها يحدون به.
نهر: أي بالوطئ بعده، ومحل الحد إن لم يعتقد شبهة الحل في العدة كما نص عليه في الحدود، ومثل هذا التعليل
يقال في مسألة الطلاق الثلاث الآتية ط.
قوله: (أو تزوج كتابية في عدة مسلم) وكذا لو تزوج الذمي مسلمة حرة أو أمة، ففي الكافي للحاكم الشهيد أنه يفرق بينهما ويعاقب إن دخل بها، ولا يبلغ أربعين سوطا وتعزر المرأة ومن زوجها له وإن أسلم بعد النكاح لم يترك على نكاحه.
تنبيه: قال في النهر: قيد المصنف بكون المتزوج كافرا، لان المسلم لو تزوج ذمية في عدة كافر ذكر بعض المشايخ أنه يجوز، ولا يباح له وطؤها حتى يستبرئها عنده.
وقالا: النكاح باطل، وكذا في الخانية.
وأقول: ويبنغي أن لا يختلف في وجوبها بالنسبة إلى المسلم، لانه يعتقد وجوبها، ألا ترى أن القول بعدم وجوبها في حق الكافر مقيد بكونهم لا يدينونها وبكونه جائزا عندهم؟ لانه لو لم يكن جائزا بأن اعتقدوا وجوبها يفرق إجماعا.
قال في الفتح: فيلزم في المهاجرة وجوب العدة إن كانوا يعتقدونه، لان المضاف إلى تبابين الدار لا فرقة لا نفي العدة ا ه.
قلت: قوله وينبغي الخ قد يقال فيه: إنه مما لا ينبغي، لما مر من أن العدة إنما تجب حقا للزوج: أي الذي طلقها، ولا تجب له بدون اعتقاده، ولما قدمناها أيضا عن ابن كمال من اعتبار دين الزوج خاصة، وكذا ما قدمناه من ترجيح القول بأنه لا عدة من الكافر عند الامام أصلا.
تأمل.
قوله: (أو تزوجها قبل زوج آخر الخ) مقتضاه أن المسألة الاولى مفروضة فيما إذا طلقها ثلاثا وأقام معها من غير تجديد عقد آخر حتى تكون مسألة أخرى.
ويشكل الفرق بينهما، فإذا إذا توقف التفريق في الاولى على طلب المرأة يلزم أن يتوقف هنا على طلبها بالاولى، لانه إذا جدد عقده عليها قبل زوج آخر حصلت شبهة العقد، فكيف يفرق بينهما بلا طلب أصلا مع وجود شبهة العقد، ويفرق إلا بطلب عند عدم وجود شبهة العقد، ولذا والله أعلم ذكر في البحر عن الاسبيجابي أنه إذا طلقها ثلاثا: إن أمسكها من غير تجديد النكاح عليها فرق بينهما وإن لم يترافعا إلى القاضي، وإن جدده عليها من غير أن تتزوج بآخر فلا تفريق.
ثم قال: وهو مخالف لما في المحيط، لانه سوى في التفريق بين ما إذا تزوجها أو لا حيث لم تتزوج بغيره ا ه.
قلت: لكنه مخالف أيضا لما قدمناه عن الفتح وغيره من أن مثل المحرمين ما لو تزوج مطلقته ثلاثا إلا أن يخص ذلك بما إذا أسلما أحدهما، لكنه خلاف ما في الزيلعي، حيث قال: وعلى هذا(3/205)
الخلاف المطلقة ثلاثا والجمع بين المحارم والخمس ا ه: أي الخلاف المار بين الامام وصاحبيه من أنه يفرق بمرافعتهما عنده لا بمرافعة أحدهما، فليتأمل.
قوله: (خلافا للزيلعي الخ) أقول: ما في الحاوي القدسي ليس فيه مخالفة لما هنا، كما يعلم من عبارة الحاوي التي نقلها المصنف في منحه فراجعها.
وأما الزيلعي ففيه مخالفة، فإنه ذكر ما قدمناه عنه آنفا، ثم قال: وذكر في الغاية معزيا إلى المحيط أن المطلقة ثلاثا لو طلبت التفريق يفرق بينهما بالاجماع، لانه لا يتضمن إبطال حق الزوج، وكذا في الخلع وعدة المسلم لو كانت كتابية، وكذا لو تزوجها قبل زوج آخر في المطلقة ثلاثا ا ه.
ووجه المخالفة أن قوله وكذا في الخلع الخ، يفيد توقف التفريق على الطلب في المسائل الثلاث كالمسألة الاولى كما هو مقتضى التشبيه، وصرح بذلك في الفتح حيث ذكر عبارة الغاية وقال عقب قوله وكذا في الخلع: يعني اختلعت من زوجها الذمي ثم أمسكها فرفعته إلى الحاكم فإنه يفرق بينهما، لان إمساكها ظلم الخ، فما عزاه في الغاية إلى المحيط ونقله عنها الزيلعي وصاحب الفتح مخالف لما في البحر عن المحيط، وهو الذي مشى عليه المصنف من عدم توقفه على المرافعة في المسائل الثلاث، وتوقفه في المسألة الاولى فقط.
وذكر في النهر أيضا عبارة المحيط الرضوي وهي كما مشى عليه صاحب البحر والمصنف، فهذا هو وجه المخالفة الذي أراده الشارح، ونبه عليه في النهر أيضا وقد خفي على المحشين، فافهم، نعم في كلام الزيلعي مخالفة من وجه آخر.
وهو أنه ذكر أولا أن المطلقة ثلاثا مثل المحرمين في جريان الخلاف كما ذكرناه قريبا، ثم ذكر ما في الغاية من أنه يفرق بطلبها إجماعا.
ورأيت في كافي الحاكم الشهيد ما يؤيد ما في الغاية، وذلك حيث قال: وإذا طلق الذمي زوجته ثلاثا ثم أقام عليها فرافعته إلى السلطان فرق بينهما، وكذلك لو كانت اختلعت.
وإذا تزوج الذمي الذمية وهي في عدة من زوج مسلم قد طلقها أو مات عنها فإني أفرق
بينهما ا ه.
لكن مفاده أن التفريق في هذه الاخيرة لا يحتاج إلى مرافعة وطلب أصلا لتعلق حق المسلم، ومثلها ما قدمناه عن الكافي أيضا، وهو ما لو تزوج الذمي مسلمة.
قوله: (وإذا أسلم أحد الزوجين الخ) حاصل صور إسلام أحدهما على اثنين وثلاثين، لانهما إما أن يكونا كتابيين أو مجوسيين، أو الزوج كتابي وهي مجوسية أو بالعكس.
وعلى كل فالمسلم أما الزوج أو الزوجة، وفي كل من الثمانية إما أن يكون في دارنا أو في دار الحرب أو الزوج فقط في دارنا أو بالعكس.
أفاده في البحر.
وفيه أيضا قيد بالاسلام لان النصرانية إذا تهودت أو عكسه لا يلتفت إليهم، لان الكفر كله ملة واحدة، وكذا لو تمجست زوجة النصراني فهما على نكاحهما كما لو كانت مجوسية في الابتداء ا ه.
والمراد بالمجوسي من ليس له كتاب سماوي، فيشمل الوثني والدهري.
وأراد المصنف بالزوجين المجتمعين في دار الاسلام، وسيأتي محترزه في قوله: ولو أسلم أحدهما ثمة الخ.
قوله: (أو امرأة الكتابي) أما إذا أسلم زوج الكتابية فإن النكاح يبقى كما يأتي متنا.
قوله: (أو سكت) غير أنه في هذه الحالة يكرر عليه العرض ثلاثا احتياطا، كذا في المبسوط.
نهر.
قوله: (فرق بينهما) وما لم يفرق القاضي فهي زوجته، حتى لو مات الزوج قبل أن تسلم امرأته الكافرة(3/206)
وجب لها المهر: أي كماله وإن لم يدخل بها، لان النكاح كان قائما ويقرر بالموت.
فتح.
وإنما لم يتوارثا لمانع الكفر.
قوله: (صبيا مميزا) أي يعقل الاديان، لان ردته معتبرة فكذا إباؤه.
فتح.
قال في أحكام الصغار: والمعتوه كالصبي العاقل ا ه.
قوله: (على الاصح) وقيل لا يعتبر إباؤه عند أبي يوسف كما لا تعتبر ردته عنده.
فتح.
قوله: (فيما ذكر) أي من حكم الاسلام والاباء والسكوت.
قوله: (ولو كان) أي الصبي كما تفيده عبارة الفتح، وليس بقيد بل البالغ مثله.
قوله: (لعدم نهايته) بخلاف عدم التمييز فإن له نهاية.
قوله: (بل يعرض الاسلام على أبويه الخ) قال في التحرر وشرحه: وإنما يعرض الاسلام على أبيه أو أمه لصيرورته مسلما بإسلام أحدهما، فإن أسلم أحدهما أقرا على النكاح، وإن أبى فرق بينهما دفعا للضرر عن المسلمة، ويصير مرتدا تبعا بارتداد أبويه ولحاقهما به، بخلاف ما إذا تركاه في دار الاسلام أو بلغ مسلما ثم جن أو أسلم عاقلا فجن
قبل البلوغ فارتدا ولحقا به، لانه صار مسلما بتبعية الدار عند زوال تبعية الابوين أو بتقرر ركن الايمان منه قال شمس الائمة: وليس المراد من عرض الاسلام على والده أن يعرض عليه بطريق الالزام، بل على سبيل الشفقة المعلومة من الآباء على الاولاد عادة، فلعل ذلك يحمله على أن يسلم، ألا ترى أنه إذا لم يكن له والدان جعل القاضي له خصما وفرق بينهما؟ فهذا دليل على أن الاباء يسقط اعتباره هنا للتعذر ا ه.
وهذا ما نقله عن الباقاني، ومثل في التاترخانية.
وحاصله أن فائدة نصب الوصي الحكم بالتفريق بلا عرض بل يسقط العرض للضرورة، لانه لا يصير مسلما بتبعية غير الابوين، وقد علم مما ذكرناه أنه لو كان له أم فقط يعرض الاسلام عليها، فإن أبت فرق بينهما لانه تبع لها، وإن لم تكن لها ولاية عليه، لان المناط هنا التبعية لا الولاية، فقول بعض المحشين: إنه عند عدم الاب لا يعرض على الام بل ينصب له وصيا غير صحيح، نعم لو كان أبواه مجنونين أيضا ينبغي أن ينصب عنه وصيا.
والحاصل أن المجنون كالصبي في تبعيته لابويه إسلاما وكفرا ما لم يسلم قبل جنونه.
قوله: (وهي مجوسية الخ) بخلاف عكسه، وهو ما لو كانت نصرانية وقت إسلامه ثم تمجست فإنه تقع الفرقة بلا عرض عليها.
بحر عن المحيط.
وظاهره وقوع الفرقة بلا تفريق القاضي لانها صارت كالمرتدة.
تأمل.
قوله: (طلاق ينقص العدد) أشار إلى أن المراد بالطلاق حقيقته لا الفسخ، فلو أسلم ثم تزوجها يملك عليها طلقتين فقط عندهما.
وقال أبو يوسف: إنه فسخ، ثم هذا الطلاق بائن قبل الدخول أو بعده.
قال في النهاية: حتى لو أسلم الزوج لا يملك الرجعة.
قال في البحر: وأشار بالطلاق إلى وجوب العدة عليها إن كان دخل بها، لان المرأة إن كانت مسلمة فقد التزمت أحكام(3/207)
الاسلام، ومن حكمه وجوب العدة، وإن كانت كافرة لا تعتقد وجوبها فالزوج مسلم والعدة حقه، وحقوقنالا تبطل بديانتهم وإلى وجوب النفقة في العدة، إن كانت هي مسلمة، لان المنع من الاستمتاع جاء من جهته، بخلاف ما إذا كانت كافرة وأسلم الزوج لان المنع من جهتها، ولذا لا مهر لها إن كان قبل الدخول ا ه.
أما لو أسلمت وأبى الزوج فلها نصف المهر قبل الدخول وكله بعده،
كما في كافي الحاكم.
ثم قال في البحر: وأشار إيضا إلى وقوع طلاقه عليها ما دامت في العدة، كما لوقعت الفرقة بالخلع أو بالجب أو العنة، كذا في المحيط.
وظاهره أنه لا فرق في وقوع الطلاق عليها بين أن يكون هو الآبي أو هي.
وظاهر ما في الفتح أنه خاص بما إذا أسلمت وأبى هو، والظاهر الاول ا ه.
أقول: ما في الفتح صريح في الاول، حيث قال: إذا أسلم أحد الزوجين الذميين وفرق بينهما بإباء الآخر فإنه يقع عليها طلاقه وإن كانت هي الآبية مع أن الفرقة فسخ، وبه ينتقض ما قيل إذا أسلم أحد الزوجين لم يقع عليها طلاقه ا ه.
نعم ظاهر ما في المحيط يفيد أنه خاص بما إذا كان هو الآبي وهو قوله: كما لو وقعت الفرقة بالخلع الخ، لانها فرقة من جانبه فتكون طلاقا، ومعتدة الطلاق يقع عليها الطلاق، أما لو كانت هي الآبية تكون الفرقة فسخا و الفسخ رفع للعقد فلا يقع الطلاق في عدته.
نعم في البحر أول كتاب الطلاق أنه لا يقع في عدة الفسخ إلا في ارتداد أحدهما وتفريق القاضي بإباء أحدهما عن الاسلام.
وفي البزازية: وإذا أسلم أحد الزوجين لا يقع على الآخر طلاقه، لكن قال الخير الرملي: إن هذا في طلاق أهل الحرب: أي فيما لو هاجر أحدهما إلينا مسلما، لانه لا عدة عليها.
قلت: إن هذ الحمل ممكن في عبارة البزازية دون عبارة طلاق البحر، فليتأمل.
وسيأتي تمام الكلام على ذلك آخر باب الكنايات.
قوله: (لان الطلاق لا يكون من النساء) بل الذي يكون من المرأة عند القدرة على الفرقة شرعا هو الفسخ، فينوب القاضي منابها فيما تملكه.
قوله: (وإباء المميز) أي تفرق القاضي بسبب الاباء، وإلا فالاباء ليس بطلاق ح.
قوله: (وأحد أبوي المجنون) أي إذا لم يوجد إلا أحدهما أبا أو أما، أما لو وجدا فلا بد من إباء كل منهما، لانه لو أسلم أحدهما تبعه كما مر.
قوله: (طلاق في الاصح) يشير إلى أنه في غير الاصح يكون فسخا.
أبو السعود مطلب: الصبي والمجنون ليسا بأهل لايقاع طلاق بل للوقوع قوله: (فليسا بأهل للايقاع) أي إيقاع الطلاق منهما، بل هما أهل للوقوع: أي حكم الشرع بوقوعه عليهما عند وجود موجبه.
وفي شرح التحرير قال صاحب الكشف وغيره: المراد من عدم شرعية الطلاق أو العتاق في حق الصغير عدمها عند عدم الحاجة، فأما عند تحققها فمشروع.
قال شمس الائمة السرخسي: زعم بعض مشايخنا أن هذا الحكم غير مشروع أصلا في حق الصبي، حتى أن امرأته لا تكون محلا(3/208)
للطلاق، هذا وهم عندي، فإن الطلاق يملك بملك النكاح، إذ لا ضرر في إثبات أصل الملك بل الضرر في الايقاع، حتى إذا تحققت الحاجة إلى صحة إيقاع الطلاق من جهته لدفع الضرر كان صحيحا، فإذا أسلمت زوجته وأبى فرق بينهما وكان طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد، وإذا ارتد والعياذ بالله تعالى وقعت البينونة وكان طلاقا في قول محمد.
وإذا وجدته مجبوبا فخاصمته فر بينهما وكان طلاقا عند بعض المشايخ ا ه.
قلت: وحاصله أنه كالبالغ في وقوع الطلاق منه بهذه الاسباب، إلا أنه لا يصح إيقاعه منه ابتداء للضرر عليه ومثله المجنون، وبه ظهر أنه لا حاجة إلى أنه إيقاع من القاضي، لان تفريق القاضي هنا كتفريقه بإباء البالغ عن الاسلام، وهو طلاق منه بطريق النيابة، فكذا في الصبي والمجنون، لكن لما كان المشهور أنه لا يقع طلاقهما: أي ابتداء وكان وقوعه منهما بعارض غريبا، قال الزيلعي وغيره: إنه من أغرب المسائل، فافهم.
قوله: (كما لو ورث قريبه) أي الرحم المحرم منه كأن ورث أباه المملوك لاخيه من أم مثلا فإنه يعتق عليه، وكما لو تزوج مملوكة أبيه فورثها منه انفسخ النكاح.
قوله: لم يقع) لانه علقه على ما ينافي وقوعه منه، فإن الجزاء وهو أنت طالق لا ينعقد سببا للطلاق إلا عند وجود الشرط فلا بد من كون الشرط صالحا له، فهو كقوله: إن مت فأنت طالق، كذا ظهر لي.
قوله: (وقع) لما صرحوا به من أن الاهلية إنما تعتبر وقت التعليق لا وقت وجود الشرط، وليس الشرط هنا وهو دخول الدار منافيا لانعقاد الجزاء سببا للطلاق، بخلاف المسألة الاولى.
والحاصل أنه لا بد من صحة التعليق من وجود الاهلية وقته وعدم منافاة الشرط المعلق عليه للجزاء المعلق وهنا وجد كل منهما، بخلاف الاولى فإنه وجدت فيها الاهلية وقت التعليق وفقد
الآخر وهو عدم المنافاة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (ولو أسلم أحدهما ثمة) هذا مقابل قوله فيما مر.
قوله وإذا أسلم أحد الزوجين المجوسيين أو امرأة الكتابي الخ فإنه مفروض فيما إذا اجتمعا في دار الاسلام كما قدمناه، ولذا قال في البحر هنا: أطلق في إسلام أحدهما في دار الحرب فشمل ما إذا كان الآخر في دار الاسلام أو في دار الحرب أقام الآخر فيها أو خرج إلى دار الاسلام.
فحاصله أنه ما لم يجتمعا في دار الاسلام فإنه لا يعرض الاسلام على المصر، سواء خرج المسلم أو الآخر لانه لا يقضي لغائب ولا على غائب، كذا في المحيط ا ه.
قوله: (كالبحر الملح) قال في النهر: وينبغي أن يكون ما ليس بدار حرب ولا إسلام ملحقا بدار الحرب كالبحر الملح، لانه لا قهر لاحد عليه، فإذا أسلم أحدهما وهو راكبه توقفت البينونة على مضي ثلاث حيض أخذا من تعليلهم بتعذر العرض لعدم الولاية ا ه.
وهل حكم البحر الملح في غير هذه هذه حكم دار الحرب، حتى لو خرج إليه الذمي صار حربيا وانتقض عهده.
وإذا خرج إليه الحربي وعاد قبل الوصول إلى(3/209)
داره ينتقض أمانه ويعشر ما معه.
يحرر ط.
قوله: (لم تبن حتى تحيض الخ) أفاد بتوقف البينونة على الحيض أن الآخر لو أسلم قبل انقضائها فلا بينونة.
(بحر).
قوله: (أو تمضي ثلاثه اشهر) أي إن كانت لا تحيض لصغر أو كبر كما في البحر، وإن كانت حاملا فحتى تضع حملها.
ح عن القهستاني.
قوله: (إقامة لشرط الفرقة) وهو مضي هذه المدة مقام السبب وهو الاباء، لان الاباء لا يعرف إلا بالعرض، وقد عدم العرض لانعدام الولاية ومست الحاجة إلى التفريق لان المشرك لا يصلح للمسلم، وإقامة الشرط عند تعذر العلة جائز، فإذا مضت هذه المدة صار مضيها بمنزلة تفريق القاضي وتكون فرقة بطلاق على قياس قولهما.
وعلى قياس قول أبي يوسف بغير طلاق لانها بسبب الاباء حكما وتقديرا.
بدائع.
وبحث في البحر أنه ينبغي أن يقال: إن كان المسلم هو المرأة تكون فرقة بطلاق، لان الآبي هو الزوج حكما والتفريق بإبائه طلاق عندهما فكذا ما قام مقامه، وإن كان المسلم الزوج فهي فسخ.
قوله: (وليست بعدة) أي ليست هذه المدة عدة، لان غير المدخول بها داخلة تحت هذا الحكم، ولو
كانت عدة لاختص ذلك المدخول بها، وهل تجب العدة بعد مضي هذه المدة؟ فإن كانت المرأة حربية فلا لانه لا عدة على الحربية، وإن كانت هي المسلمة فخرجت إلينا فتمت الحيض هنا فكذلك عند أبي حنيفة خلافا لهما، لان المهاجرة لا عدة عليها عنده خلافا لهما كما سيأتي.
بدائع وهداية.
وجزم الطحاوي بوجوبها.
قال في البحر: وينبغي حمله على اختيار قولهما.
قوله: (ولو أسلم زوج الكتابية) هذا محترز قوله فيما مر أو امرأة الكتابي.
قوله: (كما مر) أي في قوله: كما لو كانت في الابتداء كذلك وأشار إلى أن الذي صرح به فيما مر يمكن انفهامه من هنا بأن يراد بالكتابية الكتابية حالا، أو مآلا، قوله: (فهي له) لانه يجوز له التزوج بها ابتداء، فالبقاء أولى لانه أسهل.
نهر قوله: (حقيقة وحكما) المراد بالتباين حقيقة تباعدهما شخصا، وبالحكم أن لا يكون في الدار التي دخلها على سبيل الرجوع بل على سبيل القرار والسكنى، حتى لو دخل ا لحربي دارنا بأمان لم تبن زوجته لانه في داره حكما إلا إذا قبل الذمة.
نهر.
قوله: (لا بالسبي) تنصيص على خلاف الشافعي فإنه عكس، وجعل سبب الفرقة السبي لا التباين، فتفرع أربع صور وفاقيتان وخلافيتان، فقوله: فلو خرج أحدهما الخ وقوله: وإن سبيا الخ خلافيتان، وقوله: أو أخرج مسبيا وقوله: أو خرجا إلينا الخ وفاقيتان.
قوله: (فلو خرج أحدهما الخ) هذه خلافية لوجود التباين دون السبي.
قال في البدائع: ثم إن كان الزوج هو الذي خرج فلا عدة عليها بلا خلاف لانها حربية، وإن كانت هي فذلك عنده خلافا لهما ا ه.
وفي الفتح: لو كان الخارج هو الرجل يحل له عندنا التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار الحرب إذا كانت في دار الاسلام.
قوله: (أو أخرج) هذه وفاقية لوجود التباين والسبي.
قوله: (وأدخل في دارنا) أفاد أنه لا يتحقق التباين بمجرد السبي، بل لا بد من الاحراز في دارنا كما في البدائع.
قوله: (كالموتى) ولهذا لو التحق بهم(3/210)
المرتد يجري عليه أحكام الموتى ط.
قوله: (وإن سبيا) هذه خلافية والتي بعدها وفاقية لعدم السبي فيها.
قوله: (أو ثم أسلما) عبارة البحر: أو مستأمنين ثم أسلمه الخ، فأو هنا عاطفة لحال محذوفة على الحال السابقة وهي قوله: ذميين وثم عاطفة لاسلما على تلك الحال المحذوفة.
قوله: (حتى
لو كانت الخ) تفريع على اشتراط تباين الدارين حقيقة وحكما.
قوله: (لم تبن) لان الدار وإن اختلفت حقيقة لكنها متحدة حكما، لان فرض المسألة فيما إذا نكحها مسلم أو ذمي ثمة ثم سببت، ولا يمكن فرضها فيما لو نكحها هنا لانه لا يصح، لان تباين الدارين يمنع بقاء النكاح فيمنع ابتداءه بالاولى كما قاله الرحمتي، ولو نكحها وهي هنا بأمان صارت ذمية، لان المرأة تبع لزوجها في المقام كما في الفتى من باب المستأمن، فافهم.
قوله: (ولو نكحها) أي المسلم أو الذمي.
قوله: (بانت) لتباين الدارين حقيقة وحكما ط.
قوله: (وإن خرجت قبله لا) أي لا تبين لان الزوج من أهل دار الاسلام، فإذا خرجت قبله صارت ذمية لا تمكن من العود لانها تبع لزوجها في المقام كما علمت، فافهم.
قوله: (وما في الفتح الخ) قال في النهر: وفي المحيط: مسلم تزوج حربية في دار الحرب فخرج بها رجل إلى دار الاسلام بانت من زوجها بالتباين، فلو خرجت بنفسها قبل زوجها لم تبن لانها صارت من أهل دارنا بالتزامها أحكام المسلمين، إذ لا تمكن من العود والزوج من أهل دار الاسلام فلا تباني.
قال في الفتح بعد نقله: يريد في الصورة الاولى: إذا أخرجها الرجل قهرا حتى ملكها لتحقق التباين بيها وبين زوجها حينئذ حقيقة وحكما.
أما حقيقه فظاهر، وأما حكما فلانها في دار الحرب حكما وزوجها في دار الاسلام.
قال في الحواشي السعدية: وفي قوله وأما حكما الخ بحث ا ه.
ولعل وجهه ما مر من أن معنى الحكم أن لا يكون في الدار التي دخلها على سبيل الرجوع بل على سبيل القرار، وهي هنا كذلك إذ لا تمكن من الرجوع، ثم راجعت المحيط الرضوي فإذا الذي فيه مسلم تزوج حربية كتابية في دار الحرب فخرج عنها الزوج وحده بانت، ولو خرجت المرأة قبل الزوج لم تبن، وعلله بما مر وهذا لا غبار عليه.
والظاهر أن ما وقع في نسخة صاحب الفتح تحريف، والصواب ما أسمعتك ا ه ح.
قلت: وما نقله في النهر عن المحيط ذكر مثله في كافي الحاكم الشهيد، فالصواب في المسألة الاولى التي نقلها في الفتح عن المحيط أنها لا تبين لاختلاف الدار حقيقة لا حكما.
قوله: (ومن هاجرت إلينا الخ) المهاجرة: التاركة دار الحرب إلى دار الحرب إلى دار الاسلام على عزم عدم العود، وذلك بأن
تخرج مسلمة أو ذمية أو صارت كذلك.
بحر.
وهذه المسألة داخلة فيما قبلها، لكن ما مر فيما إذا خرج أحدهما مهاجرا وقعت الفرقة بينهما، والمقصود من هذه أنه إذا كانت المهاجرة المرأة ووقعت الفرقة فلا عدة عليها عند أبي حنيفة، سواء كانت حاملا أو حائلا فتزوج للحال، إلا الحامل فتتربص لا على وجه العدة بل ليرتفع المانع بالوضع.
وعندهما: عليها العدة.
فتح.
وبه يظهر أن تقييد المصنف بالحائل: أي غير الحبلى لا وجه له، بخلاف قول الكنز: وتنكح المهاجرة الحائل بلا(3/211)
عدة، فإنها للاحتراز عن الحامل كما علمت، لكنه يوهم أن الحامل لها عدة كما توهمه ابن ملك وغيره، وليس كذلك.
قوله: (على الاظهر) مقابله رواية الحسن أنه يصح نكاحها قبل الوضع، لكن لا يقربها زوجها حتى تضع كالحبلى من الزنا، ورجحها الاقطع، لكن الاولى ظاهر الرواية.
نهر.
وصححها الشارحون وعليها الاكثر.
بحر.
قوله: (لا للعدة) نفي لقولهما: ولما توهمه ابن ملك وغيره.
قوله: (بل لشغل الرحم بحق الغير) أفاد به الفرق بينهما وبين الحامل من الزنى، فإن هذه حملها ثابت النسب فيؤثر في منع العقد احتياطا لئلا يقع الجمع بين الفراشين وهو ممتنع بمنزلة الجمع وطأ كما في الفتح، بخلاف الحامل من الزنى فإن ماء الزنى لا حرمة له وليس فيه حق الغير فلذا صح نكاحها، فافهم.
قوله: (فسخ) أي عند الامام بخلاف الاباء عن الاسلام.
وسوى محمد بينهما بأو كلا منهما طلاق.
وأبو يوسف بأن كلا منهما فسخ، وفرق الامام بأن الردة منافية للنكاح لمنافاتها العصمة، والطلاق يستدعي قيام النكاح فتعذر جعلها طلاقا، وتمامه في النهر.
قال في الفتح: ويقع طلاق زوج المرتدة عليه ما دامت في العدة، لان الحرمة بالردة غير متأبدة فإنها ترتفع بالاسلام، فيقع طلاقه عليها في العدة مستتبعا فائدته من حرمتها عليه بعد الثلاث حرمة مغياة بوطئ زوج آخر، بخلاف حرمة المحرمية فإنها متأبدة لا غاية لها فلا يفيد لحوق الطلاق فائدة ا ه.
قلت: وهذا إذا لم تلحق بدار الحرب.
ففي الخانية قبيل الكنايات: المرتد إذا لحق بدار الحرب فطلق امرأته لا يقع، وإن عاد مسلما وهي في العدة فطلقها يقع، والمرتد إذا لحقت فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض،
فعندهما يقع.
قوله: (فلا ينقص عددا) فلو ارتد مرارا وجدد الاسلام في كل مرة وجدد النكاح على قول أبي حنيفة تحل امرأته من غير إصابة زوج ثان.
بحر عن الخانية.
قوله: (بلا قضاء) أي بلا توقف على قضاء القاضي، وكذا بلا توقف على مضي عدة في المدخول بها كما في البحر.
قوله: (ولو حكما) أراد به الخلوة الصحيحة.
قوله: (كل مهرها) اطلقه فشمل ارتداده وارتدادها.
بحر.
قوله: (لتأكده) أي تأكد تمام المهر به: أي بالوطئ الحقيقي أو الحكمي.
قوله: (أو المتعة) أي إن لم يكن مسمى.
قوله: (لو ارتد) قيد في قوله: ولغيرها النصف الخ.
قوله: (وعليه نفقة العدة) أي لو مدخولا بها إذ غيرها لا عدة عليها.
وأفاد وجوب العدة سواء ارتد أو ارتدت بالحيض أو بالاشهر لو صغيرة أو آيسة أو بوضع الحتمل كما في البحر.
قوله: (ولا شئ من المهر) أي في غير المدخول بها لانها محل التفصيل بقوله: لو ارتد وقوله: لو ارتدت.
قوله: (والنفقة) قد علمت أن الكلام في غير المدخول بها، وهذه لا نفقة لها لعدم العدة لا لكون الردة منها، لكن المدخول بها كذلك لا نفقة لها لو ارتدت، ولذا قال في البحر: وحكم نفقة العدة كحكم المهر قبل الدخول، فإن كان هو المرتد فلها نفقة العدة، وإن ارتدت فلا نفقة لها.
قوله: (سوى السكنى) فلا تسقط سكنى المدخول بها في العدة لانها حق الشرع، بخلاف نفقة العدة، ولذا صح الخلع على النفقة دون السكنى، والظاهر أن هذا مفروض فيما لو أسلمت، وإلا فالمرتدة تحبس حتى تعود، وسيأتي أن المحبوسة كالخارجة بلا(3/212)
إذنه لا نفقة لها ولاسكنى.
قوله: (لو ارتدت) أطلقه فشمل الحرة والامة والصغيرة والكبيرة.
بحر.
قوله: (قبل تأكده) أي المهر فإنه يتأكد بالموت أو الدخول ولو حكما.
قوله: (ورثها زوجها استحسانا) هذا إذا ارتدت وهي مريضة ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب، بخلاف ردتها في الصحة، وبخلاف ما لو ارتد هو فإنها ترثه مطلقا إذا مات أو لحق وهي في العدة كما في الخانية من فصل المعتدة التي ترث، وسيذكره المصنف أيضا في طلاق المريض.
ووجهه أن ردته في معنى مرض الموت، لانه إن لم يسلم يقتل فيكون فارا فترثه مطلقا، أما المرأة فلا تقتل بالردة فلم تكن فارة إلا إذا كانت ردتها في المرض.
قوله: (وصرحوا بتعزيرها خمسة وسبعين) هو اختيار لقول أبي يوسف:
فإن نهاية تعزير الحر عنده خمسة وسبعون وعندهما تسعة وثلاثون.
قال في الحاوي القدسي: وبقول أبي يوسف: نأخذ.
قال في البحر: فعلى هذا المعتمد في نهاية التعزير قول أبي يوسف سواء كان في تعزير المرتدة أو لا.
قوله: (وتجبر) أي بالحبس إلى أن تسلم أو تموت.
قوله: (وعلى تجديد النكاح) فلكل قاض أن يجدده بمهر يسير ولو بدينار رضيت أم لا، وتمنع من التزوج بغيره بعد إسلامها.
ولا يخفى أن محله ما إذا طلب الزوج ذلك.
أما لو سكت أو تركه صريحا فإنها لا تجبر وتزوج من غيره، لانه ترك حقه.
بحر ونهر.
قوله: (زجرا لها) عبارة البحر: حسما لباب المعصية، والحيلة للخلاص منه ا ه.
ولا يلزم من هذا أن يكون الجبر على تجديد النكاح مقصورا على ما إذا ارتدت لاجل الخلاص منه، بل قالوا ذلك سدا لهذا الباب من أصله: سواء تعمدت الحيلة أم لا، كي لا تجعل ذلك حيلة.
قوله: (قال في النهر الخ) عبارته: ولا يخفى أن الافتاء بما اختاره بعض أئمة بلخ أولى من الافتاء في النوادر، ولقد شاهدنا من المشاق في تجديدها فضلا عن جبره بالضرب ونحوه ما لا يعد ولا يحد.
وقد كان بعض مشايخنا من علماء العجم ابتلى بامرأة تقع فيما يوجب الكفر كثيرا ثم تنكر وعن التجديد تأبى، ومن القواعد: المشقة تجلب التيسير، والله الميسر لكل عسير ا ه.
قلت: المشقة في التجديد لا تقتضي أن يكون قول أئمة بلخ أولى مما في النوادر بل أولى مما مر أن عليه الفتوى وهو قول البخاريين لان ما في النوادر: هو ما يأتي من أنها بالردة تسترق كامل قوله وقد بسطت أي رواية النوادر قوله: (والفتح) فيه أنه لميزد على قوله: ولا تسترق المرتدة ما دامت في دار الاسلام في ظاهر الرواية.
وفي روياة النوادر عن أبي حنيفة: تسترق ا ه.
ثم رأيت صاحب الفتح بسط ذلك في باب المرتد.
قوله: (وحاصلها الخ) قال في القنية بعد ما مر عن الفتح: ولو كان الزوج عالما استولى عليها بعد الردة تكون فيئا للمسلمين عند أبي حنيفة، ثم(3/213)
يشتريها من الامام أو يصرفها إليه إن كان مصرفا، فلو أفتى مفت بهذه الرواية حسما لهذا الامر لا بأس به ا ه.
قال في البحر: وهكذا في خزانة الفتاوى، ونقل قوله: فلو أفتى مفت الخ عن شمس
الائمة السرخسي ا ه.
قلت: ومقتضى قوله: ثم يشتريها الخ أنه إن كان مصرفا لا يملكها بمجرد الاستيلاء عليها، وقوله: تكون فيئا قال ط: ظاهره ولو أسلمت بعده لان إسلام الرقيق لا يخرجه عن الرق ا ه.
قوله: (ولو استولى عليها الزوج) فيه اختصار مخل.
وعبارة القنية بعد ما تقدم قلت: وفي زماننا بعد فتنة التتر العامة صارت هذه الولايات التي غلبوا عليها وأجروا أحكامهم فيها كخوارزم وما وراء النهر وخراسان ونحوها صارت دار الحرب في الظاهر، فلو استولى عليها الزوج بعد الردة يملكها ولا يحتاج إلى شرائها من الامام، فيفتى بحكم الرق حسما لكيد الجهلة ومكر المكرة على ما أشار إليه في السير الكبير ا ه.
فقوله: يملكها الخ مبني على ظاهر الرواية من أنها لاتسترق ما دامت في دار الاسلام، ولا حاجة إلى الافتاء برواية النوادر لما ذكره من صيرورة دارهم دار حرب في زمانهم فيملكها بمجرد الاستيلاء عليها لانها ليست في دار الاسلام، فافهم.
قوله: (وله بيعها الخ) ذكره في البحر بحثا أخذ من قول القنية: يملكها، واستشهد لقوله: ما لم تكن الخ بما في الخانية: لو لحقت أم الولد بعد ارتدادها بدار الحرب ثم سبيت وملكها الزوج يعود كونها أم ولده وأمومية الولد تتكرر بتكرار الملك ا ه.
قوله: (بالدرة) بالكسر: السوط، والجمع درر، مثل سدرة وسدر.
مصباح.
قوله: (والذراع) أل للجنس، والمناسب لما قبله الاذرع بالجمع ط.
قوله: (فقال) تأكيد، فقال الاول ط.
والداعي إليه طول الفاصل.
قوله: (كأنهن حربيات) أي فهن في مملوكات والرأس والذراع ليس بعورة من الرقيق.
ووجه الاخذ من قول عمر رضي الله تعالى عنه أنه إذا سقطت حرمة النائحة تسقط حرمة هؤلاء الكاشفات رؤوسهن في ممر الاجانب لما ظهر له من حالهن أنهن مستخفات مستهينات، وهذا سبب مسقط لحرمتهن، فافهم.
ثم اعلم أنه إذا وصلن إلى حال الكفر وصرن مرتدات فحكمهن ما مر من أنهن لا يملكن ما دمن في دار الاسلام على ظاهر الرواية.
وأما ما مر من أنه لا بأس من الافتاء بما في النوادر من جواز استرقاقهن، فذا بالنسبة إلى ردة الزوجة للضرورة لا مطلقا، إذ لا ضرورة في غير الزوجة إلى
الافتاء بالرواية الضعيفة، ولا يلزم من سقوط الحرمة وجواز النظر إليهن جواز تملكهن في دارنا، لان غايته أنهن صرن فيئا ولا يلزم من جواز النظر إليهن جواز الاستيلاء والتمتع بهن وطئا وغيره،(3/214)
لانه يجوز النظر إلى مملوكة الغير ولا يجوز وطؤها بلا عقد نكاح.
وبهذا ظهر غلط من ينسب نفسه إلى العلم في زماننا في زعمه الباطل: أن الزانيات اللاتي يظهرن في الاسواق بلا احتشام يجوز وطؤهن بحكم الاستيلاء، فإنه غلط قبيح يكاد أن يكون كفرا حيث يؤدي إلى استباحة الزنى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فرع: في البحر عن الخانية: غاب عن امرأته قبل الدخول بها فأخبره بردتها مخبر ولو مملوكا أو محدودا في قذف وهو ثقة عنده أو غير ثقة، لكن أكبر رأيه أنه صادق، له التزوج بأربع سواها، وإن أخبرت بردة زوجها لها التزوج بآخر بعد العدة في رواية الاستحسان.
قال السرخسي: وهي الاصح.
قوله: (إن ارتدا معا) المسألة مقيدة بما إذا لم يلحق أحدهما بدار الحرب، فإن لحق بانت وكأنه استغنى عنه بما قدمه من أن تباين الدارين سبب الفرقة.
نهر.
قوله: (بأن لم يعلم السبق) أما المعية الحقيقية فمتعذرة.
وما في البحر: هي ما لو علم أنهما ارتدا بكلمة واحد ففيه بعد ظاهر، نعم ارتدادهما معا بالفعل ممكن، بأن حملا مصحفا وألقياه في القاذورات أو سجدا للصنم معا.
نهر.
قوله: (كالغرقى) فإنه إذا لم يعلم سبق أحدهم بالموت ينزلون منزلة من ماتوا معا ولا يرث أحد منهم الآخر، فالتشبيه في أن الجهل بالسبق كحالة المعية ط.
قوله: (كذلك) أي معا بأن لم يعلم السبق.
قوله: (وفسد الخ) لان ردة أحدهما منافية للنكاح ابتداء، فكذا بقاء.
نهر.
وهذا تصريح بمفهوم قوله: ثم أسلما كذلك وسكت عن مفهوم قوله: إن ارتدا معا لانه تقدم في قوله: وارتداد أحدهما فسخ عاجل.
قوله: (قبل الآخر) وكذا لو بقي أحدهما مرتدا بالاولى نهر.
قوله: (قبل الدخول) أما بعده لها المهر في الوجهين، لان المهر يتقرر بالدخول دينا في ذمة الزوج والديون لا تسقط بالردة.
فتح.
قوله: (لو المتأخر هي) لمجئ الفرقة من قبلها بسبب تأخرها.
قوله: (فنصفه) أي عند التسمية أو متعة عند عدمها.
مطلب: الولد يتبع خير الابوين دينا قوله: (والولد يتبع خير الابوين دينا) هذا يتصور من الطرفين في الاسلام العارض، بأن كانا كافرين فأسلم أو أسلمت ثم جاءت بولد قبل العرض على الآخر، والتفريق أو بعده في مدة يثبت النسب في مثلها أو كان بينهما ولد صغير قبل إسلام أحدهما فإنه بإسلام أحدهما يصير الولد مسلما.
وأما في الاسلام الاصلي فلا يتصور إلا أن تكون الام كتابية والاب مسلما.
فتح ونهر.
تنبيه: يشعر التعبير بالابوين ولد الزنى.
ورأيت في فتاوى الشهاب الشلبي قال: واقعة الفتون في زماننا: مسلم زنى بنصرانية فأتت بولد فهل يكون مسلما؟ أجاب بعض الشافعية بعدمه وبعضهم بإسلامه.
وذكر أن السبكي نص عليه وهو غير ظاهر، فإن الشارع قطع نسب ولد الزنى، وبنته من الزنى تحل له عندهم فكيف يكون مسلما؟ وأفتى قاضي القضاة الحنبلي بإسلامه أيضا، وتوقفت عن الكتابة، فإنه وإن كان مقطوع النسب عن أبيه حتى لا يرثه فقد صرحوا عندنا بأن بنته من الزنى لا(3/215)
تحل له، وبأنه لا يدفع زكاته لابنه من الزنى، ولا تقبل شهادته له، والذي يقوى عندي أنه لا يحكم بإسلامه على مقتضى مذهبنا، وإنما أثبتوا الاحكام المذكورة احتياطا نظر لحقيقة الجزئية بينهما ا ه.
قلت: يظهر لي الحكم بالاسلام للحديث الصحيح كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو يينصرانه فإنهم قالوا: إنه جعل اتفاقهما ناقلا له عن الفطرة، فإذا لم يتفقا بقي على أصل الفطرة أو على ما هو أقرب إليها، حتى لو كان أحدهما مجوسيا والآخر كتابيا فهو كتابي كما يأتي، وهنا ليس له أبوان متفقان فيبقى على الفطرة، ولانهم قالوا: إن إلحاقه بالمسلم منهما أو بالكتابي أنفع له، ولا شك أن النظر لحقيقة الجزئية أنفع له.
وأيضا حيث نظروا للجزئية في تلك المسائل احتياطا فلينظر إليها هنا احتياطا أيضا، فإن الاحتياط بالدين أولى، ولان الكفر أقبح القبيح فلا ينبغي الحكم به على شخص بدون أمر صريح، ولانهم قالوا في حرمة بنته من الزنى: إن الشرع قطع النسبة إلى الزاني لما فيها من إشاعة الفاحشة، فلم يثبت النفقة والارث لذلك، وهذا لا ينفي النسبة الحقيقية، لان الحقائق لا مرد لها، فمن ادعى أنه لا بد من النسبة
الشرعية فعليه البيان.
تتمة: ذكر الاسروشني في سير أحكام الصغار أن الولد لا يصير مسلما بإسلام جده ولو أبوه ميتا، وأن هذه من المسائل التي ليس فيها الجد كالاب، لانه لو كان تابعا له لكان تابعا لجد الجد وهكذا، فيؤدي إلى أن يكون الناس مسلمين بإسلام إدم عليه السلام.
وفيه أيضا الصغير تبع لابويه أو أحدهما في الدين، فإن انعدما فلذي اليد، فإن عدمت فللدار، ويستوي فيما قلنا أن يكون عاقلا أو غير عاقل لانه قبل البلوغ تبع لابويه في الدين ما لم يصف الاسلام ا ه.
فأفاد أن التبعية لا تنقطع إلا بالبلوغ أو بالاسلام بنفسه، وبه صرح في البحر والمنح من باب الجنائز.
وذكر أيضا المحقق ابن أمير حاج في شرح التحرير عن شرح الجامع الصغير لفخر الاسلام أنه لا فرق في الصغير بين أن يعقل أو لا، وأنه نص عليه في الجامع الكبير وشرحه.
قلت: وفي شرح السير الكبير للامام السرخسي قال بعد كلام ما نصه: وبهذا تبين خطأ من يقول من أصحابنا إن الذي يعبر عن نفسه لا يصير مسلما تبعا لابويه، فقد نص ها هنا على أنه يصير مسلما ا ه.
وذكر قبله أيضا أن التبعية تنقطع ببلوغه عاقلا ا ه: أي فلو بلغ مجنونا تبقى التبعية، فقد تبين لك أن ما في القهستاني من أن المراد بالولد هنا الطفل الذي لا يعقل الاسلام خطأ، كما سمعته من عبارة السرخسي، وإن أفتى به الشهاب الشلبي لمخالفته لما نص عليه الامام محمد في الجامع الكبير والسير الكبير، ولما صرح به في هذه الكب، ولاطلاق المتون أيضا، فافهم.
قوله: (ولو حكما) أي سواء كان الاتحاد حقيقة أو حكما، كأن يكون خير الابوين مع الولد في دار الاسلام أو في دار الحرب، أو كان حكما فقط كما مثل به الشارح.
واحترز عن اختلافهما حقيقة وحكما بأن كان الاب في دارنا والصغير ثمة، وإليه أشار بقوله: بخلاف العكس ا ه ح.
قلت: وما في الفتح من جعله حكم العكس كما قبله قال في البحر: إنه سهو.
قوله: (والمجوسي شر من الكتابي) قال في النهر: أردف هذه الجملة لبيان أن أحد الابوين لو كان كتابيا والآخر مجوسيا كان الولد كتابيا نظرا له في الدنيا لاقترابه من المسلمين بالاحكام من حل الذبيحة والمناكحة، وفي الآخرة من نقصان العقاب، كذا في الفتح: يعني أن الاصل بقاؤه بعد البلوغ على ما كان عليه، وإلا فأطفال المشركين(3/216)
في الجنة، وتوقف فيهم الامام كما مر، ولم يدخله في حيز الجملة الاولى تحامياعما وقع في بعض العبارات من إطلاق الخير على الكتابي، بل الشر ثابت فيه غير أن المجوسي شر ا ه.
وعلى هذا فقوله: والولد يتبع خير الابوين دينا المراد به دين الاسلام فقط لئلا تتكرر الجملة الثانية، فإنه ليس المراد منها مجرد بيان أن المجوسي شر من الكتابي، إذ لا دخل له في بحثه، بل المراد بيان لازمه المقصود هنا وهو تبعية الولد لاحفظهما شرا فتحل مناكحته وذبيحته، وإنما لم يكتف عنها بالجملة الاولى بأن يراد بالدين الاعم تحاميا عن إطلاق الخيرية على غير دين الاسلام، فافهم.
قوله: (وسائر أهل الشرك ممن لا دين له سماويا).
قوله: (والنصراني شر من اليهودي) كذا نقله في البحر عن البزازية والخبازية.
ونقل عن الخلاصة عكسه، ثم قال: إنه يلزم على الاول كون الولد المتولد من يهودية ونصراني أو عكسه تبعا لليهودي لا النصراني ا ه: أي وليس بالواقع.
نهر.
قلت: بل مقتضى كلام البحر أنه الواقع لانه قال: إن فائدته خفة العقوبة في الآخرة، وكذا في الدنيا، لما في أضحية الولوالجية: يكره الاكل من طعام المجوسي والنصراني، لان المجوسي يطبخ المنخنقة والموقوذة والمتردية، والنصراني لا ذبيحة له، وإنما يأكل ذبيحة المسلم أو يخنق، ولا بأس بطعام اليهودي لانه لا يأكل إلا من ذبيحة اليهودي أو المسلم ا ه: فعلم أن النصراني شر من اليهودي في أحكام الدنيا أيضا ا ه كلام البحر.
قوله: (لانه لا ذبيحة له) أي لا يذبح بدليل قوله: بل يخنق وليس المراد أنه لو ذبح لا تؤكل ذبيحته لمنافاته لا تقدم أول كتاب النكاح من حل ذبيحته ولو قال المسيح ابن الله ح.
قوله: (أشد عذابا) لان نزاع النصارى في الالهيات ونزاع اليهود في النبوات، وقوله تعالى: * (وقالت اليهود عزير ابن الله) * (سورة التوبة: الآية 30) كلام طائفة منهم قليلة كما صرح به في التفسير، وقوله تعالى: * (لتجدن أشد الناس عداوة) * (سورة المائدة: الآية 28) الآية لا يرد لان البحث في قوة الكفر وشدته لا في قوة العداوة وضعفها ا ه.
بزازية.
قوله: (كفر الخ) قال في البحر: هذا يقتضي أنه لو قال: الكتابي خير من المجوسي يكفر، مع أن هذه العبارة وقعت في المحيط وغيره، إلا أن يقال بالفرق، وهو الظاهر لانه لا خيرية لاحدى الملتين: أي اليهودية والنصرانية على الاخرى
في أحكام الدنيا والآخرة، بخلاف الكتابي بالنسبة إلى المجوسي للفرقة بين أحكامهما في الدنيا والآخرة ا ه.
قلت: وهذا كلام غير محرر.
وأما أولا فلانه مخالف لما حرره من أن النصراني شر من اليهودي في الدنيا والآخرة كما تقدم، وأما ثانيا فلان علة الاكفار هي إثبات الخير لما قبح قطعا لا لعدم خيرية إحدى الملتين على الاخرى لانه لو كانت العلة هذه لم يلزم الاكفار، وحينئذ فالقول بأن النصرانية خير من اليهودية مثل القول بأن الكتابي خير من المجوسي، لان فيه إثبات الخيرية له مع أنه لا خير فيه قطعا وإن كان أقل شرا، فالظاهر عدم الفرق بين العبارتين، وأن ما في المحيط وغيره دليل على أنه لا يكفر بذلك، ولعل وجهه أن لفظ خير قد يراد به ما هو أقل ضررا كما يقال في المثل: (الرمد خير من العمى) وكقول الشاعر: ولكن قتل الحر خير من الاسر(3/217)
ثم رأيت في آخر المصباح أن العلماء قد يقولون هذا أصح من هذا، ومرادهم أنه أقل ضعفا، ولا يريدون أنه صحيح في نفسه ا ه.
وهذا عين ما قلته، ولله الحمد حينئذ.
فالقول بالاكفار مبني على إرادة ثبوت الخيرية سواء استعمل أفعل التفضيل على بابه، أو أريد أصل الفعل كما في أي الفريقين خير والقول بعدمه مبني على ما قلنا، والله أعلم.
قوله: (لكن ورد في السنة الخ) يوهم أن هذا حديث وليس كذلك.
وعبارة البزازية والمذكور في كتب أهل السنة الخ.
ووجه الاستدراك أن تعبير علماء أهل السنة والجماعة بذلك دليل على جواز القول بأن النصرانية خير من اليهودية، وبأن الكتابي خير من المجوسي، لان فيه إثبات أسعدية المجوس وخيريتهم على المعتزلة.
قال في البزازية: أجيب عنه بأن المنهى عنه هو كونهم خيرا من كذا مطلقا، لا كونهم أسعد حالا بمعنى أقل مكابرة وأدنى إثباتا للشرك، إذ يجوز أن يقال: كفر بعضهم أخف من بعض، وعذاب بعض أدنى من بعض وأهون، أو الحال بمعنى الوصف كذا قيل ولا يتم ا ه: أي لا يتم هذا الجواب لانه إذا صح تأويل هذا بما ذكر صح تأويل ذاك بمثله، وكون أسعد مسندا إلى الحال لانه فاعل معنى، أو كون
الحال بمعنى الوصف لا يفيد.
قال في النهر: لكن مقتضى ما مر عن جامع الفصولين القول بالكفر في الصورتين، وهو الموافق للتعليل الاول، وكأنه الذي عليه المعول ا ه.
وفيه أن ما مر عن الفصولين مع تعليله هو محل النزاع، فالتحرير أن في المسألة قولين، وأن الذي عليه المعول الجواز لما سمعت من وقوعه في كلامهم.
قوله: (خالقين) هما النور المسمى يزدان، والظلمة المسماة أهر من ح.
قوله: (خالقا لا عدد له) أي حيث قالوا: إن الحيوان يخلق أفعاله الاختيارية ح.
قلت: وتكفير أهل الاهواء فيه كلام، والمعتمد خلافه كما سيأتي بسطه إن شاء الله تعالى في البغاة.
قوله: (بانت) أي إن تمجست الام أيضا، ولا حاجة إلى هذه الزيادة مع هذا الايهام، والاحسن إبقاء المتن على حاله.
وأظن أن الشارح زاد ألفا في قول المتن أبو صغيرة فصار أبوا بلفظ التثنية فأسقطها النساخ، فلتراجع النسخ.
وذكر ط عن الهندية أن مثل الصغيرة ما إذا بلغت معتوهة لبقائها تابعة للابوين في الدين، لانه ليس للمعتوهة إسلام بنفسها حقيقة فكانت بمنزلة الصغيرة من هذا الوجه.
قوله: (بلا مهر) أي إن لم يدخل بها ح.
قوله: (مثلا) راجع إلى قوله: ماتت أي إن الموت غير قيد، أو إلى قوله: نصرانية أي أو يهودية.
قوله: (وكذا عكسه) بأن تمجست أمها بعد أن مات أبوها نصرانيا ح.
قوله: (لتناهي التبعية) أي انتهاء تبعية الولد للابوين.
قوله: (بموت أحدهما ذميا الخ) أي إذا مات أحد الكتابين ذميا أو مسلما ثم تمجس الباقي منهما لا يتبعه الولد، وكذا لو مات أحدهما مرتدا، لان حكم المرتد الجبر على الاسلام فله حكم المسلم، حتى إن كسب إسلامه يرثه وارثه المسلم فهو أقرب إلى الاسلام من الكتابي وغيره.
قال في قوله: (البحر): ولو مات أحد الابوين في دارنا مسلما أو مرتدا ثم ارتد الآخر ولحق بها ثم بدار الحرب لم تبن ويصلي عليها إذا ماتت، لان التبعية حكم تناهى بالموت مسلما، وكذا بالموت مرتدا لان أحكام الاسلام قائمة.
قوله: (فلم تبطل) أي التبعية(3/218)
بكفر الآخر.
قال ط: والاولى أن يقول: يتمجس الآخر لانه كان أولا كافرا، غاية الامر أنه انتقل إلى حالة من الكفر شر من التي كان عليها.
بقي أن يقال: إن التبعية إنما تناهت وانقطعت عمن بقي
من الوالدين بتمجسه لا بموت أحدهما، لانه لو أسلم من بقي تبعته ابنته ا ه.
والجواب أن المراد انقطاع التبعية عن الباقي منهما إذا انتقل إلى حالة دون التي كان عليها، لما تقرر أن الولد إنما يتبع خير الابوين دينا أو أخفهما شرا، فالمراد بالتبعية المتناهية هذه، فافهم.
قوله: (لم تبن) لان البنت مسلمة تبعا لهما وتبعا للدار.
بحر.
قوله: (ما لم يلحقا) أي بالبنت، فإن لحقا بها بدار الحرب بانت لانقطاع حكم الدار.
بحر.
أي بانت من زوجها لتباين الدارين ولانها صارت مرتدة تبعا لهما.
قال في شرح تلخيص الجامع الكبير: وهذا بخلاف ما إذا كانت الصغيرة تعقل وتعبر عن نفسها حيث لا تبين وإن لحقا بها، إلا إذا ارتدت بنفسها فحينئذ تبين عندهما، خلافا لابي يوسف ا ه.
فتأمله مع ما قدمنا من أن التبعية لا تنقطع قبل البلوغ، وقيدنا بلحاقهما بالبنت لانه إذا لحقا وتركاها فإنها لا تبين كما قدمناه عن شرح التحرير.
قال في النهر: في الفرق بين ما لو تمجسا أو ارتدا.
تأمل فتدبر ا ه.
قلت: الفرق ظاهر: وهو أن البنت بارتداد أبويها المسلمين تبقى مسلمة تبعا لهما وللدار، لان المرتد مسلم حكما لجبره على الاسلام، فلذا لم تبن من زوجها ما لم يلحقا بها للتباين وانقطاع ولاية الجبر، بخلاف تمجس أبويها النصرانيين لانها تتبعهما في التمجس لعدم جبرهما على العود إلى النصرانية فصار كارتداد المسلمين مع لحاقهما، ولا يمكن تبعيتها للدار مع بقاء تبعية الابوين فلذا بانت من زوجها، فتدبر.
قوله: (لم تبن مطلقا) أي سواء لحقا بها أو لا، لانها مسلمة أصالة لا تبعا، وكذلك الصبية العاقلة أسلمت ثم جنت لانها صارت أصلا في الاسلام.
بحر عن المحيط.
قوله: (فتمجسا) أي المسلم وزوجته النصرانية معا، وقوله: أو تنصرا صوابه: أو تهودا، لان موضوع المسألة أن الزوجة نصرانية.
قال في النهر: قيد بالردة لان المسلم لو كان تحته نصرانية فتهود وقعت الفرقة بينهما اتفاقا.
واختلف الشيخان فيما لو تمجسا.
قال أبو يوسف: تقع.
وقال محمد: لا تقع.
لابي يوسف أن الزوج لا يقر على ذلك والمرأة تقر، فصار كردة الزوج وحده.
وفرق محمد بأن المجوسية لا تحل للمسلم فأحدثها كالارتداد ا ه: أي فكأنهما ارتدا معا.
ثم الذي في البحر عن المحيط تأخير تعليل أبي يوسف وظاهره اعتماده، وهو ظاهر قوله في الفتح أيضا: تقع الفرقة عند أبي يوسف خلافا
لمحمد، فلذا جزم به الشارح.
قوله: (مطلقا) أي مسلما أو كافرا أو مرتدا، وهو تأكيد لما فهم من النكرة في النفي ح.
قوله: (وخيره محمد) أي خير محمد هذا الذي أسلم في اختيار الاربع مطلقا: أي أربع نسوة: أي أربع كانت، وخيره أيضا في اختيار أي الاختين شاء والبنت: أي يختار البنت في هذه(3/219)
الصورة لا الام أو يتركهما جميعا، لانه روى أن غيلان الديلمي أسلم وتحته عشر نسوة أسلمن معه، فخيره النبي (ص) فاختار أربعا منهن (وكذا فيروز الديلمي أسلم وتحته أختان فخيره فاختار إحداهما وأنما يختار البنت لان نكاحها أمنع في نكاح الام من نكاح الام لها.
ولهما أن هذه الانكحة فاسدة، لكن لا نتعرض لهم لانا أمرنا بتركهم وما يدينون، فإذا أسلموا يجب التعرض، وتخيير غيلان وفيروز كان في التزوج بعد الفرقة.
ح عن المنح.
وقوله في التزوج بعد الفرقة: أي التزوج بعقد جديد، وما ذكره في نكاح البنت إنما هو إذا لم يدخل بواحدة منهما، فإن دخل بإحداهما ثم تزوج الثانية فنكاحها باطل، لان الدخول محرم سواء كان بالام أو البنت، وإن دخل بالثانية فقط، فإن كانت الام بطل نكاحهما جميعا اتفاقا، لان نكاح البنت يحرم الام، والدخول بالام يحرم البنت، وإن كانت البنت فكذلك عندهما، لا أن له تزوج البنت دون الام.
وعند محمد: نكاح البنت هو الجائز قد دخل بها وهي امرأته، ونكاح الام باطل، كذا في البدائع.
قوله: (بلغت المسلمة) سماها مسلمة باعتبار ما كان لها قبل البلوغ من الحكم بالاسلام تبعا للابوين، ولذا قيل سماها محمد مرتدة، وقوله: بانت أي من زوجها لانها لم يبق لها دين الابوين لزوال التبعية بالبلوغ، وليس لها دين نفسها فكانت كافرة لا ملة لها كذا في شرح التلخيص.
قوله: (وتمامه في الكافي) حيث قال: مسلم تزوج صغيرة نصرانية ولها أبوان نصرانيان فكبرت وهي لا تعقل دينا من الاديان ولا تصفه وهي غير معتوهة فإنها تبين من زوجها، وكذلك الصغيرة المسلمة إذا بلغت عاقلة وهي لا تعقل الاسلام ولا تصفه وهي غير معتوهة بانت من زوجها، كذا في المحيط.
ولا مهر لها قبل الدخول وبعده يجب المسمى ويجب أن يذكر الله تعالى بجميع صفاته عندهما ويقال لها: أهو كذلك؟ فإن قالت نعم حكم بإسلامها، وإن قالت أعرفه وأقدر على وصفه ولا أصفه بانت، ولو
قالت لا أقدر على وصفه اختلف فيه، ولو عقلت الاسلام ولم تصفه لم تبن، وإن وصفت المجوسية بانت عندهما خلافا لابي يوسف، وهي مسألة ارتداد الصبي ط.
وقوله ولو عقلت الاسلام: أي قبل البلوغ محترز قوله: بلغت وإنما لم تبن، لانها مسلمة تبعا لابويها قبل البلوغ كما في شرح التلخيص، وبه استدل على نفي وجوب أداء الايمان على الصبي، وتمامه في أول الفصل الثاني من شرح التحرير.
وفي سير أحكام الصغار أن قوله يعقل الاسلام: يعني صفة الاسلام يدل على أن من قال: لا إله إلا الله لا يكون مسلما حتى يعلم صفة الايمان، وكذلك إذ اشترى جارية واستوصفها الاسلام فلم تعلم لا تكون مؤمنة.
وصفة الايمان ما ذكره في حديث جبريل عليه السلام أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره من الله تعالى ا ه.(3/220)
وقدمنا في الجنائز مثله عن الفتح، والله أعلم.
باب القسم قوله: (القسمة) في المغرب: القسم بالفتح مصدر قسم القسام المال بين الشركاء: فرقه بينهم وعين أنصباءهم، ومنه القسم بين النساء ا ه: أي لانه يقسمك بينهن البيتوتة ونحوها.
وفي المصباح: قسمته قسما من باب ضرب، والاسم القسم بالكسر، ثم أطلق على الحصة والنصيب فيقال هذا قسمي والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.
واقتسموا المال بينهم والاسم القسمة، وأطلقت على النصيب أيضا وجمعها قسم مثل سدرة وسدر.
ويجب القسم بين النساء ا ه.
فعلم أن القسم هنا مصدر على أصله، ويصح أن يراد به القسمة: أي الاقتسام أو النصيب.
تأمل.
قوله: (وظاهر الآية أنه فرض) فإن قوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) * (سورة النساء: الآية 3) أمر بالاقتصار على الواحدة عند خوف الجور، فيحتمل أنه للوجوب، فيعلم إيجاب العدل عند تعددهن كما قاله في الفتح أو للندب، ويعلم إيجاب العدل من حيث إنه إنما يخاف على ترك الواجب كما في البدائع، وعلى كل فقد دلت الآية على إيجابه.
تأمل.
قوله: (أي أن لا يجوز) أشار به إلى التخلص عما اعترض به على الهداية
حيث قال: وإذا كان للرجل امرأتان حرتان فعليه أن يعدل بينهما، فإنه يفهم أنه لا يجب بين الحرة والامة.
وأجاب في الفتح بأن معنى العدل هنا التسوية، لا ضد الجور، فإذا كانتا حرتين أو آمتين فعليه التسوية بينهما وإن كانتا حرة وأمة فلا يعدل بينهما: أي لا يسوي بل يعدل بمعنى لا يجور، وهو أن يقسم للحرة ضعف الامة فالايهام نشأ من اشتراك اللفظ ا ه.
ولكن لما لم يفيد المصنف هنا بحرة ولا غيرها ناسب أن يفسر كلامه بعدم الجور: أي عدم الميل عن الواجب عليه من تسوية وضدها، فيشمل التسوية بين الحرتين أو الامتين وعدمها بين الحرة والامة وكذا في النفقة لعدم لزوم التسوية فيها مطلقة كما يأتي قوله: (بالتسوية في البيتوتة) الاولى حذف قوله: بالتسوية لانها لا تجب بين الحرة والامة كما علمت بل يجب عدمها.
وقد يجاب بأن المراد التسوية إثباتا أو نفيا: أي يجب أن لا يجوز باثباتها بين الحرة والامة وبنفيها بين الحرتين وبين الامتين، ولم يذكر الاقامة في النهار لانها تجب في الجملة بلا تقدير كما سيأتي.
قوله: (وفي الملبوس والمأكول) أي والسكنى، ولو عبر بالنفقة لشمل الكل.
ثم إن هذا معطوف على قوله فيه وضميره للقسم المراد به البيتوتة فقط بقرينة العطف، وقد علمت إن العدل في كلامه بمعنى عدم الجور لا بمعنى التسوية، فإنها لا تلزم في النفقة مطلقا.
قال في البحر: قال في البدائع: يجب عليه التسوية بين الحرتين والامتين في المأكول والمشروب والملبوس والسكنى والبيتوتة، وهكذا ذكر الولوالجي.
والحق أنه على قول من اعتبر حال الرجل وحده في النفقة.
وأما على القول المفتى به من اعتيار حالهما فلا، فإنه إحداهما قد تكون غنية والاخرى فقيرة، فلا يلزم التسوية بينهما مطلقا في النفقة ا ه.
وبه ظهر أنه لا حاجة إلى ما ذكره المصنف في المنح من جعله ما في المتن مبنيا على(3/221)
اعتبار حاله.
قوله: (والصحبة) كان المناسب ذكره عقب قوله في: البيتوتة لان الصحبة: أي المعاشرة والمؤانسة ثمرة البيتوته.
ففي الخانية: ومما يجب على الازواج للنساء: العدل والتسوية بينهن فيما يملكه، والبيتوتة
عندهما للصحبة، والمؤانسة فيما لا يملكه وهو الحب والجماع.
قوله: (لا في المجامعة) لانها تبتني على النشاط، ولا خلاف فيه.
قال بعض أهل العلم: إن تركه لعدم الداعية والانتشار عذر، وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته.
فتح.
وكأنه مذهب الغير، ولذا لم يذكره في البحر والنهر.
تأمل.
قوله: بل يستحب) أي ما ذكر من المجامعة ح.
أما المحبة فهي ميل القلب وهو لا يملك قال في الفتح: والمستحب أن يسوى بينهن في جميع الاستمتاعات من الوطئ والقبلة، وكذا بين الجواري وأمهات الاولاد ليحصنهن عن الاشتهاء للزنى والميل إلى الفاحشة، ولا يجب شئ لانه تعالى قال: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * (سورة النساء: الآية 3) فأفاد أن العدل بينهن ليس واجبا.
قوله: ويسقط حقها بمرة) قال في الفتح: واعلم أن ترك جماعها مطلقا لا يحل له، صرح أصحابنا بأن جماعها أحيانا واجب ديانة، لكن لا يدخل تحت القضاء والالزام إلا الوطأة الاولى ولم يقدروا فيه مدة.
ويجب أن لا يبلغ به مدة الايلاء إلا برضاها وطيب نفسها به ا ه.
قال في النهر: في هذا الكلام تصريح بأن الجماع بعد المرة حقه لا حقها ا ه.
قلت: فيه نظر، بل هو حقه وحقها أيضا، لما علمت من أنه واجب ديانة.
قال في البحر: وحيث علم أن الوطئ لا يدخل تحت القسم فهل هو واجب للزوجة؟ وفي البدائع: لها أن تطالبه بالوطئ لان حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب عليه ويجبر عليه في الحكم مرة، والزيادة تجب ديانة لا في الحكم عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم: عليه في الحكم اه.
وبه علم أنه كان على الشارح أن يقول: ويسقط حقها بمرة في القضاء: أي لانه لو لم يصبها مرة يؤجله القاضي سنة ثم يفسخ العقد.
أما لو أصابها مرة واحدة لم يتعرض له، لانه علم أنه غير عنين وقت العقد، بل يأمره بالزيادة أحيانا لوجوبها عليه إلا لعذر ومرض أو عنة عارضة أو نحو ذلك، وسيأتي في باب الظهار أن على القاضي إلزام المظاهر بالتكفير دفعا لضرر عنها بحبس أو
ضرب إلى أن يكفر أو يطلق، وهذا ربما يؤيد القول المار بأنه تجب الزيادة عليه في الحكم، فتأمل.
قوله: (ولا يبلغ مدة الايلاء) تقدم عن الفتح التعبير بقوله: ويجب أن لا يبلغ الخ.
وظاهره أنه منقول، لكن ذكر قبله في مقدار الدور أنه لا ينبغي أن يطلق له مقدار مدة الايلاء وهو أربعة أشهر، فهذا بحث منه كما سيذكره الشارح، فالظاهر أن ما هنا مبني على هذا البحث.
تأمل.
ثم قوله: وهو أربعة أشهر يفيد أن المراد إيلاء الحرة، ويؤيد ذلك أن عمر رضي الله عنه لما سمع في الليل(3/222)
امرأة تقول: فو الله لولا الله تخشى عواقبه لزحزح من هذا السرير جوانبه فقالت: أربعة أشهر، فأمر أمراء الاجناد أن لا يتخلف المتزوج عن أهله أكثر منها، ولو لم يكن في هذه الزيادة مضارة بها لما شرع الله تعالى الفراق بالايلاء فيها.
قوله: (ويؤمر المتعبد الخ) في الفتح: فأما إذا لم يكن له إلا امرأة واحدة فتشاغل عنها بالعبادة أو السراري اختار الطحاوي رواية الحسن عن أبي حنيفة أن لها يوما وليلة من كل أربع ليال وباقيها له، لان له أن يسقط حقها في الثلاث بتزوج ثلاث حرائر، وإن كانت الزوجة أمة فلها يوم وليلة في كل سبع.
وظاهر المذهب أن لا يتعين مقدار، لان القسم معنى نسبي، وإيجابه طلب إيجاده وهو يتوقف على وجود المنتسبين فلا يطلب قبل تصوره، بل يؤمر أن يبيت معها ويصحبها أحيانا من غير توقيت اه.
ونقل في النهر عن البدائع أن ما رواه الحسن هو قول الامام أولا، ثم رجع عنه وأنه ليس بشئ.
قوله: (وسبع لامة) لان له أن يتزوج عليها ثلاث حرائر فيقسم لهن ستة أيام ولها يوم.
قوله: (نهر بحثا) حيث قال: ومقتضى النظر أنه لا يجوز له أن يزيد على قدر طاقتها، أما تعيين المقدار فلم أقف عليه لائمتنا، نعم في كتب المالكية خلاف: فقيل يقضي عليهما بأربع في الليل وأربع في النهار، وقيل بأربع فيهما.
وعن أنس بن مالك: عشر مرات فيهما.
وفي دقائق ابن فرحون بأثني عشر مرة.
وعندي أن الرأي فيه للقاضي، فيقضي بما يغلب على ظنه أنها تطيقه اه.
قال الحموي عقبه: وأقول: ينبغي أن يسألها القاضي عما تطيق، ويكون القول لها بيمينها لانه لا يعلم إلا منها، وهذا طبق القواعد، وأما كونه منوطا بظن القاضي فهو إن لم يكن صحيحا فبعيد.
هذا، وقد صرح ابن مجد أن في تأسيس النظائر وغيره أنه إذا لم يوجد نص في حكم من كتب أصحابنا يرجع إلى مذهب مالك.
وأقول: لم أر حكم ما لو تضررت من عظم آلته بغلظ أو طول وهي واقعة الفتوى اه.
أقول: ما نقله عن ابن مجد غير مشهور، ولم أر من ذكره غيره، نعم ذكر في الدرر المنتقى في باب الرجعة عن القهستاني عن ديباجة المصفى أن بعض أصحابنا مال إلى أقواله ضرورة.
هذا، وقد صرحوا عندنا بأن الزوجة إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطئ لا تسلم إلى الزوج حتى تطيقه.
والصحيح أنه غير مقدر بالسن، بل يفوض إلى القاضي بالنظر إليها من سمن أو هزال.
وقدمنا عن التاتر خانية أن البالغة إذا كانت لا تحتمل لا يؤمر بدفعها إلى الزوج أيضا، فقوله: لا تحتمل يشمل ما لو كان لضعفها أو هزالها أو لكبر آلته.
وفي الاشباه من أحكام غيبوبة الحشفة فيما يحرم على الزوج وطئ زوجته مع بقاء النكاح، قال: وفيما إذا كانت لا تحتمله لصغر أو مرض أو سمنة اه.
وربما يفهم من سمنه عظم آلته.
وحرر الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية أنه لو جامع زوجته فماتت أو صارت مفضاة، فإن كانت صغير أو مكرهة أو لا تطيق تلزمه الدية اتفاقا.
فعلم من هذا كله أنه لا يحل له وطؤها بما يؤدي إلى إضرارها، فيقتصر على ما تطيق منه عددا(3/223)
بنظر القاضي أو إخبار النساء، وإن لم يعلم بذلك فبقولها، وكذا في غلظ الآلة، ويؤمر في طولها بإدخال قدر ما تطيقه منها أو بقدر آلة رجل معتدل الخلقة، والله تعالى أعلم.
قوله: (بلا فرق الخ) لانه حيث علم أن وجوب القسم إنما للصحبة والمؤانسة دون المجامعة، فلا فرق بين زوج وزوج.
بحر.
قوله: (ومريض) قال في البحر: ولم أر كيفية قسمه في مرضه، حيث كان لا يقدر على التحول إلى بيت الاخرى، والظاهر أن المراد أنه إذا صح ذهب عند الاخرى بقدر ما أقام عند الاولى مريضا اه.
ولا يخفى أنه إذا كان الاختيار في مقدار الدور إليه حال صحته ففي مرضه أولى، فإذا مكث
عند الاولى مدة أقام عند الثانية بقدرها.
نهر.
قلت: وهذا إذا أراد أن يجعل مدة إقامته دورا حتى لا ينافي ما يأتي من أنه لو أقام عند إحداهما شهرا هدر ما مضى.
قوله: (وصبي دخل بامرأته) الذي في البحر وغيره بامرأتيه بالتثنية.
قال في البحر: لان وجوبه لحق النساء، وحقوق البعاد تتوجه على الصبيان عند تقرر السبب.
وفي الفتح: وقال مالك: ويدور ولي الصبي به على نسائه، وظاهره أنه لم يطلع على شئ عندنا، وينبغي أن يأثم الولي إذا لم يأمره بذلك ولم يدر به اه.
قال الخير الرملي: وقيد في الخانية الصبي بالمراهق فلا قسم على غيره، وليس بقيد بل المميز الممكن وطؤه كذلك اه.
قوله: (وبالغ لم يدخل) ومثله ما لو دخل بالاولى ح.
قوله: (بحر بحثا) راجع إلى قوله: بالغ لم يدخل قال في البحر: وفي المحيط وإن لم يدخل الصغير بها فلا فائدة في كونه معها اه.
وظاهره أن القسم على البالغ لغير المدخول بها، لان في كونه معها فائدة، ولذا إنما قيدوا بالدخول في امرأة الصبي اه.
قلت: يظهر لي أن دخول الصبي غير قيد، وإنما المراد به الذي بلغ سن الدخول وحصول الصحبة والاستئناس به، ولذا لم يقيد في الخانية بالدخول، بل قال: والمراهق والبالغ في القسم سواء، فقوله في المحيط: وإن لم يدخل: أي لم يبلغ هذا السن، بقرينة قوله فلا فائدة في كونه معها، إذ لا شك أن لها فائدة في كون المراهق معها من الاستئناس به والعشرة معه زيادة على ما إذا كانت وحدها.
وحينئذ فلا فرق بين المراهق والبالغ في وجوب القسم كما هو صريح عبارة الخانية، وهو شامل لما بعد الدخول وقبله، لان سبب وجوبه عقد النكاح كما في البدائع، فإذا وجب عليه نفقتها قبل الدخول وجب عليه القسم في البيتوتة معها ما لم ترض بالاقامة في بيت أهلها لاصلاح شأنها، وإلا فهو ظالم لها.
قوله: (ومجنونة لا تخاف) بضم التاء: أي لا يخاف منها الزوج، بأن كانت لا تضرب ولا تؤذي، لانها حينئذ تجب عليه نفقتها وسكناها، وإلا فهي في حكم الناشزة.
قوله: (يمكن وطؤها) عبر عنها في الخانية وغيرها بالمراهقة.
قال الخير الرملي في حاشية المنح: بخلاف ما لا يمكن وطؤها فإنه لا حق لها، فاعلم ذلك ولا تغتر بما في كثير من نسخ المنح: لا يمكن وطؤها، فإنه خطأ اه.
قوله: (ومحرمة) أي بحج أو عمرة أو بهما.
قوله: (ومظاهر) بفتح الهاء،
وقوله: ومولى بضم الميم وسكون الواو وفتح اللام منونة من الايلاء، وقوله: منها تنازعه كل(3/224)
من مظاهر ومولى ح.
قوله: (ومقابلاتهن) أي مقابل ما ذكر من قوله: وحائض الخ ط.
قوله: (رجعية) منصوب على أنه صفة لمفعول مطلق محذوف: أي وكذا مطلقة طلقة رجعية ح.
تنبيه: قال في النهر: ولم أر حكم المنكوحة إذا وطئت بشبهة وهي في العدة، والمحبوسة بدين لا قدرة لها على وفائه والناشزة، والمسطور في كتب الشافعية أنه لا قسم لها في الكل.
وعندي أنه يجب للموطوءة بشبهة أخذا من قولهم: إنه لمجرد الايناس ودفع الوحشة، وفي المحبوسة تردد.
وأما الناشزة فلا ينبغي التردد في سقوطه لها، لانها بخروجها رضيت بإسقاط حقها اه.
واعترضه الحموي بأن الموطوءة بشبهة لا نفقة لها عليه في هذه العدة، ومعلوم أن القسم عبارة عن التسوية في البيتوتة والنفقة والسكنى اه.
زاد بعض الفضلاء أنه يخاف من القسم لها الوقوع في الحرام، لانها معتدة للغير، ويحرم عليه مسها وتقبيلها فلا يجب لها، وكذا المحبوسة لان في وجوبه عليه ضررا به بدخوله الحبس.
قوله: (ولو أقام عند واحدة شهرا) أي قبل الخصومة أو بعدها.
خانية.
قوله: (في غير سفر) أما إذا سافر بإحداهما ليس للاخرى أن تطلب منه أن يسكن عندها مثل التي سافر بها.
ط عن الهندية.
قوله: (وهدر ما مضى) فليس لها أن تطلب أن يقيم عندها مثل ذلك.
ط عن الهندية.
والذي يقتضيه النظر أن يؤمر بالقضاء إذا طلبت لانه حق آدمي وله قدرة على إيفائه.
فتح.
وأجاب في النهر بما ذكره الشارح من التعليل.
قال الرحمتي: ولانه لا يزيد على النفقة وهي تسقط بالمضي.
قوله: (لان القسمة تكون بعد الطلب) علة لقوله: هدر ما مضى وقدمنا عن البدائع أن سبب وجوب القسم عقد النكاح ولهذا بأثم بتركه قبل الطلب، وهذا يؤيد بحث الفتح.
وقد يجاب بأن المعنى أن الاجبار على القسمة من القاضي يكون بعد الطلب، وإلا لزم أنها لو طالبته بها ثم جار يلزمه القضاء، وهو مخالف لما قدمناه عن الخانية من قوله قبل الخصومة أو بعدها، وكذا تعليل المسألة في البزازية وغيرها بأن القسم لا يصير دينا في الذمة فإنه يشمل ما بعد الطلب.
قوله: (بعد نهي القاضي) أفاد أنه لا يعزر بالمرة الاولى، وبه صرح في البحر ط.
قوله: (عزر بغير حبس) بل يوجعه عقوبة ويأمره بالعدل، لانه أساء الادب وارتكب ما هو محرم عليه وهو الجور.
معراج.
وهذا مستثنى من قولهم: إن للقاضي الخيار في التعزير بين الضرب والحبس.
بحر.
قلت: ومثله ما لو امتنع من الانفاق على قريبه.
قوله: (لتفويته الحق) الضمير للحبس.
ويؤيده قول الجوهرة لانه لا يستدرك الحق فيه بالحبس لانه يفوت بمضي الزمان اه: أي لما مر أن القسم للصحبة والمؤانسة، ولا شك أنه في مدة الحبس يفوتها ذلك، وكذا عللوا لعدم الحبس بالامتناع من الانفاق على قريبه، فافهم.
قوله: (فحينئذ يقضي القاضي بقدره) أي للتي خاصمت، ومفهومه أنه لو لم يقل ذلك يسقط ما مضى مع أن هذا بعد المخاصمة والطلب، لما علمت من أن القسم لا(3/225)
يصير دينا، وأطلق القدر مع أن فيه كلاما يأتي.
قوله: (والبكر الخ) نص على الاوليين لان فيهما خلاف الائمة الثلاثة، وعلى الاخيرة لدفع ما يتوهم من عدم مساواة الكتابية للمسلمة بسبب ارتفاعها عليها بالاسلام.
أفاده في النهر.
ولعله لم يقتصر على قوله: والجديدة والقديمة ليشمل لو كانت البكر والثيب جديدتين بأن تزوجهما معا.
تأمل.
قوله: (لاطلاق الآية) أي قوله تعالى: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) * (سورة النساء: الآية 4) أي في المحبة * (فلا تميلوا) * في القسم، قاله ابن عباس، وقوله تعالى: * (وعاشروهن بالمعروف) * (سورة النساء: الآية 91) وغايته القسم، وقوله تعالى: * (فإن خفتم ألا تعدلوا) * (سورة النساء: الآية 3) ولاطلاق أحاديث النهي، ولان القسم من حقوق النكاح، ولا تفاوت بينهما في ذلك.
وأما ما روي من نحو للبكر سبع وللثيب ثلاث فيحتمل أن المراد التفضيل في البداءة دون الزيادة، فوجب تقديم الدليل القطعي كما في البحر.
وفي شرح درر البحار أن الحديث لا يدل على نفي التسوية، بل على اختيار الدور بالسبع والثلاث جمعا بينه وبين ما روينا، قوله: (وللامة الخ) أي إذا كان له زوجتان: أمة وحرة، فللامة النصف، وهذا إذا بوأها السيد منزلا، ولم أر من ذكره وكأنه لظهوره.
قوله: (أما النفقة) هي الاكل والشرب واللبس والمسكن.
قوله: (فبحالهما) أي إن كان كل من الزوج والزوجة غنيين فالواجب نفقة الاغنياء، أو فقيرين فنفقة الفقراء، أو مختلفين فالوسط، وهذا
هو المفتى به كما مر، وقدمنا أن كلام المصنف والشارح محمول عليه، فافهم.
قوله: (ولا قسم في السفر الخ) لانه لا يتيسر إلا بحملهن معه، وفي إلزامه ذلك من الضرر ما لا يخفى.
نهر.
ولانه قد يثق بإحداهما في السفر وبالاخرى في الحضر، والقرار في المنزل لحفظ الامتعة أو لخوف الفتنة أو يمنع من سفر إحداهما كثرة سمنها فتعين من يخاف صحبتها في السفر للسفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد، وهو مندفع بالنافي للحرج.
فتح.
وانظر ما لو سافر بهن هل يقسم.
قوله: (والقرعة أحب) وقال الشافعي مستحقة، لما رواه الجماعة من أنه (ص) كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فمن خرج سهمها خرج بها معه قلنا: كان استحبابا لتطييب قلوبهن، لان مطلق الفعل لا يقتضي الوجوب، مع أنه (ص) لم يكن القسم واجبا عليه، وتمامه في الفتح والبحر.
وهذا مع قوله قبله: فتعيين من يخاف صحبتها الخ صريح في أن من خرجت قرعتها لا يلزمه السفر بها.
قوله: (صح) شمل ما لو كان بشرط رشوة منه أو منها وإن بطل الشرط كما أوضحه في الفتح، خلافا لما بحثه الباقاني، لانه اعتياض عن حق لم يجب، ولذا لم يسقط حقها.
ولا يقال: إنه مثل أخذ العوض في النزول عن الوظائف، لان من أجازه بناه على العرف ولا عرف هنا، فتدبر.
نعم ذكر بعض الشافعية أنه يستنبط من هذه المسألة ومن خلع الاجنبي عن مال جواز النزول عن الوظائف بالدراهم، وأنه أفتى به شيخ الاسلام زكريا من الشافعية، والشيخ نور الدين الدميري من المالكية، والشيشي من الحنابلة(3/226)
قلت: واضطرب فيه رأي المتأخرين من الحنفية، وأفتى الخير الرملي بعدمه، وسيأتي تمام الكلام عليه إن شاء الله تعالى في الوقف.
قوله: (لانه) أي حقها، وهو القسم ما وجب: أي لم يجب بعد، فما سقط أي فلم يسقط بأسقاطها ح.
قوله: (وفي البحر بحثا نعم) حيث قال: ولعل المشايخ إنما لم يعتبروا هذا التفصيل، لان هذه الهبة إنما هي إسقاط عنه، فكان الحق له سواء وهبت له أو لصاحبتها، فله أن يجعل حصة الواهبة لمن شاء ح.
قوله: (ونازعه في النهر) حيث قال: أقول كون الحق له فيما إذا وهبت لصاحبتها ممنوع.
ففي البدائع في توجيه المسألة بأنه حق يثبت
لها، فلها أن تستوفي ولها أن تترك اه.
ح.
أقول: وقد نقل المحقق ابن الهمام ما ذكره الشافعية وأقره، غير أنه قال: وفرعوا إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسم لها ليلتين متواليتين، وإن كانت لا تليها فهل له نقلها فيوالي لها ليلتين؟ على قولين للشافعية والحنابلة، والاظهر عندي أن ليس له ذلك إلا برضا التي تليها في النوبة، لانها قد تتضرر بذلك اه.
فما استظهره المحقق يقتضي ترجيح ما في النهر بالاولى.
قوله: (لكن الخ) قال في الفتح: لا نعلم خلافا في أن العدل الواجب في البيتوتة والتأنيس في اليوم والليلة، وليس المراد أن يضبط زمان النهار، فبقدر ما عاشر فيه إحداهما يعاشر الاخرى، بل ذلك في البيتوتة، وأما النهار ففي الجملة اه: يعني لو مكث عند واحدة أكثر النهار كفاه أن يمكث عند الثانية ولو أقل منه، بخلافه في الليل.
نهر.
قوله: (ولا يجامعها في غير نوبتها) أي ولو نهارا ط.
قوله: (يعني إذا لم يكن الخ) هذا التقييد لصاحب النهر بحثا وهو ظاهر، وأطلقه في الشرنبلالية ط.
قوله: (ولو مرض هو في بيته) هذا إذا كان له بيت ليس فيه واحدة منهن وإلا فإن لم يقدر على التحول إلى البيت الاخرى يقيم بعد الصحة عند الاخرى بقدر ما أقام عند الاولى مريضا كما قدمناه عن البحر.
قوله: (ولا يقيم عن إحداهما أكثر الخ) لم يبين ما لو أقام أكثر من ثلاثة أيام، هل يهدر الزائد أو يقيم عند الاخرى بقدر ما أقام عند الاولى ثم يقسم بينهما ثلاثة وثلاثة أو يوما ويوما؟ والظاهر الثاني، لان هدر ما مضى فيما إذا أقام عند إحداهما لا على سبيل القسم كما تقدم، وهنا في الاقامة على سبيل القسم فلا يهدر شئ، ويؤيده ما في الخانية من أنه لو أقام عند الجديدة ثلاثه ايام أو سبعة أيام يقيم عند الاولى كذلك اه.
لكن ظاهره أن له أن يجعل الدور مستمرا ثلاثة أو سبعة، وهذا مخالف لما ذكره المصنف، ويؤيده ما قدمناه عن شرح درر البحار في التوفيق بين الادلة: أن الحديث يدل على اختيار الدور بالسبع أو الثلاث.
تأمل.
وعن هذا نقل القهستاني عن الخانية(3/227)
والسراجية وغيرهما أن له أن يقيم عند امرأته ثلاثة أو سبعة وعند أخرى كذلك اه.
والذي في الخانيه هو ما ذكرناه.
وفي كافي الحاكم الشهيد: يكون عند كل واحدة منهما يوما وليلة، وان شاء أن يجعل
لكل واحدة منهما ثلاثة أيام فعل.
وروي عن الاشعث عن الحكم عن رسول الله (ص) أنه قال لام سلمة حين دخل بها إن شئت سبعة لك، وسبعة لهن اه.
ومقتضى روايته الحديث أن له التسبيع، بل في غاية البيان إن شاء ثلث لكل واحدة، وإن شاء سبع إلى غير ذلك.
قوله: (زاد في الخانية) يوهم أن عبارة الخانية صريحة في الحصر كعبارة الخلاصة، وليس كذلك، فإن الذي فيها عليه أن يسوي بينهما فيكون عند كل واحدة منهما يوما وليلة أو ثلاثة أيام ولياليها، والرأي في البداية إليه اه.
فالظاهر أن هذا بيان للافضل لا لنفي الزيادة بقرينة عبارته المارة.
تأمل.
قوله: (وقيده في الفتح) أي قيد كلام الهداية المذكور، حيث قال: اعلم أن هذا الاطلاق لا يمكن اعتباره على صراحته، لانه لو أراد أن يدور سنة سنة ما يظن إطلاق ذلك، بل ينبغي أن يطلب له مقدار مدة الايلاء وهو أربعة أشهر، وإذا كان وجوبه للتأنس ورفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة، وأظن أن أكثر من جمعة مضارة إلا أن يرضيا اه.
فقوله: وأظن الخ إضراب إبطالي عن مدة الايلاء، فيناسب أن تكون أو في قول الشارح أو جمعة بمعنى بل كما في قول الشاعر: كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ح.
قوله: (وعممه في البحر) حيث قال: والظاهر الاطلاق، لانه لا مضارة حيث كان على وجه القسم لانها مطمئنة بمجئ نوبتها.
قوله: (ونظر فيه في النهر) حيث قال: في نفي المضارة مطلقا نظر لا يخفى اه.
قلت: وأيضا فإن الاطمئنان بمجئ النوبة منتف مع طول المدة كسنة مثلا لاحتمال موته أو موتها مع ما فيه من تفويت المعنى الذي شرع القسم لاجله وهو الاستئناس.
قوله: (وظاهر بحثهما) أي صاحب الفتح والبحر كما في المنح ح.
قوله: (من التقييد بالثلاثة أيام) قد علمت ما ينافي هذا التقييد.
قوله: (وهو حسن) كذا قاله في النهر.
قوله: (في كل مباح) ظاهره أنه عند الامر به منه يكون واجبا عليها كأمر السلطان الرعية به ط.
قوله: (ومن أكل ما يتأذى به) أي برائحته كثوم وبصل.
ويؤخذ منه أنه لو تأذى من رائحة الدخان المشهور له منعها من شربه.
قوله: (بل ومن الحناء) ذكره في الفتح بحثا أخذا مما قبله.
قوله: (وتمامه فيما علقته على الملتقى) وعبارته عن(3/228)
الخانية معزيا للمنتقى: لو كان له امرأة وسراري أمر بيوم وليلة من أربع عندها، وفي البواقي عند من شاء منهن، وكذا لو كان له ثلاثة نسوة أمر بيوم وليلة عند كل منهن، ويقيم في يوم وليلة عند من شاء من السراري، ولو له أربعة أقام عند كل يوما وليلة ولم يكن عند السراري إلا وقفة المار.
ويكره للرجل أن يطأ امرأته وعندها صبي يعقل أو أعمى أو ضرتها أو أمتها أو أمته اه.
ثم قال: ولا يجمع بين الضرائر إلا بالرضا، ولو قالت لا أسكن مع أمتك ليس لها ذلك، ولو أقام عند الامة يوما، فعتقت يقيم عند الحرة يوما، وكذلك العكس اه: أي لو أقام عند الحرة يوما فعتقت زوجته الامة يتحول إلى المعتقة، ولا يكمل للحرة يومين تنزيلا للحرية انتهاء منزلتها ابتداء كما في المعراج.
أقول: وما نقله أولا عن المنتقى مبني على رواية الحسن المرجوع عنها كما تقدم من أن للحرة يوما وليلة من كل أربع، هكذا خطر لي.
ثم رأيت الشرنبلالي صرح به في رسالته (تجدد المسرات بالقسم بين الزوجات،) وقال: ولم أر من نبه على ذلك.
ومبنى الرسالة على سؤال في رجل له زوجتان وجوار: يقسم للزوجين ثم يبيت عند جواريه ما شاء ثم يرجع إلى زوجتيه ويقسم لهما.
أجاب بالجواز أخذا من قول ابن الهمام: اللازم أنه إذا بات عند واحدة ليلة يبيت عند الاخرى كذلك، لا أنه يجب أن يبيت عند واحدة منهما دائما، فإنه لو ترك المبيت عند الكل بعض الليالي وانفرد لم يمنع من ذلك اه: يعني بعد تمام دورهن، وسواء انفرد بنفسه أو كان مع جواريه اه.
فافهم، والله سبحانه أعلم.
باب الرضاع لما كان من المقصود من النكاح الولد وهو يعيش غالبا في ابتداء إنشائه إلا بالرضاع وكان له أحكام تتعلق به وهي من آثار النكاح المتأخرة عنه بمدة وجب تأخيره إلى آخر أحكامه، ثم قيل: كتاب الرضا ليس من تصنيف محمد، إنما عمله بعض أصحابه ونسبه إليه ليروجه، ولذا لم يذكره الحاكم أبو الفضل في مختصره المسمى بالكافي مع التزامه إيراد كلام محمد في جميع كتبه محذوفة
التعاليل وعامتهم على أنه من أوائل مصنفاته، وإنما لم يذكره الحاكم اكتفاء بما أورده من ذلك في كتاب النكاح.
فتح، قوله: (بفتح وكسر) وليذكروا الضم مع جوازه لانه بمعنى أن ترضع معه آخر كما في القاموس.
وفيه أن فعلجاء من باب علم في لغة تهامة: وهي ما فوق نجد، ومن باب ضرب في لغة نجد، وجاء من باب كرم.
نهر.
زاد في المصباح لغة أخرى من باب فتح مصدره رضاعا ورضاعة بالفتح.
قوله: (مص الثدي) قال في المصباح: الثدي للمرأة، و يقال في الرجل أيضا: قال ابن السكيت: يذكر ويؤنث اه.
وهذا التعريف قاصر لانه في اللغة يعم المص ولو من بهيمة، فالاولى ما في القاموس: هو لغة شرب اللبن من الضرع والثدي ط.
قوله: (آدمية) خرج بها الرجل والبهيمة.
بحر.
قوله: (أو آيسة) ذكره في النهر أخذا من إطلاقهم قال: وهو حادثة الفتوى.
قوله: (وألحق بالمص الخ) تعريض بالرد على صاحب البحر حيث قال: التعريف منقوض طردا، إذ قد يوجد المص ولا رضاع إن لم يصل إلى الجوف وعكسا، إذ قد يوجد الرضاع ولا مص كما في(3/229)
الوجور والسعوط.
ثم أجاب بأن المراد بالمص الوصول إلى الجوف من المنفذين، وخصه لانه سبب للوصول فأطلق السبب وأراد المسبب.
واعترضه في النهر بأن المص يستلزم الوصول إلى الجوف لما في القاموس: مصصته شربته شربا رقيقا، وجعل الوجور والسعوط ملحقين بالمص.
وفي المصباح: الوجور بفتح الواو الدواء يصب في الحلق، وأوجرت المريض إيجارا فعلت به ذلك، ووجرته أجره من باب وعد لغة.
والسعوط: كرسول دواء يصب في الانف، والسعوط كقعود مصدر، وأسعطته الدواء يتعدى إلى مفعولين.
قوله: (في وقت مخصوص) قد يقال: إنه لا حاجة إليه للاستغناء عنه بالرضيع، وذلك أنه بعد المدة لا يسمى رضيعا، نص عليه في العناية.
نهر.
وفيه نظر.
والذي في العناية أن الكبير لا يسمى رضيعا، ذكره ردا على من سوى في التحريم بين الكبير والصغير.
قوله: (عن العون) كذا في عامة النسخ، وفي بعضها عن العيون بالياء بين العين والواو، وهو اسم كتاب أيضا، وهو الذي رأيته في النهر، وفي تصحيح القدوري أيضا، فافهم.
قوله: (لكن الخ) استدراك على قوله: وبه
يفتي وحاصله أنهما قولان، أفتى بكل منهما ط.
قوله: (أي مدة كل منهما ثلاثون) تقدير المضاف ليس لصحة الحمل، لان الاخبار بالزمان عن المعنى صحيح بلا تقدير فافهم، ل لبيان حاصل المعنى.
قال في الفتح: ووجهه أنه سبحانه ذكر شيئين وضرب لهما مدة، فكانت لكل واحدة منهما بكمالها كالاجل المضروب لدينين على شخصين، بأن ق قال: أجلت الدين الذي على فلان والدين الذي على فلان سنة، يفهم منه أن السنة بكمالها لكل.
قوله: (غير أن النقص) أي عن الثلاثين في الاول: يعني في مدة الحمل أي أكثر مدته قام: أي تحقق وثبت.
قوله: (لا يبقى الولد الخ) الذي في الفتح: الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل، وفي رواية: ولو بقدر ظل مغزل، وسنخرجه في موضعه اه.
وفلكة المغزل كتمرة معروفة.
مصباح، وهو على تقدير مضاف، وقد جاء صريحا في شرح الارشاد: ولو بدور فلكة مغزل، والغرض تقليل المدة.
مغرب.
قوله: (ومثله لا يعرف إلا سماعا) لان المقدرات لا يهتدي العقل إليها.
فتح: أي فهو من حكم المرفوع المسموع من النبي (ص).
قوله: (والآية مؤولة) أي قابلة للتأويل بمعنى آخر، فلم تكن قطعية الدلالة على المعنى الاول فجاز تخصيصها بخبر الواحد.
قوله: (لتوزيعهم) أي العلماء كالصاحبين وغيرهما الاجل: أي ثلاثون شهرا على الاقل: أي أقل مدة الحمل وهو ستة أشهر، والاكثر: أي أكثر مدة الرضاع وهو سنتان، فالثلاثون بيان لمجموع المدتين لا لكل واحدة.
قوله: (على أن الخ) ترق في الجواب.
وفيه إشارة إلى ما أورده في الفتح على دليل الامام المار من أنه يستلزم كون لفظ ثلاثين مستعملا في إطلاق واحد في مدلول ثلاثين وفي أربعة وعشرين، وهو الجمع بين الحقيقة(3/230)
والمجاز بلفظ واحد، ومن أن أسماء العدد لا يتجوز بشئ منها في الآخر نص عليه كثير من المحققين، لانها بمنزلة الاعلام على مسمياتها اه.
وأجاب الرحمتي بأن حمله وفصاله مبتدآن، وثلاثون خبر عن أحدهما: أي الثاني وحذف خبر الآخر، فأحد الخبرين مستعمل في حقيقته والآخر في مجازه فلا جمع في لفظ واحد.
وعن الثاني بأنه
أطلق أشهر في قوله تعالى: * (الحج أشهر معلومات) * (سورة البقرة: الآية 791).
على شهرين وبعض الثالث اه.
قلت: وفيه أن الشهر ليس من أسماء العدد، فالمناسب الجواب بما قاله الجمهور من أن عشرة إلا اثنين أريد به ثمانية كما أشار إليه في الفتح، لكن هذا خاص بالاستثناء والكلام ليس فيه.
قوله: (كما أفاده في رسم المفتي) المفيد لذلك الامام قاضيخان في فضل رسم المفتي من أول فتاواه بطريق الاشارة لا بصريح العبارة.
قوله: (لكن الخ) استدراك على قوله: الواجب على المقلد الخ فإنه يفيد وجوب اتباعه سواء وافقه صاحباه أو خالفاه، وهو قول عبد الله بن المبارك.
قوله: (قيل يخير المفتي) أي وقيل لا يخير مطلقا كما علمت، فهذا قول ثان.
قال في السراجية: والاول أصح إن لم يكن المفتي مجتهدا، ومفاده اختيار القول الثاني: أي التخيير إن كان مجتهدا، ولا يخفى أن تخيير المجتهد إنما هو في النظر في الدليل، وهذا معنى قول الحاوي: والاصح أن العبرة لقوة الدليل، لان قوة الدليل لا تظهر لغير المجتهد في المذهب.
تأمل.
وتمام تحرير هذه المسألة في شرح أرجوزتي في رسم المفتي.
قوله: (والاصح أن العبرة لقوة الدليل) قال في البحر: ولا يخفى قوة دليلهما، فإن قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن) * (سورة البقرة: الآية 332) يدل على أنه لا رضاع بعد التمام وأما قوله تعالى: * (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما) * (سورة البقرة: الآية 332) فإنما هو قبل الحولين بدليل تقييده بالتراضي والتشاور، وبعدهما لا يحتاج إليهما، وأما الاستدلال صاحب الهداية للامام بقوله تعالى: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) * (سورة الاحقاف: الآية 51) بناء على أن المدة لكل منهما كما مر، فقد رجع إلى الحق في باب ثبوت النسب من أن الثلاثين لهما للحمل ستة أشهر والعامان للفصال اه.
قوله: (أما لزوم أجر الرضاع الخ) وكذا وجوب الارضاع على الام ديانة.
نهر.
عن المجتبى.
قوله: (في المدة فقط) أما بعدها فإنه لا يوجب التحريم.
بحر.
قوله: (فما في الزيلعي) أي من قوله: وذكر الخصاف أنه إن فطم قبل مضي المدة واستغنى بالطعام لم يكن رضاعا، وإن لم يستغن تثبت به الحرمة، وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه الفتوى.
قوله: (لان الفتوى الخ) ولان الاكثرين على الاول كما في النهر.
قوله: (ولم يبح الارضاع بعد مدته) اقتصر عليه الزيلعي، وهو الصحيح كما في شرح المنظومة.
بحر.
لكن في القهستاني عن المحيط: لو
استغنى في حولين حل الارضاع بعدهما إلى نصف، ولا تأثم عند العامة خلافا لخلف بن ايوب اه.
ونقل أيضا قبله عنه إجارة القاعدي أنه واجب إلى الاستغناء، ومستحب إلى حولين، وجائز إلى حولين ونصف اه.(3/231)
قلت: قد يوثق بحمل المدة في كلام المصنف على حولين بقرينة أن الزيلعي ذكره بعدها، وحينئذ فلا يخالف قول العامة.
تأمل.
قوله: (وفي البحر) عبارته، وعلى هذا: أي الفرع المذكور لا يجوز الانتفاع به للتداوي.
قال في الفتح: وأهل الطب يثبتون للبن البنت: أي الذي نزل بسبب بنت مرضعة نفعا لوجع العين، واختلف المشايخ فيه: قيل لا يجوز، وقيل يجوز إذا علم أنه يزول به الرمد.
ولا يخفى أن حقيقة العلم متعذرة، فالمراد إذا غلب على الظن وإلا فهو معنى المنع اه.
ولا يخفى أن التداوي بالمحرم لا يجوز في ظاهر المذهب.
أصله بول ما يؤكل لحمه فإنه لا يشرب أصلا اه.
قوله: (بالمحرم) أي المحرم استعماله طاهرا كان أو نجسا ح.
قوله: (كما مر) أي قبيل فصل البئر حيث قال: فرع: اختلف في التداوي بالمحرم وظاهر المذهب المنع كما في إرضاع البحر، لكن نقل المصنف ثمة وهنا عن الحاوي: وقيل يرخص إذا علم فيه الشفاء ولم يعلم دواء آخر كما خص الخمر للعطشان، وعليه الفتوى اه ح.
قلت: لفظ وعليه الفتوى رأيته في نسختين من المنح بعد القول الثاني كما ذكره الشارح كما علمته، وكذا رأيته في الحاوي القدسي، فعلم أن ما في نسخة ط تحريف، فافهم.
قوله: (وللاب إجبار أمته الخ) لانها لا حق لها في التربية في حال رقها، بل الحق له لانها ملكه، وكذا الحكم في ولدها من غيره لانه ملك له.
رحمتي.
قلت: والظاهر أن للمولى إجبارها أيضا، وإن شرط الزوج حرية الاولاد، لان الرضاع يهزلها ويشغلها عن خدمته.
قوله: (على الارضاع) الاطلاق شامل لولده منها أو من غيرها، ولولد أجنبي بأجرة أو بدونها، لان له استخدامها بما أراد.
قوله: (بنوعيه) أي الاجبار على الفطام وعلى الارضاع.
قوله: (مع زوجته الحرة) أما زوجته الامة فالحق لسيدها وإن شرط الزوج حرية الاولاد
فيما يظهر كما ذكرناه آنفا، فافهم.
قوله: (ولو قبلهما) أي قبل الحولين، وهذا التعميم المستفاد من زيادة لو صحيح بالنسبة إلى عدم الاجبار على الرضاع: أي ليس له إجبارها عليه في القضاء ما لم تتعين لذلك في المدة بأن لم يأخذ ثدي غيرها أو لم يكن للاب لا للصغير مال كما سيأتي في الحضانة والنفقة، أما بالنسبة إلى النوع الآخر وهو عدم الاجبار على الفطام فإنما يصح قبل الحولين، وأما بعدهما فالظاهر أنه يجبرها على الفطام، لما أن الارضاع بعدهما حرام على القول بأن مدته الحولان.
تأمل ح بزيادة.
قلت: وما استظهره مبني على ظاهر كلام المصنف السابق، وقدمنا الكلام فيه.
قوله: (ولو بين الحربيين) قال في البحر وفي البزازية: والرضاع في دار الاسلام ودار الحرب سواء، حتى إذا رضع في دار الحرب وأسلموا وخرجوا إلى دارنا تثبت أحكام الرصاع فيما بينهم اه ح.
قوله: (وإن قل) أشار به إلى نفي قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد أنه لا يثبت التحريم إلا بخمس(3/232)
رضعات مشبعات، لحديث مسلم لا تحرم المصة والمصتان وقول عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله (ص) وهي فيما يقرأ من القرآن رواه مسلم.
والجواب أن التقدير منسوخ صرح بنسخه ابن عباس وابن مسعود.
وروي عن ابن عمر أنه قيل له: إن ابن الزبير يقول لا بأس بالرضعة والرضعتين، فقال: قضاء الله خير من قضائه.
قال تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * (سورة النساء: الآية 32) فهذا إما أن يكون ردا للرواية بنسخها أو لعدم صحتها أو لعدم إجازته تقييد إطلاق الكتاب بخبر الواحد، وهذا معنى قوله في الهداية: إنه مردود بالكتاب أو منسوخ به.
وأما ما روته عائشة فالمراد به نسخ الكل نسخا قريبا حتى أن من لم يبلغه كان يقرؤها، وإلا لزم ضياع بعض القرآن كما تقوله الروافض، وما قيل ليكره نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فليس بشئ، لان إدعاء بقاء حكمه بعد نسخه يحتاج إلى دليل، وتمام ذلك مبسوط في الفتح والتبيين وغيرهما.
تنبيه: نقل ط عن الخيرية أنه لو قضى شافعي بعدم الحرمة برضعة نفذ حكمه، وإذا رفع إلى حنفي أمضاه اه.
فتأمل.
قوله: (لا غير) يأتي محترزه في قول المصنف: والاحتقان والاقطار في أذن وجائفة وآمة.
قوله: (فلو التقم الخ) تفريع على التقييد بقوله: إن علم.
وفي القنية: امرأة كانت تعطي ثديها صبية واشتهر ذلك بينهم ثم تقول: لم يكن في ثديي لبن ألقمتها ثديي ولم يعلم ذلك إلا من جهتها، جاز لابنها أن يتزوج بهذه الصبية اه ط.
وفي الفتح: لو أدخلت الحلمة في في الصبي وشكت في الارتضاع لا تثبت الحرمة بالشك، ثم قال: والواجب على النساء أن لا يرضعن كل صبي من غير ضرورة، وإذا أرضعن فليحفظن ذلك وليشهرنه ويكتبنه احتياطا اه.
وفي البحر عن الخانية: يكره للمرأة أن ترضع صبيا بلا إذن زوجها إلا إذا خافت هلاكه.
قوله: (ثم لم يدر) أي لم يدر من أرضعها منهم فلا بد أن تعلم المرضعة.
قوله: (إن لم تظهر علامة) لم أر من فسرها، ويمكن أن تمثل بتردد المرأة ذات اللبن على المحل الذي فيه الصبية أو كونها ساكنة فيه فإنه أمارة قوية على الارضاع ط.
قوله: (ولم يشهد بذلك) بالبناء للمجهول والجار والمجرور نائب الفاعل.
قوله: (جاز) هذا من باب الرخصة كي لا ينسد باب النكاح، وهذه المسألة خارجة عن قاعدة: الاصل في الارضاع التحريم، ومثلها ما لو اختلطت الرضيعة بنساء يحصرن، وهذا بخلاف المسألة الاولى فإنه لا حاجة إلى إخراجها لان سبب الحرمة غير متحقق فيها، كذا أفاده في الاشباه.
قوله: (أمومية) بالرفع فاعل يثبت قال القهستاني: والامومة مصدر هو كون الشخص أما اه.
قوله: (وأبوة زوج مرضعة لبنها منه) المراد به اللبن الذي(3/233)
نزل منها بسبب ولادتها من رجل زوج أو سيد، فليس الزوج قيدا بل خرج مخرج الغالب.
بحر.
وأما إذا كان اللبن من زنى ففيه خلاف سيذكره الشارح، ويأتي الكلام فيه.
قوله: له أي للرضيع وهو متعلق بالابوة ح: أي لانه مصدر معناه كونه أبا.
ط.
قوله: (كما سيجئ) أي في قوله: طلق ذات لبن ح.
قوله: (أي بسببه) أشار إلى أن من بمعنى باء السببية ط.
قوله: (ما يحرم من النسب) معناه أن الحرمة بسبب الرضاع معتبرة بحرمة النسب، فشمل زوجة الابن والاب من الرضاع لانها حرام
بسبب النسب فكذا بسبب الرضاع، وهو قول أكثر أهل العلم، كذا في المبسوط.
بحر.
وقد استشكل في الفتح الاستدلال على تحريمها بالحديث، لان حرمتها بسبب الصهرية لا النسب، ومحرمات النسب هي السبع المذكورة في آية التحريم، بل قيد الاصلاب فيها يخرج حليلة الاب والابن من الرضاع فيفيد حلها، وتمامه فيه.
قوله: (رواه الشيخان) أشار به إلى أنه حديث، لكن فيه تغيير اقتضاه تركيب المتن وهو زيادة الفاء ووضع المضمر موضع الظاهر، وأصله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وتقدم أنه يجوز رواية الحديث بالمعنى للعارف، على أن المصنف لم يقصد رواية الحديث ط.
قوله: (يفارق النسب الارضاع) بنصب النسب ورفع الارضاع ح.
ولعله إنما نسبت إليه المفارقة وإن كان مفاعلة من الجانبين، لانه الفرع والنسب هو الاصل المعتبر في التحريم، والمفارقة غالبا تكون من العارض ط.
قوله: (وفي صور) أي سبع، وإنما كانت إحدى وعشرين باعتبار تعلق الرضاع بالمضاف أو المضاف إليه أو بهما كما سيأتي إيضاحه.
ولا يخفى عليك أن المذكور في البيتين ست صور، فإن قوله: وأم أخ مكرر مع قوله: وأم أخت إذ كل واحدة من هذه المذكورات كذلك، فإن أخت البنت مثل أخت الابن وأم الخالة مثل أم الخال، وقس عليه ح.
قوله: (كأم نافلة) أشار بالكاف إلى عدم الحصر في ذلك، لما قال في الفتح: إن المحرم في الرضاع وجود المعنى المحرم في النسب، فإذا انتفى في شئ من صور الرضاع انتفت الحرمة، فيستفاد أنه لا حصر فيما ذكر اه فافهم.
والنافلة: الزيادة، تطلق على ولد الولد لزيادته على الولد الصلبي، وتقدم أن كل صورة من هذه السبع تتفرع إلى ثلاث صور، فولد ولدك إذا كان نسبيا وله أم من الرضاع تحل لك، بخلاف أمه من النسب لانها حليلة ابنك، وإن كان رضاعيا بأن رضع من زوجة ابنك ولهذا الرضيع أم نسبية أرضاعية أخرى تحل لك.
قوله: (أو جدة الولد) صادق بأن يكون الولد رضاعيا بأن رضع من زوجتك وله جدة نسبية أو جدة أم أم أخرى أرضعته، وبأن يكون نسبيا له جدة رضاعية، بخلاف النسبية فلا تحل لك لانها أمك أو أم زوجتك.
واحترز بجدة الولد عن ام الولد لانها حلال من النسب وكذا من الرضاع.
قوله: (وأم أخت) صادق بأن يكون كل منهما من الرضاع كأن يكون لك أخت من الرضاع لها أم أخرى من الرضاع أرضعتها وحدها، وبأن تكون الاخت فقط
من الرضاع لها أم نسبية، وبأن تكون الام فقط من الرضاع كأن تكون لك أخت نسبية لها أم رضاعية، بخلاف النسبية لانها إما أمك أو حليلة أبيك.
قوله: (وأخت ابن) أي كل منهما رضاعي،(3/234)
أو الاول رضاعي والثاني نسبي، أو العكس، بخلاف ما إذا كان كل منهما نسبيا، فلا تحل أخت الابن لانها إما بنتك أو ربيبتك، ومن هنا يعلم ما إذا رضع ولدك من أم أمه فإن أمه لا تحرم عليك لكونها أخت ابنك رضاعا.
أفاده الرملي ط.
وأخت البنت كأخت الابن.
وأورد أنه يتصور الحل في أخت ابنه وبنته نسبا بأن يدعي شريكان في أمة ولدها، فإذا كان لكل منهما بنت من غير الامة حل لشريكه التزوج بها وهي أخت ولده نسبا من الاب.
وألغز بها في شرح الوهبانية وأجاب عنها.
شرنبلالية.
قوله: (وأم أخ) الكلام فيه كالكلام في أم الاخت، وفيه ما مر عن ح.
قوله: (وأم خال) فيه الصور الثلاث، أما إذا كانا نسبيين فلا تحل، لان أم خالك من النسب جدتك أو منكوحة جدك.
قوله: (وعمة ابن) فيه الصور الثلاث أيضا بأن يكون كل منهما رضاعيا كأن رضع صبي من زوجتك ورضع أيضا من زوجة رجل آخر له أخت، فهذه الاخت عمة ابنك من الرضاع، أو الاول رضاعيا فقط بأن يكون ذلك الرضيع ابنك من النسب، أو الثاني فقط بأن يكون ابنك من الرضاع له عمة من النسب، بخلاف ما لو كان كل منهما من النسب فإن العمة لا تحل لك لانها أختك.
قوله: (استثناء منقطع الخ) جواب عن قول البيضاوي: إن استثناء أخت ابنه وأم أخيه من الرضاع من هذا الاصل ليس بصحيح فإنما حرمتهما في النسب بالمصاهرة دون النسب اه.
فعدم الصحة مبني على جعل الاستثناء متصلا.
وفيه جواب أيضا عن قوله في الغاية: إن هذا تخصيص للحديث بدليل عقلي.
وبيان الجواب ما قاله الزيلعي: إن هذا سهو، فإن الحديث يوجب عموم الحرمة لاجل الرضاع حيث وجدت الحرمة لاجل النسب وحرمة أم أخيه من النسب، لا لاجل أنها أم أخيه بل لكونها أمه أو موطوءة أبيه، ألا ترى أنها تحرم عليه وإن لم يكن له أخ؟ وكذا أخت ابنه من النسب إنما حرمت عليه لاجل أنها بنته أو بنت امرأته بدليل حرمتها وأن لم يكن له ابن، وهذا المعنى يوجب الحرمة في الرضاع أيضا حتى لا يجوز له أن يتزوج بأمه ولا موطوءة أبيه ولا
بنت امرأته، كل ذلك من الرضاع، فبطل دعوى التخصيص اه.
وحاصله يرجع إلى أن الاستثناء منقطع كما قال الشارح لعدم تناول الحديث له.
هذا، وقد اعترض ح قول الشارح تبعا للبيضاوي: إن حرمة من ذكر بالمصاهرة بأن فيه نظرا من وجهين: الاول: أن المصاهرة لا تتصور في عمة ولده لانها أخته الشقيقة أو لاب أو لام، وكذا في بنت عمة ولده لانها بنت أخته الشقيقة أو لاب أو لام.
الثاني: أن المصاهرة في الصور السبعة الباقية إنما تتصور على تقدير واحد فقط.
وعلى التقدير الآخر أو التقديرين الآخرين، فالحرمة بالنسب لا بالمصاهرة.
بيان ذلك أن أم أخيك إنما تكون حرمتها بالمصاهرة إذا كان الاخ أخا لاب، فإن أمه حينئذ امرأة أبيك، بخلا ف الاخ الشقيق أو لام فإن حرمة أمه بالنسب لانها أمك، وحرمة أخت ابنك النسبي إنما تكون بالمصاهرة إن كان أخت الابن لامه لانها ربيبتك، بخلافها شقيقة أو لاب فإنها بنتك، وحرمة جدة ابنك إنما تكون بالمصاهرة إذا كانت أم أمه لانها أم امرأتك، بخلافها أم أبيه لانها أمك، وحرمة أم عمك إنما تكون بالمصاهرة لو العم لاب، بخلافه لو شقيقا أو لام لانها جدتك، ومثل ام(3/235)
العم أم الخال، وحرمة بنت ولدك إنما تكون بالمصاهرة لو كانت الاخت لام لانها تكون بنت ربيبتك، بخلافها شقيقة أو لاب لانها بنت بنتك، وحرمة أم ولد ولدك إنما تكون بالمصاهرة إذا كانت أم ابن ابنك لانها حليلة ابنك، بخلاف أم بنت بنتك فإنها بنتك، فقد ظهر أن التعليل بهذا غير صحيح، بل التعليل الصحيح ما ذكره بقوله: فإن حرمة أم أخته الخ كما سنبينه اه.
أقول: والجواب عن الاوب أن قول الشارح: إن حرمة من ذكر بالمصاهرة المراد بمن ذكر هو أم أخيه وأخته، لانه هو الذي سبق ذكره دون بقية الصور الآتية، ولانه ذكر بعده تعليلا آخر شاملا للجميع وهو قوله: فإن حرمة أم أخته وأخيه الخ مع قوله: وقس عليه أخت ابنه الخ كما سنوضحه.
وعن الثاني: أعني قوله: إن المصاهرة إنما تتصور على تقدير واحد فقط بأن المراد هو
ذلك التقدير.
وبيان ذلك أن الحديث دل على أن كل ما يحرم من النسب يحرم نظيره من الرضاع، فيقال: تحرم الام نسبا فكذا تحرم الام رضاعا،.
وتحرم البنت نسبا فكذا تحرم البنت رضاعا، وهكذا إلى آخر المحرمات النسبية، فأم أخيك الشقيق أو لام إنما تحرم لكونها أمك لا لكونها أم أخيك، ولذا تحرم عليك ولو لم يكن لك أخ منها، فلا يحسن أن يقال: تحرم أم الاخ الشقيق أو لام لانه يتكرر مع قولهم تحرم الام، فعلم أن المراد أم الاخ لاب فقط، ولما ورد عليه أن أم الاخ لاب إنما حرمت بالمصاهرة، والحديث إنما رتب حرمة الرضاع على حرمة النسب لا على حرمة المصاهرة.
أجاب بأن الاستثناء منقطع، وكذا يقال: أخت الابن إذا كانت شقيقة أو لاب إنما تحرم لكونها بنتك، وقد علم تحريم البنت من النسب فيراد بها الاخت لام لانها ربيبتك، فلم تعلم حرمتها من محرمات النسب فلم تكن تكرارا، لكن لما لم تدخل في الحديث كان استثناؤها منقطعا، وهكذا يقال في البواقي.
والحاصل أن الحديث لما رتب حرمة الرضاع على حرمة النسب وكان ما يحرم من النسب من نظائر هذه المستثنيات قد يحرم من النسب على تقدير ومن المصاهرة على تقدير لم يصح أن يراد منه التقدير الاول، لانه يلزم منه التكرار بلا فائدة، فتعين إرادة التقدير الثاني وإن كان الاستثناء فيه منقطعا، دفعا للتكرار وتنبيها على بيان ما يحل لزيادة التوضيح، هذا غاية ما يمكن توجيه كلامهم به، والله تعالى أعلم، فافهم.
قوله: (وهذا المعنى مفقود في الرضاع) لان أم أخته وأخيه رضاعا ليست أمه ولا موطوءة أبيه.
قوله: (وقس عليه الخ) أي قس على ما ذكر من المعنى أخت ابنه وبينه الخ بأن تقول: إنما حرمت عليه أخت ابنه وبنته نسبا لكونها بنته أو بنت امرأته، وهذا المعنى مفقود في الرضاع، وكذا جدة ابنه وبنته نسبا إنما حرمت عليه لكونها أمه أو أم امرأته، وهذا مفقود في الرضاع، وهكذا البواقي.
وبهذا التقرير علم أن التعليل المذكور بقوله: فإن حرمة أم أخته الخ جار في جميع الصور، لكن لكل صورة عبارة تليق بها فلذا قال: وقس عليه الخ وإن ضمير عليه راجع إليه لا إلى أم أخته وأخيه، حتى يرد أنه لا معنى لجعل البعض مقيسا والبعض مقيسا عليه، فافهم.
قوله: (وكذا(3/236)
عمة ولده) لم يذكروا خالة ولده لانها حلال من النسب أيضا لانها أخت زوجته.
بحر قوله: (وبنت عمته) أي عمة ولده، وتحرم من النسب لانها بنت أخته، وأما بنت عمة نفسه فإنها حلال نسبا ورضاعا ط.
قوله: (وبنت أخت ولده) وتحرم من النسب لانها بنت بنته أو بنت ربيبته ط.
قوله: (للرجل) متعلق بالمستثنى في قوله: إلا أم أخته الخ يعني أن شيئا من النسوة المذكورات لا يحرم للرجل إذا كانت من الرضاع اه ح.
عن المنح.
وهذا بالنظر إلى المتن وإلا فهو متعلق بقول الشارح حلال.
قوله: (وكذا أخو ابن المرأة لها) في ذكر هذه العاشرة نظر، فإنها من مقابلات التسعة لا قسم مباين للتسعة كما سنبينه.
أفاده ح.
قوله: (باعتبار الذكورة والانوثة) أي في المضاف إليه، فتصير مع الذكورة أم أخيه وأخت ابنه وجدة ابنه وأم عمه وأم خاله وعمة ابنه وبنت عمة ابنه وبنت أخت ابنه وأم ولد ابنه، ومع الانوثة أم أخته وأخت بنته وجدة بنته وأم عمته وأم خالته وعمة بنته وبنت عمة بنته وبنت أختبنته وأم ولد بنته اه.
فهذه ثمانية عشر، وعدها عشرين بالنظر إلى العاشرة المكررة.
قوله: (وباعتبار ما يحل له) أي إذا نسب الحل للرجل، بأن يقال: تحل له أم أخيه وأخت ابنه إلى آخر الامثلة المذكورة.
قوله: (أو لها) أي إذا نسب الحل لها، بأن يقال: يحل لها أبو أخيها وأخو ابنها وجد ابنها وأبو عمها وأبو خالها وخال ولدها وابن خالة ولدها وابن أخت ولدها وابن ولد ولدها، وإنما قلنا: وخال ولدها وابن خالة ولدها، وكان القياس أن نقول: وعم ولدها وابن عمة ولدها، لانهما لا يحرمان عليهما من النسب أيضا كما صرح به في البحر.
أفاده ح وأفاد ط أنه يمكن تقرير المقام بحل آخر، فيقال في مقابلة تزوجه أم أخيه وأخته تزوجها أخا ابنها وبنتها، وفي أخت ابنه أو بنته أو أخيها أو أختها، وفي جدة ابنه أو بنته جد ابنها أو بنتها، وفي أم عمه ابن أخي ابنها، وفي أم عمته ابن أخي بنتها، وفي أم خاله ابن أخت ابنها، وفي أم خالته ابن أخت بنتها، وفي عمة ولده عم ولدها، وفي بنت عمة ولده خالها، وفي مقابلة تزوجها بأخي ابنها تزوجه بأم أخيه وهي المكررة اه.
لكن الصواب في الثامنة والتاسعة أن يقال: وفي عمة ولده أبو ابن أخيها، وفي بنت عمة ولده أبو ابن خالها، فافهم.
والذي قرره ح هو الذي في البحر وهو الاوفق
لقول الشارح وتزوجها بأبي أخيها.
وحاصله أن تبدل المضاف الاول المؤنث بمذكر مقابل له وتبدل الضمير المذكر بضمير المؤنث، فتبدل الام بالاب والاخت بالاخ والجدة بالجد وهكذا، وتذكر الضمير، فتقول في أم اخيه أبو أخيها، وفي أخت ابنه أخو ابنها، وفي جدة ابنه جد ابنها الخ.
وحاصل التقرير الثاني أن تنظر إلى كل صورة، وتنظر إلى نسبة المرأة فيها إلى الزوج فتسميها باسم تلك النسبة، مثلا: إذا تزوج أم أخيه أو أخته تكون المرأة قد تزوجت أخا ابنها أو بنتها وإذا تزوج أخت ابنه أو بنته تكون قد تزوجت أبا أخيها أو أختها وهكذا، ولا يخفى أن هذا تكرار محض وإنما اختلف بالتعبير فقط، فافهم.
قوله: (وتزوجها بأبي أخيها) كذا في بعض النسخ، ومثله في البحر، وهو الاوفق لما قرره ح كما علمت.
وفي بعض النسخ بابن أخيها وهو كذلك في النهر(3/237)
ولا وجه له، فإن هذا لا يقابل تزوجه بأم أخيه على التقريرين المارين.
ووقع في بعض نسخ البحر التعبير بأخي ابنها، وهو موافق لما قرره ط كما مر، وفيه ما علمت.
قوله: (وكل منها) أي من الاربعين ح.
وفي بعض النسخ منهما بضمير التثنية: أي كل من الاعتبارين اللذين بلغ العدد فيهما أربعين، فافهم.
قوله: (الجار والمجرور) أي المقدر بعد الاستثناء المدلول عليه بالمستثنى منه، والتقدير: فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا أم أخيه من الرضاع فإنها لا تحرم اه ح.
قوله: (تعلقا معنويا) على أنه صفة أو حال لانه معرفة غير محضة، لان التعريف الاضافي هنا كالتعريف الجنسي، وأما تعلقه الصناعي فباستقرار محذوف وجوبا، وتمام ذلك في ح عن البحر.
قوله: (كالاخ) الاولى أن يقول كالاخت، أو يقول في الاول كأن يقول له أخ نسبي، إلا أن يقال مراده التنويع في المضاف إليه ذكوره وأنوثة ح.
قوله: (كأن يكون له أخ نسبي له أم رضاعية) تبع في هذه العبارة النهر.
قال ح: وصوابه كأن يكون له أخ رضاعي له أم نسبية كما لا يخفى قوله: (وهذا من خواص كتابنا) اعلم أن ابن وهبان في شرح منظومته أوصلها إلى نيف وستين، وبينها صاحب البحر وزاد عليها حتى أوصلها إلى إحدى وثمانين وقال: إنه من خواص هذا الكتاب، وأوصلها في النهر
إلى مائة وثمانية وقال: إنها من خواص كتابه، فأراد الشارح أن يوصلها إلى مائة وعشرين بزيادة العاشرة من الصور لتكون من خواص كتابه كما قال، لكنها ما تمت له.
أفاده ح: أي بل بقي العدد مائه وثمانية.
قوله: (وهو ظاهر) كأن يكون له أخ رضاعي رضع مع بنت من امرأة أخرى.
قوله: (فهو) أي قوله: نسبا ط.
قوله: (للزوم التكرار) لانه إذا اتصل بالمضاف فقط كان المضاف إليه من الرضاع أو بالمضاف إليه فقط كان المضاف من الرضاع، وهما داخلان في قوله: وتحل أخت أخيه رضاعا ح.
قوله: (لكونهما أخوين) أي شقيقين إن كان اللبن الذي شرباه منها لرجل واحد أو لام إن لم يكن كذلك وقد يكونان لاب كما إذا كان لرجل امرأتان وولدتا منه فأرضعت كل واحدة صغيرا فإن الصغيرين أخوان لاب، حتى لو كان أحدهما أنثى لا يحل النكاح بينهما كما ذكره مسكين ح.
قوله: (وإن اختلف الزمن) كأن أرضعت الولد الثاني بعد الاول بعشرين سنة مثلا وكان كل منهما في مدة الرضاع.
قوله: (وولد مرضعتها) أي من النسب، أما الذي من الرضاع فإنه وإن كان كذلك لكنه فهم حكمه من قوله: ولا حل بين رضيعي امرأة ح.
وأطلقه فأفاد التحريم وإن لم ترضع ولدها النسبي، بخلاف ما إذا كالولدان أجنبيين فإنه لا بد من ارتضاعهما من امرأة واحدة(3/238)
كما أفادته الجملة الاولى، ولهذا لم يستغن بها عن هذه الجملة، وما في البحر والمنح رده في النهر، وشمل أيضا ما لو ولدته قبل إرضاعها للرضيعة أو بعده ولو بسنين.
فرع: في البحر آخر المبسوط: لو كانت أم البنات أرضعت أحد البنين وأم البنين أرضعت إحدى البنات لم يكن للابن المرتضع من أم البنات أن يتزوج واحدة منهن، وكان لاخوته أن يتزوجوا بنات الاخرى، إلا الابنة التي أضرعتها أمهم وجدها لانها أختهم من الرضاعة.
قوله: (أي التي أرضعتها) تفسير للمضاف إلى الضمير.
قوله: (ولبن بكر) المراد بها التي تجامع قط بنكاح أو سفاح وإن كانت العذرة غير باقية كأن زالت بنحو وثبة.
حموي.
والحرمة لا تتعدى إلى زوجها، حتى لو طلقها قبل الدخول له التزوج برضيعتها، لان اللبن ليس منه.
قهستاني ط، أما لو طلقها بعد الدخول فليس له التزوج بالرضيعة لانها صارت من الربائب التي دخل بأمها.
بحر عن الخانية.
قوله: (وإلا لا) أي وإن لم تبلغ تسع سنين فنزل لها لبن لا يحرم.
جوهرة.
لانهم نصوا على أن اللبن لا يتصور إلا ممن تتصور منه الولادة فيحكم بأنه ليس لبنا كما لو نزل للبكر ماء أصفر لا يثبت من إرضاعه تحريم كما في شرح الوهبانية.
قوله: (ولو محلوبا) سواء حلب قبل موتها فشربه الصبي بعد موتها أو حلب بعد موتها.
بحر.
قوله: (فيصير ناكحها) أي ناكح الرضيعة المعلومة من المقام.
أفادة ح.
قوله: (محرما للميتة) لانها أم امرأته.
بحر.
قوله: (فييممها) أي بلا خرقة إذا ماتت بين رجال فقط، أما غير المحرم فييممها بخرقة، وقيل تغسل في ثيابها.
أفاده ط.
قوله: (ويدفنها) لان الاولى بالدفن المحارم ط.
قوله: (بخلاف وطئها) أي الميتة فإنه لا يتعلق به حرمة المصاهرة.
قوله: (وفرق بوجود التغذي لا اللذة) لان المقصود من اللبن التغذي والموت لا يمنع منه، والمقصود من الوطئ اللذة المعتادة وذلك لا يوجب في الميتة.
بحر عن الجوهرة.
وإذا انتفت اللذة المعتادة بالوطئ لكون الميتة ليست محلا له عادة صارت كالبهيمة أبلغ، لان الموت منفر طبعا فيلزم انتفاء قصد الولد الذي هو في الحقيقة علة حرمة المصاهرة، فالمراد نفي اللازم بانتفاء الملزوم فلا يرد أن اللذة ليست هي العلة، فافهم.
قوله: (ومخلوط) عطف على لبن ميتة: أي وكذا يحرم لبن امرأة مخلوط بماء الخ اه ح.
ومثل الماء كل مائع بل والجامد كذلك.
أفاده في النهي ط.
قوله: (إذا غلب لبن المرأة) أي على أحد المذكورات، وفسر الغلبة في أيمان الخانية من حيث الاجزاء.
وقال هنا: فسرها محمد في الدواء بأن يغيره عن كونه لبنا.
وقال الثاني: إن غير الطعم واللون لا إن غير أحدهما.
نهر، ونحوه في البكر.
ووفق في الدرر المنتقى فقال: تعتبر الغلبة بالاجزاء في الجنس، وفي غيره بتغير طعم أو لون أو ريح كما روي عن أبي يوسف اه.
إلا أنه اعتبر التغير في غير الجنس بوصف واحد والمذكور آنفا أنه لا يعتبر إلا إذا غير الطعم واللون، نعم يوافقه ما في الهندية من اعتبار أحد الاوصاف إلا أنه لم يعزه لابي يوسف ط.
قوله: (وكذا إذا استويا) أي لبن المرأة وأحد المذكورات ح.
قوله: (لعدم الاولوية) علة لاستواء لبن المرأتين، وأفاد به ثبوت التحريم منهما.
وأما علة استواء لبن المرأة مع الباقي فهي أن لبنها غير مغلوب فلم يكن مستهلكا كما في(3/239)
البحر.
قوله: (وعلق محمد الخ) مقابل لما أفاده كلام المصنف من أنه لو كان لبن إحدى المرأتين غالبا تعلق التحري به فقط، ولو استويا تعلق بهما.
قوله: (مطلقا) أي تساويا أو غلب أحدهما لان الجنس لا يغلب الجنس ح.
قوله: قيل وهو الاصح) قال في البحر: وهو رواية عن أبي حنيفة.
قال في الغاية: وهو أظهر وأحوط.
وفي شرح المجمع: قبل إنه الاصح اه.
وهو الشرنبلالية: ورجح بعض المشايخ قول محمد، وإليه مال صاحب الهداية لتأخيره دليل محمد كما في الفتح اه ح.
قوله: (مطلقا) أي سواء كان غالبا أو مغلوبا عند الامام وقال: إن كان غالبا يحرم، والخلاف مقيد بالذي لم تمسه النار، فإذا طبخ فلا تحريم مطلقا اتفاقا، وبما إذا كان الطعام ثخينا، أما إذا كان رقيقا يشرب اعتبرت الغلبة اتفاقا، قيل وبما إذا لم يكن اللبن متقاطرا عند رفع اللقمة، أما معه فيحرم اتفاقا، والاصح عدم اعتبار التقاطر على قوله.
نهر.
قوله: (وإن حساه حسوا) في القاموس: حسا زيد المرق: شربه شيئا بعد شئ.
بحر، وما أفاده من أنه لا يحرم وإن حساه مخالف لما ذكرناه آنفا عن النهر، وكذا ما جزم به في الفتح من أن الطعام لو كان رقيقا يشرب اعتبرنا غلبة اللبن إن غلب وأثبتنا الحرمة، وكذا مفي الخانية لو حساه حسوا تثبت الحرمة في قولهم جميعا، وكذا في البحر عن المستصفى وقال: إن وضع محمد في الاكل يدل عليه اه: أي يدل على أن الشرب محرم، نعم نقل ح عن مجمع الانهر عن الخانية أنه قيل: إنه لا تثبت الحرمة بكل حال، وإليه مال السرخسي وهو الصحيح كما في أكثر الكتب اه.
قلت: والذي رأيته في الخانية وكذا في البحر عنها هو ما نقلناه عنها آنفا، وليس فيها ما ذكره عن السرخسي، والمنقول عن السرخسي ليس في الحسو بل في غيره.
ففي الذخيرة: قيل إنما لا تثبت الحرمة على قول أبي حنيفة إذا كان لا يتقاطر اللبن عند حمل اللقمة، فلو يتقاطر تثبت، وقيل لا تثبت وإليه مال شمس الائمة السرخسي.
وذكر شيخ الاسلام: إنما لا تثبت على قول أبي حنيفة إذا أكل لقمة لقمة، فلو حساه حسوا تثبت اه.
فما قاله شمس الائمة إنما هو عدم اعتبار التقاطر عند الاكل وهو الاصح كما مر عن النهر، وصرح بتصحيحه أيضا في الهداية وغيرها، وكلامنا فيما إذا كان الطعام رقيقا يشرب حسوا، وهذا تثبت به الحرمة كما سمعته، ولم أر من صحح خلافه، ولا
يقال: يلزم من تقاطر اللبن عند رفع اللقمة أن يكون الطعام رقيقا يشرب، لانه لو كان كذلك لم يكن التقاطر من اللبن وحده بل يكون منهما معا، فعلم أن المراد كون الطعام ثخينا لا يشرب، ولفظ اللقمة مشعر بذلك أيضا، فافهم.
قوله: (وكذا لجبنه) قال في البحر: ولو جعل اللبن مخيضا أو رائبا أو شيرازا أو جبنا أو أقطا أو مصلا فتناوله الصبي لا تثبت به الحرمة، لان اسم الرضاع لا يقع عليه، وكذا لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم ولا يكتفي به الصبي في الاغتذاء فلا يحرم اه ح.
وفي القاموس: اللبن المخيض: ما أخذ زبده.
والشيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه.
والاقط مثلث ويحرك: شئ يتخذ من المخيض الغنمي.
والمصل: اللبن يوضع في وعاء خوص أو خزف ليقطر ماؤه اه ط.
قوله: (ولا الاحتقان) في المصباح: حقنت المريض: إذا أوصلت الدواء إلى باطنه من مخرجه بالمحقنة واحتقن هو، والاسم الحقنة مثل الغرفة من الاغتراف، ثم أطلقت على ما يتداوى به، والجمع حقن مثل غرفه وغرف اه بحر.(3/240)
والمناسب أن يقال: ولا الحقن أي حقن الصبي باللبن، إذ الاحتقان من احتقن، وهو فعل قاصر، والصبي لا يحتقن بنفسه بل يحقنه غيره، ولا يصح أخذه من احتقن المبني للمجهول لانه لا يبنى من القاصر، ولا يلزم من تفسير الاحتقان في تاج المصادر بعمل الحقنة تعديته المفعول الصريح كالصبي في عبارة الهداية حيث قال: إذا احتقن الصبي، خلافا لما في النهاية والمعراج كما حققه في الفتح، وتنظير النهر فيه نظر، فتدبر.
قوله: (والافطار) في بعض النسخ الاقتطار من الافتعال، والظاهر أنه تحريف.
قوله: (وجائفة) الجراحة في الجوف.
والآمة بالمد والتشديد: الجراحة في الرأس تصل إلى أم الدماغ.
قوله: (ومشكل) أي خنثى مشكل.
قوله: (إلا إذا قال الخ) لانه حينئذ يتضح أنه امرأة كما ذكروه في باب الخنثى فيثبت به التحريم.
رحمتي.
قوله: (وإلا لا) تكرار لانه علم من إطلاق قوله: ومشكل بدليل الاستثناء.
قوله: (لعدم الكرامة) لان ثبوت الحرمة بالرضاع بطريق الكرامة للجزئية فلم تعتبر الشاة أم الصبي وإلا لكان الكبش أباه، والاختية فرع الامية، وتمام تحقيقه في الفتح.
قوله: (ولو أرضعت الكبيرة) أطلقها فشمل المدخولة وغيرها، وسواء كان لبنها منه أو من
غيره وقع الارضاع قبل الطلاق أو بعده في عدة رجعي أو بائن بينونة صغرى أو كبرى، فقوله: ولو مبانة يفهم منه حكم الرجعية بالاولى، لان الزوجية قائمة من كل وجه، ثم التقيد بها ليس احترازيا، لان أخت الكبيرة وأمها بنتها نسبا ورضاعا إن دخل بالكبيرة مثلها للزوم الجمع بين المرأة وبنت أختها في الاول وبين الاختين في الثاني وبين المرأة وبنت بنتها في الثالث، وليس له أن يتزوج بواحدة منهما قط ولا المرضعة أيضا، وإن لم يكن دخل بالكبيرة في الثالث فإن المرضعة لا تحل له لكونها أم امرأته، ولا الكبيرة لكونها أم أم امرأته، وتحل الصغيرة لكونها ابنة ابنة امرأته ولم يدخل بها، وتمامه في البحر ط.
قوله: (ضرتها الصغيرة) أي التي في مدة الرضاع، ولا يشترط قيام نكاح الصغيرة وقت إرضاعها، بل وجوده فيما مضى كاف لما في البدائع: لو تزوج صغيرة فطلقها ثم تزوج كبيرة لها لبن فأرضعتها حرمت عليه لانها صارت أم منكوحة كانت له فتحرم بنكاح البنت اه بحر.
وإن كان دخل بالام حرمت الصغيرة أيضا، لا لانه صار جامعا بينهما، بل لان الدخول بالامهات يحرم البنات، والعقد على البنات يحرم الامهات، والرضاع الطارئ على النكاح كالسابق.
وفي الخانية: لو زوج أم ولده بعبده الصغير فأرضعته بلبن السيد حرمت على زوجها وعلى مولاها، لان العبد صار ابنا للمولى فحرمت عليه لانها كانت موطوءة أبيه، وعلى المولى لانها امرأة ابنه اه.
نهر.
قوله: (وكذا لو أوجره) أي لبن الكبيرة رجل في فيها: أي الصغيرة، وأشار إلى أن الحرمة لا تتوقف على الارضاع بل المدار على وصول لبن الكبيرة إلى جوف الصغيرة، فتبين كلاهما منه، ولكل نصف الصداق على الزوج، ويغرم الرحل للزوج نصف مهر كل واحدة منهما إن تعمد الفساد بأن أرضعها من غير حاجة، بأن كانت شبعى، ويقبل قوله إنه يتعمد الفساد.
بحر.
قوله: (إن دخل بالام) سواء كان اللبن منه أو من غيره، وسواء وقع الارضاع في النكاح أو بعد الطلاق ولو بائنا ولو بعد العدة، أما إذا كان اللبن منه ووقع الارضاع في النكاح أو عدة الرجعي أو البائن أو بعد العدة حرمتا أبدا(3/241)
وانفسخ النكاح في الاوليين.
أما حرمة الصغيرة فلانها صارت بنته وبنت مدخولته رضاعا، وأما حرمة الكبيرة وإذا كان اللبن من غيره حرمتا أيضا وانفسخ النكاح في
الاوليين، أما حرمة الصغيرة فلانها بنت مدخولته رضاعا، وأما حرمة الكبيرة فلانها أم معقودته رضاعا.
أفاده ح.
وذكر في البحر أن النكاح لا ينفسخ، لان المذهب عنه علمائنا أن النكاح لا يرتفع بحرمة الرضاع والمصاهرة بل يفسد، حتى لو وطئها قبل التفريق لا يحد، نص عليه محمد في الاصل اه.
ثم قال: وينبغي أن يكون الفساد في الرضاع الطارئ على النكاح: أي كما هنا، أما لو تزوجها فشهدا أنها أخته ارتفع النكاح، حتى لو وطئها يحد، ولها التزوج بعد العدة من غير متاركة اه.
قال الرملي: لكن سيأتي أنه لا تقع الفرقة إلا بتفريق القاضي، فراجعه.
تأمل اه.
قوله: (أو اللبن منه) هذا يقتضي إمكان انفراد كون اللبن منه عن كونها مدخولة، وهو فاسد لانه يلزم من كون اللبن منه أن تكون مدخولة.
وفي نسخة واللبن منه بالواو، وهي فاسدة أيضا لانها تقتضي عدم حرمتها إذا كانت مدخولة واللبن من غيره، وهو ظاهر البطلان، فالصواب إسقاطها اه ح.
قلت: والشارح متابع للبحر والنهر والمقدسي.
وأجاب عنه ط بإمكان أن تكون حبلى من زناه بها فنزل لها لبن فأرضعتها به فقد حرمتا واللبن منه مع عدم تحقيق الدخول اه.
وفيه أن الحبل من الزنى دخول بها، وحمل الدخول المذكور على الدخول في النكاح اللاحق لا فائدة فيه بعد تحقق الدخول في الزنى السابق.
وأجاب السائحاني بالحمل على ما إذا طلق ذات لبنه ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج آخر وبقي لبنها فأرضت به ضرتها وفيه ما علمت.
والاحسن الجواب بأن قوله: إن دخل بالام على تقدير قولنا واللبن من غيره، وقوله: أو اللبن منه عطف على هذا المقدار وهو القرينة على هذا التقدير لتحصيل المقابلة بين المتعاطفين، ولو قال: واللبن منه أولا، لكان أوضح وأولى.
قوله: (وإلا) أي وإن لم تكن مدخولة ولبنها حينئذ من غيره قطعا، وهذا شامل لما إذا كان الارضاع قبل الطلاق أو بعده، فإن كان قبله انفسخ نكاحهما لكونه جامعا بين البنت وأمها رضاعا.
وله أن يعيد العقد على البنت لعدم الدخول بالام، وإن كان بعده لا ينفسخ نكاح البنت، وحرمت الام أبدا في الصورتين للعقد على البنت، وكلام الشارح قاصر على الصورة الاولى اه ح.
قوله: (إن لم توطأ) فلو وطئت لها كمال المهر مطلقا، لكن لا نفقة لها في هذه العدة إذا جاءت الفرقة من قبلها وإلا فلها النفقة.
بحر.
قوله: (لمجئ الفرقة منها) فصار كردتها، وبه يعلم أنها لو كانت مكرهة أو
نائمة فارتضعتها الصغيرة أو أخذ شخص لبنها فأوجر به الصغيرة أو كانت الكبيرة مجنونة كان لها نصف المهر لانتفاء إضافة الفرقة إليها.
بحر.
قوله: (لعدم الدخول) تعليل لتصنيف المهر، وأما علة أصل استحقاقها له فهي وقوع الفرقة لا من جهتها، والارتضاع وإن كان فعلها وبه وقع الفساد لكن لا يؤثر في إسقاط حقها لعدم خطابها بالاحكام كما لو قتلت مورثها، ولانها مجبورة طبعا عليه، وإنما سقط مهرها بارتداد أبويها ولحاقها بهما مع أنها لا فعل منها أصلا، لان الردة محظورة في حق الصغيرة أيضا، وإضافة الحرمة إلى ردتها التابعة أبويها والارتضاع لا حاظر فيستحق النظر فتستحق المهر اه.
ملخصا من الفتح وغيره.
قوله: (لعدم الدخول) إذ لا يتأتى في الرضيعة.
قوله: (وكذا على المؤجر) أي يرجع الزوج عليه بما لزم الزوج وهو نصف صداق كل منهما كما قدمناه.
بحر.
وقدمنا(3/242)
عنه أيضا أن الشرط فيه أيضا تعمد الفساد.
قوله: (إن تعمدت الفساد) قيد في الرجوع عليها، أما سقوط مهرها قبل الوطئ فلا يشترط له تعمد الفساد.
ط عن أبي السعود.
قوله: (بأن تكون عاقلة) فلا رجوع على المجنونة والمكرهة والنائمة.
وفيه أن اشتراط العلم يغني عن قوله: عاقلة متيقظة أفاده في النهر.
قوله: (ولم تقصد الخ) فلو أرضعتها على ظن أنها جائعة ثم ظهر أنه شبعانة لا تكون متعمدة.
بحر.
قوله: (يشترط فيه) أي في التضمين به التعدي كحافر البئر، إن كان في ملكه لا يضمن وإلا ضمن، وتمامه في البحر.
قوله: (والقول لها) أي في أنها لم تتعمد مع يمينها.
بحر.
قوله: (طلق ذات لبن) أي منه، بأن ولدت منه، لانه لو تزوج امرأة ولم تلد منه قط ونزل لها لبن وأرضعت ولدا لا يكون الزوج أبا للولد، لان نسبته إليه بسبب الولادة منه، وإذا انتفت انتفت النسبة فكان كلبن البكر، ولهذا لو ولدت للزوج فنزل لها لبن فأرضعت به ثم جف لبنها ثم در فأرضعته صبية فإن لابن زوج المرضعة التزويج بهذه الصبية، ولو كان صبيا كان له التزوج بأولاد هذا الرجل من غير المرضعة.
بحر عن الخانية.
قوله: (ويكون ربيبا للثاني) فيحل له التزوج ببنات الثاني من غير المرضعة.
بحر.
قوله: (والوطئ بشبهة كالحلال) صورته: وطئت امرأة بشبهة فحبلت وولدت ثم تزوجت ثم أرضعت صبيا كان ابنا للوطئ بشبهة لا للزوج، ومثله صورة الزنى اه ح.
قوله:
(فتح) وذلك حيث قال: ولبن الزنى كالحلال، فإذا أرضعت به بنتا حرمت على الزاني وآبائه وأبنائه وإن سفلوا.
وفي التجنيس عن الجرجاني: ولعم الزاني التزوج بها كالمولودة من الزاني لانه لم يثبت نسبها من الزاني، والتحريم على آباء الزاني وأولاده للجزئية ولا جزئية بينها وبين العم، وإذا ثبت هذا في المتولدة من الزنى فكذا في المرضعة بلبن الزنى: قال في الخلاصة: وكذا لو لم تحبل من الزنى وأرضعت لا بلبن الزنى تحرم على الزاني كما تحرم بنتها عليه.
وذكر الوبري أن الحرمة تثبت من جهة الام خاصة ما لم يثبت النسب، فحينئذ تثبت من الاب، وكذا ذكر الاسبيجابي وصاحب الينابيع، وهو أوجه، لان الحرمة من الزنى للبعضية وذلك في المولود نفسه لانه مخلوق من مائه دون اللبن، إذ ليس اللبن كائنا من منيه لانه فرع التغذي وهو لا يقع إلا بما دخل من أعلى المعدة لا من أسفل البدن كالحقنة فلا إنبات فلا حرمة، بخلاف ثابت النسب لان النص أثبت الحرمة منه.
وإذا ترجح عدم حرمة الرضيعة بلبن الزاني على الزاني فعدمها على من ليس اللبن منه أولى، خلافا لما في الخلاصة، ولانه يخالف المسطور في الكتب المشهورة، إذ يقتضي تحريم بنت المرضعة بلبن غير الزوج على الزوج بطريق أولى اه.
كلام الفتح ملخصا.
وحاصله أن في حرمة الرضيعة بلبن الزنى على الزاني وكذا على أصوله وفروعه روايتين، كما صرح به القهستاني أيضا، وإن الاوجه رواية عدم الحرمة، وإن ما في الخلاصة من أنها لو رضعت لا(3/243)
بلبن الزاني تحرم على الزاني، مردود لان المسطور في الكتب المشهورة أن الرضيعة بلبن غير الزوج لا تحرم على الزوج كما تقدم في قوله: طلق ذات لبن الخ وكلام الخلاصة يقتضي تحريمها بالاولى، وما في الفتاوى إذا خالف ما في المشاهير من الشروح لا يقبل، هذا تقرير كلام الفتح، وقد وقع في فهمه خبط كثير، منه ما ادعاه في البحر من أن محل الخلاف أصول الزاني وفروعه، وأنها لا تحل للزاني اتفاقا اه.
والحاصل كما قال في البحر أن المعتمد في المذهب أن لبن الزاني لا يتعلق به التحريم،
وظاهر المعراج والخانية أن المعتمد ثبوته اه.
قلت: وذكر في شرح المنية أنه لا يعدل عن الدراية إذا وافقتها رواية، وقد علمت أن الوجه مع رواية عدم التحريم.
قوله: (قال لزوجته) التقييد بالزوجة لقوله بعده فرق بينهما وإلا فقوله ذلك لاجنبية قبل العقد عليها كذلك.
قوله: (هكذا فسر الثبات في الهداية وغيرها) أتى بذلك للرد على من جعل تكرار الاقرار ثباتا أيضا مثل قوله: هو حق ونحوه، وجزم في البحر بأنه ليس مثله، وهذه المسألة صارت واقعة الفتوى في زمن العلامة عبد البر بن الشحنة، خالفه فيها بعض معاصريه وعقد لها مجالس عديدة بأمر السلطان قايتباي، وكتب خطوط العلماء من المذاهب الاربعة كما ذكره المقدسي في شرحه، وسرد فيه نصوص أئمتنا، ثم قال: ظاهر هذه العبارات أن الثبات على الاقرار المانع عن الرجوع هو أن يقول ما قلته حق، أو ما أقررت به ثابت، وأما تكرار الاقرار فلا يكون مانعا،.
وقد لوح المصنف في مسائل شتى من المنح آخر الكتاب إلى تلك الواقعة، وأنها عرضت على شيخ الاسلام زكريا الشافعي فأجاب بما فيه كفاية اه.
قلت: ورأيتها في فتاوى شيخ الاسلام زكريا فقال بعد عرض النقول من كلام أئمتنا ما صورته: صريح هذه النقول ومنطوقها مع العلم بوقوع العطف التفسري في الكلام الفصيح ومع النظر إلى ما هو واجب من الجمع بين كلام الائمة المذكورين وغيرهم، ومن النظر إلى المعنى المفهوم من كلامهم شاهد بأن المراد بالثبات والدوام والاصرار واحد بأن المقر بأخوة الرضاع ونحوها إن ثبت على إقراره لا يقبل رجوعه عنه وإلا قبل، وبأن الثبات عليه لا يحصل إلا بالقول بأن يشهد على نفسه بذلك، أو يقول هو حق أو كما قلت أو ما في معناه، كقوله هو صدق أو صواب أو صحيح أو لا شك فيه عندي، إذ لا ريب أن قوله صدق آكد من قوله هو كما قلت، فكلام من جمع بين هو حق وكما قلت كما فعل في السراج الهندي محمول على التأكيد، وكلام من اقتصر على بعضها ولو بطريق الحصر مؤول بتقدير أو ما في معناه كما قلنا في قوله تعالى: * (قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد) * (سورة الانبياء: الآية 801) وقوله (ص): إنما الربا في النسيئة وليس في منطوق النصوص المذكور أن التكرار يقوم مقام قوله: هو حق أو ما في معناه حتى يمتنع الرجوع بعده، نعم يؤخذ
من قول صاحب المبسوط: ولكن الثابت على الاقرار كالمجدد له بعد العقد أنه إذا أقر بذلك قبل عقد ثم أقر به بعده يقوم مقام ذلك اه.(3/244)
قلت: لكن مراد صاحب المبسوط بقوله كالمجدد الخ: أي مع الثبات، لان مراده بيان أن الاقرار قبل العقد بمنزلة الاقرار بعده في إثبات الحرمة لان عبارته هكذا: ولكن الثابت على الاقرار كالمجدد له بعد العقد وإقراره بالحرمة بعد العقد صحيح موجب للفرقة، فكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت عليه حتى تزوجها.
ثم قال في مسألة الاقرار بعد العقد: ولو ثبت على هذا النطق وقال هو حق وشهدت عليه الشهود بذلك فرقت بينهما اه.
وفي البدائع: أما الاقرار، فهو أن يقول لامرأة تزوجها هي أختي من الرضاع ويثبت على ذلك ويصر عليه فيفرق بينهما، وكذلك إذا أقر بهذا قبل النكاح وأصر على ذلك ودام عليه لا يجوز له أن يتزوجها اه.
قلت: ووجه ذلك أن الرضاع لما كان مما يخفى لانه لا يعلمه إلا بالسماع من غيره لم يمنع التناقض فيه لاحتمال أنه لما أقر به بناء على ما أخبره به غيره تبين له كذبه فرجع عن إقراره ولا فرق في ذلك بين كونه أقر مرة أو أكثر، بخلاف ما إذا شهد على إقراره أو قال هو حق أو نحوه، فإنه يدل على علمه بصدق المخبر، وأنه جازم به فلا يقبل رجوعه بعده.
قوله: (فرق بينهما) أي ولو جحد بعد ذلك، لان شرط الفرقة وهو الثبات قد وجد فلا ينفعه الجحود بعده.
ذخيرة.
قوله: (جاز) أي صح النكاح.
قوله: (لان الحرمة ليست إليها) أي لم يجعلها الشارع لها فلا يعتبر إقرارها بها ط: قوله: (في جميع الوجوه) أي سواء أقرت قبل العقد أو لا، وسواء أصرت عليه أو لا، بخلاف الرجل فإن إصراره مثبت للحرمة كما علمت.
ويفهم مما في البحر عن الخانية أن إصرارها قبل العقد مانع من تزوجها به، ونحوه في الذخيرة، لكن التعليل المذكور يؤيد عدمه.
قوله: (بزازية) ذكر ذلك في البزازية آخر كتاب الطلاق حيث قال: قالت لرجل: إنه أبي رضاعا وأصرت عليه، يجوز أن يتزوجها إذا كان الزوج ينكره،
وكذا إذا أقر به ثم أكذبته فيه لا يصدق على قولها، لان الحرمة ليست إليها، حتى ولو أقرت به بعد النكاح لا يلتفت إليه، وهذا دليل على أن لها أن تزوج نفسها منه في جميع الوجوه، وبه يفتى اه.
قوله: (ومفاده الخ) هذا ذكره في الخلاصة عن الصغرى للصدر الشهيد بلفظ: وفيه دليل على أنها لو ادعت الطلقات الثلاث وأنكر الزوج حل لها أن تزوج نفسها منه، وذكره في البزازية آخر الطلاق بقوله: قالت طلقني ثلاثا ثم أرادت تزويج نفسها منه ليس لها ذلك أصرت عليه أو أكذبت نفسها، ونص في الرضاع على أنها إذا قالت: هذا ابني رضاعا وأصرت عليه جاز له أن يتزوجها، لان الحرمة ليست إليها.
قالوا: وبه يفتى في جميع الوجوه اه كلام البزازية، فقوله: ونص الخ يريد به الاستدلال على أن لها التزوج به في مسألة الطلاق كما فعل في الخلاصة، وبهذا يعلم ما في كلام الشارح قبيل باب الايلاء حيث ذكر عبارة البزازية هذه وأسقط قوله: ونص في الرضاع الخ قوله: (حل لها تزوجه) لان الطلاق في حقها مما يخفى لاستقلال الرجل، فصح رجوعها.
نهر أي حل في(3/245)
الحكم، أما فيما بينها وبين الله تعالى فلا إذا كانت عالمة بالثلاث ح.
قوله: أو أقرا بذلك) أي بأخوة الرضاع: أي ولم يصر الرجل على إقراره، فإنه إذا أصر لا ينفعه إكذاب نفسه بعده كما مر.
قوله: (وإن ثبت عليه فرق بينهما) أي إذا لم يكن لها نسب معروف وكانت تصلح أما له أو بنتا له فيفرق بينهما لظهور السبب بإقراره مع إصراره.
وإن كان لها نسب معروف أو لا تصلح أما له أو بنتا له لا يفرق بينهما وإن دام على ذلك، لانه كاذب في إقراره بيقين.
بدائع.
قوله: (حجته الخ) أي دليل إثباته وهذا عند الانكار لانه يثبت بالاقرار مع الاصرار كما مر.
قوله: (وهي شهادة عدلين الخ) أي من الرجال.
وأفاد أنه لا يثبت بخبر الواحد امرأة كان أو رجلا قبل العقد أو بعده، وبه صرح في الكافي والنهاية تبعا، لما في رضاع الخانية: لو شهدت به امرأة قبل النكاح فهو في سعة من تكذيبها، لكن في محرمات الخانية إن كان قبله والمخبر عدل ثقة لا يجوز النكاح، وإن بعده وهما كبيران فالاحوط التنزه، وبه جزم البزازي معللا بأن الشك في الاول وقع في الجواز، وفي الثاني في البطلان، والدفع أسهل من الرفع.
ويوفق بحمل الاول على ما إذا لم تعلم عدالة المخبر أو على ما في المحيط من أن فيه روايتين، ومقتضاه أنه بعد العقد لا يعتبر اتفاقا، لكن نقل الزيلعي عن المغني: وكراهية الهداية أن خبر الواحد مقبول في الرضاع الطارئ بأن كان تحته صغيرة فشهدت واحدة بأن أمه أو أخته أرضعتها بعد العقد.
قلت: ويشير إليه ما مر من قول الخانية: وهما كبيران، لكن قال في البحر بعد ذلك: إن ظاهر المتون أنه لا يعمل به مطلقا، فليكن هو المعتمد في المذهب.
قلت: وهو أيضا ظاهر كلام كافي الحاكم الذي هو جمع كتب ظاهر الرواية، وفرق بينه وبين قبول خبر الواحد بنجاسة الماء أو اللحم، فراجعه من كتاب الاستحسان.
تنبيه: في الهندية: تزوج امرأة فقالت امرأة أرضعتكما فهو على أربعة أوجه: أن صدقاها فسد النكاح ولا مهر إن لم يدخل، وإن كذباها وهي عدلة فالتنزه المفارقة والافضل له إعطاء نصف المهر لو لم يدخل، والافضل لها أن لا تأخذ شيئا، ولو دخل فالافضل دفع كماله والنفقة والسكنى، والافضل لها أخذ الاقل من مهر المثل والمسمى لا النفقة والسكنى ويسعه المقام معها، وكذا لو شهد غير عدول أو امرأتان أو رجل وامرأة، وإن صدقها الرجل وكذبتها فسد النكاح والمهر بحاله، وإن بالعكس لا يفسد ولها أن تحلفه، ويفرق إذا نكل اه.
قوله: (وعدلتين) أي ولو إحداهما المرضعة، ولا يضر كون شهادتها على فعل نفسها لانه لا تهمة في ذلك كشهادة القاسم والوزان والكيال على رب الدين حيث كان حاضرا.
بحر.
قلت: وما في شرح الوهبانية عن النتف من أنه لا تقبل شهادة المرضعة عند أبي حنيفة وأصحابه، فالظاهر أن المراد إذا كانت وحدها احترازا عن قول مالك وإن أوهم نظم الوهبانية(3/246)
خلاف ذلك، فتأمل.
قوله: (لتضمنها) أي الشهادة حق العبد: أي إبطال حقه وهو حل التمتع فلا بد من القضاء: أي إن لم توجد المتاركة لما في النهر: الحاصل أن المذهب عندنا كما قال الزيلعي في اللعان أن النكاح لا يرفع بحرمة الرضاع والمصاهرة، بل يفسد، حتى لو وطئها قبل التفريق لا يجب
عليه الحد، اشتبه الامر أو لم يشتبه، نص عليه في الاصل.
وفي الفاسد لا بد من تفريق القاضي أو المتاركة بالقول في المدخول بها، وفي غيرها يكتفي بالمفارقة بالابدان كما مر اه.
قوله: (الظاهر لا) كذا استظهره في البحر مستندا لمسألة الطلاق المذكورة، ومثلها الشهادة بعتق الامة ونحوها من المسائل الاربعة عشر التي تقبل الشهادة فيها حسبة بلا دعوى، وهي مذكورة في قضاء الاشباه فتزاد هذه عليها.
قوله: (ثم ماتا) أي الشاهدان.
قوله: (لا يسعها المقام معه) لان هذه شهادة لو قامت عند القاضي يثبت الرضاع، فكذا إذا أقامت عندها.
خانية.
قوله: (وقيل لها التزوج ديانة) أشار إلى ضعفه، لما في شرح الوهبانية عن القنية عن العلاء الترجماني أنه لا يجوز في المذهب الصحيح اه.
وجزم به الشارح في آخر باب الرجعة، فافهم.
قوله: (قضى القاضي) أي المجتهد أو المقلد كمالكي.
قوله: (لم لينفذ) لانه من المسائل التي لا يسوغ فيها الاجتهاد، وهي نيف وثلاثون مذكورة في قضاء الاشباه.
قوله: مص رجل.
قيد به احترازا عما إذا كان الزوج صغيرا في مدة الرضاع فإنها تحرم عليه.
قوله: (ولبنهما من رجل) أي واحد، وقيد به ليتصور التحريم بين الصغيرتين لانهما صارتا أختين لاب رضاعا، أما لو كان لبن كل واحدة من رجل لم تحرم الصغيرتان، والمراد بالرجل غير الزوج، إذ لو كان لبنهما من الزوج ففي الفتح أن الصواب وجوب الضمان على كان منهما، لان كلا أفسدت، لصيرورة كل صغيرة بنتا له، خلافا لمن حرف المسألة وقال: لبنهما منه بدل قوله: من رجل اه.
قوله: (لم يضمنا الخ) بخلاف ما مر فيما لو أرضعت الكبيرة ضرتها متعمدة الفساد حيث ضمنت، لان فعل الكبيرة هناك مستقل بالافساد فيضاف الافساد إليها، أما هنا ففعل كل من الكبيرتين غير مستقبل بها فلا يضاف إلى واحدة منهما، لان الفساد باعتبار الجمع بين الاختين منهما، بخلاف الحرمة هناك لانه للجمع بين الام والبنت وهو يقوم بالكبيرة.
فتح ملخصا.
قوله: (غرم المهر) أي يجب المهر على الاب ويرجع به على الابن، والمسألة مذكورة في الهندية في المحرمات، وقيدها بما إذا كانت الزوجة مكرهة وصدق الزوج أن التقبيل بشهوة لتقع الفرقة، وإلا(3/247)
فالقول له اه.
وأما لو كانت مطاوعة فلا مهر لها، لان الفرقة جاءت من قبلها، ثم ينبغي كما قاله
الرحمتي أن يكون ذلك مقيدا بما قبل الدخول، وأن المراد بالمهر نصفه، أما بعد الدخول فلاغرم، لان المهر وجب بالدخول والاب قد استوفاه، كما قالوا في رجوع شاهدي الطلاق: إن كان قبل الدخول غرما نصف المهر، وإن بعده فلا غرم أصلا.
قوله: (وقال ذلك) أي تعمدت الفساد.
قوله: (لا) أي لا يغرما لزم الاب من نصف المهر.
بزازية.
وتعبيره بالنصف مؤيد لما قاله الرحمتي قوله: (فلم يلزم المهر) لانه لا يجمع بين حد ومهر.
بزازية، والله تعالى أعلم، وله الحمد على ما علم.(3/248)
كتاب الطلاق لما ذكر النكاح وأحكامه اللازمة والمتأخرة عنه شرع فيما به يرتفع، وقدم الرضاع لانه يوجب حرمة مؤبدة، بخلاف الطلاق تقديما للاشد على الاخف.
بحر.
قوله: (لكن جعلوه الخ) عبارة البحر قالوا: إنه استعمل في النكاح بالتطليق وفي غيره بالاطلاق، حتى كان الاول صريحا والثاني كناية، فلم يتوقف على النية في طلقتك وأنت مطلقة بالتشديد، ويتوقف عليها في أطلقتك ومطلقة بالتخفيف اه.
قال في البدائع: وهذا الاستعمال في العرف وإن كان المعنى في اللفظين لا يختلف في اللغة، ومثل هذا جائز كما يقال حصان وحصان، فإنه بفتح الحاء يستعمل في المرأة، وبكسرها في الفرس اه.
والظاهر أنه أراد بالعرف عرف اللغة، لانه صرح في محل آخر أن الطلاق في اللغة والشرع عبارة عن رفع قيد النكاح، وصرح أيضا بما يدل على أن الطلاق في اللغة صريح وكناية، فافهم.
قوله: (وشرعا رفع قيد النكاح) اعترضهم في البحر بأمور: الاول: أنهم قالوا: ركنه اللفظ المخصوص الدال على رفع القيد فينبغي تعريفه به، لان حقيقة الشئ ركنه، فعلى هذا هو لفظ دال على رفع قيد النكاح.
الثاني: أن القيد صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز كما في البدائع، فكان هذا التعريف مناسبا للمعنى اللغوي لا الشرعي.
الثالث: أنه كان ينبغي تعريفه بأنه رفع عقد النكاح بلفظ مخصوص ولو مآلا اه.
أقول: والجواب عن الاول أن الطلاق اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق كالسلام والسراح بمعنى التسليم والتسريح، أو مصدر طلقت بضم اللام أو فتحها طلاقا كالفساد، كذا في الفتح، وتقدم أنه لغة: رفع الوثاق مطلقا: أي حسيا كوثاق البعير والاسير، ومعنويا كما هنا، وأن المعنى الشرعي مستعمل في اللغة أيضا، فقد ثبت أن حقيقة الطلاق الشرعي هو الحدث الذي هو مدلول المصدر لا نفس اللفظ، لكن لما كان أمرا معنويا لا يتحقق إلا بلفظه المستعمل فيه قبل إن ركنه اللفظ، فليس اللفظ حقيقته بل دال عليه، فلذا قال المصنف تبعا للفتح: إنه رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص.
وعن الثاني والثالث أن المراد بالقيد العقد، ولذا قال في الجوهرة: هو في الشرع عبارة عن المعنى الموضوع لحل عقدة النكاح، فقد فسره بالمعنى المصدري كما قلنا أولا وعبر عن رفع القيد بحل العقدة: أي بفك رابطة النكاح استعارة، والمراد برفع العقد رفع أحكامه، لان العقود كلمات لا تبقى بعد التكلم بها كما حققه في التلويح في بحث العلل وعن هذا قال في البدائع: وأما بيان ما يرفع حكم النكاح فالطلاق، وقال قبله: للنكاح الصحيح أحكام بعضها أصلي وبعضها من التوابع: فالاول حل الوطئ إلا لعارض.
والثاني حل النظر وملك المتعة وملك الحبس وغير ذلك اه.
وأما ما ورد في البحر من أن من آثار العقد العدة في المدخول بها فلذا لم يفسروه برفع العقد، ففيه أن العدة ليست من أحكام النكاح لانه غير موضوع لها، وكونها من آثاره لا ينافي وجودها بعد رفع أحكامه كما أن نفس الطلاق من آثار عقد النكاح، ولا يصح أن يكون من أحكامه،(3/249)
بيان ذلك أن العقود علل لاحكامها كما صرحوا به.
وقالوا أيضا: إن الخارج المتعلم بالحكم إن كان مؤثرا فيه فهو العلة، وإن كان مفضيا إليه بلا تأثير فهو السبب، وإن لم يكن مؤثرا فيه ولا مفضيا إليه: فإن توقف عليه وجود الحكم فهو الشرط، وإلا فإن دل عليه فهو العلامة، وتمامه في كتب الاصول، ولا شبهة أن عقد النكاح علة لحل الوطئ ونحوه لا لرفع الحل، بل رفع الحل علته الطلاق لانه وضع له، نعم النكاح شرطه كما أن الطلاق شرط لوجوب العدة الواجبة لاجله، فقد
صرحوا في باب العدة أن شرطها رفع النكاح أو شبهته، فالنكاح شرط لانعقاد الطلاق شرطا للعدة فصح كونها من آثاره بهذا الاعتبار، فافهم.
قوله: (في الحال البائن) متعلقان برفع.
قوله: (أو المآل) أي بعد انقضاء العدة أو انضمام طلقتين إلى الاولى، وعليه فلو ماتت في العدة أو بعد ما راجعها ينبغي أن يتبين عدم وقوع الطلقة الاولى، حتى لو حلف أنه لم يوقع عليها طلاقا قط لا يحنث.
بحر وفيه أن المراجعة تقتضي وقوع الطلاق، فقد صرح الزيلعي وغيره بأن المراجعة بدون وقوع الطلاق محال.
مقدسي.
فالصواب في تعريفه الشامل لنوعيه ما في القهستاني، من أنه إزالة النكاح أو نقصان حله بلفظ مخصوص.
قلت: ولذا قال في البدائع: أمر الطلاق الرجعي فالحكم الاصلي له نقصان العدد، فأما زوال الملك وحل الوطئ فليس بحكم أصلي له لازم حتى لا يثبت للحال بل بعد انقضاء العدة، وهذا عندنا.
وعند الشافعي زوال حل الوطئ من أحكامه الاصلية له حتى لا يحل له وطؤها قبل المراجعة.
قوله: (هو ما اشتمل على الطلاق) أي على مادة ط ل ق صريحا، مثل أنت طالق، أو كناية كمطلقة بالتخفيف وكانت ط ل ق وغيرهما كقول القاضي فرقت بينهما عند إباء الزوج الاسلام، والعنة واللعان وسائر الكنايات المفيدة للرجعة والبينونة ولفظ الخلع فتح، لكن قوله وغيرهما: أي غير الصريح والكناية يفيد أن قول القاضي فرقت، والكنايات ولفظ الخلع مما اشتمل على ما مادة ط ل ق وليس كذلك، فالمناسب عطفه على ما اشتمل، والضمير عائد على وثناه نظرا للمعنى لانه واقع على الصريح والكناية.
قوله: (فخرج الفسوخ الخ) قال في الفتح: فخرج تفريق القاضي في إبائها، وردة أحد الزوجين، وتباين الدار حقيقة وحكما، وخيار البلوغ، والعتق، وعدم الكفاءة، ونقصان المهر فإنها ليست طلاقا اه.
وقد مر نظما في باب الولي، ما هو طلاق وما هو فسخ وما يشترط فيه قضاء القاضي وما لا يشترط فراجعه.
قوله: (وبهذا) أي بزيادة قوله: أو المآل وقوله: بلفظ مخصوص.
قوله: (عبارة الكنز والملتقى) هي رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح.
قوله: (منقوضة طردا وعكسا) أي أنها غير مانعة لدخول الفسوخ فيها وغير جامعة لخروج الرجعي.
قوله: (كريبة) هي الظن والشك: أي ظن الفاحشة.
قوله: (والمذهب الاول) لاطلاق قوله تعالى: * (فطلقوهن لعدتهن
) * سورة الطلاق: الآية 1) * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) * (سورة البقرة: الآية 632) ولانه (ص) طلق حفصة لا لريبة ولا كبر، وكذا فعله الصحابة، والحسن بن علي رضي الله عنهما استكثر النكاح والطلاق.
وأما ما رواه أبو داود أنه (ص) قال: أبغض الحلال إلى الله عزوجل الطلاق فالمراد بالحلال ما ليس فعله بلازم(3/250)
الشامل للمباح والمندوب والواجب والمكروه كما قاله الشمني.
بحر.
ملخصا.
قلت: لكن حاصل الجواب أن كونه مبغوضا لا ينافي كونه حلالا، فإن الحلال بهذا المعنى يشمل المكروه وهو مبغوض، بخلاف ما إذ أريد بالحلال ما لا يترجح تركه على فعله، وأنت خبير أن هذا: الجواب مؤيد للقول الثاني، ويأتي بعده تأييده أيضا، فافهم.
قوله: (وقولهم الخ) جواب عن قوله في الفتح إن قولهم بإباحته وإبطالهم قول من قال لا يباح إلا لكبر أو ريبة بأنه (ص) طلق حفصة ولم يقترن بواحد منهما مناف لقولهم الاصل فيه الحظر، لما فيه من كفران نعمة النكاح والاباحة للحاجة إلى الخلاص، ولحديث: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق وأجاب في البحر بأن هذا الاصل لا يدل على أنه محظور شرعا، وإنما يفيد أن الاصل فيه الحظر وترك ذلك بالشرع فصار الحل هو المشروع، فهو نظير قولهم: الاصل في النكاح الحظر، وإنما أبيح للحاجة إلى التوالد والتناسل، فهل يفهم منه أنه محظور فالحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها للادلة المارة اه.
أقول: لا يخفى ما بين الاصلين من الفرق، فإن الحظر الذي هم الاصل في النكاح قد زال بالكلية، فلم يبق فيه حظر أصلا إلا لعارض خارجي بخلاف الطلاق، فقد صرح في الهداية بأنه مشروع فيه ذاته من حيث إنه إزالة الرق، وأن هذا لا ينافي الحظر لمعنى في غيره، وهو ما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية اه.
فهذا صريح في أنه مشروع ومحظور من جهتين، وأنه لا منافاة في اجتماعهما لاختلاف الحيثية كالصلاة في الارض المغصوبة، فكون الاصل فيه الحظر لم يزل بالكلية بل هو باق إلى الآن، بخلاف الحظر في النكاح فإنه من حيث كونه انتفاعا بجزء الآدمي المحترم واطلاعا على العورات قد زال للحاجة إلى التوالد وبقاء العالم.
وأما الطلاق فإن الاصل فيه الحظر، بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه، وهو معنى قولهم: الاصل فيه الحظر والاباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقا وسفاهة رأي ومجرد كفران النعمة وإخلاص الايذاء بها وبأهلها وأولادها، ولهذا قالوا: إن سببه الحاجة إلى الخلاص عند تباين الاخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله تعالى، فليست الحاجة مختصة بالكبر والريبة كما قيل، بل هي أعم كما اختاره في الفتح، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا يبقى على أصله من الحظر، ولهذا قال تعالى: * (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) * (سورة النساء: الآية 43) أي لا تطلبوا الفراق، وعليه حديث أبغض الحلال إلى الله عزوجل الطلاق قال في الفتح: ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الاوقات: أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة اه.
وإذا وجدت الحاجه المذكورة أبيح، وعليها يحمل ما وقع منه (ص) ومن أصحابه وغيرهم من الائمة صونا لهم عن العبث والايذاء بلا سبب، فقوله في البحر: إن الحق إباحته لغير حاجة طلبا للخلاص منها، إن أراد بالخلاص منها الخلاص بلا سبب كما هو المتبادر منه فهو ممنوع لمخالفته لقولهم: إن إباحته للحاجة إلى الخلاص، فلم يبيحوه إلا عند الحاجة إليه لا عند مجرد إرادة الخلاص، وإن أراد الخلاص عند الحاجة إليه فهو المطلوب.
وقوله في البحر أيضا: إن ما صححه في الفتح اختيار للقول الضعيف وليس المذهب عن علمائنا، فيه نظر، لان الضعيف هو عدم إباحته إلا لكبر أو ريبة.
والذي صححه في الفتح عدم التقييد بذلك كما هو مقتضى إطلاقهم الحاجة.(3/251)
وبما قررناه أيضا زال التنافي بين قولهم بإباحته، وقولهم إن الاصل فيه الحظر لاختلاف الحيثية، وظهر أيضا أنه لا مخالفة بين ما ادعاه أنه المذهب وما صححه في الفتح، فاغتنم هذا التحرير فإنه من فتح القدير.
قوله: (بل يستحب) إضراب انتقالي ط.
قوله: (لو مؤذية) أطلقه فشمل المؤذية له أو لغيره بقولها أو بفعلها ط.
قوله: (أو تاركة صلاة) الظاهر أن ترك الفرائض غير الصلاة كالصلاة.
وعن ابن مسعود: لان ألقى الله تعالى وصداقها بذمتي خير من أن أعاشر امرأة لا تصلي ط.
قوله: (ومفاده) أي مفاد استحباب طلاقها، وهذا قاله في البحر.
وقال ولهذا قالوا في
الفتاوى: له أن يضربها على ترك الصلاة، ولم يقولوا عليه مع أن في ضربها على تركها روايتين ذكرهما قاضيخان اه.
قوله: (لو فات الامساك بالمعروف) كما لو كان خصيا أو مجبوبا أو عنينا أو شكازا أو مسحرا.
والشكاز: بفتح الشين المعجمة وتشديد الكاف وبالزاي هو الذي تنتشر آلته للمرأة قبل أن يخالطها، ثم لا تنتشر آلته بعده لجماعها.
والمسحر بفتح الحاء المشددة وهو المسحور، ويسمى المربوط في زماننا.
ح عن شرح الوهبانية.
قوله: (لو بدعيا) يأتي بيانه.
قوله: (ومن محاسنه التخلص به من المكاره) أي الدينية والدنيوية.
بحر: أي كأن عجز عن إقامة حقوق الزوج، أو كان لا يشتهيها.
قال في الفتح: ومنها: أي من محاسنه جعله بيد الرجال دون النساء لاختصاصهن بنقصان العقل وغلبة الهوى ونقصان الدين.
ومنها شرعه ثلاثا، لان النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إليها ثم يحصل الندم فشرع ثلاثا ليجرب نفسه أولا وثانيا اه ملخصا.
مطلب: طلاق الدور قوله: (وبه) أي بكون التخلص المذكور من محاسنه، إذ لو لم يقع طلاق الدور لفاتت هذه الحكمة اه ح.
وسمي بالدور لانه دار الامر بين متنافيين، لانه يلزم من وقوع المنجز وقوع الثلاث المعلقة قبله، ويلزم من وقوع الثلاث قبله عدم وقوعه، فليس المراد الدور المصطلح عليه في علم الكلام، وهو توقف كل من الشيئين على الآخر، فيلزم توقف الشئ على نفسه وتأخره، إما بمرتبة أو مرتبتين ط.
قوله: (واقع) أي إذا طلقها واحدة يقع ثلاث: الواحدة المنجزة وثنتان من المعلقة، ولو طلقها ثنتين وقعتا وواحدة من المعلقة، أو طلقها ثلاثا يقعن فينزل الطلاق المعلق لا يصادف أهلية فيلغو، ولو قال: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثم طلقها واحدة وقع ثنتان: المنجزة والمعلقة، وقس على ذلك، كذا في فتح القدير.
قوله: (حتى لو حكم الخ) تفريع على قوله: واقع إجماعا ثم هذا ذكره المصنف أيضا عن جواهر الفتاوى، فإنه قال: ولو حكم حاكم بصحة الدور وبقاء النكاح وعدم وقوع الطلاق لا ينفذ حكمه، ويجب على حاكم آخر تفريقهما، لان مثل هذا لا يعد خلافا لانه قول
مجهول باطل فاسد ظاهر البطلان، ونقل قبله عن جواهر الفتاوى أن هذا القول لابي العباس بن سريج(3/252)
من أصحاب الشافعي، وأنه أنكر عليه جميع أئمة المسلمين، وأنه قول مخترع، فإن الامة من الصحابة والتابعين وأئمة السلف من أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما أجمعت على أن طلاق المكلف واقع اه.
قلت: لكن يشكل على دعوى الاجماع أن كثيرا من أئمة الشافعية قالوا بصحة الدور، كالمزني وابن الحداد والقفال والقاضي أبي الطيب والبيضاوي، وكذا الغزالي والسبكي، لكنهما رجعا عنه.
وقد عزا في فتح القدير القول ببطلان الدور إلى بعض المتأخرين من مشايخنا والقول بصحته، وأنها لا تطلق إلى أكثرهم، وانتصر له صاحب البحر، لكن رأيت مؤلفا حافلا للعلامة ابن حجر المكي في بطلانه، وأنه قول أكثر الشافعية، وإن القرافي من المالكية نقل عن شيخه العز بن عبد السلام الشافعي الملقب بسلطان العلماء أنه لا يصح، بل يحرم تقليد القائل بصحته وينقض قضاء القاضي به لمخالفته لقواعد الشرع، وقال: إنه شنع على القائل به جماعة من الحنفية والمالكية والحنابلة، وأنه نقل بعض الائمة عن أبي حنيفة وأصحابه الاتفاق على فساد الدور، وإنما وقع عنهم في وقوع الثلاث أو المنجز وحده، وأن شارح الارشاد قال: إن المعتمد في الفتوى وقوع المنجز، وعليه العمل في الديار المصرية والشامية، وعزاه الرافعي إلى أبي حنيفة، وأنه بالغ السروجي من الحنفية فقال: إنه يشبه مذاهب النصارى أنه لا يمكن الزوج إيقاع طلاق على زوجته مدة عمره اه ملخصا.
وذكر في فتح القدير أيضا أن القول بصحة الدور مخالف لحكم اللغة ولحكم العقل ولحكم الشرع، وقرره بما لا مزيد عليه فارجع إليه.
تنبيه: قد بان لك أن المعتمد عنه الشافعية وقوع المنجز فقط بناء على إبطال الكلام كله وهو جملة التعليق، وقد مر عن الفتح الجزم بوقوع الثلاث عندنا بناء على إبطال لفظ قبله فقط، لان الدور إنما حصل به، ونقل ابن حجر عن مغني الحنابلة حكاية القولين عندهم، وقدمنا ما يفيد أن الخلاف ثابت عندنا أيضا، والله أعلم.
قوله: (وأقسامه ثلاثة الخ) يأتي بيانها قريبا.
قوله: (صريح) هو ما لا يستعمل إلا في حل عقدة النكاح، سواء كان الواقع به رجعيا أو بائنا كما سيأتي بيانه في الباب
الآتي.
قوله: (وملحق به) أي من حيث عدم احتياجه إلى النية كلفظ التحريم أو من حيث وقوع الرجعي به وإن احتاج إلى نية كاعتدي، واستبرئي رحمك، وأنت واحدة.
أفادة الرحمتي.
قوله: (وكناية) هي ما لم يوضع للطلاق واحتمله وغيره كما سيأتي في بابه.
قوله: (ومحله المنكوحة) أي ولو معتدة عن طلاق رجعي أو بائن غير ثلاث في حرة وثنتين في أمة أو عن فسخ بتفريق لاباء أحدهما عن الاسلام أو بارتداد أحدهما، ونظم ذلك المقدسي بقوله: بعدة عن الطلاق يلحق أو ردة بالاباء يفرق بخلاف عدة الفسخ بحرمة مؤبدة كتقبيل ابن الزوج، أو غير مؤبدة كالفسخ بخيار عتق وبلوغ وعدم كفاءة ونقصان مهر وسبي أحدهما ومهاجرته، فلا يقع الطلاق فيها كما حرره في البحر عن الفتح، وكذا ما سيأتي آخر الباب: لو حررت زوجها حين ملكته فطلقها في العدة لا يقع، ويأتي تمام الكلام عليه آخر الكنايات.
قوله: (وأهله زوج عاقل الخ) احترز بالزوج عن سيد العبد ووالد(3/253)
الصغير، وبالعاقل ولو حكما عن المجنون والمعتوه والمدهوش والمبرسم والمغمى علية، و (بخلاف السكران مضطرا أو مكرها، وبالبالغ عن الصبي ولو مراهقا، وبالمستيقظ عن النائم.
وأفاد أنه لا يشترط كونه مسلما صحيحا طائعا جادا عامدا فيقع طلاق العبد والسكران بسبب محظور، والكافر والمريض والمكره والهازل والمخطئ كما سيأتي.
قوله: (وركنه لفظ مخصوص) هو ما جعل دلالة على معنى الطلاق من صريح أو كناية فخرج الفسوخ على ما مر، وأراد اللفظ ولو حكما ليدخل الكتابة المتسبينة وإشارة الاخرس وإشارة إلى العدد بالاصابع في قوله أنت طالق هكذا كما سيأتي، وبه ظهر أن من تشاجر مع زوجته فأعطاها ثلاثة أحجار ينوي الطلاق ولم يذكر لفظا صريحا ولا كناية لا يقع عليه كما أفتى به الخير الرملي وغيره، وكذا ما يفعله بعض سكان البوادي من أمرها بحلق شعرها لا يقع به طلاق وإن نواه.
قوله: (خال عن الاستثناء) أما إذا صاحبه استثناء بشروطه فلا يتحقق طلاق كقوله: إن شاء الله تعالى، أو: إلا أن يشاء الله تعالى.
زاد في البحر: وأن لا يكون الطلاق انتهاء غاية، فإنه لو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث لم تقع الثالثة عند الامام ط.
قوله:
(طلقة) التاء للوحدة، وقيد بها لان الزائد عليها بكلمة واحدة بدعي ومتفرقا ليس بأحسن.
بحر.
قوله: (رجعية) فالواحدة البائنة بدعية في ظاهر الرواية، وفي رواية: الزيادات لا تكره.
بحر عن الفتح.
ثم ذكر عن المحيط أن الخلع في حالة الحيض لا يكره بالاجماع لانه لا يمكن تحصيل العوض إلا به اه.
وسيذكره الشارح، ويأتي تمامه.
قوله: (في طهر) هذا صادق بأوله وآخره، قيل والثاني أولى احترازا من تطويل العدة عليها، وقيل الاول.
قال في الهداية: وهو الاظهر من كلام محمد.
نهر، واحترز به عن الحيض فإنه فيه بدعي كما يأتي.
قوله: (لا وطئ فيه) جملة في محل جر صفة لطهر، ولم يقل منه ليدخل في كلامه ما لو وطئت بشبهة فإن طلاقها فيه حينئذ بدعي نص عليه الاسبيجابي، لكن يرد عليه الزنى، فإن الطلاق في طهر وقع فيه سني، حتى لو قال لها أنت طالق للسنة وهي طاهرة ولكن وطئها غيره، فإن كان زنى وقع، وإن بشبهة فلا، كذا في المحيط، وكأن الفرق أن وطئ الزنى لم يترتب عليه أحكام النكاح فكان هدرا، بخلاف الوطئ بشبهة، وبهذا عرف أن كلام المصنف أولى من قول غيره لم يجامعها فيه، لكن لا بد أن يقول: ولا في حيض قبله ولا طلاق فيهما، ولم يظهر حملها، ولم تكن آيسة ولا صغيرة كما في البدائع: لانه لو طلقها في طهر وطئها في حيض قبله كان بدعيا، وكذا لو كان قد طلقها فيه وفي هذا الطهر، لان الجمع بين تطليقتين في طهر واحد مكروه عندنا، ولو طلقها بعد ظهور حملها أو كانت ممن لا تحيض في في طهر وطئها فيه لا يكون بدعيا لعدم العلة: أعني تطويل العدة عليهما.
نهر.
قوله: (وتركها حتى تمضي عدتها) معناه الترك من غير طلاق آخر لا الترك مطلقا، لانه إذا راجعها لا يخرج الطلاق عن كونه أحسن.
بحر.
قوله: (أحسن) أي من القسم لانه الثاني متفق عليه.
بخلاف الثاني فإن مالكا قال بكراهته لاندفاع الحاجة بواحدة بحر عن المعراج.
قوله: (بالنسبة إلى البعض الآخر) أي لا أنه في نفسه حسن، فاندفع به ما قيل كيف يكون حسنا مع أنه أبغض الحلال، وهذا أحد قسمي المسنون، ومعنى المسنون هنا ما ثبت على وجه لا يستوجب عتابا لا أنه المستعقب للثواب، لان الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب، فالمراد هنا المباح، نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها بدعيا فمنع(3/254)
نفسه إلى وقت السني يثاب على كف نفسه عن المعصية لا عن نفس الطلاق ككف نفسه عن الزنى مثلا بعد تهيؤ أسبابه ووجود الداعية، فإنه يثاب لا على عدم الزنى لان الصحيح أن المكلف به الكف لا العدم كما عرف في الاصول.
بحر وفتح.
قوله: (وطلقة) مبتدأ ولغير موطوءة أي مدخول بها متعلق بمحذوف صفة له، وكذا الجار في قوله ولو في حيض وقوله: ولموطوءة متعلق بتفريق أو حال منه على رأي، وتفريق معطوف بهذه الواو على المبتدإ قبله، وقوله: في ثلاث أطهار متعلق ب تفريق أيضا، وقوله: فيمن تحيض حال من ثلاث المضاف إليه تفريق لكونه مفعوله في المعنى، وقوله: وفي ثلاثة أشهر عطف على في ثلاثة أطهار وقوله: حسن خبر المبتدأ وما عطف عليه.
وحاصله أن السنة في الطلاق من وجهين العدد والوقت، فالعدد وهو أن لا يزيد على الواحدة بكلمة واحدة لا فرق فيه بين المدخولة وغيرها، لكنه في المدخولة خاص بما إذا كان في طهر لا وطئ فيه ولا في حيض قبله كما مر وإلا فهو بدعي، وفي غيرها لا فرق بين كونه في طهر أو في حيض، لان الوقت: أعني الطهر الخالي عن الجماع خاص بالمدخولة، فلزم في المدخولة مراعاة الوقت والعدد، بأن يطلقها واحدة في الطهر المذكور فقط وهو السني الاحسن، أو ثلاثا مفرقة في ثلاثة أطهار أو أشهر وهو السني الحسن.
وذكر في البحر عن المعراج أن الخلوة كالوطئ هنا، وتقدم التصريح بذلك في أحكام الخلوة من كتاب النكاح.
قوله: (في ثلاثة أطهار) أي إن كانت حرة، وإلا ففي طهرين.
برجندي، والخلاف المتقدم في أول الطهر، وآخره يجري هنا كما نبه عليه في البحر.
قوله: (ولا طلاق فيه) أي في الحيض، لانه بمنزلة ما لو أوقع التطليقتين في هذا الطهر وهو مكروه، وإنما لم يقل ولا طلاق فيه ولا في الطهر لان الموضوع تفريق الثلاث في ثلاثة أطهار ط.
قوله: (وفي ثلاثة أشهر) أي هلالية إن طلقها في أول الشهر وهو الليلة التي رؤي فيها الهلال، وإلا اعتبر كل شهر ثلاثين يوما في تفريق الطلاق اتفاقا، وكذا في حق انقضاء العدة عنده.
وعندهما شهر بالايام وشهرين بالاهلة.
قال في الفتح: قيل الفتوى على قولهما لانه أسهل، وليس بشئ اه.
قوله: (في حق غيرها) أي في حق من بلغت بالسن ولم تر دما أو كانت حاملا أو صغيرة
لم تبلغ تسع سنين على المختار، أو آيسة بلغت خمسا وخمسين سنة على الراجح، أما ممتدة الطهر فمن ذوات الاقراء لانها شابة رأت الدم فلا يطلقها للسنة إلا واحدة ما لم تدخل فحد الاياس، إذ الحيض مرجو في حقها صرح به غير واحد.
نهر.
قال في البحر فعلى هذا لو كان قد جامعها في الطهر وامتد لا يمكن تطليقها للسنة حتى تحيض ثم تطهر وهي كثيرة الوقوع في الشابة التي لا تحيض زمان الرضاع اه.
قلت: وتقييد الصغيرة بالتي لم تبلغ تسعا يفيد أن التي بلغتها لا يفرق طلاقها على الاشهر وليس كذلك وإنما تظهر فائدته في قوله بعده: وحل طلاقهن عقب وطئ كما تعرفه.
قوله: (بالاولى) لان الاول أحسن منه، وهذا جواب لصاحب النهر عن قول الفتح: لا وجه لتخصيص هذا(3/255)
باسم طلاق السنة، لان الاول أيضا كذلك، فالمناسب تمييزه بالمفضول من طلاق السنة اه.
قوله: (أي الآيسة والصغيرة والحامل) أي المفهومات من قوله: في غيرها وكان الاولى للمصنف التصريح بهن هناك ليعود الضمير في طلاقهن إلى مذكور صريحا، ولئلا يرد عليه من بلغت بالسن وامتد طهرها أو بلغت تسعا كما يظهر مما بعده.
قوله: (لان الكراهة الخ) أي لان كراهة الطلاق في طهر جامع فيه ذوات الحيض لتوهم الحبل فيشتبه وجه العدة أنها بالحيض أو بالوضع.
قال في الفتح: وهذا الوجه يقتضي في التي لا تحيض لا لصغر ولكبر، بل اتفق امتداد طهرها متصلا بالصغر وفي التي لم تبلغ بعد وقد وصلت إلى سن البلوغ أن لا يجوز تعقيب وطئها بطلاقها لتوهم الحبل في كل منهما اه.
وقال قبله: وفي المحيط قال الحلواني: هذا في صغيرة لا يرجى حبها، أما فيمن يرجى فالافضل له أن يفصل بين وطئها وطلاقها بشهر كما قال زفر.
ولا يخفى أن قول زفر ليس هو أفضلية الفصل بل لزومه اه.
وأجاب في البحر بأن التشبيه إنما هو بأصل الفاصل وهو الشهر لا في الافضلية اه.
واحترز بقوله متصلا بالصغر: أي بأن بلغت بالسن وامتد طهرها عمن امتد طهرها بعد ما بلغت بالحيض فإنها لا تطلق للسنة إلا واحدة كما مر، لانها شابة قد رأت الدم وهو مرجو الوجود ساعة فساعة، فبقي
فيها أحكام ذوات الاقراء، بخلاف من بلغت ولم ترالدم أصلا.
قوله: (والبدعي) منسوب إلى البدعة، والمراد بها هنا المحرمة لتصريحهم بعصيانه.
بحر: قوله: (ثلاثة متفرقة) وكذا بكلمة واحدة بالاولى.
وعن الامامية: لا يقع بلفظ الثلاث ولا في حالة الحيض لانه بدعة محرمة.
وعن ابن عباس: يقع به واحدة، وبه قال ابن إسحاق وطاوس وعكرمة، لما في مسلم أن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.
وذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلى أنه يقع ثلاث.
قال في الفتح بعد سوق الاحاديث الدالة عليه: وهذا يعارض ما تقدم، وأما إمضاء عمر الثلاث عليهم مع عدم مخالفة الصحابة له وعلمه بأنها كانت واحدة فلا يمكن إلا وقد اطلعوا في الزمان المتأخر على وجود ناسخ أو لعلمهم بانتهاء الحكم لذلك لعلمهم بإناطته بمعان علموا انتفاءها في الزمن المتأخر وقول بعض الحنابلة: توفي رسول الله (ص) عن مائة ألف عين رأته، فهل صح لكم عنهم أو عن عشر عشر عشرهم القول بوقوع الثلاث باطل؟ أما أولا فإجماعهم ظاهر، لانه لم ينقل عن أحد منهم أنه خالف عمر حين أمضى الثلاث، ولا يلزم في نقل الحكم الاجماعي عن مائة ألف تسمية كل في مجلد كبير لحكم واحد على أنه إجماع سكوتي.
وأما ثانيا فالعبرة في نقل الاجماع نقل ما عن المجتهدين والمائة ألف لا يبلغ عدة المجتهدين الفقهاء منهم أكثر من عشرين كالخلفاء والعبادلة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة، والباقون يرجعون إليهم ويستفتون منهم.
وقد ثبت(3/256)
النقل عن أكثرهم صريحا بإيقاع الثلاث ولم يظهر لهم مخالف.
فماذا بعد الحق إلا الضلال.
وعن هذا قلنا: لو حكم حاكم بأنها واحدة لم ينفذ حكمه لانه لا يسوغ الاجتهاد فيه، فهو خلاف لا اختلاف، وغاية الامر فيه أن يصير كبيع أمهات الاولاد أجمع على نفيه وكن في الزمن الاول يبعن اه ملخصا.
ثم أطال في ذلك.
قوله: (في طهر واحد) قيد للثلاث والثنتين.
قوله: (لا رجعة فيه) فلو تخلل بين الطلقتين رجعة لا يكره إن كانت بالقول أو بنحو القبلة أو اللمس عن شهوة، لا بالجماع إجماعا لانه
طهر فيه جماع، وهذا على رواية الطحاوي الآتية.
وظاهر الرواية أن الرجعة لا تكون فاصلة، وكذا لو تخلل النكاح.
أفاده في البحر.
قوله: (وطئت فيه) أي ولم تكن حبلى ولا آيسة ولا صغيرة لم تبلغ تسع سنين كما مر.
قوله: (في حيض موطوءة) أي مدخول بها، ومثلها المختلى بها كما مر.
قوله: (لكان أوجز وأفود) أما الاول فظاهر، وأما الثاني فلانه يشمل ما ذكره ويشمل الطلاق البائن كما مر، وما لو طلقها في النفاس فإنه بدعي كما في البحر، وما لو طلقها في طهر لم يجامعها فيه بل في حيض قبله، وما لو طلقها في طهر طلقها في حيض قبله، فافهم.
قوله: (وتجب رجعتها) أي الموطوءة المطلقة في الحيض.
قوله: (على الاصح) مقابله قول القدوري: إنها مستحبة، لان المعصية وقعت فتعذر ارتفاعها، ووجه الاصح قوله (ص) لعمر في حديث ابن عمر في الصحيحين مر ابنك فليراجعها حين طلقها في حالة الحيض، فإنه يشتمل على وجوبين: صريح وهو الوجوب على عمر أن يأمر.
وضمني، وهو ما يتعلق بابنه عند توجيه الصيغة إليه، فإن عمر نائب فيه عن النبي (ص) فهو كالمبلغ، وتعذر ارتفاع المعصية لا يصلح صارفا للصيغة عن الوجوب لجواز إيجاب رفع أثرها وهو العدة وتطويلها، إذ بقاء الشئ ما هو أثره من وجه فلا تترك الحقيقة، وتمامه في الفتح.
قوله: (رفعا للمعصية) بالراء، وهي اولى من نسخة الدال ط: أي لان الدفع بالدال لما لم يقع والرفع بالراء للواقع والمعصية هنا وقعت، والمراد رفع أثرها وهو العدة وتطويلها كما علمت، لان رفع الطلاق بعد وقوعه غير ممكن.
قوله: (فإذا طهرت طلقها إن شاء) ظاهر عبارته أنه يطلقها في الطهر الذي طلقها في حيضه وهو موافق لما ذكره الطحاوي، وهو رواية عن الامام، لان أثر الطلاق انعدم بالمراجعة فكأنه لم يطلقها في هذه الحيضة فيسن تطليقها في طهرها، لكن المذكور في الاصل وهو ظاهر الرواية كما في الكافي وظاهر المذهب، وقول الكل كما في فتح القدير: إنه إذا راجعها في الحيض أمسك عن طلاقها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فيطلقها ثانية.
ولا يطلقها في الطهر الذي يطلقها في حيضه لانه بدعي، كذا في البحر والمنح وعبارة المصنف تحتمله اه ح ويدل لظاهر الرواية حديث الصحيحين مر ابنك فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة كما أمر الله عزوجل بحر.
قال في الفتح: ويظهر من لفظ الحديث تقييد الرجعة بذلك الحيض الذي أوقع فيه، وهو المفهوم من كلام الاصحاب إذا تؤمل، فلو لم يفعل حتى طهرت تقررت المعصية اه.
وقد يقال: هذا ظاهر على رواية الطحاوي، أما على المذهب فينبغي أن لا تقرر المعصية حتى يأتي الطهر الثاني.
بحر.(3/257)
قلت: وفيه نظر، فإنه حيث كان ذلك هو المفهوم من الحديث وكلام الاصحاب يحمل المذهب عليه، فتأمل.
قوله: (قيد بالطلاق) أي في قوله: أو في حيض موطوءة والمراد أيضا بالطلاق الرجعي احترازا عن البائن فإنه بدعي في ظاهر الرواية وإن كان في الطهر كما مر.
قوله: (لان التخيير الخ) أي قوله لها اختاري نفسك وهي حائض، وكذا لو اختارت نفسها.
قال في الذخيرة عن المنتقى: ولا بأس بأن يخلعها في الحيض إذا رأى منها ما يكره، ولا بأس بأن يخيرها في الحيض، ولا بأس بأن تختار نفسها في الحيض، ولو أدركت فاختارت نفسها فلا بأس للقاضي أن يفرق بينهما في الحيض اه.
وفي البدائع: وكذا إذا أعتقت فلا بأس بأن تختار نفسها وهي حائض، وكذا امرأة العنين اه.
وكذا الطلاق على مال لا يكره في الحيض كما صرح به في البحر عن المعراج، والمراد بالخلع ما إذا كان خلعا بمال، لما قدمناه عن المحيط من تعليل عدم كراهته بأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به.
وفي الفتح: من فصل المشيئة عن الفوائد الظهيرية: لو قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فطلقت نفسها ثلاثا على قولهما أو ثنتين على قوله لا يكره لانها مضطرة، فإنها لو فرقت خرج الامر من يدها اه.
قوله: (لا يكره) لان علة الكراهة دفع الضرر عنها بتطويل العدة، لان الحيضة التي وقع فيها الطلاق لا تحسب من العدة وبالاختيار والخلع قد رضيت بذلك.
رحمتي.
وفيه أنه يلزم حل الطلاق مطلقا في الحيض إذا رضيت به مع أن إطلاقهم الكراهة ينافيه، فالاظهر تعليل الخلع والطلاق بعوض بما مر عن المحيط، وبأن التخيير ليس طلاقا بنفسه لانها لا
تطلق ما لم تختر نفسها فصارت كأنها أوقعت الطلاق على نفسها في الحيض، والممنوع هو الرجل لا هي أو القاضي، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
قوله: (والنفاس كالحيض) قال في البحر، ولما كان المنع منه الطلاق في الحيض لتطويل العدة عليها كان النفاس مثله كما في الجوهرة.
قوله: (قال لموطوءته) أي ولو حكما كالمختلى بها كما مر.
قوله: (للسنة) اللام فيه للوقت وليست اللام بقيد، فمثلها في السنة أو عليها أو معها، وكذا السنة بقيد بل مثلها ما في معناه، كطلاق العدل وطلاقا عدلا وطلاق العدة أو للعدة وطلاق الدين أو الاسلام أو أحسن الطلاق أو أجمله أو طلاق الحق أو القرآن أو الكتاب، وتمامه في البحر.
قوله: (وتقع أولاها) أي أولى المذكورات من الثلاث أو الثنتين، فافهم.
وقوله: في طهر لا وطئ فيه أي ولا في حيض قبله كما يفيده ما تقدم، فإن كان ذلك الطهر هو الذي طلقها فيه تقع فيه واحدة للحال، ثم عند كل طهر أخرى، وإن كانت حائضا أو جامعها فيه لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر كما في البحر.
قوله: (فلو كانت غير موطوءة) محترز قوله: لموطؤته وقوله: أو لا تحيض محترز قوله: وهي ممن تحيض وشمل من لا تحيض الحامل خلافا لمحمد كما في البحر.
قوله: (تقع واحدة للحال) أي في الصورتين، وأطلق في الحال فشمل(3/258)
حالة الحيض.
قوله: (ثم كلما نكحها) راجع للصورة الاولى: أي فإذا وقعت عليها واحدة للحال بانت منه بلا عدة لانه طلاق قبل الدخول فلا يقع غيرها، ما لم يتزوجها فتقع أخرى بلا عدة، فإذا تزوجها أيضا وقعت الثلاثة.
وعلله في البحر بأن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها اه.
فتأمل.
قوله: (أو مضى شهر) يرجع إلى الصورة الثانية.
قوله: (وإن نوى الخ) أفاد أن وقوع الثلاث على الاطهار مقيد بما إذا نواه أو أطلق.
أما إذا نوى غيره فإنه يصح.
نهر.
قوله: (لانه محتمل كلامه) وهذا لان اللام كما جاز أن تكون للوقت جاز أن تكون للتعليل: أي لاجل السنة التي أوجبت وقوع الثلاث، وإذا صحت نيته للحال فأولى أن تقع عند كل رأس شهر، قيد بذكر الثلاث، لانه لو لم يذكرها وقعت واحدة للحال إن كانت في طهر لم يجامعها فيه وإلا فحتى تطهر، ولو نوى ثلاثا مفرقة على الاطهار صح، ولو جملة فقولان، ورجح في الفتح القول بأنه لا يصح، وتمامه في النهر.
قوله:
(ويقع طلاق كل زوج) هذه الكلية منقوضة بزوج المبانة، إذ لا يقع طلاقه بائنا عليها في العدة.
وأجيب بأنه ليس بزوج من كل وجه أو أن امتناعه لعارض هو لزوم تحصيل الحاصل، ثم كلامه شامل لما إذا وكل به أو أجازه من الفضولي.
نهر.
وسيأتي.
قوله: (ليدخل السكران) أي فإنه في حكم العاقل زجرا له، فلا منافاة بين قوله عاقل وقوله الآتي أو سكران.
مطلب في الاكراه على التوكيل بالطلاق والنكاح والعتاق قوله: (فإن طلاقه صحيح) أي طلاق المكره، وشمل ما إذا أكره على التوكيل بالطلاق فوكل فطلق الوكيل فإنه يقع.
بحر.
قال محشيه الخير الرملي: ومثله العتاق كما صرحوا به، وأما التوكيل بالنكاح فلم أر من صرح به، والظاهر أنه لا يخالفهما في ذلك، لتصريحهم بأن الثلاث تصح مع الاكراه استحسانا.
وقد ذكر الزيلعي في مسألة الطلاق أن الوقوع استحسان، والقياس أن لا تصح الوكالة، لان الوكالة تبطل بالهزل، فكذا مع الاكراه كالبيع وأمثاله.
وجه الاستحسان أن الاكراه لا يمنع انعقاد البيع ولكن يوجب فساده، فكذا التوكيل ينعقد مع الاكراه والشروط الفاسدة لا تؤثر في الوكالة لكونها من الاسقاطات، فإذا لم تبطل فقد نفذ تصرف الوكيل اه.
فانظر إلا علة الاستحسان في الطلاق تجدها في النكاح فيكون حكمهما واحد تأمل اه كلام الرملي.
قلت: وسيأتي تمام الكلام على ذلك في كتاب الاكراه إن شاء الله تعالى.
قوله: (لا إقراره بالطلاق) قيد بالطلاق لان الكلام فيه، وإلا فإقرا المكره بغيره لا يصح أيضا، كما لو أقر بعتق أو نكاح أو رجعة أو فئ، أو عفو عن دم عمد، أو بعبده أنه ابنه، أو جاريته أنها أم ولده كما نص عليه الحاكم في الكافي.
هذا، وفي البحر أن المراد الاكراه على التلفظ بالطلاق، فلو أكره على أن يكتب طلاق امرأته(3/259)
فكتب لا تطلق، لان الكتابة أقيمت مقام العبارة باعتبار الحاجة ولا حاجة هنا، كذا في الخانية.
ولو أقر بالطلاق كاذبا أو هازلا وقع قضاء لا ديانة اه.
ويأتي تمامه.
مطلب في المسائل التي تصح مع الاكراه قوله: (طلاق) أطلقه فشمل البائن بقسميه والرجعي، وهو مع ما عطف عليه مبتدئا والخبر محذوف تقديره: تصح مع الاكراه، دل عليه قوله آخرا: فهذه تصح مع الاكراه.
ثم إن كان الزوج قد وطئ فلا رجوع له على المكره، وإلا فله الرجوع بنصف المسمى، كذا ذكره المصنف في الاكراه ط.
قوله: (وإيلاء) فإن تركت أربعة أشهر بانت منه، فإن لم يكن دخل بها وجب نصف المهر ولم يرجع به على الذي أكرهه.
كافي.
قوله: (نكاح) يشمل ما إذا أكره الزوج أو الزوجة على عقد النكاح كما هو مقتضى إطلاقهم، خلافا لما قيل من أن العقد لا يصح إذا أكرهت هي عليه، كما أوضحناه في النكاح قبيل قوله: وشرط حضور شاهدين فافهم.
قوله: (مع استيلاد) بكسر الدال من غير تنوين لضرورة النظم ح.
وصورته: أن يكرهه على استيلاد أمته، فإذا وطئها وأتت بولد ثبت منه.
ولا يجوز له نفيه ط.
وفيه أن هذا إكراه على فعل حسي وهو الوطئ ترتب عليه حكم آخر وهو صيرورتها أم ولد، وأمثلته كثيرة، كما لو أكره على دخول دار علق عتق عبده على دخولها فإنه يعتق ولا يضمن له المكره شيئا، وأكره على شراء عبد علق على ملكه له فإنه يعتق وعليه قيمته للبائع ولا يرجع على المكره بشئ كما في كافي الحاكم من الاكراه.
قال: وكذا لو أكرهه على شراء ذي رحم محرم منه، أو أمة قد ولدت منه، أو أمة قد جعلها مدبرة إذا ملكها اه.
وصورة الرحمتي بأن يكره على أن يقر بأنها أم ولده، وفيه ما علمته مما نقلناه قبله عن الكافي أيضا، والله أعلم.
قوله: (عفو عن العمد) أي لو وجب له على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فأكره بو عيد تلف أو حبس حتى عفا فالعفو جائز، ولا ضمان له على الجاني وعلى المكره لانه لم يتلف له مالا، وكذلك الشهود إذا رجعوا فلا ضمان عليهم، ولو وجب له على رجل حق من مال أو كفالة بنفس أو غير ذلك فأكره بو عيد بقتل أو حبس حتى أبرأه من ذلك كانت البراءة باطلة، كذا في الكافي، وبه علم أنه احترز بالعمد عن الخطإلان موجبه المال فلا تصح البراءة منه.
قوله: (رضاع) يرد عليه ما ذكرناه في الاستيلاد، فإنه أيضا فعل حسي ترتب عليه حكم آخر، وهذا لا ينحصر كما علمته، وكذا يقال مثله ما لو أكره
على الخلوة بزوجته أو على وطئها فإنه يتقرر عليه جميع المهر، وكذا لو أكره على وطئ أم زوجته أو بنتها تحرم عليه زوجته.
قوله: (وإيمان) جمع يمين.
قال في الكافي في باب الاكراه على النذر واليمين: ولو أكره رجل بو عيد تلف حتى جعل على نفسه صدقة الله تعالى أو صوما أو حجا أو عمرة أو غزوة في سبيل الله تعالى أو بدنة أو شيئا يتقرب به إلى الله تعالى لزمه ذلك وضمان على المكره، وكذلك لو أكرهه على اليمين بشئ من ذلك أو بغيره من الطاعات أو المعاصي اه.
قوله: (وفئ) أي في الايلاء بقول أو فعل ذكره الشارح في الاكراه.
قوله: (ونذره) قدمنا الكلام عليه قريبا.
قوله: (قبول لايداع) أخذ في البحر من قوله في القنية: أكره على قبول الوديعة فتلفت في يده فلمستحقها تضمين المودع اه.
بناء على أن المودع بفتح الدال.
قال في النهر بعد نقله: ثم ظهر لي(3/260)
أنه بكسر الدال، فليس من المواضع في شئ وذلك أنه في البزازية قال: أكره بالحبس على إيداع ماله عند هذا الرجل وأكره المودع أيضا على قبوله فضاع، لا ضمان على المكره والقابض، لانه ما قبضه لنفسه، كما لو هبت الريح فألقته في حجره فأخذه ليرده فضاع في يده لا يضمن اه.
قلت: وحاصله أن التعليل المذكور يدل على أن المستحق للوديعة في مسألة القنية ليس له تضمين المودع، بالفتح، لانه إذا كان مكرها على قبولها لم يكن قابضا لنفسه، فتعين أنه بالكسر لانه دفعها باختياره للمستحق تضمينه، ولكن مع هذا أيضا لو صح قراءته بالفتح لم يكن من هذه المواضع أيضا لان الكلام فيما يصح مع الاكراه، وتضمينه يدل على أنه لم يصح قبوله للوديعة، لان حكم المودع، بالفتح: عدم الضمان بالتلف، فتأمل.
قوله: (كذا الصلح عن عمد) أي قبول القاتل الصلح عن دم العمد على مال، كذا في البحر: أي إذا أكره على أن يصالح صاحب الحق على مال أكثر من الدية أو أقل فصالحه بطل الدم ولم يلزم الجاني شئ كما في كافي الحاكم، وذكر قبله أنه لو أكره ولي دم العمد على أن صالح منه على ألف فلا شئ له غير الالف اه.
وإنما لزم المال القاتل في الثانية لانه غير مكره.
قوله: (طلاق على جعل) أي قبول المرأة الطلاق على مال.
بحر.
فيقع الطلاق ولا شئ عليها من المال، ولو كان مكان التطليقة خلع بألف درهم كان الطلاق بائنا ولا شئ عليها، ولو كان
هو المكره على الخلع على ألف وقد دخل بها وهي غير مكرهة وقع الخلع ولزمها الالف، وتمامه في الكافي.
قوله: (يمين به أتت) أي بالطلاق وفاعل أتت ضمير اليمين ح.
والمراد به تعليق الطلاق على شئ، كما إذا أكره على أن يقول: إن كلمت زيدا فزوجتي كذا.
قوله: (كذا العتق) أي الاكراه على اليمين بالعتق.
وأما الاكراه على نفس العتق فسيأتي، فافهم، كما لو أكره على أن قال: إن دخلت الدار فأن حر، أو إن صليت أو أكلت أو شربت ففعل، يعتق العبد ويغرم الذي أكرهه قيمته، وتمامه في الكافي.
قوله: (والاسلام) ولو من ذمي كما أطلقه كثير من المشايخ.
وما في الخانية من التفصيل بين الذمي فلا يصح والحربي فيصح فقياس، والاستحسان صحته مطلقا.
أفاده الشارح في الاكراه ط.
ولو كان أكرهه على الاقرار بالاسلام فيما مضى فالاقرار باطل، كذا في الكافي.
قوله: (تدبير للعبد) بضم الراء من غير تنوين للضرورة ح، وتقييده بالعبد لمناسبة الروي والامة مثله ط.
قوله: (وإيجاب إحسان) أي إيجاب صدقة.
بحر.
وتقدم نقله عن الكافي.
قوله: (وعتق) ويرجع بقيمة العبد على المكره إذا أعتقه لغير كفارة، وإلا فلا رجوع كما ذكره المصنف في الاكراه ط.
وشمل العتق بفعل كما لو أكرهه على شراء محرمه، لكنه لا يرجع على المكره بشئ كما قدمناه عن الكافي، وبه صرح في البزازية من الاكراه خلافا لما يوهمه ما نقله الشارح في الاكراه عن ابن الكمال، فافهم.
قوله: (عشرين في العد) حال من فاعل تصح.
قال في النهر: وهي ترجع إلى ستة عشر لدخول إيجاب الاحسان في النذر، ودخول الطلاق على جعل، واليمين بالطلاق في الطلاق، ودخول اليمين في العتيقة في العتق اه ح.
وتقدم عن النهر أن قبول الايداع ليس منها فعادت إلى خمسة عشر، وقدمنا أن الاستيلاد والرضاع من الافعال الحسية المترتب عليها أمر آخر فلا ينبغي تخصيصها بالذكر فعادت إلى ثلاثة عشر، وقد زدت عليها خمسة أخر التقطتها من إكراه كما في الحاكم(3/261)
: الاولى: الخلع على مال، بأن أكره على خلع امرأته على ألف وقد تزوجها على أربعة آلاف ودخل بها والمرأة غير مكرهة فالخلع واقع ولها عليه الالف، ولا شئ على الذي أكرهه، ولو كانت هي المكرهة كان الطلاق بائنا ولا شئ عليها.
الثانية: الفسخ، كما لو أعتقت ولها زوج حر لم يدخل بها فأكرهت على أن اختارت نفسها في مجلسها بطل المهر عن الزوج ولا شئ على المكره، ولو كان دخل بها الزوج قبل ذلك فالمهر لمولاها على الزوج ولا يرجع على المكره.
الثالثة: التكفير، كما لو أكره بوعيد تلف على أن يكفر يمينا قد حنث فيها ولا رجوع له على المكره، وإن أكرهه على عتق عبده هذا عنها لم يجزه وعلى المكره قيمته، ولو أكره بالحبس أجزأه عنها، وكذلك كل شئ وجب عليه لله تعالى من نذر أو هدي أو صدقة أو حج فأكره على أن يمضيه ولم يأمره المكره بشئ بعينه أجزأه، ولا ضمان على المكره.
الرابعة: ماكان شرطا لغيره كما لو علق عتق عبد على شرائه أو طلاق زوجته على دخول الدار فأن على الشراء أو الدخول أو أكره على شراء ذي محرمه أو أمة قد ولدت منه ونحو ذلك، ويدخل فيه الرضاع فإنه شرط للمحرمية والاستيلاد: أي الوطئ لطلب الولد فإنه شرط لثبوته منه أيضا.
الخامسة: ما قدمناه من التوكيل بالطلاق والعتق، فقد صارت ثماني عشرة صورة نظمتها بقولي: طلاق واعتاق نكاح ورجعة ظهار وإيلاء وعفو عن العمد يمين وأسلام وفئ ونذره قبول لصلح العمد تدبير للعبد ثلاث وعشر صححوها لمكره وقزدت خمسا وهي خلع على نقد وفسح وتكفير وشرط لغيره وتوكيل عتق أو طلاق فخذ عدي قوله: (أو هازلا) أي فيقع قضاء وديانة كما يذكره الشارح، وبه صرح في الخلاصة معللا بأنه مكابر باللفظ فيستحق التغليظ، وكذا في البزازية.
وأما ما في إكراه الخانية: لو أكره على أن يقر بالطلاق فأقر لا يقع، كما لو أقر بالطلاق هازلا أو كاذبا فقال في البحر: إن مراده لعدم الوقوع في المشبه به عدمه ديانة، ثم نقل عن البزازية والقنية: لو أراد به الخبر عن الماضي كذبا لا يقع ديانة، وإن أشهد قبل ذلك لا يقع قضاء أيضا اه.
ويمكن حمل ما في الخانية على ما إذا أشهد على أنه يقر بالطلاق هازلا، ثم لا يخفى أن ما مر عن الخلاصة إنما هو فيما لو أنشأ الطلاق هازلا، وما في الخانية فيما لو أقر به هازلا فلا منافاة
بينهما.
قال في التلويح: وكأنه يبطل الاقرار بالطلاق والعتاق مكرها كذلك يبطل الاقرار بهما هازلا، لان الهزل دليل الكذب كالاكراه، حتى لو أجاز ذلك لم يجز، لان الاجازة إنما تلحق سببا منعقدا يحتمل الصحة والبطلان، وبالاجازة لا يصير الكذب صدقا، وهذا بخلاف إنشاء الطلاق والعتاق ونحوهما مما لا يحتمل الفسخ، فإنه لا أثر فيه للهزل اه.
وبهذا اندفع ما أورده الرملي من المنافاة بين عبارة الخانية وغيرها.
قوله: (لا يقصد حقيقة كلامه) بيان لمعنى الهازل، وفيه قصور.(3/262)
ففي التحرير وشرحه: الهزل لغة اللعب.
واصطلاحا: أن لا يراد باللفظ ودلالته المعنى الحقيقي ولا المجازي بل أريد به غيرهما، وهو ما لا تصح إرادته منه.
وضده الجد، وهو أن يراد باللفظ أحدهما.
قوله: (خفيف العقل) في التحرير وشرحه: السفه في اللغة: الخفة.
وفي اصطلاح الفقهاء: خفة تبعث الانسان على العمل في ماله بخلاف مقتضى العقل.
مطلب في تعريف السكران وحكمه قوله: (أو سكران) السكر: سرور يزيل العقل فلا يعرف به السماء من الارض.
وقالا: بل يغلب على العقل فيهدي في كلامه.
ورجحوا قولهما في الطهارة والايمان والحدود.
وفي شرح بكر: السكر الذي تصح به التصرفات أن يصير بحال يستحسن ما يستقبحه الناس وبالعكس، لكنه يعرف الرجل من المرأة.
قال في البحر: والمعتمد في المذهب الاول.
نهر.
قلت: لكن صرح المحقق ابن الهمام في التحرير أن تعريف السكر بما مر عن الامام إنما هو في السكر الموجب للحد، لانه لو ميز بين الارض والسماء كان في سكره نقصان وهو شبهة العدم فيندرئ به الحد.
وأما تعريفه عنده في غير وجوب الحد من الاحكام فالمعتبر فيه عنده اختلاط الكلام والهذيان كقولهما.
ونقل شارحه ابن أمير حاج عنه أن المراد أن يكون غالب كلامه هذايانا، فلو نصفه مستقيما فليس بسكر، فيكون حكمه حكم الصحاة في إقراره بالحدود وغير ذلك لان السكران في العرف من اختلط جده بهزله فلا يستقر على شئ، ومال أكثر المشايخ إلى قولهما، وهو قول الائمة الثلاثة، واختاروه للفتوى لانه المتعارف، وتأيد بقول علي رضي الله عنه: إذ سكر
هذى، رواه مالك والشافعي، ولضعف وجه قوله: ثم بين وجه الضعف، فراجعه.
وبه ظهر أن المختار قولهما في جميع الابواب، فافهم.
وبين في التحرير حكمه أنه إن كان سكره بطريق محرم لا يبطل تكليفه فتلزمه الاحكام وتصح عباراته من الطلاق والعتاق، والبيع والاقرار، وتزويج الصغار من كف ء، والاقراض والاستقراض، لان العقل قائم، وإنما عرض فوات فهم الخطاب بمعصيته، فبقي في حق الاثم ووجوب القضاء، ويصح إسلامه كالمكره لا ردته لعدم القصد.
وأما الهازل فإنما كفر مع عدم قصده لما يقول بالاستخفاف لانه صدر منه قصد صحيح استخفافا بالدين، بخلاف السكران.
قوله: (بنبيذ) أي سواء كان سكره من الخمر أو الاشربة الاربعة المحرمة أو غيرها من الاشربة المتخذة من الحبوب والعسل عند محمد.
قال في الفتح: وبقوله يفتى، لان السكر من كل شراب محرم.
وفي البحر عن البزازية: المختار في زماننا لزوم الحد ووقوع الطلاق اه.
وما في الخانية من تصحيح عدم الوقوع فهو مبني على قولهما من أن النبيذ حلال والمفتى به خلافه.
وفي النهر عن الجوهرة أن الخلاف مقيد بما إذا شربه للتداوي، فلو للهو والطرب فيقع بالاجماع.
مطلب في الحشيشة وافيون والبنج قوله: (وحشيش) قال في الفتح: اتفق مشايخ المذهبين من الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيش، وهو المسمى بورق القنب لفتواهم بحرمته بعد أن اختلفوا فيها.(3/263)
فأفتى المزني بحرمتها، وأفتى أسد بن عمرو بحلها، لان المتقدمين لم يتكلموا فيها بشئ لعدم ظهور شأنها فيهم، فلما ظهر من أمرها من الفساد كثير وفشا عاد مشايخ المذهبين إلى تحريمها.
وأفتوا بوقوع الطلاق ممن زال عقله بها اه.
قوله: (أو أفيون أو بنج) الافيون: ما يخرج من الخشخاش.
والبنج: بالفتح نبت مسبت.
وصرح في البدائع وغيرها بعدم وقوع الطلاق بأكله معللا بأن زوال عقله لم يكن بسبب هو معصية.
والحق التفصيل، وهو إن كان للتداوي لم يقع لعدم المعصية، وإن للهو وإدخال الآفة قصدا فينبغي أن لا يتردد في الوقوع.
وفي تصحيح القدوري عن بالجواهر: وفي هذا الزمان إذا سكر من البنج والافيون يقع زجرا، وعليه الفتوى، وتمامه في النهر.
قوله: (زجرا) أشار به إلى التفصيل المذكور، فإنه إذا كان للتداوي لا يزجر عنه لعدم قصد المعصية ط.
قوله: (اختلف التصحيح الخ) فصحح في التحفة وغيرها عدم الوقوع.
وجزم في الخلاصة بالوقوع.
قال في الفتح: والاول أحسن، لان موجب الوقوع عند زوال العقل ليس إلا التسبب في زواله بسبب محظور وهو منتف.
وفي النهر عن تصحيح القدوري أنه التحقيق.
قوله: (نعم لو زال عقله بالصداع) لان علة زوال العقل الصداع والشرب علة العلة، والحكم لا يضاف إلى علة العلة إلا عند عدم صلاحية العلة، وتمامه في الفتح.
هذا، وقد فرض المسألة في الفتح والبحر فيما إذا شرب خمرا فصدع.
ويخالفه ما في الملتقط: لو كان النبيذ غير شديد فصدع فذهب عقله بالصداع لا يقع طلاقه، وإن كان النبيذ شديدا حراما فصدع فذهب عقله يقع طلاقه اه.
فقد فرق بين ما إذا كان بطريق محرم وغير محرم كما ترى، فتأمل قوله: (أو بمباح) كما إذا سكر من ورق الرمان فإنه لا يقع طلاقه ولا عتاقه.
ونقل الاجماع على ذلك صاحب التهذيب كذا في الهندية ط.
قلت: وكذا لو سكر ببنج أو أفيون تناوله لا على وجه المعصية بل للتداوي كما مر قوله: (وفي القهستاني الخ) هذا مبني على تعريف السكران الذي تصح تصرفاته عندنا بأنه من معه من العقل ما يقوم به التكليف.
وتعجب منه في الفتح وقال: لا شك أنه على هذا التقدير لا يتجه لاحد أن يقول لا تصح تصرفاته، قوله: (منها الوكيل بالطلاق صاحيا) أي فإنه إذا طلق سكران لا يقع.
ومنها الردة.
ومنها: الاقرار بالحدود الخالصة.
ومنها: الاشهاد على شهادة نفسه.
ومنها: تزويج الصغيرة بأقل من مهر المثل أو الصغير بأكثر فإنه لا ينفذ.
ومنها: الوكيل بالبيع لو سكر فباع لم ينفذ على موكله.
ومنها: الغصب من صاح ورده عليه وهو سكران، كذا، في الاشباه ح.
قلت: لكن اعترضه محشيه الحموي في الاخيرة بأن المنقول في العمادية أن الغاصب يبرأ بالرد(3/264)
عليه من الضمان فيه كالصاحي، وكذا في مسألة الوكالة بالطلاق بأن الصحيح الوقوع، نص
عليه في الخانية والبحر.
قوله: (لكن قيده البزازي) قال في النهر عن البزازية: وكله بطلاقها على مال فطلقها في حال السكر فإنه لا يقع، وإن كالتوكيل والايقاع حال السكر وقع ولو بلا مال وقع مطلقا، لان الرأي لا بد منه لتقدير البدل اه.
أقول: والتعليل يفيد أنه لو وكله بطلاقها على ألف فطلقها في حال السكر وقع مطلقا ح.
قوله: (واختاره الطحاوي والكرخي) وكذا محمد بن سلمة، وهو قول زفر كما أفاده في الفتح.
قوله: (عن التفريق) صوابه عن التفريد، بالدآخره لا بالقاف كما رأيته في نسخ التاترخانية.
قوله: (والفتوى عليه) قد علمت مخالفته لسائر المتون ح.
وفي التاترخانية، طلاق السكر واقع إذا سكر من الخمر أو النبيذ وهو مذهب أصحابنا، قوله: (إن دام للموت) قيد في طارئا فقط ح.
قال في البحر: فعلى هذا إذا طلق من اعتقل لسانه توقف، فإن دام به إلى الموت نفذ، وإن زال بطل اه.
قلت: وكذا لو تزوج بالاشارة لا يحل له وطؤها لعدم نفاذه قبل الموت، وكذا سائر عقوده، ولا يخفى ما في هذا من احرج.
قوله: (به يفتى) وقدر التمرتاشي الامتداد بسنة.
بحر.
وفي التاترخانية عن الينابيع: ويقع طلاق الاخرس بالاشارة، يريد به الذي ولد وهو أخرس أو طرأ عليه ذلك ودام حتى صارت إشارته مفهومة، وإلا لم تعتبر.
قوله: (واستحسن الكمال الخ) حيث قال: وقال بعض الشافعية: إن كان يحسن الكتابة لا يقع طلاقه بالاشارة لاندفاع الضرورة بما هو أدل على المراد من الاشارة، وهو قول حسن، وبه قال بعض مشايخنا اه.
قلت: بل هذا القول تصريح بما هو المفهوم من ظاهر الرواية.
ففي كافي الحاكم الشهيد ما نصه: فإن كان الاخرس لا يكتب وكان له إشارة تعرف في طلاقه ونكاحه وشرائه وبيعه فهو جائز، وإن كان لم يعرف ذلك منه أو شك فيه فهو باطل اه.
فقد رتب جواز الاشارة على عجزه عن الكتابة، فيفيد أنه إن كان يحسن الكتابة لا تجوز إشارته.
ثم الكلام كما في النهر إنما هو في قصر صحه تصرفاته على الكتابة، وإلا فغيره يقع طلاقه بكتابته كما يأتي آخر الباب، فما بالك به.
قوله: (بإشارته المعهودة) أي المقرونة بتصويت منه، لان العادة منه ذلك فكانت الاشارة بيانا لما أجمله الاخرس.
بحر عن الفتح، وطلاقه المفهوم بالاشارة إذا كان دون الثلاث فهو رجعي، كذا في
المضمرات.
ط عن الهندية.
قوله: بأن أراد التكلم بغير الطلاق بأن أراد أن يقول سبحان الله فجرى على لسانه أنت طالق تطلق، لانه صريح لا يحتاج إلى النية، لكن في القضاء كطلاق الهازل واللاعب.
ط عن المنح.
وقوله كطلاق الهازل واللاعب مخالف لما قدمناه ولما يأتي قريبا.
وفي فتح القدير عن الحاوي معزيا إلى الجامع الاصغر أن أسدا سأل عمن أراد أن يقول زينب طالق فجرى على لسانه عمرة، على أيهما يقع الطلاق؟ فقال: في القضاء تطلق التي تسمى، وفيما بينه وبين الله تعالى لا تطلق واحدة منهما، أما التي سمى فلانه لم يردها، وأما غيرها فلانها لو(3/265)
طلقت طلقت بمجرد النية.
قوله: (غير عالم بمعناه) كما لو قالت لزوجها، اقرأ علي اعتدي أنت طالق ثلاثا ففعل، طلقت ثلاثا في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى إذا لم يعلم الزوج ولم ينو.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (أو غافلا أو ساهيا) في المصباح: الغفلة غيبة الشئ عن بال الانسان وعدم تذكره له.
وفيه أيضا سها عن الشئ يسهو: غفل قبله عنه حتى زال عنه فلم يتذكره.
وفرقوا بين الساهي والناسي بأن الناسي إذا ذكر تذكر والساهي بخلافه اه.
فالظاهر أن المراد هنا بالغافل الناسي بقرينة عطف الساهي عليه.
وصورته أن يعلق طلاقها على دخول الدار مثلا فدخلها ناسيا التعليق أو ساهيا.
قوله: (أو بألفاظ مصحفة) نحو طلاغ وتلاغ وطلاك وتلاك كما يذكره أول الباب الآتي.
قوله: (يقع قضاء) متعلق بالمخطئ وما بعده ح.
لكن في وقوعه في الساهي والغافل على ما صورناه لا يظهر التقييد بالقضاء، إذ لا فرق في مباشرة سبب الحنث بين التعمد وغيره.
تنبيه: في الحاوي الزاهدي: ظن أنه وقع الثلاث على امرأته بإفتاء من لم يكن أهلا للفتوى وكلف الحاكم كتابتها في الصك فكتبت، ثم استفتى ممن هو أقل للفتوى فأفتى بأنه لا يقع والتطليقات الثلاث مكتوبة في الصك بالظن فله أن يعود إليها ديانة ولكن لا يصدق في الحكم اه.
قوله: (واللاعب) الظاهر انه عطف على الهازل للتفسير ح.
قوله: (جعل هزله به جدا) لانه تكلم بالسبب قصدا فيلزمه حكمه وإن لم يرض به، لانه مما لا يحتمل النقض كالعتاق والنذر واليمين.
قوله: (أو مريضا) أي لم يزل عقله بالمرض بدليل التعليل.
ط.
قوله: (أو كافرا) أي وقد ترافعا إلينا،
لانه لا يحكم بالفرقة إلا في ثلاث كما مر في نكاح الكافر ط.
قوله: (لوجود التكليف) علة لهما، وهو جرى على المعتمد في الكفار أنهم مكلفون بأحكام الفروع اعتقادا وأداء ط.
قوله: (فكالنكاح) أي فكما أن نكاح الفضولي صحيح موقوف على الاجازة بالقول أو بالفعل فكذا طلاقه ح.
فلو حلف لا يطلق فضولي: إن أجاز بالقول حنث، وبالفعل لا.
بحر.
والاجازة بالفعل يمكن أن تكون بأن يدفع إليها مؤخر صداقها بعد ما طلق الفضولي كما أفاده في النهر، لكن في حاشية الخير الرملي أنه نقل في جامع الفصولين عن فوائد صاحب المحيط أن بعث المهر إليها ليس بإجازة لوجوبه قبل الطلاق، بخلاف النكاح، وأنه نقل عن مجموع النوازل في الطلاق والخلع قولين في قبض الجعل: هل هو إجازة، أم لا فراجعه اه.
قلت: وقد يحمل ما في الفوائد على بعث المعجل، فلا ينافي ما في النهر.
تأمل.
قوله: (لحديث ابن ماجه) رواه عن ابن عباس من طريق فيها ابن لهيعة، ورواه الدارقطني ايضا من غيرها كما في الفتح، ومراده تقوية الحديث، لان ابن لهيعة متكلم فيه، فقد اختلف المحدثون في جرحه وتوثيقه.
قوله: (الطلاق لمن أخذ بالساق) كناية عن ملك المتعة.
قوله: (إلا إذا قال) أي المولى عند تزويج أمته من عبده وصورها بما إذا بدأ المولى، لانه لو بدأ العبد فقال زوجني أمتك هذه على أن أمرها بيدك تطلقها كما شئت فزوجها منه يجوز النكاح ولا يكون الامر بيد المولى، كما في البحر عن الخانية ولم يذكر وجه الفرق.
وذكره في الخانية في(3/266)
مسألة قبلها، وهي إذا تزوج امرأة على أنها طالق جاز النكاح وبطل الطلاق.
وقال أبو الليث: هذا إذا بدأ الزوج وقال تزوجتك على أنك طالق: وإن ابتدأت المرأة فقالت زوجت نفسي منك على أني طالق، أو على أن يكون الامر بيدي أطلق نفسي كلما شئت فقال الزوج قبلت، جاز النكاح ويقع الطلاق ويكون الامر بيدها، لان البداءة إذا كانت من الزوج كان الطلاق والتفويض قبل النكاح فلا يصح، أما إذا كانت من المرأة يصير التفويض بعد النكاح، لان الزوج لما قال بعد كلام المرأة قبلت، ولجواب يتضمن إعادة ما في السؤال صار كأنه قال قبلت على أنك طالق أو على أن يكون الامر بيدك، فيصير مفوضا بعد النكاح اه.
قوله: (وكذا الخ) هذه الصورة حيلة لصيرورة الامر بيد
المولى بلا توقف على قبول العبد، لانه في الاولى قد تم النكاح بقول المولى زوجتك أمتي فيمكن العبد أن لا يقبل فلا يصير الامر بيد المولى.
أفاده في البحر.
قوله: (والمجنون) قال في التلويح، الجنون اختلال القوة المميزة بين الامور الحسنة والقبيحة المدركة للعواقب، بأن لا تظهر آثارها وتتعطل أفعالها، إما لنقصان جبل عليه دماغه في أصل الخلقة، وإما لخروج مزاج الدماغ عن الاعتدال بسبب خلط أو آفة، وإما لاستيلاء الشيطان عليه وإلقاء الخيالات الفاسدة إليه بحيث يفرح ويفزع من غير ما يصلح سببا اه.
وفي البحر عن الخانية: رجل عرف أنه كان مجنونا فقالت له امرأته طلقتني البارحة فقال أصابني الجنون ولا يعرف ذلك إلا بقوله، كان القول قوله اه.
قوله: (إلا إذا علق عاقلا الخ) كقوله إن دخلت الدار فدخلها مجنونا، بخلاف إن جننت فأنت طالق فجن لم يقع، كذا ذكره الشارح في باب نكاح الكافر فالمراد إذا علق على غير جنونه.
قوله: (أو كان عنينا) أي وفرق القاضي بينه وبين زوجته بطلبها بعد تأجيله سنة، لان الجنون لا يعدم الشهوة كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: (أو مجبوبا) أي وفرق القاضي بينهما في الحال بطلبها.
قوله: (وقع الطلاق) جواب إذا ووقوعه المسائل الاربع للحاجة، ودفع الضرر لا ينافي عدم أهليته للطلاق في غيرها كما مر تحقيقه في باب نكاح الكافر.
قوله: (والصبي) أي إلا إذا كان مجبوبا وفرق بينهما أو أسلمت زوجته فعرض الاسلام عليه مميزا فأبى وقع الطلاق.
رملي.
قال: وقد أفتيت بعدم وقوعه فيما إذا زوجه أبوه امرأة وعلق عليه متى تزوج أو تسرى عليه فكذا فكبر فتزوج عالما بالتعليق أو لا اه.
قوله: (أو أجازه بعد البلوغ) لانه حين وقوعه وقع باطلا والباطل لا يجاز ط.
قوله: (لانه ابتداء إيقاع) لان الضمير في أوقعته راجع إلى جنس الطلاق، ومثله ما لو قال أوقعت ذلك الطلاق، بخلاف قوله أوقعت الذي تلفظته، فإنه إشارة إلى المعين الذي حكم ببطلانه، فأشبه ما إذا قال أنت طالق ألفا ثم قال ثلاثا عليك والباقي على ضراتك، فإن الزائد على الثلاث ملغى.
أفاده في البحر.
قوله: (وجوزه الامام أحمد) أي إذا كان مميزا يعقله بأن يعلم أن زوجته تبين منه كما هو مقرر في متون مذهبه، فافهم.
قوله: (من العته) بالتحريك من باب تعب.
مصباح.
قوله: (وهو اختلال في العقل) هذا ذكره في
البحر تعريفا للجنون وقال: ويدخل فيه المعتوه.
وأحسن الاقوال في الفرق بينهما أن المعتوه هو(3/267)
القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير، لكن لا يضرب ولا يشتم، بخلاف المجنون اه.
وصرح الاصوليون بأن حكمه كالصبي، إلا أن الدبوسي قال: تجب عليه العبادات احتياطا.
ورده صدر الاسلام بأن العته نوع جنون فيمنع وجوب أداء الحقوق جميعا كما بسطه في شرح التحرير.
قوله: (بالكسر الخ) أي كسر الباء.
قال في البحر وفي بعض كتب الطب أنه ورم حار يعرض للحجاب الذي بين الكبد والامعاء ثم يتصل بالدماغ.
قوله: (هو لغة المغشي) قال في التحرير: الاغماء آفة في القلب أو الدماغ تعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا وإلا عصم منه الانبياء، وهو فوق النوم فلزمه ما لزمه وزيادة كونه حدثا ولو في جميع حالات الصلاة ومنع البناء، وبخلاف النوم في الصلاة إذا اضطجع حالة النوم له البناء.
قوله: (وفي القاموس دهش) أي بالكسر كفرح.
ثم إن اقتصاره على ذكر التحير غير صحيح، فإنه في القاموس قال بعده: أو ذهب عقله حياء أو خوفا اه.
وهذا هو المراد هنا، ولذا جعله في البحر داخلا في المجنون.
مطلب في طلاق المدهوش وقال في الخيرية: غلط من فسره هنا بالتحير، إذ لا يلزم من التحير وهو التردد في الامر ذهاب العقل.
وسئل نظما فيمن طلق زوجته ثلاثا في مجلس القاضي وهو مغتاظ مدهوش، فأجاب نظما أيضا بأن الدهش من أقسام الجنون فلا يقع، وإذا كان يعتاده بأن عرف منه الدهش مرة يصدق بلا برهان اه.
قلت: وللحافظ ابن القيم الحنبلي رسالة في طلاق الغضبان قال فيها: إنه على ثلاثة أقسام: أحدها أن يحصل له مبادي الغضب بحيث لا يتغير عقله ويعلم ما يقول ويقصده، وهذا لا إشكال فيه.
الثاني أن يبلغ النهاية فلا يعلم ما يقول ولا يريده، فهذا لاريب أنه لا ينفذ شئ من أقواله.
الثالث من توسط بين المرتبتين بحيث لم يصر كالمجنون فهذا محل النظر، والادلة تدل على عدم نفوذ أقواله اه.
ملخصا من شرح الغاية الحنبلية.
لكن أشار في الغاية إلى مخالفته في الثالث حيث
قال: ويقع طلاق من غضب خلافا لابن القيم اه.
وهذا الموافق عندنا لما مر في المدهوش، لكن يرد عليه أنا لم نعتبر أقوال المعتوه مع أنه لا يلزم فيه أن يصل إلى حالة لا يعلم فيها ما يقول ولا يريده.
وقد يجاب بأن المعتوه لما كان مستمرا على حالة واحدة يمكن ضبطها اعتبرت فيه، واكتفى فيه بمجرد نقص العقل، بخلاف الغضب فإنه عارض في بعض الاحوال، لكن يرد عليه الدهش فإنه كذلك.
والذي يظهر لي أن كلا من المدهوش والغضبان لا يلزم فيه أن يكون بحيث لا يعلم ما يقول، بل يكتفى فيه بغلبة الهذيان واختلاط الجد بالهزل، كما هو المفتى به في السكران على ما مر، ولا ينافيه تعريف الدهش بذهاب العقل، فإن الجنون فنون، ولذا فسره في البحر باختلال العقل وأدخل فيه العته والبرسام والاغماء والدهش، ويؤيد ما قلنا بعضهم: العاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرا، والمجنون ضده.
وأيضا فإن بعض المجانين يعرف ما يقول ويريده، ويذكر ما يشهد(3/268)
الجاهل به بأن عاقل ثم يظهر منه في مجلسه ما ينافيه، فإذا كان المجنون حقيقة قد يعرف ما يقول ويقصده فغيره بالاولى، فالذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبة الخلل في الاقوال والافعال لا تعتبر أقواله وإن كان يعلمها ويريدها، لان هذه المعرفة والارادة غير معتبرة لعدم حصولها عن إدراك صحيح كما لا تعتبر من الصبي العاقل، نعم يشكل عليه ما سيأتي في التعليق عن البحر، وصرح به في الفتح والخانية وغيرهما، وهو: لو طلق فشهد عنده اثنان أنك استثنيت وهو غير ذاكر، إن كان بحيث إذا غضب لا يدري ما يقول وسعه الاخذ بشهادتهما، وإلا لا اه.
فإن مقتضاه أنه إذا كان لا يدري ما يقول يقع طلاقه، وإلا فلا حاجة إلى الاخذ بقولهما إنك استثنيت، وهذا مشكل جدا، إلا أن يجاب بأن المراد بكونه لا يدري ما يقول أنه لقوة غضبه قد ينسى ما يقول ولا يتذكره بعد، وليس المراد أنه صار يجري على
لسانه ما لا يفهمه أو لا يقصده، إذ لا شك أنه حينئذ يكون في أعلى مراتب الجنون، ويؤيد هذا الحمل أنه في هذا الفرع عالم بأنه طلق وهو قاصد له، لكنه لم يتذكر الاستثناء لشدة غضبه، هذا ما ظهر لي في تحرير هذا المقام، والله أعلم بحقيقة المرام.
ثم رأيت ما يؤيد ذلك الجواب، وهو أنه قال في الولوالجية: إن كان بحال لو غضب يجري على لسانه ما لا يحفظه بعده جاز له الاعتماد على قول الشاهدين، فقوله لا يحفظه بعده صريح فيما قلنا، والله أعلم.
قوله: (لانه أعاد الضمير إلى غير معتبر) أشار به إلى أن الفرق بين كلام الصبي وبين كلام النائم هو أن كلام الصبي معتبر في اللغة والنحو، غاية الامر أن الشارع ألغاه، بخلاف كلام النائم فإنه غير معتبر عند أحد اه ح.
قلت: وهو مأخوذ من قول الشارح، ولذا لا يتصف بصدق ولا كذب ولا خبر ولا إنشاء.
وفي التحرير: وتبطل عباراته من الاسلام والردة والطلاق، ولم توصف بخبر وإنشاء وصدق وكذب كألحان الطيور اه.
ومثله في التلويح، فهذا صريح في أن كلام النائم لا يسمى كلاما لغة ولا شرعا بمنزلة المهمل.
وأما فساد صلاته به فلان إفسادها لا يتوقف على كون الكلام معتبرا في اللغة أو الشرع، لانها تفسد بالمهمل أكثر من غيره، فقد اتضح الفرق بين كلامه وكلام الصبي، فافهم.
ثم لا يخفى أنه لا حاجة إلى الفرق بينهما في قوله: أجزته لانه لا يقع فيهما، لان الاجازة لما ينعقد موقوفا، وكل من طلاق الصبي والنائم وقع باطلا لا موقوفا، كما هو الحكم في تصرفات الصبي التي هي ضرر محض كالطلاق والعتق، بخلاف المتردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء والنكاح فإنه ينعقد موقوفا حتى لو بلغ فأجازه صح كما قدمناه قبيل باب المهر، وإنما يحتاج إلى الفرق بينهما في قوله: أوقعته فإنه قدم في الصبي أنه يقع لانه ابتداء إيقاع، ولم يجعل في النائم كذلك.
وتوضيح الفرق أن كلام الصبي له معنى لغوي وإن لم يلزمه الشرع بموجبه، فصح عود الضمير في أوقعته إلى جنس الطلاق الذي تضمنه قوله لزوجته طلقتك، بخلاف النائم فإن كلامه لما لم يعتبر لغة أيضا كان مهملا لم يتضمن شيئا، فقد عاد الضمير على غير مذكور أصلا، فكأنه قال: أوقعت بدون ضمير، فلم يصح جعله ابتداء إيقاع.
قوله: (أو جعلته طلاقا) كذا عبارة البحر.(3/269)
والذي رأيته في التاترخانية: أو قال جعلت ذلك الطلاق طلاقا باسم الاشارة كالتي قبلها.
قلت: ويشكل الفرق، فإن اسم الاشارة كالضمير في عوده إلى ما سبق فينبغي عدم الوقوع هنا أيضا.
وقد يجاب بأن اسم الاشارة لما لغا مرجعه اعتبر لفظ الطلاق المذكور بعده فصار كأنه قال أوقعت الطلاق أو جعلت الطلاق طلاقا، فصح جعله ابتداء إيقاع، بخلاف الضمير إذا لغا مرجعه كما قررناه.
وفي التاترخانية: ولو قال أوقعت ما تلفظت به حال النوم لا يقع شئ اه.
وهو ظاهر كما مر في طلاق الصبي.
قوله: (وإذا ملك أحدهما الآخر) يعني ملكا حقيقيا، فلا تقع الفرقة بين المكاتب وزوجته إذا اشتراها لقيام الرق والثابت له حق الملك وهو لا يمنع بقاء النكاح كما في الفتح.
شرنبلالية.
قوله: (ألغاه الثاني) أي قال أبو يوسف: لا يقع الطلاق في المسألتين وأوقعه محمد فيهما، لان العدة قائمة والمعتدة محل للطلاق.
ولابي يوسف أن الفرقة وقعت بملك أحد الزوجين صاحبه أو بتباين الدارين فخرجت المرأة من محلية الطلاق، وبالعدة لا تثبت المحلية كما في النكاح الفاسد، قيد بالتحرير والمهاجرة لان الطلاق قبلهما لا يقع اتفاقا، لان العدة لم يظهر أثرها في حق الطلاق، وإنما يظهر أثرها في حق التزوج بزوج آخر، كذا في المصفى اه.
ابن ملك على المجمع.
تنبيه: قال في الشرنبلالية: لم يذكر المصنف عكس المسألة الاولى، وهو ما لو حررها بعد شرائه ثم طلقها في العدة والحكم وقوع الطلاق في قول محمد وأبي يوسف الاول.
ورجع أبو يوسف عن هذا قال: لا يقع، وهو قول زفر، وعليه الفتوى.
قاله قاضيخان.
فعليه تكون الفتوى على ما مشى عليه المصنف تبعا للمجمع من عدم وقوع الطلاق فيما لو حررته هي بعد شرائها إياه اه.
مطلب: اعتبار عدد الطلاق بالنساء قوله: (واعتبار عدده بالنساء) لقوله (ص): طلاق الامة ثنتان وعدتها حيضتان رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدار قطني عن عائشة ترفعه.
وقال الترمذي: حديث غريب، والعمل عليه عند
أهل العلم من أصحاب رسول الله (ص) وغيرهم.
وفي الدراقطني قال القاسم وسالم: عمل به المسلمون، وتمامه في الفتح، وحقق أنه إن لم يكن صحيحا فهو حسن.
قوله: (مطلقا) راجع إلى الحرة والامة: أي سواء كانت الحرة أو الامة تحت حر أو عبد ط.
قوله: (ويقع الطلاق الخ) يعني إذا قال لامرأته أعتقتك، تطلق إذا نوى أو دل عليه الحال، وإذا قال لامته طلقتك، لا تعتق، لان إزالة الملك أقوى من إزالة القيد، وليست الاولى لازمة للثانية فلا تصح استعارة الثانية للاولى، ويصح العكس.
درر.(3/270)
مطلب في الطلاق بالكتابة قوله: (كتب الطلاق الخ) قال في الهندية: الكتابة على نوعين: مرسومة، وغير مرسومة.
ونعني بالمرسومة أن يكون مصدرا ومعنونا مثل ما يكتب إلى الغائب، وغير المرسومة أن لا يكون مصدرا ومعنونا، وهو على وجهين: مستبينة، وغير مستبينة فالمستبينة ما يكتب على الصحيفة والحائط والارض على وجه يمكن فهمه وقراءته، وغير المستبينة ما يكتب على الهواء والماء وشئ لا يمكن فهمه وقراءته، ففي غير المستبينة لا يقع الطلاق وإن نوى، وإن كانت مستبينة لكنها غير مرسومة إن نوى الطلاق يقع، وإلا لا، وإن كانت مرسومة يقع الطلاق نوى أو لم ينو.
ثم المرسومة لا تخلو أما إن أرسل الطلاق بأن كتب: أما بعد فأنت طالق، فكما كتب هذا يقع الطلاق وتلزمها العدة من وقت الكتابة، وإن علق طلاقها بمجئ الكتاب بأن كتب، إذا جاءك كتابي فأنت طالق فجاءها الكتاب فقرأته أو لم تقرأ يقع الطلاق، كذا في الخلاصة ط.
قوله: (إن مستبينا) أي ولم يكن مرسوما: أي معتادا، وإنما لم يقيده به لفهمه من مقابله وهو قوله: ولو كتب على وجه الرسالة الخ فإنه المراد بالمرسوم.
قوله: (مطلقا) المراد به في الموضعين نوى أو لم ينو، وقوله: ولو على نحو الماء مقابل قوله: إن مستبينا قوله: (طلقت بوصول الكتاب) أي إليها، ولا يحتاج إلى النية في المستبين المرسوم، ولا يصدق في القضاء أنه عنى تجربة الحظ ط.
بحر.
ومفهومه أنه يصدق ديانة في المرسوم.
رحمتي.
ولو وصل إلى أبيها فمزقه ولم يدفعه إليها، فإن كان متصرفا
في جميع أمورها فوصل إليه في بلدها وقع، وإن لم يكن كذلك فلا ما لم يصل إليها، وإن أخبرها بوصوله إليه ودفعه إليها ممزقا، إن أمكن فهمه وقراءته وقع، وإلا فلا.
ط عن الهندية.
وفي التاترخانية: كتب في قرطاس: إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ثم نسخه في آخر أو أمر غيره بنسخه ولم يمله عليه فأتاها الكتابان، طلقت ثنتين قضاء إن إقر أنهما كتاباه أو برهنت، وفي الديانة: تقع واحدة بأيهما أتاها ويبطل الآخر، ولو قال للكاتب: اكتب طلاق امرأتي، كان إقرارا بالطلاق وإن لم يكتب، ولو استكتب من آخر كتابا بطلاقها وقرأه على الزوج فأخذه الزوج وختمه وعنونه وبعث به إليها فأتاها، وقع إن أقر الزوج أنه كتابه، أو قال للرجل ابعث به إليها، أو قال له اكتب نسخة وابعث بها إليها، وإن لم يقر أنه كتابه ولم تقم بينة لكنه وصف الامر على وجهه لا تطلق قضاء ولا ديانة، وكذا كل كتاب لم يكتبه بخطه ولم يمله بنفسه لا يقع الطلاق ما لم يقر أنه كتابه اه ملخصا.
قوله: (كتاب لامرأته الخ) صورته: له امرأة تدعى زينب ثم تزوج في بلدة أخرى امرأة تدعى عائشة فبلغ زينب فخاف منها، فكتب إليها: كل امرأة لي غيرك وغير عائشة طالق، ثم محا قوله وغير عائشة اه ح.(3/271)
قلت: وينبغي أن يشهد على كتابه ما محاه لئلا يظهر الحال فيحكم عليه القاضي بطلاق عائشة.
تأمل.
قوله: (عجيبة) وجه العجب نفع الكتابة بعد محوها ط.
قوله: (وسيجئ ما لو استثنى بالكتابة) أي في باب التعليق عند قوله قال لها أنت طالق إن شاء الله متصلا اه ح.
وفي الهندية وإذا كتب الطلاق واستثنى بلسانه أو طلق بلسانه واستثنى بالكتابة هل يصح؟ لا رواية لهذه المسألة وينبغي أن يصح، كذا في الظهيرية ط.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
باب الصريح لما قدم ذكر الطلاق نفسه وأقسامه الاولية السني والبدعي وبعض أحكام تلك الكليات، ذكر أحكام بعض جزئياتها مضافة إلى المرأة أو إلى بعضها وما هو صريح منها أو كناية، فصار كتفصيل يعقب إجمالا.
قوله: (ما لم يستمل إلا فيه) أي غالبا كما يفيده كلام البحر.
وعرفه في التحرير بما يثبت حكمه الشرعي بلا نية، وأراد بما اللفظ أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو الاشارة المفهومة، فلا يقع بإلقاء ثلاثة أحجار إليها أو بأمرها بحلق شعرها وإن اعتقد الالقاء والحلق طلاقا كما قدمناه، لان ركم الطلاق اللفظ أو ما يقوم مقامه مما ذكر كما مر.
قوله: (ولو بالفارسية) فما لا يستعمل فيها إلا في الطلاق فهو صريح يقع بلا نية، وما استعمل فيها استعمال الطلاق وغيره فحكمه حكم كنايات العربية في جميع الاحكام.
بحر.
وفي حاشيته للخير الرملي عن جامع الفصولين أنه ذكر كلاما بالفارسية معناه: إن فعل كذا تجري كلمة الشرع بيني وبينك، ينبغي أن يصح اليمين على الطلاق لانه متعارف بينهم فيه اه.
قلت: لكن قال في نور العين الظاهر أنه لا يصح اليمين لما في البزازية من كتاب ألفاظ الكفر: إنه قد اشتهر في رساتيق شروان أن من قال: جعلت كلما أو علي كلما أنه طلاق ثلاث معلق، وهذا باطل ومن هذيانات العوام اه.
فتأمل.
مطلب: سن بوش يقع به الرجعي تنبيه: قال في الشرنبلالية: وقع السؤال عن التطليق بلغة الترك هل هو رجعي باعتبار القصد؟ أو بائن باعتبار مدلول سن بوش أو سن بوش أول لان معناه خالية أو خلية؟ فينظر اه.
قلت: وأفتى الرحيمي تلميذ الخير الرملي بأنه رجعي وقال: كما أفتى به شيخ الاسلام أبو السعود.
ونقل مثله شيخ مشايخنا التركماني عن فتاوى على أفند مفتي دار السلطنة وعن الحامدية.
قوله: (بالتشديد) أي تشديد اللام في مطلقة أما بالتخفيف فيلحق بالكناية.
بحر.
وسيذكره في بابها.
قوله: (لتركه الاضافة) أي المعنوية فإنها الشرط والخطاب من الاضافة المعنوية، وكذا الاشارة نحو هذه طالق، وكذا نحو امرأتي طالق وزينب طالق اه ح.(3/272)
أقول: وما ذكره الشارح من التعليل أصله لصاحب البحر أخذا من قول البزازية في الايمان: قال لها: لا تخرجي من الدار إلا بإذني فإني حلفت بالطلاق، فخرجت لا يقع لعدم ذكر حلفه بطلاقها، ويحتمل الحلف بطلاق غيرها فالقول له اه.
ومثله في الخانية.
وفي هذا الاخذ نظر، فإن
مفهوم كلام البزازية أنه لو أراد الحلف بطلاقها يقع، لانه جعل القول له في صرفه إلى طلاق وغيرها، والمفهوم من تعليل الشارح تبعا للبحر عدم الوقوع أصلا لفقد شرط الاضافة، مع أنه لو أراد طلاقها تكون الاضافة موجودة ويكون المعنى: فإني حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك، ولا يلزم كون الاضافة صريحة في كلامه لما في البحر لو قال: طالق، فقيل له من عنيت؟ فقال امرأتي طلقت امرأته اه.
على أنه في القنية قال عازيا إلى البرهان صاحب المحيط: رجل دعته جماعة إلى شرب الخمر فقال إني حلفت بالطلاق أني لا أشرب وكان كاذبا فيه ثم شرب طلقت.
وقال صاحب التحفة: لا تطلق ديانة اه.
وما في التحفة لا يخالف ما قبله لان المراد طلقت قضاء فقط، لما مر من أنه لو أخبر بالطلاق كاذبا لا يقع ديانة، بخلاف الهازل، فهذا يدل على وقوعه وإن لم يضفه إلى المرأة صريحا، نعم يمكن حمله على ما إذا لم يقل إني أردت الحلف بطلاق غيرها فلا يخالف ما في البزازية.
ويؤيده ما في البحلو قال: امرأة طالق أو قال طلقت امرأة ثلاثا وقال لم أعن امرأتي يصدق اه.
ويفهم منه أنه لو يقل ذلك تطلق امرأته، لان العادة أن من له امرأة إنما يحلف بطلاقها لا بطلاق غيرها، فقوله إني حلفت بالطلاق ينصرف إليها ما لم يرد غيرها لانه يحتمله كلامه، بخلاف ما لو ذكر اسمها أو اسم أبيها أو أمها أو ولدها فقال: عمرة طالق أو بنت فلان أو بنت فلانة أو أم فلان، فقد صرحوا بأنها تطلق، وأنه لو قال: لم أعن امرأتي لا يصدق قضاء إذا كانت امرأته كما وصف كما سيأتي قبيل الكنايات، وسيذكر قريبا أن من الالفاظ المستعملة: الطلاق يلزمني، والحرام يلزمني، وعلي الطلاق، وعلي الحرام، فيقع بلانية للعرف الخ، فأوقعوا به الطلاق مع أنه ليس فيه إضافة الطلاق إليها صريحا، فهذا مؤيد لما في القنية، وظاهره أنه لا يصدق في أنه لم يرد امرأته للعرف، والله أعلم.
قوله: (وما بمعناها من الصريح) أي مثل ما سيذكره من نحو: كوني طالقا واطلقي ويا مطلقة بالتشديد، وكذا المضارع إذا غلب في الحال مثل أطلقك كما في البحر.
قلت: ومنه في عرف ز ماننا: تكوني طالقا، ومنه: خذي طلاقك فقالت أخذت، فقد صحح الوقوع به بلا اشتراط نية كما في الفتح، وكذا لا يشترط قولها أخذت كما في البحر.
وأما ما في
البحر من أن منه: شئت طلاقك، ورضيت طلاقك، ففيه خلاف.
وجزم الزيلعي بأنه لابد فيهما من النية كما ذكره الخير الرملي: أي فيكون كناية لان الصريح لا يحتاج إلى النية.
وأما ما في البحر أيضا من أنه منه: وهبت لك طلاقتك وأودعتك طلاقك ورهنتك طلاقك فسيذكر الشارح تصحيح الوقوع به.
وأما أنت الطلاق فليس بمعنى المذكورات، لان المراد بها ما يقع به واحدة رجعية وإن نوى خلافها كما صرح به المصنف، وأنت الطلاق تصح فيه نية الثلاث كما ذكره عقبة.
وأما أنت أطلق من فلانة، ففي النهر عن الولوالجية أنه كناية.
قال: فإن كان جوابا لقولها إن فلان طلق امرأته وقع ولا يدين كما في الخلاصة، لان دلالة الحال قائم مقام النية، حتى لو لم تكن قائمة لم يقع إلا بالنية اه فافهم.(3/273)
مطلب: من الصريح الالفاظ المصحفة قوله: (ويدخل نحو طلاغ وتلاغ الخ) أي بالغين المعجمة.
قال في البحر: ومنه الالفاظ المصحفة وهي خمسة، فزاد على ما هنا تلاق.
وزاد في النهر إبدال القاف لاما.
قال ط: وينبغي أن يقال: إن فاء الكلمة إما طاء أو تاء، واللام إما قاف أو عين أو غين أو كاف أو لام، واثنان في خمسة بعشرة تسعا منها مصحفة، وهي ما عدا الطاء مع القاف اه.
قوله: (أو ط ل ق) ظاهر ما هنا ومثله في الفتح والبحر أن يأتي بمسمى أحرف الهجاء، والظاهر عدم الفرق بينها وبين أسمائها.
ففي الذخيرة من كتاب العتق: وعن أبي يوسف فيمن قال لامته: ألف نون تاء حاء راء هاء، أو قال لامرأته ألف نون تاء طاء ألف لام قاف أنه إن نوى الطلاق والعتاق تطلق المرأة وتعتق الامة، وهذا بمنزلة الكناية، لان هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من صريح الكلام، إلا أنها لا تستعمل كذلك فصارت كالنكاية في الافتقار إلى النية اه.
وأنه خبير بأنه إذا افتقر إلى النية لا يناسب ذكره هنا، لان الكلام فيما يقع به الرجعية وإن لم ينو، وسيصرح الشارح أيضا بعد صفحة بافتقاره إلى النية، وذكره أيضا في باب الكناية، وقدم ناه أيضا أول الطلاق عن الفتح.
وفي البحر: يقع بالتهجي كأنت ط ل ق، وكذا لو قيل له طلقتها فقال: ن ع م أو ب ل ي
بالهجاء وإن لم يتكلم به أطلقه في الخانية ولم يشترط النية، وشرطها في البدائع اه.
قلت: عدم التصرحي بالاشتراط لا ينافي الاشتراط، على أن الذي في الخانية هو مسألة الجواب بالتهجي والسؤال بقول القائل طلقتها قرينة على إرادة جوابه فيقع بلا نية، بخلاف قوله ابتداء أنت طالق بالتهجي.
تأمل.
قوله: (أو طلاق باش) كلمة فارسية.
قال في الذخيرة: ولو قال لها سه طلاق باش، أو قال بطلاق باش تحكم النية، وكان الامام ظهير الدين يفتي بالوقوع في هذه الصورة بلا نية.
قوله: (بلا فرق الخ) هذا ذكره في الالفاظ المصحفة، فكان عليه ذكره عقبها بلا فاصل.
قوله: (تعمدته) أي التصحيف تخويفا لها بلا قصد الطلاق.
قوله: (طلقت امرأتك) وكذا تطلق لو قيل له ألست طلقت امرأتك؟ على ما بحثه في الفتح من عدم الفرق في العرف بين الجواب بنعم أن بلى كما سيأتي في الفروع آخر هذا الباب.
قوله: (طلقت) أي بلا نية على ما قررناه آنفا.
قوله: (واحدة) بالرفع فاعل قوله: ويقع وهو صفة لموصوف محذوف: أي طلقة واحدة.
أفاده القهستاني.
قوله: (رجعية) أي عند عدم ما يجعل بائنا.
مطلب: الصريح نوعان: رجعي، وبائن ففي البدائع أن الصريح نوعان: صريح رجعي، وصريح بائن.
فالاول أن يكون بحروف الطلاق بعد الدخول حقيقة غير مقرون بعوض، ولا بعدد الثلاث لا نصا ولا إشارة، ولا موصوف بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف، ولا مشبه بعدد أو صفة تدل عليها، وأما الثاني فبخلافه، وهو أن يكون بحروف الابانة وبحروف الطلاق، لكن قبل الدخول حقيقة أو بعده، لكن مقرونا بعدد الثلاث نصا أو إشارة، أو موصوفا(3/274)
بصفة تنبئ عن البينونة أو تدل عليها من غير حرف العطف، أو مشبها بعدد أو صفة تدل عليها اه.
ويعلم محترز القيود مما يذكره المصنف آخر الباب من وقوع الثلاث في أنت هكذا، مشيرا بأصابعه، ووقوع البائن في أنت طالق بائن، بخلاف وبائن وبأنت طالق كألف أو تطليقة طويلة، واختار في الفتح أن القسم الثاني ليس من الصريح، فلا حاجة للاحتراز عنه.
واستظهر في البحر ما في البدائع
معللا بأن حد الصريح يشمل الكل.
قال في النهر: للقطع بأنه قبل الدخول أو على مال ونحوه ذلك ليس كناية، وإلا لاحتاج إلى النية أو دلالة الحال، فتعين أن يكون صريحا، إذ لا واسطة بينهما اه.
وفيه عن الصير فية: لو قال لها: أنت طالق ولا رجعة لي عليك فرجعية، ولو قال: على أن لا رجعة لي عليك فبائن اه.
وسيأتي آخر الباب تمام الكلام على الفرع الاخير.
قوله: (وإن نوى خلافها) قيد بنيته، لانه لو قال جعلتها بائنة أو ثلاثا كانت كذلك عند الامام، ومعنى جعل الواحدة ثلاثا على قوله إنه ألحق بها اثنتين لا أنه جعل الواحدة ثلاثا، كذا في البدائع، ووافقه الثاني في البينونة دون الثلاث ونفاهما الثالث.
نهر، وتمامه فيه.
وفي البحر: وسيذكره المصنف في باب الكنايات.
وعلم مما ذكرنا أنه لوقرنه بالعدد ابتداء فقال أنت طالق ثنتين، أو قال ثلاثا، يقع لما سيأتي في الباب الآتي أنه متى قرن بالعدد كان الوقوع به، وسنذكر في الكنايات ما لو ألحق العدد بعد ما سكت.
قوله: (من البائن أو أكثر) بيان لقوله: خلافها فإن الضمير فيه للواحدة الرجعية، فخلاف الواحدة الاكثر رجعيا أو بائنا، وخلاف الرجعية البائن، ففي كلامه لف ونشر مشوش.
وفيه أيضا إشارة إلى أنه لا يشمل نية المكره الطلاق عن وثاق، فلا يرد أنه تصح نيته قضاء كما يأتي قريبا، فافهم.
قوله: (خلافا للشافعي) راجع إلى قوله: أو أكثر فقط، والاولى أن يقول: خلافا للائمة الثلاثة كما يفاد من البحر، وهو القول الاول للامام، لانه نوى محتمل لفظه ط.
مطلب في قول البحر: إن الصريح يحتاج في وقوعه ديانة إلى النية قوله: (أو لم ينو شيئا) لما مر أن الصريح لا يحتاج إلى النية، ولكن لا بد في وقوعه قضاء وديانة من قصد إضافة لفظ الطلاق إليها عالما بمعناه ولم يصرفه إلى ما يحتمله، كما أفاده في الفتح، وحققه في النهر، احترازا عما لو كرر مسائل الطلاق بحضرتها، أو كتب ناقلا من كتاب امرأتي طالق مع التلفظ، أو حكى يمين غيره فإنه لا يقع أصلا ما لم يقصد زوجته، وعما لو لقنته لفظ الطلاق فتلفظ به غير عالم بمعناه فلا يقع أصلا على ما أفتى به مشايخ أوزجند صيانة عن التلبيس وغيرهم من الوقوع قضاء فقط، وعما لو سبق لسانه من قول أنت حائض مثلا إلى أنت طالق فإنه يقع قضاء
فقط، وعما لو نوى بأنت طالق الطلاق من وثاق فإنه يقع قضاء فقط أيضا.
وأما الهازل فيقع طلاقه قضاء وديانة، لانه قصد السبب عالما بأنه سبب فرتب الشرع حكمه عليه أراده أو لم يرده كما مر، وبهذا ظهر عدم صحة ما في البحر والاشباه من أن قولهم: إن الصريح لا يحتاج إلى النية، إنما هو في القضاء.
أما في الديانة فمحتاج إليها أخذا من قولهم: لو نوى الطلاق عن وثاق أو سبق لسانه إلى لفظ الطلاق يقع قضاء فقط: أي لا ديانة، لانه لم ينوه.
وفيه نظر، لان عدم وقوعه ديانة في الاول لانه صرف اللفظ إلى ما يحتمله، وفي الثاني لعدم قصد(3/275)
اللفظ، واللازم من هذا أنه يشترط في وقوعه ديانة قصد اللفظ وعدم التأويل الصحيح أما اشتراط نية الطلاق فلا، بدليل أنه لو نوى الطلاق عن العمل لا يصدق، ويقع ديانة أيضا كما يأتي مع أنه لم ينو معنى الطلاق، وكذا لو طلق هازلا.
قوله: (عن وثاق) بفتح الواو وكسرها: القيد، وجمعه وثق كرباط وربط.
مصباح وعلم أنه لو نوى الطلاق عن قيد دين أيضا.
قوله: (دين) أي تصح نيته فيما بينه وبين ربه تعالى، لانه نوى ما يحتمله لفظه فيفتيه المفتي بعدم الوقوع.
أما القاضي فلا يصدقه ويقضي عليه بالوقوع لانه خلاف الظاهر بلا قرينة.
قوله: (إن لم يقرنه بعدد) هذا الشرط ذكره في البحر وغيره فيما لو صرح بالوثاق أو القيد، بأن قال أنت طالق ثلاثا من هذا القيد فيقع قضاء وديانة كما في البزازية، وعلله في المحيط بأنه لا يتصور رفع القيد ثلاث مرات فانصرف إلى قيد النكاح كي لا يلغوا اه.
قال في النهر: وهذا التعليل يفيد اتحاد الحكم فيما لو قال مرتين اه.
ولذا أطلق الشارح العدد.
ولا يخفى أنه إذا انصرف إلى قيد النكاح بسبب العدد مع التصريح بالقيد فمع عدمه بالاولى.
قوله: (صدق قضاء أيضا) أي كما يصدق ديانة لوجود القرينة الدالة على عدم إرادة الايقاع، وهي الاكراه ط.
قوله: (كما لو صرح الخ)، أي فإنه يصدق قضاء وديانة، إلا إذا قرنه بالعدد فلا يصدق أصلا كما مر.
قوله: (وكذا لو نوى الخ) قال في البحر: ومنه: أي من الصريح: يا طالق أو يا مطلقة بالتشديد، ولو قال أردت الشتم لم يصدق قضاء ودين.
خلاصة: ولو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت ذلك الطلاق صدق ديانة باتفاق الروايات،
وقضاء في رواية أبي سليمان، وهو حسن كام في الفتح، وهو الصحيح كما في الخانية.
ولو لم يكن لها زوج لا يصدق، وكذا لو كان لها زوج قد مات اه.
قلت: وقد ذكروا هذا التفصيل في صورة النداء كما سمعت، ولم أر من ذكره في الاخبار كأنت طالق، فتأمل.
قوله: (لم يصدق أصلا) أي لا قضاء ولا ديانة.
قال في الفتح: لان الطلاق لرفع القيد، وهي ليست مقيدة بالعمل فلا يكون محتمل اللفظ.
وعنه أنه يدين لانه يستعمل للتخلص.
قوله: (دين فقط) أي ولا يصدق قضاء لانه يظن أنه طلق ثم وصل لفظ العمل استدراكا، بخلاف ما لو وصل لفظ الوثاق لانه يستعمل فيه قليلا.
فتح.
والحاصل كما في البحر أن كلا من الوثاق والقيد والعمل إما أن يذكر، أو ينوي، فإن ذكر فإما أن يقرن بالعدد أو لا، فإن قرن به وقع بلا نية، وإلا ففي ذكر العمل وقع قضاء فقط، وفي لفظي الوثاق والقيد لا يقع أصلا، وإن لم يذكر بل نوى لا يدين في لفظ العمل ودين في الوثاق والقيد، ويقع قضاء إلا أن يكون مكرها، والمرأة كالقاضي إذا سمعته أو أخبرها عدل لا يحل لها تمكينه.
والفتوى على أنه ليس لها قتله، ولا تقتل نفسها بل تفدي نفسها بمال أو تهرب، كما أنه ليس له قتلها إذا حرمت عليه وكلما هرب ردته بالسحر.
وفي البزازية عن الاوزجندي أنها ترفع الامر للقاضي، فإن حلف ولا بينة لها فالاثم عليه اه.
قلت: أي إذا لم تقدر على الفداء أو الهرب ولا على منعه عنها فلا ينافي ما قبله.
قوله: (وفي أنت الطلاق أو طلاق الخ) بيان لما إذا أخبر عنها(3/276)
بمصدر معرف أو منكر أو اسم فاعل بعده مصدر كذلك.
قوله: (يعني بالمصدر الخ) الاولى ذكره بعد قول المصنف أو ثنتين قوله: (وقعتا رجعيتين) هذا ما مشى عليه في الهداية ويروى عن الثاني، وبه قال أبو جعفر.
ومقتضى الاطلاق عدم الصحة، وبه قال فخر الاسلام، وأيده في الفتح.
وذكر في النهر أنه المرجح في المذهب.
قوله: (لو مدخولا بها) وإلا بانت بالاول فيلغو الثاني.
قوله: (أو ثنتين) أي في الحرة.
قوله: (لانه صريح مصدر) علة لقوله: أو ثنتين يعني أن المصدر من ألفاظ الوحدان لا يراعى فيها العدد المحض بل التوحيد، وهو بالفردية الحقيقية أو الجنسية
والمثنى بمعزل عنهما.
نهر.
قوله: (لانه فرد حكمي) لان الثلاث كل الطرق، فهي الفرد الكامل منه، فإرادتها لا تكون إرادة العدد ط.
قوله: (ولذا كان) أي للفردية الحكمية.
قوله: (لكن جزم في البحر أنه سهو) حيث قال: وأما ما في الجوهرة من أنه إذا تقدم على الحرة واحدة فإنه يقع ثنتان إذا نواهما: يعني مع الاولى فسهو ظاهر اه.
ونظر فيه صاحب النهر، بأنه إذا نوى الثنتين مع الاولى فقد نوى الثلاث، وإذا لم يبق في ملكه الاثنتان وقعتا اه ح.
أقول: إن كان المراد أنه نوى الثنتين مضومتين إلى الاولى لم يخرج بذلك عن نية الثنتين، وذلك عدد محض لا تصح نيته، وإن كان المراد أنه نوى الثلاث التي من جملتها الاولى فهو صحيح، لان الثلاث فرد اعتباري.
قال في الذخيرة: ولو طلق الحرة واحدة ثم قال لها أنت علي حرام ينوي ثنتين لا تصح نيته، ولو نوى الثلاث تصح نيته وتقع تطليقتان أخريان اه.
فافهم.
فرع: في البزازية: قال لامرأتيه أنتما علي حرام، ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الاخرى صحت نيته عند الامام، وعليه الفتوى.
قوله: (فيقع بلا نية للعرف) أي فيكون صريحا لا كناية، بدليل عدم اشتراط النية وإن كان الواقع في لفظ الحرام البائن، لان الصريح قد يقع به البائن كما مر، لكن في وقوع البائن به بحث سنذكره في باب الكنايات، وإنما كان ما ذكره صريحا لانه صار فاشيا في العرف في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره ولا يحلف به إلا الرجال، وقد مر أن الصريح ما غلب في العرف استعماله في الطلاق بحيث لا يستعمل عرفا إلا فيه من أي لغة كانت، وهذا في عرف زماننا كذلك، فوجب اعتباره صريحا كما أفتى المتأخرون في أنت علي حرام بأنه طلاق بائن للعرف بلا نية مع أن المنصوص عليه عند المتقدمين توقفه على النية، ولا ينافي ذلك ما يأتي من أنه لو قال طلاقك علي لم يقع، لان ذاك عند عدم غلبة العرف.
وعلى هذا يحمل ما أفتى به العلامة أبو السعود أفندي مفتي الروم، من أن علي الطلاق أو يلزمني الطلاق ليس بصريح ولا كناية: أي لانه لم يتعارف في زمنه، ولذا قال المصنف في منحه: إنه في ديارنا صار(3/277)
العرف فاشيا في استعماله في الطلاق لا يعرفون من صيغ الطلاق غيره، فيجب الافتاء به من غير
نية، كما هو الحكم في الحرام يلزمني وعلي الحرام، وممن صرح بوقوع الطلاق به للتعارف الشيخ قاسم في تصحيحه وإفتاء أبي السعود مبني على عدم استعماله في ديارهم في الطلاق أصلا كمالا يخفى اه.
وما ذكره الشيخ قاسم ذكره قبله شيخه المحقق ابن الهمام في فتح القدير، وتبعه في البحر والنهر.
ولسيدي عبد الغني النابلسي رسالة في ذلك سماها رفع الانغلاق في علي الطلاق ونقل فيها الوقوع عن بقية المذاهب الثلاثة.
أقول: وقد رأيت المسألة منقولة عندنا عن المتقدمين.
ففي الذخيرة وعن ابن سلام فيمن قال: إن فعلت كذا فثلاث تطليقات علي، أو قال علي واجبات، يعتر عادة أهل البلد، هل غلب ذلك في أيمانهم؟ اه.
وكذا ذكرها السروجي في الغاية كما يأتي، وما أفتى به في الخيرية من عدم الوقوع تبعا لابي السعود أفندي فقد رجع عنه وأفتى عقبه بخلافه، وقال: أقول الحق: الوقوع به في هذا الزمان لاشتهاره في معنى التطليق، فيجب الرجوع إليه والتعويل عليه عملا بالاحتياط في أمر الفروج اه.
تنبيه: عبارة المحقق ابن الهمام في الفتح هكذا: وقد تعورف في عرفنا في الحلف: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا: يريد إن فعلته لزم الطلاق ووقع، فيجب أن يجري عليهم، لانه صار بمنزلة قوله: إن فعلت فأنت طالق، وكذا تعارف أهل الارياف الحلف بقوله علي الطلاق لا أفعل اه.
وهذا صريح في أنه تعليق في المعنى على فعل المحلوف عليه بغلبة العرف وإن لم يكن فيه أداة تعليق صريحا.
ورأيت التصريح بأن ذلك معتبر في الفصل التاسع عشر من التاترخانية حيث قال: وفي الحاوي عن أبي الحسن الكرخي فيمن اتهم أنه لم يصل الغداة فقال عبده حرأنه قد صلاها وقد تعارفوه شرطا في لسانهم، قال: أجري أمرهم على الشرط على تعارفهم، كقوله: عبدي حر إن لم أكن صليت الغداة وصلاها لم يعتق، كذا هنا اه.
وفي (البزازية): وإن قال أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك، فهذا رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقنها إن دخلت الدار، بمنزلة قوله عبده حر إن دخلت الدار لاضربنك، فهذا رجل حلف بعتق
عبده ليضربنها إن دخلت الدار، فإن دخلت الدار لزمه أن يطلقها، فإن مات أو ماتت فقد فات الشرط في آخر الحياة اه: أي فيقع الطلاق كما في منية المفتي.
قلت: فيصير بمنزلة قوله إن دخلت الدار ولم أطلقك فأنت طالق، وإن دخلت الدار ولم أضربك فعبدي حر.
وذكر الحنابلة في كتبهم أنجار مجرى القسم بمنزلة قوله والله فعلت كذا.
مطلب في قولهم: علي الطلاق، على الحرام قال في النهر: ولو قال علي الطلاق أو الطلاق يلزمني أو الحرام ولم يقل لا أفعل كذا لم أجده في كلامهم اه.
وفي حواشي مسكين: وقد ظفر فيه شيخنا مصرحا به في كلام الغاية للسروجي معزيا إلى المغني.
ونصه: الطلاق يلزمني أو لازم لي صريح لانه يقال لمن وقع طلاقه لزمه الطلاق، وكذا(3/278)
قوله علي الطلاق اه.
ونقل السيد الحموي عن الغاية معزيا إلى الجواهر: الطلاق لي لازم يقع بغير نيه اه.
قلت: لكن يحتمل أن مراد الغاية ما إذا ذكر المحلوف عليه لما علمت من أنه يراد به في العرف التعليق، وأن قوله علي الطلاق لاأفعل كذا بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأنت طالق، فإذا لم يذكر لاأفعل كذا بقي قوله على الطلاق بدون تعليق، والمتعارف استعماله في موضوع التعليق دون الانشاء، فإذا لم يتعارف استعماله في الانشاء منجزا لم يكن صريحا، فينبغي ان يكون على الخلاف الاتي فيما لو قال طلاقك علي، ثم رأيت سيد عبد الغني ذكر نحوه في رسالته.
تتمة: ينبغي انه لو نوى الثلاث تصح نيته، لان الطلاق مذكور بلفظ المصدر، وقد علمت صحتها في، وكذا في قوله علي الحرام فقد صرحوا بأنه تصح نية الثلاث في أنت علي حرام.
قوله: (يكون يمينا الخ) يعني في صورة الحلف بالحرام فأنه المذكور في الذخيرة وغيرها.
ثم رأيت في البزازية قال في المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمته الكفارة، والنسفي على أنه لا يلزم اه.
مطلب في قوله علي الطلاق من ذراعي قوله: (وكذا علي الطلاق من ذراعي) هذا بحث لصاحب البحر آخذه مما مر، من أنه لو قال: أنت طالق من هذا العمل ولم يقرنه بالعدد وقع قضاء ديانة، قال: فإنه يدل على الوقوع قضاء هنا بالاولى.
ورده العلامة المقدسي: بأنه في المقيس عليه خاطب المرأة التي هي محل للطلاق ثم ذكر العمل الذي لم تكن مقيدة به حسا ولا شرعا فلم يصح صرف اللفظ عن المعنى الشرعي المتعارف إلى غيره بلا دليل، بخلاف المقيس، لانه أضاف الطلاق إلى غير محله وهو ذراعه، مع أنه إذا قال أنا منك طالق يلغو اه ملخصا.
وذكر نحوه الخير الرملي.
قلت: وقد يقال: ليس فيه إضافة الطلاق إلى غير محله، لما مر من أن قوله علي الطلاق لا أفعل كذا بمنزلة إن فعلت فأنت طالق، فهو في العرف مضاف إلى المرأة معنى، ولولا اعتبار الاضافة المذكورة لم يقع، فكذلك صار هذا بمنزلة قوله إن فعلت كذا فأن ت طالق من ذراعي، فساوى المقيس عليه في الاضافة إلى المرأة.
وأيضا فإن قوله: أما منك طالق فيه وصف الرجل بالطلاق صريحا فلا يقع، لان الطلاق صفة للمرأة.
وأما قوله علي الطلاق فإن معناه وقوع طلاق المرأة على الزوج، فليس فيه إضافة الطلاق إلى غير محله، بل إلى محله مع إضافة الوقوع إلى محله أيضا، فإنه شاع في كلامهم قولهم إذا قال كذا وقع عليه الطلاق، نعم قال الخير الرملي: إن الحالف بقوله علي الطلاق من ذراعي لا يريد به الزوجة قطعا إذ عادة العوام الاعراض به عنها خشية الوقوع، فيقولون تراة من ذراعي وتارة من كشتواني وتارة من مروتي، وبعضهم يزيد بعد ذكره: لان النساء لاخير في ذكرهن اه.
قلت: إن كان العرف كذلك فينبغي أن لا يتردد في عدم الوقوع، لانه أوقع الطلاق على ذراعه ونحوه لا على المرأة.
ثم قال الخير الرملي: اللهم إلا أن يقول علي الطلاق ثلاثا من ذراعي، فللقول بوقوعه وجه لان ذكر الثلاث يعينه، فتأمل اه.
قوله: (ولو قال وطلاقك علي لم يقع) قال(3/279)
في الخانية ولو قال طلاقك علي ذكر في الاصل على وجه الاستشهاد فقال: ألا ترى أنه لو قال لله
علي طلاق امرأتي لا يلزمه شئ؟ اه.
قلت: ومقتضاه أن علة عدم الوقوع في طلاقك على أنه صيغة نذر كقوله علي حجة فكأنه نذر أن يطلقها، النذر لا يكون إلا في عبادة مقصودة، والطلاق أبغض الحلال إلى الله تعالى فليس عبادة فلذا لم يلزمه شئ.
قوله: (ولو زاد الخ) ظاهره أن قوله طلاقك علي بدون زيادة ليس فيه الخلاف المذكور، وهو المفهوم من الخانية والخلاصة أيضا، لكن نقل سيدي عبد الغني عن أدب القاضي للسرخسي: رجل قال لامرأته: طلاقك علي فرض ولازم، أو قال طلاقك علي فالصحيح أنه يقع في الكل، بخلاف العتق لانه مما يجب فجعل إخبارا، ونقل مثله عن مختصر المحيط.
قوله: (وقال الخاصي المختار نعم) عبارة فتوى الخاصي: قال لها: طلاقك علي واجب، أو قال وطلاقك لازم لي، يقع بلا نية عند أبي حنيفة، وهو المختار، وبه قال محمد نب مقاتل، وعليه الفتوى اه.
وأنت خبير بأن لفظ الفتوى آكد ألفاظ التصحيح.
ونقل في الخانية عن الفقيه أبي جعفر أنه يقع في قوله واجب لتعارف الناس، لا في قوله ثابت أو فرض أو لازم لعدم التعارف، ومقتضاه الوقوع في قوله علي الطلاق لانه المتعارف في زماننا كما علمت.
وعلل الخاصي الوقوع بقوله: لان الطلاق لا يكون واجبا أو ثابتا بل حكمه، وحكمه لا يجب ولا يثبت إلا بعد الوقوع.
قال في الفتح: وهذا يفيد أن ثبوته اقتضاء، ويتوقف على نيته إلا أن يظهر فيه عرف فاش فيصير صريحا فلا يصدق قضاء في صرفه عنه، وفيا بينه وبين الله تعالى إن قصده وقع، وإلا لا، فإنه قد يقال: هذا الامر علي واجب، بمعنى ينبغي أن أفعله، لا أني فعلته، فكأنه قال ينبغي أن أطلقك اه.
قوله: (قال الكمال الحق نعم) نقله عنه في البحر والنهر، وأقراه عليه بعد حكايتهما الخلاف.
ووجهه أنه يحتمل الدعاء فتوقف على النية.
وفي التاترخانية عن العتابية: المختار عدم توقفه عليها، وبه كان يفتى: ظهير الدين.
قال المقدسي: ويقع في عصرنا نظير هذا، يطلب الرجل من المرأة فتقول أبرأك الله، وكانت حادثة الفتوى وكتبت بصحبتها لتعارفهم بذلك اه.
قلت: ومثله في فتاوى قارئ الهداية والمنظومة المحبية، وسيأتي تمامه في الخلع.
قوله: (كوني طالقا أو أطلقي) قال في الفتح عن محمد: إنه يقع
لان كوني ليس أمرا حقيقة لعدم تصور كونها طالقا منها بل عبارة عن إثبات كونها طالقا كقوله تعالى: * (كن فيكون) * (سورة آل عمران: الآية 74) ليس أمرا بل كناية عن التكوين، وكونها طالقا يقتضي إيقاعا قبل فيتضمن إيقاعا سابعا، وكذا قوله اطلقي، ومثله للامة كوني حرة.
قوله: (أو يا مطلقة) قدمنا أنه لو كان لها زوج طلقها قبل فقال أردت ذلك الطلاق صدق ديانة، وكذا قضاء في الصحيح.
وفي التاترخانية عن المحيط قال: أنت طالق ثم قال يا مطلقة لا تقع أخرى.
قوله: (بالتشديد) أي تشديد اللام، أما بتخفيفها فهو ملحق بالكناية كما قدمناه عن البحر.
قوله: (وقع) أي من غير نية لانه صريح.
قوله: (بكسر اللام وضمها) ذكر الضم بحث لصاحب النهر حيث قال: وينبغي أن يكون الضم كذلك، إذ هو لغة من لا ينتظر، بخلاف الفتح فإنصه يتوقف على النية اه.(3/280)
واعترض بأنه ينبغي توقف الضم أيضا على النية، لانه إذا لم ينتظر الآخر لم تكن مادة ط ل ق موجودة ولا ملاحظة فلم يكن صريحا، بخلاف الكسر على لغة من ينتظر اه.
قلت: قد يجاب بأن الضم في نداء الترخيم لما كان لغة ثابتة لم يخرج به اللفظ عن إرادة معناه المراد به قبل النداء، فإن كان من سمع اللفظ المرخم يعلم أن المراد به نداء تلك المادة، وأن انتظار المحذوف وعدمه أمر اعتباري قدروه ليبنوا عليه الضم والكسر، وإلا لزم أن يكون المنادى اسما آخر غير المقصود نداؤه، هذا ما ظهر لي، فتأمل.
قوله: (أو أنت طال بالكسر) أي فإنه يقع بلا نية، بخلاف أنت طالق بحذف اللام فلا يقع، لان حذف آخر الكلام معتاد عرفا، تاترخانية.
قوله: (وإلا توقف على النية) أي وإن لم يكسر اللام في غير المنادى توقف الوقوع على نية الطلاق: أي أو ما في حكمها كالمذاكرة والغضب كما في الخانية.
وفي كنايات الفتح أن الوجه إطلاق التوقف على النية مطلقا لانه بلا قاف ليس صريحا بالاتفاق لعدم غلبة الاستعمال ولا الترخيم لغة جائز في غير النداء، فانتفى لغة وعرفا، فيصدق قضاء مع اليمين، إلا عند الغضب أو مذاكرة الطلاق فيقع قضاء أسكنها أو لا، وتمامه فيه.
قلت: وما قدمناه آنفا عن التاترخانية من أن حذف آخر الكلام معتاد عرفا يفيد الجواب، فإن
لفظ طالق صريح قطعا، فإذا كاحذف الآخر معتادا عرفا لم يخرجه عن صراحته، وقد عد حذف آخر الكلمة من محسنات الكلام، وعده أهل البديع من قسم الاكتفاء، ونظم فيه المولدون كثيرا، ومنه: أين النجاة لعاشق أين النجا وأيضا فإن إبدال الآخر بحرق غيره كالالفاظ المصحفة المتقدمة لم يخرجه عن صراحته مع عدم غعلبة الاستعمال فيها وما ذاك إلا لكونها أريد بها اللفظ الصريح وأن التصحيف عارض لجريانه على اللسان خطأ أو قصدا لكونه لغة التكلم وهذا ما ظهر لفهمي القاصر.
قوله: (كما لو تهجى به أي فإنه يتوقف على النية، وقد مر بيانه، فافهم، قوله: (وفي النهر عن التصحيح الخ) أي تصحيح القدوري للعلامة قاسم وقصد به الرد على ما فهمه في البحر، من أن وهبتك طلاقك من الصريح، وكذا أودعتك ورهنتك.
قال في النهر: نقل في تصحيح القدوري عن قاضيخان: وهبتك طلاقك الصحيح فيه عدم الوقوع اه.
ففي أودعتك ورهنتك بالاولى وسيأتي أن رهنتك كناية.
وفي المحيط: لو قال رهنتك طلاقك قالوا لا يقع، لان الرهن لا يفيد زوال الملك اه.
قلت: ومقتضى كونه كناية أنه يقع بشرط النية، وقد عده في البكر في باب الكنايات منها، وكذا عد منها وهبتك طلاقك، وأودعتك طلاقك، وأقرضتك طلاقك وسيأتي تمامه هناك.
قوله: (كأنت طالق) وكذا لو أتى بالضمير الغائب أو اسم الاشارة العائد إليها أو باسمها العلمي ونحو ذلك، وأشار إلى أن المراد به ما يعبر به عن جملتها وضعا، والمراد بقوله: أو إلى ما يعبر به عنها(3/281)
ما يعبر به عن الجملة بطريق التجوز كرقبتك، وإلا فالكل يعبر به عن الجملة كما في الفتح، وهو أظهر مما في الزيلعي من أن الروح والبدن والجسد مثل أنت كما في البحر، لان الروح بعض الجسد، وكذا الجسد باعتبار الروح والبدن لا تدخل فيه الاطراف.
أفاده في النهر.
قوله: (كالرقبة الخ) فإنه عبر بها عن الكل في قوله تعالى: * (فتحرير رقبة) * (سورة النساء: الآية 29) والعنق في * (فظلت أعناقهم
لها خاضعين) * (سورة الشعراء: الآية 4) لوصفها بجمع المذكر الموضوع للعاقل والعقل للذوات لا للاعضاء، والروح في قولهم: هلكت روحه أي نفسه، ومثلها انفس كما في * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * (سورة المائدة: الآية 4).
قوله: (الاطراف الخ) أي اليدان والرجلان والرأس، وهذه التفرقة بين الجسد والبدن عزاها في النهر إلى ابن كمال في إيضاح الاصلاح، وعزاها الرحمتي إلى الفائق للزمخشري والمصباح.
ورأيت في فصل العدة من الذخيرة: قال محمد: والبدن هو من أليتيه إلى منكبيه.
قوله: (والفرج) عبر به عن الكل في حديث: لعن الله الفروج على السروج قال في الفتح: إنه حديث غريب جدا.
قوله: (والوجه والرأس) في قوله تعالى: * (كل شئ هالك إلا وجهه) * (سورة القصص: الآية 88) * (ويبقى وجه ربك) * (سورة الرحمن: الآية 72) أي ذاته الكريمة، وأعتق رأسا ورأسين من الرقيق، وأنا بخير ما دام رأسك سالما، يقال مرادا به الذات أيضا.
فتح.
قال في البحر: وفي الفتح من كتاب الكفالة: ولم يذكر محمد ما إذا كفل بعينه.
قال البلخي: لا يصح كما في الطلاق، إلا أن ينوي به البدن، والذي يجب أن يصح في الكفالة والطلاق إذ العين مما يعبر به عن الكل، يقال عين القوم، وهو عين في الناس، ولعله لم يكن معروفا في زمانهم، أما في زماننا فلا شك في ذلك اه.
قوله: (وكذا الاست الخ) قال في البحر: فالاست وإن كان مرادفا للدبر لا يلزم مساواتهما في الحكم، لان الاعتبار هنا لكون اللفظ يعبر به عن الكل، ألا ترى أن البضع مرادف للفرج وليس حكمه هنا كحكمه في التعبير اه.
والحاصل أن الاست والفرج يعبر بهما عن الكل، فيقع إذا أضيف إليهما، بخلاف مرادف الاول وهو الدبر، ومرادف الثاني وهو البضع، فلا يقع لعدم التعبير بهما عن الكل، ولا يلزم من الترادف المساواة في الحكم، لكن أورد في الفتح أنه إن كان المعتبر اشتهار التعبير يجب أن لا يقع بالاضافة إلى الفرج: أي لعدم اشتهار التعبير به عن الكل، وإن كان المعتبر وقوع الاستعمال من بعض أهل اللسان يجب أن يقع في اليد بلا خلاف، لثبوت استعمالها في الكل في قوله تعالى: * (ذلك بما قدمت يداك) * أي قدمت، وقوله (ص): على اليد ما أخذت حتى ترد اه.
قلت: قد يجاب بأن المعتبر الاول، لكن لا يلزم اشتهار التعبير به عن الكل عند جميع الناس،
بل في عرف المتكلم في بلدن مثلا، فيقع بالاضافة إلى اليد إذا اشتهر عنده التعبير بها عن الكل، ولا يقع بالاضافة إلى الفرج إذا لم يشتهر.
ثم رأيت في كلام الفتح ما يفيد ذلك حيث قال ووقوعه بالاضافة إلى الرأس باعتبار كونه معبرا به عن الكل، لا باعتبار نفسه مقتصرا، ولذا لو قال الزوج عنيت الرأس مقتصرا قال الحلواني: لا يبعد أن يقال لا يقع، لكن ينبغي أن يكون ذلك ديانة.
وأما في القضاء إذا كان التعبير به عن الكل عرفا مشتهرا لا يصدق.
ولو قال عنيت باليد صاحبتها كما أريد ذلك في الآية والحديث وتعارف قوم التعبير بها عن الكل وقع، لان الطلاق مبني على العرف،(3/282)
ولذا لو طلق النبطي بالفارسية يقع، ولو تكلم به العربي ولا يدريه لا يقع اه.
فقد قيد الوقوع قضاء في الاضافة إلى الرأس أو اليد بما إذا كان التعبير به عن الكل متعارفا، وصرح أيضا بقوله: وتعارف يوم التعبير بها: أي باليد، فأفاد أنه عند عدم تعارف ذلك عندهم لا يقع، مع أن التعبير بالرأس واليد عن الكل ثابت لغة وشرعا، والله تعالى أعلم.
قوله: (والدم) كان المناسب إسقاطه حيث ذكر في محله فيما سيأتي، وأما ذكر البضع والدبر هنا فلذكر مرادفهما ح.
قوله: (كنصفها وثلثها إلى عشرها) وكذا لو أضافه إلى جزء من ألف جزء منها كما في الخانية، لان الجزء الشائع محل لسائر التصرفات كالبيع ويغره.
هداية.
قال ط: إلا أنه يتجزأ في غير الطلاق.
وقال شيخي زاده: إنه يقع في ذلك الجزء ثم يسري إلى الكل لشيوعه فيقع في الكل.
قوله: (لعدم تجزيه) علة لقوله: أو إلى جزء شائع منها ط.
وفيه أنه يلزم منه وقوع الطلاق بالاضافة إلى الاصبع مثلا، فالمناسب التعليل بما ذكرناه آنفا عن الهداية.
قوله: (ولو قال الخ) أشار به إلى أن تقييد الجزء بالشائع ليس للاحتراز عن المعين لما ذكر من الفرع.
أفاده في البحر.
قوله: (وقعت ببخارى) أي ولم يوجد فيها نص عن المتقدمين ولا عن المتأخرين.
تاترخانية.
قوله: (عملا بالاضافتين) أي لان الرأس في النصف الاعلى والفرج في الاسفل فيصير مضيفا الطلاق إلى رأسها وإلى فرجها.
ط عن المحيط،.
قال في البحر: وقد علم به أنه لو اقتصر على أحدهما وقعت واحدة اتفاقا اه.
وهو ممنوع في الثاني كما هو ظاهر.
نهر: أي لان من أوقع واحدة بالاضافتين لم يعتبر كون الفرج في الثانية، فإذا اقتصر على
الاضافة الثانية فقط كيف يقع بها اتفاقا، نعم لو اقتصر على الاضافة الاولى يقع اتفاقا.
ثم اعلم أن كلا من القولين مشكل، لان النصف الاعلى أو الاسفل ليس جزءا شائعا وهو ظاهر، ولا مما يعبر به عن الكل، ووجود الرأس في الاول والفرج في الثاني لا يصيره معبرا به من الكل، لان ما مر من أنه يقع بالاضافة إلى جزء يعبر به عن الكل على تقدير مضاف: أي اسم جزء كما أفاده في الفتح وقال: فإن نفس الجز لا يتصور التعبير به عن الكل اه.
وحينئذ فالموجود في النصف الاعلى نفس الرأس، وفي الاسفل نفس الفرج لا اسمهما الذي يعبر عن الكل، ولهذا لو وضع يده على رأسها وقال هذا الرأس طالق لا تطلق، لان وضع اليد قرينة على إرادة نفس الرأس، بخلاف ما إذا لم يضعها عليه كما يأتي، لانه يكون بمعنى هذه الذات، فليتأمل.
قوله: (أو الوجه) أي منك ط.
قوله: (بل عن البعض) بقرينة ذكر منك في الاول ووضع اليد في الاخير.
قوله: (بل قال هذا الرأس) ومثله فيما يظهر هذا الوجه أو هذه الرقبة.
والظاهر أنه هنا لا بد من التعبير باسم الرأس ونحوه، وأنه لو عبر عنبقوله: هذا العضو لم يقع، لان المعبر بن عن الكل هو اسم الرأس(3/283)
ونحوه لا اسم العضو، نظير ما قدمناه آنفا.
تأمل.
قوله: (وقع في الاصح) ولهذا لو قال لغيره: بعت منك هذا الرأس بألف درهم وأشار إلى رأس عبده فقال المشتري قبلت جاز البيع.
بحر عن الخانية.
قوله: (فتح) قدمنا عبارته قبل صفحة.
قوله: (كما لا يقع لو أضافه إلى اليد) لانه لم يشتهر بين الناس التعبير بها عن الكل، حتى لو اشتهر بين قوم وقع، كما قدمناه عن الفتح.
قوله: (إلا بنية المجاز) أي بإطلاق البعض على الكل إذا لم يكن مشتهرا، فلو اشتهر بذلك فلا حاجة إلى نية المجاز.
وذكر في الفتح ما حاصله أنه عند الشافعي يقع بإضافته إلى اليد والرجل ونحوهما حقيقة.
وبيان ذلك أن الطلاق محله المرأة لانها محل النكاح، ومحلية أجزائها للنكاح بطريق التبعية فلا يقع الطلاق إلا بالاضافة إلى ذاتها أو إلى جزء شائع منها هو محل للتصرفات أو إلى معين عبر به عن الكل، حتى لو أريد نفسه لم يقع، فالخلاف في أن ما يملك تبعا هل يكون محلا لاضافة الطلاق إليه على حقيقته دون صيرورته عبارة عن الكل؟ فعنده نعم، وعندنا لا، وأما على كونه مجازا عن الكل
فلا إشكال أنه يقع يدا كان أو رجلا بعد كونه مستقيما لغة اه.
أي بخلاف نحو الريق والظفر فإنه لا يستقيم إرادة الكل به.
والحاصل كما في البحر أن هذه الالفاظ: ثلاثة: صريح يقع قضاء بلا نية كالرقبة، وكناية لا يقع إلا بالنية كاليد، وما ليس صريحا ولا كناية لا يقع به وإن نوى كالريق والسن والشعر والظفر والكبد والعرق والقلب.
قوله: (والذقن) قلت: إطلاق الذقن مرادا بها الكل عرف مشتهر الآن، فإنه يقال: لا أزال بخير ما دامت هذه الذقن سالمة، فينبغي أن تكون كالرأس.
قوله: (وكذا الثدي والدم جوهرة) أقول: الذي في الجوهرة: إذا قال دمك فيه روايتان، الصحيحة منهما يقع لان الدم يعبر به عن الجملة، يقال ذهب دمه هدرا اه.
وهكذا نقل عن الجوهرة في البحر والنهر.
ونقل في النهر عن الخلاصة تصحيح عدم الوقوع كما هو ظاهر المتون.
قوله: (لانه لا يعبر به) أي بالمذكور من هذه الالفاظ اه ط.
قوله: (فول عبر قوم) أي بما ذكر ولا خصوص له، بل لو عبروا بأي عضو كان فهو كذلك، ذكره أبو السعود عن الدرر، ونقل الحموي عن المحاكمات لجلال زاده ما نصه: يجب أن يحتاط في أمر الطلاق إذا أضيف إلى اليد والرجل باللسان التركي فإنهما فيه يعبر بهما عن الجملة والذات اه ط.
قوله: (وكذا الخ) أصل هذا في الفتح، حيث ذكر أنه ما لا يعبر به عن الجملة كاليد والرجل والاصبع والدبر لا يقع الطلاق بإضافته إليه، خلافا لزفر والشافعي ومالك وأحمد.
ولا خلاف أنه بالاضافة إلى الشعر والظفر والسن والريق والعرق لا يقع.
ثم قال: والعتاق والظهار والايلاء، وكل سبب من أسباب الحرمة على هذا الخلاف، فلو ظاهر أو آلى أو أعتق أصبعها لا يصح عندنا، ويصح عندهم، وكذا العفو عن القصاص، وما كان من أسباب الحل كالنكاح لا يصح إضافته إلى الجزء المعين الذي لا يعبر به عن الكل بلا خلاف اه.
قلت: ولم يعلم منه حكم الاضافة إلى جزء شائع أو ما يعبر به عن الكل في النكاح، وتقدم هناك قوله: ولا ينعقد بتزوجت نصفك في الاصح احتياطا خانية.
بل لا بد أن يضيفه إلى كلها أو(3/284)
ما يعبر به عن الكل ومنه الظهر والبطن على الاشبه.
ذخيرة.
ورجحوا في الطلاق خلافه فيحتاج
للفرق اه.
وقدمنا الكلام على ذلك وأن من اختار صحة النكاح بالاضافة إلى الظهر والبطن اختار الوقوع في الطلاق، ومن اختار عدم الصحة في النكاح اختار عدم الوقوع فلا حاجة إلى الفرق.
قوله: (ولو من ألف جزء) بأن يقول أنت طالق جزءا من ألف جزء من طلقة ط.
قوله: (لعدم التجزئ) أي في الطلاق، فذكر جزئه كذكر كله صونا لكلام العاقل عن الالغاء، ولذا جعل الشارع العفو عن بعض القصاص عفوا عن كله.
نهر وعلى هذا لو قال: أنت طالق طلقة وربعا او نصفا طلقت طلقتين.
جوهرة.
قوله: (فلو زادت الاجزاء) أي مع الاضافة إلى الضمير كأنت طالق نصف طلقة وثلثها وربعها فقد زادت الاجزاء على الواحدة بنصف السدس فتقع به طلقة أخرى ط.
قوله: (وهكذا) يعني لو زادت الاجزاء على الطلقتين وقع ثلاث، نحو: أنت طالق ثلثي طلقة وثلاثة أرباعها وأربعة أخماسها ح.
قال في فتح القدير: إلا أن الاصح في اتحاد المرجع وإن زادت أجزاء واحدة أن تقع واحدة، لانه أضاف الاجزاء إلى واحدة، نص عليه في المبسوط.
والاول هو المختار عند جماعة من المشايخ.
اه.
قال في البحر: وعلى الاصح لو قال أنت طالق واحدة ونصفها تقع واحدة كما في الذخيرة، بخلاف واحدة ونصفا اه.
وما في الذخيرة عزاه في الهندية إلى المحيط والبدائع، لكن الذي رأيته في البدائع: ولو تجاوز العدد عن واحدة لم يذكر، هذا في ظاهر الرواية.
واختلف المشايخ فيه: قال بعضهم: تقع تطليقتان.
وقال بعضهم: واحدة اه.
قوله: (فيقع الثلاث) لان المنكر إذا أعيد منكرا كان الثاني غير الاول فيتكامل كل جزء، بخلاف ما إذا قال نصف تطليقة وثلثها وسدسها حيث تقع واحدة، لان الثاني والثالث عين الاول، وهذا في المدخول بها، أما غيرها فلا يقع إلا واحدة في الصور كلها.
بحر.
قوله: (ولو بلا واو فواحدة) أي بأن قال: نصف طلقة، ثلث طلقة، سدس طلقة، لدلالة حذف العاطف على أن هذه الاجزاء من طلقة واحدة، وأن الثاني بدل من الاول، والثالث بدل من الثاني، والبدل هو المبدل منه أو بعضه.
قوله: (على المختار) أي عند جماعة من المشايخ، وقد علمت عن المبسوط أن الاصح خلافه عند اتحاد المرجع، وأنه جرى عليه في الذخيرة والمحيط.
قوله: (وكذا لو كان مكان السدس ربعا الخ) نص عبارة القهستاني نقلا عن
المحيط: لو قال نصف تطليقة وثلث تطليقة وربع تطليقة فثنتان على المختار، وقيل واحدة، ولو كان مكان الربع سدسا فثلاث، وقيل واحدة اه.
والظاهر أنه سبق قلم من القهستاني، فإنه في الثانية لم تزد الاجزاء على الواحدة، وجعل الواقع فيها ثلاثا، وفي الاولى زادت، وجعل الواقع ثنتين، مع أنه يجب أن يكون الواقع ثلاثا في الصورتين، لان اعتبار الاجزاء إنما هو عند اتحاد المرجع، أما عند الاتيان بالاسم النكرة فيعتبر كل جزء بطلقة كما تقدم.
على أن عبارة المحيط كما نقله ط عن الهندية هكذا: لو قال أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة يقع ثلاث، لانه أضاف كل جزء إلى تطليقة منكرة، والنكرة إذا كررت كانت الثانية غير الالى، ولو قال نصف تطليقة وثلثها وسدسها يقع واحدة، فإن جاوز مجموع الاجزاء تطليقة بأن قال: نصف تطليقة وثلثها وربعها، قيل(3/285)
تقع واحدة، وقيل ثنتان وهو المختار، كذا في محيط السرخسي، وهو الصحيح، كذا في الظهيرية اه.
وقدمنا عن الفتح أنه في المبسوط صح وقوع الواحدة، وعلى كل فموضوع الخلاف هو الاضافة إلى الضمير لا إلى الاسم المنكر، لكن رأيت في التاترخانية عن المحيط ما نصه: وذكر الصدر الشهيد في واقعاته: إذا قال لها أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وربع تطليقة تقع ثنتان هو المختار، فعلى قياس ما ذكر الصدر الشهيد ينبغي في قوله أنت طالق نصف تطليقة وثلث تطليقة وسدس تطليقة تقع تطليقة واحدة اه.
وهذا أقل إشكالا، وكأنه مبني على اعتبار الاجزاء في الاضافة إلى الاسم النكرة أيضا كالاضافة إلى الضمير، لكنه خلاف ما جزم به في البدائع والفتح والنهر من الفرق بينهما.
قوله: (وسيجئ) أي متنا في آخر التعليق حيث قال: إخراج بعض التطليق لغو، بخلاف إيقاعه، فلو قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف تطليقة وقع الثلاث في المختار اه.
قال في الفتح: وقيل على قول أبي يوسف ثنتان، لان التطليق لا يتجزأ في الايقاع، فكذا في الاسثتناء، فكأنه قال إلا واحدة.
قوله: (بخلاف إيقاعه) أي إيفاع البعض وهو ما ذكره هنا.
قوله: (ويقع الخ) كان الاولى بالمصنف تأخير هذه المسألة عما بعدها كما فعل في الهداية والكنز ليضع الكلام على الاجزاء متصلا.
قوله: (فيما أصله الحظر) أي بأن لا يباح إلا لدفع الحاجة كالطلاق.
قوله: (عند
الامام) وقال بدخول الغايتين، فيقع في الاولى ثنتان، وفي الثانية ثلاث.
وقال زفر: لا يقع في الاولى شئ، ويقع في الثانية واحدة، وهو القياس لعدم دخول الغايتين في المحدود، كبعتك من هذا الحائط إلى هذا الحائط، وقول الثلاثة استحسان بالعرف، وهو أن هذا الكلام متى ذكر في العرف وكان بين الغايتين عدد يراد به الاكثر من الاقل والاقل من الاكثر، كقولك سني من سني إلى ستين إلى سبعين: أي أكثر من ستين وأقل من سبعين، ففي نحو طالق من واحدة إلى ثنتين انتفى ذلك العرف عند الامام، فوجب إعمال طالق فوقع به واحدة، ويدخل الكل فيما أصله الاباحة كخذ من مالي من درهم إلى درهمين، أما ما أصله الحظر فلا، فإن حظره قرينة على عدم إرادة الكل، إلا أن الغاية الاولى دخلت ضرورة، إذ لا بد من وجودها ليترتب عليها الطلقة الثانية، إذ لا ثانية بلا أولى، بخلاف الغاية الثانية وهي ثلاث فإنه يصح وقوع الثانية بلا ثالثة، أما في صورة من واحد إلى ثنتين فلا حاجة إلى إدخالها لعدم الضرورة المذكورة، وتمام تقريره في الفتح.
قوله: (الغايتين) أي دخول الغايتين، فله أخذ الكل: أي الالف في المثال المذكور كما أفاده في البحر، فافهم.
قوله: (ثلاثة الخ) لان نصف التطليقتن واحدة، فثلاثة أنصاف تطليقتين ثلاثة تطليقات ضرورة.
نهر.
قوله: (وقيل ثنتان) لان التطليقتين إذا نصفتا كانت أربعة أنصاف، فثلاثة منها طلقة ونصف فتكمل تطليقتين.
وأجيب بأن هذا التوهم منشؤه اشتباه قولنا نصفا تطليقتين ونصفنا كلا من تطليقتين، والثاني هو الموجب للاربعة أنصاف، واللفظ وإن كان يحتمله، ولذا لو نواه دين لكنه خلاف الظاهر.
نهر.
قال في الفتح: لان الظاهر هو أن نصف التطليقتين تطليقة لا نصفا تطليقتين.
قوله: (أو نصفي(3/286)
طلقتين) وكذا نصف ثلاث تطليقات، ولو قال نصف تطليقتين فواحدة، أو نصفي ثلاث تطليقات فثلاث.
بحر.
قوله: (طلقتان) لانها طلقة ونصف فيتكامل النصف، وفي نصفي طلقتين يتكامل كل نصف فيحصل طلقتان.
قلت: وينبغي أن يكون أربعة أثلاث طلقة وخمسة أرباع طلقة مثل أنصاف طلقة.
تأمل.
قوله: (وقيل يقع ثلاث) لان كل نصف يتكامل في نفسه فتصير ثلاثا.
قوله: (والاول أصح) قال في
البحر: وهو المنقول في الجامع الصغير، واختاره الناطفي، وصححه العتابي اه.
ثم ذكر للتنصيف اثنتي عشرة صورة وذكر أحكامها، فراجعه.
قوله: (لانه يكثر الاجزاء الخ) أي أن الضرب يؤثر في تكثير أجزاء المضروب لا في زيادة العدد، والطلقة التي جعل لها أجزاء كثيرة لا تزيد على طلقة، ولو زاد في العدد لم يبق في الدنيا فقير، لانه يضرب درهمه في مائة فيصير مائة، ثم المائة في ألف فتصير مائة ألف.
وقال زفر والحسن بن زياد والائمة الثلاثة: يقع ثنتان، لان عرف أهل الحساب فيه تضعيف أحد العددين بعدد الآخر، ورجحه في الفتح بأن العرف لا يمنع، والفرض أنه تكلم بعرفهم وأراده، فصار كما لو أوقع بلغة أخرى فارسية أو غيرها وهو يدركها، والالزام بأنه لو كان كذلك لم يبق في الدنيا فقير غير لازم، لان ضرب درهمه في مائة، إن كان إخبارا كقوله عندي درهم في مائة فهو كذب، وإن كان إنشاء كجعلته في مائة لا يمكن، لانه لا ينجعل بقوله ذلك، واختاره أيضا في غاية البيان.
وما أجاب به في البحر من أن قوله: في ثنتني ظرف حقيقة وهو لا يصلح له، وإذا لم يكن صالحا لم يعتبر في العرف ولا النية، كما لو نوى بقوله: اسقني الماء الطلاق فإنه لا يقع، رده المقدسي بأن اللفظ صريح: أي حقيقة عرفية لاهل الحساب صريح في معناه العرفي، وكذا رده في النهر والمنح.
قال الرحمتي: فتزاد هذه المسألة على المسائل المفتى بها بقول زفر اه: أي لان المحقق ابن الهمام من أهل الترجيح كما اعترف به صاحب البحر في كتاب القضاء.
قوله: (فثلاث) لانه يحتمله كلامه، فإن الواو للجمع والظرف يجمع المظروف، فصح أن يراد به معنى الواو.
بحر.
وفيه تشديد على نفسه.
نهر.
قوله: (لو مدخولا بها) أي ولو حكما ليشمل المختلى بها، فإن الطلاق في العدة يلحقها احتياطا، وهو الاقرب للصواب كما تقدم في أحكام الخلوة من باب المهر، وبسطنا الكلام عليه هناك.
قوله: (كقوله لها) أي لغير الموطوءة أنت طالق واحدة وثنتين فإنها تبين بقوله واحدة، لا إلى عدة فلا يلحقها ما بعدها.
قوله: (فثلاث) لان إرادة معنى مع نفي ثابت كقوله تعالى: (ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة) * (سورة الاحقاف: الآية 61) فصار كما إذا قال لها أنت طالق واحدة مع ثنتني: أفاده في البحر.
قوله: (مطلقا) أي مدخولا بها أو لا ح.
قوله: (لما مر) أي من
قوله: لانه يكثر الاجزاء لا الافراد ح.
قوله: (فكما مر) أي فيقع في صورة معنى الواو ثلاث في المدخول بها وثنتان في غيرها، وفي صورة معنى مع ثلاث مطلقا ح.
قوله: (واحدة رجعية لانه(3/287)
وصفه بالقصر، لانه متى وقع في مكان وقع في كل الاماكن، فتخصيصه بالشام تقصير بالنسبة إلى ما وراءه، ثم لا يحتمل القصر حقيقة، فكان قصر حكمه وهو بالرجعي وطوله بالبائن، ولانه لم يصفها بعظم ولا كبر بل مدها إلى مكان وهو لا يحتمله، فلم يثبت به زيادة شدة.
نهر.
قوله: (أو ثوب كذا) أي وعليها ثوب غيره.
نهر.
قوله: (يقع للحال) تفسير لقوله: تنجيز وذلك لان الطلاق الذي هو رفع القيد الشرعي معدوم في الحال، وقد جعل الشارع لمن أراده أن يعلق وجوده بوجود أمر معدوم يوجد الطلاق عند وجوده، والافعال والزمان هما الصالحان لذلك، لان كلا منهما معدوم في الحال ثم يوجد، بخلاف المكان الذي هو عين ثابتة فإنه لا يتصور الاناطة به، وتمامه في الفتح.
قوله: (لا قضاء) لما فيه من التخفيف على نفسه.
بحر.
قوله: (فيتعلق) عطف على قوله: ويصدق وقوله: به أي بالشرط المعذكور في الصور ط.
قوله: (كقوله إلى سنة الخ) في التاترخانية عن المحيط: ولو قال أنت طالق إلى الليل أو إلى الشهر أو إلى السنة أو إلى الصيف أو إلى الشتاء أو إلى الربيع أإلى الخريف فهو على ثلاثة أوجه: إما أن ينوي الوقوع بعد الوقت المضاف إليه فيقع الطلاق بعد مضيه، أو ينوي الوقوع ويجعل الوقت للامتداد فيقع للحال، أو لا تكون له نية أصلا فيقع بعد الوقت عندنا، وللحال عند زفر، قاسه على ما إذا جعل الغاية مكانا كإلى مكة أو إلى بغداد فإنه تبطل الغاية ويقع للحال اه.
قوله: (تعليق) لوجود حقيقته.
بحر.
قوله: (وكذا الخ) أي فيتعلق بالفعل فلا تطلق حتى تفعل.
بحر.
قوله: (أو في صلاتك) ولا تطلق حتى تركع وتسجد، وقيل حتى ترفع رأسها من السجدة، وقيل حتى توجد القعدة.
تاترخانية.
قوله: (ونحو ذلك) كقوله في مرضك أو وجعك، فإنه لا فرق بين الفعل الاختياري وغيره كما في البحر ط.
قوله: (لان الظرف يشبه الشرط) من حيث إن المظروف لا يوجد بدون الظرف كالمشروط لا يوجد بدون الشرط، فيحمل عليه عند تعذره معنا: أعني الظرف.
نهر.
قوله: (تنجيز) الاولى
تنجز على أنه فعل ماض جواب لو كما قال بعده تعلق بصيغة الفعل، وإنما تنجز لانه أوقع الطلاق للحال، وعلله بما ذكر فيقع سواء وجد الدخول أو الحيض أو لا.
رحمتي.
قلت: وينبغي أن يتعلق لو نوى باللام التوقيت كما في: * (أقم الصلاة لدلوك الشمس) * (سورة الاسراء: الآية 87).
قوله: (ولو بالباء تعلق) لانها للالصاق، وقد أوقع عليها طلاقا ملصقا بما ذكر فلا يقع إلا به.
رحمتي.
قوله: (وفي حيضك الخ) قال في البدائع: وإذا قال أنت طالق في حيضك أو مع حيضك فحيثما رأت الدم تطلق بشرط أن يستمر ثلاثة أيام، لان كلمة في للظرف والحيض لا يصلح ظرفا فيجعل شرطا وكلمة مع للمقارنة، فإذا استمر ثلاثا تبين أنه كان حيضا من حين وجوده فيقع من ذلك الوقت، ولو قال: في حيضتك فما لم تحض وتطهر لا تطلق، لان الحيضة اسم للكامل وذلك باتصال الطهر بها، ولو(3/288)
كانت حائضا في هذه الفصول كلها لا يقع ما لم تطهر وتحيض أخرى، لانه جعل الحيض شرطا للوقوع، والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وهو الحيض المستقبل لا الموجود في الحال اه.
قلت: وينبغي الوقوع لو نوى في مدة حيضك الموجود.
تأمل.
وفي الجوهرة: ولو قال لها وهي حائض إذا حضت فهو على حيض مستقبل، فإن عنى ما يحدث من هذا الحيض فكما نوى لانه يحدث حالا فحالا، بخلاف قوله للحبلى: إذا حبلت ونوى هذا الحبل لا يحنث، لانه ليس له أجزاء متعددة اه.
وفي الخانية: قال لحائض إذا حضت فأنت طالق فهو على حيض مستقبل، ولو قال لها: إذا حضت غدا فهو على دوام ذلك الحيض إلى فجر الغد، لانه لاي تصور حدوث حيضة في الغد فيحمل على الدوام، وكذا إذا مرضت وهي مريضة بخلاف قوله للصحيحة إذا صححت فيقع كما سكت، لان الصحة أمر يمتد فلدوامه حكم الابتداء، كقوله للقائم إذا قمت، وللقاعد إذا قعدت، وللمملوك إذا ملكتك، والحيض والمرض وإن كان يمتد إلا أن الشرع لما علق بالجملة أحكاما لا تتعلق بكل جزء منه فقد جعل الكل شيئا واحدا اه.
قوله: (وفي ثلاثة أيام تنجيز) لان الوقت يصلح
ظرفا لكونها طالقا، ومتى طلقت في وقت طلقت في سائر الاوقات.
بحر.
قوله: (بمجئ الثالث) لان المجئ فعل فلم يصح ظرفا فصار شرطا بحر.
قوله: (لان الشروط تعتبر في المستقبل) علة لقوله: سوى يوم حلفه فإن مجئ اليوم عبارة عن مجئ أول جزئه، يقال جاء يوم الجمعة كما طلع الفجر واليوم الاول قد مضى أول جزئه، أفاده في البحر.
ومفاده أن هذا فيما لو حلف نهارا.
وفي التاترخانية: ولو قال في الليل أنت طالق في مجئ ثلاثة أيام طلقت كما طلع الفجر من اليوم الثالث ولو قال في مضي ثلاثة أيام إن قال ذلك ليلا طلقت بغروب شمس الثالث، هكذا في بعض نسخ الجامع، وفي بعضها لا تطلق حتى تجئ ساعة حلفه من الليلة الرابعة، وهكذا ذكره القدوري اه.
قوله: (لغو) لان التكاليف رفعت فيه، وإنما لم يتنجز لانه جعل الوقوع في زمان معين والزمان يصلح للايقاع، إلا أنه منع مانع من إيقاعه فيه ط.
قوله: (وقبله تنجيز) لان القبلية ظرف متسع فيصدق بحين التكلم ط.
قوله: (إن رفع الخ) الفرق أنه على الرفع يكون نعتا للمرأة فكان فاصلا، وعلى النصب يكون نعتا للتطليقة، فلم يكن فاصلا.
نهر عن المحيط: أي وإذا لم يكن فاصل أجنبي لم يكن قوله: في دخولك مستأنفا، بل يتعلق بطالق فيتقيد به.
قوله: (وسأل الكسائي محمدا الخ) أشار به إلى رد ما ذكره ابن هشام في المغني من الباب الاولى من بحث اللام: أنه كتب الرشيد إلى أبي يوسف يسأله عن ذلك.
فقال: هذه مسألة نحوية فقهية، ولا آمن من الخطأ إن قلت فيها، فسألت الكسائي، فقال: إن رفع ثلاثا طلقت واحدة لانه قال أنت طالق ثم أخبر أن الطلاق التام الثلاث، وإن نصبها طلقت ثلاثا لان معناه أنت طالق ثلاثة، وما بينهما جملة معترضة اه ملخصا.(3/289)
قال في الفتح: وهو بعد كونه غلطا بعيد عن معرفة مقام الاجتهاد، فإن من شرطه معرفة العربية وأساليبها، لان الاجتهاد يقع في الادلة السمعية العربية.
والذي نقله أهل الثبت من هذه المسألة عمن قرأ الفتوى حين وصلت خلافه، وأن المرسل الكسائي إلى محمد بن الحسن، ولا دخل لابي يوسف أصلا ولا للرشيد، ولمقام أبي يوسف أجل من أن يحتاج في مثل هذا التركيب مع إمامته
واجتهاده وبراعته في التصرفات من مقتضيات الالفاظ.
في المبسوط: ذكر ابن سماعة أن الكسائي بعث إلى محمد بفتوى فدفعها إلي فقرأتها عليه، فكتب في حوابه ما مر، فاستحسن الكسائي جوابه اه.
وذكر ح في حاشية المغني للجلال السيوطي أن هذا هو المروي في تاريخ الخطيب البغدادي.
قوله: (فإن ترفقي الخ) بعد هذين البيتين بيت ثالث وهو قوله: فبيني بها إن كنت غير رفيقة وما لامرئ بعد الثلاث مقدم قال في النهر: وفي شرح الشواهد للجلال: الرفق ضد العنف، يقال رفق بفتح الفاء يرفق بضمها.
والخرق: بالضم وسكون الراء الاسم، من خرق بالكسر يخرق بالفتح خرقا بفتح الخاء والراء: وهو ضد الرفق.
وفي القاموس أن ماضيه بالكسر كفرح وبالضم ككرم.
وأيمن من اليمن: وهو البركة.
وأشأم من الشؤم: وهو ضد اليمن.
وذكر ابن يعيش أن في البيت الثاني حذف الفاء والمبتدأ: أي فهو أعق، وإن تعليلية، واللام مقدرة: أي لاجل كونك غير رفيقة.
والمقدم مصدر ميمي من قدم بمعنى تقدم: أي ليس لاحد تقدم إلى العشرة والالفة بعد تمام الثلاث، إذ بها تمام الفرقة اه.
مطلب في قول الشاعر: فأنت طلاق والطلاق عزيمة قوله: (فأنت طلاق) يقال فهي ما قيل في زيد عدل ط.
قوله: والطلاق عزيمة) أي معزوم عليه ليس بلغو ولا لعب.
نهر.
قوله: (وتمامه في المغني) حيث قال: أقول: إن الصواب أن كلا من الرفع والنصب محتمل لوقوع الثلاث والواحدة، أما الرفع فلان أل في والطلاق إما لمجاز الجنس كزيد الرجل: أي هو الرجل المعتد به، وإما للعهد الذكري: أي وهذا الطلاق المذكور عزيمة ثلاث، فعلى العهدية تقع الثلاث وعلى الجنسية تقع واحدة.
وأما النصب فإنه يحتمل أن يكون على المفعول المطلق فيقتضي وقوع الثلاث، إذ المعنى فأنت طالق طلاقا ثلاثا، ثم اعترض بينهما بقوله: والطلاق عزيمة، وأن يكون حالا من المستتر في عزيمة وحينئذ لا يلزم وقوع الثلاث، لان المعنى: والطلاق عزيمة إذا كان ثلاثا، بل يقع ما نواه، هذا ما يقتضيه اللفظ، والذي أراده الشاعر الثلاث لقوله: فبيني بها الخ اه.
وذكر في الفتح أن الظاهر في النصبل المفعول المطلق، وفي الرفع العهد الذكري فيقع الثلاث، ولذا ظهر من الشاعر أنه أراده.(3/290)
مطلب في إضافة الطلاق إلى الزمان قوله: (وبقوله أنت الخ) هذا عقد له في الهداية وغيرها فصلا في إضافة الطلاق إلى الزمان.
قوله: (يقع عند طلوع الصبح) أي الفجر الصادق لا الكاذب، ولكونه أخص من الفجر عبر به.
ووجه الوقوع عند طلوعه أنه وصفها بالطلاق في جميع الغد فيتعين الجزء الاول لعدم المزاحم.
بحر.
قوله: (وصح في الثانية نية العصر) لانه وصفها به في جزء منه.
بحر.
قوله: (أي آخر النهار) تفسير مراد.
والظاهر أنه لو أراد وقت الصحوة أو الزوال صدق كذلك ط.
قوله: (قضاء) وقالا: لا تصح كالاول، ولا خلاف في صحتها فيهما ديانة.
والفرق له عموم متعلقها بدخولها مقدرة لا ملفوظا بها للفرق لغة بين صمت سنة وفي سنة.
وشرعا بين لاصومن عمري حيث لا يبر بصوم كله، وفي عمري حيث يبر بساعة وبين قوله إن صمت شهرا فعبده حر حيث يقع على صوم جميعه، بخلاف إن صمت في هذا الشهر حيث يقع على صوم ساعة منه كما في المحيط، فنية جزء من الزمان مع ذكرها نية الحقيقة، ومع حذفها نية تخصيص العام فلا يصدق قضاء، وهذا بخلاف ما لا يتجزأ الزمان في حقه، فإنه لا فرق فيه بين الحذف والاثبات، كصمت يوم الجمعة أو في يومها، وتمامه في البحر والنهر.
قلت: وكذا لا فرق بينهما فيما يتجزأ زمانه مع العلم بعدم شموله مثل أكلت يوم الجمعة أو في يومها.
قوله: (أو في شعبان) فإذا لم تكن له نية طلقت حين تغيب الشمس من آخر يوم من رجب، وإن نوى آخر شعبان فهو على الخلاف.
فتح.
قوله: (اعتبر اللفظ الاول) فيقع في اليوم في الاول وفي غد في الثاني، لانه يذكره اللفظ الاول ثبت حكمه تنجيزا في الاول وتعليقا في الثاني، فلا يحتمل التغيير بذكر الثاني، لان المنجز لا يقبل التعليق ولا المعلق التنجيز.
نهر.
قوله: (ولو عطف الخ) قال في التبيين: لان المعطوف غير المعطوف عليه، غير أنه لا حاجة لنا إلى إيقاع الاخرى في
الاولى لامكان وصفها غدا بطلاق واقع عليها اليوم ولا يمكن ذلك في الثانية فيقعان اه ح.
قوله: (كقوله أنت طالق بالليل والنهار) أي فإنه يقع واحدة إذا كانت هذه المقالة في الليل، وكذا أول النهار وآخره إن كانت هذه المقالة في أول النهار ح.
قوله: (وعكسه) بالجر عطف على مدخول الكاف: يعني إذا قال أنت طالق بالنهار والليل أو آخر النهار وأوله طلقت ثنتين إذا كانت هذه المقالة بالليل في أول النهار أيضا، فلو كانت هذه المقالة بالنهار أو آخر النهار انعكس الحكم في الكل كما في البحر ح.
قلت: وهذا لم يصرح في المعطوف بلفظ: في لما في الذخيرة، ولو قال ليلا: أنت طالق في ليلك وفي نهارك، أو قال نهارا: أنت طالق في نهارك وفي ليلك طلقت في كل وقت تطليقة، فإن نوى واحدة دين لانه يحتمله لفظه بحمل لفظ: في على معنى مع.
قوله: (أو اليوم ورأس الشهر) أي فيقع واحدة، ولو قال: رأس الشهر واليوم فثنتان، فكان الاولى تقديمه على قوله:(3/291)
وعكسه كما لا يخفى.
قوله: (كائن ومستقبل) كاليوم وغدا، وأما الماضي والكائن كأمس واليوم ففيه كلام يأتي قريبا في الشرح.
وفي الخانية: قال لها في وسط النهار أنت طالق أول هذا اليوم وآخره فهي واحدة، ولو عكس فثنتان، لان الطلاق الواقع في آخر اليوم لا يكون واقعا في أوله فيقع طلاقان.
قوله: (اتحد) لانها إذا طلقت اليوم تكون طالقا في غد فلا حاجة إلى التعدد، لكن في البحر عن الخانية: أنت طالق اليوم وبعد غد طلقت ثنتان في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ولعل وجهه أن اليوم وغدا بمنزلة وقت واحد لدخول الليل فيه، بخلاف وبعد غد فهما كوقتين، لان تركه يوما من البين قرينة على إرادته تطليقا آخر في الغد كما يأتي قريبا مات يؤيده، لكن يشكل عليه وقوع الواحدة في اليوم ورأس الشهر، إلا أن يجاب بأن لمراد ما إذا كان الحلف في آخر اليوم من الشهر فلا يوجد فاصل.
تأمل.
قوله: (طلقت واحدة للحال وأخرى في الغد) أما في قوله أنت طالق اليوم وإذا جاء غد فلان المجئ شرط معطوف على الايقاع والمعطوف غير المعطوف عليه، والموقع للحال لا يكون متعلقا بشرط، فلا بد وأن يكون المتعلق تطليقة أخرى، فإن لم يذكر الواو لا تطلق
إلا بطلوع الفجر فتوقف المنجز لاتصال مغير الاول بالآخر، كذا في البحر.
وأما في قوله أنت طالق لا بد غدا، فلانه أراد بلا ضراب إبطال المنجز ولا يمكنه إبطاله، ويقع بقله بل غدا أخرى ح.
قوله: (فلحرف الشك) هذا قول الامام والثاني آخرا.
وقال محمد: والثاني أولا تطلق رجيعة، لانه أدخل الشك في الواحدة فبقي قوله أنت طالق.
ولهما أن الوصف متى قرن بذكر العدد كان الوقوع بالعدد، بدليل ما أجمعوا عليه من أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا وقعن، ولو كان الوقوع بالوصف للغا ذكر الثلاث.
نهر.
وقيد بالعدد، لانه لو قال أنت طالق أو لا، لا يقع في قولهم لانه أدخل الشك في الايقاع، وكذا أنت طالق إلا، لانه استثناء، وكذا أنت طالق إن كان أو إن لم يكن أو لولا، لانه شرط والايقاع إذا لحقه استثناء أو شرط لم يبق إيقاعا.
بحر، وتمام فروع المسألة فيه.
قوله: (لحالة منافية للايقاع أو الوقوع) نشر مرتب ح: أي لان موته مناف لايقاع الطلاق منه وموتها مناف لوقوعه عليها.
قوله: (كذا أنت طالق الخ) لانه أسند الطلاق إلى حالة معهودة منافية لمالكية الطلاق، فكان حاصله إنكار الطلاق فيلغو، ولانه حين تعذر تصحيحه إنشاء أمكن تصحيحه إخبارا عن عدم النكاح: أي طالق أمس عن قيد النكاح إذ لم تنكحي بعد، أو عن طلاق كان لها إن كان اه.
فتح.
وقيد بكونه لم يعلقه بالتزوج لانه لو علقه به كأنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجتك، أو أنت طالق إذا تزوجتك قبل أن أتزوجك، ففيهما يقع عند التزوج اتفاقا وتلغو القبلية، وإن أخر الجزاء كإن تزوجتك فأنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع، خلافا لابي يوسف لان الفاء رجحت الشرطية، والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده، فصار كأنه قال بعد التزوج أنت طالق قبل أن أتزوجك، وتمامه في البحر.
قوله: (ولو نكحها قبل أمس الخ) لم أر ما لو نكحها في الامس، ومقتضى قول الفتح المذكور آنفا: ولانه حين تعذر تصحيحه إنشاء الخ أنه يقع لانه لم يتعذر.
تأمل.(3/292)
ثم رأيت التصريح بالوقوع في شرح درر البحار حيث قال: ولو تزوجها فيه أو قبله تنجز.
قوله: (لان الانشاء في الماضي إنشاء في الحال) لانه ما أسنده إلى حالة منافية، ولا يمكن تصحيحه إخبارا لكذبه وعدم قدرته على الاسناد، فكان إنشاء في الحال، وعلى هذه النكتة حكم بعض المتأخرين
من مشايخنا في مسألة الدور بالوقوع، وحكم أكثرهم بعدمه، وتمامه في الفتح والبحر والنهر، وقدمنا الكلام عليه مستوفى أول الطلاق.
قوله: (تعدد) لان الواقع في اليوم لا يكون واقعا في الامس، فاقتضى أخرى.
بحر عن المحيط.
قال في النهر: أنت خبير بأن العلة المذكورة في الامس واليوم تأتي في اليوم والامس، فتدبر في الفرق بينهما فإنه دقيق، وعلى أن مقتضى الاصل: أي المتقدم قريبا وقوع واحدة في الامس واليوم، لانه بدأ بالكائن اه تأمل.
قوله: (وقيل بعكسه) جزم به في الخانية.
وقال في الذخيرة عازيا إلى المنتقى: أنت طالق أمس واليوم، يقع واحدة، وفي عكسه ثنتان، كأنه قال أنت طالق واحدة قبلها واحدة اه.
قال ح: وهذا هو الحق، لان إيقاعه في الامس إيقاع في اليوم كما قال المقدسي.
قوله: (وكان معهودا) أي الجنون ولو بإقامة بينة عليه.
قوله: (كان لغوا) لان حاصله إنكار الطلاق كما مر.
قوله: (لاقراره بحريته) علة للصور الثلاث ط.
قوله: (قبل موتي) مثله قبل موتك ط.
قوله: (لانتفاء الشرط) اعترض بأن الموت كائن لا محالة، فليس بشرط إلا في معناه، بل هو معرف للوقت المضاف إليه الطلاق، ولذا يقع مستندا لو مات بعد الشهرين، بخلاف القدوم كما سيأتي.
وأجاب الرحمتي بأن المراد لانتفاء شرط صحة الاستناد، لان شرطه وجود زمان يستند إليه الوقوع قبل الموت، وهو المدة المعينة اه.
قلت: على أن الشرط ليس هو الموت، بل مضي شهرين بعد الحلف، وهذا محتمل الوقوع وعدمه، فإذا لم يمض لم يوجد الشرط.
فإن قيل: يمكن تكميل ذلك من الماضي كأنت طالق أمس.
قلت: هنا يحتمل أن يموت بعد شهرين فاعتبر حقيقة كلامه بخلاف الامس.
تأمل.
قوله: (مستندا لاول المدة) هذا قول الامام.
وعندهما يقع عند الموت مقتصرا وقد انتفت أهلية الايقاع أو الوقوع فيلغو، فقوله: لا عند الموت رد لقولهما.
رحمتي.
قوله: (وفائدته أنه لا ميراث لها الخ) اعترضه الشرنبلالي لما حاصله أن عدم ميراثها بناء على إمكان انقضاء العدة بشهرين ضعيف، والصحيح المفتى به اقتصار العدة عند الامام على وقت الموت فترثه، نص عليه في شرح الجامع الكبير، إذ لا يظهر الاستناد في الميراث كما
في الطلاق، لما فيه من إبطال حقها، ومع ضعفه فهوجهه غير ظاهر لان عدة زوجة الفار أبعد الاجلين، وبمضي ثلاث حيض في شهرين حقيقة لا تنقضي عدتها، ويبقى شهران وعشرة أيام لاتمام أبعد الاجلين فترثه، فكيف تمنع بإمكان الثلاث في شهرين اه.(3/293)
وأوضحه الرحمتي بأن الطلاق يقع عنده مستندا لاول المدة.
فإن كان فيها مريضا إلى الموت فقد تحقق الفرار منه، وإلا فكذلك لانه لا يعلم وقوع طلاقه إلا بموته وتعلق حقها بماله، ولا يتأتى موته بعد العدة لانها تجب بالموت عنده على الصحيح، لانها لا تثبت مع الشك في وجود سببها، وعلى الضعيف من أنها تستند إلى حين الوقوع فإنها تكون بأبعد الاجلين لا بمجرد ثلاث حيض في شهرين، ولو سلم فلا بد من تحقق ذلك، بأن تعترف بأنها حاضت ثلاثا لا بمضي الشهرين بل ولا بمضي السنة والسنتين، فما ذكره المصنف تبعا للدرر لا ينطبق على قواعد الفقه بوجه فلينتبه له اه.
قوله: (بشهرين بثلاث حيض) الباء الاولى للتعدية متعلقة بتنقضي، والثانية للمصاحبة في موضع الحال من شهرين، فافهم.
قوله: (أنت طالق كل يوم) قال في البحر: ومما تفرع على حذف في وإثباتها لو قال أنت طالق كل يوم تقع واحدة عند أئمتنا الثلاث.
وقال زفر: تقع ثلاث في ثلاثة أيام، ولو قال في كل يوم طلقت ثلاثا في كيوم واحدة إجماعا كما لو قال: عند كل يوم أو كلما مضى يوم.
والفرق لنا أن في للظرف، والزمان إنما هو طرف من حيث الوقوع فيلزم من كل يوم فيه وقوع تعدد الواقع، بخلاف كل يوم فيه الاتصاف بالواقع، فلو نوى أن تطلق كل يوم تطليقة أخرى صحت نيته اه.
قوله: (أو كل جمعة) محله ما إذا نوى كل جمعة تمر بأيامها على الدهر أو لم تكن له نية، وإن كانت نيته على كل يوم جمعة فهي طالق في كل يوم جمعة حتى تبين بثلاث.
ط عن البحر.
وحاصله إن نوى بالجملة الاسبوع أو أطلق فواحدة، وإن نوى اليوم المخصوص فثلاث لوجود الفاصل بين الايام كما يتضح قريبا.
قوله: (أو رأس كل شهر) الصواب حذف رأس.
ففي الذخيرة والهندية والتاتر خانية: أنت طالق رأس كل شهر تطلق ثلاثا في رأس كل شهر واحدة، ولو قال أنت طالق كل شهر طلقت واحدة، لان في الاول بينهما فصل في الوقوع، ولا
كذلك الثاني اه: أي لان رأس الشهر أوله، فبين رأس الشهر ورأس الآخر فاصل، فاقتضى إيقاع طلقة في أول كل شهر، ونظيره ما مر عن الخانية في أنت طالق اليوم وبعد غد، بخلاف قوله في كل شهر، فإن الوقت المضاف إليه الطلاق متصل فصار بمنزلة وقت واحد، فكان الواقع في أوله واقعا في كله، ونظيره أنت طالق اليوم وغدا، هذا ما ظهر لي.
قوله: (فإن نوى كل يوم) أي نوى أن يقع تطليقه في كل يوم أو في كل جمعة أي أسبوع، وكذا لو نوى بالجملة يومها المخصوص كما مر.
قوله: (أوقال في كل يوم) لانه جعل كل يوم ظرفا للوقوع فيتعدد الواقع: قوله: (وفي الخلاصة الخ) كذا في البحر، وتبعه الشارح، وفيه تحريف بزيادة لفظة يوم فإن عبارة الخلاصة: أنت طالق مع كل تطليقة بدون لفظة يوم وحينئذ فلا يناقض قوله: أو مع فافهم.
قوله: (فتطلق الاخرى) أي مستندا عنده ومقتصرا عندهما.
فتح.
قال المقدسي: قلت فيلزمه العقر لو وطئها بينهما لو كان بائنا ويراجع لو رجعيا، ولو قال نظيرة لاحدى أمتيه فالحكم كذلك فليتأمل اه.(3/294)
وقوله بينهما اه: أي بين الحلف والموت.
قوله: (لوجود شرطه) أي المعنوي وهو طول العمر، وقوله: حينئذ أي حين إذا ماتت الاخرى قبلها ط.
وهذا مبني على أن المراد بأطولكما عمرا: من تأخرت حياتها عن حياة الاخرى، لا من زاد عمرها من حين المولد إلى حين لوفاة على عمر الاخرى، وإلا فقد تكون التي ماتت أولا أطول عمرا من الاخرى، كأن ماتت الاولى في سن السبعين مثلا وكانت الاخرى في سن العشرين، فلو كان المراد الثاني لم تطلق الباقية حتى يزيد سنها على السبعين، وكل من المعنيين مستعمل في العرف، والاقرب للمراد هنا تعبير الفتح وغيره بقوله: أطولكما حياة، فإن المتبادر منه من تأخرت حياتها عن حياة الاخرى، فكان الاولى للمصنف التعبير به.
قوله: (وقع الطلاق مقتصرا) وقال زفر مستندا: وإن قال قبل موت زيد بشهر وقع مستندا عند أبي حنيفة وقالا: مقتصرا على الموت، وفائدة الخلاف تظهر في اعتبار العدة: فعند أبي حنيفة تعتبر من أول الشهر، فلو كان وطئها في الشهر يصير مراجعا إن كان الطلاق رجعيا، ولو كان ثلاثا ووطئها فيه غرم العقر.
وعندهما تعتبر العدة من الحال، ولا يصير مراجعا ولا يلزمه عقر، وقيل تعتبر العدة
من وقت اتفاقا احتياطا، ولو مات زيد قبل تمام الشهر لا تطلق لعدم شهر قبل الموت، ولو مات بعد العدة فيما إذا طلقها في أثناء الشهر ثم وضعت حملها أو لم تكن مدخولا بها فلم تجب عدة لا يقع لعدم المحل، إذ المستقبل يثبت للحال ثم يستند، كذا في الجامع الكبير والاسرار.
والفرق لابي حنيفة بين القدوم والموت: أن الموت معرف والجزاء لا يقتصر على المعرف، كما لو قال: إن كان زيد في الدار فأنت طالق فخرج منها آخر النهار طلقت من حين تكلم، وهذا لان الموت في الابتداء يحتمل أن يقع قبل الشهر فلا يوجد الوقت أصلا، فأشبه سائر الشروط في احتمال الخطر، فإذا مضى شهر فقد علمنا بوجود شهر قبل الموت، لان الموت كائن لا محالة، إلا أن الطلاق لا يقع في الحال، لانا نحتاج إلى شهر يتصل بالموت وأنه غير ثابت والموت يعرفه، ففارق من هذا الوجه الشرط، وأشبه الوقت في قوله أنت طالق قبل رمضان بشهر فقلنا بأمر بين الظهور والاقتصار وهو الاستناد، ولو قال قبل رمضان بشهر وقع في شعبان اتفاقا، وتمامه في الفتح.
مطلب: انقلاب والاقتصار والاستناد والتبيين قوله: (أن طريق ثبوت الحكم أربعة) المراد جنس الطريق فصح الاخبار بقوله: أربعة ط.
قو له: (والتبيين) كذا عبارتهم، فهو مصدر بمعنى التين: أي الظهور.
قوله: (كالتعليق) كما في أنت طالق إن دخلت الدار، فإن أنت طالق علة لثبوت حكمه وهو الطلاق، مثل بعت علة لثبوت الملك، وأعتقت علة لثبوت الحرية، لكنه بالتعليق لم ينعقد علة إلا عند وجود شرطه وهو دخول الدار.
وعند الشافعي: ينعقد علة في الحال، والتعليق يؤخر نزول حكمه إلى وجود الشرط، وثمرة الخلاف في قوله إن تزوجتك فأنت طالق فإنه يصح عندنا لانعقاد علته وقت الملك، لا عنده(3/295)
لعدمه كما بسط في الاصول، فافهم.
قوله: (ثبوت الحكم في الحال) كإنشاء البيع والطلاق والعتاق وغيرها.
ح عن المنح.
قوله: (والاستناد الخ) قال في الاشباه: وهو دائر بين التبيين والاقتصار، وذلك كالمضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود السبب، وكالنصاب فإنه تجب
الزكاة عند تمام الحول مستندا إلى وقت وجوده، وكطهارة المستحاضة والمتيمم تنتقض عند خروج الوقت ورؤية الماء مستندا إلى وقت الحدث، ولهذا لا يجوز المسح لهما.
قوله: (بشرط بقاء المحل الخ) هذا الشرط هو الفارق بين الاستناد والتبيين كما أوضحه عن المنح.
ومن فروع المسألة ما قالوه: لو قال لامته أنت حرة قبل موت فلان بشهر ثم ولدت ولدا ثم باعه ما أو لم يبعهما أو باع الام فقط أو بالعكس عتق الولد عند لا عندهما، وعتقت الام بالاجماع لو لم يبعها، وهذا لان عنده لما استند العتق سرى إلى الولد، وعندهما لا يسري لعدم الاستناد، ولو باعها في وسط الشهر ثم اشتراها ثم مات فلان لتمام الشهر، فعنده لا تعتق لعدم إمكان الاستناد إلى أول الشهر لزوال الملك في أثنائه، وعندهما تعتق لانه مقتضر.
وتمام الفروع في حواشي الاشباه.
قوله: (حين الحول) أي حين تمامه.
قوله: (مستندا لوجود النصاب) أي في أول الحول بشرط وجود النصاب كل المدة.
قال ط: والمراد أن لا يعدم كله في الاثناء لانه إذا عدم جميعه ثم ملك نصابا آخر ولو بعد الاول بساعة اعتبر حول مستأنف.
قوله: (تطلق من حين القول) أي بلا اشتراط بقاء المحل، حتى لو حاضت بعد القول ثلاثا ثم طلقها ثلاثا ثم ظهر أنه كان في الدار لا تقع الثلاث لانه تبين وقوع الاول، وأن إيقاع الثاني كان بعد انقضاء العدة كما في المنح عن الاكمل.
قوله: (فتعتد منه) أي من حين القول.
قوله: (وسكت) محترزه قوله الآتي وفي قوله: أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق.
قوله: (طلقت للحال) وكذا لو قال أنت طالق زمان لم أطلقك أو حيث لم أطلقك أو يوم لم أطلقك، لانه أضاف الطلاق إلى زمان أو مكان خال عن طلاقها، وبمجرد سكوته وجد المضاف إليه فيقع وما وإن كانت مصدرية إلا أنها تأتي نائبة عن ظرف الزمان، ومنه ما دمت حيا.
وهي وإن استعملت للشرط إلا أن الوضع للوقت، لان التطليق استدعى الوقت لا محالة فرجحت جهة الوقت، وتمامه في النهر.
وفيه: ثم لا يخفى أن الفرق بين البر والحنث لا يظهر له أثر في أنت طالق ما لم أطلقك ونحوه، ومن ثم قيد بعض المتأخرين موضوع المسألة بقوله ثلاثا وهو الاولى، نعم لو قال كلما لم أطلقك فأنت طالق وقع الثلاث متتابعات، ولذا لو كانت غير مدخول بها وقعت واحدة لا غير اه.
قوله: (وفي إن لم أطلقك) ذكرهم إن وإذا هنا بالتبعية، وإلا فالمناسب لهما باب التعليق.
ط عن
البحر.
قوله: (لا تطلق بالسكوت الخ) لان شرط البر تطليقه إياها في المستقبل، وهو ممن في كل وقت يأتي ما لم يمت أحدهما فيتحقق شرط الحنث وهو عدم التطليق، وهذا عند عدم النية أو دلالة الفور كما يأتي في إذا.
قوله: (حتى يموت أحدهما) أشار به إلى أن موته كموتها، وهو الصحيح خلافا لرواية النوادر، بخلاف قوله إن لم أدخل الدار فأنت طالق حيث يقع بموته لا بموتها، لانه بعد(3/296)
موتها يمكنه الدخول فلا يتحقق اليأس بموتها فلا يقع، أما الطلاق فإنه يتحقق اليأس عنه بموتها.
فتح.
قوله: (لتحقق الشرط) أي شرط الحنث، أما في موته فظاهر، وأما في موتها فلتحقق اليأس عنه.
قال في الفتح: وإذا حكمنا بوقوعه قبل موتها لا يرثها الزوج، لانها بانت قبل الموت فلم تبق بينهما زوجية حالة الموت، وإنما حكمنا بالبينونة وإن كان المعلق صريحا لانتفاء العدة كغير المدخول بها، لان الفرض أن الوقوع في آخر جزء، لا يتجزأ فلم يله إلا الموت وبه تبين.
قال في البحر: وقد ظهر أن عدم إرثه منها مطلق سواء كانت مدخولا بها أو لا، ثلاثا أو واحدة، وبه ظهر أن تقييد الزيلعي عدمه بعدم الدخول أو الثلاث غير صحيح اه.
ومثله في النهر.
قوله: (ويكون فارا) أي إذا كان هو الميت لوقوع طلاقه في حال إشرافه على الموت، ويأتي في باب طلاق المريض: لو علق الطلاق في صحته وحنث مريضا كان فارا وهذا منه.
رحمتي.
فإن كانت مدخولا بها ورثته بحكم الفرار وإن كان الطلاق ثلاثا، وإلا لا ترثه.
بحر.
قوله: (مثل إن عنده الخ) أي فلا تطلق عنده ما لم يمت أحدهما وتطلق عندهما للحال بسكوته.
والحاصل أن إذا عنده هنا حرف لمجرد الشرط، لانها تستعمل ظرفا وحرفا، فلا يقع الطلاق للحال بالشك، وهذا قول بعض النحاة في المغني، لكن ذكر أن جمهورهم على أنها متضمنة معنى الشرط ولا تخرج عن الظرفية.
قال في البحر: وهو مرجح لقولهما هنا، وقد رجحه في فتح القدير.
قوله: (وإن نوى الوقت والشرط الخ) قال في البحر: وقيدنا بعدم النية، لانه لو نوى بإذا معنى متى صدق اتفاقا قضاء وديانة لتشديده على نفسه، وكذا إذا نوى بإذا معنى إن على قولهما، وينبغي أن يصدق عندهما ديانة فقط لانها ظاهرة في الظرفية والشرطية احتمال فلا
يصدقه القاضي اه.
والبحث أصله لصاحب الفتح.
وانظر لو نوى بأن الفور هل يصح؟ الظاهر نعم، كما لو قامت قرينة عليه.
قوله: (ما لم تققرينة الفور) وهي قد تكون لفظية وقد تكون معنوية، فمن الاول طلقني طلقني، فقال: إن لم أطلقك فأنت كذا كان على الفور كما في القنية.
ومن الثاني ما لو طلب جماعها فأبت فقال إن لم تدخلي البيت فأنت كذا فدخلته بعد ما سكنت شهوته طلقت والبول لا يقطعه، وينبغي أن يكون الطيب ونحوه وكل ما كان من دواعي الجماع كذلك، وفي الصلاة خلاف.
نهر: أي إذا خافت خروج وقتها.
قال الحسن: لا تقطع الفور، وبه يفتى.
وقال نصير: تقطع، وستأتي مسائل الفور في آخر باب اليمين على الدخول والخروج إن شاء الله تعالى.
بحر.
وفي المثالين دلالة على اعتبار قرينة الفور في إن وإن كانت لمحض الشرط اتفاقا.
قوله: (فعلى الفور) جواب شرط مقدر: أي فإن قامت قرينة الفور فتطلق على الفور ط.
قوله: (مع الوصل) فلو كان مفصولا وقع المنجز والمعلق.
بحر.
قوله: (فقط) أي دون المعلقة، وفائدة وقوع المنجزة دون المعلقة أن المعلق لو كان ثلاثا وقعت واحدة بالمنجز فقط.
بحر.
قلت: بل تظهر فائدته وإن كان المعلق واحدة حيث لم تقع المعلقة أيضا، بل هذه فائدة تنجيز(3/297)
الواحدة موصولا فإنه لولا إيقاعه الواحدة موصولا لوقع الثلاث المعلقة، أما لو كان المعلق واحدة فلا فرق بين تنجيز الواحدة وعدمه، إلا على قول زفر الآتي، فافهم.
قوله: (استحسانا) والقياس أن يقع المضاف والمنجز جميعا إن كانت مدخولا بها، وإلا وقع المضاف وحده، وهو قول زفر لانه وجد زمان لم يطلقها فيه وإن قل، وهو زمان قوله أنت طالق قبل أن يفرغ منه.
وجه الاستحسان أن زمان البر مستثنى بدلالة حال الحالف، لان مقصوده باليمين البر، ولا يمكن إلا بجعل هذا القدر مستثنى، وتمامه في الفتح.
قوله: (لان التطليق المقيد) أي بقوله على ألف يدخل تحت المطلق: أي الذي في قوله: إن لم أطلقك فإنه صادق بالمقيد وغيره، فإذا وجد التطليق ولو مقيدا انعدم شرط الحنث وهو عدم التطليق.
مطلب في قولهم اليوم متى قرن بفعل ممتد
قوله: (والاصل أن اليوم الخ) قيد باليوم، لان الليل لا يستعمل لمطلق الوقت، بل هو اسم لسواد الليل وضعا وعرفا، فلو قال إن دخلت ليلا لم تطلق إن دخلت نهارا، أما لفظ اليوم فيطلق على بياض النهار حقيقة اتفاقا.
قيل وعلى مطلق الوقت حقيقة أيضا فيكون مشتركا.
وقيل مجازا وهو الصحيح، لان المجاز أولى من الاشتراك.
أي لعدم احتياجه إلى تكرر الوضع، والمشهور أن اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والنهار من طلوعها إلى غروبها.
ولو نوى باليوم بياض النهار صدق قضاء، لانه نوى حقيقة كلامه فيصدق وإن كان فيه تخفيف على نفسه.
ذكره الزيلعي.
ثم اليوم إنما يكون لمطلق الوقت فيما لا يمتد إذا كان منكرا، فلو عرف بأل التي للعهد الحضوري مثل لا أكلمك اليوم فإنه يكون لبياض النهار، وتمامه في البحر.
وما في النهر من أنه لو خرج الفرع المذكور على أن الكلام مما يمتد، لاستغنى عن هذا التقييد، فيه نظر، لانه يقتضي دخول الليل على القول بأن الكلام لا يمتد مع اليوم معرف بالعهد الحضوري، فكيف يكون لغيره؟ فالحق ما في البحر، نعم قد يدخل الليل إذا اقترن المعرف بما يدخله كما في أمرك بيدك اليوم وغدا، ففي الجامع الصغير: دخلت فيه الليلة.
قال في التلويح: وليس مبنيا على أن اليوم لمطلق الوقت بل على أنه بمنزلة: أمرك بيدك يومين، وفي مثله يستتبع اسم اليوم الليلة، بخلاف أمرك بيدك اليوم وبعد غد، فإن اليوم المنفرد لا يستتبع بإزالة من الليل اه.
قوله: (متى قرن بفعل ممتد الخ) المراد بالممتد ما يصح ضرب المدة له كالسير والركوب والصوم وتخيير المرأة وتفويض الطلاق، وبما لا يمتد عكسه، كالطلاق والتزوج والكلام والعتاق والدخول والخروج.
بحر.
فيقال: لبست الثوب يومين، وركبت الفرس يوما: بخلاف قدمت يومين، ودخلت ثلاثة أيام.
تلويح.
وذكر بعض محشيه أن المراد بامتداد اللبس والركوب امتداد بقائهما مجازا، والقرينة التقييد باليوم لا أصلهما: أي لان حقيقة الركوب الحركة التي يصير بها فوق الدابة، واللبس جعل(3/298)
الثوب على بدنه وذلك غير ممتد، وأشار الشارح بقوله: يستوعب المدة إلى ما في شرح الوقاية من أن المراد امتداد يمكن أن يستوعب النهار لا مطلق الامتداد، لانهم جعلوا التكلم من قبيل غير
الممتد، ولا شك أنه يمتد زمانا طويلا لكن لا بحيث يستوعب النهار اه.
وجزم في الهداية بأن التكلم غير ممتد.
وقال في البحر: إنه الحق، وجزم الهندي في شرح المغني بأنه ممتد، وجعل ما في الهداية ظنا لبعض المشايخ، ورجحه أيضا فيل الفتح.
وعليه فلا حاجة إلى تقييد الامتداد بنهار، بل هو مبني على القول الاول كما حققه قول صاحب النهر والمقدسي، ويشير إليه قول التلويح: ما يصح ضرب المدة له.
تأمل، وأشار بقوله كالامر باليد إلى أن المراد بالفعل الممتد المظروف: أي العامل في اليوم لا الذي أضيف إليه اليوم فإنه لا عبرة بامتداده وعدمه عند المحققين، لانه و إن كان مظروفا أيضا يمكنه ذكر لتعيين الظرف، والمقصود بذكر الظرف إنما هو إفادة وقوع العامل فيه.
وحاصله أن الصور أربع، لانه قد يكون المضاف إليه، ومظروف اليوم مما يمتد كأمرك بيدك يوم يركب زيد، وقد يكونان من غير الممتد كأنت طالق يوم يقدم زيد، وفي هذين لا فرق بين اعتبار المضاف إليه أو المظروف، وقد يكون المظروف ممتدا والمضاف إليه غير ممتد كأمرك بيدك يوم يقدم زيد، أو بالعكس كأنت حر يوم يركب زيد، وفي هذين يظهر الفرق، واتفقوا فيهما على اعتبار المظروف، فإذا قدم زيد أو ركب ليلا لا يكون الامر بيدها ولا يعتق العبد اتفاقا.
ووقع في كلام بعضهم أن المعتبر المضاف إليه لكنه لم يعتبر في هذين بل اعتبره في الاولين، وقد علمت أنه لا فرق فيهما بين اعتبار المضاف إليه أو المظروف، فعلى هذا لا خلاف في الحقيقة كما في الكشف والتلويح وغيرهما، وبه يرد على من حكى الخلاف، وعلى ما في الزيلعي وشرح الوقاية من ترجيح اعتبار الممتد منهما كما في البحر.
ثم اعلم أن ما ذكر من الاصل إنما هو عند الاطلاق والخلو عن الموانع، فلا تمتنع مخالفته للقرينة، فكثيرا ما يمتد الفعل مع كون اليوم لمطلق الوقت، مثل اركبوا يوم يأتيكم العدو، وأحسنوا الظن بالله يوم يأتيكم الموت، وبالعكس مثل أنت طالق يوم يصوم زيد، وأنت حريوم تكسف الشمس.
أفاده في التلويح: قوله: (كإيقاع الطلاق) أشار به إلى أن قولهم: الطلاق مما لا يمتد المراد به إيقاعه، لا كون المرأة طالقا لانه يمتد، بل هو أمر مستمر لا فائدة في تعليق الظرف به كما أفاده صدر الشريعة.
والحاصل أن المراد إنشاء الطلاق، وهو لا يمتد بل ينقضي بمجرد صدوره لا أثره
وهو كونها طالقا.
قوله: (أو برئ) بخلاف أنت بريئة، فإنه يقع به البائن كما يأتي في الكنايات، أفاده ح.
قوله: (ليس بشئ) لان محلية الطلاق قائمة بها لا به، فالاضافة إليه إضافة إلى غير محله فليغو.
نهر ولهذا لو ملكها الطلاق فطلقته لا يقع.
بحر.
قوله: (أو أنا عليك حرام) الاولى وأنا بالواو كما في بعض النسخ.
قوله: (لان الابانة) أي لفظها موضوع لازالة وصلة النكاح من البون وهو(3/299)
الفصل، وكذا يقال في التحريم.
قوله: (وهما مشتركان) بفتح الراء مبنيا للمجهول: أي الوصلة والتحريم مشتركان بين الزوجين، أو بكسرها مبنيا للمعلوم: أي الزوجان مشتركان في الوصلة والتحريم.
قوله: (حتى لو لم يقل الخ) أي بأن قال أنا بائن أو أنا حرام، ثم الاولى أن يقول ولو لم يقل لانه محترز التقييد بمنك وعليك مما في البحر ط.
ويوجد في بعض النسخ ولو لم بدون حتى.
قوله: (لم يقع بخلاف الخ) قال في التبيين: والفرق أن البينونة أو الحرام إذا كان مضافا إليها تعين لازالة ما بينهما من والصلة والحل، وإذا أضيف إليه لا يتعين، لجواز أن تكون له امرأة أخرى فيريد بقوله أنا بائن منها أو حرام عليها اه.
ح.
قوله: (إذا نوى) هذا القيد جار في أنت حرام على أصل المذهب، أما في الفتوى فيقع بلا نية كما يأتي في الايلاء اه ح.
قوله: (وإن لم يقل مني) رد على ما في خزانة الاكمل لابي عبد الله الجرجاني حيث ذكر أنه لم يقل مني يكون باطلا وهو سهو، ومحله في الصورة المذكورة بعد، كما أوضحه في البحر عن القنية.
قوله: (نعم الخ) قال في البحر: والحاصل أنه إذا أضاف الحرمة أو البينونة إليها كأنت بائن أو حرام وقع من غير إضافة إليها، وإن أضاف إلى نفسه كأنا حرام أو بائن لا يقع من غير إضافة إليها، وإن خيرها فأجابت بالحرمة أو البينونة فلا بد من الجمع بين الاضافتين: أنت حرام علي أنا حرام عليك، أنت بائن مني أنا بائن منك.
قوله: (بلا نية) في حال الغضب وغيره.
تاترخانية.
ومقتضاه أنه طلاق صريح، وفيه نظر.
وفي: (كنايات الجوهرة): أنا برئ من نكاحك يقع إن نوى، وفي أنا برئ من طلاقك لا يقع، لان البراءة من الشئ ترك له اه.
قوله: (لانه شرط) لانه علق التطليق بالاعتاق، غير أنه عبر عنه
بالعتق مجازا من استعارة الحكم للعلة، والمعلق يوجد بعد الشرط فتطلق وهي حرة، وهذا لان الشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود وللحكم تعلق به والمذكور بهذه الصفة.
وأورد أن كلمة مع للقران فيكون منافيا لمعنى الشرط.
وأجيب بأنها قد تذكر للمتأخر تنزيلا له منزلة المقارن لتحقق وقوعه، ومنه * (أن مع العسر يسرا) * (سورة الشرح: الآية 6) وصير إليه هنا لموجب هو وجود معنى الشرط لها وتمامه في النهر.
قوله: (بين جنسين) كالطلاق والعتاق والعسر واليسر ط.
قوله: (يحل محل الشرط) فكأنه قال إن أعتقتك فتكون مع بمعنى بعد ح.
قوله: (ولو علق الخ) أي علق الزوج والسيد بأن قال السيد إذا جاء الغد فأنت حرة، وقال الزوج إذا جاء الغد فأنت طالق ثنتين ط.
قوله: (بمجئ الغد) أي مثلا، إذ المدار اتحاد المعلق عليه.
أفاده ط.
قوله: (لا رجعة له)(3/300)
أي اتفاقا في رواية، وفي رواية أن عند محمد له الرجعة، لان الطلاق والعتق لما تعلقا بشرط واحد وجب أن تطلق زمان الحرية فيصادفها وهي حرة لاقترانهما وجودا فلا تحرم بهما حرمة غليظة.
ولهما أن زمكان ثبوت العتق هو زمان ثبوت الطلاق ضرورة تعلقهما بشرط واحد، ولاخفاء أن العتق في زمان ثبوته ليس بثابت لاطباق العقلاء على أن الشئ في زمان ثبوته ليس بثابت، فلا تصادفها التطليقتان وهي حرة، بخلاف المسألة الاولى، لان العتق ثمة شرط فيقع الطلاق بعده، وتمامه في النهر.
قوله: (في المسألتين) أي اتفاقا.
بحر عن المحيط.
قوله: (ثلاث حيض) أي إن كانت من ذوات الحيض، وإلا فثلاثة أشهر، أو وضع الحمل ط.
قوله: (احتياطا) متعلق بالمسألة الثانية فقط ح.
يعني أن التعليل بالاحتياط لوجوب الاعتداد بثلاث حيض خاص بالثانية، لان مقتضى وقوع الطلاق عليها وهي أمة، تكون عدتها حيضتين ولذا بانت بالطلقتين، لكن وجبت العدة بثلاث حيض للاحتياط، ولعل وجهه أنها وإن طلقت في حال الرقية لكن لما أعقبه الحرية بلا مهلة وجبت العدة عليها وهي حرة، لان الطلاق وإن كان علة لوجوب العدة والعلة مقارنة للمعلول في الزمان لكنه متأخر عنها في الرتبة.
تأمل.
أما في المسألة الاولى فوجوب الاعتداد بثلاث حيض ظاهر، لان وقوع الطلاق عليها بعد الاعتاق من كل وجه، ولذا لم تبن بالطلقتين كما مر.
قوله:
(ولو كان الزوج مريضا) أي وقت التعليل.
قوله: (لا ترث منه) إنما يظهر في الصورة الثانية ط.
ويدل عليه التعليل.
أما في الصورة الاولى فالظاهر أنها ترث، لان التطليق فيها بعد الاعتاق كما مر، والطلاق رجعي، فيكون قد مات عنها وهي حرة في عدة طلاق رجعي فترث منه.
قوله: (لوقوعه) أي الطلاق وهي أمة: أي والامة لا ترث، فلا يتحقق الفرار.
قال في النهر: ومقتضى ما مر عن محمد أن ترث اه: أي لان عنده يقع الطلاق عليها وهي حرة ويملك الرجعة فترث، وهذا مؤيد لما قلنا في الصورة الاولى.
قوله: (المنشورة) يغني عنه قول المصنف وتعتبر المنشورة.
قوله: (وقع بعدده) أي بعدد ما أشار إليه من الاصابع الاشارة اللغوية، أو بعدد ما أشار به منها الاشارة الحسية.
تأمل.
فإن أشار بثلاث فهي ثلاث، أو بثنتين فثنتان، أو بواحدة فواحدة كما في الهداية.
قال في البحر: لان هذا تشبيه بعدد المشار إليه، وهو العدد المفاد كميته بالاصابع المشار إليه بذا لان الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه وذا للاشارة اه.
وانظر هل الاشارة إلى غير الاصابع من المعدودات كذلك أم لا لاختصاص إرادة العدد في العادة بالاصابع.
تأمل.
قوله: (بخلاف مثل هذا) أي بخلاف قوله أنت طالق مثل هذا، وأشار بأصابعه الثلاث.
بحر.
قوله: (وإلا فواحدة) أي بائنة كقوله أنت طالق كألف.
بحر عن المحيط.
وبيانه ما نقله أيضا عن البدائع من أنه: أي هذا اللفظ يحتمل التشبيه في العدد أو الصفة وهي الشدة فأيهما نوى صح، وإن لم تكن له نية يحمل على التشبيه في الصفة لانه أدنى اه: أي إن لم ينو يحمل على أن الواقع طلقة واحدة شبيهة بالثلاث في الشدة وهي البينونة.
قوله: (لان الكاف) أي في هذا ط.
قوله: (ولذا) أي للفرق المذكور بين الكاف ومثل ط.(3/301)
مطلب في قول الامام: إيماني كإيمان جبريل قوله: (كإيمان جبريل) فإن الحقيقة في الفردين واحدة وهي التصديق الجازم.
قوله: (لا مثل إيمان جبريل) لزيادته في الصفة من كونه عن مشاهدة فيحصل به زيادة الاطمئنان، كما أشير إليه في قوله تعالى: * (رب أرني كيف تحيي الموتى) * (سورة البقرة: الآية 062) الآية، وبه يحصل زيادة القرب ورفع
المنزلة، لكن ما نقل عن الامام هنا يخالفه ما في الخلاصة من قوله: قال أبو حنيفة: أكره أن يقول الرجل إيماني كإيمان جبريل، ولكن يقول: آمنت بما آمن به جبريل اه.
وكذا ما قاله أبو حنيفة في كتاب العالم والمتعلم: إن إيماننا مثل إيمان الملائكة لانا آمنا بوحدانية الله تعالى وربوبيته وقدرته، وما جاء من عند الله عزوجل بمثل ما أقر ت به الملائكة وصدقت به الانبياء والرسل، فمن ها هنا إيماننا مثل إيمانهم، لانا آمنا بكل شئ آمنت به الملائكة مما عاينته من عجائب الله تعالى ولم نعاينه نحن، ولهم بعد ذلك علينا فضائل في الثواب على الايمان وجميع العبادات الخ.
ولا يخفى أن بين هذه العبارات الثلاث تحالفا بسبب الظاهر.
ويمكن التوفيق بحمل الاولى على العالم لانه قال: أقول إيماني كإيمان جبريل، ولا أقول مثل إيمان جبريل.
والثانية على غيره لقوله: أكره أن يقول الرجل.
والثالثة على ما إذا فصل، وصرح بالمؤمن به وإن كان بلفظ المثلية لعدم الايهام بعد التصريح فيجوز للعالم والجاهل، وللعلامة ابن كمال باشا رسالة في هذه المسألة، هذا خلاصة ما فيها.
قوله: (ككف) يعني إذا نوى الكف صدق ديانة ووقفت عليه واحدة، لان الكف واحدة ح.
قوله: (والمعتمد الخ) لم أر من صرح بها الاعتماد، وكأنه فهمه من عبارة البحر، وهو فهم في غير محله كما تعرفه.
وفي الهداية: والاشارة تقع بالمنشورة منها، فلو نوى الاشارة بالمضمومتين يصدق ديانة لا قضاء، وكذا إذا نوى الاشارة بالكف حتى تقع في الاولى ثنتان وفي الثانية واحدة لانه يحتمله، لكنه خلاف الظاهر يحتمله، لكنه خلاف الظاهر اه.
قال في غاية البيان: وأراد بالاولى نية الاشارة بالمضمومتين، وبالثانية نيتها بالكف، فلا يصدد قضاء في الصورتين، وتطلق ثلاثا لانه أشار إليها بأصابعه الثلاث المنشورة اه.
وفي كافي الحاكم: وإن كان يعني بثلاث أصابع أنها واحدة ويقول إنما أشرت بالكاف دين ولا يصدق قضاء، فهذا صريح في أن إرادة الكف تصح ديانة مع الاشارة بثلاث أصابع فقط.
وعبارة البحر: والاشارة تقع بالمنشورة منها دون المضمومة للعرف والسنة، ولو نوى الاشارة بالمضمومتين صدق ديانة لا قضاء، وكذا لو نوى الاشارة بالكف، والاشارة بالكف أن تقع الاصابع كلها منشورة، وهذا هو المعتمد.
وهناك أقوال ذكرها في المعراج: الاول: لو جعل ظهر الكف إلى المرأة وبطون الاصابع المنشورة إليه صدق قضاء وبالعكس لا.
الثاني: لو باطن كفه إلى السماء فالعبرة للنشر، وإن للارض فللضم.
الثالث: إن نشرا عن ضم فالعبرة للنشر، وإن ضما عن نشر فللضم اه ملخصا.
فقوله: وهذا هو المعتمد راجع لقوله: والاشارة تقع بالمنشورة أي بدون تفصيل بقرينة حكايته الاقوال الثلاثة بعده، ويدل عليه أيضا قوله في الفتح بعد حكايته الاقوال المذكورة: و المعول عليه إطلاق المصنف: أي أن العبرة للمنشورة مطلقا، وليس راجعا لقوله: والاشارة بالكف أن تقع الاصابع كلها(3/302)
منشورة كما فهمه الشارح لما علمت، ولما ذكرناه من أن صريح الهداية وغاية البيان وكافي الحاكم صحة إرادة الكف ديانة مع نشر الثلاث فقط، وما ذكره من اشتراط نشر الاصابع كلها عزاه في الفتح إلى معراج الدراية، ولعله قول آخر، أو هو محمول على أنه حينئذ يصدق قضاء كما يشعر به كلام الفتح كما أوضحته فيما علقته على البحر، فيوافق ما يأتي عن القهستاني، ووجهه ظاهر، فإن نشر الكل قرينة على أنه لم يرد الثلاث بل الكف.
والظاهر أنه احتراز عن نشر البعض، إذ لو ضم الكل فهو أظهر في إرادة الكف دون الثلاث، هذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله أعلم.
قوله: (ونقل القهستاني الخ) قد علمت ظهور وجهه فافهم.
قوله: (ولو لم يقل هكذا) أي بأن قال أنت طالق وأشار بثلاث أصابع ونوى الثلاث ولم يذكر بلسانه فإنها تطلق واحدة.
خانية.
قوله: (لفقد التشبيه) أي بالعدد.
قال القهستاني: لانه كما لا يتحقق الطلاق بدون اللفظ لا يتحقق عدده بدونه قوله: (لم أره) كذا قال في الاشباه من أحكام الاشارة، وجزم الخير الرملي بأنه لغو وإن نوى به الطلاق، وقال: لان اللفظ لا يشعر به، والنية لا تؤثر بغير اللفظ.
قال الزيلعي في تعليل أصل المسألة: لان الاشارة بالاصابع تفيد العلم بالعدد عرفا وشرعا إذا اقترنت بالاسم المبهم اه.
ولاطلاق هنا يشار إليه به، فتأمل.
وقد رأيت كما ذكرته بالعلة المذكورة في كتب الشافعية اه كلام الرملي ملخصا.
ورأيت بخط السائحاني: مقتضى ما في الخانية من قوله: ولو قال لامرأته أنت بثلاث: قال ابن الفضل: إذا نوى يقع أنه هنا إذا نوى.
وفيها أيضا إذا قال طالق فقيل من عنيت فقال
امرأتي طلقت، ولو قال أنت مني ثلاثا طلقت إن نوى أو كان في مذاكرة الطلاق، وإلا قالوا يخشى أن لا يصدق قضاء اه.
وكذا نقل الرحمتي عبارة الخانية الاولى ثم قال: والظاهر أن قوله هكذا مثل قوله بثلاث اه.
أقول: أي لان كلا منهما مرتبط بلفظ طالق مقدرا، وقول الرملي: إن اللفظ لا يشعر به غير مسلم.
وما نقله عن الزيلعي لا ينافيه، لان المراد بالاسم المبهم لفظ هكذا المراد به العدد الذي أشير به إليه، وسماه مبهما لكونه لم يصرح بكميته كما حققه في النهر.
والاسم المبهم مذكور في مسألتنا، فيفيد العلم بعد الطلاق المقدر الذي نواه المتكلم، كما أن قوله بثلاث دل على عدد طلاق مقدر نواه المتكلم، ولا فرق بينهما إلا من جهة أن العدد في أحدهما صريح وفي الآخر غير صريح، وهذا الفرق غير مؤثر بدليل أنه لا فرق بين قوله أنت طالق هكذا مشيرا إلى الاصابع الثلاث وبين قوله أنت طالق بثلاث، هذا ما ظهر لي، فافهم.
قوله: (ولو أشار بظهورها فالمضمومة) أراد به تقييد قوله قبله: وتعتبر المنشورة لا المضمومة أي تعتبر إذا أشار ببطونها، بأن جعل باطن المنشورة إلى المرأة وظهرها إلى نفسه، أما لو أشار بظهورها بأن جعل ظهرها إلى المرأة وباطنها إليه فالمعتبر المضمومة، وهذا التفصيل عبر عنه في الهداية بقيل، وصرح في الشرنبلالية بأنه ضعيف وقال: إن المعتبر المنشورة مطلقا، وعليه المعول، فلا تعتبر المضمومة مطلقا قضاء للعرف والسنة، وتعتبر ديانة كما في التبيين والمواهب والخانية والبحر والفتح، وقيل النشر لو عن طي والطي لو عن نشر.
وقيل إن بطن كفه إلى السماء فالمنشور، وإن للارض فالمضموم اه.
وكذا قدمنا عن البحر أن(3/303)
المعتمد الاطلاق، وعن الفتح أنه المعول عليه، فالاقوال الثلاثة المفصلة ضعيفة وإن مشى على الاول منها في الوقاية والدرر، فافهم.
قوله: (ويقع الخ) شروع في بيان وقوع البائن بوصف الطلاق بما ينبئ عن الشدة والزيادة.
نهر.
وفاعل يقع قوله الآتي واحدة بائنة.
قوله: (البتة) مصدر بت أمره إذا قطع به وجزم.
نهر.
قوله: (وقال الشافعي الخ) كان المناسب ذكره بعد قوله: واحدة بائنة وذكره هنا لانه محل الخلاف دون الالفاظ التي بعده كما يفيده كلام الهداية، لكن كلام درر البحار
وشرحه يفيد أن الخلاف في الكل.
قوله: (أو أفحش الطلاق) أشار به إلى كل وصف على أفعل مما يأتي، لانه للتفاوت وهو يحصل بالبينونة، وهو أفحش من الطلاق الرجعي بحر.
قوله: (أو طلاق الشيطان أو البدعة) إنما وقع بائنا، لان الرجعي سني غالبا.
فإن قلت: قد تقدم في الطلاق البدعي أنه لو قال أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ولا نية: فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته، وإن كان في طهر لا جماع فيه لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر.
قلت: لا منافاة بينهما، لان ما ذكروه هنا هو وقوع الواحدة البائنة بلا نية أعم من كونه تقع الساعة أو بعد وجود شئ.
بحر.
لكن قال في النهر: مقتضى كلام المصنف وقوع بائنة للحال وإن لم تتصف بهذا الوصف، لان البدعي لم ينحصر فيما ذكره، إذ البائن بدعي كما مر اه.
قلت: وبوقوع البائنة للحال صرح في شرح درر البحار.
ويرد عليه أيضا ما في البدائع من هذا الباب: ولو قال أنت طالق للبدعة فهي واحدة رجعية، لان البدعة قد تكون في البائن، وقد تكون في الطلاق حالة الحيض فيقع الشك في البينونة فلا تثبت بالشك، وكذا إذا قال طلاق الشيطان.
وروي عن أبي يوسف في أنت طالق للبدعة إذا نوى واحدة بائنة صح لان لفظه يحتمل ذلك اه.
لكن في الهداية ذكر أولا وقوع البائن.
ثم ذكر ما عن أبي يوسف، ثم قال: وعن محمد يكون رجعيا، فعلم أن ما ذكره أولا قول الامام وعليه المتون، وما في البدائع أولا قول محمد، وما نقله في البحر فالظاهر أنه مبني عى قول أبي يوسف لانه لم يوقع البائن إلا بنيته، فإذا لم ينوه فهو على التفصيل الذي ذكره في البحر.
تأمل.
قوله: (أو كالجبل) قال في البحر: الحاصل أن الوصل بما ينبئ عن الزيادة يوجب البينونة والتشبيه كذلك: أي شئ كان المشبه به كرأس إبرة وكحبة خردل وكسمسمة لاقتضاء التشبيه بالزيادة، واشترط أبو يوسف ذكر العظم مطلقا.
وزفر أن يكون عظيما عند الناس.
فرأس إبرة بائن عند الاول فقط، وكالجبل عند الاول والثالث فقط، وكعظم الجبل عند الكل، وكعظم إبرة عند الاولين.
ومحمد قيل مع الاول، وقيل مع الثاني.
قوله: (أو كألف) لاحتمال كون التشبيه في القوة أو في العدد، فإن نوى الثاني وقع الثلاث.
وإلا يثبت الاقل وهو البينونة، وكذا في
مثل ألف ومثل ثلاث، بخلاف كعدد الالف أو كعدد الثلاث فثلاث بلا نية، وفي واحدة كألف واحدة اتفاقا وإن نوى الثلاث، لان الواحدة لا تحتمل الثلاث، وتمامه في البحر.
قوله: (أو مل ء البيت) وجه البينونة به أن الشئ قد يملا البيت لعظمه في نفسه وقد يملؤه لكثرته، فأيهما نوى(3/304)
صحت نيته، وعند عدمها يثبت الاقل.
بحر.
قوله: (أو تطليقة شديدة الخ) لان ما يصعب تداركه يشتد عليه ويقال فيه لهذا الامر طول وعرض وهو البائن.
بحر.
قيد بذكر التطليقة لانه لو قال: أنت طالق قوية أو شديدة أو طويلة أو عريضة كان رجعيا لانه لا يصلح صفة للطلاق بل للمرأة.
قاله الاسبيجابي.
وبطويلة لانه لو قال: طول كذا أو عرض كذا لم تصح نية الثلاث وإن كانت بائنة أيضا.
نهر.
قوله: (أو خشنة) بالشين المعجمة قبل النون ويرجع إلى معنى الاشدية ط.
قوله: (أو أكبره) بالباء الموحدة، أما أكثره بالمثناة أو المثلثة فيأتي قريبا.
قوله: (لانه وصف الطلاق بما يحتمله) وهو البينونة، فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول للحال، وكذا عند ذكر المال وبعده إذا انقضت العدة، بحر.
قوله: (فيصح لما مر) أي في أول هذا الباب من أنه مصدر يحتمل الفرد الاعتباري، وهو الثلاثة في الحرة والثنتان في الامة فتصح نيته، والفاء في جواب شرط محذوف: أي فإن نوى ما ذكر صح.
أفاده ح.
فإن قالت لم يذكر المصدر في نحو طالق أشد الطلاق.
قلت: قال في الفتح: وأن المعنى طالق طلاقا هو أشد الطلاق، لان أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه، فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق.
تنبيه: ظاهر كلامه صحة نية الثلاث في جميع ما مر.
وقال في النهر: لكن قال العتابي: الصحيح أنها لا تصح في تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة، لان النية إنما تعمل في المحتمل، وتطليقة بتاء الوحدة لا تحتمل الثلاث، ونسبه إلى السرخسي اه.
ومثله في الفتح والبحر.
قلت: لكن المتون على خلافه.
وقد يجاب بأن التاء لا يلزم أن تكون هنا للوحدة بل لتأنيث اللفظ، أو زائدة كقولهم في الذنب
ذنبة.
وفي أمثال العرب: إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته.
ذكره الزمخشري.
ولو سلم أن التاء هنا للوحدة فيجاب بأنهم قد عللوا صحة نية الثلاث في جميع ما مر بأنه وصف الطلاق بالبينونة، وهي نوعان: خفيفة، وغليظة، فإذا نوى الثانية صح، فيقال حينئذ: إن تاء الوحدة لا تنافي إرادة البينونة الغليظة، وهي ما لا تحل له المرأة معها إلا بزوج آخر، فليس المراد أنه نوى بها أنت طالق ثلاث طلقات بل نوى حكم الثلاث وهو البينونة الغليظة، ونظيره قولهم: لو نوى الثلاث بأنت بائن أو حرام فهي ثلاث، فإن معناه: لو نوى حكم الثلاث لا لفظها، لان اللفظ بائن وحرام لا يفيد ذلك فكذلك هنا، على أن الثلاث فرد اعتباري، ولهذا صح إرادته بالمصدر ولم تصح إرادة الثنتين به لانما عدد محض، وفرديته باعتبار ما قلنا، فلا ينافي تاء الوحدة، هذا ما ظهر لي.
قوله: (كما لو نوى) تشبيه في الصحة ط.
قوله: (وبنحو بائن) أي من كل كناية قرنت بطالق كما في الفتح والبحر.
قوله: (فيقع ثنتان بائنتان) أي على أن التركيب خبر بعد خبر، ثم بينونة الاولى ضرورة بينونة الثانية، إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية، فلا فائدة في وصفها بالرجعية.
فتح.
قوله: (ولو عطف الخ) محترز تقييد المصنف المسألة بدون عطف.
قوله: (فرجعية)(3/305)
أي فهي طالق طلقة رجعية.
ذخيرة.
قوله: (ولو بالفاء فبائنة) أي إذا لم ينو شيئا كما أفاده في الذخيرة بقوله: ولو عطف بالفاء وباقي المسألة بحالها، فهي طالق طلقة بائنة اه.
ولعل وجه الفرق أن الفاء للتعقيب بلا مهلة، والطلاق الذي يعقبه البينونة لا يكون إلا بائنا، أما الواو فلا تقتضي التعقيب بل تصلح له وللتراخي الذي هو معنى ثم، والطلاق الذي تتراخى عنه البينونة لا يلزم كونه بائنا فيكون قوله: وبائن لغوا، ولا تحمل الواو على التعقيب لانه عند الاحتمال يراد الادنى وهو الرجعي هنا، كما لا يراد تكرير الايقاع لعدم النية، ونظر لم لم يتعين تكرير الايقاع مع وجود مذاكرة الطلاق، فإن الاصل في العطف المغايرة، فكان ينبغي وقوع بائنتين مع الواو وثم، ومفهوم التقييد بعدم النية أنه لو نوى تكرير الايقاع مع الحروف الثلاثة أو نوى بالبائن الثلاث أنه يقع ما نوى.
قوله: (كما لو قال الخ) يشعر كلام المصنف في المنح أن هذا الفرع غير منقول حيث قال:
فإنه يقع به الطلاق البائن، كما أفتى به مولانا صاحب البحر، واستظهر له بما في البدائع من قوله: إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا الخ.
قوله: (تملكي بها نفسك) حقه أن يقال: تملكين لانه مضارع مرفوع بالنون، نعم سمع حذفها في قول الشاعر: أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي وهو لغة خرج عليها بعض المحققين حديث كما تكونوا يولى عليكم وحديث: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا.
قوله: (لانها لا تملكم نفسها إلا بالبائن) صرح به في البدائع، وقال أيضا: إذا وصف الطلاق بصفة تدل على البينونة كان بائنا اه وهذه الصفة بمعنى قوله أنت طالق طلقة بائنة، لان ملكها نفسها ينافي الرجعي الذي يملك هو رجعتها فيه بدون رضاها.
قوله: (ورجح في البحر الثاني) وذلك أنه تقدم أنه إذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزياد يقع به البائن عندنا.
وقال الشافعي: يقع به الرجعي لانه خلاف المشروع، فيلغو كما إذا قال أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك.
ورده في الهداية بأنه وصفه بما يحتمله وبأن مسألة الرجعة ممنوعة: أي لا نسلم أنه يقع فيها الرجعي بل تقع واحدة بائنة، كما في العناية والفتح وغاية البيان والتبيين قال في البحر: فقد علمت أن المذهب في مسألة الرجعة وقول البائن.
قوله: (وخطأ) أي نسبه إلى الخطإ، مثل فسقته نسبته إلى الفسق، وقوله قول الموثقين بالجر قال ح: عطف تفسير على التعاليق، وهو بكسر الثاء المثلثة، وهم عدول دار القاضي ويسمون بالشهود وسموا موثقين لانهم يوثقون من يشهد ببيان أنه ثقة اه.
أو لانهم يكتبون صكوك الوثائق.
أفاده ط.
قلت: وأصل المسألة التي ذكرها صاحب البحر.
وقد ألف فيها رسالة أيضا هي: أن رجلا قال لزوجته: متى ظهر لي امرأة غيرك أو أبرأتني من مهرك فأنت طالق واحدة تملكين بها نفسك(3/306)
ثم ظهر له امرأة غيرها وأبرأته من مهرها، فأجاب فيها بأنه بائن، ورد على من أفتى بأنه رجعي.
قوله: (لكن في البزازية الخ) انتصار لذلك المفتي.
ورده الخير الرملي في حواشي المنح بأن المعلق في حادثة التعاليق هو الطلاق الموصوف بالبينونة.
في مسألة البزازية: المعلق وصف البينونة
فقط، والموصوف لم يوجد بعد، فهو في مسألة التعاليق، كأنه قال: إن تزوجت عليك فأنت طالق بائنا ولا قائل بمنعه.
تأمل اه.
والحاصل أنه في مسألة البزازية الاولى قد علقت الصفة وحدها على وجود الموصوف، والحكم في المعلق أنه لولا التعليق لوجد في الحال، ولا يمكن أن يوجد في الحال بينونة طلقة غير موجودة ولا كونها ثلاثا، لان الوصف لا يسبق موصوفه، وكذا في المسألة الثانية جعل الطلقة المعلقة بائنة أو ثلاثا قبل وجودها، فيلزم أيضا سبق الصفة موصوفها، فافهم.
قوله: (ومفاده الخ) هذه عبارة المصنف في الكنايات مع بعض تغيير، وقد علمت الفرق بين المقيسة والمقيس عليها.
قوله: (مساواته لانت بائن) كان حق التعبير أن يقال: مساواته لهو بائن بناء على ما فهمه من أنه تعليق لوصف الطلاق فقط، وقد علمت عدم المساواة، نعم هو مساو لانت بائن على ما قاله صاحب البحر من أنه تعليق للموصوف وصفته معا فصار في معنى: متى تزوجت عليك فأنت بائن، فهذا نطق بالحق بلا قصد.
تتمة: يقع كثيرا في كلام العوام: أنت طالق تحلي للخنازير وتحرمي علي، وأفتى في الخيرية بأن رجعي، لان قوله وتحرمي علي أن كان للحال فخلاف المشروع، لانها لا تحرم إلا بعد انقضاء العدة، وإن كان للاستقبال فصحيح ولا ينافي الرجعة، وكذلك أفتى بالرجعي في قولهم أنت طالق لا يردك قاض ولا عالم، لانه لا يملك إخراجه عن موضوعه الشرعي.
وأيده في حواشيه على المنح بما في الصيرفية: لو قال أنت طالق ولا رجعة لي عليك فرجعية، ولو قال على أن لا رجعة لي عليك فبائن اه.
وقال: إن قولهم لا يردك قاض الخ مثل قوله ولا رجعة لي عليك، لانه حذف الواو كإثباتها كما هو ظاهر، لا مثل على أن لا رجعة اه.
قلت: والفرق أن على أن لا رجعة قيد للطلاق لانه شرط فيه، فهو في معنى أنت طالق طلاقا مشروطا فيه عدم الرجعة: أي طلاقا بائنا، فهو داخل تحت القاعدة من أنه إذا وصف الطلاق بضرب من الشدة والزيادة يقع به البائن كما مر عن الهداية.
أما ولا رجعة لي عليك فليس صفة للطلاق، بل هو كلام مستأنف أخبر به عما هو خلاف الشرع فإن الشرع هو وقوع الرجعي بأنت طالق، فقوله
ولا رجعة لغو، مثل قوله: أنت طالق وبائن أو ثم بائن بلا نية كما مر، وكذا قولهم لا يردك قاض الخ ليس صفة للطلاق، بل هو صفة للمرأة فلم يدخل تحت القاعدة المذكورة، ومثله تحلي للخنازير وتحرمي علي، وقد خفي ذلك على الرحمتي فجزم بأن هذا وما في الصيرفية من الفرق بين المسألتين مخالف للقاعدة المذكورة، نعم لو قصد بقوله وتحرمي علي إيقاع الطلاق وقع به أخرى بائنة ما لم ينو(3/307)
به الثلاث فثلاث كما في أنت طالق وبائن كما قدمناه، ومثله قول العوام في زماننا أيضا، أنت طالق كلما أحلك شيخ حرمك شيخ، فإن مرادهم بالثاني تأبيد الحرمة، فهو بمنزلة قوله كلما حللت لي حرمت علي فكلما عقد عليها بانت منه إلا أن يريد بذلك الكلام الاخبار عن الطلاق المذكور دون إنشاء التحريم ودون جعل هذه الجملة صفة للطلاق المذكور فلا تحرم أبدا، لانه إخبار بخلاف المشروع، لكن العامي لا يفهم ذلك، بل الظاهر أنه يريد إنشاء تأبيد الحرمة، فيما وقع في فتاوى الشيخ إسماعيل الحائك من وقوع الرجعي به فقط مرة واحدة غير ظاهر، فاغتنم تحرير هذا المحل فإنه مما يخفى.
قوله: (بالتاء المثناة من فوق) الظاهر أنه قيد بذلك ليعلم بالاولى ما إذا قاله بالثاء المثلثة، وليفيد أن هذا التحريف هنا لا يضر، لان ذلك صار لغة عامية، وقد مر أن الطلاق يقع بالالفاظ المصحفة، فلا يرد ما اعترض به في الخيرية على المصنف من أن هذا ذهول منه، وأن المذكور في كلامهم ضبطه بالمثلثة، ولم نر أحدا ضبطه بالمثناة.
وعبارة البحر: إلا أكثره بالثاء المثلثة فإنه يقع به الثلاث، ولا يدين إذا قال نويت واحدة.
قوله: (ولا يدين في إرادة الواحدة) مفهومه أنه يدين في إرادة الثنتين.
ووجهه أن أفعل التفضيل قد يراد به أصل الفعل: أي كثير الطلاق، فكان محتمل كلامه فيصدق ديانة اه ح.
قلت: لكن يأتي ترجيح أن الكثير ثلاث لا اثنتان، وحينئذ فلا فرق بين أكثر وكثير، فافهم.
قوله: (كما لو قال أكثر الطلاق) أي بالثاء المثلثة، وأشار به إلى ما قلنا من أن ضبطه بالمثناة ليس للاحتراز عن المثلثة.
قوله: (أو أنت طالق مرارا) في البحر عن الجوهرة: لو قال أنت طالق مرارا تطلق ثلاثا إن كان مدخولا بلها، كذا في النهاية اه.
وذكر في البحر قبله بأكثر من ورقة عن البزازية: أنت علي حرام ألف مرة تقع واحدة اه.
وما
في البزازية ذكره في الذخيرة أيضا، وذكره الشارح آخر باب الايلاء.
أقول: ولا يخالف ما في الجوهرة، لان قوله ألف مرة بمنزلة تكريره مرارا متعددة، والواقع به في أول مرة طلاق بائن، ففي المرة الثانية لا يقع شئ، لان الباين لا يلحق البائن إذا أمكن جعل الثاني خبرا عن الاول، كما في أنت بائن أنت بائن كما يأتي بيانه في الكنايات، بخلاف ما إذا نوى الثلاث بأنت حرام أو بأنت بائن فإنه يصح، لان لفظ واحد صالح للبينونة الصغرى، والكبرى، وقوله أنت طالق مرارا بمنزلة تكرار هذا اللفظ ثلاث مرات فأكثر، والواقع بالاولى رجعي، وكذا بما بعدها إلى الثالثة لانه صريح والصريح يلحق الصريح ما دامت في العدة، ولذا قيد بالمدخول بها، لان غيرها تبين بالمرة الاولى لا إلى عدة فلا يلحقها ما بعدها، فاغتنم تحرير هذا المقام فقد خفي على كثير من الافهام.
قوله: (أو ألوفا) جمع ألف ح: أي فيقع به الثلاث ويلغو الزائد.
قوله: (أو لا قليل الخ) عبارة الجوهرة: وإن قال أنت طالق لا قليل ولا كثير تقع ثلاثا هو المختار، لان القليل واحدة والكثير ثلاث، فإذا قال أولا لا قليل فقد قصد الثلاث ثم لا يعمل قوله ولا كثير بعد ذلك اه.
قلت: لكن في الخلاصة والبزازية يقع الثلاث في المختار.
وقال الفقيه أبو جعفر: ثنتان في الاشبه اه.
وذكر في الذخيرة أن الاول اختيار الصدر الشهيد وعلله بما مر(3/308)
.
ثقال: وحكي عن أبي جعفر الهنداوني أنه يقع ثنتان، لانه لما قال لا قليل فقد قصد إيقاع الثنتين، لان الاثنتين كثير فلا يعمل قوله ولا كثير بعد ذلك، وهذا القول أقرب إلى الصواب اه.
وفي الخانية أنه الاظهر اه.
وبه علم أنهما قولان مرجحان، ومبناهما على الاختلاف في الكثير.
ففي البحر عن المحيط: ولو قال أنت طالق كثيرا ذكر في الاصل أنه يقع الثلاث، لان الكثير هو الثلاث.
وذكر أبو الليث في الفتاوى: يقع ثنتان اه.
قلت: وينبغي أرجحية القول الاول، لان الاصل من كتب ظاهر ثنتان اه.
لرواية، وهو مقدم على ما في الفتاوى.
قوله: (فواحدة) أي رجعية لعدم ما يفيد البائن، ولان الرجعي أقل الطلاق.
قوله: (ولو
قال عامة الطلاق) إنما وقع به ثنتان لكثرة استعماله في الغالب وغالب الطلاق ثنتان ط.
قوله: (أو أجله) كأنه تحريف من الكاتب.
والذي في البحر جعله بضم الجيم و تشديد اللام، وكذا في الذخيرة.
وجل الشئ.
معظمه، أما الاجل فينبغي أن يكون ثلاثا.
رحمتي.
والاحسن ماقاله ط من أنه إن نوى بالاجل الاعظم من جهة الكم فثلاث، أو من جهة موافقته للسنة فواحدة رجعية في طهر ولا وطئ فيه ولا في حيض قبله.
قوله: (أو لونين منه) وهما طلقتان رجعيتان، ولو قال ثلاثة ألوان فثلاثة، وكذلك لو قال ألونا من الطلاق فثلاثة، وإن نوى ألوان الحمرة والصفرة صح ديانة، وكذا ضروبا أو أنواعا أو وجوها من الطلاق.
ذخيرة.
قلت: ويبنغي فيما لو نوى ألوان الحمرة والصفرة أن يكون الواقع واحدة بائنة لما مر من أصل الامام فيما إذا وصف الطلاق.
قوله: (وكذا لا كثير ولا قليل) الذي في قوله: (البحر) عن المحيط أنه يقع به واحدة، وكذا في الذخيرة والبزازية والخلاصة والجوهرة وغيرها، فليراجع كتاب المضمرات، نعم لكل وجه: فوجه الواحدة أنه لما نفى الكثير أثبت القليل فلا يفيد نفيه بعد.
ووجه الثنتين أن الكثير ثلاث والقليل واحدة، فإذا نفاهما ثبت ما بينهما.
قوله: (والفرق دقيق حسن) وجه الفرق أنه أضاف إلى ثلاث معهودة ومعهوديتها بوقوعهما، بخلاف المنكر اه ح.
أقول: هذا بعد تسليمه إنما يتم بناء على ما ذكره الشارح تبعا للبحر في أول باب الطلاق الصريح من تعريف لفظ ثلاث في الاولى وتنكيره في الثانية، مع أنه منكر في الصورتين كما رأيته في عدة كتب كالتاترخانية والهندية والبزازية، وقد ذكر الفرق في البزازية بأن الآخر وهو الثالث، ولا يتحقق إلا بتقدم مثليه عليه، لكنه في الاولى أخبر عن إيقاع الثلاث، وفي الثانية وصف المرأة بكونها آخر الثلاث بعد الايقاع وهي لا توصف بذلك، فبقي أنت طالق وبه تقع الواحدة اه.
فمناط الفرق من التعبير بالفعل الماضي في الاول واسم الفاعل في الثاني لا من التعريف والتنكير فافهم ممكن ومقتضاه أن لفظ آخر في الثانية مرفوع خبرا ثانيا عن أنت ليصير وصفا للمرأة، أما لو(3/309)
كان منصوبا يكون وصفا للطلاق فيساوي الصورة الاولى، واحتمال كونه منصوبا على الظرفية خبرا
ثانيا بعيد.
قوله: (يقع بأنت طالق الخ) لان كلا إذا أضيفت إلى معرف أفادت عموم الاجزاء، وأجزاء الطلقة لا تزيد على طلقة، وإذا أضيفت إلى منكر أفادت عموم الافراد اه ح.
ولذا كان قولك كل الرمان مأكول كاذبا لان قشره لا يؤكل، بخلاف كل رمان بالتنكير، وهذا عند الخلو عن القرائن كما حررناه في باب المسح على الخفين.
تنبيه: ذكر في الذخيرة لو قال: كل الطلاق فواحدة، وهكذا نقل عنها في البحر: لكن في مختارات النوازل أنه يقع ثلاث.
قلت: وهو الذي يظهر، لان الطلاق مصدر يحتمل الثلاث، بخلاف الطلقة، على أنه ذكر في الذخيرة أيضا أنت طالق الطلاق كله فهو ثلاث، ولا فرق يظهر بين كل الطلاق والطلاق كله.
تأمل.
قوله: (وعدة التراب واحدة) قال في الفتح: ولو شبه بالعدد فيما لا عدد له فقال طالق كعدد الشمس أو التراب أو مثله: فعند أبي يوسف رجعية، واختاره إمام الحرمين من الشافعية، لان التشبيه بالعدد فيما لو عدد لغو ولا عدد للتراب.
وعند محمد: يقع ثلاث، وهو قول الشافعي وأحمد لانه يراد بالعدد إذا ذكر الكثرة، وفي قياس قول أبي حنيفة واحدة بائنة، لان التشبيه يقتضي ضربا من الزيادة كما مر.
أما لو قال مثل التراب يقع واحدة رجعية عند محمد اه.
قوله: (وعدد الرمل ثلاث) أي إجماعا كما في البحر عن الجوهرة وإنما كان التراب غير معدود لانه اسم جنس إفرادي، بخلاف رمل لانه اسم جنس جمعي لا يصدق على أقل من ثلاثة.
نهر.
وحاصله أن ما دل على الماهية صادقا على القليل والكثير كالتراب والماء والعسل، فهو اسم جنس إفرادي، بخلاف ما لا يدل على أقل من ثلاث، وميز بين قليله وكثيره بالتاء كالرمل والتمر فهو اسم جنس جمعي، والجمع ذو أفراد أقلها ثلاث فيقع بإضافة العدد إليه ثلاث.
قوله: (وعدد شعر إبليس الخ) أي تقع واحدة لو أضافه إلى عدد مجهول النفي والاثبات، أو إلى عدد معلوم النفي كالمثالين كما في الفتح، ولم يذكر أنها بائنا أو لا.
ومقتضى ما ذكره في عدد التراب أنها بائنة في قياس قول أبي حنيفة، ورجعية عند أبي يوسف، ويدل عليه ما نذكره قريبا عن المحيط من أنه يلغو ذكر العدد ويصير كأنه قال أنت طالق، قوله: (وقع بعدده) أي مما يقبله المحل والزائد لغو ط.
قوله:
(وإلا لا) أي وإن لم يوجد شئ من الشعر بأن أطلي بالنورة مثلا ولا وجد شئ من السمك لم يقع شئ، وهذا صحيح في غير مسألة السمك، أما فيهما ؤ فقد ذكر في الجوهرة وكذا في البحر عن الظهيرية أنه إذا لم يكن في الحوض سمك تقع واحدة، فكان الصواب ذكرها مع مسألة شعر إبليس وشعر بطن كفي.
وقد ذكر في النهر أنه علل في المحيط مسألة السمك وشعر إبليس وبطن كفي بأنه إذا لم يكن شعرولا سمك لم يعتبر ذكر العدد بل يصير لغوا وصار كأنه قال أنت طالق اه.(3/310)
وفي البحر عن محمد في الفرق بين مسألة ظهر كفي وقد أطلي ومسألة بطن كفي، أنه في الاولى لا يقع شئ، لانه يقع على عدد الشعور النابتة، فإذا لم يكن عليه شعر لم يوجد الشرط، وفي الثانية تقع واحدة لانه لا يقع على عدد الشعر اه.
قلت: وحاصله أن ظهر الكف ومثله الساق والفرج لما كان محل الشعر غالبا وزواله لا يكون إلا بعارض صار العدد بمنزلة الشرط فلا يقع شئ عند عدمه، بخلاف ما إذا كان معلوم الانتفاء كشعر بطن كفي أو مجهوله ولا يمكن علمه كشعر إبليس أو يمكن، لكن انتفاؤه لا يتوقف على عارض كسمك الحوض فلا يتوقف على وجود عدد بل يقع الطلاق مطلقا، لكن في مسألة السمك لما أمكن وجود العدد فإذا وجد وقع بقدره.
قوله: (طلاق إن نواه) لان الجملة تصلح لانشاء الطلاق كما تصلح لانكاره فيتعين الاول بالنية، وقيد بالنية لانه لا يقع بدونها اتفاقا لكونه من الكنايات وأشار إلى أنه لا يقوم مقامها دلالة الحال، لان ذلك فيما يصلح جوابا فقط وهو ألفاظ ليس هذا منها، وأشار بقوله طلاق إلى أن الواقع بهذه الكناية رجعي، كذا في البحر من باب الكنايات.
قوله: (لا تطلق اتفاقا وإن نوى) ومثله قوله لم أتزوجك أو لم يكن بيننا نكاح، أو لا حاجة لي فيك.
بدائع.
لكن في المحيط ذكر الوقوع في قول لا عند سؤاله.
قال: ولو قال لا نكاح بيننا يقع الطلاق، والاصل إن نفي النكاح أصلا لا يكون طلاقا بل يكون جحودا ونفي النكاح في الحال يكون طلاقا إذا نوى، وما عداه فالصحيح أنه على هذا الخلاف اه.
بحر.
قوله: (قريتنا إرادة النفي
فيهما) وذلك لان اليمين لتأكيد مضمون الجملة الخبرية فلا يكون جوابه الاخير، وكذا جواب السؤال والطلاق لا يكون إلا إنشاء فوجب صرفه إلى الاخبار عن نفي النكاح كاذبا.
قوله: (وفي الخلاصة الخ) عبارة الخلاصة: ألست طلقتها؟ ووجد كذلك في بعض النسخ كما يفيده ما في ح.
قال صاحب البحر في شرحه على المنار: وذكر في التحقيق أن موجب نعم تصديق ما قبلها من كلام منفي أو مثبت استفهاما كان أو خبرا، كما إذا قيل لك قام زيد أو أقام زيد أو لم يقم زيد فقلت نعم كان تصديقا لما قبله وتحقيقا لما بعد الهمزة، وموجب بلى إيجاب ما بعد النفي استفهاما كان أو خبرا، فإذا قيل لم يقم زيد فقلت بلى كان معناه قد قام، إلا أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر اه.
قوله: (وفي الفتح الخ) عبارته: والذي ينبغي عدم الفرق فإن أهل العرف لا يفرقون بل يفهمون منهما إيجاب المنفي.
قوله: (وفي البزازية) أي في أوائل كتاب النكاح.
قوله: (كان إقراره بالنكاح وتطلق) أي فإذا كان أنكره، يلزمه مهرها ونفقة عدتها، وترثه لو مات في عدتها.
قوله: (لاقتضاء الطلاق النكاح وضعا) لان الطلاق لغة وشرعا: رفع القيد الثابت بالنكاح فلا بد لصحته من سبق النكاح، لان المقتضي ما يقدر لصحة الكلام، فكأنه قال نعم أنت امرأتي وأنت طالق، كما قالوا في: أعتق عبدك عني بألف.
قلت: وهذا حيث لا مانع.
ففي الخلاصة من النكاح عن المنتقى قال لها ما أنت لي بزوجة وأنت طالق فليس بإقرار(3/311)
بالنكاح.
قال في البزازية: لقيام القرينة المتقدمة على أنه ما أراد الطلاق حقيقة اه: أي لان تصريحه بنفي الزوجية ينافي اقتضاءها فلا يكون مرادا به حقيقة.
قوله: (بنى على الاقل) أي كما ذكره الاسبيجابي، إلا أن يستيقن بالاكثر أو يكون أكبر ظنه.
وعن الامام الثاني: إذا كان لا يدري أثلاث أم أقل يتحرى، وإن استويا عمل بأشد ذلك عليه.
أشباه عن البزازية.
قال ط: وعلى قول الثاني اقتصر قاضيخان: ولعله لانه يعمل بالاحتياط خصوصا في باب الفروج اه.
قلت: ويمكن حمل الاول على القضاء والثاني على الديانة، ويؤيده مسألة المتون في باب
التعليق لو قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق ثنتين فولدتهما ولم يدر الاول، تطلق واحدة قضاء وثنتين تنزها: أي ديانة.
هذا وفي الاشباه أيضا: وإن قال عزمت على أنه ثلاث يتركها، وإن أخبره عدول حضروا ذلك المجلس بأنها واحدة وصدقهم أخذ بقولهم.
قوله: (له تزوجها بلا محلل) لان الطلاق إنما يلحق المنكوحة نكاحا صحيحا، أو المعتدة بعدة الطلاق، أو الفسخ بالردة، أو الاباء عن الاسلام كما قدمناه عن البحر ح: أي والمنكوحة فاسدا ليست واحدة ممن ذكر ط: أي فلا يتحقق الطلاق في النكاح الفاسد ولا ينقص عددا لانه متاركة، كما قدمناه عن البحر والبزازية في باب المهر عند الكلام على النكاح الفاسد، فحيث كان متاركة لا طلاقا حقيقة كان له تزوجها بعقد صحي بلا محلل، ويملك عليها ثلاث طلقات، والله تعالى أعلم.
باب طلاق غير المدخول بها قوله: (فلا حد ولالعان الخ) أي عند الامام بناء على أنه كلام واحد، وأن قوله: يا زانية ليس بفاصل بين الطلاق والعدد ولا بين الجزاء والشرط، في مثل: أنت طالق يا زانية إن دخلت الدار، فيتعلق الطلاق بالدخول ويقع الثلاث في أنت طالق يا زانية ثلاثا، ولا حد عليه لوقوع القذف وهي زوجته، لما يأتي من أنه متى ذكر العدد كان الوقوع به ولا لعان أيضا، لان أثره التفريق بينهما وهو لا يتأتى بعد البينونة، وهو لا يصح بدون أثره، ومثله: يا زانية أنت طالق ثلاثا، بخلاف أنت طالق ثلاثا يا زانية حيث يحد كما في لعان البحر لوقوع القذف بعد الابانة.
وعند أبي يوسف: يقع في مسألتنا وعليه الحد، لانه جعل القذف فاصلا فيلغو قوله: ثلاثا، وكان الوقوع بقوله: أنت طالق فكان بعد الطلاق البائن لانها غير مدخول بها فوجب الحد اه ح ملخصا مع زيادة.
قوله: (لوقوع الثلاث الخ) كذا في البزازية، وصوابه لوقوع القذف، ويكون الضمير في بعده للقذف كما ظهر لك مما قررناه.
قوله: (وكذا الخ) أي يقع الثلاث ولا حد ولا لعان كما هو مقتضى التشبيه بناء على أن(3/312)
المراد بالوصف ما وصفها به في قوله يا زانية وهو القذف، فإذا انصرف الاستثناء إليه ينتفي الحد
واللعان، لانه لم يبق قذفا منجزا وتقع الثلاث لعدم تعلقها بالاستثناء، وهذا التقرير هو الموافق لما في شرحه على الملتقى، ولعبارة البزازية ونصها: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله يقع، وصرف الاستثناء إلى الوصف، وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله، وكذا أنت طالق يا خبيثة إن شاء الله يصرف الاستثناء إلى الكل ولا يقع الطلاق، كأنه قال يا فلانة، والاصل عنده أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزم به حد كقوله يا طالق يا زانية فلاستثناء على الوصف، وإن كان لا يجب به حد ولا يقع به طلاق كقوله يا خبيثة فالاستثناء على الكل اه.
لكن قوله: وكذا أنت طالق يا خبيثة صوابه: ولو قال أنت طالق يا خبيثة كما عير في الذخيرة وغيرها، لكنه تساهل لظهور المراد بذكر الاصل المذكور، وقوله: يقع: أي الطلاق دليل على أن المراد بالوصف القذف لا الطلاق، وإلا لم يصح قوله: وصرف الاستثناء إلى الوصف، وكذا ما قرره من الاصل.
وأصرح منه قوله: في الذخيرة وغيرها: فالاستثناء على الآخر وهو القذف ويقع الطلاق، فافهم.
ثم اعلم أن هذا الذي ذكره الشارح عن البزازية عزاه في الذخيرة إلى النوادر وهو ضعيف فقد ذكر الفارسي في شرح تلخيص الجامع أن قوله يا زانية إن تخلل بين الشرط والجزاء كأنت طالق يا زانية إن دخلت الدار أو بين الايجاب والاستثناء كأنت طالق يا زانية إن شاء الله لم يكن قذفا في الاصح، وإن تقدم عليهما أو تأخر عنهما كان قذفا في الحال.
وعن أبي يوسف أن المتخلل لا يفصل، فلا يتعلق الطلاق بل يقع للحال ويجب اللعان.
وعن محمد: يتعلق الطلاق ويجب اللعان.
وجه ظاهر الرواية أن يا زانية نداء للاعلام بما يراد به فلا يفصل، ويتعلق الطلاق بالشرط فيتعلق القذف أيضا، لانه أقرب إلى الشرط اه ملخصا، فهذا تصريح بأن انصراف الاستثناء إلى الكل هو الاصح وظاهر الرواية، وصرح بذلك في الذخيرة أيضا، ومشى عليه الشارح في باب التعليق.
قوله: (وقعن) جواب الشرط المقدر في قول المتن قال لزوجته وكان الاولى للشارح ذكره عقب قوله ثلاثا.
قوله: (لما تقرر الخ) لان الواقع عند ذكر العدد مصدر موصوف بالعدد: أي تطليقا ثلاثا فتصير الصيغة الموضوعة لانشاء الطلاق متوقفا حكمها عند ذكر العدد عليه.
بحر.
قال في الفتح: وبه اندفع قول الحسن البصري وعطاء وجابر بن زيد: إنه يقع عليها واحدة لبينونتها
، ولا يؤثر العدد شيئا.
ونص محمد رحمه الله تعالى قال: وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثا جميعا فقد خالف السنة وأثم، وإن دخل بها أو لم يدخل سواء، بلغنا ذلك عن رسول الله (ص) وعن عليا بن مسعود وابن عباس وغيرهم رضوان الله عليهم.
قوله (وما قيل الخ) رد على ما نقله في شرح المجمع عن كتاب المشكلات وأقره عليه، حيث قال: وفي المشكلات من طلق امرأته الغير مدخول بها ثلاثا فله أن يتزوجها بلا تحليل، وأما قوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * (سورة البقرة: الآية 032) ففي حق المدخول بها اه.
ووجه الرد مخالف للمذهب: لانه إما أن يريد عدم وقوع الثلاث عليها بل تقع واحدة كما هو قول الحسن وغيره وقد علمت رده، أو يريد أنه لا يقع شئ أصلا.
وعبارة الشارح تحتمل(3/313)
الوجهين، لكن كلام الدرر يعين الاول.
أو يريد وقوع الثلاث مع عدا اشتراط المحلل.
وقد بالغ المحقق ابن الهمام في رده حيث قال في آخر باب الرجعة: لا فرق في ذلك أي اشتراط المحلل بين كون المطلقة مدخولا بها أو لا لصريح إطلاق النص، وقد وقع في بعض الكتب أن غير المدخول بها تحل بلا زوج، وهو زلة عظيمة مصادمة للنص والاجماع، لا يحل لمسلم رآه أن ينقله فضلا عن أن يعتبره لان في نقله إشاعته، وعند ذلك ينفتح باب الشيطان في تخفيف الامر فيه.
ولا يخفى أن مثله مما لا يسوغ الاجتهاد فيه لفوات شرطه من عدم مخالفة الكتاب والاجماع، نعوذ بالله من الزيغ والضلال، والامر فيه من ضروريات الدين لا يبعد إكفار مخالفه اه.
قوله: (لعموم اللفظ) أي لفظ النص، فإنه يعم غير المدخول بها.
وفيه أن الآية صريحة في المدخول بها لان الطلاق ذكر فيها مفرقا وتفريقه يخصها، ولا يكون في غير المدخول بها إلا بتجديد النكاح، فالاولى الاستناد إلى السنة، وهو ما ذكر عن الامام محمد ط.
قوله: (وحمله في غرر الاذكار) حيث قال: ولا يشكل ما في المشكلات، لان المراد من قوله ثلاثا: ثلاث طلقات متفرقات ليوافق ما في عامة كتب الحنفية اه فافهم.
قلت: يؤيد هذا الحل قوله في المشكلات: وأما قوله تعالى: * (فإن طلقها) * (سورة البقرة: الآية 032) الخ فإنه ذكر في الآية مفرقا فلذا أجاب عنه صاحب المشكلات بأن ما في الآية وارد في المدخول بها، فتأمل.
قوله: (وإن فرق بوصف) نحو أنت طالق واحدة وواحدة، وواحدة أو خبر نحو: أنت طالق طالق طالق، أو أجمل نحو: أنت طالق أنت طالق أنت طالق ح، ومثله في شرح الملتقى.
قوله: (بعطف) أي في الثلاثة، سواء كان بالواو أو الفاء أو ثم أو بل ح.
وسيذكر المصنف مسألة العطف منجزه ومعلقة مع تفصيل في المعلقة.
قوله: (أو غيره) الاولى أو دونه ط.
قوله: (بانت بالاولى) أي قبل الفراغ من الكلام الثاني عند أبي يوسف.
وعند محمد بعده: لجواز أن يلحق بكلامه شرطا أو استثناء، ورجح السرخسي الاول، والخلاف عند العطف بالواو.
وثمرته فيمن ماتت قبل فراغه من الثاني وقع عند أبي يوسف لا عند محمد، وتمامه في البحر والنهر.
قوله: (ولذا) أي لكونها بانت لا إلى عدة ح.
قوله: (لم تقع الثانية) المراد بها ما بعد الاولى، فيشمل الثالثة.
قوله: (بخلاف الموطوءة) أي ولو حكما كالمختلى بها فإنها كالموطوءة في لزوم العدة، وكذا في وقوع طلاق بائن آخر في عدتها، وقيل لا يقع، والصواب الاول كما مر في باب المهر نظما وأوضحناه هناك.
قوله: (حيث يقع الكل) أي في جميع الصور المتقدمة لبقاء العدة، ولا يصدق قضاء أنه عنى الاولى كما سيأتي في الفروع، إلا إذا قيل له ماذا فعلت؟ فقال طلقتها، أو قد قلت هي طالق، لان السؤال وقع عن الاول فانصرف الجواب إليه.
بحر.
قوله: (أو ثنتين مع طلاقي إياك الخ) أي لان مع هنا بمعنى بعد كما تقدم في قوله مع عتق مولاك إياك اه ح: أي فيكون الطلاق شرطا، فإذا طلقها واحدة لا تقع الثنتان، لان الشرط قبل المشروط.
قوله: (كما لو قال نصفا وواحدة) أي تقع واحدة لانه غير(3/314)
مستعمل على هذا الوجه فلم يجعل كله كلاما واحدا وعزاه في المحيط إلى محمد.
بحر.
أي لان المستعمل عطف الكسر على الصحيح.
قوله: (لانه جملة واحدة لانه إذا أراد الايقاع بهما ليس لهما عبارة يمكن النطق بها أخصر منهما)، وكذا لو قال واحدة وأخرى وقع ثنتان لعدم استعمال أخرى ابتداء.
نهر.
لا يقال: أنت طالق ثنتين أحضر منهما، لان الكلام عند إرادة الايقاع بالصحيح والكسر وبلفظ أخرى فقد يكون فيه غرض.
على أنه إن لم يكن غرض صحيح فالعبرة للفظ، ولفظ ثنتين لا يؤدي معنى النصف، ومعنى أخرى لغة وإن كان المراد بهما طلقة، بخلاف أنت طالق واحدة وواحدة فإنه يغني عنه طالق ثنتين، فعدوله عن ثنتين إليه قرينة على إرادة التفريق، وكذا نصفا وواحدة، لان نصف الطلقة في حكم الطلقة كما مر في محله فصار بمنزلة واحدة وواحدة، وهو من المتفرق بقرينة العدول عن الاصل من تقديم الصحيح على الكسر، فافهم.
قوله: (لما مر) أي من قوله: لانه جملة واحدة اه ح.
أي أنه أخصر ما يتلفظ به إذا أراد الايقاع بهذه الطريقة وهو مختار في التعبير لغة اه.
بحر.
لكنه ذكر ذلك في إحدى وعشرين لا في واحدة وعشرين، ثم نقل عن المحيط: لو قال واحدة وعشرا وقعت واحدة، بخلاف أحد عشر فثلاث لعدم العطف، وكذا لو قال واحدة ومائة أو احدة وألفا أو واحدة وعشرين تقع واحدة، لان هذا غير مستعمل في المعتاد، فإنه يقال في العادة مائة واحدة وألف وواحدة، تجعل هذه الجملة كلاما واحدا، بل اعتبر عطفا.
قال أبو يوسف: يقع الثلاث، لان قوله: واحدة ومائة ومائة وواحدة سواء اه.
وظاهره أن قول أبي يوسف: في هذه المسائل غير المعتمد، لكن قال في النهر: وجزم الزيلعي به في واحدة وعشرين يومئ إلى ترجيحه.
مطلب: الطلاق يقع بعدد قرن به لا به قوله: (والطلاق يقع بعدد قرن به لا به) أي متى قرن الطلاق بالعدد كان الوقوع بالعدد بدليل ما أجمعوا عليه من أنه لو قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثا طلقت ثلاثا، ولو كان الوقوع بطالق لبانت لاإلى عدة فلغا العدد، ومن أنه لو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله لم يقع شئ، ولو كان الوقوع بطالق لكان العدد فاصلا فوقع.
ثم اعلم أن الوقوع أيضا بالمصدر عند ذكره، وكذا بالصفة عند ذكرها كما إذا قال أنت طالق البتة، حتى لو قال بعدها إن شاء الله متصلا لا يقع، ولو كان الوقوع باسم الفاعل لوقع، ويدل عليه ما في المحيط: لو قال أنت طالق للسنة أو أنت طالق بائن فماتت قبل قوله: للسنة أو بائن لا يقع
شئ لانه صفة للايقاع لا للتطليقة فيتوقف الايقاع على ذكر الصفة وأنه لا يتصور بعد الموت اه.
وكذا ما في عتق الخانية قال لعبده أنت حر البتة فمات العبد قبل البتة بموت عبدا.
بحر من الباب المار عند قوله: أنت طالق واحدة أولا، وقال هنا: ويدخل في العدد أصله وهو الواحد ولا بد من اتصاله بالايقاع، ولا يضر انقطاع النفس، فلو قال أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا فواحدة، ولو انقطع النفس أو أخذ إنسان فمه ثم قال ثلاثا على الفور فثلاث، ولو قال لغير المدخولة أنت طالق يا(3/315)
فاطمة أو يا زينب ثلاثا وقعن، ولو قال أنت طالق اشهدوا ثلاثة فواحدة، ولو قال فاشهدوا فثلاث، كذا في الظهيرية اه.
قلت: وحاصله أن انقطاع النفس وإمساك الفم لا يقطع الاتصال بين الطلاق وعدده، وكذا النداء لانه لتعيين المخاطبة، وكذا عطف فاشهدوا بالفاء لانها تعلق ما بعدها بما قبلها فصار الكل كلاما واحدا.
قوله: (عند ذكر العدد) أي عند التصريح به، فلا يكفي قصده كما يأتي فيما لو مات أو أخذ أحد فمه، فافهم.
قوله: (بعد الايقاع) المراد به ذكر الصيغة الموضوعة للايقاع لولا العدد.
قوله: (قبل تمام العدد) قدر لفظ تمام تبعا للبحر احترازا عما لو قال أنت طالق أحد عشر فماتت قبل تمام العدد.
قوله: (لغا) أي فلا يقع شئ.
نهر.
فيثبت المهر بتمامه ويرث الزوج منها ط.
قوله: (لما تقرر) أي من أن الوقوع بالعدد وهي لم تكن محلا عند وقوع العدد ح.
أو لما تقرر من أن صدر الكلام يتوقف على آخره لوجود ما يغيره كالشرط والاستثناء، حتى لو قال أنت طالق إن دخلت الدار أو إن شاء الله فماتت قبل الشرط أو الاستثناء لم تطلق، لان وجودهما يخرج الكلام عن أن يكون إيقاعا، بخلاف: أنت طالق ثلاثا يا عمرة فماتت قبل قوله: يا عمرة طلقت لانه غير مغير، وكذا أنت طالق وأنت طالق فماتت قبل الثاني، لان كل كلام عامل في الوقوع إنما يعمل إذا صادفها وهي حية، ولو قال أنت طالق وأنت طالق إن دخلت الدار فماتت عند الاول أو الثاني لا يقع لما مر كما في البحر عن الذخيرة.
قوله: (أو أخذ أحد فمه) أي ولم يذكر العدد على الفور عند رفع اليد عن فمه، أما لو قال ثلاثا مثلا على الفور وقعن كما مر.
قوله: (عملا بالصيغة) أشار إلي وجه الفرق
بين موتها وموته، وهو أن الزوج وصل لفظ الطلاق بذكر العدد في موتها ولم يتصل في موته ذكر العدد يلفظ الطلاق، فبقي قوله: أنت طالق وهو عامل بنفسه في وقوع الطلاق كما في أخذ الفم إذا لم يقل بعده شيئا حيث تقع واحدة.
أفاده في البحر عن المعراج.
قوله: (لان الوقوع بلفظه لا بقصده) الضميران للزوج أو للعدد، وعلى الاول يكون التعليل لمنطوق العلة التي قبله، وعلى الثاني لمفهومها وهو عدم العمل بالعدد الذي قصد، فافهم.
قوله: (بالعطف) أي بالواو فتقع واحدة، لان الواو لمطلق الجمع أعم من كونه للمعية أو للتقدم أو التأخر، فلا يتوقف الاول على الآخر إلا لو كانت للمعية وهو منتف فيعمل كل لفظ عمله، فتبين بالاولى فلا يقع ما بعدها، ومثل الواو العطف بالفاء، وثم بالاولى لاقتضاء الفاء التعقيب، وثم للتراخي مع الرتتيب فيهما، وأما بل في أنت طالق واحدة لا بل ثنتين فكذلك لانها باق بالاولى، ولو كانت مدخولا بها تقع ثلاث لانه أخبر أنه غلط في إيقاع الواحدة ورجع عنها إلى إيقاع الثنتين بدلها فصح إيقاعهما دون رجوعه، نعم لو قال لها طلقتك أمس واحدة لا بل ثنتين تقع ثنتان، لانه خبر يقابل التدارك في الغلط، بخلاف الانشاء.
بحر ملخصا.
قوله: (أو قبل واحدة الخ) الضابط أن الظرف حيث ذكر بين شيئين إن أضيف إلى(3/316)
ظاهر كان صفة للاول كجاءني زيد قبل عمرو، وإن أضيف إلى ضمير الاول كان صفة للثاني كجاءني زيد قبله أو بعده عمرو، لانه حينئذ خبر عن الثاني والخبر وصف للمبتدأ، والمراد بالصفة المعنوية والمحكوم عليه بالوصفية هو الظرف فقط، إلا فالجملة في قبله عمرو حال من زيد لوقوعها بعد معرفة والحال وصف لصاحبها، ففي واحدة قبل واحدة أوقع الاولى قبل الثانية فبانت بها، فلا تقع الثانية وفي بعدها ثانية كذلك لانه وصف الثانية بالبعدية، ولو لم يصفها بها لم تقع فهذا أولى وهذا في غير المدخول بها، وفي المدخول بها تقع ثنتان لوجود العدة كما يأتي.
قوله: (ثنتان) لانه في واحدة بعد واحدة جعل البعدية صفة للاولى فاقتضى إيقاع الثانية قبلها، لان الايقاع في الماضي إيقاع في الحال لامتناع الاستناد إلى الماضي فيقترنان فتقع ثنتان، وكذا في واحدة قبلها واحدة، لانه جعل القبلية صفة للثانية فاقتضى إيقاعها قبل الاولى فيقترنان، وأما مع فللقران.
فلا فرق
فيها بين الاتيان بالضمير، وإلا فاقتضى وقوعهما معا تحقيقا لمعناها.
قوله: (متى أوقع بالاول كما في قبل واحدة وبعدها واحدة فإن الاولى فيهما هي الواقعة لوصف بأنها قبل الثانية أو بأن الثانية بعدها، وهو معنى كونها قبل الثانية فتكون الثانية متأخرة في الصورتين فلغت.
قوله: (أو بالثاني اقترنا) المراد بالثاني المتأخر في إنشاء الايقاع لا في اللفظ، وذلك كما في بعد واحدة وقبلها واحدة فإنه أوقع فيهما واحدة وهي الاولى الموصوفة بأنها بعد الثانية، أو بأن الثانية قبلها، وهو معنى كونها بعد الثانية فيقترنان.
ويحتمل أن يراد بالثاني اللفظ المتأخر، فإنه سابق في الايقاع من حيث الاخبار لتضمن الكلام الاخبار عن إيقاع الثانية قبل الاولى.
قوله: (ويقع الخ) من عطف الخاص على العام لدخوله تحت قوله: وإن فرق فكان الاولى ذكره عقبه.
قوله: (ثنتان) أي إن اقتصر عليهما، وإن زاد فثلاث.
قوله: (لتعلقهما بالشرط دفعة) لان الشرط مغير للايقاع، فإذا اتصل المغير توقف صدر الكلام عليه فيتعلق به كل من الطلقتين معا فيقعان عند وجود الشرط كذلك، بخلاف ما لو قدم الشرط فلا يتوقف لعدم المغير.
قوله: (وتقع واحدة إن قدم الشرط) هذا عنده، وعندهما ثنتان أيضا، ورجحه الكمال وأقره في البحر، قوله: لان المعلق كالمنجز أي يصير عند وجود شرطه كالمنجز ولو نجزه حقيقة لم تقع الثانية، بخلاف ما إذا أخر الشرط لوجود المغير.
زيلعي.
تنبيه: العطف بالفاء كالواو فتقع واحدة إن قدم الشرط اتفاقا على الاصح وتلغو الثانية، وثنتان إن أخره، وفي العطف بثم إن أخره تنجزت واحدة ولغا بعدها، ولو موطوءة تعلق الاخير وتنجز ما قبله، وإن قدم الشرط لغا الثالث وتنجز الثاني وتعلق الاول، فيقع عند الشرط بعد التزوج الثاني، ولو موطوءة تعلق الاول وتنجز ما بعده.
وعندهما تعلق الكل بالشرط قدمه أو أخره، إلا أن عند(3/317)
وجود الشرط تطلق الموطوءة ثلاثا وغيرها واحدة، وتمامه في البحر.
قوله: (كلها) أي كل الصور التي ذكرها في العطف بلا تعليق بشرط، وفي قبل وبعد وفي الشرط المتقدم أو المتأخر.
مطلب في قبل ما بعده قبله رمضان قوله: (ومن مسائل قبل وبعد ما قيل) أي ما قاله بعضهم نظما من بحر الخفيف.
ورأيت في
شرح المجموع للاشموني شارح الالفية أن هذا البيت رفع للعلامة أبي عمرو بن الحاجب بأرض الشام وأفتى فيه وأبدع وقال: إنه من المعاني الدقيقة التي لا يعرفها أحد في مثل هذا الزمان، وإنه ينشد على ثمانية أوجه لان ما بعد ما قد يكون قبلين أو بعدين أو مختلفين، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل أو بعد صارت ثمانية والقاعدة في الجميع أنه كلما اجتمع فيه منها قبل وبعد فالغهما، لان كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده، ولا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان، أو قبله رمضان فيكون شوالا الخ.
قوله: (في ذي الحجة) لان قبله ذا القعدة، وقيل هذا القبل شوال، وقبل قبل القبل رمضان ط.
قوله: (في جمادى الآخرة) لان بعده رجبا، وبعد ذلك البعد شعبان وبعد بعد البعد رمضان ط.
قوله: (في شوال) صوابه في شعبان ح: أي لان فرض المسألة أن قبلا ذكر مرة واحدة وتكرر بعد فيلغى لفظ قبل ولفظ بعد مرة ويبقى لفظ بعد الثاني هو المعتبر، فيصير كأنه قال بعده رمضان وهو شعبان كما مر.
قوله: (ويبعد كذلك) أي أو لا وسطا أو واسطا أو آخرا ح.
قوله: (في شعبان) صوابه في شوال ح: أي لنظير ما قلنا.
قوله: (لالغاء الطرفين) المراد بالطرفين قبل وبعد، وكأنه إنما أطلق عليهما طرفين لما بينهما من التقابل.
وعبارة الفتح: يلغى قبل ببعد.
وعبارة النهر: يلغى قبل وبعد لان كل شهر بعد قبله وقبل بعده، فيبقى قبله رمضان وهو شوال، أو بعده رمضان وهو شعبان ح.
قلت: وأما ما في البحر من أن الملغى الطرفان الاولان: يعني الحاليين عن الضمير سواء اختلفا أو اتفقا، وفرع عليه معتبرا للاخير المضاف للضمير فقط فهو خطأ مخالف لما قرره نفسه أولا ولما قرره غيره.
تنبيه: هذا كله مبني على أن ما ملغاة لا محل لها من الاعراب ويحتمل أن تكون موصولة أو نكرة موصوفة فتكون في محل جر بإضافة الظرف الذي قبله إليها، وفيه الاوجه الثمانية، لكن أحكامها تختلف.
ففي محض قبل يقع في شوال، وفي محض بعد في شعبان، وفي قبل ثم بعدين في جمادى الآخرة، وفي بعد ثم قبلين في ذي الحجة، وفي الصور الاربع الباقية على عكس ما مر في إلغاء ما أي فما وقع منها في شوال أو في شعبان على تقدير الالغاء يقع بعكسه على تقدير
الموصولية أو الموصوفية، كما ذكره العلامة بدر الدين الغزي الشافعي.
ورأيته بخطه معزيا إلى(3/318)
العلامة ابن الحاجب، وقال: إن للسبكي في ذلك مؤلفا.
قلت: وقد أوضحت هذه المسألة في رسالة كنت سميتها إتحاف الذكي النبيه بجواب ما يقول الفقيه وبينت فيها المقام بما لا مزيد عليه، وخلاصة ذلك أن قوله: بشهر قبل ما قبل قبله رمضان على كون ما زائدة يكون رمضان مبتدأ والظرف الاول خبر عنه وهو مضاف إلى الثاني، لان ما الزائدة لا تكف عن العمل نحو.
فيما رحمة.
ويغر ما رجل، والثاني مضاف إلى الثالث، والجملة من المبتدإ والخبر صفة شهر، والرابط الضمير المضاف إليه الظرف الاخير، والمعنى: بشهر رمضان كائن قبل قبل قبله وهو ذو الحجة، وعلى كون ما موصولة يكون الظرف الاول صفة لشهر وهو مضاف إلى الموصول والظرف الثاني المضاف إلى الثالث خبر مقدم عن رمضان والجملة صلة ما والعائد الضمير الاخير، والمعنى: بشهر كائن قبل الشهر الذي رمضان كائن قبل قبله، فالشهر الذي قبل هو ذو الحجة، فالذي قبله هو شوال، وكذا يقال على تقدير ما نكرة موصوفة، وعلى هذا القياس في باقي الصور، وقد نظمت جميع ما مر من الصور فقلت: خذ جوابا عقود المرجان فيه عما طلبته تبيان فجمادى الاخير في محض بعدولعكس ذو حجة إبان ثم شوال لو تكرر قبل مع بعد وعكسه شعبان ألغ ضدا بضده وهو بعد مع قبل وما بقي الميزان ذاك إن تلغ ما وأما إذا ما وصلت أو صفتها فالبيان جاء شوال في تمحض قبل ولعكس شعبان جاء الزمان وجمادى لقبل ما بعد بعد فهو ثم ذو حجة لعكس أوان وسوى ذا بعكس إلغائها افهم فهو تحقيق من هم الفرسان وتوضيح ذلك في رسالتنا المذكورة، والحمد لله رب العالمين.
قوله: (وأما تصحيح الزيلعي
الخ) رد على صاحب الدرر حيث ذكر ما ذكره المصنف وقال: هو الصحيح، احترازا عما قبل يقع على كل واحدة طلاق، وعزاه إلى إيلاء الزيلعي.
واعترضه في المنح بأن عبارة الزيلعي هكذا، وذكر في الفتاوى: إذا قال لامرأته أنت علي حرام والحرام عنده طلاق ولكن لم ينو الطلاق وقع الطلاق، ولو كان أربع نسوة والمسألة بحالها تقع على كل واحدة منهن طلقة بائنة، وقيل تطلق واحدة منهن، وإليه البيان وهو الاظهر والاشبه.
وفي إيلاء الفتح والبحر أن في المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام، إن كان له أكثر من زوجة واحدة تقع على كل تطليقة واحدة، بخلاف الصريح نحو: امرأته طالق وله أكثر من واحدة فلا تقع إلا واحدة.
وأجاب الاوزجندي أنه لا يقع على واحدة، وهو الاشبه، وعزاه في البحر إلى البزازية والخلاصة والذخيرة.
وفي الفتح: الاشبه عندي ما في الفتاوى، لان قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة على سبيل الاستغراق، كقوله هن طوالق لا البدل كإحداكن طالق، وحيث وقع بهذا اللفظ وقع بائنا.(3/319)
مطلب فيما قال: امرأته طالق وله امرأتان أو أكثر تطلق واحدة وفي الخانية: امرأته طالق وله امرأتان معروفتان له أن يصرف الطلاق إلى أيتهما شاء، ولم يحك خلافا، فظهر أن التصحيح في غير الصريح كحلال المسلمين ونحوه، لكونه يعم كل زوجة لا كما زعم في الدرر اه كلام المنح ملخصا.
وسيأتي في الايلاء عن النهر أن قول الزيلعي هنا: والمسألة بحالها: يعني التحريم، لا بقيد أنت علي حرام مخاطبا لواحدة، بل يجب فيه أن لا يقع إلا على المخاطبة اه.
أقول: والحاصل أنه لا خلاف في امرأته طالق أن له أن يصرفه إلى أيتهما شاء، خلافا لما في الدرر، وفي أنت علي حرام أنه لا يقع إلا على المخاطبة فقط، خلافا لما يوهمه كلام الزيلعي، وإنما الخلاف فيما يعم كل زوجة على سبيل الاستغراق، فاختار الاوزجندي أنه لا يقع إلا على
واحدة فله صرفه إلى أيتهما شاء نظرا إلى أنه لفظ مفرد، واختار المحقق ابن الهمام أنه يقع على الكل لاستغراقه، وهذا هو الظاهر، ويدل على أن محل الخلاف ما قلنا إنه في الذخيرة حكاه في حلال المسلمين علي حرام، وهو صريح تعليل الفتح.
والظاهر أنه لا خلاف في كل حل علي حرام، لانه بعد التصريح بأداة العموم لا يمكن حمله على فرد خاص، بخلاف العموم المستفاد من الاضافة، ويظهر لي أن عدم الخلاف في الصريح لا لخصوص صراحته بل لكونه بلفظ امرأتي الذي عمومه بدلي: أي صادق على واحدة لا بعينها أي واحدة كانت، مثل قوله: إحداهن طالق حتى لو كان الصريح بلفظ عمومه استغراقي مثل: حلال الله طالق أو من يحل لي طالق أو من في عقد نكاحي طالق، جرى فيه الخلاف المذكور، وكان فيه ترجيح ابن الهمام أظهر، ويظهر من هذا أن قوله: امرأتي حرام لا يتأتى فيه خلاف المذكور، لما علمت من أن عمومه بدلي لا استغراقي فهو مثل امرأتي طالق، وبه ظهر أن حمل الشارح تصحيح الزيلعي على امرأتي حرام غير مناسب للمقام، وقوله: كما حرره المصنف الخ فيه أنه مخالف لما قدمناه عن المصنف من قوله: فظهر أن الصحيح في غير الصريح كحلال المسلمين ونحوه لكونه يعم كل زوجة فالذي حرره المصنف هو الحمل على العام الاستغراقي كما اختاره ابن الهمام، فافهم.
ويظهر مما قررناه أيضا أن قوله: علي الطلاق كما هو الشائع في زماننا مثل قوله: امرأتي طالق، لان معناه كما مر إن فعلت كذا لزم الطلاق ووقع.
ولا يخفى أن هذا محتمل لان يكون المراد لزم الطلاق من امرأة أو من أكثر ولا ترجيح لاحدهما على الآخر، فينبغي أن يثبت له صرفه إلى من شاء، وينبغي أن يكون قوله علي الحرام كذلك، لان معناه: إن فعل كذا فامرأته حرام عليه.
تنبيه: لا فرق في ذلك بين المعلق والمنجز، وكذا لا فرق بين حلفه مرة أو أكثر، فله صرف الاكثر إلى واحدة.
ففي البزازية عن فوائد شيخ الاسلام قال: حلال الله عليه حرام إن فعل كذا وفعله وحلف بطلاق امرأته إن فعل كذا وفعله وله امرأتان فأراد أن يصرف هذين الطلاقين في واحدة منهما أشار في الزيادات إلى أنه يملك ذلك اه.
لكن إذا بانت إحداهما قبل وقوع الثاني ليس له صرفه إليها.
ففي البزازية أيضا من كتاب الايمان: إن فعلت كذا فامرأته طالق وله امرأتان أو أكثر طلقت(3/320)
واحدة وإليه البيان وإن طلق إحداهما بائنا أو رجعيا ومضت عدتها ثم وجد الشرط تعينت الاخرى للطلاق وإن كان لم تنقض العدة فالبيان إليه اه.
بقي شئ، وهو ما لو كان الطلاق ثلاثا فهل له أو يوقع على كل واحدة طلقة أم لا بد أن يجمع الثلاث على واحدة؟ وعلى الاول فهل تكون كل واحدة من الثلاث بائنة لئلا يلغو وصف البينونة وهي صفة الاصل، أو تكون رجعية نظرا للواقع؟ ورأيت بخط شيخ مشايخنا السائحاني عن المنية: لو كان لرجل ثلاث نساء فقال امرأتي ثلاث تطليقات يقع ثلاث لكل واحدة، وعند أبي حنيفة: لكل واحدة منهن طلاقا بائن وهو الاصح اه.
وفيه مخالفة لما قدمناه من أنه لا خلاف في أن له صرفه إلى من شاء.
فليتأمل.
قوله: (قال لنسائه الخ) وجه وقوع الواحدة في هذه الصور أن بعض الطلقة طلقة كما مر، فيصيب كل واحدة في إيقاع طلقة بينهن ربعها، وفي طلقتين نصف طلقة، وفي ثلاث ثلاثة أرباع طلقة، وفي أربع طلقة كاملة.
قوله: (فتطلق كل واحدة ثلاثا) أي إلا في التطليقتين، فيقع على كل واحدة منهن طلقتان، كذا في كافي الحاكم الشهيد ومثله في الفتح والبحر.
قوله: (يقع على كل واحدة طلاقان الخ) لانه يصيب كل واحدة منهن في الخمس طلقة وربع طلقة، وفي الست طلقة ونصف، وفي السبع طلقة وثلاثة أرباع، وفي الثمان طلقتان، وهذا حيث لا نية له كما في الكافي والفتح احترازا عما إذا نوى قسمة كل واحدة بينهن فإنه يقع على كل واحدة ثلاث.
قوله: (ثلاثا) لانه يصيب كل واحدة من الثمانية طلقتان وتقسم التاسعة منهن، فيقع على كل طلقة ثالثة.
قوله: (ومثله) أي مثل بين.
قال في الفتح: فلفظ بين ولفظ الاشراك سواء، بخلاف ما لو طلق امرأتين كل واحدة واحدة ثم قال لثالثة أشركتك فيما أوقعت عليهما يقع عليها تطليقتان اه.
وتمامه عند قوله في الباب السابق: ولو قال أنت طالق ثلاثة أنصاف تطليقة.
قوله: (امرأتي طالق امرأتي طالق) مثل ما لو قال وامرأتي بالعطف كما في الذخيرة: قوله: (لصحة تفريق الطلاق الخ) كذا علل في البحر بعد نقله المسألة عن
الذخيرة: أي لان المدخولة محل لايقاع الثانية بسبب العدة، فله إيقاع الطلاقين عليها، بخلاف غير المدخولة لانها بانت بالاول فلا يصدق في إرادته لها بالثاني، كما لو كان طلق المدخولة بائنا أو رجعيا وانقضت عدتها، فلا تصح إرادتها بالاول ولا بالثاني كما يعلم مما نقلناه قريبا عن البزازية.
بقي، ما إذا كانت إحداهما مدخولا بها فقط وهي في نكاحه، فإن أرادها بالطلاقين صح، وإن أراد غير المدخول بها لا يصدق في الثاني لانها لم تبق امرأته، بل الثانية امرأته فيقع عليها الثاني كما هو ظاهر.
قوله: (ولم يسم) أما لو سماها باسمها فكذلك بالاولى، ويقع على التي عناها أيضا لو(3/321)
كانت زوجته.
قال في البزازية: ولو قال فلانة بنت فلان طالق ثم قالت أردت امرأة أخرى أجنبية بذلك الاسم والنسب لا يصدق ويقع على امرأته، بخلاف ما إذا أقر بمال لمسمى فادعى رجل أنه هو وأنكر يصدق بالحلف ما له على هذا المال لا ما هو فلان، وكذا لو قال زينب طالق وهو اسم امرأته ثم قال أردت به غير امرأتي لا يصدق ويقع عليهما إن كانتا زوجة له، وكذا لو نسبها إلى أمها أو أختها أو ولدها وهي كذلك، ولو حلف إن خرج من المصر فامرأته عائشة كذا واسمها فاطمة لا تطلق إذا خرج اه.
قوله: (استحسانا) كذا في البحر عن الظهيرية، ومثله في الخانية ومقتضاه أن القياس خلافه تأمل قوله: (كلتاهما معروفة) احتراز عما لو كانت إحداهما معروفة فقط وهو المسألة التي قبلها، وأما المجهولتان فكالمعروفتين، ثم هذه المسألة كما قال ح مكررة مع قوله: ولو قال امرأتي طالق وله امرأتان أو ثلاث.
قوله: (ولم يحك خلافا) رد على صاحب الدرر كما مر تقريره.
قوله: (كرر لفظ الطلاق) بأن قال للمدخولة: أنت طالق أنت طالق أو قد طلقتك قد طلقتك أو أنت طالق قد طلقتك أو أنت طالق وأنت طالق، وإذا قال: أنت طالق ثم قيل له ما قلت؟ فقال: قد طلقتها أو قلت هي طالق فهي طالق واحدة لانه جواب، كذا في كافي الحاكم.
قوله: (وإن نوى التأكيد دين) أي ووقع الكل قضاء، وكذا إذا طلق أشباه: أي بأن لم ينو استئنافا ولا تأكيدا، لان الاصل عدم التأكيد.
قوله: (وإلالا) أي بأن قصد النداء أو أطلق فلا يقع على المعتمد أشباه في العاشر من مباحث النية، وذكر قبله في التاسع أنه فرق المحبوبي في التلقيح بين الطلاق فلا يقع
بين العتق فيقع، وهو خلاف المشهور اه.
قلت: وفي عبارة الاشباه قلت: لان المحبوبي فرق بأن الحر اسم صالح للتسمية وهو اسم لبعض الناس، بخلاف طالق أو مطلقة فالنداء به يقع على إثبات المعنى فتطلق، بخلاف الحر، ويوافقه ما في الخلاصة: أشهد أن اسم عبده حر ثم دعاه يا حر لا يعتق، ولو سمى امرأته طالقا ثم دعاها يا طالق تطلق.
قوله: (قال لامرأته هذه الكلبة طالق طلقت الخ) لما قالوا: من أنه لا تعتبر الصفة والتسمية مع الاشارة، كما لو كان له امرأة بصيرة فقال امرأته هذه العمياء طالق وأشار إلى البصيرة تطلق، ولو رأى شخصا ظن أنه امرأته عمرة فقال يا عمرة أنت طالق ولم يشر إلى شخصها فإذا الشخص غير امرأته تطلق، لان المعتبر عند عدم الاشارة الاسم وقد وجد كما في الخانية، وقدمنا بسط الكلام على مسألة الاشارة والتسمية في باب الامامة.
قوله: (وعنى الاخبار كذبا الخ) قدمنا الكلام عليه في أول الاطلاق.
قوله: (على ذلك) أي على أنه يخبر كذبا.
قوله: (وكذا المظلوم إذا أشهد الخ) أقول: التقييد بالاشهاد إذا كان مظلوما غير لازم، ففي الاشباه: وأما نية تخصيص العام في اليمين فمقبولة ديانة اتفاقا وقضاء عند الخصاف، والفتوى على قوله: إن كان الحالف(3/322)
مظلوما، كذلك اختلفوا هل الاعتبار لنية الحالف أو المستحلف؟ والفتوى على نية الحالف إن كان مظلوما لا إن كان ظالما، كما في الولوالجية والخلاصة اه.
قلت:.
وفي حواشيه عن مآل الفتاوى: التحليف بغير الله تعالى ظلم، والنية نية الحالف وإن كان المستحلف محقا.
قوله: (أنه يحلف) متعلق بأشهد ح.
قوله: (قال فلانة) أي زينب مثلا، وقوله: واسمها كذلك: أي زينب وضمير غيره عائد إليه.
أفاده ح: قوله: (وعلى هذا الخ) أي لان المعتبر الاسم عند عدم الاشارة كما ذكرناه آنفا، وهذا الفرع منقول ذكرناه قريبا عن البزازية، فافهم.
قوله: (وينبغي الجزم بوقوعه قضاء وديانة) ولا شبهة في كونه رجعيا لا بائنا لاتفاق المذاهب كلها على وقوع الرجعي بأنت طالق، وتمامه في الخيرية، وكذا أنت طالق على مذهب اليهود والنصارى كما أفتى به الخير الرملي أيضا، وكذا أنت طالق لا يردك قاض ولا عالم، أو أنت تحلي للخنازير وتحرمي علي فيقع بالكل طلقة رجعية كما قدمناه قبل هذا الباب.
قوله: (في قول الفقهاء الخ) وكذا في قول
القضاة أو المسلمين أو القرآن فتطلق قضاء ولا تطلق ديانة إلا بالنية.
خانية.
لكن في الفتح أول الطلاق: ولو قال طالق في كتاب الله أو بكتاب الله أو معه، فإن نوى طلاق السنة وقع في أوقاتها، وإلا وقع في الحال، لان الكتاب يدل على الوقوع للسنة والبدعة فيحتاج إلى النية، ولو قال: علي الكتاب أو به أو على قول القضاة أو الفقهاء أو طلاق القضاة أو الفقهاء فإن نوى السنة دين، وفي القضاء يقع في الحال، لان قول القضاة والفقهاء يقتضي الامرين، فإذا خصص دين ولا يسمع في القضاة لانه غير ظاهر اه.
فتأمل.
قوله: (قال نساء الدنيا الخ) في الاشباه علل عتق الخانية: رجل قال: عبيد أهل بغداد أحرار ولينو عبده وهو من أهلها، أو قال كل عبيد أهل بغداد أو كل عبد في الارض أو في الدنيا، قال أبو يوسف: لا يعتق عبده، وقال محمد: يعتق، وعلى هذا الخلاف الطلاق والفتوى على قول أبي يوسف.
ولو قال: كل عبد في هذه السكة أو في المسجد الجامع حر فهو على هذا الخلاف، ولو قال: كل عبد في هذه الدار وعبيده فيها عتقوا في قولهم، لا لو قال ولد آدم كلهم أحرار في قولهم اه.
وهو صريح في جريان الخلاف في المحلة كالبلدة لانها بمعنى السكة، لكن ذكر في الذخيرة أولا الخلاف في: نساء أهل بغداد طالق، فعند أبي يوسف ورواية عن محمد لا تطلق إلا أن ينويها، لان هذا أمر عام.
وعن محمد أيضا تطلق بلا نية.
ثم نقل عن فتاوى سمرقند أن في القرية اختلاف المشايخ، منهم من ألحقها بالبيت والسكة، ومنهم من ألحقها بالمصر اه.
ومقتضاه عدم الخلاف في السكة، ثم علل عدم الوقوع في المصر وأهل الدنيا، بأنه لو(3/323)
وقع به لكان إنشاء في حقه فيكون إنشاء أيضا في حقهم وهو متوقف على إجازتهم وهي متعذرة.
قوله: (فقال فعلت) أي طلقت بقرينة الطلب.
قوله: (فواحدة إن لمك ينو الثلاث) أي بأن نوى الواحدة أو لم ينو شيئا لانه بدون العطف يحتمل تكرير الاول ويحتمل الابتداء فأي ذلك نوى الزوج صحت نيته، كذا في عيون المسائل.
وفي المنتقى أنه تقع الثلاث ولم يشترط نية الزوج.
ذخيرة.
قوله: (ولو عطفت بالواو فثلاث) لانه قرينة التكرار فيطابقه الجواب.
وفي الخانية: قالت له طلقني ثلاثا فقال فعلت، أو قال طلقت وقعن، ولو قال مجيبا لها: أنت طالق أو فأنت طالق تقع واحدة اه.
أي
وإن نوى الثلاث.
والفرق أن طلقني أمر بالتطليق، وقوله: طلقت تطليق فصح جوابا، والجواب يتضمن إعادة ما في السؤال، بخلاف أنت طالق فإنه إخبار عن صفة قائمة بالمحل، وإنما يثبت التطليق اقتضاء تصحيحا للوصف والثابت اقتضاء ضروري فيثبت التطليق في حق صحة هذا الوصف لا في حق كونه جوابا، فبقي أنت طالق كلاما مبتدأ وأنه لا يحتمل الثلاث.
أفاده في الذخيرة.
قوله: (اعتبارا بالانشاء) لانه يملك إنشاء الطلاق عليها فيملك الاجازة التي هي أضعف بالاولى.
(شرح تلخيص الجامع) للفارسي.
قوله: (إذا نوى) صوابه إذا نويا بضمير المثنى كما هو في تلخيص الجامع.
قال الفارسي في شرحه: وكذا لو قالت المرأة أبنت نفسي فقال الزوج أجزت لما قلنا، لكن بشرط نية الزوج والمرأة الطلاق، وتصح هنا نية الثلاث.
أما اشتراط نية الزوج فلان لفظ البينونة من كنايات الطلاق، وأما نية المرأة فلم يذكر محمد في الكتاب وقالوا: يجب أن يشترط حتى يقع التصرف تطليقا فيتوقف على الاجازة، وأما بدون نيتها يقع إخبارا عن بينونة الشخص أو بينونة شئ آخر، كما لو كان من جانب الزوج فلا يحتمل الاجازة فلا يتوقف، وأما صحة نية الثلاث فلما عرف من احتمال لفظ هذه الكناية الثلاث اه.
قوله: (بخلاف الاول) لان قوله أجزت بمنزلة قوله: طلقت، فلا يحتاج إلى نية ولا تصح في نية الثلاث ح.
قوله: (وفي اخترت لا يقع الخ) أي لو قالت المرأة اخترت نفسي منك فقال الزوج أجزت ونوى الطلاق لا يقع شئ، لان قولها اخترت لم يوضع للطلاق لا صريحا ولا كناية، ولهذا لو أنشأ بنفسه فقال لها اخترتك أو اخترت نفسك ونوى الطلاق لم يقع شئ، لانه نوى ما لا يحتمله لفظه ولا عرف في إيقاع الطلاق به إلا إذا وقع جوابا لتخيير الزوج إياها في الطلاق.
شرح التلخيص.
قوله: (من كانت امرأته عليه حرام) كذا في بعض النسخ برفع حرام والصواب ما في أكثر النسخ من النصب لانه خبر كان.
قوله: (فهو إقرار منه بحرمتها) عبارة البزازية: قال في المحيط: فهذا إقرار منه بحرمتها عليه في الحكم اه.
وأفاد قوله في الحكم: أي في القضاء أنها لا تحرم ديانة إذا لم يكن حرمها من قبل، كما لو أخبر بطلاقها كاذبا.
لا يقال: إن هذه تصلح لغزا لانه وقع الطلاق بلا لفظ أصلا لا صريح ولا كناية وبلا ردة(3/324)
وإباء، لانا نقول: هذا إقرار عن تحريم منه سابق لا إنشاء طلاق في الحال بغير لفظ، نعم يقال هذا إقرار بغير لفظ بل بالفعل، وقد صرحوا بأن الاقرار قد يكون بالاشارة وقد يكون بلا لفظ ولا فعل كالسكوت في بعض المواضع، فافهم.
قوله: (وقيل لا) بناء على أن هذا الفعل لا يكون إقرارا فافهم.
قوله: (وسئل الخ) تأييد لما قبله، وبيان لعدم الفرق بين الفعل من واحد أو أكثر وبين التحريم المفيد البائن والتطليق المفيد الرجعي.
قوله: (طلقن) أي طلق نساء كل من المصفقين بناء على أن هذا التصفيق إقرار.
قوله: (ثم تكلم الحالف) سكت عما إذا تكلم غيره، والظاهر أنه لا يقع لان تعليق المتكلم لا يسري حكمه إلى غيره، إلا إذا قال الغير: وأنا كذلك مثلا، وأما الفرعان السابقان فجعلا من الاقرار لا الانشاء، والتعليق إنشاء ط.
قلت: يؤيده ما في أيمان البزازية: جماعة كان يصفع بعضهم بعضا فقال واحد منهم من صفع صاحبه بعده فامرأته طالق فقال واحد هلا ثم صفع القائل صاحبه لا يقع، لان هلا ليس بيمين اه.
وهلا كلمة فارسية.
قوله: (والحالف لا يخرج نفسه عن اليمين) أشار بهذا إلى أن دخول الحالف هنا في عموم كلامه لقرينة إن قلنا إن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه.
وفي التحرير أن دخوله قول الجمهور، والله تعالى أعلم.
باب الكنايات لما فرغ من أحكام الصريح الذي هو الاصل في الكلام لما أنه موضوع للافهام والصريح أدخل فيه شرع في الكنايات وهو مصدر كنا يكنو: إذا ستر.
نهر.
قوله: (كنايته عند الفقهاء) أي كناية الطلاق المرادة في هذا المحل، وإلا فمعناها عندهم مطلقا كالاصوليين: ما استتر المراد منه في نفسه.
قال في النهر: وخرج بالاخير ما استتر المراد في الصريح بواسطة نحو غرابة اللفظ، أو انكشف المراد في الكناية بواسطة التفسير، والصريح والكناية من أقسام الحقيقة والمجاز، فالحقيقة التي لم تهجر صريح، والمهجورة التي غلب معناها المجاز كناية، والمجاز الغالب الاستعمال صريح
وغير الغالب كناية اه ح.
قوله: (ما لم يوضع له الخ) أي بل وضع لما هو أعم منه ومن حكمه، لان ما سوى الثلاث الرجعية الآتية لم يرد به الطلاق أصلا، بل هو حكمه من البينونة من النكاح، وعليه ففي قوله: واحتمله تساهل، والمراد احتمله متعلقا لمعناه، أفاده في الفتح، وأشار به إلى عدم حصرها، ولذلك قال في شرح الملتقى: ثم ألفاظ الكناية كثيرة ترتقي إلى أكثر من خمسة وخمسين لفظا على ما في النظم والنتف وزيد وغيرها فتنبه اه.
ومنها: عديت عنها فيقع به البائن بالنية كما أفتى به الشيخ إسماعيل الحائك.
قلت ومنها أنت خالصة المستعمل في زماننا فإنه في معنى(3/325)
خلية وبرية.
تأمل.
وفي البزازية: قال لآخر: إن كنت تضربني لاجل فلانة التي تزوجتها فإني تركتها فخذها ونوى الطلاق تقع واحدة بائنة.
تنبيه: أفتى بعض المتأخرين بأن منها: علي يمين لا أفعل كذا ناويا الطلاق، فتقع به واحدة بائنة لقولهم: الكناية ما احتمل الطلاق وغيره، ورده عصريه السيد محمد أبو السعود في حاشية مسكين بأنه لا يلزمه إلا كفارة يمين، لان ما ذكروه في تعريف الكناية ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بلفظ يصح خطابها به ويصلح لانشاء الطلاق الذي أضمره أو للاخبار بأنه أوقعه كأنت حرام، إذ يحتمل لاني طلقتك أو حرام الصحبة، وكذا بقية الالفاظ، وليس لفظ اليمين كذلك إذ لا يصح بأن يخاطبها بأنت يمين فضلا عن إرادة إنشاء الطلاق به أو الاخبار بأنه أوقعه، حتى لو قال أنت يمين لاني طلقتك لا يصح، فليس كل ما احتمل الطلاق من كنايته، بل بهذين القيدين ولا بد من ثالث هو كون اللفظ مسببا عن الطلاق وناشئا عنه كالحرمة في أنت حرام، ونقل في البحر عدم الوقوع، بلا أحبك لا أشتهيك لا رغبة لي فيك وإن نوى ووجهه أن معاني هذه الالفاظ ليست ناشئة عن الطلاق، لان الغالب الندم بعده فتنشأ المحبة والاشتهاد والرغبة، بخلاف الحرمة، فإذا لم يقع بهذه الالفاظ مع احتمال أن يكون المراد لاني طلقتك، ففي لفظ اليمين بالاولى، ولانهم قسموا الكناية ثلاثة أقسام كما يأتي: ما يصلح جوابا لسؤال الطلاق لا غير كاعتدي، وما يصلح جوابا وردا لسؤالها
كاخرجي، وما يصلح جوابا وسبا كخلية.
ولا شك أن هذا اللفظ غير صالح لشئ من الثلاثة، لانها إذا سألته الطلاق لا يصلح جوابها بقوله علي يمين لافعلن كذا، لا الجواب يكون بما يدل على إنشاء الطلاق إجابة لسؤالها كاعتدي، أو على عدمه ردالطلبها كاخرجي، أو سبا لها كخلية، وعلي يمين لا يدل على إنشاء الطلاق اه ملخصا مع زيادة، ثم قال: وبه ظهر أن ما نقل عن فتاوى الطوري إذا قال أيمان المسلمين تلزمني تطلق امرأته خطأ فاحش، وسمعت كثيرا من شيخنا أن فتاوى الطوري كفتاوى ابن نجيم لا يوثق بها إلا إذا تأيدت بنقل آخر اه.
واعترضه ط بأن علي يمين يحتمل الطلاق وغيره لانه يكون به وبالله تعالى، فحيث نوى الطلاق عملت نيته وكأنه قال علي الطلاق لا أفعل كذا، وتقدم أن علي الطلاق من التعليق المعنوي.
وما في فتاوى الطوري من تخصيصه بالطلاق للعرف كحلال المسلمين علي حرام اه.
أقول: والحاصل أن علي يمين ليس كناية لما مر، وليس صريحا أيضا لانه ما لا يستعمل إلا في الطلاق وهذا ليس كذلك، وهو ظاهر، لكن لفظ اليمين جنس من إفراده الحلف بالطلاق، فإذا عينه صار كأنه قال علي حلف بالطلاق لا أفعل كذا، وهو لو صرح بهذا المنوي صار حالفا به، والاعم إذا أريد به الاخص ثبت به حكم ذلك الاخص، والاخص هنا طلاق صريح فتقع به واحدة رجعية لا بائنة.
وفي أيمان البزازية من الفصل الثاني قال لي: حلف أو قال لي حلف بالطلاق أن لا أفعل كذا ثم فعل طلقت وحنث وإن كان كاذبا، وقدمنا في أول فصل الصريح عن جامع الفصولين: إن فعلت كذا تجري كلمة الشرع بيني وبينك ينبغي أن يصح اليمين علي الطلاق لانه متعارف بينهم فيه، وقدمنا(3/326)
هناك أيضا عن الذخيرة: لو قال لها ألف نون تاء طاء ألف لام قاف إن نوى الطلاق تطلق، لان هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من الصريح إلا أنها لا تستعمل كذلك فصارت كالكناية في الافتقار إلى النية، فهذا يدل على أنه لو أراد باليمين الطلاق يصح، ويقع به رجعية إذا حنث.
وأما أيمان المسلمين فإنه جمع يمين، والاضافة إلى المسلمين قرينة على أنه أراد جميع أنواع
الايمان التي يحلف بها المسلمون كاليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق المعلقين، وسيأتي لهذا زيادة بيان في كتاب الايمان إن شاء الله تعالى.
قوله: (قضاء) قيد به لانه يقع ديانة بدون النية، ولو وجدت دلالة الحال فوقوعه بواحد من النية أو دلالة الحال إنما هو في القضاء فقط كما هو صريح البحر وغيره.
قوله: (أو دلالة الحال) المراد بها الحالة الظاهرة المفيدة لمقصوده ومنها تقدم ذكر الطلاق.
بحر عن المحيط، ومقتضى إطلاقه هنا كالكنز أن الكنايات كلها يقع بها الطلاق بدلالة الحال.
قال في البحر: وقد تبع في ذلك القدوري والسرخسي في المبسوط، وخالفهما فخر الاسلام وغيره من المشايخ فقالوا: بعضها لا يقع بها إلا بالنية اه.
وأراد بهذا البعض ما يحتمل الرد كاخرجي واذهبي وقومي، لكن المصنف وافق المشايخ في التفصيل الآتي، فبقي الاعتراض على عبارة الكنز.
وأجاب عنه في النهر بما ذكره ابن كمال باشا في إيضاح الاصلاح بأن صلاحية هذه الصور للرد كانت معارضة لحال مذاكرة الطلاق فلم يبق الرد دليلا، فكانت الصورة المذكورة خالية عن دلالة الحال ولذلك توقف فيها على النية اه.
قوله: (وهي حالة مذاكرة الطلاق) أشار به إلى ما في النهر من أن دلالة الحال تعم دلالة المقال.
قال: وعلى هذا فتفسر المذاكرة بسؤال الطلاق أو تقديم الايقاع كما في اعتدي ثلاثا.
وقال قبله: المذاكرة أن تسأله هي أو أجنبي الطلاق.
قوله: (أو الغضب) ظاهره أنه معطوف على مذاكرة فيكون من دلالة الحال.
قوله: (فالحالات ثلاث) لما كان الغضب يقابله الرضا فهو مفهوم منه صح التفريع.
وفي الفتح: واعلم أن حقيقة التقسيم في الاحوال قسمان: حالة الرضا، وحالة الغضب.
وأما حالة المذاكرة فتصدق مع كل منهما، بل لا يتصور سؤالها الطلاق إلا في إحدى الحالتين لانهما ضدان لا واسطة بينهما.
قال في البحر بعد نقله: وبه علم أن الاحوال ثلاثة: حالة مطلقة عن قيدي الغضب والمذاكرة، وحالة المذاكرة، وحالة الغضب اه.
وفي النهر: وعندي أن الاولى هو الاقتصار على حالة الغضب والمذاكرة، إذ الكلام في الاحوال التي تؤثر فيها الدلالة مطلقا.
ثم رأيته في البدائع بعد أن قسم الاحوال ثلاثة قال: ففي حالة
الرضا يدين في القضاء وإن كان في حالة مذاكرة الطلاق أو الغضب، فقد قالوا: إن الكنايات أقسام ثلاثة الخ.
وهذا هو التحقيق اه.
قوله: (والكنايات ثلاث الخ) حاصله أنها كلها تصلح للجواب: أي إجابته لها في سؤالها الطلاق منه، لكن منها قسم يحتمل الرد أيضا: أي عدم إجابة سؤالها، كأنه قال لها لا تطلبي الطلاق فإني لا أفعله، وقسم يحتمل السب والشتم لها دون الرد، وقسم لا يحتمل الرد ولا السب بل يتمحض للجواب كما يعلم من القهستاني وابن الكمال، ولذا عبر بلفظ يحتمل.
وفي أبي السعود عن الحموي أن الاحتمال إنما يكون بين شيئين يصدق بهما اللفظ الواحد(3/327)
معا، ومن ثم لا يقال يحتمل كذا أو كذا كما نبه عليه العصام في شرح التلخيص من بحث المسند إليه.
قوله: (فنحو اخرجي واذهبي وقومي) أي من هذا المكان لينقطع الشر فيكون ردا، أو لانه طلقها فيكون جوابا.
رحمتي.
ولو قال: فبيعي الثوب لا يقع، وإن نوى عند أبي يوسف لان معناه عرفا لاجل البيع، فكان صريحه خلاف المنوي، ووافقه زفر.
نهر.
ولو قال: اذهبي فتزوجي بالفاء أو الواو فسيأتي الكلام عليه في الفروع.
قوله: (تقنعي تخمري استتري) أمر بأخذ القناع: أي الخمار على الوجه، ومثله تخمري وأمر بالاستتار.
قال في البحر: أي لانك بنت وحرمت علي بالطلاق أو لئلا ينظر إليك أجنبي اه.
فهو على الاول جواب، وعلى الثاني رد.
وفي البحر عن شرح قاضيخان: لو قال استتري مني خرج عن كونه كناية اه.
وهل المراد عدم الوقوع به أصلا أو أنه يقع بلا نية؟ والظاهر الثاني، وعليه فهل الواقع بائن أو رجعي.
والظاهر البائن، لكون قوله: مني قرينة لفظية على إرادة الطلاق بمنزلة المذاكرة.
تأمل.
قوله: (انتقلي انطلقي) مثل اخرجي، وقد تقدم ح.
قوله: (من الغربة) بالغين المعجمة والراء راجع للاول، وقوله: أو من العزوبة بالمهملة والزاي راجع للثاني، من عزب عني فلان يعزب: أي فمعناه أيضا تباعدي ح بزيادة، ففيه ما في اخرجي أيضا من الاحتمالين.
قوله: (يحتمل ردا) أي ويصلح جوابا أيضا ولا يصلح سبا ولا شتما ح.
قوله: (خلية) بفتح الخاء المعجمة فعيلة بمعنى فاعلة: أي خالية إما عن النكاح أو عن الخير ح: أي فهو على الاول جواب، وعلى الثاني سب وشتم، ومثله ما يأتي.
قوله: (برية) بالهمزة
وتركه، أي منفصلة إما عن قيد النكاح أو حسن الخلق ح.
قوله: (حرام) من حرم الشئ بالضم حراما امتنع، أريد بها هنا الوصف، معناه الممنوع فيحمل على ما سبق، وسيأتي وقوع البائن به بلا نية في زماننا للتعارف، لا فرق في ذلك بين محرمة وحرمتك، سواء قال علي أو لا، أو حلال المسلمين علي حرام، وكل حل علي حرام، وأنت معي في الحرام، وفي قوله حرمت نفسي لا بد أن يقول عليك، وأورد أنه إذا وقع الطلاق بهذه الالفاظ بلا نية ينبغي أن يكون كالصريح في أعقابه الرجعية.
وأجيب بأن المتعارف إنما هو إيقاع البائن لا الرجعي، حتى لو قال لم أنو لم يصدق، ولو قال مرتين ونوى بالاولى واحدة وبالثانية ثلاثا صحت نيته عند الامام، وعليه الفتوى كما في البزازية.
ح عن النهر.
قلت: لكن عبارة البزازية: قال لامرأتيه أنتما علي حرام، ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الاخرى صحت نيته عند الامام، وعليه الفتوى.
ثم اعلم أن ما ذكره من الايراد والجواب مذكور في البزازية أيضا، ومقتضى الجواب وقوع الرجعي به في زماننا، لانه لم يتعارف إيقاع البائن به، فإن العامي الجاهل الذي يحلف بقوله علي الحرام لا أفعل كذا لا يميز بين البائن والرجعي، فضلا عن أن يكون عرفه إيقاع البائن به، وإنما المعروف عنده أن من حنث بهذا اليمين يقع عليه الطلاق مثل قوله: علي الطلاق لا أفعل كذا، وقد مر أن الوقوع بقوله: علي الطلاق إنما هو للعرف لانه في حكم التعليق، وكذا علي الحرام، وإلا فالاصل عدم الوقوع أصلا كما في طلاقك علي كما تقدم تقريره، فحيث كان الوقوع بهذين اللفظين للعرف ينبغي أن يقع بهما المتعارف بلا فرق بينهما، وإن الحرام في الاصل كناية يقع بها البائن، لانه(3/328)
لما غلب استعماله في الطلاق لم يبق كناية، ولذا لم يتوقف على النية أو دلالة الحال، ولا شئ من الكناية يقع به الطلاق بلا نية أو دلالة الحال كمصرح به في البدائع.
ويدل على ذلك ما ذكره الرازي عقب قوله في الجواب المار إن المتعارف به إيقاع البائن لا الرجعي، حيث قال ما نصه: بخلاف فارسية قوله سرحتك وهو رهاء كردم لانه صار صريحا في العرف على ما صرح به نجم
الزاهدي الخوارزمي في شرح القدوري اه.
وقد صرح البزازي أولا بأن: حلال الله علي حرام بالعربية أو الفارسية لا يحتاج إلى نية، حيث قال: ولو قال حلال أيزدبروي أو حلال الله عليه حرام لا حاجة إلى النية، وهو الصحيح المفتى به للعرف وأنه يقع به البائن لانه المتعارف ثم فرق بينه وبين سرحتك، فإن سرحتك كناية لكنه في عرف الفرس غلب استعماله في الصريح، فإذا قال رها كردم أي سرحتك يقع به الرجعي مع أن أصله كناية أيضا، وما ذاك إلا لانه غلب في عرف الناس استعماله في الطلاق، وقد مر أن الصريح ما لم يستعمل إلا في الطلاق من أي لغة كانت، لكن لما غلب استعمال حلال الله في البائن عند العرب والفرس وقع به البائن لولا ذلك لوقع به الرجعي.
والحاصل أن المتأخرين خالفوا المتقدمين في وقوع البائن بالحرام بلا نية حتى لا يصدق إذا قال: لم أنو لاجل العرف الحادث في زمان المتأخرين، فيتوقف الآن وقوع البائن به على وجود العرف كما في زمانهم.
وأما إذا تعورف استعماله في مجرد الطلاق لا بقيد كونه بائنا يتعين وقوع الرجعي به كما في فارسية سرحتك، ومثله ما قدمناه في أول باب الصريح من وقوع الرجعي بقوله: سن بوش أو بوش أو في لغة الترك مع أن معناه العربي أنت خلية، وهو كناية، لكنه غلب في لغة الترك استعماله في الطلاق، هذا ما ظهر لفهمي القاصر، ولم أر أحدا ذكره وهي مسألة مهمة كثيرة الوقوع، فتأمل.
ثم ظهر لي بعد مدة ما عسى يصلح جوابا، وهو أن لفظ حرام معناه عدم حل لوطئ ودواعيه، وذلك يكون بالايلاء مع بقاء العقد وهو غير متعارف، ويكون بالطلاق الرافع للعقد، وهو قسمان: بائن، ورجعي، لكن الرجعي لا يحرم الوطئ فتعين البائن، وكونه التحق بالصريح للعرف لا ينافي وقوع البائن به، فإن الصريح قد يقع به البائن كتطليقة شديدة ونحوه، كما أن بعض الكنايات قد يقع به الرجعي، مثل اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة.
والحاصل أنه لما تعورف به الطلاق صار منعها تحريم الزوجة، وتحريمها لا يكون إلا بالبائن، هذا غاية ما ظهر لي في هذا المقام، وعليه فلا حاجة إلى ما أجاب به في البزازية من أن المتعارف به إيقاع البائن، لما علمت مما يرد عليه، والله سبحانه أعلم.
قوله: (بائن) من بان الشئ: انفصل: أي منفصلة من وصلة النكاح أو عن الخير ح.
قوله: (كبتة) من البت بمعنى القطع، فيحتمل ما احتمله البائن،
وأوجب سيبويه فيه الالف واللام، وأجاز الفراء إسقاطهما، أو بتلة من البتل وهو الانقطاع، وبه سميت مريم لانقطاعها عن الرجال، وفاطمة الزهراء لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا، وقيل عن الدنيا إلى ربها، وفيه من الاحتمال ما مر.
ح من النهر.
قوله: (يصلح سبا) أي ويصلح جوابا أيضا ولا يصلح ردا ح.
ومثله في النهر وابن الكمال والبدائع، خلافا لما يظهر من البحر من أنه يصلح للرد أيضا.
قوله: (اعتدي) أمر بالاعتداد الذي هو من العدة أو من العد: أي اعتدي نعمي عليك.
بدائع.
قوله: (واستبرئي) أمر بتعرف براءة الرحم وهي طهارتها من الماء، وأنه كناية عن الاعتداد الذي هو من(3/329)
العدة.
ويحتمل استبرئي لاطلقك.
بدائع.
قوله: (أنت واحدة أي طالق تطليقة واحدة.
ويحتمل أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا أو ذما، فإذا نوى الاول فكأنه قاله.
مطلب لا اعتبار بالاعراب هنا ولا اعتبار باعراب الواحدة عند عامة المشايخ، وهو الاصح، لان العوام لا يميزون بين وجوهه والخواص لا يلتزمونه في مخاطبتهم، بل تلك صناعتهم والعرف لغتهم، ولذا ترى أهل العلم في مجاري كلامهم لا يلتزمونه، على أن الرفع لا ينافي الوقوع لاحتمال أن يريد أنت طلقة واحدة، فجعلها نفس الطلقة مبالغة كرجل عدل، لكن قد اعتبروا الاعراب في الاقرار فيما لو قال له علي درهم غير دانق رفعا ونصبا فيطلب الفرق، وكأنه عملا بالاحتياط في البابين، فتدبره.
وتمامه في قوله: (النهر).
قوله: (أنت حرة) أي لبراءتك من الرق أو من رق النكاح، وأعتقتك مثل أنت حرة كما في الفتح، وكذا كوني حرة أو اعتقي كما في البدائع.
نهر.
قوله: (اختاري أمرك بيدك) كنايتان عن تفويض الطلاق: أي اختاري نفسك بالفراق أو في عمل، أو أمرك بيدك في الطلاق أو في تصرف آخر.
وفي النهر عن الحواشي السعدية: وهذا لا يناسب ذكره في هذا المقام، ولقد وقع بسبب ذلك خطأ عظيم من بعض المفتين، فزعم أنه يقع به الطلاق وأفتى به وحرم حلالا، ونعوذ بالله من ذلك اه.
وقد نبه عليه الشارح عنه قوله: خلا اختاري ح.
أي حيث ذكر أنه لا يقع بهما الطلاق ما
لم تطلق المرأة نفسها: أي مع نية الزوج تفويض الطلاق لها أو دلالة الحال من غضب أو مذاكرة، كما يأتي في الباب الآتي ويعلم مما هنا.
قوله: (سرحتك) من السراح بفتح السين: وهو الارسال: أي أرسلتك لاني طلقتك أو لحاجة لي، وكذا فارقتك لاني طلقتك أو في هذا المنزل.
نهر.
قوله: (لا يحتمل السب والرد) أي بل معناه الجواب فقط ح: أي جواب طلب الطلاق: أي التطليق.
فتح.
قوله: (تأثيرا) تمييز محول عن الفاعل: أي يتوقف تأثير الاقسام الثلاثة على نية ط.
قوله: (للاحتمال) لما ذكرنا من أن كل واحدة من الالفاظ يحتمل الطلاق وغيره والحال لا تدل على أحدهما فيسأل عن نيته ويصدق في ذلك قضاء.
بدائع.
قال ط.
فإن قلت: إن ما يصلح جوابا ينبغي الوقوع به وإن لم تكن نية.
قلت: ليس المراد بكونه جوابا أنه جواب لتحصيل الطلاق، بل هو جواب لكلامها بغير السئؤال، أما إذا تكلمت بسؤال الطلاق فقد حصلت المذاكرة، وفيها لا يتوقف على النية إلا الاول كما يأتي اه.
قلت: لكنه مخالف لما ذكرناه آنفا عن الفتح من تفسيره المحتمل للجواب بأنه جواب طلب الطلاق: أي التطليق، فالاولى الجواب عن الايراد بأن يقال: إن نحو اعتدى يتمحض للتطليق إجابة لسؤالها: أنه إن كانت هناك سؤال الطلاق تمحض للتطليق، ولا يلزم وجود سؤال الطلاق في جميع الحالات، لانه قد تكون الحالة حالة رضا فقط أو حالة غضب فقط بدون سؤال الطلاق، ومع ذلك لا يخرج نحو اعتدي عن كونه متمحضا للجواب، بمعنى أنه لو كان سؤال لتمحض جوابا له، ولذا يقع بلا توقف على نية في حالة الغضب المجردة عن السؤال.
تأمل.
قوله: (بيمينه) فاليمين لازمة(3/330)
له سواء ادعت الطلاق أم لا حقا لله تعالى.
ط عن البحر.
قوله: (فإن نكل) أي عند القاضي، لا النكول عند غيره لا يعتبر ط.
قوله: (توقف الاولان) أي ما يصلح ردا وجوابا، وما يصلح سبا وجوابا ولا يتوقف ما يتعين للجواب.
بيان ذلك أن حالة الغضب تصلح للرد والتبعيد وللسب والشتم كما تصلح للطلاق، وألفاظ الاولين يحتملان ذلك أيضا، فصار الحال في نفسه محتملا للطلاق وغيره، فإذا عنى به غيره فقد نوى ما يحتمله كلامه ولا يكذبه الظاهر فيصدق في القضاء،
بخلاف ألفاظ الاخير: أي ما يتعين للجواب، لانها وإن احتملت الطلاق وغيره أيضا لكنها لما زال عنها احتمال الرد والتبعيد والسب والشتم اللذين احتملتهما حال الغضب تعينت الحال دالة على إرادة الطلاق فترجح جانب الطلاق في كلامه ظاهرا، فلا يصدق في الصرف عن الظاهر، فلذا وقع بها قضاء بلا توقف على النية، كما في صريح الطلاق إذا نوى به الطلاق عن وثاق.
قوله: (يتوقف الاول فقط) أي ما يصلح للرد والجواب، لان حالة المذاكرة تصلح للرد والتبعيد كما تصلح للطلاق دون الشتم، وألفاظ الاول كذلك، فإذا نوى بها الرد لا الطلاق فقد نوى محتمل كلامه بلا مخالفة للظاهر فتوقف الوقوع على النية، بخلاف ألفاظ الاخيرين فإنها وإن احتملت الطلاق لكنها لا تحتمل ما تحتمله المذاكرة من الرد والتبعيد، فترجح جانب الطلاق فلا يصدق في الصرف عنه، فلذا وقع بها قضاء بلا نية.
والحاصل أن الاول يتوقف على النية في حالة الرضا والغضب والمذاكرة.
والثاني في حالة الرضا والغضب فقط، ويقع في حالة المذاكرة بلا نية، والثالث يتوقف عليها في حالة الرضا فقط، ويقع في حالة الغضب والمذاكرة بلا نية، وقد نظمت ذلك بقولي: نحو اخرجي قومي اذهبي رد يصح خلية برية سبا صلح واستبرئي اعتدي جوابا قد حتم فالاول القصد له دوما لزم والثاني في الغضب والرضا انضبطلا الذكر والثالث في الرضا فقط ورسمتها في شباك لزيادة الايضاح بهذه الصورة: رد وجواب بسب وجواب جواب فقط اخرجي اذهبي خلية برية اعتدي استبرئي رضا تلزم النية تلزم النية تلزم النية غضب تلزم النية تلزم النية يقع بلا نية مذاكرة تلزم النية يقع بلا نية يقع بلا نية(3/331)
قوله: (لان مع الدلالة) اسم إن ضمير الشان محذوف.
قوله: (لانها) أي الدلالة.
قوله: بينتها)
أي المرأة.
قوله: (على الدلالة) أي الغضب أو المذاكرة.
قوله: (لا على النية) أي لو برهنت فيما يتوقف على نية الطلاق على أنه نوى لا تقبل.
قوله: (فلو السؤال بها يقع) يعني إذا قال السائل: قلت كذا هل يقع على الطلاق: يقول المفتي نعم إن نويت ح.
قوله: (ولو بكم يقع) يعني لو قال السائل: قلت كذا كم يقع على يقول له المفتي يقع واحدة، ولا يتعرض لاشتراط النية: يعني لا يقول له المفتي تقع واحدة إن نويت ح.
قوله: (وتقع رجعية) أي وإن نوى البائن ح.
قوله: (بقوله اعتدي) لانه من باب الاضمار: أي طلقتك فاعتدي أو اعتدي لاني طلقتك، ففي المدخول بها يثبت الطلاق وتجب العدة، وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة، كذا في التلويح، وتمامه في النهر.
قوله: (واستبرئي رحمك) قدمنا عن البدائع أنه كناية عن الاعتداد من العدة: فيقال فيه ما قلناه آنفا في اعتدي.
قوله: (وأنت واحدة) لانه إذا نوى الطلاق صار لفظ واحدة صفة لمصدر محذوف: اي طالق طلقة واحدة وصريح الطلاق يعقب الرجعة والمصدر وإن احتمل نية الثلاث، لكن التنصيص على الواحدة يمنع إرادة الثلاث.
قوله: (في الاصح) كذا صححه في الهداية وغيرها، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (فلا يرد الخ) أي إذا علمت أن الضمير في باقيها عائد إلى الالفاظ المذكورة في المتن، فلا يرد أن غيرها من ألفاظ الكنايات قد يقع به الرجعي من كل كناية كان فيها ذكر الطلاق، لكن جعلها في البحر داخلة بالاولى تحت الالفاظ الثلاثة الواقع بها الرجعي، لان علة وقوع الرجعي بها وجود الطلاق مقتضى أو مضمرا، فما ذكر فيها الطلاق يقع بها الرجعي بالاولى.
قوله: (نحو أنا برئ من طلاقك) أي يقع به الرجي إذا نوى.
فتح.
لكن في الجوهرة: ولو قال أنا برئ من نكاحك وقع الطلاق إذا نواه، وإن قال أنا برئ من طلاقك لا يقع شئ، لان البراءة من الشئ ترك له اه.
وذكر في البزازية اختلاف التصحيح في: برئت من طلاقك، وجزم في الخانية بتصحيح عدم الوقوع به، لكن قال في الفتح: وفي الخلاصة: اختلف في برئت من طلاقك، والاوجه عندي أن يقع بائنا، لان حقيقة تبرئته منه تستلزم عجزه عن الايقاع وهو بالبينونة بانقضاء العدة أو الثلاث أو عدم الايقاع أصلا، وبذلك صار كناية، فإذا أراد الاول وقع وصرف إلى إحدى البينونتين وهي التي
دون الثلاث اه.
قلت: مقتضى هذا وقوع واحدة بائنة، لان الوقوع ليس بلفظ الصريح بل بلفظ برئت.
تأمل.
قوله: (وخليت سبيل طلاقك) وكذا خليت طلاقك أو تركت طلاقك، إن نوى وقع وإلا فلا.
خانية.
قوله: (بالتخفيف) أي تخفيف اللام، أما بالتشديد فهو صريح يقع به بلا نية كما مر(3/332)
في بابه.
قوله: (وأنت أطلق من امرأة فلان) فإن كان جوابا لقولها إن فلانا طلق امرأته وقع، ولا يدين لان دلالة الحال قائمة مقام النية، حتى لو لم تكن قائمة لم يقع إلا بالنية.
نهر في باب الصريح عن الخلاصة، فليس من الصريح وإلا لم يتوقف على النية، وعلله في الفتح بأن أفعل التفضيل ليس صريحا، فافهم.
قوله: (وهمطلقة) أي والحال أن امرأة فلان مطلقة وإلا فلا يقع، وهذا القيد ذكره في البحر، لكن في الفتح في أول باب الصريح أنه لافرق بين كونها مطلقة أو لا.
قال: والمعنى عند عدم كونها مطلقة لاجل فلانة: يعني أن من في قوله: من امرأة فلان للتعليل.
قوله: (وأنت ط ل ق) قدمنا في باب الصريح عن الذخيرة بأن هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من صريح الكلام، إلا أنها لا تستعمل كذلك، فصارت كالكناية في الافتقار إلى النية.
قوله: (وغير ذلك الخ) مثل الطلاق عليك، وهبتك طلاقك، بعتك طلاقك، إذا قالت اشتريت من غير بدل خذي طلاقك، أقرضتك طلاقك، قد شاء الله طلاقك أو قضاه، أو شئت، ففي الكل يقع بالنية رجعي كما في الفتح.
زاد في البحر: الطلاق لك أو عليك، أنت طال بحذف الآخر، لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج، أعرتك طلاقك، ويصير الامر بيدها على ما في المحيط اه.
ومثله طلقك الله وهو الحق، خلافا لمن قال لا تشترط له النية كما قدمه الشارح في باب الصريح، لكن قدمنا هناك تصحيح عدم اشتراط النية في خذي طلاقك فهو من الصريح.
وأما ما قيل من أن الصريح أيضا في الاصح أعرتك طلاقك ووهبته لك وشئت طلاقك، فقدمنا تصحيح خلافه هناك، فافهم، وقدم الشارح هناك أن أنت طال إن بالكسر لا يتوقف على النية، وإلا توقف، وقدمنا الكلام عليه ثمة.
وذكر في الفتح هناك: لو قال أنت بثلاث وقعت ثلاث إن نوى لانه محتمل لفظه، ولو قال لم أنو لا يصدق إذا كان في حال مذاكرة الطلاق لانه لا يحتمل الرد، وإلا صدق.
قوله: (خلا اختاري)
استثناء من قوله: وبباقيها بالنظر إلى قوله الآتي وثلاث إن نواه ولو أخره بعده بأن يقول: وثلاث إن نواه إلا في اختاري لكان أولى ط.
قوله: (لا تصح فيه أيضا) أي كما لا تصح نية الثلاث في الالفاظ الثلاثة السابقة.
قوله: (ما لم تطلق المرأة نفسها) أي مع نية الزوج الطلاق أو دلالة الحال، لان ذلك كناية إيقاع كما يأتي في الباب الآتي.
قوله: (البائن) بالرفع فاعل يقع في قوله: ويقع بباقيها.
قوله: (إن نواها) أي نوى الواحدة وليس الضمير للبائن، وأنثه لكونه بمعنى الطلقة، لان وقوع البائن لا يتوقف على نيته، وقوله: أو الثنتين عطف على الهاء.
وحاصله أنه إذا نوى الواحدة أو الثنتين لا تقع إلا واحدة، حتى لو طلق الحرة واحدة ثم أبانها ونوى ثنتين كانت واحدة، ولو نوى الثلاث ووقعت لحصول البينونة في حقها بالثنتين وبالواحدة السابقة.
بحر عن المحيط.
وتقدم في باب الصريح أن ما في الجوهرة سهو، وقدمنا الكلام عليه.
قوله: (لما تقرر أن الطلاق مصدر) فيه أن ألفاظ الكنايات سوى الثلاثة السابقة غير متضمنة للفظ الطلاق، لانها كناية عما هو أعم منه ومن حكمه لانها لم يرد بها الطلاق أصلا بل البينونة كما قدمناه أول الباب، وإلا لكان الواقع بها رجعيا كالالفاظ الثلاثة والالفاظ المصرح فيها بذكره، فالمناسب التعبير بالبينونة فإنها مصدر، والمصدر من ألفاظ الوحد ان لا يراعى فيها العدد المحض بل التوحيد،(3/333)
وهو بالفردية الحقيقية أو الجنسية، والمثنى بمعزل عنهما لانه عدد محض.
ثم رأيت صاحب الجوهرة عبر بالبينونة كما قلنا بدل الطلاق.
وبما قررناه علم أنه ليس المراد بالمصدر نفس ألفاظ الكناية حتى يعترض عليه بأن نحو سرحتك فارقتك خلية برية لا مصدر فيها، فافهم.
قوله: (ولدا صح في الامة الخ) لان الثنتين في حقها كل الجنس كالثلاث للحرة.
قوله: (قال اعتدي ثلاثا) أي قاله ثلاث مرات.
قوله: (وبالباقي حيضا) هذا إذا كان الخطاب مع من هي من ذوات الحيض، فلو كانت آيسة أو صغيرة فقال أردت بالاول طلاقا وبالباقي تربصا بالاشهر كان حكمه كذلك.
فتح قوله: (لنيته حقيقة كلامه) وهو إرادته أمرها بالاعتداد بالحيض بعد الطلاق.
قوله: (بنية الاول) أي دلالة الحال بسبب نيته الايقاع
بالاول.
قال في فتح القدير: فقد ظهر مما ذكر أن حالة مذاكرة الطلاق لا تقتصر على السؤال، وهو خلاف ما قدموه من أنها حال سؤالها أو سؤال أجنبي طلاقها، بل هي أعم منه ومن مجرد ابتداء الايقاع.
قوله: (حتى) تفريع على ما فهم من اعتبار دلالة الحال ط.
قوله: (لو نوى بالثاني فقط) أي نوى به الطلاق ولم ينو بغيره شيئا فثنتان: أي يقبه واحدة، وكذا بالثالث أخرى وإن لم ينو به لدلالة الحال بإيقاع الثاني، ولا يقع بالاول شئ لانه لم ينو به ودلالة الحال وجدت بعده.
قوله: (أربعة وعشرون) حاصلها أنه إما أن ينوي لكل طلاقا، أو بالاولى طلاقا أو حيضا لا غير، أو بالاوليين طلاقا لا غير، أو بالاولى والثالثة كذلك، أو بالثانية والثالثة طلاقا وبالاولى حيضا، ففي هذه الستة تقع الثلاث، أو بالثانية طلاقا لا غير، أو بالاولى طلاقا وبالثانية حيضا لا غير، أو بالاولى طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير، أو بالاخريين طلاقا لا غير، أو بالاوليين حيضا لا غير، أو بالاولى والثالثة حيضا لا غير، أو بالاولى والثانية طلاقا وبالثانية حيضا، أو بالاولى والثالثة طلاقا وبالثانية حيضا، أو بالاولى والثانية حيضا وبالثالثة طلاقا، أو بالاولى والثالثة حيضا وبالثانية طلاقا، أو بالثانية حيضا لا غير.
فهذه إحدى عشرة تقع فيها ثنتان، أو بكل منها حيضا أو بالثالثة طلاقا أو حيضا لا غير، أو بالثانية طلاقا وبالثالثة حيضا لا غير أو بالاخريين حيضا لا غير، أو بالاولى طلاقا وبالثانية والثالثة حيضا، وفي هذه الستة تقع واحدة، والرابعة والعشرون أن لا ينوي بكل منها شيئا فلا يقع شي، والاصل أنه إذا نوى الطلاق بواحدة ثبتت مذاكرة الطلاق: فإذا نوى بما بعدها الحيض صدق لظهور الامر بالاعتداد بالحيض عقب الطلاق، ولا يصدق في عدم نية شئ بما بعدها.
وإذا لم ينو الطلاق بشئ صح وكذا كل ما قبل المنوي بها، ونية الحيض بواحدة غير مسبوقة بواحدة ينوي بها الطلاق يقع بها الطلاق وتثبت حالة المذاكرة فيجري فيها الحكم المذكور، بخلاف ما إذا كانت مسبوقة بواحدة أريد بها الطلاق حيث لا تقع بها الثانية، كذا في النهر عن الفتح ح.
قلت: ولنبين هذا الفصل في بعض الصور المارة لزيادة التوضيح، فإذا نوى بالاولى حيضا لا غير وقع الثلاث، لانه لما نوى بالاولى الحيض وقعت طلقة لانها غير مسبوقة بإيقاع، ولما نوى بالثانية والثالثة الحيض أيضا صحت نيته.
لوقوع الاولى قبلهما، وإذا نوى بالاولى طلاقا وبالثانية(3/334)
حيضا لا غير يقع ثنتان، لان نيته الحيض بالثانية صحيحة لسبقها بإيقاع الاولى، ولما لم ينو بالثالثة شيئا وقع بها أخرى لثبوت المذاكرة بوقوع الاولى، وإذا نوى بالكل حيضا تقع واحدة وهي الاولى لعدم سبقها بإيقاع، وصحت نيته بالثانية والثالثة الحيض لسبق الايقاع بواحدة قبلهما، وعلى هذا القياس.
قوله: (فواحدة ديانة) لاحتمال قصده التأكيد كأنت طالق طالق.
فتح.
قوله: (وثلاث قضاء) لانه يكون ناويا بكل لفظ ثلث تطليقة، وهو مما لا يتجزئ فيتكامل فيقع الثلاث.
بحر عن المحيط.
قال في الفتح: والتأكيد خلاف الظاهر، وعلمت أن المرأة كالقاضي لا يحل لها أن تمكنه إذا علمت منه ما ظاهر خلاف مدعاه اه.
وفي البحر عن المحيط: لو قال عنيت تطليقة تعتد بها ثلاث حيض يصدق، لانه محتمل والظاهر لا يكذبه اه.
قلت: ومثله في كافي الحاكم الشهيد.
قوله: (فإن نوى واحدة) أي بأن نوى باعتدي في الصور الثلاث الامر بالعدة بالحيض دون الطلاق فيصدق لظهور الامر فيه عقب الطلاق كما مر.
قوله: (وقعتا) وتكونان رجعيتين، لان اعتدي لا يقع به البائن كما علمت.
قوله: (ففي الواو ثنتان) وكذا في صورة عد العطف أصلا لانه في الصورتين يكون أمرا مستأنفا وكلاما مبتدأ، وهو في حال مذاكرة الطلاق، فيحمل على الطلاق.
بحر عن المحيط.
قوله: (قيل واحدة) جزم به في المحيط على أنه المذهب معللا بأن الفاء للوصل: أي فتفيد حمل الامر على الاعتداد بالحيض.
قوله: (وقيل ثنتان) مشى عليه في الخانية، ووجهه حمل الامر على الطلاق للمذاكرة.
قلت: والاول أوجه.
تأمل.
قوله: (طلقها واحدة الخ) عبارة الذخيرة وغيرها: طلقها رجعية ثم قال في العدة جعلت هذه التطليقة بائنة أو ثلاثا صح عند أبي حنيفة، وهي أحضر من عبارة المصنف وأظهر، وقيد بقوله: في العدة لانه بعدها تصير المرأة أجنبية فلا يمكنه جعل طلاقها ثلاثا أو بائنا، ولذا قيد الشارح بقوله: بعد الدخول لانه لو قبله لا يمكن جعلها ثلاثا لكونها بانت قبل الجعل لا إلى عدة، وبقوله: قبل الرجعة لانه بعدها يبطل عمل الطلاق فيتعذر جعلها بائنة أو ثلاثا أيضا، وإذا جعلها بائنة في العدة
فالعدة من يوم إيقاع الرجعي كما ذكره في البزازية: أي لا من يوم الجعل، وقدمنا في أول باب الصريح من البدائع أن معنى جعل الواحدة ثلاثا أنه ألحق بها اثنتين، لا أنه جعل الواحدة ثلاثا.
تنبيه: ذكر الطلاق بلا عدد فقيل له بعد ما سكت كم؟ فقال ثلاثا، وقع ثلاث عندهما خلافا لمحمد، ولو لم يسأل وقال بعد ما سكت ثلاثا: إن كان سكوته لانقطاع النفس تطلق ثلاثا، لانه مضطر له فلا يعد فاصلا، وإلا فواحدة كما في البزازية.
وفي الجوهرة قال أنت طالق فقيل له بعد ما سكت كم؟ فقال ثلاث، فعنده ثلاث.
وفي الخانية: ويحتمل أن هذا قول أبي حنيفة، فإن عنده إذا طلق واحدة ثم قاله جعلتها ثلاثا تصير ثلاثا اه.
ومن هنا يعلم حكم ما لو قيل للمطلق قل بالثلاث فقال بالثلاث أنه يقع بالاولى، لان(3/335)
الجعل فيه أظهر، وفي البزازية قال لها: أنت طالق واحدة فقالت هزار فقال هزار فعلى ما نوى، وإلا فلا شئ اه.
وهزار بالفارسية: ألف، ولا يخالف هذا ما فهمناه لانها لم تأمره أن يجعله ألفا وإنما تعرضت تعريضا محتملا، وفيما نحن فيه أمر بأن يصيره ثلاثا فأجاب، والجواب يتضمن ما في السؤال، كذا بخط شيخ مشايخنا السائحاني.
قلت: والذي يظهر أن قولها له قل بالثلاث أمر بإلحاق العدد بأول كلامه فلا يحلق كما لو تكلم به بعد سكوته بلا طلب، نعم لو قال لها: أنت طالق فقالت طلقني بالثلاث فقال بالثلاث، فإنه لا شبهة في كونه جعلا وإنشاء لانه جواب للطلب، والله أعلم.
قوله: (فهو كما قال) أي فهي ثلاث في الاول وثنتان في الثاني كما في الخانية والبزازية، وعليه فيكون قد ألحق بالطلقة الاولى طلقتين في الاولى وطلقة في الثاني.
قوله: (كما مر) أي قبيل طلاق غير المدخول بها ح، وقوله: فتذكر أشار به إلى البحث السابق هناك مع صاحب البحر في مسألة التعاليق، وقد علمت ما فيه.
مطلب: الصريح يلحق الصريح والبائن قوله: (الصريح يلحق الصريح) كما لو قال لها: أنا طالق ثم قال أنت طالق أو طلقها على مال وقع الثاني.
بحر.
فلا فرق في الصريح الثاني بين كون الواقع به رجعيا أو بائنا.
قوله: (ويلحق
البائن) كما لو قال لها أنت بائن أو خالعها على مال ثم قال أنت طالق أو هذه طالق.
بحر عن البزازية.
ثم قال: وإذا لحق الصريح البائن كان بائنا، لان البينونة السابقة عليه تمنع الرجعة كما في الخلاصة.
وقال أيضا: قيدنا الصريح اللاحق للبائن بكونه خاطبها به وأشار إليها للاحتراز عما إذا قال كل امرأة طالق فإنه لا يقع على المختلعة الخ، وسيذكره الشارح في قوله ويستثنى ما في البزازية الخ.
ويأتي الكلام فيه.
قوله: (بشرط العدة) هذا الشرط لا بد منه في جميع صور اللحاق، فالاولى تأخيره عنها اه ح.
قوله: (الصريح ما لا يحتاج إلى نية) من هنا إلى قوله: على المشهور كان الواجب ذكره قبل قوله: والبائن يلحق الصريح لان هذا كله من متعلقات الجملة الاولى: أعني قوله: الصريح يلحق الصريح والبائن ولان المراد بالصريح في الجملة الثانية خصوص الرجعي كما تعرفه قريبا: يعني أن المراد بالصريح هنا حقيقته لا نوع خاص منه، وهو ما وقع به الرجعي فقط بل الاعم.
وأما الكنايات الرواجع كاعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة وما ألحق بها، فإنها وإن كانت تلحق البائن في ظاهر الرواية بشرط النية، لكنها لم وقع بها الرجعي كانت في معنى الصريح كما في البدائع: أي فهي ملحقة بالصريح في حكم اللحاق للبائن.
وقال في المنح: إن صحة هذه الالفاظ بالاضمار، فإن معنى قوله أفاده في البحر وقال في المنع: إن صحة هذه الالفاظ بالاضمار، فان معنى قوله أنت واحدة أنت طالق طلقة واحدة فيصير الحكم للصريح، لكن لا بد من النية ليثبت هذا المضمر اه.
فأفاد وجه كونها في حكم الصريح وهو كونه مضمرا فيها، وأن الايقاع إنما هو به لا بها نفسها لكن ثبوته مضمرا توقف على النية، وبعد ثبوته بالنية لا يحتاج إلى نية.
قال ح: ولا يرد أنت علي حرام على المفتى به من عدم(3/336)
توقفه على النية مع أنه لا يلحق البائن، ولا يلحقه البائن لكونه بائنا لما أن عدم توقفه على النية أمر عرض له لا بحسب أصل وضعه اه.
قوله: (بائنا كان الواقع به أو رجعيا) يؤيده ما قدمناه في أول فصل الصريح عن البدائع من أن الصريح نوعان: صريح رجعي، وصريح بائن، وحينئذ فيدخل فيه الطلاق الرجعي والطلاق على مال، وكذا ما مر قبل فصل طلاق غير المدخول بها من ألفاظ الصريح
الواقع بها البائن، مثل: أنت طالق بائن أو البتة أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو طلقة طويلة أو عريضة الخ، فهذا كله صريح لا يتوقف على النية، ويقع به البائن ويلحق الصريح والبائن.
قال في الخلاصة: والصريح يلحق البائن وإن لم يكن رجعيا.
هذا، وفي المنصوري شرح المسعودي للراسخ المحقق أبي منصور السجستاني: المختلعة يلحقها صريح الطلاق إذا كانت في العدة، والكناية أيضا تلحقها إذا كانت في حكم الصريح كاعتدي الخ.
ثم قال: والكنايات والبوائن لا تلحقها: أي المختلعة، وإن كان الطلاق رجعيا يلحقها الكنايات، لان ملك النكاح باق.
قال في عقد الفرائد: هذا مؤيد لما في الفتح، ومعنى العطف في قول المنصوري والبوائن ما أوقع من البوائن لا بلفظ الكنايات فإنه يلغو ذكر البائن كما أطبقوا عليه اه.
ونقله في النهر وأقره.
أقول: والصواب أن الواو في والبوائن زائدة من الناسخ، وأن مراد، المنصوري الكنايات البوائن المقابلة للكنايات الرجعية التي ذكرها قبله، لما علمته من أن البوائن بغير لفظ الكناية من الصريح الذي يلحق البائن، وإلا صار منافيا لكلام الفتح لا مؤيدا له، فتدبر.
قوله: (فمنه الخ) أي إذا عرفت أن قوله: الصريح يلحق والبائن المراد بالصريح فيه ما ذكر ظهر أن منه الطلاق الثلاث فيلحقهما: أي يلحق الصريح والبائن، فإذا أبان امرأته ثم طلقها ثلاثا في العدة وقع وهي واقعة حلب.
قال في فتح القدير: الحق أنه يلحقها لما سمعت من أن الصريح وإن كان بائنا يلحق البائن، ومن أن المراد بالبائن الذي لا يلحق هو ما كان كناية اه.
وتبعه تلميذه ابن الشحنة في عقد الفرائد، وكذا صاحب البحر والنهر والمنح والمقدسي والشرنبلالي وغيرهم، وهو صريح ما نقلناه آنفا عن الخلاصة وأيده صاحب الدرر والغرر كما نذكره قريبا، خلافا لمن رجح عدم وقوع الثلاث فإنه خلاف المشهور كما يأتي.
قوله: (وكذا الطلاق على مال) أي أنه أيضا من الصريح وإن كان الواقع به بائنا.
قوله: (والبائن) بالنصب معطوف على قوله الرجعي.
قوله: (ولا يلزم المال) أي إذا أبانها ثم طلقها في العدة على مال وقع الثاني أيضا، ولا يلزمها المال، لان إعطاءه لتحصيل الخلاص المنجز، وأنه حاصل كما في البحر عن البزازية: أي بخلاف ما قبله، فإنه إذا طلقها رجعيا توقف
الخلاص على انقضاء العدة، فإذا طلقها بعده بمال في العدة لزم المال لانها بانت منه في الحال.
قال في البحر: ثم اعلم أن المال وإن لم يلزم: أي في مسألتنا فلا بد في الوقوع من قبلوها، لان قوله أنت طالق على ألف تعليق طلاقها بالقبول، فلا يقع بلا وجود الشرط كما في البزازية، فالمعتبر فيه: أي في الصريح هنا اللفظ: أي كونه من ألفاظ الصريح وإن كان معناه: أي الواقع به البائن، والمراد باللفظ ما يشمل المضمر كما في الكنايات الرجعية كما مر.
قوله: (على المشهور)(3/337)
رد على ما ذكره بعضهم في واقعة حلب المذكورة آنفا من أنه لا يقع الثلاث، لانه بائن في المعنى والبائن لا يلحق البائن، واعتبار المعنى أولى من اعتبار اللفظ، وجعله الاصح المفتى به.
أفاده المصنف.
قلت: وفي الحاوي الزاهدي عازيا إلى الاسرار لنجم الدين قال لها أنت بائن، ثم قال في العدة أنت طالق ثلاثا، لا يقع الثلاث عند أبي حنيفة لكون الثلاث بينونة غليظة في المعنى.
وعندهما: يقع لكونها في اللفظ صريحا.
والاصح قوله: لان الاعتبار للمعنى دون اللفظ، ثم عزا إلى شرح العيون مثله، ثم عزا إلى كتاب آخر.
قال محمد: لا يقع الثلاث، والفتوى على قوله.
ثم قال: وفي فصول الاسروشني مثله اه.
وقد تكفل برده المصنف في المنح، ونقله عنه في الشرنبلالية وأقره.
وقد تكرر أن الزاهدي ينقل الروايات الضعيفة فلا يتابع فيما ينفرد به، وقد وجد النقل عن الخلاصة والبزازية وغيرهما بما يخالفه كما قدمناه.
وقد استدل في الدرر واليعقوبية على خلافه أيضا كما نذكره قريبا، ويكفينا قدوة ما ذكره في فتح القدير وتابعه عليه من بعده كما قدمناه، فلذا اعتمده الشارح وجعله المشهور، ومما يدل عليه قطعا أنه لو طلقها ثم خلعها ثم قال في عدة الخلع أنت طالق فهذا صريح لفظا بائن معنى، وهو واقع قطعا: فقد استدلوا على لحوق الصريح البائن لقوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * (سورة البقرة: الآية 922) يعني الخلع، ثم قال تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) * (سورة البقرة: الآية 032) الخ، والفاء للتعقيب.
قال في الفتح: فهو نص على وقوع الثالثة بعد الخلع اه.
ومثله في الدرر عن التلويح.
وفي حواشي الخير الرملي قال في مشتمل الاحكام: والبائن لا يلحق البائن: يعني البائن اللفظي، أما البائن المعنوي يلحق اللفظي مثل الثلاث من المبسوط اه.
قوله: (لا يلحق البائن البائن) المراد بالبائن الذي لا يلحق هو ما كان بلفظ الكناية، لانه هو الذي ليس ظاهرا في إنشاء الطلاق، كذا في الفتح.
وقيد بقوله: الذي لا يلحق إشارة إلى أن البائن الموقع أولا أعم من كونه بلفظ الكناية أو بلفظ الصريح المفيد للبينونة كالطلاق على مال، وحينئذ فيكون المراد بالصريح في الجملة الثانية: أعني قولهم: والبائن يلحق الصريح لا البائن هو الصريح الرجعي فقط دون الصريح البائن، وبه ظهر أن ما نقله الشارح أولا عن الفتح من أن الصريح ما لا يحتاج إلى نية بائنا كان الواقع به أو رجعيا خاص بالصريح في الجملة الاولى: أعني قولهم الصريح يلحق الصريح والبائن كما دل عليه كلام الفتح الذي ذكرناه هنا، ويدل عليه أيضا أمور: منها: ما أطبقوا عليه من تعليلهم عدم لحوق البائن البائن بإمكان جعل الثاني خبرا عن الاول، ولا يخفى أن ذلك شامل لما إذا كان البائن الاول بلفظ الكناية أو بلفظ الصريح.
ومنها: ما في الكافي للحاكم الشهيد الذي هو جمع كلام محمد في كتبه ظاهر الرواية حيث قال: وإذا طلقها تطليقة بائنة ثم قال لها في عدتها أنت علي حرام أو خلية أو برية أو بائن أو بتة أو شبه ذلك وهو يريد به الطلاق لم يقع عليها شئ، لانه صادق في قوله هي علي حرام وهي مني بائن اه: أي لانه يمكن جعل الثاني خبرا عن الاول، وظاهر قوله طلقها تطليقة بائنة أن المراد به الصريح البائن بقرينة مقابلته له بألفاظ الكناية.
تأمل.
ومنها: قول الزيلعي: أما كون البائن يلحق الصريح فظاهر، لان القيد الحكمي باق من كل(3/338)
وجه لبقاء الاستمتاع اه.
فهذا صريح في أن المراد بالصريح في الجملة الثانية هو الصريح الرجعي، إذ لا يخفى أن بقاء النكاح من كل وجه وبقاء الاستمتاع لا يكون بعد الصريح البائن.
ومنها: ما قدمناه من قول المنصوري: وإن كان الطلاق رجعيا يلحقها الكنايات، لان ملك النكاح باق، فتقييده بالرجعي دليل على أن الصريح البائن لا يلحقه الكنايات، وكذا تعليله دليل على
ذلك.
ومنها: ما في التاترخانية قبيل الفصل السادس: ولو طلقها على مال أو خلعها بعد الطلاق الرجعي يصح، ولو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لا يصح اه.
فانظر كيف فرق بين الرجعي والصريح البائن وهو الطلاق على مال، حيث جعل الخلع واقعا بعد الاول لا بعد الثاني، فهذا صريح فيما قلناه من أن المراد بالصريح هنا الرجعي فقط، وبالبائن الاول ما يشمل البائن الصريح.
ومنها: فرعان ذكرهما في البحر: الاول ما في القنية عن الاوزجندي: طلقها على ألف فقبلت ثم قال في عدتها أنت بائن لا يقع ا.
والثاني ما في الخلاصة من الجنس السادس من الخلع: لو طلقها بمال ثم خلعها في العدة لم يصح اه.
فهذا أيضا صريح فيما قلناه، وبه سقط مال في البحر وتبعه في النهر من استشكاله الفرعين بناء على فهمه أن المراد بالصريح ما يشمل الصريح البائن.
قال: وقد جعلوا الطلاق على مال من قبيل الصريح، وقالوا: إن البائن يلحق الصريح فينبغي الوقوع في الفرع الاول وصحة الخلع في الفرع الثاني.
ثم قال في البحر ولا مخلص إلا بكون المراد بعدم صحة الخلع عدم لزوم المال، والدليل عليه أن صاحب الخلاصة صرح في عكسه، وهو ما إذا طلقها بمال بعد الخلع أنه يقع ولا يجب المال، ولا فرق بينهما كما لا يخفى اه.
أقول: وهذا عجيب من مثله، أما أولا فلا المراد بالصريح في الجملة الثانية هو الرجعي فقط، بخلاف الصريح في الجملة الاولى كما دل عليه ما ذكرناه من تعليلاتهم وفروعهم، وعليه فلا إشكال في الفرعين أصلا، بل هما دليلان على ما قلناه، وأما الثانية فلان ما ذكره من المخلص بعيد جدا، بل المخلص ما قلناه، وأما ثالثا فلان دعواه عدم الفرق بين هذا الفرع وعكسه كما لا يخفى في غاية الخفاء للفرق الواضح بينهما، لانه إذا طلقها بمال بعد الخلع إنما لا يجب المال، لان إعطاء المال لتحصيل الخلاص المنجز وأنه حاصل كما قدمنا بيانه.
أما إذا طلقها على مال قبل الخلع فلا وجه لسقوط المال، لان الطلاق بدونه لا يحصل به الخلاص المنجز بل يتوقف إلى انقضاء العدة، فقد حصل بالمال ما هو المطلوب به ولا يبطل بالخلع العارض بعده بعد تحقق المطلوب به، بل
يبطل الخلع نفسه، لان الخلاص المنجز حاصل قبله فلا يفيد.
هذا ما ظهر لي في تقرير هذا المقام، الذي زلت فيه أقدام الافهام، فاغتنمه فإنه من جملة ما اختص به هذا الكتاب، بعون الملك الوهاب.
ثم رأيت في الحواشي اليعقوبية على صدر الشريعة ما نصه: وأيضا قولهم والبائن الغير الصريح يلحق الصريح ينبغي أن لا يكون على إطلاقه، لانه لا يلحق الصريح البائن لاحتمال الخبرية عن الاول كما لا يخفى، إلا أن يدعي الفرق بين البائنين فلا يصح الخبر بأحدهما عن الآخر اه.(3/339)
وهذا عين ما فهمته بحد الله تعالى من أن المراد بالصريح في الجملة الثانية الصريح الرجعي فقط، وقوله: إلا أن يدعي الفرق الخ قد علمت مما قررناه أولا عدم الفرق فإنه لا شبهة فيه لذي فهم، والله سبحانه أعلم.
قوله: (إذا أمكن الخ) قيد في عدم لحاق البائن البائن، ومحترزه ما أفاده بقوله بخلاف أبنتك بأخرى الخ ط.
قال في البحر: وينبغي أنه إذا أبانها ثم قال لها أنت بائن ناويا طلقة ثانية أو تقع للثانية بنيته لانه ينبته لا يصلح خبرا، فهو كما لو قال أبنتك بأخرى، إلا أن يقال: إن الوقوع إنما هو بلفظ صالح له وهو أخرى، بخلاف مجرد النية اه.
وفيه أن اللفظ الثاني صالح، ولو أبدل صالح بمعين له لكن أظهر ط.
أقول: ويدفع البحث من أصله تعبيرهم بالامكان، وبأنه لا حاجة إلى جعله إنشاء متى أمكن جعله خبرا عن الاول لانه صادق بقوله أنت بائن، على أن البائن لا يقع إلا بالنية، فقولهم البائن لا يلحق البائن لا شك أن المراد به البائن المنوي، إذ غير المنوي لا يقع به شئ أصلا، ولم يشترطوا أن ينوي به الطلاق الاول.
فعلم أن قولهم إذا أمكن الخ احتراز عما إذا لم يمكن جعله خبر كما في أبنتك بأخرى، لا عما إذا نوى به طلاقا آخر فتدبر.
وأما اعتدي اعتدي فإنه ملحق بالصريح كما تقدم، فلا ينافي ما هنا حيث أوقعوا به مكررا.
تأمل.
قوله: (كأنت بائن بائن) كذا في بعض النسخ مكررا، وفي بعضها
كأنت بائن بدون تكرار وهو الاصوب، لان المقصو، التمثيل لايقاع البائن على المبانة، ولانه كما قال ط: ليس المراد الاخبار النحوي بل الاخبار عما صدر أولا، ولانه يوهم أن يلزم كونه في مجلس واحد وهو غير لازم اه.
قوله: (أو أبنتك بتطليقة) عطف على بائن الثانية: أي أنت بائن أبنتك بتطليقة اه ح.
وأشار به إلى أنه لا يشترط اتحاد اللفظين، فشمل ما إذا كان الاول بلفظ الكناية البائنة أو الخلع أو الطلاق الصريح إذا كان على مال، أو موصوفا بمعنى ينبئ عن البينونة كما علم مما قدمناه بعد كون الثاني بلفظ الكناية البائنة كالخلع ونحوه مما يتوقف على النية ولو باعتبار الاصل كأنت حرام، بخلاف الكناية الرجعية فإنها في حكم الصريح فتلحق البائن كما مر.
قوله: (فلا يقع) أي وإن نوى، لما في البحر عن الحاوي: ولا يقع بكنايات الطلاق شئ وإن نوى اه.
قوله: (لانه إخبار) أي يجعل إخبارا لانه أمكن ذلك.
قوله: (بخلاف أبنتك بأخرى) أي لو أبانها أولا ثم قال في العدة أبنتك بأخرى وقع، لان لفظ أخرى مناف لامكان الاخبار بالثاني عن الاول.
قوله: (أو أنت طالق بائن) لان وقوعه بأنت طالق وهو صريح، ويلغو قوله: بائن لعدم الحاجة إليه، لان الصريح بعد البائن بائن، كذا في شرح المنار لصاحب البحر، وهو إشارة إلى ما ذكره البحر عن الذخيرة من الفرق بين هذا وبين قوله للمبانة أبنتك بتطليقة وهو أنه إذا ألغينا بائنا يبقى قوله طالق وبه يقع، ولو ألغينا أبنتك يبقى قوله بتطليقة وهو غير مفيد اه.
قلت: لكن يشكل عليه ما قطعناه في باب طلاق غير المدخول بها أن الطلاق متى قيد بعدد أو وصف أو مصدر فالوقوع بالقيد، حتى لو قال: أنت طالق وماتت قبل قوله ثلاثا أو بائن لم يقع، فهذا ينافي ما أطبقوا عليه من إلغاء الوصف هنا، إلا أن يجاب بأن اعتبار الوقوع به هنا لا يصح(3/340)
لسبق البينونة قبله لوقوع البائن بالصريح هنا وإن لم يوصف، فتعين إلغاء الوصف كما علمت آنفا.
وبقي إشكال آخر مذكور مع جوابه في البحر.
قوله: (أو قال نويت) أي بالبائن الثاني البينونة الكبرى: أي الحرمة الغليظة وهي التي لا حل بعدها إلا بنكاح زوج آخر، وهذا هو المعتمد كما في البحر، وقيل لا يقع لان التغليظ صفة البينونة، فإذا ألغت النية في أصل البينونة لكونها حاصلة لغت
في إثبات وصف التغليظ.
محيط.
وهذا صريح في إلغاء نية البينونة، ومثله ما قدمناه آنفا عن الحاوي فلا تصح نية بينونة أخرى، خلافا لما بحثه في البحر كما مر.
قال في الدرر: أقول: وهذا يدل قطعا على أنه إذا أبانها ثم قال في العدة أنت طالق ثلاثا يقع الثلاث، لان الحرمة الغليظة إذا ثبتت بمجرد النية بلا ذكر الثلاث لعدم ثبوتها في المحل فلان تثبت إذا صرح بالثلاث أولى، وتمامه فيه ونحوه في اليعقوبية.
قوله: (لتعذر الخ) علة لقوله: بخلاف الخ.
قوله: (ولذا) أي لتعذر حمله على الاخبار.
قوله: (إلا إذا كان البائن معلقا الخ).
يشمل ما إذا آلى من زوجته ثم أبانها قبل مضي أربعة أشهر ثم مضت قبل أن يقربها وهي في العدة فإنه يقع خلافا لزفر، بحر.
قوله: (قبل إيجاد المنجز) سيذكر الشارح محترز القبلية، وتنجيز الثاني غير قيد، بل لو علقه جعل وقوع المعلق الاول فكذلك كما يذكره أيضا.
قوله: (ناويا) لانه كناية فلا بد له من نية.
قوله: (لانه لا يصلح إخبارا) أي لان التعليق قبل فلا يصح إخبارا عنه، وكذا الاضافة ح.
وأعاد التعليل وإن علم من قولسابقا ولذا وقع المعلق لطول الفصل، فافهم.
قوله: (ومثله المضاف) الاولى ومثال المضاف، لان المماثلة في الحكم فهمت من قوله سابقا أو مضافا ط.
قوله: (وفي البحر الخ) مراده بهذا النقل الاستدلال على قوله ناويا ح.
قوله: (فيفتقر للنية) أي أو المذاكرة.
قوله: (ولو قال إن دخلت) بيان لما إذا كانا معلقين كما في البحر قوله: (ثم دخلت وبانت) أشار بالعطف بثم إلى أنه لا بد من كون التعليق الثاني قبل وجود شرط الاول.
لانها لو دخلت وبانت ثم قال إن كلمت زيدا فكلمته لا يقع، لان الاول لما وجد شرطه قبل تعليق الثاني صار منجزا، والمعلق لا يلحق إلا إذا كان التعليق قبل إيجاد المنجز كما علمته من كلام المتن، لان قوله ثانيا فأنت بائن صادق بثبوت البينونة أولا فيصلح كون الثاني خبرا عن الاول، وبه سقط ما قيل إن كلامه شامل لكون التعليق الثاني بعد وجود الشرط الاول أو قبله، وكذا سقط قول هذا القائل: إن تعذر جعله إخبارا عن الاول موجود في المعلق والمضاف، سواء كان التعليق أو الاضافة قبل التنجيز أو بعده، فينبغي عدم الفرق وإن اتفقت كلمتهم على اشتراط كونه قبل إيجاد المنجز اه.
إذ لا يخفى أن التعليق بعد إيجاد المنجز يصلح كون المعلق فيه وهو البينونة الثانية خبرا عن المنجز الثابت أولا،
بخلاف ما قبله، فالوجه ما قالوه دون ما قبله، فتدبر.
قوله: (ثم كلمت) فلو عكست: أي بأن كلمته(3/341)
أولا ثم دخلت، فالظاهر أن الحكم كذلك لوجود العلة، لان كلا من تعليقه لا يصلح إخبارا عن الآخر لعدم كونها طالقا عند كل من التعليقين اه ح.
قوله: (وفي البزازية الخ) لا فرق بينه وبين ما في الذخيرة إلا في لفظ البائن والحرام.
وفي إفادة أنه يقع بأيهما سبق من قوله ففعل أحدهما وهذا مؤيد لما بحثه المحشي.
أفاده ط.
قوله: (وكذا لو فعل الثاني) أراد بالثاني الآخر لا الترتيب بدليل قوله أحدهما ح.
قوله: (قيد بالقبلية) أي بقوله في المتن قبل المنجز البائن.
قوله: (لم يصح) لانه يمكن جعله خبرا عن الاول المنجز كما قلنا.
قوله: (ويستثنى الخ) أي من قولهم الصريح يلحق البائن وأنت خبير بأنه لم يقع الطلاق في هاتين الصورتين لعدم تناول لفظ المرأة معتدة البائن، حتى لو لم يذكر لفظ المرأة وقع.
قال في النهر: وفي المنصوري شرح المسعودي: المختلعة يلحقها صريح الطلاق إذا كانت في العدة اه ح.
مطلب: المختلعة والمبانة ليست امرأة من كل وجه وحاصله أن عدم الوقوع لكونها ليست امرأة له من كل وجه بل تسمى مختلعة ومبانته وإن كان أثر النكاح وهو العدة باقيا حتى لحقها الصريح إذا أضافه إليها بخطاب أو إشارة، وكذا لو نواها بالطلاق كما صرح به في كافي الحاكم، ومثله في الذخيرة حيث قال: كل امرأة لي لا تدخل المبانة بالخلع والايلاء إلا أن يعينها: أي فعند عدم النية صارت في حكم الاجنبية فلا تسمى امرأته، ولذا قال في حاوي الزاهدي: قال لامرأته أنت طالق واحدة ثم قال إن كنت امرأة لي فأنت طالق ثلاثا إن كان الطلاق الاول بائنا لا يقع الثاني، وإن كان رجعيا يقع الثاني اه.
لكن يشكل على هذا ما في تعليق البحر عن المحيط: لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت يحنث، وكذا لو قال إن قبلت امرأته فعبدي حر فقبلها بعد البينونة لان الاضافة للتعريف لا للتقييد اه: أي لتعيين ذات المحلوف عليها لا بقيد كونها امرأة له، فإذا كان لفظ المرأة شاملا لها بعد البينونة وانقضاء العدة ففي حال بقاء العدة كما في مسألتنا بالاولى.
وقد يجاب بأن المعتبر في المعلق حالة التعليق لا حالة وجود الشرط، وهي في حالة التعليق
كانت امرأة له من كل وجه ولذا وقع البائن المعلق قبل وجود البائن المنجز كما مر، وسنذكر تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في التعليق عند قوله: وزوال الملك لا يبطل اليمين.
قوله: (ويضبط الكل) بضم الباء وكسرها، والمراد بالكل صور اللحاق والمستثنى منها ط.
قوله: (ما قيل) البيت الاول لوالد شيخ الاسلام عبد البر شارح النظم الوهباني كما في المنح، والبيت الثاني لصاحب النهر ح.
قوله: (كلا أجز) أي أجز كلا من وقوع الصريح والبائن بعد الصريح والبائن ح.
ولا يخفى ما في قوله: كلا من الابهام.
نهر.
وفي كثير من نسخ الشرح لحوقا بدل كلا ولا يستقيم معه الوزن.
قوله: (لا بائنا) عطف على كلا ومع بسكون العين للوزن بمعنى بعد كما في قوله(3/342)
تعالى: * (إن مع العسر يسرا) * (سورة الشرح: الآية 6) نعت لقوله بائنا أي لا تجز بائنا كائنا بعد مثله، وهذا العطف كالاستثناء في المعنى كأنه قال: كلا أجز إلا بائنا بعد مثله، وقوله: إلا إذا علقته من قبله استثناء من العطف الذي هو بمنزلة الاستثناء: أي لا تجز بائنا إلا إذا علقت البائن الواقع بعد المثل قبل المثل فضمير علقته للبائن الاول، وضمير قبله للمثل الذي هو البائن الثاني اه ح.
والتعبير بالمثل مشعر بإخراج البينونة الكبرى، ولا يخفى ما في البيت من التعقيد، والاوضح ما قيل: صريح طلاق المرء يلحق مثله ويلحق أيضا بائنا كان قبله كذا عكسه لا بائن بعد بائن سوى بائن قد كان علق قبله قوله: (إلا بكل امرأة) استثناء ثان من قوله كلا أجز فإنه بعد إخراج البائن بعد البائن منه بقي البائن بعد الصريح والصريح بعد الصريح والصريح بعد البائن، فاستثنى منه باعتبار هذا الاخير ما في البزازية من قوله كل امرأة لي طالق وكان له مختلعة فإنه صريح لحق بائنا ولم يقع لما قدمنا.
وباء بكل بمعنى فوكل بالضم على الحكاية، والواو في قوله: وقد خلع للحال، والحق مبني للفاعل معطوف على خلع وبعد مبني على الضم لقطعه عن الاضافة، ونية معناها وهو ظرف لا لحق: أي والحق الصريح بعد الخلع ح.
قوله: (كل فرقة الخ) أفاد به أن قوله والصريح يلحق الصريح الخ إنما هو في الطلاق لا الفسخ.
هذا، ويرد على الكلية الاولى إباء أحدهما عن الاسلام وارتداد أحدهما، وعلى الثانية الفرقة كاللعان كما يأتي بيانه.
قوله: (كإسلام) أي إسلام الزوج لو امرأته مجوسية أبت الاسلام أو إسلام زوجة حربي هاجرت إلينا دونه، كذا بخط السائحاني.
وذكر في الفتح أول كتاب الطلاق: إذا سبي أحد الزوجين لا يقع طلاقه عليها، وكذا لو هاجر أحدهما مسلما أو ذميا أو خرجا مستأمنين فأسلم أحدهما أو صار ذميا فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض فتقع الفرقة بلا طلاق فلا يقع عليها طلاقه، ثم قال: إذا أسلم أحد الزوجين الذميين وفرق بينهما بإباء الآخر فإنه يقع عليها طلاقه وإن كانت هي الآبية: أي وإن كانت مجوسية.
قال: وبه ينتقض ما قيل: إذا أسلم أحد الزوجين لم يقع عليه طلاقه اه.
قلت: وهو رد على ما في البزازية: إذا أسلم أحد الزوجين لا يقع على الآخر طلاقة وتبعه الشارح، لكن ذكر الخير الرملي أن موضوع ما في البزازية في طلاق أهل الحرب.
قلت: وعليه، فكان لفظ أسلم محرف عن سبي.
تأمل.
ومسألة الاباء واردة على المصنف لانها فسخ ولحق فيها الطلاق.
قوله: (وردة مع لحاق) أي إذا ارتد ولحق بدار الحرب فطلق امرأته لا يقع، وإن عاد مسلما فطلقها في العدة يقع، والمرتدة إذا لحقت فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض، فعنده لا يقع، وعندهما يقع.
خانية، وقيد باللحاق إذ بدونه يقع لان الحرمة غير متأبدة فإنهتر تفع بالاسلام.
فتح ومر تمامه في باب نكاح الكافر.
وفي الذخيرة: ولو ارتدت المرأة ولم تلحق وطلقها في العدة وقع لا لو خالعها، لانها بالارتداد بانت والمبانة يلحقها صريح الطلاق لا الخلع اه.
ولا يخفى أن الفرقة بالردة فسخ ولو(3/343)
بدون لحاق، فهي واردة على المصنف.
قوله: (وخيار بلوغ وعتق) وكذا الفرقة بحرمة المصاهرة كتقبيل ابن الزوج، لانها حرمة مؤبدة فلا يفيد الطلا ق فائدته كما في الفتح أول الطلاق، وصرح في موضع آخر بأنه لا يقع في الفرقة باللعان لانه حرمة مؤبدة أيضا.
قلت: ومثله الفرقة بالرضاع، وصرح أيضا بعدم اللحاق في الفسخ بعدم الكفاء ونقصان
المهر.
وذكر في الذخيرة أيضا عدم اللحاق في ملكها زوجها وقد طلقها قبل أن تبيعه أو تعتقه، لا لو أخرجته عن ملكها وهي في العدة فإنه يقع، لانه ما دام عبدا لها لا نفقة عليه لها ولا سكنى فلا يقع طلاقه عليها، بخلاف ما إذا باعته أو أعتقته فيقع.
قوله: (مطلقا) أي صريحا أو كناية ح.
ويفيده ما بعده.
قوله: (وكل فرقة هي طلاق) كالفرقة في الايلاء واللعان والجب والعنة، وتقدم في باب المهر نظما بيان الفرق، وبيان ما يكون منها فسخا وما يكون طلاقا.
وما يتوقف منها على قضاء القاضي، وما لا يتوقف، وصرح في الذخيرة بأن معتدة اللعان يلحقها الطلاق، وهو خلاف ما قدمناه آنفا عن الفتح، مع أن الفرقة باللعان طلاق لا فسخ، لكن تعليله بأنها حرمة مؤبدة يرجح ما قاله، لكن سيأتي في بابه أنها حرمة مؤبدة ما داما أهلا للعان، فإذا خرجا عن أهلية اللعان أو أحدهما له أن ينكحها، وكذا لو أكذب نفسه حد، وله أن ينكحها.
تأمل.
قوله: (على نحو ما بينا) أي من قوله الصريح يلحق الصريح الخ ح.
قوله: (إنما يلحق الطلاق لمعتدة الطلاق الخ) اعترضه في أول طلاق الفتح بأنه غير حاصر، لان العدة قد تتحقق بدون الطلاق والوطئ كما لو عرض الفسخ بخيار بعد مجرد الخلوة، إلا أن يجاب بأن الخلوة ملحقة بالوطئ، ثم يقتضي أن عدة الفسخ لا يقع فيها طلاق مع أنه منقوض بما إذا أسلم أحدهما وأبت عن الاسلام فإنه يقع طلاقه عليها مع أن الفرقة فيها فسخ، وبما إذا ارتد أحدهما فإنه يقع طلاقه مع أن الفرقة بردته فسخ، خلافا لابي يوسف، وكذا بردتها إجماعا اه.
وهذا النقض وارد أيضا على عبارة المتن كما قدمناه.
فصار الحاصل أن الطلاق يلحق في عدة فرقة عن طلاق أو إباء أو ردة بدون لحاق بدار الحرب، ونظمت ذلك بقولي: ويلحق الطلاق فرقة الطلاق أو الابا أو ردة بلا لحاق وهو أحسن من قول المقدسي: في عدة عن الطلاق يلحق أو ردة أو بلا باء يفرق قوله: (أما المعتدة للوطئ فلا يلحقها) مثاله لو طلقها بائنا أو خالعها ثم بعد مضي حيضتين من عدتها مثلا وطئها عالما بالحرمة فلزمها عدة ثانية وتداخلتا، فإذا حاضت الثالثة فهي منهما ولزمها
حيضتان أيضا لاكمال الثانية، فلو طلقها في الحيضتين الاخيرتين لا يقع لانها عدة وطئ لا طلاق.
أفاده في الذخيرة.
قوله: (ثم رقم) أي رمز عازيا إلى كتاب آخر، لان عادته ذكر حروف اصطلح عليها يرمز بها إلى أسماء الكتب.
قوله: (إن نوى طلقت) لعل وجهه أن قوله زوجتك امرأتي فلانة(3/344)
يحتمل أن يكون على تقدير إن صح تزويجها منك، أو تقدير لانها طالق مني، فإذا نوى الطلاق تعين الثاني فتطلق.
قوله: (تقع واحدة بلا نية) لان تزوجي قرينة، فإن نوى الثلاث فثلاث.
بزازية.
ويخالفه ما في شرح الجامع الصغير لقاضيخان: ولو قال اذهبي فتزوجي وقال لم أنو الطلاق لا يقع شئ، لان معناه أن أمكنك اه.
إلا أن يفرق بين الواو والفاء وهو بعيد هنا.
بحر.
على أن تزوجي كناية مثل اذهبي فيحتاج إلى النية، فمن أين صار قرينة على إرادة الطلاق باذهبي مع أنه مذكور بعده؟ والقرينة لا بد أن تتقدم كما يعلم مما مر في اعتدى ثلاثا، فالاوجه ما في شرح الجامع، ولا فرق بين الواو والفاء، ويؤيده ما في الذخيرة اذهبي وتزوجي لا يقع إلا بالنية، وإن نوى فهي واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث فثلاث.
قوله: (وافلحي) في البدائع قال محمد: قال لها: افلحي يريد الطلاق يقع لانه بمعنى اذهبي، تقول العرب أفلح بخير: أي ذهب بخير، ويحتمل اظفري بمرادك، يقال أفلح الرجل إذا ظفر بمراده.
بحر.
قوله: (وأنت علي كالميتة) أي يقع إن نوى، والمراد التشبيه بما هو محرم العين كالخمر والخنزير والميتة، فالحكم فيه كالحكم في أنت علي حرام، بخلاف ما لو قال أنت علي كمتاع فلان فلا يقع وإن نوى.
أفاده في الذخيرة: أي لان متاع فلان ليس محرم العين وجعله كأنت علي حرام مبني على مذهب المتقدمين من توقع الوقوع به على النية.
قوله: (لانه تشبيه بالسرعة) الاولى في السرعة كأنه قال أنت حرام سريعا كسرعة الماء في جريه، وقد مر أن أنت حرام ملحق بالصريح فلا يحتاج إلى نية، فلعل هذا مبني على غير المفتى به ط.
قلت: وهو المتعين: قوله: (ما لم يقل خذي أي طريق شئت) أي فإن نوى ثلاث في رواية أسد عن محمد.
وقال ابن سلام: أخاف أن يقع ثلاث لمعاني كلام الناس، كأنه يريد أن مراد الناس بمثله اسلكي الطريق الاربع، وإلا فاللفظ إنما يعطي الامر بسلوك أحدها، والاوجه أن تقع واحدة بائنة.
فتح.
والله
سبحانه أعلم.
باب تفويض الطلاق أي تفويضه للزوجة أو غيرها صريحا كان التفويض أو كناية، يقال: فوض له الامر: أي رد ه إليه.
حموي فالكناية قوله اختاري أو أمرك بيدك، والصريح قوله طلقي نفسك.
أبو السعود.
قوله: (بنوعيه) أي الصريح والكناية ح.
قوله: (وأنواعه) الضمير عائد إلى ما يوقعه الغير لا للتفويض، وإلا يلزم تقسيم الشئ إلى نفسه وإلى غيره.
أبو السعود.
قوله: (تفويض وتوكيل) المراد بالتفويض تمليك الطلاق كما يأتي.
وذكر في الفتح في فصل المشيئة أن صاحب الهداية جعل مناط الفرق بين التمليك والتوكيل مرة بأن المالك يعمل برأي نفسه، بخلاف الوكيل، ومرة بأنه عامل لنفسه بخلافه، ومرة بأنه يعمل(3/345)
بمشيئة نفسه بخلافه.
قال: والفرق بين الرأي والمشيئة أن العمل بالرأي عمل بما يراه أصوب بلا اعتبار كونه لنفسه أو غيره، والعمل بمشيئتة: أي باختياره ابتداء بلا اعتبار مطابقة أمر الآمر ولا اعتبار معنى الاصوبية ثم قال بعد ما بحث في الاولين أن الفرق الثالث أصوب.
قوله: (ورسالة) كأن يقول لرجل: اذهب إلى فلانة وقل لها إن زوجك يقول لك اختاري، فهو ناقل لكلام المرسل لا منشئ لكلامه، بخلاف المالك والوكيل، لانهم قالوا: إن الرسول معبر وسفير هذا ما ظهر لي.
قوله: (ثلاثة) أي بالاستقراء بدأ المصنف منها بالاختيار لثبوته بصريح الاخبار ولم يجعل له فصلا على حدة كصاحب الهداية، لانه لم يسبقه شئ يفصل به عما قبله بخلاف الاخيرين، فاكتفى فيه بالباب.
نهر.
وحاصله أن التفويض أعم فناسب أن يترجم له بالباب، والثلاثة أنواعه فناسب أن يترجم لكل منها بفصل، لكن لم يترجم به للتخيير لانه لم يسبقه كلام، وبه ظهر أن ترجمة المصنف للثاني بالباب غير مناسبة.
قوله: (قال لها اختاري) أشار بعدم ذكر قبولها إلى أنه تمليك يتم بالمملك وحده، فلو رجع قبل انقضاء المجلس لم يصح، وقيد باقتصاره على التخيير المطلق، لانه لو قال
اختاري الطلاق فقالت اخترت الطلاق فهي واحدة رجعية، لانه لما صرح بالطلاق كان التخيير بين الاتيان بالرجعي، وتركه ط عن البحر.
قوله: (أو أمرك بيدك) لا حاجة إليه لذكر أحكام الامر باليد في فصل مستقل يأتي ط.
قوله: (تفويض الطلاق) دل على هذا المضاف عقد الباب له كما في النهر ح.
قوله: (لانهما كناية) أي من كنايات التفويض.
شرنبلالية.
قوله: فلا يعملان بلا نية) أي قضاء وديانة في حالة الرضا، أما في حالة الغضب أو المذاكرة فلا يصدق قضاء في أنه لم ينو الطلاق، لانهما مما تمحض للجواب كما مر، ولا يسعها المقام معه إلا بنكاح مستقبلي لانها كالقاضي.
أفاده في الفتح والبحر.
ثم اعلم أن اشتراط النية إنما هو فيما إذا لم يذكر النفس أو ما يقوم مقامها في كلامه، وإنما ذكرت في كلامها فقط كما يأتي تحريره، فتنبه لذلك فإني لم أر من نبه عليه.
قوله: (أو طلقي نفسك) هذا تفويض بالصريح ولا يحتاج إلى نية، والواقع به رجعي، وتصح فيه نية الثلاث كما سيذكره المصنف أول فصل المشيئة.
قوله: (في مجلس علمها) أفاد أنه لا اعتبار بمجلسه، فلو خيرها ثم قام هو لم يبطل، بخلاف قيامها.
بحر عن البدائع ط.
قوله: (مشافهة) أي في الحاضرة أو إخبارا في الغائبة منصوبان على الحالية من علمها.
قوله: (ما لم يوقته الخ) فلو قال: جعلت لها أن تطلق نفسها اليوم اعتبر مجلس علمها في هذا اليوم، فلو مضى اليوم ثم علمت خرج الامر عن يدها، وكذا كل وقت قيد التفويض به وهي غائبة ولم تعلم حتى انقضى بطل خيارها.
فتح وبحر.
وسيأتي فروع في التوقيت آخر الباب وأنه لا يبطل الموقت بالاعراض.
قوله: (ويمضي الوقت) معطوف على يؤقتة المجزوم، وإثبات الياء فيه من تحريف النساخ أو على لغة كما هو أحد الاوجه التي يجاب بها عن قوله تعالى: * (إنه من يتق ويصبر) * (سورة يوسف: الآية 09) في قراءة رفع يصبر، فالمعنى لها أن(3/346)
تطلق في المجلس وإن طال مدة عدم توقيته، ومضي الوقت بأن لم يوقته أو وقته ولم يمض، فإن وقته ومضي سقط الخيار، وأماجعله مرفوعا والواو فيه للحال فهو فاسد صناعة ومعنى، أما الاول فلان جملة الحال التي فعلها مضارع مثبت لا تقترن بالواو، وأما الثاني فلصيرورة المعنى مدة لم
يؤقت في حال مضي الوقت وإذا لم يوقت كيف يمضي الوقت، فافهم، نعم في بعض النسخ فمبضي الوقت بالفاء والباء الجارة للمصدر والمعنى: فإن وقت فينتهي المجلس بمضي الوقت.
قوله: (قبل علمها) ليس قيدا احترازيا، بل هو تنبيه على الاخفى ليعلم مقابله بالاولى كما هو عادة الشارح في مواضع لا تحصى، فافهم.
قوله: (ما لم تقم الخ) الاولى أن يذكر له عاطفا يعطفه على قوله ما لم يوقته، ولو قال ما لم تفعل ما يدل على الاعراض مكان أحضر وأفود، ليصح عطف قوله: أو حكما على حقيقة، لانه يغنيه عن قوله أو تعمل ما يقطعه ولان بطلانه بكل قيام مطلقا قول البعض.
والاصح كما في البحر والنهر أنه لا بد أن يدل على الاعراض، وأثر الخلاف يظهر فيما لو قامت لتدعو الشهود كما يأتي، ولو أقامها أو جامعها بطل كما يأتي لتمكنها من المبادرة إلى اختيارها نفسها فعدم ذلك دليل الاعراض.
قوله: (لتبدل مجلسها حقيقة) أفاد أن القيام يختلف به المجلس حقيقة وهو خلاف مفي إيضاح الاصلاح، فإنه قال: إن المجلس وإن لم يتبدل بمجرد القيام إلا أن الخيار يبطل به لانه يدل على الاعراض، وهذا ظاهر من كلام صاحب الهداية.
وفي التبيين: المجلس يتبدل تارة حقيقة بالتحول إلى مكان آخر، وتارة حكما بالاخذ في عمل آخر اه ط.
قلت: وكأن الشارح حمل القيام على التحول، فإنه يقال قام عن مجلسه: إذا تحول عنه، لا مجرد القيام عن قعود، لما علمت من أن بطلانه بكل قيام مطلقا خلاف الاصح.
قوله: (مما يدل على الاعراض) قيد به لانه لو خيرها فلبست ثوبا أو شربت لا يبطل خيارها، لان اللبس قد يكون لتدعو شهودا، والعطش قد يكون شديدا يمنع من التأمل، ودخل في العمل الكلام الاجنبي، وهذا في التخيير المطلق، أما المؤقت بشهر مثلا فلا يبطل بذلك ما دام الوقت باقيا كما مر.
أفاده في البحر ويأتي تمام الكلام فيما يكون إعراضا وما لا يكون.
قوله: (فيتوقف على قبولها في المجلس) أراد بالقبول الجواب، والضمير في يتوقف عائد على التطليق المفهوم من قوله: فلها أن تطلق لا على التمليك لما صرحوا به من أن هذا التمليك يتم بالمملك وحده، ولا يتوقف على القبول لكونها تطلق بعد التفويض وهو بعد تمام التمليك كما أوضحه في الفتح النهر، وبه علم أن هذا التمليك
لا يتوقف تمامه في القبول ولا على الجواب في المجلس، لان الجواب: أي التطليق بعد تمامه، وإنما المتوقف على الجواب هو صحة التطليق، فافهم.
قوله: (فلم يصح رجوعه) تفريع على كونه ليس توكيلا، فإن الوكالة غير لازمة فلو كان توكيلا لصح عزلها.
قال في البحر عن جامع الفصولين: تفويض الطلاق إليها، قيل هو وكالة يملك عزلها، والاصح أنه لا يملكه اه.
لكن إذا كان تمليكا لا يلزم منه عدم صحة الرجوع، كما في المعراج قال: لانتفاضه بالهبة فإنها تمليك ويصح الرجوع اه.
وعلل له في الذخيرة بأنه بمعنى اليمين، إذ هو تعليق الطلاق بتطليقها نفسها، واعترضه في الفتح بأن هذا يجري في سائر الوكالات لتضمنه معنى إذا بعته فقد أجزته، مع أن الرجوع عنها(3/347)
صحيح، وإنما العلة هي كونه تمليكا يتم بالمملك وحده بلا قبول، وتمامه في النهر فافهم.
قوله: (حتى لو خيرها الخ) تفريع ثان على عدم كونه توكيلا بل هو تمليك، فأن علة الحنث وهو قول محمد كونها نائبة عنه وهو ممنوع كما في الفتح عن الزيادات لصاحب المحيط: أي لكونها صارت مالكة، وعليه فلو وكل رجلا بطلاقها يحنث كما سيأتي في الايمان إن شاء الله تعالى عند ذكر ما يحنث فيه بفعل مأموره.
قوله: (وأخواته) الاولى وأختيه، وهما: اختاري، وأمرك بيدك، واعلم أن ما ذكره المصنف هنا إلى قوله: وجلوس القائمة سيذكره أيضا في فصل المشيئة.
قوله: (فلا يتقيد بالمجلس) أما في متى ومتى ما فلانهما لعموم الاوقات فكأنه قال: في أي وقت شئت فلا يقتصر على المجلس، وأما في إذا وإذا ما فإنهما ومتى سواء عندهما، وأما عنده فيستعملان الشرط كما يستعملان للظرف لكن الامر صار بيدها فلا يخرج بالشك.
ح عن المنح.
قوله: (لما مر) أي من أنه ليس توكيلا، بل لو صرح بتوكيلها لطلاقها يكون تمليكا كما في البحر عن الفصولين.
قوله: (أو قوله لاجنبي طلق امرأتي) قيد بالطلاق، لانه لو قال: أمر امرأتي بيدك يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الاصح.
بحر.
عن الخلاصة في فصل المشيئة.
ولو جمع له بين الامر باليد والامر بالتطليق ففيه تفصيل مذكور هناك.
قوله: (فيصح رجوعه) زاد الشارح الفاء لتكون في جواب أما التي زادها قبل.
قوله: (لانه توكيل محض) أي بخلاف طلقي نفسك، لانها
عاملة لنفسها فكان تمليكا لا توكيلا.
بحر قوله: (كان تمليكا في حقها) لانها عاملة فيه لنفسها، وقوله: توكيلا في حق ضرتها لانها عاملة فيه لغيرها، والظاهر أيضا أنه ليس من عموم المجاز ولا من استعمال المشترك في معنييه، لان حقيقة قوله: طلقي واحدة وهي الامر بالتطليق وإن اختلف الحكم المترتب عليه باختلاف متعلقه، كما قال الآخر طلق امرأتي وامرأتك فإنه وكيل وأصيل، فافهم.
قوله: (فيصير تمليكا) فلا يملك الرجوع لانه فوض الامر إلى رأيه، والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته والوكيل مطلوب منه الفعل شاء أو لم يشأ.
ط عن المنح.
قوله: (لا توكيلا) أي وإن صرح بالوكالة.
بحر عن الخانية.
قوله: (لا يرجع ولا يعزل) لا يلزم من عدم ملك الرجوع عدم ملك العزل، لانه لو قال لاجنبي أمر امرأتي بيدك ثم قال عزلتك وجعلته بيدها لا يصح عزله مع أنه لم يرجع عن التفويض بالكلية، فافهم.
قوله: (ولا يبطل بجنون الزوج) نظرا إلى أنه تعليق ط.
قوله: (لا بعقل) هو الخامس ط قوله: (فيصح) تفريع على الخامس.
وبيانه ما في البحر عن المحيط: لو جعل أمرها بيد صبي لا يعقل أو مجنون فذلك إليه ما دام في المجلس، لان هذا تمليك في ضمنه تعليق، فإن لم يصح باعتبار التمليك يصح باعتبار معنى التعليق، فصححناه باعتبار التعليق، فكأنه قال: إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق، وباعتبار معنى التمليك يقتصر على المجلس عملا بالشبهين اه ط.
قال في الذخيرة: ومن هذا استخرجنا جواب مسألة صارت واقعة الفتوى.
صورتها إذا قال لامرأته الصغيرة أمرك بيدك ينوي الطلاق فطلقت نفسها صح، لان تقدير كلامه: إن طلقت نفسك(3/348)
فأنت طالق.
قوله: (وصبي لا يعقل) بشرط أن يتكلم، فيصح أن يوقع عليها الطلاق ولا يلزم من التعبير العقل.
طعن البحر قوله: (بخلاف التوكيل) أي في المسائل الخمس، لكن في الاخيرة بحث سأذكره في فصل المشيئة.
قوله: (نعم لو جن) أي المفوض إليه ط.
قوله: (فهنا تسومح الخ) نظيره كما في البحر من فصل المشيئة: لو جن الوكيل بالبيع جنونا يعقل فيه البيع والشراء ثم باع لا ينعقد بيعه، بخلاف ما لو وكل مجنونا بهذه الصفة، لانه في الاول كان التوكيل ببيع تكون العهدة فيه
على الوكيل، وبعد ما جن تكون العهدة على الموكل فلا ينفذ، وفي الثاني إنما وكل ببيع عهدته على الموكل فينفذ عليه كما في الخانية وفي تفويض الطلاق وإن كان لا عهدة أصلا، لكن الزوج حني التفويض لم يعلق إلا على كلام عاقل، فإذا طلق وهو مجنون لم يوجد الشرط، بخلاف ما إذا فوض إلى مجنون ابتداء وإن لم يعقل أصلا فإنه يصح باعتبار معنى التعليق، وفي التوكيل بالبيع لا يصح إلا إذا كان يعقل البيع والشراء كما مر، وكأنه بمعنى المعتوه، ومن فرعي التفويض والتوكيل بالبيع ظهر أنه تسومح في الابتداء ما لم يتسامح في البقاء، وهو خلاف القاعدة الفقهية من انه يتسامح في البقاء ما لم يتسامح في الابتداء اه ما في البحر ملخصا.
قلت: وهذه القاعدة عبر عنها في الاشباه بقوله: الرابعة يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها، ثم فرع عليها فروعا، ثم فرع على عكسها فرعين غير هذين الفرعين، فتصير فروع العكس أربعة بزيادة هذين الفرعين.
قوله: (وجلوس القائمة) في جامع الفصولين: ولو مشت في البيت من جانب إلى جانب لم يبطل اه.
قال في البحر: ومعناه أن يخيرها وهي قائمة فمشت من جانب إلى آخر، أما لو خيرها وهي قاعدة في البيت فقامت بطل خيارها بمجرد قيامها لانه دليل الاعراض اه.
قلت: وفيه أن هذا قول البعض، وأن الاصح أنه لا بد أن يكون مع القيام دليل الاعراض كما مر.
قوله: (واتكاء القاعدة) أما لو اضطجعت، فقيل لا يبطل، وقيل إن هيأت الوسادة كما يفعل للنوم بطل.
بحر عن الخلاصة.
قوله: (للمشورة) فلو دعته لغيرها بطل، لما مر من أن الكلام الاجنبي دليل الاعراض.
قوله: (بفتح وضم) أي فتح الميم وضم الشين، وكذا بسكون الشين مع فتح الميم والواو كما في المصباح قوله: (إذا لم يكن عندها من يدعوهم) صادق بما إذا لم يكن عندها أحد أصلا، أو عندها ولا يدعوهم، فلو عندها من يدعوهم فدعت بنفسها بطل، والظاهر أن هذا الحكم يجري في دعاء الاب للمشورة ط.
قوله: (في الاصح) وقيل إن تحولت بطل بناء على أن المعتبر إما تبدل المجلس أو الاعراض والاصح اعتبار الاعراض.
أفاده في البحر.
قوله: (لتمكنها(3/349)
من الاختيار أي اختيارها نفسها، فعدم ذلك دليل الاعراض.
بحر.
قوله: (والفلك) أي السفينة.
قوله: (حتى لا يتبدل الخ) لان سيرها غير مضاف إلى راكبها بل إلى غيره من الريح ودفع الماء، فلا يبطل الخيار بسيرها بل بتبدل المجلس.
فتح.
قوله: (إلا أن تجيب مع سكوته) لانها لا يمكنها الجواب بأسرع من ذلك فلا يتبدل حكما، لان اتحاد المجلس إنما يعتبر ليصير الجواب متصلا بالخطاب وقد وجد إذا كان بلا فصل، كذا في الفتح.
وفسر الاسراع في الخلاصة بأن يسبق جوابها خطوتها.
نهر وظاهر قول الفتح: فلا يتبدل حكما أنه لا يشترط هذا السبق، لانه لا يحصل به التبدل لا حقيقة ولا حكما.
قوله: (فإنه كالسفينة) يعني بجامع أن السير في كل منهما غير مضاف إلى راكب، وقياس هذا أنها لو كانت على دابة وثمة من يقودها أن لا يبطل بسيرها.
نهر.
وأقره الرملي.
قلت: قد يقال: إنه قياس مع الفارق، فإنهما لو كانا في محمل يقودهما آخر ينسب السير إلى القائد لعدم تمكن راكب المحمل من تسيير الدابة، بخلاف راكب الدابة فإنه يمكنه التسيير فينسب إليه وإن قاده غيره.
تأمل.
قال الرحمتي: وينبغي أن الدابة لو جمحت وعجزت عن ردها أن تكون كالسفينة، لان فعلها حينئذ لا ينسب إلى الراكب كما يأتي في الجنايات.
تتمة: لا يبطل خيارها فيما لو نامت قاعدة أو كانت تصلي المكتوبة أو الوتر فأتمتها، أو السنة المؤكدة في الاصح، أو ضمت إلى النافلة ركعة أخرى، أو لبست من غير قيام، أو أكلت قليلا، أو شربت، أو قرأت قليلا، أو سبحت، أو قالت لم لا تطلقني بلسانك.
قال في الفتح: لان المبدل للمجلس ما يكون قطعا للكلام الاول وإفاضة في غيره، وليس هذا كذلك،.
بل الكل يتعلق بمعنى واحد وهو الطلاق وتمامه في النهر.
قوله: (لعدم تنوع الاختيار) لان اختيارها إنما يفيد الخلوص والصفاء، والبينونة تثبت به مقتضى ولا عموم له.
نهر.
أي معنى اخترت نفسي اصطفيتها من ملك أحد لها وذلك بالبينوية فصارت البينونة مقتضى وهو ما يقدر ضرورة تصحيح الكلام، فإن اصطفاءها نفسها مع ملك الزوج لا يمكن فيقدر لاني أبنت نفسي، والمقتضى لا عموم له لانه ضروري، فيقدر بقدر الضرورة وهو البينونة الصغرى، إذ بها تستخلص نفسها وتصطفيها من ملك الزوج فلا تصح نية الكبرى لعدم احتمال اللفظ لها.
رحمتي.
قوله: (بخلاف أنت بائن) لانه ملفوظ به لا مانع من عمومه، فإذا أطلق انصرف إلى الادنى وهو البينونة الصغرى، ولو نوى الكبرى صح لانه نوى محتمل
لفظه، وكذا قوله: أمرك بيدك ولا يصح إيقاع الرجعي لانه تفويض بلفظ الكناية والواقع بها البائن، وهو يحتمل البينونتين فينصرف إلى الصغرى، وإن نوى الكبرى فأوقعتها بلفظها أو بنيتها صح لما قلنا.
أفاده الرحمتي.
قوله: (استحسانا) راجع إلى قوله: أو أنا أختار نفسي أي لو ذكرت بلفظ المضارع سواء ذكرت أنا أو لا، ففي القياس: لا يقع لانه وعد.
ووجه الاستحسان قول عائشة رضي الله عنها لما خيرها النبي (ص): بل أختار الله ورسوله، واعتبره (ص) جوابا، لان المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال كما هو أحد المذاهب، وقيل بالقلب، وقيل مشترك بينهما، وعلى الاشتراك يرجع هنا إرادة الحال بقرينة كونه إخبارا عن أمر قائم في الحال، وذلك ممكن في الاختيار(3/350)
لان محله القلب، فيصح الاخبار باللسان عما هو قائم بمحل آخر حال الاخبار كما في الشهادة، بخلاف قولها أطلق نفسي لا يمكن جعله إخبارا عن طلاق قائم، لانه إنما يقوم باللسان، فلو جاز لقام به الامران في زمن واحد وهو محال، وهذا بناء على أن الايقاع لا يكون بنفس أطلق لعدم التعارف، وقدمنا أنه لو تعورف جاز، ومقتضاه أن يقع به هنا لانه إنشاء لا إخبار، كذا في الفتح ملخصا.
قال في النهر: وقيد المسألة في المعراج بما إذا لم ينو إنشاء الطلاق، فإن نواه وقع اه.
والمناسب التعبير بضمير المؤنث، لان المسألة هي قول المرأة أطلق نفسي.
تأمل.
قوله: (أنا طالق) ليس هذا في الجوهرة ولا في البحر والنهر والمنح والفتح، بل صرح في البحر في الفصل الآتي نقلا عن الاختيار وغيره وسيذكره الشارح أيضا هناك أنه يقع بقولها أنا طالق، لان المرأة توصف بالطلاق دون الرجل اه.
وعبارة الجوهرة: وإن قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق لم يقع قياسا واستحسانا اه، نعم ذكر في البحر في فصل المشيئة عن الخانية: قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إن شئت فقالت أنا طالق لا يقع شئ اه.
لكن عدم الوقوع لانه علق الثلاث على مشيئتها الثلاث، ولا يمكن إيقاع الثلاث بلفظ طالق، فلا يقع شئ لانه لم يوجد المعلق عليه، والذي قال في الذخيرة: لا يقع إلا أن تقول أنا طالق ثلاثاد وبه علم أن لفظ أنا طالق يصلح جوابا، وإنما لم يقع هنا لما قلنا فتدبر.
قوله:
(أو تنو) مضارع مبني للمعلوم فاعله ضمير المرأة مجزوم بحذف الياء عطفا على يتعارف المبني للمجهول ح.
ثم هذا ليس من عبارة الفتح بل من زيادة الشارح أخذا مما نقلناه آنفا عن النهر عن المعراج.
قوله: (أو الاختيارة) مصدر اختاري، وأفاد أن ذكر النفس ليس شرطا بخصوصه، بل هي أو ما يقوم مقامها مما يأتي.
قوله: (في أحد كلاميهما) وإذا كانت النفس في كلاميهما فبالاولى، وإذا خلت عن كلاميهما لم يقع.
بحر.
قوله: (بالاجماع) لان وقوع الطلاق بلفظ الاختيار عرف بإجماع الصحابة وإجماعهم في اللفظة المفسرة من أحد الجانبين.
ط عن إيضاح الاصلاح.
قوله: (لانها تملك فيه الانشاء) أي فتملك تفسيره أيضا ط.
قال في البحر عن المحيط والخانية: لو قالت في المجلس عنيت نفسي يقع لانها ما دامت فيه تملك الانشاء.
قوله: (إلا أن يتصادقا) ظاهره ولو بعد المجلس.
بحر.
قوله: (والتاجية) نسبة إلى تاج الشريعة.
قوله: (لكن رده الكمال) حيث قال: الايقاع بالاختيار على خلاف القياس فيقتصر على مورد النص فيه، ولولا هذا لامكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية بعد أن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه لكنه باطل وإلا لوقع بمجرد النية مع لفظ لا يصلح له أصلا كاسقني اه.
قوله: (ونقله الاكمل) أي في العناية ط.
قوله: (فلو قال الخ) تفريع على ما علم من أن الشرط ذكر النفس أو ما يقوم مقامها في تفسير الاختيار.
قوله: (إذ التاء فيه(3/351)
للوحدة) أي واختيارها نفسها هو الذي يتحد مأة، بأن قال لها اختاري فقالت: اخترت نفسي تقع واحدة، ويتعدد أخرى كاختاري نفسك بثلاث تطليقات فقالت: اخترت وقعن، فلما قيده بالوحدة ظهر أنه أراد تخييرها في الطلاق فكان مفسرا ولا يرد أن هذا مناقض لما مر من أن الاختيار لا يتنوع لانه لا يلزم مما ذكرنا كون الاختيار نفسه يتنوع كالبينونة إلى غليظة وخفيفة حتى يصاب كل نوع منه بالنية من غير زيادة لفظ آخر.
أفاده في الفتح.
قوله: (وكذا ذكر التطليقة) وتقع بائنة إن في كلامها بأن قالت اخترت نفسي بتطليقة، بخلافها في كلامه فإنه يقع بها طلقة رجعية لانه تفويض بالصريح، وتصح فيه نية الثلاث كما مر.
قوله: (وتكرار لفظ اختياري) لان الاختيار في حج الطلاق هو الذي يتكرر فكان متعينا.
ط عن الايضاح.
لكن في كون التكرار مفسرا كالنفس كلام يأتي قريبا.
قوله:
(وقولها اخترت أبي الخ) لان الكون عندهم إنما يكون للبينونة وعدم الوصلة مع الزوج، بخلاف اخترت قومي أو ذارحم محرم لا يقع، وينبغي أن يحمل على ما إذا كان لها أب أو أم، أما إذا لم يكوكان لها أخ ينبغي أن يقع لانها حينئذ تكون عنده عادة، كذا في الفتح.
قال في النهر: ولم أر ما لو قالت اخترت أبي أو أمي وقد ماتا ولا أخ لها، وينبغي أن يقع لقيام ذلك مقام اخترت نفسي اه.
والحاصل أن المفسر ثمانية ألفاظ: النفس، والاختيارة، والتطليقة، والتكرار، وأبي، وأمي، وأهلي، والازواج، ويزاد تاسع وهو العدد في كلامه، فلو قال: اختاري ثلاثا فقالت اخترت يقع ثلاث لانه دليل إرادة اختيار الطلاق لاه هو الذي يتعدد، وقولها اخترت ينصرف إليه فيقع الثلاث أفاده في البحر.
قوله: (والشرط الخ) إنما اكتفى بذكر هذه الاشياء في أحد الكلامين، لانها إن كانت في كلامه تضمن جوابها إعادتها كأنها قالت فعلت ذلك، وإن كانت في كلامها فقد وجد ما يختص بالبينونة في اللفظ العامل في الايقاع، فإذا وجدت نية الزوج تمت علة البينونة فتثبت، بخلاف ما إذا لم يذكر النفس ونحوها في شئ من الطرفين، لان المبهم لا يفسر المبهم وللاجماع المار، وتمامه في الفتح.
قوله: (فلم يختص الخ) أخذه من القهستاني ح.
وكيف يختص مع مخالفته لقول المتون: وذكر النفس أو الاختيارة في أحد كلاميهما شرط.
قوله: (وما في الاختيار) هو شرح المختار لمؤلفه.
قوله: (من عدم الوقوع) أي في مسألة الاضراب.
قوله: (سهو) لمخالفته لما هو المنقول في الكتب المعتمدة.
بحر.
قوله: (لو عكست) بأن قالت اخترت زوجي لا بل نفسي، أو قالت زوجي ونفسي.
بحر.
قوله: (اعتبارا للمقدم) لعدم صحة الرجوع عنه.
قوله: (وبطل أمرها) عطف على لم يقع ح: أي خرج الامر من يدها في مسألتي العكس.
قوله: (كما لو عطفت بأو) أي فإنه لا يقع ويخرج الامر من يدها، لان أو لاحد الشيئين فلم يعلم اختيارها نفسها ولا زوجها على التعيين، فكان اشتغالا بما لا يعنيها فكان إعراضا اه ح.
قوله: (أو أرشاها الخ) أي جعل لها مالا لتختاره فاختارته لا يقع ولا يجب المال لانه رشوة، إذا هو اعتياض عن ترك حق تملك نفسها(3/352)
فهو كالاعتياض عن ترك حق الشفعة.
فتح.
قوله: (أو قالت الخ) قال في البحر: ولو قال لها اختاري فقالت ألحقت نفسي بأهلي لم يقع كما في جامع الفصولين وهو مشكل لانه من الكنايات، فهو كقولها أنا بائن اه ح.
وهذا ذكره في البحر في الفصل الآتي، وسنذكر جوابه ثمة عند قوله: وكل لفظ يصلح للايقاع الخ.
قوله: (بعطف) أي بواو أو فاء أو ثم، وفي شرح التلخيص للفارسي أنه في العطف بثم لو اختارت نفسها قبل تكلم الزوج بالثانية وهي غير مدخول بها بانت بالاولى ولم يقع بغيرها شئ.
بحر.
قوله: (بلا نية) كذا في الكنز والهداية والصدر الشهيد والعتابي، ووجهه ما قاله الشارح من دلالة التكرار على إرادة الطلاق، وكذا قال في تلخيص الجامع الكبير: والتعدد: أي التكرار خاص بالطلاق، فأغنى عن ذكر النفس والنية، لكن قال في غاية البيان: إن المصرح به في الجامع الكبير اشتراط النية وهو الظاهر اه.
وذهب إليه قاضيخان، وأبو المعين النسفي، ورجحه في الفتح بأن تكرار الامر باختيار لا يصيره ظاهرا في الطلاق، لجواز أن يريد اختاري في المال أو اختاري في المسكن.
قال في البحر: والاختلاف في الوقوع قضاء بلا نية مع الاتفاق، على أنه لا يقع في نفس الامر إلا بها.
والحاصل أن المعتمد رواية ودراية اشتراط النية دون النفس اه.
أقول: والذي مال إليه العلامة [ قاسم والمقدسي هو الاول، وقول البحر باشتراط النية دون النفس فيه نظر، لان من قال بعدم اشتراط النية بناء على التكرار دليل إرادة الطلاق يقول: لا يشترط ذكر النفس أيضا بدلالة التكرار، كما هو صريح عبارة التلخيص المارة، وصريح ما مر أيضا من عد التكرار من المفسرات التسعة، ومن قال باشتراط النية لم يجعل التكرار دليلا على إرادة الطلاق، كما هو صريح كلام الفتح المار، ومثله في شرح الزيادات لقاضيخان، فحيث لم يكن التكرار دليلا على إرادة الطلاق بقي لفظ الاختيار بلا مفسرا، وتقدم الاجماع على اشتراطه، فلزم من القول باشتراط النية اشتراط ذكر النفس، ولا يحصل التفسير بالنية لما في الفتح حيث قال: والايقاع بالاختيار على خلاف القياس، فيتقصر على مورد النص، ولولا هذا لامكن الاكتفاء بتفسير القرينة الحالية دون المقالية إن نوى الزوج وقوع الطلاق به وتصادقا عليه، لكنه باطل اه.
نعم حيث كان الاختلاف المار إنما هو الوقوع قضاء ينبغي أن يقال: إن ذكر الزوج النفس مع التكرار لا يشترط معه النية
اتفاقا، لما علمته من أن مناط الاختلاف هو أن التكرار هل يقوم مقام ذكر النفس في الدلالة على إرادة الطلاق أو لا؟ فإذا وجد التصريح بذكر النفس تعينت الدلالة على إرادة الطلاق، فلا يبقى محل للخلاف في اشتراط النية قضاء، لان ذكر النفس يكذبه في دعواه أنه لم ينو كما مر في كنايات الطلاق من أن الدلالة أقوى من النية لكونها ظاهرة والنية باطنة، فتعين كون الخلاف المار في أنه هل(3/353)
تشترط النية في صورة التكرار أو لا تشترط، محله ما إذا لم يذكر النفس أو ما يقوم مقامها، هذا ما ظهر لي في هذا المقام فتدبره فإنه مفرد، ومن هنا ظه لك أنه لا تنافي بين قوله هنا بلا نية، وقوله في أول الباب ينوي الطلاق لان ما ذكره أولا من اشتراط النية إنما هو فيما إذا لم تذكر النفس ونحوها من المفسرات في كلام الزوج، وإنما ذكرت في كلام المرأة فتشترط النية لتتم علة البينونة كما قدمناه سابقا عن الفتح، وقدمنا أن الغضب أو المذاكرة يقوم مقام النية في القضاء.
أما إذا ذكرت النفس ونحوها في كلامه فلا حاجة إلى النية في القضاء لوجود ما يختص بالبينونة، وهل التكرار في كلامه مفسر كالنفس فيغني عن النية أو لا؟ فيه الخلاف الذي سمعته، وأما إذا لم تذكر النفس أو نحوها لا في كلامه ولا في كلامها لا يقع أصلا وإن نوى كما مر.
قوله: (ثلاثا) يوجد في بعض النسخ ذكرها قبل قوله: بلا نية وهو الذي في المنح، وهو الانسب لافادته أن الثلاثة لا تشترط لها النية أيضا ط.
قوله: (في اخترت الاولى) قيد به لان في قولها اخترت أو اخترت اختيارة يقع ثلاث اتفاقا وكذا اخترت مرة أو بمرة أو دفعة أو بدفعة أو بواحدة أو اختيارة واحدة تقع الثلاث في قولهم.
بحر.
قوله: (إلى آخره) أي أو الوسطى أو الاخيرة، والمراد أنها قالت اخترت الاولى، أو قالت اخترت الوسطى أو قالت الاخيرة ويحتمل كون المراد أنها ذكرت الثلاثة من العطف بأو.
قوله: (وأقره الشيخ علي المقدسي) فيه أن المقدسي في شرحه على نظم الكنز إنما حكى القولين، ثم ذكر توجيه قولهما وأعقبه بتوجيه قول الامام.
قوله: (فقد أفاد الخ) فيه أن قول الامام مشى عليه أصحاب المتون، وأخر دليله في الهداية فكان هو المرجح عنده على عادته، وأطال في الفتح وغيره في توجيهه ودفع ما يرد عليه، وتبعه في البحر والنهر فكان هو
المعتمد لاصحاب المتون والشروح فلا يعارضه اعتماد الحاوي القدسي.
قوله: (في جواب التخيير المذكور) أي المرر ثلاثا كما في النهر.
وعبارة البحر: في جواب قوله اختاري قوله: (في الاصح) الانسب إبداله بقوله: هو الصواب لان ما في الهداية وبعض نسخ الجامع الصغير من أنه يملك الرجعة جزم الشارحون بأنه غلط وما في البحر من أنه رواية رده في النهر.
قوله: (لتفويضه بالبائن) لان لفظ التخيير كناية فيقع به البائن.
قوله: (فلا تملك غيره) لانه لا عبرة لا يقاعها بل لتفويض الزوج، ألا ترى أنه لو أمرها بالبائن أو الرجعي فعكست وقع ما أمر به الزوج.
بحر.
قوله: (فاختارت نفسها) أشار إلى أن اخترت كما يصلح جوابا للاختيار يصلح جوابا للامر باليد كما يأتي.
أفاده ط.
قوله: (والمفيد للبينونة الخ) جواب عن سؤال هو أن كلا من أمرك بيدك واختاري(3/354)
يفيد البينونة فلا يجوز صرفه عنها إلى غيرها.
قال السائحاني: ومن هنا يعلم أن قوله لزوجته روحي طالقة رجعي.
قوله: (كعكسه) يعني أن الصريح إذا قرن بالكناية كان بائنا نحو أنت طالق بائن ح.
قوله: (بخلاف) الباء للسببية متعلق بقيد: أي إنما قيد بفي بسبب مخالفة الخ، وقوله: ومثلها الباء اعتراض ح.
قوله: (فهي بائنة لانه فوض إليها بلفظ البائن، وذكر الصريح علة أو غاية لا على أنه هو المفوض، بخلاف في لانه جعل الامر مظروفا في التطليقة، والباء هنا.
بمعنى في رحمتي.
قوله: (كما لو جعل أمرها بيدها) أي بأن قال أمرك بيدك لو لم الخ، فقوله له لم تصل شرط، وقوله أمرك بيدك دليل جوابه، وقوله فطلقي تفسير لكون أمرها بيدها ح.
قوله: لان لفظة الطلاق علة للمسائل الثلاث ط.
قوله: (لم تكن في نفس الامر) أي في نفس الامر باليد: أي لم تكن معمولا له، وليس المراد بنفس الامر الواقع ح.
قوله: (فلم تختر) يعني لم يكن لها الخيار كما عبر به في البحر، وحيث ارتكب الشارح هذا التركيب كان عليه أن يحذف الفاء كما لا يخفى ح.
وفي بعض النسخ: فلا خيار لها ما لم يخيرها.
قوله: (بخلاف أخبرها بالخيار) أي فقبل أن يخبرها سمعت الخبر فاختارت نفسها وقع، لان الامر لا بالاخبار يقتضي تقدم المخبر عنه، فكان هذا إقرارا من الزوج بثبوت الخيار لها.
بحر.
قوله: (وقع ثنتان) إحداهما بالمشيئة وأخرى بالخيار، لانه فوض إليها طلاقين:
أحدهما صريح، والآخر كناية، والكناية حال ذكر الصريح لا تفتقر إلى نية.
بحر.
قوله: (اتحد) حتى إذا ردت في اليوم بطل أصلا.
هندية.
ومثله إذا قال اختاري في اليوم وغد كما في البحر ط.
قوله: (ولو واختاري غدا) بأن قال اختاري اليوم واختاري غدا، فهما خياران بقرينة إعادة ذكر الاختيار ط، وسيأتي ما يتحد وما يتعدد في الباب الآتي.
قوله: (قال اختاري اليوم الخ) لما ذكره معرفا انصرف إلى المعهود وهو الحاضر، ولم يمكن تخييرها في الماضي منه فكانت مخيرة إلى انقضائه، وذلك بغروب الشمس في اليوم وبرؤية الهلال في الشهر وبتمام ذي الحجة في السنة، كما لو حلف لا يكلمه اليوم أو الشهر أو السنة، وأما لو نكره انصرف إلى كامله وكان ابتداؤه من حين التخيير فينتهي بمثله من الغد، فيدخل ما بينهما من الليل ضرورة مع أن الليل لا يتبع اليوم المفرد، وكأن هذه المسألة مستثناة من ذلك.
رحمتي.
وما ذكره الشارح مأخوذ من الجوهرة.
وعبارة البحر في الفصل الآتي عن الذخيرة: لو قال أمرك بيدك يوما أو شهرا أو سنة فلها الامر من تلك الساعة إلى استكمال المدة المذكورة اه.
وهذه العبارة تحتمل أن يكون المراد أنه يكمل من الليل أو يكمل من اليوم الثاني مع دخول الليل وعدمه، لكن صرحوا في الايمان في: لا أكلمه يوما بتكميله من اليوم الثاني مع دخول الليل كما مر عن الرحمتي.
قوله: (وإلى تمام ثلاثين يوما) لان(3/355)
التفويض حصل في بعض الشهر فلا يمكن اعتبار الاهلة فيه فيعتبر بألايام بالاجماع.
ذخيرة، ومفهومه أنه لو كان حين أهل الهلال كما في مسألة الاجارة.
قوله: (في الليلة الاولى ويومها) لان الرأس الاول، وتحت الشهر نوعان: الليل والنهار، فأول الليالي الليلة الاولى، وأول الاشهر اليوم الاول ط.
قوله: (ولا يبطل المؤقت) أي الخيار المؤقت بيوم أو شهر أو سنة بالاعراض في مجلس العلم بل بمضي الوقت المعين علمت بالتخيير أو لا، أما الخيار المطلق فيبطل الاعراض ط.
والله أعلم.
باب الأمر باليد الأمر هنا بمعنى الحال واليد بمعنى التصرف.
بحر عن المصباح والمعنى باب بيان حال
طلاق المرأة الذي جعله زوجها في تصرفها ط وقدمنا أن المناسب الترجمة هنا بالفصل بدل الباب قوله (هو كالاختيار) أي في اشتراط النية وذكر النفس أولى ما يقوم مقامها وعدم ملك الزوج الرجوع وتقيده بمجلس التفويض أو مجلس علمها إذا كانت غائبة أو بالمدة إذا كان مؤقتا قوله (إلا في نية الثلاث) فإنها تصح هنا لا في التخيير لأن الأمر جنس يحتمل الخصوص والعموم فأيهما نوى صحت نيته وما في البدائع من عدم اشتراط ذكر النفس هنا مخالف لعامة الكتب كما في البحر والنهر قوله (ولو صغيرة) هذه واقعة الفتوى التي قدمناها في الباب المار عن الذخيرة قوله (لأنه كالتعليق) أي لأنه وإن كان تمليكا لكن فيه معنى التعليق كما مر بيانه في التخيير قوله (أمرك بيدك) مثله المعلق كإن دخلت الدار فأمرك بيدك فإن طلقت نفسها كما وضعت القدم فيها طلقت وإن بعدما مشت خطوتين لم تطلق لأنها طلقت بعدما خرج الأمر من يدها بحر عن المحيط وفي العتابية وإن مشت خطوة بطل فيحمل على ما إذا كانت رجلها فوق العتبة والأخرى دخلت بها وما سبق على ما إذا كانت خارج العتبة فبأول خطوة لم تتعد أول الدخول وبالثانية تتعدى ويخرج الأمر من يدها مقدسي قوله (أو بشمالك الخ) وفي البزازية أمرك في عينيك وأمثاله يسأل عن النية بحر قوله (ينوي ثلاثا) أشار إلى أنه لا بد من نية التفويض ديانة أو دلالة الحال قضاء كما في البحر وسيأتي محترز قوله ثلاثا قوله (أي تفويضها) أي تفويض الثلاث وأشار إلى أن هذا كناية عن التفويض لا عن الإيقاع حتى لو نوى بها الإيقاع لم يقع لأن لفظها لا يحتمل ذلك وهو ظاهر في غير الأمر باليد أما هو فيحتمل الإيقاع لأنه إذا أبانها كان أمرها بيدها وكأنه لم يجعل كناية عنه لعدم التعارف رحمتي قوله (في مجلسها) استفيد هذا القيد من الفاء التعقيبية.
نهر وهذا قيد في التفويض المطلق عن الوقت كما مر قوله (وقعن) أي الثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير والواحدة صفة للاختيارة فصار كأنها قالت(3/356)
اخترت نفسي بمرة واحدة وبذلك أنكر الثلاث نهر أما طلقي نفسك فإن الاختيار لا يصلح جوابا له كما يأتي في الفصل الآتي قوله (وينبغي الخ)
وعبارة لخلاصة عن المنتقى لو جعل أمرها بيد أبيها فقال أبوها قبلتها طلقت وكذا لو جعل أمرها بيدها فقالت قبلت نفسي طلقت اه وفي مثل هذا لا يتوقف على صغرها لأنه يصح أن يجعل الأمر بيد أجنبي وإن كانت بالغة وليس في عبارة الخلاصة أنه جعل أمرها بيدها فقبل أبوها حتى يتأتى ما بحثه الشارح تبعا لصاحب النهر رحمتي قلت على أنه إذا جعل أمرها بيدها يكون في معنى التعليق على اختيارها نفسها فلا يصح من أبيها ولو كانت صغيرة وكذا لو جعله بيد أبيها لا يصح منها ولو كبيرة لعدم وجود المعلق عليه قوله (وذكر اسمه تعالى للتبرك) أي فتنفرد المخاطبة بالأمر قوله (وإن لم ينو ثلاثا) محترز قوله ينوي ثلاثا وهو صادق بأن لم ينو عددا أو نوى واحدة أو ثنتين في الحرة فإنها أنكر واحدة بائنة وقدمنا أنه لا بد من نية التفويض إليها ديانة أو يدل الحال عليه قضاء بحر قوله (ولا دلالة) أما إذا وجدت الدلالة على الثلاث كمذاكرتها أو الإشارة بثلاث أصابع فيعمل بها وهذا أولى من قول النهر كما إذا كان في حال الغضب أو مذاكرة الطلاق فإنه لا يدل على نية الثلاث ط قوله (وتقبل بينتها على الدلالة) أي على الغضب أو المذاكرة مثلا، ولا تقبل على النية إلا أن تقام على إقراره بها كما في النهر عن العمادية قوله (كما مر) أي في أول الكنايات ح قوله (أو ما يقوم مقامها) كالاختيارة واخترت أمري ط وكاخترت أبي أو أمي أو أهلي أو الأزواج كما يعلم مما مر في التخيير والظاهر أن التكرار هنا مثله هناك قوله (فلو جعل أمرها بيدها الخ) محترز قوله وعلمها وترك الآخرين لظهورهما فلو اختارت نفسها بعد انقضاء المجلس لا يقع وهذا إذا أطلق إما إذا وقته كأمرك بيدك يوما لها الخيار ما دام الوقت ولو قال لها أمرك بيدك فقالت اخترت ولم تقل نفسي ولا ما يقوم مقامها لم يقع رحمتي قوله (لم تطلق) كالوكيل لا يصير وكيلا قبل العلم بالوكالة حتى لو يطلق لا يصح تصرفه بخلاف الوصي لأنه خلافة كالوراثة بزازية قوله (وكل لفظ الخ) نقل هذا الأصل في البحر عن البدائع ولم أر من أوضحه والذي ظهر لي في بيانه أنه ليس المراد تشخيص اللفظ بمادته وهيئته ولا بتغيير الضمائر والهيئات كما قيل بل المراد أن تسند اللفظ إلى ما لو أسنده إليه الزوج يقع به الطلاق فبهذا يكون
ما يصلح للإيقاع منه يصلح للجواب منها فقولها أنت علي حرام أو أنت مني بائن أو أنا منك بائن يصلح للجواب كما مر لأنها أسندت الحرمة البينونة في الأوليين إلى الزوج وهو لو أسندهما إليه يقع بأن قال أنا عليك حرام أو أنا منك بائن وفي الثالث أسندت البينونة إلى نفسها وهو لو أسندها إلى نفسها يقع بأن قال أنت مني بائن وكذا قولها أنا طالق أو طلقت نفسي أسندت الطلاق إلى(3/357)
نفسها فيصح جوابا لأنه لو أسند الطلاق إليها يقع بخلاف قولها طلقتك ومثله قولها أنت مني طالق لأنها أسندت الطلاق إليه ولو أسنده إلى نفسه لم يقع فحيث لم يكن صالحا للإيقاع منه لم يصلح للجواب منها فهذا هو الصواب في تقرير هذا الضابط وبه سقط ما قيل إنه منقوض بهذا الأخير لأنه لو قال لها طلقتك يقع وهو مبني على أن المراد تغيير الضمائر والهيئات وليس كذلك بل المراد ما ذكرنا ثم اعلم أن المراد من قولهم كل ما صلح للإيقاع من الزوج ما يصلح له بلا توقف على نية بعد طلبها منه الطلاق لما في جامع الفصولين الأصل أن كل شئ من الزوج طلاق إذا سألته فأجابها به فإذا أوقعت مثله على نفسها بعد ما صار الطلاق بيدها تطلق فلو قالت طلقني فقال أنت حرام أو بائن أو خلية أو برية تطلق فلو قالته بعد ما صار الطلاق بيدها تطلق أيضا ولو قالت له طلقني فقال الحقي بأهلك وقال لم أنو طلاقا صدق فلو قالته بعدما صار الأمر بيدها بأن قالت ألحقت نفسي بأهلي لا تطلق أيضا اه أي لأنه من الكنايات التي تحتمل الرد فتتوقف على النية في حالة الغضب والمذاكرة فلا تتعين للإيقاع بعد سؤالها الطلاق إلا بالنية بخلاف حرام وبائن فإنه يقع بلا نية في حال المذاكرة وبه اندفع ما في البحر من استشكاله الفرق بين ألحقت نفسي وأنا بائن فافهم قوله (فإنه ليس من ألفاظ الطلاق) لأنه لو نوى به الإيقاع لم يقع لأنه كناية تفويض لا إيقاع لكنه ثبت بالإجماع على خلاف القياس كما مر ومثله أمرك بيدك وإنما لم يستثنه لأنه لا يصلح جوابا منها بأن تقول أمري بيدي كما صرح به في البحر قوله (لكن يرد عليه) أي على هذا الضابط صحته أي صحة الجواب منها بقولها قبلت أو قول أبيها ذلك إذا كان التفويض إليه مع أن القبول لا يصلح للإيقاع منه وهذا الإيراد لصاحب البحر وقد يجاب عنه بأن قولها قبلت عبارة
عن اخترت نفسي فهو انظر تحت المستثني قوله (لما تقرر الخ) علة لقوله بانت يعني وأن أجابت بالصريح الواقع به الرجعي لكن يقع بائنا لأن المعتبر تفويض الزوج وأنبل إنما يكون بالبائن لأنها به تملك أمرها لا بالرجعي وأما علة وقوع الواحدة دون الثلاث فهي أن الواحدة في كلامها صفة لمصدر هو طلقة إذ خصوص العامل اللفظي قرينة خصوص المقدر وبهذا وقع الفرق بين طلقت نفسي بواحدة واخترت نفسي بواحدة واندفع ما قبل إنه ينبغي وقوع الواحدة في الثاني أيضا وتمامه في الفتح قوله (ولا يدخل الليل) أراد صارت الجنس فيشمل الليلتين وكذا ولا يدخل اليوم الفاصل وسكت عنه لظهوره ح وفي الحاوي القدسي ولا يدخل الليلان وغد فيه قوله (لأنها تمليكان) قال في البحر لأن عطف زمن على مماثل مفصول بينهما بزمن مماثل لهما ظاهر في قصد تقييد الأمر(3/358)
المذكور بالأول وتقييد أمر آخر بالثاني فيصير لفظ اليوم مفردا غير مجموع إلى ما بعده في الحكم المذكور لأنه صار عطف جملة على جملة أي أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد ولو أفرد اليوم لا يدخل الليل فكذا إذا عطف جملة أخرى اه ح قوله (فكان أمرها بيدها بعد غد) الذي شرح عليه المصنف وكان بالواو وهي الأولى ط قلت وهي كذلك في بعض النسخ قوله (ولو طلقت) مضعف مبني للمعلوم حذف مفعوله يعني ولو طلقت نفسها ليلا أي في إحدى الليلتين لا يصح وهذا تصريح بما فهم من قوله ولا يدخل الليل ح قوله (ولا تطلق إلا مرة) أراد بهذا دفع ما يتوهم من اقتضاء كونهما تمليكين جواز أن تطلق نفسها مرتين في كل يوم مرة اه ح أقول هذا يحتاج إلى نقل صريح بهذا المعنى لأن كونهما تمليكين يدل على أن لها أن تطلق نفسها اليوم وبعد غد وفي المنح لما ثبت أنهما أمران لانفصال وقتهما ثبت لها الخيار في كل واحد من الوقتين على حدة فبرد أحدهما لا يرتد الآخر وفيه خلاف زفر اه فالظاهر أن مراد الشارح أنها لا تطلب في كل يوم إلا مرة
قال في البدائع ولو اختارت نفسها في الوقت مرة ليس لها أن تختار مرة أخرى لأن اللفظ يقتضي الوقت لا التكرار ذكر ذلك في بحث المؤقت كاليوم والشهر فإذا كان تمليكين في وقتين فلها أن تختار في كل واحد منهما مرة فقط ويدل عليه ما نذكره قريبا عن البدائع أيضا فافهم قوله (وإن ردته الخ) عطف على قوله ويدخل الليل لبيان الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها من وجهين أحدهما أن لها أن تطلق نفسها ليلا والثاني لو ردت الأمر اليوم لم تملكه في الغد وبه علم أن العطف بالواو أحسن منه بالفاء فافهم قوله (لم يبق في الغد) قال في الهداية هو ظاهر الرواية وعن أبي حنيفة لها أن تختار نفسها غدا لأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع اه قوله (لأنه تفويض واحد) لأنه لم يفصل بينهما بيوم آخر وكان جمعا بحرف الجمع في التمليك الواحد فهو كقوله أمرك بيدك يومين وفيه الخطبة الليلة المتوسطة استعمالا لغويا وعرفيا بحر قوله (فهما أمران) قال في البدائع حتى لو اختارت زوجها اليوم أو ردت الأمر فهي على خيارها غدا لأنه لما كرر اللفظ فقد تعدد التفويض فرد أحدهما لا يكون ردا للآخر ولو اختارت نفسها في اليوم الأول فطلقت ثم تزوجها قبل الغد فأرادت أن تختار نفسها فلها ذلك وتطلق أخرى لأنه ملكها بكل واحد من التفويضين طلاقا فالإيقاع بأحدهما لا يمنع الإيقاع بالآخر اه فهذا دليل على ما ذكرناه في المسألة الأولى من أن لها تطلق في كل يوم مرة واحدة قوله (ولم يذكر خلافا) أي لم يذكر في الخانية خلافا في كونهما أمرين فما في الهداية من تخصيص أبي يوسف برواية ذلك عنه ليس لإثبات الخلاف وإنما هو لأنه مخرج الفرع المذكور كما في الفتح قوله (ولا يدخل الليل) لأنه أثبت لها الأمر في يوم مفرد والثابت في اليوم الذي(3/359)
يليه أمر آخر فتح قوله (ظاهر ما مر) أي من قوله فإن ردت الأمر في يومها بطل الأمر في ذلك اليوم وإنما قال ظاهر لاحتمال أن يراد برد الأمر اختيارها زوجها لا قولها رددته وستسمع التفصيل فيه ح قوله (لكن في العمادية الخ) فيه اختصار فكان عليه أن يقول وفي الذخيرة أنه لا يرتد ووفق في العمادية الخ
وبيان ذلك أن الحكم بصحة ردها مناقض لما في الذخيرة من أنه لو جعل أمرها بيدها أو يد أجنبي ثم ردت الأمر أو رده الأجنبي لا يصح لأن هذا تمليك شئ السري فيقع لازما والمسألة مروية عن أصحابنا رحمهم الله تعالى اه قال العمادي في فصوله والتوفيق أنه يرتد بالرد عند التفويض لا بعد قبوله نظيره الإقرار فإن من أقر لإنسان بشئ فصدقه المقر له ثم رد إقراره لا يصح الرد اه ومشى على هذا التوفيق شراح الهداية واختار المحقق ابن الهمام في الفتح توفيقا آخر وهو أن المراد بقولهم فإن ردت الأمر في يومها بطل هو اختيارها زوجها اليوم وحقيقته انتهاء ملكها والمراد بما في الذخيرة أن تقول رددت اه وإليه يرشد قول الهداية لأنها إذا اختارت نفسها اليوم لا يبقى لها الخيار في غد فكذا إذا اختارت زوجها برد الأمر ووفق في جامع الفصولين بأنه يحتمل أن يكون في المسألة روايتان لأنه تمليك من وجه فيصح رده قبل قبوله نظرا إلى التمليك ولا يصح نظرا إلى التعليق لا قبله ولا بعده فرواية صحة الرد نظرا للتمليك وفساده نظرا للتعليق اه واستظهره في البحر وأيده بأنه في الهداية نقل رواية عن أبي حنيفة بأنها لا تملك رد الأمر كما لا تملك رد الإيقاع وقال فلا حاجة إلى ما تكلفه ابن الهمام والشارحون وأورد قبل ذلك على ما قاله العمادي والشارحون أن قولها بعد القبول رددت إعراض مبطل لخيارها وتابعه على هذا الإيراد المقدسي فقال وهذا عجيب حيث أبطلوه بما يدل على الإعراض والرد كالأكل والشرب ولم يبطلوه بصريح الرد اه أقول هذا مدفوع بأن الكلام في المؤقت وقد صرحوا بأنه لا يبطل بالقيام عن المجلس والأكل والشرب ما لم يمض الوقت بخلاف المطلق عن الوقت كما مر قوله (قبل قبوله) الحدود مضاف لمفعوله أي قبول المرأة التفويض قوله (كالإبراء) أي عن الدين فإنه بعد ثبوته لا يتوقف على القبول ويرتد بالرد لما فيه من معنى الإسقاط والتمليك فتح قوله (وأنه في المتحد) عطف على قوله إنه يرتد بردها أي وظاهر ما مر أيضا أنه في المتحد مثل أمرك بيدك اليوم وغدا لا يبقى في الغد وفيه أن هذا منصوص في كلام المصنف صريحا وقوله لكن الخ استدراك على قوله لا يبقى في الغد قوله (إلى رأس الشهر) أي الشهر الآتي قوله (بطل خيارها في اليوم
الخ) المراد باليوم والغد المجلس كما عبر به في التاترخانية لا خصوص اليوم الأول والثاني قوله (ولها أن تختار نفسها في الغد) أي فقد بقي مع أنه من المتحد ح قوله (عند الإمام) وكذا عند محمد وقال أبو يوسف خرج الأمر من يدها في الشهر كله وذكر في البدائع أن بعضهم ذكر(3/360)
الخلاف على العكس أي أنه يخرج الأمر في الشهر كله عندهما لا عند أبي يوسف وكذا في التاترخانية وقال إنه الصحيح قوله (بأنه متى ذكر الوقت) أي كأمرك بيدك اليوم وغدا أو إلى رأس الشهر اعتبر تعليقا أي والتعليق لا يرتد بالرد وإلا أي وإن لم يذكر الوقت كأمرك بيدك يعتبر تمليكا أي والتمليك يرتد قبل قبوله كما مر وفيه نظر من وجهين الأول أن القبول هنا بمعنى اختيارها أحد الأمرين نفسها أو زوجها فإذا قالت اخترت زوجي وجد القبول فلا تملك الرد بعده باختيارها نفسها فلا فرق حينئذ بين اعتبار التعليق والتمليك فليتأمل الثاني ما أورده ح من أن هذا التوجيه لا يدفع التناقض بين ما في المتن وما في الولوالجية لأنه يقتضي أن يبقي الأمر بيدها في الغد إذا اختارت زوجها اليوم في أمرك بيدك اليوم وغدا مع أنه خلاف ما نص عليه المصنف وأجاب ط بأن مقصود الشارح ثبوت التناقض لا دفعه أقول والجواب عن التناقض أن الخلاف جار في مسألة المتن أيضا كما قدمناه عن الهداية وفي البدائع ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا فهو على ما مر من الاختلاف وصرح به الولوالجي أيضا فقال في مسألة اليوم وغدا لو ردت الأمر في اليوم يبقى في الغد وفي الجامع الصغير لا يبقى وعليه الفتوى اه وقد علمت مما مر من حكاية الخلاف في مسألة الشهر أن الأمر لا يبقى في الغد عندهما خلافا لأبي يوسف فافهم قوله (بقي لو طلقها بائنا الخ) قيد بالبائن لأنه لو طلقها رجعيا بقي أمرها قولا واحدا ح وأراد الشارح الجواب عن مناقضة أخرى بين كلامهم فإن العمادي ذكر في فصوله أنه لو قال أمرك بيدك ثم طلقها بائنا خرج من يدها في ظاهر الرواية قال في موضع آخر لا يخرج ثم وفق بحمل الأول على التفويض المنجز والثاني على المعلق قال في
النهر وأصله ما مر من أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان معلقا قوله (لكن في البحر الخ) استدراك على توفيق العمادي فإنه صرح في القنية بأنه إذا قال إن فعلت كذا فأمرك بيدك ثم طلقها قبل وجود الشرط طلاقا بائنا ثم تزوجها يبقى الأمر في يدها ثم رقم لا يبقى في ظاهر الرواية فهذا صريح في أن المعلق يخرج كالمنجز في ظاهر الرواية قال في البحر فالحق أن المسألة اختلاف الرواية وأن ظاهر الرواية بطلانه بالإبانة لو طلقت نفسها في العدة لا بعد زوج آخر لقولهم إن زوال الملك بعد اليمين لا يبطلها والتخيير بمنزلة التعليق وأجاب في النهر بأن ما في القنية مبني على الطلاق وظاهر الرواية وهو مقيد بما مر من التوفيق قلت ويؤيده ما في شرح المقدسي على الخلاصة قال السرخسي قال لامرأته اختاري ثم طلقها بائنا بطل الخيار وكذا الأمر باليد ولو رجعيا لا يبطل أصله أن البائن لا يلحق البائن فلو تزوجها في العدة أو بعدها لا يعود الأمر بخلاف ما إذا كان الأمر معلقا بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط وفي الإملاء لو قال اختاري إذا شئت أو أمرك بيدك إذا شئت ثم طلقها واحدة بائنة(3/361)
ثم تزوجها واختارت نفسها عند أبي حنيفة تطلق بائنا وعند أبي يوسف لا قال الإمام السرخسي قوله ضعيف اه فظهر بهذا قوة ما وفق به في الفصول فإن قلت نفس الاختيار فيه معنى التعليق فينبغي أن لا يكون فرق قلنا الفرق بين التعليق الصريح وما فهي معنى التعليق ظاهر لا يخفى على من عنده نوع تحقيق ولبعضهم هنا كلام يغني النظر إليه عن التكلم عليه اه والظاهر أنه أراد بالبعض صاحب البحر فإن ما ذكره من عدم الفرق بين المنجز والمعلق وتقييده البطلان بما إذا طلقت نفسها في العدة لا بعدها بناء على أن التخيير بمنزلة التعليق يرده صريح كلام السرخسي فافهم قوله (صح) مقيد بما إذ ابتدأت المرأة فقالت زوجت نفسي منك على أن أمري بيدي أطلق نفسي كلما أريد أو على أني طالق فقال الزوج قبلت
أما لو بدأ الزوج لا تطلق ولا يصير الأمر بيدها كما في البحر عن الخلاصة والبزازية قوله (لم تسمع) أي لعدم حصول ثمرته ط قوله (بحكم الأمر) الباء للسببية لأن حكم الشئ ثمرته وأثره المترتب عليه وحكم الأمر ملكها طلاق نفسها قوله (ثم ادعته) أي ادعت الجعل المذكور أو الطلاق قوله (فالقول لها) لأنه وجد سببه بإقراره وهو التخيير فالظاهر عدم الاشتغال بشئ آخر بحر ولأنه لما أقر بالتخيير والطلاق صار بإنكاره مدعيا بطلان السبب والأصل عدمه وهذا بخلاف ما لو قال لقنه جعلت أمرك بيدك في العتق أمس فلم تعتق نفسك وقال القن فعلت لا يصدق إذ المولى لم يقر بعتقه لأن جعل الأمر بيده لا يوجب العتق ما لم يعتق الق نفسه والمولى ينكره بخلاف الطلاق فإنه أقربه وادعى إبطاله فلم يقبل منه كما أوضحه في البحر جوابا عما في جامع الفصولين من أنه ينبغي عدم الفرق قوله (ثم اختلفا) أي قال ضربتها بجناية وقالت بدونها وينبغي أن يكون ذلك بعد اختيارها نفسها كما علم مما قبله قوله (فالقول له) لأنه فقلنا صيرورة الأمر بيدها وإن لم يبين الجناية ولو أقامت بينة على أنه بغير جناية ينبغي أن تقبل وإن قامت على النفي لكونها على الشرط والشرط يجوز إثباته بالبينة وإن كان نفيا نهر عن العمادية قوله (كما سيجئ) أي في باب التعليق عند قوله إلا إذا برهنت ح قوله (ما تريد مني) استفهام وقوله افعل ما تريد أمر قوله (لم تطلق الخ) أي لأنه وإن كان في مذاكرة الطلاق لكنه لا يتعين تفويضا لاحتمال التهكم أي افعل إن قدرت تأمل قوله (لا يدخل نكاح الفضولي الخ) في البحر عن القنية إن تزوجت عليك امرأة فأمرها بيدك فدخلت امرأة في نكاحه بنكاح الفضولي وأجاز بالفعل ليس لها أن تطلقها ولو قال إن دخلت امرأة في نكاحي فلها ذلك وكذا في التوكيل بذلك اه أي لأنه بعقد(3/362)
الفضولي مع عدم الإجازة بالقول لم يصدق أنه تزوجها بل صدق أنها دخلت في نكاحه ومثل دخلت قوله تحل لي لكن سيذكر في آخر كتاب الأيمان عدم الحنث مطلقا حيث قال كل امرأة الخطبة في نكاحي أو تصير حلالا لي فكذا فأجاز نكاح فضولي بالفعل لا يحنث ومثله إن تزوجت امرأة بنفسي أو بوكيلي أو بفضولي أو دخلت في نكاحي بوجه ما تكن زوجته طالقا لأن قوله أو بفضولي عطف على قوله بنفسي وعامله تزوجت وهو خاص بالقول وإنما ينسد باب
الفضولي لو زاد أو أجزت نكاح فضولي ولو بالفعل ولا مخلص له إلا كان المعلق طلاق المتزوجة فيرفع الأمر إلى شافعي ليفسخ اليمين المضافة اه وحاصلة أنه إما أن يعلق طلاق زوجته أو طلاق التي يتزوجها ففي الثاني يرفع الأمر إلى شافعي بعدم أن في المسألة قولين ووجه عدم الحنث في أو دخلت امرأة في نكاحي أن دخولها لا يكون إلا بالتزويج فكأنه قال إن تزوجتها وبتزويج الفضولي لا يصير متزوجا بخلاف كل عبد دخل في ملكي فإنه يحنث بعقد الفضولي فإن ملك اليمين لا يختص بالشراء بل له أسباب سواه وقد ذكر المصنف القولين في فتاواه ورجح القول بعدم الحنث وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على ذلك في الأيمان قوله (لم يقع) لأنه تمليك منهما وهو في معنى التعليق على فعلهما فلم يوجد المعلق عليه بفعل أحدهما والله تعالى أعلم في المشيئة هذا هو النوع الثالث من يجري التفويض وليس تعليق الطلاق على المشيئة صريحا بل ما يشمله ويشمل الضمني فقد قال في كافي الحاكم وإذا قال لها طلقي نفسك ولم يذكر فيه مشيئة فذلك بمنزلة المشيئة غنم ذلك في المجلس اه أي لأنه موقوف على مشيئتها وتطليقها مشيئة ولذا قال في الكافي لو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت فقالت قد طلقت نفسي واحدة فهي طالق وقد شاءت حيث طلقت نفسها اه وبما قررناه اندفع ما أورده في النهر عن العناية من أن المناسب للترجمة الابتداء بمسألة فيها ذكر المشيئة ولا حاجة إلى ما أجاب عنه في الحواشي السعدية من أن ذكر ما فيه المشيئة منزل مما لم تذكر فيه منزلة المركب من المفرد يعني والمفرد يسبق المركب فكذا ما نزل منزلته اه وإن أقره في النهر نعم يصلح هذا للجواب عما قد يقال لم ذكر مسائل المشيئة ضمنا قبل مسائل المشيئة صريحا وإن كان كل منهما مقصودا من هذا الباب فافهم قوله (أو نوى واحدة) لو حذف هذا العلم بالأولى نهر قوله (أو اثنتين في الحرة) لأنهما في حقها عدد محض بخلاف الأمة فتضح نية الثنتين في حقها لأنهما فرد اعتباري كالثلاث في حق الحرة قوله (فطلقت) أي واحدة أو
ثنتين أو ثلاثا وكل مع عدم النية أصلا أو من نية الواحدة أو الثنتين في الحرة فهي تسعة والواقع فيها طلقة رجعية أما في الأمة فالصور أربع أفاده ح لأنها إما أن تطلق واحدة أو ثنتين وكل مع عدم النية أو مع نية الواحدة لكن قوله أو ثلاثا جار على قولهما بوقوع واحدة رجعية أما عند(3/363)
الإمام فإنها إذا طلقت ثلاثا ونوى واحدة أو لم ينو أصلا لا يقع شئ لأن موجب طلقي هو الفرد الحقيقي فيثبت وإن لم ينوه والفرد الاعتباري حنث الثلاث محتملة لا يثبت إلا بنيته فإتيانها بالثلاث حينئذ اشتغال بغير ما فوض إليها فلا يقع شئ كما أفاده في الشرنبلالية ومقتضاه أنه إذا نوى اثنتين فطلقت ثلاثا لا يقع عنده شئ أيضا فافهم قوله (ونواه) أي الثلاث وأفرد الضمير باعتبار المذكور أو لأنها فرد اعتباري وقيد به احترازا عما إذا لم ينو أصلا أو نوى واحدة أو اثنتين فإنه لا يقع شئ عنده كما علمت قوله (وقعن) أي الثلاث سواء أوقعتها بلفظ واحد أو متفرقا وإنما صح إرادة الثلاث لأن قوله طلقي نفسك معناه افعلي التطليق فهو مذكور لغة لأنه جزء معنى اللفظ فصح نية العموم في حق الأمة ثنتان وفي حق الحرة ثلاث فتح وقوله أو متفرقا يدل على أنه لو نوى الثلاث فطلقت واحدة أو ثنتين وقع ويأتي التصريح بوقوع الواحدة في طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة ويأتي تمامه قوله (قيد بخطابها) أي بقوله نفسك فافهم قوله (وبقولها في جوابه الخ) اعلم أنه لو قال لها طلقي نفسك فقالت في جوابه أبنت نفسي طلقت رجعية ولو قالت اخترت نفسي لم تطلق قال في الفتح وحاصل الفرق أن المفوض الطلاق والإبانة من ألفاظه التي تستعمل في إيقاعه كناية فقد أجاب بما فوض إليها بخلاف الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق لا صريحا ولا كناية ولهذا لو قالت أبنت نفسي توقف على إجازته ولو قالت اخترت نفسي فهو باطل ولا يلحقه إجازة وإنما صار كناية بإجماع الصحابة فيما إذا جعل جوابا للتخيير غير أنها زادت وصف تعجيل البينونة فيه فيلغو الوصف ويثبت الأصل اه وقوله ولهذا الخ استدلال على إثبات الفرق في مسألتنا بإثباته في مسألة أخرى وهي ما لو ابتدأت وقالت أبنت نفسي بدون قوله لها طلقي نفسك
وقع إن أجازه أي مع النية منه وكذا منها كما قدمناه معي الكنايات عن تلخيص الجامع وشرحه ولو ابتدأت وقالت اخترت نفسي لا يقع وإن أجازه مع النية لأن اخترت لم يوضع كناية إلا في جواب التخيير ولهذا لو قال لها اخترتك ناويا الطلاق لم يقع بخلاف لفظ الإبانة وقوله غير أنها الخ بيان لوقوع الرجعي في مسألتنا وبما قررناه ظهر لك أنه اشتبه على الشارح مسألة الابتداء بمسألة الجواب فالصواب إسقاط قوله إن أجاز وقوله بعده وإن أجازه لأن ذلك فيما إذا ابتدأت بقولها أبنت نفسي أو فاخترت وقد ذكر المسألة معي الكنايات وكلامنا الآن فيما إذا قالت ذلك في جواب قوله لها طلقي نفسك ذلك لا يتوقف على الإجازة أصلا ولا على نيتها الطلاق خلافا لما في النهر عن التلخيص لأن ما في التلخيص من اشتراط نيتها إنما ذكره في مسألة الابتداء لا في مسألة الجواب لأن قولها أبنت نفسي في جواب قوله طلقي نفسك غير محتاج إلى النية وأيضا فإن الواقع هنا رجعي وفي مسألة الابتداء بائن ورأيت ط نبه على بعض ما قلنا وكذا الرحمتي فافهم قوله (لأنه كناية) علة لقوله طلقت وأما علة كونها رجعية فتقدمت قوله (ولا كناية) أي ليس من كنايات الطلاق بل هو كناية تفويض وإنما عرف جوابا للتخيير بلفظ اختاري بالإجماع وألحق به الأمر باليد بخلاف طلقي فإنه لا يقع الاختيار جوابا(3/364)
قال في البحر وأفاد بعدم صلاحيته للجواب أن الأمر يخرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها كما في الفتح ودل اقتصاره على نفي الاختيار أن كل لفظ يصلح للإيقاع من الزوج يصلح جوابا لطلقي نفسك كجواب الأمر باليد كما صرح به في الخلاصة اه قوله (بأنواعه الثلاث) أي التخيير والأمر باليد والمشيئة قوله (لما فيه من معنى التعليق) أو لكونه تمليكا يتم بالملك وحده بلا توقف على القبول كما علل به في الفتح وقدمناه في التفويض قوله (لأنه تمليك) أي وإن صرح بلفظ الوكالة كما إذا قال وكلتك في طلاقك كما في الخانية أي لأنها عاملة لنفسها والوكيل عامل لغيره أفاده في البحر ثم قال والظاهر أنه لا فرق بين تعليق التطليق أو الطلاق في حق هذا الحكم أي تقييده بالمجلس لما في المحيط إذ قال لها طلقي نفسك ولم يذكر مشيئة فهو بمنزلة المشيئة إلا في خصلة وهي أن نية الثلاث صحيحة في طلقي دون أنت طالق إن شئت اه وظاهره
أنها إذا لم تشأ في المجلس خرج الأمر من يدها اه قوله (ونحوه الخ) كإذا شئت أو إذا ما شئت أو حين شئت فإن لها أن تطلق في المجلس وبعده لأن هذه الألفاظ لعموم الأوقات فصار كما إذا قال في أي وقت شئت وكلما كمتى مع إفادة التكرار إلى الثلاث بخلاف إن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنه في هذه يتقيد بالمجلس والإرادة والرضا والمحبة كالمشيئة بخلاف ما إذا علقه بشئ آخر من أفعالها كالأكل فإنه لا يقتصر على المجلس نهر في الجميع بحر فتأمله واعلم أنه متى ذكر المشيئة سواء أتى بلفظ يوجب العموم أو لا إذا طلقت نفسها بلا قصد غلطا لا يقع بخلاف ما إذا لم يذكرها حيث يقع قال في الفتح وقدمنا ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق غلطا على الوقوع قضاء لا ديانة نهر قوله (مطلقا) أي في المجلس وبعده قوله (وإذا قال لرجل ذلك) اسم الإشارة راجع إلى الأمر بالتطليق أي قال له طلق امرأتي قيد به احترازا عما لو قال له أمر امرأتي بيدك فإنه يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الأصح وكذا جعلت إليك طلاقها فطلقها يقتصر على المجلس ويكون رجعيا بحر أراد بالرجل العاقل احترازا عن الصبي والمجنون لأنه لا بد في صحة التوكيل من عقل الوكيل كما صرح به كتاب الوكالة بخلاف ما إذا جعل أمرها بيد صبي أو مجنون فإنه يصح لأنه تمليك في ضمنه تعليق فكأنه قال إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق فهذا مما خالف فيه التمليك التوكيل أفاده في البحر وتقدم ذلك في باب التفويض لكن نقل في البحر بعد ذلك عن البزازية التوكيل بالطلاق تعليق الطلاق بلفظ الوكيل ولذا يقع منه حال سكره اه إلا أن يقال إن هذا لا ينافي اشتراط العقل لصحة التوكيل ابتداء لكن مقتضى التعليق بلفظ الوكيل عدم اشتراط عقله لوجود المعلق عليه بالتطليق وعليه فلا فرق بين التمليك والتوكيل في ذلك فليتأمل قوله (إلا إذا زاد وكلما عزلتك الخ) أي فإنه لا يقبل الرجوع ويصير لازما كما في الخلاصة وغيرها نهر ومقتضاه أنه لا يمكنه عزله لأنه من يجري الرجوع ويخالفه ما في البحر عن الخانية الصحيح أنصه يملك عزله وفي طريقه أقوال قال السرخسي يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق والمنجز وقيل يقول عزلتك كما وكلتك وقيل يقول رجعت عن الوكالات المعلقة وعزلتك(3/365)
عن الوكالة المطلقة قوله (فيتقيد به الخ) لأنه علقه بالمشيئة والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته هداية ثم اعلم أنه قال شئت لا يقع لأن الزوج أمره يتطليقها إن شاء ويوجد التطليق بقوله شئت ولو قال هي طالق إن شئت فقال شئت وقع لوجود الشرط وهو مشيئته ولو قال طلقها فقال فعلت وقع لأنه كناية عن قوله طلقت بحر عن المحيط وفيه عن كافي الحاكم لو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا إن نوى الزوج الثلاث وقعن وإلا لم يقع شئ عنده وقالا أنكر واحدة قوله (طلقها في مجلسه لا غير) فلو قام من مجلسه بطل التوكيل هو الصحيح لأن ثبوت الوكالة بالطلاق بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس فكذا الوكالة كذا في الخانية قال الحلواني ينبغي أن يحفظ هذا فإنه مما عمت به البلوى فإن الوكلاء يؤخرون الإيقاع عن مشيئتها ولا يدرون أن الطلاق لا يقع وهذا مما يستثنى من قوله لم يتقيد بالمجلس نهر وهذا مما يلغز به فيقال وكالة تقيدت بمجلس الوكيل بحر قوله (وطلقت واحدة) قال في البحر لا فرق بين الواحدة والثنتين ولو قال وطلقت أقل وقع ما أوقعته لكان أولى وأشار إلى أنها لو طلقت ثلاثا فلأنه يقع بالأولى وسواء كانت متفرقة أو بلفظ واحد اه قوله (وقعت) أي رجعية لأن اللفظ صريح كذا في بعض النسخ قوله (لأنها) أي الواحدة وقال في الفتح لأنها لما ملكت إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت كالزوج نفسه اه قال الرملي مقتضاه أن في مسألة ما إذا قالها طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت ثنتين أنكر ثنتان لأنها ملكت أيضا إيقاع الثلاث فكان لها أن توقع منها ما شاءت ولم أر من نبه عليه ويدل عليه قولهم فيها إنه لا فرق بين إيقاعها الثلاث بلفظ واحد أو متفرقة فإنا عند التفريق قد حكمنا بوقوع الثانية قبل الثالثة فلو اقتصرنا على الثانية أنكر الثنتان فقط فلو لم تملك الثنتين لما جاز التفويض تأمل اه قوله (وكذا الوكيل الخ) قال في البحر وفرق في هذا الحكم بين التمليك
والتوكيل فلو وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة فلو وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم فطلقها واحدة لم يقع شئ إلا أن يطلقها واحدة بكل الألف كذا في كافي الحاكم اه أي لأن الواحدة وإن كانت بعض ما فوض إليه لكن الزوج لم يرض بالطلاق إلا بعوض مخصوص فلا يصح بدونه قوله (لا يقع شئ في عكسه) أي فيما إذا أمرها بالواحدة فطلقت ثلاثا بكلمة واحدة عند الإمام أما لو قالت واحدة وواحدة وواحدة وقعت واحدة اتفاقا لامتثالها بالأولى ويلغو ما بعده وكذا لو قال أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقها نفسها ثلاثا قال في المبسوط أنكر واحدة اتفاقا لأنه لم يتعرض للعدد لفظا واللفظ صالح للعموم والخصوص وتمامه في البحر قوله (وقالا واحدة)(3/366)
أي أنكر واحدة قوله (طلقي نفسك الخ) لا فرق في المعلق بالمشيئة بين كونه أمرا بالتطليق أو نفس الطلاق حتى لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت أو واحدة إن شئت فخالفت لم يقع شئ بحر قوله (وكذا عكسه) بأن يقول طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا بحر قوله (لا يقع فيهما) بلا خلاف في الأولى لأن تفويض الثلاث معلق بشرط هو مشيئتها إياها لأن معناه إن شئت الثلاث فلم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا واحدة بخلاف ما إذا لم يقيد بالمشيئة ودخل في كلامه ما لو قالت شئت واحدة وواحدة وواحدة منفصلا بعضها عن بعض بالسكوت لأنه فاصل فلم توجد مشيئة الثلاث بخلاف المتصلة بلا سكوت لأن مشيئة الثلاث قد وجدت بعد الفراغ من الكل وهي في نكاحه ولا فرق بين المدخولة وغيرها وأما الثانية فعدم الوقوع فيها قول الإمام وعندهما أنكر واحدة بحر قوله (الاشتراط الموافقة لفظا) إنما تشترط الموافقة لفظا فيما هو أصل لا فيما هو تبع وهنا كذلك لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره لا بالوصف فإذا أمرها بثلاث أو بالواحدة فعكست تكون قد خالفت في الأصل الذي به الإيقاع بخلاف ما مر من أنه لو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي فإنها تطلق لأنها خالفت في الوصف فقط فيلغو ويقع الرجعي كما مر لكن هذا يقتضي عدم الفرق بين المعلق بالمشيئة وغيره مع أنه تقدم في غير المعلق بها كطلقي نفسك ثلاثا وطلقت واحدة أنه يقع واحدة إلا أن يقال إن اشتراط الموافقة لفظا خاص بالمعلق بالمشيئة فيكون
تعليقا للإتيان بصورة اللفظ كما يفيده ما يذكره الشارح قريبا عن الخانية فليتأمل قوله (لما في تعليق الخانية) عبارته على ما في البحر طلقي نفسك عشرا إن شئت فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع ثم قال لو قال لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت نصف واحدة لا تطلق اه وبه علم أن الشارح أسقط قيد المشيئة ووجه عدم الوقوع المخالفة في اللفظ وإن وافق في المعنى لأن العشرة لا يقع منها إلا ثلاثة والنصف يقع واحدة قوله (أمرها ببائن أو رجعي الخ) بأن قال لها طلقي نفسك بائنة فقالت طلقت نفسي رجعية أو قال لها رجعية فقالت طلقت نفسي بائنة وشمل ما إذا قلت أبنت نفسي لأنه راجع لما قبله وقد فرق بينهما قاضيخان في حق الوكيل فقال رجل قال لغيره طلق امرأتي رجعية فقال لها الوكيل طلقتك بائنة أنكر واحدة رجعية ولو قال الوكيل أبنتها لا يقع شئ اه ولعل الفرق بين الوكيل والمأمورة أن الوكيل بالطلاق لا يملك الإيقاع بلفظ الكناية لأنها متوقفة على نيته وقد أمره بطلاق لا يتوقف على النية فكان مخالفا في الأصل بخلاف المرأة فإنه ملكها الطلاق بكل لفظ يملك الإيقاع به صريحا كان أو كناية لكنه يتوقف على وجود النقل بأن الوكيل لا يملك الإيقاع بالكناية بحر واعترضت في النهر بأن ما في الخانية صريح في أن الوكيل يكون مخالفا بإيقاعه بالكناية هذا وقيد الشهاب الشلبي كلام المتن بما إذا قالت طلقت نفسي بائنة بخلاف أبنت نفسي فإنه لا يقع شئ وقال فاغتنم هذا التحرير فإنك لا تجده في شرح من الشروح ونقله الشرنبلالي وأقره قلت لكن الشلبي قيد بذلك أخذا من كلام قاضيخان في الوكيل وهو يتوقف على ثبوت(3/367)
عدم الفرق بينهما وفيه ما علمت مع أنه تقدم أول الفصل أنها تطلق بقولها أبنت نفسي فليتأمل قوله (والأصل الخ) قال في الفتح والحاصل أن المخالفة إن كانت في الوصف لا تبطل الجواب بل يبطل الوصف الذي به المخالفة ويقع على الأوجه الذي فوض به بخلاف ما إذا كانت في الأصل حيث يبطل كما إذا فوض واحدة فطلقت ثلاثا على قول أبي حنيفة أو فوض ثلاثا فطلقت ألفا
قوله (خانية بحر) أي نقله في البحر عن الخانية وفي بعض النسخ وبحر بالواو وهي صحيحة أيضا بل أولى لأن ذلك مستفاد من مجموع الكتابين فإنه في الخانية ذكر في باب التعليق قال لها طلقي نفسك واحدة بائنة إن شئت فطلقت نفسها رجعية أو قال واحدة أملك الرجعة إن شئت فطلقت بائنة لا يقع شئ في قياس قول أبي حنيفة لأنها ما أتت بمشيئة ما فوض إليها فاستنبط منه في البحر أن ما ذكره المصنف مفروض في غير المعلق بالمشيئة فافهم قوله (أي لم يوجد بعد) لما كان قوله لمعدوم صادقا على ما مضى وانقطع مع أن التعليق به تنجيز خصصه بقوله أي لم يوجد بعد ح وإنما أطلقه المصنف اعتمادا على ما ذكره في مقابله قوله (كإن شاء الخ) مثل بمثالين إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون المعلوم محقق المجئ أو محتملة ح قوله (بطل الأمر الخ) أي حال الطلاق قال في البحر لأنه علق الطلاق بمشيئتها المنجزة وهي أتت بالمعلقة فلم يوجد الشرط قيد بقوله شئت مقتصرة عليه لأنها لو قالت شئت طلاقي الخ وقع لأنها إذا لم تذكر الطلاق لا تعتبر النية بلا لفظ صالح للإيقاع ويستفاد منه أنه لو قال شئت طلاقك وقع بالنية لأن المشيئة تنبئ عن الوجود لأنها من الشئ وهو الموجود بخلاف أردت طلاقك لأنه لا ينبئ عن الوجود فقد فرق الفقهاء بين المشيئة والإرادة في صفات العبد وإن كانا مترادفين في صفاته تعالى كما هو اللغة فيهما وأحببت ورضيت مثل أردت اه قوله (وإن قالت) أي في المجلس بحر قوله (أراد بالماضي المحقق الجوزي) أي سواء وجد وانقضى مثل إن كان فلان قد جاء وقد جاء أو كان حاضرا كما مثل الشارح قوله (مثلا) راجع على قوله ليلا قوله (لأنه تنجيز) أي لأن التعليق بكائن تنجيز ولذا صح تعليق الإبراء بكائن ولا يرد أنه لو قال هو كافر إن كنت كذا وهو يعلم أنه قد فعله مع أن المختار أنه لا يكفر لأن الكفر يبتنى على تبدل الاعتقاد وتبدله غير واقع مع ذلك الفعل وتمامه في البحر قوله (فردت الأمر) بأن قالت لا أشاء نهر قوله (لا يرتد) فلها بعد ذلك أن تشاء لأنه لم يملكها في الحال شيئا بل أضافه إلى وقت مشيئتها فلا يكون تمليكا قبله فلا يرتد بالرد كاذ في الهداية(3/368)
وقد يقال إنه ليس تمليكا في حال أصلا بل هو تعليق للطلاق على مشيئتها وقولها طلقت إيجاد للشرط الذي هو مشيئتها وليس الواقع إلا طلاقه المعلق نعم هذا صحيح في قوله طلقي نفسك إن شئت فتح وأجاب في البحر بما في المحيط من أنه يتضمن معنى التعليق وهو السري لا يقبل الإبطال ومعنى التمليك لأن المالك هو الذي يتصرف عن مشيئته وإرادته وهي عاملة في التطليق لنفسها والمالك هو الذي يعمل لنفسه وجواب التمليك يقتصر على المجلس وفي الجامع أنت طالق إن شئت أو أحببت أو هويت ليس بيمين لأنه تمليك معنى تعليق صورة ولهذا يقتصر على المجلس والعبرة للمعنى دون الصورة اه وفائدته أنه لا يحنث في يمينه لا يحلف () اه أقول وقوله وجواب التمليك يقتصر على المجلس خاص بما إذا علق بأداة لا تفيد عموم الوقت كان وكيف وحيث وكم وأين بخلاف ما يدل على العموم وهو المذكور هنا وتقدم أيضا أول الفصل قوله (ولا يتقيد بالمجلس) أما في كلمة متى ومتى ما فلأنها للتوقيت وهي عامة في الأوقات كلها كأنه قال في أي وقت شئت وأما إذا وإذا ما فكمتى عندهما وعند الإمام وإن كانت تستعمل للشرط فكما تستعمل له تستعمل للوقت لكن الأمر صار بيدها فلا يخرج بالقيام عن المجلس بالشك نعم لو قال أردت مجرد الشرط لنا أن تقول يتقيد بالمجلس ويحلف لنفي التهمة نهر وتمامه في الفتح قوله (لأنها تعم الأزمان) تعليل لعدم التقييد بالمجلس كما أن قوله لا الأفعال علة لقوله ولا تطلق إلا واحدة ط قوله (لا تطليقا) كذا في بعض النسخ بالنصب عطفا على التطليق وفي أكثر النسخ لا تطليق ويمكن تأويله بجعل لا نافية للجنس والخبر محذوف دل عليه ما قبله والتقدير لا تطليق بعد تطليق مملوك لها فافهم قوله (ولا تجمع ولا تثني) عبارة الهداية فلا تملك الإيقاع جملة وجمعا قال في العناية قيل معناهما واحد وقيل الجملة أن تقول طلقت نفسي ثلاثا والجمع أن تقول طلقت نفسي واحدة وواحدة وواحدة هذا هو الظاهر اه يعني
في تفسير الجمع فكأنه يشير إلى ما في الدراية حيث فسر الجمع بأن تقول طلقت وطلقت وطلقت قال والأول أصح يعني كونهما بمعنى واحد كذا في النهر ويمكن أن يراد بالجملة الثنتان وبالجمع الثلاث ويكون قوله ولا تجمع ولا تثني إشارة إلى ذلك ثم اعلم أن ما في الدراية من تفسير الجمع بأن تقول طلقت وطلقت وطلقت وأن الأصح خلافه يفيد أن لها أن تطلق ثلاثا متفرقة في مجلس واحد على الأصح وإليه يشير ما في العناية أيضا حيث فسره بطلقة واحدة وواحدة وواحدة فإنه جمع لاتحاد العامل بخلاف ما في الدراية فإنه تفريق لا جمع لتكرر الفعل وعلى هذا فما في القهستاني من قوله تطلق ثلاثا متفرقة أي في ثلاثة مجالس فلا تطلق نفسها في كل مجلس أكثر من واحدة لأن كلما لعموم الإفراد فلا تطلق ثلاثا مجتمعة اه مبني على خلاف الأصح إلا أن يحمل قوله أكثر من واحدة على المجتمعة بقرينة قوله فلا تطلق ثلاثا مجتمعة تأمل ويدل على ما قلنا ما في جامع الفصولين أمرك بيدك كلما شئت فلها أن تختار نفسها كلما شاءت في المجلس أو بعده حتى تبين بثلاث إلا أنها لا تطلق نفسها في دفعة واحدة أكثر من واحدة اه فإن مقتضاه أن لها أن(3/369)
تطلق في مجلس واحد ثلاثا متفرقة إلا أن يفرق بين أنت طالق وأمرك بيدك لكن في غاية البيان قال وهذه من مسائل الجامع الصغير وصورتها محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل قال لامرأته أنت طالق كما شئت قال لها أن تطلق نفسها وإن قامت من مجلسها وأخذت في عمل آخر واحدة بعد واحدة حتى تطلق نفسها ثلاثا الخ قال في غاية البيان لأن كلمة كلما لتعميم الفعل فلها مشيئة بعد مشيئة إلى أن تستوفي الثلاث فإذا قامت من المجلس أو أخذت في عمل آخر بطلت مشيئتها المملوكة لها في ذلك المجلس بوجود دليل الإعراض ولكن لها مشيئة أخرى بحكم كلما اه فهذا صريح في أن لها تفريق الثلاث في مجلس واحد اه وأصرح منه ما في التاترخانية عن المحيط ولو قال لها أنت طالق كلما شئت فلها ذلك أبدا كلما شاءت في المجلس وغيره واحدة بعد واحدة حتى تطلق ثلاثا اه فافهم تنبيه قال في الفتح فلو طلقت ثلاثا أو ثنتين وقع عندهما واحدة وعنده لا يقع شئ اه
وفي البحر عن المبسوط كلما شئت فأنت طالق ثلاثا فقالت شئت واحدة فهذا باطل لأن معنى كلامه كلما شئت الثلاث اه قلت فأفاد أن تفريق الثلاث إنما هو فيما إذا لم يصرح بالعدد وفي كافي الأحكام كلما شئت فأنت طالق ثلاثا فشاءت واحدة فذلك باطل وكذا فأنت طالق واحدة فشاءت ثلاثا وكذا لو قال فأنت طالق ولم يقل ثلاثا فشاءت ثلاثا اه أي جملة فلو متفرقة ولو في مجلس جاز كما علمت قوله (لأنها لعموم الإفراد) بكسر الهمزة أي الانفراد كذا ضبطه الشارح في شرحه على المنار وكذا ضبطه ح وقال هو الحدود فيوافق تعبيرهم بالانفراد ويجوز فتحها اه وفي شرح العيني لأن كلما تعم الأوقات والأفعال عموم الانفراد لا عموم الاجتماع فيقتضي إيقاع الواحدة في كل مرة إلى ما لا يتناهى إلا أن اليمين يطلق إلى الملك القائم اه قوله (لا يقع) لأن التعليق إنما ينصرف إلى الملك القائم وهو الثلاث فباستغراقه ينتهي التفويض بحر قوله (وإلا) أي وإن لم تطلق نفسها أصلا أو طلقت نفسها ثلاثا في مجلس أو طلقت نفسها واحدة فقط أو ثنتين في مجلس ح مطلب في مسالة الهدم قوله (وهي مسألة الهدم الآتية) أي في آخر باب الرجعة وهي أن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث كما يهدم الثلاث فمن طلق امرأته واحدة أو أكثر ثم عادت إليه بعد زوج آخر عادت إليه بملك جديد فيملك عليها ثلاث طلقات وهذا عندهما وعند محمد إنما يهدم الثاني الثلاث فقط لا ما دونها فمن طلق امرأته ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر عادت إليه بما بقي وهو طلقة واحدة فإذا طلقها بعد العود طلقة واحدة لا تحرم عليه حرمة غليظة عندهما وعنده تحرم وكذا إذا قال كلما دخلت الدار فأنت طالق فدخلتها مرتين ووقع عليها الطلاق وانقضت عدتها ثم عادت إليه بعد زوج آخر فعندهما تطلق كما دخلت الدار إلى أن تبين بثلاث طلقات خلافا لمحمد كما ذكره(3/370)
الزيلعي في باب التعليق عند قوله وتعليق الثلاث يبطل تنجيزه بحال البحر هنا قيدنا بكونه بعد
الطلاق الثلاث لأنها لو طلقت نفسها واحدة أو ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر فلها أن تفرق الثلاث خلافا لمحمد وهي مسألة الهدم الآتية اه وهو موافق لما نقلناه عن الزيلعي ومثله في الفتح وغاية البيان وهذا صريح في أنها بعد العود لها أن تطلق نفسها ثلاثا متفرقة عندهما وعند محمد تطلق ما بقي فقط فتفريق الثلاث مبني على قولهما لا على قول محمد فافهم ونعم يشكل على هذا التعليل المار بأن التعليق إنما ينصرف إلى الملك القائم وهو الثلاث فإنه يقتضي أنها لو طلقت نفسها ثنتين ثم عادت إليه بعد زوج آخر ليس لها أن تطلق نفسها أصلا عندهما لأنها عادت إليه بملك حادث وطلقات الملك الأول هدمها الزوج الثاني ولا إشكال على قول محمد من أنها تطلق واحدة فقط لأنها الباقية لكون الزوج الثاني لم يهدم ما دون الثلاث عنده ثم رأيت المحقق في الفتح أفاد الجواب عن ذلك في باب التعليق بما حاصله أن قولهم إن المعلق طلقات هذا الملك الثلاث مقيد بما دام ملكا لها فإذا زال ملكه لبعضها صار المعلق ثلاث مطلقة قوله (لأنهما للمكان) صلاية ظرف مكان مبني على الضم وأين ظرف مكان يكون استفهاما فإذا قيل أين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه ويكون شرطا وتزاد فيه ما فيقال أينما تقم أقم بحر عن المصباح قوله (ولا تعلق للطلاق به) ولذا لو قال أنت طالق بمكة أو في مكة كان تنجيزا للطلاق كما مر فتكون طالقا في كل مكان في الحال بخلاف الزمان فإن الطلاق يتعلق به قوله (فجعلا مجازا عن إن الخ) جواب عن إيرادين أحدهما أنه إذا ألغى ذكر المكان صار أنت طالق شئت وبه يقع الحال كأنت طالق دخلت الدار ثانيهما أنه إذا كان مجازا عن الشرط فلم حمل على إن دون متى مما لا يبطل بالقيام عن المجلس والجواب عن الأول أنه جعل الظرف مجازا عن الشرط لأن كلا منهما يفيد ضربا من التأخير وهو أولى من إلغائه بالكلية وعن الثاني بأن حمله على إن أولى لأنها أم الباب ولأنها حرف الشرط وفيه يبطل بالقيام أفاده في الفتح قوله (ويقع في الحال رجعية الخ) أي تطلق طلقة رجعية بمجرد قوله ذلك شاءت أو لا ثم إن قالت شئت بائنة أو ثلاثا وقد نوى الزوج ذلك تصير
كذلك للموافقة وهذا عنده أما عندهما فما لم تشأ لم يقع شئ فعنده أصلا الطلاق لا يتعلق بمشيئتها بل صفته وعندهما يتعلقان معا وتمامه في الفتح وكتبت في حاشيتي على شرح المنار الفرق بين هذا التفويض وعامة التفويضات حيث لم تحتج إلى نية الزوج أن المفوض ها هنا حال الطلاق وهو متنوع بين البينونة والعدد فيحتاج إلى النية لتعيين أحدهما بخلاف عامة التفويضات قوله (وإلا فرجعية) صادق بما إذا شاءت خلاف ما نوى وربما إذا لم ينو شيئا والمراد الأول لما في الفتح وإن اختلفا بأن شاءت بائنة والزوج ثلاثا أو على القلب فهي رجعية لأنه لغت مشيئتها(3/371)
لعدم الموافقة فبقي إيقاع الزوج بالصريح ونيته لا تعمل في جعله بائنا أو ثلاثا ولو لم تحضر الزوج نية لم يذكره في الأصل ويجب أن تعتبر مشيئتها حتى لو شاءت بائنة أو ثلاثا ولم ينو الزوج يقع ما أوقعت بالاتفاق الخ اه قوله (لو موطوءة) قيد لقوله رجعية في الموضعين وتقدم في باب المهر نظما أن المختلى بها كالموطوءة في لزوم العدة وكذا في وقوع طلاق آخر في عدتها فافهم قوله (وإلا) أي بأن كانت غير مدخول بها طلقت طلقة بائنة وخرج الأمر من يدها لفوات محليتها بعدم العدة كذا في الفتح أما المختلى بها فتلزمها العدة كما علمت فتطلق رجعية ولا يخرج الأمر من يدها فافهم قوله (وقول الزيلعي) عبارته وثمرة الخلاف تظهر في موضعين فيما إذا قامت عن المجلس قبل المشيئة وفيما إذا كان ذلك قبل الدخول فإنه يقع عنده طلقة رجعية وعندهما لا يقع شئ والرد كالقيام اه ح قوله (لها أن تطلق ما شاءت) أي واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ويتعلق أصل الطلاق بمشيئتها بالاتفاق بخلاف مسألة كيف شئت على قوله لأن كم اسم للعدد وما شئت تعميم للعدد والواحد عدد على اصطلاح الفقهاء فكان التفويض في نفس العدد والواقع ليس إلا العدد إذا ذكر فصار التفويض في نفس الواقع فلا يقع شئ ما لم تشأ فتح تنبيه لم يذكر اشتراط النية من الزوج وشرطه الشارح في شرحه على المنار وكذا في شرح المرقاة وذكر في الكشف أنه رأى بخط شيخه معلما بعلامة البزدوي أن مطابقة إرادة الزوج
شرط لأنه لما كان للعدد المبهم احتيج إلى النية وأقره في التقرير لكن ظاهر الهداية والفتح وغيره أنه لا يشترط واستظهره صاحب البحر في شرحه على المنار لأنه لا اشتراك لأن المفوض إليها القدر فقط وله أفراد فلا إبهام بخلافه في كيف لأن المفوض إليها الحال وهو مشترك كما قدمناه قلت وهو ظاهر المتون أيضا قوله (في مجلسها) لأنه تمليك فيقتصر عليه كما مر قوله (ولم يكن بدعيا) قال في البحر وأفاد بقوله ما شاءت أن لها أن تطلق أكثر من واحدة من غير كراهة ولا يكون بدعيا إلا ما أوقعه الزوج لأنها مضطرة إلى ذلك لأنها لو فرقت خرج الأمر من يدها اه قلت كذا لو كانت حائضا وقد مر التصريح به في أول الطلاق قال ط ويقال وكما ذلك في كيف شئت السابق إذا وقعت ثلاثا مع النية قوله (وإن ردت) بأن قالت لا أطلق فتح قوله (بما يفيد الإعراض) كالنوم والقيام عن المجلس قوله (لأنه تمليك في الحال) احتراز عن إذا ومتى يعني هذا تمليك منجز غير مضاف إلى وقت في المستقبل فاقتضى جوابا في الحال فتح قوله (والأول أظهر) لأنه لو كان المراد البيان لكفى قوله طلقي ما شئت كما في النهر عن التحرير ح(3/372)
مطلب أنت طالق إن شئت وإن لم تشائي قوله (إن شئت وإن لم تشائي) اعلم أنه إذا جعل المشيئة وعدمها شرطا واحدا أو المشيئة والإباء فإنها لا تطلق أبدا للتعذر كأنت طالق إن شئت ولم تشائي أو إن شئت أو أبيت وإن كرر إن ربع الجزاء كأنت طالق إن شئت وإن لم تشائي فشاءت في مجلسها أو لم تشأ تطلق لأنه جعل كلا منهما شرطا على حدة كقوله أنت طالق إن دخلت الدار أو لم تدخلي وإن آخر الجزاء كإن شئت وإن لم تشائي فأنت طالق لا تطلق أبدا لأنه مع التأخير صارا كشرط واحد وتعذر اجتماعهما بخلاف ما إذا أمكن فلا تطلق حتى يوجدا كإن أكلت وإن شربت فأنت طالق وإن كرر إن وأحدهما المشيئة والآخر الإباء كأنت طالق إن شئت وإن أبيت وقع شاءت أو أبت وإن سكتت حتى قامت
من المجلس لا يقع لأن كلا منهما شرط على حدة والإباء فعل كالمشيئة فأيهما وجد لا يقع وإذا انعدما لا يقع وكذا لو لم يكرر إن وعطف بأو كأنت طالق إن شئت أو أبيت لأنه علقه بأحدهما ولو قال إن شئت فأنت طالق وإن لم تشائي فأنت طالق طلقت للحال بخلاف إن كنت تحبين الطلاق فإنت طالق وإن كنت تبغضين فأنت طالق لأنه يجوز أن لا تحب ولا تبغض فلم يتيقن شرط الوقوع ولايجوز أن تشاء ولا تشاء فيكون أحد الشرطين ثابتا لا محالة فوقع ولو قال أنت طالق إن أبيت أو كرهت فقالت أبيت تطلق ولو قال إن لم تشائي فأنت طالق فقالت لا أشاء لا تطلق لأن أبيت صيغة لإيجاد الإباء فقد علق بالإباء منها وقد وجد فوقع وقوله وإن لم تشائي صيغة للعدم لا للإيجاد فصار بمنزلة إن لم تدخلي الدار وعدم المشيئة لا يتحقق بقولها لا أشاء لأن لها أن تشاء من بعد وإنما يتحقق بالموت بحر عن المحيط وذكر بعده أنه لو علقه بعدم مشيئة نفسه فهو كذلك بخلاف إن لم يشأ فلان فقال لا أشاء والفرق أن شرط البر في الأجنبي مشيئة طلاقها في المجلس وبقوله لا أشاء تبدل المجلس لأنه اشتغال بما لا يحتاج إليه إذ يكفيه في الإيقاع السكوت حتى يقوم قوله (لم تطلق) محله ما إذا قالت لا أحب ولا أبغض أو سكتت أما لو قالت أحب أو أبغض طلقت لأن التعليق بالمحبة ونحوها تعليق على الإخبار بذلك ولو كان مخالفا لما في الواقع كما سيأتي قوله (ولا يجوز أن تشاء ولا تشاء) لأن المشيئة تنبئ عن الوجود ولا واسطة بين الوجود وعدمه قوله (أو أشدكما بغضا له) هذه مسألة ثانية وقوله فقالت كل أنا أشد حبا له الخ جواب المسألة الأولى وترك جواب المسألة الثانية لكونه معلوما بالمقايسة تقديره فقالت كل أنا أشد بغضا له لم يقع لدعوى كل أن صاحبتها أقل بغضا منها فلم يتم الشرط ح قوله (فقالت كل الخ) أي وكذبهما الزوج كما قيده في حاكم الحاكم ومقتضاه لو صدقتهما وقع عليهما لأن أفعل التفضيل ينتظم الواحد ولأكثر كما سيأتي في الوقف فيما لو شرط النظر للأرشد تأمل قوله (فلم يتم الشرط) لأنها غير مصدقة في الشهادة على صاحبتها بحر أي لأنها لا تكون أشد حبا أو بغضا إلا إذا كانت الأخرى أقل وهي لا تصدق على ما في قلب الأخرى فلم يثبت كونها أشد من(3/373)
الأخرى ويقال في الأخرى كذلك فلم يثبت الأرياح واحدة منهما فلم يتم شرط الوقوع على واحدة منهما ومقتضى التعليل أنه لو قالت واحدة منهما فقط أنا أشد لم يقع عليها إلا أن يقال في أن دعوى كل منهما تكذيب كل للأخرى بخلاف دعوى إحداهما وسيأتي في التعليق أنه لو قال إن كنت تحبين كذا فأنت كذا وفلانة فقالت أحب تصدق في حق نفسها تأمل (ثم التعليق بالمشيئة الخ) وكذا التعليق بكل ما هو من المعاني التي لا يطلع عليها غيرها بحر ط قوله (فيتقيد بالمجلس) وكذا إذا كانت كاذبة في الإخبار بالمحبة والبغض يقع بخلاف التعليق بالحيض ونحوه ثم إن هذا تفريع على التمليك قيل والأولى زيادة ولا يملك الرجوع عنه ليتفرغ على كونه تعليقا فإنه ظهر من تفريعه على التمليك قلت وفيه أن المراد بيان ما خالف التعليق بهذه المذكورات التعليق بغيرها وعدم الرجوع عنه مما توافق فيه الجميع فافهم قوله (بخلاف التعليق بغيرها) كالتعليق على الحيض أو على دخول الدار فإنه تعليق محض لا يتقيد بالمجلس وكذا لا يقع في نفس الأمر بالإخبار كذبا كما سيأتي والله سبحانه وتعالى أعلم باب التعليق ذكره بعد بيان تنجيز الطلاق صريحا وكناية نه مركب ذكر الطلاق والشرط فأخره عن المفرد نهر مطلب فيما لو حلف لا يحلف فغلق قوله (من علقه تعليقا) كذا في البحر والأولى أن يقول وهو الحدود علقه جعله معلقا ط أي لأن كلامه يوهم اشتقاق المصدر من الفعل وهو خلاف المختار لكن المراد بيان المادة لإفادة أن المراد به لغة مطلق التعليق الشامل للحسي والمعنوي قوله (واصطلاحا ربط الخ) فهو خاص بالمعنوي والمراد بالجملة الأولى في كلامه جملة الجزاء وبالثانية جملة الشرط وبالمضمون ما
تضمنته الجملة من المعنى فهو في مثل إن دخلت الدار فأنت طالق ربط حصول طلاقها بحصول دخولها الدار قوله (ويسمى يمينا مجازا) لما في النهر من أن التعليق في الحقيقة إنما هو شرط جزاء فإطلاق اليمين عليه مجاز لما فيه من معنى السببية اه وفيه أن هذا بيان للجملة الشرطية المتضمنة للتعليق المعرف بالربط الخاص كما علمت وهذا الربط يسمى يمينا قال في الفتح إن اليمين في الأصل القوة وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الأخرى وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لإفادته القوة على المحلوف عليه من الفعل أو الترك بعد تردد النفس فيه ولا شك في أن تعليق المكروه للنفس على أمر بحيث ينزل شرعا عند نزوله يفيد قوة الامتناع عن ذلك الأمر وتعليق المحبوب لها أي للنفس على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا اه لكن هذا يحتمل أنه حقيقة أو مجازا في اللغة(3/374)
وفي أيمان البحر ظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا قال لأن محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة اه فأفاد أنه يمين لغة واصطلاحا ولذا قال في معراج الدراية اليمين يقع على الحلف بالله تعالى وعلى التعليق قلت لكن مقتضى كلام الفتح المر أن المراد به التعليق على أمر اختياري للمعلق ليفيد قوة الامتناع عن الأمر المحلوف عليه أو قوة الحمل عليه نحو إن بشرتني بكذا فأنت حر فغيره من التعليق لا يسمى يمينا مثل إن طلعت الشمس أو إن حضت فأنت كذا لكن في تلخيص الجامع وشرحه للفارسي لو حلف لا يحلف بيمين حنث بتعليق الجزاء بما يصلح شرطا سواء كان الشرط فعل نفسه أم فعل غيره أم مجئ الوقت كأنت طالق إن دخلت أو إن قدم زيد أو إذا جاء غد وكذا إذا جاء رأس الشهر أو إذا أهل الهلال والمرأة عن ذوات الحيض دون الأشهر لوجود ركن اليمين وهو تعليق الجزاء ووجود اليمين شرط الحنث فيحنث إلا أن يعلق بعمل من أعمال القلب كإن شئت أو أردت أو أحببت أو هويت أو رضيت أو بمجئ الشهر كإذا جاء رأس الشهر والمرأة من
ذوات الأشهر فلا يحنث أما الأول فلأنه مستعمل في التمليك ولذا يقتصر على المجلس فلم يتمحض للتعليق وأما الثاني فلأنه مستعمل في بيان وقت السنة لأن رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني فلم يتمحض للتعليق وبهذا لم يحنث بتعليق الطلاق بالتطليق كأنت طالق إن طلقتك لاحتمال إرادة الحكاية عن الواقع من كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض للتعليق ولا بقوله لعبده إن أديت إلي ألفا فأنت حر وإن عجزت فأنت رقيق وإن وجد الشرط والجزاء لأنه تفسير الكتابة فلم يتمحض للتعليق ولا لقوله أنت طالق إن حضت حيضة لأن الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسيرا لطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق وإنما لم نحنثه بما لم يتمحض للتعليق في هذه الصور لأن الحلف بالطلاق محظور وحمل كلام العاقل على وجه فيه إعدام المحظور أولى وقد أمكن حمله هنا على ما يحتمله من التمليك أو التفسير فلا يحمل على الحلف بالطلاق وإنما حنث في قوله إن حضت فأنت طالق لوجود شرط الحنث وهو اليمين بذكر ركنه وهو الجزاء والشرط وقوله إن حضت لا يصلح تفسيرا للطلاق البدعي لتنوع البدعي إلى يجري فلم يمكن جعله تفسيرا بخلاف السني فإنه نوع واحد وإنما حنث فيما لو قال لها أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا يصلح شرطا لأنه لا حظر في الجوزي لأنا نقول الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته فقد قتم الركن في اليمين دون الثمرة والحكمة إذا الحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو انتقال الملك غير ثابت ولا تسلم عدم الخطر لاحتمال قيام الساعة في كل زمان اه ملخصا مطلب لا يحنث بتعليق لطلاق بالتطليق وحاصله أن كل تعليق يمين سواء كان تعليقا على فعله أو فعل غيره أو على مجئ الوقت وإن لم توجد فيه ثمرة اليمين وهي الحمل أو المنع فيحنث به في حلفه لا يحلف إلا إذا أمكن صرفه عن صورة التعليق إلى جعله تمليكا أو تفسيرا لطلاق السنة أو لبيان الواقع أو للكتابة كما في هذه(3/375)
المسائل الخمس المستثناة كما سيأتي في كتاب الأيمان إن شاء الله تعالى وبهذا يتضح ما قاله في البحر من أن تعبير المصنف بالتعليق أولى من قول الهداية باب اليمين بالطلاق لأن التعليق يشمل الصوري كهذه الخمس وبعضها قد ذكر في هذا الباب مع أنها ليست يمينا كما علمت وقوله في النهر إنه لا يحنث فيها لأنها ليست يمينا عرفا فلا ينافي كونها يمينا في اصطلاح الفقهاء ساقط لما علمت من أن عدم الحنث فيها لعدم تمحضها تعليقا وأنها ليست يمينا عندهم وأيضا لو كان ذلك مبنيا على العرف فما الفرق في العرف بين إن حضت وإن حضت حيضة حتى كان الأول يمينا دون الثاني قوله (كون الشرط) أي مدلول فعل الشرط قوله (على خطر الوجود) أي مترددا بين أن يكون وأن لا يكون لا مستحيلا ولا متحققا لا محالة لأن الشرط للحمل والمنع وكل منهما لا يتصور فيهما شرح التحرير قوله (فالمحقق) محترز قوله معدوما ح قوله (تنجيز) ليس على إطلاقه بل فيما لبقائه حكم ابتدائه كقوله لعبده إن ملكتك فأنت حر عتق حين سكت وقوله لها إن أبصرت أو سمعت أو صححت وهي بصيرة أو سمعية أو صحيحة طلقت الساعة لأن ذلك أمر يمتد فكان لبقائه حكم الابتداء بخلاف إن حضت أو مرضت وهي حائض أو مريضة فعلى حيضة مستقبلة لأن الحيض والمرض مما لا يمتد أفاده في البحر ووجهه كما في الخانية أن الحيض والمرض وإن كان يمتد إلا أن الشرط لما علق بالجملة أحكاما لا تتعلق بكل جزء منه فقد جعل الكل شيئا واحدا فافهم قوله (والمستحيل) محترز قوله (على خطر الوجود) ح قوله (لغو) فلا يقع أصلا لأن غرضه منه تحقيق النفي حيث علقه بأمر محال وهذا يرجع إلى قولهما إمكان البر شرط انعقاد اليمين خلافا لأبي يوسف وعلى هذا ظهر ما في الخانية لو قال لها إن لم تردي علي الدينار الذي أخذتيه من كيسي فأنت طالق فإذا الدينار في كيسه لا تطلق بحر ومنه ما في القنية سكران طرق الباب فلم يفتح له فقال إن لم تفتحي الباب الليلة فأنت طالق ولم يكن في الدار أحد لا تطلق نهر ومنه مسائل ستأتي في الفروع آخر الباب
مطلب إن لم تتزوجي بفلان فأنت طالق تنبيه في فتاوى الكازروني عن فتاوى المحقق عبد الرحمن المرشدي أنه سئل عمن قال لزوجته أنت طالق إن لم تتزوجي بفلان فأجاب لا خفاء في أن مراد الزوج بهذا التعليق إنما هو عدم تزوجها بفلان بعد زوال سلطانه عنها بانفصال العصمة وانقضاء العدة وهي حينئذ في غير ملكه فيكون لغوا فيلغو الشرط ويبقى قوله أنت طالق فتطلق منجزا كما اختاره بعض المتأخرين من علماء اليمن بناء استحالة وجود الشرط المعلق عليه الطلاق حالة بقائها في عصمة الزوج واختار بعض منهم صحة التعليق وجعله ممكنا وأوقع الطلاق في آخر جزء من حياته أو حياتها لأنه في معنى العدم والعدم متحقق مستمر لكنه لما علقه بالمستقبل صلح جميع زمان لاستقبال لوجوده فلا يتعين له وقت آخر إلى أن ينتهي إلى آخر جزء من الحياة فيتضيق فيقع ولحظ بعضهم أنه شرط إلزامي فكأنه يريد إلزامها بعدم تزوجها بفلان وهو إلزام ما لا يلزم فيلغو ويقع الطلاق منجزا(3/376)
أقول ولو قيل بأن مراد الزوج التعليق بعدم إرادتها التزوج بفلان بعد الطلاق صونا لكلام العاقل عن الإلغاء لم يبعد ويكون في ذلك القول قولها مع يمينها كما في نظائره من الأمور القلبية نحو إن كنت تحبيني فإن قالت له لم أرد التزوج به بعدك وقع الطلاق وإلا فلا اه ملخصا ثم نقل الكازروني هذه المسألة ثانيا عن الحدادي صاحب الجوهرة أجاب عنها سراج الدين الهاملي رواية عن شيخه علي بن نوح بأنها تطلق وتتزوج من أرادت قال الكازروني وهو الذي ينبغي أن يعول عليه أي بناء على أنه تعليق بمستحيل أو شرط إلزامي قوله (وكونه متصلا الخ) أي بلا فاصل أجنبي وسيأتي الكلام عليه عند قوله قال لها أنت طالق إن شاء الله متصلا مطلب لتعليق لمراد به لمجازاة دون لشرط قوله (وأن لا يقصد به المجازاة الخ) قال في البحر فلو سبته بنحو قرطبان وسفلة فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجز سواء كان الزوج كما قالت أو لم يكن لأن الزوج في الغالب لا يريد إلا إيذاءها بالطلاق فإن أراد التعليق يدين وفتوى أهل بخارى عليه كما في الفتح اه
يعني على أنه للمجازاة دون الشرط كما رأيته في الفتح وكذا في الذخيرة وفيها والمختار والفتوى أنه إن كان في حالة الغضب فهو على المجازاة وإلا فعلى الشرط اه ومثله في التاترخانية عن المحيط وفي الولوالجية إن أراد التعليق لا يقع ما لم يكن سفلة وتكلموا في معنى السفلة عن أبي حنيفة أن المسلم لا يكون سفلة إنما السفلة الكافر وعن أبي يوسف أنه الذي لا يبالي ما قال وما قيل له وعن محمد أنه الذي يلعب بالحمام ويقامر وقال خلف إنه من إذا دعي لطعام يحمل من هناك شيئا والفتوى على ما روي عن أبي حنيفة لأنه هو السفلة مطلقا اه والقرطبان الذي لا غيرة له قوله (تنجيز) الأولى تنجز بصيغة الماضي لأنه جواب قوله فلو قال قوله (وذكر المشروط) أي فعل الشرط لأنه مشروط لوجود الجزاء قوله (لغو) أي فلا تطلق لأنه ما أرسل الكلام إرسالا وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا لو لا أو وإلا أو إن كان أو إن لم يكن بحر قوله (به يفتى) هو قول أبي يوسف وقال محمد تطلق للحال (بحر) قوله (ووجود رابط) أي كالفاء وإذا الفجائية ح قوله (كما يأتي) أي عند قوله وألفاظ الشرط ح قوله (شرطه الملك) أي شرط لزومه فإن التعليق في غير الملك والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج حتى لو قال(3/377)
أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت الدار فأنت طالق توقف على الإجازة فإن أجازه لزم التعليق فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا قبلها وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف على إجازة الزوج فإذا أجازه وقع مقتصرا على وقت الإجازة بخلاف البيع فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع والضابط فيه أن ما صح تعليقه بالشرط يقتصر وما لا يصح يستند بحر قوله (حقيقة) أشار إلى أن المراد ما يشمل تعليق الطلاق والعتق وكذا النذر كإن شفي الله مريضي فلله علي أن أتصدق بهذا الثوب اشترط ملكه له حالة التعليق أفاده الرحمتي قوله (أو حكما) أي أو كان الملك حكما كملك النكاح فإنه ملك انتفاع بالبضع لا ملك رقبة ثم إن هذا الحكمي إن كان النكاح قائما فهو حكمي حقيقة وإن كان بعد الطلاق وهي في العدة فهو حكمي حكما وإلى هذا أشار بقوله لو حكما ط قوله (لمنكوحته أو معتدته) فيه
نشر مرتب قال في البحر وقدمنا آخر الكنايات عند قوله والصريح يلحق الصريح أن تعليق طلاق المعتدة فيها صحيح في جميع الصور إلا إذا كانت معتدة عن بائن وعلق بائنا كما في البدائع اعتبارا للتعليق بالتنجيز قوله (أو الإضافة إليه) بأن يكون معلقا بالملك كما مثل وكقوله إن صرت زوجة لي أو سبب الملك كالنكاح أي التزوج وكالشراء في إن اشتريت عبدا بخلاف قوله لعبد مورثه إن مات سيدك فأنت حر فإنه لا يصح التعليق لأن الموت ليس بموضوع للملك بل لإبطاله ثم اعلم أن المراد هنا بالإضافة معناها اللغوي الشاملة للتعليق المحض وللإضافة الاصطلاحية كأنت طالق يوم أتزوجك كما أشار إليه في الفتح وقد أطال في البحر في بيان الفرق بينهما فراجعه قوله الحقيقي ح.
قوله (كذلك) أي عاما أو خاصا وأشار بذلك إلى خلاف مالك رحمه الله حيث خصه بالخاص بامرأة أو بمصر أو قبيلة أو بكارة أو ثيوبة ككل بكر أو ثيب قوله (كإن نكحت امرأة) أي فهي طالق وحذفه لدلالة ما بعده عليه قوله (أو إن نكحتك) لا فرق بين كونها أجنبية أو معتدة كما في البحر قوله (وكذا كل امرأة) أي إذا قال كل امرأة أتزوجها طالق والحيلة فيه ما في البحر من أنه يزوجه فضولي ويجيز بالفعل كسوق الواجب إليها أو يتزوجها بعدما وقع الطلاق عليها لأن كلمة كل لا تقتضي التكرار اه وقدمنا قبل فصل المشيئة ما يتعلق بهذا البحث فرع: قال كل امرأة أها فهي طالق إن كلمت فلانا فكلم ثم تزوج لا يقع الطلاق عليها وإن كلم ثم تزوج ثم كلم طلقت المتزوجة بعد الكلام الأول خانية وانظر ما في الفصل العاشر(3/378)
من الذخيرة قوله (باسم أو نسب) الذي في البحر وغيره ونسب بالواو قال فلو قال فلانة بنت فلان التي أتزوجها طالق فتزوجها لم تطلق اه أي لأنه لغا الوصف بالتزوج بقي قوله فلانة بنت فلان طالق وهي أجنبية ولم توجد الإضافة إلى الملك فلا يقع إذا تزوجها قوله (أو إشارة) التعريف بالإشارة في الحاضرة وبالاسم والنسب في الغائبة حتى لو كانت المرأة حاضرة عند الحلف لا يحصل التعريف بذكر اسمها ونسبها ولا تلغو الصفة ويتعلق الطلاق بالتزوج
وعليه ما في الجامع رجل اسمه محمد بن عبد الله وله غلام فقال إن كلم غلام محمد بن عبد الله هذا أحد فامرأته طالق وأشار الحالف إلى الغلام لا إلى نفسه ثم كلم الغلام بنفسه تطلق لأن الحالف حاضر فتعريفه بالإشارة أو الإضافة ولم يوجد فبقي منكرا فدخل تحت اسم النكرة أفاده في البحر عن جامع شيخ الإسلام قوله (فلغا الوصف) أي قوله أتزوجها فصار كأنه قال هذه طالق كقوله لامرأته هذه المرأة التي الخطبة الدار طالق فإنها تطلق للحال دخلت أو لا بحر وإنما لم تطلق الأجنبية لعدم الملك وعدم الإضافة إليه لإلغاء الوصف بخلاف امرأته قوله (لعدم الملك والإضافة إليه) أما في مسألة المتن فظاهر وكذا فيما بعدها لأن الاجتماع في فراش لا يلزم كونه عن نكاح كما أن وطء الجارية لا يلزم كونه عن ملك ومثل ذلك ما لو قال لوالديه إن زوجتماني امرأة فهي طالق ثلاثا فزوجاه بلا أمره لا تطلق لأنه غير مضاف إلى ملك النكاح لأن تزويجهما له بلا أمره لا يصح بحر عن المحيط ثم قال لا فرق بين كونه بأمره أو بلا أمره كما في المعراج اه قلت لكن في الخانية في صورة الأمر أن الصحيح أنه يصح اليمين وتطلق اه وهو مشكل لأن الكلام في وجود شرط التعليق وهو الملك أو الإضافة إليه وتزويج الأبوين غير سبب للملك من كل وجه لأنه قد يكون بأمره وبدونه اللهم إلا أن يكون مراد الخانية ما إذا قال إن زوجتماني بأمري فحينئذ يصح اليمين وتطلق وإلا فلا وجه للتفصيل المذكور قبل صحة التعليق فالأوجه ما في المعراج قوله (وأفاد في البحر الخ) قلت هذا العرف في دمشق الآن غير مطرد بل كان وبان نعم بقي بين أطراف الناس وقال ط قلت العرف الجاري في مصر الآن أنها تعد زائرة ولو معها شئ غير ما يطبخ قوله (كما لغا الخ) أصل ذلك ما في البحر عن المعراج ولو أضافه إلى(3/379)
النكا لا يقع كما لو قال أنت طالق مع نكاحك أو في نكاحك ذكره في الجامع بخلاف أنت طالق مع تزوجي إياك فإنه يقع وهو مشكل وقيل الفرق أنه لما أضاف التزوج إلى فاعله واستوفى مفعوله جعل التزويج مجازا عن الملك لأنه سببه وحمل مع على بعد تصحيحا له وفي نكاحك لم
يذكر الفاعل فالكلام ناقص فلا يقدر بعد النكاح فلا يقع ويصح النكاح اه وأشار الشارح إلى هذا الفرق بقوله لتمام الكلام الخ ومقتضاه أنه لو قال مع نكاحي إياك أو قال مع تزوجك انعكس الحكم لكن قال ح وفي النفس من هذا التعليل شئ فإن قوله مع نكاحك على تقدير مع نكاحي إياك والمقدر كالملفوظ وإلى هذا الضعف أشار بصيغة التمريض اه قلت الأظهر الفرق بأنه عند عدم التصريح بالفاعل يحتمل تزوجه لها أو تزوج غيره لها لكن مقتضى هذا عدم الفرق بين النكاح والتزوج في أنه إن صرح بذكر الفاعل يقع فيهما وإلا فلا فيهما فتأمل وأقرب من هذا كله ما استنبطه بعض فضلاء الدرس أن التزوج يعقب التزويج فإذا قارن الطلاق الزوج وجد الملك قبله بالتزويج فيصح وتطلق بخلاف مع نكاحك لأنه مقارن للملك قوله (كمع موتي أو موتك) لإضافته لحالة منافية للإيقاع في الأول والوقوع في الثاني كما تقدم في باب الصريح قوله (في المجتهى عن محمد في المضافة) أي في اليمين المضافة إلى الملك بحال وعبارة المجتبى على ما في البحر وقد ظفرت برواية عن محمد أنه لا يقع وبه كان يفتي كثير من كثرة خوارزم اه وأما ما في الظهيرية من أنه قول محمد وبه يفتى فذاك غير ما نحن فيه كما يأتي بيانه قريبا فافهم قوله (وللحنفي تقليده الخ) أي تقليد الشافعي مطللب في فسخ لمضافة إلى لملك قال في البحر وللحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي مطلب في فسخ اليمين المضافة الى الملك قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها فخاصمته إلى قاض شافعي وادعت الطلاق فحكم بأنها امرأته وأن الطلاق ليس بشئ حل له ذلك ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ يكون الوطء حلالا إذا فسخ وإذا فسخ لا يحتاج إلى تجديد العقد ولو قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فتزوج امرأة وفسخ اليمين ثم تزوج امرأة أخرى لا يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة وكذا في الخلاصة وفي الظهيرية أنه قول محمد وبقوله يفتى اه قلت ومفهومه أن عندهما يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة وبه صرح في الظهيرية أيضا
فالخلاف هنا فيما إذا فسخ القاضي الشافعي اليمين في امرأة ثم تزوج الحالف امرأة أخرى فعندهما لا يكفي الفسخ الأول بل يقع الطلاق على الثانية ما لم يفسخ ثانيا وعند محمد يكفي لأنها يمين واحدة فلا يحتاج إلى فسخها ثانيا وبقول محمد يفتى ولا يخفى أن هذا مبني على صحة اليمين عنده وأنه يقع بها الطلاق فلا ينافي ما مر عن المجتبى من أن عدم الوقوع رواية عنه فمن زعم أنه في الظهيرية جعل عدم الوقوع قول محمد لا رواية عنه وأنه المفتى به فقد وهم فافهم(3/380)
ثم قال في البحر وإذا عقد أيمانا على امرأة واحدة فإذا قضى بصحة النكاح بعده ارتفعت الأيمان كلها وإذا عقد على امرأة يمينا على حدة لا شك أنه إذا فسخ على امرأة لا ينفسخ على الأخرى وإذا يمينه بكلمة كلما فإنه يحتاج إلى تكرار الفسخ في كل يمين اه فهي أربع مسائل في شرح المجمع للمصنف فإن أمضاه قاض حنفي بعد ذلك كان أحوط اه ومحل الفسخ من الشافعي إذا كان قبل أن يطلقها ثلاثا لأنه لو فسخ تطلق ثلاثا بالتنجيز بعد النكاح فلا يفيد كما في الخانية وفيها أيضا شرطه أن لا يأخذ القاضي عليه ما لا فلو أخذ لا ينفذ عند الكل إلا إن أخذ على الكتابة قدر أجرة المثل فلو أزيد لا ينفذ والأولى أن لا يأخذ مطلقا اه تنبيه ذكر في البحر في كتاب القاضي إلى القاضي عن الولوالجية لو قال لها أنت طالق البتة فترافعا إلى قاض يراها رجعية وهو يراها بائنة فإنه يتبع أجرة القاضي عند محمد فيحل له المقام معها وقيل إنه قول أبي حنيفة وعند أبي يوسف لا يحل هذا إن قضى له فإن قضى عليه بالبينونة والزوج لا يراها يتبع القاضي إجماعا هذا كمله إذا كان الزوج عالما له رأى واجتهاد فلو عاميا اتبع أجرة القاضي سواء قضى له أو عليه وهذا إذا قضى له أما إذا أفتى له فهو على الاختلاف السابق لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده اه أي فيلزم الجاهل اتباع قول المفتي كما يلزم العالم اتباع رأيه واجتهاده وبهذا علم أنه لا حاجة إلى التقليد مع القضاء لأن القضاء ملزم سواء وافق أجرة الزوج أو خالفه وكذا مع الإفتاء لو الزوج جاهلا قوله (بل محكم) في الخانية حكم المحكم كالقضاء على الصحيح وفي البزازية وعن الصدر أقول لا يحل لأحد
أن يفعل ذلك وقال الحلواني يعلم ولا يفتى به لئلا يتطرق الجهال إلى هدم المذهب اه بحر قوله (بل إفتاء عدل الخ) عطف على مجرور الباء وهو فسخ وفي البحر عن البزازية وعن أصحابنا ما هو أوسع من ذلك وهو أنه لو استفتى ففيها عدلا فأفتاه ببطلان اليمين حل له العمل بفتواه وإمساكها وروى أوسع من هذا وهو أنه لو أفتاه مفت بالحل ثم أفتاه آخر بالحرمة بعدما عمل بالفتوى الأولى فإنه يعمل بفتوى الثاني في حق امرأة أخرى لا في حق الأولى ويعمل بكلا الفتوتين في حادثتين لكن لا يفتى به اه قلت يعني أن المفتي لا يفتي صاحب الحادثة بما يتوصل به إلى فسخ اليمين فلا يقول له ارفع الأمر إلى شافعي أحكمه في ذلك أو استفته بل يقول يقع عليك الطلاق لأن عليه أن يجيب بما يعتقده وليس له أن يدله على ما يهدم مذهبه وليس المراد أن لا يفتيه بفسخ اليمين إذا فعل صاحب الحادثة شيئا من ذلك لما علمت من أن الجاهل يلزمه اتباع أجرة القاضي والمفتي على أن قضاء القاضي في محل الاجتهاد يرفع الخلاف فإذا فعل شيئا عن ذلك فعلى الحنفي أن يفتيه بصحة الفسخ لا يقال إذا كان ذلك قول محمد فكيف لا يفتيه به لما علمت من أن ذلك رواية عن محمد وأن قوله كقول الشيخين بالوقوع وأن ما في الظهيرية لا ينافي ذلك كما قررناه آنفا وليس للمفتي الإفتاء بالرواية الضعيفة وكونها أفتى بها كثر من كثرة خوارزم لا ينافي ضعفها ولذا تقدم عن(3/381)
الصدر أنه لا يحل لأحد أن يفعل ذلك وكذا ما يقدم عن الحلواني من أنه يعلم ولا يفتى به فلو ثبتت هذه الرواية عن محمد أو كانت صحيحة لبنوا الحكم عليها لوم يحتاجوا إلى بنائه على مذهب الشافعي فهذا يدل على أنها رواية شاذة كما يشير إليه كلام المجتبى المار فافهم هذا وفي البحر عن البزازية والتزوج فعلا أو من فسخ اليمين من زماننا وينبغي أن يجئ إلى عالم ويقوله له ما حلف واحتياجه إلى نكاح الفضولي فيزوجه العالم امرأة ويجيز بالفعل فلا يحنث وكذا إذا قال لجماعة لي حاجة إلى نكاح الفضولي فزوجه واحد منهم أما إذا قال لرجل
اعقد لي فضولي يكون تويكلا اه قوله (وبفتوتين) صوابه وبفتوتين بياءين إحداهما منقلبة عن الألف المقصورة والثانية ياء التثنية كما في تثنية حبلى وقصوى قال في الألفة آخر مقصور تثنى اجعله يا إن كان عن ثلاثة مرتقيا مطلب في معنى قولهم ليس للمقلد لرجوع عن مذهبه قوله (في حادثتين) قيد به لأن المستفتي إذا عمل بقول المفتي في حادثة فأفتاه آخر بخلاف قول الأول ليس له نقض عمله السابق في تلك الحادثة نعم له به في حادثة أخرى كمن صلى الظهر مثلا مع مس امرأة أجنبية مقلدا لأبي حنيفة فقلد الشافعي ليس له إبطال تلك الظهر نعم يعمل بقول الشافعي في ظهر آخر وهذا هو المراد من قول من قال ليس للمقلد الرجوع عن مذهبه وتقدم تمام الكلام على ذلك أول الكتاب في رسم المفتي قوله (ولا يفتى به) علمت وجهه آنفا قوله (تعليقه للثلاث) هذا خاص بالحرة وقولهم وما دونها يعم الحرة والأمة وتقديره في الأمة ويبطل تنجيز الثنتين في الأمة تعليق ما دون الثلاث وهو صادق بالثنتين وبالواحدة وظاهر عبارة الشارح أن ضمير تعليقه للزوج المعلق وهو أولى من عوده على الطلاق لأن الأصل إضافة المصدر إلى فاعله كما ذكره في النهر ط قوله (إلا المضافة إلى الملك) أي في نحو كلما تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثا فطلق امرأته ثلاثا ثم تزوجها فإنها تطلق لأنها ما نجزه غير ما علقه فإن المعلق طلاق ملك حادث فلا يبطله تنجيز طلاق ملك قبله قوله (كما مر) لم يتقدم ذلك في كلامه صريحا ويمكن أن يكون مراده ما قدمه في فصل المشيئة فيما لو قال لها أنت طالق كلما شئت فطلقت بعد زوج آخر لا يقع إن كانت طلقت نفسها ثلاثا متفرقة قوله (يبطل بزوال الحل) وذلك بوقوع الثلاث وقوله لا بزال الملك أي بوقوع ما دونها فإن الملك وإن زال به عند انقضاء العدة لكن الحل ثابت فإن له أن يعود إليها بلا زوج آخر محلل بخلاف الثلاث فإن وقوعها يزيل الحل بالكلية بحيث لا يعود إلا بمحلل ولما كان المعلق هو طلقات هذا للملك بطل التعليق بزوالها لا بزوالها ما دونها قوله (بطل التعليق) أي لزوال الحل بتنجيز الثلاث قوله (لم يبطل) لأنه لم يزل الحل بتنجيز ما دون الثلاث وإن زال الملك(3/382)
قوله (فيقع المعلق كله) لأن بطلان التعليق بزوال الحل ولم يزل فيبقى التعليق فإذا وجد المعلق عليه وهو دخول الدار يقع المعلق وهو الثلاث ولا ينافيه قولهم إن المعلق طلقات هذا الملك وقد زال بعضها لأنه مقيد بما إذا كانت الثلاث باقية فإذا زال بعضها صار المعلق ثلاثا مطلقة كما أفاده في الفتح وقدمناه قبل هذا الباب قوله (بقية الأول) أي ما بقي من طلقات النكاح الأول (وهي مسألة الهدم الآتية) قدمنا قبل هذا الباب الكلام عليها وحاصلها أن الزوج الثاني يهدم الثلاث وما دونها عندهما وعند محمد يهدم الثلاث فقط قوله (وثمرته) أي ثمرة الخلاف في مسألة الهدم قوله (له رجعيتها) أي عندهما لأن الزوج الثاني عدم الواحدة الباقية وعادت المرأة إلى الأول بملك جديد فيملك عليها ثلاث طلقات فإذا دخلت الدار أنكر واحدة من الثلاث ويبقى منها ثنتان فيملك الرجعة قوله (خلافا لمحمد) فعنده لا يملك الرجعة لعودها بما بقي من الملك الأول وهي واحدة وقد وقعت بالدخول ط قوله (وكذا يبطل) أي التعليق وهذا عطف على المتن ح قوله (بلحاقه) بفتح اللام ط عن القاموس قوله (خلافا لهما) أي للصاحبين فعندهما لا يبطل التعليق لأن زوال الملك لا يبطله وله أن بقاء تعليقه باعتبار قيام أهليته وبالارتداد ارتفعت العصمة فلم يبق تعليقه لفوات الأهلية فإذا عاد إلى الإسلام لم يعد ذلك التعليق الذي حكم بسقوطه بحر عن شر المجمع للمصنف قوله (وبفوت محل البر الخ) نقله في البحر عن الثاني لكن بلفظ ومما يبطله فوت محل الشرط كفوت محل الجزاء كما إذا قال إن كلمت فلانا الخ والتمثيل المذكور لفوات محل الشرط فإن الشرط هو كلمت ودخلت أي طفقوا وهو الكلام والدخول ومحلهما هو فلان والدار المشار إليها وفوت محل الجزاء كموت المرأة التي هل محل الطلاق فإن يفوت هذين المحلين يبطل التعليق لأن التعليق لا بد أن يكون على خطر الوجود وقد تحقق عدمه ولا يقال يمكن حياة زيد بعد موته وإعادة البستان دارا لأن يمينه انعقدت على حياة كانت فيه كما قالوا في ليقتلن فلانا وما أعيد بعد البناء دار أخرى غير المشار إليها كما صرحوا به في أيضا في لا يدخل هذه الدار تأمل مطلب في مسألة لكوز
قوله (وستجئ مسألة الكوز بفروعها) أي في باب اليمين في الأكل والشرب من كتاب الأيمان وحاصلها أن إمكان تصور البر في المستقبل شرط انعقاد اليمين وشرط بقائها خلافا لأبي يوسف فلو حلف ليشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه أو كان فيه فصب قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما لعدم انعقادها في الأول ولبطلانها في الثاني وإن لم يقل اليوم ولا ماء فيه فكذلك لعدم انعقادها أما إن كان فيه ماء فصب فإنه يحنث اتفاقا لا انعقادهما بإمكان البر ثم يحنث بالصب لأن البر يجب عليه كما فرغ فإذا صب فات البر فيحنث كما لو مات الحالف والماء باق بخلاف المؤقتة فإنه لا يجب عليه البر إلا في آخر أجزاء الوقت المعين ومن فروعها ليقتلن زيدا اليوم أو(3/383)
ليأكلن هذا الرغيف اليوم أو ليقضين دينه غدا فمات زيد أو أكل الرغيف غيره قبل مضي اليوم أو قضى الدين أو أبرأه فلان قبل الغد لم يحنث وتمامه في البحر من الأيمان أقول وإنما لم يذكر هذا التفصيل في المسألة السابقة لأن شرط الحنث فيها أمر وجودي وهو الكلام أو الدخول فإذا مات أو جعلت بستانا فقد مات المحل ووقع اليأس من الحنث فلا فائدة في بقاء اليمين سواء كانت مؤقتة أو مطلقة بخلاف ما إذا كان شرط الحنث أمرا عدميا مثل إن لم أكلم زيدا أو إن لم أدخل فإنها لا تبطل بفوت المحل بل يتحقق به الحنث لليأس من شرط البر وهذا إذا لم يكن شرط البر مستحيلا وإلا فهو مسألة الكوز وقد علمت ما فيها من التفصيل وليس منها قوله لأصعدن السماء فإن اليمين فيها منعقدة ويحنث عقبها لأن صعود السماء أمر ممكن في نفسه وقد وقع لبعض الأنبياء وللملائكة وغيرهم ولكنه يحنث عقب اليمين أو في آخر الوقت في المؤقتة لتحقق اليأس عادة وهذا بخلاف مسألة الكوز فإن شرب ما ليس موجودا في الكوز أو ما أريق منه غير ممكن في نفسه ولا في العادة فلذا تبطل اليمين ولا يحنث إلا إذا صب منه وكانت اليمين مطلقة كما سيأتي تحقيقه في الأيمان إن شاء الله تعالى وانظر ما سنذكره آخر الباب قوله (له رجعتها) لأنه لما علق الثلاثة كانت أمة وهو لا يملك عليها إلا ثنتين فكان معلقا
ثنتين ح مطلب في إلفاظ لشرط قوله (وألفاظ الشرط) عدل عن الأسماء والحروف لاشتمالها عليهما وهو بسكون الراء مشتق اشتقاقا كبيرا من الشرط محركة بمعنى العلامة سمي بذلك لأنه علامة على ترتيب الثانية على الأولى وسمي الثاني جوابا لأنه لما لزم على القول الأول وصار كالكلام الآتي بعد كلام السائل وجزاء تجوزا لأنه لما ترتب على فعل آخر أشبه الجزاء كما في النهر فإضافة الألفاظ إلى الشرط إضافة المسمى إلى الاسم ح وقدمنا في صدر الكتاب الكلام على الاشتقاق والظاهر أنه لا اشتقاق هنا إذ لا بد من المغايرة لفظا بل الشرط هنا بمعنى العلامة على شئ خاص تأمل قوله (أي علامات وجود الجزاء) أي أن هذه الأدوات أخذت بالذات على وجود الجزاء كما في النهر أي عند وجود الشرط ح قوله (فلو فتحها وقع للحال) هو قول الجمهور لأنها للتعليل ولا يشترط وجود العلة وقت الوقوع بل يقع الطلاق نظرا لظاهر اللفظ وزعم الكسائي مناظرا للشيباني في مجلس الرشيد أنها شرطية بمعنى إذا وهو مذهب الكوفيين ورجحه في المغني وعلى كل حال إذا نوى التعليق ينبغي أن تصح نيته نهر مختصرا وإلى ذلك أشار الشارح بقوله فيدين ط مطلب فيما لو حذف لفاء من لجواب قوله (وكذا لو حذف الفاء من الجواب) يعني يقع للحال ما لم ينو التعليق فيدين وعن أبي يوسف أنه يتعلق حملا لكلامه على الفائدة فتضمر الفاء والخلاف مبني على جواز حذفها اختيارا فأجازه أهل الكوفة وعليه فرع أبو يوسف ومنعه أهل البصرة وعليه تفرع المذهب بحر وذكر قبله(3/384)
عن المفني أن الأخفش قال إن ذلك واقع في النشر الفصيح وأنه منه * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين) * (سورة البقرة الآية 180) وقال ابن مالك يجوز في النثر نادرا ومنه حديث اللقطة فإن جاء المؤلف وإلا ستمتع بها اه قلت ينبغي في زماننا إذا قال إن دخلت أنت طالق أن يتعلق قضاء لأن فضالة لا يفرقون بين
دخول الفاء وعدمه عند قصد التعليق وقد صار ذلك لغتهم ولا سيما مع وقوعه في الكلام الفصيح كما مر وكما في قوله تعالى * (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) * (سورة الإنعام الآية 121) * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) * (سورة الجاثية الآية 25) * (والذين إذا أصابهم البغى هم ينتصرون) * (سورة الشورى الآية 39) وغير ذلك وإن ادعى تأويل الأول بأنه على تقدير القسم والثاني والثالث على جعل إذا لمجرد الوقت بلا ملاحظة الشرط فإنه مؤيد لقول الكوفيين والتأويل خلاف الظاهر وإذا صار ذلك لغة للعامة ينبغي حمل كلامهم عليه كما لو تكلم به من كان من أهل تلك اللغة من العرب وكذا لو كان التعليق بلفظ أعجمي وقد قال العلامة قاسم إنه يحمل كلام كل عاقد وناذر وحالف على لغته هذا ما ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم ثم رأيت بعد كتابتي لهذا في شرح نظم الكنز للعلامة المقدسي أقول ينبغي ترجيح قول أبي يوسف لكثرة حذف الفاء كما سمعت وقالوا العوام لا يعتبر منهم اللحن في قولهم أنت واحدة بالنصب الذي لم يقل به أحد اه مطلب لمواضع لتي يجب قترانها بالفاء تنبيه وجوب اقتران الجواب بالفاء حيث تأخر الجواب كما قدمه الشارح أول الباب وإذا كانت الأداة أن تقوم إذا الفجائية مقام الفاء في ربط الجواب كما تقرر في محله قوله (في نحو طلبية الخ) أي في نحو المواضع السبعة المذكورة في قول الشاعر طلبية الخ فإنها إذا وقعت جوابا فعلى يجب اقترانها بالفاء قال في النهر أي جملة طلبية كالأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والدعاء وأراد بالجامد نعم وبئس وعسى وفعل التعجب وقوله وبما أي وبالجملة الفعلية المقرونة بما النافية وبقد ظاهرة أو مقدرة كما في التسهيل وعارة الرضى كل جملة فعلية مصدرة بحرف سوى لا ولم في المضارع سواء كان الفعل المصدر ماضيا أو مضارعا فدخل النفي بأن كما زاده المرادي وزاد المقرونة بالقسم أو رب لكن جعل ابن هشام القسيمة من الطلبية اه وتمام ذلك في البحر
والحاصل أن المزيد أربعة المقرونة بسوف أو إن أو رب أو القسم فالجملة أحد عشر موضعا أشار إليها الشارح بقوله في نحو طلبية الخ ونظمها المحقق ابن الهمام في الفتح بقوله تعلم جواب الشرط حتم قرانه بفاء إذا ما فعله طلبا أتى كذا جامدا أو مقتسما كإن أو بقد ورب وسين أو بسوف ادر يا فتى أو اسمية أو كان منفي ما وإن ولن من يحد عما حددناه قد عتا(3/385)
مطلب ما يكون في حكم لشرط قوله (وكل) لم يذكر النحاة كلا وكلما في أدوات الشرط لأنهما ليسا منها وإنما ذكرهما الفقهاء لثبوت معنى الشرط معهما وهو التعليق بأمر على خطر الوجود وهو الفعل الواقع صفة الاسم الذي أضيفا إليه بحر قوله (ولم تسمع كلما إلا منصوبة الخ) قال في النهر نقل النحاة أن كلما المقتضية للتكرار منصوبة على الظرفية والعامل فيها محذوف دل عليه جواب الشرط والتقدير أنت طالق كلما كان كذا وكذا وما التي معها هي المصدرية التوقيتية وزعم ابن عصفور أنها مبتدأ وما نكرة موصوفة والعائد محذوف وجملة الشرط والجزاء في موضع الخبر ورده أبو حيان بأن كلما لم تسمع إلا منصوبة وأنت خبير بأن هذا بعد تسليمه لا ينافي كونها مبتدأ إذ الفتحة فيها فتحة بناء وبنيت لإضافتها إلى مبني اه فمراد الشارح بالنصب ما يشمل فتحة الإعراب وفتحة البناء كما هو عرف المتقدمين وقوله ولو مبتدأ أي كما هو قول ابن عصفور أشار به إلى الرد على أبي حيان فإنم المسموع فيها فتح لامها ولا ينافي ذلك كونها مبتدأ بجعل الفتحة فتحة بناء لإضافتها إلى مبني فقد أفاد ما في النهر بأوجز عبارة فافهم قوله (ونحو ذلك) أشار به إلى أنه ليس المراد حصر ألفاظ الشرط بالستة المذكورة فإن منها لو ومن وأين وأيان وأنى وأي وما وفي الفتح فرع قال أنت طالق لولا دخولك أو لولا أبوك أو صهرك لا يقع وكذا في الإخبار بأن قال طلقتك بالأمس لولا كذا اه قلت ومنها ما أفاد معناها ففي البحر أنت طالق بدخول الدار أو بحيضك لم تطلق حتى الخطبة أو تحيض لأن الباء
للوصل والإلصاق وإنما يتصل الطلاق ويلصق بالدخول إذا تعلق به ولو قال أنت طالق على دخولك الدار إن قبلت يقع وإلا فلا لأنه استعمل الدخول استعمال الأعواض فكان الشرط قبل العوض لا الجوزي كما لو قال على أن تعطيني ألف درهم اه قلت وقد يكون الكلام متضمنا للتعلق بدون تصريح بأداة كما مر في قوله ويكفي معنى الشرط الخ ومنه ما في البحر حيث قال وفي المحيط وعن أبي يوسف لو قال أنت طالق لدخلت فهذا يخبر أنه دخل الدار وأكده باليمين فيصير كأنه قال إن لم أكن دخلت الدار فإن لم يكن دخل طلقت ولو قال أنت طالق لا دخلت الدار يتعلق بالدخول اه ثم قال ولو قال أنت طالق ووالله لا أفعل كذا فهو تعليق ويمين ولو قال أنت طالق والله لا أفعل كذا طلقت للحال ذكرهما في جوامع الفقه اه قلت والفرق أنه إذا لم يعطف القسم تعين ما بعده جوابا له وصار فاصلا فلم يصلح أنت طالق للتعليق فتنجز ومنه أيضا علي الطلاق لا أفعل كذا قوله (كلوا) هذا ما جزم به في البحر من أن المذهب أنها بمعنى الشرط خلافا لما في الفتح من أنها لتحقيق عدم الشرط فلا تأتي للتعليق على ما فيه خطر الوجود قوله (تعلق بدخولها) كذا في المحيط وفيه وعن أبي يوسف أنت طالق لو دخلت الدار لطلقتك فهذا رجل حلف بطلاق امرأته ليطلقنها إن دخلت الدار فإذا دخلت لزمه أن يطلقها ولا يقع إلا بموت أحدهما كقوله إن لم آت البصرة اه بحر وقدمنا الكلام في(3/386)
ذلك أوائل باب الصريح قوله (فازداد عموما) فيه أن الفعل لا عموم له بحال الغاية كما في الفتح والبحر لأن الفعل وهو الدخول أضيف إلى جماعة فيراد به عمومه عرفا مرة بعد أخرى اه فمراده بالعموم التكرار قوله (وهي غريبة) أي لمخالفتها لقول المتون وفيها تنحل اليمين إذا وجد الشرط مرة إلا في كلما وجزم بغرابتها في الفتح والبحر واستشكلها الزيلعي قوله (وجعله في البحر أحد القولين) ذكر ذلك عند قول الكنز ففيها إن وجد الشرط حيث قال والحق أن ما في الغاية أحد القولين نقل القولين في القنية في مسألة صعود السطح اه ونقل هنا عن المعراج وعن
بعض الحنابلة أن متى تقتضي التكرار والصحيح أن غير كلما لا يوجب التكرار اه فأفاد ضعف هذا القول وضعف ما عن بعض الحنابلة فافهم قوله (أي تبطل اليمين) أي تنتهي وتتم وإذا تمت حنث فلا يتصور الحنث ثانيا إلا بيمين أخرى لأنها غير مقتضية للعموم والتكرار لغة نهر قوله (ببطلان التعليق) فيه أن اليمين هنا هي التعليق قوله (إلا في كلما) فإن اليمين لا تنتهي بوجود الشرط مرة وأفاد حصره أن متى لا تفيد التكرار وقيل تفيده والحق أنها إنما تفيد عموم الأقات ففي متى خرجت فأنت طالق المفاد أن أي وقت تحقق فيه الخروج يقع الطلاق ثم لا يقع بخروج آخر وإن المقرونة بلفظ أبدا كمتى فإذا قال إن تزوجت فلانة أبدا فهي كذا فتزوجها فطلقت ثم تزوجها ثانيا لا تطلق لأن التأبيد إنما ينفي التوقيت فيتأبد عدم التزوج ولا يتكرر وأي كذلك حتى لو قال أي امرأة أتزوجها فهي طالق لا يقع إلا على امرأة واحدة كما في المحيط وغيره بخلاف كل امرأة أتزوجها نهر والفرق أن لفظ كل للعموم ولفظ أي إنما يعم بعموم الصفة لقولهم في أي عبيدي ضربته فهو حر لا يتناول إلا واحدا لأنه أسند إلى خاص وفي أي عبيدي ضربك يعتق الكل إذا ضربوا لإسناده إلى عام وفي أي امرأة زوجت نفسها مني فهي طالق يتناول الجميع وتمام تحقيقه في البحر قوله (كاقتضاء كل عموم الأسماء) لأن كلما الخطبة على الأفعال وكل الخطبة على الأسماء فيفيد كل منهما عموم ما دخلت عليه فإذا وجد فعل واحد أو اسم واحد فقد وجد المحلوف عليه فانحلت اليمين في حقه وفي حق غيره من الأفعال والأسماء باقية على حالها فيحنث كلما وجد المحلوف عليه غير أن المحلوف عليه طلقات هذا الملك وهي متناهية فالحاصل أن كلما لعموم الأفعال وعموم الأسماء ضروري فيحنث بكل فعل حتى تنتهي طلقات هذا الملك وكل لعموم الأسماء وعموم الأفعال ضروري ولو قال المصنف إلا في كل وكلما لكان أولى لأن اليمين في كل وإن انتهت في حق اسم بقيت في حق غيره من الأسماء(3/387)
ومن فروعها لو كان له أربع نسوة فقال كل امرأة الخطبة الدار فهي طالق فدخلت واحدة
طلقت ولو دخلن طلقن فإن دخلت تلك المرأة مرة أمخرى لا تطلق ولو قال كلما دخلت فدخلت امرأة طلقت ولو دخلت ثانيا تطلق وكذا ثالثا فإن تزوجت بعد الثلاث وعادت إلى الأول ثم دخلت لم تطلق خلافا لزفر ومنها لو قال كلما دخلت فامرأتي طالق وله أربع نسوة فدخل أربع مرات ولم يعن واحدة بعينها يقع بكل دخلة واحدة إن شاء فرقها عليهن وإن شاء جمعها على واحدة بحر وفي الشرنبلالية فرع يكثر وقوعه قال في السراج نقلا عن المنتقى قال إن تزوجت امرأة فهي طالق ثلاثا وكلما حلت حرمت فتزوجها فبانت بثلاث ثم تزوجها بعد زوج يجوز وإن عنى بقوله كلما حلت حرمت الطلاق فليس بشئ وإن لم يكن أراد به طلاقا فهو يمين اه قلت ولعل وجهه أن قوله وكلما حلت حرمت ليس تعليقا بالملك الخاص لأنه لا يلزم أن يكون حلها بالعقد لجواز أن ترتد ثم تسترق فليتأمل قوله (فلا يقع) تفريع على قوله فإنه ينحل بعد الثلاث وإنما لم يقع لأن المحلوف عليه طلقات هذا الملك وهي متناهية كما مر أما لو كان الزوج الآخر قبل الثلاث فإنه يقع ما بقي قوله (لدخولها على سبب الملك) أي التزوج فكلما وجد هذا الشرط وجد ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه بحر وفيه عن الكافي وغيره لو قال كلما نكحتك فأنت طالق فنكحها في يوم ثلاث مرات ووطئها في كل مرة طلقت طلقتين وعليه مهران ونصف وقال محمد بانت بثلاث وعليه أربعة مهور ونصف اه قلت ووجهه ما في الولوالجية أنه لما تزوجها أولا وقعت واحدة ووجب نصف مهر فإذا دخل بها وجب مهر كامل لأنه وطء بشبهة في المحل ووجبت العدة فإذا تزوجها ثانيا وقعت أخرى وهذا طلاق بعد الدخول معنى فإن من تزوج المعتدة وطلقها قبل الدخول بها يكون عند أبي حنيفة وأبي يوسف طلاقا بعد الدخول معنى فيجب مهر كامل فصار مهران ونصف فإذا دخل بها وهي معتدة عن رجعي صار مراجعا ولا يجب بالوطء شئ فإذا تزوجها ثالثا لم يصح النكاح لأنه تزوجها وهي منكوحته اه لتكرار الوقوع إشارة إلى الفرق وحاصله أنه في الأول علق وقوع الطلاق على إيقاعه طلاق فإذا طلق مرة يقع الطلاق عليها
مرة أخرى ولا تقع الثالثة لأن الثانية واقعة وليست بموقعة بخلاف الثاني فإن المعلق عليه فيه وقوع الطلاق الصادق بالإيقاع فإن الإيقاع يستلزم الوقوع فإذا طلقها مرة وجد الشرط فتقع أخرى وبوقوع أخرى وجد شرط آخر فتقع أخرى اه ح مطلب المنعقد بكلمة كلما أيمان منعقدة للحال لا يمين واحدة تنبيه المنعقد بكلمة كلما إيمان منعقدة للحال لأن كلما بمنزلة تكرار الشرط والجزاء وهذه رواية الجامع وعليها الفتوى لأنها أحوط وفي رواية المبسوط المنعقد للحال يمين واحدة ويتجدد انعقادها مرة بعد أخرى كلما حنث اه محيط(3/388)
وينبغي أن تظهر الثمرة فيما إذا قال كلما حلفت فأنت طالق ثم علق بكلمة كلما فيقع الآن ثلاث على الأول وواحدة على الثاني وفي قضاء البزازية قال كلما تزوجتك فأنت كذا ثلاثا فتزوجها وفسخ اليمين شافعي ثم طلقها ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج آخر فعلى رواية الجامع وهي الأصح يحتاج إلى الحكم بالفسخ ثانيا بحر ملخصا زوال لملك لا يبطل ليمين قوله مطلب (وزوال الملك لا يبطل اليمين) قوله: (وزوال الملك لا يبطل اليمين) أي زواله بما دون الثلاث كما في الفتح وأطلقه اكتفاء بما مر من أن التعليق يبطل بزوال الحل أي بتنجيز الثلاث نعم يرد عليه أنه يبطل بالردة مع اللحاق خلافا لهما وأجاب في البحر بأن البطلان فيه لخروج المعلق عن الأهلية لا لزوال الملك واعترضه في النهر بأن عتق مدبره وأمهات أولاده دليل زوال ملكه وقيد بزوال الملك لأن زوال محل البر مبطل لليمين كما مر فإن قلت قد جعلوا زوال الملك مبطلا لليمين فيما لو حلف لا تخرج امرأته إلا بإذنه فخرجت بعد الطلاق وانقضاء العدة لم يحنث وبطلت اليمين بالبينونة حتى لو تزوجها ثانيا لم خرجت بلا إذن لم يحنث قلت اليمين مقيدة بحال ولاية يأمر والمنع بدلالة الحال وذلك حال قيام الزوجية فسقط
اليمين بزوال الزوجية كما لو حلف لا يخرج إلا بإذن غريمه فقضى دينه ثم خرج لم يحنث بخلاف إلا بإذن فلان معاملة بينهما لأنها مطلقة كما في المحيط بحر وحاصله أنها لم تبطل لزوال الملك بل لفقد شرط قيدت به اليمين ونظيره لو حلفه الوالي ليعلمنه بكل مفسد تقيد بحال قيام ولايته كما سيأتي في الأيمان تنبيه استثنى في البحر من عدم بطلانها بزوال الملك فرعا في القنية إن سكنت في هذه البلدة فامرأته طالق وخرج على الفور وخلع امرأته ثم سكنها قبل انقضاء العدة لا تطلق لأنها ليست امرأته وقت وجود الشرط اه قال في البحر فقد بطلت اليمين بزوال الملك هنا فعلى هذا يفرق بين كون الجزاء فأنت طالق وبين كونه فامرأته طالق لأنها بعد البينونة لم تبق امرأته فليحفظ هذا فإنه حسن جدا اه وسيذكر الشارح في الفروع وحاصله تقييد قولهم زوال الملك لا يبطل اليمين بما إذا لم يكن الجزاء فامرأته طالق أما لو كان كذلك فإنها تبطل أقول ما في القنية ضعيف لأنه مبني على اعتبار حالة الشرط بدليل التعليل بقوله لأنها وقت وجود الشرط ليست امرأته وهو خلاف الأظهر ففي القنية أيضا إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ثم قال إن فعلت كذا فحلال الله علي حرام ففعل أحد الفعلين حتى بانت امرأته ثم فعل الآخر فقيل لا يقع الثاني لأنها ليست امرأته عند وجود الشرط وقيل يقع وهو الأظهر اه فأفاد أن الأظهر اعتبار حالة التعليق لا حالة وجود الشرط وهي في حالة التعليق كانت امرأته فلا يضر بينونتها بعده وهذا هو الموافق لما أطلقه أصحاب المتون هنا ولما صرحوا به أيضا في الكنايات من أن البائن لا يلحق البائن إلا إذا كان البائن معلقا قبل إيجاد المنجز البائن كقوله إن دخلت الدار فأنت بائن ثم أباها ثم دخلت بانت بأخرى وذلك باعتبار حالة التعليق فإنها كانت امرأة له من كل وجه ولو اعتبر حالة وجود الشرط لزم أن لا يقع المعلق فقد ظهر أن المرجع اعتبار حالة التعليق(3/389)
مطلب مهم لإضافة للتعريف لا للتقييد فيما لو قال لا تخرج مرأتي من لدار
وعليه ما في البحر عن المحيط لو حلف لا تخرج امرأته من هذه الدار فطلقها وانقضت عدتها وخرجت أو قال إن قبلت امرأتي فلانة فعبدي حر فقبلها بعد البينونة يحنث فيهما لأن الإضافة للتعريف لا للتقييد اه وكذا ما قدمناه عن البحر لو قال كلما دخلت فامرأتي طالق وله أربع نسوة فدخل أربع مرات الخ فإن تصريحه بأن له أن يجمعها على واحدة يشمل ما إذا كانت غير موطوءة وذلك بناء على اعتبار حالة التعليق لأنها وقته كانت امرأته فدخلت في الأيمان الثلاث لما علمت من ترجيح أن المنعقد بكلمة كلما أيمان منعقدة للحال وينبغي على القول بأنه كلما حنث ينعقد يمين آخر لأنه لا يملك جمعها على واحدة لأنها بعد الحنث لم تبق امرأته فلا الخطبة في اليمين المنعقدة بعده لما قدمناه في آخر الكنايات من أنه إذا قال كل امرأة لي لا الخطبة المبانة بالخلع والإيلاء إلا أن يعينها فاغتنم تحقيق هذا المقام وعليك السلام قوله (من نكاح أو يمين) بيان للملك وقوله فلو أبانها أو باعه الخ تفريع عليهما بطريق النشر المرتب قوله (فلو أبانها) أي بما دون الثلاث قوله (وتنحل اليمين الخ) لا تكرار بين هذه وبين قوله فيما سبق وفيها تنحل اليمين إذا وجد الشرط مرة لأن المقصود هناك الانحلال بمرة في غير كلما وهنا مجرد الانحلال اه ح ولأنه هنا بين انحلالها بوجودها في غير الملك بخلاف ما سبق ط قوله (مطلقا) أي سواء وجد الشرط في اللمك أو لا كما يدل عليه اللاحق ح قوله (لكن إن وجد في اللمك طلقت) أطلق الملك فشمل ما إذا وجد في العدة والمراد وجود تمامه في الملك لا جميعه حتى لو قال إن حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت الأولى في غير ملكه والثانية في ملكه طلقت وتمامه في البحر وسيأتي عند قول المصنف علق الثلاث بشيئين يقع المعلق إن وجد الثاني في الملك وإلا لا قوله (فحيلة الخ) تفريع علئى قوله وإلا لا مطلب اختلاف الزوجين في وجود الشرط قوله (في وجود الشرط أو تحققا كما في شرح المجمع أي اختلفا في وجود أصل التعليق بالشرط أو في تحقق الشرط بعد التعليق وفي البزازية ادعى الاستثناء أو الشرط فالقول له ثم قال وذكر النسفي ادعى الزوج
الاستثناء وأنكرت فالقول لها ولا يصدق بلا بينة وإن ادعى تعليق الطلاق بالشرط وادعت الإرسال فالقول له اه وسيذكر المصنف الاختلاف في دعوى الاستثناء وظاهر ما ذكر عن النسفي أن الاختلاف غير جار في دعوى الشرط تأمل وفي البحر عن القنية ادعت أنه طلقها من غير شرط والزوج طلقتها بالشرط ولم يوجد فالبينة فيه للمرأة ولو ادعت عليه أنه حلف لا يضربها وادعى هو أنه لا يضربها من غير ذنب أقاما(3/390)
البينة فيثبت كلا الأمرين وتطلق بأيهما كان اه قوله (ليعم العدمي) نحو إن لم تدخلي الدار اليوم قوله (قالقول له) أي إذا لم يعلم الجوزي إلا منها ففيه القول لها في حق نفسها كما يأتي قوله (لإنكاره الطلاق) أي إنكراه وقوعه وهذا أولى من التعليل بأنه متمسك بالأصل وهو عدم الشرط لأنه لا يشمل مثل إن لم أجامعك في حيضتك فالقول له أنه جامعها مع أن الظاهر شاهد لها من وجهين كون الأصل عدم العارض وكون الحرمة مانعة له من الجماع ومفاده أي مفاد إطلاق قوله فالقول له قوله وجوابها خبر أن الأولى المفتوحة الهمزة والمصدر المنسبك من المفنوحة وجملتها خبر المبتدأ وهو مفاد قال في البحر ثم اعلم أن ظاهر المتون يقتضي أنه لو علق طلاقها بعدم وصول نفقتها شهرا ثم ادعى الوصول وأنكرت فالقول قوله في عدم وقوع الطلاق وقولها في عدم وصول المال الخ قوله (فادعى الوصول) أي بعد مضي الأيام المعينة كما في القنية والذخيرة (وبه جزم في القنية) كذا قال في البحر والنهر لكن الذي رأيته في القنية رامزا للعيون وللأصل القول للمرأة ثم رمز للمنتقى على العكس أي القول للرجل قوله (وأقره في البحر) حيث قال في فصل الأمر باليد قيل القول له لأنه فقلنا الوقوع لكن لا يثبت وصول النفقة إليها والأصح أن القول قولها في هذا وفي كل موضع يدعي إيفاء حق وهي تنكر اه وقال هنا وكأنه ثبت في ضمن قبول قولها في عدم وصول المال اه ونقل الخير الرملي أيضا تصحيحه عن الفيض والفصول ثم اعلم أنه ذكر في جامع الفصولين برمز فوائد صدر الإسلام أنه قال في مسألة النفقة لو
نشزت حتى مضت المدة ينبغي أن لا تطلق لأنها لما نشرت لم يبق لها نفقة قوله (وهو يقتضي تخصيص المتون) أي تخصيصها بكون القول له إذا لم يتضمن دعوى إيصال مال حملا للمطلق على المقيد قوله (وجزم شيخنا) يعني الشيخ زين بن نجيم صاحب البحر حيث سأل عمن حلف بالطلاق لدائنه أنه يدفع به الدين في وقت معين فأجاب بأنه يصدق في الدفع بيمينه بالنسبة إلى عدم وقوع الطلاق ولا يبرأ من الدين ويحلف بالدائن على عدم القبض ويستحقه اه قلت وهذا وكما المأمور بدفع الدين إذا ادعى الدفع من مال الآمر فإنه يصدق في حق براءة نفسه لا في حق براءة الآمر هذا وقد علم مما قدمناه عن القنية وعن صاحب البحر أن في المسألة قولين فقط أحدهما القول بالتفصيل والآخر كون القول للمرأة في حق الطلاق وفي حق عدم وصول المال وأما كون القول للرجل في الأمرين فلا قائل به خلافا لما توهمه الخير الرملي وكذا صاحب نور العين من كلام جامع الفصولين حيث ذكر أن القول للرجل لأهه منكر للحكم ثم ذكر أن القول لها وأنه الأصح ثم رمز للذخيرة التفصيل فتوهم منه أن الأقوال ثلاثة مع أنه لا يمكن أن يقال إن القول له في إيفاء المال إليها أو إلى الدائن أصلا إذ لا وجه له مع ما يلزم عليه من اتخاذ ذلك حيلة لكل(3/391)
مديون أراد منع الحق عن مستحقه حيث يمكنه أن يعلق الطلاق على عدم الأداء في وقت معين ثم يدعي الأداء وهذا مما لا يقول به أحد فضلا عن أن يكون هو المفاد من المتون والشروح فعلم أن ما حكاه في جامع الفصولين آخرا هو المراد بالقول الذي ذكره أولا ويدل عليه التعليل بأنه منكر للحكم أي حكم التعليق وهو الحنث عند وجود الشرط فتدبر قوله (إلا إذا برهنت) وكذا لو برهن غيرها لأنه لا يشترط دعوى المرأة للطلاق ولا أن تبرهن لأن الشهادة على عتق الأمة وطلاق المرأة تقبل حسبة بلا دعوى أفاده في البحر ولو برهنا فالظاهر ترجيح برهانها لأنه إذا كان القول له كان برهانه لغوا ويدل عليه أيضا ما قدمناه عن البحر عن القنية فيما لو ادعت أنه طلقها بلا شرط الخ قوله (وإن كان نفيا) لأنها على النفي صورة وعلى إثبات الطلاق حقيقة والعبرة للمقاصدة لا للصورة كما لو شهدا أنه أسلم واستثنى وشهد آخران أنه أسلم ولم يستثن تقبل الثانية ولو كان فيها
نفي إذ غرضهما إثبات إسلامه ويشكل عليه ما سيأتي في الأيمان لو قال عبده حر إن لم يحج العام فشهدا بنحره بكار لم يعتق خلافا لمحمد لأنها شهادة نفي معنى لأنها بمعنى لم يحج العام فهذا يدل على أن شهادة النفي لا تقبل على الشرط ولذا قال في الفتح إن قول محمد أوجه لكن قيل إن علة عدم العتق اشتراط الدعوى في شهادة عتق العبد وعليه فلو كانت أمة تعتق اتفاقا إذ لا تشترط دعواها فحينئذ لا إشكال أفاده في البحر قوله (لأنه يملك الإنشاء) أي فلا يهتم أما إن كانت طاهرة فلا يصدق لأنه يريد إبطال حكم واقع في الظاهر لوجود وقت السنة وقد اعترف بالسبب لأن المضاف سبب للحال زيلعي قلت وهذا مشكل لأن الاعتراف بالسبب إنما يثبت عند ثبوت الشرط وقد أنمكر الشرط نعم هذا يظهر لو قال أنت طالق للسنة بدون تعليق ففي البحر عن الكافي لو قال لامرأته الموطوءة أنت طالق للسنة لا يقع إلا في طهر خال عن الطلاق والوطء عقيب حيض خال عن الطلاق والوطء فإذا حاضت وطهرت وادعى الزوج جماعها أو طلاقها في الحيض لا يقبل قوله في منع الطلاق السني لانعقاد المضاف سببا للحال وإنما يتراخى حكمه فقط فدعوى الطلاق أو الجماع بعده دعوى المانع فلا يقبل قوله في منع وقوع الطلاق في الطهر لكن يقع طلاق آخر بإقراره بالطلاق في الحيض وإن ادعى الطلاق أو الجماع وهي حائض صدق ولو قال إن لم أجامعك في حيضتك فأنت طالق ادعى الجماع في الحيض لا تطلق لأنه علق الطلاق بصريح الشرط والمعلق بالشرط إنما ينعقد سببا عند الشرط لما عرف فإذا أنكر الشرط فقد أنكر السبب فيقبل قوله وكذا لو قال والله لا أقربك أربعة أشهر فمضت المدة ثم ادعى قربانها في المدة لا يقبل لأن الإيلاء سبب في الحال لكن تراخي وقوع الطلاق إلى مضي المدة وقد مضت المدة ووقع ظاهرا فدعوى القربان دعوى المانع فلا يقبل ولو ادعى القربان قبل مضي المدة يقبل قوله لأنه لم يقع الطلاق بعد وقد أخبر عما يملك إنشاءه فيقبل قوله ولو قال إن لم أقربك في أربعة أشهر فأنت(3/392)
طالق فمضت المدة ثم ادعى القربان في المدة لا يقع لأنه علق الطلاق بصريح الشرط فمتى أنكر الشرط فقد أنكر السبب فيقبل قوله اه فهذا كما ترى مخالف لما مر عن الزيلعي فليتأمل قوله (فالمسألة السابقة) هي قوله إن اختلفا في وجود الشرط الخ والآتية هي قوله إن حضت كما بينه الشارح فيها ح والأحسن تفسير الآية بقوله وما لا يعلم إلا منها الخ قوله (ليستا على إطلاقهما) فتقيد الأولى بما إذا كان يملك الإنشاء وتقيد الآتية بما إذا كان لا يملكه أخذا من هذا التفصيل المذكور هنا وما قاله الشارح تبع فيه ابن كمال في شرح الإصلاح وفيه بحث أما أولا فلما علمت من مخالفة هذا التفصيل لما ذكرناه عن الكافي وأما ثانيا فلأن الاختلاف هنا في الجماع لا في الحيض والجماع ليس مما لا يعلم الجوزي إلا منها لأن الرجل يعلمه لكونه فعله وأما ثالثا فلأنه لو سلمك هذا التفصيل في هذه المسألة لا يلزم منه تقييد هاتين المسألتين اللتين هما قاعدتان تحتهما مسائل جزئية لهما قد أطلق بعضها وصرح في بعضها بما يخالف هذا التفصيل كما قدمناه في مسألة النفقة عن الذخيرة والقنية من دعوى الوصول بعد مضي الأيام المعينة وكما قدمناه عن الكافي قريبا من قوله إن لم أقربك في أربعة أشهر من أن الدعوى بعد مضي المدة فقد قبل قوله مع أنه لا يملك الإنشاء فتدبر قوله (وما لا يعلم إلا منها) قيد به لأنه لو كان يعلم من غيرها توقف الوقوع على تصديقه أو البينة كالدخول والكلام اتفاقا واختلفوا فيما لو علق بولادتها فقالا يقع بشهادة القابلة وعنده لا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين جوهرة ولا يشمل ما لو قال إن شربت مسكرا بغير إذنك فأمرك بيدك وشرب ثم اختلفا فالقول له نه فقلنا وقوع الطلاق مع أن يأمر لا يستفاد إلا منها لكن يطلع عليه بالقول بخلاف الحيض والمحبة قوله (استحسانا) والقياس أن يكون القول قوله لأنها تدعي شرط الحنث على الزوج ووقوع الطلاق وهو منكر فيكون القول قوله ولا تصدق إلا بحجة كغيره من الشروط وجه الاستحسان أن هذا الأمر لا يعرف إلا من قبلها وقد ترتب عليه حكم شرعي فيجب عليها أن تخبر كي لا أنكر في الحرام إذ الاجتناب عنه واجب عليهما شرعا فيجب طريقه وهو الإخبار فتعينت له فيجب قبول قولها لتخرج عن عهدة الواجب زيلعي قوله (نهر بحثا) أصل
البحث لأخيه صاحب البحر حيث قال وظاهره أنه لا يمين عليها ويدل عليه قولهم إن الطلاق المعلق بإخبارها وقد وجد ولا فائدة في التحليف لأنه وقع بقولها والتحليف لرجاء النكول وهي لو أخبرت ثم قالت كنت كاذبة لا يرتفع الطلاق لتناقصها اه لكن في حواشي مسكين نقل الحموي عن رمز المقدسي أن عليها اليمين بالإجماع إذ ليس هذا من المواضع المستثناة من قولهم كل من قبل قوله فعليه اليمين اه قلت: ولا يخفى ما فيه لما علمت من عدم الفائدة في التحليف ومن وجه الاستحسان وعدم ذكرها في المستثنيات لا يدل على عدم كونها منها فكم من أصل استثنى منه أشياء مع بقاء غيرها لكون ذلك بحسب ما خظر في ذهن المستثنى ولا سيما مع ظهور الوجه نعم هذا في الفضاء ظاهر وأما في الديانة فينبغي التفرقة بين الحيض والمحبة لأن تعلق الطلاق بإخبارها قضاء وديانة إنما هو في المحبة أما في الحيض فلا تطلق ديانة إلا إذا كانت صادقة كما تعرفه قريبا فافهم(3/393)
قوله (ومراهقة كبالغة) وأما حكم الصغيرة التي لا تحيض مثلها والآيسة فقال في النهر لم أره وينبغي أن يقبل من الآيسة لا الصغيرة قوله (واحتلام كحيض في الأصح) قال في قوله (النهر) واختلف فيما لو قال لعبده إن احتملت فأنت حر فقال احتملت فروى هشام أنه لا يصدق والأصح أنه يصدق لأن الاحتلام لا يعرفه غيره كالحيض كذا في المحيط قوله (كقوله إن حضت الخ) اعلم أن التعليق بالمحبة كالتعليق بالحيض إلا في شيئين أحدهما أن التعليق بالمحبة يقتصر على المجلس لكونه تخييرا حتى لو قامت وقالت أحبك لا تطلق والتعليق بالحيض لا يبطل بالقيام كسائر التعليقات الثاني أإنها إن كانت كاذبة في الإخبار تطلق في التعليق بالمحبة لما قلنا وفي التعليق بالحيض لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى زيلعي ومثله في الفتح وغيره وفي كافي الحاكم الشهيد ولو قال أنت طالق إن كنت تحبين كذا وكذا لشئ يعرف أنها تحبه أو لا تحبه كالموت والعذاب فقالت أنا أحبه فالقول قولها ما دامت في مجلسها وكذا إن
كنت تبغضين كذا لشئ يعلم أنها تحبه كالحياة والغنى فقالت أنت أبغضه فهي طالق وإن قال أنت طالق ثلاثا إن كنت تحبين كذا فقالت لست أحبه وهي كاذبة لم يقع وكذا لو قال أنت طالق ثلاثا إن كنت أنا أحب ذلك ثم قال لست أحبه وهو كاذب فهي امرأته ويسعه فيما بينه وبين الله تعالى أن يطأها وكذا اليمين على البعض وكذلك لو قال إن كنت تحبين الطلاق بقلبك أو تريدينه أو تشتهينه بقلبك دون لسانك فأنت طالق ثلاثا فقالت لا أشاء ولا أحب ولا أهوى ولا أريد ولا أشتهي فهي امرأته ولا تصدق بعد ذلك على قولها خلافه وإن كانت في مجلسها ذلك أو سكتت فلم تقل شيئا حتى يقوم فهي امرأته وإن كان في قلبها خلاف ما أظهرت فإنه يسعها أن تقيم معه فيما بينها وبين الله تعالى في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا يسعها المقام معه إن كان ما في قلبها خلاف ما أظهرت على لسانه اه وذكر في البحر في مسألة إن كنت أنا أحب كذا الخ قال شمس الأئمة هذا مشكل لأنه يعرف ما في قلبه حقيقة وإن كان لا يعرف ما في قلبها لكن الطريق ما قلنا إن الحكم يدار على الظاهر وهو الإخبار وجودا وعدما وذكر قاضيخان قال لامرأته إن سررتك فأنت طالق فضربها فقالت سرني قالوا لا تطلق لأنا نتيقن بكذبها قال قاضيخان وفيه إشكال وهو أن السرور مما لا يوقف عليه فينبغي أن يتعلق الطلاق بخبرها ويقبل قولها في ذلك وإن كنا نتيقن بكذبها كما لو قال إن كنت تحبين أ يعذبك الله بنار جهنم فأنت طالق فقالت أحب يقع اه قال في البحر وهو ممنوع لقول الهداية إنه لا يتيقن بكذبها لأنها لشدة بغضها إياه قد تحب التخلص منه بالعذاب اه وبهذا ظهر أنه لو علق بفعل قلبي وأخبرت به فإن تيقنا بكذبها لم يقع وإلا وقع وفي البدائع إن كنت تكرهين الجنة تعلق بإخبارها بالكراهة مع أنها لا تصل إلى حالة تكره الجنة فقد تيقنا بكذبها وقد يقال إنها لشدة محبتها للحياة الدنيا تكره الجنة لأنها لا تتوصل إليها إلا بالموت وهي(3/394)
تكرهه فلم نتيقن بكذبها وظاهر كلامهم هنا أنها لا تكفر بقولها أنا أحب عذاب جهنم وأكره الجنة اه وفرق في النهر بينه وبين مسألة السرور بأن إيلام الضرب القائم بها دليل ظاهر على كذبها بخلاف مجرد محبة العذاب فإنه لا دليل فيه على التيقن بكذبها لما مر اه قلت لكن يبقى الإشكال في مسألة إن كنت أنا أحب كذا إذا أخبر بخلاف ما في قلبه فإنه يتيقن بكذبه وإذا أدير الحكم على الإخبار كما مر عن شمس الأئمة لم يرد هذا لكن يتوجه إشكال قاضيخان في مسألة السرور إلا أن يجاب بأنه يتعلق الحكم بالإخبار ما لم يتيقن غير المخبر بكذبه وبه يندفع إشكال شمس الأئمة وإشكال قاضيخان فتأمل تنبيه قال في البحر قيد بمحبتها لأنه لو علقه بمحبة غيرها فظاهر ما في المحيط أنه لا بد من تصديق الزوج فإنه قال لو قال أنت طالق إن لم تكن أمك تهوى ذلك فقالت الأم أنا أهوى وكذبها الزوج لا تطلق فإن صدقها طلقت لما عرف وروى ابن رستم عن محمد أنه لو قال إن كان فلانا مؤمنا فأنت طالق لا تطلق لأن هذا لا يعلمه إلا هو ولا يصدق هو على غيره وإن كان هو من المسلمين يصلي ويحج ولو قال لآخر لي إليك حاجة فاقضها لي فقال امرأته طالق إن لم أقض حاجتك فقال حاجتي أن تطلق زوجتك فله أن لا يصدقه فيه ولا تطلق زوجته لأنه محتمل للصدق والكذب فلا يصدق على غيره اه قال الخير الرملي فقد علم من هذه الفروع أنه إن علق بفعل الغير لا يصدق ذلك الغير عليه سواء كان مما لا يعلم إلا منه أم لا، ولا بد من تصديق الزوج فيهما أو البينة فيما يثبت بها من الأمر الذي يعلم قوله (لم يقبل قولها) لأنه ضروري فيشترط فيه قيام الشرط زيلعي أي لأن قبول قولها ضرورة ترتب حكم شرعي عليه ويأتي تمامه قوله (طلقت هي فقط) أي دون فلانة لأن المنظور إليه في حقها شرعا الإخبار به لأنها أمينة وفي حق ضرتها متهمة وشهادتها على ذلك شهادة فرد ولا بعد في أن يقبل قول الإنسان في حق نفسه لا في حق غيره كأحد الورثة إذا أقر بدين على الميت اقتصر على نصيبه إذا لم يصدقه الباقون وتمامه في البحر قوله (أو علم وجود
الحيض منها) لا ينافيه ما تقدم من قوله وما لا يعلم إلا منها الخ لأن ذاك فيما إذا أشكل أمرها وذا فيما لم يشكل بأن أخبرت في وقت عدتها المعروفة لزوجها وضرتها وشوهد الدم منها بحيث لم يبق شك تأمل رملي قوله (وفي إن حضت الخ) تفصيل وبيان لما أجمله أولا ومثله التعليق بقي أو مع كأنت طالق في حيضك أو مع حيضك كما في البحر قوله (وقع من حين رأت) لأنه بالاستمرار تبين أنه حيض من الابتداء فيجب على المفتي أن يعينه فيقول طلقت من حين رأيت الدم وليس هذا من باب الاستناد وإنما هو من باب التبيين ولذا قال من حين رأت وتمام بيانه في البحر وفيه عن الكافي في مسألة إن حضت فعبدي حر وضرتك طالق إذا رأت الدم فقالت حضت وصدقها(3/395)
أنه قبل الاستمرار بمنع الزوج عن وطء المرأة واستخدام العبد في الثلاثة لاحتمال الاستمرار قوله (وكان بدعيا) لوقوعه في الحيض بخلاف أن حضت حيضة كما يأتي وهذا بيان لثمرة التبين وتظهر أيضا فيما لو كان المعلق بالحيض عتقا فجنى العبد أو جني عليه بعد رؤية الدم فبالاستمرار تكون الجناية جناية الأحرار وفي أنها لا تحتسب هذه الحيضة من العدة لأن الشرط حيث كان هو رؤية الدم لزم أن يكون الوقوع بعد بعضها ولذا قلنا إنه بدعي وفيما إذا خالعها في الثلاث حيث يبطل الخلع لأنها مطلقة قاله الحدادي ونظر فيه في البحر بأن الخلع يلحق الصريح وأجاب في النهر بأن الظاهر أنه أمرهم على ما إذا لم تكن مدخولا بها قوله (فإن غير مدخولة) تفريع على قوله وقع من حين رأت واحترز عن المدخول بها ولو حكما كالمختلى بها لأنها لا يمكنها التزوج بآخر في الأيام الثلاثة لوجوب العدة عليها من الأول قوله (في ثلاثة أيام) الأولى في الثلاثة الأيام بحال النهر فتزوجت حين رأت الدم ح قوله (فإرثها للزوج الأول) لأنه لا يدري أكان ذلك حيضا أو لا بحر أي فلم يتحقق شرط وقوع الطلاق فهي باقية على عصمته ومقتضاه أن عقد الثاني عليها باطل فلا يلزمه المهر قوله (وتصدق في حقها الخ) أي فيما إذا علق طلاقها وطلاق ضرتها على حيضها وهذا يعني عن قول المصنف المار طلقت هي
فقط وفي البحر عن شرح المجمع فإن قال الزوج انقطع الدم في الثلاثة وأنكرت المرأة والعبد فالقول لهما لأن الزوج أقر بوجود شرط العتق ظاهرا لأن رؤية الدم في وقته تكون حيضا ولهذا تؤمر بترك الصلاة والصوم ثم ادعى عارضا يخرج المرئي من أن يكون حيضا فلا يصدق فإن صدقته المرأة وكذبه العبد في الأيام الثلاث فالقول لهما وإن كان بعدها فالقول للعبد قوله (وفي إن حضت حيضة الخ) مثله أنت طالق مع حيضتك أو في حيضتك بالتاء بحر قوله (لعدم تجزيها) علة لمساواة التعبير بنصفها ونحوه للتعبير بحيضة فإن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله وفي النهر عن الجوهرة ولو قال إذا حضت نصفها فأنت كذا وإذا حضت نصفها الآخر فأنت كذا لا يقع شئ ما لم تحض وتطهر فإذا طهرت وقع طلقتان قوله (لا يقع حتى تطهر منها) إما بانقطاعه لعشرة أو بالاغتسال أو بما يقوم مقامه من صيرورة الصلاة دينا في ذمتها فيما إذا انقطع لما دونها نهر قوله (لأن الحيضة) بفتح الحاء المرة الواحدة والحيضة بالكسر الاسم والجمع الحيض بحر عن الصحاح قوله (اسم للكامل) أي ولا تكمل الحيضة إلا بالطهر منها فلو كانت حائضا لا تطلق حتى تطهر ثم تحيض فإن نوى ما يحدث من هذه الحيضة فهو على ما نوى وكذا إذا قال إن حبلت إلا أن هنا إذ نوى الحبل الذي فيه لا يحنث لأنه ليس له أجزاء متعددة بخلاف الحيض قاله الحدادي نهر قوله (ما لم تر حيضة أخرى) وذلك بأن تخبر وهي متلبسة(3/396)
بالحيض أو بعد الطهر منه أما إذا أخبرت بعد تلبسها بحيضة أخرى لا يقبل قولها إلا إذا طهرت من الحيضة الأخرى وهذا بخلاف قوله إذا حضت ولم يقل حيضة فإن الشرط إخبارها حال قيام الحيض فلا يقبل بعده كما مر قال في الفتح لأنه ضروري فيشترط قيام الشرط بخلاف قوله إن حضت حيضة حيث يقبل قولها في الطهر الذي يلي الحيضة لا قبله ولا بعده حتى ولو قالت بعد مدة حضت وطهرت وأنا الآن حائض بحيضة أخرى لا يقبل قولها ولا يقع لأنها أخبرت عن الشرط حال عدمه ولا يقع إلا إذا أخبرت عن الطهر بعد انقضاء هذه الحيضة فحينئذ يقع لأنها جعلت
أمينة شرعا فيما تخبر من الحيض والطهر ضرورة إقامة الأحكام المتعلقة بها فلا تكون مؤتمنة حال عدم تلك الأحكام لعدم الحاجة إذا كذبها الزواج اه ومفهومه أنها لا تطلق بمجرد طهرها من الحيضة الأخرى بل لا بد من الأخبار لما مر من أن ما لا يعلم إلا منها يتعلق باإخبارها ويفهم منم قوله إذا كذبها الزوج أنه إذا صدقها يقع وإن لم تطهر من الثانية قوله (وفي إن صمت يوما) نظيره إن صمت صوما لا يقع إلا بتمام يوم لأنه مقدر بمعبار اه فتح قوله (بخلاف إن صمت الخ) أي أنه يتعلق بما يسمى صوما في الشرع وقد وجد بركنه وشرطه بإمساك ساعة فيقع به وإن قطعته بعده وكذا إذا صمت في يوم أو في شهر لأنه لم يشترط إكماله وإذا صليت صلاة يقع بركعتين وفي إذا صليت يقع بركعة قوله (فولدتهما) أي واحدا بعد واحد نهر ويأتي محترزة ومحترز قوله ولم يدر الأول وقوله (وثنتان تنزها) أي تباعدا عن الحرمة نهر في القهستاني أي ديانة يعني فيما بينه وبين الله تعالى كما ذكره المصنف وغيره اه قلت ومقتضاه أنه إذا وقعت عليه طلقة أخرى يجب عليه ديانة أن يفارقها للاحتياط والتباعد عن الحرمة وإن كان القاضي لا يحكم عليه بذلك بل يفتيه المفتي بذلك ويدل على الوجوب تعبير المصنف وغيره باللزوم ولكن في الهداية والأولى أن يأخذ بالثنتين تنزها واحتياطا فتأمل وإنما تلزمه الثنتان في القضاء لأن وقوعهما غير محقق والحل كان ثابتا بيقين فلا يزول بالاحتمال قيل ولو قال وأخرى تنزها لكان أولى لإيهام العبارة أو الثنتين غير الواحدة وإن سلم فالتنزه إنما هو بواحدة والأخرى قضاء قوله (أو مضت العدة بالثاني) أشار إلى أنه لا رجعة ولا إرث بحر قوله (فلا كلام) أي فإنه يقع المعلق بالسابق ولا يقع بالأخرى شئ لما ذكره من أن الطلاق والمقارن الخ قوله (لأنه منكر) أي للطلقة الزائدة وهذا من فروع قوله وإن اختلفا في وجود الشرط الخ قوله (وإن تحقق ولادتهما معا الخ) لم يذكره المصنف لاستحالته عادة نهر وإن ولدت خنثى وقعت وادحة وتوقفت الأخرى حتى يتبين حاله هندية عن البحر الزاخر ط قوله(3/397)
(يقع ثنتان قضاء الخ) لأن الغلام إن كان أولا أو ثانيا تطلق ثلاثا واحدة به وثنتين بالجارية الأولى
لأن العدة لا تنقضي ما بقي في البطن ولد وإن كان آخرا يقع ثنتان بالجارية الأولى ولا يقع بالثانية شئ لأن اليمين بالجراية انحلت بالأولى ولا يقع بالغلام شئ لأنه حال انقضاء العدة وتردد بين ثلاث وثنتين فيحكم بالأقل قضاء وبالأكثر تنزها فتح قوله (فواحدة قضاء) لأنه إن كان الغلامان أولا وقعت واحدة بأولهما ولا يقع بالثاني شئ ولا بالجارية الأخيرة لانقضاء العدة وإن كانت الجارية أولا أو وسطا وقع ثنتان بها وواحدة بالغلام بعدها أو قبلها فتردد بين ثلاث وواحدة قوله (لأن الحمل اسم للكل) لأنه اسم جنس مضاف فيهم كله فتح قوله (والمسألة بحالها) أي وولدت غلاما وجارية قوله (لعموم ما) أي فيقتضي أن شرط وقوع الواحدة أو الثنتين كون جميع ما في بطنها غلاما أو جارية ومثله ما في الفتح إن كان ما في هذا العدل حنطة فهي طالق أو دقيقا فطالق فإذا فيه حنطة ودقيق لا تطلق قوله (لعدم اللفظ العام) أي ولصدق اللفظ فإنه يصدق على الجارية والغلام أنهما كانا في البطن ط وفي الجامع لو قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فإن كان الذي تلدينه غلاما فأنت طالق ثنتين فولدت غلاما يقع الثلاث لوجود الشرطين لأن المطلق موجود في المقيد وهو قول مالك والشافعي فتح قوله (لم تطلق حتى تلد الخ) لأنه علقه بحدوث الحبل بعد اليمين ويتوهم حدوث الحبل قبل اليمين إلى سنتين وفوقع الشك في الموقع فلا يقع بالشك كذا في المحيط بحر ويقتضي العدة بالولد كما في كافي الحاكم وهو صريح في أن الطلاق لم يقع بعد الولادة وإلا لم تنقض العدة بها بل يقع قبلها بالحبل الحادث بعد اليمين لأنه المعلق عليه فقوله حتى تلد معناه طهر بالولادة لأكثر من سنتين من وقت اليمين أن الطلاق قد وقع من أول الحبل وإنما اشترط كون الولادة لأكثر من سنتين من وقت اليمين ليتحقق حدوث الحبل بعد اليمين إذ لو كان لأقل من ذلك احتمل حدوثه قبل اليمين فلا يقع بالشك ثم إذ ظهر بالولادة وقوع الطلاق من وقت الحبل فوقت الحبل مجهول فلم يعلم وقت الوقوع إلا أن يقال بوقوعه قبل الولادة بستة أشهر لتيقن الحبل فيه وما قبله مشكوك فيه فلا يقع بالشك كذا بحثه ح تنبيه هذه اليمين لا تحرم الوطء لكن يستحب أن لا يطأها إلا بالاستبراء لتصور حدوث
الحبل كما في البحر عن المحيط وإنما لم يجب بالاستبراء لأن حل الوطء أصل وحدوث الحبل موهوم كما أفاده ح قوله (تنقضي به العدة) في العبارة سقط والأصل عتقت لأنه ولد تنقضي به العدة بحال الجوهرة هكذا وإذا قال إن ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ولدا ميتا طلقت وكذا إذا(3/398)
قال لأمته إذا ولدت ولدا فأنت حرة فهو كذلك لأن الموجود مولود فيكون ولدا حقيقة ويعتب رولدا في الشرع حتى تنقضي به العدة والدم بعده نفاس وأمه أم ولد فتحقق الشرط وهو ولادة الولد اه فقوله حتى تنقضي به العدة غاية لقوله ويعتبر ولدا في الشرع وليس معناه ما يفهم من الشرح من أن أم الولد تخرج به من العدة لأن العدة تجب عقب الحرية والحرية معلقة بالولادة فهي واقعة عقبها فالولادة متقدمة على وجوب العدة بمرتبتين فكيف تنضي العدة بالولادة كما أفاده ح مطلب فيما لو تكرر الشرط بعطف أو بدونه قوله (بتكرر بأن عطف شرطا على آخر وأخر الجزاء نحو إذا قدم فلان وإذا قدم فلان فأنت طالق فإنه لا يقع حتى يقدما لأنه عطف شرطا محضا على شرط لا حكم له ثم ذكر الجزاء فيتعلق بهما فصارا شرطا واحدا فلا يقع إلا بوجودهما فإن نوى الوقوع بأحدهما صحت نيته بتقديم الجزاء على أحدهما وفيه تغليظ أو بأن كرر أداة الشرط بغير عطف كإن أكلت إن لبست فأنت طالق لا تطلق ما لم تلبس ثم تأكل وتقدم المؤخر والتقدير إن لبست فإن أكلت فأنت طالق وكذا كل امرأة أتزوجها إن كلمت فلانا فهي طالق يقدم المؤخر فيصير التقدير إن كلمت فلانا فكل امرأة أتزوجها طالق وعلى هذا إذا قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لا تطلق حتى تسأله أو لا ثم يعدها ثم يعطيها لأنه شرط في العطية لوعد وفي الوعد السؤال فكأنه قال إن سألتني إن وعدتك إن أعطيتك كذا في الفتح وهذا إذا لم يكن الشرط الثاني مترتبا على الأول عادة وكان الجزاء متأخرا عن الشرطين أو متقدما عليهما وإلا كان كل شرط في موضعه كإن أكلت إن شربت فأنت حر حتى إذا شرب ثم أكل لم يعتق وكذا إن دعوتني إن أجبتك أو إن ركبت الدابة إن أتيتني يقر كل
شرط في موضعه لأنهما إذا كانا مرتبين عرفا أضمرت كلمة ثم وكذا إن توسط الجزاء بين الشرطين يقر كل شرط في موضعه لأنه تخلل الجزاء بين الشرطين بحرف الوصل وهو الفاء فيكون الأول شرطا لانعقاد اليمين والثاني شرط الحنث كإن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت فلانا ويشترط قيام الملك عند الشرط الأول لأنه جعل شرط انعقاد اليمين كأنه قال عند الدخول إن كلمت فلانا فأنت طالق واليمين لا تنعقد إلا في الملك أو مضافة إليه فإن كانت في ملكه عند دخول الدار صحت اليمين المتعلقة بالكلام فإذا كلمت يقع وإلا بإن دخلت بعد الطلاق والعدة لم يصح وإن كلمت وإذا دخلت الدار في العدة وكلمت فيها طلقت مطلب لو تكررت أداة لشرط بلا عطف فهو على لتقديم ولتأخير والحاصل أنه إذا كرر أداء الشرط بلا عطف توقف الوقوع على وجودهما لكن إن قدم الجزاء عليهما أو أخره فالملك يشترط عند آخرهما وهو الملفوظ به أولا على التقديم والتأخير وإن وسطه فلا بد من الملك عندهما وإن كان بالعطف توقف على أحدهما قدم الجزاء أو وسطه فإن أخره توقف عليهما وإن لم يكرر أداة الشرط فلا بد من وجود الشيئين قدم الجزاء عليهما أو أخره بحر ملخصا وتمامه فيه قوله (أولا) عطف على حقيقة قال في البحر وأما الثاني حنث ما ليسا شرطين حقيقة وهو أن يكون فعلا متعلقا بشيئين من حيث هو متعلق بهما نحو إن دخلت هذه الدار وهذه أو إن كلمت أبا عمرو وأبا يوسف فكذا(3/399)
فإنهما شرط واحد إلا أن ينوي الوقوع بأحدهما فاشتمال ط للوقوع قيام الملك عند آخرها وكذا إذا كان فعلا قائما باثنين من حيث هو قائم بهما نحو إن جاء زيد وعمرو فكذا فإن الشرط مجيئهما اه قوله (إن وجد الشرط الثاني في الملك) احتراز عن الشرط الأول فإنه على التفصيل كما علمت وأما أصل التعليق فشرط صحته الملك أو الإضافة إليه كما مر أول الباب فالكلام فيما بعد صحة التعليق قوله (والمسألة رباعية) لأنهما إما أن يوجدا في الملك أو خارجه أو الأول فقط في الملك أو العكس فإن كان الثاني في الملك وقع الطلاق سواء كان في الملك أو لا وإن كان
الثاني خارج الملك لا يقع سواء كان الأول في الملك أو لا اه ح ففي قوله إذا جاء زيد وبكر فأنت طالق إذا جاءا معا وهي في ملكه أو طلقها وانقضت عدتها فجاء زيد ثم تزوجها فجاء عمر طلقت وإن جاء بعد العدة قبل التزوج أو جاء في العدة وعمرو بعدها قبل التزوج لا تطلق قوله (ولم يجب عليه العقر) أشار بنفي العقر فقط إلى ثبوت الحرمة باللبث فإن الواجب عليه النزع للحال والعقر بالضم مهر المرأة إذا وطئت بشبهة وبالفتح الجرح كما في الصحاح بحر وقد مر الكلام عليه في باب المهر قوله (باللبث) بفتح اللام وسكون الباء المكث من لبث كسمع وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه التحريك إذا لم يتعد بحر عن القاموس قوله (لأن اللبث ليس بوطء) أي الجماع إدخال الفرج في الفرج وليس له دوام حتى يكون لدوامه حكم ابتدائه كمن حلف لا يدخل هذا الدار وهو فيها لا يحنث باللبث بحر قوله (لم يصر به مراجعا) أي عند محمد لأنه فعل واحد فليس لآخره حكم فعل على حدة وقال أبو يوسف يصير مراجعا لوجود المس بشهوة وهو القياس نهر قال في البحر وجزم المصنف بقول محمد دليل على أنه المختار وقيل ينبغي أن يصير مراجعا عند الكل لوجود المساس بشهوة كذا في المعراج وينبغي تصحيح قول أبي يوسف لظهور ذليله اه قوله (في الطلاق الرجعي) أي فيما إذا كان المعلق على الوطء طلاقا رجعيا قوله (حقيقة أو حكما الخ) لا يصح جعله تعميما لقوله ثم أولج ثانيا بعد قوله إذا أخرج لأنه بعد الإخراج لا يمكنه تحريك نفسه إلا بعد إيلاج ثان حقيقة فيصير مراجعا بالإيلاج الثاني لا بالتحريك فيتعين جعله تعميما لمجموع قوله أخرج ثم أولج وعلى كل فقوله فيصير مراجعا بالحركة الثانية لا وجه لتقييدها بالثانية إلاص أن أتصور المسألة بما إذا أولج فقال إن جامعتك فأنت طالق فإنه كما في البحر إذا لم ينزع ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق فإن حرك نفسه طلقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية قوله (ويجب العقر) أي فيما إذا علق الثلاث أو عتق الأمة ط ن البضع المحترم لا غلام عن عقر أو عقر بحر قوله (لاتحاد المجلس) أي لا يجب الحد بالإيلاج ثانيا وإن كان جماعا لما فيه من شبهة أنه جماع واحد بالنظر إلى اتحاد المعقصود وهو قضاء الشهوة في المجلس الواحد وقد كان أوله غير موجب للحد فلا يكون آخره موجبا له وإن قال
ظننت أنها علي حرام(3/400)
وبهذا اندفع ما يقال إنه ينبغي أن يجب الحد في العتق لأنه وطء لا في ملك ولا في شبهته وهي العدة بخلاف الطلاق لوجود العدة أفاده في المعراج لكن روي عن محمد لو زنى بامرأة ثم تزوجها في تلك الحالة فإن لبث على ذلك ولم ينزع وجب مهران مهر بالوطء أي لسقوط الحد بالعقد ومهر بالعقد وإن لم يستأنف الإدخال لأن دوامه على ذلك فوق الخلوة بعد العقد قال في النهر وهذا يشكل على ما مر إذ قد جعل لآخر هذا الفعل الواحد حكم على حدة اه وأجاب ح تبعا للحموي بأن هذا مروي عن محمد وذاك قوله فلا تنافي واعترضت ط بما في البحر عقب هذه المسألة من أن تخصيص الرواية بمحمد لا يدل على خلاف بل لأنها رويت عنه دون غيره اه فتأمل قلت والجواب الحاسم للإشكال من أصله أن اعتبار آخر الفعل هنا من جهة كونه لخلوة مقررة للمهر بل فوقها لا من جهة كونه وطأ ولا يمكن اعتبار ذلك في إيجاب الحد وثبوت الرجعة لأن الخلوة لا توجب ذلك فافهم قوله (لأن الشرط الخ) عبارة البحر لأن الشرط لم يوجد لأن التزوج عليها أن يدخل عليها من ينازعها في الفراش ومن يزاحمها في القسم ولم يوجد قوله (وقيده) أي قيد الطلاق إذا نكحها في عدة الرجعي بما ذكر أخذا من مفهوم التعليل وقال إن هذه واردة على المصنف يعني صاحب الكنز قلت وقد يقال إن المزاحمة في القسم موجودة حكما وإن لم يرد مراجعتها وقت الطلاق لاحتمال تغير الإرادة بعده بإرادة المراجعة كما لو تزوجها في حال سفره أو حال نشوز الأولى فإن الذي يظهر الوقوع وإن لم توجد المزاحمة حقيقة وقت التزوج فتأمل قوله (كما مر) أي في باب القسم ح مطلب مسائل لاستثناء ولمشيئة قوله (قال لها الخ) شروع في مسائل الاستثناء وعقد لها في الهداية فصلا على حدة قال
في الفتح وألحق الاستثناء بالتعليق لاشتراكهما في منع الكلام من إثبات موجبه إلا أن الشرط يمنع الكل والاستثناء البعض وقد مسألة إن شاء الله لمشابتهتها الشرط في منع الكل وذكر أداة التعليق ولكنه ليس على طريقة لأنه منع لا إلى غاية والشرط منه إلى غاية تحققه كما يفيده أكرم بني تميم إن دخلوا ولذا لم يورده في بحث التعليقات ولفظ استثناء اسم توقيفي قال تعالى * (ولا يستثنون) * (سورة القلم الآية 18) أي لا يقولون إن شاء الله مطلب الاستثناء يثبت حكمه في صيغ لإخبار لا في لأمر ولنهي وللمشاركة في الاسم أيضا اتجه ذكره في فصل الاستثناء وإنما يثبت حكمه في صيغ الإخبار وإن كان إنشاء إيجاب لا في الأمر والنهي فلو قال أعتقوا عبدي من بعد موتي إن شاء الله لا يعمل(3/401)
الاستثناء فلهم عتقه ولو قال بع عبدي هذا إن شاء الله كان للمأمور بيعه وعن الحلواني كل ما يختص باللسان يبطله الاستثناء كالطلاق والبيع بخلاف ما يختص به كالصوم لا يرفعه لو قال نويت صوم غد إن شاء الله تعالى له أداؤه بتلك النية كذا في الفتح ومعنى قوله توقيفي أنه وارد في اللغة لا الاصطلاحي فقط مطلب الاستثناء يطلق على لشرط لغة وستعمالا وفي حاشية البيضاوي للخفاجي من سورة الكهف الاستثناء يطلق على التقييد بالشرط في اللغة والاستعمال كما نص عليه السيرافي في شرح الكتاب قال الراغب الاستثناء رفع ما يوجبه عموم سابق كما في قوله تعالى * (قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) * (سورة الأنعام الآية 145) أو رفع ما يوجبه اللفظ كقوله امرأتي طالق إن شاء الله اه وفي الحديث من حلف على شئ فقال إن شاء الله فقد ستثنى اه ويأتي الخلاف في أنه إبطال أو تعليق قوله (متصلا) احتراز عن المنفصل بأن وجد بين اللفظين فاصل من سكون بلا ضرورة تنفس ونحوه أو من كلام كما يأتي وقيد في الفتح السكوت بالكثير مطلب قال أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا أنكر واحدة
وفي الخانية: قال لزوجته أنت طالق وسكت ثم قال ثلاثا وإن كان سكوته لانقطاع النفس تطلق ثلاثا وإلا أنكر واحدة وفي أيمان البزازية أخذه الوالي وقال بالله فقال مثله ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لم يحنث لأنه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه وكذا فيما لو كان الحلف بالطلاق اه قوله (إلا التنفس) أي وإن كان له منه بد بخلاف ما لو سكت قدر النفس ثم استثنى لا يصح الاستثناء للفصل كذا في الفتح فعلم أن السكوت قدر النفس بلا تنفس كثير وأن السكوت للتنفس ولو بلا ضرورة قوله عند عقب قوله (أو إمساك فم) أي إذا أتى بالاستثناء عقل رفع اليد عن فمه قوله (لتأكيد) نحو أنت طالق طالق إن شاء الله إذا قصد التأكيد فإنه تقدم في الفروع معي الكنايات أنه لو كرر لفظ الطلاق وقع الكل فإن نوى التأكيد دين اه وكذا أنت حر حر إن شاء الله كما في البحر ح ويأتي تمام الكلام على ذلك قوله (أو تكميل) نحو أنت طالق واحدة وثلاثا إن شاء الله بخلاف ثلاثا وواحدة أن شاء الله فيقع الثلاث كما في البحر لأن ذكر الواحدة بعد الثلاث لغو بخلاف العكس قوله (كأنت طالق يا زانية أو يا طلق) إن شاء الله مثالان المفيد الحد والطلاق على سبيل النشر المرتب قال في البحر وفي البزازية أنت طالق ثلاثا يا زانية إأن شاء الله يقع وصرف الاستثناء إلى الوصف وكذا أنت طالق يا طالق إن شاء الله وكذا أنت طالق يا صبية إن شاء الله يصرف الاستثناء إلى الكل ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة والأصل عنده أن المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يلزمه حد كقوله يا طالق يا زانية فالاستثناء على الكل اه ح أقول في هذه العبارة تحريف وسقط فالأول في قوله وكذا أنت طالق يا صبية فإن صوابه ولو قال أنتن طالق يا صبية الخ كما عبر في الذخيرة لمخالفته حكم ما قبله والثاني في(3/402)
قوله والأصل الخ فإن قوله فالاستثناء على الكل مخالف لقوله قبله يقع وصرف الاستثناء إلى الوصف أي يقع الطلاق بقوله أنت طالق ويصرف الاستثناء إلى الوصف أي ما وصفها به من قوله يا طالق يا زانية فلا يقع به طلاق ولا يلزمه حد فالصواب قوله في الذخيرة والأصل أن
المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يجب به حد فالاستثناء عليه نحو قوله يا زانية أو يا طالق وإن كان لا يجب به حد ولا يقع به طلاق فالاستثناء على الكل نحو قوله يا خبيثة اه ثم اعلم أن هذا التفصيل نقله في الذخيرة بلفظ وفي نوادر أبي الوليد عن أبي يوسف الخ ونقل قبله عن ظاهر الرواية انصراف الاستثناء إلى الكل بدون تفصيل وقال إنه الصحيح ومثله في شرح تلخيص الجامع فما مشى عليه في البزازية خلاف الصحيح كما أوضحناه أول باب طلاق غير المدخول بها ويوافقه قول الشارح هنا صح الاستثناء فإن المتبادر منه انصراف الاستثناء إلى ذلك أي الطلاق والوصف لا إلى الوصف فقط وحينئذ فلا يقع الطلاق ولا يلزمه حد ولا لعان لكن هذا مخالف لما مشى عليه في البزازية كما علمت فلا يناسب عزو الشارح المسألة إلى البزازية فافهم قوله (وقع) الأولى فإنه يقع وإنما كان الفاصل هنا لغوا لأنه لا فائدة في ذكر الرجعي لكونه مدلول الصيغة شرعا ط وانظر لم لم يجعل تأكيدا أو تفسيرا كما قالوا في حر حر أو حر وعتيق قوله (وقواه في النهر) اعلم أنه قال في القنية لو قال أنت طالق رجعيا أو بائنا إن شاء الله يسال عن نيته فإن عنى الرجعي لا يقع وإن عنى البائن يقع ولا يعمل الاستثناء اه قال في البحر وصوابه أن عنى الرجعي يقع لعدم صحة الاستثناء للفاصل وإن عنى البائن لم يقع لصحة الاستثناء اه قال في النهر أقول بل الصواب ما في القنية وذلك أن معنى كلامه أنت طالق أحد هذين وبهذا لا يكون الرجعي لغوا وإن نواه بخلاف ما إذا نوى البائن وأما البائن فليس لغوا على كل حال اه أقول لا يخفى ما في هذا الكلام من عدم الالتئام والتناقض التام بيانه أن قوله وأما البائن فليس لغوا على كل حال يقتضي عدم الوقوع لصحة الاستثناء ومساواته للرجعي الذي قال فيه إنه لا يكون لغوا وإن نواه وحينئذ فلا يقع فيهما وهو خلاف ما في القنية ومناقض لقوله بخلاف ما إذا نوى البائن فافهم ولذا قال ح إن الحق ما في البحر لأنه إذا نوى الرجعي فجملة أنت طالق تفيده فكان قوله رجعيا أو بائنا الذي هو بمعنى أحد هذين لغوا بخلاف ما إذا نوى البائن فإن تلك الجملة لا تفيده فلم يكن قوله رجعيا أو بائنا لغوا
فإن قلت لما نوى البائن كان قوله رجعيا لغوا إذا كان يكفيه أن يقول أنت طالق بائنا قلت هو تركيب صحيح لغة وشرعا كما في إحدى امرأتي طالق وحيث كان مقصوده البائن وكان قوله أنت طالق غير مفيد للبائن فهو مخير بين أن يقول أنت طالق رجعيا أو بائنا وينوي البائن وبين أن يقول أنت طالق بائنا اه قوله (مسموعا) هذا عند الهندواني وهو الصحيح كما في البدائع وعند الكرخي ليس بشرط قوله (بحيث الخ) أشار به إلى أن المراد بالمسموع ما شأنه أن يسمع وإن لم(3/403)
يسمعه المنشئ لكثرة أصوات مثلا ط قوله (للشك) أي للشك في مشيئة الله تعالى الطلاق لعدم الاطلاع عليها ح قوله (وإن ماتت قبل قوله إن شاء الله) لأن ما جرى تعليق لا تطليق وموتها لا ينافي التعليق لأنه مبطل والموت أيضا مبطل فلا يتنافيان فيكون الاستثناء صحيحا فلا يقع عليها الطلاق كذا في التبيين ح قوله (وإن مات يقع) أي إذا مات الزوج وهو يريده يقع لأنه لم يتصل به الاستثناء وتعلم إرادته بأن يذكر لآخر ذلك قبل الطلاق وكذا في النهر ح قوله (ولا يشترط فيه القصد) هو الظاهر من المذهب لأن الطلاق مع الاستثناء ليس طلاقا قال شداد بن حكيم رحمه الله وهو الذي صلى بوضوء الظهر ظهر اليوم الثاني ستين سنة خالفني في هذه المسألة خلف بن أيوب الزاهد فرأيت أبا يوسف في المنام فسألته فأجاب بمثل قولي وطالبته بالدليل فقال أرأيت لو قال أنت طالق فجرى على لسانه أو غير طالق أيقع قلت لا قال هذا كذلك بزازية وفتح قوله (ولا التلفظ بهما) أي بالطلاق والاستثناء قوله (أو عكس) أي كتب الطلاق وتلفظ بالاستثناء قوله (أو أزال الاستثناء الخ) أشار به إلى قسم أربع وهو ما إذا كتبهما معا فإنه يصح أيضا وإن أزال الاستثناء بعد الكتابة فافهم قوله (ولا العلم بمعناه) فصار كسكوت البكر إذا زوجها أبوها ولا تدري أن السكوت رضا يمضي به العقد عليها فتح قوله (من غير قصد) راجع لقوله ولا يشترط القصد وقوله جاهلا راجع لقوله ولا العلم بمعناه ح مطلب فيما لو حلف وأنشأ له آخر قوله (وأفتى الشيخ الخ) اعلم أن هذه المسألة مبنية عند الشافعية على أن من
أخذ بقول غيره معتمدا عليه لا يحنث وفرعوا عليه ما لو فعل المحلوف عليه معتمدا على إفتاء مفت بعدم حنثه به وغلب على ظنه صدقه لم يحنث وإن لم يكن أهلا للإفتاء إذ المدار على غلبة الظن وعدمها لا على الأهلية قالوا ومنه قول غير الحالف له بعد حلفه إلا أن يشاء الله ثم يخبره بأن مشية غيره تنفعه فيفعل المحلوف عليه اعتمادا على خبر المخبر اه وبهذا تعلم ما في عبارة الشارح من الخفاء لأن قوله ظانا صحته حال من الضمير في له وهو مشروط بالإخبار كما علمته وقوله بعدم الوقوع متعلق بقوله وأفتى قوله (قلت الخ) اعلم أن المقرر عندنا أنه يحنث بفعل المحلوف عليه ولو مكرها أو مخطئا أو ذاهلا أو ناسيا أو ساهيا أو مغمى عليه أو مجنونا فإذا كان يحنث بفعله مكرها ونحوه فكيف لا يحنث بفعله قصدا مع ظن عدم الحنث نعم صرحوا في الأيمان بأنه لن أحلف على ماض أو حال يظن نفسه صادقا لا يؤاخذ فيها إلا في ثلاث طلاق وعتاق ونذر وقد قال الشارح هناك فيقع الطلاق على غالب الظن إذا تبين خلافه وقد اشتهر(3/404)
عن الشافعية خلافه اه قوله (إن كان بحال الخ) أما لو لم يكن بتلك الحال لا يجوز له الاعتماد عليهما كما في الفتح وغيره قلت ومقتضى هذا الفرع أن من وصل في الغضب إلى حال لا يدري فيها ما يقول يقع طلاقه وإلا لم يحتج إلى اعتماد قول الشاهدين إنه استثنى مع أنه مر أول الطلاق أنه لا يقع طلاق المدهوش وأفتى به الخير الرملي فيمن طلق وهو مغتاظ مدهوش لأن الدهش من أقسام الجنون ولا يخفى أن من وصل إلى حالة لا يدري فيها ما يقول كان في حكم المجنون وقدمنا الجواب هناك بأنه ليس المراد بما هنا أنه وصل إلى حالة لا يدري ما يقول بأن لا يقصده ولا يفهم معناه بحيث يكون كالنائم والسكران بل المراد قد ينسى ما يقول لاشتغال فكره باستيلاء الغضب والله تعالى أعلم مطلب فيما لو دعى ستثناء وأنكرته لزوجة قوله (ويقبل قوله الخ) قال الخير الرملي في حواشي المنح لم يذكر أهو بيمينه وكذلك صاحب البحر والنهر والكمال ولم أره لأحد وينبغي على ما هو المعتمد أإن يكون بيمينه إذا
أنكرته الزوجة وأما إذا لم تنكره فلا يمين عليه اللهم إلا إذا اتهمه القاضي اه قوله (إن ادعاه وأنكرته) أي ادعى الاستثناء ومثله الشرط كما في الفتح وغيره وقيد بإنكارها لأنه محل الخلاف إذ لو لم يكن له منازع فلا إشكال في أن القول قوله كما صرح به في الفتح قلت لكن في التاترخانية عن الملتقط إذا سمعت المرأة الطلاق ولم تسمع الاستثناء لا يسعها أن تمكنه من الوطء اه أي فيلزمها منازعته إذا لم تسمع قال في البحر ولو شهدوا بأنه طلق أو خالع بلا استثناء أو شهدوا بأنه لم يستثن تقبل وهذا مما تقبل فيه البينة على النفي لأنه في المعنى أمر وجودي لأنه عبارة عن ضم الشفتين عقيب التكلم بالموجب وإن قالوا طلق ولم نسمع غير كلمة الخلع والزوج يدعي الاستثناء فالقول له لجواز أنه قاله ولم يسمعوه والشرط سماعه لا سماعهم على ما عرف في الجامع الصغير اه قال في النهر عقبه وفي فوائد شمس الإسلام لا يقبل قوله وفي الفصول وهو الصحيح اه قلت وكذا لا يقبل قوله إذا ظهر منه دليل صحة الخلع كقبض البدل أو نحوه كما في جامع الفصولين قال في التاترخانية والمراد ذكر البدل لا حقيقة الأخذ فعلى هذا إذا ذكر البدل وقت الطلاق والخلع لا يصدق قضاء في دعوى الاستثناء اه قوله (وقيل لا يقبل الخ) قال الخير الرملي أقول حيثما وقع خلاف وترجيح لكل من القولين فالواجب الرجوع إلى ظاهر الرواية لأن ما عداها ليس مذهبا لأصحابنا وأيضا كما غلب الفساد في الرجال غلب في النساء فقد تكون كارهة له فتطلب الخلاص منه فتفتري عليه فيفتي المفتي بظاهر الرواية الذي هو المذهب ويفوض باطن الأمر إلى الله تعالى فتأمل وأنصف من نفسك(3/405)
قلت الفساد وإن كان في الفريقين لكن أكثر العوام لا يعرفون أن الاستثناء مبطل لليمين وإنما يعلمه ذلك حيلة بعض من لا يخاف الله تعالى وأيضا فإن دعوى الزوج خلاف الظاهر فإنه
بدعوى الاستثناء يدعي إبطال الموجب بعد الاعتراف به بخلاف ما مر من أن القول قوله في وجود الشرط كدخولها الدار مثلا فإنه بعد قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لم ينعقد الموجب للطلاق إلا بعد وجود الدخول وهو ينكره والظاهر يشهد له أما هنا فالاهر خلاف قوله وإذا عم الفساد ينبغي الرجوع إلى الظاهر قال في الفتنة نقل نجم الدين النسفي عن شيخ الإسلام أبي الحسن أن مشايخنا أجابوا في دعوى الاستثناء في الطلاق أن لا يصدق الزوج إلا ببينة لأنه خلاف الظاهر وقد فسد حال الناس اه قوله (وقيل إن عرف بالصلاح الخ) قائله صاحب الفتح حيث قال عقب ما نقلناه عنه آنفا والذي عندي أن ينظر فإن كان الرجل معروفا بالصلاح والشهود لا يشهدون على النفي ينبغي أن يؤخذ بما في المحيط من عدم الوقوع تصديقا له وإن عرف بالفسق أو جهل حاله فلا لغلبة الفساد في هذا الزمان اه قلت ولا يخفى أن هذا تحقيق للقول الثاني المفتى به لأن المشايخ عللوه بفساد الزمان أي فيكون الزوج متهما وإذا كان صالحا تنتفي التهمة فيقبل قوله فلا يكون هذا قولا ثالثا فتدبر قوله (وحكم من لم يوقف على مشيئته الخ) تعميم بعد تخصيص فإن الباري عز وجل ممن لا يوقف على مشيئته وأفاد التمثيل أن المراد ما يعم من له مشيئة لا يوقف عليها كإن شاء الإنس ومن لا مشيئة له أصلا كإن شاء الجدار أفاده ط قوله (فيما ذكر) متعلق بحكم والمراد بما ذكر التعليق بالمشيئة ح قوله (كذلك) أي كالمعلق بمشيئة الله تعالى في عدم الوقوع ح قوله (وكذا إن شرك) بأن علق بمشيئة الله تعالى مثلا ومشيئة من يوفق على مشيئته قوله (لم يقع أصلا) أي وإن شاء زيد بحر قوله (ومثل إن لا) أي إذا قال إلا أن يشاء الله تعالى فهو مثل إن شاء الله تعالى ويحتمل أن يراد إلا المركبة من إن الشرطية ولا النافية كما في قوله تعالى * (إلا تفعلوه تكن فتنة) * (سورة الأنفال الآية 73) تنبيه ذكر في الولوالجية رجل قال لا أكلمه إلا ناسيا فكلمه ناسيا ثم كلمه ذكرا حنث بخلاف إلا إن أنسى فلا يحنث والفرق أنه في الأول أطلق واستثنى الكلام ناسيا فقط وفي الثاني وقت اليمين بالنسيان لأن قوله إلاص أن بمعنى حتى فينتهي اليمين بالنسيان قوله (وإن لم) أي إن
لم يشأ الله تعالى فلو قال أنت طالق واحدة إن شاء الله تعالى وأنت طالق ثنتين إن لم يشأ الله تعالى (لا يقع) شئ أما في الأولى فللاستثناء وأما في الثانية فلأنا لو أوقعناه علمنا أن الله تعالى شاءه لأن الوقوع دليل المشيئة لأن كل واقع بمشيئة الله تعالى هو علق بعدم مشيئة الله تعالى الطلاق لا بمشيئته جل وعلا فيبطل الإيقاع ضرورة بحر وتمام الكلام على هذه المسألة في التلويح عند الكلام على في الظرفية قوله (وما) أي ما شاء الله تعالى فلا يقع أما على كونها مصدرية ظرفية فظاهر للشك وأما على كونها موصولا اسميا فكذلك لأن المراد أنت طالق الطلاق الذي شاء الله تعالى ومشيئته لا تعلم فلا يقع إذ العصمة ثابتة بيقين فلا تزول بالشك أفاده في النهر قوله(3/406)
(وما لم يشأ) ومعناه أنت طالق مدة عدم مشيئة الله طلاقك والوجه في عدم الوقوع ما ذكر في أن لم ط قوله (لولا أبوك الخ) إنما كان هذا استثناء لأن لولا أخذت على امتناع الجزاء الذي هو الطلاق لوجود الشرط الذي هو وجود الأب أو حسنها ط قوله (ذكره ابن الهمام في فتواه) كأن الشارح رأى ذلك في فتوى معزوة إلى ابن الهمام لأنا لم نسمع أن له كتاب فتاوى والظاهر أن ذلك غير ثابت عنه لمخالفته لما ذكره في فتح القدير حيث قال ويتراءى خلاف في الفصل بالذكر القليل فإنه ذكر في النوازل لو قال والله لا أكلم فلانا أستغفر الله إن شاء الله تعالى هو مستثن ديانة لا قضاء وفي الفتاوى لو أراد أن يحلف رجلا ويخاف أن يستثني في السر يحلفه ويأمره أن يذكر عقب الحلف موصولا سبحان الله أو غيره من الكلام والأوجه أن لا يصح الاستثناء بالفصل بالذكر اه فهذا كما ترى صريح في أن نحو سبحان الله عقب اليمين فاصل مبطل للاستثناء أما أنه استثناء فلم يقل به أحد فافهم قوله (لأنه توكيد) راجع لقوله حر حر قال في الفتح وقياسه إذا كرر ثلاثا بلا واو أن يكون مثله اه وقوله (وعطف تفسير) راجع لقوله (حر وعتيق) ففيه لف ونشر مرتب وإنما لم يجعل حر حر من عطف التفسير لأنه إنما يكون بغير لفظ الأول كما في الفتح مطلب مهم لفظ إن شاء لله هل هو إبطال أو تعليق قوله (فإنه تطليق الخ) اعلم أن التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عندهما أي رفع لحكم
الإيجاب السابق وعند أبي يوسف تعليق ولهذا شرط كونه متصلا كسائر الشروط ولهما أنه لا طريق للوصول إلى معرفة مشيئته تعالى كان إبطالا بخلاف بقية الشروط وعلى كل لا يقع الطلاق في مثل أنت طالق إن شاء الله تعالى نعم تظهر ثمرة الخلاف في مواضع منها ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب كإن شاء الله أنت طالق فعندهما لا يقع لأنه إبطال فلا يختلف وعنده يقع لأن التعليق لا يصح بدون الفاء في موضع وجوبها ومنها ما إذا حلف لا يحلف بالطلاق وقاله حنث على بالتعليق لا الإبطال كما يأتي هذا ما قررره الزيلعي وابن الهمام وغيرهما ومثله في متن مواهب الرحمن حيث قال ويجعل أي أبو يوسف إن شاء الله للتعليق وهما للإبطال وبه يفتى فلو قال إن شاء الله أنت كذا فاء يقع على الأول ويلغو على الهاني اه لكن ذكر في متن المجمع عكس ذلك حيث قال وإن شاء الله أنت طالق يجعله تعليقا وهما تطليقا وحمله في البحر على ما تقدم وفيه نظر فإن مقابلة التعليق بالتطليق تقتضي عدم الوقوع على قول أبي يوسف القائل بالتعليق والوقوع على قولهما على أنه صرح بذلك صاحب المجمع في شرحه ولا يخفى أن صاحب الدار أدرى وصرح بذلك أيضا في شرح درر البحار حيث ذكر أولا أن أبا يوسف يجعله تعليقا لأن المبطل لما اتصل بالإيجاب أبطل حكمه ثم قال وجعلاه تنجيزا لأنه لما انتفى رابط الجملتين وهو الفاء بقي قوله (أنت طالق) منجزا اه(3/407)
وقال في التاترخانية وإن قال إن شاء الله أن طالق بدون حرف الفاء فهذا استثناء صحيح في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وفي الولوالجية وبد نأخذ وفي المحيط وقال محمد هذا استثناء منقطع والطلاق واقع في القضاء ويدين إن أراد به الاستثناء وذكر الحلاف على هذا الوجه في القدوري وفي الخانية لا تطلق في قول أبي يوسف وتطلق في قول محمد والفتوى على قول أبي يوسف اه ومثله في الذخيرة وذكر في الخانية قبل هذا أول باب التعليق مثل ما مر عن الزيلعي وغيره والحاصل أن أبا يوسف قائل بأن المشيئة تعليق ولكن اختلف في التخريج على قوله فقيل
تلزم الفاء في الجواب كما في بقية الشروط بدونها وقيل لا فلا يقع وإن محمدا قائل بأنها إبطال واختلف في التخريج على قوله فقيل إنما تكون إبطالا إن صح الربط بوجود الفاء في الجواب فلو حذفت في موضع وجوبها وقع منجزا وهو معنى كونها حينئذ للتطليق وقيل إنها عنده للإبطال مطلقا فلا يقع وإن سقطت الفاء وأما أبو حنيفة فقيل مع أبي يوسف وقيل مع محمد وبهذا ظهر أن ما في البحر من أنه على القول بالتعليق لا يقع الطلاق إذا لم يأت بالفاء خلافا لما توهمه في الفتح من أنه يقع فيه نظر لما علمت من اختلاف التخريج وظهر أيضا أن ما في الفتح من أن أبا يوسف قائل بأنها للإبطال وأنه صرح في الخانية بذلك فهو مخالف لما سمعته على أن الذي رأيته في الخانية التصريح بأنها عنده للتعليق وكذا ما فيه من أن ما في شرح المجمع غلط وتبعه في النهر فهو بعيد لما علمت من موافقته لعدة كتب معتبرة ولتصريح القدوري به بل هو أحد قولين وقد خفي هذا على صاحب الفتح والبحر والنهر وغيرهم فاغتنم تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام قوله (لاتصال المبطل بالإيجاب) علة لقوله (تعليق) كما مر عن شرح درر البحار والمراد بالمبطل لفظ إن شاء الله فإنه استثناء صحيح وإن سقطت الفاء من جوابه كما مر عن التاترخانية فليغو الإيجاب وهو قوله أنت طالق فلا يقع واستشكله في البحر بأن مقتضى التعليق الوقوع عند عدم الفاء لعدم الرابط وأجاب الرملي بما في الولوالجية من أن المقصود منه إعدام الحكم لا التعليق وفي الإعدام لا يحتاج إلى حرف الجزاء بخلاف قوله إن دخلت الدار فأنت طالق لأن المقصود منه التعليق فافترقا اه قلت وهذا على أحد التخريجين وهو ما مشى عليه في المجمع وغيره أما على التخريج الآخر من عدم صحة التعليق بدون الفاء وهو ما في الزيلعي وغيره وغيره فيقع كما مر فافهم قوله (وقيل الخلاف بالعكس) يعني الخلاف في أن التعليق بالمشيئة هل هو إبطال أو تعليق لا مسألة المتن أي فقيل إنه إبطال عند أبي يوسف تعليق عند محمد ولم يذكر هذا القائل أبا حنيفة ويحتمل إرادة الخلاف في مسألة المتن أي قيل إنه يقع عند أبي يوسف لا عندهما كما مر عن الزيلعي
وغيره فافهم قوله (وعلى كل الخ) أي سواء قيل إن التعليق أو الإبطال قول أبي يوسف أو قول غيره فالمفتي به عدم الوقوع فما مشى عليه المصنف خلاف المفتى به قوله (لم يقع اتفاقا) إذ(3/408)
لا شك حينئذ في صحة التعليق قوله (وثمرته الخ) هذا الضمير لا مرجع له في كلامه لأنه راجح إلى أنه لو أخر الشرط وقال أنت طالق إن شاء الله أو قدمه وأتى بالفاء في الجواب فهو إبطال عندهما تعليق عند أبي يوسف وقدمنا أن ثمرة الخلاف تظهر في مواضع منها مسألة المتن وهي ما إذا قدم الشرط ولم يأت بالفاء في الجواب كما قررناه سابقا ومنها هذه وبيانها ما في الخانية حيث قال ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها طالق إن شاء الله طلقت امرأته في قول أبي يوسف ولا تطلق في قول محمد لأن على قول أبي يوسف أنت طالق إن شاء الله يمين لوجود الشرط والجزاء وعلى قول محمد ليس بيمين اه أي لأنه عنده الإبطال وقدمنا أن الفتوى عليه وبما ذكرناه علم أن الضمير في قوله (وقاله) راجع إلى ما لو أخر الشرط كأنت طالق إن شاء الله أو قدمه وأتى بالفاء الرابطة كإن شاء الله فإنت طالق قوله (أو برضاه) الرضا ترك الاعتراض على الفاعل وأن لم يكن معه محبة ط قوله (لأن الباء للإلصاق) أي هو المعنى لها فيلتصق وقوع الطلاق بأحذ هذه الأربعة وهي حيث لا يطلع عليها فلا تطلق بالشك ط قوله (وإن أضافه) أي بالباء قوله (أي المذكور) جواب عن المصنف حيث أفراد الضمير ومرجعه متعدد ط قوله (فيقتصر على المجلس) أي مجلس علمه فإن شاء فيه طلقت وإلاص خرج الأمر من يده قوله (كما مر) أي في فضل المشيئة ح قوله (إذ يراد بمثله التنجيز عرفا) أي فلا يصدق في إرادة التعليق والظاهر أنه يصدق ديانة تأمل قوله (وإن قال ذلك) أي المذكور من الألفاظ العشرة قوله (في الوجوه كلها) أي سواء أضيفت إلى الله أو إلى العبد قوله (لأنه تعليل) أي تعليل الإيقاع كقوله طالق لدخولك الدار فتح أي والإيقاع لا يتوقف على وجود علته كما مر فلا يرد أن المشيئة ونحوها غير معلومة ولا كون محبة الله تعالى للطلاق معدومة لكونه أبغض الحلال إليه تعالى قوله (لأن في بمعنى الشرط) فيكون تعليقا بما لا يوفق عليه فتح قيل وفي قوله
(بمعنى الشرط) إشارة إلى أنه لا يصير شرطا محضا حتى يقع الطلاق بعده بل يقع معه وتظهر الثمرة فيما لو قال للأجنبية أنت طالق في نكاحك فتزوجها لا تطلق كما لو قال مع نكاحك بخلاف إن تزوجتك تلويح أي لأن الطلاق لا يكون إلا متأخرا عن النكاح قوله (فإنه يقع في الحال) لأنه لا يصح نفيه عن الله تعالى بحال لأنه يعلم ما كان وما لم يكن فكان تعليقا بأمر موجود فيكون إيقاعا زيلعي قوله (إن نوى ضد العجز) أي نوى حقيقتها لأنها صفة منافية للعجز فيكونه تعليقا بأمر موجود أما لو نوى بها التقدير فلا يقع لأنه تعالى قد يقدر شيئا وقد لا(3/409)
يقدره قوله (والرؤية) الكثير فيها أن تكون الحدود أجرة البصرية ومصدر القلبية الرأي ومصدر الحلمية الرؤيا وقد يستعمل كل في الآخر وهذا منه لأن رؤية طلاقها بالقلب لا بالبصر رحمتي قوله (ثم العشرة) الأظهر في التركيب أن يقول فالحاصل أن العشرة الخ كما لا يخفى ح قوله (إما أن تكون بباء) ترك إن من التقسيم كما ترك المصنف بقية الكلام عليها وحاصل حكمها أنها إبطال أو تعليق في العشرة إن أضيفت إلى الله تعالى وتمليك فيها إن أضيفت إلى العبد قال في البحر والحاصل أنه إن أبى بأن لم يقع في الكل اه إذا أضيفت إلى الله تعالى فلأقسام حينئذ ثمانون اه ح قلت الذي ذكره المصنف كغيره أن الأربعة الأول للتمليك وهذا وإن ذكره مع الباء وفي لكنهما بمعنى الشرط وأصل أدوات الشرط هو إن فلا بكون الستة الباقية للتمليك أصلا ثم رأيت الزيلعي صرح بذلك حيث قال فالحاصل أن هذه الألفاظ عشرة أربعة منها للتمليك وهي المشيئة وأخواتها وستة ليست للتمليك وهي الأمر وأخواته الخ وعلى هذا فإذا أضيفت إلى العبد بإن الشرطية كانت الأربعة الأول للتمليك فتتوقف على المجلس والستة الباقية للتعليق لا تتوقف عليه فقوله في البحر لم يقع في الكل أي لم يقع أصلا
إن أضيفت إلى الله تعالى ولم يقع في الحال إن أضيفت إلى العبد فافهم لكن يرد على البحر كما قال ط إن هذا ينافي ما ذكره المصنف في صورة العلم إذا أضيفت إليه تعالى فإنه يقع وعلله بأنه تعليق بأمر موجود فيكون تنجيزا قوله (وعلى ما مر عن العمادية) أي من قوله فلو تلفظ الطلاق وكتب الاستثناء موصولا أو عكس أو أزال الاستثناء بعد الكتابة لم يقع قوله (فهي مائة وثمانون) صوابه مائتان وأربعون لأن ما في البزازية صوره هي كتابة الطلاق والاستثناء معا وما في العمادية ثلاث صور ويضرب أربعة في ستين تبلغ مائتين وأربعين وقد تزيد وذلك إن العشرة إما أن تضاف إلى الله تعالى أو إلى من يوقف على مشيئته من العباد أو من لا يوقف أو إلى الثلاثة أو إلى اثنين منها فهي سبعة تضرب في العشرة تبلغ سبعين وعلى كل إما بإن أو الباء أو اللام أو في تبلغ مائتين وثمانين وعلى كل إما أن يتلفظ بالطلاق والاستثناء وما بمعناه أو بكتبهما أو يمحوهما بعد الكتابة أو يمحو الطلاق أو الإنشاء أو يتلفظ بالطلاق ويكتب الآخر أو بالعكس أو يمحو ما كتب فهي ثمانية في مائتين وثمانين وتبلغ ألفين ومئتين وأربعين قوله (تطلق رجعية) لأن المضاف إلى مشيئة الله تعالى حال الطلاق وكيفيته من المفرد والمتعدد والرجعي والبائن لا أصله فيقع أقله لأنه المتيقن وهو الواحدة الرجعية قوله (أنت طالق ثلاثا إلا واحدة) شروع في استثناء التحصيل بعد الفراغ من استثناء التعطيل كما ذكره القهستاني أحكام ستثناء الوضعي وفي البحر الاستثناء نوعان عرفي وهو ما مر من التعليق بالمشيئة ووضعي وهو المراد هنا وهو بيان بإلا أو إحدى أخواتها أن ما تدعها لم يرد بحكم الصدر ويبطل بخمسة بالسكتة(3/410)
اختيارا بالزيادة على المستثنى منه وبالمساواة وباستثناء بعض الطلقة وبإبطال البعض كأنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا كما في الخانية اه ملخصا أي لأن إخراج الثلاث من إحدى الثنتين لغو في الفتح عن المنتقى أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا أربعا فهي ثلاث عنده لأنه يصير قوله وثلاثا فاصلا لغوا وعندهما يقع ثنتان كأنه قال ستا إلا أربعا ولو قال ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين طولب بالبيان فإن مات قبله طلقت واحدة هو الصحيح وفي رواية ثنتين قوله (وفي الاثنتين واحدة)
عن أبي يوسف لا يصح وهو قول طائفة من أهل العربية وبه قال أحمد وتحقيق ذلك في الفتح قوله (لأن استثناء الكل باطل) هذا مقيد بما إذا لم يكن بعده استثناء بكون جبرا للصدر فإن كان صح وعلى هذا تفرع ما لو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة حيث يقع واحدة ولو قال الاثنتين إلا واحدة وقع ثنتان نهر وهذا من تعدد الاستثناء ويأتي بيانه وإنما بطل استثناء الكل لأنه لا يبقي بعده شئ يصير متكلما به والاستثناء لم يوضع إلا للتكلم بالباقي بعد الثنيا لا لأنه رجوع بعد التقرر كما قيل وإلا لصح فيما يقبل الرجوع كما لو قال أوصيت لفلان بثلث مالكا إلا ثلاث مالكا أفاده في الفتح قوله (إن كان بلفظ الصدر) أي كما مثل به في المتن وكقوله نسائي طوالق إلا نسائي وعبيدي أحرار إلا عبيدي كما في البحر ح وفي الفتح ولو قال واحدة وثنتين إلا ثنتين أم قال ثنتين وواحدة إلا ثنتين يقع الثلاث وكذا ثنتين وواحدة إلا واحدة لأنه في الأوليين إخراج الثنتين من الثنتين أو من الواحدة وفي الثالثة واحدة من واحدة فلا يصح بخلاف ما لو قال واحدة وثنتين إلا واحدة حيث تطلق ثنتين لصحة إخراج الواحدة من الثنتين والأصل أن الاستثناء إنما ينصرف إلى ما يليه وإذا تعقب حملا فهو قيد الأخيرة منها اه قوله (أو مساوية) نحو أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة وأنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة ونحو أنتن طوالق إلا زينت وعمرة وهندا ليس له رابعة التجارة أحرر إلا سالما وغانما وراشدا وليس له رابع اه قوله (صح) أي صح الاستثناء في هذه الأمثلة وكذا قوله كل امرأة لي طالق إلا هذه وليس له سواها لا تطلق لأن المساواة في الوجود لا تمنع صحته إن عم وضعا لأنه يطلق صيغي بحر يعني أنه ينظر فيه إلى صيغة المستثنى منه فإن عمت المستثنى وغير وضعا صح الاسثناء فأن كل امرأة يعم في الوضع هذه وغيرها وكذا لفظ نسائي يعم المسميات وغيرهن بخلاف أنتن فإنه لا يعم غير المسميات المخاطبات وبخلاف ما إذا لم يكن فيه عموم أصلا ومنه ما في الفتح حيث قال ولو قال طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا ثلاثا بطل الاستثناء اتفاقا لعدم تعدد يصح معه إخراج شئ اه وكذا ما في البحر لو قال للمدخولة أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة أنكر الثلاث وكذا لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لأنه ذكر كلمات متفرقة
فيعتبر كل كلام في حق صحة الاستثناء كأنه ليس معه غيره وكذا هذه طالق وهذه وهذه إلا هذه ولو قال أنتن طوالق إلا هذه صح الاستثناء اه قوله (أنكر واحدة) ولو كان المعتبر ما يحكم بصحته من(3/411)
العشرة وهو الثلاث لزم استثناء التسعة من الثلاث فيلغو ويقع الثلاث فيما لو تعدد ستثناء قوله (ومتى تعدد الاستثناء) أن وأمكن استثناء بعضه من بعض بخلاف ما لا يمكن كقاموا إلا زيدا إلا بكرا إلا عمرا فإن حكم ما بعد الأول كحكمه قال في الفتح وأصل صحة الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى * (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته) * (سورة الحجر الآية 60 59) قوله (بلا واو) فإن كان بالواو كان الكل إسقاطا من الصدر نحو أنت طالق عشرا إلا خمسا وإلا ثلاثا وإلا واحدة أنكر واحدة ح قوله (كان كل) أي كل واحد من المستثنيات إسقاطا مما يليه أي مما قبله فالضمير المستتر في يليه عائد على كل والبارز على ما فهو صلة جرت على غير من هي له لكن اللبس مأمون لعدم صحة إسقاط الأكثر من الأقل فلا يجب إبراز الضمير اه ح وبيان ذلك في مسألة الطلاق أن تسقط السبعة من الثمانية يبقى واحد تسقطه من التسعة يبقى ثمانية تقسطها من العشرة يبقى ثنتان قوله (إن تأخذ العدد الأول الخ) بيانه أن تعد الأوتار بيمينك أي الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع وهي تسعة وسبعة وخمسة وثلاثة وواحدة وجملتها خمسة قرة وتعد الأشفاع بيسارك أي الثاني والرابع والسادس والثامن وهي ثمانية وستة وأربعة واثنان وجملتها عشرون تسقطها مما باليمين يبقى خمسة قلت وله طريقة ثانية وهي إخراج الأوتار وإدخال الأشفاع بأن تخرج كل وتر من شفع قلبه بيانه أن تخرج التسعة من العشرة يبقى واحد تضمه إلى الثمانية تصير تسعة أخرج منها سبعة يبقى اثنان تضمها إلى الستة تصير ثمانية أخرج منها خمسة يبقى ثلاثة تضمها إلى الأربعة تصير سبعة أخرج منها ثلاثة يبقى أربعة تضمها إلى الاثنين تصير ستة أخرج منها الواحد يبقى خمسة والطريقة الثالثة إسقاط كل مما يليه كما مر بأن تسقط الواحد من الاثنين يبقى واحد أسقطه
من الثلاثة يبقى اثنان سمائين من الأربعة يبقى اثنان أيضا سمائين من الخمسة يبقى ثلاثة أسقطها من الستة يبقى ثلاثة أيضا أسقطها من السبعة يبقى أربعة أسقطها من الثمانية يبقى أربعة أيضا أسقطها من التسعة يبقى خمسة أسقطها من العشرة يبقى خمسة قوله (فهو الواقع) أي المقر به ط قوله (وعن الثاني ثنتنا) لأن التطليقة لا تنجزأ في الإيقاع فكذا في الاستثناء فكأنه قال إلا واحدة والجواب أن الإيقاع إنما لا يتجزأ المعنى في الموقع وهو لم يوجد في الاستثناء فيتجزأ فيه فصار كلامه عبارة عن تطليقتين ونصف فتطلق ثلاثا كذا في الفتح وحاصله أن إيقاع نصف الطلقة مثلا غير متصور شرعا فكان إيقاع للكل بخلاف استثناء النصف فإنه ممكن لكنه يلغو لأن النصف الباقي أنكر به طلقة(3/412)
قلت والأقرب في الجواب أنه لما أخرج نصفا له حكم الكل وأبقى نصفا كذلك أوقعنا عليه طلقة بما أبقى ولم يصح إخراجه لأنه لو صح لزم إخراج طلقة حكمية من طلقة حكمية فيلغو قوله (فكأنه استثنى من ثلاث مقدر) قلت وجهه أن لفظ طالق لا يحتمل الثنتين لأنهما عدد محض بل يحتمل الفرد الحقيقي أو الجنس حنث الثلاث والأول لا يصح هنا لأنه يلزم منه إلغاء الاستثناء فتعين الثاني فافهم قوله (في أيمان الفتح) خبر عن ما وليس نعتا لفروع لأن الفرع الأول فقط في أيمان الفتح ح قوله (وقع الثلاث) يعني بدخول واحد كما أخذت عليه عبارة أيمان الفتح حيث قال ولو قال لامرأته والله لا أقربك ثم قال والله لا أقربك فقربها مرة لزمه كفارتان اه والظاهر أنه إن نوى التأكيد بدين ح قلت وتصوير المسألة بما إذا ذكر لكل شرط جزاء فلو اقتصر على جزاء فلو اقتصر على جزاء واحد ففي البزازية إن دخلت هذه الدار فعبدي حر وهما واحد فالقياس عدم الحنث حتى الخطبة دخلتين فيها والاستحسان يحنث بدخول واحد ويجعل الباقي تكرارا وإعادة اه ثم ذكر إشكالا وجوابه وذكر عبارته بتمامها في البحر عند قوله والملك يشترط لآخر الشرطين وقوله وهما واحد أي الداران في الموضعين واحد بخلاف ما لو أشار إلى دارين فلا بد من دخولين كما هو ظاهر قوله
(لم تطلق) هذا مبني على قول ضعيف كما حققناه عند قوله وزوال الملك لا يبطل اليمين فافهم قوله (بخلاف ما لو قدم الجزاء) هكذا في بعض النسخ وفي بعضها بخلاف ما لو لم يؤخذ الجزاء وكلاهما صحيح وأما ما في بعض النسخ بخلاف ما لو أخر الجزاء فقال ح صوابه قدم الجزاء ومع ذلك فقد ترك ما إذا وسطه قال في النهر وفي المحيط لو قال إن تزوجتك وإن تزوجتك فأنت طالق لم يق حتى يتزوجها مرتين بخلاف ما إذا قدم الجزاء أو وسطه اه كلام النهر وفضله في الفتاوى الهندية فقال وإن كرر بحرف العطف فقال إن تزوجتك وإن تزوجتك أو قال إن تزوجتك فإن تزوجتك أو إذا تزوجتك أو متى تزوجتك لا يقع الطلاق حتى يتزوجها مرتين ولو قدم الطلاق فقال أنت طالق إن تزوجتك وإن تزوجتك فهذا على تزوج واحد ولو قال إن تزوجتك فأنت طالق وإن تزوجتك طلقت(3/413)
بكل واحد من التزويجين قوله (إن غبت عنك الخ) أقول المسألة ذكرها في البحر عند قول الكنز وزوال الملك بعد اليمين لا يبطلها ونصه في القنية لو قال لها أمرك بيدك ثم اختلعت منه وتفرقا ثم تزوجها ففي بقاء الأمر بيدها روايتان والصحيح أنه لا يبقى قال إن غبت عنك أربعة أشهر فأمرك بيدك ثم طلقها وانقضت عدتها وتزوجت ثم عادت إلى الأول وغاب عنها أربعة أشهر فلها أن تطلق نفسها اه والفرق بينهما أن الأول تنجيز للتخيير فيبطل بزوال الملك والثاني تعليق التخيير فكان يمينا فلا يبطل اه كلام البحر وبه تعلم ما في كلام الشارح من الإيجاز المخل والحاصل أن التخيير يبطل بالطلاق البائن إذا كان التخيير منجزا بخلاف المعلق وهذا ما وفق به في الفصول العمادية بين كلامهم كما حررناه معي فصل المشيئة قوله (لا يقع) لأن الحنث شرطه أن يطلب منها غدا وتمتنع ولم يطلب بحر ونحوه في التاترخانية عن المنتقى قلت ومقتضاه أن النسيان لا تأثير له هنا لكن سيأتي في الأيمان بأن تعليله إمكان البر شرط لبقاء اليمين بعد انعقادها كما هو شرط لانعقادها خلافا لأبي يوسف ولا يخفى ما فيه فإن إمكان
البر محقق بالتذكر على أنه يلزم أن يكون النسيان عذرا في عدم الحنث في غير هذه الصورة أيضا وهو خلاف المنصوص فافهم قوله (إن مستيقظا حنث) لأنه يسمى إتيانا منه قال تعالى * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * (سورة البقرة الآية 223) فعلى إنزالها أي تنعقد اليمين على أن يجامعها حتى تنزل لأن شعبها يراد به كسر شهوتها به قوله (فعلى المبالغة لا العدد) فلا تقدير لذلك والسبعون كثير خانية والظاهر أن محله ما لو ينو العدد فإن نواه عملت نيته لأنه شدد على نفسه ط قوله (حنث به أيضا) أي كما يحنث بالجماع فلا يصح نفيه المعنى المتبادر ويؤاخذ بما نواه لأنه شدد على نفسه فأيهما فعل حنث به بقي لو فعل كلا منهما هل يحنث مرتين الظاهر نعم وينبغي أن لا يحنث في الديانة إلا بما نوى قال ط ولو قال إن وطئت من غير ذكر امرأة ولا ضميرها فهو على الدوس بالقدم هو اللغة والعرف وذلك باتفاق أصحابنا ومحله ما لم ينو الجماع وإلا عملت نيته فيما يظهر قوله (له امرأة الخ) لا مناسبة لها في هذا الباب إذ ليس فيها تعليق وقوله طلقت النفساء لعل وجهه أن الخبيث(3/414)
قد يطلق على المستكره ريحه كالثوم والبصل ودم النفساء منتن لطول مكثه قوله (فعلى الحائض) لعل وجهه النهي عنه في القرآن نصا أو كثرته وزيادة أوقاته ومنه غبن فاحش ثم رأيت في البحر عن القنية علل له بقوله لأنه نص قوله (فله أن لا يصدقه) ولا تطلق زوجته لأنه محتمل للصدق والكذب فلا يصدق على غيره بحر عن المحيط ولا يقال إن هذا مما لا يوقف عليه إلا منه فالقول له كقوله لها إن كنت تحبين فقالت أحب لأن ذاك فيما إذا كان المعلق عليه من جهة الزوجة لا من جهة أجنبي كما قدمناه وأفاد أنه لو صدقه حنث قوله (لا يحنث) ينافي ما يأتي قريبا من أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز حنث اه ح وأصله لصاحب البحر أقول لا إشكال لأنه صدق عليه أنه ذهب فعدم الحنث لوجود البر ويشهد له ما يأتي متنا في الأيمان لا يخرج أو لا يذهب إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث إذا جاوز عمران مصره على قصدها اه فإن عدم الحنث فيها لوجود المحلوف عليه ط
قلت وذكر في الخانية تخريج عدم الحنث في مسألة العسس على قول أبي حنيفة ومحمد فيما إذا حلف ليشربن الماء الذي في هذا الكوز اليوم فأهرقه قبل مضي اليوم لا يحنث عندهما اه وفي الذخيرة ما يدل على أن في المسألة خلافا قوله (فخرجت لحريقها لا يحنث) وكذا لو خرجت للغرق لأن الشرط الخروج بغير إذنه لغير الغرق والحرق بحر أي لأن ذلك غير مراد عرفا فلا يدخل في اليمين وكذا يتقيد ببقاء النكاح كما سيأتي في الأيمان وعلله في الفتح هناك بأن يأمر إنما يصح لمن له المنع وهو مثل السلطان إذا حلف إنسانا ليرفعن إليه خير كل داعر في المدينة كان على مدة ولايته فلو أبانها ثم تزوجاه فخرجت بلا إذن لا تطلق وإن كان زوال الملك لا يبطل اليمين عندنا لأنها لم تنعقد إلا على بقاء النكاح اه ومثله تحليف رب الدين الغريم أن لا يخرج من البلد إلا بإذنه تقيد بقيام الدي كما سيأتي هناك إن شاء الله تعالى قوله (حلف لا يرجع الخ) في الخانية رجل خرج مع الوالي فحلف أن لا يرجع إلا بإذن الوالي فسقط من الحالف شئ فرجع لأجله لا يحنث لأن هذا الرجوع مستثنى من اليمين عادة اه أي لأن المحلوف عليه هو الرجوع بمعنى ترك الذهاب معه فإذا رجع لحاجة على نية العود لم يتحقق المحلوف عليه(3/415)
مطلب ليمين تتخصص بدلالة لعادة ولعرف والحاصل أن هذه المسألة والتي قبلها تخصصت اليمين فيهما بدلالة العادة والعادة مخصصة كما تقرر في كتاب الأصول ونظير ذلك ما في الخانية أيضا رجل حلف رجلا أن يطيعه في كل ما يأمره وينهاه عنه ثم نهاه عن جماع امرأته لا يحنث إن لم يكن هناك سبب يدل عليه لأن الناس لا يريدون بهذا النهي عن جماع امرأته عادة كما لا يراد به النهي عن الأكل والشرب وفيها أيضا اتهمته امرأته بجارية فحلف لا يمسها انصرف إلى المس الذي تكره المرأة وكذا لو قال إن وضعت يدي على جاريتي فهي حرة فضربها ووضع يده عليها لا يحنث إن كانت يمينه لأجل المرأة ولأمر يدل على أنه يريد الوضع لغير الضرب اه
قلت ومثله فيما يظهر ما ذكره بعض محققي الحنابلة فيمن قال لزوجته إن قلت لي كلاما ولم أقل لك مثله فأنت طالق فقالت له أنت طالق ولم يقل لها مثله من أنها لا تطلق لأن كلام الزوج مخصص بما كان سبا أو دعاء أو نحوه إذ ليس مراده أنها لو قالت اشتر لي ثوبا أن يقول لها مثله بل أراد الكلام الذي كان سبب حلفه اه قوله (فاليمين على التلفظ باللسان) كذا في القنية والحاوي للزاهدي معزيا للوبري ولعله أمرهم على ما إذا كان الحالف عالما وقت الحلف بأنه لا يمكنه إخراجه بالفعل فينصرف إلى التلفظ بقوله أخرج من داري ولو حمل على اليمين المؤقتة كما في لأشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لكان ينبغي عدم الحنث بمضي اليوم وإن لم يقل له أخرج ولعله لم يحمل عليها لإمكان صرف اليمين إلى التلفظ المذكور بقرينة العجز عن الحقيقة لا يدع فلان يسكن في هذه لدار كما لو حلف لا، لا يدع فلانا يسكن في هذا الدار فقد قالوا إن كانت الدار ملكا للحالف فالمنع بالقول والفعل وإلا فبالقول فقط أي لأنه لا يملك منعه بالفعل ومثله ما لو كان آجره الدار فقد صرحوا بأنه يبر بقوله أخرج من داري ووجهه أن المستأجر ملك المنافع فصار الحالف كالأجنبي الذي لا ملك له في الدار وأما ما سيذكره الشارح آخر كتاب الأيمان حيث قال لا يدخل فلان داره فيمينه على النهي إن لم يملك منعه وإلا فعلى النهي والمنع جميعا فهو مخالف لما رأيته في كثير من الكتب من ذكر هذا التفصيل في حلفه لا يدعه أو لا يتركه ففي الولوالجية قال إن دخلت فلانا بيتي أو قال إن دخل فلان بيتي أو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فاليمين في الأول على أن يدخل بأمره لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله وفي الثاني على الدخول أمر الحالف أو لم يأمر علم أو لم يعلم لأنه وجد الدخول وفي الثالث على الدخول بعلم الحالف لأن شرط الحنث الترك للدخول فمتى علم ولم يمنع فقد ترك اه ومثل في أيمان البحر عن المحيط وغيره فتعليله للثاني بأنه وجد الدخول صريح في انعقاد اليمين على نفس فعل الغير ولذا قال الشارح هناك قال لغيره والله لتفعلن كذا فهو حالف فإذا لم بالصلاة المخاطب حنث الخ فعلم أنه في حلفه لا يدخل فلان داره يحنث بدخوله وإن نهاه الحالف لأنه
وجد شرط الحنث بخلاف لا يتركه يدخل فإنه فيه التفصيل المار ولو جرى هذا التفصيل في(3/416)
الحلف على فعل الغير لزم أنه لو قال إن دخل فلان داري فأنت طالق أنه لو نهاه عن الدخول ثم دخل لا يقع الطلاق وأنه لو قال والله لتفعلن كذا وأمره بالفعل فلم يفعل لا يحنث وقد يجاب بحمل قول الشاعر في الأيمان فيمينه على النهي إن لم يملك منعه على ما ذكره هنا من كون المحلوف عليه ظالما بقرينة أن فرض المسألة في الحلف على دار الحالف فلا يمن حمله على التفصيل المذكور فيها إذا كانت الدار ملك الحالف أو ملك غير وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة تحرير هذا المحل في الأيمان وإنما تعرضنا لذكر ذلك هنا لأن بعض محشي الأشباه اغتر بعبارة الشارح المذكورة في الأيمان فأفتى بعدم الحنث بعدم الدخول في قوله لا يدخل فلان داري وهو ما اشتهر على ألسنة العوام من أنه لا يحنث في الحلف على ما لا يملكه وليس على إطلاقه فتنبه لذلك قوله (إن لم تجيئي) بفعل الؤنثة المخاطبة ليناسب قوله فأنت طالق ح قوله (الساعة) راجع إليهما وقيد بها لأن المطلقة لا يحنث فيها إلا باليأس بنحو موت الحالف أو ضياع الثوب ط قوله (لا يحنث) لعدم إمكان البر وقيل يحنث فيهما ط عن البحر قلت وفي الخانية قال لامرأته إن لم تجيئي بمتاع كذا غدا فأنت طالق فبعثت المرأة به على يد إنسان فإن كان نوى وصول المتاع إليه غدا لا يحنث لأنه نوى محتمل يسير وإن لم ينو شيئا أو نوى حملها بنفسها حنث ولا يكون اليمين على الوصول إلا بالنية اه قوله (بطل اليمين) لأنه بعد إبرائها منه لم يبق لها عليه فلا يمكن دفعه قوله (ما يكتب في التعاليق) أي ما يكتبه الزوج على نفسه عند خوف المرأة من نلقها أو تزوجه عليها قوله (متى نقلها الخ) جواب متى محذوف أي فهي طالق وقوله وأبرأته بالواو العاطفة على قوله نقلها أو تزوج عليها قوله (فلو دفع لها الكل) أي كل الدين المعبر عنه بقوله من كذا أو كل باقي الصداقق قوله (هل تبطل) أي اليمين المذكور ووجه التوقف أن الطلاق معلق على الشرطين وهما النقل والإبراء أو التزوج والإبراء فإذا وجد أحدهما فلا بد من وجود الآخر وهو الإبراء مع أن المبرأ عنه قد دفعه لها قوله (لتصريحهم
الخ) قال في الأشباه الإبراء بعد قضاء الدين صحيح لأن الساقط بالقضاء المطالبة لا أصل الدين فيرجع المديون بما أداه إذا أبرأه براءة إسقاط وإذا أبرأه استيفاء فلا رجوع واختلفوا فيما إذا طلقها وعلى هذا لو علق طلاقها بإبرائها عن المهر ثم دفعه لها لا يبطل التعليق فإذا أبرأته براءة إسقاط وقع ورجع عليها اه والحاصل أن الدين وصف في ذمة المديون والدين يقضي بمثله أي إذا أوفى ما عليه لغريمه ثبت له على غريمة مثل ما لغريمه عليه فتسقط المطالبة فإذا أبرأه غريمه براءة إسقاط سقط ما بذمته لغريمه فتثبت له مطالبة غريمه بما أوفاه فقد صحت البراءة بعد الدفع فلا تبطل اليمين بل يتوقف الوقوع على البراءة بخلاف ما إذا أبرأه براءة استيفاء لأنها بمعنى إقراره باستيفاء دينه وبأنه لا مطالبة(3/417)
له عليه فلا يرجع عليه المديون لعدم سقوط ما بذمته بذلك وأما لو أطلق فينبغي في زماننا حملها على الاستيفاء لعدم فهمهم غيرها قوله (حلف بالله أنه لم يدخل) كذا في بعض النسخ وفي بعضها لا يدخل والصواب الأول لأنه على الثاني تكون اليمين منعقدة لكونها على المستقبل وفرض المسألة فيما إذا كانت على الماضي لتناقض اليمين الثانية ففي البحر عن المحيط من باب الأيمان التي يكذب بعضها بعضا حلف بالله تعالى أنه لم يدخل هذه الدار اليوم ثم قال عبده حر إن لم يكن دخلها اليوم لا كفارة ولا يعتق عبده لأنه إن كان صادقا في اليمين بالله تعالى لم يحنث ولا كفارة وإن كان كاذبا فهي يمين الغموس فلا توجب الكفارة واليمين بالله تعالى لا مدخل لها في القضاء فلم يصر فيها مكذبا شرعا فلم يتحقق شرط الحنث في اليمين بالعتق وهو عدم الدخول حتى لو كانت اليمين الأولى بعتق أو طلاق حنث في اليمينين لأن لها مدخلا في القضاء اه قوله (حنث في اليمينين) لأن بكل زعم الحنث في الأخرى كما يأتي في باب عتق البعض اه ح قوله (ولو ضاع من اللحام الخ) هذا نقله في البحر عن الخانية في اليمين المطلقة عن ذكر اليوم ثم قال ومفهومه أنه إذا لم يكن رده فإنه يحنث فعلم به أن قولهم يشترط لبقاء اليمين إمكان البر إنما هو في المقيدة بالوقت فعدمه مبطل لها أما
المطلقة لها فعدمه موجب للحنث اه وحاصله أنه إذا كانت اليمين مقيدة بالوقت يحنث بمضيه إلا إذا عجزت عن رده بأن ضاع أو أذيب أما لو كانت مطلقة فلا يحنث وإن ضاع ما داما حيين لإمكان وجدانه أما لو مات أحدهما أو علم أنه أذيب أو سقط في البحر فإنه يحنث لتعذر الرد وبه تعلم ما في كلام الشارح قوله (إن لم أكن الخ) كذا في البحر عن الصيرفية وقد راجعت عبارة الصيرفية فرأيت فيها إن أكن بدون لم وهو الصواب قوله (يحبس الخ) سواء حبسه القاضي أو الوالي لأن الحبس يسمى نفيا قال تعالى * (أو ينفوا من الأرض) * (سورة المائدة الآية 23) بحر عن الصيرفية أي فإن الآية محمولة عندنا على الحبس مطلب المحبوس ليس في الدنيا ورأيت في بضع الكتب أن الوزير ابن مقلة لما حبسه الراضي بالله سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة أنشد قوله خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الموتى نعد ولا الأحيا إذا جاءنا السجان يوما لحاجة فرحنا وقلنا جاء هذا من الدنيا(3/418)
قوله (لا يحنث في المختار) لأنه مسكن لا ساكن وشرط الحنث هو السكنى وإنما تكون السكنى بفعله إذا كان باختياره بخلاف إن لم أخرج ونحوه لأن شرط الحنث عدم الفعل والعدم يتحقق بدون الاختيار أفاده في الذخيرة وأفاد أيضا أن الخلاف فيما إذا أغلق الباب لا فيما إذا منع بقيد ومثله في البحر وصر به في البزازية وحاصله أنه لو كان المنع حسيا لا يحنث بلا خلاف ولو كان بغيره لا يحنث أيضا في المختار وقيل لا يحنث مطلب الأصل أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز يحنث قوله (والأصل الخ) عبارة ولا الشحنة والأصل أن شرط الحنث إن كان عدميا وعجز عن مباشرته فالمختار الحنث وإن كان وجوديا وعجز فالمختار عدم الحنث اه
قلت والظاهر أن الضمير في قوله مباشرته يعدو إلى شرط البر لا شرط الحنث لأن العجز عن الشئ فرع من تطلبه والحالف إنما يطلب شرط البر فيحصله أو يعجز عنه فكان على الشارح أن يقول متى عجز عن شرط البر فافهم هذا وقد استشكل في البحر فرعين أحدهما مسألة العسس المارة والثاني ما في القنية إن لم أعمل هذه السنة في المزارعة بتمامها فمرض ولم يتم حنث ولو حبسه السلطان لا يحنث اه قال فإن الشرط فيهما العدم وقد أثر فيه الحبس اه قلت أما مسألة العسس فقد مر الجواب عنها وأما مسألة القنية فالظاهر أنها مبنية على خلاف المختار وهو عدم الحنث فيما إذا كان المنع غير حسي فلذا فرق بين المنع بالمرض والمنع بحبس السلطان لأن الحبس إغلاق لباب الحبس فهو منع غير حسي بخلاف المرض فإنه كالقيد فهو منع حسي لكن في أيمان البزازية من الخامس عشر أن لم تحضريني الليلة فكذا فقيدت ومنعا حسيا ذكر الفضلي أنه يحنث والأصح أنه لا يحنث فقد صحح عدم الحنث في المنع الحسي لكن ذكر في الذخيرة أن المختار الحنث ولم يقيد بكونها منعت منعا حسيا فالظاهر أنه ترجيح لقول الفضلى وهو الموافق للأصل المار لأن الشرط هنا عدمي ويكون التفصيل بين المنع الحسي وغيره خاصا فيما إذا كان الشرط وجوديا ويكون ما في القنية والبزازية مبنيا على إجرائه في العدمي أيضا والله أعلم تنبيه اعلم أنهم صرحوا بأن فوات المحل يبطل اليمين وبأن العجز عن فعل المحلوف عليه يبطلها أيضا لو موقتة لا لو مطلقة وبأن إمكان تصور البر شرط لانعقادها في الابتداء مطلقا وشرط لبقائها لو موقتة وعلى هذا فقولهم في ليشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث وجهه أنها لم تنعقد لعدم إمكان البر ابتداء وفيما لو كان فيها ماء فصب تبطل لعدم إمكان البر بعد انعقادها(3/419)
والعجز فيه ناشئ عن فوات المحل وفي إن لم أخرج ونحوه فقيد ومنع يحنث لأن العجز لم ينشأ عن فوات المحل لأن المحل فيه هو الحالف أو المرأة ونحو ذلك وهو موجود بخلاف الماء
الذي صب فإذا لم يخرج تحقق شرط الحنث لبقاء المحل وإن عجز حقيقة لإمكان البر عقلا بأن يطلقه الحابس له كما في قوله إن لم أمس السماء اليوم فإنه يحنث بمضيه لأنه وإن استحال عادة لكنه في نفسه ممكن لأنه وجد من بعض الأنبياء بخلاف ما لو صب الماء لأن عود الماء المحلوف عليه غير ممكن أصلا وفي لا أسكن فقيد ومنع لا يحنث لأن شرط الحنث وجودي وهو سكناه بنفسه والوجودي يمكن إعدامه بالإكراه والمنع بأن ينسب لغيره وهو المكره بالكسر بخلاف لا يخرج لأن شرط الحنث عدمي وهو لا يمكن إعدامه بالإكراه لتحققه من المكره بالفتح وهذا معنى قولهم الإكراه يؤثر في الوجودي لا في العدمي فصار الحاصل أنه إذا كان شرط الحنث عدميا فإن عجز عن شرط البر بفوات محله لا يحنث وإن مع بقاء المحل حنث سواء كان المانع حسيا أو لا وكذا لو كان المانع كونه مستحيلا عادة كمس السماء وإن كان الشرط وجوديا لا يحنث مطلقا ولو كان المانع غير حسي في المختار هذا ما تحرر لي من كلامهم والله تعالى أعلم فافهم قوله (ومفاده الخ) أي لأن شرط الحنث فيه عدمي وهو عدم الأداء والمحل وهو الحالف باق وإذا كان يحنث في حلفه ليمس السماء اليوم مع كون شرط البر مستحيلا عادة فحنثه هنا بالأولى لأن شرط البر ممكن بأن يغصب مالا أو يجد من يقرضه أو يرث قريبا له ونحو ذلك فإن ذلك ليس بأبعد من مس السماء ولا يرد ما قيل إنه يستفاد عدم الحنث من قوله في المنح حلف ليقضين فلانا دينه غدا ومات أحدهما قبل مضي الغد أو قضاه قبله أو أبرأه لم تنعقد اه لأن عدم الحنث فيه لبطلان اليمين بفوات المحل كما لو صب ما في الكوز فإن شرط البر صار مستحيلا عقلا وعادة بخلاف مس السماء فإنه ممكن عقلا وإن استحال عادة وكذا لا يرد ما في الخانية إن لم آكل هذا الرغيف اليوم فأكله غيره قبل الغروب لا يحنث لأنه من فروع مسألة الكوز كما صرحوا به لفوات المحل وهو الرغيف وما استشهد به صاحب البحر حيث قال إن قوله في القنية متى عجز عن المحلوف عليه واليمين مؤقتة فإنها تبطل يقتضي بطلانها في الحادثة المذكورة فيه نظراه لأن مراد القنية العجز الحقيقي كما في مسألة الكوز وإلا ناقضه ما أطبق عليه أصحاب المتون من عدم البطلان في لأصعدن السماء ثم رأيت الرملي نقل عن فتاوى صاحب البحر أنه أفتى بالحنث في مسألتنا مستندا
إلى إمكان البر حقيقة وعادة مع الإعسار بهبة أو تصدق أو إثر اه وهو عين ما قلناه أولا ولله الحمد طلاق المريض لما كان المرض من العوارض أخره قوله (عنون به لأصالته) أي اقتصر على ذكر المريض في الترجمة مع أن قوله من غالب حاله الهلاك بمرض أو غيره صريح في أن الحكم في غير المريض(3/420)
كذلك ولكن الأصل في هذا الباب المريض وغيره ممن كان في حكمه ملحق به وقيل المراد بالمريض من غالب حاله الهلاك مجازا فيشتمل غيره قوله (لفراره من إرثها) أي ظاهرا وإن اتفق أنه لم يقصد الفرار قوله (فيرد عليه قصده) بيان لوجه توريثها منه اعتبارا بقاتل مورثه بجامع كونه فعلا محرما لغرض فاسد وتمام تقريره في الفتح وعن هذا قال في البحر وقد علم من كلامهم أنه لا يجوز للزوج المريض التطليق لتعلق حقها بماله إلا إذا رضيت به ا ه قال في النهر وفيه نظر لأن الفاء حيث رد عليه قصده لم يكن آتيا إلا بصورة الإبطال لا بحقيقته فتدبر ا ه وقد يقال لو لم يكن ذلك القصد محظورا لم يرده عليه الشارح كقتل المورث استعجالا إلإرثه ثم رأيت في التاترخانية عن الملتقط قال محمد إذا مرض الرجل وقد دخل بامرأته أكره له أن يطلقها ولو كان قبل الدخول لا يكره ا ه قوله (إلى تمام عدتها) لأن يفرق لا بد أن يكون لنسب أو سبب وهو الزوجية والعتق والزوجية تنقطع بالبينونة وهذه إشارة إلى خلاف مالك في قوله بإرثها وإن مات بعد تزوجها كما يأتي قوله (كما سيجئ) أي في قول المصنف ولو باشرت سبب الفرقة وهي مريضة الخ ط قوله (بأن أضناه مرض) أي لازمه حتى أشرف على الموت مصباح قوله (عجز به الخ) فلو قدر على إقامة مصالحة في البيت كالوضوء والقيام إلى الخلاء لا يكون فارا وفسره في الهداية بأن يكون صاحب فراش وهو أن لا يقوم بحوائجه كما يعتاد الأصحاء وهذا أضيق من الأول لأن كونه ذا فراش يقتضي اعتبار العجز عن مصالحة في البيت فلو قدر عليها فيه لا يكون فارا وصححه في الفتح حيث قال فأما إذا أمكنه القيام بها في البيت لا في خارجه فالصحيح أنه صحيح ا ه
أقول ومقتضى هذا كله أنه لو كان مريضا مرضا يغلب منه الهلاك لكنه لم يعجزه من مصالحة كما يكون في ابتداء المرض لا يكون فارا وفي نور العين قال أبو الليث كونه صاحب فراش ليس بشرط لكونه مريضا مرض الموت بل العبرة للغلبة لو الغالب من هذا المرض الموت فهو مرض الموت وإن كان يخرج من البيت وبه كان يفتي الصدر الشهيد ثم نقل عن صاحب المحيط أنه ذكر محمد في الاصل مسائل أخذت عن أن الشرط خوف الهلاك غالبا لا كونه صاحب فراش ا ه ويأتي تمامه قوله (هو الأصح) صححه الزيلعي وقيل من لا يصلي قائما وقيل من لا يمشي وقيل من يزداد مرضه ط عن القهستاني قوله (كعجز الفقيه الخ) ينبغي أن يكون المراد العجز عن نحو ذلك من الإتيان إلى المسجد أو الدكان لإقامة المصالح القريبة في حق الكل إذ لو كان محترفا بحرفة شاقة كما لو كان مكاريا أو حمالا على ظهره أو دقاقا أو نجارا أو نحو ذلك مما لا يمكن إقامته مع أدنى مرض وعجز عنه مع قدرته على الخروج إلى المسجد أو السوق لا يكون مريضا وإن(3/421)
كانت هذه مصالحه وإلا لزم أن يكون عدم القدرة على الخروج إلى الدكان للبيع والشراء مثلا مرضا وغير مرض بحسب اختلاف المصالح تأمل ثم هذا إنما أيضا يظهر في حق من كان له قدرة على الخروج قبل المرض أما لو كان غير قادر عليه قبل المرض لكبر أو لعلة في رجليه فلا يظهر فينبغي اعتبار غلبة الهلاك في حقه وهو ما مر عن أبي الليث وينبغي اعتماده لما علمت من أنه كان يفتي به الصدر الشهيد وأن كلام محمد يدل عليه ولا طراده فيمن كان عاجزا قبل المرض ويؤيده أن من ألحق بالمريض كمن بارز رجلا ونحوه إنما اعتبر فيه غلبة الهلاك دون العجز عن الخروج ولأن بعض من يكون مطعونا أو به استسقاء قبل غلبة المرض عليه قد يخرج لقضاء مصالحه مع كونه أقرب إلى الهلاك من مريض ضعف عن الخروج لصداع أو هزال مثلا وقد يوفق بين القولين بأنه إن علم أن به مرضا مهلكا غالبا وهو يزداد إلى الموت فهو المعتبر وإن لم يعلم أنه ملك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح هذا ما ظهر لي
فإن قلت إن مرض الموت هو الذي يتصل به الموت فما فائدة تعريفه بما ذكر قلت فائدته أنه قد يطول سنة فأكثر كما يأتي فلا يسمى مرض الموت وإن اتصل به الموت وأيضا فقد يموت المريض بسبب آخر كالقتل فلا بد من حد فاصل تبتنى عليه الأحكام قوله (قال في النهر وهو الظاهر) رد على قوله في الفتح أما المرأة فإن لم يمكنها الصعود إلى السطح فهي مريضة فإنه يقتضي أنها لو عجزت عنه لا عما دونه كالطبخ تكون مريضة مع أنه خلاف ما في الملتقى وغيره من اعتبار عدم قدرتها على القيام بمصالح بيتها تأمل قوله (المرض) مبتدأ والمعتبر صفته والمضني خبره وقد علمت أن هذا القول مقابل الأصح قوله (والمقعد) هو الذي لا حراك به من داء في جسده كأن الداء أقعده وعند الأطباء هو الزمن وبعضهم فرق وقال المقعد المتشنج الأعضاء والزمن الذي طال مرضه مغرب قوله (ولم يقعده في الفراش) احترازا عما إذا تطاول ثم تغير حاله فإنه إذا مات من ذلك التغير يعتبر تصرفه من الثلث كما في الخلاصة قوله (ثم رمز شح) أي شين وحاء وهو رمز لشمس الأئمة الحلواني وفي الهندية عن التمرتاشي وفسر أصحابنا التطاول بالسنة فإذا بقي على هذه العلة سنة فتصرفه بعدها كتصرفه حال صحته ا ه أي ما لم يتغير حاله كما علمت قوله (وفي القنية الخ) قال ح أخذا مما تقدم عن الهندية أن هذا لا ينافي ما قبله لأن ازدياده إلى السنة فقط ا ه ولا يخفى ما فيه وفي الهندية أيضا المقعد والمفلوج ما دام يزداد ما به كالمريض فإن صار قديما ولم يزد فهو كالصحيح في الطلاق وغيره كذا في الكافي وبه أخذ بعض المشايخ وبه يفتى الصدر(3/422)
الشهيد حسام الأئمة والصدر الكبير برهان الأئمة وفسر أصحابنا إلى آخر ما مر قلت وحاصله أنه إن صار قديما تطاول سنة ولم يحصل فيه ازدياد فهو صحيح أما لو مات حالة الازدياد الواقع قبل التطاول أو بعده فهو مريض قوله (أو بارز رجلا أقوى منه) بيان الحكم الصحيح الملحق بالمريض هنا وهو من كان غالب حاله الهلاك كما في النهاية وغيرها
والأولى أن يقال من يخاف عليه الهلاك غالبا على أن غالبا متعلق بالخوف وإن لم يكن مواقع غلبة الهلاك فإن في المبارزة لا يكون الهلاك غالبا إلا أن يبرز لمن علم أنه ليس من أقرانه بخلاف غلبة خوف الهلاك كذا في البحر ومثله في الفتح ومقتضاه أن الأولى ترك التقييد بكونه أقوى منه ولذا لم يقيد به في الكنز وغيره بناء على أن المعتبر غلبة خوف الهلاك لا غلبة الهلاك فإن من خرج عن صف القتال وبارز رجلا يغلب عليه خوف الهلاك وإن لم يكن الرجل أقوى منه ولا يغلب عليه الهلاك إلا إذا علم أنه أقوى منه فما جرى عليه المصنف مبني على ما في النهاية من أن المعتبر غلبة الهلاك وعليه جرى في النهر وقال ولذا قيد بعضهم المسألة بما إذا علم أن المبارز ليس من أقرانه بل أقوى منه ا ه وبما قررناه علم أن ما في المتن مخالف لما اختاره في البحر تبعا للفتح فافهم ويؤيد ما في الفتح ما ذكره في معراج الدراية من كتاب الوصايا لو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما مكافئة للأخرى أو مقهورة فهو في حكم مرض الموت وإن لم يختلطوا فلا ا ه فإنه يدل على أن المكافئة تكفي قوله (من قصاص أو رجم) وكذا لو قدمه ظالم ليقتله قهستاني قوله (أو بقي على لوح من السفينة) يوهم أن انكسار السفينة شرط لكونه فارا وليس كذلك فقد قال في المبسوط فإن تلاطمت الأمواج وخيف الغرق فهو كالمريض وكذا في البدائع وقيده الإسبيجابي بأن يموت من ذلك الموج أما لو سكن ثم مات لا ترث ا ه بحر قلت وهذا شرط في المبارزة وغيرها أيضا كما يأتي قوله (وبقي في فيه) أما لو تركه فهو كالصحيح ما لم يجرحه جرحا يخاف منه الهلاك غالبا كما يفهم مما مر قوله (فار بالطلاق) أي هارب من توريثها من ماله بسبب الطلاق في هذه الحالة قوله (خبر من) أي خبر من الموصولة في قوله من غالب حالة الهلاك الخ قوله (ولا يصح تبرعه إلا من الثلث) أي كوقفة ومحاباته وتزوجه بأكثر من مهر المثل واستفيد من هذا المرض في حق الوصية والفرار لا يختلف ط والمراد بقوله تبرعه أي الأجنبي فلو لوارث لم يصح أصلا قوله (فلو أبانها) أي بواحدة أو أكثر ولم يقل أو طلقها رجعيا
كما قال في الكنز لما قال في النهر وعندي أنه كان ينبغي حذف الرجعي من هذا الباب لأنها فيه ترث ولو طلقها في الصحة ما بقيت العدة بخلاف البائن فإنها لا ترثه إلا إذا كان في المرض وقد أحسن القدوري في اقتصاره على البائن ولم أر من نبه على هذا ا ه قال ط والطلاق ليس بقيد بل كذلك لو أبانها بخيار بلوغه أو تقبيله أمها أو بنتها أو ردته كما في البدائع وكأنه كنى به عن كل فرقة جاءت من قبله حموي ا ه لكن هذا في قول الكنز طلقها أما قول المصنف أبانها لا(3/423)
يحتاج إلى دعوة الكناية قوله (وهي من أهل يفرق) أي من وقت الطلاق إلى وقت الموت كا سيوضحه الشارح قوله (علم بأهليتها أم لا الخ) هذا كله سيأتي متنا وشرحا وأشار إلى أن الأولى ذكره هنا قوله (فلو أكره) محترز قوله طائعا أي لو كره على طلاقها البائن لا ترث وهذا لو كان الإكراه بوعيد أسيد فلو كان بحبس أو قيد يصير فارا كما في الهندية عن العتابية ثم إنه ذكر في جامع الفصولين أنه لا رواية لهذه المسألة في الكتب وذكر فيها عن المشايخ قولين الأول أنها ترث لأن الإكراه لا يؤثر في الطلاق بدليل وقوع طلاق المكره والثاني أنه ينبغي أن لا ترث للجبر إذا لو أكره على قتل مورثه يرثه ولا يرثه المكره أي بالكسر لو وارثا ولو لم يوجد منه القتل ا ه واستظهر الرحمتي الأول لتعلق حقها في إرثه بمرضه ولم يوجد منها ما يبطله إلا إذا كانت هي التي أكرهته على الطلاق ويؤيده لو جامعها ابنه مكرهة ورثت مع أن الفرقة ليست باختيارهما ا ه قلت الظاهر ترجيح الثاني ولذا جزم به الشارح تبعا ل البحر لأن إرث من أبانها في مرضه لرد قصده عليه وهو فراره من إرثها ومع الإكراه لم يظهر منه فرار فيعمل الطلاق عمله فلا ترثه كما أن علة عدم إرث القاتل لمورثه قصده تعجيل يفرق فيرد قصده عليه وإذا كان مكرها لم يظهر هذا القصد فيرثه مع أن القتل محظور عليه بخلاف الألاق فإنه مع الإكراه غير محظور وقوله أو جامعها ابنه مكرهة ورثت صوابه لم ترث كما يأتي التنبيه عليه فهو مؤيد لما قلنا قوله (أو رضيت) محترز قوله بلا رضاها أي كأن خالعت وفي حكمه كل فرقة وقعت من قبلها كاختيار
امرأة العنين نفسها قهستاني ط قوله (ولو أكرهت على رضاها) أي على مفيد رضاها كسؤالها الطلاق ولو قال على سؤالها الطلاق كما قال غيره لكان أولى ط قوله (أو جامعها ابنه مكرهة) بحث لصاحب النهر وأقره الحموي عليه ويخالفه ما في البحر عن البدائع الفرقة لو وقعت بتقبيل ابن الزوج لا ترث مطاوعة كانت أو مكرهة أما الأول فلرضاها بإبطال حقها وأما الثاني فلم يوجد من الزوج إبطال حقها المتعلق بالإرث لوقوع الفرقة بفعل غيره ا ه والجماع كالتقبيل في حرمة المصاهرة وليس لنا إلا اتباع النص ط قلت وفي جامع الفصولين أيضا جامعها ولا مريض مكرهة لم ترثه إلا أن أمره الأب بذلك فينتقل فعل الابن إلى الأب في حق الفرقة فيصير فارا ا ه ومثله في الذخيرة معزيا للأصل وكذا في الولوالجية والهندية وللرحمتي هنا كلام مصادم للمنقول فهو غير مقبول قوله (بذلك الحال) بدل من قوله كذلك والمراد به حال غلبة الهلاك من مرض ونحوه واحترز به عما إذا طلق في الصحة ثم مرض ومات وهي في العدة لا ترث منه بحر أي إذا كان الطلاق رجعيا فإنها ترثه وكذا يرثها لو ماتت في العدة جامع الفصولين وفيه قال في مرضه قد كنت أبنتك في صحتي أو تزوجتك بلا شهود أو بيننا رضاع قبل النكاح أو تزوجتك في العدة وأنكرت المرأة ذلك بانت منه وترثه لا لو صدقته قوله (فلو صح)(3/424)
الأولى فلو زال ذلك الحال ا ه ح أي ليعم ما لو عاد المبارز إلى الصف أو أعيد المخرج للقتل إلى الحبس أو سكن الموج ثم مات فهو كالمريض إذا برئ من مرضه كما في البدائع وعزاه إليها في الفتاوي الهندية ويؤيد ما قدمناه عن الإسبيحابي من التصريح بأنه سكن الموج ثم مات لا ترث لكن في الفتح ولو قرب للقتل فطلق ثم خلي سبيله أو حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر فراره بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي بكونه بغيره ا ه ومثله في معراج الدراية بدون تعليل وتبعه في البحر والنهر وهو مشكل لأنه يلزم عليه أن المريض لو صح ثم مات أن ترثه لصدق التعليل المذكور عليه مع أنه خلاف ما أطبقوا عليه من اشتراطهم موته في ذلك الوجه
أي الوجه الذي هو حالة غلبة الهلاك ولا شك أنه بعد ما خلى سبيله أو أعيد للحبس ثم مات لم يمت في ذلك الوجه بل مات في غيره في حالة لا يغلب فيها الهلاك ولذا لو طلق وهو في الحبس قبل إخراجه للقتل لم يكن فارا فكذا بعد إعادته إليه نعم ما ذكر من التعليل إنما يصح لموته في ذلك الوجه بسبب آخر كموت المريض بقتل وموت من أخرج للقتل بافتراس سبع ونحوه والظاهر إن في عبارة الفتح سقطا من قلم الناسخ والأصل في العبارة فهو كالمريض إذا برئ بخلاف موته بسبب غيره فإنها ترثه لأنه ظهر فراره الخ فليتأمل قوله (بذلك السبب) متعلق بقوله ومات لكن زيادة الشارح قوله موته اقتضت إعرابه خبرا مقدما وموته مبتدأ مؤخر ولا حاجة إلى هذه الزيادة وقد سقطت من بعض النسخ قوله (في العدة) والقول لها في أنه مات قبل انقضاء العدة مع اليمين فإن نكلت فلا إرث لها ولو تزوجت قبل موته ثم قالت لم تنقض عدتي لا يقبل قولها ولو كانت أمة قد عتقت ومات الزوج فادعت العتق في حياته وادعت الورثة أنه بعد موته فالقول لهم ولا يعتبر قول المولى كما إذا ادعت أنها أسلمت في حياته وقالت الورثة بعد موته فالقول لهم وتمامه في البحر عن الخانية قوله (للمدخولة) أي المدخول بها حقيقة حنث الموطوءة ليخرج المختلي بها فإنها وإن وجبت عليها العدة لكنها لا ترث كما مر في باب المهر في الفرق بين الخلوة والدخول أفاده ط فافهم قوله (لا هو منها) أي لو أبانها في مرضه فماتت هي قبل انقضاء عدتها لا يرث منها بخلاف ما لو طلقها رجعيا كما يأتي قوله (وعند أحمد إلخ) وعن مالك وإن تزوجت بأزواج وعند الشافعي لا ترث المختلعة والمطلقة ثلاثا وغيرهما يرث لأن الكنايات عنده رواجع در منتقى قوله (وكذا ترث طالبة رجعية) أي في مرضه كما هو الموضوع واحترز بالرجعية عما لو أبانها بأمرها كما يذكر قوله (أو طلاق فقط) أي بأن قالت له في مرضه طلقني فطلقها ثلاثا فمات في العدة ترثه إذا صار مبتدئا فلا يبطل حقها في الإرث كقولها طلقني رجعية فأبانها جامع الفصولين قوله (لأن الرجعي لا يزيل النكاح) أي قبل انقضاء العدة أي فلم تكن راضية بإسقاط حقها بخلاف ما لو طلبت البائن قوله (حتى حل وطؤها) أي بدون تجديد عقد لكن إذا الوطء قبل المراجعة بالقول كان هو مراجعة مكروهة قوله (ويتوارثان في(3/425)
العدة مطلقا) أي سواء كان طلاقه لها في صحته أو مرضه برضاها أو بدونه كما في البدائع فأيهما مات وهي في العدة يرثه الآخر بخلاف ما بعد العدة لأنه زال النكاح وقدمنا قريبا أن القول لها في أنه مات قبل انقضاء العدة بقي هنا مسألة هي واقعة الفتوى سألت عنها ولم أرها صريحة في رجل طلق زوجته المريضة طلاقا رجعيا ثم ماتت بعد شهرين فادعى عدم انقضاء العدة ليرث منها وادعى ورثتها انقضاءها وهي لم تقر قبل موتها بانقضائها ولم تبلغ سن اليأس فهل القول له أو لهم والذي يظهر لي أن القول للزوج لأن سبب الإرث وهو الزوجية كان متحققا لأن الرجعي لا يزيله فلا يزول بالاحتمال وهي لو ادعت قبل موتها انقضاءها في مدة تحتمله يكون القول لها لأنه لا يعلم إلا من جهتها بخلاف ورثتها فتأمل قوله (بخلاف البائن) فإن فيه لا بد من استمرار الأهلية من وقت الطلاق إلى وقت الموت كما يذكره قريبا قوله (وكذا ترث مبانة الخ) أي من طلقها بائنا قيد بها لأنه لو كانت مطلقة رجعية لا ترث كما يذكره المصنف وكذا لو بانت بتقبيل ابن الزوج ولو مكرهة كما مر قوله (لمجئ الحرمة ببينونته) أي فكان الفرار منه قوله (ومن لاعنها في مرضه) أطلقه فشمل ما إذا كان القذف في الصحة أو في المرض وقال محمد إن كان القذف في الصحة واللعان في المرض لم ترث نهر قوله (أو آلى منها مريضا) أراد به أن يكون مضى المدة في المرض أيضا بحر قوله (لما مر) أي من أن الفرقة جاءت بسبب منه قال في الهداية وهذا ملحق بالتعليق بفعل لا بد منه إذ هي ملجأة إلى الخصومة لدفع العار عنها قوله (وإن آلى في صحته الخ) وجه عدم الإرث فيها أن الإيلاء في معنى تعليق الطلاق بمضي أربعة أشهر خالية عن الوقاع لا بد أن يكون التعليق والشرط في مرضه وهنا وإن تمكن من إبطاله بالفئ لكن بضرر يلزمه وهو وجوب الكفارة عليه فلم يكن متمكنا بحر قوله (فمات) أي في عدتها كما مر قوله ((لأنه لا بد الخ) تعليل للمسألة الثانية ط قوله (ولا بد في البائن الخ) تعليل للمسألة الثالثة أي والردة تقطع أهلية الإرث ط قوله (أو لم يطلقها) أي لا فرق بين الطلاق الرجعي وعدم الطلاق أصلا قوله
(فطاوعت) المطاوعة ليست بقيد إذ لو كانت مكرهة لا ترث أيضا لأنه لم يوجد من الزوج إبطال حقها كما في البحر عن البدائع لكن لو أمره أبوه بذلك ورثت كما قدمناه قوله (لمجئ الفرقة منها) أي فكانت راضية بإسقاط حقها قوله (أو أبانها بأمرها) يصدق بما إذا سألته واحدة بائنة(3/426)
فطلقها ثلاثا فقوله في البحر لم أر حكمه أي صريحا ثم قال كما يوجد في بعض نسخ البحر وينبغي أن لا ميراث لها لرضاها البائن ا ه قوله (وأشار بإجازته) لأنها هي المبطلة للإرث واعترضه في النهر بأن هذا لا يجدي نفعا فيما إذا كان الطلاق في مرضه إذ دليل الرضا فيه قائما ا ه قلت فيه نظر لأنها رضيت بطلاق موقوف غير مبطل لحقها ولا يلزم منه رضاها بما يبطله عبارة جامع الفصولين وليس هذا كطلاق بسؤالها إذا لم ترض بعمل المبطل إذا قولها طلقت نفسي لم يكن مبطلا بل يتوقف على إجازته فإذا أجاز في مرضه فكأنه أنشأ الطلاق فكان فارا ا ه فافهم قوله (أو اختلعت منه) قيد به لأنه لو خلعها أجنبي من زوجها المريض فلها الإرث لو مات في العدة لأنها لم ترض بهذا الطلاق فيصير الزوج فارا بحر عن جامع الفصولين قلت ومفاد التعليل أن الأجنبي لو خلعها من زوجها على مهرها وأجازت فعله ترث أيضا لأن إجازتها حصلت بعد البينونة فلم تأثر فيها بل أثرت في سقوط مهرها فقد ثبت الفرار قبل الإجازة فلا يرتفع بها فلا يصح أن يقال أنها لا ترث لأن دليل الرضا قائم لأن المعتبر قيامه قبل البينونة لا بعدها فافهم قوله (ولو ببلوغ الخ) أفاد أنه غير مقصور على اختيار بتفويض الطلاق لا يقال إن الفرقة في خيار البلوغ تتوقف على فسخ القاضي فلم تكن بفعلها فصار كما لو أبانت نفسها فأجازه الزوج لأن فسخ القاضي موقوف على طلبها ذلك منه فصار كطلبها البائن من زوجها وذلك رضا هذا ما ظهر لي قوله (لرضاها) أي لأن الفرقة وقعت باختيارها لأنها تقدر على الصبر عليه بدائع قوله (محصورا بحبس) عبارته في الدر المنتقى في حصن وكذا عبارة غيره والحصر وإن كان بمعنى المنع ويشمل الحبس والحصن لكن مسألة الحبس ذكرها بعد
وقوله أو في صف القتال احترز عما إذا خرج عن الصف للمبارزة فإنه يكون فارا كما مر وكذا لو التحم القتال واختلط الصفان كما قدمناه عن المعراج وإنما لم يكن فارا هنا لما قالوا من أن الحصن لدفع بأس العدو وكذا المنعة إي بمن معه من المقاتلين قال في النهر وإطلاقه يفيد أنه لا فرق بين أن تكون فئة قليلة بالنسبة إلى الأخرى أو لا ولم أره لهم ا ه قلت الظاهر أنه ما دام في الصف لا فرق أما لو اختلطوا فقد علمت مما قدمناه عن المعراج أنه في حكم المرض ألا إذا كانت إحداهما غالبة تنبيه مثل من في الصف من كان راكب سفينة قبل خوف الغرق أو نزل بمسبعة أو مخيف من عدو بحر مطلب حال فشو الطاعون هل للصحيح حكم المريض قوله (ومثله الطاعون) نقل في الفتح عن الشافعية أنه في حكم المرض وقال ولم أره لمشايخنا ا ه وقواعد الحنفية تقتضي أنه كالصحيح قال الحافظ العسقلاني في كتابه بذل الماعون وهو الذي ذكره لي جماعة من علمائهم وفي الأشباه غايته أن يكون كمن في صف القتال فلا يكون فارا ا ه وهو الصحيح عند مالك كما في الدر المنتقى قال في الشرنبلالية وليس(3/427)
مسلما إذا لا مماثلة بين من هو مع قوم يدفعون عنه في الصف وبين من هو مع قوم هم مثله ليس لهم قوة الدفع عن أحد حال فشو الطاعون اه قلت إذا دخل الطاعون محلة أو دارا يغلب على أهلها خوف الهلاك كما في حال التحام القتال بخلاف المحلة أو الدار التي لم يدخلها فينبغي الجري على هذا التفصيل لما علمت من أن العبرة لغلبة خوف الهلاك ثم لا يخفى أن هذا كله فيمن لم يطعن قوله (أو محموما) عطف على مشتكيا وقوله أو محبوسا عطف على قائما ولا يصح عطف محموما على قائما لأنه يلزم عليه أن لا ترث منه وإن لم يقم بمصالحه خارج البيت لأن العطف يقتضي المغايرة والحاصل أن المحموم إذا كان يقدر على القيام بمصالحه لا يكون مريضا وإلا فهو مريض كما يعلم من عبارة الملتقى وأما ما في الدراية من التصريح بأن المحموم مريض فهو أمرهم على
ما إذا عجز عن القيام بمصالحه فلا يخالف ما في الملتقى وأما ما في النهر من دعوى المخالفة والتوفيق بحمل ما في الدراية على ما إذا جاءت نوبة الحمى ففيه نظر لأنها إذا جاءت نوبتها ولم يعجز عن القيام بمصالحه لم يكن مريضا بمنزلة الحامل التي يأخذها الطلق ثم يسكن كما يأتي قريبا قوله (لغلبة السلامة) لأن الحصن لدفع العدو وقد يتخلص من المسبعة والحبس بنوع من الحيل ط عن الهندية قوله (وهو الطلق) اختلف في تفسير الطلق فقيل الوجع الذي لا يسكن حتى تموت أو تلد وقيل وإن سكن لأن الوجع يسكن تارة ويهيج أخرى والأول أوجه البحر عن المجتبى قوله (إذا علق المريض) أي من كان مريضا عند التعليق والشرط عند احدهما احترازا عما إذا كان صحيحا عند كل من التعليق والشرط فليس من صور المسألة فافهم قوله (البائن) قيد به لأن حكم الفرار لا يثبت إلا به بحر لأن الرجعي لا فرار فيه ولو نجزه في المرض بدون رضاها كما مر قوله (بفعل أجنبي) سواء كان له منه بد أم لا بحر والمراد بالفعل ما يعم الترك كما في إيضاح الإصلاح ط قوله (أي غير الزوجين) دفع به ما يتوهم من إرادة حقيقة الأجنبي وهو من لا قرابة له ط قوله (أو بمجئ الوقت) المراد به التعليق بأمر سماوي أي مالا صنع فيه للعبد وجعله من التعليق لأن المضاف في معنى الشرط من حيث إن الحكم يتوقف عليه كما حققه في البحر من باب التعليق فافهم قوله (بفعل نفسه) أي سواء كان له منه بد أو لا قوله (أو الشرط فقط) أي المعلق عليه كدخول الدار مثلا في إن دخلت الدار قوله (كأكل وكلام أبوين) لف ونشر مرتب وكالأبوين كل ذي رحم محرم كما في الحموي عن البرجندي ط ومثله الصوم والصلاة وقضاء الدين واستيفاؤه نهر(3/428)
وفي التاترخانية لو علقه على الخروج إلى منزل والديها فخرجت ترث لأنه مما لا بد لها منه ا ه وينبغي تقييده بما إذا خرجت على وجه ليس له منعها منه قوله (أو الشرط فيه فقط) فيه خلاف محمد فعنده إذا كان التعليق في الصحة فلا ميراث لها مطلقا قال في البحر وصححوا قول محمد ونقل في النهر تصحيحيه عن فخر الإسلام قوله (ورثت لفراره) أما إذا كان التعليق بفعل
أجنبي أو بمجئ الوقت ووجدوا في المرض فلأن القصد إلى الفرار قد تحقق بمباشرة التعليق في حال تعلق حقها بماله ولذا لو كان الموجود في المرض الشرط فقط لم ترث عندنا خلافا لزفر وإما إذا كان بفعل نفسه وكانا في المرض أو الشرط فيه فقط فلأنه قصد إبطال حقها بالتعليق والشرط أو بالشرط وحده واضطراره لا يبطل حق غيره كإتلاف مال الغير حالة الاضطرار وأما إذا كان بفعلها الذي لا بد لها منه وكان الشرط في المرض فلأنها مضطرة في المباشرة لخوف الهلاك في الدنيا أو في العقبى نهر ملخصا قوله (ومنه) أي من الفرار وهو من قسم التعليق بفعل نفسه وإنما ورثته لأنه وجد الشرط وهو عدم التطليق أو عدم التزوج معي موته وهو وقت مرض فكان فارا وإن كان التعليق في الصحة إنما لم يرثها لرضاه بإسقاط حقه حيث أخر الشرط إلى موتها وذكر في البدائع أيضا أنه لو قال إن لم آت البصرة فأنت طالق ثلاثا فلم يأتها حتى مات ورثته لما قلنا أما إذا ماتت هي يرثها لأنها ماتت وهي زوجته لعدم شرط الوقوع لجواز أن يأتي البصرة بعد موتها ا ه أي بخلاف تطليقها وتزوجه عليها فإنه لا يمكن بعد موتها تنبيه تقييد الشارح الطلاق بكونه ثلاثا غير السري في مسألة موتها لأنه لو كان رجعيا حكمنا بالوقوع في آخر جزء من أجزاء حياتها وهو الجزء الذي يعقبه الموت يكون الواقع به بائنا لعدم إمكان العدة كمن لم يدخل بها كما قدمناه عن الفتح في باب الصريح عند قوله إن لم أطلقك فأنت طالق قوله (أو التعليق فقط) أي التعليق بفعل أجنبي أو بمجئ الوقت كما في البحر وهو المفهوم من المتن فيما مر فالتعليق هنا لا يحمل على عمومه حتى يشمل فعل نفسه لأن التعليق به إذا وجد في الصحة فقط أي ووجد الشرط في المرض ورثت منه وقد صرح به المتن فلا يصح دخوله في العموم كذا بخط السائحاني فافهم قوله (أو بفعلها غنم منه بد) أي مطلقا سواء كان التعليق والشرط في المرض أو أحدهما أولا ولا.
قال في التبيين) وفي غيرهما أي في هذه الصور التي ذكرناها لا ترث وهو ما إذا كان التعليق والشرط في الصحة في الوجوه كلها أو كان التعليق في الصحة فيما إذا علقه بفعل الأجنبي أو بمجئ الوقت أو كيفما كان إذا علقه بفعلها الذي لها منه بد فإنها لا ترث في هذه الصورة كلها ا ه ح قوله (وحاصلها ستة عشر) يمكن بسطها إلى
ثمانية وعشرين لأنه إذا علقه على فعله أو فعلها أو فعل أجنبي فالفعل إما منه بد أو لا فهذه ستة تضرب في أوجه الشرط والتعليق الأربعة فتبلغ أربعة وعشرين وفي تعليقه على الوقت أربع صور فتبلغ ثمانية وعشرين لكن في فعله الأجنبي لا فرق بين ما منه بد أو لا بخلاف فعلها كما علمت ثم لا يخفي أن كون كل من التعليق والشرط في الصحة لا دخل له في طلاق المريض ولذا(3/429)
لم يذكر في البحر فالمناسب إسقاطه وتكون الصور إحدى وعشرين قوله (أو أحدهما) بالنصب أو الرفع عطفا على اسم إن أي أو أحدهما في أحد المذكورين بأن يكون التعليق في الصحة والشرط في المرض أو بالعكس قوله (قال لها في صحته) أما إذا كان هذا التعليق في المرض ورثت في جميع الصور لأنه من التعليق بفعل الأجنبي وفعله وقد تقدم ما يدل عليه من الصور السابقة ط قوله (والفرق لا يخفى) قال في البحر وحاصله أن الطلاق تعلق على مشيئتهما فإذا شاءا معا لم يكن الزوج تمام العلة فلا يكون فارا بخلاف ما إذا تأخرت مشيئة الزوج لأنه حينئد تمت العلة به ا ه أي فيكون من التعليق بفعله فيكفي فيه كون الشرط فقط في المرض بخلاف الوجهين الأولين فإنهما من معي التعليق بفعل الأجنبي فلا بد فيه من كون التعليق والشرط في المرض والفرض أن التعليق في الصحة قوله (وعلى مضي العدة) قيد به ليظهر خلاف الصاحبين حيث قالا بجواز إقراره ووصيته لانتفاء التهمة بانتفاء العدة كما في التبيين فيفهم منه أنه لو تصادقا على الثلاث في الصحة ولم يتصادقا على انقضاء العدة يكون لها الأقل اتفاقا ا ه ح قوله (فلها الأقل منه ومن يفرق) من في الموضعين بيان للأقل والواو بمعنى أو وصلة الأقل محذوفة تقديرها من الآخر والمعنى فلها الموصى به الذي هو أقل من يفرق أو يفرق الذي هو أقل من الموصى به ولا يجوز أن تكون الواو للجمع إذ يصير المعنى حينئذ فلها يفرق والموصى به اللذان هما الأقل وهو فاسد كما لا يجوز أن تكون في الموضعين صلة الأقل سواء كانت الواو للجمع أو بمعنى أو إذ يصير المعنى على الأول فلها الأقل من (كل واحد منهما وعلى الثاني فلها الأقل من) أحدهما وكلاهما فاسد ا ه ح أي لأنه يصير الأقل شيئا خارجا عن يفرق والموصى
به مع أن المراد بالأقل واحد منهما هو الأقل من الآخر قوله (للتهمة) أي التهمة مواضعة الزوجين على الإقرار بالفرقة وانقضاء العدة ليعطيها الزوج زيادة على ميراثها وهذه التهمة في الزيادة فقط فرددناها وقالا بجواز الإقرار والوصية لأنها صارت أجنبية عنه لعدم العدة بدليل قبول شهادته لها ودفع زكاته لها وتزوجها بآخر والجواب أنه لا مواضعه عادة في حق الزكاة والشهادة والتزوج فلا تهمة بحر ملخصا عن الهداية وشروحها قوله (وتعتد من وقت إقراره الخ) كذا ذكر في الهداية والخانية في باب العدة أن الفتوى عليه وحينئذ فلا يثبت شئ من هذه الأحكام المذكورة آنفا ولا تزوجه بأختها وأربع سواها وهو خلاف ما صرحوا به هنا وبه اندفع ما في غاية السروجي من أنه ينبغي تحكيم الحال فإن كان جرى بينهما خصومة وتركت خدمته في مرضه فهو دليل عدم(3/430)
المواضعة فلا تهمة وإلا فلا تصح للتهمة بحر ملخصا وأقره في النهر وحاصله أن ما قرره هنا من قبول شهادته لها ونحوه من الأحكام يقتضي أن ابتداء العدة يستند إلى وقت الطلاق وما صححوه في باب العدة وقت الإقرار يقتضي انتفاء هذه الأحكام أقول لا يخفى أن العدة إنما تجب من وقت الطلاق وإذا أقر الزوجان بمضيها صدقا فيما لا تهمة فيه ولذا صرحوا بأنه لا تجب لها نفقة ولا سكنى وأشار بتصديقها له والشهادة ونحوها مما مر لا تهمة فيها إذ لا مواضعة عادة فيها كما تقدم بخلاف الوصية بما زاد على قدر يفرق فلم يصدقا في حقها عند أبي حنيفة وقدر أن العدة لم تنقض لإبطال الزيادة لأنها موضع تهمة فليس المراد عدم انقضاء العدة في سائر الأحكام بل في موضع التهمة فقط وبه علم أن كلا من القول باعتبارها من وقت الطلاق والقول باعتبارها من وقت الإقرار ليس على عمومه ولذا قال في فتح القدير في باب العدة إن فتوى المتأخرين أي بوجوبها من وقت الإقرار مخالفة للأئمة الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين وحيث كانت مخالفتهم للتهمة فينبغي أن يتحرى به محالها والناس الذين هم مظانها ولهذا فصل الإمام السعدي بحمل كلام محمد في المبسوط من أن بتداء العدة من وقت الطلاق على ما إذا
كانا متفرقين من الوقت الذي أسند الطلاق إليه أما إذا كانا مجتمعين فالكذب في كلامهما ظاهر فلا يصدقان في الإسناد قال في البحر هناك وهذا هو التوفيق ا ه أي بين كلام المتقدمين والمتأخرين وبه ظهر صحة ما قاله السروجي من أنه ينبغي تحكيم الحال لكن ما قاله من أن الخصومة وترك الخدمة دليل على عدم المواضعة رده في الفتح بأنه غير ظاهر لأن وصيته لها بأكثر من يفرق الميراث ظاهرة في أن تلك الخصومة حيلة ليست على حقيقتها ا ه نعم ما ذكره الإمام السعدي من التفرق ظاهر في عدم المواضعة لتصح وصيته لها وتزوجه أختها وأربعا سواها والله سبحانه أعلم تنبيه اعلم أن ما تأخذه له العطار بالميراث فلو ترى شئ من التركة قبل القسمة كان على الكل ولو طلبت أخذ الدراهم والتركة عروض لم يكن لها ذلك وشبه بالدين حتى كان للورثة أن يعطوها من غير التركة مؤاخذة لها بزعمها أن ما تأخذه دين كذا أفاده في فتح القدير والبحر وغيرهما قوله (بعد مضيها) أي مضي العدة من وقت الإقرار قوله (فلها جميع ما أقر أو أوصى) لأنها صارت أجنبية فانتفت التهمة ومقتضاه أن ما تأخذه لم يبق له العطار بالميراث أصلا فلا يأتي فيه ما مر آنفا لأنه قبل مضي العدة لم تعط الزائدة على يفرق التهمة فكان ما تأخذه إرثا نظرا للورثة ووصية نظرا لزعمها فاعتبر فيه الشبهان وبعد مضي العدة لم تبق التهمة فلذا استحقت جميع ما أقر أو أوصى به وتمخض كونه دينا أو وصية وبه علم أن ن ذكر الشبهين هنا تبعا لظاهر عبارة النهر لم يصب فافهم قوله (ولو لم يكن بمرض موته) الباء بمعنى في أي ولو لم يكن هذا التصادق في مرض موته تعلق بأن صح منه أو كان غير مريض أصلا ثم مات في عدتها صح إقراره ووصيته لعدم التهمة قوله (ولو كذبته) محترز قوله تصادقا ط قوله (لم يصح إقراره) أي ولا وصيته معاملة لها بزعمها أنها زوجة وهي وارثة ولا وصية للوارث ولا إقرار له ط وينبغي تقييده بما إذا مات في مرضه قبل مضي عدتها من وقت الإقرار لأنه لما أقر بطلاقها ثلاثا بانت منه وأشار بإقراره وإن(3/431)
كذبته وصار فارا فإذا صح من مرضه ثم مات في العدة أو لم يصح ومات بعد العدة لم ترث منه فتصح وصيته وإقراره لها بالمال وليس تكذيبها له في الطلاق السابق رضا بالطلاق الواقع الآن كما
لا يخفى هذا ما ظهر لي قوله (لا لو بعده) أقول هذا إنما يظهر لو ادعت أن الإبانة كانت في الصحة لأن دعواها تتضمن اعترافها بأنها لا ترث معه لكونه غير فار أما لو ادعت أن الإبانة كانت في ذلك المرض الذي مات فيه فلا لأنها ادعت عليه طلاقا ترث منه غير أنها لما زعمت أنها بانت منه وجب عليها مفارقته فإذا ادعت عليه ذلك الواجب لا يلزم منه أن تكون راضية بطلاقها كما لا يخفى فيجب أن ترث سواء أصرت على دعواها أو صدقته قبل موته أو بعده كما لو أقر لها بما ادعت عليه ولم أر من تعرض لذلك وكأنهم سكتوا عنه لظهوره فافهم قوله (كمن طلقت الخ) جهل حكم المسألة الأولى مشبها بهذه لأنه لا خلاف فيها بخلاف الأولى كما علمت قوله (بأمرها) الأولى تشبها بهعه لأنه لا خلاف فيها كخلاف الأولى برضاها ليشمل اختيارها نفسها في التفويض أفاده الحموي عن البرجندي ط قوله (فإن لها الأقل) أي مما أقر أو أوصى به ومن الإرث وهذا تصريح بوجه الشبه المفاد بالكاف قوله (قال صحيح) قيد به ليكون فراره بالبيان أما لو كان مريضا يكون فارا بذلك القول لا بنفس البيان فافهم قوله (إحداكما طالق) أي ثلاثا كما في عبارة الفتح عن الكافي وهو المراد لأن الكلام فيما يكون به فارا ولا فرار في الرجعي قوله (فترث منه) لأنه بين الطلاق بعد تعلق حقها بماله فيرد عليه قصده كما لو أنشأ فجعل إنشاء في حق الإرث للتهمة ولو ماتت إحداهما قبله ثم مات تعينت الأخرى ولم ترث لأنه بيان حكمي فانتفت التهمة عنه وتمامه في الفتح قلت وما ذكر من أنه يصير فارا بهذا البيان مؤيد للقول بأن البيان في الطلاق المبهم إيقاع الطلاق معلقا بشرط البيان معنى أي ينعقد سببا للحال لوقوع الطلاق عند البيان فيقع عند البيان بالكلام السابق أما على القول بأنه إيقاع للحال في واحدة غير عين والبيان تعيين لمن وقع عليها الطلاق فينبغي أن لا يصير فارا لأن الوقوع يكون في حال صحته كذا في البدائع وتمام الكلام على ذلك مبسوط فيه قوله (لو حلف صحيحا) أي بأن علق على فعل غيه كأن قال إن دخل زيد قاصدا داره فاحداكما طالق ثلاثا أما لو علق فعله أي بأن فعله صار فارا بالفعل في مرضه لا بنفس البيان فافهم قوله (صار فارا) يظهر لك وجهه بما ذكرناه آنفا عن البدائع قوله (ولا يشترط علمه الخ) حاصله أن أهلية الزوجة للميراث شرط في كونه فارا فإذا كانت أمة أو كتابية فأبانها في مرضه لم ترث لعدم
أهليتها لذلك لكن لو كانت أعتقت أو أسلمت وهو غير عالم فأبانها في مرضه صار فارا وترثه(3/432)
لتحقق الشرط وقت الإبانة قوله (بعد غد) أما لو قال لها أيضا أنت طالق ثلاثا غدا يقع الطلاق والعتاق معا ولا ميراث لها ولو قال إذا أعتقت فأنت طالق ثلاثا كان فارا كذا في الظهيرية أي لأن المعلق يعقب المعلق عليه فيتحقق شرط الفرار قبل وقوع الطلاق بخلاف ما قبله فإن المضافين إلى الغد وقعا معا قوله (وإلا يعلم لا ترث) لأنه وقت التعليق لم يقصد إبطال حقها حيث لم يعلم وإن صارت أهلا قبل نزول الطلاق ولم تكن حرة وقت التعليق لأن عتقها مضاف بخلاف ما إذا كانت حرة وقته ولم يعلم به لأنه أمر حكمي فلا يشترط العلم به كذا في البحر والأظهر أن يقال لأنه أمر ثابت تأمل تنبيه مقتضى قول المصنف كان فارا أنه يقع عليها ثلاث طلقات وإلا كان رجعيا لأنها صارت حرة ولا فرار في الرجعي فافهم ويشكل عليه ما مر معي ألفاظ الشرط من باب التعليق أنه لو قال لزوجته الأمة إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا فعتقت فدخلت له رجعتها ا ه ومقتضاه أن يقع هنا طلقتان ولا يكون فارا وقد يجاب أخذا مما قالوا في الفرق بين الإضافة والتعليق إن المضاف ينعقد سببا للحال بخلاف المعلق حتى لو قال أنت حر غدا لم يملك بيعه اليوم ويملكه إذا قال إذا جاء غدا كما في طلاق الأشباه والنظائر ففي مسألتنا لما قال لأمته أنت حرة غدا انعقد سببا للحال فإذا قال الزوج أنت طالق ثلاثا بعد غد انعقد سببا للطلاق بعد تحقق سبب الحرية فتطلق ثلاثا بخلاف مسألة التعليق فإنه وقت التعليق لا يملك أكثر من طلقتين ولم يتحقق سبب الحرية وقته فلا يقع أكثر مما يملك هذا غاية ما ظهر لي فتأمله قوله (ولو علقه) أي الطلاق البائن بعتقها وكان التعليق والشرط في المرض لأنه تعليق بفعل أجنبي ط قوله (أو بمرضه) كقوله إن مرضت فأنت طالق ثلاثا يكون فارا لأنه جعل شرط الحنث المرض مطلقا والمرض المطلق هو صاحب الفراش الذي كان الموت غالبا فيه وذا مرض
الموت كذا في الولوالجية ونقل في البحر تصحيحه عن الخانية قلت ومقتضاه أنه لو مرض قبله ثم صح منه لم تطلق لحمله المرض على المطلق أي الكامل منه وهو الذي يتصل به الموت فليس المراد مطلق مرض بل المراد مرض مطلق وبينهما فرق واضح مثل ماء مطلق ومطلق ماء فافهم قوله (أو وكل به الخ) قال في البدائع وقالوا فيمن فوض طلاق امرأته إلى أجنبي في الصحة وطلقها في المرض إن التفويض إن كان على وجه لا(3/433)
يملك عزله عنه بأن ملكه الطلاق لا ترث لأنه لما لم يقدر على فسخه بعد مره صار الإيقاع في المرض كالإيقاع في الصحة وإن كان يمكنه عزله فلم يفعل صار كإنشاء التوكيل في المرض فترثه قوله (ولو باشرت الخ) شروع في كون المرأة فارة بعد بيان كون الرجل فارا وهذا ما أشار إليه في أول الباب بقوله وقد يكون الفرار منها قوله (ورثها الزوج) لأنه كما تعلق حقها بماله في مرض موته حقه بما لها في مرض موتها بحر قوله (أو مطاوعتها ولا زوجها) احتراز عما لو أكرهها فإنه لا يرثها لعدم مباشرتها سبب الفرقة ومثله بالأولى ما لو أمر ابنه بإكراهها بخلاف ما إذا كان هو المريض وأمر ابنه بإكراهها فإنه يكون فارا وترثه وإن لم يأمره فلا كما مر قوله (وهي مريضة) قيد للفروع المذكورة صرح به ليصح اندراجها تحت الأصل المذكور وهو قوله ولو باشرت المرأة الخ فلا تكرار فافهم قوله (لأنها) أي الفرقة بالأسباب المذكورة ومثلها ردة المرأة كما يأتي قوله (ولذا) أي لكونها جاءت من قبلها لم تكن طلاقا بل هي فسخ لأن المرأة ليست أهلا للطلاق قوله (فإنه لا يرثها) أي ولا ترثه كما مر عند قول المصنف السدف منه أو اختارت نفسها أي إذا كان ذلك في مرضه ط لكن في اللعان ترثه كما مر لأن ابتداءه من جهته قوله (لأنها طلاق) فيعتبر إيقاعا من جهته فلا تكون فارة لاضطرارها إلى ذلك أما في اللعان فلدفع العار عنها وأما في الجب والعنة فلعدم حصول الإعفاف المطلوب من النكاح فصار مثل التعليق بفعلها الذي لا بد لها منه بخلاف ما إذا سألته الطلاق في مرضه فطلقها لرضاها بأسقاط حقها بلا ضرورة فلا ترثه وإن كان إيقاعا من جهته فافهم نعم يشكل عدم إرثها منه
باختيار نفسها في مرضه للجب والعنة فإن علة عدم إرثها كونها راضية كما مر فينافي دعوى اضطرارها والجواب أنه ليس اضطرارا حقيقيا فلا منافاة ولو سلم اضطرارها حقيقة لا يلزم منه إرثها منه لأن إرثها منه لا يكون ألا إذا ثبت فراره ولم يثبت لأنه لم يضطرها إلى ذلك فهي كمن وطئها ابنه مكرهة لا ترث منه إلا إذا أمر ابنه بذلك كما مر فلم يلزم من اضطرارها فراره لعدم جنايته عليها بخلاف ما هنا فإن اضطرارها عذر في نفي فرارها لأنه من جهتها فيؤثر فيه بخلاف فراره فإنه من جهته فلا يؤثر اضطرارها فيه كالمكره فإن اضطراره إلى قتل غيره أنما يؤثر في فعله من حيث نفي القود عنه لا في فعل غيره وهو من أكرهه ويؤيد ما قلنا قوله في الفتح لو حصلت الفرقة في مرضه بالجب والعنة وخيار البلوغ والعتق لا ترثه لرضاها بالمبطل وأن كانت مضطرة لأن سبب الاضطرار ليس من جهته فلم يكن جانبا في الفرقة ا ه هذا ما ظهر لي في هذا المحل فتأمله (ثم ماتت أو الحقت) أي قبل انقضاء العدة ط قوله (ورثها) لأنه تبين أن قصدها(3/434)
الفرار ط قوله (استحسانا) والقياس أن لا يرثها لعدم جريانه بين المسلم والكافر ط قوله (لا يرثها) لأنها بانت بنفس الردة قبل أ تصيد شرفة على الهلاك وليست بالردة مشرفة عليه لأنها لا تقتل وكذا في الفتح قوله (بخلاف ردته الخ) لأنه يقتل إن استدامها ط قوله (مطلقا) أي سواء كانت في الصحة أو المرض ط قوله (ولو ارتدا معا الخ) قال في البحر وإن ارتدا معا ثم أسلم أحدهما ثم مات أحدهما إن مات المسلم لا يرث المرتد وإن كان الذي مات مرتدا هو الزوج ورثته المسلمة وإن كانت المرتدة قد ماتت فإن كانت ردتها في المرض ورثها الزوج المسلم وإن كانت في الصحة لم ترث كذا في الخانية ا ه قوله (طلقت الأخرى) زاد الشارح ذلك تبعا ل (للدرر) لإصلاح عبارة المتن لأنه قوله عند التزوج متعلق بقوله طلقت وعلى ما في المتن متعلق بقوله مات وليس المعنى عليه وقوله ولا يصير فارا الواو فيه من الشرح للعطف على طلقت وإذا لم يصر فارا لا ترث منه فإن كان دخل بها فلها مهر ونصف فالمهر بالدخول بشبهة والنصف بالطلاق قبل الدخول وعدتها بالحيض بلا إحداد زيلعي من باب اليمين بالطلاق والعتاق
قوله (خلافا لهما) وعندهما يقع عند الموت لأنه الوقت الذي تحققت فيه الآخرية ويصير فارا فترثه غنم مهر واحد وتعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق والوفاة وإن كان الطلاق رجعيا فعليهما عدة الوفاة والإحداد أفاده الزيلعي قوله (لأن الموت معرف الخ) علة لقول الإمام أي يعرف أن هذه المرأة آخر امرأة قوله (واتصافه) أي التزوج من وقت الشرط وهو التزوج ط قوله (فيثبت مستندا) أي إلى وقت التزوج كما لو علق الطلاق بحيضها لم يحنث برؤية الدم لاحتمال الانقطاع فإذا استمر ثلاثا ظهر أنه وقع من أولها زيلعي ومقتضى هذا أنه لو كان وقت التزوج مريضا أن يصير فارا فترثه قوله (لم ترث الخ) بيانه أن عدتها الأولى قد بطلت بالتزوج فبطل إرثها الثابت لها بسبب الإبانة في مرضه لأنها أنما ترث ما دامت في العدة وقد زالت ووجب عليها عدة مستقبلة بالطلاق الثاني كما يأتي في العدة أن من طلق معدته قبل الوطء يجب عليها عدة مستقبلة ولا يمكن أن ترث بعد الطلاق الثاني لأن شرط وقوعه التزوج وقد حصل بفعلهما فكانت راضية بوقوع الثلاث وهذا عندهما ومحمد يقول ترثه لأن عليها تمام العدة الأولى فقط حكم الفرار بالطلاق الأول لبقاء عدته رحمتي قوله (كذبها الورثة الخ) أي لو ادعت أنه أبانها في مرض موته(3/435)
وأنه مات وهي في العدة وقالت الورثة بل في الصحة فالقول لها بيمينها لإنكارها سقوط الإرث لأنها تقر بطلاق لا يسقط يفرق قوله (فالمشكل من متاع البيت) هو ما يصلح للرجل والمرأة أما ما يصلح لأحدهما فالقول لكل فيما يصلح له وفي المسألة تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى في باب التحالف من كتاب الدعوى قوله (لصيرورتها أجنبية) أي فلم تبق ذات يد بل اليد للورثة والقول لذي اليد قوله (بخلافه في العدة) أي بخلاف موته في عدتها فإن المشكل حينئذ للمرأة عند أبي حنيفة لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكأنه مات قبل الطلاق جامع الفصولين والله سبحانه أعلم باب الرجعة ذكرها بعد الطلاق لأنها متأخرة عنه طبعا فكذا وضعا نهر قوله (بالفتح وتكسر) قال في
النهر والجمهور على أن الفتح فيها أفصح من الكسر خلافا كالمهد في دعوى أكثرية الكسر ولمكي تبعا لابن دريد في إنكار الكسر على الفقهاء قوله (يتعدى ولا يتعدى) أي يستعمل فعله متعديا بنفسه ولازما فيتعدى بإلى قال في الفتح يقال رجع إلى أهله ورجعته إليهم أي رددته وقال تعالى * (فإن رجعك الله إلى طائفة منهم) * ويقال في مصدره أيضا رجعا ورجوعا ومرجعا والرجعة والرجعي بكسر الراء وربما قالوا إلى الله رجعاتك قوله (هي استدامة الملك) عبر بالاستدامة بدل الرد الذي هو معنى الرجعة لأن المتبادر منه ما يكون بعد الزوال فينافي قوله القائم ولأن المراد به هنا الإبقاء قال تعالى * (وبعولتهن أحق بردهن) * (البقرة 228) قال في الفتح والرد يصدق حقيقة بعد انعقاد سبب زوال الملك وإن لم يكن زال بعد يقال رد البائع المبيع في بيع الخيار للبائع ا ه فهذا الرد إبقاء للملك القائم أي إدامة له وإمساك قال تعالى * (فإذا بلغن أجلهن) * (الطلاق 2) أي قارب البلوغ * (فأمسكوهن بمعروف) * (الطلاق 2) قال في النهر والإمساك استدامة القائم لا إعادة الزائل ولذا صح الإيلاء منها والظهار واللعان وتناولها قوله زوجاتي طوالق ولم يشترط فيها شهود ولم يجب عوض مالكا حتى لو راجعتها فلا يجب توقف لزومه على قبولها وتعجل زيادة في مهرها وقال أبو بكر لا يصير زيادة فلا تجب ولو راجع الأمة على الحرة التي تزوجها بعد طلاقها صح ا ه قوله (بلا عوض) أي بلا اشتراط عوض فالمراد نفي اشتراطه لا نفي الجوزي لما علمت وإنما ذكره تأكيدا لدعوى قيام الملك إذ لو زال اشترط في ردها إليه العوض قوله (أي عدة الدخول حقيقة) أي الوطء ح قوله (إذ لا رجعة في عدة الخلوة) أي ولو كان معها لمس أو نظر بشهوة ولو إلى الفرج الداخل ح ووجهه أن الأصل في مشروعية العدة بعد الوطء تعرف براءة(3/436)
الرحم تحفظا عن اختلاط الأنساب ووجبت بعد الخلوة بلا وطء احتياطا وليس من الاحتياط تصحيح الرجعة فيها رحمتي قوله ابن كمال حيث قال في العدة بعد الدخول لا بد من هذا القيد لأن العدة قد تجب بالخلوة الصحيحة بلا دخول ولا تصح فيها الرجعة ا ه
قلت وتقدم أيضا في باب في المهر أن الخلوة الصحيحة لا تكون كالوطء في الرجعة ا ه وإذا كان ذلك في الخلوة الصحيحة فالفاسدة بالأولى قوله (وفي البزازية الخ) الأولى إسقاطه لأنه سيأتي متنا وشرحا وقوله بعد الدخول المراد به بعد الخلوة والأولى التعبير به كما عبر به فيما سيأتي قوله (وتصح مع إكراه الخ) قال في البحر ومن أحكامها أنها لا تصح إضافتها إلى وقت في المستقبل ولا تعليقها بالشرط كما إذا قال إذا جاء غد فقد راجعتك أو إن دخلت الدار فقد راجعتك وتصح مع الإكراه والهزل واللعب والخطأ كالنكاح كذا في البدائع ط وفي القنية لو أجاز مراجعة الفضولي صح ذلك بحر قوله (وهزل ولعب) فسرهما في القاموس بضد الجد أفاده ط قوله (وخطأ) كأن أراد أن يقول اسقني الماء فقال رجعت زوجتي قوله (بنحو راجعتك) الأولى أن يقول بالقول نحو راجعتك ليعطف عليه قوله الآتي وبالفعل ط وهذا بيان لركنها وهو قول أو فعل والأول قسمان صريح كما مثل ومنه النكاح والتزويج كما يأتي وبدأ به لأنه لا خلاف فيه وكناية مثل أنت عندي كما كنت وأنت امرأتي فلا يصير مراجعا إلا بالنية أفاده في البحر والنهر قوله (راجعتك) أي في حال خطابها ومثله راجعت امرأتي في حال غيبتها وحضورها أيضا ومنه ارتجعتك ورجعتك فتح قوله (ورددتك ومسكتك) قال في الفتح وفي المحيط مسكتك بمنزلة أمسكتك وهما لغتان وفي بعض المواضع يشترط في رددتك ذكر الصلة فيقول إلى أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي وهو حسن إذ مطلقة يستعمل لضد القبول ا ه قوله (وبالفعل) هذا ليس من الصريح ولا الكناية لأنهما من عوارض اللفظ فافهم نعم ظاهر كلامهم أن الفعل في حكم الصريح لثبوت الرجعة به من المجنون كما يأتي قوله (مع الكراهة) الظاهر أنها تنزيهية كما يشير إليه كلام البحر في شرح قوله والطلاق الرجعي لا يحرم الوطء رملي ويؤيده قوله في الفتح عند الكلام على قول الشافعي بحرمة الوطء إنه عندنا يحل لقيام ملك النكاح من كل وجه إنما يزول عند انقضاء العدة فيكون الحل قائما قبل انقضائها ا ه ولا يرد حرمة السفر بها لأن ذلك ثابت بالنص على خلاف القياس كما يأتي ويؤيده قوله في الفتح والمستحب أن يراجعها بالقول فافهم قوله (بكل ما يوجب حرمة المصاهرة) بدل من
الفعل بدل بعض من كل ح أي لأن من الفعل ما لا يوجب حرمة المصاهرة كالتزوج والوطء(3/437)
في الدبر ولذا عطفهما المصنف على قوله بكل فليس مراده الحصر بما يوجب حرمة المصاهرة فافهم وباعتبار هذا العطف يصح كونه بدل مفصل من مجمل قوله (كمس) أي بشهوة كما في المنح ويفيده قوله بما يوجب حرمة المصاهرة ح قال في البحر ودخل الوطء والتقبيل بشهوة على أي موضع كان فما أو خدا أو ذقنا أو جبهة أو رأسا والمس بلا حائل أو بحائل يجد الحرارة معه بشهوة والنظر إلى انظر الفرج بشهوة بأن كانت متكئة وخرج ما إذا كانت هذه الأفعال غير شهوة أو نظر إلى انظر الفرج بشهوة ولو إلى حلقة الدبر فإنه لا يكون مراجعا لكنه مكروه كما في الولوالجية وفي القنية ويصير مراجعا بوقوع بصره على فرجها بشهوة من غير قصد المراجعة ا ه وفي المحيط ويكره التقبيل واللمس بغير شهوة إذا لم يرد الرجعة اه قوله (ولو منها اختلاسا) خلست الشئ خلسا من باب ضرب اختطفته بسرعة على غفلة واختلسته كذلك مصباح قال في البحر ولا فرق بين كون التقبيل والمس والنظر بشهوة منه أو بشرط أن يصدقها سواء كان بتمكينه أو فعلته اختلاسا أو كان نائما أو مكرها أو معتوها أما إذا ادعته وأنكره لا تثبت الرجعة الا قوله (إن صدقها الخ) قال في الفتح هذا إذا صدقها الزوج في الشهوة فإن أنكر لا تثبت الرجعة وكذا إن مات فصدقها الورثة ولا يتقبل البينة على الشهوة لأنها غيب كذا في الخلاصة ا ه قلت لكن مر في محرمات النكاح متنا وشرحا وإن ادعت الشهوة في تقبيله أو تقبيلها ابنه وأنكرها الرجل فهو مصدق لا هي إلا أن يقوم إليها منتشرة آلته فيعانقها لقرينة كذبه أو يأخذ ثديها أو يركب معها أو يمسها على الفرج أو يقبلها على الفم ا ه ومقتضاه أنها لو مست فرجه أو قبلته على الفم أن تصدق وإن كذبها وأنه تقبل البينة على الشهوة لأنها مما تعرف بالآثار كما صرح به هناك ويأتي تمامه فتأمل قوله (ورجعة المجنون بالفعل) أي إذا طلق رجعيا ثم جن قال في الفتح ورجعة المجنون بالفعل ولا تصح بالقول وقيل بالعكس وقيل بهما ا ه وظاهره ترجيح
الأول واقتصر عليه البزازي قال في البحر ولعله الراجح لما عرف أنه مؤاخذ بأفعاله دون أقواله وعلله في الصيرفية بأن الرضا ليس بشرط ولهذا لو أكره على الرجعة بالفعل يصح ا ه قوله (وتصح بتزوجها) الأولى حذف تصح لأن قول المصنف ويتزوجها معطوف على قوله بكل المتعلق بقوله استدامة قوله (به يفتى) قال في البحر وهو ظاهر الرواية كذا في البدائع وهو المختار كذا في الولوالجية وعليه الفتوى كذا في الينابيع فقول الشارحين إنه ليس برجعة عنده خلافا لمحمد على غير ظاهر الرواية كما لا يخفى فعلم أن لفظ النكاح يستعار للرجعة ولا تستعار هي له ا ه ملخصا قلت وفيه أنه صرح نفسه في النكاح بأنه ينعقد بقوله لمبانته راجعتك بكذا فافهم إلا أن يجاب بأن مراده في نكاح الأجنبية قوله (على المعتمد) لأن عليه الفتوى كما في الفتح والبحر قوله (لأنه لا خلو عن مس بشهوة) المعتبر هنا المس بالشهوة بخلاف المصاهرة لأنه يعتبر فيها زيادة على ذلك شهوة تكون سببا للولد ولذا لم يوجبها ذلك الوطء كما لو أنزل بعد المس ولذا(3/438)
لم يشرط أحد هنا عدم الإنزال بالمس ونحوه قوله (إن لم يطلق بائنا) هذا بيان لشرط الرجعة غنم ولها شروط خمس تعلم بالتأمل شرنبلالية قلت هي أن لا يكون الطلاق ثلاثا في الحرة أو اثنتين في الأمة ولا واحدة مقترنة بعوض مالى ولا بصفة تنبئ عن البينونة كطويلة أو شديدة ولا مشبهة كطلقة مثل الجبل ولا كناية يقع بها بائن ولا يخفى أن الشرط واحد هو كون الطلاق رجعيا وهذه شروط كونه رجعيا متى فقد منها شرط كان بائنا كما أوضحناه أول كتاب الطلاق وقد استغنى عنها المصنف بقوله إن لم يطلق بائنا وهو أولى من قول الكنز إن لم يطلق ثلاثا لكن قال الخير الرملي لا حاجة إلى هذا مع قوله استدامة الملك القائم في العدة لأن البائن ليس فيه ملك من كل وجه والكلام في الرجعي لا في البائن فقد غفل أكثرهم في هذا المحل ا ه لكن لا يخفي أن المساهلة في العبارة لزيادة الإيضاح لا بأس بها في مقام الأفادة
تنبيه شرط كون الثنتين في الأمة كالثلاث في الحرة أن لا يكون رقها ثابتا بإقرارها بعدهما ففي النهر عن الخانية لو كان اللقيط امرأة أقرت بالرق لآخر بعد ما طلقها ثنتين كان له الرجعة ولو بعد ما طلقها واحدت لا يملكها والفرق أنها بإقرارها في الأول تبطل حقا ثابتا له وهو الرجعة بخلافه في الثاني إذ لم يثبت له حق البتة ا ه قوله (فلا) أي فلا رجعة قوله (وإن أبت) أي سواء رضيت بعد علمها أو أبت وكذا لو تعلم بها أصلا وما في العناية من إنه يشترط إعلام الغائبة بها فسهو لما استقر من أن إعلامها إنما هو مندوب فقط نهر قوله (وإن قال) كذا في بعض النسخ وفي بعضها قالت بتاء المؤنثة والظاهر أنها تحريف قوله (فله الرجعة) لأنه حكم أثبته الشارع غير مقيد برضاها ولا يسقط بالإسقاط كالميراث وقد جعل الشارح إن الوصلية من كلام المصنف شرطية وجعل قوله فله الرجعة جوابها ط ويجوز إبقاؤها وصلية ويكون قوله فله الرجعة تفريعا على ما فهم مما قبله وتصريحا به ليرتب عليه ما بعده قوله (بلا عوض) قد تقدم وكأنه أعاده تمهيدا لما بعده رحمتي قوله (قولان) أي قيل نعم إن قبلت وقيل لا كما قدمناه ووجه الثاني ما في الجوهرة من أن الطلاق الرجعي لا يزيل الملك والعوض لا يجب على الإنسان في مقابلة ملكه ا ه قوله (ويتعجل المؤجل بالرجعي) أي لو طلقها رجعيا صار ما كان مؤجلا بذمته من المهر حالا فتطالبه به في الحال ولو قبل انقضاء العدة ولا يعود مؤجلا إذا راجعها في العدة قال في البحر من باب المهر يعني إذا كان التأجيل إلى الطلاق أما إذا كان إلى مدة معينة فلا يتعجل بالطلاق ا ه قوله (وفي الصيرفية الخ) قال في البحر من باب المهر وذكر قولين في الفتاوي الصيرفية في كونه يتعجل المؤجل بالطلاق الرجعي مطلقا أو إلى انفضاء العدة وجزم في القنية بأنه لا يحل إلى انقضاء العدة قال وهو قول عامة مشايخنا ا ه أي لأن العادة تأجيله إلى طلاق يزيل الملك أو إلى الموت والرجعي لا يزيل إلا بعد مضي العدة فلا يصير حالا قبلها وقد ظهر لك بما نقلناه أن ما في الخلاصه أحد القولين وأنه ليس في كلام الصيرفية الذي(3/439)
اقتصر عليه الشارح ما يفيد حلوله بالمراجعة وإن بطلت العدة بها لأن القول بحلوله بانقضاء العدة
بسبب حصوله الفرقة وزوال الملك كما قلنا لا بسبب زوال العدة ومع المراجعة لا يوجد انقضاء العدة المشروط لحلوله لأن فائدة هذا الشرط عدم حلوله بالمراجعة لا حلوله بها فافهم قوله (لئلا تنكح غيره) أولى من قوله الهداية لئلا أنكر في المعصية إذا لا معصية فيه مع عدم علمها بالرجعة وإن أجيب بأن المعصية لتقصيرها بترك السؤال لما فيه من إيجاب السؤال عليها وإثبات المعصية بالعمل بما ظهر عندها وتمامه في الفتح قوله (فرق بينهما) أي إذا ثبتت المراجعة بالبينة قوله وإن دخل أي الزوج الثاني وقوله في الفتح دخل بها الأول أو لا لعله من تحريف النساخ أو سبق قلم إذ لا رجعة مع عدم دخول الأول كما لا يخفى قوله (وندب الإشهاد) احترازا عن التجاحد وعن الوقوع في مواقع التهم لأن الناس عرفوه مطلقا فيتهم بالقعود معها وإن لم يشهد صح والأمر في قوله تعالى * (وأشهدوا ذوي عدل) * (الطلاق 2) للندب زيلعي قوله (ولو بعد الرجعة بالفعل) لما في البحر عن الحاوي القدسي وإذا راجعها بقبلة أو لمس فالأفضل أن يراجعها بالاشهاد ثانيا ا ه أي الإشهاد على القول فلا يشهد على الوطء والمس والنظر بشهوة لأنه لا علم للشاهد بها كما أشير إليه في الظهيرية در منتقى قال في البحر وأشار المصنف إلى أن الرجعة على ضربين سني وبدعي فالسني أن يراجعها بالقول ويشهد على رجعتها ويعلمها ولو راجعها بالقول ولم يشهد أو أشهد ولم يعلمها كان مخالفا للسنة كما في شرح الطحاوي ا ه قلت وكذا لو راجعها بالفعل ولم يشهد ثانيا قال الرحمتي والبدعي هنا خلاف المندوب وفي الطلاق مكروه تحريما قوله (بلا إذنها) حقه أن يقول بلا إيذانها أي إعلامها إذ لا يكره دخوله إذا لم تأذن له بحال الكنز حتى يؤذنها قال في البحر أي يعلمها بدخوله إما بخفق النعل أو بالتنحنح أو بالنداء ونحو ذلك قوله (وإن قصد رجعتها) خلافا لما في الهداية وغيرا من التقييد بعدم قصدها ولذا قال في البحر أطلقه فشمل ما إذا قصد رجعتها أو لا فإن كان الأول فإنه لا يأمن أن يرى الفرج بشهوة فتكون رجعة بالفعل من غير إشهاد وهو مكروه من جهتين كما قدمناه وإن كان الثاني فإنه ربما يؤدي إلى تطويل العدة عليها بأن يصير مراجعا بالنظر من غير قصد ثم يطلقها وذلك إضرار بها ا ه وقوله وهو مكروه من جهتين أي
لكونها رجعة بالفعل بدون إشهاد والكراهة تنزيهية فيهما كما علمت وبه اندفع ما في الشرنبلالية قوله (ادعاها) أي الرجعة بعد العدة فيها أي في العدة والظرف متعلق بادعى والجار والمجرور متعلق بالضمير العائد على الرجعة أي ادعى بعد العده الرجعة في العدة فهو على حد قول الشاعر وما هو عنها بالحديث لمرجم(3/440)
أي وما الحديث عنها قوله (صح بالمصادقة) لأن النكاح يثبت بتصادقهما فالرجعة أولى بحر وظاهره ولو كانا كاذبين ولا يخفى أن هذا حكم القضاء أما الديانة فعلى ما في نفس الأمر قوله (وإلا لا يصح) أي ما ادعاه من الرجعة لأنه أخبر عن شئ لا يملك إنشاءه في الحال وهي تنكره فكان القول بلا يمين لما عرف في الاشياء الستة بحر أي الأتية في كتاب الدعوى حيث قال المصنف هناك ولا تحليف في نكاح ورجعة وفي الإيلاء واستيلاد ورق ونسب وولاء وحد ولعان والفتوى على أنه يحلف في الأشياء السبعة اه اي السبعة الأولى وهذا قولهما أما الأخيران فلا تحليف اتفاقا قوله (ولذا) أي لكونه لا يقبل قوله إذا لم تصدقه لو أقام ببينة تقبل لأنه إذا كان القول لها تكون البينة عليه لأن البينة لإثبات خلاف الظاهر وفي نسخة وكذا بالكاف وكلاهما صحيحيتان فافهم قوله (وتقدم الخ) أي في فصل المحرمات ح حيث قال وتقبل الشهادة على الاقرار باللمس والتقبيل عن شهوة وكذا تقبل على نفس اللمس والتقبيل والنظر إلى ذكره أو فرجها عن شهوة في المختار تجنيس لأن الشهوة ربما يوقف عليها في الجملة بانتشار أو آثار ا ه وقدمنا قريبا أن القول لمدعى الشهوة في المعانقة مع الانتشار والمس للفرج والتقبيل على الفم وهو مؤيد لقبول الشهادة بالشهوة قوله (وهذا من أعجب المسائل الخ) نقلوا ذلك عن مبسوط الإمام السرخسي أي لأنه إذا قيل لك رجل أقر بشئ في الحال فلم يثبت إقراره ولو برهن على أنه أقر به في الماضي يثبت فإنك تتعجب من ذلك لأن إقراره في الحال ثابت بالمعاينة وهو أقوى من الثابت بالبينة لاحتمال أن البينة كاذبة ولذلك لو ادعى على آخر بمال وبرهن عليه ثم أقر المدعى
عليه بطلت البينة لأن الإقرار أقوى وهنا عكسوا ذلك ووجهه أن إقراره في الحال بأنه أقر في العدة مجرد دعوى فلا تثبت بلا بينة وإذا ظهر السبب بطل العجب فإطلاق الاعتراض عليهم بأنه لا عجب ناشئ عن سوء الأدب فافهم قوله (لملكه الإنشاء في الحال الخ) أي ومن ملك الإنشاء ملك الإخبار كالوصي والمولى والوكيل بالبيع ومن له خيار بحر عن تلخيص الجامع قوله (يريد الإنشاء) أما إذا أراد الإخبار فيرجع إلى تصديقها ط قوله (فقالت مجيبة له) أشار إلى أنها قالته موصولا كما يأتي محترزة وإلى أن الزوج بدأ فلو بدأت فقالت انقضت عدتي فقال الزوج راجعتك فالقول لها اتفاقا وفي الفتح لو وقع الكلامان معا ينبغي أن لا تثبت الرجعة نهر قوله (فإنها لا تصح الخ) لا يخفى أن هذا مقيد بما إذا كانت المدة تحتمل الانقضاء وإلا تثبت الرجعة إلا أن ادعت أنها ولدت وثبت ذلك وعندهما تصح لأنه إنشاء حال قيام العدة ظاهرا وأبو حنيفة يمنع قيامها حال كلامه لأنه أمينة في الإخبار وأقرب زمان يحال عليه خبرها زمان تكلمه فتكون الرجعة مقارنة لانقضاء العدة قلا تصح وتمامه في الفتح قوله (صحت اتفاقا) لأنها متهمة بسبب سكوتها وعدم(3/441)
جوابها على الفور فتح قوله (كما لو نكات الخ) قال في الفتح وتستحلف المرأة هنا بالإجماع على أن عدتها كانت منقضية حال إخبارها والفرق لأبي حنيفة بين هذه وبين الرجعة حيث لا تستحلف عنده أنه لم يراجعها في العدة أن إلزام اليمين لفائدة النكول وهو بذل عنده وبذل الرجعة وغيرها من الاشياء الستة لا يجوز والعدة هي الامتناع عن التزوج والاحتباس في منزل الزوج وبذله جائز ثم إذا نكلت هنا تثبت الرجعة بناء على ثبوت العدة لنكولها ضرورة كثبوت النسب بشهادة القابلة بناء على شهادتها بالولادة ا ه لكن ما ذكره من الإجماع تبعا ل الزيلعي وشرح المجمع اعترضه في البحر بأن مذهبهما صحة الرجعة هنا فلا يتصور الاستحلاف عندهما ولذا اقتصر على الاستحلاف عنده في البدائع وغيرها قوله (عن مضي العدة) الأولى على مضي العدة لأنه متعلق باليمين ط قوله (فصدقه السيد وكذبته) قيد به لأنهما لو صدقاه تثبت الرجعة اتفاقا ولو كذباه لا تثبت اتفاقا ط عن النهر قوله (ولا بينة) فلو أقامها تثبت
الرجعة نهر قوله (فالقول لها عند الإمام) وقالا القول للمولى لأنه أقر بما هو خالص حقه فيقبل كما لو أقر عليها بالنكاح وله أن حكم الرجعة من الصحة عدمها مبني على العدة من قيامها وانقضائها وهي أمينة فيها مصدقة بالإخبار بالانقضاء والبقاء لا قول للمولى فيها أصلا وإنما قيل قوله في النكاح لانفراده به بخلاف الرجعة نهر قوله (على الصحيح) أي عند الكل قال في الفتح إن القول للمولى بالاتفاق وقوله على الصحيح احتراز عما في الينابيع أنه على الخلاف أيضا ا ه قوله (بظهور الخ) قال في النهر والفرق للإمام بين هذا وما مر أنها منقضية العدة في الحال ويستلزم ظهور ملك المولى المتعة فلا يقبل قولها في إبطاله بخلاف ما مر لأن المولى بالتصديق في الرجعة مقر بقيام العدة فلم يظهر ملكه مع العدة ليقبل قوله ا ه قال في البحر فالحاصل أنه لا فرق في الحكم بين المسألتين وهو عدم صحة الرجعة وإن اختلف التصوير قوله (ثم إنما تعتبر المدة) يعني أن في المسائل التي يقبل فيها قوله انقضت عدتي لا بد من كون المدة تحتمل ذلك ثم إنما يشترط احتمال المدة ذلك إذا كانت العدة بالحيض فلو كانت العدة بوضع الحمل ولو سقطا مستبين الخلق فلا تشترط مدة ا ه ح وسيأتي آخر الباب بيان المدة قوله (يعم الأمة) لأن عدتها حيضتان والأخير يشتمل الثانية فهو أولى من قول الهداية من الحيضة الثالثة قوله (لعشرة) علة لطهرت أي لأجل تمامه سواء انقطع الدم أو لا نهر لكن إذا لم ينقطع على العشر غنم عادة انقطعت الرجعة من حين انتهاء عادتها كما في الدر المنتقى عن الزيلعي وغيره(3/442)
قوله (مطلقا) يفسر ما بعده ويحتمل أن يكون المراد به انقطع الدم أو لا فهو إشارة ما ذكرناه آنفا عن النهر قوله (احتياطا) راجع للكل لأن سؤر الحمار مشكوك في طهوريته فإذا اغتسلت به مع وجود الماء المطلق فالاحتياط انقطاع الرجعة لاحتمال تطهيره وعدم الصلاة والتزوج لاحتمال عدمه قوله (أو بمضي جميع وقت صلاة) المراد خروج الوقت بتمامه سواء كان الانقطاع قبله في وقت مهمل كوقت الشروق أو في أوله أو في أثنائه احتراز عن مضي زمن منه يسع الصلاة فإنه لا يعتبر ما لم يخرج الوقت بتمامه لأن المراد أن تصير الصلاة دينا في ذمتها ولهذا لو طهرت في آخر الوقت
بحيث لم يبق منه ما يسع الغسل والتحريمة لا تنقطع الرجعة ما لم يخرج الوقت الذي بعده لأنها بخروج الوقت الأول لم تصر الصلاة دينا بذمتها لعدم قدرتها فيه على الأداء فافهم قوله (ولو عاودها الخ) قال في البحر وإنما شرط في الأقل أحد الشيئين لأنه لما احتمل عود الدم لبقاء المدة فلا بد من أن يتقوى الانقطاع بحقيقة الاغتسال أو بلزوم شئ من أحكام الطاهرات فخرجت الكتابية لأنه لا يتوقع في حقها إمارة زائدة فاكتفي بالانقطاع كذا ذكره الشارحون وظاهره أن القاطع للرجعة الانقطاع لكن لما كان غير محقق اشترط معه ما يحققه فأفاد أنها لو اغتسلت ثم عاد الدم ولم يجاوز العشرة كان له الرجعة وتبين أن الرجعة لم تنقطع بالغسل ولو تزوجت بعد الانقطاع للأقل قبل الغسل ومضي الوقت تبين صحة النكاح هكذا أفاده في فتح القدير بحثا وهو وإن خالف ظاهر المتون لكن المعنى يساعده والقواعد لا تأباه ا ه أي لأن عبارة المتون تفيد أن القاطع للرجعة هو الاغتسال أو مضي الوقت لا نفس الانقطاع أي انقطاع الدم فلو انقطع ثم اغتسلت أو مضى الوقت ثم راجعها أو تزوجت ثم عاد الدم ولم يجاوز العشرة فظاهر المتون صحة التزوج دون المراجعة ولو انقطع ولم يعاودها فتزوجت بآخر قبل الاغتسال مضى الوقت لم يصح التزوج وبقيت الرجعة ولا شك أن هذا خلاف ما بحثه في الفتح خلافا لما فهمه في النهر وقد يقال إن مرادهم بالانقطاع لما دون العشرة الانقطاع حقيقة بأن لا يكون معه معاودة لأنه إذا عاودها ولم يجاوز العشرة تبين أن غسلها لم يصح وإن الصلاة لم تصر دينا بذمتها فبقيت الرجعة ولم تصح تزوجها لكن تبقى المخالفة فيما لو راجعها أو تزوجت قبل الغسل ومضي وقت الصلاة ولم يعاودها الدم أصلا فإن مقتضى المتون صحة الرجعة دون التزوج وهذا لا يحتمل التأويل فمخالفته بمجرد البحث غير مقبوله وإذا كان الانقطاع هو نفسه للرجعة فلا بعد في أن يكون مشروطا بشرط يقويه وهو حكم الشرع عليها بأخذ أحكام الطاهرات لأنها إذا اغتسلت يجوز لها الشرع القراءة والطواف ونحوهما وكذا إذا حكم عليها بصيرورة الصلاة دينا بذمتها فإن القياس بقاء حيضها ما دامت مدة يعود فيها الدم فإذا حكم الشرع عليها بشئ من أحكام الطاهرات يكون حكما منه بارتفاع الحيض ما لم يتيقن عدمه بالعود في المدة فإذا عاد زال الحكم المذكور وإلا بقي
وحينئذ فلا يعمل الانقطاع عمله من انقطاع الرجعة وصحة التزوج إلا بهذا الشرط وهو الحكم المذكور المستمر فإذا زال بعود الدم بطل عمله وإن بقي الحكم بقي العمل وعن هذا والله تعالى أعلم اقتصر الشارح على بعض البحث المذكور الذي يمكن حمل كلامهم عليه وترك منه ما لا(3/443)
يمكن قوله (في الأصح) نقل تصحيحه في الفتح عن المبسوط وكذا في التبيين وشرح المجمع لكن نقل في الجوهرة عن الفتاوي تصحيح انقطاعها بمجرد الشروع ولو مست المصحف أو قرأت القرآن أو دخلت المسجد قال الكرخي تنقطع وقال الرازي لا كذا في الفتح شرنبلالية قال في النهر وتقييد المصنف بالصلاة يومئ إلى اختيار قول الرازي وهذا عندهما وقال محمد تنقطع بمجرد التيمم وهو القياس لأنه طهارة مطلقة ورجحه في الفتح وأقره في البحر والنهر قوله (بمجرد الانقطاع) أي بلا توقف على غسل أو مضي وقت أو تيمم كما قدمناه عن البحر لعدم خطابها بالأداء حالة الكفر قوله (قلت ومفاده) البحث لصاحب النهر قوله (ونسيت أقل من عضو) كالأصبع والأصبعين وبعض العضد والساعد بحر والمراد بالنسيان الشك لأن المراد أنها وجدت بعض العضو جافا ولم تدر هل أصابه ماء أو لا بقرينة ما بعده أفاده الرحمتي وط قوله (تنقطع) أي الرجعة وقيد به لأنه لا يحل لزوجها قربانها ولا يحل تزوجها بآخر ما لم تغسل تلك اللمعة أو يمضي عليها أدنى وقت صلاة مع القدرة على الاغتسال بحر عن الإسبيجابي أي احتياطا في أمر الفروج نهر فلذا لم يعتبروا هنا ما اعتبروه في الطهارة من أنه إذا شك قبل الفراغ غسل ما شك فيه ولو بعده لا يعتبر فافهم قوله (لتسارع الجفاف) ظاهره أن الحكم المذكور فيما إذا حصل الشك قبل ذهاب البلة فلو شكت بعد مدة طويلة ذهبت فيها البلة فالظاهر عدم اعتباره سواء حصل الشك في عضو تام أو أقل لعدم ظهور العلة هنا تأمل قوله (ولو نسيت عضوا) كاليد والرجل بحر قوله (لأنهما عضو واحد) أي بمنزلته وكل واحد بانفراده بمنزلة ما دون العضو وهذا قول محمد ورواية عن أبي يوسف وفي رواية عنه أن ترك كل بانفراده كترك عضو وأشار إلى تصحيح الأول في الملتقى حيث قدمه وفي الهداية حيث أخره مع تعليله بأن في فرضيته اختلافا بخلاف
غيره من الاعضاء قوله (طلق حاملا) أي من ظهر كونها حاملا وقت الطلاق بولادتها لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق قوله (فراجعها قبل الوضع) هذا زاده المصنف تبعا لصدر خالف كما يأتي لأنه بعد الوضع لا مراجعة قوله (فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح) كذا في أكثر النسخ وفي بعضها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق ولستة أشهر فصاعدا من وقت النكاح وهذه هي الصواب لأنه بذلك يعلم أن الولد علق بعد النكاح قبل الطلاق قوله (صحت رجعته السابقة) أي المذكورة في قوله فراجعها قبل الوضع أي ظهر بهذه الولادة أن(3/444)
تلك الرجعة كانت صحيحة وإن كان مقتضى إنكاره الوطء أنها لا تصح لأنها على زعمه قبل الدخول والمطلقة لا رجعة لها لكن لما ثبت نسبه منه صار مكذبا شرعا فصحت رجعته مطلب فيما قيل إن لحبل لا يثبت إلا بالولادة قوله (وتوقف ظهور صحتها الخ) اعلم أنه قال في الوقاية طلق ذات حمل أو ولد وقال لم أطأ راجع ا ه ومثله في الكنز والهداية وغيرهما واعترضهم المحقق صدر خالف بأن ذات الحمل فيها إشكال وذلك أن وجود الحمل وقت الطلاق أنما يعرف إذا ولدته لأقل من ستة أشهر من وقته وإذا ولدت انقضت العدة فكيف يملك الرجعة ولا يرد انه يملك الرجعد قبل وضع الحمل أي بأن يحكم بصحتها قبله لأنه لما أنكر الوطء لم يكن مكذبا شرعا إلا بعد الولادة لأقل من ستة أشهر لا قبلها فالصواب أن يقال ومن طلق حاملا منكرا وطأها فراجعها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر صحت الرجعة ا ه ملخصا وقد تبعه المصنف في متنه كما رأيت وقد أشار الشارح إلى الجواب عن الوقاية بأن قوله راجع معناه أنه لو راجع قبل الولادة وصحت رجعته متوقفة على الولادة لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق وتوقف ظهور صحتها على الولادة لا ينافي صحتها لكن لا يخفى ما في ذلك من البعد لكن انتصر في البحر للمشايخ ورد قول صدر خالف أن وجود الحمل الخ بأن الحمل يثبت قبل الوضع ويثبت
به النسب لما صرحوا به باب خيار عقب أن حمل الجارية المبيعة يثبت بظهوره قبل الوضع وفي باب ثبوت النسب أنه يثبت بالحبل الظاهر ا ه أي وإذا كان الحمل يثبت قبل الولادة يمكن الحكم بصحة الرجعة قبلها ورده أيضا يعقوب باشا في حواشيه عليه من وجهين أحدهما ما مر عن البحر والثاني أنه سيجئ في المسألة الآتية أنه لو راجعها ثم ولدته لأقل من عامين ثبت نسبه قال فعلم أن الحمل يعرف بالولادة لأكثر من ستة أشهر ا ه وأقره في النهر أقول قد أجاب عن الوجه الأول العلامة المقدسي حيث قال إن كلام صدر خالف تحقيق بالقبول حقيق وقول من رده بأن الحمل يثبت قبل الوضع ويثبت النسب به قبله مردود أما ما استدل به في باب خيار عقب فرواية ضعيفة عن محمد أنه يرد بشهادة المرأة بالعيب وعن أبي يوسف روايتان أظهرهما أنه إنما يقبل قولها للخصومة لا للرد وأما ما في باب ثبوت النسب من قولهم الحبل الظاهر فإنما يثبت النسب بالفراش والولادة بقول المرأة والخلاف هناك معروف أن أبا حنيفة يقول إذا جحد الزوج ولادة المعتدة لا تثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين إلا أن يكون الحبل ظاهرا فيثبت معه شهادة المرأة وهي القابلة فليس في هذا أن الحبل يثبت وإنما ظهوره يؤيد شهادة المرأة وأما ثبوته فمتوقف على الولادة كما نص عليه في المبسوط فيما لو قال إن حبلت(3/445)
فطالق فقال لو وطئها مرة فالأفضل أن لا يقر بها ثم قال إن أتت بولد بعد قوله المذكور لأكثر من سنتين يقع الطلاق وتنقضي العدة بالولد فلم يثبته إلا بالولادة على الوجه المخصوص وظهوره لا يسمى ثبوتا ولا يترتب عليه ما يتوقف على الثبوت ا ه قلت وفيه نظر فإن الذي حرره الزيلعي هناك أن الولادة تثبت بقول المرأة ولدت إذا كان هناك حبل ظاهر أو فراش قائم أو اعتراف من الزوج بظهور الحبل حتى لو علق طلاقها بولادتها يقع بقولها ولدت عند أبي حنيفة وشهادة القابلة شرط عنده لتعيين الولد وعندهما لا تثبت الولادة إلا بشهادة القابلة فقد ظهر أن الولادة تثبت بظهور الحبل عنده وقد قال العلامة قاسم هناك إن
المراد بظهوره أن تظهر أماراته بحيث يغلب ظن كل من شاهدها بكونها حاملا نعم يعتبر ظهوره حيث لم يعارضه غيره كما في مسألتنا فإن إقراره بأنه لم يطأ ينافي صحة رجعته ما لم يظهر كذبه بأن تلد لدون ستة أشهر ونظيره ما لو أخبرت المعتدة بانقضاء عدتها ثم ادعت الحبل فإنهم لم ينظروا إلى ظهور الحبل وإنما نظروا إلى ولادتها فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الإخبار ثبت النسب للتيقن بكذبها ولو لأكثر فلا للتناقض فلم ينظروا إلى ظهور الحبل عند التناقض وإنما تظروا إلى ما يظهر به كذب الإخبار الأول يقينا فهذا مؤيد لما قاله صدر خالف وأما الجواب عن الوجه الثاني فهو أن الطلاق في المسألة الآتية مفروض بعد إقراره بالخلوة بها والطلاق بعد الخلوة موجب العدة ومعتدة الرجعي إذا لم تقر بانقضاء عدتها وجاءت بولد ثبت نسبه لكن أن ولدته لأكثر من سنتين كانت الولادة رجعة وإلا لا لجواز علوقه قبل الطلاق كما سيأتي في العدة فإذا ثبت نسبه وكان قد راجعها بالقول مثلا تبين صحة تلك الرجعة بالولادة لأقل من عامين أما في مسألتنا فأنه لم يقر بالخلوة لتلزمها العدة فإذا طلقها يكون طلاقا قبل الدخول ظاهرا فلا عدة عليها فإذا ولدت لأقل من ستة أشهر عن وقت الطلاق تبين أن الطلاق كان بعد الدخول وأنها معتدة فإذا كان قد راجعها قبل الولادة تبين صحة الرجعة لأنها في العدة بخلاف ما إذا ولدت بعد ستة أشهر من وقت الطلاق فأنه لا يعلم أن الرجعة كانت في العدة ولا يثبت نسب الولد لما صرحوا به من أن الاصل أن كل امرأة لم تجب عليها العدة فإن نسب ولدها لا يثبت من الزوج إلا إذا علم يقينا أنه منه بأن تجئ به لأقل من ستة أشهر وبه ظهر أنه لا فرق بين المسألتين في توقف صحة الرجعة على الولادة وثبوت النسب وأن النسب لا يثبت في مسألتنا إلا بالولادة لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق للعلم بأنها علقت به قبل الطلاق وأنها معتدة بخلاف المسألة الآتية لأنها مفروضة في المختلي بها الواجب عليها العدة فنصح رجعتها وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر فاغتنم تحرير هذا المقام الذي زلت فيه أقدام الأفهام والسلام فافهم قوله (من ولدت قبل الطلاق) أي إذ جاءت به لستة أشهر فأكثر من وقت النكاح قوله (حيث لم يتعلق بإقراره حق الغير) قال في البحر ولا يرد
ما أورده في الكافي بأن من أقر بعبد لآخر ثم اشتراه ثم استحق منه ثم وصل إليه فإنه يؤمر بالتسليم إلى المقر له وإن صار مكذبا شرعا لكونه تعلق بإقراره حق الغير بخلاف مسألة الرجعة ا ه ح(3/446)
قوله (لأن الشرع لم يكذبه) لأنه لا يملك الرجعة إلا في عدة الدخول أي الوطء لا في عدة الخلوة وهو قد أنكر الوطء فيصدق في حق نفسه والرجعة حقه ولم يكذبه الشرع فيه بخلاف ما مر وما يأتي فإنه بثبوت النسب صار مكذبا شرعا ولا يرد أنه بالخلوة يتأكد المهر وتجب العدة لأن تأكد المهر يبتنى على تسليم المبدل والعدة تجب احتياطا لاحتمال الوطء ولا يلزم من ذلك إثبات الوطء فلم يكن مكذبا شرعا بإنكاره كذا يفاد من البحر قوله (فله الرجعة) لأن الظاهر شاهد له فإن الخلوة دلالة الدخول بحر قوله (والمسألة بحالها) يعني اختلى بها وأنكر وطأها قوله (صحت رجعته) أي ظهر صحتها قوله (لصيرورته مكذبا) أي في قوله لم أجامعها لأنه بثبوت النسب نزل واطئا قبل الطلاق لا بعده وإن أنكر لأن تكذيبه أولى من حمله على الزنا نهر وقدمنا تحقيق المسألة قوله (فاعتدت) أي دخلت في العدة وهو معنى قول البحر ووجبت العدة وليس معناه مضت عدتها حتى يقال إن الصواب حذفه فافهم قوله (ببطنين) حال من مفعول ولدت الأول وولدت الثاني لا متعلق بولدت قوله (يعني بعد ستة أشهر) تفسير لقوله ببطنين لأنه لو كان بين الولادتين أقل من ذلك تعين كون الثاني موجودا قبل ولادة الأول فيكون قد اجتمعا في بطن فلا تكون ولادة الثاني رجعة لأنه علق قبل الطلاق يقينا قوله (فهو رجعة) أي الوطء الذي كان الولد منه رجعة وأسندها إليه لأن الوطء لم يعلم إلا به قوله (بوطء حادث) أي بعد الطلاق في العدة فيصير به مراجعا حملا لحالهما على الصلاح حيث لم تقر بانقضاء العدة كما إذا طلقها رجعيا فولدت لأكثر من سنتين فإنه يكون بوطء حادث البتة بخلاف ما إذا ولدته لأقل من سنتين فإنه لا يكون رجعة لاحتمال علوقه قبل الطلاق كما قدمناه وهذا الاحتمال ساقط هنا لأنهما متى كانا من بطنين كان الثاني من وطء حادث بعد الطلاق البتة كما ذكره في الفتح وبه اندفع ما في شرح مسكين من دعوى المخالفة قوله (بخلاف الخ)
قد علمت وجهه آنفا قوله (ثلاث بطون) بأن كان بين كل ولادتين ستة أشهر فأكثر قوله (كما مر) أي من جعل العلوق بوطء حادث في العدة(3/447)
لا يقال فيه الحكم عليه بالوطء في النفاس وهو حرام لأن النفاس ليس لأقله عدد ويجوز أن لا ترى دما أصلا نهر قوله (ثلاثا) الأولى أن يقول ثالثا ليوافق قوله ثانيا قوله (وأشار بكلما) علة لقوله وتطلق في الموضعين أي فإن كلما تقتضي التكرار لأنها لعموم الأفعال قوله (فبالأشهر) أي فتعتد بالأشهر ويبطل ما مضى من الحيض إن وجد منه شئ ط قوله (ولو كانوا ببطن) بأن يكون بين كل اثنين أقل من ستة أشهر قوله (لانقضاء العدة به) فيكون قت الشرط وهو الولادة قارن وقت انقضاء العدة فلا يقع به شئ قال في الدر المنتقى إلا أن تجئ برابع أي فتطلق بالثالث ولو لم تلد الثالث لا تطلق بالثاني ولو كان الأولان في بطن والثالث في بطن أنكر واحد بالأول وتنقضي العدة بالثاني ولا يقع شئ بالثالث ولو كان الأول في بطن والثاني والثالث في بطن أنكر ثنتان بالأول والثاني وتنقضي العدة بالثالث فلا يقع شئ بحر عن الفتح ا ه قوله (والمطلقة الرجعية تتزين) لأنها حلال للزوج لقيام نكاحها والرجعة مستحبة والتزين حامل عليها فيكون مشروعا بحر قوله (ويحرم ذلك في البائن والوفاة) أما في البائن فلحرمة النظر إليها وعدم مشروعية الرجعة وأما في الوفاة فلوجوب الإحداد أفاده في البحر قوله (لفقد العلة) وهي الحلم على المراجعة ط قوله (وإلا) بأن كانت تعلم أنه لا يراجعها لشدة بغضها بحر قوله (ذكره مسكين) أي ذكر قوله إذا كانت الرجعة مرجوة الخ أقره في البحر وغيره قوله (للنهي المطلق) أي في قوله تعالى * (لا تخرجوهن من بيوتهن) * (الطلاق 1) نزل في المطلقة رجعية والنهي عن الإخراج مطلق شامل لما دون سفر قوله (ما لم يشهد على رجعتها) لعل الأولى ما لم يراجعها لأن الإشهاد مندوب فقط ط أي فلا يحسن جعل الإشهاد غاية لحرمة الإخراج لأنها تنتهي بالرجعة مطلقا وذكر في الفتح أن مقتضى ما في الهداية قصر كراهة المسافر والخلوة أيضا عند عدم قصد المراجعة على تقدير ما إذا لم يراجعها بعد ذلك في العدة لأنه تبين أنها لم تكن أجنبية
لأن الطلاق لم يعمل عمله والأجه تحريم السفر مطلقا لإطلاق النص في منعه دون الخلوة لعدم النص فيها ا ه ملخصا فافهم قوله (فتبطل العدة) أي فإن أشهد فتبطل قوله (وهذا الخ) الإشارة إلى ما فهم من قوله ما لم يشهد من أن الإخراج ليس رجعة ففي البحر أن المراد إن كان يصرح بعدم رجعتها أما إذا سكت كانت المسافرة رجعة دلالة كما أشار إليه في الفتح وشرح الجامع الصغير للقاضي وفتاويه والبدائع وغاية البيان معللين بأن السفر دلالة الرجعة فانتفى به ما ذكره الزيلعي من أن السفر ليس دلالة الرجعة ا ه قوله (فتح بحثا) فيه أنه ليس في كلام الفتح ما يفيد أنه بحث منه كيف وهو مشار إليه في الكتب السابقة بحال الفتح ولحرمتها أي المسافرة بهذا النص لم تكن رجعة قيل ولا دلالتها أي ولا تكون دلالة الرجعة لأن الكلام فيمن يصرح بعدم رجعتها(3/448)
وأورد عليه أن التقبيل بشهوة ونحوه يكون نفسه رجعة وإن نادى على نفسه بعدم الرجعة وجوابه الفرق بالحل والحرمة ا ه أي فإن التقبيل حلال فيكون رجعة والمسافرة حرام فلا تكون رجعة ولا دلالة عليها مع التصريح بعدمها فقوله لأن الكلام الخ يفيد أن ذلك منقول لا بحث فافهم قوله (خلافا للشافعي) مبنى الخلاف هو أن الرجعة عندنا استدامة الملك القائم وعنده استحداث الحل الزائل فيحل عندنا لقيام ملك النكاح من كل وجه وإنما يزول عند انقضاء العدة قوله (لأنه مباح) فيه مسامحة لأن الوطء مكروه عندنا لمخالفته للسنة كما مر تحريره والمباح ما تعلق به خطاب الفاء تخييرا بين الفعل والترك على السواء والمكروه ولو تنزيها راجح الترك فلا يكون مباحا فالأولى أن يقول لأنه جائز فإن الجائز يطلق على ما لا يحرم شرعا ولو واجبا أو مكروها كما ذكره في التحرير قوله (لكن تكره الخلوة بها) الاستدراك مستدرك فإن الوطء مثلها كما علمت قوله (إن لم يكن من قصده الرجعة) لأن الخلوة ربما أدت إلى المس بشهوة فيصير مراجعا وهو لا يريدها فيطلقها فتطول العدة عليها ط عن البحر قوله (ويثبت القسم لها الخ) سيأتي في الباب الآتي أن المطلقة الرجعية لا حق لها في الجماع لا قضاء ولا ديانة ولذ
استحب مراجعتها بغيره وحينئذ فالقسم لأجل الاستئناس تأمل قوله (وإلا لا) أي وإن لم يكن من قصده المراجعة لا يثبت القسم لأنه لو ثبت مع عدم قصدها ربما أدى إلى الخلوة فيلزم ما مر ط مطلب في لعقد على لمبانة قوله (وينكح مبانته بما دون الثلاث) لما ذكره ما يتدارك به الطلاق الرجعي ذكر ما يتدارك به غيره فتح ولذا عقد له في الهداية هنا فصلا قوله (بالإجماع) راجع إلى قوله في العدة وهو جواب عن سؤال هو أن قوله * (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) * (البقرة 235) يعني انقضاء العدة عام فكيف جاز للزوج تزوجها في العدة والنص يعمومه يمنعه والجواب أنه خص منه العدة من الزوج نفسه بالإجماع قوله (ومنع غيره) أي غير الزوج في العدة لاشتباه النسب بالعلوق فإنه لا يوقف على حقيقته أنه من الأول أو الثاني وهذا حكمة شرعية العدة في الأصل والمراد بذكرها هنا بيان عدم المانع من تخصيص الزوج بالإجماع لا بيان علته لأنه يرد عليه عليه الصغيرة والآيسة وعدة الوفاة قبل الدخول ومعتدة الصبي والحيضة الثانية والثالثة فأنه لا اشتباه في ذلك ولا يجوز التزوج في المدة لعلة أخرى هي إظهار خطر المحل أو هو حكم تعبدي وتمام بيانه في الفتح قوله (لا ينكح مطلقة) تقديره لفظ ينكح هو مقتضى العطف على ما قبله لكن الأولى أن يزيد ولا يطأ بملك يمين لأنه كما لا يحل له نكاحها بالعقد لا يحل له وطؤها بالملك كما يأتي ولو قال لا تحل كما في الآية الكريمة لشمل كلا منهما قوله (من نكاح صحيح نافذ) احترز بالصحيح عن الفاسد وهو ما عدم بعض شروط الصحة ككونه يغير شهود فإنه لا حكم قبل الوطء وبعده(3/449)
يجب مهر المثل والطلاق فيه لا ينقص عددا لأنه متاركة فلو طلقها ثلاثا لا يقع شئ وله تزوجها بلا محلل كما تقدم آخر باب الصريح واحترز بالنافذ عن الموقوف ففي نكاح الرقيق من الفتاوي الهندية عن المحيط إذا تزوج العبد أو المكاتب أو المدبر أو ابن أم الولد بلا إذن المولى ثم طلقها ثلاثا قبل إجازة المولى فهذا الطلاق متاركة النكاح لا طلاق
على الحقيقة حتى لا ينقص من عدد الطلاق فإن أجاز المولى النكاح بعد لا تعمل إجازته وإن أذن له بتزوجها بعده كرهت له تزوجها ولم أفرق بينهما ا ه قوله (كما سنحققه) أي في باب العدة حيث قال هناك والخلوة في النكاح الفاسد لا توجب العدة والطلاق فيه لا ينقص عدد الطلاق لأنه فسخ جوهرة ا ه ولم يذكر الموقوف هناك لأنه من أقسام الفاسد ويحتمل أن مراده ما يأتي قريبا من قوله خرج الفاسد والموقوف الخ فإنه وإن كان في المحلل لكنه يفهم أنه في الذي طلق غير معتبر أيضا وليس مراده الإشارة إلى تحقيق ما يأتي بعده من قوله ثم هذا كله فرع صحته النكاح الأول الخ لأن مراده به صحته في المذاهب كلها كما ستعرفه وليس مما نحن فيه فافهم قوله (وما في المشكلات) حيث قال من طلق امرأته قبل الدخول بها ثلاثا فله أن يتزوجها بلا تحليل وأما قوله تعالى * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة 230) ففي المدخول بها قوله (باطل) أي إن حمل على ظاهره ولذا قال في الفتح إنه زلة عظيمة مصادمة للنص والإجماع لا يحل لمسلم رآه أن ينقله فضلا عن أن يعتبره لأن في نقله إشاعته وعند ذلك ينفتح باب الشيطان في تخفيف الأمر فيه ولا يخفى أن مثله مما لا يسوغ الاجتهاد فيه لفوت شرطه من عدم مخالفة الكتاب والإجماع نعوذ بالله من الزيغ والضلال والأمر فيه من ضروريات الدين لا يبعد إكفار مخالفة ا ه أقول وإياك أن تغتر بما ذكره الزاهدي في آخر الحاوي في أو كتاب الحيل فإنه عقد فيه فصلا في حيلة تحليل المطلقة ثلاثا وذكر فيه هذه المسألة غير قابلة للتأويل الآتي وذكر حيلا كثيرة كلها باطلة مبنية على ما يأتي رده من الاكتفاء بالعقد بدون وطء قوله (أو مؤول) أي بما قاله العلامة البخاري في شرحه غرر الأذكار على درر البحار ولا يشكل ما في المشكلات لأن المراد من قوله ثلاثا ثلاث طلقات متفرقات ليوافق ما في عامة الكتب الحنفية ا ه وقدمنا تأييد هذا التأويل بجواب صاحب المشكلات عن الآية فإن الطلاق ذكر فيها مفرقا مع التصريح فيها بعدم الحل فأجاب بأنها في المدخول بها فافهم قوله (كما مر) أي في أول باب طلاق غير المدخول بها قوله (حتى يطأها غيره) أي حقيقة أو حكما كما لو تزوجت بمجبوب فحبلت منه كما يأتي
وشمل ما لو وطئها حائضا أو محرمة وشمل ما لو طلقها أزواج كل زوج ثلاثا قبل الدخول قتزوجت بآخر ودخل بها تحل للكل بحر ولا بد من كون الوطء بالنكاح بعد مضي عدة الأول لو مدخولا بها وسكت عنه لظهوره ثم اعلم أن اشتراط الدخول ثابت بالإجماع فلا يكفي مجرد العقد قال القهستاني وفي الكشف وغيره من كتب الأصول أن العلماء غير سعيد بن المسيب اتفقوا على اشتراط الدخول وفي الزاهدي أنه ثابت بإجماع الأمة وفي المنية أن سعيدا رجع عنه إلى قول الجمهور فمن علم به يسود وجهه(3/450)
ويبعد ومن أفتى به يعزر وما نسب إلى الصدر الشهيد فليس له أثر في مصنفاته بل فيها نقيضه وذكر في الخلاصة عنه أن من أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فإنه مخالف الإجماع ولا ينفذ قضاء القاضي به وتمامه فيه قوله (ولو مراهقا) هو الداني من البلوغ نهر ولا بد أن يطلقها بعد البلوغ لأن طلاقه غير واقع در منتقى عن التاترخانية قوله (يجامع مثله) تفسير للمراهق ذكره في الجامع وقيل هو الذي تتحرك آلته ويشتهي النساء كذا في الفتح ولا يخفى أنه لا تنافي بين القولين نهر والأولى أن يكون حرا بالغا فإن الإنزال شرط عن مالك كما في الخلاصة مال أصحابنا إلى بعض أقوال مالك رحمه الله ضرورة فالأولى الجمع بين المذهبين لأنه كالتلميذ لأبي حنيفة ولذا مال أصحابنا إلى بعض أقواله ضرورة كما في ديباجة المصفى قهستاني وفي حاشية الفتال وذكر الفقيه أبو الليث في تأسيس النظائر أنه إذا لم يوجد في مذهب الإمام قول في مسألة يرجع إلى مذهب مالك لأنه أقرب المذاهب إليه ا ه قوله (أو خصيا) بفتح الخاء وهو من قطعت خصيتاه وأنما جاز تحليله لوجود الآلة ط قوله (أو مجنونا) بنونين ح وفي نسخة أو مجبوبا ببائين وهو الذي لم يبق له شئ ليجعلوا في محل الختان لكن شرط تحليله أن تحبل منه كما يأتي قوله (أو ذميا لذمية أي ولو كان التحليل لأجل زوجها المسلم كما في البحر قوله (خرج الفاسد والموقوف) أي خرجا بقيد النافذة وفيه أن الفاسد يقابل الصحيح لا
النافذ لأن النافذ من العقود ما لا يتوقف على إجازة غير العاقد فالبيع بشرط فاسد نافذ بالمعنى المذكور نعم الموقوف فيه طريقان للمشايخ قيل هو قسم من الصحيح وقيل من الفاسد كما سيأتي تحقيقه في البيوع إن شاء الله تعالى فعلى الطريق الثاني كل موقوف فاسد ولا عكس لغويا ويقال أيضا كل صحيح نافذ ولا يصح العكس على الطريقين فافهم وبه علم أنه كان ينبغي للمصنف متابعة الكنز وغيره في التعبير بنكاح صحيح فيخرج الفاسد وكذا الموقوف على أحد الطريقين وقد يجاب بأن النكاح المطلق هو الصحيح فيخرج به الفاسد قوله (ووطئها قبل الإجازة لا يحلها) أي وإن أجاز بعد ولعل وجهه أن النكاح المشروط بالنص ينصرف إلى الكامل لأنه المعهود شرعا بخلاف الفاسد والموقوف وإلا فقد صرحوا بأن الموقوف ينعقد سببا في الحال ويتأخر حكمه إلى وقت الإجازة فيظهر بها الحل من وقت العقد حيلة إسقاط عدة المحلل قوله (ومن لطيف الحيل الخ) أي حيل التحليل على وجه يؤمن فيه من علوقها منه ومن(3/451)
امتناعها من طلاقها ومن ظهور أمر التحليل بين الناس بخلاف ما إذا كان حرا بالغا قوله (لكن الخ) استدراك على هذه الحيلة وحاصله أنها إنما تتم على ظاهر المذهب من أن الكفاءة في النكاح ليست بشرط للانعقاد أما على رواية الحسن المفتى بها من أنها شرط فلا يحلها الرقيق لعدم الكفاءة إن كان لها ولي لم يرض بذلك وإلا بأن لم يكن لها ولى أصلا أو كان ورضي فيحلها اتفاقا كما مر في باب الكفاءة وهذا أحد وجهين أو ردهما الإمام الحلواني ثانيهما كما في البزازية أن المراهق فيه خلاف فلعله يرفع إلى حاكم يرى مذهب من لا يقول بالصحة فيفسخه فلا يحصل المرام قوله (إنه لا يحلها) الأولى حذف أنه قوله (وتمضي عدته) ذكر بعض الشافعية حيلة لإسقاط العدة بأن تزوج لصغير لم يبلغ عشر سنين ويدخل بها مع انتشار آلته ويحكم بصحة النكاح شافعي ثم يطلقها الصبي ويحكم حنبلي بصحة طلاقه وأنه لا عدة عليها أما لو بلغ عشرا لزمت العدة عند الحنبلي أو يطلقها وليه أذا رأى في
ذلك المصلحة ويحكم به مالكي وبعدم وجوب العدة بوطئه ثم يتزوجها الأول ويحكم شافعي بصحته لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف بعد تقدم الدعوى مستوفيا شرائطه فتحل للأول ا ه قلت ومن شروطه أن لا يأخذ على الحكم مالا وفي قوله ويحكم به مالكي مخالفة لما قدمناه من اشتراط الإنزال عند مالك وكأنه قول آخر قوله (أي الثاني) أي النكاح الثاني ويجوز أن يراد بالزوج الثاني وعليه جرى الزيلعي لكنه مجاز قال العيني والأول أقرب والثاني أظهر نهر قوله (لا بملك يمين) عطف على قوله بنكاح نافذ قوله (لاشتراط الزوج بالنص) أي في قوله تعالى * (حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة 230) فأنه جعل غاية لعدم الحل الثابت بقوله تعالى * (فلا تحل له) * فإذا طلق زوجته الأمة ثنتين ثم بعد العدة وطئها مولاها لا يحلها للأول لأن المولى ليس بزوج قوله (ولا ملك أمة الخ) عطف على قوله وطء المولى أي لو طلقها ثنتين وهي أمة ثم ملكها أو ثلاثا وهي حرة فارتدت ولحقت بدار الحرب ثم سبيت وملكها لا يحل له وطؤها بملك اليمين حتى يزوجها فيدخل بها الزوج ثم يطلقها كما في الفتح ثم لا يخفى أن هذه المسألة لم يشملها كلام المصنف لا منطوقا ولا مفهوما فلا يصح تفريعها على قوله بملك يمين لأن معناه لا ينكحها المطلق حتى يطأها غيره بالنكاح لا بملك اليمين فالمشروط وطؤه بالنكاح لا بالملك هو الغير لا نفس المطلق بل يصح نفريغ الأولى وهي عدم حلها للمطلق بوطء المولى نعم لو قال المصنف فيما مر لا ينكح ولا يطأ بملك يمين الخ لصح تفريغ هذه أيضا كما أفاده ح فيتعين جعله تفريعا على قوله لاشتراط الزوج بالنص فإن الزوج المشروط بالنص جعل غاية لعدم الحل كما علمت وهو شامل لعدم الحل بنكاح أو ملك يمين فيصح تفريع المسألتين(3/452)
عليه فافهم قوله (من فرق بينهما) أراد بالتفريق المنع عن الوطء من عموم المجاز فيشمل القاطع للنكاح وغيره فلا يرد أنه لا تفريق في الظهار فافهم قوله (لم تحل له أبدا) أي ما لم يكفر في الظهار ويكذب نفسه أو تصدقه في اللعان ح فوجه الشبه بين المسألتين أن الردة واللحاق والسبي لم تبطل حكم الظهار واللعان كما لم تبطل حكم الطلاق قوله (في المحل المتيقن) هو محل غيبوبة
الحشفة من القبل قوله فلو كانت صغيرة محترز قوله والشرط التيقن بوقوع الوطء وقوله فلو وطئ مفضاة تفريغ على قوله في المحل المتيقن وكان عليه عطفه بالواو قوله (لم تحل للأول) لأن قبلها لا تغيب فيه الحشفة ولذا لم يجب الغسل بمجرد وطئها ولم تثبت به حرمة المصاهرة حتى حل لو وطئها تزوج بنتها قوله (وإلا) أي بأن كانت صغيرة يوطأ مثلها حلت للأول لوجود الشرط وهو الوطء في محله المتيقن الموجب للغسل كما يأتي وإن أفضاها بهذا الوطء لأن الإفضاء حصل بعد الوطء المعتبر شرعا بخلاف المفضاة قبله لحصول الشك في كون الوطء في القبل أو في الدبر وهذا الشك حاصل قبل الوطء لا بعده فأفهم قوله (بزازية) لم أر فيها قوله وإن أفضاها نعم رأيته في الفتح والنهر قوله (إلا إذا حبلت الخ) قال في الدر المنتقى وقد نظم الفقيه الأجل سراج الدين أبو بكر علي بن موسى الهاملي رحمه الله تعالى ذلك نظما جيدا فقال وفي المفضاة مسألة عجيبه لدى من ليس يعرفها غآيبه إذا حرمت على زوج وحلت لثان نال من وطء نصيبه فطلقها فلم تحبل فليست حلالا للقديم ولا خطيبه لشك أن ذاك الوطء منها بفرج أو شكيلته القريبه فإن حبلت فقد وطئت بفرج ولم تبق الشكوك لنا مريبه قوله (فإنها لا تحل حتى تحبل الخ) هذه العبارة عزاها المصنف في المنح للبزازية والذي في الفتح هكذا فلا تحل بسحقه حتى تحبل ثم قال وفي التجريد لو كان مجبوبا لم تحل فإن حبلت وولدت حلت للأول عند أبي يوسف خلافا لمحمد اه قوله (حتى يثبت) برفع يثبت على أن حتى ابتدائية قوله (فالاقتصار على الوطء قصور الخ) أي اقتصار المتون على قولهم حتى يطأها غيره وهذا مأخوذ من المصنف في المنح وقال الرحمتي جعله قصورا مع أنه هو الذي عليه المتون والشروح ويشهد له حديث العسيلة الذي ثبت به الحكم وما تمسك به رواية عنأبي يوسف لم تعتمد فترجيحها على ما هو المذهب هو القصور اه لكن جزم به في الخانية وغيرها وكذا في الفتح كما علمت ونقله الزيلعي عن الغاية
وقال خلافا لزفر ومثله في البدائع وهذا يفيد اعتماد قول أبي يوسف نعم الأجه قول محمد(3/453)
وزفر ولا ينافيه ثبوت النسب فإنه يعتمد قيام الفراش وإن لم يوجد وطء حقيقة والتحليل يعتمد الوطء لا مجرد العقد المثبت للنسب فإنه خلاف الإجماع كما تقدم ويلزم على هذا ثبوت التحليل بتزوج مشرقي بمغربية جاءت بولد لستة أشهر لثبوت نسبه مع العلم بعدم الوطء وما ذاك إلا لكون النسب مما يحتال لإثباته بما أمكن ولو توهما وأشار بنص الولد للفراش وإقامة للعقد مقام الوطء كالخلوة الموجبة للعدة وأما التحليل فقد شدد الشرع في ثبوته ولذا قالوا إن شرعيته لإغاظة الزوج عومل بما يبغض حين عمل أبغض ما يباح فلذا اشترطوا فيه الوطء الموجب للغسل بإيلاج الحشفة بلا حائل في المحل المتيقن احترازا عن المفضاة والصغيرة من بالغ أو مراهق قادر عليه بعقد صحيح لا فاسد ولا موقوف ولا بملك يمين قوله (والموت عنها لا) أو لو مات عنها قبل الوطء لا يحلها للأول وإن كان الموت كالدخول في إيجاب العدة وتقرير المهر المسمى لأن الشرط هنا الوطء قوله (واستشكله المصنف) الضمير يرجع إلى الإحلال المفهوم من قول المصنف يحلها وأصل الإشكال لصاحب البحر فإنه قال بعد ذكر هذا في الفرع مع أنه نقل في المحيط من كتاب الطهارة أنه لو أتى امرأة وهي عذراء لا غسل عليه ما لم ينزل لأن العذرة مانعة من مواراة الحشفة ا ه أي ولا يحلها الوطء الموجب للغسل ط وأجاب الرحمتي والسائحاني بحمل ما في القنية على ما إذا أزال البكارة بقرينة الإيلاج فإنه لا يكون بدونه وفيه أن عبارة القنية هكذا أذا أولج إلى مكان البكارة وحمل إلى على معنى في بعيد ثم لا يخفى أن ما ينفرد به صاحب القنية لا يعتمد عليه كيف وهو مخالف لما في المشاهير كقول الهداية والشرط الإيلاج وقول الفتح بقيد كونه عن قوة نفسه وإن كان ملفوفا بخرقة إذا كان يجد حرارة المحل الخ ما يأتي عن التبيين وكذا ما مر عن البزازية ومسألة المفضاة وبعد اعتراف المصنف بإشكاله ما كان ينبغي له جعله متنا قوله) (إلا إذا انتعش وعمل) هذا لم يذكره في التبيين نعم ذكره في الفتح والنهر والظاهر أن الاستثناء منقطع لأن الانتعاش الانتهاض والمراد به وبالعمل أن يكون له نوع انتشار
يحصل به إيلاج كي لا يكون بمنزلة إدخال خرقة في المحل فإنه ربما لا يحصل به التقاء الختانين ولذا قال بعد ذلك في الفتح بخلاف من في آلته فتور وأولجها فيها حتى التقى الختانان فإنها تحل به قوله (ولو في حيض الخ) الأولى حذف هذه الجملة من هنا وذكرها عند قول المصنف حتى يطأها غيره قوله (مطلقا) أي سواء كان الإيلاج بمساعدة اليد أو لا بحال المجتبى وقيل إيلاج الشيخ الفاني بيده يحلها وقيل إذا لم تنتشر آلته فأدخلها بيده أو بيدها أو كان الذكر أشل لا يحلها بالإيلاج والصواب حلها لأنه متعلق بدخول الحشفة ا ه وأقره في الشرنبلالية وهو خلاف ما مشى عليه الزيلعي وابن الهمام المنكر النهر كما مر وفيه أن الحل معلق بذوق العسيلة كما علمت فتأمل قوله (لكن في شرح المشارق الخ) فيه أن هذا الكتاب(3/454)
ليس موضوعا لنقل المذهب وإطلاق المتون والشروح يرده وذوق العسيلة للنائمة موجود حكما ألا ترى أن النائم إذا وجد البلل يجب عليه الغسل وكذا المغمى عليه مع أن خروج المني لا يوجبه إلا مع وجود اللذة وما ذاك إلا لوجودهما حكما لأنه ربما حصلت وذهل عنها بثقل النوم الإغماء وقد تقدم أن المجنون يحلها والجنون فوق الإغماء والنوم رحمتي قلت ورأيت في معراح الدراية ووطء النائمة والمغمى عليه يحل عندنا وفي أحد قولي الشافعي ا ه هكذا رأيته في نسخة سقيمة فلتراجع نسخة أخرى ثم لا يخفى أن نومه وإغماءه كنومها وإغمائها لكن إذا قلنا إن إيلاج الشيخ الفاني لا يحلها ما لم ينتعش ويعمل يلزم أن يكون مثله النائم والمغمى عليه وكذا في جانبها نعم على تصويب المجتبى من الاكتفاء بدخول الحشفة يظهر الإحلال في الكل فتأمل قوله (وكره التزوج للثاني) كذا في البحر لكن في القهستاني وكره للأول والثاني وعزاه محشي مسكين إلى الحموي عن الظهيرية وينبغي أن يزاد المرأة بل هي أولى من الأول في الكراهة لأن العقد بشرط التحليل إنما جرى بينها وبين الثاني والأول ساع في ذلك ومتسبب والمباشر أولى من المتسبب ولفظ الحديث يشمل الكل فإن المحلل له يصدق على المرأة أيضا قوله (لحديث لعن المحلل والمحلل له) بإضافة حديث إلى لعن فهو حكاية للمعنى
وإلا فلفظ الحديث كما في الفتح لعن الله المحلل والمحلل له بإضافة حديث إلى لعن فهو حكاية للمعنى وإلا فلفظ الحديث كما في الفتح لعن الله المحلل والمحلل له وهو كذلك في بعض النسخ قوله (بشرط التحليل) تأويل للحديث بحمل اللعن على ذلك ويأتي تمام الكلام عليه قوله (وإن حلت للأول الخ) هذا قول الإمام وعن أبي يوسف أنه يفسد النكاح لأنه في معنى المؤقت لا يحلها وعن محمد يصح ولا يحلها لأنه استعجل ما أخره الشرع كما في قتل المورث هداية قوله (خلافا لما زعمه البزازي) حيث قال زوجت المطلقة نفسها من الثاني بشرط أن يجامعها ويطلقها لتحل للأول قال الإمام النكاح والشرط جائزان حتى إذا أبى الثاني طلاقها أجبره القاضي على ذلك وحلت للأول ا ه وهو مأخوذ من روضة الزندوستي قال في النهر قال الإمام ظهير الدين هذا البيان لم يوجد في غيره من الكتب كذا في العناية وفي فتح القدير هذا مما لم يعرف في ظاهر الرواية ولا ينبغي أن يعول عليه ولا يحكم به لأنه مع كونه ضعيف الثبوت تنبو عنه قواعد المذهب لأنه لا شك أنه شرط في النكاح لا يقتضيه العقد وهو مما لا يبطل بالشروط الفاسدة بل يبطل الشرط ويصح فيجب بطلان هذا وأن لا يجبر على الطلاق ا ه قوله (أو وأمسكتك) أي أو يقول إن تزوجتك(3/455)
وأمسكتك وهذا إذا خافت إمساكها مطلقا والأول خافت إمساكها بعد الجماع قوله (ولو خافت الخ) الأولى أو تقول زوجتك الخ لأن الحيلتين السبابقتين سببهما الخوف المذكور ط قوله (وتمامه في العمادية) حيث قال ولو قال لها تزوجتك على أن أمرك بيدك فقبلت جاز النكاح ولغا الشرط لأن الأمر إنما يصح في الملك أو مضافا إليه ولم يوجد واحد منهما بخلاف ما مر فإن الأمر صار بيدها مقارنا لصيرورتها منكوحة ا ه نهر وقدمناه قبل فصل المشيئة والحاصل أن الشرط صحيح إذا ما ابتدأت المرأة لا أذا ابتدأ الرجل ولكن الفرق خفى نعم يظهر القول بأن الزوج هو الموجب تقدم أو تأخر والمرأة هي القابلة كذلك تأمل قوله (أما إذا أضمرا ذلك) محترز قوله بشرط التحليل (لا يكره) بل يحل له في قولهم جميعا قهستاني عن المضمرات قوله (لقصد الإصلاح) أي إذا كان قصده ذلك لا مجرد قضار الشهوة ونحوها
وأورد السروجي أن الثابت عادة كالثابت نصا أي فيصير شرط التحليل كأنه منصوص عليه في العقد فيكره وأجاب في الفتح بأنه لا يلزم من قصد الزوج ذلك أن يكون معروفا بين الناس إنما ذلك فيمن نصب نفسه لذلك وصار مشتهرا به ا ه تأمل قوله (وتأويل اللعن الخ) الأولى أن يقول وقيل تأويل اللعن الخ كما هو عبارة البزازية ولا سيما وقد ذكره بعد ما مشى عليه المصنف من التأويل المشهور عند علمائنا ليفيد أنه تأويل آخر وأنه ضعيف قال في الفتح وهنا قول آخر وهو أنه مأجور وإن شرط لقصد الإصلاح وتأويل اللعن عند هؤلاء إذا شرط الأجر على ذلك ا ه قلت واللعن على هذا الحمل أظهر لأنه كأخذ الأجرة على عسب التيس وهو حرام ويقربه أنه عليه الصلاة والسلام سماه التيس المستعار وأورد على التأويل الأول أنه مع اشتراط التحليل مكروه تحريما وفاعل الحرام لا يستوجب اللعن ففاعل المكروه أولى في حكم لعن العصاة أقول حقيقة اللعن المشهور هي الطرد عن الرحمة وهي لا تكون إلا لكافر ولذا لم تجز على معين لم يعلم موته على الكفر بدليل وإن كان فاسقا متهورا كيزيد على المعتمد بخلاف نحو إبليس وأبي لهب وأبي جهل فيجوز وبخلاف غير المعين كالظالمين والكاذبين فيجوز أيضا لأن المراد جنس الظالمين وفيهم من يموت كافرا فيكون اللعن لبيان أن هذا الوصف وصف الكافرين للتنفير عنه والنحذير منه لا لقصد اللعن على كل فرد من هذا الجنس لأن لعن الواحد المعين كهذا الظالم لا يجوز فكيف كل فرد من أفراد الظالمين وإذا كان المراد الجنس لما قلنا من التنفير والتحذير لا يلزم أن تكون تلك المعصية حراما من الكبائر خلافا لمن أناط اللعن بالكبائر فإنه ورد اللعن في غيرها كلعن المصورين ومن أم قوما وهم له كارهون ومن سل سخيمته أي تغوط على(3/456)
الطريق والمرأة أفوض أي التي لا تخضب يديها والمرهاء أي التي لا تكتحل والمرأة إذا خرجت من دارها بغير إذن زوجها وناكح اليد وزائرات القبور ومن جلس وسط الحلقة وغير
ذلك ومنه ما هنا هذا ما ظهر لي لكن يشكل على منع لعن المعين مشروعية اللعان وفيه لعن معين نعم يجاب بأنه معلق على تقدير كونه كاذبا لكنه لا يخرج عن لعن معين تأمل ثم رأيت في لعان القهستاني قال اللعن في الأصل الطرد وشرعا في حق الكفار الإبعاد من رحمة الله تعالى وفي حق المؤمنين الإسقاط عن درحة الأبرار ا ه وفي لعان البحر فإن قلت هل يشرع لعن الكاذب المعين قلت قال في غاية البيان من باب العدة عن ابن مسعود أنه قال من شاء باهلته والمباهلة الملاعنة وكانوا يقولون إذا اختلفوا في شئ بهلة الله على الكاذب منا قالوا هي مشروعة في زماننا أيضا ا ه وعن هذا قيل إن المراد باللعن في مثل ذلك الطرد عن منازل الأبرار لا عن رحمة العزيز الغفار وقيل إن الأشبه أن حقيقة اللعن هنا ليست بمقصودة بل المقصود إظهار خساسة المحلل بالمباشرة والمحلل له بالعود إليها بعد مضاجعة غيره وعزاه القهستاني في الكشف ثم قال وفيه كلام فتأمل ا ه لعل وجهه أنه لو كان كذلك لا يلزم كونه مكروها تحريما قوله (ثم هذا كله) أي كل ما مر من لزوم التحليل بالشروط المارة وكراهة التصريح بالشرط (فرع صحة النكاح) كذا عبر في النهر والمراد صحته باتفاق الأئمة لا صحته عندنا بقرينة ما بعده فافهم وقد مر أنه لو كان فاسدا أو موقوفا لا يلزم التحليل بل تحل بدونه وإن كره وهل تقبل دعواه الفساد عندنا لإسفاط التحليل لم أره الآن نعم يأتي آخر الباب أنه لو ادعى بعد الثلاث أنه طلقها واحدة قبل وانقضت عدتها لا يصدقان وستأتي هذه المسألة في العدة وتأتي هنال حادثة الفتوى في ذلك فراجعها قوله (أو بحضرة فاسقين) أي تحقيق فسقهما وإلا فظاهر العدالة يكفي عند الشافعي فافهم حيلة إسقاط التحليل بحكم شافعي بفساد النكاح الأول قوله (الأمر لشافعي الخ) أقول الذي عليه العمل عند الشافعية هو ما حرره ابن حجر في التحفة من أن الحاكم لا يحكم بفسخ النكاح بالنسبة لسقوط التحليل وذلك أنه ذكر أن الزوجين لو توافقا أو أقاما بينة بفساد النكاح لم يلتفت لذلك بالنسبة لسقوط التحليل لأنه حق الله تعالى نعم يجوز لهما العمل به باطنا لكن إذا علم بهما الحاكم فرق بينهما ثم قال في موضع آخر وحينئذ
فمن نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه لأنه تلفيق للتقليد في مسألة واحدة وهو ممتنع قطعا وإن انتفى التقليد والحكم لم يحتج لمحلل نعم يتعين أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذي لزمه باعتبار ظاهر فعله وأيضا ففعل المكلف يصان عن الإلغاء لا سيما إن وقع منه ما يصرح بالاعتداد به كالتطليق ثلاثا هنا ا ه والذي تحرر من كلاميه أن الزوج إن علم بفساد النكاح فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها حاكم يراها لا يسقط التحليل وإلا سقط وله تجديد العقد بعد الثلاث ديانة وإذا علم به الحاكم فرق بينهما ولو ادعى عدم التقليد لم يصدقه الحاكم(3/457)
وإذا علمت ذلك علمت أنه لا فائدة في قول الشارح تبعا لغيره يرفع الأمر لشافعي إذ لا يحكم الشافعي بسقوط التحليل ولا يقبل ما يسقطه لكن قال ابن قاسم في حاشية التحفة أن له تقليد الشافعي والعقد بلا محلل لأن هذه قضية أخرى فلا يليق ما لم يحكم بصحة التقليد الأول حاكم ا ه قلت لكن هذا في الديانة لما علمت من أن الحاكم يفرق بينهما إذا علم به لأن التحليل حق الله تعالى نعم صرح شيخ الإسلام زكريا في شرح منهجه بأن الزوجين لو اختلفا في المسمى ومهر المثل وأقيمت بينة على فساده يثبت مهر المثل ويسقط التحليل تبعا ا ه لكن استظهر ابن حجر عدم سقوطه والله أعلم فإن قلت يمكن الحكم به عندنا على قول محمد باشتراط الولي قلت لا يمكن في زماننا لأنه خلاف المعتمد في المذهب والقضاة مأمورون بالحكم بأصح الأقوال على أنه نقل في التاترخانية أن شيخ الإسلام سئل هل يصح القضاء به فقال لا أدري فإن محمدا وإن شرط الولي لكنه قال لو طلقها ثم أراد أن يتزوجها فإني أكره له ذلك ا ه أي فإن لفظ أكره قد يستعمل من المجتهد في الحرام قوله (فيقضي به) أي بحلها للأول وقوله وببطلان النكاح عطف سبب على مسبب فإن قضاءه ببطلان النكاح الأول سبب لحلها بلا زوج آخر ا ه ح وإنما ذكر القضاء
لتقصير الحادثة الخلافية كالمجمع عليها ط وقدمنا في باب التعليق ما ينبغي استذكاره هنا ولا نعيده لقرب العهد به قوله (أي في القائم والآتي لا في المنقضي) عبارة البزازية على ما في النهر وبه لا يظهر أن الوطء في النكاح الأول كان حراما وأن في الأولاد خبثا لأن القضاء اللاحق كدليل النسخ يعمل في القائم والآتي لا في المنقضي ا ه أي لأن ما مضى كان مبينا على اعتقاد الحل تقليدا لمذهب صحيح وأنما لزمه العمل بخلافه بعد الحكم الملزوم كما لو نسخ حكم إلى آخر لا يلزم منه بطلان ما مضى ومثله ما لو تغير أجرة المجتهد وكذا لو توضأ حنفي ولم ينو وصلى به الظهر ثم صار شافعيا بعد دخول وقت العصر يلزمه إعادة الوضور بالنية دون ما صلاه به قوله (فالقول لها) كذا في البحر بحال البزازية ادعت أن الثاني جامعها وأنكر الجماع حلت للأول وعلى القلب لا ا ه ومثله في الفتاوي الهندية عن الخلاصة ويخالف قوله وعلى القلب لا ما في الفتح والبحر ولو قالت دخل بي الثاني والثاني منكر فالمعتبر قولها وكذا في العكس ا ه فتأمل قوله (فالقول له) أي في حق الفرقة كأنه طلقها لا في حقها حتى يجب لها نصف المسمى أو كماله إن دخل بها بحر(3/458)
مسألة الهدم قوله (والزوج الثاني) أي نكاحه نهر قوله (ما دون الثلاث) أي يهدم ما وقع من الطلقة أو الطلقتين فيجعلهما كأن لم يكونا وما قيل إن المراد أنه يهدم ما بقي من الملك الأول فهو من سوء التصور كما نبه عليه الهندي أفاده في النهر قوله (أي كما يهدم الثلاث) تفسيره لقوله أيضا قوله (لأنه الخ) جواب عما قال محمد من أن قوله تعالى * (حتى تنكح زوجا غيره) * (البقرة 230) جعل غاية لانتهاء الحرمة الغليظة فيهدمها والجواب أنه إذا هدمها يهدم ما دونها بالأولى فهو مما ثبت بدلالة النص وتمام مباحث ذلك في كتب الأصول وقولهما مروي عن ابن عمر وابن عباس وقول محمد مروي عن عمر وعلي وأبي بن كعب وعمران بن الحصين كما في الفتح قوله (وهو الحق) ليس هذا في عبارة الفتح بل ذكره في التحرير وتبعه في النهر عبارة الفتح بعد ما أطال في الكلام
من الجانبين فظهر أن القول ما قاله محمد وباقي الأئمة الثلاثة ولقد صدق قول صاحب الأسرار ومسألة يخالف فيها كبار الصحابة يعوز فقهها ويصعب الخروج منها قوله (وأقره المصنف كغيره) أي كاحب البحر والنهر والمقدسي والشرنبلالي والرملي والحموي وكذا شارح التحرير المحقق ابن أمير حاج لكن المتون على قول الإمام وأشار في متن الملتقى إلى ترجيحه ونقل ترجيحه العلامة قاسم عن جماعة من أصحاب الترجيح ولم يعرج على ما قاله شيخه في الفتح وكذا لم يعرج عليه في مواهب الرحمن مع أنه كثيرا ما يتبع صاحب الفتح في ترجيحه قوله (بمضي عدته) أي الزوج الأول أسند العدة إليه لأنه سببها نهر وألا فالعدة للطلاق قوله (وعدة الزوج الثاني) ليس المراد أنها قالت مضت عدتي من الثاني فقط بل قالت تزوجت ودخل بي الزوج وطلقني وانقضت عدتي كما ذكره في الهداية لأن قولها مضت عدتي لا يفيد ما ذكر لوجوبها بالخلوة وبمجردها لا تحل ومن ثم قال في النهاية إنما ذكر في الهداية إخبارها مبسوطا لأنها لو قالت حللت لك فتزوجها ثم قالت لم يكن الثاني دخل بي إن كانت عالمة بشرائط الحل لم تصدق وإلا تصدق وفيما ذكرته مبسوطا لا تصدق في كل حال وعن السرخسي لا يحل له أن يتزوجها حتى يستفسرها لاختلاف الناس في حلها بمجرد العقد وعن الإمام الفضلي لو قالت تزوجني فإني تزوجت غيرك وانقضت عدتي ثم قالت ما تزوجت صدقت إلا أن تكون أقرت بدخول الثاني ا ه لأنها غير متناقضة بحمل قولها تزوجت على العقد وقولها ما تزوجت معناه ما دخل بي فإذا أقرت بالدخول ثبت تناقضها كما أفاده في الفتح(3/459)
ويأتي تمامه قوله (له أن يصدقها) لأنه إما من المعاملات لكون البضع متقوما عند الدخول أو الديانات لتعلق الحل به وقول الواحد مقبول فيهما درر قوله (إن غلب على ما ظنه صدقها) أشار به إلى أن عدالتها ليست شرطا ولهذا قال في البدائع وكافي الحاكم وغيرهما لا بأس أن يصدقها أن كانت ثقة عنده أو وقع في قلبه صدقها ا ه وكذا لو قالت منكوحة رجل لآخر طلقني زوجي وانقضت عدتي جاز تصديقها إذا وقع في ظنه عدلة كانت أم لا ولو قالت نكاحي الأول فاسد لا
ولو عدلة كذا في البزازية بحر قوله (وأقل مدة عدة عنده) أي عند الإمام وهذا بيان لقوله والمدة تحتمله فلا احتمال فيما دون ذلك قوله (بحيض) متعلق بقوله عدة وهذا أولى مما قيل أي بسبب كون المرأة حائضا فافهم واحترز به عن العدة بالأشهر في حق ذوات الأشهر فإن عدتها ليس لها أقل وأكثر بل هي ثلاثة أشهر لو حرة ونصفها لو أمة قوله (شهران) أي ستون يوما عنده لأنه يجعله مطلقا في أول الطهر حذرا من وقوع الطلاق في طهر وطئ فيه فيحتاج إلى ثلاثة أطهار فخمسة واربعين وثلاث حيض بخمسة عشر حملا للطهر على أقله والحيض على وسطه لأن اجتماع أقلهما في مدة واحدة نادر وهذا على تخريج محمد لقول الإمام أما على تخريج الحسن فيجعله مطلقا في آخر الطهر حذرا من تطويل العدة عليها فيحتاج إلى طهرين بثلاثين وثلاث حيض بثلاثين حملا للطهر على أقله والحيض على أكثره ليعتد لا () وتحتاج إلى مثلها في عدة الزوج الثاني وزيادة طهر على تخريج الحسن فتصدق في مائة وخمسة وثلاثين يوما وعلى تخريج محمد في مائة وعشرين يوما ا ه أفاده ح قلت والمراد بزيادة الطهر هو الطهر الذي تزوجها فيه الثاني وطلقها في آخره لكن يلزم على هذا التخريج وقوع الطلاق في طهر وطئها فيه إذ لا بد من دخوله بها تأمل وهذا يؤيد تخريح محمد قوله (ولأمة أربعون) عطف على محذوف كأنه قال لحرة شهران ولأمة أربعون يوما أي على تخريج محمد طهران بثلاثين وحيضتان بعشرة وعلى تخريج الحسن خمسة وثلاثون يوما طهر بخمسة عشر وحيضتان بعشرين فتصدق بثمانين يوما على تخريج محمد خمسة وثمانين يوما على تخريج الحسن وتمام التفصيل وحكاية الخلاف في التبيين ح قوله (ما لم تدع السقط) أي من الزوج الأول لأنه يمكن إسقاطها في يوم الطلاق فتنقضي عدتها به أما ادعاؤه عن الثاني فلا بد من أنه يمضي عليه زمن يمكن أن يستبين فيه بعض خلقه رحمتي قلت وكذا لو ادعته من الأولى لا بد من أن يكون بينه وبين عقد الأول مدة أربعة أشهر قوله (كما مر) أي وأول الباب حلبي الإقدام على لنكاح إقرار بمضي لعدة قوله (ولو تزوجت الخ) قال في الفتح وفي التفاريق لو تزوجها ولم يسألها ثم قالت
ما تزوجت أو ما دخل بي صدقت إذ لا يعلم ذلك إلا من جهتها(3/460)
واستشكل بأن إقدامها على النكاح اعتراف منها بصحته فكانت مناقضة فينبغي أن لا يقبل منها كما لو قالت بعد التزوج بها كنت مجوسية أو مرتدة أو معتدة أو منكوحة الغير أو كان العقد بغير شهود ذكره في الجامع الكبير وغيره بخلاف قولها لم تنقض عدتي ثم رأيت في الخلاصة ما يوافق الإشكال المذكور قال في الفتاوي في باب الباء لو قالت بعد ما تزوجها الأول ما تزوجت بآخر فقال الزوج الأول تزوجت بآخر ودخل بك لا تصدق المرأة ا ه ما في الفتح أقول قد يدفع الإشكال بأن المطلقة ثلاثا قام فيها المانع من إيراد العقد عليها ولا يزول إلا بعد وجود شرط الحل وذلك بأن تخبر بأنها تزوجت بعده آخر ودخل بها وانقضت عدتها والمدة تحتمله أو تخبر بأنه حلت له وهي عالمة بشرائط الحل على ما مر عن النهاية فحينئذ لا يقبل قولها للتناقض أما بدون ذلك فيقبل ولا تناقض لاحتمال ظنها الحل بمجرد العقد ولأن إقدامها على العقد بدون تفسير لا يزول به المانع فلم يكن اعترافا ولذا قال السرخسي لا بد من استفسارها ويؤيده ما مر عن الفضلي أيضا وهذه بخلاف قولها كنت مجوسية الخ فإنها حين العقد لم يقم مانع من إيراد العقد عليها فصح العقد فلا يقبل إخبارها بما ينافيه لتناقضها فإن مجرد إقدامها على العقد اعتراف بعدم مانع منه فإذا ادعت ما ينافيه لم يقبل وما مر عن الفتاوي أمرهم على ما إذا تزوجها بعد ما فسرت توفيقا بين كلامهم وفي البزازية تزوجت المطلقة ثم قالت للثاني تزوجتني في العدة إن كان بين النكاح والطلاق أقل من شهرين صدقت في قول الإمام وكان النكاح الثاني فاسدا وإن أكثر لا وصح الثاني والإقدام على النكاح إقرار بمضي العدة لأن العدة حق الأول والنكاح حق الثاني ولا يجتمعان فدل الإقدام على المضي بخلاف المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بالأول بعد مدة ثم قالت بك تزوجت قبل نكاح الثاني حيث لا يكون أقدامها دليل على إصابة الثاني ونكاحه قالت المطلقة ثلاثا تزوجت غيرك وتزوجها الأول ثم قالت كنت كاذبة فيما قلت لم أكن
تزوجت فإن لم تكن أقرت بدخول الثاني كان النكاح باطلا وإن كانت أقرت به لم تصدق ا ه وهذا مؤيد لما قلنا من الفرق والتوفيق وبالله التوفيق وبما قررناه ظهر لك ما في كلام الشارح والظاهر أنه تابع ما بحثه في الفتح قوله (وفي البزازية الخ) اقتصر على بعض عبارة البزازية تبعا ل البحر وهو غير مرضي وتمام عبارتها هكذا ونص في الرضاع على أنها إذا قالت هذا مشهور رضاعاف وأصرت عليه له أن يتزوجها لأن الحرمة ليست إليها قالوا وبه يفتى في جميع الوجوه ا ه ومقتضاه أن المفتى به أن لها أن تزوج نفسها منه هنا وهذا ما قدمه الشارح في آخر الرضاع بقوله ومفاده الخ وقدمنا أن ما ذكره الشارح هناك نقله في الخلاصة عن الصدر الشهيد بلفظ وفيه دليل على أنه لو ادعت الطلقات الثلاث وأنكر الزوج حل لها أن تزوج نفسها منه ا ه وعلله في النهر بأن الطلاق في حقها مما يخفى لاستقلال الرجل به فصح رجوعها ا ه أي صح في الحكم أما في لديانة لو كانت عالمة بالطلاق فلا يحل ربما قررناه علمت أن ما قدمه الشارح منقول لا بحث منه فأفهم(3/461)
قوله (أنه طلقها) أي ثلاثا لأن ما دونها يمكن فيه تجديد العقد إلا إذا كان فقلنا قوله لها قتله بدواء قال في المحيط وينبغي لها أن تفتدي بمالها أو تهرب منه وإن لم تقدر قتلته متى علمت أنه يقربها ولكن ينبغي أن تقتله بالدواء وليس لها أن تقتل نفسها وأن قتلته بالآلة يجب القصاص ا ه بحر قوله (فالإثم عليه) أي وحده وينبغي تقييده بما إذا لم تقدر على الافتداء أو الهرب قوله (وإن قتلته الخ) أفاده أباحة الأمرين ط قوله (لو غائبا) تمام عبارة البزازية وإن كان حاضرا لا لأن الزوج إن أنكر احتيج بالفرقة ولا يجوز القضاء بها إلا بحضرة الزوج ا ه قوله (والصحيح عدم الجواز) قال في القنية قال يعني البديع والحاصل أنه على جواب شمس الأئمة الأوزجندي ونجم الدين النسفي والسيد أبي شجاع وأبي حامد والسرخسي يحل لها أن تتزوج بزوج آخر فيما بينها وبين الله تعالى وعلى جواب الباقين لا يحل وفي الفتاوى السراجية إذا أخبرها ثقة أن الزوج طلقها وهو غائب وسعها أن تعتد وتتزوج ولم
يقيده بالديانة ا ه كذا في شرح الوهبانية قلت هذا تأييد لقول الأئمة المذكورين فإنه إذا حل لها التزوج بإخبار ثقة فيحل لها التحليل هنا بالأولى أذا سمعت الطلاق أو شهد به عدلان عندها بل صرحوا بأن لها التزوج إذا أتاها كتاب منه بطلاقها ولو على يد غير ثقة إن غلب على ظنها أنه حق وظاهر الإطلاق جوازه في القضاء حتى لو علم بها القاضي يتركها فتصحيح عدم الجواز هنا مشكل إلا أن يحمل على القضاء وإن كان خلاف الظاهر فتأمل نعم لو طلقها وهو مقيم معها يعاشرها الأزواج ليس لها التزوج لعدم انقضاء عدتها منه كما سيأتي بيانه في العدة قوله (لا يحل له قتلها) ينبغي جريان الخلاف فيه بل القول بقتلها هنا أقرب من القول بقتلها له فيما مر لأنها ساحرة والساحر يقتل وإن تاب تأمل قوله (وقيل لا تقتله الخ) نقل في التاترخانية أيضا القول الأول بقتله عن الشيخ الإمام أبي القاسم وشيخ الإسلام أبي الحسن عطاء بن حمزة والإمام أبي شجاع ونقله عن فتاوي الإمام محمد بن الوليد السمرقندي عن عبد الله بن المبارك عن أبي حنيفة ونقل أيضا أن الشيخ الإمام نجم الدين كان يحكي قول الإمام أبي شجاع ويقول إنه رجل كبير وله مشايخ أكابر لا يقول ما يقول إلا عن صحة فالاعتماد على قوله ا ه وبه علم أنه قول معتمد أيضا قوله (وانقضت عدتها) إنما قال ذلك لتصير أجنبية لا يلحقها الطلاق الثلاث(3/462)
أقول وهذا إذا لم يكن انقضاء العدة معروفا لما سيذكره الشارح في آخر العدة عن القنية أيضا طلقها ثلاثا ويقول كنت طلقتها واحدة ومضت عدتها فلو مضيها معلوما عند الناس لم أنكر الثلاث وإلا أنكر ولو حكم عليه بوقوع الثلاث بالبينة بعد إنكاره فلو برهن أنه طلقها قبل ذلك بمدة طلقة لم يقبل ا ه قوله (أخذ بالثلاث) لأن إقدامه على الطلاق يدل على بقاء العصمة وتطلق ثلاثا بإقراره واحتياطا ط والله سبحانه وتعالى أعلم الإيلاء قوله (مناسبة البينونة مآلا) أي مناسبة ذكر عقب باب الرجعة ما ذكره في البحر من
أن الإيلاء يوجب البينونة في ثاني الحال كالطلاق الرجعي ا ه ويحتمل أن المناسب للبائن المذكور آخر باب الرجعة في قوله وينكح مبانته الخ لكن فيه أن المطلوب إبداء المناسبة بين كل باب وما قبله والبائن ذكر في باب الرجعة استطرادا فافهم قوله (هو لغة اليمين) وجمعه ألايا وفعله آلي يولي إيلاء كتصريف أعطى فتح قوله (وشرعا الحلف الخ) يشمل التعليق بما يشق فإنه يسمى يمينا كما قدمناه في باب التعليق ولهذا قال في الفتح وفي الشرع هو اليمين على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر فصاعدا بالله تعالى أو بتعليق ما يستشقه على القربان قال وهو أولى من قول الكنز الحلف على ترك قربانها أربعة أشهر لأن مجرد الحلف يتحقق في نحو إن وطئتك فلله علي أن أصلي ركعتين أو أغزو فإنه لا يكون بذلك موليا لأنه ليس مما يشق في نفسه وإن تعلق إشقاقه بعارض ذميم من النفس من الجبن والكسل ا ه وهذا ورد على المصنف وما أجاب به في البحر رده في النهر وشرح المقدسي قوله (على ترك قربانها) أي الزوجة حالا أو مالا كقوله لأجنبية إن تزوجتك فوالله لا أقربك لأن المعتبر وقت تنجيز الإيلاء كما يأتي فلا حاجة إلى قول ابن كمال إنه لا بد من أن يقال في التعريف حاصلا في النكاح أو مضافا إليه على أن ذلك كما قال في النهر شرط وشأن الشروط خروجها من التعريف ا ه ودخل في الزوجة حالا معتدة الرجعي وما لو آلى من زوجته الحرة ثم أبانها بطلقة ثم مضت مدة الإيلاء وهي معتدة فأنه يقع عليها أخرى كما سيأتي وأورد عليه القهستاني ما في الخانية لو آلى من زوجته الأمة ثم اشتراها فانقضت مدته لم يقع ا ه قلت يجاب بأن شراءها فسخ للعقد فكأنها لم تكن زوجة وقته أو بأن الشرط بقاء الزوجية أو أثرها كالعدة ولا عدة هنا كما لو مضت عدة الحرة قبل المدة ودخل أيضا الصغيرة ولو لا توطأ وقيد بالقربان أي الوطء لأنه لو حلف على غيره كوالله لا يمس جلدي جلدك أو لا أقرب فراشك ونحو ذلك ولم ينو الوطء لم يكن موليا كما يأتي قوله (مدته) أي الآتي بيانها قوله (ولو ذميا) تعميم لفاعل المصدر وهو قربانها ذكره هنا وإن صرح به المصنف بعد إشارة إلى دخوله في التعريف على قول الإمام لصحة حلفه وإن لم تلزمه الكفارة كما يأتي فافهم قوله (والمولى) بضم الميم وكسر اللام اسم فاعل من آلى قوله (إلا بشئ مشى يلزمه) الشرط كونه مشقا في نفسه(3/463)
كالحج ونحوه كما يأتي فخرج غيره كالغزو وصلاة ركعتين وإن عرض إشقاقه لجبن أو كسل كما مر عن الفتح ومن المشق الكفارة وأورد في البحر إيلاء الذمي بما في كفارة كوالله لا أقربك فإنه يصح عند الإمام بلا لزوم كفارة وما إذا قال لنسائه الأربع والله لا أقربكن فإنه يمكنه قربان ثلاث منهن بلا شئ يلزمه وأجاب عن الأول بما في الكافي من أنه ما خلا عن حنث لزمه بدليل أنه يحلف في الدعاوى بالله العظيم ولكن منع من وجوب الكفارة عليه مانع وهو كونها عبادة وهو ليس من أهلها قلت والجواب عن الثاني أن الإيلاء وقع على جملة الأربع لا على بعضهن ولذا لم يحنث بقربان البعض لأنه غير المحلوف عليه بل بعضه كما أفاده شراح الهداية فهو كقوله لا أكلم زيدا وعمرا لا يحنث بأحدهما ما لم يكلم الآخر وفي البدائع لو قال لامرأته وأمته والله لأقربكما لا يكون موليا من امرأته حتى يقرب الأمة ا ه أي لأن شرط الحنث قربانهما فلا يحنث بقربان إحداهما لكن إذا قربها تعين شرط البر بالمنع عن قربان الثانية فإن كانت الثانية هي الزوجة صار موليا منها ومقتضاه أنه لو قرب الثلاثة في المسألة المارة صار موليا من الرابعة تنبيه لو حلف على ترك قربانها بعتق عبده ثم باعه أو مات العبد سقط الإيلاء لأنه صار بحال لا يلزمه بقربانها فلو عاد إلى ملكه بعده البيع قبل القربان عاد حكم الإيلاء بدائع قوله (إلا لمانع كفر) إشارة إلى ما مر عن الكافي قوله (وركنه الحلف) أي الحلف المذكور قوله (بكونها منكوحة) أي ولو حكما كمعتدة الرجعي كما قدمناه وشمل ما لو أبانها بعده ثم مضت مدته في العدة كما مر وبه علم أنه لا يبطل بالإبانة بما دون الثلاث قال في البدائع والإيلاء لا ينعقد في غير الملك ابتداء وإن كان يبقى بدون الملك ا ه فخرجت الأجنبية والمبانة كما سيأتي وكذا الأمة والمدبرة وأم الولد لقوله تعالى * (للذين يؤلون من نسائهم) * (البقرة 226) والزوجة هي المملوكة ملك النكاح كما في البدائع قوله (ومنه) أي من كونها منكوحة وقت تنجيز الإيلاء إن تزوجتك فوالله لا أقربك لأن المعلق بالشرط كالمنجز عند وجود الشرط فهي منكوحة وقت
التنجيز ح قوله (ثم تزوجها) أي بعد ما وقع عليه الطلاق المعلق وقوله لزمه كفارة الخ معناه ثبت حكم الإيلاء وعمل عمله من لزوم الكفارة بالقربان في المدة ووقوع البائن يترك القربان وهذا لأنه لما علق الإيلاء والطلاق على التزويج نزلا مرتبين فنزل الإيلاء قبل البينونة ونزل الطلاق عقبة وبانت به لأنه قبل الدخول وزوال الملك لا يبطل حكم الإيلاء فإذا تزوجها في مدته عمل عمله أما لو قدم الطلاق على الإيلاء بطل حكمه عند الإمام لأنه ينزل عقب البينونة والإيلاء لا ينعقد في غير الملك كما أفاد في البحر في باب التعليق بقوله لو قال إن تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك ثم تزوجها وقع الطلاق ويلغو الظهار والإيلاء عنده لأنه ينزل الطلاق أولا فتصير مبانة وعندهما ينزلن جميعا ولو آخر الطلاق فتزوجها وقع وصح الظهار والإيلاء ا ه فافهم قوله (وأهلية الزوج للطلاق) أفاد اشتراط العقل والبلوغ فلا يصح إيلاء الصبي والمجنون لأنهما ليسا من أهل الطلاق ويصح إيلاء العبد مما لا يتعلق بالمال كإن قربتك فعلي صوم أو حج أو(3/464)
عمرة أو امرأتي طالق فإن حنث لزمه الجزاء أو والله لا أقربك فإن حنث لزمه الكفارة بالصوم بخلاف ما يتعلق بالمال مثل فعلي عتق رقبة أو أن أتصدق بكذا لأنه ليس من أهل مالك المال بدائع قوله (فصح إيلاء الذمي) أي عنده لا عندهما لكن كل من القولين ليس على أطلاقه لأن إيلاءه بما هو قربة محضة كالحج لا يصح اتفاقا وبما لا يلزم كونه قربة كالعتق يصح اتفاقا وبما فيه كفارة كوالله لا أقربك يصح عنده لا عندهما كما في البحر وغيره قوله (بغير ما هو قربة) أي محضة احترز به عن نحو الحج والصوم كما علمت قوله (وفائدته الخ) أي أن تصحيح إيلاء الذمي وإن لم تلزمه الكفارة بالحنث له فائدة وهي وقوع الطلاق بترك قربانها في المدة قوله (ومن شرائطه الخ) ومنها أن لا يقيد بمكان لأنه يمكن قربانها في غيره وأن لا يجمع بين الزوجة وغيرها كأمته أو أجنبية لأنه يمكنه قربان أمرأته وحدها بلا لزوم شئ كما مر وأما اشتراط أن لا يقيد بزمان فغير صحيح لأنه إن أريد بالزمان مدة الإيلاء فلا يصح نفيه وإن أريد نفي ما دونها فهو ما زاده الشارح فافهم نعم يشترط أن لا يستثنى بعض المدة مثل لا
أقربك سنة إلا يوما على تفصيل فيه سيأتي وأن لا يكون المنع عن القربان فقط لما في الولوالجية لو قال إن قربتك أو دعوتك إلى الفراش فأنت طالق لا يصير موليا لأنه يمكنه القربان بلا شئ يلزمه بأن يدعوها إلى الفراش فيحنث ثم يقربها في المدة ا ه قوله (وحكمه) أي الدنيوي أما الأخروي فالإثم إن لم يفئ إليها كما يفيده قوله تعالى * (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) * (البقرة 226) وصرح القهستاني عن النتف بأن الإيلاء مكروه وصرحوا أيضا بأن وقوع الطلاق بمضي المدة جزاء لظلمه لكن ذكر في الفتح أول الباب أن الإيلاء لا يلزمه المعصية إذ قد يكون برضاها لخوف غيل على الولد وعدم موافقة مزاجها ونحوه فيتفقان عليه لقطع لجاج النفس قوله (ولم يطأ) عطف تفسير والمراد بالوطء حقيقته عند القدرة أو ما يقوم مقامه كالقول عند العجز فالمراد ولم يفئ أي لم يرجع إلى ما حلف عليه قوله (والكفارة أو الجزاء) بالعطف بأو وفي بعض النسخ بالواو موافقا لما في الدرر الحربي المصنف وهي بمعنى أو لأن المراد بيان نوعية بقرينة قوله الآتي ففي الحلف بالله تعالى وجبت الكفارة وفي غيره وجب الجزاء أي المعلق عليه كالحج والعتق والطلاق ونحو ذلك ويمكن حمل الواو على معناها إذ يمكن اجتماع الكفارة والجزاء في نحو والله لا أقربك وإن قربتك فعلي حج كذا قيل وفيه أنهما إيلاء أن يجب بالحنث في أحدهما الكفارة وفي الآخر الجزاء وإن وقع عند البر طلاق واحد بدليل ما قالوا في والله لا أقربك إذا كرره ثلاثا ولم ينو التأكيد أنه أيمان ثلاثة يجب لكل كفارة ويقع بها طلقة واحدة كما سيأتي آخر الباب فافهم قوله (أن حنث بالقربان) أي الوطء حقيقة فلا يحنث بالفئ باللسان عند العجز عن الوطء لأنه غير المحلوف عليه ولو وطئ بعده في المدة حنث كما سيأتي قوله (أربعة أشهر) لا خلاف أنه إن وقع في غرة الشهر اعتبرت مدته بالأهلة ولو وقع وفي بعضه فلا رواية عن الإمام وقال الثاني تعتبر بالأيام وعن زفر اعتبار بقية الشهر بالأيام والشهر الثاني والثالث بالأهلة(3/465)
ويكمل أيام الشهر الأول بالأيام من أول الشهر الرابع نهر عن البدائع قوله (وللأمة شهران) يعم ما لو كان زوجها حرا ولو أعتقت في أثناء المدة بعد ما طلقت انتقلت إلى مدة الحرائر نهر ومثله
في البدائع قوله (فلا إيلاء) أي في حق الطلاق بدائع أي لا في حق الحنث فلو قال لحرة والله لا أقربك شهرين ولم يقربها فيهما لم تطلق ولو قربها فيهما حنث قوله (وسببه كالسبب في الرجعي) هو الداعي من قيام المشاجرة وعدم الموافقة نهر ومثله في شرح درر البحار وكأنه خص الرجعي لكونه أشبهه في البينونة مآلا على ما مر فتأمل قوله (صريح وكناية) وقيل ثلاثة صريح وما يجري مجراه وكناية فالصريح لفظان الجماع والنيك أما القربان والمباضعة والوطء فهي كنايات تجري مجرى الصريح قال في الفتح والأولى جعل الكل من الصريح لأن الصراحة منوطة بتبادر المعنى لغلبة الاستعمال فيه سواء كان حقيقة أو مجازا لا بالحقيقة وإلا لوجب كون الصريح لفظ النيك فقط وفي البدائع الافتضاض في البكر يجري مجرى الصريح ا ه وستأتي ألفاظ الكناية وفي البحر لو ادعى في الصريح أنه لم يعن الجماع لا يصدق قضاء ويصدق ديانة والكناية كل لفظ لا يسبق ألى الفهم بمعنى الوقاع منه ويحتمل غيره ولا يكون إيلاء بلا نية ويدين في القضاء قوله (فمن الصريح الخ) ذكر منه أربعة ألفاظ وأشار إلى أنه بقي غيرها فإن منه قوله للبكر لا أفتضك كما مر وفي المنتقى لا أنام معك إيلاء بلا نية وكذا لا يمس فرجي فرجك وهذا يخالف ما في البدائع من أن لا أبيت معك في فراش كناية وما في جوامع الفقيه من أنه لو قال لا يمس جلدي جلدك لا يصير موليا لأنه يمكن أن يلف ذكره بشئ أفاده في الفتح وظاهر ما في الجوامع أنه ليس صريحا ولا كناية قلت والذي يظهر ما في المنتقى من أن اللفظين من الصريح لما علمت من أن الصراحة منوطة بتبادر المعنى والمتبادر من قولك فلان نام مع زوجته هو الوطء نعم لا يتبادر ذلك من قولك بات معها في فراش وتبقى المخالفة في مسألة المس وما ذكر من الإمكان لا ينافي التبادر وإلا لزم أن تكون المباضعة كذلك لأنها بمعنى وضع البضع على البضع أي الفرج فيمكن أن يقال لا يلزم منه الجماع وكذا الافتضاض أي إزالة البكارة يمكن بأصبع ونحوها تأمل قوله (لو قال والله الخ) قيد بالقسم لأنه لو قال لا أقربك ولم يقل والله لا يكون موليا ذكره الإسبيحابي بحر أي لأنه لا بد من لزوم ما يشق قوله (وكل ما ينعقد به اليمين) كل مبتدأ
حذف خبره تقديره كذلك قال في البحر وأراد بقوله والله ما ينعقد به اليمين كقوله تالله وعظمة الله وجلاله وكبريائه فخرج ما لا ينعقد به كقوله بعدم الله لا أقربك وعليه غضب الله تعالى وسخطه إن قربتك ا ه ط قوله (لا أقربك) أي بلا بيان مدة أشار إلى أنه كالمؤقت بمدة الإيلاء لأن الإطلاق كالتأبيد ومثله لو جعل له غاية لا يرجى وجودها في مدة الإيلاء كقوله في رجب لا أقربك حتى أصوم المحرم وكقوله إلا في مكان كذا أو حتى تفطمي ولدك وبينهما أربعة أشعر(3/466)
فأكثر ولو أقل لم يكن موليا وكذا حتى تطلع الشمس من مغربها أو حتى تخرج الدابة أو الدجال استحسانا لأنه في العرف للتأبيد وكذا إن كان يرجى وجودها في مدته لكن لا يتصور بقاء النكاح معه كحتى تموتي أو أموت أو أطلقك ثلاثا أو حتى أملكك أو أملك شقصا منك وهي أمة وإن تصور بقاؤه كحتى أشتريك لا يكون موليا لأن مطلق الشراء لا يزيل النكاح لأنه قد يشتريها لغيره ولو زاد لنفسي فكذلك لأنه قد يكون الشراء فاسدا لا يملك إلا بالقبض حتى لو قال لنفسي وأقبضك كان موليا فيصير تقديره لا أقربك ما دمت في نكاحي ولو قال حتى أعتق عبدي أو أطلق زوجتي فهو إيلاء عندهما خلافا لأبي يوسف ولا خلاف في عدمه في حتى أدخل الدار أو أكلم زيدا كما في النهر وغيره قوله (لغير حائض الخ) في غاية البيان معزيا للشامل حلف لا يقربها وهي حائض لم يكن موليا لأن الزوج ممنوع عن الوطء بالحيض فلا يصير المنع مضافا لليمين ا ه وبهذا علم أن الصريح وإن كان لا يحتاج إلى النية لا يقع به لوجود صارف كذا في البحر وقيده الشرنبلالي بحثا بما إذا كان عالما بحيضها وفصل سعدي في حواشي العناية بحمل ما في الشامل على ما إذا قال لا أقربك ولم يقيد بمدة أما لو قال أربعة أشهر فإنه يكون موليا ولو كانت حائضا وهذا معنى قول الشارح هنا لغير حائض وقوله بعده في المقيد ولو لحائض وأوضحه في النهر بأنه إذا قيده بأربعة أشهر يكون قرينة على إضافة المنع إلى اليمين ا ه أقول هذا كله مبنى على أن قول الشامل وهي حائض ليس من كلام الزوج لكن ذكر المقدسي أنه حال من مفعول يقربها لا من فاعل حلف أي فهو من كلام الزوج
قلت وربما أفاده ما في كافي الحاكم حيث قال وإن حلف لا يقربها وهي حائض لم يكن موليا وإن حلف لا يقربها حتى تفعل شيئا تقدر على فعله قبل مضي أربعة أشهر لم يكن موليا وإن تأخر ذلك أربعة أشهر لم يضره ا ه فقوله حى تفعل من كلام الزوج قطعا فكذا قوله وهي حائض وقد أفاد علته بما ذكره بعده وهي أن مدة الحيض يمكن مضيها قبل أربعة أشهر فلا يصير موليا وإن زادت عليها ويؤيده تعليل الولوالجية بقوله لأنه منع نفسه عن قربانها في مدة الحيض وأنه أقل من أربعة أشهر ا ه ولو كانت العلة ما مر من كون الزوج ممنوعا عن الوطء بالحيض الخ لكان الواجب ذكر ذلك في شروط صحة الإيلاء بأن يقال يشترط في صحته أن لا يكون الزوج ممنوعا عن وطئها وقت الإيلاء ويرد عليه أنه يشمل ما إذا كانت محرمة أو معتكفة أو صائمة أو مصلية مع أنه سيأتي أنه يصح الإيلاء وهي محرمة وإن كان بينها وبين الحرم أكثر من أربعة أشهر ولا يكون فيؤه باللسان بل بالجماع لأن الإحرام مانع شرعي وهو لا يسقط حقها في الجماع فقد صح الإيلاء مع علمه بأنه ممنوع عن قربانها شرعا في مدة أربعة أشهر ففي حالة الحيض يصح بالأولى فما كان الجواب عن حالة الإحرام فهو الجواب عن حالة الحيض فاغتنم تحرير هذا المقام والسلام قوله (لتعيين المدة) أي لأن ذكر المدة قرينة على أن المنع لليمين لا للحيض بخلاف ما إذا لم يذكرها كما مر(3/467)
قوله (أو نحوه مما يشق) فعلي عمرة أو صدقة أو صيام أو هدى أو اعتكاف أو يمين أو كفارة يمين أو فأنت طالق أو هذه الزوجة أخرى أو فعبدي حر أو فعلي عتق لعبد مبهم أو فعلي صوم يوم بخلاف صوم هذا الشهر لأنه يمكنه قربانها بعد مضيه بلا شئ يلزمه ولو قال فعلي اتباع جنازة أو سجدة تلاوة أو قراءة القرآن أو تسبيحة أو الصلاة في بيت المقدس لم يكن موليا وفي الذخيرة خلاف محمد لأنها تلزم بالنذر كذا في الفتح وأشار في الفتح إلى الجواب عن قول محمد بأن المدار على لزوم ما يشق لا على صحة النذر وإلا لزم أن يكون موليا بالتعليق على صلاة ركعتين
والمذهب أنه يسقط النذر بصلاتها في غير بيت المقدس قوله (لعدم مشقتهما) أي وإن لزماه بالحنث لصحة النذر بهما وأشار إلى أنه لا تعتبر المشقة العارضة بنحو كسل كما لا تعتبر العارضة بالجبن في نحو فعلي غزو كما مر قوله (وقياسه الخ) هذا البحث لصاحب النهر وهو في غير محله لما تقدم من أن المولى هو الذي لا يمكنه قربان زوجته إلا بشئ مشق يلزمه فلا بد من كونه لازما وكونه مشقا ولا يصح النذر بقراءة القرآن وصلاة الجنازة وتكفين الموتى كما في أيمان القهستاني فإذا لم يصح نذره أمكنه قربانها بلا شئ يلزمه أصلا كما لو قال إن قربتك فعلي ألف وضوء فلا يكون موليا فافهم قوله (فأنت طالق أو عبده حر) كان ينبغي ذكره قبل قوله أو نحوه فإن قربها تطلق رجعية ويعتق العبد وظاهره وإن لم يكن ممن يشق عليه لأنه في الأصل مشق كما أفاده ط وقدمنا أنه لو باع العبد سقط الإيلاء ولو عاد إلى ملكه عاد ولو قال فعلي ذبح ولدي يصح ويلزمه بالحنث ذبح شاه كما في البدائع قوله (ومن الكناية الخ) ومنها لا أجمع رأسي ورأسك لا المسك لا أضاجعك لأغيظنك لأسوأنك فتح والأخيران باللام الجوابية وذكر أيضا أنه عد منها في البدائع الدنو وكذا لا أبيت معك وتقدم الكلام على الأخير قوله (ومن المؤبد الخ) لأنه يذكر في العرف للتأبيد ولأن له إمارات سابقة أخذت على أنه لا يقع في مدة أربعة أشهر وكان المناسب ذكر هذه الجملة عند قول المصنف الآتي لا لو كان مؤبدا كما فعل في الفتح قوله (فإن قربها في المدة الخ) إنما ذكره وإن أغنى عنه قوله سابقا وحكمه الخ ليرتب عليه ما بعده ا ه قوله (ولو مجنونا) لأن الأهلية تعتبر وقت الحلف لا وقت الحنث قوله (وجبت الكفارة) ولو كفر قبل الحنث لا تعتبر بحر قوله (وجب الجزاء) سيأتي في الأيمان أن في مثله يخير بين الوفاء بما التزمه من النذر أو كفارة اليمين رحمتي أي على الصحيح الذي رجع إليه الإمام شرنبلالية وهذا إن بقي الإيلاء فلو سقط بموت العبد المحلوف بعتقه فلا يجب شئ كما علمت(3/468)
قوله (وسقطت الإيلاء) عطف على حنث فلو مضت أربعة أشهر لا يقع طلاق لانحلال اليمين بالحنث وسواء حلف على أربعة أشهر أو أطلق أو على الأبد بحر قوله (بانت بواحدة) أي
بطلقة واحدة وقوله بمضيها أي بسبب مضي المدة وأشار إلى أنه لا حاجة إلى إنشاء تطليق أو الحكم بالتفريق خلافا للشافعي كما أفاده في الهداية قوله (ولو ادعاه) أي القربان في المدة قوله (لم يقبل قوله إلا ببينة) أي على إقراره في المدة أنه جامعها بحر لأنه في المدة يملك الإنشاء فيملك الإخبار فصح إشهامه عليه وتقدم في الرجعة نظيره وأنه من أعجب المسائل قوله (ولو بمدتين الخ) بأن حلف على ثمانية أشهر كما في الدر المنتقى تبعا ل القهستاني وهو مخالف لما في الكنز وغيره من قوله وسقط الإيلاء لو حلف على أربعة أشهر فإنه يقتضي أنه لو حلف على مدتين أو أكثر لا يسقط وهو معنى قوله إذ بمضي الثانية تبين بثانية لكن الشارح أنه يسقط بعد مضي المدتين قوله (تبين بثانية) يعني إذا تزوجها ثانيا وإلا فهو على غير الأصح الآتي في المؤبد إذ لا فرق يظهر بينهما ثم رأيت القهستاني قال وفي الثانية أي في مسألة المدتين إذا بانت ثم تزوجها ثانيا ثم مضت أربعة أشهر أخرى بانت بواحدة أخرى وسقط الإيلاء ا ه وفي الولوالجية والله لا أقربك سنة فمضى أربعة أشهر فبانت ثم تزوجها ومضى أربعة أشهر أخرى بانت أيضا فإن تزوجها ثالثا لا يقع لأنه بقي من السنة بعد التزوج أقل من أربعة أشهر قوله (لا لو كان مؤبدا) أي لا يسقط الحلف أي الإيلاء لو كان مؤبدا قال في الفتح هو أن يصرح بلفظ الأبد أو يطلق فيقول لا أقربك إلا أن تكون حائضا فليس بمول أصلا ا ه قوله (وكانت طاهرة) هو معنى قول الفتح إلا أن تكون حائضا وقد علمت فيه مما مر قوله (وفرع عليه فلو نكحها) أي فرع هذا الكلام وضمير عليه لقوله لا لو كان مؤبدا وأفاد أنه لا يتكرر الطلاق بدون تزوج لعدم منع حقها وقيل لو بانت بمضي أربعة أشهر بالإيلاء ثم مضت أربعة أخرى وهي في العدة وقعت أخرى فإن مضت أربعة أخرى وهي في العدة وقعت أخرى والأول أصح لأن وقوع الطلاق جزاء الظلم وليس للمبانة حق فلا يكون ظالما كما في الزيلعي ووافقه في الفتح والنهر وعليه المتون قوله (والمدة من وقت التزوج) سواء كان التزوج في العدة أو بعد انقضائها قال في النهر واختلف في اعتبار ابتداء مدته ففي الهداية وعليه جرى في الكافي أنها من وقت التزوج وقيد في النهاية والعناية تبعا ل التمرتاشي والمرغيناني بما إذا كان التزوج بعد انقضاء
العدة فإن كان فيها اعتبر ابتداؤه من وقت الطلاق قال الزيلعي وهذا لا يستقيم إلا على قول من قال بتكرر الطلاق قبل التزوج وقد مر ضعفه قال في الفتح فالأولى الإطلاق كما في(3/469)
الهداية ح قوله (فإن نكحها) أي المولى الذي انتهى ملكه بالثلاث ح أي نكحها قبل أن تتزوج بغيره وكذا بعده ولكنها مسألة الهدم الآتية قوله (لانتهاء هذا الملك) فهذه المسألة فرع ما إذا علق طلاقها بالدخول مثلا ثم نجز الثلاث فتزوجت بغيره ثم أعادها فدخلت لا تطلق خلافا لزفر وكذا لو آلى منها ثم طلقها ثلاثا بطل الإيلاء حتى لو مضت أربعة أشهر وهي في العدة لم يقع الطلاق خلافا لزفر ولو تزوجها بعد زوج آخر في الإيلاء المؤبد لا يعود الإيلاء خلافا له فتح قوله (بتنجيز الطلاق) أي بتنجيز طلقة أو طلقتين ح قوله (ثم عادت بثلاث) بأن تزويجها بعد زوج آخر بناء على قولهما إن الزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث ويثبت حلا جديدا فتعود للأول بثلاث لا بما بقي قوله (يقع بالأيلاء) الضمير عائد إلى الثلاث باعتبار معنى الطلاق الثلاث والأولى أن يقول أنكر بالتاء الفوقية يعني تطلق كلما مضى عليها أربعة أشهر لم يجامعها فيها حتى تبين بثلاث كذا قال في الفتح والنهر والتبيين قلت ولا بد من تقييده بأن يتزوجها بعد كل مدة على ما هو الأصح ليكون الطلاق جزاء الظلم كما مر وكأنهم أطلقوه هنا لقرب العهد فتأمل قوله (خلافا لمحمد) فعنده لا أنكر الثلاث بل ما بقي من واحدة أو ثنتين بناء على قوله إن الثاني لا يهدم ما دون الثلاث كما مر معي هذا الباب ومر اعتماد قوله قوله (بعد زوج آخر) مكرر بما ذكره المصنف قبل وكان الأولى للمصنف في التعبير أن يقول وكفر إن وطئ ليكون عطفا على جواب الشرط وهو قوله لم تطلق قوله (لبقاء اليمين للحنث) أي لحق الحنث وإن لم تبق في حق الطلاق فصار كما لو قال لأجنبية لا أقربك لا يكون بذلك موليا وتجب الكفارة إذا قربها زيلعي قوله (بعد هذين الشهرين) قيد اتفاقي لأنه لو قال شهرين كان الحكم كذلك كما صرح به في التبيين ح ومثله في الفتح والبحر قوله (لتحقق المدة) أي أربعة أشهر ولهذا لو قال لا أكلم فلانا يومين ويومين كان كقوله
لا أكلمه أربعة أيام والأصل في جنس هذه المسائل أنه متى عطف من غير إعادة حرف النفي ولا تكرار اسم الله تعالى يكون يمينا واحدا ولو أعاد حرف النفي أو كرر اسم الله تعالى يكون يمينين وتتداخل مدتهما بيانه لو قال والله لا أكلم زيدا يومين ولا يومين يكون يمينين ومدتهما واحدة حتى لو كلمه في اليوم الأول أو الثاني يحنث فيهما ويجب عليه كفارتان وإن كلمه في اليوم الثالث لا يحنث لانقضاء مدتهما وكذا لو قال والله لا أكلم زيدا يومين والله لا أكلم زيدا يومين لما ذكرنا ولو قال والله لا أكلمه يومين ويومين كان يمينا واحدا ومدته أربعة أيام حتى لو كلمه فيهما تجب(3/470)
عليه كفارة واحدة وعلى هذا لو قال والله لا أكلمه يوما ويومين كانت يمينا واحدة إلى ثلاثة أيام حتى لو كلمه فيها تجب كفارة واحدة ولو قال والله لا أكلمه يوما ولا يومين أو قال والله لا أكلمه يوما والله لا أكلمه يومين يكون يمينين فمدة الأولى يوم ومدة الثانية يومان حتى لو كلمه في اليوم الأول يجب عليه كفارتان وفي اليوم الثاني كفارة واحدة ولو كلمة في اليوم الثالث لا يحنث لانقضاء مدتهما وعلى هذا لو قال والله لا أقربك شهرين ولا شهرين أو قال والله لا أقربك شهرين والله لا أقربك شهرين لا يكون موليا لأنهما يمينان فتتداخل مدتهما حتى لو قربها قبل مضي شهرين تجب عليه كفارتان ولو قربها بعض مضيهما لا يجب عليه شئ لانقضاء مدتهما زيلعي قلت وحاصله أنه يحكم بتعدد اليمين بإعادة حرف النفي أو بتكرار اسم الله تعالى ومتى كانت اليمين متعددة كانت المدة متحدة أي تكون المدة في اليمين الأولى داخلة في مدة اليمين الثانية ومتى كانت اليمين متحدة كانت المدة متعددة أي تكون المدة الثانية غير الأولى وقد تتعدد المدة مع تعدد اليمين بأن نص على مغايرة المدة فيجب في كل مدة كفارة واحدة كما يأتي في المسألة الثانية قوله (ولو مكث يوما) يعني بعد قوله والله لا أقربك شهرين قوله (إذ الساعة كذلك) أي الزمانية فالمراد أن يفصل بين الحلفين بفاصل قوله (قال بعد الشهرين الأولين أولا) أي أن التقييد بالظرف هنا اتفاقي كما في المسألة الأولى قوله (لنقص المدة) أي بقدر الفاصل بين الحلفين وهو اليوم مثلا لأن مدة الامتناع عن قربانها في الحلف الأول شهران وفي
الثاني شهران بعدهما وبين الحلفين مدة لم يلزمه شئ بقربانها فيها فلم توجد مدة الإيلاء بخلاف المسألة الأولى فإن الأربعة أشهر فيها لا فاصل بينها كما مر وهذا إن قال هنا بعد الشهرين الأولين فإنه نص على تغاير المدة وإن تعدد القسم أما إذا لم يقله تتحد المدة لتعدد القسم بتكرار اسمه تعالى بلا موجب لتعدد المدة فلم توجد مدة الإيلاء أيضا قوله (لكن إن قاله الخ) استدراك على ما ذكره من عدم الفرق بين ذكر الظرف وعدمه أي أنه لا فرق بينهما من حيث إنه لا يكون موليا ولكن بينهما فرق من جهة أخرى أفادها في الفتح وغيره وهي أنه إن قاله تتعين مدة اليمين الثانية كذا في البحر والنهر أي تصير مرادة بعينها غير داخلة فيما قبلها وعبر الشارح عن هذا بقوله اتحدت الكفارة أخذا من قوله في الفتح في هذه الصورة فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة وكذا في الشهرين الآخرين لأنه لم يجتمع على الشهرين يمينان بل على كل شهرين يمين واحدة ا ه وما توارد عليه شراح الهداية من أنه يلزمه بالقربان كفارتان قال في الفتح إنه خطأ لما علمت قال في النهر لأنه إذا كان لكل يمين مدة على حدة فلا تداخل بين المدتين حتى تلزمه الكفارتان إلا أن يراد القربان في مدتيهما كذا في الحواشي السعدية وعندي أن هذا الحل مما يجب المصير إليه ا ه(3/471)
قلت وما وقع في الفتح وتبعه عليه في البحر من قوله ولكن تتداخل المدتان فلو قربها في الشهرين الأولين لزمته كفارة واحدة الخ سبق قلم وصوابه لا تتداخل ولم أر من نبه عليه ولكن المعنى وسوابق الكلام ولواحقه أخذت عليه وكذا صريح ما نقلناه عن النهر وأما إذا لم يقل بعد الشهرين الأولين تصير مدتهما واحدة وتتأخر الثانية عن الأولى بيوم كذا في البحر والنهر وعبر الشارح عن هذا بقوله وإلا تعددت أي وإن لم يقله تعددت الكفارة أخذا من قوله في الفتح لم يكن موليا لتداخل المدتين فتتأخر المدة الثانية عن الأولى بيوم واحد أو ساعة بحسب ما فصل بين اليمينين فالحاصل من اليمينين الحلف على شهرين ويوم أو ساعة على حسب الفاصل ا ه قلت وحاصله أنه لما قال لا أقربك شهرين ثم بعد يوم مثلا قال كذلك اتحدت المدتان لتعدد
القسم كما مر لكن اليوم الفاصل بين اليمينين دخل في اليمين الأولى دون الثانية فلزم تكميل الشهرين في اليمين الثانية بزيادة يوم على الشهرين وهذا اليوم الزائد دخل في اليمين الثانية دون الأولى عكس اليوم الفاصل ولزم من هذا تداخل الحدتين ما عدا اليومين المذكورين لأنه لم يجتمع عليهما يمينان فلو قربها في أحدهما تلزمه كفارة واحدة بخلاف بقية المدة لدخولها تحت اليمينين فتتعدد فيها الكفارة هذا ما ظهر لي في هذا المقام قوله (إلا يوما) مثله الساعة ط عن الحموي قوله (لم يكن موليا للحال) لأنه استثنى يوما منكرا فيصدق على كل يوم من أيام السنة حقيقة فيمكنه قربانها قبل مضي أربعة أشهر من غير شئ يلزمه وصرفه إلى الأخير كما يقوله زفر إخراج له عن حقيقته وهي التنكير إلى التمكين بلا حاجة بخلاف قوله إلا نقصان يوم لأن النقصان لا يكون عرفا إلا من آخرها وبخلاف قوله أجرتك داري أو أجلت ديني سنة إلا يوما فإنه يراد به الأخير لحاجة تصحيح العقد وتأخير المطالبة وبخلاف قوله والله لا أكلم زيدا سنة إلا يوما لأن الحامل وهو المغايضة اقتضى عدم كلامه في الحال فتأخر والإيلاء قد يكون عن تراض كما مر وإن كان عن مغايظة لكن لزوم أحد المكروهين فيه لو تأخر عارض جهة المغايظة فتساقطا وعمل بمقتضى اللفظ وهو التنكير هذا حاصل ما في البحر والنهر قوله (بل إن قربها) أي في يوم ولم يقربها بعده قوله (وصار موليا) أي إذا غربت الشمس من ذلك اليوم لا بمجرد القربان بخلاف قوله سنة إلا مرة فإنه إذا قربها صار موليا من ساعته بحر قوله (وإلا لا) أي وإن لم يبق أربعة أشهر لا يصير موليا قوله (فيصير موليا) أي مؤبدا لأن ما بعد اليوم المستثنى لا غاية له فيجري عليه ما مر به حكم الإيلاء المؤبد ولو حذف قوله إلا يوما وتركها سنة صار موليا ووقع عليه طلقتان فقط كما في البحر عن الولوالجية وقدمنا عبارتها قوله (لم يكن موليا أبدا) سواء قربها أو لا بحر قوله (وهي بها) أي قال ذلك والحال أن زوجته بمكة قوله (فيطأها) أي في المدة من غير شئ يلزمه فإن كان لا يمكنه بأن كان بين الموضعين ثمانية أشهر صار موليا على ما في جوامع الفقه وأما على ما ذكره قاضيخان فالعبرة لأربعة أشهر والذي يظهر ضعفه لإمكان خروج(3/472)
كل منهما إلى الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك بحر وفيه أنه لم يتحقق الإيلاء على كل من القولين لأنه الحلف على ترك قربانها والحلف هنا على عدم الدخول وقد يجاب بأنه من كناية فلا يكون موليا به إلا بالنية ط قوله (لبقاء الزوجية) فيتناولها قوله تعالى * (للذين يؤلون من نسائهم) * (البقرة 226) واعترض بأن الإيلاء جزاء الظلم بمنع حقها والرجعية لا حق لها فيه لا قضاء ولا ديانة حتى استحب له مراجعتها بدون الجماع فلا يكون ظالما وأجاب شمس الأئمة الكردي بأن الحكم في المنصوص مضاف إلى النص لا إلى المعنى وتمامه في العناية قال في الفتح ألا ترى لا يثبت الإيلاء وأثرا سقطت حقها في الجماع لخوف الغيل على ولد أو غيره فعلم أن التعليل بالظلم باعتبار بناء الأحكام على الغالب قوله (ويبطل بمضي العدة) أي بمضيها قبل تمام مدته أما لو كانت من ذوات الإقراء وامتد طهرها بانت بمضي مدته نهر قوله (من مبانته) أي بثلاث أو ببائن نهر قوله (نكحها) أي الأجنبية بعده فلو مضي أربعة أشهر وهي في نكاحه ولم يقربها لم تبن وأما لو نكح المبانة فنذكره قريبا عن الخانية قوله (ولم يضفه للملك) أما إذا أضافه بأن قال إن تزوجتك فوالله لا أقربك كان مواليا ط قوله (كما مر) في شرح قول المصنف وشرطه محلية المرأة ط قوله (لفوات محله) لأن شرط محلية المرأة بكونها منكوحة وقت تنجيز الإيلاء كما قدمه المصنف قوله (لبقاء اليمين) أي في حق وجوب الكفارة عند الحنث لأن انعقاد اليمين يعتمد التصور حسا لا شرعا ألا ترى أنها تنعقد على ما هو معصية فتح قوله (ولو آلى) أي من زوجته فأبانها بعده صح أشار به إلى بقاء النكاح بعده غير شرطه قوله (وإلا لا) أي وإن لم تمض المدة في العدة بل بعدها لا تبين وفي الخانية أيضا إن تزوجها قبل انقضاء العدة كان الإيلاء على حاله حتى لو تمت أربعة أشهر من وقت الإيلاء بانت بأخرى وإن تزوجها بعد انقضاء العدة كان موليا وتعتبر مدته من وقت التزوج قوله (عجز عن وطئها) ظاهر صنيعه أن العجز حدث بعد الإيلاء مع أنه يشترط في العجز دوامه من وقت الإيلاء إلى مضي مدته كما يأتي التصريح به فالمراد به العجز القائم لا العارض ثم رأيت في الهندية عن الفتح هذا إذا كان عاجزا من وقت الإيلاء إلى
مضي أربعة أشهر الخ ثم قال وإن كان الإيلاء معلقا بالشرط فإنه تعتبر الصحة والمرض في حق جواز الفئ باللسان حال وجود الشرط لا حالة التعليق ا ه قوله (عجزا حقيقيا) بأن لا يكون المانع عن الوطء شرعيا فإنه لو كان شرعيا يكون قادرا عليه حقيقة عاجزا عنه حكما كما في البدائع(3/473)
قوله (لا حكميا كإحرام) أي كما إذا آلى من إمرأته وهي محرمة أو هو محرم وبينهما وبين الحج أربعة أشهر فإن فيأه لا يصح إلا بالفعل وإن كان عاصيا في فعله كذا في التاترخانية عن شرح الطحاوي وعلله في الفتح والبحر بأنه المتسبب باختياره بطريق محظور فيما لزمه فلا يستحق تخفيفا ا ه وقوله فيما لزمه أي من وقوع الطلاق وهو متعلق بالمتسبب والطريق المحظور هو الإيلاء فإنه فعله باختياره فكان متسببا فيما لزمه مع قدرته على الجماع حقيقة ظالما بمنع حقها وهو حق عبده فلا يسقط وإن عجز عنه حكما بسبب الإحرام ولا يكون عجزه الحكمي سببا للتخفيف بالفئ باللسان لأنه بمباشرته المحظور لم يستحق التخفيف وإنما استحقه في العجز الحقيقي لأنه لا تكليف بما لا يطاق فصار كالعاصي بسفره إذا عجز عن الماء يباح له التيمم هذا ما ظهر لي قوله (لكونه باختياره) أي لكون الإيلاء لا الإحرام كما ظهر لك مما قررناه ولا سيما في صور إحرام المرأة وهذا يؤيد ما قلنا من أن حيضها غير مانع من صحة الأيلاء لأن غايته أنه مانع شرعي وإلا لزم أن لا يصح في مسألة الإحرام كما قدمناه قوله (أو صغرها) أما صغره فهو مانع من صحة الأيلاء كما قدمناه قوله (أو رتقها) رتقت المرأة من باب تعب فهي رتقاء إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ولا يستطاع جماعها مصباح قوله (أو جبة أو عنته) أي كونه مجبوبا أو عنينا قوله (أو بمسافة الخ) عطف على قوله لمرض قوله (في مدة الإيلاء) أي أربعة أشهر أو أكثر كما صرح به في الفتح وكافي الحاكم الشهيد وقال وإن كان أقل من أربعة أشهر لم يجز الفئ إلا بالجماع أي وإن منعه سلطان أو عدو ولأنه نادر على شرف الزوال كما في الفتح قوله (أو لحبسه الخ) قال في الفتح واختلف في الحبس فصحح الفئ باللسان بسببه في البدائع وفي
شرح الطحاوي خلافه وهو جواب الرواية نص عليه الحاكم في الكافي ووفق في البدائع بحمل ما في الكافي وشرح الطحاوي على إمكان الوصول إلى السجن بأن الخطبة عليه فيجامعها والحبس بحق لا يعتبر في الفئ باللسان وبظلم يعتبر ا ه فما ذكره الشارح هو التوفيق المذكور وأفاد في الفتح بقوله والحبس بحق الخ أن هذا الخلاف والتوفيق إنما هو فيما إذا كان الحبس بظلم فلو بحق لا يعتبر أصلا لأنه قادر على الخروج منه بإيفاء الحق ويحتمل أن يكون إشارة إلى توفيق آخر وعليه مشى المقدسي قوله (فليراجع) قال ح راجعناه فرأينا منقولا في الفتاوي الهندية عن غاية السروجي قلت ولقد أبعد في النجعة فإنه مذكور في الفتح كما سمعته قوله (وكذا حبسها) أي سواء كان بحق أو بظلم لأن العذر إذا لم يكن منه لم يقدر على رفعه رحمتي قوله (ونشوزها) قال في البحر ودخل تحت العجز أن تكون ممتنعة منه أو كانت في مكان لا يعرفه وهي ناشزة أو حال القاضي بينهما لشهادة الطلاق الثلاث للتزكية قوله (ففيؤه الخ) أي المبطل للإيلاء في حق الطلاق أما في حق بقاء اليمين باعتبار الحنث فلا حتى لو وطئها بعد الفئ باللسان في مدة الإيلاء لزمه كفارة لتحقق الحنث بحر لأن اليمين لا تنحل إلا بالحنث(3/474)
والحنث إنما يحصل بفعل المحلوف عليه والقول ليس محلوفا عليه فلا تنحل اليمين بدائع قوله (بلسانه) قيد به لأن المريض لوفاء بقلبه لا بلسانه لا يعتبر بحر عن الخانية وقيل يعتبر إن صدقته والأول أوجه فتح قوله (ونحوه) كرجعتك وارتجعتك فقول المصنف نحو قوله الخ لبيان أن لفظ فئت غير قيد وقول الشارح هنا ونحوه لبيان أنه لم يستوف ألفاظه لأن المراد يدل على الفئ فافهم قوله (فإن قدر على الجماع الخ) شمل ما إذا كان قادرا وقت الإيلاء ثم عجز بشرط أن يمضي زمن يقدر على وطئها بعد الإيلاء وما إذا كان عاجزا وقته ثم قدر في المدة وقيد بكونه في المدة لأنه لو قدر عليه بعدها لا يبطل بحر قوله (لأنه الأصل) أي واللسان خلفه وإذا قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل كالمتيمم إذا رأى الماء في صلاته بحر قوله (فإن وطئ في غيره) كذا إذا وطئها حال الحيض أو قبلها بشهوة أو لمسها أو نظر إلى فرجها بشهوة كما
في الهندية ط قلت لكن الذي في الهندية خلاف ما نقله عنها في مسألة الحيض ونصها المريض المولى إذا جامع فيما دون الفرج لا يكون ذلك فيئا منه وإن قربها في حالة الحيض يكون فيئا كذا في الظهيرية ا ه ويؤيده ما قدمناه عن التاترخانية من صحة الفئ بالوطء حال الإحرام فإن المانع الشرعي موجود في كل منهما فافهم قوله (ومفاده الخ) أي مفاد قوله قدر على الجماع الخ أنه يشترط لصحة الفئ باللسان دوام العجز قلت ومفاد هذا الشرط أنه لو زال العجز بطل الفئ باللسان وأن وجد في المدة عجز غيره لما في جامع الفصولين في الطلاق المريض إذا آلى مريض ثم مرضت امرأته قبل برئه ثم برئ وبقيت مريضة إلى مضي المدة فإن فيئه بجماع عندنا وعند زفر بلسانه لنا أنه اختلف سبب الرخصة إذا كلا المريضين يوجب جواز الفئ بلسانه واختلاف أسباب الرخصة يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى على الثانية وتصير الأولى كأن لم تكن كمسافر تيمم لعدم الماء ثم مرض مرضا يبيح له التيمم بانفراده كذا هنا مرض المرأة يبيح الفئ بلسانه فلا يبني حكمه على مرض الزوج ا ه ح وقد لخص الشارح هذه العبارة في باب التيمم لكن في الفتح والبدائع ولو آلى إيلاء مؤبدا وهو مريض وبانت بمضي المدة ثم صح وتزوجها هو مريض ففاء بلسانه لم يصح عندهما وصح عند أبي يوسف وهو الأصح على ما قالوا لأن الإيلاء وجد منه وهو مريض وعاد حكمه وهو مريض وفي زمان الصحة هي مبانة لا حق لها في الوطء فلا يعود حكم الإيلاء فيه ولهما أنه إذا صح في المدة الثانية فقد قدر على الجماع حقيقة فسقط اعتبار الفئ باللسان في تلك المدة وإن كان لا يقدر على جماعها إلا بمعصية كما مر فيما إذا كان محرما ا ه فهنا اختلف سبب الرخصة ولم يعتبر على قول أبي يوسف فتأمل ولعل الجواب أن احتلاف أسباب الرخصة إنما يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى إذا اجتمع السببان في وقت واحد فإنه حينئذ يعتبر الأول ويلغو الثاني فإذا زال الأول لم يعتبر الثاني بعد الحكم بإلغائه بخلاف ما إذا وجد الثاني(3/475)
بعد زوال الأول فإن الثاني يعمل عمله لعدم ما يلغيه كما في المسألة الثانية ويدل على ذلك أنهم لم يعللوا قول الإمامين باختلاف أسباب الرخصة كما سمعت فاغتنم هذا التحرير فإنه مفرد قوله (وبه صرح في الملتقى) قلت وكذا في البدائع قوله (وفي الحاوي الخ) من فروع الشرط المذكور كما في البدائع قوله (ثم مرض) أي بعد مضي مدة من صحته يقدر فيها على الجماع فإن كان لا يقدر لقصرها ففيؤه بالقول لأنه ليس بمفرط في ترك الجماع فكان معذورا بدائع قوله (وبقي شرط ثالث) أي زائد على ما مر من اشتراط العجز واشتراط دوامه قوله (وهو قيام النكاح) بأن تكون زوجته غير بائنة منه قوله (بقي الإيلاء) فإن تزوجها ومضت المدة تبين منه لأن الفئ بالقول حال قيام النكاح إنما يرفع الإيلاء في حق الطلاق لحصول إيفاء حقها به ولا حق لها حال البينونة بخلاف الفئ بالجماع فإنه يصح بعد ثبوت البينونة حتى لا يبقى الإيلاء بل يبطل لأنه حنث بالوطء فانحلت اليمين وبطلت ولم يوجد الحنث وها هنا لا تنحل اليمين ولا يرتفع الإيلاء بدائع في قوله أنت علي حرام قوله (قال لامرأته أنت علي حرام إيلاء إن نوى التحريم الخ) أقول هكذا عبارة المتون هنا وعبارتها في كتاب الأيمان كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب والفتوى على أنه تبين امرأته من غير نية وذكر في الهداية هناك أنه ينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة فيحنث إذا أكل وشرب ولا يتناول المرأة إلا بالنية وإذا نواها كان الإيلاء ولا يطلق اليمين عن المأكول والمشروب وهذا كله جواب ظاهر الرواية ثم ذكر المشايخ المتأخرين أنه تبين امرأته بلا نية وحاصله أن ظاهر الرواية انصرافه للطعام والشراب عرفا وإذا نوى تحريم المرأة لا يختص بها بل يصير شاملا لها وللطعام والشراب وبه ظهر أن ما هنا من التفصيل بين نية تحريم المرأة أو الظهار أو الكذب أو الطلاق خاص بما إذا لم يكن اللفظ عاما بخلاف ما إذا كان عاما مثل كل حل أو حلال الله أو حلال المسلمين فإنه ينصرف للطعام والشراب بلا نية للعرف وللمرأة أيضا إن نواها والفتوى على
قول المتأخرين بانصرافه إلى الطلاق البائن عاما كان أو خاصا فاغتنم هذا التحرير قوله (ونحو ذلك) أي من الألفاظ الخاصة كما علمت قوله (إيلاء الخ) أي مطلق في معنى المؤبد وقد مر حكمه قال في الدر فإن هذا اللفظ مجمل فكان بيانه إلى المجمل فإن قال أردت به التحريم أو لم أرد به شيئا كان يمينا ويصير به موليا لأن تحريم الحلال يمين قوله (وظهار إن نواه) لأن في الظهار حرمة فإذا نواه صح لأنه محتملة درر قوله (وهدر) بالتحريك أي باطل قوله (إن نوى الكذب) لأنه نوى حقيقة كلامه إذ حقيقته وصفها بالحرمة وهي موصوفة بالحل فكان كذبا(3/476)
وأورد لو كان حقيقة كلامه لانصراف إليه بلا نية مع أنه بلا نية ينصرف إلى اليمين والجواب أن هذه حقيقة أولى فلا تنال إلا بالنية واليمين الحقيقة الثانية بواسطة الاشتهار بحر عن الفتح وحاصله أن الأولى حقيقة لغوية والثانية عرفية قوله (وأما قضاء فإيلاء) أي لا يصدق في القضاء أنه أراد الكذب لأن تحريم الحلال يمين بالنص هذا قول شمس الأئمة السرخسي قال في الفتح وهذا هو الصواب على ما عليه العمل والفتوى كما سنذكر والأول قول الحلواني وهو ظاهر الرواية لكن الفتوى على العرف الحادث ا ه وحاصله أن فيه عرفين عرف أصلي وهو كونه بمعنى الإيلاء وعرف حادث وهو إرادة الطلاق وما قاله شمس الأئمة من أنه لا يصدق في القضاء بل يكون إيلاء مبني على العرف الأصلي والفتوى على العرف الحادث لأن كلام كل عاقد وحالف ونحوه يحمل على عرفه وإن خالف ظاهر الرواية كما قالوا من أن الحاكم أو المفتي ليس له أن يحكم أو يفتي بظاهر الرواية ويترك العرف فكذا الصواب ما قاله شمس الأئمة من أنه لا يصدق قضاء ولكن حمله على الإيلاء ليس هو الصواب في زماننا بل الصواب في حمله على الطلاق لأنه العرف الحادث المفتى به فقوله في الفتح وهذا هو الصواب على ما عليه العمل والفتوى احتراز عن إرادة اليمين أي الإيلاء الذي هو العرف الأصلي وبهذا التقرير سقط ما في البحر والنهر من أن فيه نظرا لأن العمل والفتوى إنما هو في انصرافه إلى الطلاق من غير نية لا في كونه يمينا ا ه قوله (إن نوى الطلاق)
أي أو دلت عليه الحال نهر أي بأن كان في حال مذاكرة الطلاق أما في حالة الرضا أو الغضب فلا بد من النية لأنه مما يصلح سبا كما مر في الكنايات فافهم وشمل نية الطلاق ما إذا نوى واحدة أو ثنتين في الحرة وما إذا طلقها واحدة ثم قال أنت علي حرام ناويا ثنتين فإنه وإن تم به الثلاث لم يقع بالحرام إلا واحدة كما في البحر وسيأتي في الفروع آخر الباب خلافا لما يوهمه كلام الفتح من أنه لا يقع به شئ كما سنذكره قوله (وثلاث إن نواها) لأن هذا اللفظ من الكنايات على ما مر وفيها تصح نية الثلاث نهر ولا تصح نية الثنتين لأنهما عدد محض كما مر إلا إذا كانت أمة قوله (وإن لم ينوه) هذا في القضاء وأما في الديانة فلا يقع ما لو ينو وعدم نية الطلاق صادق بعدم نية شئ أصلا وبنية الظهار أو الإيلاء فإنه لا يصدق قضاء كما صرح به الزيلعي حيث قال وعن هذا لو نوى غيره لا يصدق قضاء ح قلت الظاهر أنه إذا لم ينو شيئا أصلا يقع ديانة أيضا قال في البحر وذكر الإمام ظهير الدين لا نقول لا تشترط النية لكن يجعل عرفا ا ه وفي الفتح فصار كما إذا تلفظ بطلاقها لا يصدق في القضاء بل فيما بينه وبين الله تعالى ا ه فهذا ظاهر فيما قلنا فافهم قوله (لغلبة(3/477)
العرف) إشارة إلى ما في البحر حيث قال فإن قلت إذا وقع الطلاق بلا نية ينبغي أن يكون كالصريح فيكون الواقع به رجعيا قلت المتعارف به إيقاع البائن كذا في البزازية ا ه أقول وفي هذا الجواب نظر فإنه يقتضي أنه لو لم يتعارف به إيقاع البائن يقع به الرجعي كما في زماننا فإنه المتعارف الآن استعمال الحرام في الطلاق ولا يميزون بين الرجعي والبائن فضلا عن أن يكون عرفهم فيه البائن وعلى هذا فالتعليل بغلبة العرف لوقوع الطلاق به بلا نية وأما كونه بائنا فلأنه مقتضى لفظ الحرام لأن الرجعي لا يحرم الزوجة ما دامت في العدة وإنما يصح وصفها بالحرام بالبائن وهذا حاصل ما بسطناه في الكنايات فافهم تنبيه قال الخير الرملي في حاشية المنح في كتاب الأيمان أقول أكثر عوام بلادنا لا يقصدون بقولهم أنت محرمة علي أو حرام علي أو حرمتك علي إلا حرمة الوطء المقابل لحمله ولذلك
أكثرهم يضرب مدة لتحريمها ولا يريد قطعا إلا تحريم الجماع إلى هذه المدة ولا شك أنه يمين موجب للإيلاء تأمل فقل من حقق هذه المسألة على وجهها وانظر إلى قولهم لا نقول لا تشترط النية لكن يجعل ناويا عرفا فهو صريح في اعتبار العرف فإن لم يكن العرف كذلك بل كان مشتركا تعين اعتبار النية وتصديق الحالف كما هو مذهب المتقدمين ا ه وفي أيمان الفتح وقال البزدوي في مبسوطه لم يتضح لي عرف الناس في هذا أي في كل حل علي حرام لأن من لا امرأة به يحلف به كما يحلف ذو الحليلة ولو كان العرف مستفيضا في ذلك لما استعمله إلا ذو الحليلة فالصحيح أن نقول إن نوى الطلاق يكون طلاقا فأما من غير دلالة فالاحتياط أن يقف الإنسان فيه ولا يخالف المتقدمين واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا بل المتعارف فيه حرام علي كلامك ونحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة فضالة وتعارفوا أيضا الحرام يلزمني ولا شك في أنهم يريدون الطلاق معلقا فأنهم يزيدون بعده لا أفعل كذا فهي طلاق ويجب إمضاؤه عليهم والحاصل أن المعتبر في انصراف هذه الألفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره يصدق ديانة لا قضاء ا ه ما في الفتح وتبعه في البحر قلت والمتعارف في ديارنا إرادة الطلاق بقولهم علي الحرام لا أفعل كذا دون غيره من الألفاظ المذكورة قوله (ولذا لا يحلف به إلا الرجال) أي حيث يقال إن فعلت كذا فكل حلال عليه حرام قوله (ولو لم تكن له امرأة) قال في البزازية وفي المواضع التي يقع الطلاق بلفظ الحرام إن لم تكن له امرأة إن حنث لزمته الكفارة والنسفي على أنه لا تلزمه ا ه ومثله في البحر قلت وفي الظهيرية ما يفيد التوفيق فإنه قال وإن حلف بهذا اللفظ أنه ما كان فعل كذا وقد كان فعل ولم تكن له امرأة لا يلزمه شئ لأنه جعل يمينا بالطلاق ولو جعلناه يمينا بالله تعالى فهو غموس وإن حلف على أمر في المستقبل ففعل وليس له امرأة كان عليه الكفارة لأن تحريم الحلال يمين ا ه فيحمل كلام النسفي على الحلف على غير المستقبل
وبما قررناه ظهر لك أن ما في أيمان النهاية عن النوازل إن لم تكن له امرأة تلزمه الكفارة معناه إذا حلف على أنه لا يفعل كذا في المستقبل وحنث بفعله لا كما حمله عليه في البحر هناك(3/478)
من أن معناه إذا أكل أو شرب وقال لانصرافه عند عدم الزوجة إلى الطعام والشراب ا ه لأن انصرافه إلى ذلك قبل تغير العرف بإرادة الطلاق من لفظ الحرام أما بعده فيصير يمينا عند عدم الزوجة كما سمعت من كلامهم ويأتي قريبا مثله قوله (أو حلفت به المرأة) قال في البحر قيد بالزوج لأن الزوجة لو قالت لزوجها أنا عليك حرام أو حرمتك صار يمينا حتى لو جامعها طائعة أو مكرهة تحنث ا ه وقوله طائعة أو مكرهة أولى من قول الفتح فلو مكنته حنثت وكفرت قوله (كما لو ماتت الخ) نص عبارة البزازية وإذا كان له امرأة وقت الحلف وماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط الصحيح أنه لا تطلق امرأته المتزوجة وعليه الفتوى لأن حلفه صار حلفا بالله تعالى وقت الوجود فلا ينقلب طلاقا ا ه وهكذ نقل العبارة في البحر عن البزازية ولا يخفى أن التعليل لا يناسب ما قبله وفي العبارة سقط يدل عليه ما نقله عن الخانية ونصه وإن كان له امرأة وقت اليمين فماتت قبل الشرط أو بانت لا إلى عدة ثم باشر الشرط لا تلزمه كفارة اليمين لأن يمينه انصرفت إلى الطلاق وقت وجودها وإن لم تكن له امرأة وقت اليمين فتزوج امرأة ثم باشر الشرط اختلفوا فيه قال الفقيه أبو جعفر تبين المتزوجة وقال غيره لا تطلق وعليه الفتوى لأن يمينه جعلت يمينا بالله تعالى وقت وجودها فلا تصير طلاقا بعد ذلك ا ه قلت ومثله في أيمان البحر عن الظهيرية فقد سقط من عبارة البزازية قوله ثم باشر الشرط إلى قوله ثانيا ثم باشر الشرط قوله (ومثله) أي مثل أنت علي حرام والأولى ذكر هذه الجملة عند أول المسألة كما فعل في النهر قوله (والحرام يلزمني) هذا ذكره في الفتح كما قدمناه ومثله علي الحرام كما مر قوله (أو لم يقل علي) رد على صاحب خزانة الأكمل حيث اشترط كما أوضحه في البحر عن القنية وقدمناه في الكنايات عن البحر أنه إذا أضاف الحرمة أو البينونة إليها كأنت بائن أو حرام وقع من غير إضافة إليه وإن أضاف إلى نفسه كأنا حرام أو بائن لا يقع من
غير إضافة إليها وإن خيرها فأجابت بالحرمة أو البينونة فلا بد من الجمع بين الأضافتين أنت حرام علي أو أنا حرام عليك أنت بائن مني أو أنا بائن منك ا ه قوله (أو حرمت نفسي عليك) في هذا يشترط أن يقول عليك نهر لأنه أضاف الحرمة إلى نفسه قال في البزازية حتى لو قال حرمت نفسي ولم يقل عليك ونوى الطلاق لا يقع قوله (أو أنت علي كالحمار الخ) قال في البزازية وإن قال أنت علي كالحمار والخنزير أو ما كان محرم العين فهو كقوله أنت علي حرام وإن لم ينو هل يكون يمينا فقد اختلفوا فيه ا ه ومقتضاه أنه لو لم ينو الطلاق لا يكون طلاقا لعدم العرف بخلاف أنت علي حرام فإن العرف فيه قام مقام النية كما مر فافهم قوله (والمسألة بحالها) بسيأتي عن النهر بيانه قوله (كما مر في الصريح) أي في باب طلاق غير المدخول بها أنه لو طلق بالصريح كقوله امرأتي طالق وله أربع مثلا يقع على واحدة منهن بلا(3/479)
حكاية خلاف وقدمنا بسطه هناك قوله (ذكره الزيلعي) الضمير عائد إلى المذكور متنا وشرحا من قوله ولو كان له الخ قوله (وقال دابة) عبارته وفي الفتاوي لو قال لامرأته أنت علي حرام أو حلال الله علي حرام فهذا على ثلاثة أوجه إلى أن قال وإن كان له أربع طلقات كل واحدة طلقة وعلى فتوى الاوزجندي والإمام مسعود الكشاني أنكر واحدة وإليه البيان قال في الذخيرة والخلاصة هو الأشبه وعندي أن الأشبة ما في الفتاوي لأن قوله حلال الله أو حلال المسلمين يعم كل زوجة فإذا كان فيه عرف في الطلاق يكون بمنزلة قوله هن طوالق لأن حلال الله يشملهن على سبيل الاستغراق لا على سبيل البدل كما في قوله إحداكن طالق ا ه وأنت خبير بأن تعليله صريح في أن محل الخلاف والترجيح هو اللفظ العام لا الخاص كأنت علي حرام وإن كان مذكورا في عبارة الفتاوي إذ لا يخفى على أحد أنه لا يدخل فيه سوى المخاطبة فليس النزاع فيه كما يأتي عن النهر ويدل على ذلك أيضا أنه في الذخيرة قد حكى الخلاف المذكور في حلال المسلمين علي حرام كذا في البزازية وقوله (لكن في النهر الخ) استدراك على ما مر من قول الزيلعي والمسألة
بحالها فإنه يوهم أن المراد المسألة المذكورة قبله في الكنز وهي أنت علي حرام مع أن هذا لا يمكن جريان الخلاف فيه فيجب كون المراد الإتيان بلفظ حرام لكن لا بالخطاب مع واحدة كما وقع في المتن بل على وجه عام كحلال الله أو حلال المسلمين علي حرام فإن هذا هو محل النزاع كما علمته من عبارة دابة قوله (قلت الخ) بيان لقول النهر لا بقيد أنت علي حرام الخ وحاصله أنه ليس مراد الزيلعي اللفط الخاص بل العام كما قلنا قوله (وبه يحصل التوفيق) أي بما ذكره في النهر وذلك بحمل القول بأنه يقع على كل واحدة منهم طلقة على ما إذا كان اللفظ عاما والقول بأنه تطلق واحدة منهن فقط على ما إذا كان اللفظ خاصا هذا هو المتبادر من كلام الشارح ولا يخفى ما فيه فإن الزيلعي قد ذكر الخلاف وقد حملنا كلامه على أن مراده ما إذا كان اللفظ عاما فيكون الخلاف فيه وهو صريح كلام الفتح والذخيرة والبزازية كما علمت وأيضا كيف يصح في أنت علي حرام أن يقال يقع على واحدة من الأربع وإليه البيان بل لا يقع إلا على المخاطبة فقط وأما ما ذكره الشارح في باب طلاق غير المدخول بها من حمله كلام الزيلعي على نحو امرأتي علي حرام وتفرقته بينه وبين امرأتي طالق حيث جعل الخلاف المذكور جاريا في الأول دون الثاني وعزاه هناك إلى المصنف فقد ذكرنا هناك أنه مخالف لكلام المصنف فإن المصنف حمل كلام الزيلعي على حلال المسلمين وحققنا هناك عدم الفرق بين قوله امرأتي حرام وامرأتي طالق وأنه في كل منهما يقع على واحدة وإليه البيان لأن لفظ امرأتي عمومه بدلي يصدق على واحدة منهن لا بعينها بخلاف حلال المسلمين فإن عمومه استغراقي يعم الكل دفعة واحدة وإذا كان لا خلاف في(3/480)
قوله امرأتي طالق في أنه لا يقع إلا على واحدة يقال مثله في امرأتي حرام وكون أحدهما صريحا والآخر كناية لا يوجب الفرق ومن ادعاه فعليه البيان والحاصل أنه لا خلاف في إن أنت عليه حرام يخص المخاطبة وفي أن كل حل عليه حرام يعم الأربع لصريح أداة العموم الاستغراقي وفي امرأته حرام أو طالق يقع على واحدة غير معينة وأنما الخلاف في نحو حلال الله أو حلال المسلمين فقيل يقع على واحدة غير معينة نظرا إلى
صورة أفراده والأشبه أنه يعم الكل وقدمنا هناك تمام الكلام على ذلك فافهم واغنم هذا التقرير الفريد وانزع عنك قلادة التقليد قوله (أنكر واحدة) كذا في الذخيرة والبزازية ووجهه أنه عبارة عن تكرير هذا اللفظ ألف مرة وهو لو كرره لا يقع إلا الأول لأن البائن لا يلحق البائن بخلاف ما مر معي طلاق غير المدخول بها من أنه يقع الثلاث فيما لو قال للمدخول بها أنت طالق مرارا أو ألوفا لأنه صريح والصريح إذا تكرر الصريح يلحق الصريح ولذا قيد بالمدخول بها لبقاء العدة كما أوضحناه هناك فافهم قوله (ناويا ثنتين) أو بقوله أنت علي حرام وقوله أنكر واحدة الثنتين عدد محض ولفظ حرام لا يحتمله إلا أن تكون أمة لأنه في حقها الفرد الاعتباري وفي قوله أنكر واحدة رد على ما في الفتح من قوله لم يقع شئ فإنه سبق قلم والواقع في عباراتهم لم تصح نيته بخلاف ما إذا نوى الثلاث فإنه يصح وتقع ثنتان تكملة للثلاث كما في الخانية وغيرها أفاده في البحر وأجاب في النهر بأن قوله لم يقع شئ أي بنيته وإن وقع بلفظه تأمل وفيه رد أيضا على ما في الجوهرة من أنه يقع ثنتان إذا نواهما مع الأولى كما قدمه الشارح في أول باب الصريح وقدمنا الكلام عليه هناك قوله (وبالثاني يمينا) أي إيلاء وقوله (صح) أي ما نوى لأن فيه تشديدا على نفسه لأنه لو نوى به طلاقا أو أطلق وانصرف إلى الطلاق كما هو المفتى به ولم يقع به شئ لأنه بائن والبائن لا يلحق مثله كما مر فافهم قوله (وقع الثلاث) لأن البائن يلحق البائن إذا كان معلقا لأنه حينئذ لا يصلح جعله خبرا عن الأول كما مر في بابه قوله (وتمامه في البزازية) وعبارته قال لامرأتيه أنتما علي حرام ونوى الثلاث في إحداهما والواحدة في الأخرى صحت نيته عند الإمام وعليه الفتوى ولو قال نويت الطلاق في إحداهما واليمين في الأخرى عند الثاني يقع الطلاق عليهما وعندهما كما نوى قال لثلاث أنتن علي حرام ونوى الثلاث في الواحدة واليمين في الثانية والكذب في الثالثة طلقن ثلاثا وقيل هذا على قول الثاني وعلى قولهما ينبغي أن يكون على ما نوى ا ه قوله (حنث بوطء كل) يعني يكون إيلاء من كل واحدة منهما وهذا على غير المفتى(3/481)
به وعلى المفتى به يقع على كل واحدة منهما طلقة بائنة ا ه ح أي لأنه في العرف طلاق قوله
(والفرق لا يخفى) الفرق هو أن هتك حرمة اسم الله تعالى لا تتحقق إلا بوطئها وفي قوله أنتما علي حرام صار إيلاء باعتبار معنى التحريم وهو موجود في كل منهما كذا في الفتح عن المحيط ومثله في البحر وغيره وقال ح الفرق هو أن في قوله أنتما علي حرام حرمهما على نفسه وتحريمهما تحريم لكل منهما وفي قوله لا أقربكما منع نفسه من قربانها جميعا فلا يحنث إلا بوطئهما وقد صرح بهذا الفرق صاحب النهر في كتاب الأيمان عند قوله من حرم ملكه لم يحرم حيث فرق بين أكل هذا الرغيف علي حرام وبين لا آكل هذا الرغيف بأن بتحريمه الرغيف على نفسه حرم أجزاءه أيضا وفي الثاني إنما منع نفسه من أكل الرغيف كله فلا يحنث بالبعض ا ه قلت لكن ذكر في البحر هناك عن الخانية قال مشايخنا الصحيح أنه لا يحنث بأكل لقمة لأن قوله هذا الرغيف علي حرام بمنزلة قوله والله لآكل هذا الرغيف ا ه أي لأن تحريم الحلال يمين لكن مقتضى ما مر عن الفتح أنه يفرق بين الحلف باسمه تعالى وبين غيره مما ألحق به تأمل قوله (إن نوى التكرار) أي التأكيد اتحدا أي يكون إيلاء واحدا ويمينا واحدة حتى لو لم يقربها في المدة طلقت طلقة واحدة وإن قربها فيها لزمه كفارة واحدة قوله (وإلا) أي وإن لم ينو شيئا أو أراد التشديد والتغليظ وهو الابتداء دون التكرار كذا في الفتح قوله (فالإيلاء واحد الخ) والقياس أن يكون الإيلاء ثلاثا أيضا وهو قول محمد حتى إذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها تبين بطلقة ثم عقبيها تبين بأخرى ثم بأخرى إلا أن تكون غير مدخول بها فلا يقع واحدة وفي الاستحسان وهو قولهما الإيلاء واحد فلا يقع إلا واحد لأن المدة لما كانت متحدة كان المنع متحدا فلا يتكرر الإيلاء ويجب بالقربان ثلاث كفارات إجماعا لأن الشرط الواحد يكفي لأيمان كثيرة كما في الفتح والله سبحانه أعلم الخلع أخره عن الإيلاء لأن الإيلاء لتجرده عن المال كان أقرب إلى الطلاق بخلاف الخلع فإن معنى المعاوضة من جانب المرأة ولأن مبنى الإيلاء نشوز من قبله والخلع نشوز من قبلها
غالبا فقدم ما بالرجل على ما بالمرأة عناية قوله (هو لغة الإزالة الخ) يقال خلعت النعل وغيره خلعا نزعته وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم هو استعارة من خلع اللباس لأن كل واحد منهما لباس للآخر فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد نزع لباسه عنه بحر عن المصباح قوله (واستعمل الخ) ظاهره أنه خاص بالضم في ذلك وهو اسم المصدر وهو خلاف ما مر عن المصباح وأنه يطلق لغوي ونظيره ما مر في الطلاق أن الطلاق والإطلاق رفع القيد مطلقا لكنه خص الطلاق لغة برفع قيد النكاح واستعمل في غيره(3/482)
الإطلاق قوله (وفي غيره) الأنسب وفي غيرها ط قوله (إزالة ملك النكاح) شمل ما لو خالع المطلقة رجعيا بمال فإنه يصح ويجب المال بحر وسيأتي قوله) (فإنه لغو) لأن النكاح الفاسد لا يفيد ملك المتعة وبالبينونة والردة حصلت الإزالة قبله فلم يكن في الخلع إزالة قال في البحر فلا يسقط المهر ويبقى له بعد الخلع ولاية الجبر على النكاح في الردة كما في البزازية ا ه قلت وظاهر إطلاقه أنه لا يسقط المهر في النكاح الفاسد ولو بعد الوطء لكن في جامع الفصولين نكحها فاسدا فوطئها فاختلعت بالمهر قيل يسقط إذ الخلع يجعل كناية عن الإبراء لأن الخلع وضع لهذا وقيل لا يسقط لأن الخلع لغا لأنه إنما يصح في النكاح القائم ا ه وفي البحر أيضا ولو خالعها بمال ثم خالعها في العدة لم يصح كما في القنية لكن يحتاج إلى الفرق ما إذا خالعها بعد الخلع حيث لم يصح وبين ما إذا طلقها بمال بعد الخلع حيث يقع ولا يجب المال قد ذكرناه آخر الكنايات ا ه قلت قدمنا الفرق هناك وهو أن الخلع بائن وهو لا يلحق مثله والطلاق بمال صريح فيلحق الخلع وأنما لم يجب المال هنا لأن المال إنما يلزمه إذا كانت تملك به نفسها ولذا يقع به البائن وإذا طلقها بمال بعد الخلع لم يفد الطلاق ملكها نفسها لحصوله بالخلع قبله ولذا لزم المال فيما لو طلقها بمال ثم خلعها وقدمنا تمام الكلام على ذلك هناك قوله (المتوقفة) بالرفع صفة لإزالة وقوله على قبولها أي المرأة قال في البحر ولا بد من القبول منها حيث كان
على مال أو كان بلفظ خالعتك أو اختلعي ا ه وفي التاترخانية قال لامرأته إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار يقع الطلاق بألف يريد به إذا قبلت عند الدخول ا ه ومفاده عدم صحة القبول قبل الشرط كما نذكره قوله (خرج ما لو قال خلعتك الخ) أي ولم يذكر المال لأنه متى كان على مال لزم قبولها كما ذكرناه آنفا وقيد بقوله ناويا بناء على ظاهر الرواية لأنه كناية فلا بد له من النية أو دلالة الحال لكن سيأتي أنه لغلبة الاستعمال صار كالصريح قوله (غير مسقط للحقوق) أي المتعلقة بالزوجية وسيأتي بيانها قوله (بخلاف خالعتك الخ) كان الأولى أن يقول بخلاف ما إذا ذكر المال أو قال خلعتك الخ أفاد أن التعريف خاص بالخلع المسقط للحقوق فقوله لها خالعتك بلا ذكر مال لا يسمى خلعا شرعا بل هو طلاق بائن غير متوقف على قبولها بخلاف ما إذا ذكر معه المال أو كان بلفظ المفاعلة أو الأمر فإنه لا بد من قبولها كما مر معاوضة من جانبها كما يأتي والظاهر أن خالعتك بلفظ المفاعلة إنما يتوقف على القبول شرط لسقوط المهر لا لوقوع الطلاق به إذ لا يظهر فرق في الوقوع بين خالعتك وخلعتك وسيأتي ما يؤيده تأمل وفي حكمه الطلاق على مال فلا بد من القبول وإن لم يسم خلعا وبه ظهر أنه لا فرق عند ذكر المال بين خلعتك خالعتك وأنه ليس كل ما توقف على قبولها يسمى خلعا ولا كل ما كان بلفظ الخلع يتوقف على القبول ويسقط الحقوق تنبيه في التاترخانية وغيرها مطلق لفظ الخلع أمرهم على الطلاق بعوض حتى لو قال لغيره اخلع امرأتي فخلعها بلا عوض لا يصح قوله (أو اختلعي الخ) إذا قال لها اخلعي نفسك فهو(3/483)
على أربعة أوجه إما أن يقول بكذا فخلعت يصح وإن لم يقل الزوج بعده أجزت أو قبلت على المختار وإما أن يقول بمال لم يقدره أو بما شئت فقالت خلعت نفسي بكذا ففي ظاهر الرواية لا يتم الخلع ما لم يقبل بعده وإما أن يقول اخلعي ولم يزد عليه فخلعت فعند أبي يوسف لم يكن خلعا وعن محمد تطلق بلا بدل وبه أخذ كثير من المشايخ والرابع أن يقول بلا مال فخلعت يتم بقولها وتمامه في جامع الفصولين ومثله في الخانية ولا يخفى أن ما ذكره الشارح هو الوجه
الثالث وقد ذكر في الخانية الخلاف المار وذكر أن قول محمد أخذ به أكثر المشايخ فما فيها خلاف ما عزاه إليها نعم ذكر في الخانية قال خالعتك فقبلت برئ عما عليه من المهر فإن لم يكن عليه مهر ردت ما ساق إليها كذا ذكر الحاكم الشهيد وبه أخذ ابن الفضل وهذا يؤيد ما ذكرنا عن أبي يوسف أن الخلع لا يكون إلا بعوض ا ه لكن فيه كلام سنذكره قوله (بلفظ الخلع) متعلق بإزالة قوله (فإنه غير مسقط) أي للمهر على المعتمد كما سيذكره المصنف نعم يسقط النفقة ولو مفروضة كما سيأتي قوله (كما سيجئ) في قول المصنف ويسقط الخلع والمبارأة الخ قوله (فإنه كذلك) أي خلع مسقط للحقوق بحر قال في العمادية وذكر في الملتقط لو قال بعت منك نفسك ولم يذكر مالا فقالت اشتريت يقع الطلاق على ما قبضت من المهر وترده إليه وإن لم تقبض سقط ما في ذمة الزوج ا ه قوله (خلافا ل للخانية) حيث قال إن الصحيح أن الخلع بلفظ البيع والشراء لا يوجب البراءة عن المهر ألا بذكره وفيه كلام سنذكره قوله (وأفاد التعريف الخ) لأن الرجعي لا يزيل الملك قوله (ولا بأس به) أي ولو في حالة الحيض فلا يكره بالإجماع لأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به بحر أول كتاب الطلاق وقدمه الشارح هناك قوله (للشقاق) أي لوجود الشقاق وهو الاختلاف والتخاصم وفي القهستاني عن شرح الطحاوي السنة إذا وقع بين الزوجين اختلاف أن يجتمع أهلهما ليصلحوا بينهما فإن لم يصطلحا جاز الطلاق والخلع ا ه ط وهذا هو الحكم المذكور في الآية وقد أوضح الكلام عليه في الفتح آخر الباب قوله (بما يصلح للمهر) هذا التركيب يوهم اشتراط البدل في الخلع لأن الظاهر تعلقه بإزالة مع أنك علمت أنه لو قال خالعتك أنه لو قال خالعتك فقبلت تم الخلع بلا ذكر بدل وبهذا اعترض في البحر على الفتح حيث ذكر في التعريف قوله ببدل ثم قال إلا أن يقال مهرها الذي سقط به بدل فلم يعر عن البدل ا ه والأولى تعتبر الكنز وغيره بقوله وما صلح مهرا صلح بحل الخلع فإن معناه أنه إذا ذكر في الخلع بحل يصلح جعله مهرا فإنه يصح وسيأتي أنه إذا بطل العوض فيه تطلق بائنا مجانا قوله (بغير عكس كلي) فلا يصح أن يقال ما لا يصلح مهرا لا يصلح بدل الخلع لأن بعض ما لا
مهرا يصلح بدل خلع كما مثل فالكلية كاذبة نعم يصدق عكسها موجبة جزئية كبعض ما يصلح بدل خلع يصلح مهرا قوله (وجوز العيني انعكاسها) أي كلية تبعا لقوله في غاية البيان إنه مطرد(3/484)
منعكس كليا لأن الغرض من طرد الكلي أن يكون مالا متقوما ليس فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة بهذه المثابة ومن عكس الكلي أن لا يكون مالا متقوما أو أم يكون فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة مال متقوم ليس فيه جهالة فلا يرد السؤال لا على الطرد الكلي ولا على عكسه ا ه قال في النهر لا يخفى أن الصلاحية لمطلقة هي الكاملة وكون مطلق المال المتقوم خاليا عن الكمية يصلح مهرا ممنوع فلذا منع المحققون انعكاسها كلية قوله (وشرطه كالطلاق) وهو أهلية الزوج وكون المرأة محلا للطلاق منجزا أو معلقا على الملك وأما ركنه فهو كما في البدائع إذا كان بعوض الإيجاب والقبول لأنه عقد على الطلاق بعوض فلا أنكر الفرقة ولا يستحق العوض بدون القبول بخلاف ما إذا قال خالعتك ولم يذكر العوض ونوى الطلاق فإنه يقع وإن لم تقبل لأنه طلاق بلا عوض فلا يفتقر إلى القبول ا ه ونحوه في الشرنبلالية آخر الباب عن الخانية وظاهره أن خالعتك مثل خلعتك في أنه بلا ذكر مال لا يتوقف على القبول وهو خلاف ظاهر ما مر إلا أن يقال لفظ المفاعلة على القبول شرطا لكونه مسقطا للحقوق بخلاف خلعتك فإنه لا يسقط ولو مع القبول تأمل وفي الخانية قال خالعتك فقبلت يقع البائن وكذا إن لم تقبل لأن الطلاق يقع بقوله خالعتك وفيها أيضا قال خالعتك على كذا وسمي مالا معلوما لا يقع الطلاق ما لم تقبل كما لو قال طلقتك على ألف ا ه أي لأنه معلق على القبول وأما إذا لم يذكر المال فلا يكون معلقا على القبول معنى فيقع الطلاق وإن لم تقبل تأمل قوله (لأنه تعليق الطلاق بقبول المال) كذا صرح به في البدائع ولذا قال في الخانية ولو قال خالعتك على كذا وسمى مالا معلوما لا يقع الطلاق ما لم تقبل كما لو قال طلقتك على ألف درهم لا يقع ما لم تقبل ا ه ويتفرع على هذا ما سيأتي آخر الباب في أول الفروع كما سنوضحه فافهم قوله (فلا يصح رجوعه الخ) أي لو ابتدأ الزوج
الخلع فقال خالعتك على ألف درهم لا يملك الرجوع عنه وكذا لا يملك فسخه ولا نهى المرأة عن القبول وله أن يعلقه بشرط ويضيفه إلى وقت مثل أذ قدم زيد فقد خالعتك على كذا أو خالعتك على كذا غدا أو رأس الشهر والقبول إليها بعد قدوم زيد ومجئ الوقت لأنه تطليق عند وجود الشرط والوقت فكان قبولها قبل ذلك لغوا بدائع قوله (ولا يقتصر على المجلس) فلا يبطل بقيامه عنه قبل قبولها بدائع قوله (ويقتصر قبولها الخ) فيه أن هذا من فروع كونه معاوضة من جانبها فكان الأولى تأخيره بحال البدائع ولا يشترط حضور المرأة بل يتوقف على ما وراء المجلس حتى لو كانت غائبة فبلغها فلها القبول لكن في مجلسها لأنه في جانبها معاوضة قوله (وفي جانبها معاوضة عطف) على قوله يمين في جانبه أي لأن المرأة لا تملك الطلاق بل هو ملكه وقد علقه بالشرط والطلاق يحتمله ولا يحتمل الرجوع ولا شرط الخيار بل يبطل الشرط دونه ولا يتقيد بالمجلس وأما في جانبها فإنه معاوضة المال لأنه تمليك المال بعوض فيراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه كما في البدائع قوله (فصح رجوعها) أي إذا كان الابتداء منها بأن(3/485)
قالت اختلعت نفسي منك بكذا فلها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه أيضا ولا يتوقف على ما وراء المجلس بأن كان الزوج غائبا حتى لو بلغه وقبل لم يصح ولا يصح تعليقه ولا إضافته بدائع قوله (وصح شرط الخيار لها) بأن قال خالعتك على كذا على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت جاز الشرط عنده حتى ولو اختارت في المدة وقع الطلاق ووجب المال وإن ردت لا يقع ولا يجب وعندهما شرط بالخيار باطل والطلاق واقع والمال السري بدائع قال في البحر قيد بخيار الشرط لأن خيار الرؤية لا يثبت في الخلع ولا في كل عقد لا يحتمل الفسخ كما في الفصول وأما خيار عقب في بدل الخلع فثابت في عقب الفاحش وهو ما يخرجه من الجودة إلى الوساطة ومنها إلى الرداءة دون اليسير قوله (ولو أكثر من ثلاثة أيام) أي بخلاف البيع لأن اشتراطه في البيع على خلاف القياس لأنه من التمليكات وتمامه في البحر عن الكشف وإذا أطلقا أي عن ذكر المدة ينبغي أن يكون لها الخيار في مجلسها فقط استنباطا مما إذا
أطلقا في البيع بحر وفيه نظر لأنه إن أراد ذكر الخيار المطلق ففيه أن ثبوته في البيع مقيد بما بعد العقد أما عند العقد فيفسد البيع كما في النهر وحينئذ فإن ذكره بعد قوله الخلع لا يفيد لأنه لا يحتمل الفسخ بعد تمامه خلاف البيع وإن ذكره قبل القبول لم يصح قياسه على البيع لأنه لا يثبت فيه اللهم إلا أن يقال لا يثبت فيه لأنه يفسد بالشروط الفاسدة بخلاف الخلع لكن لو ثبت في البيع لثبت مقتصرا على المجلس كما لو ثبت فيه بعد العقد فكذلك في الخلع لا يتجاوز المجلس تأمل قوله (ويقتصر على المجلس) الضمير راجع للخلع فيبطل بقيامها عن المجلس وبقيامها أيضا كما مر قوله (يشترط الخ) فلو لقنها اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة بالعربية وهي لا تعلم معناه أو لقنها أبرأتك من نفقة العدة الأصح أنه لا يصح لأن التفويض كالتوكيل لا يتم إلا بعلم الوكيل والإبراء عن نفقة العدة والمهر وإن كان إسقاطا لكنه إسقاط يحتمل الفسخ فصار فيه شبهة البيع والبيع وكل المعاوضات لا بد فيها من العلم وهذه الصورة كثيرا ما أنكر فتح قلت والظاهر أن المراد يصح الخلع ولا يلزم البدل لأن جهلها بمعناه عذر في عدم سقوط حقها ولا يلزم منه عدم طلاقها إذا قبل فتأمل هذا وعامة نساء زماننا لا يعرفون موجب الخلع أنه مسقط للحقوق فإذا طلبت منه أن يخلعها فقال خالعتك ورضيت فهل يسقط مهرها بمجرد ذلك أم لا لم أر من صرح به ومقتضى ما ذكروه في سقوط خيار البلوغ أنها لا تعذر بالجهل وسيأتي في الشركة أن المفاوضة لا تصح إلا بلفظ المفاوضة وإن لم يعرفا معناها فتأمل قوله (يصح مع الجهل) أي قضاء فقط كما قدمه في باب الطلاق رحمتي قوله (وطرف العبد الخ) أي جانبه قال في النقاية وشرحها للقهستاني والعبد والأمة في العتق بمنزلتها أي المرأة في الخلع فالمولى بمنزلته حتى إذا قال العبد للمولى اشتريت نفسي منك بكذا كان له الرجوع قبل دخول المولى له إذا قال المولى بعت نفسك منك بكذا ليس له الرجوع وقس عليه شرط الخيار والاقتصار على المجلس ا ه ط وحاصله أن العتق بمال معاوضة من جانب العبد كالخلع في جانب المرأة فيعتبر من جانبه(3/486)
احكام المعاوضات بخلاف جانب المولى فإنه بمنزلة الزوج فتنعكس فيه تلك الأحكام قوله (كطرفها في الطلاق) أي في الخلع لأن الكلام فيه وأطلقه عليه لأنه طلاق بالكناية تأمل لخلع خمسة قوله (والخلع يكون الخ) في الجوهرة ألفاظ الخلع خمسة خالعتك باينتك بارأتك فارقتك طلقي نفسك على ألف ا ه ويزاد عليه ما ذكره المصنف من لفظ البيع والشراء قوله (كبعت نفسك) تقدم عن الصغرى تصحيح أنه مسقط للحقوق قوله (أو طلاقك) في البحر ولو قال بعت منك طلاقك بمهرك فقالت طلقت نفسي بانت منه بمهرها بمنزلة قولها اشتريت وقيل يقع رجعيا والأول أصح ولو قال بعت منك تطليقك فقال اشتريت يقع رجعيا مجانا لأنه صريح ا ه وقيد الثانية في الخانية بما إذا لم يذكر البدل ثم قال ولو قال بعت نفسك منك فقالت اشتريت يقع طلاق بائن لأن بيع الطلاق تمليك الطلاق فإذ لم يذكر البدل يصير كأنه قال طلقتك فيكون رجعيا أما بيع نفسها تمليك النفس من المرأة وملك النفس لا يحصل إلا بالبائن فيكون بائنا ا ه فأفاد أن بعت منك تطليقة بكذا يقع به البائن أيضا قوله (أو طلقتك على كذا) هذا مبني على أن الطلاق على مال مسقط للمهر وهو خلاف المعتمد كما سيأتي ح أي لما مر أن المراد الخلع المسقط للحقوق والطلاق على مال ليس منه قوله (إن الواقع به) أي بالخلع ولو بلفظ البيع والمبارأة بحر قوله (ولو بلا مال) هذا إذا كان بلفظ الخلع أو بلفظ بيع النفس بخلاف بيع الطلاق أو الطلقة بلا ذكر بدل فإنه يقع به الرجعي كما علمته آنفا قوله (ولو بالطلاق الخ) في بعض النسخ وبالطلاق بإسقاط لو وهو الأولى لما علمت من أن الطلاق على مال خارج عن الخلع المسقط للحقوق لكن لما كان المراد بيان وقوع البائن به صح إطلاق الخلع عليه وإنما ذكر الصريح نصا على المتوهم إذ الكناية كذلك كما أفاده ط وأراد بالمال ما يشمل الإبراء منه حتى لو قالت أبرأتك عما لي عليك على طلاقي ففعل برئ وبانت بخلاف طلقني على أن أؤخر مالكا عليك فإن التأخير ليس بمال وصح التأخير لو له غاية معلومة وإلا فلا والطلاق رجعي
مطلقا بحر عن البزازية أبرأته من حق يكون للنساء على الرجال وفي الفتح آخر الباب قال أبرئيني من كل حق يكون للنساء على الرجال ففعلت فقال في فوره طلقتك وهي مدخول بها يقع بائنا لأنه بعوض وإذا اختلعت بكل حق لها عليه فلها النفقة ما دامت في العدة لأنها لم يكن لها حق حال الخلع فقد ظهر أن تسمية كل حقه لها عليه وكل حق يكون للنساء صحيحة وينصرف إلى القائم لها إذ ذاك ا ه قلت نعم لو قالت من كل حق للنساء على الرجال قبل الخلع وبعده فإن النفقة تسقط كما في البزازية وسيأتي تمامه وسيأتي أيضا ما لو خالعها على البراءة من نفقة الولد قوله (وثمرته) أي ثمرة تقييد الطلاق على مال دون الخلع تظهر فيما لو بطل البدل كما سيجئ أنه لو طلقها بخمر أو خنزير أو ميتة وقع بائن في الخلع رجعي في الطلاق مجانا فيهما لبطلان البدل وإذا بطل(3/487)
بقي الخلع والواقع به بائن ولفظ الطلاق والواقع به رجعي لأنه صريح فلو لم يكن ذكر المال شرطا في وقوع البائن بالطلاق دون الخلع لم تظهر ثمرة للتقييد به لكن الاقتصار في بيان الثمرة على بطلان البدل محل نظر فإن مثله ما لو لم يذكر البدل أصلا تأمل وأما كون الخلع يسقط الحقوق والطلاق على مال لا يسقطها فليس ثمرة التقييد بالمال كما لا يخفى فافهم قوله (والخلع من الكنايات) لأنه يحتمل الانخلاع عن اللباس أو الخيرات أو عن النكاح عناية ومثله المبارأة قوله (فيعتبر فيه ما يعتبر فيها) ويقع به تطليقة بائنة إلا إن نوى ثلاثا فتكون ثلاثا وإن نوى ثنتين كانت واحد بائنة كما في الحاكم قوله (من قرائن الطلاق) كمذاكرة الطلاق وسؤالها له وفي الدر المنتقى وتسمية المال وإن لم يكن متقوما من القرائن اه ط قوله (لو قضى بكونه فسخا) أي كما هو قول الحنابلة إنه لا يقع به طلاق بل هو فسخ لا ينقص العدد بشرط عدم نية الطلاق بحر معنى لمجتهد فيه
قوله (نفذ لأنه مجتهد فيه) أي موضع اجتهاد صحيح بمعنى أنه يسوغ فيه الاجتهاد لأنه لم يخالف كتابا ولا سنة مشهورة ولا إجماعا إذ لو خالف شيئا من ذلك في أجرة المجتهد لم يكن مجتهدا فيه حتى لو حكم به حاكم يراه لا ينفذ كما قرر في محله ويأتي في أول الباب الآتي عن الفتح ما يوضحه ولا يخفى أن المراد بقوله نفذ هو ما لو حكم به حنبلي في مسألتنا بخلاف الحنفي فإنه وإن صح حكمه بغير مذهبه على أحد القولين لكنه في زماننا لا يصح اتفاقا لتقييد السلطان قضاءه بالحكم بالصحيح من مذهبنا فلا ينفذ حكمه بالضعيف فضلا عن مذهب الغير فافهم قوله (لم يصدق قضاء) أي بل ديانة لأن الله تعالى عالم بسره لكن لا يسع المرأة أن تقيم معه لأنها كالقاضي لا تعرف منه إلا الظاهر بحر عن المبسوط قوله (في الصور الأربع) أي فيما لو كان بلفظ الخلع أو البيع والشراء أو الطلاق المبارأة قوله (بخلاف لفظ بيع وطلاق) لأنهما صريحان تارترخانية لكن صراحة البيع مثل بعت نفسك أو طلاقك بمعنى أن دلالته عليه قطعية لا تتخلف عنه لأن البيع فيه زوال ملك اليمين فيلزم منه قطعا زوال ملك المتعة كما أفاده المصنف في المنح تأمل وأما صراحة الطلاق فظاهرة وإن كان لا يكون حكمه حكم الخلع إلا عند ذكر المال لأن الكلام في أنه يقع به الطلاق أي الرجعي إذا لم يكن بمال ولا يصدق في أنه لم يرد به الطلاق لكونه صريحا فافهم قوله (وفيه إشارة إلى اشتراط النية) أي اشتراطها للوقوع بها ديانة وكذا قضاء إذا لم تكن قرينة من ذكر مال ونحوه كما هو الحكم في سائر الكنايات قوله (هاهنا) أي في لفظ الخلع(3/488)
وفي البحر عن البزازية فلو كانت المبارأة أيضا كذلك أي غلب استعمالها في الطلاق لم تحتج إلى النية وإن كانت من الكنايات وإلا تبقى النية مشروطة فيها وفي سائر الكنايات على الأصل ا ه وفيه إشارة إلى أن المبارأة لم يغلب استعمالها في الطلاق عرفا بخلاف الخلع فإنه مشتهر بين الخاص والعام فافهم قوله (وكره تحريما أخذ شئ) أي قليلا أو كثيرا والحق أن الأخذ إذا كان النشوز منه حرام قطعا لقوله تعالى * (فلا تأخذوا منه شيئا) * (النساء 20) إلا أنه إن أخذ ملكه بسبب خبيث وتمامه في الفتح لكن نقل في البحر عن الدر المنثور
للسيوطي أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال ثم رخص بعده فقال * (فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما فتدت به) * (البقرة 229) قال فنسخت هذه تلك ا ه وهو يقتضي حل الأخذ مطلقا إذا رضيت ا ه أي سواء كان النشوز منه أو منها أو منهما لكن فيه أنه ذكر في البحر أولا عن الفتح أن الآية الأولى فيما إذا كان النشوز منه فقط والثانية فيما إذا لم يكن منه فلا تعارض بينهما وأنهما لو تعارضتا فحرمة الأخذ بلا حق ثابت بالإجماع وبقوله تعالى * (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) * (البقرة 231) وإمساكها لا لرغبة بل إضرارا لأخذ ما لها في مقابلة خلاصها منه مخالف للدليل القطعي فافهم قوله (ويلحق به) أي بالأخذ قوله (إن نشز) في المصباح نشزت المرأة من زوجها نشوزا من باب قعد وضرب عصته ونشز الرجل من امرأته نشوزا بالوجهين تركها وجفاها وأصله الارتفاع ا ه ملخصا قوله (ولو منه نشوز أيضا) لأن قوله تعالى * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * يدل على الإباحة إذا كان النشوز من الجانبين بعبارة النص وإذا كان من جانبها فقط بدلالته بالأولى قوله (وبه يحصل التوفيق) أي بين ما رجحه في الفتح من نفي كراهة أخذ الأكثر وهو رواية الجامع الصغير وبين ما رجحه الشمني من إثباتها وهو رواية الأصل فيحمل الأول على نفي التحريمية والثاني على إثبات التنزيهية وهذا التوفيق مصرح به في الفتح فإنه ذكر أن المسألة مختلفة بين الصحابة ذكر النصوص من الجانبين ثم حقق ثم قال وعلى هذا يظهر كون رواية الجامع أوجه نعم يكون أخذ الزيادة خلاف الأولى والمنع أمرهم على الأولى ا ه ومشى عليه في البحر أيضا قوله (عليه) أي على الخلع منح أي على أن تقول له خالعني وفي البحر على القبول أي إذا كان هو المبتدئ بقوله خالعتك فافهم قوله (تطلق) أي بائنا إن كان بلفظ الخلع ورجعيا إن كان بلفظ الطلاق على مال كما مر ويأتي قوله (شرط للزوم المال) أي عليها وهو البدل المذكور في الخلع وقوله وسقوطه أي عن الزوج وهو المهر الذي عليه قوله (أو استحق) أي ادعاه آخر وأثبت أنه له ومثله ما في الفتح عن كافي الحاكم لو(3/489)
كان عبدا حلال الدم مولاه عنده رجع عليها بقيمته وكذا لو وجب قطع يده فقطع عنده رده وأخذ
قيمته ا ه قوله (مما ليس بمال) كالدم والحر قوله (وقع) أي إن قبلت بحر قوله (بائن في الخلع) لأنه من الكنايات الدالة على قطع الوصلة فكان الواقع بائنا بخلاف لفظ اعتدى وأخويه كما مر في بابه بخلاف الطلاق فإنه صريح لا يقتضي البينونة أيضا قوله (مجانا فيهما) أي في الصورتين والمجان كشداد عطية الشئ بلا بدل قال في الفتح أي بلا شئ يجب للزوج لأن ملك النكاح في الخروج غير متقوم ولذا لا يلزم شئ في الطلاق ا ه وأوجب زفر عليها رد المهر كما في المحيط بحر وأما لو كان المهر في ذمته فإنه يسقط لما مر من أن خالعتك مسقط للحقوق وإن لم يكن بعوض تأمل قوله (كما مر) أي في قوله وثمرته فيما لو بطل البدل وقدمنا بيانه قوله (ولو سمت حلالا الخ) قال في الفتح وفي كتب المالكية لو خلعها على حلال وحرام كخمر ومال صح ولا يجب له إلا المال قيل وهو قياس قول أصحابنا وهو صحيح ا ه قوله (رجع بالمهر) أي إن أخذته وإلا سقط عنه وهذا عند الإمام وعندهما يجب مثله من خل وسط لأنه صار مغرورا من جهتها بتسمية المال ا ه ح قوله (أي الحسية) قيد به لئلا يتكرر مع قوله الآتي والبيت والصندوق الخ مما هو في يدها الحكمية فافهم قوله (ولا شئ في يدها) ما لو كان فيها شئ ولو قليلا فهو له بحر قوله (لعدم التسمية) علة لما فهم من التشبيه وهو وقوع البائن مجانا أي لعدم تسمية شئ تصير به غارة له بحر لأن ما في يدها قد يكون متقوما وقد يكون غيره فكان راضيا بذلك فتح قوله (وكذا عكسه) بأن قال لها خالعتك على ما في يدي ولا شئ فيها بحر وهذا مفهوم بالأولى قوله (لكن الخ) لما كان عدم لزوم شئ في المسألة الأولى لعدم التغرير منها صار مظنة أن يتوهم هنا أنه لا يستحق الجوهرة لتغريره لها فاستدرك على ذلك بأنها له لأن المرأة أضرت بنفسها حيث قبلت الخلع قبل أن تعلم ما في يده فهذا الاستدراك في محله فافهم قوله (وإن زادت) أي على قولها خالعني على ما في يدي أي ولا شئ في يدها قوله (ردت عليه في الأولى مهرها) أي في قولها من مال ومثله من متاع أو من مال المهر وقد أوفاه لها أو على ما في بطن جاريتي أو غنمي من حمل لأنها لما سمت مالا لم يكن الزوج راضيا بالزوال إلا بالعوض ولا وجه إلى إيجاب المسمى أو قيمته للجهالة ولا إلى قيمة البضع حنث مهر
المثل لأنه غير متقوم حالة الخروج فتعين إيجاب ما قام عن الزوج من المسمى أو مهر المثلنهر قوله (وإلا) أي وإن لم تكن قبضته برئ منه ولا شئ عليها وكذا لا شئ عليها لو كان قد أبرأته منه بحر قوله (أو ثلاثة دراهم في الثانية) أي في قولهم من دراهم معرفا أو منكرا لأنها ذكرت الجمع وأقصاه لا غاية له وأدناه ثلاثة فوجبت ولو قالت على ما في هذا المكان من الشياه(3/490)
والخيل والبغال والحمير أو الثياب لزمها ثلاثة أيضا كذا في الدراية قاله في البحر وفي الثياب نظر للجهالة وأقول ينبغي إيجاب الوسط في الكل وبه يندفع ما قال نهر قلت وفيه نظر لأن الثياب مجهول الجنس مثل الدابة والعبد بخلاف البغل والحمار ولذا لو تزوجها على ثوب أو عبد وجب مهر المثل ولو على فرس أو ثوب هروي وجب الوسط وعليه فينبغي في الثياب المطلقة رد المهر كما في الأولى ثم رأيت في كافي الحاكم الشهيد ما نصه وإن اختلعت منه على موصوف من المكيل والموزون والثياب فهو جائز وإن اختلعت منه بثوب غير منسوب إلى نوع أو على دار كذلك فله المهر الذي أعطاها وكذلك الدابة ا ه قوله (ولو في يدها أقل الخ) ولو كان أكثر من ثلاثة فله ذلك درر عن النهاية قوله (لم أره) قال في النهر ولو سمت دراهم فإذا في يدها دنانير لا يجب له غير الدراهم ولم أره ا ه ح قلت وينبغي في عرفنا لزوم الدنانير لأن الدراهم تطلق عرفا على ما يشملهما والحاصل أنها إذا اختلعت على شئ غير المهر فهو على أوجه الأول أن يكون ذلك المسمى غير متقوم كالخمر والميتة فيقع مجانا الثاني أن يحتمل كونه مالا أو غيره ما في بيتها أو يدها في شئ فإن الشئ يشمل المال وغيره وكذا ما في بطن شاتها أو جاريتها فإن ما في البطن قد يكون ريحا فإن وجد المسمى فهو له وإلا وقع مجانا الثالث أن يكون مالا سيوجد ما تثمر نخيلها أو تلد غنمها العام أو ما تكتسب العام فعليها رد ما قبضت من المهر سواء وجد ذلك أو لا
الرابع أن يكون مالا لكنه لا يوقف على قدر مثل ما في بيتها أو يدها من المتاع أو ما في نخيلها من الثمار أو ما في بطون غنمها من الولد فإن وجد منه شئ فهو له وإلا ردت ما قبضت من المهر الخامس أن يكون مالا له مقدار معلوم مثل ما في يدها من دراهم فإن أقله ثلاث فكان مقداره ومعلوما له الثلاثة أو الأكثر السادس إذا سمت مالا وأشارت إلى غير مال كهذا الخل فإذا هو خمر فإن علم بأنه خمر فلا شئ له وإلا رجع بالمهر هذا حاصل ما في الذخيرة قوله (إذا لم تلد لأقل المدة) أي مدة الحمل وهذا قيد لعدم وجوب شئ أما لو ولدت لأقلها فهو له لتحقق الجوزي والأولى ذكر هذا بعد قوله وبطن الغنم لأن الظاهر اعتبار أقل مدته أيضا فائدة في إقرار الجوهرة أقل مدة حمل الدواب سوى الشاة ستة أشهر وأقل مدة حمل الشاة أربعة أشهر قوله (وقيده في الخلاصة وغيرها) كان المناسب ذكر هذا عقب قوله ردت مهرها أو ثلاثة دراهم كما فعل في البحر ليعلم أن مرجح الضمير هو الرد المذكور بحال الخلاصة هكذا وفي الفتاوي رجل خلع امرأته بمالها عليه من المهر ظنا منه أن لها عليه بقية المهر ثم تذكر أنه لم يبق لها عليه شئ من المهر وقع الطلاق عليها بمهرها فيجب عليها(3/491)
أن ترد المهر إن قبضته أما إذا علم أن لا مهر لها عليه بأن وهبت صح الخلع ولا ترد على الزوج شيئا كما إذا خالعها على ما في هذا البيت من المتاع بعدم أنه لا متاع في هذا البيت ا ه وكذا على ما في يدها من المال بعدم أنه ليس في يدها شئ كما في المجتبى قوله (على براءتها من ضمانه) معناه أنها إن وجدته سلمته وإلا فلا شئ عليها وأما لو شرطت البراءة من شئ في البدل صح الشرط بحر قوله (لم تبرأ) لأنه عقد معاوضة فيقتضي سلامة العوض بحر قوله (لأنه) تعليل لما استفيد من المقام أن الخلع صحيح فيصح الخلع ويبطل الشرط الفاسد ومنه لو خالعها على أن يمسك الولد عنده أو على أن يكون صداقها لولدها أو لأجنبي بخلاف الشرط الملائم كما
لو اختلعت بشرط الصك أو بشرط أن يرد إليها أقمشتها فقبل لا تحرم ويشترط كتب الصك ورد الأقمشة في المجلس كما سيأتي في الفروع وتمامه في البحر قوله (طلقني ثلاثا بألف) أما لو قالت واحدة بألف فطلقها ثلاثا فإن قال بألف وقبلت وقعن وأن لم تقبل لا يقع شئ وإن لم يذكر المال طلقت عنده ثلاثا بلا شئ وعندهما واحدة بألف وثنتان بلا شئ كما لو فرقها وقال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة عند الكل كما في البحر عن الخانية قوله (فطلقها واحدة) مثلها ثنتان شلبي ولو طلقها ثلاثا كان له جميع الألف سواء كانت بلفظ واحد أو متفرقة في مجلس واحد بحر ط قوله (بثلثه) لأن الباء تصحب الأعواض وهو ينقسم على المعوض بحر قوله (إن طلقها في مجلسه) فلو قام فطلقها لم يجب شئ نهر ووجهه أنه معاوضة من جانبها فيشترط في قبوله المجلس كما في قبول البيع رحمتي ولو بدأ هو فقال خالعتك على ألف اعتبر مجلسها دونه فلو ذهب ثم قبلت في مجلسها ذلك صح بحر عن الجوهرة قوله (لو كان طلقها ثنتين) أي قبل قولها له طلقني الخ ثم طلقها واحدة بعد قولها ذلك فله كل الألف لحصول المقصود ولذا قال في الخلاصة قالت طلقني أربعا بألف فطلقها فهي بالألف ولو طلقها واحدة فبثلث الألف وتمامه في البحر قوله (لأن على للشرط) والمشروط لا يتوزع على أجزاء الشرط ولو طلقها ثلاثا متفرقة في مجلس واحد لزمها الألف لأن الأولى والثانية أنكر عنده رجعية فأيقاع الثالثة وهي منكوحة فله الألف وإن في ثلاثة مجالس فعندهما له ثلث الألف وعنده لا شئ له بحر عن المحيط تستعمل على في لاستعلاء وللزوم تنبيه قيل إن على للاستعلاء مجاز للشرط والحق أنها حقيقة الاستعلاء إن اتصلت بالأجسام المحسوسة كقمت على السطح وفي غيرها حقيقة في معنى اللزوم الصادق على شرط المحض نحو * (يبايعنك على أن لا يشركن) * (الممتحنة 12) وأنت طالق على أن تدخلي الدار(3/492)
وعلى المعاوضة الشرعية المحضة كبعني هذا على ألف والعرفية كافعل هذا على أن أشفع لك عند
زيد وما نحن فيه مما يصح فيه كل من معني اللزوم لأن الطلاق مما يتعلق على الشرط المحض والاعتياض وذكر المال لا يرجح الثاني فإن المال يصح جعله شرطا محضا حتى لا تنقسم أجزاؤه على أجزاء مقابله كما يصح جعله عوضا منقسما فلا يجب المال بالشك وعلى هذا يكون لفظ على مشتركا بين الاستعلاء واللزوم لقيام دليل الحقيقة فيهما وهو التبادر بمجرد الإطلاق وكون المجاز خيرا من الاشتراك هو عند التردد وقول أهل العربية إنها للاستعلاء أمرهم على هذا فإن أهل الاجتهاد هم أهل العربية وتمام تحقيقه في الفتح وذكر في البحر إنه ذكر في التحرير ترجيح العوضية بذكر المال لأنها الأصل قوله (فببعضها أولى) فيه بحث لأنها قد يكون لها غرض في الثلاث حسما لمادة الرجوع إليه لشدة بغضه فتخاف من أن يحملها على المعاودة إليه فلا يتم إلا بالثلاث مقدسي وقد يقال إن هذا لا ينظر إليه بعض حصول المقصود بملكها نفسها على أن إمكان المعاودة حاصل بالحل على التحليل فافهم قوله (وقبلت في مجلسها) فلو بعده لم يلزمها المال لأنه مبادلة من جانبها كما مر وهذا إذا لم يكن معلقا ولا مضافا وإلا اعتبر القبول بعد وجود الشرط والوقت كما قدمناه عن البدائع ومثله في البحر قوله (كما مر) أي في قول المصنف أكرهها عليه تطلق بلا مال قوله (ولا سفيهة ولا مريضة) فلو سفيهة لم يلزم المال ولو مريضة اعتبره من الثلث كما يأتي بيانه قوله (لأنه تعويض) بالعين المهملة لا بالفاء كما يوجد في بعض النسخ وهذا راجع لقوله بألف وقوله أو تعليق راجع لقوله على ألف قال الزيلعي ولا بد من قبولها لأنه عقد معاوضة أو تعليق بشرط فلا تنعقد المعاوضة بدون القبول ولا ينزل المعلق بدون الشرط إذ لا ولاية لأحدهما في إلزام صاحبه بدون رضاه والطلاق بائن لأنها ما التزمت المال إلا لتسلم لها نفسها وذلك بالبينونة ا ه قوله (طلقتا بغير شئ) لأنه علق طلاقها على قبولهما وقد وجد ولم يعلم ما يلزم كل واحدة منهما فإن لكل أن تقول لا يلزمنى إلا الدراهم وينبغي أن يلزم لو رضي منهما بالدراهم وإذا طلقتا بلا شئ كان رجعيا لأنه بلفظ الصريح رحمتي وما قيل من أنه ينبغي أن يلزمهما رد مهرهما فهو مما لا ينبغي فإن الطلاق الصريح ولو على مال غير مسقط للمهر على
المعتمد كما يأتي متنا فافهم قوله (وإن لم يقبلا) مبالغة على قوله طلقت وعتق لأنه عند القبول تطلق ويعتق بالأولى لأنه متفق عليه فالمبالغة إشارة إلى رد قولهما ولا يصح جعل المبالغة لقوله(3/493)
مجانا لأن المناسب له أن يقول وإن قبلا كما لا يخفى قوله (جملة تامة) أي فلا ترتبط بما قبلها لا بدلالة الحال إذ الأصل في الجملة الاستقلال ولا دلالة هنا لأن الطلاق والعتاق ينفكان عن المال بخلاف البيع والإجارة فإنهما لا يوجدان بدونه درر تنبيه اتفقوا على أنها للحال في أد إلي ألفا وأن حر لتعذر عطف الخبر على الإنشاء وعلى أنها بمعنى باء المعاوضة في احمل هذا ولك درهم لأن المعاوضة في الإجارة أصلية وعلى تعين العطف في قول المضارب خذ هذا المال واعمل به في البز للإنشائية فلا تتقيد المضاربة به وعلى احتمال الأمرين في أنت طالق وأنت مريضة أو مصلية إذ لا مانع ولا معين فيتنجز الطلاق قضاء ويتعلق ديانة إن نواه وتمامه في البحر قوله (وأشار بأن الواو للحال) فكأنه قال أنت طالق في حال وجوب الألف لي عليك ولا يتحقق ذلك إلا بالقبول وبه يلزم المال نهر قوله (وكذا لو قال لعبده كذلك) أي كذا الحكم لو قال لعبده أعتقتك أمس على ألف فلم تقبل أو بعتك أمس نفسك منك بألف فلم تقبل بحر قوله (يمين من جانبه) فهو عقد تام فلا يكون الإقرار به إقرار بقبول المرأة بخلاف البيع فإنه بلا قبول ليس ببيع بحر قوله (أخذ بينتها) على أنها قبلت لأن الأصل أن من كان القول له لا يحتاج إلى بينة لأنها لإثبات خلاف الظاهر والظاهر لمن كان القول له وهو هنا الزوج المنكر وجود شرط الحنث وهو القبول وخلاف الظاهر قول المرأة فتقدم بينتها عند التعارض لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت الطلاق وأما ما قيل من أن بينتها قامت على الإثبات وبينته على النفي فلم تقبل ففيه أن البينة على النفي في شرط الحنث مقبولة كما مر في التعليق فافهم قوله (يقع الطلاق بأقراره) أي الطلاق البائن وإن لم يثبت المال لأنه يبقى لفظ الخلع المقر به وهو كناية فيقع به البائن كما مر قوله (بحالها) أي على حالها المعروف في الدعاوى من أن القول للمنكر والبينة للمدعي قوله (وعكسه) أي لو ادعت الخلع لا يقع بدعواها شئ لأنها لا تملك
الإيقاع رحمتي قوله (كيفما كان) أي سواء ادعته بمال أو بدونه ولا يلزمها المال لأنها إنما أقرت به في مقابلة الخلع فحيث لم يثبت الخلع لم يثبت المال ولأن الزوج بإنكاره قد رد إقرارها به رحمتي اختلفا في كمية الخلع فقال مرتان وقالت ثلاث قيل القول له وقيل لو اختلفا بعد التزوج فقالت لم يجز التزوج لأنه وقع بعد الخلع الثالث وأنكره فالقول له ولو اختلفا في العدة أو بعد(3/494)
مضيها فقال هي عدة الخلع الثاني وقالت عدة الخلع الثالث فالقول لها فلا يحل النكاح جامع الفصولين قوله (أنكر الخلع) مكرر مع قول المصنف وعكسه لا ا ه ط قوله (أو ادعى شرطا أو استثناء) بأن قال أنت طالق بألف فقبلت ثم ادعى أنه قال إن دخلت الدار أو إن شاء الله قال في جامع الفصولين طلق أو خلع ثم ادعى الاستثناء صدق لو لم يذكر البدل في الخلع لا لو ذكره بأن قال خلعتك بكذا ولو ادعى الاستثناء وقال ما قبضته منك فهو حق كان عليك وقالت إني دفعته لبدل الخلع فالقول له لأنه لما أنكر صحة الخلع فقد أنكر وجوب البدل عليها وأقر أن له عليها مالا واحدا لا مالين والمرأة مقرة أن له عليها مالا آخر فصدق الزوج بخلاف ما لو لم يدع الاستثناء لأنه أقر أن عليها بدل الخلع والمملك هو المرأة فقبل قولها وفيه نظر ا ه وحاصله أن دعواه الاستثناء مقبولة إلا إذا كان لي الخلع ببدل فإن البدل قرينة على قصد الخلع فلا تقبل دعوى إبطاله بالاستثناء إلا إذا ادعى أن ما قبضه ليس بدل الخلع بل عن حق آخر فإن القول له لإنكاره صحة الخلع ووجوب البدل بدعوى الاستثناء قلت لكن فيه أن المانع من صحة دعوى الاستثناء ذكر البدل في عقد الخلع لا قبضه بعده فحيث ذكر البدل لم تقبل دعواه الاستثناء فلم يقبل إنكاره صحة الخلع ووجوب البدل بل بقي الخلع ببدل وادعى بعد ذلك أن ما قبضه هو حق آخر وهي تقول بل بدل الخلع فيكون القول قولها لأنها المملكة بالدفع والقول قول المملك فلم يبق فرق بين ما إذا ادعى الاستثناء أو لم يدعه
ولعل هذا وجه النظر والله تعالى أعلم هذا وقد مر في باب التعليق أن الفتوى على عدم قبول قوله في دعوى الاستثناء والشرط لفساد الزمان وتقدم الكلام فيه هناك قوله (أو أن ما قبضه من دينه) في البزازية دفعت بدل الخلع وزعم الزوج أن قبضه بجهة أخرى أفتى الإمام ظهير الدين أن القول له وقيل لها لأنها المملكة ا ه قلت الظاهر الثاني ولذا جزم به في جامع الفصولين كما علمت وهذه مسألة مستقلة مبناها على ما إذا اتفقا على الخلع ببدل واختلفا في جهة القبض ولذا عطفها بأو ويصح عطفها بالواو فتكون من تتمة ما قبلها لكن يرد ما علمته من النظر فافهم قوله (واختلفا في الطوع والكره) أي في القبول وأما إيقاع الخلع بإكراه فصحيح كما يأتي ط قوله (فالقول لها) لأن صحة الخلع لا تستدعي البدل فتكون منكرة ويكون القول قولها بحر قوله (وادعى الخلع) ينبغي حمله على ما إذا كان مدعيا أن نفقة العدة من جملة بدل الخلع بحر قوله (فالقول لها في المهر وله في النفقة) لأن المهر كان ثابتا عليه قبله فدعوى سقوطه غير مقبولة وأما نفقة العدة فليست واجبة قبله وهي تدعى ا ستحقاقها بالطلاق وهو فقلنا فكان القول له وهو مشكل فإنهما اتفقا على سبب استحقاقها لأن الخلع والطلاق يوجبان نفقة العدة فكيف تسقط بحر قلت وأصل الاستشكال لصاحب جامع(3/495)
الفصولين واعترضه في نور العين على أنه ساقط بلامين قوله (قسمت قيمته على مسميهما) فإذا كانت قيمته ثلاثين ومهر إحداهما مائتان ومهر الأخرى مائة لزم الأولى عشرون والأخرى عشرة ولا يقسم بينهما مناصفة ومحله إذا كان العبد لأجنبي أو لهما والمهران متفاوتان أما لو كان بينهما مناصفة والمهران متساويان يكون العبد بدل الخلع ط وفرض المسألة في كافي الحاكم بما إذا خلع امرأتيه على ألف قوله (وقف على قبولها) قال في المجتبى والظاهر أنه عني به وقوع الطلاق ومعرفة هذه المسألة من أهم المهمات في هذا الزمان لأن الناس يعتادون إضافة الخلع إلى مال الزوج بعد إبرائها إياه من المهر فبهذا علم أنه إذا قبلت وقع الطلاق ولم يجب على الزوج شئ
وفي منية الفقهاء خلعتك بمالي عليه من الدين وقبلت ينبغي أن يقع الطلاق ولا يجب شئ ويبطل الدين ا ه ما في المجتبى وسيذكر الشارح آخر الباب صحة إيجاب بدل الخلع عليه وسيأتي تمامه قوله (في نكاح صحيح) ذكره لبيان الواقع وإلا فقد أخرج الفاسد أول الباب بقوله إزالة ملك النكاح أفاده ط وقدمناه قولين في سقوط المهر بعد الدخول في الفاسد وتقدم أيضا أنه لو أبانها ثم خالعها على مهرها لم يسقط المهر قال في الفصولين لأنه لم يسلم لها بعد الخلع شئ وكذا لو ارتدت فخالعها قوله (كما اعتمده العمادي وغيره) أي كصاحب الفتاوي الصغرى فإنه صحح أنه يسقط المهر كالخلع والمبارأة وصحح في الخانية أنه لا يسقط المهر إلا بذكره وصححه في جامع الفصولين أيضا فقد اختلف التصحيح وقول الشارح أول الباب خلافا ل للخانية تبع فيه قول البحر وإن صرح قاضيخان بخلافه ولم يظهر لي وجه ترجيح التصحيح الأول على الثاني مع أنهم قالوا أن قاضيخان من أجل من يعتمد على تصحيحه قوله (والمبارأة) بفتح الهمزة مفاعلة من البراءة وترك الهمزة خطأ وهي أن يقول الزوج برئت من نكاحك بكذا قاله صدر خالف وفي الفتح هو أن يقول بارأتك على ألف فتقبل نهر قلت وما في الفتح موافق لما في كافي الحاكم قال في النهر قيد المصنف بقوله بارأها لأنه لو قال لها برئت من نكاحك وقع الطلاق وينبغي أن لا يسقط به شئ ا ه أي لأنه لم يكن بلفظ المفاعلة ولم يذكر له بذلا لم يتوقف على قبولها فيقع به البائن ولا يكون مسقطا بمنزلة قوله خلعتك بخلاف ما إذا كان بلفظ المفاعلة أو ذكر له بدلا فإنه يتوقف على القبول حتى يكون مسقطا وبهذا ظهر أنه لا منافاة بين ما نقله أولا عن صدر خالف المصرح فيه بذكر البدل وبين ما ذكره آخرا فافهم تنبيه ذكر في النهر أول الباب أخذا من عبارة الفتح أن المبارأة من ألفاظ الخلع(3/496)
قلت وقدمنا عن الجوهرة التصريح به لكن تقدم عن البزازية أن لفظ الخلع من ألفاظ الكناية إلا أن المشايخ قالوا إنه لغلبة استعماله صار كالصريح فلا يفتقر إلى النية وأن المبارأة
إذا غالب فيها الاستعمال فهي كذلك وتقدم أيضا أن الواقع والخلع تطليقه بائنة سواء نوى الواحدة أو الثنتين وإن نوى الثلاث فثلاث وإن أخذ عليه جعلا لم يصدق أنه لم يرد به الطلاق قال في الكافي للحاكم والمبارأة بمنزلة الخلع في جميع ذلك قوله (أي الإبراء من الجانبين) أي بأن تقول به أعتقدوا فيقول لها بارأتك أو يقول لها ذلك وتقول هي قبلت كما في شرح المنظومة فالمراد ما يعم الإبراء من أحدهما والقبول من الآخر ط قوله (كل حق) شمل المهر والنفقة المفروضة والماضية والكسوة كذلك وكذا المتعة تسقط بلا ذكر ويستثنى ما إذا خالعها على مهرها أو بعضه وكان مقبوضا فإنها ترده ولا تبرأ ومقتضى إطلاقهم البراءة إلا أن يقال مرادهم ما عدا بدل الخلع والمهر بدله فلا تبرأ عنه كما لو كان مالا لآخر بحر وهذا قول الإمام وعند محمد لا يسقط إلا ما سمياه فيهما أي في الخلع والمبارأة وأبو يوسف مع الإمام في المبارأة ومع محمد في الخلع ملتقى حاصل مسائل لخلع ولمباراة على أربعة وعشرين وجها ثم اعلم أن حاصل وجوه المسألة أن البدل إما أن يكون مسكوتا عنه أو منفيا أو مثبتا على الزوج أو عليها بمهرها كله أو بعضه أو مال آخر وكل من الستة على وجهين إما أن يكون المهر مقبوضا أو لا وكل من الاثني عشر إما أن يكون قبل الدخول بها أو بعده فإن كان البدل مسكوتا عنه ففيه روايتان أصحهما براءة كل منهما عن المهر لا غير فلا ترد ما قبضت ولا يطالب هو بما بقي وسيأتي تمام الكلام عليه عند قول المصنف وبرئ عن المؤجل لو عليه الخ وإن كان منفيا كقوله اخلعي نفسك مني بغير شئ ففعلت وقبل الزوج صح بغير شئ لأنه صريح في عدم المال ووقوع البائن فلا يبرأ كل منهما عن حق صاحبه وإن كان معينا على الزوج فسيأتي آخر الباب وإن كان بكل المهر فإن كان مقبوضا رجع بجميعه وإلا سقط عنه كله مطلقا أي قبل الدخول أو بعده وإن خالعها على أن يجعله لولدها أو لأجنبي جاز الخلع والمهر للزوج وإن ببعضه كالعشر مثلا والمهر عشرون فإن قبضته رجع بدرهمين لو بعد الدخول وسلم لها الباقي وبدرهم فقط إن كان قبله لأنه عشر النصف وإن لم يكن مقبوضا سقط الكل مطلقا المسمى بحكم الشرط والباقي بحكم
لفظ الخلع وإن بمال آخر غير المهر فله المسمى وبرئ كل منهما مطلقا في الأحوال كلها ا ه ملخصا من البحر والنهر وغرر الأذكار لكن المراد بالأخير ما إذا كان منه معلوما موجودا في الحال وإلا فهو على ستة أوجه قدمناها عن الذخيرة قوله (ثابت وقتهما) أي وقت الخلع والمبارأة احترز به عن حق يثبت بعدهما كنفقة العدة والسكنى كما يشير إليه الشارح قوله (مما يتعلق) أي من الحق الذي يتعلق بذلك النكاح الذي وقع الخلع منه قوله (لا الأول) لأنه ليس من حق ذلك النكاح بل هو حق النكاح الأول قوله (ومثله المتعة) الأولى ومنه أي من الحق الذي يسقط قال في البحر وأما المتعة فقال في البزازية خالعها قبل الدخول وكان لم يسم مهرا تسقط(3/497)
المتعة بلا ذكر ا ه ويحتمل أن مراده أن المتعة مثل المهر فتسقط إذا كانت متعة ذلك النكاح لا متعة نكاح قبله كما حمله ح قوله (صح الخ) قال في البحر ومقتضى الإبراء العام عدم الصحة وكأنه لما وقع في ضمن الخلع تخصص بما هو من حقوق النكاح قوله (إلا إذا نص عليها) أي على النفقة في الخلع أما لو لم تسقطها حتى انخلعت ثم أسقطتها لا تسقط لإسقاطها حينئذ قصدا لما لم يجب فإنها إنما تجب شيئا فشيئا بخلاف ذلك الإسقاط الضمني فإنه يسقط باعتبار ما تستحقه وقت الخلع والباقي سقط تبعا في ضمن الخلع فتح وفي الذخيرة من النفقة قالت لزوجها أنت برئ من نفقتي أبدا ما دمت امرأتك لا يصح لأن صحة الإبراء تعتمد الوجوب أو قيام سبب الوجوب ولم يوجدا هنا لأن سبب وجوبها في المستقبل هو الاحتباس في المستقبل وهو غير موجود في الحال ثم قال وإذا أبرأته عن النفقة قبل أن تصير دينا في ذمته لا يصح بالاتفاق وإذا شرطت في الخلع يصح لأنه إبراء بعوض فيكون استيفاء لما وقعت البراءة عنه لأن العوض قائم مقامه والاستيفاء قبل الوجوب يصح بالاتفاق ا ه وفي القنية وإن لم تكن النفقة واجبة لكن سببها قائم فصح الإبراء منها ا ه أي فإن الخلع سبب لوجوب نفقة العدة وهذا معنى قوله في البدائع فأما نفقة العدة فإنها تجب عند العدة فكان الخلع على النفقة مانعا من وجوبها أي بخلاف إبرائها عن النفقة قبل الخلع أو بعده فإنه لا يصح
وفي البزازية وقيل يصح وهو الأشبه قلت لكن المذكور في عامة الكتب أنه لا يصح ولذا جزم به في الفتح وشرح الطحاوي والبدائع وكذا في الخانية وغيرها بل علمت أنه بالاتفاق وفي الولوالجية اختلعت منه بكل حق هو لها عليه فلها النفقة ما دامت في العدة لأنها لم تكن حقا لها وقت الخلع وفي البحر عن البزازية اختلعت بتطليقة بائنة على كل حق يجب للنساء على الرجال قبل الخلع وبعده ولم تذكر الصداق ونفقة العدة تثبت البراءة عنهما لأن المهر ثابت قبل الخلع والنفقة بعده ا ه حادثة لفتوى أبرأته عن مهرها وعن أعيان معلومة تنبيه وقعت حادثة سألت عنها في امرأة طلبت من زوجها الطلاق على أن تبرئه من مهرها ومن أعيان معلومة فرضي وأبرأته من ذلك فقالت إن كانت براءتك صادقة فأنت طالقة فأجبت بأنها لا تطلق لقولهم إن البراءة عن الأعيان لا تصح ومراده الزوج التعليق على صحة البراءة عن الكل ليسلم له جميع العوض هكذا ظهر لي ثم رأيت بعد جوابي هذا في فتاوي الكازروني نقلا عن فتاوي العلامة عبد الرحمن المرشدي أنه سأل عما يقع كثيرا من قول المرأة أبرأتك من المهر ونفقة العدة وقول الزوج طلاقك بصحة براءتك فأجاب بعدم الوقوع قال ووافقني بعض حنفية العصر وتوقف بعضهم محتجا بأن شيخنا جار الله بن ظهيرة كان يفتي بالوقوع لقولهم أن نفقة العدة تسقط بالتسمية فقلت هذا بمعزل عما نحن فيه لأن النفقة بالطلاق يوما فيوما والإبراء عن المعدوم(3/498)
باطل والمعلق به كذلك لانتفاء المعلق عليه بانتفاء جزئه وأما المذكور في باب الخلع فالمراد به المبارأة التي هي نوع من الخلع الموقوف على قبولها في المجلس فإذا كان على المهر ونفقة العدة سقطت النفقة تبعا له أما هنا فهو تعليق محض فلا يقع ببطلان بعض المعلق عليه ا ه ملخصا ثم رأيت البيري في شرح الأشباه صوب ما أفتى به ولا ظهيرة ورد على المرشدي مستندا لما مر من التصريح بسقوط النفقة بالشرط
أقول والصواب أنه إذا لم يكن الإبراء مبنيا على طلب الطلاق لم تسقط النفقة وإن طلقها عقبة لأنه في حال قيام النكاح وإن كان مبنيا عليه سقطت وإن كان حال قيام النكاح لأنه حينئذ يصير مقابلا بعوض ففي الذخيرة والخانية وغيرهما طلبت طلاقها فقال أبرئيني عن كل حق لك حتى أطلقك فقالت أبرأتك عن كل حق للنساء على الأزواج فقال الزوج في وفوره طلقتك واحدة وهي مدخول بها أنكر بائنة لأنه طلاق بعوض وهو الإبراء دلالة ا ه وأفاد في الفتح أن النفقة لا تسقط بذلك لانصراف الحق إلى القائم لها إذا ذاك ا ه نعم قدمنا آنفا أنها لو أبرأته عن كل حق قبل الخلع وبعده تسقط فكذا إذا طلب إبراءها له عن المهر والنفقة صريحا ليطلقها فأبرأته وطلقها فورا يصح الإبراء لأنه إبراء بعوض وهو ملكها نفسها فكأنها استوفت النفقة باستيفاء بدلها والاستيفاء قبل الوجوب يصح كما لو دفع له نفقة شهر يصح وعلى هذا يكون إبراء بشرط فإذا لم يطلقها لم يبرأ فقد صرح في الخانية بأنها لو أبرأته عما لها عليه على أن يطلقها فإن طلقها جازت البراءة وإلا فلا بخلاف ما لو أبرأته على أن لا يتزوج عليها فتصح البراءة دون الشرط لأن الأول يصح فيه الجعل دون الثاني فيكون الشرط فيه باطلا وفي الحاوي الزاهدي ولو أبرأته ليطلقها فقام ثم طلقها يبرأ إن لم ينقطع حكم المجلس والا فلا ا ه إذا علمت ذلك فقد ظهر لك أن صحة هذه البراءة موقوفة على الطلاق فورا أي في المجلس فإذا قال لها طلاقك بصحة براءتك يكون قد علق الطلاق على صحة البراءة فيقتضي تحقق صحتها قبله كما هو مقتضى الشرط ولا صحة لها إلا به فلم يوجد المعلق عليه فلا يقع الطلاق البحر بخلاف ما لو نجز الطلاق فإنه يقع وتصح به البراءة فقد ظهر أن الحق ما قاله المرشدي ولا ينافيه تصريحهم بسقوط النفقة بالشرط لما علمت من أن سقوطها موقوف على الطلاق أو الخلع فلا توجد البراءة قبله وإنما توجد بطلاق أو خلع منجز لا معلق على صحتها هذا ما ظهر لي في هذا المحل وهذه المسألة كثيرة الوقوع فاغتنم تحريرها والله سبحانه أعلم قوله (لأنها حق الشرع) لأن سكناها في غير بيت الطلاق معصية بحر عن الفتح قوله (إلا إذا أبرأته عن مؤنة السكنى) بأن
كانت ساكنة في بيت نفسها أو تعطي الأجرة من مالها فيصح التزامها ذلك فتح لكن مقتضى هذا أنه لا بد من التصريح بمؤنة السكنى مع أنه ذكر في الفتح وغيره في فصل الإحداد لو اختلعت على أن لا سكنى لها فإن مؤنة السكنى تسقط عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيت الزوج ولا يحل لها أن تخرج منه ا ه تأمل قوله (وهو) أي قول المصنف إلا نفقة العدة الخ مستغنى عنه بما قدره الشارح من قوله ثابت وقتهما لأن قوله لكل منهما متعلق بذلك المحذوف على أنه صفة لحق فإذا كان تقدير كلامه ذلك استغنى به عن الاشتثناء المذكور فكان الأولى تركه فافهم قوله(3/499)
(مسقط للمهر) قيد به لما في البحر أنه صرح في شرح الوقاية والخلاصة والبزازية والجوهرة بأن النفقة المقضي بها تسقط بطلاق وأطلقوه فشمل الطلاق بمال وغيره ا ه وفيه كلام سيأتي في النفقة قوله (ذكره البزازي) بلفظ وعليه الفتوى ومثله في الفصول وغيرها وفي البحر أنه ظاهر الرواية وصححه الشارحون وقاضيخان ا ه قلت وحاصل عبارة قاضيخان أن الطلاق بمال حكمه حكم الخلع عندهما أي أنه غير مسقط للمهر وعنده في رواية كقولهما وهو الصحيح وفي رواية كالخلع عنده أي في أنه مسقط ا ه وقدمنا ذكر الخلاف في الخلع عن الملتقى وبهذا تعلم ما في عبارة النهر الذي وقع غيره في الغلط فافهم في البراءة بقولها أبرأك لله قوله (ذكره البهنسي) وتبعه تلميذه الباقاني في شرحه على الملتقى وأفتى به الخير الرملي لكن نقل ط عن العلامة المقدسي أنه أفتى بصحة البراءة به للتعارف قلت وبه أفتى قارئ الهداية وابن الشلبي معللا بأن العرف على كونه إبراء قال وكتب مثله الناصر اللقاني وشيخ الإسلام الحنبلي ا ه وكذا ذكره في المنظومة المحبية وأفتى به في الحامدية وأيده السائحاني بما في البزازية قال طلقك الله أو لأمته أعتقك الله يقع الطلاق والعتاق زاد في الجوهرة نوى أو لم ينو
في الخلع على نفقة لولد قوله (من نفقة الولد) شمل الحمل بأن شرط براءته من نفقته إذا ولدته قوله (من نفقة الولد) وهي مؤنة الرضاع كذا في البحر عن الفتح ومثله في الكفاية والاختيار قوله (وفيه عن المنتقى الخ) ظاهره أن هذه رواية أخرى يؤيده ما في الخلاصة وإنما يصح على إمساك الولد إذا بين المدة وإن لم يبين لا يصح سواء كان الولد رضيعا وفطيما وفي المنتقى الخ قلت ولعل وجه الرواية الأولى أن الخلع إذا قع على نفقته أو أمساكه وهو رضيع يفضي إلى المنازعة لأن المرأة تقول أردت نفقته شهرا مثلا والزوج يقول أكثر ووجه الرواية الثانية أن كونه رضيعا قرينة على إرادة مدة الرضاع وقد جزم بهذه الرواية في الخانية والبزازية قوله (بخلاف الفطيم) لأن مدة بقائه عندها استغناء الغلام وحيض الجارية وهي مجهولة ا ه ح قلت لم أر هذا التعليل لغيره وهو ظاهر إذا كان الخلع على إمساكه عندها مدة الحضانة على أنه لا يظهر على القول المعتمد من تقدير مدة الحضانة بسبع للغلام وعشر للجارية بل الظاهر أن مراده أن الخلع إذا كان على نفقة الولد وهو رضيع يراد بها مؤنة الرضاع لأن نفقته هي إرضاعه وهو مؤقت شرعا فتنصرف إليه بخلاف ما إذا كان فطيما فلا بد من التوقيت لأن نفقته طعامه وشرابه وذلك ليس له وقت مخصوص لأنه يأكل مدة عمره فلا تصح التسمية بدون توقيت للجهالة وفي الذخيرة روى أبو سليمان عن محمد عن أبي حنيفة في المرأة تختلع من زوجها بنفقة ولد له(3/500)
منها ما عاشوا فإن عليها أن ترد المهر الذي أخذت منه ا ه أي فهو وكما ما إذا خالعها على ما في بيتها من المتاع ولم يوجد فيه شئ فافهم قوله (ولو تزوجها) أي وقد خالعها على نفقة العدة أو الولد نهر ط أي وكان التزوج قبل تمام المدة قوله (أو هربت) أي وتركت الولد على الزوج بحر وكذا لو خالعته على نفقة العدة ولم تكن في منزل الطلاق حتى سقطت نفقتها يرجع عليها بالنفقة كما بحثه في البحر قوله (أو مات الولد) وكذا لو لم يكن في بطنها ولد فيما إذا خالعها على إرضاع حملها إذا ولدته إلى سنتين فترد قيمة الرضاع ولو قالت عشر سنين رجع عليها بأجرة
رضاع سنتين ونفقته باقي السنين فتح قوله (رجع ببقية نفقة الولد) بأن مضت سنة من السنتين مثلا ترد قيمة رضاع سنة كما في الفتح قوله (والعدة) أي وبقية نفقة العدة فيما لو خالعها عليها أيضا قوله (إلا إذا شرطت براءتها) أي وقت الخلع بموت الولد أو موتها كما في الفتح قال في البحر والحيلة في براءتها أن يقول الزوج خالعتك على أني برئ من نفقة الولد إلى سنتين فإن مات الولد قبلها فلا رجوع لي عليك كذا في الخانية بخلاف ما لو استأجر الظئر للإرضاع سنة بكذا على أنه مات قبلها فالأجر لها فالاجارة فاسدة كذا في إجارات الخلاصة ا ه قال في البزازية إذ يجوز في الخلع ما لا يجوز في غيره قوله (غنم مطالبته الخ) أي أن الكسوة لا الخطبة إلا بالتنصيص عليها قال في الفتح غنم أن تطالبه بكسوة الصبي إلا أن اختلعت على نفقته وكسوته فليس لها وإن كانت مجهولة وسواء كان الولد رضيعا أو فطيما ا ه ومثله في الخلاصة وانظر ما فائدة التعميم في الولد هذا وقد تعورف الآن خلع المرأة على كفالتها للولد بمعنى قيامها بمصالحة كلها وعدم مطالبة أبيه بشئ منها إلى تمام المدة والظاهر أنه يكفي عن التنصيص على الكسوة لأن المعروف كالمشروط تأمل قوله (فيصح كالظئر) أي كما يصح في استئجار الظئر وهي المرضعة قال في البزازية وإن خالعها على إرضاع ولده سنة وعلى نفقة ولده بعد الفطام عشر سنين يصح والجهالة لا تمنع هنا كما لو استأجر ظئرا بطعامها وكسوتها يصح عند الإمام لأن العادة جرت بالتوسعة على الأظآر وهنا يصح عند الكل لأنه لا تجرى المناقشة ولو من لئيم في نفقة ولده ا ه قوله (يجبر عليها) لأن بدل الخلع دين عليها فلا تسقط نفقة الولد بدين له عليها كما إذا كان له عليها دين آخر وهي لا تقدر على قضائه لا تسقط الولد عنه قال وعليه الاعتماد لا على ما أجال به سائر المفتين أنه تسقط كذا في القنية والحاوي ونحوه في الفتح وغيره وأفاد هذا أن الأب يرجع عليها بعد يسارها قوله (صح في الأنثى لا الغلام) لأنه لا يحتاج إلى معرفة آداب الرجال والتخلق بأخلاقهم فإذا طال مكثه مع الأم يتخلق بأخلاق النساء وفي ذلك من الفساد ما لا يخفى كذا في(3/501)
الفتاوي الهندية قال المقدسي وفي قوله صح في الأنثى بحث لأن المفتى به الآن أن الأنثى لا تبقى عند الأم إلى البلوغ فتأمل ا ه قلت العلة تضييع حق الولد ولا تضييع في أبقاء الأنثى إلى البلوغ عند أمها نعم يرد أن يقال إن مدة البلوغ مجهولة ولعل الجهالة تغتفر لأن الغالب البلوغ في خمسة عشر قوله (لأنه حق الولد) لأن إبقاءه عند زوجها الأجنبي مضر بالولد ولذا سقط حقها في الحضانة ومثله ما في الخانية لو خالعها على أن يكون الولد عنده سنين معلومة صح وبطل الشرط لأن كون الولد الصغير عند الأم حق الولد فلا يبطل بإبطالهما قوله (وينظر إلى إمساكه) أي أجر مثل إمساكه كما عبر في الخلاصة مطلب في خلع الصغيرة قوله (طلقت) أي بائنا لو بلفظ الخلع كما يأتي ومر أيضا قوله (في الأصح) وقيل لا تطلق لأنه معلق بلزوم المال وقد عدم ووجه الأصح أنه معلق بقبول الأب وقد وجد بزازية قوله (كما لو قبلت هي) أشار بالكاف إلى أنها مسألة اتفاقية فافهم قال في الفتح هذا أي ما ذكر من الخلاف إذا قبل الأب فإت قبلت وهي عاقلة تعقل أن النكاح جالب والخلع سالب وقع الطلاق بالاتفاق ولا يلزمها المال ا ه قلت ويقع كثيرا إنه يطلقها بمقابلة إبرائها إياه من مهرها والظاهر أنه يقع الرجعي لعدم سقوط المهر ثم رأيت في جامع الفصولين ما نصه واقعة قال لامرأته الصبية أنت طالق بمهرك فقبلت فينبغي أن تطلق رجعيا ولا يسقط المهر ا ه ويأتي ما يؤيده عن شرح الوهبانية قوله (ولم يلزم المال) أي لا عليها ولا على الأب على قول ابن سلمة وعنه يلزمه وإن لم يضمن جامع الفصولين أما إذا ضمنه فلا كلام في لزومه عليه وهي مسألة المتن الآتي قال في البحر ومذهب مالك أن الأب إذا علم أن الخلع خير لها بأن كان الزوج لا يحسن عشرتها فالخلع على صداقها صحيح فإن قضى به قاض نفذ قضاؤه كذا في البزازية والمراد بالقاضي المالكي قوله (وكذا الكبيرة الخ) أي إذا خالعها أبوها بلا إذنها فإنه لا يلزمها المال بالأولى لأنه كالأجنبي في حقها
وفي الفصولين إذا ضمنه الأب أو الأجنبي وقع الخلع ثم إن أجازت نفذ عليها وبرئ الزوج من المهر وإلا ترجع به على الزوج والزوج على المخالع وإن لم يضمن توقف الخلع على إجازتها فإن أجازت جاز وبرئ الزوج عن المهر وإلا لم يجز قال في الذخيرة ولا تطلق قال غيره ينبغي أن تطلق لأنه معلق بالقبول وقد وجد ا ه أي بقبول المخالع وفي البزازية وإن لم يضمن توقف على قبولها في حق المال قال وهذا دليل على أن الطلاق واقع وقيل لا يقع إلا بإجازتها ا ه قوله (ولا يصح من الأم الخ) قال في البحر قيد بالأب لأنه لو جرى الخلع بين زوج الصغيرة وأمها فإن أضافت الأم البدل إلى مال نفسها أو ضمنت تم الخلع كالأجنبي وإلا فلا(3/502)
رواية فيه والصحيح أنه لا يقع الطلاق بخلاف الأب قوله (ولا على صغير أصلا) قال في البحر وقيد بالأنثى لأنه لو خلع ابنه الصغير لا يصح ولا يتوقف خلع الصغير على إجازة الولي وحاصله أنه في الصغيرة لا يلزم المال مع وقوع الطلاق وفي الصغير لا وقوع أصلا في خلع غير الرشيدة قوله (وهي غير رشيدة) في ماله ولو فاسقا كما سيأتي في الحجر وذكروا هناك أن الحجر بالسفه يفتقر عند أبي يوسف إلى القضاء كالحجر بالدين وقال محمد يثبت بمجرد السفه وهو تبذير للمال وتضييعه على خلاف الشرع وظاهر ما في شرح الوهبانية اعتماد الثاني فإنه قال عن المبسوط وإذا بلغت المرأة مفسدة فاختلعت من زوجها بمال جاز الخلع لأن وقوع الطلاق في الخلع يعتمد القبول وقد تحقق منها ولم يلزمها المال لأنها التزمته لا لعوض هو مال ولا بمنفعة ظاهرة فتجعل كالصغيرة فإن كان طلقها تطليقة على ذلك المال يملك رجعتها لأن وقوعه بالصريح لا يوجب البينونة إلا بوجوب البدل بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع ا ه ملخصا قوله (فإنها تطلق الخ) تصريح بوجه المشابهة بين مسألتي الصغيرة وغير الرشيدة وقوله فيهما أي في المسألتين قوله (فإن خالعها) أي الصغيرة قوله (على مال) شمل المهر قوله (لعدم وجوب المال عليها) فلم تتحقق الكفالة لأنها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل
في المطالبة ولا مطالبة على الأصيل ط قوله (كالخلع من الأجنبي) أي الفضولي وحاصل الأمر فيه أنه إذا خاطب الزوج فإن أضاف البدل إلى نفسه على وجه يفيد ضمانه له أو ملكه إياه كاخلعها بألف علي أو على أني ضامن أو على ألفي هذه أو عبدي هذا ففعل صح والبدل عليه فإن استحق لزمه قيمته ولا يتوقف على قبول المرأة وإن أرسله بأن قال على ألف أو على هذا العبد فإن قبلت لزمها تسليمه أو قيمته إن عجزت وإن أضافه إلى غيره كعبد فلان اعتبر قبول فلان ولو خاطبها الزوج أو خاطبته بذلك اعتبر قبولها سواء كان البدل مرسلا أو مضافا إليها أو إلى الأجنبي ولا يطالب الوكيل بالخلع بالبدل إلا إذا ضمنه ويرجع به عليها وتمامه في البحر قوله (فالأب أولى) لأنه يملك التصرف في نفسها ومالها فتح قوله (بلا سقوط مهر) أي سواء كان الخلع على المهر أو على ألف مثلا لكن إذا كان على المهر فلها أن ترجع به على الزوج والزوج يرجع به على الأب لضمانه أما لو كان على ألف فإنها إذا رجعت بالمهر على الزوج لا يرجع به على الأب لأنه لم يضمن له المهر بل ضمن له الألف وكلام الفتح أمرهم على هذا التفصيل كما في النهر الحربي المقدسي خلافا لما فهمه في البحر فحكم عليه بالخطأ وما ذكره الشارح في شرح الملتقى في حل هذا المحل فيه إيجاز مخل قوله (ومن حيل سقوطه) أي سقوط المهر عن الزوج وأشار إلى أن له حيلا أخر منها ما قدمناه من حكم مالكي بصحته ومنها أن يقر(3/503)
الأب بقبض صداقها ونفقة عدتها لصحة إقرار الأب بقبضه بخلاف سائر الأولياء ثم طلقها الزوج بائنا لكنه يبرأ في الظاهر أما عند الله تعالى فلا كما في البحر واعترضهم في جامع الفصولين بأن فيه تعليم الكذب وشغل ذمة الزوج وأجاب المقدسي بأنه عند إضرار الزوج بها وعدم إمكان الخلاص إلا بذلك لا يضر في خلع الفضولي قوله (أن يجعل) أي الزوج وفي نسخة أن يجعلا أي هو والأب وقوله ثم يحيل به أي بالمهر والزوج فاعل يحيل وقوله عليه أي على الأجنبي وهي موجود في بعض النسخ
وقوله من له ولاية مفعول يحيل وقوله قبض ذلك منه أي قبض المهر من الزوج والمراد بمن له ولاية قبض المهر منه هو الأب إن كان وإلا نصب القاضي وصيا وصورتها أنه إذا كان المهر ألفا مثلا يخالع الزوج مع أجنبي على ألف من ماله ثم يحيل الزوج أو الأب أو الوصي بالمهر على الأجنبي بشرط القبول وأن يكون الأجنبي أملأ من الزوج فحينئذ يبرأ الزوج من المهر ويصير في ذمة ذلك الأجنبي لكن في ذلك ضرر للأجنبي فلذا قيل ثم يبرئه الأب أو يقر بقبضه منه لكن يكفي في الظاهر إقرار الأب ابتداء بدون هذا التكليف كما قدمناه آنفا وفي بعض النسخ ثم يحيل به الزوج على من له ولاية قبض ذلك منه وهده حيلة أخرى ذكرها في البحر عن البزازية وعليه ففاعل يحيل ضمير يعود على الأجنبي والزوج مفعوله والضمير في به يعود على بدل الخلع أي يحيل الأجنبي الزوج بالألف بدل الخلع على من له ولاية القبض أي على الأب أو الوصي فيبرأ الأجنبي من البدل ويصير في ذمة الأب وقوله في البزازية فيبرأ الزوج منه غير ظاهر تأمل لكن يغني عن هذه الحيلة الثانية التزام الأب البدل ابتداء بدون هذا التكلف تأمل قوله (أي الزوج الضمان) تفسير للضمير المستتر والبارز والمراد بالضمان المضمون ليوافق قول الفتح أي لو شرط الزوج الألف عليها توقف على قبولها الخ وفي البزازية الخلع إذا جرى بين الزوج والمرأة فإليها القبول كان البدل مرسلا أو مطلقا أو مضافا إلى المرأة أو الأجنبي إضافة ملك أو ضمان ا ه أمثلة ذلك اخلعني على هذا العبد أو على عبد أو على عبدي هذا أو على عبد فلان قوله (طلقت) لوجود الشرط هو قبولها والبينونة تعتمد القبول دون لزوم المال كما إذا سمت خمرا ونحوه فتح قوله (وإن قبل الأب) لأن قبولها شرط وهو لا يحتمل النيابة فتح قوله (في الأصح) وفي رواية يصح لأنه نفع محض إذا تتخلص من عهدته بلا مال فتح قوله (وأجازت) أي أجازت قبول الأب ح ومثله في الدر المنتقى وهو المفهوم من الفتح فافهم قوله (قال الزوج خالعتك) قيد بصيغة المفاعلة لأنه لو قال خلعتك لا يتوقف على القبول ولا يبرأ كما في البحر وتقدم أول الباب وهذه المسألة في(3/504)
الزوجة البالغة قوله (وبرئ عن المهر المؤجل الخ) ذكر في الخلاصة والبزازية أنه في هذه الصورة يبرأ كل واحدة منهما عن صاحبه في إحدى الكلب عن أبي حنيفة وهو الصحيح وإن لم يكن على الزوج مهر فعليها رد ما ساق إليها من المهر لأن المال مذكور عرفا بذكر الخلع ا ه وهكذا في الفتح وظاهر أول العبارة أن المهر إذا كان مقبوضا فلا رجوع له وصريح أخرها الرجوع وبه صرح في الخانية فحينئذ لم يبرأ كل منهما عن صاحبه قال وقد ظهر لي أن محل البراءة ما إذا خالعها بعد دفع المعجل فإنها تبرأ عن المعجل ويبرأ هو عن المؤجل ولذا قال في المحيط الصحيح أنه يسقط المهر ما قبضت المرأة فهو لها وما بقي في ذمته يسقط ا ه قلت ويؤيده أنه في الخانية لم يقل يبرأ كل واحد منهما بل قال ويبرأ الزوج عن المهر الذي لها عليه فإن لم يكن لها عليه مهر لزمها رد ما ساق إليها كذا ذكره الحاكم الشهيد وابن الفضل ا ه وحاصله أن الزوج يبرأ مما لها في ذمته من المهر كلا أو بعضا وأما هي فلا تبرأ إلا من البعض ولو قبضت الكل لزمها رده وبهذا ظهر ما في قول المصنف وإلا ردت ما ساق إليها من المعجل فإنه يوهم أنه لا يلزمها رد المؤجل إذا قبضت كل المهر فكان حقه أن يقول وإلا ردت المهر إلا أن يجاب بأنها أذا قبضت الكل صار كله معجلا فتأمل ثم اعلم أن هذا كله مخالف لما في الفتح عند قوله ويسقط الخلع والمبارأة كل حق الخ من أن البدل إن كان مسكوتا عنه ففيه ثلاث روايات أصحها براءة كل منهما عن المهر لا غير فلا يطالب به أحدهما الآخر قبل الدخول أو بعده مقبوضا أو لا حتى لا ترجع عليه بشئ إن لم يكن مقبوضا ولا يرجع الزوج عليها إن كان مقبوضا كله والخلع قبل الدخول لأنه المال مذكور عرفا بالخلع الخ ومثله في الزيلعي وشرح الوهبانية والمقدسي والشرنبلالية وقوله والخلع قبل الدخول أي ومثله لو بعده بالأولى لأنها إذا طلقت قبل الدخول لزمها رد نصف المهر فإذا لم يلزمها رد شئ منه هنا لم يلزمها بعد الدخول بالأولى
وفي شرح الجامع الصغير لقاضيخان خلعها ولم يذكر العوض عندهما لم يبرأ أحدهما عن صاحبه عن المال الواجب بالنكاح وعن أبي حنيفة روايتان والصحيح براءة كل منهما عن صاحبه ا ه وفي متن المختار والمبارأة كالخلع يسقطان كل حق لكل منهما على الآخر مما يتعلق بالنكاح حتى لو كان قبل الدخول وقد قبضت المهر لا يرجع عليها بشئ ولو لم تقبض شيئا لا ترجع عليه بشئ ا ه مثله في متن الملتقى وفي شرح درر البحار وشرح المجمع إن لم يسميا شيئا برئ كل منهما من الآخر قبضت المهر أم لا دخل بها أم لا ا ه قلت وبه علم أن ما مر عن الفتاوى قول آخر غير المصحح في الشروح والمتون وظهر بهذا خلل كلام المصنف من وجهين أحدهما أنه مشى على خلاف الصحيح والثاني أنه يوهم أنها ترد المعجل فقط مع أنه لم يقل به أحد وإنما الخلاف في رد جميع المهر إذا كانت قبضته(3/505)
في خلع لمريضة قوله (خلع المريضة) أي مرض الموت إذ لو برئت منه كان للزوج كل البدل لتراضيهما كما لو وهبته شيئا برئت من مرضها وإن ماتت في العدة قوله (لأنه تبرع) لما تقرر أن البضع غير متقوم عند الخروج فما بذلته من بدل الخلع تبرع لا يصح لوارث وينفذ للأجنبي من الثلث لكنه يعطي الأقل دفعا لتهمة المواضعة كما مر في طلاقه لها في مرضه قوله (فله الأقل الخ) بيانه لو كان إرثه منها خمسين وبدل الخلع ستين والثلث مائة فقد خرج الإرث والبدل من الثلث فلها الأقل وهو خمسون وإن كان الثلث أربعين فلها الأقل منه ومن الإرث وهو أربعون والحاصل أن له الأقل من ميراثه ومن بدل الخلع ومن الثلث ولو عبر بذلك تبعا ل جامع الفصولين لكان أخصر وأظهر قوله (فله البدل إن خرح من الثلث) أفاد أنه لا ينظر إلى الإرث هنا لعدمه بموتها بعد العدة أو قبل الدخول لحصول البينونة فينظر إلى البدل والثلث فيعطي الأقل لكن أفاد في التاترخانية أنه لو قبل الدخول والخلع على المهر يسقط نصفه بطلاقها والنصف الآخر وصية لغير الوارث فلو لم يكن لها مال غيره يسلم له ثلث ذلك النصف قوله (وتمامه في
الفصولين) أي في أحكام المرضي أواخر الكتاب وذكر عبارته بتمامها في البحر عند قول الكنز ولزمها المال قوله (لحجرها عن التبرع) أي ولو بالإذن كهبتها بحر وهذا علة لتأخره إلى ما بعد العتق قوله (لزمها المال للحال) لانفكاك الحجر بإذن المولى فظهر في حقه كسائر الديون بحر قوله (فتباع الأمة) أي إلا أن يفيدها المولى كسائر الديون جامع الفصولين الأمة تفارق الحرة الصغيرة العاقلة إذا اختلعت من زوجها بأنها لا تؤاخذ ببدل الخلع بعد البلوغ كما لا تؤاخذ به في الحال كما في الذخيرة وفي جامع الفصولين ولو طلق الصبية بمال يصير رجعيا وفي الأمة يصير بائنا إذ الطلاق بمال يصح في الأمة لكنه مؤجل وفي الصبية يقع بلا مال ولو عاقلة قوله (على رقبتها) أي جعل السيد للزوج رقبتها بدل الخلع ط قوله (صح الخلع مجانا) ظاهره أنه لا يسقط المهر والظاهر سقوطه لبطلان التسمية فهو كتسمية الخمر والخنزير ط قوله (للسيد) أي سيد الزوج غير المكاتب قوله (فلا يبطل النكاح) لأنها لا تصير مملوكة للزوج بل لسيده وأما المكاتب فإنه يثبت له فيها وحق الملك لا يمنع بقاء النكاح فلا يفسد بحر عن الجامع وما في المنح من أن الملك يقع لسيد المكاتب وهو مقتضى إطلاق متنه يمكن(3/506)
تأويله بأن للسيد فيها حقا وبحيث لو عجز المكاتب صارت لسيده أفاده الرحمتي قوله (فكان في تصحيح إبطاله) أي وما كان كذلك فهو باطل والمراد بطلان كونه معاوضة لا مطلقا لما مر أول الباب أنه يمين في جانب الزوج ومعاوضة في جانبها فإذا بطلت جهة المعاوضة بقيت الجهة الأخرى وإلى هذا أشار في الفتح بقوله لكنه يقع طلاق بائن لأنه بطل البدل وبقي لفظ الخلع وهو طلاق بائن ا ه قوله (طلقت بثلاثة آلاف) أي طلقت ثلاثا بثلاثة آلاف كما صرح به في البحر عن المحيط عند قول الكنز ولزمها المال وقال لأنه لم يقع شئ إلا بقبولها لأن الطلاق يتعلق بقبولها في الخلع فوقع الثلاث عند قبولها جملة بثلاثة آلاف ا ه قلت وهذا إذا كان بمال وإلا لم يكن معاوضة فلا يتوقف على القبول فتقع الأولى ويلغو ما بعدها لأن البائن لا يلحق البائن ولذا قال في جامع الفصولين قال لها قد خلعتك وكرره ثلاثا
وأراد به الطلاق فهي واحدة بائنة ولو قال قد خلعتك على مالك علي من المهر قاله ثلاثا فقبلت فطلقت ثلاثا لأنه لم يقع إلا بقبولها وكذا لو قالت خلعت نفسي منك بألف قالته فقال رضيت أو أجزت ثلاثا بثلاثة آلاف وهذا خلاف ما في فتاوى العدة هو الصحيح ا ه قلت وما في العدة هو أنه يقع واحدة بالمسمى ويبطل الأول بالثاني والثاني بالثالث كما في المعاوضات ا ه ولعل وجهه أنه لما كان يمينا من جانبه صار معلقا على قبولها إذا بتدأ بخلاف ما إذا ابتدأت هي فإنه من جانبها معاوضة فلا يصير تعليقا على قبوله فإذا قبل يكون قبولا للعقد الثالث ويلغو الثاني به والأول بالثاني هذا ما ظهر لي وفي جامع الفصولين أيضا قال طلقتك على ألف طلقتك على ثلاثة آلاف قبلت فهو على المالين جميعا ومثله العتق على مال بخلاف البيع فإنه ليقع على آخر الأثمان إذ الرجوع في البيع قبل قبوله يصح بخلاف عتق 462 وطلاق ا ه والظاهر أنها لو ابتدأت هي بذلك فقبل أنكر طلقة واحدة بالمال الأخير فقط لأنه يصح رجوعها لا رجوعه كما مر أول الباب بناء على ما قلنا من أنه يمين من جانبه معاوضة من جانبها قوله (طلقت ثلاثا الخ) أي بألف فتح وفيه عن الخلاصة عن أبي يوسف لو قالت طلقني أربعا بألف فطلقها ثلاثا فهي بألف ولو طلقها واحدة فبثلث الألف ا ه أي لأنها إذا ابتدأت ان معاوضة لا تعليقا بخلاف ما إذا ابتدأ من كما قلنا في الفرق بين على أن تدخلي وعلى دخولك وعلى أن تعطيني قوله (قلت فيطلب الفرق الخ) وكذا يطلب الفرق بين أن على تدخلي الدار حيث توقف على الدخول وبين على أن تعطيني كذا حيث توقف على القبول مثل على دخولك الدار وقد سئل عن هذه الفروع الثلاثة في البحر فلم يبد فرقا ونقل كلامه في النهر وسكت عليه(3/507)
في لفرق بين لمصدر لصريح ولمؤول
ونقل في الدر المنتقى عن شرح اللباب الفرق بين المصدر الصريح والمؤول صحة حمل الثاني على الجثة لدون الأول أي فيصح زيد إما أن يقوم وأما أن يقعد بخلاف زيد إما قيام وإما قعود ولكن لم يظهر الفرق فيما نحن فيه كما قاله ح أقول قد يظهر الفرق ولا بد له من مقدمات إحداها ما قاله السبكي في التعليقات الفرق بين المصدر الصريح والمؤول مع اشتراكهما في الدلالة على الحدث أن موضوع الصريح الحدث فقط وهو أمر تصوري والمؤول يزيد عليه بالحصول إما ماضيا وإما حالا وإما مستقبلا إن كان إثباتا وبعدم الحصول في ذلك إن كان منفيا وهو أمر تصديقي ولهذا يسد أن والفعل مسد المفعولين لما بينهما من النسبة ا ه ونقله السيوطي في الأشباه النحوية ونقل أيضا أن المصدر الصريح غير مؤقت بخلاف المؤول فالصريح دال على الأزمنة الثلاثة دلالة مبهمة فهو عام بخلاف المؤول وأيضا المؤول اسم تقديري غير ملفوظ به وإنما الملفوظ به حرف وفعل وله العطار بالمضمر ولذا لم يصح وصفه بخلاف الصريح فإنه يقال يعجبني ضربك الشديد بخلاف أن تضرب الشديد ثانيها ما قدمناه عن المحقق ابن الهمام أن على تستعمل حقيقة للاستعلاء إن اتصلت بالأجسام وفي غيرها لمعنى اللزوم الصادق على الشرط المحض وعلى المعاوضة الشرعية أو العرفية وتترجح المعاوضة عند ذكر العوض لأنها الأصل كما في التحرير ثالثها أن الطلاق يتعلق بالزمان دون المكان ونحوه إذا علمت ذلك فنقول إذا قال لها على أن تعطيني كذل فهو تعليق على فعل مستقبل صالح للمعاوضة فيشترط قبولها ليلزمها المال فصار كأنه علقه على القبول إذ به يحصل غرضه من الطلاق بعوض فتطلق بالقبول وإن لم تعطه في الحال بخلاف على أن تدخلي فإنه صالح للشرط المحض لعدم ما يفيد المعاوضة فتعين تعلقه بالدخول بلا توقف على قبول إذ لا غرامة تلحقها وأما على دخولك الدار فليس فيه فعل يصلح جعله شرطا بل هو أمر تصوري لا يصلح جعله شرطا إلا بذكر فعل معه يدل على الحصول في أحد الأزمنة الثلاثة ليصير بمنزلة إن دخلت أو بتقدير الوقت
كما أنت طالق في دخولك الدار بقرينة في الظرفية إذ الطلاق لا يكون مظروفا في الدخول بل في زمانه ولا يحسن هنا تقدير الوقت لعدم ما يقتضيه لأن جعل على للمعاوضة يغنى عنه بدون تكلف فإن العاقل قد يكون له غرض في جعل الدخول مثلا عوضا عن طلاق هذا غاية ما ظهر من الفرق والله تعالى أعلم قوله (فالقول لها) لأنها تنكر الزيادة على ثلث الألف فتصدق قال في البحر مع يمينها فإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج ا ه قوله (صح الخلع) لأنه لا يفسد بالشرط الفاسد كما مر قوله (وبطل الشرط) أي فلا يكون المهر للولد ولا للأجنبي بل يكون للزوج كما في البزازية وغيرها وليس له إمساك الولد عنده لأن إمساكه عند أمه حقه فلا يبطل بإبطالهما كما قدمناه عن الخانية قوله (بانت الخ) قال في الخانية قالت له اخلعني على ألف(3/508)
فقال أنت طالق قيل هو جواب ويتم الخلع وقيل لا بل طلاق والمختار الأول لأنه جواب ظاهرا فإن قال لم أعن به الجواب صدق ووقع الطلاق بلا شئ وكذا لو قالت المرأة اختلعت منك فقال طلقتك قيل هو جواب ويتم الخلع وقيل لا بل رجعي وقيل يسأل الزوج عن النية وفي المسألة الأولى ينبغي أن يسأل أيضا ا ه وفي البزازية والمختار أنه إذا أراد الجواب يكون جوابا ويجعل كأنه قال أنت طالق بالخلع لأنه خرج جوابا فيكون خلعا ويبرأ عن المهر قوله (ولا رواية الخ) ذكر ذلك في آخر القنية في باب المسائل التي لم يوجد فيها رواية ولا جواب شاف للمتأخرين وقال فهل يقع بائنا للمقابلة بالمال كمسألة الزيادات أم رجعيا وهل يبرأ الزوج لوجود الشرط صورة أو لا يبرأ ا ه ونقل عبارته في البحر معي قوله ولزمها المال وكتبت فيما علقته عليه أن صاحب القنية ذكر في الحاوي عن الأسرار الجواب بين الواقع رجعي ويبرأ الزوج لتراضيهما على وقوع الرجعي ومقابلته بالمال لا تغيره عن وصفه بالرجعي وأما مسألة الزيادات فهي فيما إذا طلبت منه المرأة طلقتين بائنتين بألف فمقابلة المال تغير وصفه بالرجعي فيلغو لأنها لم ترض بلزوم الألف مع بقاء النكاح ولأنه الباء تصحب الأعواض والعوض يستلزم المعوض وهو انصرام النكاح بينهما ا ه ملخصا
قلت هذا الجواب إنما يظهر إذا كان الواقع أنه قال ذلك بعد طلبها منه البائنتين أما لو ابتدأ الزوج بذلك وقالت قبلت يلزم أن يقع به الرجعي لوجود تراضيهما على ذلك مع أن المنقول يخالفه ففي الذخيرة من الباب السادس في الطلاق أنت طالق الساعة واحدة وغدا أخرى بألف فقبلت وقع في الحال واحدة بنصف الألف وغدا أخرى بلا شئ لأن شرط وجوب البدل بالطلاق زوال الملك به وقد زال الملك بالأولى لكن إن تزوجها قبل مجئ الغد تطلق أخرى غدا بنصف الألف لزوال الملك بها ولو قال للمدخولة أنت طالق الساعة واحدة رجعية وغدا أخرى بألف فقبلت وقعت في الحال واحدة بلا شئ لوصفها بما ينافي البدل فإن الطلاق ببدل لا يكون رجعيا وفي الغد تطلق أخرى بألف لزوال الملك بها لأن الأولى رجعية لا تزيله ولو قال أنت طالق اليوم بائنة وغدا أخرى بألف أنكر في الحال بائنة بلا شئ لأن البائن بصريح الإبانة لا يقابله شئ وغدا أي أخرى بلا شئ لأن الملك زال بالأولى لا بها إلا إذا تزوجها قبل مجئ الغد فتقع أخرى بألف لزوال الملك بها ولو قالت أنت طالق الساعة واحدة رجعية وغدا أخرى رجعية بألف ينصرف البدل إليهما وكذا أنت طالق الساعة ثلاثا وغدا أخرى بائنة بألف أو الساعة واحدة بغير شئ وغدا أخرى بغير شئ بألف درهم ينصرف إليهما فتكونان بائنتين لأنه لا بد من إلغاء الوصف المنافي أو البدل وإلغاء الأول أولى لأن الآخر ناسخ له فتقع واحدة في الحال بنصف الالف وغدا أخرى مجانا إلا إذا تزوجها قبل الغد فتقع الثانية بنصفه ولو قال أنت طالق اليوم واحدة وغدا أخرى رجعية بألف ينصرف البدل إليهما أيضا لأنه وصف الثانية بالمنافي فينصرف البدل إلى الطلقتين ا ه ملخصا وقد ذكر في الفتح لذلك أصلا وهو أنه متى ذكر طلاقين وذكر عقبيهما مالا يكون مقابلا بهما إلا إذا وصف الأول بما ينافي وجوب المال فيكون المال حينئذ مقابلا بالثاني وأنه يشترط للزوم حصول المال حصول البينونة به ا ه وقوله إلا إذا وصف الأول أي فقط فلو وصف بالمنافي كلا(3/509)
منهما أو الثاني فقط أو لم يصف شيئا منهما بما ينافي يكون المال مقابلا بهما لا يضر عدم وجوب شئ بالثاني لعارض بينونة سابقة عليه لأن ذلك العارض إذا قال كما إذا تزوجها قبل وقت
الثاني يجب المال به أيضا وبهذا يسهل فهم هذه المسائل قوله (لكن في الزيادات الخ) ليس في عبارة القنية والحاوي المنقولة عن الزيادات لفظ رجعيا في الموضعين بل في الأول فقط والمناسب ما فعله الشارح من ذكره في الموضعين ليوافق ما ذكرناه آنفا إذ على ما في القنية لا يكون البدل لهما بل للثاني فقط لزوال الملك به كما مر التصريح به في عبارة الذخيرة بحال الفتح قوله (لكن يقع الخ) هذا غير مذكور في عبارة الزيادات المنقولة في القنية ولا يناسبها أيضا لما علمت نعم هو الصحيح على ما ذكره الشارح ومر التصريح به في عبارة الذخيرة في هذه المسألة فافهم قال ح يعني أن في اليوم الأول يقع طلقة بائنة بخمسمائة وفي غد أنكر أخرى بخمسمائة إن عقد عليها قبل مجئ الغد وإلا وقعت أخرى بغير شئ ا ه قوله (وفي الظهيرية الخ) لم أجده فيها ونقله في البحر عن الولوالجية بلفظ فأمرك بيدك فطلقي نفسك متى شئت ومثله في جامع الفصولين بلفظ لتطلقي وقد أسقطه الشارح ولا بد منه لقوله بعده ويقع الرجعي إذ لو لم يذكر الصريح تفسيرا لما قبله لكان الواقع البائن لأن التفويض بالأمر باليد من الكنايات ويقع به البائن وإن قالت طلقت نفسي لأن العبرة بتفويض الزوج لا لإيقاع المرأة كما مر في محله فإذا أتى بعده بالصريح اعتبر كما هنا ففي الذخيرة أمرك بيدك في تطليقة فهي رجعية ا ه ولذا قال في البحر لا يسقط المهر لعدم صحة إبراء الصغيرة ويقع الرجعي لأنه كالقائل لها عند وجود الشرط أنت طالق على كذا وحكمه ما ذكرنا ا ه ومثله في جامع الفصولين في إيجاب بدل لخلع على لزوج قوله (أو كذا منا) المن رطلان والأرز بفتح الهمزة وتشديد الزاي معروف ط قوله (أوسع من البيع) أي من السلم لأنه هو الذي يشترط فيه ذلك ط قوله (قلت ومفاده الخ) مخالف لما قدمه معي قوله ويسقط الخلع والمبارأة الخ من قوله خلعتك على عبدي وقف على قبولها ولم يجب شئ وقدمنا هناك عن المجتبى ما يؤيده لكن ذكر في البحر هناك عن البزازية اختلعت مع زوجها على مهرها ونفقة عدتها على أن الزوج يرد عليها عشرين درهما صح ولزم الزوج عشرون دليله ما ذكر في الأصل خالعت على دار على أن الزوج يرد عليها ألفا لا شفعة فيه وفيه دليل
على أن إيجاب بدل الخلع عليه يصح وفي صلح القدوري ادعت عليه نكاحا وصالحها على مال بدله لها لم يجز وفي بعض(3/510)
النسخ جاز والرواية الأولى تخالف المتقدم والتوفيق أنها إذا خالعت على بدل يجوز إيجاب البدل على الزوج أيضا ويكون مقابلا ببدل الخلع وكذا إذا لم يذكر نفقة العدة في الخلع يكون تقدير النفقة العدة أما إذا خالعت على نفقة العدة ولم تذكر عوضا آخر ينبغي أن لا يجب بدل الخلع على الزوج ا ه ما في البحر عن البزازية وهذا من الحسن بمكان نهر والحاصل أنه لا وجه لإيجاب البدل على الزوج لأن الخلع عقد معاوضة من جهتها فإنها تملك نفسها بما تدفعه له ولذا كان الطلاق على مال بائنا حتى لو أبانها قبله لم يجب المال لعدم ما يقابله وحينئذ فإن خالعها على مال أو على ما في ذمته من المهر وشرط على نفسه لها ما لا يجعل ذلك استثناء من بدل الخلع فإن زاد عليه أو لم يكن بدل أصلا يجعل تقديرا لنفقة العدة إلا إذا كانت النفقة مخالعا عليها أيضا فلا يجب الزائد والله سبحانه أعلم لكن ذكر في البزازية في موضع آخر وأقره عليه في البحر أن المختار جواز البدل عليه وطريقه بالحمل على الاستثناء من المهر إن كان عليه مهر وإلا فهو استثناء من النفقة فإن زاد عليها يجعل كأنه زاد على مهرها ذلك القدر قبل الخلع ثم خالعها تصحيحا للخلع بقدر الإمكان ا ه وقوله استثناء من النفقة أي إذا خالعها عليها وإلا فهو تقدير لها كما مر وفي جامع الفصولين لا حاجة إلى هذا التطويل وتلحق الزيادة بأصل العقد كما في البيع قوله (اختلعت بشرط الصك) أي بشرط أن يكتب لها صكا فيه ذلك والصك الكتاب الذي يكتب في المعاملات والأقارير جمعه صكوك كفلس وفلوس وصكاك كسهم وسهام مصباح قوله (لم تحرم) أي بمجرد قبوله بل لا بد من كتابة الصك ورد الأقمشة ولا بد أن يكون ذلك في المجلس ح والله تعالى أعلم الظهار مناسبته للخلع أن كلا منهما يكون عن النشوز ظاهرا أو قدم الخلع لأنه أكمل في باب
التحريم أذ هو تحريم يقطع النكاح وهذا مع بقائه فتح قوله (هو لغة الخ) هذا أحد معانيه في اللغة لأن ظاهر مفاعلة من الظهر فيقال ظاهرته إذا قابلت ظهرك لظهره حقيقة وإذا غايظته لأن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وإذا نصرته لأنه يقال قوي ظهره إذا نصره وتمامه في الفتح وفيه وإنما عدي بمن مع أنه متعد بنفسه لتضمنه معنى التعبد لأنه كان طلاقا وهو مبعد ا ه وفي البحر عن المصباح وإنما خص بذكر الظهر لأنه من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيانر فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم العطار ركوب الزوجة بركوب الأم الممتنع وهو استعارة لطيفة فكأنه قال ركوبك للنكاح حرام علي قوله (وشرعا تشبيه المسلم الخ) شمل التشبيه الصريح والضمني كما لو كانت امرأة رجل ظاهر منها زوجها فقال أنت علي مثل فلانة ينوي ذلك وكذا لو ظاهر من امرأته فقال للأخرى أشركتك في ظهارها أو أنت علي مثل هذه ناويا فإنه يكون مظاهرا ولو بعد موتها وبعد التكفير لتضمنه أنت علي كظهر أمي وشمل المعلق ولو(3/511)
بمشيئتها والمؤقت بيوم أو شهر كما سيأتي بحر واحترز به عن نحو أنت أمي بلا تشبيه فإنه باطل وإن نوى كما سيأتي والمراد بالمسلم العاقل ولو حكما البالغ فلا يصح ظهار المجنون والصبي والمعتوه والمدهوش والمبرسم والمغمى عليه والنائم ويصح من السكران والمكره والمخطئ والأخرس بإشارته المفهمة ولو بكتابة الناطق المستبينة أو بشرط الخيار كما في البدائع نهر ولو ظاهر ثم ارتد بقي ظهاره عنده لا عندهما بحر قوله (فلا ظهار لذمي) لأنه ليس من أهل الكفارة ويصح عند الشافعي ط قوله (زوجته) شمل الأمة وخرجت مملوكته والأجنبية إلا إذا أضافه إلى سبب الملك كما سيأتي والمبانة بواحدة أو ثلاث قال في البحر حتى لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير مظاهرا لأنه وقت وجود الشرط صادق في التشبيه بخلاف الإبانة المعلقة لأن فائدتها تنقيص العدد قوله (ولو كتابية) الأولى ولو كافرة ليشمل المجوسية ففي البحر عن المحيط أسلم زوج المجوسية فظاهر منها قبل عرض الإسلام عليها صح لكونه من أهل الكفارة ودخل فيه الرتقاء والمدخولة وغيرها كما في النهر قوله (من
أعضائها) كالرأس والرقبة قوله (أو تشبيه جزء شائع) كنصفك ونحوه والأصوب أن يقول أو تشبيه جزءا شائعا بالإضافة إلى ضمير الفاعل ونصب جزءا شائعا لأنه في كلام المصنف معطوف على زوجته المنصوب على المفعولية قوله (بمحرم عليه) أي بعضو يحرم النظر إليه من أعضاء محرمة عليه نسبا أو صهرية أو رضاعا كما في البحر أو بجملتها كأنت علي كأمي فإنه تشبيه بالظهر وزيادة كما يأتي لكن هذا كناية لا بد له من النية كما سيأتي بعدم أنه لا بد في المشبه به من كون الجزء يحرم النظر إليه وإلا فلا يصح وإن كان يعبر به عن الكل كرأسك أمي أو وجهها بخلاف الزوجة المشبهة فإنه يكفي ذكر الجزء الذي يعبر به عن الكل منها وإن لم يحرم النظر إليه كرأس فتنبه وخرج بالمحرمة عليه زوجته الأخرى وأمته قال في الفتح ولا فرق بين كون ذلك العضو الظهر أو غيره مما لا يحل النظر إليه وإنما خص باسم الظهار تغليبا للظهر لأنه كان الأصل في استعمالهم وقيد في النهاية التحريم بكونه متفقا عليه احترازا عن أن المزني بها وبنتها فلو شبهها بهما لم يكن مظاهرا وعزاه إلى شرح الطحاوي لكن هذا قول محمد وقال أبو يوسف يكون مظاهرا قيل وهو قول الإمام قال القاضي ظهير الدين وهو الصحيح لكن رجح العمادي قول محمد نهر ما يسوغ فيه لاجتهاد قال في الفتح والخلاف مبني على نفاذ حكم الحاكم بحل نكاحها وعدمه لا عن كون الحرمة مجمعا عليها أو لا بل على كونها يسوغ فيه الاجتهاد أو لا وعدم تسويغ الاجتهاد لوجود الإجماع أو النص الغير المحتمل للتأويل بلا معارضة نص آخر في نظر المجتهد وإن كانت المعارضة ثابتة في الواقع ولهذا يختلف في كون المحل يسوغ فيه الاجتهاد وفي نفاذ حكم الحاكم بخلافه ا ه قوله (بوصف) الباء لسببية التحريم أو التأبيد قوله (لا يمكن زواله) كالأمية والأختية ولو رضاعا والمصاهرة قوله (لجواز إسلامها) أي وصيرورتها كتابية كما في البحر فحرمتها مؤبدة(3/512)
بالنظر إلى بقاء وصف المجوسية غير مؤبدة إذا انقطع ط قوله (ورده في النهر بما في البدائع الخ)
أقول ومثله ما في الخانية التشبيه بالرجل أي رجل كان لا يكون ظهارا ونحوه في التاترخانية عن التهذيب وكذا في الظهيرية ثم رأيته أيضا صريحا في كافي الحاكم وهذا يعارض ما بحثه في المحيط بلفظ وينبغي أن يكون مظاهرا قال في النهر وبه اندفع ما في البحر حيث جزم بما في المحيط ولم ينقله بحثا قوله (نعم يرد ما في الخانية الخ) كذا في النهر وهو مردود فإن الذي في الخانية خلاف هذا ونصه ولو قال لامرأته أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير اختلفت الروايات فيه والصحيح أنه إن لم ينو شيئا لا يكون إيلاء وإن نوى الطلاق يكون طلاقا وأن نوى الظهار لا يكون ظهارا ا ه وكذا في التاترخانية والشرنبلالية معزيا ل للخانية فعلم أن لفظة لا ساقطة من نسخة صاحب النهر وبه تأيد ما في البدائع وغيرها فافهم قوله (فإن التشبيه بالأم الخ) جواب عما قيل إنه ليس فيه تشبيه بعضو يحرم النظر إليه من محرمه قوله (معزيا ل للمحيط) الذي رأيته في القهستاني عزوه للنظم بدون ذكر التصحيح وإنما هو مذكور في الخانية ولكن لعكس ما قال كما علمت قوله (كإن نكحتك) أي تزوجتك وهذا مثال لسبب الملك ومثال الملك كإن صرت زوجة لي قوله (فكذا) أي فأنت علي كظهر أمي ولو زاد وأنت طالق ثم تزوجها بعد ما وقع الطلاق المعلق بقي حكم الظهار إلا إذا قدم فقال أنت طالق وأنت علي كظهر أمي لأنها بانت بنزول الطلاق أو لا لكونه قبل الدخول بناء على الترتيب في النزول عنده خلافا لهما كما في الدر المنتقى آخر الباب وقدمناه في التعليق وفي أول باب الإيلاء قوله (مائة مرة) يحتمل أن يكون حالا من مقول القول أي قال ذلك الكلام مكررا له مائة مرة والأقرب المتبادر أنه حال من جملة جواب الشرط فهو من تتمة القول وتكرر الظهار والكفارة على الأولى ظاهر وكذا على الثاني بمنزلة ما لو قال أنت مرارا أو ألوفا حيث تطلق ثلاثا كما مر معي باب طلاق غير المدخول بها بخلاف ما لو قال أنت علي حرام ألف مرة وهي مدخول بها حيث أنكر واحدة فقط وقدمنا هناك وكذا في آخر الإيلاء الفرق بينهما بأن هذا بمنزلة تكرار هذا الكلام بقدر العدد المذكور والحرام إذا كرر مرارا لا يقع به إلا واحدة لأنه بائن بخلاف الطلاق لأنه صريح يلحق مثله
والظهار يلحق الظهار أيضا كما سيأتي متنا فافهم قوله (وظهارها منه لغو) أي إذا قالت أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك فهو لغو لأن التحريم ليس إليها ط قوله (فلا حرمة الخ) بيان لكونه لغوا أي فلا حرمة عليها إذا مكنته من نفسها ولا كفارة ظهار ولا يمين ط قوله (به يفتى)(3/513)
مقابلة ما في شرح الوهبانية للشرنبلالي عن الحسن بن زياد من صحة ظهارها وعليها كفارة الظهار وروى عن أبي يوسف ا ه ط قوله (إيجاب كفارة يمين) فتجب بالحنث وقيل كفارة ظهار فإن كان تعليقا تجب متى تزوجت به وإن كانت في نكاحه تجب للحال ما لم يطلقها لأنه لا يحل لها العزم على منعه من الجماع بحر عن ابن وهبان قوله (كأنت علي) قال في البحر ومني وعندي ومعي كعلي قوله (على كما في النهر) أي بحثا مخالفا لما بحثه في البحر من أنه ينبغي أن لا يكون مظاهرا وقال الخير الرملي لا يكون ظهارا ما لم ينو به الظهار لأن حذف الظرف عند العلم به جائز وإذا نواه صح تأمل ا ه وعليه فهو كناية ظهار تتوقف على النية لاحتمال كظهر أمي على غيري قوله (ونحوه الخ) قال في البحر كل ما صح إضافة الطلاق إليه كان مظاهرا به فخرج اليد والرجل أي ونحوهما قوله (كظهر أمي الخ) أي من كل عضو لا يحل النظر إليه من محرمة تأبيدا كما مر فخرج ما يحل النظر إليه كاليد والرجل والجنب فلا يكون ظهارا وفي الخانية أنت علي كركبة أمي في القياس يكون مظاهرا ولو قال فخذك كفخذ أمي لا يكون مظاهرا وكذا رأسك كرأس أمي ا ه أي لفقد الشرط في الثانية من جهة المشبه وفي الثالثة من جهة المشبه به قوله (ولا يخفى ما فيه من التكرار) وذلك في فرج الأم فإنه ذكر مرتين وأجاب ط بأن المراد بقوله أو فرج أمي أو فرج بنتي أنه ذكره مرددا بينهما قوله (والذي في نسخ المتن) أي المجرد عن الشرح قوله (يصير به مظاهرا بلا نية) أي لا يكون ظهارا ولو نوى به الطلاق لا يصح لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به كذا في الهداية وهو يقتضي أن الظهار كان طلاقا في الإسلام حتى يوصف بالنسخ مع أنه قال أولا إنه كان طلاقا في الجاهلية وهو يقتضي أن جعله ظهارا ليس ناسخا بحر والجواب أنه كان طلاقا فيهما بدليل قوله عليه الصلاة والسلام ما أراك
إلا قد حرمت عليه فنزلت الآية * (قد سمع) * (المجادلة 1) قوله (لأنه صريح) ظاهر كلامهم أن الصريح ما كان فيه ذكر العضو در منتقى وسيذكر المصنف ألفاظ الكناية قال ط فيصح ظهار الهازل ولا يوجب الظهار نقصان عدد الطلاق ولا بينونة وإن طالت المدة هندية قوله (ودواعيه) من القبلة والمس والنظر إلى فرجها بشهوة أما المس بغير شهوة فخارج بالإجماع نهر قوله (للمنع عن التماس الخ) أي في قوله تعالى * (من قبل أن يتماسا) * فإنه شامل للوطء ودواعيه ولا موجب فيه للحمل على المجاز وهو الوطء لإمكان الحقيقة فيحرم الكل بالنص كما في الفتح قلت وخروج المس بغير شهوة بالإجماع غير موجب للحمل على المجاز خلافا لما في البحر قوله (ولا يحرم النظر) أي إلى ظهرها وبطنها ولا إلى الشعر والصدر بحر أي ولو(3/514)
بشهوة بخلاف النظر إلى الفرج بشهوة كما مر قوله (للشفقة) أفاد أن التقبيل لا يحرم إلا إذا كان عن شهوة وينبغي تقييده بأن لا يكون على الفم لأنه على الفم يوجب حرمة المصاهرة مطلقا تأمل قوله (حتى يكفر) غاية لقوله فيحرم وهذا إذا لم يكن مؤقتا فلو مؤقتا سقط بمضي الوقت كما يأتي قوله (وإن عادت إليه الخ) قال في النهر أفاد ب الغاية أي بقوله حتى يكفر أنه لو طلقها ثلاثا ثم عادت إليه تعود بالظهار وكذا لو كانت أمة فاشتراها وانفسخ العقد أو كانت حرة فلحقت مرتدة بدار الحرب وسبيت ثم اشتراها لا تحل له ما لم يكفر قوله (وكذا اللعان) أي تبقى حرمته مؤبدة ولو عادت إليه بعد زوج آخر حتى تصدقه أو يكذب نفسه أو يخرجا أو أحدهما عن أهلية اللعان كما سيأتي تقريره ولا يخفى أن كونها أمة أو مرتد مخرج لها عن أهلية اللعان فلا يصح تصوير المسألة بهما أيضا فافهم قوله (تاب واستغفر) قال في البحر الاستغفار منقول في الموطأ من قول مالك والمراد منه التوبة من هذه المعصية وهي حرمة الوطء قبل الكفارة ا ه وأفاد أنه لم يثبت به حديث كما في الفتح لكن نقل نوح أفندي عن العلامة قاسم أنه ذكره محمد في الأصل فقال باب الظهار بلغنا عن رسول الله أن رجلا ظاهر من امرأته فوقع عليها قبل أن يكفر فبلغ ذلك النبي فأمره أن يستغفر الله تعالى ولا يعود حتى يكفر
بلاغات محمد رحمه الله مسندة وبلاغات محمد مسندة وقد أسند كتاب الصوم قوله (وقيل عليه أخرى للوطء) ظاهره أن القائل به من أهل المذهب وليس كذلك لما في الفتح فلا تجب كفارتان كما نقل عن عمرو بن العاص وقبيصة وسعيد بن حبير والزهوي وقتادة ولا ثلاث كفارات كما هو عن الحسن البصري والنخعي قوله (ولا يعود الخ) فإن عاد تاب واستغفر أيضا لقيام الحرمة قبل التكفير قوله (عزما مؤكدا) أي مستمرا بدليل ما بعده ط قوله (ولا كفارة عليه) لعدم العزم المؤكد لا لأنها وجبت عليه بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم لأنها بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد بحر عن البدائع لكن فيه في الباب الآتي ولو عزم ثم أبانها سقطت ا ه ويمكن الجواب بأنه عبر به عن عدم الوجوب مسامحة قوله (على استباحة وطئها) قدر استباحة لقوله في البحر ومراد المشايخ من قولهم العزم على وطئها العزم على استباحة وطئها لا العزم على نفس الوطء لأنهم قالوا المراد في الآية * (ثم يعودون) * (المجادلة 3) لنقض ما قالوا ورفعه وهو إنما يكون باستباحتها بعد تحريمها لكونه ضدا للحرمة لا نفس وطئها قوله (أي يرجعون الخ) تفسير لقوله(3/515)
يعودون والمناسب التعبير بأو العاطفة بدل أي التفسيرية لأن تفسير العود بالعزم على استباحة الوطء مبني على أن الآية على تقدير مضاف أي يعودون لضد أو لنقض ما قالوا كما مر وهذا تفسير آخر مبني على ما نقله عن الفراء تأمل قوله (وعلى القاضي إلزامه به) اعترض بأنه لا فائدة للإجبار على التكفير إلا الوطء والوطء لا يقضي به عليه إلا مرة واحدة في العمر كما في القسم ولهذا لو صار عنينا بعد ما وطئها مرة لا يؤجل قال الحموي وفرض المسألة فيما إذا لم يطأها قبل الظهار أبدا بعيد وقد يقال فائدة الإجبار على التكفير رفع المعصية ا ه أي أن الظهار معصية حاملة له على الامتناع من حقها الواجب عليه ديانة فيأمره برفعها لتحل له كما يأمر المولى من امرأته بقربانها في المدة أو يفرق بينهما فإن لم يقر بها بانت منه لدفع كلاهما عنها قوله (بحبس أو ضرب) أي بحبسه أو لا فإن أبى ضربه كما في البحر قوله (ولو قيده بوقت الخ) فلو
أراد قربانها انظر الوقت لا يجوز بلا كفارة بحر والظاهر أن الوقت إذا كان أربعة أشهر فأكثر أنه لا يكون إيلاء لعدم ركنه وهو الحلف أو التعليق كالصمم ط وهو ظاهر وفي الزيلعي في غير هذا المحل وقول من قال إن الظهار يمين فاسد لأن الظهار منكر من القول وزور محض واليمين يطلق مشروع مباح ا ه ثم رأيت في كافي الحاكم ولا يدخل على المظاهر إيلاء وإن لم يجامعها أربعة أشهر ا ه قوله (بخلاف مشيئة فلان) فإنها لا تبطله بل إن شاء فلان في المجلس كان ظهارا كما في النهر ح قوله (وإن نوى الخ) بيان لكنايات الظهار وأشار إلى أن صريحه لا بد فيه من ذكر العضو بحر قوله (لأنه كناية) أي من كنايات الظهار والطلاق قال في البحر وإذا نوى به الطلاق كان بائنا كلفظ الحرام وإن نوى فهو إيلاء عند أبي يوسف وظهار عند محمد والصحيح أنه ظهار عند الكل لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه ا ه ونظر فيه في الفتح بأنه إنما يتجه في أنت علي حرام كأمي والكلام في مجرد أنت كأمي ا ه أي بدون لفظ حرام قلت وقد يجاب بأن الحرمة مرادة وإن لم تذكر صريحا هذا وقال الخير الرملي وكذا لو نوى الحرمة المجردة ينبغي أن يكون ظهارا وينبغي أن لا يصدق قضاء في إرادة البر إذا كان في حال المشاجرة وذكر الطلاق ا ه قوله (حذف الكاف) بأن قال أنت أمي ومن بعض الظن جعله من باب زيد أسد در منتقى عن القهستاني قلت ويدل عليه ما نذكره عن الفتح من أنه لا بد من التصريح بالأداة قوله (لغا) لأنه مجمل في حق التشبيه فما لم يتبين مراد مخصوص لا يحكم بشئ فتح قوله (ويكره الخ) جزم بالكراهة تبعا ل البحر والنهر والذي في الفتح وفي أنت أمي لا يكون مظاهرا وينبغي أن يكون مكروها فقد صرحوا بأن قوله لزوجته يا أخية مكروه وفيه حديث رواه أبو داود أن رسول الله سمع رجلا يقول لامرأته يا(3/516)
أخية فكره ذلك ونهى عنه ومعنى النهي قربه من لفظ التشبيه ولو لا هذا الحديث لأمكن أن يقول هو ظهار لأن التشبيه في أنت أمي أقوى منه مع ذكر الأداة ولفظ يا أخية استعارة بلا شك وهي
مبنية على التشبيه لكن الحديث أفاد كونه ليعين ظهارا حيث لم يبين فيه حكما سوى الكراهة والنهي فعلم أنه لا بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه شرعا ومثله أن يقول لها يا بنتي أو يا أختي ونحوه قوله (من ظهار) لأنه شبهها في الحرمة بأمه وهو إذا شبهها بظهرها يكون مظاهرا فبكلها أولى نهر قوله (أو طلاق) لأن هذا اللفظ من الكنايات وبها يقع الطلاق بالنية أو دلالة الحال على ما مر وقوله كأمي تأكيد للحرمة ولم أر ما لو قامت دلالة على إرادة الطلاق بأن سألته إياه وقال نويت الظهار نهر قلت ينبغي أن لا يصدق لأن دلالة الحال قرينة ظاهرة تقدم على النية في باب الكنايات فلا يصدق قي نية الأدنى لأن فيه تخفيفا عليه تأمل هذا ولم يبين في هذه المسألة ما إذا نوى الإيلاء أو مجرد التحريم وفي التاترخانية عن المحيط وإن نوى التحريم لا غير صحت نيته وفيها عن الخانية إن نوى الطلاق أو الظهار أو الإيلاء فهو على ما نوى قال الخير الرملي وإذا قلنا بصحة نية التحريم يكون إيلاء عند أبي يوسف وظهارا عند محمد وعلى ما صحح فيما تقدم يكون ظهارا على قول الكل لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه وإنما ذكرنا ذلك لكثرة وقوعه في ديارنا ا ه قلت وفي كافي الحاكم وإن أراد التحريم ولم ينو الطلاق فهو ظهار ا ه قوله (ثبت الأدنى) لعدم إزالته ملك النكاح وإن طال ط قوله (في الأصح) لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه كما مر قال في الخانية وفي رواية عن أبي حنيفة يكون إيلاء والصحيح الأول قوله (لأنه صريح) لأن فيه التصريح بالظهر فكان مظاهرا سواء نوى الطلاق أو الإيلاء أو لم تكن له نية بحر وعندهما إذا نوى الطلاق أو الإيلاء فعلى ما نوى وعن أبي يوسف إذا أراد به الطلاق لزمه ولا يصدق في ابطال الظهار وكذا إذا أراد به اليمين فيكون موليا مظاهرا تاترخانية قوله (من أمته) أي لا يصح ظهاره منها ابتداء أما بقاء فيصح لما مر أنه لو ظاهر من زوجته الأمة ثم اشتراها بقي الظهار لأن حرمة الظهار إذا صادفت المحل لا تزول إلا بكفارة كما في النهر قوله (ثم أجازت) أي أجازت النكاح وإنما بطل الظهار لأنه صادق في التشبيه قبل الإجازة ولا يتوقف بالإرادة ظهاره
على الإجازة وتمامه في البحر قوله (كالإيلاء) فإنه لو آلى منهن كان موليا منم ولزمه كفارة واحدة والفرق عندنا أن الكفارة في الظهار لرفع الحرمة وهي متعددة بتعددهن وفي الإيلاء لهتك حرمة الاسم الكريم وهو ليس بمتعدد أفاده في البحر وغيره قوله (فإن بمجلس صدق قضاء الخ)(3/517)
أقول الذي في فتح القدير لو كرر الظهار من امرأة واحدة مرتين أو أكثر في مجلس أو مجالس تتكرر الكفارة بتعدده إلا إن نوى بما بعد الأول تأكيدا فيصدق قضاء فيهما لا كما قيل في المجلس لا المجالس ا ه ومثله في الشرنبلالية عن السراج وقال في البحر وفي بعض الكتب فرق بين المجلس والمجالس والمعتمد الأول ا ه وبه تعلم أنه اشتبه الأمر على المصنف والشارح ثم رأيت ط نبه على ذلك قوله (وكذا) أي يتكرر الظهار والكفارة لو علقه بنكاحها بما يفيد التكرار كما مر أي في قوله لو قال إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة وكذا لو علقه بشرط متكرر كما يأتي قريبا قوله (اتحد) أي كان ظهارا واحدا بحر فيبطل بكفارة واحدة هندية وليس له أن يقربها ليلا ا ه ط أي قبل الكفارة لأنه ظهار مؤبد قوله (تجدد) أي الظهار كل يوم فإذا مضى يوم بطل ظهار ذلك اليوم وكان مظاهرا في ذلك اليوم الآخر وله أن يقربها ليلا بحر لأن الظرف فيه معنى الشرط ا ه ط وإذا عزم على وطئها نهارا لزمه كفارة ذلك اليوم دون ما مضى لبطلانه كما هو ظاهر قوله (فكلما جاء يوم صار الخ) في العبارة سقط يوضحه ما في البحر أنت علي كظهر أمي اليوم وكلما جاء يوم كان مظاهرا منها اليوم وإذا مضى بطل هذا الظهار وله أن يقربها في الليل فإذا جاء غد كان مظاهرا ظهارا آخر دائما غير مؤقت وكذلك كلما جاء يوم صار مظاهرا ظهارا آخر مع بقاء الأول ا ه ومقتضاه أي يكفر لليوم الأول إذا عزم فيه ثم بعده إذا عزم يكفر عن كل واحد من الأيام السابقة على يوم عزمه لبقاء ظهار كل يوم مع تجدد ما يأتي بعده لأن كلما لتكرار الأفعال بخلاف كل لأنها لعموم الأفراد أي الأيام في مثل قوله كل يوم في المسألة السابقة قوله (بشرط متكرر) كقوله كلما دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي فيتكرر بتكرر الدخول كما في البحر قوله (ويصح تكفيره في رجب) وكذا في رمضان فيما يظهر بل أولى قوله (لا في شعبان) لأن له وطأها
فيه بلا كفارة لعدم دخوله في مدة الظهار والكفارة لاستباحة الوطء الممنوع شرعا عند العزم عليه فلا تجب قبله والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين كونه وطئها في رجب أو لا لأنه بالوطء قبل التكفير لا يلزمه إلا التوبة والاستغفار ويلزمه التكفير عند العزم على الوطء ولزوم التكفير بالظهار السابق لا بالوطء فلا يصح التكفير في غير مدته سواء وطئها قبله أو لا فافهم والله سبحانه أعلم الكفارة قوله (اختلف في سببها) أي سبب وجوبها أما سبب مشروعيتها فما هو سبب لوجوب التوبة وهو إسلامه وعهده مع الله تعالى أن لا يعصيه وإذا عصاه تاب لأنها من تمام التوبة لأنها شرعت للتكفير بحر قوله (والجمهور أنه الظهار والعود) أي هو مركب منهما وقيل الظهار فقط والعود(3/518)
شرط لأن سببها ما تضاف إليه وقيل عكسه وقيل العزم على إباحة الوطء وهو قول كثير من مشايخنا وتمام الكلام عليه في الفتح أول الباب السابق لا ستحالة في جعل لمعصية سببا للعبادة وفي البحر ما يؤيد أنه الظهار حيث قال وفي الطريقة المعينية لا استحالة في جعل المعصية سببا للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة خصوصا إذا صار معنى الزجر فيها مقصودا وإنما المحال أن تجعل سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة ا ه وفيه أيضا أنه لا ثمرة لهذا الاختلاف قوله (من كفر) بيان لمادة الاشتقاق لا للمشتق منه لأنه المصدر لا الفعل قوله (محاه) كذا في المصباح والأنسب ستره ففي البحر عن المحيط أنها منبئة عن الستر لغة لأنها مأخوذة من الكفر وهو التغطية والستر ا ه ومنه سمي الزارع كافرا وظاهر هذا أن المعصية لا تمحى من الصحيفة بل تستر ولا يؤاخذ بها مع بقائها فيها وهو أحد قولين وأن الذنب يسقط بها بدون توبة وإليه يشير ما مر عن الطريقة المعينية لكن يخالفه ما مر عن البحر من أنها من تمام التوبة وهو الظاهر تنبيه ركن الكفارة الفعل المخصوص من إعتاق وصيام وإطعام ويشترط لوجوبها القدرة
عليها ولصحتها النية المقارنة لفعلها لا المتأخرة ومصرفها مصرف الزكاة لكن الذمي مصرف لها أيضا دون الحربي وفيه كلام سيأتي وصفتها أنها عقوبة وجوبا عبادة أداء وحكمها سقوط الواجب عن الذمة وحصول النصارى المقتضي لتكفير الخطايا وهي واجبة على التراخي على الصحيح فلا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون مؤديا لا قاضيا ويتضيق من آخر عمره فيأثم بموته قبل أدائها ولا تؤخذ من تركته بلا وصية من الثالث ولو تبرع الوارث بها جاز إلا في الإعتاق والصوم وتمامه في البحر قلت لكن مر أنه يجبر على التكفير للظهار ومقتضاه الإثم بالتأخير وأيضا فحيث كانت من تمام التوبة يجب تعجيلها فتأمل قوله (تحرير رقبة) لا بد أم تكون الرقبة غير المظاهر منها لما في الظهيرية والتاترخانية أمة تحت رجل ظاهر منها ثم اشتراها وأعتقها عن ظهاره قبل لم يجز عندهما خلافا لأبي يوسف بحر وفيه عن التاترخانية ولا بد أن يكون المعتق صحيحا وإلا فإن مات من مرضه وهو لا يخرج من الثلث لا يجوز وإن أجاز الورثة ولو برئ جاز قوله (قبل الوطء) ليس قيدا للصحة بل للوجوب ونفي الحرمة وفي معنى الوطء دواعيه قوله (بنية الكفارة) أي نية مقارنة لإعتاقه أو لشراء القريب كما يأتي قوله (فلو ورث أباه) تفريع على قوله أي إعتاقها فإنه يفيد أنه لا بد من صنعه والإرث جبري وصورة إرث الأب أن يملكه ذو رحم من الابن كخالته ثم تموت عنه فلو نوى الكفارة حين موتها لم يجزه بخلاف ما لو نواها عند شرائه أباه كما يأتي قوله (ولو صغيرا الخ) تعميم للرقبة لأن الرقبة كما في الهداية عبارة عن الذات أي الشئ المرقوق المملوك من كل وجه فشمل جميع ما ذكر وقوله من كل وجه متعلق بالمرقوق لأن دابة في الرق شرط دون الملك ولذا جاز المكاتب الذي لم يؤد شيئا لا المدبر عناية وخرج الجنين وإن ولدته لأقل من ستة أشهر لأنه رقبة من وجه جزء من الأم من وجه جزء من الأم من وجه حتى يعتق(3/519)
بإعتاقها كما في البحر عن المحيط ودخل الكبير ولو شيخا فانيا والمريض الذي يرجى برؤه والمغصوب إذا وصل إليه بحر لكن في الهندية عن غاية السروجي ولا يجزئ الهرم العاجز
قوله (أو مباح الدم) عزاه في البحر إلى جامع الجوامع وذكر قبله عن محمد أنه إذا قضى بدمه ثم أعتقه عن ظهاره ثم عفى عنه لم يجز ومثله في الفتح وظاهر الأول الجواز وإن لم يعف عنه وليراجع فافهم قوله (أو مرهونا) في البحر عن البدائع وكذا لو أعتق عبدا مرهونا فسعى العبد في الدين فإنه يجوز عن الكفارة ويرجع على المولى لأن السعاية ليست ببدل عن الرق قوله (أو مديونا) أي وإن اختار الغرماء استسعاءه لأن استغراق الدين برقبته واستسعاءه لا يخل بالرق والملك فإن السعاية لم توجب الإخراج عن الحرية فوقع تحريرا من كل وجه بغير بدل عليه بحر عن المحيط قوله (أو مرتدة) أي بلا خلاف لأنها لا تقتل كذا في المقنع قوله (وفي المرتد الخ) خبر مقدم وقوله خلاف مبتدأ مؤخر وقد علمت أن مباح الدم فيه خلاف أيضا فكان المناسب ذكره هنا وظاهر الفتح اختيار الجواز في المرتد فإنه قال ويدخل في الكافرة المرتدة والمرتدة ولا خلاف في المرتدة لأنها لا تقتل وظاهره أن العلة في المرتد أنه يقتل وفي النهر وفي المرتد خلاف وبالجواز قال الكرخي كما لو أعتق حلال الدم ومن منع قال إنه بالردة صار حربيا وصرف الكفارة إليه لا يجوز ا ه أي لأن إعتاقه في حكم صرف الكفارة إليه ومقتضى هذا التعليل أن إعتاق الحربي لا يجزئ اتفاقا ولذا أطلق في الفتح عدم الإجزاء لكن في البحر عن التاترخانية لو أعتق عبدا حربيا في دار الحرب إن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلى سبيله ففيه اختلاف المشايخ بعضهم قالوا لا يجوز قوله (إن صيح به يسمع وإلا لا) كذا في الهداية وبه حصل التوفيق بين ظاهر الرواية أنه يجوز ورواية النوادر أنه لا يجوز بحمل الثانية على الذي ولد أصم وهو الأخرس فتح قوله (أو خصيا إلى قوله أو قرناء) لأنهم وإن فات فيهم جنس المنفعة لكنها غير مقصودة في الرقيق إذ المقصود فيه الاستخدام ذكرا أو انثى حتى قالوا إن وطء الأمة من باب الاستخدام فإذا لم يكن وطؤها كان استخدامها قاصرا لا منعدما رحمتي قوله (أو مقطوع الأذنين) أي إذا كان السمع باقيا بحر لأن الفائت في هذه المسائل الزينة وهي غير مقصودة في الرقيق أما إذا عجز عن الأكل فإنه يؤدي إلى هلاكه ومنفعة الأكل فيه مقصودة فكان هالكا حكما كالمريض الذي لا يرجى برؤه رحمتي قوله (أو مكاتبا) لأن الرق فيه كامل وإن كان الملك ناقصا
فيه وجواز الإعتاق عنها يعتمد كمال الرق لا كمال الملك أما لو أدى شيئا فلا يجوز عنها كما يأتي بحر قوله (لا الوارث) أي لو أعتقه الوارث عن كفارته لا يجوز عنها لأن المكاتب لا ينتقل إلى ملك الوارث بعد موت سيده لبقاء الكتابة بعد موته فلا ملك للوارث فيه بخلاف سيده وإنما جاز اعتاق الوارث له لتضمنه الإبراء عن بدل الكتابة المقتضي للإعتاق بحر قوله (شراء قريبة) أي قريب العبد وهو كل ذي رحم محرم منه والمراد بالشراء تملكه بصنعه فيدخل فيه قبول الهبة(3/520)
والصدقة والوصية قوله (بنية الكفارة) الباء بمعنى مع فلو تأخرت النية عن الشراء ونحوه لم يجزه كما مر قال في البحر وما في الخانية من باب عتق القريب لو وكل رجلا بأن عمي أباه فيعتقه بعد شهر عن ظهاره فاشتراه الوكيل يعتق كما اشتراه ويجزي عن ظهار الآمر ا ه فمبني على إلغاء قوله بعد شهر لمخالفته المشروع وهو عتق المحرم عند الشراء ا ه قوله (بخلاف الإرث) أي لو نوى إعتاقه عند موت مورثه لم يجزه لأن الإرث جبري كما مر قوله (ثم باقيه) أي قبل المسيس بحر قوله (استحسانا) وفي القياس لا يصح لأنه بعتق النصف تمكن النقصان في الباقي فصار كما لو أعتق نصيبه من العبد المشترك فضمن نصيب شريكه وجه الاستحسان أن هذا النقصان من آثار العتق الأول بسبب الكفارة في ملكه ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للتضحية وأصاب السكين عينها فذهبت بخلاف العبد المشترك كما يأتي بيانه وهذا عنده أما عندهما فالعتق لا يتجزأ فلو أعتق نصف عبده ولم يعتق الباقي جاز عندهما لأنه يعتق كله منح قوله (لا يجزئ فائت جنس المنفعة) أي منفعة البصر والسمع والنطق والبطش والسعى والعقل قهستاني والمراد فوت منفعة بتمامها ط أي منفعة ومقصودة من العبد فلا يرد فوات منفعة النسل في الخصي ونحوه كما مر قوله (ومريض لا يرجى برؤه) لأنه ميت حكما بحر وينبغي تقييده بما إذا مات من مرضه ذلك تأمل قوله (وساقط الأسنان) لأنه لا يقدر على المضغ بحر عن الولوالجية لكن فيه أن ذلك لا يفوت جنس المنفعة بالكلية وإنما ينقصها وقد مر أنه يجوز عتق الشيخ الفاني
والطفل تأمل بحال الفتح لا ساقط الأسنان العاجز عن الأكل وظاهره أنه عجز عنه بالكلية وعليه فلا إشكال قوله (والمقطوع يداه) مثل أشل اليدين أو الرجلين والمفلوج اليابس الشق والمقعد والأصم الذي لا يسمع شيئا على المختار كما في الولوالجية بحر قوله (أو إبهامها) يعني أبهامي اليدين فلو قال أو إبهامهما لكان أولى ليخرج إبهامي الرجلين إذ لا يمنع قطعهما كما في السراج شرنبلالية قوله (أو ثلاث أصابع) لأن للأكثر حكم للكل فتح قوله (من جانب) بخلاف ما إذا كان من خلاف فإنه يجوز كما مر لأنه يمكنه المشي بإمساك العصا باليد السالمة والمشي على الرجل الأخرى قوله (ومعتوه ومغلوب) عبارة البحر عن الكافي وكذا المعتوه المغلوب صبدون واو وهي كذا في بعض النسخ وفي بعضها ومفلوج قوله (ولا يجزئ مدبر وأم ولد) لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا والإعتاق عن الكفارة يعتمد كمال الرق كالبيع فلذا لا يجوز بيعهما بحر قوله (ومكاتب أدى بعض بدله) لأنه تحرير بعوض قوله (جاز) لأنه بالتعجيز بطل عقد للكتابة قوله (وهي) أي مسألة تعجيز نفسه قوله(3/521)
(لتمكن النقصان) لأن نصيب صاحبه قد انتقض على ملكه لتعذر استدامة الرق فيه ثم يتحول إليه بالضمان لو موسرا عند الإمام أما لو معسرا وسعى العبد في بقية قيمته حتى عتق فلا يجزئه اتفاقا لأنه عتق بعوض وعندهما يجزئه لو موسرا لأنه عتق كله بإعتاق البعض بناء على تجزئ الإعتاق عنده لا عندهما قوله (للأمر به قبل التماس) فالشرط للحل مطلقا إعتاق الرقبة قبل التماس ولم يوجد فتقرر الإثم بذلك الوطء ثم لم يمكن اعتبار ذلك النصف من الشرط حتى يكفي معه عتق النصف الباقي لأن المجموع حينئذ ليس قبل التماس بل بعضه قبله وبعضه بعده فليس هو الشرط فتبقى الحرمة بعد المجموع كما كانت إلى أن يوجد الشرط وهو عتق كل الرقبة أي قبل التماس الثاني ليحل هو وما بعده وتمامه في الفتح ثم هذا عنده أما عندهما فإعتقا النصف قبل الوطء للكل كما مر قوله (فإن لم يجد) أي وقت الأداء لا وقت الوجوب بحر وسيأتي في الفروع قوله (وإن احتاجه لخدمته) مبالغة على المفهوم فكأنه قال أما إن وجد تعين
عنقه وإن احتاجه لخدمته قوله (أو لقضاء دينه الخ) قال في البحر وفي البدائع لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن لأنه واجد حقيقة ا ه وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة ويمنع وجوب شراها بمال على أحد القولين ا ه قوله (يعني العبد) أي أن الضمير في قوله يكون زمنا راجع للعبد وهذا التأويل لصاحب البحر وتبعه في النهر والمنح والشرنبلالية قوله (ويحتمل الخ) هذا هو المتبادر فإن كونه للخدمة يوفي كونه زمنا قوله (لكنه يحتاج إلى نقل) أي لأن ما في الجوهرة محتمل وعارضه ما في التاترخانية من قوله ومن ملك رقبة لزمه العتق وإن كان يحتاج إليها ا ه وكذا قول البدائع المتقدم لأنه واجد حقيقة أي فإن النصف دل على إجزاء الصوم عند عدم الوجدان وهذا واجد فإن قلت المحتاج إليه كالعدم ولذا جاز التيمم مع وجود الماء المحتاج إليه للعطش مع أن إجزاء التيمم مرتب في النص على عدم وجدان الماء قلت ذكر في الفتح أن الفرق عندنا أن الماء مأمور بإمساكه لعطشه واستعماله محظور عليه بخلاف الخادم ونقل ط عن السيد الحموي لو قيل بجواز الصوم إذا كان المولى زمنا لا يجد من يخدمه إذا أعتقه كان له وجه وجيه قلت هو ظاهر إذا لزم من الإعتاق تحميل ما لا يطلق كما إذا كان يكتسب له وينفق عليه ونحو ذلك فإيجاب إعتاقه مع ذلك مما يخالف قواعد خالف فلا يحتاج إلى نقل بخصوصه كما لا يخفى قوله (ولا يعتبر مسكنه) أي لا يكون به قادرا على العتق فلا يتعين عليه بيعه وشراء رقبة بل يجزئه الصوم لأنه كلباسه ولباس أهله خزانة وتقييدهم بالمسكن يفيد أنه لو كان له بيت غير مسكنه لزمه بيعه وفي الدر المنتقى ولا تعتبر ثيابه التى لا بد له منها ا ه ومفاده لزوم بيع ما لا يحتاجه(3/522)
منها ط قوله (ولو له مال الخ) أي ثمن غبد فاضلا عن قدر كفايته لأن قدره مستحق الصرف فصار كالعدم ومنها قدر كفايته لقوت يومه لو محترفا وإلا فقوت شهر بحر
والحاصل أن المسألة على ثلاثة أوجه إن ملك القبة لا يجزئه الصوم ولو محتاجا إليها على ما مر تفصيله وإن وجد غيرها مما هو مشغول بحاجته الأصلية كالمسكن فهو بمنزلة العدم لأنه ليس عين الواجب ولا معد لتحصيله وإن وجد ما أعد لتحصيله كالدراهم والدنانير وهو مشغول بحوائجه الأصلية فإن صرفها إليه يجزئه الصوم لتحقق عجزه وإلا فقولان أحدهما أنه يصير بمنزلة المعدوم لحاجته إليه والآخر أنه مالك لما أعد لتحصليه فهو واجد للرقبة حكما أفاد الرحمتي والقولان المذكوان يشير إليهما كلام محمد كما أوضحه في البحر قوله (ولو له مال غائب انتظره) أي ليعتق به ولا يجزئه الصوم وكذا لو كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه ينتظر الصحة ليصوم بحر بخلاف ما إذا كان لا يرجى برؤه فإنه يطعم كما سيأتي وفي البحر عن المحيط لو له دين لا يقدر على أخذه من مديونه يجزئه الصوم وإن قدر فلا وكذا لو وجبت عليها كفارة وقد تزوجها زوجها على عبد وهو قادر على أدائه إذا طالبته ا ه قوله (لم يجز) أي الصوم عن الأولى أما الإعتاق فجائز مطلقا ثم هذا ذكره في البحر بحثا وأقره عليه في النهر والمقدسي أخذا مما في المحيط عليه كفارتا يمين وعنده طعام يكفي إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه لأنه أطعم وهو قادر على التكفير بالمال قوله (بالهلال) حال من لفظ الشهرين المقدر بعد لو وفي بعض النسخ لو بالهلال وحاصله أنه إذا ابتدأ الصوم في أول الشهر كفاه صوم شهرين تامين أو ناقصين وكذا لو كان أحدهما تاما والأخر ناقصا قوله (وإلا) أي وإن لم يكن صومه في أول الشهر برؤية الهلال بأن غم أو صام في أثناء شهر فإنه يصوم ستين يوما وفي كافي الحاكم وإن صام شهرا بالهلال تسعة وعشرين وقد صام قبله خمسة عشر وبعده خمسة عشر يوما أجزأه قوله (ولو قدر الخ) أفاد بأن المراد بعدم الوجود في قوله * (فمن لم يجد) * (المجادلة 4) الخ عدما مستمرا إلى فراغ الشهرين بحر قوله (لزمه العتق) وكذا لو قدر على الصوم في آخر الأطعام لزمه الصوم وانقلب الإطعام نفلا شرنبلالية قوله (وإن صار نفلا) لأنه شرع مسقطا لا ملتزما منح أي وقد علم أن الظان لا يلزمه الإتمام إن قطع على الفور أما لو مضى عليه ولو قليلا صار بمنزلة الشروع في النقل فيلزمه إتمامه
رحمتي لكن يشترط كون المضي عليه في وقت النية إذ لو كان بعد الزوال لا يمكنه الشروع ولا يكون العزم على المضي بمنزلة الشروع كما قررناه في الصوم قوله (ليس فيهما رمضان الخ) لأنه في حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت أما المسافر فله أن يصوم عن واجب آخر وفي(3/523)
المريض روايتان كما علم في الأصول في بحث الأمر والمراد بالأيام المنهية يوما العيد وأيام التشريق لأن الصوم بسبب النهي فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل وأفاد أنه لا يشترط أن لا يكون فيها وقت نذر صومه لأن المنذور المعين إذا نوى فيه واجبا آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان بحر وصورة عروض يوم الفطر عليه فيما لو كان مسافرا وصام رمضان عن كفارته قوله (وكذا كل صوم الخ) ككفارة قتل وإفطار ويمين وفي البحر عن أيمان الفتح وكالمنذور المشروط فيه التتابع معينا أو مطلقا بخلاف المعين الخالي عن اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا يستقبل إذا أفطر فيه يوما كرجب مثلا فإنه لا يزيد على رمضان وحكمه ما ذكرناه قوله (فإن أفطر) أفاد أنه لو أكل ناسيا لم يضر كما في الكافي قوله (بخلاف الحيض) فإنه لا يقطع كفارة قتلها وإفطارها لأنها لا تجد شهرين خاليين عنه بخلاف كفارة اليمين وعليها أن تصل ما بعد الحيض بما قبله فلو أفطرت بعده يوما استقبلت لتركها التتابع بلا ضرورة أما النفاس فيقطع التتابع في صوم كل كفارة وتمامه في البحر قوله (إلا إذا أيست) بأن صامت شهرا مثلا فحاضت ثم أيست استقبلت لأنها قدرت على مراعاة التتابع فلزمها بحر عن المنتقى أي قدرت عليه قبل إكمال الصوم بخلاف ما بعده ثم نقل عن المحيط وعن أبي يوسف إذا حبلت في الشهر الثاني بنت قوله (أو بغيره) أي بغير عذر وهذا تصريح بما هو مفهوم بالأولى قوله (وطأ غير مفطر) كأن وطئها ليلا مطلقا أو نهارا ناسيا كذا في الهندية أما إن وطئها نهارا عامدا بطل صومه ط وهذا انظر في قوله فإن أفطر قوله (كالوطء في كفارة القتل) فإنه لو وطئ فيه ناسيا لا يسأنف لأن المنع من الوطء في كفارة الظهار لمعنى يختص بالصوم نهر عن الجوهرة والأولى التعليل بأن النص اشترط الصوم قبل تمامهما قوله (وغيره) ك البدائع والتحفة
وغاية البنيان والعناية والفتح قوله (وتقييد ولا ملك الخ) فيه أن التقييد بالعمد وقع في أكثر الكتب والغلط من ولا ملك هو جعله الاحتراز عن النسيان بل هو قيد اتفاقي كما في البحر قوله (لكن في القهستاني ما يخالفه) حيث قال وكذا استأنف الصوم إن وطئها أي المظاهر منها عمدا كما في المبسوط والنظم والهداية والكافي والقدوري والمضمرات والزاهدي والنتف وغيرها وبمجرد قول الإسبيجابي في شرح الطحاوي صارت عمدا أو نسيانا لا يليق أن يحمل العمد على أنه قيد اتفاقي كما فعله صاحب الكفاية ومن تابعه ومن تأييده عدم التفات صاحب النهاية إليه ا ه قلت وقد يقال إن ما في الإسبيجابي صريح فيقدم على المفهوم كما تقرر في محله ولذا مشى عليه في المختار وغيره كما علمت ومشى عليه أيضا العلامة ابن كمال باشا في متنه وقال في هامش الشرح منه هنا تبين أن من قال ليلا عمدا لم يحسن لأن العمد والسهو في الوطء صارت سواء ا ه وقال في الفتح والعناية إن جماعها ليلا عامدا أو ناسيا سواء لأن الخلاف في وطء لا يفسد الصوم ا ه أي الخلاف بين أبي يوسف والطرفين فعند جماع المظاهر منها إنما يقطع التتابع إن أفسد الصوم وعندهما طلقا لأن تقدم الكفارة على التماس شرط بالنص وتمام تقريره في الفتح(3/524)
ولذا قال في الحواشي اليعقوبية إن عدم الفرق بين السهو والعمد هو الظاهر لأنه مقتضى دليل أبي حنيفة ومحمد قوله (لإطلاق النص الخ) ومن قواعدنا أن لا نحمل المطلق على المقيد وإن كانا في حادثة واحدة بعد أن يكونا في حكمين وإنما منع عن الوطء قبل الإطعام منع تحريم الجواز قدرته على العتق والصيام فيقعان بعده كذا قالوا وفيه نظر فإن القدرة حال قيام العجز والكبر والمرض الذي لا يرجى زواله أمر موهوم وباعتبار الأمور الموهومة لا تثبت الأحكام ابتداء بل يثبت الاستحباب لنهر وهو مأخوذ من الفتح قوله (والعبد) مبتدأ خبره قوله لا يجزئه إلا الصوم لأن العبد لا يملك وإن ملك والعتق الإطعام لا يصح إلا ممن يملك قوله (ولو مكاتبا) لأن ملكه غير تام بل على شرف الزوال قوله (أو مستسعي) هو الذي عتق بعضه وسعى في باقيه وهذا عنده وأما عندهما فيعتق كله ويكون حرا مديونا فيصح تكفيره بالإعتاق والإطعام رحمتي قوله
(على المعتمد) أي من جريان الحجر على الحر السفيه وهو قولهما فلو أعتق عبده عنها يسعى في قيمته ولم يجز عن تكفيره كذا في خزانة الأكمل وغيرها نهر لغز أي حر ليس له كفارة إلا بالصوم وأفاد في البحر أنه يلغز فيه فيقال لنا حر ليس له كفارة إلا بالصوم قوله (ولم يتنصف) جواب عن سؤال كيف لزمه الصوم المذكور وهو صوم شهرين لانصافهما مع أن العبد على النصف من الحر في كثير من الأحكام والجواب أنه لم يتنصف لما في الكفارة من معنى العبادة والعبادة لا تتنصف في حقه وإنما تتنصف العقوبة كالحد والنعمة كالنكاح قوله (وليس للسيد منعه منه) أي من صوم هذه الكفارة لأنه تعلق بها حق المرأة بخلاف بقية الكفارات له أن يمنعه عن صومها لعدم تعلق حق عبد بها بحر قوله (ولو بأمره) أي أمر السيد له بأن ملكه ذلك وأمره أن يكفر به إذ لا بد من الاختيار في أداء ما كلف به أو بأمر العبد للسيد لأنه يتضمن تمليكه ثم التكفير به عنه كما لو أمر الحر غير بذلك قوله (فيطعم عنه المولى) فيه مسامحة بحال الفتح إلا في الإحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق فعليه حجة وعمرة قوله (قيل ندبا وقيل وجوبا) الخلاف في الوجوب وعدمه ففي البحر عن البدائع لو أحصر بعد ما أحرم بإذن المولى قيل لا يلزم المولى إنفاذ هدي لأنه لا يجب للعبد على مولاه حق فإذا عتق وجب عليه وقيل يلزمه لأن هذا دم وجب لبلية ابتلى بها العبد بإذن المولى فصار كالنفقة ملخصا قال ط وقد يقال من نفى الوجوب لا ينفي الندب بل يقول به مراعاة للقول الآخر قوله (لا يرجى برؤه) فلو برئ وجب الصوم رحمتي قوله (أي ملك) الإطعام لا يختص بالتمليك كما سيأتي لكن المراد به هنا التمليك وبما بعده(3/525)
الإباحة ولذا قال في البدائع إذا أراد التمليك أطعم كالفطرة وإذا أراد الإباحة أطعمهم غداء وعشاء قوله (ولو حكما) أي فإن الفقير مثله وفي القهستاني وقيد المسكين اتفاقي لجواز الصرف إلى غيره من مصارف الزكاة ا ه ويحتمل أن يكون مبالغة في قوله ستين ليشمل ما لو
أطعم واحدا ستين يوما لكن يغني عنه ما يأتي من تصريح المصنف به قوله (ولا يجزئ غير المراهق) أي لو كان فيهم صبي لم يراهق لا يجزئ واختلف المشايخ فيه ومال الحلواني إلى عدم الجواز بحر عند قول الكنز والشرط غداءان أو عشاءان مشبعان وذكر عند قول الكنز وهو تحرير رقبة عن البدائع وأما إطعام الصغير عن الكفارة فجائز بطريق التمليك لا الإباحة ا ه وبه علم أن ذكر ذلك هنا غير صحيح وإن وقع في النهر لأن الكلام هنا في التمليك وهو صحيح للصغير فالصواب ذكره عند قوله وإن غداهم وعشاهم الخ كما فعل في البحر وكذا في المنح حيث قال هناك ولو كان فيمن أطعمهم صبي فطيم لم يجزه لأنه لا يستوفي كاملا ا ه وفي التاترخانية وإذا دعا مساكين وأحدهم صبي فطيم أو فوق ذك لا يجزيه كذا ذكر في الأصل وفي المجرد إذا كانوا غلمانا يعتمد مثلهم يجوز ا ه وبه ظهر أيضا أن المراد بالفطيم وبغير المراهق من لا يستوفي الطعام المعتاد قوله (كالفطرة قدرا) أي نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعبر ودقيق كل كأصله وكذا السويق واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما كما في صدقة الفطر بحر وفي التاترخانية ولو أدى الدقيق أو السويق أجزأه لكن قيل يعتبر فيه تمام الكيل وذلك نصف صاع في دقيق الحنطة وصاع في دقيق الشعير وإليه مال الكرخي والقدوري وقيل بالقيمة فلا يعتبر فيه تمام الكيل ا ه فقول البحر ودقيق كل كأصله مبني على الأول تأمل قال في البحر ولو دفع البعض من الحنطة والبعض من الشعير جاز إذا كان قدر الواجب كربع صاع من بر ونصف من شعير لاتحاد المقصود وهو الإطعام ولا يجوز التكميل بالقيمة كنصف صاع من تمر جيد يساوي صاعا من الوسط قوله (ومصرفا) فلا يجوز إطعام أصله وفرعه وأحد الزوجين ومملوكه والهاشمي ويجوز إطعام الذمي لا الحربي ولو مستأمنا بحر قال الرملي وفي الحاوي وإن أطعم فقراء أهل الذمة جاز وقال أبو يوسف لا يجوز وبه نأخذ ا ه قلت بل صرح في كافي الحاكم بأنه لا يجوز ولم يذكر فيه خلافا وبه علم أنه ظاهر الرواية عن الكل قوله (إذ العطف للمغايرة) فإن عطف القيمة على المنصوص المفهوم من قوله
كالفطرة يقتضي أن القيمة من غير المنصوص ا ه ح وما في النهر من قوله وفيه نظر إذ القيمة أعم من قيمة المنصوص عليه وغيره ا ه فيه كلام ذكرناه فيما علقناه على البحر فافهم والحاصل أن دفع القيمة إنما يجوز لو دفع من غير المنصوص أما لو دفع منصوصا بطريق القيمة عن منصوص آخر لا يجوز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر تبلغ قيمته نصف صاع بر لا يجوز عليه أن يتم لمن أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه لهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم وتمامه في البحر قوله (فغداهم) في بعض النسخ غداهم بدون فاء كما هو أصل المتن والأول أولى فزاد الشارح الفاء لأنه قدر فعلا(3/526)
للشرط وجواب الشرط هو قوله جاز قوله (أو غداهم وأعطاهم قيمة العشاء) أي يجوز الجمع بين الإباحة والتمليك لأنه جمع بين شيئين جائزين على الانفراد وكذا يجوز إذا ملك ثلاثين وأطعم ثلاثين وكذا يجوز تكميل أحدهما بالآخر بحر ففي كافي الحاكم وإن أعطى كل مسكين نصف صاع من تمر ومدا من حنطة أجزأه ذلك قوله (أو أطعمهم غداءين) أي أشبعهم بطعام قبل نصف النهار مرتين وقوله أو عشاءين أي أشبعهم بطعام بعد نصف النهار مرتين كذا في الدرر وهذا ظاهر في أن ذلك في يوم واحد فلا تكفي في يوم أكلة وفي آخر أخرى لكن صريح ما يأتي في الفروع آخر الباب يخالفهم قوله (وأشبعهم) أي وإن قل ما أكلوا كما في الوقاية فالشرط في طعام الإباحة أكلتان مشبعتان لكل مسكين ولو كان فيهم شبعان قبل الأكل أو صبي غير مراهق لم يجز بحر وسيأتي أيضا وقدمنا أن الصواب ذكر الصبي هنا لا في التمليك قوله (بشرط إدام الخ) أي ليمكنهم الاستيفاء إلى الشبع وهذا أحد قولين وإليه مال الكرخي والآخر لا يجوز إلا بخبز البر لأن محمدا نص على البر في الزيادات كما في البحر وفي التاترخانية والمستحب أن يغديهم ويعشيهم بخبز معه إدام قوله (كما جاز لو أطعم) يشمل التمليك والإباحة وعبر في الكنز بأعطى المختص بالتمليك والحق أنه لا فرق على المذهب وتمامه في البحر وفيه والكسوة في كفارة اليمين كالإطعام حتى لو أعطى واحدا عشرة أثواب في عشرة أيام يجوز ولو غدى واحدا عشرين
يوما في كفارة اليمين أجزأه ا ه قلت ومقتضاه أنه لو غداه مائة وعشرين يوما أجزأه عن كفارة الظهار ثم رأيته صريحا قال في التاترخانية وعن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة إذا غدى واحدا مائة وعشرين يوما أجزأه قوله (لتجدد الحاجة) لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فتكرر المسكين بتكرر الحاجة حكما فكان تعدادا حكما وفي المصباح الخلة بالفتح الفقر والحاجة بحر قوله (دفعة) أي أو بدفعات وقوله بدفعات أي أو بدفعة كما أفاده في البحر فهو من معي الاحتباك حيث صرح في كل من الموضعين بما سكت عنه في الموضع الآخر قوله (وكذا إذا ملكه) أي لا يجزئ إلا عن يوم واحد وفصله عما قبله لأن في التمليك خلافا وبخلاف الإباحة فافهم قوله (لفقد التعدد الخ) علة للمسألتين قال في المنح لأنه لما اندفعت حاجته في ذلك اليوم فانصرف إليه بعد ذلك يكون إطعام الطاعم فلا يجوز ط قوله (أمر غيره الخ) قيد بالأمر لأنه لو أطعم عنه بلا أمر لم يجز بالإطعام لأنه لو أمره بالعتق عن كفارته لم يجز عندهما خلافا لأبي يوسف ولو بجعل سماه جاز اتفاقا وتكفير الوارث بالإطعام جائز وفي كفارة اليمين بالكسوة أيضا بخلاف الإعتاق ولذا امتنع تبرعه في كفارة القتل كما في المحيط نهر قوله (صح) لأنه طلب منه التمليك معنى ويكون الفقير قابضا له أولا ثم لنفسه نهر قوله (ففي الدين يرجع) أي(3/527)
لو أمره بأن يقضي دينه وكذا لو أمره بأن ينفق عليه بزازية من كتاب الوكالة قوله (وفي الكفارة والزكاة) أي لو قال أعطه عن كفارتي أو أد زكاة مالكا وكذا () عوض عن هبتي أو هب لفلان عني ألفا لا يرجع بلا شرط الرجوع ففي كل موضع ملك المدفوع إليه المال المدفوع مقابلا بملك المال فالمأمور يرجع بلا شرط ولو بلا مقابلة مال لا يرجع بلا شرط بزازية وتمام الكلام على هذه المسائل ذكرناه في تنقيح الحامدية قوله (في طعام الكفارات) قيد به لأن الإباحة في الكسوة في كفارة اليمين لا تجوز كما لو أعار عشرة مساكين كل مسكين ثوبا بحر قوله (سوى القتل) فإنه لا إطعام فيه فلا إباحة وإنما ذكره للرد على العيني حيث قال حنث كفارات الظهار واليمين والصوم
والقتل قوله (وفي الفدية) هذا ظاهر الرواية وروى الحسن أنه لا بد فيها من التمليك بحر قوله (لصوم) أي في الشيخ الفاني أو من أخرج عنه بعد موته قوله (وجناية حج) كحلق أو لبس بعذر فإنه يذبح أو يطعم أو يصوم قوله (وجاز الجمع بين إباحة وتمليك) مكرر مع قوله المار أو غداهم وأعطاهم قيمة العشاء قوله (دون الصدقات) أي الزكاة وصدقة الفطر قوله (والضابط الخ) بيانه أن الوارد في الكفارات والفدية الإطعام وهو حقيقة في التمكين من الطعم وإنما جاز التمليك باعتبار أنه تمكين وفي الزكاة الإيتاء وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة أفاده في البحر قوله (ومثله في الصحة الخ) قلت وكذا لو جمع بين التحرير والصيام والإطعام ففي كافي الحاكم وإن ظاهر من أربع نسوة فأعتق رقبة ليس له غيرها ثم صام أربعة أشهر متتابعة ثم مرض وأطعم ستين مسكينا ولم ينو بشئ من ذلك واحدة بعينها أجزأه عنهن كلهن استحسانا ا ه قوله (لاتحاد الجنس) أي فلا حاجة إلى نية معينة هداية وسيأتي بيانه في الأصل الآتي قوله (بخلاف اختلافه) أي الجنس كما لو كان عليه كفارة يمين وكفارة ظهار وكفارة قتل فأعتق عبيدا عن الكفارات لا يجزئه عن الكفارة ولو أعتق كل رقبة ناويا عن واحدة منها لا بعينها جاز بالإجماع ولا يضر جهالة المكفر عنه كذا في المحيط بحر وقوله ولو أعتق الخ هو المراد بقول الشارح إلا أن ينوي الخ وإن كان موهما خلاف المراد قوله (بتعيينه) هو معنى قول الزيلعي وكان له أن يجعل ذلك عن أيهما شاء وهذا الجعل هو تعيينه وفي بعض النسخ بعينه وهو تحريف رحمتي وفي نسخة يعينه بصيغة الفعل المضارع وهو في معنى الأولى قوله (لما مر) من قوله بخلاف اختلافه قوله (لعدم صلاحيتها) للقتل فإنه لا بد في كفارة القتل من(3/528)
كونها مؤمنة للآية ونظيره ما إذا جمع بين المرأة وبنتها أو أختها ونكحهما معا فإن كانتا فارغتين لم يصح العقد على كل منهما وإن كانت إحداهما متزوجة صح في الفارغة بحر عن البدائع قوله (كلا صاعا) أي من البر إذ لو كان من تمر أو شعير يكون موضوع المسألة كلا صاعين بحر قوله (بدفعة واحدة) أما لو كانت بدفعات جاز اتفاقا كما في الكافي معللا بأنه في المرة الثانية كمسكين
آخر بحر قوله (كما مر) نعت لظهارين أي عن ظهارين من امرأة أو امرأتين ح قوله (صح عن واحد) لأن النقصان عن العدد لا يجوز فالواجب في الظهارين إطعام مائة وعشرين لا يجوز صرف الواجب إلى الأقل كما لو أطعم ثلاثين مسكينا لكل واحد صاعا فإنه لا يكفي عن ظهار واحد وفي البدائع وكذا لو أطعم عشرة مساكين عن يمينه لكل مسكين صاعا فهو على هذا الخلاف بحر قوله (أي عنهما) فلا ينافي صحته عن أحدهما لكن لما كان فيه إيهام أنه لا يصح أصلا أصلحها المصنف حال شرحه ط قوله (خلافا لمحمد) حيث قال يصح عنهما قوله (ورجحه دابة) وكذا الإتقاني في غاية البيان قوله (والأصل الخ) لأن النية إنما اعتبرت لتمييز بعض الأجناس عن بعض لاختلاف الأغراض باختلاف الأجناس فلا يحتاج إليها في الجنس الواحد لأن الأغراض لا تخلف باعتباره فلا تعتبر فبقي فيه مطلق نية الظهار وبمجردها لا يلزم أكثر من واحد وكون المدفوع لكل مسكين أكثر من نصف صاع لا يستلزم ذلك لأن نصف الصاع أدنى المقادير لا لمنع الزيادة عليه بل النقصان بخلاف ما إذا فرق الدفع أو كانا جنسين وقد يقال اعتبارها للحاجة إلى التمييز وهو محتاج إليه في أشخاص الجنس الواحد كما الأجناس وقد ظهر أثر هذا الاعتبار فيما صرحوا به من أنه لو أعتق عبدا عن أحد الظهارين بعينه صح نية التعيين ولم تلغ حتى وطء التي عينها ا ه فتح وقوله وقد يقال الخ بيان لترجيح قول محمد وأقره في البحر أولا ثم قال بعده وقد قرر المراد في النهاية بما يدفع الإيراد فقال أراد به تعميم الجنس بالنية إلا ترى أنه إذا عين ظهار أحدهما صح وحل له قربانها وكذا في الفوائد الظهيرية ا ه قلت وحاصله أن المراد بالتعيين اللغو تعيين جميع أفراد الجنس لا فرد خاص فتأمل ثم اعلم أن متحد الجنس يعرف باتحاد السبب ومختلفه باختلافه ولذا كان صوم رمضان من معي الأول والصلاة من الثاني وكذا صوم يومين من رمضانين وتمامه في البحر والنهر قوله (وقت التكفير) برفع وقت على أنه خبر المعتبر حتى لو كان وقت الظهار غنيا ووقت التكفير فقيرا(3/529)
أجزأه الصوم وعلى العكس لم يجزه تاترخانية قوله (أطعم مائة وعشرين) أي كل واحد أكلة واحدة قوله (فيعيد على ستين منهم) أي من المائة والعشرين وينبغي أنه إذا غدى العدد ثم غابوا أن ينتظر حضورهم أو يعيد الغداء مع العشاء على غيرهم بحر فلو كان المطعم وصيا ينبغي أن يجب عليه الانتظار إلا أن يغلب على ظنه عدم وجودهم فيستأنف نهر قوله (للزوم العدد) وهو الستون مع المقدار وهو الأكلتان المشبعتان في الإباحة والصاع أو نصفه في التمليك قوله (ولم يجز إطعام فطيم ولا شبعان) تقدم الكلام عليه والله سبحانه أعلم اللعان قوله (الحدود لاعن) أي سماعا والقياس الملاعنة لكن ذكر غير واحد من النحاة أنه قياسي أيضا نهر قوله (سمي به لا بالغضب) أي مع أنه مشتمل على ذكر الغضب في جانبها كما اشتمل على ذكر اللعن في جانبه قوله (شهادات أربعة) هذا بيان لركنه ودل على اشتراط أهليتهما للشهادة في حق كل منهما كما سيصرح به لا أهلية اليمين كما ذهب إليه الشافعي وسيأتي قوله (كشهود الزنا) أي اعتبرناه بهم فالملاعن لما كان شاهدا لنفسه كرر عليه أربعا أفاده في شرح الملتقى ط قوله (مؤكدات بالأيمان) أي مقويات بها لأن يسير أشهد بالله كما سيأتي قوله (باللعن) أي بعد الرابعة ومثله الغضب قوله (لأنهن يكثرن اللعن) كما ورد في الحديث إنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير أي الزوج قال في العناية فعساهن يجتزئن على الإقدام عليه لكثرة جريه على ألسنتهن وسقوط وقعه على قلوبهن فقرن الركن في جانبهن بالغضب ردعا لهن عن الإقدام قوله (في حقه) أي على تقدير كذبه وظاهر إطلاقه يقتضي عدم قبول شهادته أبدا وبه جزم العيني هنا تبعا لما في الاختيار وذكر الزيلعي في القذف أنها تقبل نهر قوله (ومقام حد الزنا في حقها) أي على تقدير صدقه كما في النهر ح قوله (أي إذا تلاعنا الخ) بيان لوجه قيام الشهادات من الجانبين مقام الحدين قوله (مهلك) أي إذا كان كاذبا كما في التبيين ح قوله (بل أشد) لأن إهلاك الحد دنيوي وإهلاك التجري على اسم الله تعالى أخروي * (ولعذاب الآخرة أشد) * (طه 127) قوله (وشرطه قيام الزوجية) فلا لعان بقذف المنكوحة فاسدا أو المبانة ولو بواحدة
بخلاف المطلقة رجعية ولا بقذف زوجته الميتة(3/530)
ويشترط أيضا الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والنطق وعدم الحد في قذف وهذه شروط راجعة إليهما ويشترط في القاذف خاصة عدم إقامة البينة على صدقه وفي المقذوف خاصة إنكارها وجود الزنا منها وعفتها عنه ويشترط أيضا كون القذف بصريح الزنا وكونه في دار الإسلام هذا حاصل ما في البحر عن البدائع ونفي الولد بمنزلة صريح الزنا ويأتي أكثر هذه الشروط في غضون كلامه قوله (يوجب الحد في الأجنبية) أي بأن تكون محصنة قوله (خصت بذلك) أي باشتراط كونها محصنة وحاصله كما في الفتح أن المرأة هي المقذوفة دونه فاختصت باشتراط كونها ممن يحد قاذفها بعد اشتراط أهلية الشهادة بخلافه فإنه ليس مقذوفا وهو شاهد فاشترطت أهليته للشهادة دون كونه ممن يحد قاذفه ا ه وفيه رد لما في النهاية من أن كونه محصنا شرط أيضا في اللعان وقد خطأه الزيلعي وغيره قوله (فتتم لها شروط الإحصان) الفاء فصيحة إي إذا كانت هي المقذوفة دونه فيشترط أن يتم لها شروط الإحصان الخمسة وهي أن تكون عفيفة عن الزنا عاقلة بالغة حرة مسلمة قوله (وركنه) يغني عنه ما ذكره في تعريفه ط قوله (والاستمتاع) أي بالدواعي ومن حكمه وجوب التفريق بينهما ووقوع البائن بهذا التفريق بحر ط قوله (بعد التلاعن) أي ما دام حكمه باقيا فلو خرجا أو أحدهما عن أهلية اللعان له أن ينكحها كما يأتي وعليه حمل الحديث المذكور ولا ينافيه قوله أبدا في قوله تعالى * (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) * (الكهف 120) أي ما دمتم في ملتهم كما في البدائع وتمام الكلام على الحديث مبسوط في الفتح فلا لعان بين كافرين وإن قبلت شهادة بعضهم على بعض عندنا ولا بين مملوكين ولا من أحدهما مملوك أو صبي أو مجنون أو محدود في قذف أو كافر وصح بين الأعميين والفاسقين لأنهما أهل للأداء إلا
أنها لا تقبل للفسق ولعدم قدرة الأعمى على التمييز وقد قبلت شهادته فيما يثبت بالتسامع كالموت والنكاح والنسب وتمامه في البحر والنهر لكن قال في الدر المنتقى قلت الأصح عدم القبول كما سيجئ نعم عم القهستاني الأهلية ولو بحكم القاضي لنفوذ القضاء بشهادتهما ا ه أي المراد النفوذ وإن لم يجر للقاضي فعله لكن يرد عليه المحدود في القذف قال ابن كمال باشا وأما المحدود في القذف فلا يجوز القضاء بشهادته أصلا نعم لو قضى بها ينفذ لكن الكلام في الجواز فإنه أمر وراء النفاذ ا ه قلت ويرد عليه الفاسق فإنه ينفذ القضاء بشهادته مع أنه لا يجوز ولعل مراده بنفي الجواز نفي الصحة والنفاذ نفاذ الحكم بصحتها ممن يراها كشافعي والفاسق يصح القضاء بشهادته وكذا الأعمى على القول بصحتها فيما يثبت بالتسامع بخلاف المحدود في القذف قوله (بصريح الزنا)(3/531)
كيازانية أو يا زاني لأنه ترخيم قد زنيت قبل أن أتزوجك جسدك أو نفسك زان وخرج الكناية والتعريض نحو لست أنا بزان أفاده القهستاني وخرج بذكر الزنا اللواط فلا لعان فيه عنده وعندهما يثبت فيه كذا في البحر ط وخرج أيضا وجدت معها رجلا يجامعها لأن الجماع لا يستلزم الزنا بحر لا (في دار الإسلام) أخرج دار الحرب لانقطاع الولاية قوله (زوجته) شمل غير المدخول بها كما في الدر المنتقى وغيره قوله (الحية) لأن الميتة لم تبق زوجة ولأنه لا يتأتى منها اللعان فلو قذف زوجته الميتة فطلب من وقع القدح في نسبه من غير أولاد القاذف يحد للقذف إن لم يبرهن أما لو طالبه من القاذف عليه ولادة يسقط عنه لأنه لا يحد لوالده رحمتي قوله (بنكاح صحيح) هو إيضاح للتقليد بالزوجية لأن المنكوحة فاسدا غير زوجة ولو دخل بها فيه لم تبق عفيفة أيضا فلا يحد قاذفها أفاده الرحمتي قوله (ولو في عدة الرجعي) خرجت المبانة فلا لعان فيها لكنه يحد كالأجنبي قهستاني عن شرح الطحاوي ط قوله (العفيفة) ذات لها صفة تغلب على الشهوة وفي خالف امرأة بريئة من الوطء الحرام والتهمة قهستاني قوله (بأن لم توطأ الخ) بيان للعفة الشرعية وقوله حراما أي وطأ حراما أي محرما لعينه لا لعارض وذلك
بأن يكون في غير ملك صحيح بخلاف ما لو كان في ملكه وحرم لعارض حيض ونحوه فليس المراد بالزنا هنا ما أوجب الحد ولذا قال ولو مرة بشبهة أي ولو كان بشبهة كوطء معتدته من بائن وإن ظن حله وقوله ولا بنكاح فاسد الأولى أو بنكاح فاسد عطفا على قوله بشبهة لأنه من الوطء الحرام وقوله ولا لها ولد الخ الأولى ولم يكن لها ولد عطفا على قوله لم توطأ لأنه بيان لقوله وتهمته فإنها تتهم بالزنا بوجود ولد لها بلا أب أي بلا أب معروف وسيأتي في باب القذف إن شاء الله تعالى أن المراد بعدم معرفته عدمها في بلد القدف لا في كل البلاد قوله (وصلحا) أي كل من الزوجين قوله (لأداء الشهادة) لا لنحملها كما مر فإن الصبي أهل للتحمل لا للأداء قوله (فخرج نحو قن الخ) أي من كل من لا تصح شهادته ومنه ما إذا كان أحدهما محدودا في قدف أو كافرا كما مر وصورة ما إذا كان الزوج كافرا فقط ما في البدائع أسلمت امرأته ثم قبل عرض الإسلام عليه قذفها بالزنا ا ه أي لأنه يشهد عليها بالزنا ولا شهادة لكافر على مسلم وهذا يرد ما في القهستاني من أنه يشترط صلاحية الشهادة حالة اللعان لا حالة القذف فإنه يلزم عليه جريانه بين كافرين ورقيقين بعد الإسلام والعتق والظاهر أنه شرط في الحالتين وسيذكر المصنف أيضا أن العبرة للإحصان حالة القذف قوله (ودخل الأعمى الخ) تقدم بيانه قوله (أو من نفى نسب الولد) أطلقه فشمل ما إذا صرح معه بالزنا أو لا على مختار صاحب الهداية والزيلعي وهو الحق خلافا لما في المحيط والمبتغي لأن قطع النسب من كل وجه يستلزم الزنا واحتمال كون الولد بوطء شبهة ساقط بالأجماع على أن من قال لست لأبيك يكون قاذفا لأمة حتى يلزمه حد القذف مع وجود هذا الاحتمال وتمامه في البحر تنبيه في الذخيرة لا يشرع اللعان بنفي الولد في المجبوب والخصي ومن لا يولد له ولد لأنه(3/532)
لا يلحق به الولد ا ه وفيه نظر لأن المجبوب ينزل بالسحق ويثبت نسب ولده على ما هو المختار كذا في الفتح ويأتي في أول اللعان ما يؤيده قوله (منه) متعلق بنسب أو بنفي وقوله أو من غيره بأن نفى نسب ولد زوجته من أبيه قوله (وطالبته) قيد به لأنها لو لم تطالبه فلا لعان لأنه
حقها لدفع العار عنها ومراده طلبها إذا كان القذف بصريح الزنا أما بنفي الولد فالطلب حقه أيضا لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه بحر قوله (أو طالبه الولد المنفي) هذا سبق قلم ولم أره لغيره والصواب أن يقال أو طالب النافي للولد بحال الفتح ويشترط طلبها بخلاف ما إذا كان القذف بنفي الولد فإن الشرط طلبه لاحتياجه إلى نفي من ليس ولده عنه بحال الزيلعي لا بد من طلبها إلا أن يكون القذف بنفي الولد فإن له أن يطالب لاحتياجه الخ ومثله ما ذكرناه آنفا عن البحر ولا يخفى أن الضمير في طلبه راجع للقاذف لا للولد نعم طلب الولد شرط لوجوب حد القذف إن كان ولد غير القاذف وكانت الأم ميتة وإلا فشرط طلبها كما سيأتي في بابه والكلام في الطلب الذي هو شرط وجوب اللعان ولا يكون بعد موتها وهذا ظاهر جلي ثم رأيت الرحمتي أشار إلى بعض ما قلنا قوله (أي بموجب القذف) أشار إلى أن الضمير راجع إلى القذف المفهوم من قوله قذف لكن على تقدير مضاف وهو موجب أو أعاد الضمير عليه بمعنى موجبه على طريق الاستخدام وعليه اقتصر القهستاني قوله (وهو الحد) أي حد القذف إن أكذب نفسه أو اللعان إن أصر كما يأتي قوله (عند القاضي) متعلق بطالبته قال في البحر ولا بد من كونه أي الطلب في مجلس القاضي كذا في البدائع قوله (ولو بعد العفو) أي لا يسقط بالعفو لكن مع العفو لا حد لا لصحة العفو بل لترك الطلب حتى لو عاد المقذوف وطلب يحد القاذف خلافا لمن فهم من عدم سقوطه بالعفو أن القاضي يقيم الحد عليه مع العفو كما نبه عليه في البحر في باب حد القذف قوله (لا يبطل الحق في قذف الخ) بخلاف بقية الحدود وسيأتي في القضاء إن شاء الله تعالى أن السلطان إذا نهى القاضي عن سماع الدعوى بعد مضي خمس عشرة سنة صح ولا يصح سماعها منه وهذا إذا كان الخصم منكرا ولم يكن الترك بعذر وإلا فإنه يصح ولا يخفى أن النهي عن سماعها لا يسقط الحق بل هو باق في الدنيا والآخرة ولذا لو أذن السلطان بسماعها بعد ذلك يثبت الحق فافهم قوله (إن أقر بقذفه الخ) قيد لقوله لاعن وهو مقيد أيضا بإصراره وبعجزه عن البينة على زناها أو على إقرارها به أو على تصديقها له وتمامه في البحر قوله (أو ثبت قذفه بالبينة) هي رجلان لا رجل وامرأتان بحر وعلله في كافي الحاكم بأنه شهادة للنساء في الحدود
وهذا منها ا ه فما في النهر وتبعه في الدر المنتقى من قوله أو رجل وامرأتان سبق قلم قوله (لم يستحلف) أي لأنه حد كافي أي والاستحلاف فائدته النكول وهو إقرار معنى لا صريح ففيه شبهة يندرئ الحد بها قوله (حبس حتى يلاعن الخ) قال ابن كمال هنا غاية أخرى ينتهي الحبس بها وهي أن تبين منه بطلاق أو غيره ذكره السرخسي في المبسوط ا ه وهو مفهوم من قول(3/533)
المصنف سابقا وشرطه قيام الزوجية شرنبلالية قوله (فيحد) فيه دلالة على أنه لا يحد امتناعه خلافا لمن شذ من المشايخ نهر قوله (لأنه المدعي) علة للبعدية قوله (فلو بدأ) ضميره يعود للقاضي وكذا ضمير فرق قوله (أعادت) ليكون على الترتيب المشروع بحر عن الاختيار وظاهره الوجوب لكن قال في محل آخر وفي الغاية لا تجب الإعادة وقد أخطأ السنة ورجحه في الفتح بأنه الوجه وهو قول مالك ا ه ومثلها في الشرنبلالية قوله (ولا تحد) وما في بعض نسخ القدوري فتحد غلط لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة بحر وزيليعي قلت وقد يجاب بأن مراد القدوري بالتصدق الإقرار بالزنا لا مجرد قولها صدقت واكتفى عن ذكر التكرار اعتمادا على ما ذكره في بابه ويشير إلى هذا قول الحاكم في الكافي وإذا صدقت المرأة زوجها عند الإمام فقالت صدق ولم تقل زنيت وأعادت ذلك أربع مرات في مجالس متفرقة لم يلزمها حد الزنا ويبطل اللعان ولا يحد من قذفها بعد هذا ا ه قوله (ولا ينتفي النسب) لأنه إنما ينتفي باللعان ولو يوجد وبه ظهر أن ما في شرحي الوقاية والنقاية من أنها إذا صدقته ينتفي غير صحيح كما نبه عليه في شرح الدرر والغرر بحر وسيأتي أن شروط النفي ستة منها تفريق القاضي بينهما بعد اللعان قوله (لعدم وجوبه عليها حينئذ) أي حين امتنع لأنه لا يجب عليها إلا بعد لعانه فقبله ليس امتناعا لحق وجب نهر وأجاب ط بعد الترافع منهما صار إمضاء اللعان حق الشرع فإذا لم تعف وظهرت الامتناع تحبس بخلاف ما إذا أبى هو فقط فلا تحبس ا ه فتأمل
وأجاب الرحمتي بأنه ليس المراد أنهما امتنعا في آن واحد بل المراد امتناعه بعد المطالبة به وامتناعها بعد لعانه فارجع المسألة إلى ما في المتن والله تعالى أعلم بالصواب قوله (لرقه) أو لكونه محدودا في قذف بحر قوله (أو كفره) بأن أسلمت ثم قذفها قبل عرض الإسلام عليه بحر قوله (أي بالغا عاقلا ناطقا) أما لو كان صبيا أو مجنونا أو أخرس فلا حد ولا لعان منح لأن قذفه غير صحيح قوله (إذا سقط لمعنى من جهته) بأن لم يصلح شاهدا لرقه ونحوه أما لو سقط لمعنى من جهتها وهو المسألة الآتية في كلام المصنف فلا حد ولا لعان وبقي ما لو سقط من جهتهما كما لو كانا محدودين في قذف فهو كالأول لأنه سقط لمعنى من جهته لأن البداءة به فلا تعتبر جهتها معه كما أفاده في الجوهرة ويأتي تمامه قريبا قوله (فلو القذف صحيحا) بأن كان بالغا عاقلا ناطقا قوله (وإلا) أي وإن لم يكن القذف صحيحا بأن لم يكن كذلك قوله (فلا حد ولا لعان) نفي اللعان تأكيد لأن الكلام فيما إذا سقط قوله (لم(3/534)
تصلح) أي الشهادة وإنما زاده ليشمل المحدودة في قذف فإنها لم الخطبة في كلام المصنف لأنها مما يحد قاذفها كذا أفاده في البحر ولولا هذه الزيادة لكان المفهوم من كلام المصنف أنه يحد لها مع أنه لا يحد كما يأتي بيانه قوله (فلا حد عليه) لأن شرط الحد الإحصان وهو كونها مسلمة حرة بالغة عاقلة عفيفة كما مر وشرط اللعان الإحصان وأهلية الشهادة فإذا كانت غير محصنة فلا حد ولا لعان لفقد الإحصان وإذا كانت محصنة لكنها محدودة في قذف فلا لعان لعدم أهلية الشهادة ولا حد أيضا لأنه سقط اللعان لمعنى من جهتها لا من جهته والحاصل أنها إذا كانت كافرة أو رقيقة أو صغيرة أو مجنونة فلا حد لعدم الإحصان ولا لعان لذلك ولعدم أهليتها للشهادة وإذا كانت غير عفيفة سقطا أيضا لعدم الإحصان ولأنه صادق في قوله وإذا كانت عفيفة محدودة فلما علمت هكذا ينبغي تحرير هذا المقام فافهم قوله (كما لو قذفها أجنبي) هذا في غير العفيفة المحدودة أما فيها فيحد الأجنبي بقذفها كما في الشرنبلالية لأن سقوط الحد عن الزوج لعلة غير موجودة في الأجنبي قوله (لأنه خلفه) كذا في الدرر والصحيح في
التعليل ما قدمناه لأن هذا لا يظهر في العفيفة المحدودة لأن اللعان فيها لم يسقط تبعا للحد بل بالعكس إلا أن يقال الضمير في لأنه للحد وفي خلفه للعان بناء على أن الواجب الأصلي في قذف الزوج هو اللعان والحد خلف عنه بمعنى أنه إذا سقط اللعان وجب الحد حيث لا مانع منه وفي كلام ابن كمال ما يدل على هذا التأويل فتدبر قوله (لكنه يعزز أي وجوبا لأنه أذاها وألحق الشين بها كذا في البحر وظاهره وجوب التعزير في غير العفيفة قاله أبو السعود وقد يقال إنها هي التي ألحقت الشين بنفسها ط قلت هذا ظاهر إن كانت مجاهرة وإلا فيعزر بطلبها لإظهاره الفاحشة قوله (وهذا) أي قوله وإذا لم يصلح شاهدا الخ قوله (تصريح بما فهم) أي من قوله قذفا يوجب الحد في الأجنبية وقوله وصلحا لأداء الشهادة فإنه احتراز عن غير العفيفة وعما إذا لم يصلح وصلحت أو عكسه فافهم تتمة قال في البحر ولم يتعرض صريحا لما إذا لم يصلحا لأداء الشهادة وقد يفهم من اشتراطه أولا أنه لا لعان وأما الحد فلا يجب لو صغيرين أو مجنونين أو كافرين ومملوكين ويجب لو محدودين في قذف لامتناع اللعام لمعنى من جهته وكذا يجب لو كان هو عبدا وهي محدودة لأن قذف العفيفة موجب للحد ولو كانت محدودة قوله (ويعتبر الإحصان) يعلم منه ومن قوله وكذا يسقط(3/535)
بزناها اشتراط دوامه من حين القذف إلى حين التلاعن ط قوله (بالطلاق البائن) لو قال بالبينونة لشمل البينونة بالطلاق أو الفسح أو الموت وفي كافي الحاكم وإذا قذف الرجل امرأته ثم بانت منه بطلاق أو غيره فلا حد عليه ولا لعان لأن حده كان اللعان فلما لم يستقر اللعان بعد البينونة لم يحول إلى الحد ولو أكذب نفسه لم يحد ولو قال أنت طالق ثلاثا يا زانية كان عليه الحد ولو قال يا زانية أنت طالق ثلاثا لم يلزمه الحد ولا اللعان ا ه أي لحصول البينونة بعد وجوب اللعان قوله (ويسقط بموت الخ) أي إذا شهد وعدله القاضي ثم مات أو غاب لا يقضي به قال في الفتح وفي الجامع لو مات الشاهدان أو غابا بعد ما عدلا لا يقضي باللعان وفي
المال يقضي بخلاف ما لو عميا أو فسقا أو ارتدا حيث يلاعن بينهما ا ه قلت ولعل وجه الفرق أن الحد يدرأ بالشبهات واحتمال رجوع الشاهد عن شهادته قبل القضاء شبهة فما دام حيا حاضرا فالاحتمال قائم فإذا قضى القاضي بشهادته ولم يرجع زال الاحتمال وبعد القضاء يلغو ذلك الاحتمال التأكد الحق بالقضاء أما إذا مات أو غاب فلا يقضي بشهادته لأنه لو كان موجودا احتمل رجوعه قبل القضاء فتأمل هذا وفي اشتراط حضور الشاهدين لإقامة الحد كلام مذكور في الشرنبلالية في باب حد السرقة فراجعه وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى قوله (معهود) أي عهد وقوعه منها قوله (فلا لعان) أي ولا حد لعدم الأحصان قوله (لإسناده لغير محله) أي لإسناده الزنا فإن محله البالغة العاقلة بحال الفتح لم يكن قذفا في الحال لأن فعلها لا يوصف بالزنا قوله (حيث يتلاعنا) صوابه يتلاعنان بالنون في آخره كما يوجد في بعض النسخ قوله (لاقتصاره) أي لأنه يقع مقتصرا على زمن التكلم ولا يستند لأنها توصف بالزنا وهي ذمية أو أمة فقد ألحق بها الشين فافهم وكذا في منذ أربعين سنة ولو عمرها أقل لأنه مبالغة في القدم تأمل قوله (من كتاب وسنة) بيان للنص الشرعي وبه استغنى عما في البحر الظاهر أنه أراد بالصفة الركن يعني الماهية إذ صفته على وجه السنة لم ينطق بها النص وهو أن القاضي يقيمهما متقابلين ويقول له التعن فيقول الزوج أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وفي الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا يشير إليها في كل مرة ثم تقول المرأة أربع مرات أشهد بالله إنه من الكاذبين فيما رماني به من الزنا وفي الخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به من الزنا كذا في النهر ح في الدعاء باللعن على معين تنبيه مقتضى مشروعية اللعان جواز الدعاء باللعن على كاذب معين فإن قوله لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين دعاء على نفسه باللعن على تقدير كذبه فتعليقه على ذلك لا يخرجه عن التعيين(3/536)
نعم يقال إن مشروعيته إن كان صادقا فلو كان كاذبا لا يحل له وذكر في البحر ما يدل على الجواز
بما في عدة غاية البيان من أن المباهلة مشروعة في زماننا وهي الملاعنة كانوا يقولون إذا اختلفوا في شئ بهلة الله على الكاذب منا وقدمنا الكلام على ذلك في باب الرجعة قوله (بانت بتفريق الحاكم) أي تكون الفرقة تطليقه بائنة عندهما وقال أبو يوسف هو تحريم مؤبد هداية قوله (فيتوارثان قبل تفريقه) لأنها امرأته ما لم يفرق القاضي بينهما كافي نعم يحرم الوطء ودواعيه قبل التفريق كما مر ويأتي ثم هذا تفريغ على المفهوم وهو أنه لا أنكر الفرقة بنفس اللعان قبل تفريق الحاكم ويتفرع عليه أيضا في السعدية عن الكفاية أنه لو طلقها في هذه الحالة طلاقا بائنا يقع وكذا لو أكذب نفسه حل له الوطء من غير تجديد النكاح ا ه وعند الشافعي أنكر الفرقة بنفس اللعان والكلام معه مبسوط في الفتح وهذا أحد المواضع التي شرط فيها القضاء وقد ذكرها في المنح منظومة وتقدمت في الطلاق قوله (الذي وقع اللعان عنده) محترزه قوله الآتي فلو لم يفرق الخ قوله (ولو زالت الخ) هذا أيضا من فروع عدم وقوع الفرقة قبل التفريق قوله (فرق) لأنه يرجى عود الإحصان فتح قوله (وإلا لا) أي وإن زالت أهلية اللعان بما لا يرجى زواله بأن أكذب نفسه أو قذف أحدهما إنسانا فحد للقذف أو وطئت هي وطأ حراما أو خرس أحدهما لا يفرق بينهما فتح قوله (ينتظر) لأن التفريق حكم فلا يصح على الغائب رحمتي قوله (استقبله الحاكم الثاني) أي استأنف اللعان قوله (خلافا لمحمد) فعنده لا يستقبل لأن اللعان قائم مقام الحد فصار كإقامة الحد حقيقة وذلك لا يؤثر فيه عزل الحاكم وموته ولهما أن تمام الإمضاء في التفريق والإنهاء فلا يتناهى قبله فيجب الاستقبال كذا في الاختيار ومفاده أنه لا تحصل حرمة الوطء قبل التفريق وسيأتي خلافه ومفاده أيضا أنه لا بد من طلبها التلاعن عند الحاكم الثاني فليراجع قوله (بعد وجود الأكثر) بأن التعن كل منهما ثلاث مرات قوله (صح) أي التفريق وقد أخطأ السنة كافي قوله (لأنه مجتهد فيه) فإن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قائل بوقوع الفرقة بلعان الزوج فقط كذا في النهرح قلت وقدمنا في الخلع وفي أول الظهار معنى المجتهد فيه وإذا فهمته تعلم أنه لا يثبت كونه مجتهدا فيه بمجرد وقوع الخلاف فيه بين المجتهدين قوله (بغير القاضي الحنفي) المراد بغيره
من يرى جوازه باجتهاد منه أو بتقليد للمجتهد كشافعي قوله (أما هو فلا ينفذ) أي بناء على المعتمد من أن القاضي ليس له الحكم بخلاف مذهبه ولا سيما قضاة زماننا المأمورين بالحكم بأصح أقوال أبي حنيفة قوله (وحرم وطؤها) أي ودواعيه كما مر ط قوله (لما مر) أي من(3/537)
حديث المتلاعنان لا يجتمعان أبدا ح قوله (غنم) أي للملاعنة بعد التفريق ط قوله (نفقة العدة) أي والسكنى وإذا جاءت بولد إلى سنتين لزمه وإن لم تكن عليها عدة لزمه إلى ستة أشهر كما في الكافي قوله (حي) فلو نفاه بعد موته لاعن ولم يقطع نسبه وكذا لو جاءت بولدين أحدهما ميت فنفاهما أو مات أحدهما قبل اللعان كما سيأتي قوله (نفي نسبه) أي لا بد أن يقول قطعت نسب هذا الولد عنه بعد ما قال فرقت بينكما كما روى عن أبي يوسف وفي المبسوط هذا هو الصحيح لأنه ليس من ضرورة التفريق نفي النسب كما بعد الموت يفرق بينهما ولا ينتفي النسب بحر عن النهاية قوله (وألحقه بأمه) هذا غير السري في النفي وإنما خرج مخرح التأكيد نهر عن النهاية قوله (بشرط صحة النكاح) هذا الشرط والذي بعده زادهما في البحر على شروط النفي الستة المذكورة في البدائع وإنما لم يعدهما الشارح من الستة إشارة إلى أنهما ليسا شرطين للنفي أصالة وإنما هما شرطان للعان كما أفاده في النهر فهما من شروط النفي بواسطة لكن الثاني يغني عن الأول تأمل قوله (لعدم التلاعن) لأنه نفي نسبه مستندا إلى وقت العلوق وليست وقته من أهل اللعان ولا ينتفي النسب بدون لعان قوله (فستة) الأول التفريق الثاني أي يكون عند الولادة أو بعدها بيوم أو يومين الثالث أن لا يتقدم منه إقرار به ولو دلالة كسكوته عند التهنئة مع عدم رده الرابع حياة الولد وقت التفريق الخامس أن لا تلد بعد التفريق ولدا آخر من بطن واحد السادس أي لا يكون محكوما بثبوته شرعا كأن ولدت ولدا فانقلب على رضيع فمات الرضيع وقضى بديته على عاقلة الأب ثم نفى الأب نسبه يلاعن القاضي بينهما ولا يقطع نسب الولد لأن القضاء بالدية على عاقلة الأب قضاء بكون الولد منه ولا ينقطع النسب بعده وتمامه في البحر قوله (سيجئ) أي عند قوله نفي الولد الحي الخ لكن المذكور هناك أكثر الشروط لا كلها
قوله (وإن أكذب نفسه حد) أي إذا أكذبها بعد اللعان فلو قبله ينظر فإن لم يطلقها قبل الإكذاب وإن أبانها ثم أكذب فلا حد ولالعان زيلعي أي لأن اللعان لم يستقر بعد البينونة فلم يحول إلى الحد كما قدمناه عن الكافي قال في الشرنبلالية وقوله وإن أكذب نفسه ليس تكرار مع قوله حبس حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيحد لأن ذلك فيما قبل اللعان وهذا فيما بعده قوله (ولو دلالة) أي سواء كان الإكذاب باعترافه أو بينة أو دلالة نهر قوله (فادعى نسبه) أي فإنه لا يصدق على النسب ولا يفرق ويضرب الحد فإن كان الولد ترك ولدا ذكرا أو أنثى يثبت نسبه من المدعي وورث الأب منه كافي الحاكم قوله (للقذف) أي لقذف الثاني الذي تضمنته كلمات اللعان كشهود الزنا إذا رجعوا فإنهم يحدون لا للقذف الأول لأنه أخذ بموجبه وهو اللعان كما أفاده في البحر وأفاد الرحمتي أنه لما أكذب نفسه تبين أن اللعان لم يقع موقعه من قيامه مقام حد القذف فرجعنا إلى الأصل من لزوم الحد بالقذف الأول فافهم قوله (حد أو لا) أشار إلى ما في البحر من أن تقييد الزيلعي بالحد اتفاقي قوله (أو زنت وإن لم تحد) أراد بالزنا الوطء الحرام وإن لم(3/538)
يكن زنا شرعا كما ذكره الإسبيجابي بحر ثم إن عبارة الهداية والكنز أو زنت فحدت قال في الفتح قيل لا يستقيم لأنها إذا حدت كان حدها الرجم فلا يتصور حلها للزوج بل بمجرد أن تزني تخرج عن الأهلية ومنهم من ضبطه بتشديد النون بمعنى نسبت غيرها للزنا وهو معنى القذف فيستقيم حينئذ توقف حلها للأول على حدها لأنه حد القذف وتوجيه تخفيفها أن يكون القذف واللعان قبل الدخول بها ثم زنت فحدت فإن حدها حينئذ الجلد لا الرجم لأنها ليست بمحصنة ا ه وذكر القهستاني أنه يتصور الزنا في المدخولة كما أشار إليه في المضمرات بأن ترتد وتلحق بدار الحرب ثم تسبى وتقع في ملك رجل فيزني رجل بها ا ه وفيه أن الأهلية زادت بالردة لا بالزنا وذكر في البحر أن الرواية بالتخفيف فلذا لم يذكر المصنف الحد وأشار الشارح بقوله وإن لم تحد إلى أن التقييد بالحد غير معتبر المفهوم على رواية التخفيف وبخلافه على التشديد كما صرح به في النهر قوله (لزوال العفة) علة لحل النكاح فيما إذا صدقته أو زنت أما إذا أكذب
نفسه ولم يحد أو حد بعد القذف فلظهور أن اللعان لم يقع موقعه كما قدمناه تأمل قوله (عن أهلية اللعان) لأنهما لم يبقيا متلاعنين لا حقيقة لأن حقيقة التلاعن حين وقوعه ولا حكما لزوال الأهلية التى كان التلاعن باقيا بها حكما بعد وقوعه فلا ينافي الحديث كما تقدم قوله (لدرئه بالشبهة) وهي احتمال تصديق أحدهما للآخر لو كان ناطقا قوله (مع فقد الركن) أي فيما إذا كان الخرس قبل اللعان قوله (ولذا) أي لفقد الركن أو للشبهة وهو أظهر لأن الكتابة قائمة مقام النطق في الطلاق ونحوه لكن فيها شبهة كإشارة الأخرس فيندرئ الحد بها الحمل يحتمل كونه نفخا وفيه حكاية قوله (لعدم تيقنه) قال في الفتح إذ يحتمل كونه نفحا أو ماء وقد أخبرني بعض أهلي عن بعض خواصها أنه ظهر بها حمل واستمر إلى تسعة أشهر ولم يشككن فيه حتى تهيأت له بتهيئة ثياب المولود ثم أصابها طلق وجلست الداية تحتها فلم تزل تعصر العصرة بعد العصرة وفي كل عصرة تصب الماء حتى قامت فارغة من غير ولد وأما توريثه والوصية به وله فلا يثبت له إلا بعد الانفصال فيثبتان للولد لا للحمل وأما العتق فإنه يقبل التعليق بالشرط فعتقه معلق معنى وأما رد الجارية المبيعة بالحمل فلأن الحمل ظاهر واحتمال الريح شبهة والرد بالعيب لا يمتنع بالشبهة ويمتنع باللعان بها لأنه من معي الحدود والنسب يثبت بالشبهة فلا يقاس على عقب ا ه قوله (ولو تيقناه الخ) جواب عن قول الصاحبين يجريان اللعان إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر للتيقن بقيامه قوله (لعلمه بالوحي) أي لعلمه بالحمل وحيا من الله تعالى والمراد الجواب عما(3/539)
استدلا به لقولهما إنه يلاعن إذا ولدته لأقل المدة وعن قول الشافعي إنه يلاعن قبل الولادة وهذا بعد تسليم كون هلال قذفها بنفي الحمل فقد أنكره ابن حنبل بل قذفها بالزنا وقال وجدت شريك بن سحماء على بطنها يزني بها على أن يكون لعانهما قبل الوضع معارض بما في الصحيحين من أنه بعده فلا يستدل بأحدهما بعينه للتعارض وتمامه في الفتح ولكن لم يذكر فيه أنه نفاه الوضع كما اقتضاه كلام الشارح تبعا ل النهر وإنما فيه قوله نظروها فإن جاءت به كذا فهو
لهلال أو جاءت به فهو لشريك وأنها ولدت فألحق الولد بلمرأة وجاءت به أشبه الناس بشريك قوله (عند التهنئة) بالهمز من هنأته بالولد بالتثقيل والهمز مصباح قوله (ومدتها سبعة أيام عادة) أشار به إلى أنه لم يقدر زمنها بشئ كما هو ظاهر الرواية وعن الإمام تقديره بثلاثة أيام وفي رواية الحسن سبعة وضعفه السرخسي بأن نصب المقادير بالرأي لا يجوز شرنبلالية وعندهما تقديره بمدة النفاس فتح قوله (وعند ابتياع آلة الولادة) أي عند شرائها كالمهد ونحوه والواو بمعنى أو كما يفيده كلام المصنف في المنح وكلام الفتح وغيره قوله (وبعده لا) أي بعد قبوله التهنئة أو سكوته عندها أو شراء آلة الولادة وسكوته عن النفي ومضي ذلك الوقت إقرار منه منح قال في الفتح وهذا من المواضع التي اعتبر فيه السكوت رضا إلا في رواية عن محمد في ولد الأمة إذا هنئ به فسكت لا يكون قبولا لأنه ير ثابت إلا بالدعوة والسكوت ليس دعوة ونسب ولد المنكوحة ثابت منه فسكوته يسقط حقه في النفي ا ه وولد أم الولد كولد المنكوحة لأن لها فراشا بخلاف الأمة لأنها لا فراش لها جوهرة قوله (فحالة علمه كحالة ولادتها) فتعجل كأنها ولدته الآن فله النفي عند أبي حنيفة في مقدار ما يقبل فيه التهنئة وعندهما في مقدار مدة النفاس بعد القدوم كما في الفتح شرنبلالية قوله (ليس على إطلاقه) بل هو مشروط بالشروط الستة المارة قوله (نفي أول التوأمين) تثنية توأم فوعل والأنثى توأمة والجمع توائم وتوأم كدخان مصباح وهما ولدان بين ولادتهما أقل من ستة أشهر بحر قوله (إن لم يرجع) قيد به لأنه لو رجع عن الإقرار بالثاني يلاعن ا ه ح وذكر الرحمتي أن هذا القيد لم يذكره في البحر والنهر والدرر والمنح وغيرها ولا هو في شرح الملتقى وكأنه غلط من الكتاب لأنه بإقراره بالثاني كذب نفسه بنفي الولد لأنهما من ماء واحد فصار قاذفا ورجوعه لا يسقط الحد عنه ا ه قوله (لتكذيبه نفسه) أي بإقراره بالثاني وهذا علة لقوله حد قوله (وإن عكس) بأن أقرر بالأول ونفى الثاني قوله (إن لم يرجع) لأنه لو رجع لا يلاعن بل يحد ا ه ح لأنه أكذب نفسه وهذا صحيح موافق لما مر ولما يأتي قريبا فافهم قوله (لقذفها بنفيه) علة لقوله لاعن ا ه ح قال في الفتح لا يقال ثبوت نسب الأول معتبر باق بعد نفي الثاني فباعتبار بقائه شرعا
يكون مكذبا نفسه بعد نفي الثاني وذلك يوجب الحد لأنا نقول الحقيقة انقطاعه وثبوته أمر حكمي والحد لا يحتاط في إثباته فكان اعتبار الحقيقة هنا متعينا لا الحكمي ا ه وقوله وذلك(3/540)
يوجب الحد يؤيد ما قاله ح من أنه لو رجع يحد ولا ينافيه ما في البحر عن الفتح من أنه لو قال بعد نفي الثاني هما ابناي أو ليسا بابني فلا حد فيهما ا ه لعدم القذف في الثاني ففي الفتح ولو قال بعد ذلك هما ولداي لا حد عليه لأنه صادق لثبوت نسبهما ولا يكون رجوعا لعدم إكذاب نفسه بخلاف ما إذا قال كذبت عليها للتصريح بالرجوع ولو قال ليسا مشهور كانا ابنيه ولا يحد لأن القاضي نفى أحدهما وذلك نفى للتوأمين فليسا ولديه من وجه ولم يكن قاذفا لها مطلقا بل من وجه ا ه فافهم قوله (لاعن) كذا في الفتح والبحر ومثله في الجوهرة عن الوجيز ومقتضى ما في النهر أنه يحد وعزاه إلى الفتح وهو خلاف الواقع فافهم نعم قال الرحمتي إن ما هنا مشكل لأن بإقراره بالثالث صار مكذبا نفسه في نفي الثاني فينبغي أن يحد لأنه بعد الإكذاب لم يبق محلا للتلاعن ا ه قلت والجواب أنه لما أقر بالأول كان إقرارا بالكل فيكون إقرار بالثالث تأكيدا لإقراره أو لا فلم يكن رجوعا لأنه صادق فيه كما مر آنفا ولذا علل في الفتح المسألة بقوله لأن الإقرار بثبوت نسب بعض الحمل إقرار بالكل كمن قال يده أو رجله مني وقال وكذا في ولد واحد إذا أقر به ونفاه ثم أقربه يلاعن ويلزمه ا ه قوله (يحد) لأنه لما نفى الأول لزمه اللعان فلما أقر بالثاني صار مكذبا نفسه فلزمه الحد ولا يقبل رجوعه بعد قوله (كموت أحدهم) قال في الفتح لو نفاهما فمات أحدهما أو قتل قبل اللعان لزماه لأنه لا يمكن نفي الميت لانتهائه بالموت واستغنائه عنه فلا ينتفي الحي لأنه لا يفارقه ويلاعن بينهما عند محمد لوجود القذف واللعان ينفك عن نفي الولد ولا يلاعن عند أبي يوسف لأن القذف أوجب لعانا يقطع النسب ا ه ملخصا قلت واقتصر الحاكم في الكافي على ذكر الأول بلا حكاية خلاف فعلم أنه ظاهر الرواية
عن الكل فكان ينبغي للشارح ذكر قوله كموت أحدهم عقب قوله في المسألة الأولى لاعن وهم بنوه ليكون التشبيه بثبوت النسب واللعان أما على ما ذكره فإنه يقتضي عدم اللعان وهو خلاف ظاهر الرواية ويقضي وجوب الحد وفيه نظر لأنه على القول بعدم اللعان فالظاهر عدم الحد أيضا لأن اللعان سقط لمعنى ليس من جهته قوله (يثبت نسبه) أي نسب ولد ولد اللعان قال في البحر وورث الأب منه اتفاقا لحاجة الولد الثاني إلى ثبوت النسب فبقاؤه كبقاء الأول قوله (لاستغنائه) أي استغناء ولد الأنثى بنسب أبيه فإن ولد البنت ينسب إلى أبيه قال في البحر قيد بموتها أي موت الأنثى المنفية لأنها لو كانت حية ثبت نسبها بدعوة ولدها اتفاقا قوله (خلافا لهما) فعندهما يثبت نسبه منه بحر قوله (الإقرار بالولد الخ) قال عليه الصلاة والسلام حين نزلت آية الملاعنة * (أيما مرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيئ ولن يدخلها الله(3/541)
جنته وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه حتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين) * رواه أبو داود والنسائي وفي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام من دعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام كذا في الفتح قوله (بوجه ما) كعدم صلوح أحدهما للشهادة أو عدم الإحصان قوله (فقد ثبت نسب الولد) أي ضمنا لأن حد قاذفها يتضمن ثبوت نسب الولد من أبيه قوله (فالإرث أثلاثا الخ) الإرث مبتدأ خبره محذوف تقديره يكون أو يثبت وفي كلام العرب حكمك مسمطا وما ذكره هنا هو ما جزم به في البحر والنهر نقلا عن شرح التلخيص وعزاه في البحر قبل هذا إلى شهادات الجامع وهو مخالف لما ذكره الشارح في الفرائض من أنه يرث من توأمه ميراث أخ لأبوين ومثله في سكب الأنهر معزيا إلى الاختيار لكن نسب السرخسي في المبسوط الأول إلى علمائنا ونسب الثاني إلى الإمام مالك وسيأتي تمام الكلام عليه في الفرائض إن شاء الله تعالى قوله (يرد عليهم) أي بقدر حصصهم فيخص كلا ثلث فالمسألة الفرضية من ستة والردية من ثلاثة ط قوله (وبه علم الخ) قال في البحر وهذا يبين أن قطع النسب جرى في التوأم لأنه لو لم يقطع نسبه عن أخيه التوأم لكان عصبة يأخذ
الثلثين وقطع النسب عن أخيه التوأم بالتبعية لأبيهما وتمامه في شرح التلخيص ا ه قوله (في كل الأحكام) فيبقى النسب بين الولد والملاعن في حق الشهادة والزكاة والقصاص والنكاح وعدم واللحوق بالغير حتى لا يجوز شهادة أحدهما للآخر ولا صرف زكاة ماله إليه ولا يجب القصاص على الأب بقتله ولو كان لابن الملاعنة ابن وللزوج بنت من امرأة أخرى لا يجوز للابن أن يتزوج بتلك البنت ولو ادعى إنسان هذا الولد لا يصح وإن صدقه الولد في ذلك فتح عن الذخيرة قوله (لقيام فراشها) أي لثبوت كونها فراشا أي زوجة وقت الولادة قال في المصباح وكل واحد من الزوجين يسمى فراشا للآخر كما يسمى لباسا قال في البحر لأن النفي باللعان ثبت شرعا بخلاف الأصل بناء على زعمه وظنه مع كونه مولودا على فراشه وقد قال النبي الولد للفراش فلا يظهر في حق سائر الأحكام قوله (حتى لا تصح دعوة غير النافي) أما دعوة النافي فتصح مطلقا ولو كان المنفي كبيرا جاحدا للنسب من النافي بحر قوله (قال البهنسي الخ) كذا رأيته في شرح البهنسي على الملتقى غير معزي لأحد مع أن ذلك ذكره في الفتح بحثا فإنه قال بعد نقله ما مر عن الذخيرة وهو مشكل في ثبوت النسب إذا كان المدعي ممن يولد مثله لمثله وادعاه بعد موت الملاعن لأنه مما يحتاط في إثباته وهو مقطوع النسب من غيره ووقع الإياس من ثبوته من الملاعن وثبوته من أمه لا ينافيه ا ه أي لإمكان كونه وطئها بشبهة والله سبحانه وتعالى أعلم(3/542)
العنين وغيره شروع في بيان من به مرض له تعلق قوله (وغيره) الأولى ونحوه من كل من لا يقدر على جماع زوجته كالمجبوب والخصي والمسحور والشيخ الكبير والشكاز كشداد بشين غدا وزاي من إذا حدث المرأة أنزل قبل أن يخالطها قاموس قوله (على الجماع) أي جماع زوجته أو غيرها فهو أعم من المعنى الشرعي الآتي قوله (فعيل بمعنى مفعول) هذا مبني على أنه من عن بمعنى حبس لا من عن بمعنى أعرض قال في المصباح قال الأزهري وسمي عنينا
لأن ذكره يعن بقبل المرأة عن يمين وشمال أي يعترض إذا أراد إيلاجه والعنة بالضم حظيرة للإبل والخيل فقول الفقهاء لو عن عن امرأة يخرج على المعنى الثاني دون الأول لأنه يقال عن عن الشئ يعن من باب الضرب بالبناء للفاعل إذا أعرض عنه وانصرف ويجوز أن يقرأ بالبناء للمفعول ا ه وذكر أيضا أن قول الفقهاء به عنة وفي كلام الجوهري ما يشبه كلام ساقط والمشهور رجل عنين بين التعنين والعنية قوله (جمعه عنن) بضم أوله وثانيه أفاده ط قوله (على جماع فرج زوجته) أي مع وجود الآلة سواء كانت تقوم أو لا أخرج الدبر فلا يخرج عن العنة بالإدخال فيه خلافا لابن عقيل من الحنابلة معراج لأن الإدخال فيه وإن كان أشد لكنه قد يكون ممنوعا عن الإدخال في الفرج لسحر وأخرج أيضا ما لو قدر على جماع غيرها دونها أو على الثيب دون البكر وفي المعراج إذا أولج الحشفة فقط فليس بعنين وإن كان مقطوعها فلا بد من إيلاج بقية الذكر قال في البحر وينبغي الاكتفاء بقدرها من مقطوعها ولم أر حكم ما إذا قطعت ذكره وإطلاق المجبوب يشمله لكن قولهم لو رضيت به فلا خيار لها ينافيه وله نظيران أحدهما لو خرب المستأجر الدار الثاني لو أتلف البائع المبيع قبل القبض ا ه أي فإنه ليس له فسخ الإجارة ولا الرجوع بالثمن قوله (لمانع منه) أي فقط فخرج ما إذا كان المانع منها فقط أو منهما جميعا كما يأتي ط قوله (أو سحر) قال في البحر فهو عنين في حق من لا يصل إليها لفوات المقصود في حقها فإن السحر عندنا حق الجوزي وتصوره وتكون أثره كما في المحيط ا ه قوله (إذ الرتقاء) أي التي وجدت زوجها مجبوبا والقرناء مثلها كما يأتي قوله (مجبوبا) في المصباح جبيته جبا من باب قتل قطعته وهو مجبوب بين الجباب بالكسر إذا استؤصلت مذاكيره ا ه فالمصدر هو الجب والاسم هو الجباب فافهم والمذاكير جمع ذكر والمراد بها الذكر والخصيتان تغليبا قوله (أو مقطوع الذكر فقط) قال في النهر ولم يذكروه والظاهر أنه يعطي هذا الحكم ا ه وهذا لا شبهة فيه قوله (أو صغيرة) بهاء الضمير أي صغير الذكر وقوله جدا أي نهاية ومبالغة مصباح قوله (كالزر) بالزاي المكسورة واحد الأزرار قوله (وفيه نظر) أشار إلى ما قاله الشرنبلالي في شرحه على الوهبانية(3/543)
أقول إن هذا حاله دون حال العنين لإمكان زوال عنته فيصل إليها وهو مستحيل هنا فحكمه حكم المجبوب بجامع أنه لا يمكنه إدخال آلته القصيرة انظر الفرج فالضرر الحاصل للمرأة به مساو لضرر المجبوب فلها طلب التفريق وبهذا ظهر أن انتقاء التفريق لا وجه له وهو من القنية فلا يسلم ا ه قلت لكن لم ينفرد به صاحب القنية بل نقله في الفتح والبحر عن المحيط والأحسن الجواب بأن المراد بداخل الفرج نهايته المعتاد الوصول إليها ولذا قال في البحر وظاهره أنه إذا كان لا يمكنه إدخاله أصلا فإنه كالمجبوب لتقييده بالداخل ا ه وقدمنا ما هو صريح في اشتراط إدخال الحشفة قوله (إلا في مسألتين التأجيل ومجئ الولد) أي أن المجبوب لا يؤجل بل يفرق في الحال ولو ولدت امرأته بعد التفريق لا يبطل التفريق كما يأتي وزاد في البحر مسألتين أيضا أنه يفرق بلا انتظار بلوغه ولا انتظار صحته لو مريضا قوله (فرق الحاكم) وهو طلاق بائن كفرقة العنين بحر عن الخانية غنم كل المهر وعليها العدة إن خلا بها وعندهما لها نصفه كما لو لم يخل بها بدائع قوله (بطلبها) هو على التراخي كما يأتي بيانه قوله (لو حرة) أما الأمة فالخيار لمولاها كما يأتي متنا قوله (بالغة) فلو صغيرة انتظر بلوغها في المجبوب والعنين لاحتمال أن ترضى بهما بحر وغيره وأما العقل فغير شرط فيفرق بطلب ولي المجنونة أو من ينصبه القاضي كما في الفتح ويأتي قوله (غير رتقاء وقرناء) أما هما فلا خيار لهما لتحقق المانع منهما كما مر ولأنه لا حق لهما في الجماع وفي البحر عن التاترخانية لو اختلفا في كونها رتقاء يريها النساء قوله (وغيره عالمة بحاله الخ) أما لو كانت عالمة فلا خيار لها على المذهب كما يأتي وكذا لو رضيت به بعد النكاح قوله (ولو المجبوب صغيرا) قيد بالمجبوب لأن العنين لو كان صغيرا ينتظر بلوغه كما مر وشمل إطلاقه المجنون بالنون ففي البحر عن الفتح لو كان أحدهما مجنونا فإنه لا يؤخر إلى عقله في الجب والعنة لعدم الفائدة ويفرق بينهما في الحال في
الجب وبعد التأجيل في العنين لأن الجنون لا يعدم الشهوة ا ه قال في النهر ولو كان يجن ويفيق هل ينتظر إفاقته لم أر المسألة والذي ينبغي أن يقال إن كان هو الزوج لا ينتظر وفي الزوجة تنتظر لجواز رضاها به إذا هي أفاقت كما لو كانت غير بالغة ا ه وصحح في البدائع أن المجنون لا يؤجل لأنه لا يملك الطلاق لكن في البحر عن المعراج ويؤهل الصبي هنا للطلاق في مسألة الجب لأنه مستحق عليه كما يؤهل ليعتق القريب ومنهم من جعله فرقة بغير طلاق والأول أصح ا ه تتمة لو اختلفا في كونه مجبوبا فإن كان لا يعرف بالمس من وراء الثياب أمر القاضي أمينا أن ينظر إلى عورته فيخبر بحاله لأنه يباح عند الضرورة خانية قوله (لحصول حقها بالوطء مرة) وما زاد عليها فهو مستحق ديانة لا قضاء بحر عن جامع قاضيخان ويأثم إذا ترك الديانة متعنتا مع(3/544)
القدرة على الوطء ط قوله (ولم تعلم) أي وقت العقد وقيد به ليثبت الخيار لها قوله (فادعاه ثبت نسبه) الذي في التاترخانية وأثبت القاضي نسبه فلو أتى بالعطف لزالت الركاكة قال ط وإنما قيد بالدعوى لدفع ما يتوهم أنه لما ادعاه وسلمت دعواه صريحا يسقط حقها وإلا فثبوت النسب منه لا يتوقف على الدعوى كما تفيده عبارة الهندية ا ه قلت وهو مفاده ما نذكره قريبا عن التاترخانية وفي عدة البحر عن كافي الحاكم والخصي كالصحيح في الولد والعدة وكذا المجبوب إذا كان ينزل وإلا لم يلزمه الولد فكان بمنزلة الصبي في الولد والعدة قوله (ثبت نسبه) أي إذا خلا بها قال في التاترخانية ولو كان الزوج مجبوبا ففرق القاضي بينهما فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وقت الفرقة لزمه الولد خلا بها أو لم يخل وهذا عند أبي يوسف وقال أبو حنيفة يلزمه إلى سنتين إذا خلا بها والفرقة ماضية بلا خلاف قوله (قبل التفريق) متعلق بإقرارها قوله (لا بعده) أي لا يبطل التفريق لو أقرت بعده إن كان وصل إليها بحر فلا حاجة إلى إقامة الزوج البينة هنا فافهم قوله (للتهمة) أي باحتمال كذبها بل هي به متناقضة فتح قوله (فسقط نظر الزيلعي) هو أن الطلاق
وقع بتفريقه وهو بائن فكيف يبطل بثبوت النسب ألا ترى أنها لو أقرت بعد التفريق أنه كان قد وصل إليها لا يبطل التفريق ا ه وجوابه أن ثبوت النسب من المجبوب باعتبار الإنزال بالسحق والتفريق بينهما باعتبار الجب وهو موجود بخلاف ثبوته من العنين فإنه يظهر به أنه ليس بعنين والتفريق بإعتباره بخلاف ما استشهد به من إقرارها فإنها متهمة في إبطال القضاء لاحتمال كذبها فظهر أن البحث بعيد كما في فتح القدير بحر قلت لكن قد يقر به أن النسب يثبت من العنين مع بقاء عنته بالسحق أيضا أو بالاستدخال فلا يلزم زوال عنته به اللهم إلا أن يقال وجود الآلة دليل على أن الولد حصل بالوطء لأنه الأصل الغالب فلا ينظر إلى النادر بلا ضرورة قوله (ولو وجدته) أي لو وجدت المرأة الحرة غير الرتقاء كما مر في زوجة المجبوب زوجها ولو معتوها فيؤجل بحضرة خصم عنه كما في البحر ويشترط لتأجيله في الحال كونه بالغا أو مراهقا وكونه متلبس صحيحا وغير ملتبس بإحرام كما سيأتي وشمل ما لو وصل إليها ثم أبانها ثم تزوجها ولم يصل إليها في النكاح الثاني لتجدد حق المطالبة بكل عقد كما في البحر قوله (عنينا) ومثله الشكاز كما مر قوله (هو من لا يصل إلى النساء الخ) هذا معناه لغة وأما معناه الشرعي المراد هنا فهو من لا يقدر على جماع فرج زوجته مع قيام الآلة لمرض به كما مر فالأولى حذف هذه الجملة كما أفاده ط قوله (لمرض) أي مرض العنة وهو ما يحدث في خصوص الآلة مع صحة الجسد فلا ينافي ما يأتي من أن المريض لا يؤجل حتى يصح لأن المراد به المرض المضعف للأعضاء حتى حصل به فتور في الآلة تأمل قوله (أو سحر) زاد في العناية أو ضعف في أصل خلقته أو غير ذلك(3/545)
لفك لمسحور والمربوط فائدة نقل ط عن تبيين المحارم عن كتاب وهب بن منبه أنه مما ينفع للمسحور والمربوط أن يؤتي بسبع ورقات سدر خضر وتدق بين حجرين ثم تمزج بماء ويحسو منه ويغتسل بالباقي فإنه يزول بإذن الله تعالى قوله (أو خصيا) يفتح الخاء من نزع خصيتاه وبقى ذكره فعيل بمعنى مفعول(3/546)
حاشية رد المحتار - ابن عابدين ج 4
حاشية رد المحتار
ابن عابدين ج 4(4/)
حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بإبن عابدين ويليه تكملة إبن عابدين لنجل المؤلف طبعة جديدة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات الجزء الرابع دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع(4/1)
جميع حقوق إعادة الطبع محفوظة للناشر 1415 ه / 1995 م دار الفكر بيروت - لبنان دار الفكر: حارة حريك - شارع عبد النور - برقيا: فكس - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(4/2)
كتاب الايمان قوله: (مناسبته الخ) قال في الفتح: اشترك كل من اليمين والعتاق والطلاق في أن الهزل والاكراه لا يؤثر فيه، إلا أنه قدم النكاح لانه أقرب إلى العبادات كما تقدم، والطلاق رفعه بعد تحققه، فإيلاؤه إياه إوجه، واختص العتاق عن اليمين بزيادة مناسبته بالطلاق من حهة مشاركته إليه في تمام معناه الذي هو الاسقاط، وفي لازمه الشرعي الذي هو السراية فقدمه على اليمين.
قوله: (في الاسقاط) فإن الطلاق إسقاط قيد النكاح،.
العتاق إسقاط قيد الرق ط.
قوله: (والسراية) فإذا طلق نصفها سرى إلى الكل، وكذا العتق: أي عندهما، لقولهما بعدم تجزيه أما عنده فهو منجز ط.
قوله: (لغة القوة) قال في النهر: واليمين لغة لفظ مشترك بين الجارحة والقوة والقسم، إلا أن قولهم كما في المغرب وغيره: سمي الحلف يمينا لان الحالف يتقوى بالقسم، أو أنهم كانوا يتماسكون بأيمانهم عند القسم، يفيد كما في الفتح أن لفظ اليمين منقول اه.
أقول: هو منقول من أصل اللغة إلى عرفها، فلا ينافي كونه في اللغة مشتركا بين الثلاثة، وإنما اقتصر الشارح على القوة لظهور المناسبة بينه وبين المعنى الاصطلاحي المذكور في المتن ح.
قلت: أو لانها الاصل فقد قال في الفتح في باب التعليق: أن اليمين في الاصل القوة، وسميت إحدى اليدين باليمين لزيادة قوتها على الاخرى، وسمي الحلف بالله تعالى يمينا لافادته القوة على المحلوف عليه من الفعل والترك، ولا شك أن تعليق المكروه للنفس أمر يفيد قوة الامتناع عن ذلك أمر، وتعليق المحبوب لها على ذلك يفيد الحمل عليه فكان يمينا اه.
فقد أفاد أن أصل المادة بمعنى القوة ثم استعملت في اللغة لمعان أخر لوجود المعنى الاصل فيها كلفظ الكافر من الكفر وهو الستر فيطلق على الكافبالله تعالى وكافر النعمة، وعلى الليل، وعلى الفلاح وهكذا في كثير من الالفا اللغوية التي تطلق علي أشياء ترجع إلى أصل واحد عام فيصح أن يطلق عليها الاشترا ك نظرا إلى إتحاد المادة مع اختلاف المعاني، وأن يطلق عليها لفظ المنقول نظرا إلى المعنى الاصلي الذي ترجع إليه، والقول بأن المنقول يهجر فيه المعنى الاصلي وهذا ليس منه غير مقبول، فإن اليمين إذا أطلق على الحلف لا يراد به القوة لغة، ولهذا قال في
الفتح هنا بعد ذكره أنه منقول: ومفهومه لغة جملة أولى إنشائية صريحة الجزأين يؤكد بها جملة بعدها خبرية، فاحترز بأولى عن التوكيد اللفظي بالجملة نحو: زيد قائم زيد قائم، فإن المؤكد فيه هو الثانية لا الاولى، عكس اليمين، وبإنشائية عن التعليق فإنه ليس يمينا حقيقة لغة الخ.
وقوله يؤكد بها الخ إشارة إلى وجود المعنى الاصلي وهو القوة لا على أنه هو المراد، وكذا إذا أطلق على(4/3)
الجارحة لا يراد به نفس القوة بل اليد المقابلة لليسار وهي ذات والقوة عرض، فقد هجر فيه المعنى الاصلي وإن لوحظ اعتباره في المنقول إليه، وبهذا ظهر أن المناسب بيان معنى اليمين اللغوي المراد به الحلف ليقابل به المعنى الشرعي، وأما تفسيره بالمعنى الاصلي فغير مرضي، فافهم.
قوله: (على الفعل أو الترك) متعلق بالعزم أو بقوى ط.
قوله: (فإنه يمين شرعا) لانه يقوى به عزم الحالف على الفعل في مثل إن لم أدخل الدار فزوجته طالق، وعلى الترك في مثل إن دخلت الدار.
قال في البحر: وظاهر ما في البدائع أن التعليق يمين في اللغة أيضا، قال: لان محمدا أطلق عليه يمينا وقوله حجة في اللغة.
مطلب: حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل قوله: (مذكورة في الاشباه) عبارته: حلف لا يحلف حنث بالتعليق إلا في مسائل: أن يعلق بأفعال القلوب أو يعلق بمجئ الشهر في ذوات الاشهر أو بالتطليق، أو يقول أديت إلي كذا فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق، أو إن حضت حيضة أو عشرين حيضة أو بطلوع الشمس كما في الجامع اه.
قلت: وإنما لم يحنث في هذه الخمسة لانها لم تتمحض التعليق.
أما الاولى كأنت طالق إن أردت أو أحببت فلان هذا يستعمل في التمليك، ولذا يقتصر على المجلس.
وأما الثانية كأنت طالق إذا جاء رأس الشهر أو إذا أهل الهلال المرأة من ذوات الاشهر دون الحيض فلانه مستعمل في بيان وقت السنة، لان رأس الشهر في حقها وقت وقوع الطلاق السني لا في التعليق، وأما الثالثة كأنت طالق إن طلقتك فلانه يحتمل الحكاية عن الواقع وهو كونه مالكا لتطليقها فلم يتمحض
للتعليق.
وأما الرابعة كقوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر، وإن عجزت فأنت رقيق فلانه تفسير للكتابة.
وأما الخامسة كأنت طالق إن حضت حيضة أو عشرين حيضة فلان الحيضة الكاملة لا وجود لها إلا بوجود جزء من الطهر فيقع في الطهر فأمكن جعله تفسير الطلاق السنة فلم يتمحض للتعليق، وحيث لم يتمحض للتعليق في هذه الخمس لا يحمل على التعليق حيث أمكن غيره صونا لكلام العاقل عن المحظور وهو الحلف بالطلاق، وإنما حنث في إن حضت فأنت طالق لانه لا يمكن جعله تفسير للبدعي، لان البدعي أنواع، بخلاف السني فإنه نوع واحد، وحنث أيضا في أنت طالق إن طلعت الشمس مع أن معنى اليمين وهو الحمل أو المنع مفقود، ومع أن طلوع الشمس متحقق الوجود لا خطر فيه.
لانا نقول: الحمل والمنع ثمرة اليمين وحكمته، فقد تم الركن في اليمين دون الثمرة،، والحكمة والحكم الشرعي في العقود الشرعية يتعلق بالصورة لا بالثمرة والحكمة، ولذا لو حلف لا يبيع فباع فاسدا حنث لوجود ركن البيع وإن كان المطلوب منه وهو الملك غير ثابت اه ملخصا من شرح تلخيص الجامع لابن بلبان الفارسي، وبه ظهر أن قول الاشباه أو بطلوع الشمس سبق قلم والصواب إسقاطه، أو أن يقول: لا بطلوع الشمس، فافهم.
قوله: (فلو حلف لا يحلف الخ) تفريع على كون التعليق يمينا، وقوله: حنث بطلاق وعتاق أي بتعليقهما، ولكن فيما عدا المسائل المستثناة، فكان الاولى تأخير الاستثناء إلى هنا كما مر في عبارة الاشباه.
(تنبيه): يتفرع على القاعدة المذكورة ما في كافي الحاكم: لو قال لامرأته إن حلفت بطلاقك(4/4)
فعبدي حر وقال لعبده إن حلفن بعتقك فامرأتي طالق فإن عبده يعتق لانه قد حلف بطلاق امرأته، ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق وكرره ثلاثا طلقت ثنتين باليمين الاولى والثانية لو دخل بها، وإلا فواحدة.
قوله: (شرطها الاسلام والتكليف) قال في النهر: وشرطها كون الحالف مكلفا مسلما، وفسر في الحواشي السعدية التكليف بالاسلام والعقل والبلوغ، وعزاه إلى البدائع وما قلناه أولى اه.
وجه الاولوية أن الكافر على الصحيح مكلف بالفروع والاصول كما حقق في الاصول فلا يخرج بالتكليف.
واعلم أن اشتراط الاسلام إنما يناسب اليمين بالله تعالى واليمين بالقرب نحو إن فعلت كذا فعلي صلاة وأما اليمين بغير القرب نحو إن فعلت كذا فأنت طالق فلا يشترط له الاسلام كما لا يخفي ح.
مطلب في يمين الكافر والحاصل أنه شرط لليمين الموجبة لعبادة من كفارة أو نحو صلاة وصوم في يمين التعليق، وسيذكر المصنف أنه لا كفارة بيمين كافر ون حنث مسلما وأن الكفر يبطلها، فلو حلف مسلما ثم ارتد ثم أسلم ثم حنث فلا كفارة اه.
وحينئذ فالاسلام شرط انعقادها وشرط بقائها.
وأما تحليف القاضي له فهو يمين صورة رجاء نكوله كما يأتي، ومقتضى هذا أنه لا إثم عليه في الحنث بعد ابسلامه ولا في ترك الكفارة، وكذا في حال كفره بالاولى على القول بتكليفه بالفروع.
فما قيل من أن يمين الكافر منعقدة لغير الكفارة وأن مشرط الاسلام نظر إلى حكمها فهو غير ظاهر، فافهم.
ويشترط خلوها عن الاستثناء بنحو إن شاء الله أو إلا أن يبدو لي غير هذا أو إلا أن أرى أو أحب كما في ط عن الهندية.
قال في البحر: ومن زاد الحرية كالشمني فقد سها، لان العبد ينعقد يمينه ويكفر بالصوم كما صرحوا به اه.
قلت: يشترط أيضا عدم الفاصل من سكوت ونحوه.
ففي البزازية: أخذه الوالي وقال قل بالله فقال مثله، ثم قال لتأتين يوم الجمعة فقال الرجل مثله فلم يأت لا يحنث، لانه بالحكاية والسكوت صار فاصلا بين اسم الله تعالى وحلفه اه.
وفي الصيرفية: لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح، لان عهد الرسول صار فاصلا اه: أي لانه ليس قسما بخلاف عهد الله، قوله: (وإمكان البر أصلا والكفارة خلفا) كما في الدر المنتقى، وأنت خبير بأن الكفارة حاصة باليمين بالله تعالى ح، وأراد البر وجودا وعدما، فأنه يجب فيما إذا حلف على طاعة، ويحرم فيما إذا حلف على معصية، ويندب فيما إذا كان عدم المحلف عليه جائزا، وفيه زيادة تفصيل سيأتي.
مطلب في حكم الحلف بغيره تعالى قوله: (وهل يكره الحلف بغير الله تعالى الخ) قال الزيلعي: واليمين بغير الله تعالى أيضا مشروع، وهو تعليق الجزاء بالشرط، وهو ليس بيمين وضعا، وإنما سمي يمينا عند الفقهاء لحصول
معنى اليمين بالله تعالى وهو الحمل أو المنع، واليمين بالله تعالى لا يكره، وتقليله أولى من تكثيره، واليمين بغيره مكروهة عند البعض للنهي الوارد فيها، وعند عامتهم: لا تكره لانها يحصل بها الوثيقة لا سيما في زماننا، وما روي من النهي محمول على الحلف بغير الله تعالى على وجه الوثيقة كقولهم وأبيك ولعمري اه.
ونحوه في(4/5)
وحاصله أن اليمين بغيره تعالى تارة يحصل بها الوثيقة: أي اتثاق الخصم الفتح بصدق الحالف كالتعليق والعتاق مما ليس فيه حرف القسم، وتارة لا يحصل مثل وأبيك ولعمري فإنه لا يلزمه بالحنث فيه شئ فلا تحصل به الوثيقة، بخلاف التعليق المذكور والحديث، وهو قوله (ص): من كان حالفا فليحلف بالله تعالى الخ محمول عند الاكثرين على غير التعليق، فإنه يكره اتفاقا لما فيه من مشاركة المقسم إنه لله تعالى في التعظيم وأما إقسامه تعالى بغيره كالضحى والنجم والليل فقالوا إنه مختص به تعالى، إذ له أن يعظم ما شاء وليس لنا ذلك بعد نهينا، وأما التعليق فليس فيه تعظيم، بل فيه الحمل أالمنع مع حصول الوثيقة فلا يكره اتفاقا كما هو ظاهر ما ذكرناه، وإنما كانت الوثيقة فيه أكثر من الحلف بالله تعالى في زماننا لقلة المبالاة بالحنث ولزوم الكفارة، أما التعليق فيمتنع الحالف فيه خوفا من وقوع الطلاق والعتاق.
وفي المعراج: فلو حلف به على وجه الوثيقة أو على الماضي يكره.
قوله: (ولعمرك) أي بقاؤك وحياتك، بخلاف لعمر الله فإنه قسم كما سيأتي.
قوله: (لعدم تصور الغموس واللغو) على حذف مضاف: أي تصور حكمهما، وإلا نافي قوله: فيقع بهما ح.
قوله: (في غيره تعالى) أي في الحلف بغيره سبحانه وتعالى.
قوله: (فيقع بهما) أي بالغموس واللغو.
قوله: (ولا يرد) أي على قوله: لعدم تصور الخ لو قال هو يهودي، إن فعل كذا متعمدا الكذب أو على ظن الصدق فهو غموس أو لغو مع أنه ليس يمينا بالله تعالى.
قوله: (وإن لم يعقل وجه الكناية) أقول: يمكن تقرير وجه الكناية بأن يقال: مقصود، الحالف بهذه الصيغة الامتناع عن الشرط، وهو يستلزم النفرة عن اليهودية، وهي تستلزم النفرة عن الكفر بالله تعالى، وهي تستلزم تعظيم الله تعالى فكأنه قال: والله العظيم لا أفعل كذا اه ح.
قوله: (تغمسه في الاثم ثم النار) بيان
لما في صيغة فعول من المبالغة ح.
قوله: (وهي كبيرة مطلقا) أي اقتطع بها حق مسلم أو لا، وهذا رد على قول البحر: ينبغي أن تكون كبيرة إذا اقتطع بها مال مسلم أو آذاه، وصغيرة إن لم يترتب عليها مفسدة، فقد نازعه في النهر بأنه مخالف لاطلاق حديث البخاري الكبائر الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين ح الغموس.
وقول شمس الائمة: إن إطلاق اليمين عليها مجاز لانها عقد مشروع وهذه كبيرة محضة صريح فيه، ومعلوم أن إثم الكبائر متفاوت اه.
وكذا قال المقدسي: أي مفسدة أعظم من هتك حرمة اسم الله تعالى.
قوله: (على كاذب) أي على كلام كاذب: أي مكذوب.
وفي نسخة على كذ ب.
قوله: (عمدا) حال من فاعل.
أي عامدا، ومجئ الحال مصدر كثير لكنه سماعي.
قوله: (ولو غير فعل أو ترك) كان الاولى ذكره قبيل قوله: ووالله إنه بكر فإنه مثال لهذا فيستغنى به عن المثال المذكور وعن تأخير قوله في ماض.
قوله: (الآن) قيد به لما تعرفه قريبا.
قوله: (في ماض) متعلق بمحذوف صفة لموصوف كاذ ب: أي على كلام كاذب واقع مدلوله في حاض، ولا يصح تعلقه بقوله: حلف إذ ليس المراد أن حلفه وقع في(4/6)
الماضي كما لا يخفي، فافهم.
قوله: (وتقييدهم بالفعل والماضي الخ) رد على صدر الشريعة حيث جعل التقييد للاحتراز، وإن الله إنه حجر من الحلف على الفعل بتقدير كان أو يكون وجعل الحال من الماضي لان الكلام يحصل أولافي النفس فيعبر عنه باللسان، فالاخبار المعلق بزمان الحال إذا حصل في النفس فعبر عنه اللسان انعقد اليمين، وصار الحال ماضيا بالنسبة إلى زمان انعقاد اليمين، فإذا قال كتبت لا بد من الكتابة قبل ابتداء التكلم فيكون الحلف عليه حلفا على الماضي، وأشار إلى وجود الرد بلفظ الآن فإنه لا يمكن أن يقدر معه كان ليصير فعلا، ولا يمكن أن يكون من الماضي لمنافاته للفظ الآن على أن الحال إنما يعبر عنه بصيغة المضارع المستعملة في الحال أو في الاستقبال ولا يخبر عنه بصيغة الماضي أصلا، نعم قد يراد تقريب الماضي من الحال فيؤتى بصيغة الماضي مقرونة بقد نحو قد قام زيد إذا أردت أن قيامه قريب من زمن التكلم، فإذا قال والله قمت لا يصح أن يراد به الحال أصلا، بخلاف أقوم فإنه يراد به الحال أو الاستقبال كما هو مقرر في محله،
فحيث لا يصح أن يكون فعلا ولا ماضيا تعين أن يكون تقييدهم بالفعل وبالماضي في قولهم هو حلفه على فعل ماض إلخ اتفاقيا: أي لا للاحتراز عن غيره أو أكثريا أي لكونه هو الاكثر.
قوله: (ويأثم بها) أي إثما عظيما كما في الحاوي القدسي.
مظلب في معنى الاثم والاثم في اللغة: الذنب، وقد تسمى الخمر إثما.
وفي الاصطلاح عند أهل السنة: استحقاق العقوبة وعند المعتزلة: لزوم العقوبة بناء على جواز العفو وعدمه، كما أشار إليه الاكمل في تقريره.
بحر.
قوله: (فتلزمه التوبة) إذ لا كفارة في الغموس يرتفع بها الاثم فتعينت التوبة للتخلص منه.
قوله: (إلا في ثلاث الخ) استثناء منقطع، لان الكلام في اليمين بالله تعالى وهذا في غيرخ، ولذا قال في الاختيار: روى ابن رستم عن محمد: لا يكون اللغو إلا في اليمين بالله تعالى، وذلك أن في حلفه بالله تعالى على أمر يظنه كما قال ليس كذلك لغا المحلوف عليه وبقي قوله والله فلا يلزمه شئ، في اليمين بغيره تعالى يغلو المحلوف عليه ويبقى قوله امرأته طالق وعبده حر وعليه حج فيلزمه اه ملخصا.
قوله: (فيقع الطلاق) أي والعتاق ويلزمه النذر كما علمت.
قوله: (يظنه) أي يظن نفسه.
قوله: (فالفارق الخ) أقول: هناك فارق آخر، وهو الغموس تكون في الازمنة الثلاثة على ما سيأتي، واللغو لا تكون في الاستقبال ح.
قوله: (وأما في المستقبل فالمنعقدة) لا يخفي أن كلامه في الحلف كاذبا يظنه صادقا، وهذا في المستقبل لا يكون إلا يمينا منعقدة، فلا يرد أن الغموس يكون في المستقبل أيضا لان الغموس لا بد فيه من تعمد الكذب وليس الكلام فيه، فافهم.
قوله: (وخصه الشافعي الخ) اعلم أن تفسير اللغو با ذكره المصنف هو المذكور في المتون والهداية وشروحها.
ونقل الزيلعي أنه روي عن أبي حنيفة كقول الشافعي.
وفي الاختيار أنه حكاه محمد عن أبي حنيفة، وكذا نقل في البدائع الاول عن أصحابنا.
ثم قال: وما ذكر محمد على(4/7)
أثر حكايته عن أبي حنيفة أن اللغو ما يجري بين الناس مقولهم لا والله وبلى والله، فذلك محمول عندنا على الماضي أو الحال، وعندنا ذلك لغو.
فيرجع حاصل الخلاف بيننا وبين الشافعي في يمين
لا يقصدها الحالف في المستقبل.
فعندنا ليست بلغو وفيها الكفارة.
وعنده هي لغو ولا كفارة فيها اه.
فقوله فذلك محمول عندنا إلى آخر كلامه خبر قوله وما ذكر محمد إلخ، فهو مبني على تلك الرواية المحكية عن أبي حنيفة، أراد به بيان الفرق بينهما وبين قول الشافعي وذلك أن المستقبل يكون لغوا عنده لا عندنا، قد فهم صاحب البحر من كلام البدائع حيق عبر بقوله: عندنا وقوله: فيرجع حاصل بيننا الخلاف بيننا وبين الشافعي الخ أن مذهينا في اليمين اللغو أنها التي لا يقصدها الحالف في الماضي أو الحال كما يقوله الشافعي إلا في المستقبل.
قلت: هذا وإن كان يوهمه آخر كلام البدائع، لكن أوله صريح بخلافه، حيث عزا ما في المتون إلى أصحابنا، ثم نقل ما حكاه محمد عن أبي حنيفة.
فعلم أن قوله: عندنا الخ بناء على هذه الرواية كما قلنا وبين المذهب، وهذه الرواية منافاة، فإن حلفه على أمر يظنه كما قال لا يكون إلا عن قصد فينا في تفسير اللغو كالتي لا يقصدها، نعم ادعى في البحر أن المقصود إذا كانت لغوا فالتي لا يقصدها كذلك بالاولى، فيكون تفسيرنا اللغو أعم من تفسير الشافعي.
ولا يخفي أن هذا خروج عن الجادة وعن ظاهر كلامهم، ولا بد له من نقل صريح، والذي دعاه إلى هذا التكلف نظره إلى ظاهر عبارة البدائع الاخيرة وقد سمعت تأويلها، وكأن الشارح نظر إلى كلام البحر من أن مذهبنا أعم من مذهب الشافعي، فلذا قال: وخصه الشافعي، فافهم.
نعم قد يقال: إذا لم تكن هذه لغوا يلزم أن تكون قسما خارجا عن الاقسام الثلاثة، فالاحسن أن يقال: إن اللغو عندنا قسمان: الاول ما ذكر في المتون، والثاني ما في هذه الرواية، فتكون هذه الرواية بيانا للقسم الذي سكت عنه أصحاب المتون، ويأتي قريبا عن الفتح التصريح بعد المؤاخذة في اللغو على التفسيرين، فهذا مؤيد لهذا التوفيق، والله سبحانه أعلم.
قوله: (ولو لآت) أي ولو لزمان آت: أي مستقبل فإنه لغو عند الشافعي لا عندنا حتى على الرواية المحكية عن أبي حنيفة.
قوله: (فلذا قال الخ) أي للاختلاف في اللغو.
قال: ويرجى عفوه، وهذا جواب عن الاعتراض على تعليق محمد العفو بالرجاء بأن قوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * مقطوع به، فأجاب في الهداية بأنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسير اللغو.
اعترضه في الفتح بأن الاصح أن اللغو بالتفسيرين متفق على عدم المؤاخذة به في الآخرة، وكذا في الدنيا بالكفارة.
قال: فالاوجه ما قيل إنه لم يرد به التعليق، بل التبرك باسمه تعالى والتأدب كقوله عليه الصلاة والسلام لاهل المقابر: وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وأجاب في النهر بأنه اختلف قال: ولا شك أن تفسير اللغو على رأينا ليس أمرا مقطوعا به إذ الشافعي قائل بأنه من المنعقدة فلا جرم علقه بالرجاء وهذا معنى دقيق ولم أر من عرج عليه اه.
قلت: إنما لم يعرج أحد عليه لما علمت من الاتفاق على عدم المؤاخذة به في الآخرة، وكذا في الدنيا بالكفارة، فافهم.
قوله: (وكاللغو الخ) حاصله أنت حلفه على ماض صادقا يمين مع أنه لم يدخل في الاقسام الثلاثة فيكون قسما رابعا وهو مبطل لحصرهم اليمين في الثلاثة.
أجاب صدر(4/8)
الشريعة بأنهم أرادوا حصر اليمين التي اعتبرها الشرع ورتب عليها الاحكام.
ورده في البحر بأن عدم الاثم فيها حكم.
وقال في النهر: فيه نظر.
قال ح: والحق مفي البحر، ولا وجه للنظر اه.
قلت: وأجاب في الفتح بأن الاقسام الثلاثة فيما يتصور فيه الحنث لا في مطلق اليمين.
قوله: (كوالله إني لقائم الآن) تبع فيه النهر، وكأنه تنظير لا تمثيل أشار به إلى أن الماضي كالحال.
والاحسن قول الفتح: كوالله لقد قام زيد أمس.
قوله: (على مستقبل) لا حاجة إليه.
ا.
ه.
ح وقد يجاب بأن لفظ آت اسم فاعل، وحقيقته ما اتصف بالوصف في الحال، فمثل قائم حقيقة فيمن اتصف بالاتيان في الحال ويحتمل الاستقبال وكذا لفظ آت حقيقة فيمن اتصف بالاتيان في الحال ويحتمل الاستقبال، فزاد الشارح لفظ مستقبل لدفع إرادة الحال.
ولا يرد أن مستقبل حقيقة في الحال أيضا.
لانا نقول: معناه أنه متصف في الحال بكونه مستقبلا: أي منتظرا، وذلك لا يقتضي حصوله في الحال، لكن كان المناسب تأخير مستقبل عن آت.
قوله: (يمكنه) أشار إلى ما في النهر حيث قال: ويجب أن يراد بالفعل فعل الحالف ليخرج نحو والله لا أموت إلخ، لكن هذا أعمن الممكن وغيره، وتعبير الشارح أحسن لانه يرد على عبارة
النهر نحو والله لاشربن ماء هذا الكوز اليوم ولا ماء فيه لا يحنث لعدم إمكان البر مع أنه من فعله، ومقتضى كلامه أن هذا المثال من الغموس، لكن ينبغي تقييده بما إذا علم وقت الحلف أنه لا ماء فيه.
وأما إذا لم يعلم فليس منها ولا من المنعقدة لعدم الامكان، فإن جعلت من اللغو انتقض ما مر أنها لا تكون على الاستقبال، والذي يظهر أنها غير يمين أصلا علم أو لا، لما مر من أن شرط اليمين إمكان البر فليتأمل.
قوله: (ولا يتصور حفظ إلا في مستقبل) قلت: كون الحفظ لا يتصور إلا في مستقبل معناه أنه لا يتصور في ماض أو في حال، لان الحفط منع نفسه عن الحنث فيها بعد وجودها مترددة بين الهتك والحفظ، وذلك لا يكون في غير المستقبل.
ولا يخفى أن هذا لا يستلزم أن كل مستقبل كذلك: أي يتصور فيه الحفظ حتى يرد عليه الغموس المستقبلة التي لا يمكن حفظها، نعم يرد لو قال: ولا يتصور مستقبل إلا محفوظا، والفرق بين العبارتين ظاهر، فافهم.
قوله: (فقط) قيد، للهاء من فيه، فالمعنى أن فيه لافي غيره من قسيميه الكفارة لا للكفارة حتى يصير المعنى أن فيه الكفارة لا غيرها من الاثم، لكن الاول أن يقول: وفيه فقط الكفارة اه ح.
وهذا جواب للعيني دفع به اعتراض الزيلعي على الكنز بأن المنعقدة فيها إثم أيضا.
واعترضه في البحر بأن الاثم غير لازم لها، لان الحنث قد يكون واجبا أو مستحبا.
وأجاب في النهر بأنه تخلف لعارض فلا يرد.
قوله: (وإن لم توجد منه التوبة عنها) أي عن اليمين، المراد عن حنثه فيها وهو متعلق بالتوبة وقوله: معها متعلق بتوجد وفي عدم لزوم التوبة مع الكفارة كلام قدمناه في جنايات الحج فراجعه.
قوله: (أو مخطئا) من أراد شيئا فسبق لسانه إلى غيره كما أفاده القهستاني.
قال في النهر: كما إذا أراد أن يقول اسقني الماء فقال والله لا أشرب الماء.(4/9)
مطلب في الفرق بين السهو والنسيان قوله: (أو ذاهلا أو ساهيا أو ناسيا) قال ابن أمير حاج في شرح التحرير: وجزم كثير باتحاد السهو والنسيان، لان اللغة لا الفرق بينهما، وإن فرقوا بينهما بأن السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها في الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا فيحتاج في حصولها إلى سبب جديد.
وقيل
النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا، والسهو غفلة عما كان مذكورا وما لم يكن مذكورا، فالنسيان أخص منه مطلقا.
وقيل يسمى زوال إدراك سابق قصر زمان زواله نسيانا وغفلة لا سهوا، وزوال إدراك سابق طال زمان زواله سهوا ونسيانا، فالنسيان أعم منه مطلقا.
وقال الشيخ سراج الدين الهندين: والحق أن النسيان من الوجدانيات التي لا تفتقر إلى تعريف بحسب المعنى، فإن كل عاقل يعلم النسيان كما يعلم الجوع والعطش اه ح.
قلت: لكن ظهور الفرق بينه وبين السهو يتوقف على التعريف.
وفي المصباح: فرقوا بين الساهي والناسي، بأن الناسي إذا ذكرته تذكر، والساهي بخلافه اه.
وعليه فالسهو أبلغ من النسيان، وفيه ذهل بفتحتين ذهولا غفل.
وقال الزمخشري: ذهل عن الامر: تناساه عمدا وشغل عنه، وفي لغة من باب تعب.
قوله: (بأن حلف أن لا يحلف) قال في النهر: أراد بالناسي المخطئ، وفي الكافي: وعليه اقتصر في العناية والفتح: هو من تلفظ باليمين ذاهلا عنه، والملجئ إلى ذلك أن حقيقة النسيان في اليمين لا تتصور.
قال الزيلعي: وقال العيني وتبعه الشمني: بل تصور بأن حلف أن لا يحلف ثم نسي الحلف السابق فحلف.
ورده في البحر بأنه فعل المحلوف عليه ناسيا لا أن حلفه ناسيا اه.
وفيه نظر، إذ فعل المحلوف عليه ناسيا لا ينافي كونه يمينا بدليل أنه يكفر مرتين: مرة باعتبار أنه فعل المحلوف عليه، وأخرى باعتبار حنثه في اليمين اه كلام النهر.
أقول: الحق ما في البحر، فإن فعل المحلوف عليه ناسيا وإن لم يناف كونه يمينا، لكن تعلق النسيان به من جهة كونه حنثا لا من جهة كونه يمينا، إذ هو من هذه الجهة لم يتعلق به النسيان كما لا يخفي على منصف اه ح.
قوله: (لحديث الخ) في شرح الوقاية للعلامة منلا على القاري: لفظ اليمين غير معروف، إنما المعروف ما رواه أصحاب السنن الاربعة من حديث أبي هريرة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم بلفظ: النكاح والطلاق والرجعة، وقد رواه ابن عدي فقال: الطلاق والنكاح والعتاق اه.
وفي الفتح: اعلم أنه لو ثبت حديث اليمين لم يكن فيه دليل، لان المذكور فيه جعل الهزل باليمين جدا والهازل قاصد اليمين غير راض بحكمه، فلا يعتبر عدم رضاه به شرعا بعد مباشرته
السبب مختارا، والناسي بالتفسير المذكور لم يقصد شيئا أصلا ولم ير ما صنع، وكذا المخطئ لم يقصد قد التلفظ به بل بشئ آخر، فلا يكون الوارد في الهازل واردا في الناسي الذي لم يقصد قط مباشرة السبب فلا يثبت في حقه نصا ولا قياسا اه.
قوله: (في اليمين أو الحنث) متعلق بقوله: ولو مكرها أو ناسيا أي سواء كان الاكراه أو النسيان في نفس اليمين وقد مر، أو في الحنث بأن(4/10)
فعل ما حلف عليه مكرها أو ناسيا: لان الفعل شرط الحنق وهو سبب الكفارة والفعل الحقيقي لا ينعدم بالاكراه والنسيان.
قوله: (فيحنث بفعل المحلوف عليه) فلو لم يفعله، كما لو حلف أن لا يشرب فصب الماء في حلقه مكرها فلا حنث عليه.
نهر.
قوله: (لو فعله وهو مغمى عليه الخ) أما لو حلف وهو كذلك فلا يلزمه شئ لعدم الصحة كما مر.
قوله: (بالله تعالى) أي بهذا الاسم الكريم.
قوله: (ولو برفع الهاء) مثله سكونها كما في مجمع الانهر.
قال: وهذا إذا ذكر بالباء، وأما بالواو فلا يكون يمينا إلا بالجر اه ح.
قلت: أما الرفع مع الواو فلانه يصير مبتدأ، وكذا النصب لانه يصير مفعولا لنحو أعبد فلا يكون يمينا، وأما السكون فغير ظاهر، لانه إذا كان مجرورا وسكن لا يخرج عن كونه يمينا، على أن الرفع يحتمل تقدير خبره قسمي كما سيأتي في حذف حرف القسم.
والحاصل أن تخصيص ما ذكر بالباء مشكل، ولعل المراد أن غير المجرور مع الواو لا يكو صريحا في القسم فيحتاج إلى النية، وهذا كله إن كان ما ذكره منقولا ولم أره، نعم ذكروا ذلك في حذف حرف القسم.
ففي الخانية: لو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو أنصبها لا يكون يمينا لانعدام حرف القسم، إلا أن يعربها بالكسر، لان الكسر يقتضي سبق الخافض وهو حرف القسم، وقيل يكون يمينا بدون الكسر اه.
ومثله في البحر عن الظهيرية.
وفي الجوهرة: وإن نصبه اختلفوا فيه، والصحيح يكون يمينا اه.
قلت: ومثله تسكين الهاء على ما حققه في الفتح من عدم اعتبار الاعراب كما سنذكره عند الكلام على حروف القسم.
قوله: (أو حذفها) قال في المجتبى: ولو قال والله بغير هاء كعادة
الشطار فيمين.
قلت: فعلى هذا يستعمله الاتراك بالله بغير هاء يمين أيضا اه.
وهكذا نقله عنه في البحر، ولعل أحد الموضعين بغير هاء بالواو لا بالهمز: أي بغير الالف التي هي الحرف الهاوي.
تأمل.
ثم رأيته في الوهبانية، وقال ابن الشحنة في شرحها: المراد بالهاوي الالف بين الهاء واللام، فإذا حدفها الحالف أو الذابح أو الداخل في الصلاة قيل لا يضر لانه سمع حذفها في لغة العرب، وقيل يضر.
قوله: (وكذا واسم الله) في البحر عن الفتح: قال باسم الله لافعلن، المختار ليس يمينا لعدم التعارف وعلى هذا بالواو، إلا أن نصارى ديارنا تعارفوه فيقولون: واسم الله اه.
أي فيكون يمينا لمن تعارفه مثلهم لا لهم، لما مر من أن شرطه الاسلام.
قوله: (ورجحه في البحر) حيث قال: والظاهر أن باسم الله يمين كما جزم به في البدائع معللا بأن الاسم والمسمى واحد عند أهل السنة والجماعة، فكان الحلف بالاسم حلفا بالذات كأنه قال بالله اه.
والعرف لا اعتبار به في الاسماء اه.
ومقتضاه أن واسم الله كذلك فلا يختص به النصارى،.
قوله: (بكسر اللام الخ) أي بدون مد.
والظاهر أن مثله بالاولى المد على صورة الامالة، وكذا فتح اللام بدون مد، لان ذلك كله(4/11)
يتكلم به كثير من البلاد فهو لغتهم، لكن إذا تكلم به من كان ذلك لغته فالظاهر أنه لا يشترط فيه قصد اليمين.
تأمل.
قوله: (ولو مشتركا الخ) وقيل كل اسم لا يسمى به غيره تعالى كالله والرحمن فهو يمين، وما يسمى به غيره كالحليم والعليم، فإن أراد اليمين كان اليمين كان يمينا وإلا لا، ورجحه بعضهم بأنه حيث كان مستعملا لغيره تعالى أيضا لم تتعين إرادة أحدهما إلا بالنية.
ورده الزيلعي بأن دلالة القسم معينة لارادة اليمين، إذ القسم بغيره تعالى لا يجوز، نعم إذا نوى غيره صدق لانه نوى محتما كلامه.
وأنت خبير بأن هذا مناف لما قدمه من أن العامة يجوزون الحلف بغير الله تعالى.
نهر.
أقول: هذا غفلة عن تحرير محل النزاع، فإن الذي جوزه العامة ما كان تعليق الجزاء بالشرط لا ما كان فيه حرف القسم كما قدمناه.
والحاصل كما في البحر أن الحلف بالله تعالى لا يتوقف على النية ولا على العرف على
الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الصحيح.
قال: وبه اندفع ما في الولوالجية، من أنه لو قال: والرحمن لا أفعل إن أراد به السورة لا يكون يمينا، لانه يصير كأنه قال والقرآن، وإن أراد به الله تعالى يكون يمينا اه.
لان هذا التفصيل في الرحمن قول بشر المريسي: قوله: (والطالب الغالب) فهو يمين وهو متعارف أهل بغداد، كذا في الذخيرة والولوالجية.
وذكر في الفتح أنه يلزم إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الاسماء فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى: * (والله غالب على أمره) * (يوسف: 12) وإما كونه بناء على القول المفصل في الاسماء اه.
أي من أنه تعتبر النية والعرف في الاسم المشترك كما مر.
وأجاب في البحر بأن المراد أنه بعد ما حكم بكونه يمينا أخبر بأن أهل بغداد تعارفوا الحلف بها اه.
قلت: ينافيه قوله في مختارات النوازل: فهو يمين لتعارف أهل بغداد.
حيث جعل التعارف علة كونه يمينا فلا محيص عما قاله في الفتح.
وأيضا عدم ثبوت كون الطالب من أسمائه تعالى لا بد له من قرينة تعين كون المراد به اسم الله تعالى وهي العرف مع اقترانه بالغالب المسموع إطلاقه عليه تعالى، وهو وإن كان مسموعا لكنه لم يجعل مقسما به أصالة بل جعل صفة له فلا يكون قسما بدونه كما في الاول الذي ليس قبله شئ، فإنه لا يقسم بالاول بدون هذه الصفة، ومثله الآخر الذي ليس بعده شئ، فافهم، وما وقع في البحر من عطف الغالب بالواو هو خلاف الموجود في الولوالجية والذخيرة وغيرهما.
قوله: (كما سيجئ) أي بعد ورقة، وسيجئ تفصيله وبيانه.
قوله: (وفي المجتبى الخ) المراد به الاسماء المشتركة كما في البحر، وقدمناه آنفا عن الزيلعي معللا بأنه نوى محتمل كلامه، وظاهره أن يصدق قضاء.
وعبارة المجتبى: واليمين بغير الله تعالى إذا قصد بها غير الله تعالى لم يكن حالفا بالله، لكن في البحر عن البدائع فلا يكون يمينا، لانه نوى محتمل كلامه فيصدق في أمر بينه وبين ربه تعالى اه.
ولا يصدق قضاء لانه خلاف الظاهر كما مر.
(تنبيه): اعترض بعض الفضلاء بالقضاء والديانة بما في البحر عند قوله: ولو زاد ثوبا الخ من أن الفرق بن الديانة والقضاء إنما يظهر في الطلاق والعتاق لا في الحلف بالله تعالى، لان الكفارة حقه ليس للعبد فيها مدخل حتى يرفع الحالف إلى القاضي.(4/12)
قلت: قد يظهر فيما إذا علق طلاقا أو عتقا على حلفه ثم حلف بذلك، فافهم.
قوله: (أو بصفة الخ) المراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة، لبخلاف نحو العظيم، وتتقيد بكون الحلف بها متعارفا سواء كانت صفة ذات أو فعل، وهو قول مشايخ ما وراء النهر، ولمشايخ العراق تفصيل آخر، وهو أن الحلف بصفات الذات يمين لا بصفات الفعل.
وظاهر أنه لا اعتبار عندهم للعرف وعدمه.
فتح ملخصا.
ومثله في الشرنبلالية عن البرهان بزيادة التصريح بأن الاول هو الاصح.
وقال الزيلعي: والصحيح الاول، لان صفات الله تعالى كلها صفات الذات وكلها قديمة، والايمان مبنية على العرف، ما يتعارف الناس الحلف به يكون يمينا، وما لا فلا اه.
ومعنى قوله: كلها صفات الذات أن الذات الكريمة موصوفة بها فيراد بها الذات، سواء كانت مما يسمى صفة ذات أوسفة فعل فيكون الحلف بها حلفا بالذات، وليس مراده نفي صفة الفعل.
تأمل.
ثرأيت المصنف استشكله وأجاب بأن مراده أن صفات الفعل ترجع في الحقيقة إلى القدرة عند الاشاعرة والقدرة صفة ذات اه.
وما قلنا أولى.
قوله: (صفة ذات) مع قوله بعده أو صفة فعل بدل مفصل من مجمل، وقوله: لا يوصف بضدها الخ بيان للفرق بينهما كما في الزيلعي وغيره، قوله: (كعزة الله) قال القهستاني: أي غلبته من حد نصر، أو عدم النظير من حد ضرب، أو عدم الحط من منزلته من حد علم، وقوله: وجلاله أي كونه كامل الصفات وقوله: وكبريائه أي كون كامل الذات اه.
قوله: (وملكوته وجبروته) بوزن فعلوت وزيادة الهمزة في جبروت خطأ فاحش، وفي شرح الشفاء للشهاب: الملكوت صفة مبالغة من الملك كالرحموت من الرحمة، وقد يخص بما يقابل عالم الشهادة ويسمى عالم الامر، كما أن مقابله يسمى عالم الشهادة وعالم الملك اه.
وفي شرح المواهب: قال الراغب: أصل الجبر إصلاح الشئ بضرب من القهر.
وقد يقال في الاصلاح المجرد كقول علي: يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير، وتارة في القهر المجر اه.
أفاده ط.
قوله: (وعظمته) أي كونه كامل الذات أصالة وكامل الصفات تبعا، وقوله: وقدرته أي كونه يصح منه كل ما لفعل والترك.
قهستامي.
قوله: (كالغصب
والرضا) أي الانتقام والانعام.
وهذا تمثيل لصفة الفعل في حد ذاتها، فلا ينافي ما يأتي أن الرضا والغضب لا يحلف بهماط.
قوله: (فإن الايمان مبنية على العرف) علة للتقييد بقوله عرفا ط.
وهذا خاص بالصفات، بخلاف الاسماء فإنه لا يعتبر العرف فيها كما مر.
قوله: (لا يقسم بغير الله تعالى) عطف على قوله القسم بالله تعالى: أي لا ينعقد القسم بغيره تعالى: أي غير أسمائه وصفاته ولو بطريق الكناية كما مر، بل يحرم كما في القهستاني، بل يخاف منه الكفر في نحو وحياتي وحياتك كما يأتي.
مطلب في القرآن قوله: (قال الكمال الخ) مبني على أن القرآن بمعنى كلام الله، فيكون من صفاته تعالى كما يفيده كلام الهداية حيث قال: ومن حلف بغير الله عالى لم يكن حالفا كالنبي والكعبة، لقوله عليه(4/13)
الصلاة والسلام: من كان منكم حالفا بالله أو ليذر وكذا إذا حلف بالقرآن لانه غير متعارف اه.
فقوله: كذا يفيد أنه ليس من قسم الحلف بغير الله تعالى، بل هو من قسم الصفات ولذا علله بأنه غير متعارف، ولو كان من القسم الاول كما هو المتبادر من كلام المصنف والقدوري لكانت العلة فيه النهي المذكور أو غيره، لان التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة أو في غيرها، وقال في الفتح.
وتعليل عدم كونه يمينا بأنه غيره تعالى لانه مخلوق لانه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي منع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.
ولا يخفي أن المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة، ما ثبت قدمه استحال عدمه، غير أنهم أوجبوا ذلك لان الدوام إذا قيل لهم إن القرآن مخلوق تعدوا إلى الكلام مطلقا اه.
وقوله: ولا يخفي الخ رد للمنع.
وحاصله أن غير المخلوق هو القرآن بمعنى كلام الله الصفة النفسية القائمة به تعالى لا بمعنى الحروف المنزلة، غير أنه لا يقال القرآن مخلوق لئلا يتوهم أرادة المعنى الاول.
قلت: فحيث لم يجز أن يطلق عليه أنه محلوق ينبغي أن لا يجوز أن يطلق عليه أنه غيره تعالى، بمعنى أنه ليس صفة له، لان الصفات ليست عينا ولا غيرا كما قرر في محله، ولذا قالوا: من قال
بخلق القرآن فهو كافر.
ونقل في الهندية عن المضمرات: وقد قيل هذا في زمانهم، أما في زماننا فيمين، وبه نأخذ ونأمر ونعتقد.
وقال محمد بن مقاتل الرازي: إنه يمين، وبه أخذ جمهور مشايخنا اه.
فهذا مؤيد لكونه صفة تعورف الحلف بها كعزة الله وجلاله.
قوله: (فيدور مع العرف) لان الكلام صفة مشتركة.
قوله: (وقال العيني الخ) عبارته: وعندي لو حلف بالمصحف أو وضع يده عليه وقال: وحق هذا فهو يمين، ولا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الايمان الفاجرة ورغبة العوام في الحلف بالمصحف اه.
وأقره في النهر، وفيه نظر ظاهر، إذ المصحف ليس صفة لله تعالى حتى يعتبر فيه العرف، وإلا لكان الحلف بالنبي والكعبة يمينا لانه متعارف، وكذا بحياة رأسك ونحوه ولم يقل به أحد.
على أن قول الحالف وحق الله ليس بيمين كما يأتي تحقيقه، وحق المصحف مثله بالاولى، وكذا وحق كلام الله، لان حقه تعظيمه والعمل له وذلك صفة العبد، نعم لو قال أقسم بما في هذا المصحف من كلام الله تعالى ينبغي أن يكون يمينا.
قوله: (ولو تبرأ من أحدها) أي أحد المذكورات من النبي والقرآن والقبلة.
قوله: (إلا من المصحف) أي فلا يكون التبري منه يمينا، لان المراد به الورق والجلد، وقوله: إلا أن يتبرأ مما فيه لان ما فيه هو القرآن، وما ذكره في النهر عن المجتبى من أنه لو تبرأ من المصحف انعقد يمينا فهو سبق قلم، فإن عبارة المجتبى هكذا: ولو قال أنا برئ من القرآن أو مما في المصحف فيمين، ولو قال من المصحف فليس بيمين اه.
ومثله في الذخيرة.
قوله: (بل لو تبرأ من دفتر) صوابه مما في دفتر كما علمته في المصحف.
قال في الخانية: ولو رفع كتا ب الفقه أو دفتر الحساب فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم وقال أنا برئ مما فيه إن فعل كذا ففعل كان عليه الكفارة، كما لو قال أنا برئ من بسم الله الرحمن الرحيم.
قوله: (ولو تبرأ من كل آية فيه) أي في المصحف كما في المجتبى والذخيرة والخانية.
قوله: (ولو كرر(4/14)
البراءة الخ) قال في الذخيرة: ولو قال فهو برئ من الكتب الاربعة فهو يمين واحدة، وكذا هو برئ من القرآن والزبور والتوراة والانجيل، ولو قال فهو برئ من القرآن وبرئ من التوراة من الانجيل وبرئ من الزبور فهي أربعة أيمان.
وفي البحر عن الظهيرية: والاصل في جنس هذه
المسائل أنه متى تعددت صيغة البراءة تتعدد الكفارة، وإذا اتحدت، قوله: (يمينان) أي لتكرر البراءة مرتين، أما لو قال برئ من الله ورسوله فقيل يمينان وصحح في الذخيرة والمجتبى الاول، وعبارة البحر هنا موهمة خلاف المراد.
قوله: (فأربع) لان لفظ البراءة في الثانية مذكور مرتين بسبب التثنية.
بحر.
قوله: (يمين واحدة) لان قوله: ألف مرة للمبالغة، فلم يتكرر فيها اللفظ حقيقة.
تأمل.
قوله: (أو صوم رمضان الخ) زاد في الذخيرة: ولو قال أنا برئ من هذه الثلاثين يعني شهر رمضان إن فعلت كذا، فإن نوى البراءة من فرضيتها فيمين أو من أجرها فلا، وكذا لو لم تكن له نية للشك، ولو قال فأنا برئ من حجتي التي حججت أو من صلاتي التي صليت لا يكون يمينا، بخلاف قوله من القرآن الذي تعلمت فإنه يمين اه.
وفي البحر عن المحيط: لانه في الاول تبرأ عن فعله لا عن الحجة المشروعة، وفي الثاني القرآن قرآن، وإن تعلمه فالتبري عنه كفر.
قوله: (أو من المؤمنين) لان البراءة منهم تكون لانكار الايمان.
خانية.
قوله: (أو أعبد الصليب) كأن قال إن فعلت كذا فأنا أعبد الصليب.
قوله: (لانه كفر الخ) تعليل لقوله: ولو تبرأ من أحدها مع ما عطف عليه.
قوله: (وتعليق الكفر الخ) ولو قال هو يستحل الميتة أو الخمر أو الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا.
والحاصل أن كل شئ هو حرام حرمة مؤبدة، بحيث لا تسقط حرمته بحال كالكفر وأشباهه، فاستحلاله معلق بالشرط يكون يمينا، وما تسقط حرمته بحال كالميتة والخمر وأشباه ذلك فلا.
ذخيرة، قوله: (وسيجئ) أي قريبا في المتن.
قوله: (وإلا يكفر) بالتشديد: أي تلزمه الكفارة.
مطلب: تتعدد الكفارة لتعدد اليمين قوله: (وتتعدد الكفارة لتعدد اليمين) وفي البغية: كفارات الايمان إذا كثرت تداخلت، ويخرج بالكفارة الواحدة عن عهدة الجميع، وقال شهاب الائمة: هذا قول محمد.
قال صاحب الاصل: هو المختار عندي اه مقدسي.
ومثله في القهستاني عن المنية.
قوله: (وبحجة أو عمرة يقبل) لعل وجهه أن قوله إن فعلت كذا فعلي حجة ثم حلف ثانيا كذلك يحتمل أن يكون الثاني إخبارا عن الاول، بخلاف قوله والله لا أفعله مرتين فإن الثاني لا يحتمل الاخبار فلا تصح به نية الاول، ثم رأيته
كذلك في الذخيرة.
وفي ط عن الهندية عن المبسوط: وإن كان إحدى اليمنيين بحجة والاخرى بالله تعالى فعليه كفارة وحجة.
قوله: (وفيه معزيا للاصل الخ) أي وفي البحر: والظاهر أن في العبارة(4/15)
سقطا، فإن الذي في البحر عن الاصل: لو قال هو يهودي هو نصراني إن فعل كذا يمين واحدة، ولو قال هو يهودي إن فعل كذا هو نصراني إن فعل كذا فهما يمينان.
قوله: (في الاصح) راجع للمسألتين: أي إذا ذكر الواو بين الاسمين فالاصح أنهما يمينان، سواء كان الثاني لا يصلح نعتا للاول أو يصلح وهو ظاهر الرواية.
وفي رواية يمين واحدة كما في الذخيرة.
قلت: لكن يستثنى ما في الفتح حيث قال: ولو قال علي عهد الله وأمانته وميثاقه لا نية له فهو يمين عندنا ومالك وأحمد.
وحكي عن مالك: يجب عليه بكل لفظ كفارة، لان كل لفظ يمين بنفسه وهو قياس مذهبنا إذا كررت الواو كما في: والله والرحمن والرحيم إلا في رواية الحسن اه.
قوله: (واتفقوا الخ) يعني أن الخلاف المذكور إذا دخلت الواو على الاسم الثاني وكانت واحدة: فلو تكررت الواو مثل والله والرحمن فهما يمينان اتفاقا، لاإحداهما للعطف والاخرى للقسم كما في البحر.
وأما إذا لم تدخل على الاسم الثاني واو أصلا كقولك والله الله وكقوبك والله والرحمن فهو يمين واحدة اتفاقا كما في الذخيرة، وهذا هو المراد بقوله: وبلا عطف واحدة.
قوله: (قال الرازي) هو علي حسام الدين الرازي.
له كتب: منها خلاصة الدلائل في شرح القدوري.
سكن دمشق وتوفي بها سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
قوله: (وإن اعتقد وجوب البر فيه يكفر) ليس هذا من كلام الرازي المنقول في الفتح والبحر بل ما بعده، وهذا إنما ذكره في الفتح قبل نقل كلام الرازي، وكأن الشارح ذكره هنا ليبين به أنه المراد من قوله (يكفر) وكان اولى التصريح بأي التفسيرية.
ثم المراد باعتقاد وجوب البر فيه كما قال ح: اعتقاد الوجوب الشرعي، بحيث لو حنث أتم وهذا قلما يقع.
قوله: (ولا يعلمون) أي لا يعلمون أن اليمين ما كان موجبها البر أو الكفارة الساترة لهتك حرمة الاسم، وأن في الحلف باسم غيره تعالى تسوية بين الخالق والمخلوق في ذلك.
قوله: (لقلت إنه مشرك) أي إن الحالف بذلك.
وفي بعض النسخ إنه شرك بدون ميم، أي
أن الحلف المذكور، وفي القهستاني عن المنية أن الجاهل الذي يحلف بروح الامير وحياته ورأسه لم يتحقق إسلامه بعده.
وفيه: وما أقسم الله تعالى بغير ذاته وصفاته من الليل والضحى وغيرهما ليس للعبد أن يحلف بها.
قوله: (وعن ابن مسعود الخ) لعل وجهه أن حرمة الكذب في الحلف به تعالى قد تسقط بالكفارة، والحلف بغيره تعالى أعظم حرمة، ولذا كان قريبا من الكفر ولا كفار له ط.
قوله: (ولا صفة الخ) مقابل قوله المار أو بصفة يحلف بها وهذا مبني على قول مشايخ ما وراء النهر من اعتبار العرف في الصفات مطلقا بلا فرق بين صفا ت الذات وصفات الفعل، وهو الاصح كما مر، فالعلة في إخراج هذه عدم العرف، فلا حاجة إلى ما في الجوهرة من أن القياس في العلم أن يكون يمينا لانه صفة ذات، لكن استحسنوا عدمه لانه قد يراد به المعلوم وهو غيره تعالي فلا يكون يمينا، إلا إذا أراد الصفة لزوال الاحتمال اه.
قوله: (ورضائه) الانسب ما في البحر(4/16)
ورضاه لانه مقصور لا ممدود.
قوله: (وسخطه) قال في المصباح: سخط سخطا من باب تعب، والسخط بالضم اسم منه: وهو العضب.
قول: (وشريعته ودينه وحدوده) لا محل لذكرها هنا لانها ليست من الصفات، لان المراد بها الاحكام المتعبد بها وهي غيره تعالى فلا يقسم بها وإن تعورف عما علم مماا مر ويأتي، فالمناسب ذكرها عند قول المصنف المتقدم لا بغير الله تعالى كما فعل صاحب البحر.
قوله: (وصفته) في البحر عن الخانية: لو قال بصفة الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا، لان من صفاته تعالى ما يذكره في غيره كلا يكون ذكر الصفة كذكر الاسم اه قوله: (وسبحان الله إلخ) قال في البحر: ولو قال لا إله إلا الله لا أفعل كذا لا يكون يمينا، إلا أن ينوي، وكذا قوله: سبحان الله والله أكبر لا أفعل كذا لعدم العادة اه.
قلت: ولو قال الله الوكيل لا أفعل كذا ينبغي أن يكون يمينا في زماننا، لانه مثل الله أكبر لكنه متعارف.
قوله: (لعدم العرف) قال في البحر: والعرف معتبر في الحلف بالصفات.
قوله: (وبقوله لعمر الله) بخلاف لعمرك ولعمر فلان لا يجوز، كما في القهساني وقد مر وهو بفتح العين والضم، وإن كان بمعنى البقاء إلا أنه يستعمل في القسم لانه موضع التخفيف لكثرة استعماله، وهو
مع اللام مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا لسد جواب القسم مسده، ومع حذفها منصوب نصف المصادر وحرف القسم محذوف، تقول: عمر الله فعلت، قال في الفتح: وأما قولهم عمرك الله ما فعلت فمعناه بإقرارك له بالبقاء، وينبغي أن لا ينعقد يمينا لانه بفعل المخاطب وهو إقرار واعتقاده اه نهر ملخصا.
قوله: (وايم الله) قال في المصباح: وأيمن استعمل في القسم والتزم رفعه، وهمزته عند البصريين وصل، واشتقاقه عندهم من اليمن: وهو البركة.
وعند الكوفيين قطع لانه جمع يمين عندهم، وقد يختصر منه فيقال: وايم الله، بحذف الهمزة والنون، ثم اختصر ثانيا فقيل: م الله، بضم الميم وكسرها اه.
قال القهستاني: وعلى المذهبين مبتدأ خبره محذوف وهو يميني، ومعنى يمين الله ما حلف الله به نحو الشمس والضحى أو اليمين الذي يكون بأسمائه تعالى كما ذكره الوصي، قوله: (أي يمين الله) هذا مبني على قول البصريين: إنه مفرد، واشتقاقه من اليمن وهو البركة، ويكون ذلك تفسيرا لحاصل المعنى، وإلا فكان المناسب أن يقول: أي بركة الله، أو يقول: أي أيمن الله بصيغة الجمع على قول الكوفيين.
تأمل.
قوله: (عهد الله) لقوله تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان) * (النحل: 19) فقد جعل أهل التفسير المراد بالايمان: العهود السابقة، فوجب الحكم باعتبار الشرع إياها أيمانا وإن لم تكن حلفا بصفة الله، كما حكم بأن أشهد يمين كذلك، وأيضا غلب الاستعمال فلا يصرف عن اليمين إلا بنية عدمه، وتمامه في الفتح.
وفي الجوهرة: إذا قال وعهد الله ولم يقل علي عهد الله، فقال أبو يوسف: هو يمين، وعندهما: لا اه.
قلت: لكن جزم في الخانية بأنه يمين، بلا حكاية خلاف.
(تنبيه): أفاد ما مر أنه لو قال علي عهد الرسول لا يكون يمينا، بل قدمنا عن الصيرفية: لو قال علي عهد الله وعهد الرسول لا أفعل كذا لا يصح، لان عهد الرسول صار فاصلا اه.
قوله: (ووجه الله) لان الوجه المضاف إلى الله تعالى يراد به الذات.
بحر: أي على القول بالتأويل، وإلا فيراد به(4/17)
صفة له تعالى هو أعلم بها.
قوله: (إن نوى به قدرته) وإلا لا يكون يمينا كما في البحر، وكأنه احتراز عما إذا نوى بالسلطان البرهان والحجة.
قوله: (وميثاقه) هو عهد مؤكد بيمين وعهد كما في
المفردات.
قهستاني.
قوله: (وذمته) أي عهده، ولذا سمي الذمي معاهدا.
فتح، قوله: (أو أعزم) معناه أوجب فكان إخبارا عن الايجاب في الحال وهذا معنى اليمين، وكذا لو قال عزمت لا أفعل كذا كان حالفا.
بحر عن البدائع.
قوله: (أو أشهد) بفتح الهمزة والهاء وضم الهمزة وكسر الهاء خطأ.
مجتبى: أي خطأ في الدين لما يأتي أنه يستغفر الله ولا كفارة لعدم العرف.
قوله: (بلفظ المضارع) لانه للحال حقيقة، ويستعمل للاستقبال بقرينة كالسين وسوف فعل حالفا للحال بلا نية هو الصحيح، وتمامه في البحر.
قوله: (بالاولى) لدلالته على التحقق لعدم احتمال الاستقبال.
قوله: (وآليت) بعد الهمزة من الالية: وهي اليمين كما في البحر.
قوله: (وإذا علقه بشرط) يعني بمقسم عليه.
قال في النهر: واعلم أنه وقع في النهاية وتبعه في الدراية أن مجرد قول القائل أقسم وأحلف يوجب الكفارة من غير ذكر محلوف عليه ولا حنث تمسكا بما في الذخيرة أن قوله علي يمين موجب للكفارة، وأقسم ملحق به، وهذا وهم بين، إذ اليمين بذكر المقسم عليه.
وما في الذخيرة معناه: إذا وجد ذكر المقسم عليه ونقضت اليمين وتركه للعلم به يفصح عن ذلك قول محمد في الاصل: واليمين بالله تعالى أو أحلف أو أقسم، إلى أن قال: إذا حلف بشئ منها ليفعلن كذا فحنث وجبت عليه الكفارة اه.
قلت: وأصل الرد لصاحب غاية البيان، وتبعه في الفتح والبحر أيضا وهو وجيه، لكن هذا في غير علي نذر أن علي يمين كما يأتي قريبا.
قوله: (فإن نوى) مقابله محذوف تقديره: وإنما يكون يمينا إذا لم ينو به قربة، فإن نوى الخ.
قال في كافي الحاكم: وإذا حلف النذر، فإن نوى شيئا من حج أو عمرة أو غيره فعليه ما نوى، وإن لم تكن له نية فعليه كفارة يمين، قوله: (وسيتضح) أي قبيل الباب الآتي.
قوله: (وإن لم يضف إلى الله تعالى) وكذا إن أضيف بالاولى كأن قال علي نذر الله أو يمين الله أو عهد الله.
قوله: (إذا علقته بشرط) أي بمحلوف عليه حتى يكون يمينا منعقدة مثل علي نذر الله لافعلن كذا أو لا أفعل كذا، فإذا لم يف بما حلف لزمته كفارة اليمين، لكن في لفظ النذر إذا لم يسم شيئا بأن قال علي نذر الله فإنه وإن لم يكن يمينا تلزمه الكفارة، فيكون هذا إلتزام الكفارة ابتداء بهذه العبارة كما في الفتح.
وذكر في الفتح أيضا أن الحق أن علي يمين مثله إذا قاله
علي وجه الانشاء لا الاخبار ولم يزد عليه، فيوجب الكفارة لانه من صيغ النذر، ولو لم يمكن كذلك لغا، بخلاف أحلف وأشهد ونحوهما فإنها ليست من صيغ النذر فلا يثبت به الالتزام ابتداء اه.
وحاصله أن علي نذر يراد به نذر الكفارة، وكذا علي يمين هو نذر للكفارة ابتداء بمعنى علي كفارة يمين لا حلف إلا بعده تعليقه بمحلوف عليه فيوجب الكفارة عند الحنث لا قبله، ورده في البحر بما في المجتبى: لو قال علي يمين يريد به الايجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه بشئ اه.
أقول: الذي في المجتبى بعد ما رمز بلفظ ط للمحيط: ولو قال علي يمين أو يمين الله فيمين.
ثم قال: أي صاحب الرمز المذكور: علي يمين يريد به الايجاب لا كفارة عليه إذا لم يعلقه(4/18)
بشئ، وكذا إذا قال الله علي يمين.
هكذا روي عن أبي يوسف.
عن أبي حنيفة: علي يمين لا كفارة لها يريد به الايجاب فعليه يمين لها كفارة اه في المجتبى.
وظاهر كلامه أن في المسألة اختلاف الرواية، وإذا كان عليمين من صيغ النذر ترجحت الرواية المروية عن أبي حنيفة فالرد على الفتح بالرواية المروية عن أبي يوسف غير صحيح.
ثم رأيت في الحاوي ما نصه: لو قال علي نذر أو علي يمين ولم يعلقه فعليه كفارة يمين اه.
فهذا صريح ما في الفتح، فافهم.
(تنبيه): قدمنا أن اليمين تطلق على التعليق أيضا، فلو علق طلاقا أو عتقا فهو يمين عند الفقهاء فصار لفظ اليمين مشتركا، ولعلهم إنما صرفوه هنا إلى اليمين بالله تعالى، لانه هو الاصل في المشروعية، ولانه هو المعنى اللغوي أيضا فينصرف عند الاطلاق إليه، وينبغي أنه لو نوى به الطلاق أن تصح نيته، لان نوى محتمل كلامه فيصير الطلاق معلقا على ما حلف وتقع به عند الحنث طلقه رجعية لا بائنة لانه ليس من كنايات الطلاق، خلافا لمن زعم أنه منها، ولمن زعم أنه لا يلزمه إلا كفارة يمين كما حققناه في باب الكنايات لكن بقي لو قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا، فأفتى العلامة الطوري بأنه إن حنث وكانت له زوجة تطلق، وإلا لزمته كفارة واحدة.
ورده السيد محمد أبو السعود وأفتى بأنه لا يلزمه شئ لانه ليس من ألفاظ اليمين لا صريحا ولا كناية، وأقره المحشي، ولا يخفى ما فيه، فإن أيمان جمع يمين، واليمين عند الاطلاق ينصرف إلى الحلف بالله
تعالى، وعند النية يصح إرادة الطلاق به كما علمت.
وفي الخانية: رجل حلف رجلا عل طلاق وعتاق وهدي وصدقة ومشي إلى بيت الله تعالى وقال الحالف لرجل آخر عليك هذا لايمان فقال نعم، يلزمه المشي والصدقة لا الطلاق والعتاق، لانه فيهما بمنزلة من قال لله علي أن أعتق عبدي أو أطلق امرأتي فلا يجبر على الطلاق والعتاق ولكن ينبغي له أن يعتق، وإن قال الحالف لرجل آخر هذه الايمان لازمة لك فقال نعم يلزمه الطلاق والعتاق أيضا اه: أي لان قوله نعم بمنزلة قوله هذه الايمان لازمة لي، فصار بمنزلة إنشائه الحلف بها فتلزمه كلها حتى الطلاق والعتاق، ومقتضى هذا أن يلزمه كل ذلك في قوله: أيمان المسلمين تلزمني، خصوصا الهدي والمشي إلى بيت الله لانها خاصة بالمسلمين، وكذا الطلاق والعتق والصدقة، فالقول بعد لزوم شئ أو بلزوم الطلاق فقد غير ظاهر، إلا أن يفرق بأن هذه الايمان مذمورة صريحا في فرع الخانية، بخلافها في فرعنا المذكور لكنه بعيد، فإن لفظ إيمان جمع يمين، ومع الاضافة إلى المسلمين زادت في الشمول، فينبغي لزوم أنواع الايمان التي يحلف بها المسلمون لا خصوص الطلاق ولا خصوص اليمين بالله تعالى، هذا ما ظهر لي، والله تعالى أعلم.
قوله: (فيكفر بحنثه) أي تلزمه الكفارة إذا حنث إلحاقا له بتحريم الحلال، لانه لما جعل الشرط علما على الكفر وقد اعتقده واجب الامتناع وأمكن القول بوجوبه لغيره جعلناه يمينا.
نهر.
قوله: (أما الماضي) كإن كنت فعلت كذا فهو كافر أو يهودي، ومثلها الحال.
قوله: (عالما بخلافه) أما إذا كان ضانا صحته فلغو ح.
قوله: (فغموس) لا كفارة فيها إلا التوبة.
فتح.
قوله: (واختلف في كفره) أي إذا كان كاذبا.
قوله: (والاصح الخ) وقيل لا يكفر،(4/19)
وقيل يكفر لانه تنجيمعنى لانه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء وهو كافر.
واعلم أنه ثبت في الصحيحين عنه (ص) أنه قال: من حلف على يمين بملة غير الاسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال والظاهر أنه أخرج مخرج الغالب، فإن الغالب ممن يحلف بمثل هذه الايمان أن يكون جاهلا لا يعرف إلا لزوم الكفر على تقدير الحنث، فإن تم هذا وإلا فالحديث شاهد لمن أطلق القول بكفره.
فتح.
قوله: (في اعتقاده) تفسير لقوله: عنده ح.
قال في المصباح: وتكون
عند بمعنى الحكم، يقال: هذا عندي أفضل من هذا: أي في حكمي: قوله: (وعنده أنه يكفر) عطف تفسير على قوله: جاهلا.
وعبارة الفتح: وإن كان في اعتقاده أنه يكفر به يكفر، لانه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل الذي علق عليه كفره وهو يعتقد أنه يكفر إذا فعله اه.
وعبارة الدرر: وكفر إن كان جاهلا اعتقد أنه كفر الخ، وبه ظهر أن عطف وعنده بالواو هو الصواب، وما يوجد في بعض النسخ من عطفه بأو خطأ، لانه يفيد أن المراد بالجاهل هو الذي لا يعتقد شيئا، ولا وجه لتكفيره لما علمت من أنه إنما يكفر إذا اعتقده كفرا ليكون راضيا بالكفر، أما الذي لا يعتقده كذلك لم يرض بالكفر حتى يقال إنه يكفر، فافهم.
قوله: (يكفر فيهما) أي في الغموس والمنعقدة، أما في الغموس ففي الحال، وأما في المنعقدة فعند مباشرة الشرط كما صرح به في البحر قبيل قوله وحروفه ح.
ولا يقال: إن من نوى الكفر في المستقبل كفر في الحال، وهذا بمنزلة تعليق الكفر بالشرط.
لانا نقول: إن من قال إن فعلت كذا فأنا كافر، مراده الامتناع بالتعليق ومن عزمه أن لا يفعل، فليس فيه رضا بالكفر عند التعليق، بخلاف ما إذا باشر الفعل معتقدا أنه يكفر وقت مباشرته لرضاه بالكفر، وأما الجواب بأن هذا تعليق بما له خطر الوجود فلا يكفر به في الحال، بخلاف قوله إذا جاء يوم كذا فهو كافر، فإنه يكفر في الحال لانه تعليق بمحقق الوجود، ففيه أنه لو علقه بما له خطر يكفر أيضا كقوله إن كان كذا غدا فأنا أكفر فإنه يكفر من ساعته، كما في جامع الفصولين لانه رضي في الحال بكفره المستقبل على تقدير حصول كذا فافهم، وعلى هذا لو كان الحالف وقت الحلف ناويا على الفعل وقال إن فعلت كذا فهو كافر ينبغي أن يكفر في الحال، لانه يصير عازما في الحال على الفعل المستقبل الذي يعتقد كفره به، قوله: (بخلاف الكافر) أي إذا قال إن فعلت كذا فأنا مسلم.
قال ح: في بعض النسخ: بخلاف الكفر وعليها فضمير يصير عائد على الكافر الذي استلزمه الكفر.
والاولى أظهر اه.
قوله: (لانه ترك) أي لان الكفر ترك التصديق والاقرار فيصح تعليقه بالشرط، بخلاف الاسلام بأنه فعل والافعال لا يصح تعليقها بالشرط.
قال ح: وبهذا التقرير عرفت أن هذا تعليل لقوله: يكفر فيهما لا لقوله: فلا يصير مسلما بالتعليق اه.
قلت: لكن الظاهر أنه تعليل للمخالفة وبيان لوجه الفرق، وإلا لعطفه على التعليل الاول.
قوله: (كاذبا) حال في الضمير في ب قوله.
قوله: (الاكثر نعم) لانه نسب خلاف الواقع إلى علمه تعالى فيضمن نسبة الجهل إليه تعالى.
قوله: (وقال الشمني الاصح لا) جعله في المجتبى وغيره(4/20)
رواية عن أبي يوسف.
ونقل في نور العين عن الفتاوي تصحيح الاول.
وعلى القول بعدم الكفر قال ح: يكون حينئذ يمينا غموسا لانه على ماض، وهذا إن تعور ف الحلف به، وإلا فلا يكون يمينا، وعلى كل فهو معصية تجب التوبة منه اه.
لكن علمت أن التعارف إنما يعتبر في الصفات المشتركة.
تأمل.
قوله: (وكذا لو وطئ المصحف الخ) عبارة المجتبى بعد التعليل المنقول هنا عن الشمني: هكذا قلت، فعلى هذا إذا وطئ المصحف قائلا إنه فعل كذا أو لم يفعل كذا وكان كاذبا لا يكفر، لانه يقصد به ترويج كذبه لا إهانة المصحف اه.
لكن ذكر في القنية والحاوي: ولو قال لها ضعي رجلك على الكراسة إن لم تكوني فعلت كذا فوضعت عليها رجلها لا يكفر الرجل لان مراده التخويف وتكفر المرأة، قال رحمه الله: فعلى هذا لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر، ولو وضع رجله على المصحف حالفا يتوب، وفي غير الحالف استخفافا يكفر اه.
ومقتضاه أن الوضع لا يستلزم الاستخفاف، ومثله في الاشباه حيث قال: يكفر بوضع الرجل على المصحف مستخفا وإلا فلا اه.
ويظهر لي أن نفس الوضع بلا ضرورة يكون اتخفافا واستهانة له، ولذا قال: لو لم يكن مراده التخويف ينبغي أن يكفر: أي لانه إذا أراد التخويف يكون معظما له، لان مراده حملها على الاقرار بأنها فعلت، لعلمه بأن وضع الرجل أمر عظيم لا تفعله فتقر بما أنكرته، أما إذا لم يرد التخويف فإنه يكفر.
لانه أمرها بما هو كفر لما فيه من الاستخفاف والاستهانة، ويدل على ذلك قول من قال: يكفر من صلى بلا طهارة أو لغير القبلة، لانه استهانة فليتأمل.
قوله: (لعدم العرف) قلت: هو في زماننا متعارف، وكذا الله يشهد أني لا أفعل، ومثله شهد الله علم الله أني لا أفهل فينبغي في جميع ذلك أن يكون يمينا للتعارف الآن.
قوله: (يكون يمينا) قوله في البحر: وينبغي أن الحالف إذا قصد نفي المكان عن الله تعالى أنه لا يكون يمينا لانه حينئذ ليس بكفر بل هو الايمان اه ح.
قوله:
(ولا يكفر) لما كان مقتضى حلفه كون الاله في السماء كان مظنة أن يتوهم كفره بنفس الحلف، لان فيه إثبات المكان له تعالى فقال: ولا يكفر، ولعل وجهه أن إطلاق هذا اللفظ وارد في النصوص كقوله تعالى: * (وهو الذي في السماء إله) * وقوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء) * (الملك: 61) فلا يكفر بإطلاقه عليه تعالى وإن كانت حقيقة الظرفية غير مرادة، فبالنظر إلى كون هذا اللفظ وارد في القرآن كان فيه كفرا ولذا انعقدت به اليمين كما في نظائره بالنظر إلى أن اعتقاد حقيقته اللغوية كفر كان مظنة كفره لاقتضاء حلفه كون الاله في السماء، هذا غاية ما ظهر في هذا المحل.
وفي أواخر جامع الفصولين: قال الله تعالى في السماء عالم لو أراد به المكان كفرلا لو أراد به حكاية عما جاء في ظاهر الاخبار ولو لا نية له يكفر عند أكثرهم اه فتأمل.
قوله: (لان منكرها مبتدع لا كافر) أي اليمين إنما تنعقد إذا علقت بكفر ط.
قوله: (وكذا فصلاتي الخ) أي أنه ليس بيمين.
بحر عن المجتبى ط.
قوله: (وأما فصوم الخ) في حاوي الزاهدي: وصلواتي صياماتي لهذا الكافر فليس بيمين وعليه الاستغفار وقيل هذا إذا نوى الثواب، وإن نوى القربة فيمين اه.(4/21)
قلت: وبه علم أن ما هنا قول آخر، إذ لا يظهر فرق بين صلاتي وصومي، بل التفصيل جا فيهما على هذا القول: أي إن أراد القربة والعبادة يكون يمينا لكونه تعليقا على كفر، وأما إن أراد الثواب فلا، لان الثواب على ذلك أمر غيبي غير محقق، ولان هبة الثواب للغير جائزة عندنا فلعله أراد تخفيف عذابه وإن لم يكن الكافر أهلا لثواب العبادة.
تأمل.
قوله: (وحقا) في المجتبى: وفي قوله: وحقا، أو حقا اختلاف المشايخ، والاكثر على أنه ليس بيمين اه: أي لا فرق بين ذكره بالواو وبدونها، فما في الملتقى وغيره من ذكر بدونها ليس بقيد، فافهم، قوله: (إلا إذا أراد به اسم الله تعالى) مكرر مع ما يأتي متنا وكأنه أشار إلى أن المناسب ذكره هنا ح.
قوله: (وحق الله) الحاصل أن الحق إما أن يذكر معرفا أو منكرا أو مضافا، فالحق معرفا سواء كان بالواو أو بالياء يمين اتفاقا كما في الخانية والظهيرية، ومنكرا يمين على الاصح إن نوى، ومضافا إن كان بالباء فيمين اتفاقا لان الناس يحلفون به، وإن كان بالواو فعندهما، إحدى الروايتين عن أبي يوسف لا يكون
يمينا، وعنه رواية أخرى أنه يمين لان الحق من صفاته تعالى والحلف به متعارف، وفي الاختيار أنه المختار اعتبارا بالعرف اه.
وبهذا علم أن المختار أنه يمين في الالفاظ الثلاثة مطلقا، أفاده في البحر، وتقدم أن المنكر بدون واو أو ياء ليس بيمين عند الاكثر.
هذا وقد اعترض في الفتح على ما في الاختيار بأن التعارف يعتبر بعد كون الصفة مشتركة في الاستعمال بين صفة الله تعالى وصفة غيره، ولفظ حق لا يتبادر منه ما هو صفة الله تعالى، بل ما هو من حقوقه.
ثم قال: ومن الاقوال الضعيفة ما قال البلخي: إن قوله بحق الله يمين، لان الناس يحلفون به، وضعفه لما علمت أنه مثل وحق الله.
قوله: (وحرمته) اسم بمعنى الاحترام، وحرمة الله ما لا يحل انتهاكه فهو في الحقيقة قسم بغيره تعالى، حموي عن البرجندي ط.
قوله: (وبحرمة شهد الله) بالدال المهملة في كثير من النسخ والكتب: وفي بعضها شهر الله بالراء، وكل من النسختين صحيح المعنى ح.
قوله: (وبحق الرسول) فلا يكون يمينا لكن حقه عظيم.
ط عن الهندية.
قوله: (ورضاه) مكرر مع ما مر في قوله: ولا بصفة لم يتعارف الحلف بها الخ وكونه ليس يمنيا لا ينافي ما مر في قوله: أو صفة فعل يوصف بها وبضدها الخ كما قدمناه هناك.
قوله: (لكن في الخانية الخ) حيث قال: وأمانة الله يمين، وذكر الطحاوي أنه لا يكون يمينا، وهو رواية عن أبي يوسف، وفي البحر ذكر في الاصل أنه يكون يمينا خلافا للطحاوي لانها طاعته، ووجه ما في الاصل أن الامانة المضافة إلى الله تعالى عند القسم يراد بها صفته اه.
وفي الفتح: فعندنا ومالك وأحمد وهو يمين.
وعند الشافعي بالنية لانها فسرت بالعبادات.
قلنا: غلب إرادة اليمين إذا ذكرت بعد حرف القسم فوجب عدم توقفها على النية للعادة الغالبة اه.
وبه علم أن المعتمد ما في الحلية.
قوله: (فليس بيمين) أي اتفاقا، لانها ليست صفة، لكن على المعتمد ينبغي أن لا يصدق في القضاء.
قوله: (فعليه غضبه الخ) أي لا يكون يمينا أيضا لانه دعاء على نفسه، ولا يستلزم وقوع المدعو، بل ذلك متعلق باستجابة دعائه، ولانه غير متعارف.
فتح.
قوله: (أو هو زان الخ) لان حرمة هذه(4/22)
الاشياء تحتمل النسخ والتبديل، فلم تكن في معنى حرمة الاسم، ولانه ليس بمتعارف هداية: أي أن
حرمة هذه الاشياء تحتمل السقوط للضرورة أو نحوها.
قوله: (لعدم التعارف) ظاهره أنه علة للجميع، وقد علمت أن العرف معتبر في الحلف بالصفات المشتركة.
تأمل.
قوله: (فلو تعورف الخ) أي في هو زان وما بعدها كما يفيده كلام النهر، والظاهر أن مثله فعليه غضبه الخ.
قوله: (ظاهر كلامهم نعم) فيه نظر لانهم لم يقصروا على التعليل بالتعارف، بل عللوا بما يقتضي عدم كونه يمينا مطلقا وهو كون عليه غضبه ونحوه دعاء على نفسه، وكون هو زان يحتمل النسخ، ثم عللوا بعدم التعارف لانه عدم التعارف لا يكون يمينا وإن كان مما يمكن الحلف به في غير الاسم، فكيف إذا كان مما لا يمكن؟.
قوله: (وظاهر كلام الكمال لا) حيث قال: إن معنى اليمين أن يعلق الحالف ما يوجب امتناعه من الفعل بسبب لزوم وجوده: أي وجود ما علقه كالكفر عند وجود الفعل المحلوف عليه كدخول الدار، وهنا لا يصير بمجرد الدخول زانيا أو سارقا حتى يوجب امتناعه عن الدخول، بخلاف الكفر فإنه بمباشرة الدخول يتحقق الرضا بالكفر فيوجب الكفر اه ملخصا موضحا.
والمراد أنه يوجب الكفر عند الجهل والكفارة عند العلم، ولا يخفي أن هذا التعليل يصلح أيضا لنحو عليه غضبه لانه لا تتحقق استجابة دعائه بمباشرة الشرط فلا يوجب امتناعه عن مباشرته فلم يكن فيه معنى اليمين وإن تعورف.
قوله: (في البحر الخ) هذا غير منقول، بل فهمه في البحر من قول الولوالجية في تعليل قوله: وهو يستحل الدم أو لحم الخنزير إن فعل كذا لا يكون يمينا، لان استحلال ذلك لا يكون كفرا لا محالة، فإنه حالة الضرورة يصير حلالا اه.
واعترضه المحشي بأنه وهم باطل، لان قول الولوالجية لا محالة قيد للمنفي، وهو يكون لا للنفي، وهو لا يكون، فالمعنى أن كون استحلاله كفرا على الدوام منفي، بل قد لا يكون كفرا، يوضحه ما في المحيط من أنه لا يكون يمينا للشك، لانه قد يكون استحلاله كفرا كما في غير حالة الضرورة فيكون يمينا، وقد لا يكون كفرا كما في حالة الضرورة فلا يكون يمينا، فقد حصل الشك في كونه يمينا أو لا، بخلاف هو يهودي إن فعل كذا، لان اليهودي من ينكر رسالة محمد (ص) وذلك كفر دائما، فكل ما حرم مؤبدا فاستحلاله معلقا بالشرط يكون يمينا، وما لا فلا اه ملخصا.
مطلب: حروف القسم
قوله: (ومن حروفه) أفاد أن له حروفا أخر نحو: من الله بكسر الميم وضمها، صرح به القهستاني عن الرضي ح.
قلت: وفي الدماميني عن التسهيل: ومن مثلث الحرفين مع توافق الحركتين اه فافهم.
والمراد بالحروف الادوات، لان من الله وكذا الميم اسم مختصر من أيمن كما مر، والضمير في حروفه راجع إلى القسم أو الحلف أو إلى اليمين بتأويل القسم، وإلا فاليمنى مؤنثة سماعا.
قوله: (الواو والباء والتاء) قدم الواو لانها أكثر استعمالا في القسم، لذا لم تقع الباء في القرآن إلا في:(4/23)
* (بالله إن الشرك لظلم عظيم) * (لقمان: 31) مع احتمال تعلقها ب لا تشرك وقدم غيره الباء لانها الاصل، لانها صلة أحلف وأقسم ولذا دخلت في المظهر والمضمر نحو: بك لافعلن: قوله: (ولام القسم) وهي المختصة بالله في الامور العظام.
قهستاني: أي لا تدخل على غير اسم الجلالة وهي مكسورة، وحكي فتحها كما في حواشي شرح الاجرومية.
وفي الفتح: ولا تستعمل اللام إلا في قسم متمن معنى التعجب كقول ابن عباس: دخل آدم الجنة، فلله ما غربت الشمس حتى خرج، وقولهم لله ما يؤخر الاجل، فاستعمالها قسما مجردا عنه لا يصح في اللغة إلا أن يتعارف كذلك، وقول الهداية في المختار عما في بعض النسخ احتراز عما عن أبي حنيفة أنه إذا قال لله علي أن لا أكلم زيدا ليست بيمين، إلا أن ينوي لان الصيغة للنذر، ويحتمل معنى اليمين اه قوله: (وحرف التنبيه) المراد به هنا محذوف الالف أو ثابتها مع وصول ألف الله وقطعها كما في التسهيل لابن مالك.
قوله: (همزة الاستفهام) هي همزة بعدها ألف ولفظ الجلالة بعدها مجرور، وتسميتها بهمزة الاستفهام مجاز، كذا في الدماميني على التسهيل ح.
الظاهر أن الجر بهذه الاحرف لنيابتها عن أحرف القسم ط.
قوله: (وقطع ألف الوصل) أي مع جر الاسم الشريف ح: أي فالهمزة نابت عن حرف القسم، وليس حرف القسم مضمرا، لان ما يضمر فيه حرف القسم تبقى همزته همزة وصل، نعم عند ابتداء الكلام تقطع الهمزة فيحتمل الوجهين، أما عند عدم الابتداء كقولك يا زيد الله لافعلن فإن قطعتها كان مما نحن فيه، وإلا فهو من الاضمار، فافهم.
قوله: (والميم المكسورة والمضمومة)
وكذا المفتوحة فقد نقل الدماميني فيها التثليث.
وفي ط: لعلهم اعتبروا صورتها فعدوها بين حروف القسم، وإلا فقد سبق أنها من جملة اللغات في أيمن الله كمن الله، قوله: (لله) بكسر لام القسم وجر الهاء كما قدمناه، فافهم.
قوله: (وها الله) مثال لحرف التنبيه والهاء مجرورة ح.
قوله: (م الله) بتثليث الميم كما قدمناه والهاء مجرورة.
قوله: (وقد تضمر حروفه) فيه أن الذي يضمر هو الباء فقط، لانها حرف القسم الاصلي كما نقله القهستاني عن الكشف والرضي، وأراد بالاضمار عدم الذكر فيصدق بالحذف.
والفرق بينهما أن الاضمار يبقى أثره، بخلاف الحذف.
قال في الفتح: وعليه ينبغي كون الحرف محذوفا في حالة النصب ومضمرا في حالة الجر لظهور أثره، وقوله في البحر: قال تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما إلخ، يوهم أنه مع النصب لا يكون حالفا وليس كذلك، ولذا قال في النهر: إنه بمعزل عن التحقيق، لانه كما يكون حالفا مع بقاء اثر يكون أيضا حالفا مع النصب، بل هو التكثير في الاستعمال وذاك شاذ اه: أي شاذ في غير اسم الله تعالى، فافهم.
قوله: (بالحركات الثلاث) أما الجر والنصب فعلى إضمار الحرف أو حذفه مع تقدير ناصب كما يأتي، أما الرفع فقال في الفتح على إضمار مبتدأ، والاولى كونه على إضمار خبر، لان الاسم الكريم أعرف المعارف، فهو أولى بكونه مبتدأ، والتقدير: الله قسمي أو قسمي الله اه.
قوله: (وغيره) أي ويختص غير اسم الجلالة كالرحمن والرحيم بغير الجر: أي بالنصب والرفع، أما الجر فلا لانه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا في موضع منها لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو: لافعلن.
قوله: (بنصبه بنزع الحافض)(4/24)
هذا خلاف أهل العربية، بل هو عندهم بفعل القسم لما حذف الحرف اتصل الفعل به، إلا أن يراد عند انتزاع الخافض: أي بالفعل عنده، كذا في الفتح: أي فالباء في بنزع للسببية لا صلة نصبه، لان النزع ليس من عوامل النصب، بل الناصب هو الفعل يتعدى بنفسه توسعا بسبب نزع الخافض كما في * (أعجلتم أمر ربكم) * (الاعراف: 051) أي عن أمره: * (واقعدوا لهم كل مرصد) * (التوبة: 5) أي عليه: قوله: (وجره الكوفيون) كذا حكي الخلاف في المبسوط قال في الفتح: ونظر فيه بأنهما: أي النصب والجر وجها سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف اه.
وسكت الشارح عن
الرفع مع أنه ذكره أيضا في قوله: بالحركات الثلاث.
(تنبيه): هذه الاوجه الثلاثة وكذا سكون الهاء ينعقد بها اليمين مع التصريح بباء القسم.
ففي الظهيرية: بالله لا أفعل وكذا وسكن الهاء أو نصبها أو رفعها يكون يمينا، ولو قال الله لا أفعل كذا وسكن الهاء أو نصبها لا يكون يمينا، إلا أن يعبر بها بالجر فيكون يمينا، وقيل يكون يمينا مطلقا اه.
قلت: وقول المتون: وقد تضمر، يشير إلى القول الاول، لما علمت من أن الاضمار يبقى أثره فلا بد من الجر، لكنه خلاف ما مشي عليه في الهداية وغيرها من تجويز النصب، وقدمنا عن الجوهرة أنه الصحيح، بل قال في البحر، وينبغي أنه إذا نصب أنه يكون يمينا بلا خلاف لان أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل من الوجهين، ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في مقتصده، كذا في غاية البيان اه.
قلت: بقي الكلام على عدم كونه يمينا مع سكون الهاء.
وقد رده في الفتح حيث قال: ولا فرق في ثبوت اليمين بين أن يعرب المقسم به خطأ أو صوابا، أو يسكنه خلافا لما في المحيط فيما إذا سكنه، لان معنى اليمين وهو ذكر اسم الله تعالى للمنع أو الحمل معقودا بما أريد منعه أو فعله ثابت، فلا يتوقف على خصوصية في اللفظ اه.
قوله: (أن إضمار حرف التأكيد) الاضافة في حرف للجنس، لان المراد اللام والنون، فإن حذفهما في جواب القسم المستقبل المثبت لا يجوز،، نعم حذف أحدهما جائز عند الكوفيين لا عند البصريين، وكذا يجوز إن كان الفعل حالا قراءة ابن كثير: * (لاقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) وقول الشاعر: يمينا لابغض كل امرئ يزخرف قولا ولا يفعل مطلب: فيما لو أسقط اللام والنون من جواب القسم قوله: (الحلف بالعربية الخ) على هذا أكثر ما يقع من العوام لا يكون يمينا لعدم اللام والنون فلا كفارة عليهم فيها: مقدسي: يعني لا يكون يمينا على الاثبات، وقوله: فلا كفارة عليهم فيها أي إذا تركوا ذلك الشئ.
ثم قال المقدسي: لكن ينبغي أن تلزمهم لتعارفهم الحلف بذلك، ويؤيده ما نقلناه عن الظهيرية أنه لو سكن الهاء أو رفع أو نصب في بالله يكون يمينا، مع أن العرب ما نطقت
بغير الجر، فليتأمل، وينبغي أن يكون يمينا وإن خلا من اللام والنون، ويدل عليه قوله في الولوالجية: سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين، إلا أن ينوب اه.
واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه، أما الاول فلانه تغيير إعرابي لا يمنع(4/25)
المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب، لما تقرر أن اللحن لا يمنع الانعقاد وأما الثاني فلانه ليس من المتنازع فيه، إذ المتنازع فيه الاثبات والنفي لا أنه يمين، والنقل يجب اتباعه اه.
قلت: وفيه نظر.
أما أولا فلان اللحن: الخطأ كما في القاموس، وفي المصباح: اللحن: الخطأ في العربية.
وأما ثانيا فلان قول الولوالجية سبحان الله أفعل عين المتنازع فيه لا غيره، فإنه أتى بالفعل المضارع مجردا من اللام والنووجعله يمينا مع النية، ولو كان على النفي لوجب أن يقال: إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفي، وإنما اشترط النية لكونه غير متعارف كما مر.
وقال ح: وبحث المقدسي وجيه.
وقول بعض الناس: إنه يصادم المنقول، يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الاسلام قبل أن تتغير اللغة، وأما الآن فلا يأتون باللام والنون في مثبت القسم أصلا، ويفرقون بين الاثبات والنفي بوجود لا وعدمها، وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاح لغة الفرس ونحوها في الايمان لمن تدبر اه.
قلت: ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم وغيره من أنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه وعادته سواء وافق كلام العرب أم لا، ويأتي نحوه عن الفتح في أول الفصل الآتي، وقد فرق أهل العربية بين بلى ونعم في الجواب، بأن بلى لايجاب ما بعد النفي، ونعم للتصديق، فإذا قيل ما قام زيد، فإن قلت بل كان معناه قد قا، وإن قلت نعم كان معناه ما قام.
ونقل في شرح المنار عن التحقيق أن المعتبر فأحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر اه، ومثله في التلويح، وقول المحيط هنا: والحلف بالعربية أن يقول في الاثبات والله لافعلن الخ، بيان للحكم على قواعد العربية وعرف العرب وعادتهم الخالية عن اللحن، وكلام الناس اليوم خارج عن قواعد
العربية سوى النادر، فهو لغة اصطلاحية لهم كباقي اللغات الاجنبية، فلا يعاملون بغير لغتهم وقصدهم، إلا من إلتزم منهم الاعراب أو قصد المعنى اللغوي، فينبغي أن يدين، وعلى هذا قال شيخ مشايخنا السائحاني: إن أيماننا الآن لا تتوقف على تأكيد، فقد وضعناها وضعا جديدا واصطلحنا عليها وتعارفناها، فيجب معاملتنا على قدر عقولنا ونياتنا، كما أوقع المتأخرون الطلاق بعلي الطلاق، ومن لم يدر بعرف أهل زمانه فهو جاهل اه.
قلت: ونظير هذا ما قالوه من أنه لو أسقط الفاء الرابطة لجواب الشرط فهو تنجيز لا تعليق، حتى لو قال إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في الحال، وهذا مبني على قواعد العربية أيضا، وهو خلاف المتعارف الآن فينبغي بناؤه على العرف كما قدمناه عن المقدسي في باب التعليق، وقدمنا هناك ما يناسب ذكره هنا فراجعه، والله سبحانه أعلم.
(تنبيه): ما مر إنما هو في القسم، بخلاف التعليق فإن وإن سمي عند الفقهاء حلفاويمينا لكنه لا يسمى قسما، فإن القسم خاص باليمين بالله تعالى كما صرح به القهستاني، أما التعليق فلا يجري اشتراط اللام والنون في المثبت منه لا عند الفقهاء ولا عند اللغويين، ومنه الحرام يلزمني علي الطلاق لا أفعل كذا، فإنه يراد به في العرف إن فعلت كذا فهي طالق فيجب إمضاؤه عليهم كما(4/26)
صرح به في الفتح وغيره كما يأتي.
قال ح.
فاندفع بهذا ما توهمه بعض الافاضل من أن في قول القائل علي الطلاق أجئ اليوم، إن جاء في اليوم وقع الطلاق، وإلا فلا لعدم اللام والنون، وأنت خبير بأن النحاة إنما اشترطوا ذلك في جواب القسم المثبت لا في جواب الشرط، وإلا كان معنى قولك إن قام زيد أنه إن قام زيد لم أقم ولم يقل به عاقل فضلا عن فاضل، على أن قوله أجئ ليس جواب الشرط بل هو فعل الشرط، لان المعنى إن لم أجئ اليوم فأنت طالق، وقد وقع هذا الوهم بعينه للشيخ الرزلي في الفتاوي الخيرية ولغيره أيضا قال السيد أحمد الحموي في تذكرته الكبرى: رفع إلي سؤال صورته: رجل اغتاظ من ولد زوجته فقال علي الطلاق إني أصبح أشتكيك من النقيب، فلما أصبح تركه ولم يشتكه ومكث مدة فهل هذه يقع الطلاق أم لا؟ الجواب:
إذا ترك شكايته ومضى مدة بعد حلفه لا يقع عليه الطلاق، لان الفعل المذكور وقع في جواب اليمين هو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد، والله تعالى أعلم، كتبه الفقير عبد المنعم النبتيتي فرفعه إلى جماعة قائلين ماذا يكون الحال، فقد زاد به الامر وتقدم بين العوام وتأخرت أولو الفضل أفيدوا الجواب؟ فأجبت بعد الحمد لله: ما أفتى به من عدم وقوع الطلاق معللا بأن الفعل المذكور وقع جوابا ليمين وهو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد، فمنبئ عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه إذ ذاك في الفعل إذ وقع جوابا للقسم بالله نحو * (تالله تفتأ) * (يوسف): 58) أي لا تفتؤوا لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشتق من طلاق وعتاق ونحوهما، وحينئذ إذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى.
إذا تقرر هذا فقد ظهر لك أن هذا المفتي أخطأ خطأ صراحا لا يصدر عن ذي دين وصلاح، ولله در القائل: من الدين كشف الستر عن كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب فلولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب والله الهادي للصواب، إليه المرجع والمآب.
قوله: (والله لقد فعلت) بصيغة الماضي ولا بد فيها من اللام مقرونة بعد أو ربما إن كان متصرفا وإلا فغير مقرونة كما في التسهيل.
قوله: (وفي النفي الخ) عطف على قوله: في الاثبات أي أن الحلف إذا كان الجواب فيه مضارعا منفيا لا يكون باللام والنون إلا لضرورة أو شذوذ، بل يكون بحرف النفي ولو مقدرا كقوله تعالى: * (تالله تفتأ) * (يوسف: 58) فقول: حتى لو قال الخ تفريع صحيح أفاد به أن حرف النفي إذا لم يذكر يقدر، وأن الدال على تقديره عدم شرط كونه مثبتا وهو حرف التوكيد، وأنه إذا دار الامر بين تقدير النافي وحرف التوكيد تعين تقدير النافي، لان كلمة لا بعض كلمة، فافهم، لكن اعترض الخير الرملي بأن حرف التوكيد كلمة أيضا.
والجواب أن المراد بالكلمة ما يتكلم بها بدون غيرها، أو ما ليست متصلة بغيرها في الخط.
قوله: (وكفارته) أي اليمين بمعنى الحلف أو القسم، فلا يرد أنها مؤنث سماعا.
نهر.
قوله: (هذه إضافة للشرط) لما كان الاصل في إضافة الاحكام إضافة الحكم إلى(4/27)
سببه، كحد الزنا أو الشرب أو السرقة، واليمين ليس سببا عندنا للكفارة، خلافا للشافعي رحمه الله تعالى، بل السبب عندنا هو الحنث كما يأتي بين أن ذلك خارج عن الاصل وأنه من الاضافة إلى الشرط مجازا، وهي جائزة وثابتة في الشرع كما في كفارة الاحرام وصدقة الفطر، وكون اليمين شرطا لا سببا مبين بأدلته في الفتح وغيره.
مطلب: كفارة اليمين قوله: (تحرير رقبة) لم يقل عتق رقبة، لانه لو ورث من يعتق عليه فنوى عن الكفارة لم يجز.
نهر.
قوله: (عشرة مساكين) أي تحقيقا أو تقديرا، حتى لو أعطى مسكينا واحدا في عشرة أيام كل يوم نصف صاع يجوز، لو أعطاه في يوم واحد بدفعات في عشر أيام كل يوم نصف صاع يجوز، ولو أعطاه في يوم واحد بدفعات في عشر ساعات، قيل يجزى، وقيل لا، وهو الصحيح، لانه إنما جاز إعطاؤه في اليوم الثاني تنزيلا له منزلة مسكين آخر لتجدد الحاجة.
من حاشية السيد أبي السعود وفيها: يجوز أن يكسو مسكيا واحدا في عشر ساعات من يوم عشرة أثواب أو ثوبا واحدا، بأن يؤديه إليه ثم يسترده منه إليه أو إلى غيره بهبة أو غيرها، لان لتبدل الوصف تأثيرا في تبدل العين، لكن لا يجوز عند أكثرهم، قهستاني عن الكشف.
وقوله: لكن لا يجوز يحتمل تعلقه بالثانية فقط أو بها وبالاولى يضا، وهو الظاهر بدليل ما قدمناه اه.
قلت: ومراده بالثانية قوله: أو ثوبا واحدا، وفي الجوهرة: وإذا أطعمهم بلا إدام لم يجز، إلا في خبز الحنطة، وإذا غدى مسكينا وعشى غيره عشرة أيام لم يجزه، لانه فرق طعام العشرة على عشرين، كما إذا فرق حصة المسكين على مسكينين، ولو غدى مسكينا وأعطاه قيمة العشاء أجزأه، وكذا إذا فعله في عشرة مساكين، ولو عشاهم في رمضان عشرين ليلة أجزأه اه.
لكن في البزازية: إذا غداهم في يوم وعشاهم في يوم آخر فعن الثاني قيمة روايتان: في رواية شرط وجودهما في يوم واحد، وفي رواية المعلى لم يشترط.
وفي كافي الحاكم: وإن أطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا عن يمينين لم يجزه إلا عن إحداهما عندهما.
وقال محمد: يجزيه عنهما.
قوله: (كما مر في الظهار) أي كالتحرير والاطعام المارين في الظهار من كون الرقبة غير فائتة جنس المنفعة ولا مستحقة للحرية
بجهة.
وفي الاطعام، إما التمليك، أو الاباحة، فيعشيهم ويغديهم، ولو أطعم خمسة وكسا خمسة أجزأه ذلك عن الاطعام إن كان أرخص من الكسوة.
وعلى العكس لا يجوز هذا في طعام الاباحة، أما إذا ملكه فيجوز ويقام مقام الكسوة، ولو أعطى عشرة كل واحد ألف من من الحنطة عن كفارة اليمين لا يجوز إلا عن واحدة عند الامام والثاني، وكذا في كفارة الظهار، كذا في الخلاصة.
نهر.
قلت: وبه علم أن حيلة الدرر لا تنفع هنا بخلافها في إسقاط الصلاة.
قوله: (بما يصلح للاوساط) وقيل يعتبر في الثوب حال القابض، إن كان يصلح له يجوز، وإلا فلا.
قال السرخسي: والاول أشبه بالصواب.
بزازية.
قوله: (وينتفع به فوق ثلاثة أشهر) لانها أكثر نصف مدة الثوب الجديد كما في الخلاصة فلا يشترط كونه جديد، والظاهر أنه لو كان جديدا رقيقا لا يبقى هذه المدة لا يجزي.
قوله: (ويستر عامة البدن) أي أكثره كالملاءة أو الجبة أو القميص أو القباء.
قهستاني.
وهذا بيان لادناه عندهما.
والمروي عن محمد ما تجوز فيه الصلاة، وعليه فيجزيه دفع السراويل عنده للرجل لا للمرأة.
قوله: (فلم يجز السراويل) هو الصحيح، لان لبسه يسمى عريانا عرفا فلا بد على(4/28)
هذا يعطيه قميصا أو جبه أو رداء أو قباء أو ازار بحيث يتوشح به عندهما، والا فهو كالسراويل، ولا تجزى العمامة الا ان امكن ان يتخذ منها ثوب مجزى.
وأما القلنسوه فلا تجزى بحال ولا بد للمراه من خمار مع الثوب، لان صلاتها لا تصح بدونه وهذا: أي التعليل المذكور يشابه المروى عن محمد في السراويل انه لا يكفى للمرأه.
وظاهر الجواب ما يثبت به اسم المكتسى وينتفى به اسم العريان لا صحه الصلاه وعدمها، والمراه إذا كانت لا بسه قميصا سابلا وخمارا غطى راسها واذنيها دون عنقها لا شك انها مكتسيه لا عريانه، ومع هذا لا يصح صلاتها اه.
ملخصا من الفتح.
وحاصله أنه لا بد مع الثوب من خمار، لكن لا يشترط ان يكون الخمار مما تصح الصلاة به، وقد اقتصر في البحر على صدر العباره الفتح، فأوهم انه لا يشترط الخمار اصلا وليس كذالك، فليتنبه له.
وفى الشرنبلاليه: ولم ار حكم ما يغطى رأس الرجل اه.
قلت ان كان توقفه في اجزائهه فلا شك في عدمه، وان كان في اشتراطه مع الثوب فظاهر ما مر عدمه.
وفى الكافي: الكسوه ثوب لكل مسكين إزار ورداء أو قميص أو قباء إو كساء اه.
وقدمنا ان المراد ما يستر أكثر البدن.
قوله: (إلا باعتبار قيمه الاطعام) ومثله لو اعطى نصف ثوب تبعل قيمنه قيمة نصف صاع م بر أو صاع تمر أو شعير أو اجزاء عن اطعامم فقير، وكدا لو اعطى عشره مساكين ثوبا كبيرا لا يكفى كل واحد حصته منه للكسوه وتبلغ حصه كل منهما ما ذكرنا أجزأه عن الكفارة والاطعام.
ثم ظاهر المذهب انه أنه لا يشترط للاجزاء عن الاطعام ان ينوى به عن الاطعام.
وعن أبى يوسف يشترط.
فتح قوله: (ولم ينو بعد تمامها) شرط في قوله: مرتبا فقط.
وفيه ان النية بعد تمامها إنما تلائم الاطعام والكسوه لصحه النية بعد الدفع ما داما في يد الفقير كما في الزكاة واما الاعتاق فلا إلا أن تصور المساله فيما إذا تقدمت الكسوة والاطعام وعند الاعتاق نوى الثلاثه عن الكفارة اه ح.
والمراد بالاطعام التمليك لا الاباحه لانهم لو أكلوا عنده نوى لم تصح فيما يظهر.
تأمل.
ثم إن مراد الشارح بيان إمكان تصوير المسأله وهو وقوع الاعلى قيمة من الكفارة لان إذا كان لا بد من النية فإذا فعل الثلا ثه، فما نواه اولا وقع عنها وان كان هو الادنى، فبين امكان ذلك بما إذا فعل الكل جملة إو مرتبا لكنه اخر النية.
قوله: (وإن عجز الخ).
انه لا بد في التكفير من النية وقد نص عليه الكمال.
غيره ط.
قوله: (وان عجز الخ) قال في البحر، أشار إلى أنه لو كان واحد من الاصناف الثلاثه لا يجوز له الصوم وإن كان محتاجا إليه.
ففى الخانيه: لا يجوز الصوم لمن ما هو منصوص عليهم فثى االكفاره أو همو منصوص عليه أو يملك بدله فوق الكفاف(4/29)
والكفاف منزل يسكنه أو ثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه ولو له عبد يحتاج ليه في الخدمة لا يجوز له الصوم، ولو له مال وعليه دين مثله:، فإذا قضى دينه كفر بالصوم، وان صام قبل قضائه قيل يجوز وقيل لا، ولو له دين غائب أو مؤجل صام، إلا إذا كان المال الغائب عبدا لقدرته على إعتاقه اه.
ملخصا.
وفى الجوهرة.
والمرأة المعسره لزوجها منعها من الصوم، ان كل صوم وجب
عليها بإيجابها منعها منه، وكذا العبد إلا ظاهر من امراته فلا يمنعه المولى لتعلق حق المرأة به، لانه لا يصل إليها إلا بالكفارة.
قوله: (وقت الاداء أي لاوقت الحنث فلو حنث موسرا ثم أعسر جاز له الصوم وفى عكسه لا.
وعند الشافعي على العكس.
زيلعى.
قوله: (قلت الخ) قائله صاحب البحر.
ووجه انه لو كان فسخا، أي كأن لم يقع لكان المال الموجودا في يده فلا يجزيه الصوم ط.
قوله: (ولاء) بكسر الواو والمد: أي متتابعه لقراءه ابن مسعود وأبى - فصيام ثلاثه ايام متتابعات - فجاز التقيد بها لانها مشهوره فصارت كخبرة المشهور، وتمامه في الزيلعى.
قوله: (بخلاف كفارة الفطر) أي كفاره الافطار في شهر رمضان فإن مدتها لا تخلو غالبا من الحيض.
قوله: (التفريق) أي صوم لثلاثة متفرقه.
قوله: (فلو صام المعسر) مثله العبد إذا اعتق واصاب ما لا قبل فراغ الصوم كما في الفتح.
قوله: (قبل وقوعه) أي من صوم اليوم الثالث بقرينة ثم، فافهم، والافضل اكمال صومه، فإن افطر لاقضاء عليه عندنا كما في الجوهرة.
قوله: (لم يجز على الصحيح) وقياسه انه لم صام لعجزه فظهر ان مورثه مات قبل صومه ان لا يجزيه.
نهر.
قوله: (ولم يجز التكفير الخ) لان الحنث تهو السبب كما مر، فلا يجوز إلا بعد وجوده.
وفى القهستانى: واعلم أنه لو اخر كفاره اليمين أثم ولم تسقط بالموت أو القتل.
وفى سقوط كفاره الظهار خلاف كما في الخزانة.
قوله: (ولا يسترده) أي لو كفر بالمال قبل الحنث وقلنا لا يجزيه، ليس له ان يسترده من الفقير، لانه تمليك لله تعالى، قصد به القربة مع شي آخر، وقد حصل التقرب وترتب الثواب فليس له ان ينقضه أو يبطله.
قوله: (فما لا فلا) أي ما لا يجوز دفع الزكاة إليه لا يجوز دفع الكفارة إليه.
قوله: (إلا الذمي) فإنه لا يجوز دفع الزكاة إليه ويجوز دفع غيرها.
قوله: (خلافا للثاني) فعنده لا استثناء.
قوله: (في بابها) أي الزكاة.
قوله، (فيعنى الصوري) أي المراد بهذه الآيه اليمين صوره كتحليف القاضى لهم إذا المقصود منه رجاء النكول، ولكافر وان لم يثبت في حقه اليمين(4/30)
المستعقب لحكمه لكنه في نفسه يعتقد تعظيم اسم الله تعالى وحرمة اليمين به كاذبا فيمتنع عنه فيحصل المقصود فشرع إلرامه بصورتها لهذه الفائدة، وتمامه في الفتح.
قوله: (يبطلها) مقتضاه أنه
لا يأثم بالحنث بعد الاسلام.
قوله: (لما تقرر الخ)، عله لكو الكفر العارض مبطلا لليمين كالكفر الاصلى كحرمه المصاهرة العارضة، كما إذ ا زنى بأم امرأته فإنها تمنع بقاء الصحه كالحرمة الاصليه، لان الكفر والمحرمية من الاوصاف الراجعة للمحل وهو الكفر والمحرم فيستوى فيها الابتداء والبقاء، أي الطرو والعروض، ولم أر هذا التعليل لغيره.
تأمل.
قوله: (أما المطلقة فحنثه في آخر حياته) هذا إذا كان ا لمحلوف عليه إثباتا، أما إن كان نفيا فيتأتى الحنث في الحال بإن يكلم ابويه، وبهذا عرفت ان اليوم قيد في الثاني فقط.
ح.
قوله: (في آخر حياته) الاولى ان يقول في آخر الحياة ليشمل حياة الحالف وحيادة المحلوف عليه..قوله (ويكفر) عطف على يوصى.
قوله: (لانه أهون الامرين) لانه فيه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة، ولا جابر للمعصية كما مر في البحر.
قوله: (وحاصله) أي حاصل ما قيل في هذا المقام لا حاصل المتن فإنه قاصر على الحلف بمعصيه فعلا وتركا ط.
قوله: (كحلفه ليصلين الظهر اليوم) هذا مثال للفعل، ومثال الترك: والله لا اشرب الخمر اليوم ح.
قوله،: (أو هو اولى من غيره) مثال الفعل منه: والله لاصلين الضحى اليوم ومثال الترك: والله لا آكل البصل وحكم هذا القسم بقسميه ان بره اولى أو واجب ح: أي على ما بحثه الكمال في القسم الخامس.
قوله: (كحلفه على ترك الخ) هذا مثال الترك ومثال الفعل: والله لآكلن البصل اليوم ح.
قوله: (ونحوه) أي نحو الشهر مما لم يبلغ مدة الايلاء وإلا كان من قسم المعصية.
قوله: (أو مستويان) أي الفعل والترك بان لم يترجح احدهما قبل الحلف بوجوب ولا أولويه.
قوله: (تفيد وجوبه) هو بحث وجيه، ويجرى ايضا في القسم الثالث ولا يبعد ان يكون الوجوب هو المرادد من قولهم اولى، وعبر في المجتمع بقولهم: ترجح البر.
مطلب: استعملوا لفظ ينبغى بمعنى يجب) ويقر به قول الهداية والكنيز وغيرهما ومن حلف على ممعيه ينبغى له ان يحنث، فإن الحنث واجب كما علمت، فأرادوا بلفظ ينبغى الوجوب، مع أن الغالب استعماله في غيره، فكذا هذا،(4/31)
كما تقول الاولى باالمسلم ان يصلى.
قوله: (فهى عشره) من ضرب اثنين وهى صورتا الفعل والترك
في خمسه: المعصية والواجب وما هو اوى من غيره، وما استوى فيه الامران ط.
مطلب: في تحريم الحلال قوله: (أي على نفسه) تبع في هدا التعيبر صاحب البحر، وقيد ب.
بكونه حرمه عى، نفسه لانه لو جعل حرمتع معلقه عى فعله لا تلزمه الكفارة لما ى الخلاصه: لو قال ان أكلت هذا الطعام فهو على حرام فاكله لا حنث عليه اه كلام البحر.
وانت خبير بانه في التعليق ايضا حرم على نفسه، وغايه الامر انه تحريم معلق فلا تحسن المقابلة ولاولى ان يقول قيد بتنجيز الحرمه لانه لو علقها الخ اه ح.
قلت: وفيه انه لو قال كدلك لو د عليه مثل: إن كلمت زيدا هذا الطعام على حرام، مع انه علقها على فعل نفسه بل الاولى ان يقل قيد بتنجيز الحرمه لانه لو علقها على فعل المحذوف عليه، ويمكن ان يكون هذا المراد البحر في قوله: على فعله: أي المحذوف عليه.
فافهم.
قوله: (واستشكله المصنف) أي حيث قال: قلت وهو مشكل بما تقرر ان المعلق بالشرط كالمنجز عند وقوع الشرط اه.
والجواب بالفرق هنا بين المعلق والمنجز، وهو ان المنجز حرم على نفسه طعاما موجودا، اما في المعلق فانه ما حرم إلا بعد الاكل، لما علم ان الجزاء ينزل عقب الشرط، وحينئذ لم يكن الطعام موجودا اه ح.
قلت: لكن ذكر في الفتح مساله الخلاصه المذكورة.
ثم قال عقبها: وذكر في المنتفى: لو قال كل طعام آكله في منزلك فهو على حزرام، سففى القياس لا يحنث إذا اكله، هكذا روى ابن سماعه عن أبى يوسف.
وفى لاستحسان: يحنث.
والناس يريدون بهذا ان اكله حرام اه.
وعلى هذا يجيب في التى قبلها ان يحنث ادا اكله، وكذا ما ذكر في الحيل: ان أكلت طعاما عندك ابدا فهو على حرام فأكله لم يحنث، ينبغى ان يكون جحواب القياس هكذا اه.
وتبعه في النهر.
قوله: (فيمين) لان حرمته لا تمنع كونه حالفا.
نهر.
قوله: (ما لم يرد الاخبار) المناسب ان يقول: ان اراد الاشياء، فيخرج ما إذا أراد الاخبار أو لم يرد شيئا، لان عباره الخانيه هكذا: إذا قال هذاا الخمر على حرام فيه قولان.
والفتوى على انه ينوى ان اراد به الخبر لا تلزمه الكفارة، وان اراد به ا ليمين تلزمه الكفارة وعند عدم النية لا تلزمه الكفارة اه.
وفى الفتح: وان اراد الاخبار أو لم ير د شيئا لا تلزمه الكفارة، لانه أمكن تصحيحه إخبارا.
قوله: (بأكل أو نفقه) أي أو نحوهما من سكنى دار أو لبس ثوب، كل شئ بما يناسبه ويقصد منه.
قال في الفتح: واعلم ان الظاهر من تحريم هذه الاعيان انصراف اليمين إلى الفعل المقصود منهما كما في تحريم الشرع لهما في النحو - حرمت عليكم أمهاتكم - وحرمت الخمر والخنزير فإنه ينصرف إلى النكاح ووالشرب ولاكل.
ولذا قال في الخلاصه: لو قال هذا الثوب على حرام فلبسه حنث، إلا أن ينوى غيره.
قوله: (ولو تصدق الخ) قال في الفتح: ولو قال لدراهم في(4/32)
يد: هذه الدراهم على حرام، ان اشترى بها حنث، وان تصدق بههااو وهبها لم يحنث بحكم العرف اه.
أي ان العرف جار على ان المراد تحريم الاستمتاع بها لنفسه، بان يشترى بها ما يأكله أو يلبسه لا بان يتصدق بها.
ولظاهر انه لو قضى بها دينا لا يحنث.
تأمل.
وفى البحر: ولا خصوصيه للدراهم، بل لو وهيب ما جعله حراما أو تصدق به لم يحنث، لان المراد بالتعحرين حرنه الاستمتاع.
قوله: (ليمينه) أي لاجل يمينه التى حنث بها، فهو عله لقوله: كفر ووقوله: لما تقرر الخ عله لكون ذلك يمينا فهو عله للعله.
ولا يرد عليه ان تحريمم الحلال قد لا يكون يمينا بان قصد الاخبار، لانه إذا قصد لاخبار لا يوجد التحريم، لان التحريم انشاء والاخبار حكايه، فافهم، ودليل كون التحريم يمينا مبسوط في الفتح وغيره.
قوله: (حنث البعض) قال في الهداية: ثم إذا فعل مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث ووجبت الكفارة لان التحريم أذا ثبت تناول كل جزء منه اه.
قوله: (لم يحنث إلا بالكل) أي بكلام كل القوم المخاطبين وأكل الرغيف على حرام بأنه يحنث فلا يحنث بكلام بعضهم ولا اكل لقمه.
قال في النهر: وجزم في الخلاصه والمحيط في اكل الرغيف على حرام بانه يحنث بلقمه ولعل وجه القرق ان تحريمه الرغيف على نقسه تحرين أجزائه أيضا، وفى، لا آكله إنما منع نفسه من اكل الرغيف كله فلا يحنث بالبعض، وبهذا يضعف ما في الخانيه.
قال مشايخنا: الصحيح انه لو قال أكل هذا الرغيف على حرام، لا يحنث بأكل لقمه منه /، لان هذا بمنزله قوله: والله لا آكل هذا
الرغيف، ولو قال هكذا لا يحنث باكل البعض اه.
قلت: ويشير إلى هذا الفرق ما نقلناه عن الهداية وتوضيحه ان الرغيف اسم لكله وبأكل بعضه لا يسمى آكلا له، لكن إذا حرمه على نفسه جعله بمنزله محرم العين حيث نسى التحريم إلى ذات الرغيف وجعله بمنزله الخمر والميته، وما كان محرما لا يحل تناول قليه ولا كثيره، وحيث جعلنا هذا التحريم يمينا صار حلفا على عدم تناول شئ منه، لان ذلك مدلول الاصل وهو التحريم، بخلاف قوله: والله لا آكله، فإنه ليس فيه منع نفسه عن كل جزء منه بل عن جميعهه، لكن أيد في البحر كلام الخانيه بأن حره العين يراد منها بحريم الفعل، فإذا قال هذا الطعام على حرام فالمراد أكله، وفى هذا الثوب المراد لبسه.
قلت: وفيه ان اسناد الحرمه إليه العين حقيقه عدنا كما تقرر في كتب الاصول على معنى إخراج العين عن محليه الفعل لينتفي الفعل بالاولى، فالمقصود نفى الفعل ولتوصيفه بالحرمة بطريق الكنايه والانتقال عن في العين فلا بد من ظهور الفرق بين اسناد الفعل إلى الحرمه ابتداء وإسنادها إلى إلى العين، وقد ظهر فيما ذكروه هنا لكن هذا يظهر في قوله هذا الرغيف على حرام أما لو قال أكل هذا الرغيف على حرام لا يحنث بالبعض لاسناده الحرمه لى الفعل فصار كقوله والله لا آكله، ومثله كلامكم على حرام لان الحرمه لم تضف إلى العين بل الفعلى وهو الكلام بمعنى التكليم، ولم أر من فرق بين ذلك مع ان لذى في الخانيه هذا لرغيف بدون لفظه أكل على خلاف ما نقله في النهر مع انه لا يظهر الفرق المار إلا بدون لفظه اكل نعم وقع التعبير بها في غير الخانيه.(4/33)
والحاصل ان المسأله مشكله، فلتحرر.
قوله: (إلا إذا لم يمكن الخ) إى فيحنث بأكل بعضه، وهو الاصح المختار لمشايخنا.
مطلب: حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه والاصل فيما إذا حلف لا يأكل معينا فأكل بعضه، ان كان ياكله الرجل في مجلس أو يشربه في شربه فالحلف على جميعه ولا يحنث بأكل بعضه لان التمقصود الامتناع عن اكله وكل مالا يطاق
اكله في المجلس ولا شربه في شربه يحنث باكل بعضه الان اليمين الامتناع عن أصله لا عن جميعه، ولو قال لااشرب لبن هاتين الشاتين لم يحنث حتى يشرب من لبن كل شاة، ولم يعتبر شرب الكل الانه غير مقصود أو لا يأكل سمن هذه الخابيه فأكل بعضه حنث، ولو كان مكان الاكل بيع فباع بعضها لا يحنث لان الكل لا يتأتى على جميعه في مجلس ويتأتى البيع، كذا في المحيط.
زاد في البدائع عن الاصل لو قال: لا أكل هذه الرمانة فأكله إلا حبه أو حبتين حنث في الاستحسان، لان ذلك القدر لا يعتد به لانه في العر ف يقال انه أكلها، وان ترك نصفها أو ثلثها أو أكثر مما لا يجرى في العرف انه يسقط من الرمانة لم يحنث لانه لا يسمى أكلا لجميعها اه.
وبه يعلم أن اليسير من الرغيف وغيره كلقمه كالعدم اه ملخصا من البحر في باب اليمين بالاكل ولشرب، وسيأتى هذا الاصل هنالك.
قوله: (أو حلف الخ)، معطوف على المستثنى وهو قوله: إذا لم يكن أكله.
قال في النهر: وفى مجموع النوازل: وهذا كلام فلان وفلان على حرام يحنث بكلام احدهما، وكذا كلام أهل بغداد.
وفى المحيط في كلام فلان وفلان على حرام أو والله لااكلم فلانا وفلانا الصحيح انه لا يحنث يف المسألتين ما لم يكلهمها، إلا ان ينوى كلام واحد منهما فيحنث بكلام أحدهما لانه شدد على نفسه اه.
قلت: وهذا إذا لم يذكر لا بعد العاطف.
مطلب: لا اذوق طعاما ولا شرابا حنث بأحدهما، بخلاف لا أذوق طعاما ولا شرابا ففى البزازيه: حلف بالطلاق لا يذوق طعاما ولا شرابا فذاق احدهما طلقت، كما لو حلف لا يكلم فلانا ولا فلانا، ولو قال لا اذوق طعاما ولا شرابا فذاق احدهما لا يحنث اه.
وإذا كرر لا فإنه يصير يمينين كما سنذكر في بحث الكلام عن الواقعات.
قوله: (ونوى أحدهما) أي نوى ان لا يكلم كل واحد منهما.
تنبيه: في الحاوى الزاهدي عن ا لجامع: ان لم اكن ضربت هاتين السوطين في دار فلان فعبدي حر فضرب احدهما في دار غيره، أو قال ان لم لكلم فلانا وفلانا اليوم فأنت طالق فكلم
أحدهما اليوم فقط يحنث.
وقال: والحق بعضهم بذلك: ان لم تحضري فراشي ولم تراعيني فأنت طالق فلم تحضر فراشه ولكن راعته فإنه يحنث.
قال: وفيه إشكال، وبيهما فرق جلى، لان الحنث في اليمين انما يتحقق إذا صدق ما دخل عليه حرف الشرط، ففى ان دخلت الدار انما يحنث إذا صدق دخلت وفى ان لم ادخل انما يخنث إذا صدق لم ادخل، فإذا قال ان لم ادخل هاتين الدارين اليوم أو لم اكن ضربت هذين السوطين ف دار فلان فحرف الشرط دخل على النفى وهو لم أكن دخلت أو ضربت هاتين وهو نفى لمجموع دخول الدارين وضرب السوطين، ونف المجموع(4/34)
يتحقق بنفى أحد أجزائه.
بخلاف قوله ان لم تعحضرى فراشي ولم تراعيني فانه لما كرر حرف النفى كان نفيا لكل واتحد منهما ونفى كلم واحد منهما لا يصدق مع قبوت احدهما، فإنه لا يصدق قولنا لم يقدم زيد ولم يقدم عمرو مع قدوم احدهما، ويصدق ام لم يعدم ريد وعمرو مع احدهما لكن دكر في المحيط ما يدل عنلى صحه عذا الجواب، فإنه قال ان لم تكلني فلانا ولم تكلمي فلانا اليوم فأنت طالق فكلنت احتهما ومضى اليوم طلقت فقد صح هذا الجواب من حيث الرواية لكن ما قلته من الاشكال قوى اه.
قلت والجواب انه إذا كرر حرف النفى كل واحد بانفراده مقصودا ففى: ان لم تحضري فراشي ولم تراعيني يتحقق شرط الحنث بنفى كل واحد بانفراده لانه يصير كأنه حلف على كل واحد بعينه، لانه أذا كرر النفى تكرر اليمين، حتى لو قل لا اكلمك اليوم ولاغدا ولا بعد غد فهى ايمان ثلاثه، وان لم يكرر النفى فهى يمين واحد حتى لو كلمه ليلا يحنث بمنزله قوله ثلاثه أيام كما سيأتي عن الواقعات في بحث الكلام واما عدم الصدق في لم يقدم زيد ولم يثدم عمرو مع قدوم زيد مثلا فلانه اخبار عن قدوم كل منهما بانفراده حيث جعله مقصودا بالنفى، فإذا علق ذلك بالشرط يتحقق شرط الحنث وهو انه لم يقدم زيد هذا ما ظهر لى فتدبره.
قوله: (وله اخ واحد) أي وهو عام به، كما قيد بذلك قبيل باب اليمين بالطلاق ولعتاق، فحينئذ يحنث إذا كلمه لانه ذكر الجمع واراد الواحد وان كان لا يعلم ان الاخ واحد لا يحنث لانه لم يرد الواحد فبقيت
اليمين على الجمع، كمن حلف لا يأكل ثلاثه ارغفه من هذا الحب وليس فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث.
بحر عن الواقعات.
قوله: (قلت الخ) البحث لصاحب البحر في الباب الاتى، وقوله: وبه علم: أي بما ذكره من مسأله الاخوة فإنه جمع ليس فيه الالف واللام بل مضاف مثل اولاد زوجته، فحيث كان عالما بتعددهم لا يحنث إلا بالجمع كما في لا اكلم رجالا أو نساء، بخلاف ما فيه الالف واللام مثل لا اكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فإنه يحنث بالواحد لانه اسم جنس كما في الواقعات.
مطلب: الجمع المضاف كالمنكر، بخلاف المعرف بأل وما مر عن الواقعات في إخوه فلان صريح في ان الجمع المضاف كالمنكر، وسيأتى في آخر باب اليمين بالاكل والشرب والكلام تمام تحقيق المعرف والمنكر والمضاف.
وتحرير جواب هذه الحادثه.
قال في البحر: لكن قال في القنيه: ان أحسنت إلى اقربائك فأنت طالق، فاحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا اه.
فيحتاج إلى الفرق إلا ان يدعى ان في العرف فرقا اه.
قلت: لا يخفى ان العرف الان، عدم التفرقه بين إخوه فلان واقربائك واولاد زوجته ونحوه من الجمع المضاف في انه يراد به الجنس الصادق بالواحد والاكثر فينبغي الحنث في الحادثه المذكورة.
مطلب: كل حل عليه حرام قوله: (كل حل الخ) قال في الهداية: ولو قال كل حل على حرام فهو على الطعام والشراب، الواحد فبقيت اليمين على الجمع، كمن حلف لا يأكل ثلاثة أرغفة من هذا الحب وليس فيه إلا رغيف واحد وهو لا يعلم لا يحنث، بحر عن الواقعات.
قوله: (قلت الخ) البحث لصاحب البحر في الباب الآتي، وقوله: وبه علم أي بما ذكره من مسألة الاخوة فإنه جمع ليس فيه الالف واللام بل هو مضاف مثل أولاد زوجته، فحيث كان عالما بتعددهم لا يحنث إلا بالجمع كما في لا أكلم رجالا أو نساء، بخلاف ما فيه الالف واللام مثل لا أكلم الفقراء أو المساكين أو الرجال فإنه يحنث بالواحد لانه اسم جنس كما في الواقعات.
مطلب: الجمع المضاف كالمنكر، بخلاف المعرف بأل وما مر عن الواقعات في إخوة فلان صريح في أن الجمع المضاف كالمنكر، وسيأتي في اخر باب اليمين بالاكل والشرب والكلام تمام تحقيق المعرف والمنكر المضاف، وتحرير جواب هذه الحادثة، قال في البحر: لكن قال في القنية: إن أحسنت إلى أقربائك فأنت طالق، فأحسنت إلى واحد منهم يحنث، ولا يراد الجمع في عرفنا اه، فيحتاج إلى الفرق إلا أن يدعي أن في العرف فرقا اه.
قلت: لا يخفي أن العرف الآن عدم التفرقة بين إخوة فلان وأقربائك وأولاد زوجته ونحوه من الجمع المضاق في أنه يراد به الجنس الصادق بالواحد والاكثر، فينبغي الحنث في الحادثة المذكورة.
مطلب: كل حل عليه حرام قوله: (كل حل الخ) قال في الهداية: ولو قال كل حل علي حرام فهو على الطعام والشراب،(4/35)
إلا أن ينوي غير ذلك، والقياس أن يحنثكما فرغ لانه باشر فعلا مباحا وهو التنفس ونحوه، وهذا قول زفر وجه الاستحسان المقصود وهو البر لا يحصل مع اعتبار العموم، فينصرف إلى الطعام والشراب للعرف فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، ولا يتناول المرأة إلا بالنية لاسقاط اعتبار العمو، وإذا نواها كان إيلاء، ولا يصرف اليمين عن المأكول والمشروب، وهذا كله جواب ظاهر الرواية، ومشايخنا قالوا: يقصر به الطلاق من غير نية لغلبة الاستعمال، وعليه الفتوى اه.
قلت: ومقتضى قوله فإنه يستعمل فيما يتناول عادة، أن العر ف كان أولا في استعماله في الطعام أو الشرب ثم تغير ذلك إلى عرف آخر وغلب استعماله في الطلاق ثم إن ما ذكروه هنا لا ينافي ما ذكره في الايلاء من التفصيل بين نية تحريم المرأة أو الظهار أو الكذب أو الطلاق لان ذاك في أنت علي حرام، وما هنا في التحريم باللفظ العام، والفتوى على قول المتأخرين بانصرافه إلى الطلاق البائن عاما أو خاصا كما ذكرناه هناك.
قوله: (زاد الكمال الخ) لا محل لذكر هذا هنا، لان مراد الكمال أن هذا يراد به الطلاق فقط بحسب العرف كما يأتي.
قوله: (ولكن الفتوي في زماننا)
أي الزمان المتأخر عن زمان المتقدمين.
وتوقف البزدوي في مبسوطه في كون عرف الناس إرادة الطلاق به، فالاحتياط أن لا يخالف المتقدمين.
مطلب: تعارفوا: الحرام يلزمني والطلاق يلزمني قال في الفتح: واعلم أن مثل هذا اللفظ لم يتعارف في ديارنا، بل المتعارف فيه حرام علي كلامك نحوه كأكل كذا ولبسه دون الصيغة العامة.
وتعارفوا أيضا: الحرام يلزمني، وشك في أنهم يريدون الطلاق معلقا، فإنهم يذكرون بعده لا أفعل كذا ولافعلن، وهو مثل تعارفهم: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا، فإنه يراد به إن فعلت كذا فهي طالق، ويجب إمضاؤه عليهم.
والحاصل أن المعتبر انصراف هذه الالفاظ عربية أو فارسية إلى معنى بلا نية التعارف فيه، فإن لم يتعارف سئل عن نيته وفيما ينصرف بلا نية لو قال أردت غيره لا يصدقه القاضي، وفيما بينه وبين الله تعالى هو المصدق اه وأقره في البحر والنهر والمقدسي والشرنبلالي غيرهم، وتقدم تمام الكلام على ذلك في الطلاق قوله (ولو له أكثر بن جميعا) في هذه المسألة كلام طويل قدمناه في باب طلاق غير المدخول بها وفي باب الايلاء: والذي حررناه هناك أنه لا خلاف في أن أنت علي حرام يخص المخاطبة، وفي كل حل علي حرام يعم الزوجات الاربع لصريح أداة العموم الاستغراقي، وفي امرأتي حرام أو طالق يقع على واحدة منهن، وإنما الخلاف في نحو حلال الله أو حلال المسلمين، فقيل يقع على واحدة غير معينة نظرا إلى صورة أفراده، والاشبه أنه يعم الكل، فافهم.
قوله: (وإن لم تكن له امرأة الخ) قال في الظهيرية: وإن قال لم أنو الطلاق لا يصدق قضاء(4/36)